التعليق على الموطأ في تفسير لغاته وغوامض إعرابه ومعانيه
هشام بن أحمد الوقشي
(ح) مكتبة العبيكان، 1421 هـ فهرسة مكتبة الْملك فَهد الوطنية أثْنَاء النشر الوقشي، هِشَام أَحْمد التَّعْلِيقُ عَلَى الْمُوَطَّأ فِي تَفْسِير لغاته وغوامضِ إِعرابه ومعَانيه تَحْقِيق عبد الرَّحْمَن سُلَيْمَان العثيمين - الرياض. 412 ص، 17 × 24 سم. ردمك: 0 - 787 - 20 - 9960 (مَجْمُوعَة) 9 - 788 - 20 - 9960 (ج 1) 1 - الحَدِيث - شرح. 2 - الحَدِيث - مسانيد. أ- العثيمين، عبد الرَّحْمَن سُلَيْمَان (مُحَقّق). ب- العنوان ديوي 236.4 ... 3256/ 21 ردمك: 0 - 787 - 20 - 9960 (مَجْمُوعَة) 9 - 788 - 20 - 9960 (ج 1) رقم الْإِيدَاع: 3256/ 21 الطبعة الأولى 1421 هـ - 2001 م حُقُوق الطَّبْع مَحْفُوظَة للناشر الناشر مكتبة العبيكان الرياض - الْعليا - طَرِيق الْملك فَهد مَعَ تقاطع الْعرُوبَة ص. ب: 62807 - الرَّمْز: 11595 هَاتِف: 4654424 - فاكس: 4650129
التَّعْلِيقُ عَلَى الْمُوَطَّأ فِي تَفْسِير لغاته وغوامضِ إِعرابه ومعَانيه
مققدمة التحقيق
المقدمة الحَمْدُ للهِ ربِّ العَالمِيْن، والصَّلاة والسَّلام على أَشْرَف المُرْسَلين، نَبِيِّنَا مُحمَّدٍ وعلى آله وصحبه والتَّابعين لهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين. وَبَعْدُ: فَتَعُود صِلَتي بِكِتَاب أَبي الوَليْد الوَقَّشِيِّ (التَّعْلِيْق على المُوَطَّأ) عَلَى مَا يَزِيْد عَلَى خَمسَ عَشْرَةَ سنة خلت، حيث قَرَأْتُ في فَهَارس مكتبة الأسكوريال أنَّ ضمنَ مُقْتَنَياتِهَا نُسْخَةً مِنْهُ، فَبَادَرْتُ بِطَلَبِهَا مِن هُنَاكَ، وَذلِكَ سنة 1405 هـ، وَأَشْفَعْتُ رِسَالتِي بِأُخْرَى حَمَلَهَا صَدِيْقنا الفَاضِل الدُّكتور عبد الله بن سُلَيْمَان الجَرْبُوع، وَكَانَ مُسَافِرًا إلى هُنَاكَ، فَتَفَضَّلَ مَشْكُوْرًا بِإِحْضَارِهَا، فَأُسَجِّلُ لَهُ هُنَا شُكْرِي وَتَقْدِيْرِي، ثُمَّ وَقَفْتُ عَلَى كِتَابِ "مُشْكِلات المُوَطَّأ" المَنْسُوب إلى ابن السِّيْدِ البَطَلْيَوْسِيِّ (ت: 521 هـ) (مَخْطُوطًا) وبمُقارنته بالكِتَابِ المَذْكُورِ تَبَيَّنَ لِي أَنّه اخْتصارٌ لَهُ لَا يَزِيْدُ على ذلِكَ. وَمَضَتِ الأيَّامُ واللَّيَالِي وَأَنَا أُحَاول العُثُور عَلَى نُسْخَةٍ أُخْرَى؛ (¬1) لِصُعُوبَة العَمَلِ عَلَى النُّسْخَةِ الوَاحِدَةِ، مَعَ نَقْصِهَا من أَوَّلِهَا وَاضْطِرَابِهَا، مَعَ مَا فيها من التَّحْرِيْفِ والتَّصْحِيفِ، ومع مواصلة البحث لَم أَظْفَر بِطَائِلٍ، وَعَقَدْتُ العَزْمَ عَلَى العَمَلِ بِهَا، فَقُصْتُ بِنَسْخِهَا وَمُقَابَلَتِهَا، وَحَالتْ دُوْنَ نَشْرِهَا ظُرُوف أَدَّت إلى تَأَخُّرِ ذلِكَ، حَتَّى أَذِنَ اللهُ هَذِهِ الأيَّام بالعَوْدَةِ إِلَى العَمَلِ فِيْهَا، وَوَاصَلْتُ ذلِكَ حَتَّى اسْتَوَتْ عَلَى سُوْقِهَا، وَقد جَعَلْتُ العَمَلَ في قِسْمَيْنِ: القِسْمُ الأوَّل (المُقَدِّمَةُ)، والقِسْمُ ¬
الثَّانى (النَّصُّ المُحَقَّقُ)، وَتَشْتملُ المُقَدِّمَةُ عَلَى فَصلَيْن: الفَصْلُ الأوَّل (التَّعريفُ بالمُؤَلِّفِ) وَتَشْتَمِلُ على عدَّةِ مَبَاحِث، ثُمَّ الفَصْلُ الثَّاني (دِرَاسَةُ الكِتَابِ) وَتَشْتَمِلُ على عدَّةِ مَبَاحِث أيضًا. وَذَيَّلْتُ الكِتَاب بفهارس تفصيلية لأهمِّ مَا اشْتمل عليه الكتاب. وَقَدْ قَابَلَ مَعِي بَعْضَ أُصُول الطِّبَاعَة أَخِي الكَرِيْم الأسْتَاذُ الفَاضِلُ نَبِيْلُ بنُ حُسَيْن الكَوْدَرِيُّ جَزَاهُ اللهُ عَنِّي خَيْرًا، وأرجو الله جَلَّت قُدْرَته أن يَحْتَسِبَ كلَّ مَا بَذَلْتُ فيه من جُهدٍ وَمَالٍ وَوَقْتِ لي عنده أجرًا أَرِدُ عليه {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89}. اللَّهُمَّ أَصْلِحْ نِيَّاتِنَا وَذُرِّياتِنَا، واخْتِمْ بالصَّالِحَاتِ أَعْمَالنَا، وَاجْعَلْ عَمَلَنَا دَائِمًا لِوَجْهِكَ الكَرِيْمِ يَا رَحْمَنُ يَا رَحِيْمُ. وَكَتَبَ: عَبْدُ الرَّحْمَن بن سُلَيْمَان العُثيمِيْن مكة المكرمة: 15/ 8 / 1420 هـ جامعة أمّ القُرَى- كلية اللُّغة العربيّة
(الفصل الأول) مؤلف الكتاب
(الفصل الأول) مُؤلِّفُ الكتابِ أبُو الوَلِيدِ هِشَامُ بنُ أحْمَدَ الوَقَّشِيُّ (¬1) (408 - 489 هـ) اسمُهُ ونسبُه: هو هِشَامُ بنُ أَحْمَدَ بنِ هِشَامِ بنِ خَالِدِ بنِ سَعِيْد، أَبُو الوَليد (¬2) الكِنَانِيُّ الوَقَّشِيُّ الطُلَيْطُلِيُّ (¬3). هَكَذَا جَاءَ في مَصَادِر التَّرْجَمَةِ، لا يَزِيْدُون على ذلك ¬
شَيْئًا. ومنهم مَنْ يَحذِفُ هِشَامًا الثَّانية (¬1)، ومنهم مَنْ يُقَدِّمُ خَالِدًا على هِشَامٍ (¬2)، ومنهم مَنْ يَخْتَصِرُ فَيقُوْلُ: هِشَامُ بنُ أَحْمَد الوَقَّشِيُّ (¬3)، أو هِشَامٌ الوَقَّشِيُّ (¬4) وَكُنْيَتُهُ أبُو الوَليْدِ، لا أَعْرِفُ له كُنْيَةً غَيْرَهَا. أمَّا نِسْبتَهُ فَيُنسَبُ أبُو الوَليْدِ ثَلاثَ نِسَبٍ هي: "الوَقَّشِيُّ" و"الكِنَانِيُّ" و"الطُلَيْطُلِيُّ" والثَّالثةُ أَقَلُّ شُهْرَةً. والأوْلَى والثَّانيةُ استفَاضَ ذكرُهُمَا في كُتُبِ الرِّجَالِ والتَّراجمِ والأدَبِ والأخبارِ، وهما مُلازِمَتَانِ لا سمِهِ وَكُنْيَتِهِ في أَغْلَبِ الأحْوَالِ. أَمَّا "الوَقَّشِيُّ" فَنِسْبَةٌ إلى "وَقَّشَ" بَلْدَةٍ بنَوَاحِي "طُلَيْطُلَةَ" (¬5) على نَهْرِ تَاجَةَ يَبْعُدُ عَنْهَا بنَحْو اثْنَي عَشَر مَيْلًا، غَرْبي "طُلَيْطُلَةَ"، و"طُلَيْطُلَةُ" هَذِه هي أَكبرُ المُدُنِ في شَرْقِ الأنْدَلُسِ على مَجْرَى النَّهرِ، وهي كُوْرَة عَظِيْمَةٌ يَتبعُهَا عَدَدٌ كَبيْرٌ من المُدُنِ والقُرَى، وكَانَتْ قَبْلَ الفَتْحِ الإسْلامِيّ هِيَ عَاصِمَةُ الفِرِنْجِ "الأسْبَان" (¬6). ¬
وهَذ النِّسْبَة "الوَقَّشِيُّ" لم يَذكُرها السَّمْعَانِيُّ في "الأنْسَابِ" (¬1) ولا اسْتَدْرَكَهَا عَلَيْه ابنُ الأثِير في "اللُّبابِ" (¬2) ولا السُّيُوْطِي في "لُبّ اللُّبَابِ" (¬3) ولا عَبَّاس المَدَنِيُّ فِيْمَا اسْتَدْرَكَهُ عَلَى "اللُّبِّ". وَذَكَرَهُ الرُّشاطِيُّ (¬4) -رحمه الله- وكان بها جَدِيْرًا -في أَنْسَابِهِ "اقْتِبَاسُ الأنْوَارِ ... " (مختصر عبدِ الحَقِّ) وَذَكَرَ هشامَ بنَ أحمدَ وأثْنَى عَلَيْه، وهُوَ كَذلِكَ في "مُخْتَصَر الفَاسِيِّ" (¬5) لأنْسَابِ الرُّشَاطِيِّ. وَنَسَبه "الوَشْقِيّ" لا "الوَقَّشِيّ"؟ ! سَهْوٌ مِنْهُ رحمه الله والنِّسْبةُ الَّتِي تَلِي هَذِهِ النِّسْبَة ¬
هِيَ "الوَشْقِيُّ"، وَسَقَطَتْ النِّسْبَةُ في "أنْسَابِ البُلْبَيْسِيِّ" رحمه الله بسبب خَرْمٍ أَصَابَ هَذَا الموضع. وَهُوَ يَدْخُلُ في مُخْتَصَرَاتِ كِتَاب الرُّشَاطِي. وفي كِتَابُ "الاكْتِسَابِ في الأنْسَابِ" للخَيْضَرِيِّ (¬1) ذَكَرَ النِّسْبَةَ وَذَكَرَ أبَا الوَليْد، وَنَقَلَ كَلام الرُّشَاطِيِّ رَحِمَهُمُ اللهُ. وأمَّا النِّسبة الثَّانِيِةُ: "الكِنَانِيُّ" فَنِسْبَةٌ إلى القَبِيْلَةِ العَرَبِيَّة المَعْرُوْفَةِ (¬2)، وَهُو يَنْتَمِي إِلَيْهَا أَصَالةً لَا وَلاءً، وَلَمْ نَجِدْ مَنْ رَفَعَ نَسَبَهُ بِالآبَاءِ والأجْدَادِ إلى أيٍّ من أَفْخَاذِ كِنَانَةَ وَبُطُونِهَا، قَال المَقَّرِيُّ في "نفح الطِّيب" (¬3): "أمَّا المُنْتَسِبُون إِلَى عُمُومِ كِنَانَة فَكَثيرٌ، وجُلُّهُمْ في طُلَيْطُلةَ وَأَعْمَالِهَا، وَلَهُم يُنْسَبُ الوَقَّشِيُّونَ الكِنَانِيُّون الَّذيْنَ منهم القَاضِي أَبُو الوَليْدِ، والوَزِيْرُ أَبُو جَعْفَرٍ. ومنهم أَبُو الحُسين بنُ جُبَيْرٍ العَالِمُ صاحبُ "الرّحْلَةِ" ... " وفي تَرْجَمَةِ ابنِ جُبَيْبر قال المَقَّرِيُّ (¬4): " ... وهو من وَلَدِ ضَمْرَةَ بنِ بَكْرِ بنِ عبدِ مَنَافِ بنِ كِنَانَة" وَجَدُّ ابنِ جُبَيْرٍ الدَّاخِلُ إلى الأنْدَلُسِ اسمُهُ عبدُ السَّلامِ، كَذَا رَفَعَ نَسَبَهُ إليه لِسَانُ الدِّيْنِ بنُ الخَطِيْبِ في "الإحاطة" (¬5) ¬
قَال: دَخَلَ جَدُّه عبدُ السَّلام بنُ جُبَيْرٍ في طالعةِ بَلْجِ بنِ بشرِ (¬1) بن عياضٍ القُشَيْريِّ في محرم [سَنَةَ] ثَلاثٍ وعِشْرِيْنَ وَمَائة، وَكَانَ نُزُوْلُهُ بكُوْرَةِ شَدُونَةَ، وهو من وَلَدِ ضَمُرَةَ (¬2) بنِ كِنَانَةَ بنِ بَكْرِ بنِ عَبْدِ مَنَافِ بنِ خُزَيْمَةَ بنِ مُدْرِكَةَ بن إلياس بن مُضر بنِ نِزَارِ بنِ مَعَدِّ بنِ عَدْنَان، بَلَنْسِيُّ الأصْلِ، ثُمَّ غَرْنَاطِيُّ الاستِيْطَانِ شَرَّقَ وغَرَّبَ، وَعَادَ إلى غرْنَاطَةَ". أقُولُ -وَعَلَى اللهِ أعْتَمِدُ-: هل الوَقَّشِيُّون من بني ضَمُرَةَ أَيْضًا، وهل هُم من وَلَد عَبْدِ السَّلام المَذْكُوْرِ؟ ! فَبَيْنَ آلِ الوَقَشِيِّ وآلِ جُبَيْرٍ مَعَ الانْتِمَاءِ إلى القَبِيْلَةِ صِلَةُ مُصَاهَرَةٍ كَمَا سَيَأْتِي في مَوْضِعه -إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالى-. وَمنْ تَمَامِ الفَائِدَةِ؛ أقُولُ -وَعَلَى اللهِ أَعْتَمِدُ-: إنَّ هذِه النِّسبَةَ "الوَقَّشِيُّ" تكُوْنُ نِسْبَةً إلى قَبِيْلَةٍ، فَقَد ذَكَرَ الرُّشَاطِيُّ في "أَنْسَابِهِ" عن الزُّبِيْدِيِّ في "مختصر العَين" بَنُو وَقَّش قَبِيْلَةٌ من الأنْصَارِ (¬3) قال أَبُو مُحَمَّدٍ الرُّشَاطِيُّ: هُوَ وَقَّشُ بن زُغْبَةَ بن زَعُوْرَا بن عبدِ الأشْهلِ، وَقَد رَفَعْنَا نَسَبَهم في بَابِ "الأشْهَلِيِّ"، منْهُمْ: رفاعةُ بنُ وَقشٍ، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، وسَلَمَةُ بنُ سَلامَةَ بنِ وَقَّشَ، شَهِدَ بَدْرًا، وقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَأَخُوْهُ: عَمْرُو قُتِلَ يَومَ أُحُدٍ، وعَبَّادُ بنُ بِشْرِ بن وَقَّشٍ، كَانَ فيمن قَتَلَ كَعْبَ بنَ الأشْرَفِ. وفي "هَمْدَانَ" وَقَّشُ بنُ قسم بن مُرهبة بنِ غَالبِ بنِ وَقَّش ¬
مولده
القاضي، يكنى أبا ذَرٍّ، روى عن أبيه ذَرٍّ، وسَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ ... ثمَّ قَال: قَال أَبُو مُحَمَّدٍ ولا أَرَى لِهَذين نِسْبَةً". وأمَّا النِّسبةُ الثَّالِثة: "الطُّلَيْطُلِيُّ" فَهكَذَا نَسَبَهُ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ (¬1)، قَال: "ويُعْرَفُ بـ "الوَقَّشِيِّ" وقوله هَذَا يدلُّ على أَنَّ "الطلَيْطُلِيَّ" غيرُ مَعْرُوْفَةٍ ولا مَشْهُوْرَةٍ، وهَذَا صحِيْحٌ، وَإِنْ نُسِبَ كذلك في "نَفْحِ الطِّيْبِ" (¬2) أيْضًا. مولِدُهُ: اتَّفق المُؤَرِّخُون عَلَى أَنَّ أبا الوَليدِ الوَقَّشِيَّ وُلِدَ سَنَةَ (408 هـ) ولا أَعْلَمُ خِلافًا في ذلِكَ، ولم تُفْصِح المَصَادِرُ العَرَبِيّهُ القَدِيْمَةُ الَّتِي وقفتُ عليها عن مكان مولده (¬3)، فمن الخَطَأ الظَّنُّ والتَّخمينُ في شيءٍ لا يمكنُ أن يُفصحَ عنه إلَّا نَصٌّ صَرِيْحٌ مَنْقولٌ يَصحُّ أنْ يُعَوَّلَ عليه ويُستندَ إليه. وَقَد تَحَرَّفَتْ سنةُ ميلادِهِ في كتابِ "رَوْضَاتِ الجَنَّات" (¬4) للخَوانْسَارِيِّ بسُقوط الصِّفرِ بينَ الرَّقمين أربعة وثمانية، فغلَّطه الأُسْتاذُ ظُهُوْرُ أَحْمَد مُحَقِّقُ "طُرَرِ الكَامِلِ" واحْتَجَّ عليه بأَنَّ العَرَبَ لم يَدْخُلُوا الأنْدَلُسَ قَبْلَ سَنَةِ (92 هـ) وَجَعَلَ من الأمْرِ الهَيِّن قَضِيَّةً، والأمْرُ أَيْسَرُ من ذلِكَ، ولا يَحْتَاجُ مِثْلُ هَذَا إلى رَدٍّ وَدَفْع؛ لأنَّ التَّحْرِيْفَ فيه واضِحٌ، تَكْفِي الإِشَارَةُ إليه، ولو أهمَلَهُ أصلًا، ولم يعتدَّ به لكانَ أجملَ وأليَقَ. ¬
وذكر صاحبُ "رَوْضَاتِ الجَنَّاتِ" (¬1) وفاةَ أبي الوَليد وجعلها سنة (478 هـ) وهو خَطَأٌ ظَاهِرٌ، وليس بتَحْرِيْفٍ، وَكِتَابُ "الرَّوْضَاتِ" المَذْكُورُ لا يَحْسُنُ الرُّجوعُ إليه، ولا النَّقْلُ عَنْهُ؛ لأنَّ مؤلِّفَهُ كَثيْرُ الأخْطَاءِ، كَثيْرُ التَّحْرِيْفِ، تَتَدَاخَلُ فيه المَعْلُوْمَاتِ، وَمَعَ هَذَا هُو مُتأخِّرٌ (ت 1313 هـ) فلا جديدَ في مصادِرِهِ عن المُتَقَدِّمين عَامَّة، والأندَلُسيِّن خَاصَّة. وَوَقَعَ في كلامِ الأُستاذ ظُهُور أحمد تناقضٌ في مكان ميلاده لم يَتفَطَّنْ له فقال في أول مبحث مولده: "إِنَّ المَصَادِرَ الَّتِي وَصَلَت إِلَيْنَا والَّتي اسْتَطَعْنَا أنْ نَسْتَفيدَ مِنْهَا في تَرْجَمِةِ الوَقَّشِيِّ لا تُصَرِّحُ بالمكان الذي وُلِدَ بِه .... " وهَذَا كَلامٌ جَيِّدٌ صَحِيْحٌ إلى حدٍّ ما، لكنَّه عاد إلى نَقْضِهِ حيثُ قَال -بَعْدَ أَسْطُرٍ-: "إنَّمَا مَسْقَطَ رَأْسِهِ هِيَ مَدِيْنَةُ (وَقَّش) الَّتِي كَانَتْ دَارَ الوَقَّشِيِّيْنَ الكِنَانِيِّينَ الفُضَلاء الأعْيان، وَأَحَال إِلى "نَفْح الطِّيْبِ". أقول -وعلَى الله أعتَمِدُ-: إِذَا كانَت المَصَادِرُ لا تُصرِّحُ بالمَكَانِ الَّذي وُلِدَ فيه فَمِنْ أَيْنَ عَلِمَ الأُستاذُ -حفظه الله- أنَّ مدينةَ "وَقَّشَ" هي مَسْقَطُ رأسه؟ ! وكون "وَقَّش" دارَ الكنانيين الفُضَلاء الأعيان -كَمَا يَقُولُ المَقَّرِيُّ في "نَفْح الطِّيْبِ" (¬2) - لا يَلْزَمُ منه أن يكونَ أبُو الوَليْدِ مولودًا فيها؟ ! وَصَاحِبُ "نفْحُ الطِّيْبِ" لَمْ يَقُلْ: إنَّها مَسْقَطُ رَأْسِهِ؟ ! . ¬
أسرته
وَأَعَادَ الأسْتَاذُ ظُهُورٌ -حَفِظَهُ اللهُ- تأْكِيْدَ ذلك ثانيةً فَقَال (¬1): "وَكَانَ يُعرَفُ دائمًا بـ "الوَقَّشِيِّ" وكانت هَذِهِ النِّسبةُ محبوبة إليه؛ لأنَّ "وَقَّشَ" دَارُ آبائه، ومَسْقَطُ رَأْسِهِ، بها وُلِدَ ونَشَأَ وتَرَعْرَعَ ... " وهَذَا كُلُّه تزيُّدٌ منه -حفظه الله ورعاه- لم يذكر في خبرٍ مأثورٍ، ولا هو في كتابٍ مَسْطُورٍ، فَمَنْ قَال: إنَّ هَذِهِ النِّسبة محبوبةٌ إليه؟ ! وَمَنْ قَال: إن "وَقَّشَ" مَسْقَطُ رَأْسِهِ، بها وُلِدَ ونَشَأَ وتَرعْرَعَ؟ ! لا أحدَ من المُتَقَدِّمِينَ فِيْمَا أَظُن حَتَّى الآن، ولو قِيْلَ ذلِكَ فَهُوَ مُنَاقضٌ لكلامِهِ السَّابِقِ! . أسرته: لَيْس في المَصَادِرِ من المَعلُوماتِ ما يفيدُ كثيرًا عن أُسرتِهِ، وإن كان المُرَّاكشِيُّ يقولُ (¬2) عن ابنِ أَخيه "أحمد بن عبد الرَّحمن بن أحمد": "كان من بيتِ جَلالةٍ وحَسَبٍ، شَهِيْرًا" (¬3) فَلَا نَعْرِفُ شيئًا عن آبائه وَأَجْدَادِهِ، وَلَا نَعْرِفُ ¬
مَتَى كَانَ دُخُوْلُهُم الأنْدَلُسَ؟ أو مَنْ جَدّهم الدَّاخل إليها، ومتى كان ذلِكَ، وَكَونُهُ من بيتِ جلالةٍ وَحَسَب مَشْهُوْرًا لا يَلْزَمُ مِنْهُ أن يكونَ آباؤُهُ مِنَ العُلَمَاءِ، فَقَدْ يَكُوْنُونَ مَشَاهِيْرَ في وَقْتِهِم، من وُجُوْهِ مُجْتَمَعِهِمْ وَأَعْيَانِهِمْ وَأَثْرِيَائِهِمْ، وَلَا نَعْرِفُ شَيْئًا عن حَالتِهِ الاجْتِمَاعِيَّةِ، وهُنَاكَ إِشَارَةٌ وَرَدَتْ في "التَّكْملةِ" لابنِ الأبَّارِ (¬1) و"الذَّيلِ والتَّكْملةِ" (¬2) للمُراكشيِّ تفيدُ أنَّ تلميذَهُ محمَّد بن جَعْفَرِ بنِ خَيْرَةَ أبا عَامِرٍ البَلَنْسِيَّ الخَطِيْبَ (ت 546 هـ) كَانَ صِهْرًا لَهُ. وعَرَفْنَا أنَّ كُنْيَتَهُ "أبو الوَليْدِ" وَلَا أَعْتَقِدُ أنَّ لَهُ وَلَدًا بِهَذَا الاسم فهيَ من الكُنَى التي يغلبُ اسْتِعْمَالُهَا فيمن اسمُهُ "هِشام" وإن كان ذلِكَ مُمْكِنًا. والَّذِي يَظْهرُ أنَّ والدَهُ لم ¬
يكن من أهل العِلْمِ، أو على الأقلِّ لم يكن من المشاهير فيه؛ لذلك لم أجد أحدًا من العُلَمَاءِ الَّذِين ذكروا سيرة حياته يذكرُ أنَّه قَرَأَ عَلَى أَبِيْهِ أوْ رَوَى عَنْهُ، ولَم يَرِدْ لأبِيْه أيُّ إشارةٍ في كُتُبِ التَّراجِمِ الَّتِي وَقَفْتُ عَلَيْهَا. وَعَرِفْنَا أنَّ لأبِي الوَليْدِ أخًا اسْمُهُ "عَبدُ الرَّحْمَن بن أَحْمَد" من خِلالِ تَرْجَمَة ابنه أَحْمَد بن عَبْد الرَّحْمَن بن أحمد. - وابنُ أخيه أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحمن بن أَحْمَد الوَقَّشِيُّ (¬1) له من الشُّهْرَةِ والتَّمَيُّزِ والمَكَانَةِ الاجْتِمَاعِيَّةِ في زَمَنِهِ مثلُ مَا لِعَمِّهِ بل أَزْيَدُ، فهو الشَّاعرُ، الكَاتبُ، الوَزِيْرُ "أَحَدُ الكُفَاةِ الأمْجَادِ وَالدُّهَاةِ الأَنْجَادِ" كَمَا قَال ابنُ الأبَّارِ (¬2) رحمه الله وقال: "وللوَقَّشِيِّ تَحْقِيْقٌ بالإحْسَان، وتَصَرُّفٌ في أَفَانِيْن البَيَانِ، وكتابي المُؤَلَّفُ في أُدَبَاءِ الشَّرقِ [الأندلُسيِّ] المُتَرجَمُ بـ "إِيْمَاضِ البَرْقِ" مُشْتَمِلٌ على كَثيْرٍ من شِعْرِه، وَمَدَحَهُ أَبُو عَبْدِ الله الرَّصَافِيُّ (¬3) بِمَا ثَبَتَ في دِيْوَانِهِ، وَأَعْرَبَ عن ¬
جلالة شأنه، وبالجُمْلَةِ فهو وأبو جَعْفَرَ بنُ عَطِيّة من مَفَاخِرِ الأنْدَلُسِ، وكانا مُتَعَاصِرَيْنِ، وفي الكَفَاءَةِ مُتكافِأَيْنِ، ولذلِكَ مِنَ النَّثر مَزِيَّةُ هَذَا في الشَّعرِ". وَقَال ابنُ عبد المَلِكِ المُرَاكِشِيُّ (¬1): "كَانَ من بَيْتِ جَلالةٍ وحَسَبٍ، شهيرًا، سَرِيَّ الهِمَّةِ، أديبًا، بارعًا، فاضلًا، شَاعِرًا مَطْبُوعًا، كَاتِبًا بَلِيْغًا". وَكَانَ وَزِيْرًا لأبي إِسْحَاق إبراهيمَ بن همشك (ت 572 هـ) (¬2) صاحبُ جَيَّان. أَوْفَدَهُ ابنُ همشك المَذْكُور يَستصرخُ الخليفةَ يعقوبَ بنَ عبدِ المُؤمِنِ صاحبَ المغربِ، فوفدَ إلى مُراكش سنة (562 هـ) وسنة (564 هـ)، وَقَال قَصِيْدَةً عَظِيْمَةً يَمْدَحُ بها الأميرَ أبا يعقوب بنَ عبدِ المُؤمن المذكورَ، وهي قصيدةٌ فَرِيْدَة أطال فيها، وتعرَّضَ لذكرِ الأنْدَلُسِ، وَوَصفَ حَالهَا، وَذلِكَ في رَمَضَان سَنَةَ أربعٍ وستِّين وخَمْسِمَائَةَ مِنْهَا (¬3): أَبَتْ غَيْرَ مَاءٍ بالنُّخِيْلِ وُرُوْدًا ... وَهَامَتْ بِهِ عَذْبَ الجِمَامِ مَرُوْدَا ¬
وَقَالتْ لِحَادِيْهَا أثمَّ زِيَارَةٌ ... عَلَى العَشْرِ مِنْ ورْدِيْ لَهَا فَأزِيْدَا عَدِمْتُك مَا هَذَا القُنُوع وَهَاأَنَا ... عَهِدْتُكِ لا تَثْنِيْنَ عَنْهُ وَرِيْدَا أنُوْنًا إِذَا مَا كُنْتِ مِنْهُ قَرِيْبَةً ... وَضِبًّا إِذَا مَا كَانَ عَنْكِ بَعِيْدَا رِدِي حَضْرَةَ المَلْكِ الظَّلِيْلِ رَوَاقُهُ ... فَفِيهَا لَعَمْرِيْ تَحْمَدِيْنَ وُرُوْدَا بِحَيْثُ إمَامُ الدِّيْنِ يُوْسِعُ فَضْلَهُ ... جَمِيع البَرَايَا مُبْدِيًا ومُعِيْدَا أَعَادَ إِلَيْنَا الأُنْسَ بَعْدَ شُرُوْدِهِ ... وَأَحْيَا لَنَا مَا كَانَ مِنْهُ أُبِيْدَا وَلَيَّنَ أَيَّامَ الزمَانِ بِعَدْلِهِ ... وَكَانَتْ حَدِيْدًا في الخُطُوْبِ حَدِيْدَا فَلَا لَيْلَةً إلا تَرُوْقُكَ سَحْرَةً ... وَلَا لَيْلَ إِلَّا عَادَ يَفْضُلُ عِيْدَا ومِنْهَا: يَصِفُ الأنْدَلُسَ وَيَبْعَثُ عَلَى الجِهَادِ: أَلا ليْتَ شِعْرِي هَلْ يُمَدُّلِيَ المَدَى ... فَأُبْصِرُ حَفْلَ المُشْرِكِيْنَ طَرِيْدَا وَهَلْ بَعْدُ يُقْضَى في النَّصَارَى بِنُصْرَةٍ ... تُغَادِرُهُم للمُرْهَفَاتِ حَصِيْدَا ويَغْزُو أَبُو يَعْقُوْب في "شنت ياقبٍ" ... يُعِيْدُ عَمِيْدَ الكَافِرِيْنَ عَمِيْدَا وَيُلْقِي عَلَى أَفْرَنْجِهِمْ عِبْءَ كَلْكَلٍ ... فَيَتْرُكُهُمْ فَوْقَ الصَّعِيْدِ هُجُوْدَا يُغَادِرُهُمْ قَتْلَى وَجَرْحَى مُبَرّحًا ... رُكُوْعًا عَلَى وَجْهِ الفَلا وسُجُوْدَا وَيَفْتكَّ مِنْ أَيْدِي الطُغَاةِ نَوَاعِمًا ... تَبَدَّلْنَ مِنْ نَظْمِ الحُجُوْلِ قُيُوْدَا ... إلى آخرها، وهي جيِّدةٌ. وتوفي أبو جَعْفَرٍ بمَالقَةَ يومَ الثُّلاثاء عَقِبَ مُحَرَّم سَنَةَ أربعٍ وسبعين وخَمْسِمَائة، وكان الحَفْلُ في جَنَارتهِ عَظِيمًا، شَهِدَهَا الخَاصُّ والعَامُّ، وحَضَرَها والصَّلاةَ عليه وَالِي مَالقَةَ حِيْنَئذٍ الأمِيْرُ أبُو مُحَمَّدِ بنِ الأميرِ أبي حَفْصِ
ابنِ أبي مُحَمَّدِ عبد المُؤمن بن عليٍّ، ودُفِنَ بمَقْبَرَةِ بابِ قَشْتَالةَ خارجَ بابِ الكُحْلِ بسفحِ جَبَلِ فاره، قَال ابنُهُ أبُو الحُسَيْنِ: لَمَّا وَصَلَ مَالقَةَ يُريدُ حَضْرَةِ مْرَّاكِشَ خَرَجَ مُتفَردًا فَوَقَفَ بمَوْضع قَبْرِهِ، وَقَال: هَذَا مَوضعٌ مَا أظنُّ ببلاد الأنْدَلُس آنقَ منه، وَوَدَدْتُ لَوْ دُفِنْتُ بِهِ، فَلَمَّا قَفَلَ مِنْ حَضْرَةِ مُرَّاكش لم يَلْبَثْ بِهَا إلَّا يَوْمَيْنِ، وتُوفِيَ هُو وابنُهُ يُوسُفَ، ودُفِنَا بِذلِكَ المَوْضِعِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ الخَطِيْبُ أبو كَامِلٍ. - وَزَوْجَته: بنتُ ابنِ همشك المَذْكُور، طَلَّقَها وَنَدِمَ على ذلِكَ. ولا أَدْرِي هل هِيَ أمُّ أَوْلادِهِ الآتِي ذِكْرُهُم؟ ! . يُراجع: الحُلة السّيَرَاء (2/ 260). ولأبي جَعْفَرٍ هَذَا مِنَ الوَلَدِ: - يُوْسفُ بنُ أحْمَدَ، هَذَا الَّذي مَاتَ مَعَهُ، ولا أَعْرِفُ مِنْ أَخْبارِهِ شَيْئًا. - وَعَاتِكَةُ بِنْتُ أحْمَدَ، أمُّ المَجْدِ (¬1)، زَوْجَةُ أَبي الحُسَيْنِ بنِ جُبَيْرٍ صَاحِبِ "الرِّحْلَةِ" الأدِيْبِ المَشْهُوْرِ، وَقَدْ مَاتَتْ قَبْلَ أَبِيْهَا بسَبْتةَ سَنَةَ (601 هـ) وَدَفَنَهَا هُنَاكَ، وَقَال فِيهَا (¬2): بسَبْتةَ لي سَكَنٌ في الثَّرَى ... وَخِلٌّ كَرِيْمٌ إليها أَتَى فَلَوْ أَسْتَطِيع رَكِبْتُ الهَوَاءَ ... فَزُرْتُ بِهَا الحَيَّ والمَيِّتَا ¬
- وأبُو الحُسَيْن علي بنُ أحْمَدَ بن عَبْدِ الرَّحْمَن (¬1)، كَانَ شَاعِرًا، أَدِيْبًا، عالمًا، رَوَى عَنْهُ سَالِمُ بنُ صَالح الهَمْدَانِي المَالقِي، وَذَكَرَهُ في شُيُوخِهِ، وأبو عَمْرِو بنُ سَالِمٍ، وكان من لِدَاتِ المُؤَرِّخ الرَّحَّالةِ ابن سَعِيْدٍ، كَانَا يَحْضُرَان في صِبَاهُمَا معًا في مَرْجِ الخَزِّ ويَقْرِضَانِ الشِّعْرَ ... وَكَانَ ابنُ سَعِيْدٍ يَختلفُ إلى بيتِ أبي الحُسَيْنِ ويَرْتَاحُ إلى لِقَائِهِ ارتيَاحَ العَلِيْلِ إلى شِفَائِهِ. وَكَانَ أبُو الحُسَيْن آيةً في الظُّرْفِ وخِفَّة الرُّوْحِ، كَثيْرَ المَرَحِ والدُّعَابَةِ، مُغَنِيًّا مَاهِرًا، شَجِيَّ الصَّوْتِ، وَكَانَ شَيْخُهُ في المُوْسِيْقَى أبُو الحُسَيْنِ بنِ الحَسَنِ الحَاسِبِ، شَيْخُ هَذِه الطَّرِيْقَةِ ومن شِعْرِهِ: حَنَنْتُ إِلَى صَوْتِ النَّوَاعِيْرِ سَحْرَةً ... وَأَضْحَى فُؤَادِي لَا يَقِرُّ وَلَا يَهْدَى - ومَرْوَانُ بنُ أبي جَعْفَرٍ احْمَدَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَحْمَد الكِنَانِيُّ الوَقَّشِيُّ. من أهل جَنَّان وَعِلْيَةِ وُزَرَائِهَا، وَنبهَاءِ أُدبائِهَا، رَوَى عن أبي عَبْدِ اللهِ بنِ حُمَيْدٍ كَثيرًا، كَذَا قَال أبُو جَعْفَرِ بنِ الزُّبَيْرِ الغَرْنَاطِيُّ (¬2)، وَقَال أَيْضًا: وَلَمْ أَعْثُر له على سواه، وكان كاتبًا، أديبًا، مَعْنِيًّا بالرِّوَايَةِ والأدَبِ على سَنَنِ أَبِيْه، وَقَدْ تقدَّمُ ذِكْرُهُ وتوفي بمَالقَةَ في الفِتْنَةِ، ودُفِنَ بإِزَاءِ أَبِيْه بجَبَلِ فَاره أول الفِتْنَةِ رَحِمَهُمُ اللهم". هَؤُلاءِ هم الَّذِين عرفتهم من أُسْرةِ أبي الوَليْدِ هِشَامٍ رحمه الله، وَرُبَّمَا كَانَ هُنَاكَ آخَرُون لم أَعْثُر عليهم، فَلَعَلَّ البَحْثَ والمُتَابَعَةَ في المُسْتَقْبَلِ أنْ يَكْشِفَا لنَا جَانِبًا مُشْرِقًا مِنْ حَيَاتِهِ، وَحَيَاةِ أُسْرَتهِ. ¬
تعلمه وأشهر شيوخه
وَذَكَرَ الأُستَاذُ أبُو جَعْفَرِ بنِ الزُّبِيْرِ الغَرْنَاطِيُّ (¬1): أَبُو الوَليْد يُونُس بن مُحَمَّد الوَقَّشِيِّ وأنَّهُ أَخَذَ عَن يُوْسُف بن عَلِي الأنْصَارِيّ (ت 526 هـ)، وَلَا أَدْرِي مَا صلته بَآلِ الوَقَّشِيِّ هَؤلاء، وَقَدْ لَا تكُوْن لَهُ صِلَةٌ بِهم إلَّا النسبة إلى المكان، لكن الشَّيْء بِالشِّيْء يذكر. تعلُّمه وأشهر شُيوخه: طَلَبَ الوَقَّشِيُّ العلمَ كغَيْرِهِ من أبناءِ زَمَانِهِ في الكتَّابِ، ثمَّ انْتَقَلَ إلى مَجَالِس أهلِ العِلْمِ من الشُّيُوخ المُتَصَدِّرِين، وَهَذَا مَعْلُوْمٌ وَيُدْرَكُ بحقِّ كُلِّ طَالب علمٍ نُقِلَ إلينا أَو لَمْ يُنْقَلْ، إلَّا أنَّ بعضَ العُلَمَاءِ يَنْشَأُ في بيئةٍ علميّةٍ فيُذْكَرُ في أخبارِهِ وَتَرْجَمَتِهِ ذلك مُفَصَّلًا، لاعتِنَاءِ أهلِهِ بتَعْلُّمِهِ أَثْناء الطَلَبِ، أَو يَطْلُبُ العلمَ على الكِبَرِ، وَهَذَا قَلِيْلٌ. وَأقْدَمُ مَنْ عَرَفْنَا مِنْ شُيُوخِهِ وَفَاةً الشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ الطَّلَمَنكيُّ (ت 429 هـ) وعُمْرُ الوَقَّشِيِّ إذْ ذَاكَ إِحْدَى وَعِشْرُوْن سَنَةً، وأبُو عُمَرَ منْ كِبَارِ شُيُوخِ أَهْلِ الأنْدَلُسِ، وَنَقَلَ يَاقُوْتُ الحَمَويُّ عن القَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ رِوَايَةَ الوَقَّشِيِّ عَنْ أَبِي عُمَرَ إِجَازَةً، فَهَلْ رَآهُ وَسَمِعَ منه وَأَجَازَهُ أيْضًا؟ أو هُوَ شَيْخُةُ بالإجَازَة دُوْنَ سِوَاهَا؟ ويُعَدُّ أبُو عُمَرَ في مُقَدَّمَةِ شُيُوْخِ أبي الوَليْدِ فَهُوَ في مَشَاهِيْرِهِم. ولم يَكُنْ أبُو الوَليْدِ مُكِثرًا من الشُّيُوخِ، وَلَا نَعْلَمُ لَهُ رِحْلَةً خَارجَ الأنْدَلُسِ لَا للحَجِّ ولا لِطَلَبِ الحَدِيْثِ، يَلْقَى فيها الشُّيُوخَ، ويَرْوي الكُتُبَ، ويَصِلُ الأسَانِيْدَ، مَعَ عِنَايَتِهِ بالرِّوَايَةِ، وَتَعَدُّدِ الفُنُوْنِ الَّتي يُجِيْدُهَا. وَلَمْ أَجِدْ من المَعْلُوْمَاتِ ما يُفِيْدُ كثرةَ شُيُوحهِ، ومن أَبْرَزِ شُيُوخِهِ الَّذِيْنَ ذُكِرُوا في المَصَادِرِ الَّتِي وَقَفْتُ عَلَيْهَا: ¬
1 - أبُو عُمَر الطَّلمَنكِيُّ (ت 429 هـ): أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ، و"طَلَمَنكةُ" (¬1) المَنْسُوْبُ إِلَيْهَا مَدِيْنَةٌ أَنْدَلُسِيَّةٌ بِفَتَحَاتٍ ثَلاثٍ، وَنُوْنٌ سَاكِنهٌ. مَوْلدُهُ سَنهَ (340 هـ)، إِمَامٌ، مُقْرِئٌ، مُحَقِّقٌ، مُحَدِّثٌ، حَافِظٌ، أثرِيٌّ، قَرَأَ عَلَى عُلَمَاءِ بَلَدِهِ في قُرْطُبَةَ وَغَيْرِهَا، مِنْهُمْ: أَحْمَدُ بنُ عَوْنِ اللهِ، وَأَبُو بَكْرٍ الزُبيْدِيُّ، ثُمَّ رَحَلَ إلى المَشْرِقِ، وَلَقِيَ جُلَّةَ العُلَمَاءِ في المَغْرِبِ وإفْرِيْقِيَّةَ ومِصْرَ والحِجَازَ، وَحَجَّ وَرَوَى وَأَدْخَلَ إلى الأنْدَلُسِ عِلْمًا جَمًّا نافعًا، كَذَا قَال الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ وغيرُهُ، وَقَال: "كَانَ عَجَبًا في حِفْظِ عُلُوْمِ القُرْآن قِرَاءَاتِهِ، ولُغَتِهِ، وإِعْرَابِهِ، وَأَحْكَامِهِ، ومَنْسُوْخِهِ، وَمَعَانِيْهِ، صَنَّفَ كُتُبًا كَثيْرَةً في السُّنَّة يَلُوْحُ فِيْهَا فَضْلُهُ وَحِفْظُهُ وإِمَامَتُهُ واتّبَاعُهُ للأثَرِ". وَكَانَ أبُو عُمَرَ عَالِمًا سَلَفِيًّا، حَسَنَ المُعْتَقَدِ، دَاعِيًا إلى التَّمسُّكِ بالسُّنَّةِ مُنَاهِضًا لأعْدَائِهَا. قَال ابنُ بشكوال: "كَانَ سَيْفًا مُجَرَّدًا على أَهْلِ الأهْوَاءِ والبِدَعِ قَامِعًا لَهُم غَيُورًا على الشَّرِيْعَةِ، شَدِيْدًا في ذاتِ اللهِ، أَقْرَأَ النَّاسَ مُحْتَسِبًا، وأَسْمَعَ الحَدِيْثَ، والتزمَ للإمَامَةِ بِمَسْجِدِ مَنَعَةَ". وَلِفُرْطُ إنكارِهِ عَلَى أَهْلِ البِدَعِ والتَّمَسُّكُ بِالسُّنَّةِ قَامَ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ من أَضْدَادِه، وَشَهِدُوا عَلَيْهِ أنَّهُ حَرُوْرِيٌّ يَرَى وضعَ السَّيْفِ في صَالِحِي المُسْلِمِين، وَكَانَ الشُّهُودُ عليه خَمْسَةَ عَشَرَ فَقِيْهًا، فَنَصَرَهُ قَاضِي سَرَقُسْطَةَ في سَنهَ خَمسٍ وَعِشْرِيْنَ وَأرْبَعِمَائَةَ، وأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بإِسْقَاطِ الشُّهُوْدِ، وَهُو القَاضِي مُحَمَّدُ بنُ عبدِاللهِ بن فُرْتُوْنَ (¬2). ¬
قَال الحَافِط الذَّهَبِيُّ رحمه اللهُ: "رَأَيْتُ لَهُ كِتَابًا في السُّنَّة في مُجَلَّدين ... "، وَذَكَرَهُ ابنُ القَيِّمِ في نُونيّتِهِ المعروفة بـ "الكَافِيَة الشَّافِيَة"، عَاشَ رحمه الله تسعين عَامًا إلَّا شَهْرًا، وتُوفي سَنَةَ (429 هـ) في بلده طَلَمَنكةَ. ومن مؤلَّفاته "البَيَانُ في إعْرَاب القُرآن" و"الدَّليلُ إلى معرفةِ الجَلِيْلِ" في مائة جُزْءٍ، وله كِتَابٌ في فَضَائِل مالك، وكتابٌ في رجالِ المُوَطَّأ، وكتابٌ في شرح المُوَطَّأ، و"الرَّوْضَةُ في القِرَاءَاتِ" ... وغيرها. قَال ابنُ عَبدِ المَلِكِ المُرَاكِشِيُّ: "لَا نَعْرِفُ أحَدًا بينَ عُلَمَاءِ الأنْدَلُسِ يُبَارِيْه في كثرةِ التَّلامِيْذِ والطُلَّاب" ومن مَشَاهِيْرِ الآخذين عنه أبو عُمَرَ بنُ عبدِ البَرِّ، وأبُو مُحَمَّدِ بنُ حَزْمٍ، وصَاحِبُنَا أبُو الوَليْدِ الوَقَّشِيُّ. أخباره في: جذوة المقتبس (114)، وترتيب المدارك (4/ 749) (بيروت)، والصِّلة (1/ 44)، وبغية الملتمس (162)، وسير أعلام النُّبلاء (17/ 566)، ومعرفة القرَّاء (1/ 309)، والعبر (3/ 168)، وغاية النهاية (1/ 120)، والوافي بالوفيات (8/ 32)، وطبقات المفسرين (1/ 77)، والدِّيباج المذهب (1/ 178)، وشذرات الذَّهب (3/ 243)، وغيرها. 2 - وَمِنْهُم: أبُو مُحَمدٍ الشِّنْتِجَالِيُّ (ت 436 هـ): عبدُ الله بنُ سَعِيْدِ بن لُبَّاجٍ الأمويُّ الشِّنْتِجَالِيُّ، رَحَلَ إلى المَشْرِقِ، وَجَاوَرَ بمكَّةَ -شَرَّفها الله- نحوًا من أربعين سنةً لا يقضي حَاجَتَهُ إلَّا خَارِجَ الحَرَمِ (¬1)، وَلَقِيَ بِمَكَّةَ أبا ذَرٍّ الهَرَويَّ، وَحَمَلَ عنه وعن جَمَاعَةٍ لقيهم هُنَاكَ، ثم انْصَرَفَ إلى ¬
الأنَدلسِ، وقدمَ أشبيليّةَ سنةَ ثلاثٍ وثلاثين وأربعمائة، وأخذَ عنه جماعةٌ من أهلِ الأنْدَلُسِ منهم صاحبنا أبُو الوَليْدِ الوَقَّشِيُّ رحمه الله. و"شنتجالة": بَلْدَةٌ بالأنْدَلُس في طَرَفِ كورة تُدمير مما يلي الجَوْفِ، ويُقَالُ لها أيضًا: جنجالة كذا قال أبو مُحَمَّد الرُّشَاطِيُّ في الأنساب "مختصر عبد الحق" (2 / ورقة 112)، وتفرَّد بذكر هذه النِّسْبة، وذكر في المَنْسُوبَ إليها أبا مُحَمَّدٍ هَذا. ويُراجع: مُعْجَمِ البُلدان في الموضعين (2/ 195، 3/ 416)، قَال في الموضع الثَّاني: "وبخط الأشْتَرِيِّ: "شنتجيل" بالياء" وَذَكَر أبُو مُحَمَّدٍ وقيَّدها في الموضع الأول بقوله: "بكسر الجيمين، وبَعْد الثَّانية ياءٌ وألفٌ ولامٌ" وذَكَرَ رَجُلًا آخر، وفي الرَّوض المِعْطَارِ ذكرها في الموضعين (174، 347). أخبارُهُ في: الصِّلة (263)، وتاريخ الإسلام (427) (وفيات سنة 436 هـ) والدِّيباج المذهب (1/ 438)، وجذوة المقتبس (244)، وبغية الملتمس (331) .... 3 - ومنهم: أبُو عُمَرَ الحَذَّاءُ (ت 467 هـ): أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى، من بيتِ علمٍ رَفيعٍ، فَأَبُوه وَجَدُّه وَأَبُو جَدِّه من أَفَاضِلِ عُلَمَاءِ وَرِجَالات الأنْدَلُسِ، أَسمَعَهُ أبوه صَغيرًا أول سَمَاعِهِ في حُدُود سنةِ ثَلاثٍ وتِسْعِيْنَ وثَلاثِمَائَةَ، وأصلُهُ من قُرْطبةَ، ونزَحَ عنها في الفِتْنَةِ فَسَكَنَ سَرَقُسْطَةَ والمُرِّيّةَ، وولي القَضَاءَ بطُلَيْطُلَةَ ثمَّ بِدَانِيَةَ، ثُمَّ رُدَّ إِلَى قُرْطُبَةَ وَأَشْبَيْلِيَّةَ، رَوَى عَنْه خلْقٌ في مقدِّمتهم أبو عَلي الغَسَّانيُّ وَصَاحِبُنَا الوَقَّشِيُّ وَغيرُهُمَا. قَال الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ رحمه اللهُ: كَانَ حَسَنَ الأخْلاقِ، مُوَطَّأَ الأكْنَافِ، كَيِّسًا، سَرِيع الكِتَابَةِ" لمَّا تُوفيَ مَشَى في جَنَازَتهِ المُعْتَمِدُ على اللهِ رَاجِلًا، وَكَانَ أَسْنَدَ مَن بَقِيَ
بأقْطَارِ الأنْدَلُسِ في زَمَانِهِ. أخبارُهُ في: الصِّلة (1/ 62)، وبغية الملتمس (163)، والعبر (3/ 264)، وسير أعلام النُّبلاء (18/ 344)، ومرآة الزَّمان (3/ 94)، وشذرات الذَّهب (3/ 327). 4 - ومنهم: أبُو مُحَمَّدِ بنِ الحَصَّارِ (ت 438 هـ): عَبدُ الرَّحْمَن بنُ مُحَمَّدِ بنِ عبَّاسِ بن جَوْشَنٍ الأنْصَارِيُّ الطُّلَيْطُلِيُّ الخَطِيْبُ، خَطِيْبُ طُلَيْطُلَةَ. قال الحافظُ الذهَبيُّ: "حَجَّ وَسَمِعَ يسيرًا، وَعُنِيَ بالرِّوَايَةِ والجَمْعِ حتَّى كَانَ أَوْحَدَ عَصْرِهِ، وَكَانَت الرِّحْلَةُ إليه، وَكَانَ ثِقَة، صَدُوْقًا، صَبُوْرًا على النَّسْخِ، ذَكَرَ أَنّهُ نَسَح "مُخْتَصَرَ ابنِ عُبَيْدٍ" وَعَارَضهُ في يَوْمٍ وَاحِدٍ، وضَعُفَ في آخر عُمُرِهِ عن الإمَامَةِ فَلَزِمَ داره. أخباره في: الصِّلة (2/ 330)، وبغية الملتمس (356)، وتاريخ الإسلام للذهبي (262) (وفيات سنة 438 هـ). 5 - ومنْهُم: أبُو العَبَّاس الدِّلَائيُّ (ت 478 هـ): أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ بنِ أَنَسٍ العُذْرِيُّ الدَّلائيّ، مَنْسُوبٌ إلى "دَلايَةَ" من عَمَلِ المُرِيَّةَ ببلادِ الأندلس (¬1). رَحَلَ به أَبويه إلى مَكَّةَ فَدَخَلُوْهْا في رَمَضَان سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْن وأربَعِمَائَةَ، وَجَاوَرُوا بِهَا ثَمَانِيَةَ أَعْوَامٍ فأَكْثَرَ، سَمِعَ بِهَا من أبِي العَبَّاسِ الرَّازِيِّ رَاوي "صَحِيْح مُسْلِم" وَصَحِبَ أَبَا ذرٍّ الهَرَويَّ، وَسَمعَ مِنْهُ البُخَارِي سبعَ ¬
مَرَّاتٍ، وَسَمِعَ بالأنْدَلُسِ مِن جَمَاعَةٍ مِنْهُم: يُونس بنُ عبد اللهِ القَاضِي، وأبُو عَلِيٍّ البجانيُّ، والمُهلَّبُ بنُ أَبِي صفْرَةَ التَّمِيْمِيُّ الأنْدَلُسِيُّ، وَأَبُو عَمْرٍو السَّفَاقُسِيُّ وَغيرُهُم. قَال الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ: كَانَ مُعْتَنِيًا بِالحَدِيْثِ، ثِقَةً، مَشْهُوْرًا، عَالِيَ الإسْنادِ، أَلْحَقَ الأصَاغِرَ بالأكَابِرِ، حَدَّثَ عنه إِمَامَا الأنْدَلُس أَبُو عُمَرَ بنُ عَبْدِ البَرِّ، وأبُو مُحَمَّدٍ بنُ حَزْمٍ، وَأَبُو الوَليْدِ الوَقَّشِيُّ، وَطَاهرُ بنُ مُفَوِّزٍ، وَأَبُو عَلِيٍّ الغَسَّانِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الحُمَيْدِيُّ ... " وَغَيْرُهُم. صَنَّفَ "دَلائِلَ النُّبوَّةِ" و"المَسَالِك والمَمَالِك". أخبارُهُ في: جَذوة المُقْتبَسِ (136)، ، والأنساب (5/ 389)، والصِّلة (1/ 66)، وبُغية المُلْتَمِسِ (195)، وسير أعلام النُّبلاء (18/ 568) ... وغيرِهَا. 6 - ومنهم: أبو عَمْرٍو السَّفَاقُسِيُّ (ت بعد 440 هـ): عُثْمَانُ بن أَبِي بَكْرٍ المَعْرُوْفُ بـ "الضَّابِطِ" تَجَوَّلَ في المَشْرِقِ وَأَخَذَ عن عُلَمَائِهِ، وَمِنْ أَشْهَرِهِم: أَبُو نُعَيْمٍ الأصْفَهَانِيُّ الحَافظُ، وَكَتَبَ عَنْهُ مَائة أَلْف حَدِيْثٍ بخَطِّهِ، وغيرُهُ، ثُمَّ قَدِمَ إِلَى الأنْدَلُسِ وَتَجَوَّلَ فِيهَا مَا بَيْنَ عَامَيْ (436 - 438 هـ) وَكَانَ عَالِمًا بِالحَدِيْثِ، مُتْقِنًا في عُلُوْمِهِ، حَافِظًا لَهُ، عَارِفًا بالُّلغَةِ والإعْرَابِ والغَرِيْبِ والأدَبِ، مَشْهُوْرًا بالفَضلِ وَالدِّرَايَةِ، تُوفيَ في الطَّرِيْقِ إلى القِسْطَنطِيْنيّةِ في جَزِيْرَةِ بَحْرِ الرُّوْمِ، وذلِكَ بَعْدَ سَنَةِ أَرْبَعِين وَأَرْبَعُمَائَة. أَخْبَارُهُ في: الصِّلة (2/ 408)، وجذوة المقتبس (303)، والدِّيباج المذهب (2/ 85) ... وغيرها.
تصدره للعلم وأشهر تلاميذه
7 - ومنْهُمْ: أَبُو بكْرٍ الفِهْرِيُّ (ت 436 هـ): يَحْيَى بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ ثَابِتِ الفِهْرِيُّ النَّحْويُّ. قَال ابنُ بشكوال: من أهلِ طُلَيْطُلَةَ، يُكْنَى أَبَا بَكْرٍ، سَمِعَ مِنْ عَبْدُوْسِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدٍ، وَأَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَيْمُوْن ... وغيرِهِم. وَكَانَ يَحْفِظُ الفِقْهَ واللُّغَةَ حَفْظًا جَيِّدًا، وَكَانَ فَصِيْحَ اللِّسَانِ، شَاعِرًا، تُوفِيَ في صَفَرَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاثِين وَأَرْبَعمَائَة ذَكَرَهُ ابنُ مُطَاهرٍ. حَدَّثَ عَنْهُ أَبُو الوَليْد الوَقَّشِيُّ" كَذَا في الصِّلة (2/ 667). 8 - وَمنْهُمْ: مُحَمَّدُ بنُ حُسَيْنٍ الفُرْتُلِيْلِيُّ (ت؟ ): ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ المَلِكِ المُرَّاكِشِيّ في الذَّيل والتَّكملة (6/ 176) قَال: "مُحَمَّدُ بنُ حُسَيْن، قُرْطُبِيٌّ، أبُو عبدِ اللهِ الفُرْتُلِيْلِيُّ، بِضَمّ الفَاءِ، وَسُكُون الرَّاءِ، وَضَمِّ التَّاءِ المَعْلُوَّةِ، وَلامَيْن بَيْنَهُمَا يَاءُ مَدٍ مَنْسُوْبًا. رَوَى عَن أَبِي عِيْسَى، وَرَوَى عَنْهُ أبُو الوَليْدِ الوَقَّشِيُّ" هكَذَا قَال وَلَمْ يَزِد. وهَذ النِّسْبَةُ لَمْ تَرِدْ في كُتُبِ الأنْسَابِ؟ ! . وَذَكَرَ العُلَمَاءُ أنَّ من لداته: - أحْمَدَ بنُ عَبْد الوَليِّ بن أحمد البنيُّ (ت: 490 هـ). - وأحمد بن خميس بن عامر الطُّلَيْطُلِيُّ (ت: ؟ ). تَصَدُّرُهُ للعِلْمِ وَأشْهَرُ تَلامِيْذه: وَلَمَّا حَصَّلَ الوَقَّشِيُّ مَا عِنْدَ الشُّيُوْخِ مِنْ العِلْمِ وَشَدَا طَرَفًا صَالِحًا في كُلِّ فَنٍّ مِنْ فُنُونِهِ الَّتِي أَجَادَهَا وَأَجَازَهُ الشُّيُوْخُ في ذلِكَ تَصَدَّرَ لِنَشْرِ العِلْمِ، فَاجْتَمَعَ حَوْلَهُ الطَّلَبَةُ مِنْ كلِّ حَدبٍ وَصَوْبٍ مِن بِلادِ الأنْدَلُسِ والطَّارِئين عَلَيهَا، والدَّلِيل عَلَى مَا أَقُوْلُ كَثرة هَؤُلاءِ الطُّلابِ وَاخْتِلافِ نَسَبِهِمْ إِلَى أَوْطَانِهِم المُخْتَلِفَةِ،
وَإِنْ كَانَ أَغْلَبُهُم مِنْ طَلَبَةِ بَلَنْسِيَةَ، وَهَؤُلاءِ الطَّلَبَةُ مِنْهُمُ المُكْثِرُ، كَثيْرُ المُلازَمَةِ للشَّيْخِ، وَمِنْهُم المُقِلَّ وَأَغْلَبُهُم سَكَتَتْ المَصَادِرُ عن ذِكْرِ نِوْعِ الإفَادَةِ ومِقْدَارهَا، وَمِن تَلامِيْذهِ: 1 - إِبْراهِيْمُ بنُ لُبّ إِدْرِيْس التُّجَيْبيُّ المَعْرُوْفُ بـ "القُوَيْدِسِ" (ت 454 هـ). ذَكَرَهُ ابنُ الأبَّار في التَّكْملة (136) وصاعدٌ في طبقات الأمم (74). أخذ عنه الهندسة (الفلسفة والمنطق) قرأ عليه كتاب أقليدس وغيره. 2 - أحمدُ بنُ خلَفِ بنِ سَعِيْدِ بنِ أيُّوب اليَحْصُبِيُّ (ت بعد 522 هـ) مِنْ أَهْلِ دَانِيَة، رَوَى عن أَبِي الوَليْدِ. ذَكَرَهُ في: التَّكْملة (1/ 33)، والذيل والتَّكملة (1/ 105). 3 - أحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَن بنِ سَعْدِ بنِ جُزَيٍّ، بلَنسيٌّ، أبُو بكرٍ، كَذَا في الذَّيْلِ والتَّكملة (1/ 203). لَيْسَ في التَّرْجَمَةِ أَكْثَر من قَوْلهِ: "رَوَى عَنْ أَبِي الوَليْدِ الوَقَّشِيِّ". 4 - أحْمَدُ بنُ الفَرَجِ بن الفَرَجِ التُّجَيْبِيُّ، أبُو عَامرٍ (ت؟ ): ذكرَهُ في التَّكملة (1/ 49)، والذَّيل والتَّكملة (1/ 358)، قَال عِنْد ذِكْرِ شُيُوخِهِ: "وأبُو الوَليْدِ سُلَيْمَان بن خَلَفٍ البَاجِي، وهِشَامُ بنُ أَحْمَد الوَقَّشِيُّ، واخْتُصَّ بِهِ، وَأَكْثَرَ مُلازَمَتَه". 5 - أحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَن المَعْرُوْف بـ"ابنِ نُمارة"، بَلَنْسِيّ، أبُو العبَّاس (ت بعد 503 هـ)، رَوَى عَنْ أَبِي الوَليدِ، كَذَا في الذيْلِ والتَّكْملة (1/ 461)، قال المرَّاكشِيُّ: "وكان حيًّا سنة (503 هـ) " ويُراجع: المُعجم لابنِ الأبَّارِ (6). 6 - أحْمَدُ بنُ مَرْوَان بنِ مُحَمَّد بنِ مَرْوَان التُّجَيْبِيُّ (¬1)، قَيْسِيٌّ، أَمَويٌّ -بفَتْحِ ¬
الهَمْزَةِ- وَلِيَ الخَطَابَةَ بجَامِع بَلَنْسِيَةَ (ت 511 هـ). ذكره في: التَّكْمِلَةِ (1/ 30)، والمُعجم (7)، والذَّيل والتَّكْملة (1/ 538). 7 - أمَيّةُ بنُ عَبْد العَزِيْزِ بن أبِي الصَّلْتِ الدَّانِيُّ (ت 529 هـ) قَال شَمْسُ الدِّيْن بنُ خِلِّكَان: "وَأَخَذَ العِلْمَ عَنْ جَمَاعَة مِنْ أَهْلِ الأنْدَلُسِ كَأَبي الوَليْدِ الوَقَّشِيِّ قَاضِي دَانِيَة وَغْيِرِه" (¬1). وَفَيَاتِ الأعْيَان (1/ 243). 8 - بكرُ بنُ مُحَمَّد اليَحْصُبِيُّ (ت 510 هـ)، ذَكَرَهُ في: الصِّلَةِ (1/ 115) وفيه: "عن أبي الوَليْدِ القوشي؟ ! " تحريفُ طِبَاعَةٍ. 9 - جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الفَضْلِ بنِ شَرَفٍ الجُذَامِيُّ القَيْرَوَانِيُّ (ت 534 هـ) ذكره في الصِّلة (1/ 130). 10 - حَمْدُوْنُ بنُ مُحَمَّدٍ، أبُو بكرٍ البلَنْسِيُّ يُعْرَفُ بـ "ابنِ المُعَلِّمِ" (ت بعد 490 هـ). ذَكَرَهُ في: التَّكملة (1/ 286)، قَال: "سَمِعَ مِن أَبِي العَبَّاسِ العُذْرِيِّ، وَأَبِي الوَليْدِ الوَقَّشِيِّ، وَلازَمَهُ وَأَكْثَرَ عَنْه". 11 - خَلَفُ بنُ أحْمَدَ بن دَاوُدَ الصَّدَفِيُّ البلَنْسِيُّ (ت 489 هـ) ذَكرَهُ في: التَّكْمِلَةِ (1/ 298). 12 - خُلَيْصُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أحْمَدَ، أبُو الحَسَن العَبْدَرِيُّ (ت 513 هـ). ذَكَرَهُ في ¬
الصِّلَةِ (1/ 180). 31 - سَعِيْدُ بنُ جُبَيْرٍ (ت؟ )، ذَكَرَهُ المَرَّاكُشِيُّ في الذَّيل والتَّكْمِلَةِ (4/ 28)، قَال: "سَعِيْدُ بنُ جُبَيرٍ أبُو عُثْمَانَ. رَوَى عن أَبِي الوَليْدِ الوَقَّشِي سنَةَ أَرْبَع وَسَبْعِيْن وأَرْبَعمائة" كَذَا دُوْنَ زِيَادَة. 14 - سُفْيَانُ بنُ العَاصِي، أبُو بَحْرٍ الأسَدِيُّ (ت 520 هـ)، هَذَا الرَّجُلُ مِنْ أَنْبَلِ شُيُوْخِ الأنْدَلُسِ، وَأَكْثَرِهِم عِلْمًا وَفَضْلًا، وَهُوَ مِنْ أَكْثَر الطَّلَبَةِ مُلازَمَة للشَّيْخِ أَبِي الوَليْدِ، يَحْضُرُ مَجَالِسَهُ وَيَرْوي مُؤَلَّفَاتِهِ، وَهُو شَيْخٌ لِلْمِئَاتِ مِنْ طَلَبَةِ العِلْمِ بِالأنْدَلُسِ، أَشَاعَ فِيْهِم ذِكْرَهُ، وَحَدَّثَهُم بمَنَاقِبِهِ وَفَضَائِلِهِ، وَهُوَ الَّذِي دَافَعَ عَنْهُ دِفَاعًا قَويًّا لَمَّا رُمِيَ الشَّيْخُ بِبِدْعَةِ الاعْتِزَلِ، وَنُسِبَ إِلَيْهِ كِتَابٌ في التّألِيْفِ فِيْه، فَأَنكَرَ ذلِكَ الشَّيْخُ سُفْيَانُ هَذَا، وَزيَفَ هَذِه الدَّعْوَى وَرَدَّ عَلَى مُرَوِّجِيْهَا. قَال القَاضِي عِيَاضٌ في "الغُنية": "وَسَمِعَ القَاضِي أبَا الوَليْدِ الكِنَانِيَّ، وَبِهِ كَانَ اخْتِصَاصُهُ، وَعَلَيْهِ تَقْيِيْدُهُ، وَمِنْهُ اسْتِفَادَتُهُ، وَكَانَ يُعَظِّمُهُ جِدًّا" يُراجع: الغُنيةُ (205)، والصِّلة (230). 15 - سُلَيْمَانُ بنُ نَجَاحٍ، مَوْلَى المُؤَيَّدِ هِشَامٍ (ت 496 هـ) بِبَلَنْسِيَة. ذَكَرَهُ في مُعْجَمِ ابنِ الأثَّارِ (302)، والصِّلِةِ (204). 16 - سُلَيْمَانُ بنُ ... المَعْرُوْفُ بـ "ابنِ البيغي" (ت نحو 520 هـ) قَال القَاضِي عِيَاضٌ: "سَمِعَ أبَا عُمَر بن عَبْدِ البرِّ، وَأبَا الوَليْد البَاجِيَّ، وَأَبَا الوَليْد الوَقَّشِيَّ" ذَكَرَهُ في: الغُنْيَة (210). 17 - سُمَاجَةُ بنُ خَلَفِ بن سُمَاجَةَ، أبُو الحَسَنِ (ت؟ ). ذَكَرَهُ ابنُ عَبْدِ المَلِكِ
المَرَّاكُشِيُّ في الذيْلِ والتَّكْملة (4/ 99) قَال: "رَوَى عَن أَبِي الوَليْدِ الوَقَشِيِّ" وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذلِكَ شَيْئًا. 18 - صَاعِدُ بْنُ أحْمَدَ بن عَبْدِ الرَّحْمَن، العَلَّامُة المَشْهُورُ مُؤَلِّفُ "طَبَقَاتِ الأُممِ" (ت 462 هـ). ذكره في: الصِّلة (1/ 236)، ترجم لِشَيْخِهِ أَبِي الوَليْد في "الطَّبقَات" تَرْجَمَةً جَيِّدةً، عَلَيْهَا اعْتَمَدَ أكْثَرُ المُتَرْجِمِيْنَ. 19 - عَاصِمُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ التُّجَيْبِيُّ البلَنْسِيُّ يُعْرَفُ بـ "ابنِ القُدْوَةِ" (ت؟ ). ذكره في: الذَّيل والتَّكملة (5/ 103). 20 - عَبْدُ الباقِي بنُ مُحَمَّد بنِ يسَيْدٍ بنِ أصْبغَ بن برِّيالٍ الأنْصَارِيُّ (ت 502 هـ). ذَكَرَه في الصِّلة (385). 21 - عَبْدُ الرَّحْمَن بنُ أحْمَدَ السُّلَمِيُّ، أبُو القَاسِمِ (ت؟ ). ذَكَرَهُ في التَّكْملةِ رقم (1586). 22 - عَبْدُ الرَّحْمَن بنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ (ت 542 هـ). ذَكَرَهْ في التَّكملةِ رقم (1664). 23 - عَبْدُ العَزِيْز بنُ عبدِ اللهِ الغَازِي (ت 493 هـ). ذكره في الصِّلة (2/ 372). 24 - عَبْدُ الله بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنُ القُضَاعِيُّ (ت 510 هـ). ذَكَرَهُ في التَّكْمِلَةِ رقم (1323). 25 - عَبْدُ اللهِ بْنُ الفَضْلِ بنِ عُمَرَ بنِ فَتْحٍ اللَّحمِيُّ يُعرف بـ "البُونِتِيِّ" (ت بعد 490 هـ). ذكره في التكملة (2/ 807). 26 - عَبْدُ الله بنُ مَرْوَانَ بنِ محمَّدِ بن مَرْوَانَ. من أَهْلِ بَلنْسِيَةِ وقاضيها (ت 535 هـ). سمع أبا الوَليد الوَقَّشيَّ عقب رَجَبَ سنة (477 هـ). ذكره في المعجم (214)، وتكملة الصِّلة (2/ 822).
27 - عبدُ المَلِكِ بنُ يُوسف بن عبد رِبِّه (ت قبل 530 هـ)، رَوَى سَمَاعًا من أَبِي اللَّيْثِ ... ولَهُ إِجَازَةٌ من أَبِي الوَليْدِ الوَقَّشِيِّ. ذَكَرَهُ في الذَّيل والتَّكملة (5/ 54). 28 - عَتِيْقُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أحْمَدَ الأنْصَارِيُّ (ت؟ ). ذكره في الصِّلة (2/ 451). 29 - عَلِيُّ بنُ عَزْلُون، أبُو الحَسَن (ت قريبًا من 484 هـ). روى عن أبي الوليد الحَدِيْثَ. ذَكَرَهُ في الذَّيل والتَّكملة (5/ 282). 30 - عَلِيُّ بنُ محمَّدِ بن دري الطُّلَيْطُلِيُّ (ت 520 هـ). ذكره في الصِّلَةِ (2/ 245)، والمُعجم (2845)، والغُنية وفيه: "وَكَانَ قَدْ صحِبَ القَاضي أَبَا الوَليْد الوَقَّشِيَّ وَأَخَذَ عَنْه". 31 - مُحَمَّدُ بنُ أحْمَد بن إِسْمَاعِيْلَ، أبُو عَامِرٍ الطُّلَيْطُلِيُّ (ت 523 هـ) ذكره في: الصِّلة (578)، والحُلَلِ السُّنْدُسِيّة (2/ 25). 32 - مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حِصْنٍ الأنْصَارِيُّ (ت قبل 520 هـ) من أَهْلِ بَلَنْسِيَةَ. سَمِعَ أَبَا الوَليدِ الوَقَّشِيَّ وَلازَمَهُ مِن سَنَةِ إِحْدَى وَثَمَانِيْن إلى سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْن. وَأَخَذَ عَنْهُ "المُوَطَّأ" وَغَيْر ذلك، ذَكَرهُ في: التَّكْمِلَة (1/ 424). 33 - مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَد بنِ مُحَمَّد بنِ أحْمَدَ بنِ سَهْلٍ الأنْصَارِيُّ (ت؟ ). ذَكَرَهُ في التَّكْملة (423)، والذَّيل والتَّكملة (6/ 32)، قَال المَرَّاكُشِيُّ: "رَوَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ عِيْسَى ... وَأبي الوَليْدِ الوَقَّشِيِّ واختُصَّ بِهِ، وَكَانَ قَارِئَ مَجْلِسِهِ ... ". 34 - مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ، أبُو عَبْد اللهِ الأنْصَارِيُّ (ت 477 هـ) سَرَقُسْطِي يُعْرَفُ بـ "ابنِ حَبِيْبٍ". ذَكَرَهُ في التَّكملة (1/ 397)، والذَّيل والتَّكملة (6/ 49).
35 - مُحَمَّدُ بنُ إدْرِيسَ بنِ عُبدِ اللهِ بنِ يَحْيى المَخزُوميُّ (ت 546) مِنْ أَهْلِ بَلَنْسِيَةَ، لَقِيَ أَبَا الوَليد وَلازَمَهُ، قَال ابنُ عَيَّادٍ، لَقِيَهُ صَبِيًّا، وَأَخَذَ عَنهُ في تِلْكَ الحَالِ فلِذلِكَ لَمْ يُحَدِّثْ عَنْهم" قَال المَرَّاكُشِيُّ: "لازَمَ في صِغَرِهِ أَبَا الوَليْدِ الوَقِّشِيَّ وَأَخَذَ عَنْهُ، لَكِنَّهُ لَمْ يُحَدِّثْ عَنْهُ، إِذْ لَمْ يَثِقْ بِمَا أَخَذَ عَنْه". ذَكَرَهُ في: التَّكْملة (2/ 474)، والذَّيل والتَّكملة (6/ 110). 36 - مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرِ بن خَيَرَةَ، أبُو عَامِرٍ البلَنْسِيُّ الخَطِيْبُ يُعْرَفُ بـ "ابن شَرَويّةَ" سَمِعَ أَبا الوَليْدِ الوَقَّشِيَّ واختُصَّ به، وَلازَمَهُ، وَرَوَى عَنْهُ "السِّيرة النَّبويَّة" بسنده وعُمِّرَ طَويْلًا (ت 546 هـ) وهو صِهْرُ أَبِي الوَليْدِ. وَقَدْ تُكُلِّمَ في الرِّواية عَنْه لِصغَرِهِ؟ ! قَال المَرَّاكُشِيُّ: "وَمَا تُكُلِّمَ فيه في ذلِكَ فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ؛ فَقَدْ وَقَفْتُ عَلَى خَطِّ أَبِي بَحْرٍ سُفْيَانَ بنِ العَاصِي في طَبَقَةِ سَمَاعِ جَمَاعَةٍ من أَبِي الوَليْدِ، ومِنْهُم أَبُو عَامرٍ هَذَا فَاعْلَمْ ذلِكَ، وَكَيْفَ يَكُوْن سَبَبُ تَكَلُّمِهِم عَنْهُ في الرِّوَايَةِ عَنْهُ لِصِغَرِهِ وَقَدْ قَالُوْا إِنَّه تُوفِيَ سَنَةَ سَبع وأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِمَائَة، قَالُوْا: وَقَدْ قَارَبَ المَائَة ولا تُعْرَفُ سَنَةُ مِيْلادِهِ لأنَّهُ "كَانَ أَضَنَّ النَّاسِ بالإعْلامِ بِمَوْلدِهِ" وَعَلَى قَوْلهِم هَذَا فَمَوْلدُهُ في حُدُوْدِ الخَمْسِيْن وَأَرْبَعِمَائَةَ، وَوَفاةُ أَبِي الوَليْدِ سَنَةَ (489 هـ)؟ ! " ذَكَرَهُ في التَّكملة (2/ 478)، والذَّيل والتَّكملة (6/ 152). 37 - مُحَمَّدُ بنُ سَعَادَةَ بنِ عُمَرَ الأنْصَارِيُّ (ت نحو 531 هـ)، يُعْرَفُ بـ "ابنِ قَدِيْمٍ" تَفَقَّه بِأَبي الوَليْدِ الوَقَّشِيِّ، كَذَا قَال في التَّكْملة (1/ 434)، والذيل والتكلملة (6/ 210). 38 - مُحَمَّدُ بنُ سَعْدِ بن زَكرِيَّا الدَّانِيُّ (ت بعد 516 هـ). صَاحِبُ "التَّذْكِرةِ
السَّعْدِيَّةِ" وَهِيَ ذِكْرَى الشُّعَرَاءِ واخْتِيَارٍ من أَشْعَارِهِمْ، وَقَد اخْتَارَ فِيْهَا قَصِيْدَةً لأبِي الوَليْدِ الوَقِّشِيِّ. ذَكَرَهُ في التَّكْملة (1/ 417)، والذَّيل والتَّكملة (6/ 202). 39 - مُحَمَّدُ بنُ سُفْيَان بنِ العَاصِي، تَقَدَّمَ ذِكْرُ إلِيْهِ، ذَكَرَهُ المَرَّاكُشِيُّ في الذَّيْل والتَّكْملة (6/ 216)، قَال: "رَوَى عَنْ أَبِيْهِ، وَأَبِي الوَلِيْدِ الوَقَّشِيِّ وَشَارَكَ أبَاهُ فِيْه" وَلَمْ يَذْكُرْ وَفَاتَهُ. 40 - مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَان النِّفْزِيُّ اللُّغَويُّ المَعْرُوْفُ بـ "ابنِ أُخْتِ غَانِمٍ" (ت 525 هـ) ذكره في الصِّلة (578)، والغنية (59)، وَفِيْهَا تَتَلْمُذُهُ عَلَى أَبِي الوَليْد الوَقَّشِيِّ، والمُغرب (1/ 413) ... وفي المُغْرِبِ وَغَيْرِهِ: "أَبُو عَبْدِ الله مُحَمَّدُ بنُ مَعْمَرٍ اللُّغَويُّ" التَّكملة (423). 41 - مُحَمَّد بنُ عُثْمَان بن حُسَيْنٍ البكْرِيُّ (ت بعد 519 هـ) أَجَازَهُ أبُو الوَليْدِ الوَقَّشِيُّ وَكَتَبَ إِلَيْهِ من بَلَنْسِيَةَ سَنَةَ (485 هـ). التَّكملة (1/ 422)، والذَّيل والتَّكملة (6/ 430). 42 - مُحَمَّدُ بن عُمَرَ بنِ عَبْدِ اللهِ بن مُحَمَّدٍ العُقَيْلِيُّ القَبَّابُ (ت 530 هـ) رَوَى عن أَبِي الوَليْدِ الوَقَّشِيِّ، وَابْنِ السِّيْد ... " من أَهْلِ بَلَنْسِيَةَ. كَذَا في التَّكملة (1/ 433). 43 - محَمَّدُ بنُ أبي المِسْكِ، من أَهْلِ دَانِيَةَ (ت بعد 491 هـ) ذكره في التَّكْملة (1/ 405). 44 - مَرْوَانُ بنُ مُحَمَّدِ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ التُّجَيْبِيُّ، مِنْ أَهْلِ بَلَنْسِيَةَ (ت بعد 488 هـ) ذكره في التَّكملة (693). 45 - مُفَرِّجُ بنُ فُيُرَّةَ، أبُو الحَسَن الشِّنْتِجَالِيُّ (ت في حدود 480 هـ). ذكره في التَّكملة (2/ 721).
توليه القضاء
46 - يَحْيى بنُ مُحَمَّدٍ، أبُو بَكْرٍ السَّرَوقسْطِيُّ (ت نحو 520 هـ). ذَكَرَهُ في: التَّكملة رقم (2037). 47 - القَاضِي ابنُ فَيْرُوْز. ذَكَرَهُ القَاضِي عِيَاضٌ في مَشْيَخَتِهِ التي صَنَعَهَا له. كما أَفَادَ يَاقُوتُ الحَمَويُّ في مُعْجَمِ البُلدان (5/ 438). تَوَلِّيه القَضَاءَ: ذَكَرَ المُؤَرِّخُون أَنَّ أَبَا الوَليْدِ تَوَلَّى قَضَاءَ طَلْبِيْرَةَ، و"طَلْبِيْرَةَ": مَدِيْنَةٌ في أَقْصَى ثُغُور الأنْدَلُسِ، وَقَلْعَتُهَا أَرْفَعُ القِلاع حِصْنًا، وَمَدِيْنَتُهَا أَشْرَفُ البِلادِ حُسْنًا، بَيْنَهَا وَبَيْنَ طُلَيْطُلَةَ سَبْعُونَ مِيْلًا، وَ"طُلَيْطُلَةُ" مِنْ أَعْظَمِ بِلادِ الأنْدَلُسِ وَأَكْبَرِهَا، وَهِيَ دَارُ المُلْكِ بالأنْدَلُسِ، حِيْنَ دَخَلَهَا طَارِقُ بنُ زِيَادٍ رحمه الله. وَقَاضِي طُلَيْطُلَة رَئيْسٌ لِقُضَاةِ نَوَاحِيْهَا والبُلْدَان التَّابِعَة لَهَا بِمَا فِيْهَا طَلْبِيْرَة، إذًا فـ "طَلْبِيْرَةُ" المَذْكُوْرَةُ هُنَا مِنْ أَعْمَالِها وَنَوَاحِيْهَا، جَاءَ في تَرْجَمَةِ أَحْمَدَ بنِ يَحْيَى بْنِ سُمَيْقٍ (ت 451 هـ) (¬1): "وقَصَدَ طُلَيْطُلَةَ فَسَكَنَهَا، وَوَلَّاه أَبُو مُحَمَّدِ بنِ الحَذَّاءِ أيَّام قَضَائِهِ بِهَا أَحْكَامَ القَضَاءَ بِطَلْبِيْرَةَ، فَسَارَ بِهِمْ بِأحسَنِ سِيْرَةٍ، وَأَقُوْمِ طَرِيْقَةٍ، وعَدَلَ في القَضِيّة". وَأَبُو مُحَمَّدٍ المَذْكُوْرُ هو نَفْسُهُ أبُو عُمَرَ الحَذَّاء، شَيْخُ الوَقَشِيِّ السَّالِفِ الذِّكْرِ في مَبْحَثِ شُيُوْخِهِ. وَمَمْلَكَةُ طُلَيْطُلَةَ في زَمَنِ أَبِي الوَليْدِ تَحْتَ حُكْمِ الأمِيْرِ المَأْمُوْن يَحْيَى بنِ الظَّافِرِ بن ذِي النُّوْنِ (429 - 467 هـ) (¬2) أَحَدُ مُلُوْك الطَّوَائِفِ بالأنْدَلُسِ، وَكَانَ ¬
أَبُو الوَليْدِ يَتَرَدَّدُ إِلَى مَجَالِسِهِ (¬1)، وَكَانَ الأمِيْرُ المَذْكُوْرُ يَصِفُهُ بِـ"القَاضِي". وَقَدْ وَلِيَ قَضَاءَ طُلَيْطُلَةَ في زَمَنِ الأمِيْرِ المَذْكُوْرِ عَدَد مِنَ العُلَمَاءِ (¬2) مِنْهُمْ: - أبُو عُمَرَ أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن يَحْيَى الحَذَّاءُ (ت 467 هـ) (¬3). - ثُمَّ وَلِيَ بَعْدَهُ: أحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحمن بنِ مُحَمَّدِ بنِ صَاعِدِ بنِ وَثيقٍ التَّغْلِبِيُّ (ت 449 هـ) قَاضِيًا. قَال ابنُ بَشْكوال: "اسْتقْضَاهُ المَأْمُونُ يَحْيَى بنُ ذِي النُّوْن بطُلَيْطُلة بَعْدَ أَبِي عُمَرَ الحَذاءِ". - ثُمَّ أبُو الوَلِيْد صَاعِدُ بنُ أَحْمَدَ بن عَبْد الرَّحْمَن التَّغْلِبيُّ (ت 462 هـ) وَتُوفِيَ وَهُوَ قَاضِيهَا (¬4). - ثُمَّ وَلِيَ القَضَاءَ بَعْدَهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّد بن عِيْسَى، يُعْرَفُ بـ "الحَشَّاء" (ت 473 هـ). قَال ابنُ بَشكوال (¬5): "اسْتَقْضَاهُ المَأْمُوْنُ يَحْيَى بنُ ذِي النُّونِ بِطُلَيْطُلَةَ بَعْدَ أَبِي الوَليْدِ صَاعِدٍ في الخَمْسِيْن وَأَرْبعمائة ... ثمَّ صُرِفَ عَنْهَا سَنَةَ سِتِّينَ "وَيَبْدُو أنَّ القَاضِي أبَا الوَليْدِ صَاعِدًا عَادَ إِلَى القَضَاءِ سَنَةَ سِتيْن حَتَّى وَفَاتِهِ ¬
سَنَةَ (62 هـ) عَلَى مَا تَقَدَّمَ. - ويظهر أيضًا أنَّه وَلِيَهَا بَعْدَهُمَا القَاضِي: الفَرَجُ بنُ أبِي الفَرَج بنِ يعلَى التُّجَيْبِيُّ (ت 470 هـ) (¬1). - وَوَلِيَ قَضَاءَهَا أَيْضًا: أحْمَدُ بنُ يُوْسُف بنِ أَصْبغَ بنِ خَضِرٍ الأنْصَارِيُّ (ت 480 هـ) (¬2). - وَآخرُ قُضَاتِهَا زَمَنِ الأمِيْرِ المَذْكُوْرِ هُوَ سَعِيْدُ بنُ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الحَدِيْدِيُّ التُّجَيْبِيُّ (ت 472 هـ) قَال ابْنُ بشكوال (¬3): "وَتَوَلَّى القَضَاءَ بطُلَيْطُلَةَ بتَقْدِيْمِ المَأْمُون يَحْيَى بنِ ذِي النُّوْنِ، وَكَانَ حَسَنَ السِّيْرَةِ، جَمِيْلَ الأخْلاقِ ... لَمْ يَزَلْ يَتَوَلَّاهَا مُدَّةَ المَأْمُوْنِ إِلَى أَنْ تُوُفِيَ" أَيْ: تُوُفِيَ المَأْمُوْن. وَأَمَّا "طَلْبِيْرَةُ فَتَوَلَّى قَضَاءَهَا عدَدٌ مِنَ العُلَمَاءِ في زَمَنِ الأمِيْرِ المَذْكُوْرِ مِنْهُمْ صَاحِبُنَا أَبُو الوَليْدِ الوَقَّشِيُّ. - وَمِنْهُم أحْمَدُ بنُ يَحْيَى بنِ سُمَيقٍ (ت 451 هـ) (¬4). - وَعُثْمَانُ بنُ عِيْسَى المَعْرُوفُ بـ "ارفع رأسه" (¬5). - وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَزْمٍ الأنْصَارِيُّ (ت 478 هـ) (¬6) مِنْ مُعَاصِرِي أَبِي الوَليْدِ. ¬
الوقشي في طليطلة
- وأمَّا عَبْدُ اللهِ بنُ فَرَجِ بنِ غَزْلُوُن اليَحْصُبِي المَعْرُوْفُ بـ"الغَسَّالِ" فَهُوَ مِنْ مُعَاصِرِي أَبِي الوَليْدِ أَيْضًا وَأَقْرَانِهِ. وَذَكَرَ ابنُ بشكوال (¬1) "أَنّه استَقْضَى بطَلْبِيْرَةَ بَعْدَ أَبِي الوَليْدِ الوَقَّشِيِّ قَدِيْمًا". كذا قَال. هَؤلاءِ هُم الَّذِيْن عَرَفْتَهم ممن تَوَلَّى قَضَاءَ طَلْبِيْرَةَ في زَمَنِ الأمِيْرِ المَذْكُوْرِ، وَلَا أَعْرِفُ تَرتيْبهم الزَّمَنِي وإنْ كُنْتُ أظن أَنْ أَقْدَمَهُم ابنُ سُمَيْقٍ؛ لأنَّهُ كَانَ في فَتْرَةِ قَضَاءِ أَبِي عُمَرَ الحَذَّاءِ (ت 467 هـ)، وَهُوَ أَقْدَمُ مَنْ تَوَلَّى قَضاءَهَا زَمَنَ الأمِيْرِ المَأْمُوْن، وَيَلِيْهِ الشَّيْخُ أَبُو الوَليْدِ الوَقَّشِيُّ الَّذِي تَوَلَّى القَضَاءَ زَمَن أَبِي عُمَرَ أَيْضًا سَنَةَ (438 هـ) حَيْثُ لَقِيَهُ صَاعِدُ بنُ أَحْمَدَ بطُلَيْطُلَةَ وَهُوَ مُتَقَلَّدٌ القَضَاءَ بَيْنَ أَهْلِ طَلْبِيْرَةَ في السَّنَةِ المَذْكُوْرَةِ. الوَقشِيُّ فِي طُلَيْطُلَةَ: وَكَانَ الأمِيْرُ يَحْيَى بنُ الظَّافِرِ بنِ ذِي النُّوْنِ (ت 467 هـ) مُحِبًّا للعِلْمِ والعُلَمَاءِ، فَازْدَهَرَتِ الحَرَكَاتُ العِلْمِيّةُ والثَّقَافِيّةُ في مَمْلَكَتِهِ طُلَيْطُلَةَ وَكَثُرَ فِيْهَا العُلَمَاءُ مِنَ الأنْدَلُسِ وَخَارِجَهَا، فَقَدْ ذَكَرَ ابنُ بَشكوال في تَرْجَمةِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ عَبْدِ العَريْزِ التَّمِيْمِيُّ الحَنْبَلِيُّ أَبُو الفَضْلِ البَغْدَادِيُّ (ت 455 هـ) بطُلَيْطُلَةَ (¬2) أَنّهُ دَخَلَ الأنْدَلُسَ فَلَقِيَ مُلُوْكَهُمْ، وَحَظِيَ عِنْدَهُم بِأَدَبِهِ وَعِلْمِهِ، واسْتَقَرَّ بطُلَيْطُلَةَ في كَنَفِ المَأْمُوْنِ يَحْيَى بن ذي النُّوْنِ. وَذَكَرُوا أَيْضًا أَنَّ أَبَا مُحَمَّدِ بن السِّيد البَطْلَيوْسيَّ (ت 521 هـ) كَانَ مِنْ جُلَسَاءِ الأمِيْر يَحْيَى، ¬
الوقسي في بلنسية
يَحْضُرُ مَجَالِسَهُ ويُنْشِدُهُ الأشْعَارَ وَيَمْدَحُه (¬1). وَمِمَّا يؤخذُ عَلَى الأمِيْرِ المَذْكُورِ أَنّهُ كَانَ عَلَى خِلافٍ وَاسِعٍ مَعَ مُلُوْكِ الطَّوائِفِ في الأنْدَلُسِ، وَبَيْنَهُم حُرُوْبٌ وَغَارَاتٌ مُدَمِّرَةٌ، وَأَنّه كَانَ يَسْتَعِيْنُ بالفِرِنْجَةِ ضِدَّهُم مِمَّا مَهَّدَ لهَؤُلاءِ بِالاسْتِيْلاءِ عَلَى مَمَالِكِ الإسْلام بالأنْدَلُسِ، والتّنكِيْلِ بِهِم، وَسَوْمِهِم سُوْءَ العَذَابِ، مِنْ تَقْتِيْلٍ وَتَشْرِيْدٍ، وَتَجْويعٍ وَإِخَافَةٍ، وَأَنّهُ كَانَ مُبَالِغًا جدًّا في بِنَاءِ القُصُوْرِ وَإِظْهَارِ التَّرَفِ في ذلِكَ إلَى حَدٍّ كَبِيْرٍ جِدًّا (¬2). وبوَفَاةِ الأمَيْرِ المَذْكُوْرِ وَتَوَلَّى حَفِيْده القَادِرِ باللهِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ يُحْسِنُ مُعَاشَرَةَ العُلَمَاءِ وَلَا الإقْبَالِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ مُؤَهَّلًا لِحُكْمِ بِلادِهِ طُلَيْطُلَةَ فَانْتَشَرَتْ الفَوْضَى وَعَمَّ الفَسَادُ (¬3)، وَكَانَ سلَفُهُ -كَمَا قُلْنَا- قَدْ مَهَّدَ لِلْبُغَاةِ الطَّامِعِيْن في البِلادِ مِن الإفْرَنْجَةِ بِدُخُوْلهَا فاسْتَغَلُّوْا هَدهِ الظُّرُوْفَ واسْتَوْلُوْا عَلَى المَدِيْنَةِ وَتَوَابِعِهَا وَسَقَطَتْ في أَيْدِيْهِمْ سَنَةَ (478 هـ) (¬4). الوَقَّسِيُّ في بَلَنسيَة: رَحَلَ أبو الوَليْدِ إلى بَلَنْسِيَةَ في ظِلِّ هَذِهِ الظُّرُوْفِ المُتَلاحِقَةِ في طُلَيْطُلَةَ الَّتِي مِنْهَا وَفَاةُ المَأْمُوْنِ، ثُمَّ بَطْشُ حَفِيْدِه القَادِرِ بِاللهِ وَظُلْمُهُ، وَمُحَاصَرَةُ الفِرِنْجةِ لِلْبَلدَةِ، ثُمَّ الاسْتِيْلاء عَلَيْهَا. وَلَا أَدْرِي مَتَى كَانَ رَحِيْلُهُ عَمهَا، إلاَّ أَنَّه مِنَ المُؤَكَّدِ أَنّهُ كَانَ بِبَلَنْسِيَةَ قَبْلَ سَنَةَ (485 هـ) فَقَدْ جَاءَ في تَرْجَمَةِ تِلْمِيْذِهِ مُحَمَّدِ بنِ عُثْمَان ¬
بنِ حُسَيْنٍ البَكْرِيِّ الحِجَارِيِّ في التَّكْمِلَةِ لابْنِ الأبَّارِ (¬1) أَنَّهُ سمِعَ بِبَلْدَةِ وَادِي الحِجَارَةِ سَنَةَ (465 هـ) وَأَنَّ أَبَا الوَليْدِ الوَقَّشِيَّ كَتَبَ إِلَيْهِ مِنْ بَلَنْسِيَةَ سَنَةَ (485 هـ). وَذَكَرَ ابْنُ الأبَّارِ أَيْضًا في تَرْجَمَة قَاضِي بَلَنْسِيَةَ عَبْدِ اللهِ بنِ مَرْوَانَ بنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ وَالِدَهُ مَرْوَانَ قَدْ أَجَازَ لَهُ وَلأخِيْهِ أَحْمَدَ أبَا الوَليْدِ الوَقَّشِيَّ في عَقِبِ رَجَبَ سَنَةَ (477 هـ) (¬2) وَإِنْ كَانَ هَذَا التّأرِيْخُ لَيْسَ فِيْه دَلالة قَاطِعَةٌ عَلَى أَنَّ أبَا الوَليْدِ كَانَ في بَلَنْسِيَةَ نَفْسِها كَمَا هِيَ صَرِيْحَة في سَابِقِة؛ لأنَّهُ مِنَ المُحْتَمَلِ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمَا بِالإجَازَةِ وَهُوَ في طُلَيْطُلَةَ، إلا أَنّهُ مِمَّا يُؤنَسُ بِهِ؛ لأنَّهُ احْتِمَالٌ وَارِدٌ، بَلْ هُوَ قَويٌّ. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، فَقَد اسْتَقَرَّ أَبُو الوَليْدِ في بَلَنْسِيَةَ. وَكَانَ القَاضِي جَعْفَرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الجَحَّاف القَاضِي بِبَلَنْسِيَةَ (¬3) قَدْ ثَارَ ضِدَّ القَادِرِ بن ذِي النُّوْنِ أَمِيْرِ طُلَيْطُلَةَ الَّذِي سَلَّمَ بَلَدهُ لِلْفِرِنْجَةِ، وَأَغَارَ عَلَى بَلَنْسِيَةَ، وَخَلَعَ أَمِيْرَهَا عُثْمَانَ بنَ مُحَمَّدٍ العَامِرِيَّ سَنَةَ (478 هـ) (¬4) فَخَافَ أَهْلُهَا أَنْ يُسَلِّمَهَا إِلَى الفِرِنْجَةِ أَيْضًا، فَبَايَعُوا القَاضِي المَذْكُوْرَ، وتَسَلَّمَهَا وَقَتلَ القَادِرَ بن ذي النُّونِ، فَحَاصَرَهَا القَنْبيطور، وَضَيَّقَ عَلَى أَهْلِهَا حَتَّى تَرَدَّتْ أَحْوَالهَا إِلَى دَرَجَةٍ كَبِيْرَةٍ جِدًّا، حَتَّى أَكَلُوا الفِئْرَان والكِلابَ، وَلَمْ يَبْقَ فِيْهَا مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ، فَصَالحَ أَهْلَهَا، وَدَخَلَهَا سَنَةَ (488 هـ)، وَكَانَ السَّاعِي في الصُّلْحِ هُوَ صَاحِبُنَا القَاضِي أَبُو الوَليْد ¬
الوَقَّشِيُّ رحمه اللهُ، (¬1) ثُمَّ اتَّهَمَ القَنبيطورُ الأميرَ القَاضِي، ابنَ الجَحَّاف بِأَنَّه أَخْفَى عِنْدَه بعْضَ الأمْوَالِ والمُدَّخَرَاتِ والنَّفَائِسِ الَّتِي كَانَتْ للقَادِرِ بْنِ ذِي النُّوْنِ، فَأَقْسَمَ أَنّهَا لَيْسَتْ عِنْدَهُ، فَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ إِنْ وَجَدَهَا عِنْدَه قَتَلَهُ، فَاتَّفَقَ أَنّهُ وَجَدَهَا عِنْدَهُ فَأَحْرَقَهُ بِالنَّارِ في حَادِثَةٍ مُخِيْفَةٍ جِدًّا، هَيَ مِنْ أَبْشَعِ الحَوَادِثِ الَّتِي ارْتُكبَتْ هُنَاكَ (¬2) وَمِثْلِ ذلِكَ فعَلَ بكَثِيْرٍ مِنَ العُلَمَاءِ والأُدَبَاءِ وَغَيْرِهِم، وللعُلَمَاءِ والشُّعَرَاءِ والكُتَّاب أَشْعَارٌ وأَخْبَارٌ في هَذَا الحَادِثِ المُفْجِعِ (¬3) مِنْهَا قَصِيْدَةٌ لصَاحِبِنَا أَبِي الوَليْدِ الوَقَّشِيِّ فُقِدَتْ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا تَرْجَمَةٍ لَهَا باللُّغَةِ الأسْبَانِيّةِ (¬4). وَيَظْهَرُ أَنَّ صَاحِبَنَا أَيْضًا الْتزمَ للمُسْلِمِيْنَ بِالقَضَاءِ، فَقَدْ جَاءَ في "مُعْجَمِ البُلْدَانِ" نَقْلًا عَن القَاضِي عِيَاضٍ رحمه اللهُ في "مَشْيَخَةِ ابنِ فَيْرُوْز" (¬5)، وَلكِنْ لَا أَدْرِي هَلْ هُوَ بَعْدَ هَذِهِ الحَادِثَةِ أَوْ قَبْلَهَا زَمَنَ إِمْرَةِ القَاضِيْ ابْنِ الجَحَّافِ الَّذِي اسْتَمَرَّ مُلْكُهُ عَلَى بَلَنسِيَةَ مُدَّةً تَزِيْدُ عَلَى ثَلاثِ سِنِيْن. وَالَّذِي يَتَرَجَّحُ عِنْدِي أَنَّهُ كَانَ قَاضِيًا في إمْرةِ ابنِ الجَحَّافِ؛ لِذَا قَدَّمَهُ أَهْلُ بَلَنْسِيَةَ للقِيَامِ بالصُّلْحِ؛ نَظَرًا لشُهْرَتِهِ العِلْمِيّة وَوَجَاهَتِهِ وَنزاهَتِهِ، وَمَنْصِبِهِ المَرْمُوْقِ الَّذِي يُضْفِي شَيْئًا مِنَ الشَرعيّةِ عَلَى قِيَامِهِ بِمِثْلِ هَذَا الدَّوْرِ الهَامِّ، فَفَعَلَ وَتَمَّ لَهُ مَا أَرَادَ، وَحَقَنَ بِذلِكَ ¬
الوقشي في دانية
دِمَاءَ كَثيْرٍ مِنَ المُسْلِمِيْنَ. وإِنْ صَحَّ أَنَّه وَلِي قَضاء بَلَنْسية فَإِنَّهَا مُدةٌ وَجِيْزةٌ، فَلَدَيْنَا نَصَّان يؤكِّدُ أَحَدُهُمَا أَنَّ القَاضِي ابن الجَحَّاف لَمَّا وَلِيَ الإمَارَةَ في بَلَنْسِيَةَ قَدَّمَ ابنَ عَمِّه عَبْدَ الله بن عَبْدِ الرَّحمن بن عبد الله بن عبد الرَّحمن بن جحَّافٍ المعافريَّ للقَضَاءِ بِهَا، كَذَا قَال ابن الأبَّار (¬1)، ويؤكِّد النَّصُّ الآخر أَنَّ القنبيطور لَمَّا دَخَلَ بَلَنْسِيَةَ صُلْحًا -كَمَا أَشَرْنَا- خَلَعَ القَاضِي عَن الحُكْمِ والمُلْكِ وأَبْقَاهُ في القَضَاءِ (¬2). الوقَّشِيُّ في دَانِية: يَظْهَرُ أنَّ أَبَا الوَليْدِ لَمْ يَطِبْ لَهُ البَقَاءُ في بَلَنْسِيَةَ بَعْدَ سُقُوْطِهَا في يَدِ العَدُوِّ فَغَادَرَهَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا إِلَى دَانِيَةَ، وَذلِكَ بَعْدَ سُقُوْطِهَا مُبَاشَرَةً، فَلَعَلَّهُ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ غَدْرِ القنبيطور، وَهَذَا مَا يُرَجِّحُ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ مِنْ أَنَّ تَوَلِّيْه القَضَاءَ كَانَ قَبْلَ سُقُوْطِ بلَنسِيَةَ؛ لأنَّهُ تُوفِّيَ في العَامِ الَّذي يَلِي العَامَ الَّذِي سَقَطَتْ فِيْه، فَلَا نَعْرِفُ مَتَى وَصلَهَا إلا أَنّهُ لَمْ يَلْبَثْ فِيْهَا طَويْلًا، وَلَا نَعْرِفُ لَهُ بِهَا نَشَاطًا، وَوَفَاته في بَيْتِ خَالِ أَحَدِ طَلَبَتِهِ تُوْحِي بِأنَّه لَمْ يَتَأَهَّلْ بِالمَدِيْنَةِ المَذْكُوْرَةِ بَعْدُ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ بِهَا شُهْرَةٌ بسَبَبِ سُمْعَتِهِ العِلْمِيّةِ الجَيِّدَةِ، وَأَمَّا نَسبةُ "الدَّانِي" في تَلامِيْذِهِ، فَلَا تَدُلُّ لَا مِنْ قَرِيْبٍ وَلَا مِنْ بَعِيْدٍ عَلَى أَنهُ دَرَّسَهُم بِهَا، وَلَوْ قِيْلَ عَكْسُ ذلِكَ لَكَانَ أَقْرَبُ لِلصوَابِ؛ لأنَّ طَالِبَ العِلْمِ بِدَانِيَةَ لَا يُقَال لَهُ في الغَالِبِ في داخِلَ في دَانِيَةَ: الدَّانِي؛ إِنَّمَا يُقَال لَهُ ذلِكَ إِذَا كَانَ خَارِجَهَا. والَّذي أُرَجِّحُهُ أَنّهُ لَمَّا وَصَلَ دَانِيَةَ فَارًّا بِدِيْنهِ، خَائِفًا وَجِلًا منَ الطَّاغَيةِ، ¬
هل ولي أبو الوليد قضاء طليطلة ودانية؟
مَعَ كِبَرِ سِنِّهِ إِذ تَجَاوَزَ الثَّمَانِيْنَ، وَقَد لَحِقَهُ مَا لَحِقَ أَهْلَ بَلَنْسِيَةَ في الحِصَارِ من الجُوع والألَمِ والخَوْفِ، وَصَلَهَا -فِيْمَا يَظْهَر- مُرْهَقًا، وَرُبَّمَا مَرِيْضًا، فَلَمْ تُمْهِلْهُ المَنِيَّة حَتَّى تُوفيَ بُعَيْدَ وُصُوْلهَا بِأَشْهُرٍ عَلَى مَنْ يَرَى أَنّه تُوفي سَنَةَ (588 هـ) رُبما بِأَيَّامٍ أَيْضًا، أَوْ في حُدُوْدِ السَّنَةِ على مَنْ يَرَى أَنّهُ تُوفِّي سَنَةَ (489 هـ) وهو الرَّاجِحُ. هل ولي أَبُو الوليدِ قَضَاءَ طُلَيْطُلَة وَدَانِيةَ؟ أَمَّا قَضَاء طُلَيْطُلَة فَالأمْرُ عِنْدِي غَيْرُ مُسْتبعَدٍ، فَأكثَرُ إِقَامَتِهِ كَانَت فِيْها حَتَّى مَعَ تَوَلِّيه قَضَاءَ طَلْبِيْرَة، مَعَ أَنَّ النُّصُوْصُ الصَّرِيْحَةُ غَيْرُ مَوْجُوْدَةٍ، لكِنْ هُنَاكَ إِشَارَةٌ وَرَدَتْ عِنْدَ المَقَّرِيِّ وَهِيَ قَوْلُه (¬1): قَال القَاضِي الأدِيْبُ، والفَيْلَسُوْفُ الأَرِيْبُ أبُو الوَليْدِ الوَقَّشِيُّ قَاضِي طُلَيطُلَةَ" فَهَلْ كَانَ أبُو الوَليْدِ حَقًّا قَاضِيًا فِيْهَا، وَلَوْ لفَتْرَةٍ يَسِيْرَةٍ؟ بالأصَالةِ أَوْ بالنَيَابَةِ، أو هِيَ سَبْقُ قَلَمٍ مِنَ المَقَّرِيِّ رحمه الله أَرَادَ أَنْ يَقُوْلَ: قَاضِي طَلْبِيْرَةَ فَقَال: قَاضِي طُلَيْطُلَةَ، وَهُنَاكَ إِشَارَةٌ أُخْرَى لَدَى ابنِ خَلِّكَان (¬2) أَنَّه وَلِيَ القَضَاءَ بِدَانِيَةَ؟ ! قَال في تَرْجَمَةِ تِلْمِيْذِهِ أُمَيَّةَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ: "أَخَذَ العِلْمَ عن جَمَاعَة من الأنْدَلُسِيِّين كَأبي الوَليْدِ الوَقَّشِيِّ قَاضِي دَانِيَةَ". وَفَاته: تُوفِي أَبُو الوَليْد يَوْم الاثْنينِ لِلَيْلَةٍ بَقِيَت من جُمَادَى الآخرة سنَة تسعِ وَثَمَانِيْن وَأَرْبَعمائة بِدَانيَة في دَارِ خَالِ أَبِي بَكْرٍ عَتِيْقِ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ المُقرِئُ، ¬
آثاره (أشعاره ومؤلفاته)
وَعَتِيْق المَذْكُوْرُ أَحَدُ طَلَبَتِهِ، جَاءَ في هَامش تَرْجَمَة أَبِي الوَليْد في كِتَاب "الصِّلَة" (¬1)، وَقَدْ أَخْبَرَ بحِكَايَةٍ طَرِيْفَةٍ في ذلِك القَاضِي أَبُو القَاسِمِ بنُ حُسَيْنٍ -عَفَا اللهُ عَنْهُ- وَذلك أنَّه اشْتَهَى ... " وَهِيَ عِبَارةٌ مَبْتُوْرَةٌ؟ ! ودُفِنَ يَوْمَ الثُّلاثَاء بإِزَاءِ الجَامعِ القَدِيْمِ بِدَانِيَةَ. وَذكَرَ ابْنُ عَبْدِالمَلِكِ المَرَّاكُشِيُّ في "الذَّيْل والتَّكْملة" (¬2) أَنَّ عَبْدَ المَلِكِ بنَ مُحَمَّدِ بنِ زهرٍ الإيَادِيَّ (¬3) الطَّبِيْبَ المَشْهوْرَ تُوفي بِدَانِيَةَ، ودُفِنَ بإزاءِ الجَامِعِ القَدِيْمِ مَعَ قَبْرِ أَبِي الوَليْدِ الوَقَّشِيِّ. وَذَكَرَ ابْنُ الأبارِ (ت 659 هـ) أَنَّ هَذَيْنِ القَبْرَيْنِ لَمْ يَكُوْنَا مَعْرُوْفَيْنِ في عَصْرِهِ. وَمَا ذَكَرْتُهُ في سَنَةِ وَفَاتِهِ مَحَلُّ اتِّفَاقِ أَغْلَبِ المُؤَرِّخِيْن وَمُتَرْجِمي سِيْرَتهِ وَنَقَلَ يَاقُوْتُ الحَمَويُّ في "مُعْجَمِ البُلْدَانِ" (¬4) عَن القَاضِي عِيَاضٍ، وَالحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ في "لِسَانِ المِيْزَانِ" (¬5) أَنَّ وَفَاتَهُ سَنَةَ (488 هـ) وَلَعَلَّ الأوَّلَ هُوَ الصَّحِيْحُ. وَعِبَارَةُ القَاضِي: وَقِيْلَ ... وَهِيَ عِبَارَة ضَعِيْفَةٌ. آثَارُهُ (أشْعَارُهُ ومُؤَلَّفَاتِهِ): أ- أشْعَارُه: لَمْ يَكُنْ أَبُو الوَليدِ شَاعِرًا مَطْبُوعًا كَثيرَ الشِّعرِ جَيِّدَهُ وَإِنْ وَصَفَهُ صَاعِدٌ بأَنَهُ: "بَلِيغٌ، مُجِيْدٌ، شَاعِرٌ، مُتَقَدِّمٌ" (¬6) وَصَفَهُ يَاقُوْتٌ في "مُعْجَمِ الأُدَبَاءِ" ¬
بِأَنَّهُ (¬1): "كَانَ أَدِيْبًا، كَاتِبًا، شَاعِرًا" وَمَا حُفِظَ مِنْ شِعْرِهِ قَلِيْلٌ جدًّا لا يَكْفِي لِلْحُكْمِ النِّهَائِي عَلَى شاعِريَّتِهِ، وَلَعَلَّ مِنْ أَشْهَرِ شِعْرِهِ قَصِيْدَتَهُ الَّتِي رَثَى بِهَا بَلَنْسِيَةَ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهَا، وَلِلأنْدَلُسِيِّيْنَ قَصَائِدُ في رِثَائِهَا كَمَا جَاء في "نَفْحِ الطِّيْبِ" (¬2) وَلَمْ يَذْكُرْهَا، وَفِي التَّكْمِلَةِ لابنِ الأبَّارِ (¬3): أَنَّ الحَكَمَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي العَاصِي الأنْصَارِيَّ الخَزْرَجِيَّ (ت قَبْلَ 580 هـ) كَانَ يَرْوي بَعْضَ شِعْرِ أَبِي الوَليْدِ الوَقَّشِيِّ .. وَأَنَّ عَمْرَو بْنَ عَبَّادٍ أَخَذَهُ عَنْهُ. وَأَنَّ الحَكَمَ المَذْكُوْرَ مِنْ أَهْلِ شَارِقَةَ مِنْ عَمَلِ بَلَنْسِيَةَ. وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ أبَا الوَليْدِ أَقَامَ طَويْلًا بِبَلَنْسِيَةَ. وَذَكَرَ ابنُ الأبَّار أَيْضًا (¬4): أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ سَعِيْدٍ الدَّانِي كَانَ حَيًّا سَنَةَ (516 هـ) وَهُوَ مِنْ تَلامِيْذِ أَبِي الوَليْدِ جَمَعَ كِتَابًا سَمَّاهُ "التَّذْكِرَةَ السَّعْدِيّةَ" أَنْشَدَ فِيْه قَصِيْدَةً لِلْوَقَّشِيِّ لَعَلَّهَا قَصِيْدَتَهُ الَّتِي رَثَى فِيْهَا مَدِيْنَةَ بَلَنْسِيَةَ. وَمِنْ شِعْرِ أَبي الوَليْدِ قَوْلُهُ (¬5): عَجَبًا لِلْمُدَامِ مَاذَا اسْتَعَارتْ ... مِنْ سَجَايَا مُعَذِّبِي وَصِفَاتِهْ طِيْبَ أنْفَاسِهِ وَطَعْمَ ثنايَا ... هُ وَسُكْرَ العُقُوْلِ مِنْ لَحَظَاتِهْ وَسَنَا وَجْهِهِ وتَوْرِيْدَ خَدَّيـ ... ـــه وَلُطْفَ الدِّيْبَاجِ مِنْ بَشَرَاتِهْ والتَّدَاويْ مِنْهُمَا كالتَّدَاويْ ... بِرِضَى مَنْ هَوَيْتُ مِنْ سَطَوَاتِهْ وَهْيَ مِنْ بَعْدِ ذَا عَلَيَّ حَرَامٌ ... مِثلُ تَحْرِيْمِهِ جَنَى رَشَفَاتِهْ ¬
وَقَال: (¬1) وَفَارِهٍ يَرْكَبُهُ فَارِهٌ ... مَرَّ بِنَا في يَدِهِ صَعْدَهْ سنَانُهَا مُشْتَمِلُ لَحْظَهُ ... وَقَدُّهَا مُنْتَحِلٌ قَدَّهْ يَزْحَفُ لِلنُّسَّاكِ فِي جَحْفَلٍ ... مِنْ حُسْنِهِ وَهُوَ يُرَى وَحْدَهْ قُلْتُ لِنَفْسِي حِيْنَ مُدَّت لَهَا الـ ... آمَالُ والآمَالُ مُمْتَدَّهْ لا تَطْمَعِي فِيْهِ كَمَا الشَّعْرِ لَا ... يُطْمَعُ في تَسْويْدِهِ خدهْ وَقَال (¬2): بَرَّحَ بِيْ أَنَّ عُلُوْمَ الوَرَى ... إِثْنَان مَا إِنْ فِيْهِمَا مِنْ مَزِيْد حَقِيْقَةٌ يُعْجِزُ تَحْصِيْلُهَا ... وَبَاطِلٌ تَحْصِيْلُهُ لَا يُفِيْد وَقَال (¬3): قَدْ بَيَّنَتْ فِيْهِ الطَّبِيْعَةُ أَنّهَا ... بِدَقِيْقِ أَعْمَالِ المُهَنْدسِ مَاهِرَهْ عُنِيَتْ بِمَبْسَمِهِ فَخَطَّتْ فَوْقَهْ ... بالمِسْكِ خَطًّا مِنْ مُحِيْطِ الدَّائِرَهْ وَقَال (¬4): لَا أَرْكَبُ البَحْرَ وَلَوْ أَنّني ... ضَرَبْتُ فيه بالعَصَا فانْفَلَقْ مَا أَنْ رَأَتْ عَيِنيَ أَمْوَاجَهُ ... في فِرَقٍ إلَّا تناهَى الفَرَق ¬
(ب) مؤلفاته
(ب) مؤلَّفاته: أَغْلَبُ مُؤَلَّفَاتِ أَبِي الوَليْدِ الوَقَّشيِّ تَعْلِيْقَات وتَنْبِيْهَات عَلَى كُتُبِ السَّابِقِيْنَ، هِيَ أَشْبَهُ بنَقْدِ الكُتُبِ وَإِصْلاحِ أَخْطَائِهَا، والزِّيَادَة عَلَيْهَا، أَوْ تَهْذِيْبِهَا، في عَبَارَاتٍ مُخْتَصَرةٍ، لكِنَّها في غَايَةِ الإجَادَةِ والإفَادَةِ، وَإِلَيْكَ أَسْمَاءَ مَا عَرَفْتُهُ مِنْهَا: 1 - "التَّعْلِيقُ على الكَامِلِ لِلْمُبَرِّد": من أَشْهَرِ مُؤَلَّفِاتِهِ، ورُبَّمَا عُرِفَ بـ "طُرر الكَامِلِ" أو "نكَتِ الكَامِلِ" و"حَاشِيَةٍ عَلَى الكَامِلِ" وَهُو عَلَى تَسْمِيَتِهِ تَعْلِيْقَاتٌ مُخْتَصَرة مُفِيْدَة كَمَا قُلْنَا عَلَى كِتَابِ "الكَامِلِ في اللُّغَةِ وَالأدَبِ" لأبِي العَبَّاسِ مُحَمَّدِ بنِ يَزِيْدَ المُبَرِّدِ (ت 285 هـ) وَ"الكَاملُ" كِتَابٌ مَشْهَوْرٌ جَدًّا يتَدَارَسُهُ العُلَمَاءُ وَطَلَبَةُ العِلْمِ جِيْلًا بَعْدَ جِيْلٍ، مُنْذُ تأْلِيْفِهِ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا، وَنَحْنُ الآنَ نُدَرِّسُهُ لِلطُلَّابِ في جَامِعَةِ أُمِّ القُرَى "كليّه اللُّغَةِ العَرَبِيّة" بمكَّة المُكَرَّمة فِي مادة "كِتَابٍ قَدِيْمٍ في اللُّغة" لِذَا كَانَ لِلْعُلَمَاءِ مَعَ كَثرةِ دِرَاسَتِهِم لَهُ، وَالوُقُوْفِ عَلَى غَوَامِضِهِ مَلْحُوْظَاتٌ وَتَعْلِيْقَاتٌ عَلَيْهِ، مَنْهَا تَعْلِيْقُ أَبِي الوَليْدِ الوَقَّشِيِّ هَذَا، وَلَمْ يَكُنْ أَبُو الوَليْدِ بِدْعًا فِي هَذَا فَقَدْ سَبَقَهُ إِلَى ذلِكَ عَدَدٌ مِنَ العُلَمَاءِ. مِنهُم: أبُو الحَسَنِ الأَخْفَشُ الأصْغَرُ- عَليُّ بنُ سُلَيْمَان (ت 315 هـ) وَتَعْلِيْقَاتُهُ مَوْجُوْدٌ أَغْلَبُهَا في صُلْبِ كِتَابِ "الكَامِلِ" المَطْبُوع، مُصَدَّرَةٌ بِـ "قَال أَبُو الحَسَنِ" وَهِيَ كَغَيْرِهَا مَلْحُوْظَاتٌ مِنْ وجْهة نَظِرِ أَبِي الحَسَنِ قَدْ تُرَدُّ وَقَدْ تُقْبَلُ؛ لذَا انتَقَدَهُ عَليُّ بنُ حَمْزَةَ البَصْريُّ (ت 375 هـ) في "تنبيْهَاتِهِ" فَرَدَّ مِنْهَا وَقَبِلَ. - وَمِنْهُم: أبُو جَعْفَرَ أحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنُ إِسْمَاعِيْلَ النَّحَّاسُ (ت 338 هـ)، في ذَكَرَهَا عَلِيُّ بنُ حَمْزَةَ البَصْريُّ المَذْكُور في "تَنْبِيْهَاتِهِ" قَال: فَمِمَّنْ أَخَذَ عَلَيْهِ في
هَذَا الكَتَابِ فَأَصَابَ أَبُو جَعْفَرَ بْنُ النَّحَّاسِ. - وَمِنهُم: عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ البَصْرِيُّ (ت 375 هـ) في كِتَابِهِ "التّنبِيهَاتُ عَلِى أَغَالِيْطِ الرُّوَاةِ" فَمِنَ الرُّوَاةِ الَّذِيْنَ نبَّهَ عَلَى غَلَطِهِمْ أَبُو العَبَّاسِ المُبَرِّدُ في "الكَامِلِ" وَهَذَا الجُزْءُ مَطْبُوع. وَهَؤُلاءِ كُلُّهُمْ مَشَارِقَةٌ وَلَا أَعْرِفُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الأنْدَلُسِ شَرَحَهُ أَوْ عَلَّقَ عَلَيْهِ قَبلَ أَبِي الوَليدِ، مَعَ أَنَّ أَهْلَ الأنْدَلُسِ رَوَوْهُ قَدِيْمًا. وَأَجْوَدُ رِوَايَاتِهِ عِنْدَهُم هِي رِوَايَةُ مُحَمَّد بنُ أَبِي عَلاقَةَ البَوَّابِ القُرْطُبِيِّ (ت 325 هـ) الَّذِي رَحَلَ إِلَى المَشْرِقِ، وَأَخَذَ عَن أَبِي إسْحَاق الزَّجَّاجِ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ الأنْبَارِيِّ، وَأَبِي الحَسَن عَلِيُّ بْنِ سُلَيْمَان الأخْفَشِ، وَأَبِي عَبْدِ الله نِفْطُوَيْهِ. قَال ابنُ عَبْدِ الملك المُرَّاكُشيُّ (¬1): "مِمَّا سَمِعَ عَلَى الأخْفَشِ "كَامِلَ المُبَرِّد" وَصَارَ أَصْلُهُ مِنْهُ إِلَى الحَكَمِ المُسْتَنْصِرِ بِاللهِ. قَال الحَكَمُ: لَمْ يَصِحَّ كتَابُ "الكَامِلِ" عِنْدَنَا بِرِوَاية إلا مِنْ قِبَلِ ابنِ عَلاقَةَ". وَرَوَاهُ أَيْضًا: سعِيْدُ بنُ جَابِرِ بنِ مُوْسَى، أَبُو عُثْمَانَ الأشْبِيْلِيُّ (ت 325 هـ). قَال المَقَّرِيُّ (¬2): "وَكَانَ ابنُ جَابِرٍ الأشْبِيْلِيُّ قَدْ رَوَاهُ قَبْلُ بِمِصْرَ بمُدَّة، وَمَا عَلِمْتُ أَحَدًا رَوَاهُ عيْرهُمَا. وَكَانَ ابنُ الأحْمَرِ القُرَشِيُّ يَذكُرُ أَنّهُ رَوَاهُ، وَكَانَ صُدُوْقًا، وَلكِنَّ كِتَابُهُ قَدْ ضَاعَ، وَلَو حَضَرَ ضَاهَى الرَّجُلَين المُتَقَدِّمَيْنِ". أَقُوْلُ -وَعَلَى اللهِ أَعْتَمِدُ-: رِوَايَةُ ابنُ جَابِرٍ أَكْثَرُهَا انْتِشَارًا في الأنْدَلُسِ. - وَمِن رِوَايَاتِ "الكَامِل" للمُتَقَدِّمِيْنِ مِنْ أَهْلِ الأنْدَلُسِ "رِوَايَه يَحْيَى بنِ ¬
مَالِكِ بنِ عَائِذٍ (ت 375 هـ) "رَحَلَ إِلَى المَشْرِقِ قَبْلَ سَنَةَ (347 هـ) وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الحَسَنِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الآمِدِيِّ، عَنِ الأَخْفَشِ، عَنِ المُبَرِّدِ (¬1). وَطُرَرُ أَبِي الوَليْدِ أَوْ تَعْلِيْقَاتُهُ عَلَى الكَامِلِ ذَكَرَهُ المُتَرْجِمُوْنَ لِسِيْرَتِهِ في أَغْلَبِ كُتُبِ التَّرَاجِمِ، وَرُبَّمَا اقْتَصَرُوا في تَرْجَمَتِهِ عَلَيْهِ؛ نَظَرًا لِشُهْرَتِهِ وَتَميُّزِه عِنْدَهُمْ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى أَحَدٍ نَقَلَ عَنْهُ أَوْ أَفَادَ مِنْهُ مِنْ عُلَمَاءِ الأنْدَلُسِ. وَلَا أَبْعُدُ أَنْ يَكُوْنَ ابْنُ السِّيْدِ قَدْ أَفَادَ مِنْهُ في طُرَرِهِ عَلَى الكَامِلِ أَيْضًا فَهُوَ في دَرَجَةِ تَلامِيْذِه، وَتَأثُّرُهُ فِيْه وَاضِحٌ لِمَنْ قَارَنَ بَيْنَ نُصُوْصِ الكِتَابَيْنِ، وَكَانَ ابْنُ السِّيْدِ قَدْ اجْتَمَعَ بِأبي الوَليْدِ عَلَى سَبِيْلِ المُذَاكَرَةِ لَا التَّلْمَذَةِ (¬2). وَيَظْهَرُ أَنَّ تَعْلِيْقَاتِ أَبِي الوَليْدِ كَانَتْ عَلَى هَوَامِشِ نُسْختِهِ مِنَ "الكَامِلِ" وَلَمْ تُفْرَدْ فِي كِتابٍ. وَقَدْ تأثَّرَ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ السِّيْدِ بِعَمَلِ أَبِي الوَليْدَ فَصَنَعَ كَمَا صَنَعَ، وَوَضَعَ هَوَامِشَ عَلَى نُسْخَتِهِ هُوَ مِنَ "الكَامِلِ" (¬3) حَتَّى قَيَّضَ اللهُ الشَّيْخَ الإمامَ عَلِيَّ بنَ ¬
إِبْراهِيْمَ بن سَعْدِ الخَيْرِ البَلَنْسِيَّ (510 - 571 هـ) الَّذِي قَال ابْنُ عَبْدِ المَلِكِ المَرَّاكُشِيُّ أنَّهُ رَوَى عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ بْن السِّيْدِ، وَاخْتُصَّ بِهِ (¬1). فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا في كِتَابٍ وَسَمَّاهُ "القُرْطَ عَلَى الكَامِلِ". وَأَضَافَ هُوَ إِضَافَاتٍ يَسِيْرَة عَلَيْهِمَا، يَذْكُرُ أَوَّلًا تَعْلِيْقَاتِ أَبِي مُحَمَّدِ بنِ السِّيْدِ وَيَرْمُزُ لَهُ بِـ "ط" ثُمَّ يَذْكرُ تَعْلِيْقَاتِ الوَقَّشيِّ وَيَرْمُزُ لَهُ بِـ "ش" هكَذَا حَتَّى نِهَايَةِ الكِتَابِ. وَقَدْ وَقَفَ الحَافِظُ مُغْلطَاي عَلَى كِتَابِ أَبِي الوَليْدِ وَأَفَادَ مِنْهُ في شَرْحِ السِّيْرَةِ النَّبَويَّة "الرَّوْضُ البَاسِمِ" -كَمَا قُلْنَا-، وَوَقَفَ عَلَيْهِ البَغْدَادِيُّ وَنَقَلَ عَنْهُ في "خِزَانَةِ الأدَبِ" وَيَبْدُو أَنَّ النُّسْخَةَ التُّرْكِيّةَ الآتية مِنَ الكِتَابِ كَانَتْ هِي النُّسْخَةُ الَّتي اطَّلَعَ عَلَيْهَا العَلَّامَةُ البَغْدَادِيُّ. وَصَلَ إِلَيْنَا مِنْ كِتَابِ أَبِي الوَليْدِ نُسْخَتَانِ خَطِّيَّتَانِ إِحْداهُمَا نُسْخَةٌ مَحْفُوْظَةٌ في مَكْتَبِةِ إسْمَاعِيْل صَائِب بَأنْقَرَة بتُرْكِيا رقم (1173 لغة)، مَنْسُوْخَةٌ سَنَةَ (658 هـ) بِخَط أَنْدَلُسِيٍّ جَمِيْل إلَى حَدٍّ مَا، والأُخرَى في المَكْتبَةِ الحَمْزَاويَّةِ بالمَغْرِبِ هِيَ الآنَ في الخَزَانَةِ العَامَّةِ بالرِّباطِ رَقَم (189). كَانَ لِي -وللهِ المِنَّةُ- شَرَفَ جَلْبِهِمَا إِلَى مَكْتبَةِ مَرْكَز البَحْثِ العِلْمِيِّ، وَوَضْعهما مَا بَيْنَ أَيْدي البَاحِثِيْن. حَقَّقَ الكِتَابُ الأُسْتاذُ ظُهُوْرِ أَحْمَدَ أَظْهَر مُعْتَمِدًا عَلَى نُسْخَةِ مَكْتبَةِ إِسْمَاعِيْل صَائِب في رِسَالةٍ عِلْمِيّةٍ تَقَدَّمَ بِهَا لِنَيْلِ دَرَجَةِ الدُّكْتُوْرَاه مِنْ جَامِعة البِنجَاب سَنَةَ (1969) وَطُبعَ مِنْ منْشُوْرَاتِ الجَامِعَةِ المَذْكُوْرَةِ سَنَةَ (1401 هـ)، ¬
وَزَارَني مُحَقِّقُ الكِتَابِ فِي مَكَّةَ وَزَوَّدَنِي بنُسْخَةٍ مِنَ الكِتَابِ قَابَلْتُهَا بِمَزِيْدٍ مِنَ الشُّكْرِ والتَّقْدِيْرِ. ثُمَّ حَقَّقَهُ الدُّكْتُوْر حَمَدُ الزَّايدِيُّ فِي رِسَالِةٍ عِلْمِيَّةٍ لِنَيْلِ دَرَجَةِ الدُّكْتُوْرَاه أَيْضًا بِكُلِيَّة اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ بجَامِعَةِ أُمِّ القُرَى بِمَكَّةَ المُكَرَّمَةَ مُعْتَمِدًا عَلَى النُّسْخَتَيْنِ مَعًا، وَوَقَفَ عَلَى طَبْعَةِ البَاكِسْتَان المذكورة، وَعَقَّبَ عَلَيْهَا وَتَتبَّعَ بَعْضَ أَخْطَاءِ مُحَقِّقها. ونُوْقِشَت الرِّسَالة سَنَةَ (1409 هـ). 2 - التَّعْلِيْقُ عَلَى المُوَطَّأ: هُوَ كِتَابُنَا هَذَا الَّذِي نُقَدِّمُ لَهُ سَنُفرِدُ الحَدِيْثَ عَنْهُ مُفَصَّلًا فِي مَبْحَثٍ خَاصٍّ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالى. 3 - تَهْذِيْبُ الكُنَى لمُسْلِمٍ واسْمُهُ: "عَكْسُ الرُّتْبَةِ وَقَلْبِ المَبْنَى لِكِتَابِ مُسْلِمٍ فِي الأسَامِي والكُنَى" هَذَّبَ فِيْهِ كِتَاب "الكُنَى وَالأسْمَاءِ" لِلإمَامِ مُسْلِمِ بنِ الحَجَّاجِ صَاحِب "الجَامِعِ الصَّحَيْحِ" (ت 261 هـ) وَقَلَبَ تَرْتيْبَ الكِتَابِ فَذَكَرَ الاسمَ أَوْلًا والكِنْيَةَ ثَانِيًا وَهَذَا التَّرْتيبُ أَيْسَرُ مِنْ وُجْهَةِ نَظَرِ أَبِي الوَليْدِ، وَانْتَقَدَ فِيْهِ الإمَامَ مُسْلِمًا فِي بَعضِ المَوَاضِعِ كَمَا يُفْهَمُ مِن نُصُوْصِ الحَافِظِ ابنِ نَاصِرِ الدِّيْنِ الآتِيَةِ. ذَكَرَهُ القَاضِي عِيَاضٌ، وَإِسْمَاعِيْل بَاشَا البَغْدَادِيُّ، وَاقْتَبَسَ مِنْهُ الحَافِظُ ابنِ نَاصِرِ الدِّين الدِّمَشْقِيُّ نُصُوْصًا فِي كِتَابِهِ "التَّوَضِيْحِ" (1/ 202، 378، 2/ 278، 5/ 429، 9/ 92). وَقَال الحَافظُ في المَوْضِع الأوَّل: " ... وَكذلِكَ ذَكَرَهُ الفَقِيْهُ أَبُو الوَليْدِ هِشَامُ بنُ أَحْمَدَ الوَقَّشِيُّ في كِتَابِهِ: "عَكْسُ الرُّتْبَةِ وَقَلْبُ المَبْنَى كِتَابِ مُسْلِمٍ فِي الأَسَامِي والكُنَى" لِكِنَّهُ قَدَّمَ اسْمَهُ عَلَى كُنْيَتِهِ عَلَى مَا بَنَى عَلَيْهِ الكِتَابَ. أَقُوْلُ: لَمْ أَقَفُ عَلَيْهِ، وَلَا أَعْلَمُ الآنَ لَهُ وُجُوْدًا.
4 - تَهْذِيْب "المُؤْتلفِ والمُخْتَلِفِ" في أسْمَاءِ القَبَائِلِ لابنِ حَبِيْبَ البَغْدَادِيِّ (ت 245 هـ) ذَكَرَهُ ابنُ خَيْرٍ الأَشْبِيْلِيُّ فِي فَهرسته (219)، قَال: "كِتَابُ المُؤْتَلِفِ والمُخْتَلِفِ فِي أَسْمَاءِ القَبَائِلِ تأْلِيْفُ مُحَمَّدِ بنِ حَبِيْبَ النَّحْويِّ تَهْذِيْبُ القَاضِي أَبِي الوَليْدِ هِشَامِ بنِ أَحْمَدَ الوَقَّشِيِّ -رحمه الله- حَدَّثَنِي بِهِ الشَّيْخُ الفَقِيْهُ أَبُو بَحْرٍ سُفْيَان بن العَاصِي الأَسَدِيُّ -رحمه الله- إِجَازَةً، عَن أَبِي الوَليْدِ الوَقَّشِيِّ مُهذِّبه" وَذَكَرَ بَعْدَهُ تَهْذِيْبٌ آخَرُ لأبِي عُبَيْدٍ البَكْرِيِّ (ت 478 هـ) ذَكَرَ سَنَدَهُ إِلَيْهِ أيضًا، ثُمَّ قَال: "نَقَلْتُ كِتَابِي مِنْهُ بِخَطِّي مِنْ خَطِّ أَبي عُبَيدٍ -رحمه الله- ". وَكِتَابُ ابنُ حَبِيْبٍ نشره وسْتِنْفِلْد في غوتنجن في ألْمَانْيَا سَنَةَ (1850 م) عَن نُسْخَةٍ بِخَطِّ المَقْرِيْزِيِّ، وَجَدَ أَصْلَهَا بمَكَّةَ المُشَرَّفَةَ لَمَّا حَجَّ سَنَةَ (839 هـ) ثُمَّ أَعَادَ طَبْعَهُ أُسْتَاذُنَا المِفْضَالُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ حَمَدُ الجَاسِرِ - حَفِظَهُ الله - مَعَ كِتَابِ "الإيْنَاسِ" فِي المَوْضُوع نَفْسِهِ لِلْوَزِيْرِ أَبِي القَاسِم الحُسَيْن بنِ عَلِيٍّ المَغْرِبِيِّ (ت 418 هـ) وَهُمَا مِن مَنْشُوْرَاتِ النَّادِي الأدَبِيِّ فِي الرِّيَاضِ الطَّبْعَة الأُوْلَى سَنَةَ (1400 هـ). والسُّؤَالُ الَّذِي يَرِدُ فِي الذِّهْنِ: مَاذَا يَجِدُ أَبُو الوَليْدِ وَأَبُو عُبَيْدٍ - رَحِمَهُمَا الله - فِي كِتَابِ ابنِ حَبِيْبَ هَذَا المَطْبُوع مَا يَخْتَصِرَانِ فِيهِ مَعَ شِدَّةِ إيْجَازِهِ؟ ! فَهَلْ المَطْبُوع هُوَ أَصْلُ كِتَابِ ابنِ حَبِيْبٍ أَوْ مُخْتَصَرًا عَنْهُ؟ ! . لَعَلَّهُ انْتِقَاءٌ مِنَ الكِتَابِ انتقَاهُ المَقْرِيْزِيُّ لِنَفْسِهِ، وَالمَسْأَلةُ تَحْتَاجُ إِلَى مَزِيْدٍ مِن البَحْثِ والتَّحْقِيْقِ. وَاعْتَمَدَ الحَافِظُ ابْنُ ناصِرِ الدِّيْنِ الدِّمَشْقِيُّ (ت 842 هـ) فِي كِتَابِهِ "تَوْضِيْحِ المُشْتَبه" عَلَى كِتَابِ أَبِي الوَلِيْدِ، وَنَقَلَ عَنْهَ نُصُوْصًا كَثيْرَة فِي جَمِيع أَجْزَاءِ الكِتَابِ هِيَ - كَمَا جَاءَ فِي فَهَارِسِ الكِتَابِ - كَالتَّالِي: (1/ 399، 2/ 23، 144، 184، 241،
420، 544، 3/ 189، 214، 227، 305، 306 , 443، 493, 4/ 64، 669، 232، 5/ 110، 146، 239، 245، 417، 6/ 101، 121، 125، 164، 293، 322، 376، 410، 414، 7/ 63, 98, 198, 211، 212، 8/ 53، 9/ 156، 233. وَكِتَابُ أَبِي الوَليْدِ لَيْسَ مُجَرَّدَ تَهْذِيْبٍ وَاخْتِصَارٍ كَمَا يُفْهَمُ مِن عنْوَانِه، بَلْ يَتَجَاوَزُ هَذَا -كَمَا هِيَ عَادَتُهُ فِي التَّعْلِيْقِ عَلَى الكُتُبِ المُهِمَّةِ- إِلَى مَا هُوَ أَبْعَدُ من ذلِكَ. وَكَانَ لَدَى أَبِي الوَليْدِ أَكْثَرُ مِن نُسْخَةٍ مِن كِتَابِ ابنِ حَبِيْبِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُحَقِّقُ نُصُوصَهُ قَبْلَ أَنْ يُسَارعَ إِلَى الانْتِقَادِ فَقَدَ جَاءَ في التَّوْضِيْحِ (3/ 493): "وَنَقَلَهُ القَاضِي أَبُو الوَليْدِ الكِنَانِيُّ فِي "تَهْذِيْبِ كِتَابِ ابنِ حَبِيْبٍ" أَنَّهُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ - يَعْنِي بالكِتَابِ - بِفَتْحِ الحَاءِ وَالبَاءِ، وَفِي بَحْضِهَا "حَبْشِيَة" بِإسْكَانِ البَاءِ وَتَخْفِيْفِ اليَاءِ، وَفِي بَعْضِهَا بِالتَّشْدِيْدِ أَيْضا". وَظَهَرَ لَنَا مِنْ خِلالِ النُّصُوْصِ الَّتِي نَقَلَهَا الحَافِظُ ابنُ نَاصِرِ الدَّيْنِ أَنَّهُ يُقَيِّدُ وَيَضْبطُ كَمَا جَاءَ فِي (5/ 110، 6/ 125، 414، 7/ 63، 9/ 233) وَيَنْتَقِدُ: كَقَوْله: "كَذَا وَهُوَ تَصْحِيْفٌ" (5/ 146، 6/ 293)، وَيَسْتَدْرِكُ كَمَا فِي (5/ 417)، وَيُصْلحُ كَمَا جَاءَ فِي (6/ 164)، وَيُخطِّئُ كَمَا جَاءَ في (7/ 98، 198)، وَيُصَحِّحُ مَا وَرَدَ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيْبٍ فِيْمَا جَاءَ فِي المَصَادِرِ الأُخْرَى فَصَحَّحَ عَنْ "جَمْهَرَةِ اللُّغةِ لابْنُ دُرَيْدٍ" (2/ 544)، وَصحَّحَ عَنِ ابنِ قُتَيْبَةَ (3/ 406)، وَصَحَّحَ عنِ ابنِ الكَلْبِيِّ (6/ 322، 410)، وَصَحَّحَ عَنِ الدَّارَقُطْنِي (6/ 276)، وَرُبَّمَا نَقَلَ كَلامَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَتَصْحِيحِهِمْ وَضَبْطِهِم لكِنَهُ يُقَوِّي ضَبْطَ أَهْلِ النَّسَبِ كَمَا جَاءَ فِي (4/ 65)، قال: "وَأَهْلُ النَّسَبِ يُرَدُّ إِلَيْهِم هَذَا العِلْمُ".
وانْتَقَدَه الحَافِظُ ابنُ نَاصِرِ الدِّيْن في (8/ 54)، قَال: "وَلَمْ يُعَرِّجْ أَبُو الوَليْدِ عَلى مَا ذَكَرَهُ ابنُ الكَلْبِيِّ فِي "الجَمْهَرَة" وَهُو الأَشْبَهُ بِالصَّوَابِ "مَعَ أَنَّهُ يُجِلُّهُ وَيَصِفُهُ فِي (2/ 144) بِـ"الحَافِظِ" وَرُبَّمَا نَقَلَ عَنْ طُرَّةٍ عَلَى كتَابِ أَبِي الوَليْدِ كَمَا جَاءَ فِي (6/ 102)، وَيَظْهَرُ أَنَّ أَبَا الوَليْدِ رَتَّبَ كتابَهُ عَلَى تَرْتيْبِ الحُرُوْفِ الأَنْدَلُسِيّهِ لِذَا جَاءَ فِي التَّوْضِيْحِ (6/ 1664): "كَذَا ذُكِرَ فِي بَابِ العَيْنِ المُهْمَلَةِ منْ تَبْويْبِ القَاضِي أَبي الوَليْدِ الكِنَانِيِّ وَإِصْلاحِهِ". اقْتبَسَ مِنْهُ السُّهَيْلِيُّ فِي الرَّوْضِ الأُنُفِ (1/ 363)، وَرَوَاهُ. 5 - تَنْبِيْهَاتٌ عَلَى أَبِي نَصْرٍ الكَلابَاذِيِّ: ذَكَرَهُ القَاضِي عِيَاضٌ فِي "مَشْيَخَةِ ابنِ فَيْرُوزٍ" وَالكَلابَاذِيُّ المَذْكُوْرُ هُوَ أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْن (ت 398 هـ)، و"كَلابَاذ": مَحَلَّةٌ بِبُخارَى. وَكِتَابُهُ الَّذِي كَتَبَ عَلَيْهِ أَبُو الوَليْدِ الوَقَّشِيُّ "التَّنْبِيْهَاتِ" يَظْهَرُ أَنَّهُ "رِجَالُ صَحِيْحِ البُخَارِي" وَيُعْرَفُ عِنْدَ أَهْلِ الحَدِيْثِ بـ"الهِدَايَةِ وَالإرْشَادِ فِي مَعْرِفَةِ أَهْلِ الثِّقَةِ وَالسَّدَادِ" الَّذِيْنَ أَخْرَجَ لَهُمُ البُخَارِيُّ فِي "صَحِيْحِهِ" وَهُوَ مَطْبُوعٌ بِالعُنْوَانِ الأَوَّلِ فِي دَارِ المَعْرِفَةِ بِبَيْرُوْت سَنَةَ (1407 هـ) بتَحْقِيْقِ عَبْدِ اللهِ اللَّيْثِيِّ. وَنُسْخَةُ أَبِي الوَليْدِ الوَقَّشِيُّ مِنَ الكِتَابِ المَذْكُوْرِ بِرِوَايَتِهِ عَنْ شَيْخِهِ أَبِي عَمْرٍو السَّفَاقُسِيِّ بِسَنَدِهِ إِلَى المُؤَلِّفِ مَحْفُوْظَةٌ فِي مَكْتَبِةِ أَحْمَد الثَّالِث بتُرْكيَا رَقم (24) وَهِيَ مُصَوَّرَةٌ بِمَعْهَدِ المَخْطُوْطَاتِ العَرَبِيَّةِ بِالقَاهِرَةِ، قَرَأَهَا سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاثِيْنَ وَأَرْبَعِمَائَةَ عَلَى شَيْخِهِ المَذْكُوْرِ. لَمْ أَطَّلِعُ عَلَيْهَا وَلَعَلَّ عَلَيْهَا تَنْبِيْهَاتُهُ عَلَى الكِتَابِ، وَهُنَاكَ نُسْخَةٌ مَرْويَّةٌ عَنْ طَرِيْقِ شَيْخَهِ أَبي عَمْرٍو السَّفَاقُسِيِّ
مَحْفُوْظَةٌ فِي دَارِ الكُتُبِ المِصْرِيَّةِ رَقَم (16 مصطلح حديث) فَاهْتِمَامُهُ وَاهْتِمَامُ شَيْخِهِ بِالكِتَابِ دَلِيْلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنْ تَنْبِيْهَاتِ المُؤَلِّفِ عَلَيْهِ دُوْنَ سَوَاهُ، مَعَ أَنَّ الكَلابَاذِي لَمْ يَكُنْ مُكْثِرًا مِنَ التَّأَلِيْفِ. 6 - تَنْبِيْهَاتٌ عَلَى "المُؤْتَلِفِ والمُخْتَلِفِ" للدَّارَقُطْنِيِّ: ذَكَرَهُ القَاضِي عِيَاضٌ فِي "مَشْيَخَةِ القَاضِي ابنِ فَيْرُوْزٍ" (¬1) وَكِتَابُ الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ أَقْدَمِ وَأَجْوَدِ الكُتُبِ المُؤَلَّفَةِ فِي المُؤْتَلِفِ وَالمُخْتَلِفِ أَلَّفَهُ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ عُمَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ البَغْدَادِيُّ (ت 385 هـ). وَهَنَاكَ تَنْبِيْهَاتٌ عَلَى أَوْهَامِ الدَّارَقُطْنِي لِعَالِمٍ أَنْدَلُسِيٍّ آخر هُوَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ أبُو مُحَمَّدٍ الرُّشَاطِيُّ (ت 542 هـ) مَوْجُوْدٌ فِي المَكْتبَةِ الوَطَنِيَّةِ بتُوْنِس يَنْقُصُ مِنْ أَوَّلِهِ قَلِيْلًا. وَكِتَابُ أَبِي الوَليْدِ لَا أَعْرِفُ الآنَ لَهُ وُجُوْدًا. 7 - تَنْبِيْهَاتٌ عَلَى مَشَاهِدِ ابْنِ هِشَامٍ: ذَكَرَهُ القَاضِي عِيَاضٌ فِي "مَشْيَخَةِ القَاضِي ابْنِ فَيْرُوْزٍ" (¬2) ثُمَّ ذَكَرَهُ فِي مُعْجَمِ شُيُوْخِهِ "الغُنْيَةِ" (¬3) فِي تَرْجَمَةِ أَبِي بَحْرٍ سُفْيَانُ بنُ العَاصِي الأسَدِيِّ، وَهُوَ مِنْ كِبَارِ تَلامِيذِ أَبِي الوَليْدِ، قَال: "لَقِيْتُهُ بِقُرْطُبَةَ، وَقَرَأَتُ عَلَيْهِ كِتَابُ "المَشَاهِدِ وَسِيْرَةِ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لأَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ هِشَامٍ اخْتِصَارَهُ لِكِتَابِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَق، وَعَارَضْتُهُ بِكِتَابِهِ، وَكَتَبْتُ عَنْهُ مَا أَصْلحَهُ فِيْه القَاضِي الكِنَانِيُّ ¬
شَيْخُهُ، حَدَّثَنِي بِهِ عَنِ القَاضِي أَبِي الوَليْدِ هِشَامِ بنِ أَحْمَدَ الكِنَانِيِّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَسَمَاعًا، عَن أَبِي عُمَرَ الطَّلَمَنْكي ... وَسَاقَ سَنَدًا إِلَى ابْنِ هِشَامٍ، وَاعْتَمَدَ السُّهَيْلِيُّ كِتَابَ "التّنبِيْهَاتِ" هَذَا لأَبِي الوَليْدِ الوَقَّشِيِّ فِي مَصَادِرهِ فِي كِتَابِه "الرَّوْضِ الأنُفِ" وَيَقُوْلُ: "حَاشِيَةُ كِتَابِ أَبِي الوَليْدِ" مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أنَّ تَعْلِيْقَاتُ أَبِي الوَليْدِ كَانَتْ عَلَى نُسْخَتِهِ مِنَ الكِتَابِ وَلَمْ تُفْرَدْ، وَنَقَلَ عَنْهُ الحَافِظُ أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدَ بن مَسْعُوْدٍ الخُشَنِيُّ (ت 544 هـ) فِي كِتَابِهِ "شَرْحِ السِّيْرَةِ النَّبويَّة" وَهُوَ شَرْحٌ لِغَرِيْبِ الشِّعْرِ الوَارِدِ فِي السِّيْرَةِ النَّبَويَّةِ عَلَى صَاحِبِهَا أَفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ، وَهِيَ كَمَا جَاءَ فِي طَبْعَةِ المَكْتبَةِ الإسْلامِيّةِ فِي اسْتنابُول مُصَوَّرَةٌ عَنْ مَكْتبَةِ هِنْدِيَّة بمِصْرَ سَنَةَ (1329 هـ). يُرَاجَع الصَّفَحَات: (14، 22، 70، 125، 2669)، كَمَا نَقَلَ عَنْهُ أبُو الخَطَّابِ بنُ دِحْيَة (ت 633 هـ) فِي كِتَابِهِ "السِّرَاجُ المُنِيْرِ فِي مَوْلدِ البَشِيْرِ النَّذِيْرِ" وَوَصَفَ مُؤَلِّفَهُ أَبَا الوَليْدِ بِـ"عَالِمِ الأَنْدَلُسِ" وَنَقَلَ عَنْهُ السُّهَيْلِيُّ (ت 581 هـ) فِي الرَّوْضِ الأُنُف (ط) عَبْدَ الرَّحْمَنِ الوَكِيْل سَنَةَ (1387 هـ). يُرَاجَع (1/ 36، 232، 255، 272، 290، 303، 325، 398، 406 ... ) ومُتَتَبِّعُ الكِتَابِ يَظْفَرُ بِنُصُوْصٍ كَثيْرَةٍ مُهِمَّةٍ. وَنَقَلَ عَنْهُ الحَافِظُ مُغلطاي (ت 762 هـ) فِي سِيْرَتهِ المَعْرُوْفَةِ "الرَّوْضِ البَاسِمِ ... " نُسْخَةٌ بِخَطِّ مُؤَلِّفِهَا يُرَاجع الوَرَقَات (24، 51، 73 ... ) وَغَيْرهم. 8 - تَنْبِيْهَاتٌ عَلَى "تَارِيْخِ خَلِيْفَةَ بنِ خَيَّاطٍ": تَارِيْخُ خَلِيْفَةَ بنِ خَيَّاطٍ العُصَيْفِرِيُّ اللَّيْثِيُّ (ت 240 هـ)؟ مِنْ أَهَمِّ المَصَادِرِ التَّاريْخِيَّةِ القَدِيْمَةِ الَّتِي تَهْتَمُّ بالحَوَادِثِ والرِّجَالِ مَعًا، وَقَدْ اهْتَمَّ بِهِ العُلَمَاءِ،
اهْتِمَامًا بَالِغًا فرَوَوْهُ بالسَّنَدِ عَنْ مُؤَلِّفِهِ. وَقَدْ وَصَلَ إِلَى الأنْدَلُسِ فِي زَمَنٍ مُبَكِّرٍ جِدًّا فَقَدْ رَوَاهُ بَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ القُرْطُبِيُّ الحَافِظُ (ت 276 هـ) وَهُوَ مِن كِبَارِ حُفَّاظِ الإسْلامِ وَنُقَّادِ الحَدِيْثِ كَالإمَامِ أَحْمَدَ والبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ صَنَّفَ "المُسْنَدَ" وَرَتَّبَهُ عَلَى أَسْمَاءَ الصَّحَابَةِ وَرَتَّبَ حَدِيْثَ كُلِّ صَحَابِيٍّ عَلَى أَبْوَابِ الفِقْهِ. وَلَهُ "تَفْسِيْرٌ للقُرْآنِ" قَال ابْنُ حَزْمٍ: لَمْ يُؤَلِّفْ مِثْلُهُ لَا تَفْسِيْرُ الطَّبَرِيِّ وَلَا غَيْرِهِ. كَمَا رَوَى عَنْهُ أَيْضًا كِتَابَهُ "الطَّبَقَاتِ". وَرِوَايَةُ أَغْلَبِ الأنْدَلُسِيِّين مُتَّصَلَةٌ بِهِ -رحمه الله- والنُّسْخَةُ المَطْبُوْعَةُ مِنْ "تَارِيْخِ خَلِيْفَةَ" الَّتِي حَقَّقَهَا الدُّكْتُوْر الفَاضِل أَكْرم ضِيَاء العُمَرِيُّ اعْتَمَدَ فِي تَحْقِيْقِهَا عَلَى نُسْخَةٍ مَحْفوْظَةٍ فِي المَعرِبِ مِن أَصْلٍ أَنْدَلُسِيٍّ قَدِيْمٍ مُتْقَنٍ مَرْويٍّ بِالسَّنَدِ إلى بَقِيِّ بْنِ مَخْلَدٍ ثُمَّ إِلَى مُؤَلِّفَهِ خَلِيْفَةَ، هِيَ مِنْ رِوَايَةِ صَاحِبِنَا أَبِي الوَليْدِ الوَقَّشِيِّ -رحمه الله- مَكْتُوْبَةٌ بِخَطِّ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الأشْعَرِيِّ سَنَةَ (477 هـ) قَبْلَ وَفَاةِ أَبِي الوَليْدِ بِمَا يَزِيْدُ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ عَامًا. نَقَلَ مُحَقِّقُ الكِتَابِ سَنَدَ رِوَايَتِهِ نَقْلًا عَنْ وَرَقَةِ العُنْوَان هكَذَا: "حَدَّثَنَا بِهَذَا التَّارِيْخ الإمَامُ الأَوْحَدُ، الفَقِيْهُ، القَاضِي أَبُو الوَليْدِ هِشَامُ بنُ أَحْمَدَ، قَال: حَدَّثَنِي الفَقِيْهُ المُقْرِئُ أَبُو عُمَرَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّد الطَّلَمَنكيُّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَال: حَدَّثَنِي الفَقِيْهُ القَاضِي أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ مُفَرِّجٍ، قَاضِي الجَمَاعَةِ بِقُرْطُبَةَ -رحمه الله- قَال: حَدَّثَنِي أَبُو القَاسِمِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ المُبَارَكِ بنِ حَبِيْبِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ الوَليْدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ أَمِيْرِ المُومِنِيْنَ. وَقَدْ ذَكَرَ ابنُ عَمِيْرَةَ الضَّبِّيُّ أَنَّ أبَا القَاسِمِ أَحْمَدَ بنَ عَبْدِ اللهِ رَوَى عَنْ بَقِيِّ بنِ مَخْلَدٍ. فَيَكُوْنُ سَنَدُ النُّسْخَةِ مُتَّصلًا". وَفِي هَوَامِشِ النُّسْخَةِ تَعْلِيْقَاتُ أَبِي الوَليْدِ وَحَوَاشِيْه نَقَلَهَا مُحَقِّقُ الكِتَابِ جَزَاهُ اللهُ خَيْرًا
إِلَى هَوَامِشِ الكِتَابِ تَجِدْهَا هُنَاكَ. 9 - مُخْتَصَرٌ في الفِقْه: انْفَرَدَ بِذِكْرِهِ الصفَدِيُّ فِي "الوَافِي بالوَفَيَاتِ" كَمَا فِي "مُعْجَمِ المُؤَلِّفِيْن" (¬1) وَأَخْشَى أَنْ يَكُوْنَ اشْتبَهَ عَلَيْهِ بِكِتَابِ "مُخْتَصَرِ الطُّلَيْطُلِيّ" فِي الفِقْهِ وَهُوَ مَشْهُوْرٌ عِنْدَهُمْ بِالأنْدَلُسِ (¬2)، والوَقَّشِيّ يُنْسَبُ "الطُّلَيْطُلِيَّ" أَحْيَانًا كَمَا تَقَدَّمَ. 10 - الرِّسَالةُ المُرْشِدَةُ: ذَكَرَهُ يَاقُوْتُ الحَمَوي في "مُعْجَم البُلدَانِ" (¬3): وَإِسْمَاعِيْل بَاشَا البَغْدَادِيّ فِي "هدية العَارِفِيْن" (¬4) لَا أَعْرِفُ عَنْهَا شَيْئًا وَلَعَلَّهَا فِي الاعْتِقَادِ واللهُ أَعْلَمُ. وَعِبَارَة يَاقُوْتُ: "الفَقِيْهُ الجَلِيْلُ، عَالِمُ الزَّمَنِ، إِمَامٌ، عَالِمٌ فِي كُلِّ فَنٍّ، صَاحِبُ "الرِّسَالةِ المُرْشِدَةِ" تَدُلُّ عَلَى شُهْرَتِهَا بِحَيْثُ عَرَّفَ صَاحِبَهَا بِهَا نَظَرًا؛ لِمَعْرِفَةِ الخَاصِّ والعَامِّ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ بِهَا، لكِنْ لَيْسَ الأمْرُ كَذلِكَ فَما نَزَالُ نَجْهَلُهَا كَمَا جَهِلَهَا العُلَمَاءُ قَبْلَنَا، فَلَمْ يَذْكُرْهَا أَحَدٌ مِمَّنْ وَقَفْتُ عَلَى تَرَاجِمِهِمْ لِلَمَذْكُوْرِ غَيْرُهُ هُوَ وَمَن نَقَلَ عَنْهُ، واللهُ تَعَالى أَعْلَمُ. - وَأَمَّا الكِتَابُ الَّذِي ذَكَرَهُ القَاضِي عِيَاضٌ مَنْسُوْبًا إِلَيْهِ فِي القَدَرِ وَالقُرْآنِ عَلَى مَذَاهِبِ المُعْتَزِلَةِ فَسَيأتي فِي مَبْحَثِ "نِسْبَتِهِ إِلَى الاعْتِزَالِ" أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ مِنْ تَأْلِيْفِهِ بِشَكْلٍ قَاطِعٍ. ¬
- وَأَمَّا كِتَابُ "المُنْتَخَبِ فِي غَرِيْبِ كَلامِ العَرَبِ" الَّذِي نَسَبَهُ إِلَيهِ الأُسْتَاذُ الزِّرِكْلِيُّ فِي "الأعْلامِ" بِنَاءً عَلَى مَا وَرَدَ فِي فَهَارِسِ الخِزَانَةِ العَامَّةِ فِي الرِّبَاطِ فَخَطَأٌ ظَاهِرٌ مِنْ مُفَهْرِسِ المَكْتَبَةِ المَذْكُوْرَة جَرَّهُ إِلَى ذلِك مَا جَاءَ فِي آخِرِ النُّسْخَةِ من قَوْل النَّاسِخِ: "نَسَخْتُ كِتَابِي هَذَا وَنَقَلْتُ حَوَاشِيْهِ مِنْ أَصْلِ الفَقِيْهِ القَاضِي العَلَمِ الأَوْحَدِ أَبِي الوَليْدِ الوَقَّشِيُّ -رحمه الله- مَتْنًا وَطُرَرًا بِخَطَهِ -رحمه الله-، وَكَانَ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ والإتْقَانِ ... ". وَقَدْ جَلَبْتُ هَذِهِ النُّسْخَةِ مَعَ مَا جَلَبْتُ مِنَ المَخْطُوْطَاتِ لِمَرْكَزِ البَحْثِ العِلْمِيِّ بجَامِعَةِ أُمِّ القُرَئ، وَعِنْدَ فَهْرَسَتِ الكِتَابِ أَدْرَكْنَا وَللهِ الحَمْدُ صِحَّةَ النِّسْبَةِ فَنَسَبْنَاهُ إِلَى مُؤَلِّفِهِ أَبي الحَسَنِ الهُنَائِيِّ المَعْرُوْفِ بـ"كُرَاعٍ" (ت بعد 309 هـ) وَقَدْ قَابَلْنَا بَيْنَ هَذِهِ النُسْخَةِ وَنُسْخَةٍ جَلَبْنَاهَا مِن دَارِ الكُتُبِ المِصْرِيَّةِ فَصَحَّ أَنَّهُمَا نُسْخَتَان لكِتَابِ "المُنْتَخَبِ ... " لِلْمُؤَلِّفِ المَذْكُوْرِ (¬1)، وَقَدِ اقْتَرَحْتُ أَنَا وَزَمِيْلِي الدُّكْتُور عَيَّادُ بنُ عِيْدٍ الثبُّيْتِيُّ عَلَى زَمِيْلَنَا الفَاضِلِ الدُّكْتُوْر مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ العُمَرِيِّ أَنْ يَقُوْمَ بِتَحْقِيْقِهِ، وَكَانَ الدُّكْتُوْرُ عَيَّادٌ قَدْ صَوَّرَ لِنَفْسِهِ نُسْخَةً مِنَ النُّسْخَةِ المَغْرِبِيَّةِ فَتفَضَّلَ بِتَقْدِيْمِهَا إِلَى الدُّكْتُورِ العُمَرِيِّ. وَكُنْتُ قَدْ عَثَرْتُ عَلَى نُسْخَةٍ مِنْ كِتَابِ "المُجَرَّدِ" لِلْمُؤَلِّفِ نَفْسِهِ "كُرَاع" فَقَدَّمْتُهَا للدَّكْتُوْر العُمَرِيِّ للاسْتِعَانَةِ بِهَا أَثْنَاء التَّحْقِيْقِ أيْضًا، فَقَامَ بِتَحْقِيْقِهِ، وَنَشَرَهُ مَعْهَدِ البُحُوْثِ العِلْمِيَّةِ بجامعَةِ أُمِّ القُرَى سَنَةَ (1409 هـ) (¬2). ¬
أقوال العلماء فيه
أقْوَالُ العُلَمَاءِ فِيْه: قَال صَاعِدُ بْنُ أَحْمَدَ (¬1): "أَحَدُ المُتْقِنِيْن المُتَوَسِّعِيْنَ في ضُرُوْبِ المَعَارِفِ، مِنْ أَهْلِ الفِكْرِ الصَّحِيْحِ، والنَّظَرِ النَّاقِدِ، والتَّحْقِيْق بِصِنَاعَةِ الهَنْدَسَةِ، والرُّسُوْخ في عِلْمِ النَّحْو واللُّغَةِ والشِّعْرِ والخَطَابَةِ، والإحْكَامِ لِعِلْمِ الفِقْهِ والأثَرِ والكَلامِ، وهُوَ مَعَ ذلِكَ شَاعِرٌ بَلِيْغٌ، لَيْسَ يَفْضُلُهُ عَالِمٌ بالأنْسَابِ والأخْبَارِ والسِّيَرِ، مُشرفٌ على جُمَلِ سَائِر العُلُوْمِ". وَقَال صَاعِدٌ أَيْضًا: (¬2) "أَبُو الوَليْدِ الوَقَّشِيُّ: أَحَدُ رِجَالِ الكَمَالِ فِي وَقْتِهِ بِاحْتِوَائِهِ عَلَى فُنُوْن المَعَارِفِ وَجَمْعِهِ لِكُليَّاتِ العُلُوْمِ، وَهُوَ مِن أَعْلَمِ النَّاسِ بالنَّحو واللُّغَةِ وَمَعَانِي الأشْعَار، وَعِلْمِ العَرُوْضِ، وَصِنَاعَةِ البَلاغَةِ، وَهُوَ بَلِيْغٌ، مُجِيْدٌ، شَاعِرٌ، مُتَقَدِّمٌ، حَافِظٌ للسُّنَنِ وَأَسْمَاءِ نَقَلَةِ الأخْبَارِ, بَصِيْرٌ بِأُصُوْلِ الاعْتِقَادَاتِ، وَأُصُوْلِ الفِقْهِ، وَاقِفٌ عَلَى كَثِيْرٍ مِنْ فَتَاوَى فُقَهَاءِ الأَمْصَارِ، نَافِذٌ فِي عِلْمِ الشُّرُوْطِ والفَرَائِضِ مُتَحَقِّقٌ بَعَلْمِ الحِسَاب وَالهَنْدَسَةِ، مُشْرِفٌ عَلَى جَمِيع آرَاءِ الحُكَمَاءِ، حَسَنُ النَّقْدِ لِلْمَذَاهِبِ، ثَاقِبُ الذِّهْنِ في تَمْيِيْزِ الصَّوَابِ، وَيَجْمَعُ إِلَى ذلِكَ آدَاب الأخْلاقِ، مَعَ حُسْنِ المُعَاشَرَةِ، وَلِيْنِ الكَنَفِ وَصِدْقِ اللَّهْجَةِ". وَقَال أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ البَاقِي بنُ مُحَمَّدٍ الحِجَارِيُّ (¬3) "وَكَانَ شَيْخُنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّيُوَالِيُّ يَقُوْلُ: وَاللهِ مَا أَقُوْلُ فِيْهِ إِلَّا كَمَا قَال الشَّاعِرُ: وَكَانَ مِنَ العُلُوْمِ بِحَيْثُ يُقضَى ... لَهُ فِي كُلِّ عِلْمٍ بِالجَمِيعِ" ¬
وَوَصَفَهُ القَاضِي عِيَاضٌ، بِأَنَّهُ (¬1) "كَانَ غَايَةً فِي الضَّبْطِ والتَّقْيِيْدِ والإتْقَانِ وَالمِعْرِفَةِ بِالنَّسَبِ وَالأَدَبِ، لهُ تَنْبِيْهَات وَرُدُوْدٌ عَلَى كِبَارِ أَهْلِ التَّصَانِيْفِ التَّارِيْخِيّةِ وَالأدَبيَّة يَقْضِي نَاظِرُهَا العَجَبَ، تُنْبِئُ عَنْ مُطَالعَتِهِ وَحِفْظِهِ وَإِتْقَانِهِ، وَنَاهِيْكَ مِنْ حُسْنِ كِتَابِهِ فِي تَهْذِيْبِ الكُنَى لِمُسْلِمِ الَّذِي سَمَّاهُ بـ"عَكْسِ الرُّتْبَةِ"، وَمِن تَنْبِيْهَاتِهِ عَلَى أَبِي نَصْرٍ الكَلابَاذِيِّ، وَ"مُؤْتَلِفِ" الدَّارَقُطْنِيِّ وَ"مَشَاهِد ابْنِ هِشَامٍ" وَغَيْرها". وَمَعَ ثَنَاءِ القَاضِي عِيَاض -رحمه الله- عَلَى أَبي الوَلِيْد، كَانَ مُنْتَقِدًا لَهُ في جَسَارَتِهِ وَإِقْدَامِهِ عَلَى تَغْيير الرِّوَايَةِ فِي الحَدِيْثِ، وَأَنَّهُ رُبَّمَا أَصَابَ، وَرُبَّمَا أَخْطَأَ فَخَطَّأَ الصَّوَابَ، وَوَهم وَغَلط، قَال فِي "الإلماع" (¬2): "وَالَّذِي اسْتَمَر عَلَيْه عَمَل أَكْثَر الأشْيَاخِ نَقْل الرِّوَايَة كَمَا وَصَلَتْ إِلَيْهِمْ وَسَمِعُوهَا، وَلَا يُغَيِّرُوْنَهَا فِي كُتُبِهِم، وَمِنْهُم مَن يَجْسُر عَلَى الإصْلاحِ، وَكَانَ أَجْرَأَهُم عَلَى هَذَا مِنَ المُتَأَخَرِيْنَ القَاضِي أَبُو الوَليْد هِشَامُ بنُ أَحْمَد الكِنَانِيُّ الوَقَّشِيُّ، فَإِنَّهُ لِكَثرةِ مُطَالعَتِهِ، وَتَفَنُّنِهِ فِي الأَدَبِ وَاللُّغَةِ، وَأَخْبَار النَّاسِ، وَأَسْمَاءَ الرِّجَالِ وَأَنْسَابهم، وَثُقُوْب فَهْمِهِ، وَحِدَّة ذِهْنِهِ جَسَرَ عَلَى الإصْلاحِ كَثيْرًا، وَرُبَّمَا نَبَّهَ عَلَى وَجْهِ الصَّوَابِ، لكِنَّهُ رُبَّمَا وَهِمَ وَغلط فِي أَشْيَاء مِن ذلِكَ، وَتَحَكَّم فيها بما ظَهَرَ لَهُ، أَو بِمَا رَآهُ فِي حَدِيْث آخَر، وَرُبَّمَا كَانَ الَّذِي أَصْلَحَهُ صَوَابًا، وَرُبَّمَا غَلِطَ فِيْه وَأَصْلَحَ الصَّوَابَ بِالخَطَأ". وَقَال (¬3): "وَكَانَ أَبُو الوَليْدِ الكِنَانِيُّ مِمَّن أَتْقَنَ، وَربمَا تَكَلَّفَ في الإصْلاحِ والتَّقويْمِ بَعْضَ مَا نُعِيَ عَلَيْهِ". ¬
وَقَرِيْبُ مِن ذلِكَ قَال القَاضِي عِيَاض فِي "مَشَارِق الأَنْوَارِ" فِي مُقَدِّمَتِهِ، وَفِي ثَنَايَا الكِتَابِ، وَدَلَّلَ عَلَى ذلِكَ (¬1). وَعَن القَاضِي عِيَاض فِي "فَتْح المُغِيْث" للحَافِظ السَّخَاوي (¬2)، وَوَصَفَ القَاضِي عِيَاض بِأَنَّهُ تِلْمِيْذُ الوَقَّشِيِّ، وَلَيْسَ الأَمْرُ كَذلِكَ. وَوَصَفَهُ يَاقُوتٌ الحَمَويُّ فِي "مُعْجَمِ البُلْدَانِ" (¬3) بأنَّهُ "الفَقِيْهُ الجَلِيْلُ، عَالِمِ الزَّمَنِ، إِمَامٌ، عَالِمٌ فِي كُلِّ فَنٍّ، صَاحِبُ الرِّسَالةِ المُرْشِدَةِ" وَقَال فِي مُعْجَمِ الأُدَبَاءِ (¬4): "كَانَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِالعَرَبِيَّةِ واللُّغَةِ والشِّعْرِ وَالخَطَابَةِ، وَالحَدِيْثِ، وَالفِقْهِ، وَالأَحْكَامِ، وَالكَلامِ، وَكَانَ أَدِيْبًا كَاتِبًا، شَاعِرًا، مُتَوَسِّعًا فِي ضُرُوْبِ المَعَارِفِ، مُتَحَقِّقًا بِالمَنْطِقِ وَالهَنْدَسَةِ، لَا يَفْضلُه عَالِمٌ بِالأَنْسَابِ وَالأَخْبَارِ وَالسِّيرِ"، وَوَصَفَهُ أَبُو الخَطَّابِ ابنُ دَحْيَةَ (¬5) بـ"عَالِمِ الأنْدَلُسِ"، وَوَصَفَهُ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ (¬6) بـ"العَلَّامَةِ البَحْرِ, ذُو الفُنُونِ". قَال العَلَّامَةُ المَقَّرِيُّ (¬7): "كَانَ الحَافِظُ أَبُو الوَليْدِ هِشَامٌ الوَقَّشِيُّ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بالهَنْدَسَةِ وَآرَاءِ الحُكَمَاءِ والنَّحْو واللُّغَةِ، وَمَعَانِي الأَشْعَارِ والعَرُوْض، وَصِنَاعَةِ الكِتَابَةِ وَالفِقْهِ وَالشُّرُوْطِ وَالفَرَائِضِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ كَمَا قَال الشَّاعِرُ: ¬
طرائفه وملحه
وَكَانَ مِنَ العُلُوْمِ بحَيْثُ يُقْضَى ... لَهُ فِي كُلِّ فَنٍّ بالجَمِيْعِ وَوَصَفَهُ المَقَّرِيُّ أَيْضًا (¬1) بِـ"القَاضِي الأَدِيْبِ، والفَيْلَسُوف الأَرَيْبُ ... قَاضِي طُلَيْطُلَةَ" وَلَمَّا أَوْرَدَ اجْتِمَاعَهُ بأبي مَرْوَان عَبْد المَلِكِ بنِ سِرَاجٍ قَال (¬2): "وَكَانَا فَرِيْدَيْ عَصْرِهِمَا حِفْظًا وَتَقَدُّمًا" وَقَال مَرَّة أُخْرَى (¬3): "وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ هَذَا الرَّجُلِ الفَرْدِ قَبْلَ هَذَا". طَرَائِفُهُ ومُلَحُهُ: كَانَ أَبُو الوَليْدِ صَاحِبَ مُلَحٍ وَطُرفٍ ودُعَابَةٍ، خَفِيْفَ الرُّوْحِ، مَرِحًا عَلَى جَلالةِ قَدْرِهِ وَعِلْمِهِ، وَعُلُوِّ مَنْزِلَتِهِ، وَرُبَّمَا أَزْرَى بِهِ ذلِكَ عِنْدَ بَعْضِ طَلَبَةِ الحَدِيْثِ، فَعَدُّوا ذلِكَ خُرُوْجًا عَنِ الوَقَارِ وَالسَّمْتِ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَتَحَلَّى بِهِ العُلَمَاءُ وَطَلَبَةُ العِلْمِ؛ لِذَا لَمَّا لَقِيَهُ القَاضِي أَبُو عَلِيٍّ بِبَلَنْسِيَةِ اسْتَجَازَهْ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَقَال: لَمْ يُعْجِبْنِي سَمْتُهُ، قَال القَاضِي عِيَاضٌ: وَلَا أَعْلَمُ أَنَّ القَاضِي حَدَّثَ عَنْهُ بِشَيْءٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّه اسْتَجَازَهُ رِوَايَتَهُ. وَاسْتِجَازَتُهُ الرِّوَايَةَ عَنْهُ دَرَجَةٌ أَضْعَفَ مِنْ السَّمَاعِ بِلا شَكّ لكِنَّ القَاضِيَ أَبَا عَلِيٍّ رَضِيَ بِهَا؛ لأنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَحْضُرُ مَجَالِسَهُ الَّتِي رُبَّمَا خَرَجَ بِهَا عَنِ الوَقَارِ كَمَا أَسْلَفْنَا. وَمنْ نَوَادِرِهِ: مَا رُويَ أنَّه اجْتَمَعَ هُوَ وَأَبُو مَرْوَان عَبْدُ المَلِكِ بنِ سِرَاجٍ القُرْطُبِيُّ (ت 489 هـ) وَكَانَا فَرِيْدَيْ عَصْرِهِمَا حِفْظًا وَتَقدُّمًا، فَتَعَارَفَا وَتَسَاءَلا، ثُمَّ بَادَرَ أَبُو الوَليْدِ بِالسُّؤَالِ وَقَال: كَيْفَ يَكُوْنُ قَوْلُ القَائِلِ: ¬
وَلَوْ أَنَّ مَا بِي بالحَصَا فَعَلَ الحَصَا ... وَبالرِّيْحِ لَمْ يُسْمَعْ لَهُنَّ هَبُوْبُ وَمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُوْنَ مَكَانَ "فَعَل الحَصَى"؟ فَقَال أَبُو مَروان: "فَلَقَ الحَصا" فَقَال: وَهِمْتَ، إنَّمَا يَكُوْنُ: "قَلِقَ الحَصَا" لِيَكُوْنَ مُطَابِقًا لِقَوْلهِ: "لَمْ يُسْمَعْ لَهُنَّ هِبُوْبُ" يُرِيْدُ: أَنَّ مَا بِهِ يُحَرِّكُ مَا شَأْنُهُ السُّكُوْنُ وَيُسَكِّنُ مَا شَأْنُهُ الحَرَكَةُ فَقَال أَبُو مَرَوَانَ: مَا يُرِيْدُ الشَّاعِرُ بقَوْله: وَرَاكِعَةٍ في ظِلِّ غُصْنٍ مَنُوْطَةٍ ... بِلُولُؤَةٍ نِيْطَتْ بِمُنْقَارِ طَائِرِ وَكَانَ اجْتِمَاعُهُمَا فِي مَسْجِدٍ فَأُقِيْمَتِ الصَّلاةُ إِثْرَ فَرَاغِ ابنِ السَّرَّاجِ مِنْ إِنْشَادِهِ لِلْبَيْتِ فَلَمَّا انْقَضَتِ الصَّلاةُ قَال لَهُ الوَقَّشِيُّ: أَلْغَزَ الشَّاعِرُ باسْمِ أَحْمَدَ فَالرَّاكِعَةُ الحَاءُ، والغُصنُ: كِنَايَةٌ عَنِ الأَلِفِ، وَمِنْقَارُ الطَّائِرِ: الدَّالُ. فَقَال لَهُ ابنُ السَّرَّاجِ: يَنْبَغِي أَنْ تُعِيْدَ الصَّلاةَ؛ لِشغْلِ خَاطِرِكَ بهَذَا اللُّغْزِ، فَقَال لَهُ الوَقَّشِيُّ: بَيْنَ الإقَامَةِ وَتَكْبِيْرَةِ الإحْرَامِ فَكَكْتُهُ (¬1). - وَمنْ طَرَائفِهِ مَا رُويَ أيضًا: أَنَّهُ حَضَرَ يَوْمًا مَجْلِسَ ابنِ ذِي النُّوْنِ فَقُدِّمَ نَوعٌ مِنَ الحَلْوَى يُعْرَفُ بِـ"آذَانِ القَاضِي" فَتَهَافَتَتْ جَمَاعَةٌ مِنْ خَوَاصِّهِ عَلَيْهَا يَقْصِدُوْنَ التَّنْدِيْرَ فِيْهِ، وَجَعَلُوا يُكْثِرُوْنَ مِنْ أَكْلِهَا، وَكَانَ فِيْمَا قُدِّمَ مِنَ الفَاكِهَةِ طَبَقٌ فِيْه نَوعٌ يُسَمَّى عُيُوْنَ البَقَرِ، فَقَال المَأْمُوْن [بنُ ذِي النُّوْنِ] يَا قَاضِي إنَّ هَؤُلاءِ يَأْكُلُوْنَ آذَانَكَ، فَقَال: وَأَنَا أَيْضًا آكُلُ عُيُوْنَهُم، وَكَشَفَ عَنِ الطَّبَقِ وَجَعَلَ يَأْكُلُ، وَكَانَ هَذَا من الاتِّفَاقِ الغَرِيْبِ (¬2). ¬
اتهامه بالاعتزال
- وَمنْ طَرَائفِهِ مَا رُويَ أَنَّهُ "اخْتَصَمَ رَجُلانِ، فَقَال أَحَدُهُمَا: يَا فَقِيْهُ اشْتَرَيْتُ مِنْ هَذَا اثْنَى عَشَرَ تَيْسًا حَاشَاكَ! فَقَال لَهُ: قُلْ: أَحَدَ عَشَرَ (¬1). هَذَا مَا وَقَفْتَ عَلَيْهِ مِمَّا نُقِلَ مِن نَوَادِرَهُ وَطَرَائِفِهِ، وَهِيَ أُمُوْرٌ لا تُخِلُّ بِالمُرُوْءَةِ، وَلَا تَذْهَب بِالوَقَارِ، وَلَا تَقْدَحُ فِي عَدَالةِ الرَّجُلِ، وَإِنْ كَانَ لِكُلِّ أَهْلِ زَمَنٍ عُرْفُهُمُ السَّائِدُ، وَتَقَالِيْدُهُمُ المَرْعِيَّة. - وَمنْ طَرَائفِهِ: قَال القَاضِي عِيَاضٌ (¬2): "سَمِعْتُ شَيْخَنَا سُفْيَانَ بنَ العَاصِي الأَسَدِيَّ يَحْكِي عن شَيْخِهِ القَاضِي أَبِي الوَليْدِ الكِنَانِيِّ -فيما يَغْلُبُ عَلَى ظَنِّي-: أَنَّه كَانَ إِذَا أَعَارَ كِتَابًا لأحَدٍ إِنَّمَا يَتْرُكْهُ عِنْدَهُ بعَدَدِ وَرَقَاتِهِ أَيَّامًا ثُمَّ لَا يُسَامِحُهُ بَعْدُ وَيَقُوْلْ: هَذِهِ الغَايَةُ إِنْ كُنْتَ أَخَذْتَهُ للدَّرْسِ والقِرَاءَةِ فَلَنْ يَغْلِبَ أَحَدًا حِفْظَ وَرَقَةٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ، وَإِنْ أَرَدْتَهُ للنَّسْخِ فَكَذلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا وَلَا هَذَا فَأَنَا أَحْوَطُ بِكِتَابِي، وَأَوْلَى بِرَفْعِهِ مِنْكَ". اتِّهَامُه بِالاعْتِزَالِ: قَال ابْنُ بشكوال (¬3): "وَقَدْ نُسِبَتْ إِلَيْهِ أَشْيَاءُ اللهُ أَعْلَمُ بِحَقِيْقَتِهَا، وَسَائِلُهُ عَنْهَا، وَمُجَازِيْهِ بِهَا". كَذَا قَال، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذلِكَ شَيْئًا. وَيَظْهَرُ أَنَّهُ يَقْصِدُ مَا نُسِبَ إِلَيْهِ مِنَ الاعْتِزَالِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ القَاضِي عِياضٌ حَيْثُ قَال: "وَلكِنَّهُ اتُّهِمَ بِرَأْيِ المُعْتَزِلَةِ وَظَهَرَ لَهُ تأْلِيْفٌ فِي القَدَرِ وَالقُرْآنِ وَغَيْرِ ذلِكَ مِنْ أَقَاويْلِهِمْ، وَزَهِدَ فِيْهِ النَّاسُ وَتَرَكَ الحَدِيْثَ عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِن كِبَارِ مَشَايِخِ الأنْدَلُسِ". ¬
وَذَكَر القَاضِي عِيَاضٌ أَيْضًا أَنَّ تِلْمِيْذَهُ الفَقِيْهُ أَبَا بَكْرٍ سُفْيانُ بنُ العَاصِ كَانَ يَنْفِي عَنْهُ الرَّأَيُ الَّذِي زُنَّ بِهِ، وَالكِتَابُ الَّذِي نُسِبَ إِلَيْهِ، ثُمَّ عَادَ القَاضِي عِيَاضٌ لِتَأْكِيْدِ ذلِكَ الخَبَرِ فَقَال: "وَقَدْ ظَهَرَ الكِتَابُ وَأَخْبَرَ الثِّقَةُ أنَّهُ رَآهُ، وَعَلَيْهِ سَمَاعُ ثِقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَخَطُّه عَلَيْهِ" (¬1). وَهَذَا الخَبَرُ يُؤَكِّدُهُ ثِقَةٌ هُوَ القَاضِي عِيَاضٌ -رحمه الله- كَمَا تَرَى، وَيَنْفِيْهِ ثِقَةٌ هُوَ أَبُو بَحْرٍ سُفْيَانُ، وَهُوَ مِنْ أَهَمِّ تَلامِيْذِ أَبِي الوَليْدِ المُلازِمِيْنَ لَهُ، ويُشَكِّكُ فِي رَأْيِ القَاضِي أَنَّه لَمْ يُصَرِّحْ بِاسْمِ الثِّقَة الَّذِي رَآهُ، وَلَا اسْمِ الثِّقَةِ مِن أَصْحَابِهِ الَّذِي سَمِعَهُ، وَلَا اسْمِ ذلِكَ الكِتَابِ وَعُنْوَانُهُ؟ ! لِذَا نَبْقَى عَلَى حَذَرٍ مِنْ قَبُوْلِ ذلِكَ الخَبَرِ، وَعِنْدَنَا مِنَ الدَّلِيْلِ مِنْ ثقَافَةِ أَبِي الوَليْدِ فِي عُلُوْمِ الأوَائِلِ مِن فَلْسَفَةٍ وَمَنْطِقٍ، وَعِلْمِ الكَلامٍ ... مَا يُرَجِّحُ مِثْلَ هَذَا التَّوجُّهِ عِنْدَ أَبي الوَليْدِ -عَفَا اللهُ عَنْهُ وَرَحِمَهُ-، وَهَذا التَّوَجُّهُ يَنْدُرُ وُجُوْدُهُ عِنْدَ عُلَمَاءِ أَهْلِ الأَنْدَلُسِ، وَهُوَ مُسْتَغْرَبٌ جِدًّا، وَخَاصَّةً المُتَقَدِّمِيْنَ مِنْهُم، وَهُوَ مَحَلُّ انْتِقَادٍ شَدِيْدٍ، وَلَا تكَادُ تَظْهَرُ مُؤَلَّفَاتُ المُعْتَزِلَةِ فِي بِلادِهِمْ إِلَّا نَادِرًا، وَأَكْثَرُ مِنْ هَذَا غَرَابَةً أَنْ يَظْهَرُ مِثْلَ هَذَا عِنْد أَنْدَلُسِيٍّ لَمْ يَرْحَلْ إِلَى المَشْرْقِ كَأَبي الوَليْدِ. وَخُلاصَةُ القَوْلِ: أَنَّنَا نَتَوَقَّفُ فِي هَذِهِ القَضِيَّةِ فَلَا نَتَّهِمُهُ بِالاعْتِزَالِ، وَلَا نَنْفِيْهِ عَنْهُ. وَلَمْ نَجِدْ فِي كِتَابِهِ "التَّعْلِيْقِ عَلَى المُوَطَّأ" مَا يُؤَكِّدُ نَزْعَتَهُ الاعْتِزَالِيَّة، وَمَا ذَهَبْتُ إِلَيْهِ مِنَ التَّوَقُّفِ فِي حَالِهِ أرجِّحُ أنَّه رَأَيُ شَيْخِ المُؤَرِّخِيْن الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ، فَقَد ذَكَرَ الخَبَرَ وَلَمْ يُعَلِّقْ عَلَيْهِ بشَيْءٍ، فَكَأَنَّ الحَافِظَ لَمْ يُثْبِتْهُ وَلَمْ يَنْفِه. ¬
الفصل الثاني (دراسة الكتاب)
الفَصْل الثَّاني (دراسة الكتاب) أوَّلًا: (موضوع الكتاب): تَعْلِيْقَاتٌ مُتَفَرقةٌ على "المُوطَّأ" للإمامِ مالكٍ -رحمه الله- أغلَبُها تفسيرٌ لُغَويٌّ، أَوْ تَوْجِيْه نحويٌّ، ولا أَظُنُّ أَنَّنَا بحاجةٍ إلى التَّعريفِ بكتاب "المُوَطَّأ" ولا بصَاحِبِهِ إمامِ دارِ الهِجْرَةِ مالِكِ بنِ أَنَسٍ الأَصبَحِيِّ المَدَنِيِّ (ت 179 هـ)، فالكتابُ من أَهَمِّ وأَشْهَرِ وَأَعْظَمِ الكُتُبِ المُؤَلَّفةِ في الإسلام، وَإِلْقَاءُ نَظْرَة سَرِيْعَةٍ على الحَرَكَةِ العِلْميَّةِ الكُبْرَى التي أثارها العُلَمَاءُ حَوْلَ هَذَا الكِتَابِ تَدُلُّ على ذلِكَ، فَقَدْ عَكَفَ العُلَمَاءُ على دِرَاسَتِهِ وَتَدْرِيْسِهِ وَرِوَايَتِهِ وَتَصْحِيْحِهِ، واسْتِخْرَاجِ كُنُوْزِهِ، وَشَرَحَ عَدَدٌ كبيرٌ جدًّا من العُلَمَاءِ ألْفَاظَهُ وَمَعَانِيه، واسَتْخَرُجوا رِجَالهُ، وَتَحَدَّثُوا عن مَا اشْتَمَلَ عليه من فَوَائِدَ فِقْهِيَّةٍ، قَامَتْ هَذ الحَرَكَةُ العِلْمِيَّةُ الكُبْرَى على مَرَّ العُصُوْرِ، وَأَوْلَى العُلَمَاءُ هَذَا الكِتَاب العنَايَةَ التَّامَّةَ؛ لأنَّه مَصْدَرٌ مُهِمٌّ، من أَقْدَمِ وأَوْثَقِ مَصَادِرِ السُّنَّةِ المُطَهَّرَةِ، وَزَادَه شُهْرَةً وأَهَمِّيَّة ما كَتَبَهُ العُلَمَاءُ عليه من شُرُوحٍ بَعْضُها في غايةِ النَّفَاسَةِ والإِفَادَةِ، كـ"التَّمْهِيْد" لابنِ عَبْدِ البَرِّ، و"الاسْتِذْكَارِ" له، و"المُنْتَقى" لأَبي الوَليْدِ البَاجي ... وَغَيْرِها، الَّتي أَصْبَحَتْ أَصُوْلًا يُرْجَعُ إليْهَا عِنْدَ أَصْحَابِ مَالِكٍ وغيرهم، بل هي شَوَاهِدُ وَاضِحَةٌ على تقدُّم الفِكْرِ العَرَبِي الإسْلامِيِّ. وحَدِيثي عن "المُوطَّأ" للسَّادَةِ الأَفَاضِلِ القُرَّاء سيكونُ كجَالِبِ التَّمْرِ إلى هَجْرٍ. وما قُلْتُهُ عن الكِتَابِ أَقُوْلُهُ عن
المُؤَلِّفِ، فهو أَشْهَرُ من أنْ أُعَرِّفَ بِهِ، أَو أَذْكُرَ مآثره وَخِصَاله الحميدة, وَمَنَاقبه وفضائله أُلِّفَتْ فِيْهَا المُصَنَّفَاتُ. والَّذي نَحْنُ بِحَاجَةٍ إليه مَعْرِفَةُ سَنَدُ رِوَايَةِ المُؤَلِّفِ إلى "المُوَطَّأ"، وقد حَاوَلْتُ أن أجدَ لَهُ طَرِيْقًا مُسْنَدًا يَصِلُهُ به، فلم أَعْثُرْ على شَيْءٍ من ذلِك - مَعَ حِرْصِي الشَّدِيْدِ ومُواصَلَةِ البَحْثَ. وَقَدْ صَرَّحَ المُؤَلِّفُ بأَنَّ لَهُ رِوَايَةً، لكِنَّهُ لم يَذْكُرْ أيَّ روَايَةٍ هي؟ ! هل هي رِوَايَةُ يَحْيَى أو غَيْرُهُ، وَإِنْ كَانَ الغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ أنَّها رِوَايَةٍ يَحْيَى؛ لأنَّها هي أَشْهَرُ الرِّوَايَاتِ، وأَكْثَرُها انتِشَارًا من غَيْرِهَا من الرِّوَايَات في بلادِ الأنْدَلُسِ خَاصَّةً، وحَوَاضِرِ العَالمِ الإسْلامِيِّ عَامةً، بين العُلَمَاءِ وَطَلبَة العِلْمِ. ويُضَافُ إلى ذلِكَ أَنَّ المُؤَلِّفَ كثيرٌ النَّقلِ عن روايةِ يَحْيَى ومقارنتها بالرِّوايات الأُخرى، وهو قليلُ النَّقْدِ لها والاعتِرَاضِ عليها، وفي ترجَمَةِ تِلْمِيْذِهِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَبدِ الله بنِ حِصْنٍ الأنْصَارِيِّ، ذكر المُتَرْجِمُوْنَ أنَّه أَخَذَ عَنْه "المُوَطَّأ" هكَذَا دُوْنَ ذِكْرٍ للرِّوَايَة والسَّنَدِ. وفي كِتَابِنَا هَذَا "التَّعليق عَلَى المُوَطَّأ" يَرِدُ فيه مثل قولهِ: "بالفتح رَوَيْنَاهُ"، وَقَوْلهِ: "رَوَيْنَاهُ في "المُوطَّأ" ... " وَقَوْلهِ: "وَهكَذَا رَوَيْنَاهُ في "المُوَطَّأ" وغيره ... " وَقَوْلِهِ (1/ 42): "فَإِنَّمَا رَوَيْنَاهُ بَتشَدِيْدِ الدَّال ... " ومثل ذلِكَ في الكِتَابِ كَثِيْرٌ، يُراجع مثلًا: (1/ 48، 103، 116، 124، 131، 204، 211, 347، ... 2/ 108، 121، 163، .. وغيرها. وقَدْ نَصَّ المؤلِّفُ على رواية يَحْيَى في الصَّفَحَات التَّالية (1/ 16, 221، 222, 249, 264, 334, 342, 375, 399, 402, 2/ 7, 18, 41,
161, 277, 312, 324, 351, 376, 388, 404 ... وغيرها) مُؤَيِّدًا لروايَتِهِ غالبًا، مُنْتَقِدًا لهَا أَحْيَانًا كَقَوْلهِ (1/ 342): "وَوَقَعَ في رِوَايَةِ يَحْيَى: "كادَ أَنْ يُحْرِجَهُ" وهو خَطَأٌ وَصَوَابُهُ: "كَادَ يُحْرِجَهُ"؛ لأنَّ "أنْ" لا تدخُلُ في خَبَرِ "كَادَ" إلَّا في ضَرُوْرَةِ الشَّعْرِ" وَقَوْلهِ (1/ 399): "رَوَى يَحْيَى: أبا البَدَّاح عاصمَ بنَ عَدِيٍّ، وَرَوَى غيره: أَبَا البدَّاح بنَ عَاصِمِ ... وهو الصَّحَيْحُ" ... وغيرها. ورُبَّمَا انْتَقَدَ رِوَايَةَ يحْيَى وأَصْلَحَهَا ثمَّ أَجِدُهَا في رواية يَحْيى المطبوعة مُصلَحَةٌ كما أَشَارَ، وَهَذَا يَعُوْدُ إِلَى أَمْرَيْنِ: أحدُهُما: أن يكون بعضُ مُصَحِّحِي نُسَخ رِوَايَةِ يَحْيَى أَدْرَكَ الخَطَأَ فَأَصلَحَهُ. والثَّاني: أن تَكُونَ بَعْضُ هَذِهِ الأَخْطَاءِ -عَلَى الأقَلِّ- فِي نُسْخَةِ المُؤَلِّفِ من رِوَايَةِ يَحْيَى. وهُنَاكَ رِوَايَةُ عُبَيْدِ الله عن أبيه يَحْيَى نَقَلَ عَنْهَا المُؤَلِّفُ في الصَّفَحَات التَّالية: (1/ 3، 4، 176، 2662، 301، 338، 373، 374، 2/ 69، 78، 189، 208). (رواية معاوية عنه) (1/ 223، 225، 227، 256، 283 .. ) وغيرها. والمُؤَلِّفُ كَثِيْرُ التَّخْطِئَةِ لَهُ، والرَّدِّ عليه، والانتقاد لاختياره، قال (1/ 176): "وَرِوَايَةُ عُبَيْدِ الله: بِشَنٌّ مُعَلَّقَةٍ، وَرَوَاهُ غَيْرُهُ مُعَلَّقٍ وهو الصَّوَابُ" وَقَال (1/ 262) في قَوْلهِ: "المَرْأَةُ تَمُوْتُ بجُمْعٍ": "بضمِّ الجيم وَكَسْرِهَا مَعًا، وَرَوَاهُ عُبَيْدُ الله بالفَتْح وهو خَطَأ". وقال (2/ 283) في قَولِهِ: "وإمَّا أن يُؤْذَنُوا بِحَرْبٍ": "رَوَاهُ عُبَيْدُ اللهِ بكَسْرِ الذَّالِ، وَالوَجْهُ فَتْحُهَا" ... وغير ذلِكَ. وَرُبَّمَا جَمَعَ معه ابنَ وَضَّاحٍ، وهو كثيرُ الانتِقَاد لرِوَايَةِ ابن وَضَّاحٍ أيضًا، جَمَعَ بينهما في (2/ 69, 78 , 374) ... وغيرها.
وَرُبَّمَا دَافَعَ عن رواية عُبَيْدِ الله وَهُوَ قَلِيْلٌ، ومِنْه مَا جَاء في (2/ 227) في قوله: "في عَمَلِ الرَّقيق": "كَذَا رواية عُبَيْدِ الله، وَتَوَهَّم قَومٌ أنَّ ذلِكَ غَلَطٌ، وليس عندي بِغَلَطٍ، ومَجَازُهُ عَلَى وَجْهَيْنِ ... ". - وَرَجَعَ إِلى رِوَايَةِ (ابنِ بُكَيْرٍ) كَمَا جَاءَ في (1/ 3، 4، 11، 16، 34، 285، 341، 2/ 136، 225، 226، 292، 351، 376). - كَمَا رَجَعَ إلى رِوَايَةِ (القَعْنَبِيِّ) كَمَا جَاءَ في (1/ 187، 256، 264، 2/ 213). - ورواية (ابن القَاسِمِ) كَمَا جَاء في (1/ 187، 2/ 95، 292، 328، 358، 388). - ورواية (ابن وَهْبٍ) كَمَا في (2/ 119، 136، 292، 391). - ورواية (عليِّ بن زيادٍ) كَمَا في (1/ 262). ونقل عن أصحاب مالكٍ منهم أَشْهَبُ: (2/ 95، 109، 391)، وابنُ مُطَرِّفٍ (2/ 292، 351). والدَّرَاوَرْدِيُّ (2/ 6)، وابنُ نَافعٍ (2/ 109، 195، 315)، وابنُ كِنانة (2/ 382) أو بعض الرِّوايات (هكذا؟ ) وَلَمْ يَذْكُر رِوَايَةَ مُحَمَّد بنِ الحَسَنِ، وَلَا رِوَايَةَ أَبِي مُصْعَبٍ، وَلَا رِوَايَةَ الحَدَثَانِيِّ .. وربَّمَا ذَكَرَ خِلافًا في الرِّواية وَعَزاهُ إلى (بَعْضِ نُسَخِ المُوطَّأ) دُوْنَ نِسْبَةٍ للرِّواية كَمَا جاء في (1/ 131، 143، 301، 308، 313، 315، 328، 345، 347، 353، 357، 372، 2/ 10، 77، 84، 94، 206، 207، 257، 265، ، 343). ورُبَمَا قَارَنَ مَا جَاءَ في "المُوطَّأ" بطُرُقٍ للحَدِيْثِ في غَيْرِ المُوَطَّأ كما جاء في (1/ 123، 301، 349، 2/ 47، 305، 311).
ثانيا: (عنوانه)
ثانيًا: (عُنْوَانُهُ): لا يُوجَدُ في النُّسخة التي وصلتنا من الكتاب عنوانًا؛ وذلك لفقدِ ورقةٍ أو ورقتين -تقريبًا- من أوله ذَهَبَ بذهابهما عنوان الكتاب، ومقدمته - إن كانت ثَمَّتَ مُقَدِّمَةٌ - وأوائل التَّعليقات على كتاب (وُقُوْتِ الصَّلاة) لكن جاء في آخر النُّسخة ما يُفِيْدُ باسمِ الكِتَابِ وعُنوانه، حَيْثُ قَال النَّاسِخُ هُنَالِكَ: كَمُلَ التَّعليقُ على مُوَطَّأ الإمامِ مَالكِ بن أَنَسٍ - رضي الله عنه - في تَفْسِيْرِ لُغَاتِهِ وَغَوَامِضِ إِعْرَابِهِ وَمَعَانِيْهِ، نُقِلَ هَذَا كلَّه مِنْ مُبَيَّضة المُؤَلِّفِ -رحمه الله- ... ". ونَقَلَ أَبُو عَبْدِ الله مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الحَقِّ اليَفُرَنِيُّ (¬1) في كِتَابِهِ "الاقتضاب في غَرِيْبِ المُوَطَّأ وَإِعْرَابِهِ ... " عن كتابِ أبي الوليد نُصُوْصًا كَثيْرَةً، وأفادَ منه إِفَادَاتٍ مُخْتَلِفَةً، وَجَاءَ فِي بَعْضِ نُصُوْصِهِ: "وَرَأَيْتُ في "تَنْبِيْهَاتِ الوَقَّشِيِّ" فسَمَّاهُ "تَنْبِيْهات"، وَهَذِه التَّسمِيَةُ لها حظٌّ من الصِّحَّةِ فهي تَتَنَاسَبُ مَعَ تآليف لَهُ أُخْرَى تَحْمِلُ هذَا الاسم منها: "تَنْبِيْهَاتٌ عَلَى مَشَاهِدِ ابنِ هِشَامٍ" و"تَنْبِيْهَاتٌ عَلَى تَارِيْخ خَلِيْفَةَ بنِ خَيَّاطٍ" و"تَنْبِيْهَاتٌ عَلَى مُؤْتَلَفِ الدَّارَقُطْنِيِّ" .. لكِن وَجَدْنَا تَعْلِيْقَاتَهُ على "الكَامِلِ" للمُبَرِّدِ تُخَالِفُ ذلك فتُعْرَفُ بـ"الطُّرَرُ" وَلَا فَرْقَ عِنْدِي بينَ "التَّنْبِيْهَاتِ" وَ"الطُرَرِ" و"التَّعْلِيْقِ" و"الحَوَاشِي" أيضًا، ولمَّا كَانَ هَذَا الاخْتلافُ في اللَّفْظِ قائمًا ومعناه وَاحِدٌ؛ لذا كَانَ ما دُوِّنَ على النُّسْخَةِ أولى بالاخِتيَارِ، وإن ¬
ثالثا: (نسبته إلى المؤلف)
كنتُ لا أَجْزِمُ أنَّ هَذَا العنوان هو ما اختاره المُؤَلِّفُ عُنْوَانًا، لِكِتَابِهِ، وَإِنَّمَا اخترته؛ لِتَعَذُّرِ مَعْرِفَةِ تَسْمِيَةِ المُؤَلِّفِ لَهُ، فكانَ في الأمرِ مَجَالٌ للاجْتِهَادِ. ثالثًا: (نِسْبَتُهُ إلى المُؤَلِّفِ): صَرَّحَ ناسخُ الأَصْلِ بأنَّه نَسَخَهُ من خَطِّ يَدِ المُؤَلِّف فَقَال في آخرِ الجزْءِ الأوَّلِ ما يلي: "تَمَّ النِّصْفُ الأوَّل من تعَلْيِقْ الشَّيْخِ الفَقِيْهِ الإمَامِ القُدْوَةِ المُتَفَنِّن أبي الوَليدِ هِشَامٍ الوَقَّشِيِّ -رحمه الله وعَفَا عنه- وهو مُنْتَسَخٌ من مُبَيَّضَةٍ بخطٍّ يَدِهِ، وقُوبل بها، فَصَحَّ بِعَوْنِ اللهِ في حَادِي وَعِشْرِيْن ذِي القَعْدَةِ من عامِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَسَبْعِمَائَةَ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالمين ... ". وفي هَذَا دِلالةٌ وَاضِحَةٌ على نِسْبَةِ الكِتَابِ إِلَى مؤلِّفِهِ. وفي رُؤُوسِ بعض الفقرات صَرَّحَ المؤلِّف باسمِهِ عند تَقْرِيْرِهِ لِمَسْأَلةٍ ما، أو إبداء رَأْيِهِ، أَوْ رَدِّهِ على رأيِ عَالِمٍ، يَقُوْلُ: قَال أبُو الوَليْدِ الوَقَّشِي، أَوْ قَال أَبُو الوَليْدِ هِشَام، أو قال (ش) وهي رَمْزُ (الوَقَّشي). ففي (1/ 51) قَال نَاقِلُ النُّسْخَةِ: "ذَكَرَ أَبُو الوَليْدِ الوَقَّشِيُّ -رحمه الله- قولَ الشَّافِعِيِّ أنَّ البَاءَ عندَهُ للتَّبعيضِ، فَقَال: هَذَا خَطَأٌ، إِنَّما الباءُ للإلصاقِ وما قالهُ الشَّافِعِيُّ غيرُ مَعْرُوْفٍ في كَلامِ العَرَبِ ... ومثله (1/ 302) وفي (1/ 264): "ذَكَرَ جَمِيع الرُّواة إلَّا القَعْنَبِيُّ فإِنَّه قَال فيه: "مَا مِن أَحَدٍ تُصيْبُهُ ... " وَسَاقَ الحَديث. قَال أَبُو الوَليْدِ هِشَامٌ: "وَهَذَا هُوَ الصَّحِيْحُ ... ". وفي (1/ 307): "اختَلَفَ أَهْلُ اللُّغَةِ في حَدِّ اليَوْمِ والليْلَةِ فَقَال النَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ ... ثم قال: "قَال (ش) والذي يَقْتَضِيْهِ النَّظَرُ أَنَّ اليَوْمَ والنّهارَ حَدُّهُمَا جَمِيْعًا طُلُوع الفَجْرِ إِلَى مَغِيْبِ الشَّمْسِ ... ". ويُراجع (2/ 88، 127، 151،
173، 232، 245، 292، 346، 365، 391). - وهُنَاكَ مختَصرٌ للكتاب باسم "مُشكلات المُوطَّأ" منسوبٌ إلى أبي مُحَمَّدٍ عبدِ اللهِ بنِ السِّيْدِ البَطَلْيَوْسِيِّ (ت 521 هـ)، وَإنَّمَا هُوَ اخْتِصَارٌ لكتابنا هذا تمامًا لا يزيدُ عليه شيئًا، وَحَذَفَ المختصر كثيرًا من عبارات الكتاب ومسائله وشواهد وأقوال العُلَمَاء واختلافهم، وَأَبْقَى عَلَى نُبَذٍ منه، وقد أفدتُ من هَذَا المختصر تكملة النقص الذي في أول النسخة، كما أفدت منه في بَعضِ التَّصْحِيْحَاتِ، وَرَمَزْتُ له بالحرف (س). ثُمَّ وَقَفْتْ على الكتاب مَطْبُوَعًا في دَارِ ابن حَزْمٍ (1420 هـ) ببيروت، دراسة وتحقيق طه بن علي بوسريح التُّونِسِي الَّذي بذل فيه جهدًا مشكورًا - جَزَاهُ اللهُ خيرًا - إلَّا أنَّ المُحَقِّقَ المَذْكُور: لم يُوَفَّقْ في تَوثِيْقِ نِسْبَتِهِ إلى ابنِ السِّيْدِ. - وَمِمَّا وَثَّقه به: "مَا جَاءَ على الوَجْهِ الأوَّلِ من مَخْطُوطَةِ الأَحمدية من نسبة الكتاب إليه" وهَذَا لا يَصِحُّ أن يكونَ توثيقًا؛ لأنَّ ما كُتِبَ على النُّسْخَةِ هو الَّذِي بحَاجةٍ إلى التَّوثِيْقِ فلا يكونُ هو نَفْسُهُ توثيقًا؟ ! - ومِمَّا وَثَّقه به قولُهُ: "ذَكَرَ أَغْلَبُ المُترجمين -كمَا سَيَأْتِي- أنَّ له شرحًا على "المُوَطَّأ" وهو ما يُقَوِّي إثبات هَذَا الكتاب لابنِ السِّيدِ". وهَذَا الدَّليْل لو دَقَّقَ النظر فيه يَنْفِي أن يكونَ هَذَا الكتاب لابنِ السِّيد؛ لأنَّ بعضَ المُتَرْجِمِيْن ذَكَرُوا أنَّهُ "كِتَابًا كَبِيْرًا في شَرْحِ المُوَطَّأ سمَّاه "المُقْتَبَس" كَثيْرُ الفائدة ... " وهَذا الكتاب ليس كبيرًا، ولا كثيرَ الفائدةِ، ولا هو شرحٌ كما يُفهم من معنى الشَّرْحِ، بل هو (مُشكلات)، وليس اسمُهُ (المُقتبس)؟ ! وَنَحْنُ لا نَشُكُّ أنَّ لابن
السِّيدِ كتابًا في غَرِيْبِ الموطَّأ أو شَرْحِهِ ذكره مترجموه، لَكِنْ هَلْ هُوَ هَذَا؟ ! وَهَل مَا ذَكَره المُتَرجِمُوْن دليلٌ يَدُلُّ على أنَّ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ هُوَ المَقْصُوْدُ؟ . - أمَّا نَقْلُ الشَّيْخِ الطَّاهرِ ابنِ عَاشُوْرٍ عنه فلا يصلح أن يكونَ تَوْثِيْقًا؛ لأنَّ الشَّيخَ العَلَّامَة الكَبِيْرَ مُحَمَّد الطَّاهرَ بن عَاشُوْرٍ -رحمه الله- إنَّما رَجَعَ إلى النُّسْخَةِ نَفْسِهَا، والنُّسْخَةُ نَفْسُهَا هِيَ التي بحَاجَةٍ إلى توثيقٍ كَمَا قُلْنا. - وأمَّا شَيْخُنَا وشَيْخُ المُحَقّقِ العَلَّامَةُ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ الشَّاذِلِيُّ النَّيْفَرُ الَّذِي أَكَّدَ أنَّه من وضع ابن السِّيْدِ لكنَّه رَجَّحَ أن يكون تَلْخِيْصًا أو اختصارًا لشَرْحِهِ على المُوَطَّأ من قبلِ أَحَدِ المُتَأَخِّرِيْن" قَال المُحقِّقُ: "وَهُوَ رَأيٌ وَجِيْهٌ إلى حَدٍّ ... " وَلَمْ يُوافق شَيْخَهُ، وَقَوْلُ شَيْخِهِ وَشيْخِنَا أَيْضًا الشَّاذِلِّي النَّيْفَرُ أقرب للصَّواب، وإن كنتُ أَزْعُمُ أنَّهُ اختِصَارٌ لكتابنا هَذَا لا لِكِتَابِ ابنِ السِّيْدِ. - أمَّا مَا ذَكَرَهُ المُحَقِّق الفَاضِل من نَقْلِ عبدِ الحَقِّ بن سُليمان اليَفْرَبيُّ التّلمِسَانِيِّ [صوابه محمد بن عبد الحق] في "الاقتضاب" وهو شَرْحٌ للمُوَطَّأ مَخْطُوْطٌ، فإنَّ المُحَقِّقَ الفَاضِلَ لو رَجَعَ إِلَى النُّصُوْصِ التي نَقَلَهَا اليَفرَنِيُّ في "الاقتضاب" لَعَلِمَ أنَّها لم تُنْقَلْ من كتابه فلا تَصْلُحُ أن تكونَ تَوْثيقًا له، فهي نُصُوْصٌ طَويْلَة مُفَصَّلةٌ، فيها من ذِكْرِ الشَّوَاهِدِ الشِّعْرِيّةِ وَأَقْوَالِ العُلَمَاءِ، وَذِكْرِ خِلافَاتِهِمْ، واختِلافِ عِبَارَاتِ المُوَطَّأ حَسْبَ رِوَايَاتِهِ المُختلفة، كلُّ هَذِه النُّصُوْصُ يَنْقُلُهَا اليَفْرَنِيُّ عن ابنِ السِّيْدِ، ليس فِي كتابه منها إلَّا القَلِيْلُ، والقَلِيْلُ جِدًا، فكيفَ يكون مَصْدَرَ توثيقٍ؟ ! . - وَذَكرَ المُحقِّقُ نُسَخَهُ المُعْتَمَدَةَ، فَذَكَرَ نُسختان وصفها في مقدمة،
وللكتاب نسَخٌ كَثيْرَةٌ -فيما يظهر- في تُوْنْس، وَقَد وَقَفْتُ عَلَى عدّة قِطَع من نُسخ وَصَلَنِي بَعْضُهَا (¬1) ترجعُ إلى أصولٍ مُختلفةٍ أغلبُها في القَرنين الحادي عشر والثَّاني عشر الهجريين مِمَّا يُرَجِّحُ أنَّ المُخْتَصِرَ مُتَأخِّرٌ عن ابنِ السِّيْدِ، وأنَّ طلبة العلم كانُوا كلفين به، وبعضُ نسخه بخطٍّ مَشْرِقِيٍّ، وَبَعْضُهَا بخطٍّ مَغْرِبِيٍّ مما يدلُّ عَلَى أنَّ لَهُ شُهْرَةً أَيْضًا في مِصْرَ والحِجَازِ عَلَى الأقَلِّ. - ويَظهر أنَّ شَرْحَ ابنِ السِّيْدِ للمُوطَّأ المَعْرُوف بـ"المُقْتبَسِ" مَنْقُوْلٌ -في أغلبه- من كتاب أبي الوليدِ، هَذَا إذا صحَّت النُّقُول التي نَقَلَهَا اليَفْرَنِيِّ عنه في "الاقتضاب" فهو يَنْقلُ نُصُوْصًا يَعْزُوهَا إلى ابنِ السِّيْدِ، وهي حَرْفِيًّا في كِتَابِنَا هَذَا، فَهَلْ أَغَارَ ابنُ السِّيْدِ على كتَابِ أبي الوليد؟ ! (¬2) فإذَا صحَّ ذلك صَحَّ أنَّ يكون هَذَا اختصارًا لكتاب ابن السِّيْدِ لكنَّني أظُنُّ أنَّ اليَفْرَنِيَّ وقفَ على كتاب أبي الوليد هَذَا ونَسَبَهُ إلى ابن السِّيْدِ. ثمَّ يَرِدُ السُّؤَالُ: هل المُخْتَصِر ابن السِّيد أو غيره؟ ! سُؤَالٌ لا إجابة له عندي الآن. وَوَقَعَ المُحَقِّقُ الفَاضِلُ في أخطاءٍ وَتَحْرِيْفَاتٍ كَثيْرَةٍ جِدًّا مَعَ صِغَرِ حَجْمِ الكِتَابِ، وَقِلَّةِ مَادَّتِهِ العِلْمِيةِ، وَأَنَا أَذْكُرُ مَا وَقَعَ إِلَيَّ مِنْهَا، مَعَ أَنِّي لَم أَتَتَبَّعِ ¬
الكِتَابَ تَتَبُّعًا كَاملًا، لَعَلَّ المُحَقِّقَ الفَاضِلَ يفيد منها أو من بعضِها عندَ إِعَادَةِ طَبع الكِتَابِ ثانيةً إِنْ أَرَادَ ذلك واللهُ المُسْتَعَان: الصفحة / الخطأ / الصواب 36 يرجع إلى = يرجع على 36 إنَّ كل بناء = كلُّ بناء 36 الحجاريه = في المخطوط الحجازية وصوابها: الحجاز 36 ظهر منك = ظهر عنك، كتبها المحقق في الهامش وهي الصَّواب 37 إن كانت اللام في جوابها = إن كانت اللَّام في خبرها 39 وحفظ العبد = وحفظ العَهْدِ 41 ويُقَالُ للصبح والظهر والعصر جميعًا = ويُقَالُ للصُّبح والعَصْرِ العَصْرَان العصران 42 والضُّحَى فوق ذلك = والضحى فُوَيْق ذلِك 42 كالفراء للناس = كالوَرَاءِ للناس 48 تتاب = يَنْتَابُ 50 ["الوضوء" = "الوَضُوْءُ" بدون (حاصرة) 50 أحجار مكة = جمار مكة 50 جَمَرَ = جَمَّرَ بدليل مصدره 52 (شراب ألبان وتمر وأقط) = شاهدٌ لم يخرجه (مع قلة شواهده؟ ! ) 52 قال المُحَقِّقُ: البيت غير منسوب .. = وهو لعبد الله بن الزّبعرى في شعره (32) 55 ثُرِدَ = ثُرِّيَ 68 ويَجْعَلُهُ في الدُّعَاءِ = ويجعله خَبَرًا لَا دُعَاءً 69 ذات الجَيْشِ فَلاةٌ بناحيةِ مكَّةَ ... = صوابه بناحية المدينة (لم يُعَلِّق عليها؟ ! ) 71 نُفِسَت = نَفِسَتْ 72 البُعُض = النُّعُضُ 72 الضِرُّ = الضِّرْوُ 72 العُتَمُ = العُتُمُ
الصفحة / الخطأ / الصواب 72 ينشعث = يَتَشَعَّثُ 73 الضَّرْعِ = الصُّرُعُ 74 الضَّرَعُ: جَمْعُ ضِريع = الصُّرُعُ جَمْعُ صَرِيْعٍ 77 قال: لم أجده في مظانه من كتابِ العَيْنِ أقول -وعلى الله أعتمد-: هو في العين (1/ 184)، ومختصره (1/ 86) 79 مُرَفعٌ عليهم = أي مرتفع عليهم 79 ويصيرون = ويعبرون 79 انظُرُونا = أَنْظِرونا 79 في الأَصْلِ: "وفي العين: هي كساءٌ أَسْوَدُ" وقال المحقق في الهامش: تَصحفت في الأصلين إلى (برنكين)؟ ! وأحال إلى العين مادة (خمص) (4/ 191) أقول -وعلى الله أعتَمِدُ-: مَا جَاء في الأصلين هو الصَّحيحُ مع تحريفٍ يَسِيْرٍ صَوَابُهُ: بَرَنْكَانٌ) كما جاء في مختصر العين (1/ 433) والنَّصُّ له، واللِّسان (بَرْنَكَ). والعين لا يُحال فيه إلى المادة، لأنَّه غير مرتب على الحروف لا على الأوائل ولا على الأواخر. ولا داعي للإحالة إلى "العين" أصْلًا ما دام النَّصُّ غيرَ مَوْجُوْدٍ فيه. 81 زاد المُحقق قبل (في الغُسل يوم الجمعة) [العَمَلُ] وجعلها بين حاصرتين هكذا، فصارت [العمل] في الغُسل ... وهذا جَيِّدٌ لو لم تكن اللَّفظةُ موجودةً، وهي موجودةٌ لكنَّ المحقق جَعَلَها في آخر السطر الذي قبله، وهي هناك قَلِقَةٌ لا معنى لها فتدبَّر؟ ! 83 يحدث = مُحْدَثٍ 94 لَبَنٌ = لَبِنٌ 95 بَسِقَتْ = بَسَقَتْ 95 واللَّبَبُ واللُّبُّ = واللَّبَبُ والَّلبَّةُ 102 أموت = تموت 103 الهمزة والياء = الهمزة والباء 103 ومن لَحَدَ في الدِّين = ومنه لحد الرَّجُلُ في الدِّين 104 طعن في بطنه = نَيْطه 104 الشنوصيَّة = الشوْصَةُ 104 بجُمع وبِجُمِع = جُمْعٍ وجِمْعٍ
الصفحة / الخطأ / الصواب 108 الوَسَقُ = الوَسْقُ 110 مَعْدَنٌ ومُعْدَنٌ = ومِعْدَنٌ 111 فطرقها = يطرقها 111 طرق = طروق 111 والكلمةُ القبيحة عَوَرًا = عَوْرَاءُ 111 يعلوها = يطرقها 112 تَبِيْعٌ وتِبْعٌ = وتِبيْعٌ 112 الثمر = التَّمر 113 السَّطران (4، 5) مكرران في الصَّفحة (115) وهما السطران (11, 12) هناك 12 الانتصار = الإفطار 123 الرقم (3) في غير موضعه؟ ! 126 المخرِف = صوابه فتح الرَّاء 127 سحم = الأسحم الأسود ... 132 خُق وما تَصرَّف منها بالضمِّ، وَصَوَابها الفتح خَقّ 133 الفَرْعُ = الفُرُعُ 136 يتقرب = يقرب 137 الرزق = الذوق 137 أبو عبيدة = أبو عُبَيْدٍ 138 قَمقامة = قُمقامة بالضمِّ 138 وهذا أول ما يكون = وهو أول. . . 139 تُطْلَقُ = تَطْلُقُ 139 لِحِصْنِ = لِحِضْنِ 141 الكلَّا = كلَّا 141 منى = مناة 142 عُرْنَه = عُرُنَةِ 143 ويُقال = ولا يُقَالُ 143 الخباء الذي .. = التَّحجير الذي, وقد وضعها المحقق في الهامش
الصفحة / الخطأ / الصواب 145 عنود = عتود 145 البُرْمِيُّ = البَرَمُ بالفتح 154 الحربة = الحَدَبَةُ 155 وألوْتُ = وأَلُوَّة 155 آدام = إدام 155 الأدْم = الأُدُمُ 155 حُمُرٌ = حُمْرٌ 155 آدَمَ = أَدَمَ 155 أي لم = أي لائم 156 أُدَمِ = أُدُمِ 156 الجمع = الجِميع 156 كتب الناسخ: "ومن النَّاسِ مَنْ يَجعل الخلعَ والصُّلحَ والديةَ أخدْ الأقل والأكثر" وهو كلامٌ ناقصٌ، صوابُهُ: "وَمن النَّاس مَنْ جَعَلَ الخُلْعَ والصُّلحَ والفديةَ سَوَاءً، ومنهم مَنْ فَرَّقَ بينهما فَقَال: الخُلْعُ: أَخْذُ جَمِيْعِ ما أعطاها والصُّلح: أخذُ البَعْضِ، والفِدْيَةُ أَخْذُ الأَكْثَرِ والأقَلِّ". 156 مُعَوِّذٌ ومُعْوذ = ومُعَوَّذٌ 156 يريد اللِّسان = بذئ اللِّسان 157 حَرَمَ يَحْرِم = حَرْمَ يَحْرُمُ 157 القَدُوم - القَذُوم = القَدُّوم والقَدُوم، مشدَّدٌ ومخففٌ 158 صُفْرَةٌ خَلُوْقٌ أَو غَيْرُهُ = صُفْرَةُ خلوقٍ أو غَيْرِهِ 158 الملاة = الملاب 158 المَرْمَصُ = الرَّمَصُ 158 "بالضاد وهو الصَّبر". وهذا خطأٌ ظاهرٌ؛ لأنَّ قوله: "وهو الصَّبر" شرحٌ لكلمة "الصَّابُ" التي أسقطها المحقق 158 العُصَبُ = العَصْبُ 159 الغمرى = العُمري 159 الرَّضاعة = الرَّضَعَات 159 لأنَّ (فُعَلَةَ) = (فَعْلَةَ)
رابعا (منهج المؤلف في الكتاب)
الصفحة / الخطأ / الصواب 159 لم يَكُنْ صفة بعينها = لم تكن صفةَ فِعْلِهَا 159 فإذا كانت = وإذا كانت 159 رَجُلٌ فُضْلٌ = فُضُلٌ 159 والبعد تفضل = والفِعْلُ تَفَضَّلَ 159 وهو = فهو 159 ثوب واحدٌ والإِزارُ تحته = ثَوْبٌ وَاحِدٌ وَلَا إِزَارَ تَحْتَهُ 172 سيد آدام = سيد أدم 173 عامَّ الرَّمَادَة = عَامَ الرَّمادة 173 وصلاة الأول = الأولى 173 جَدَبُوا = أجدبوا 173 محيا النَّاس = يحيا الناس 177 فد الرجل يفدي فديدًا = فدَّ الرجل يفد فهو فدادًا 177 وكان أبو عمرو .. يرويه. .الفدَّادين = الفَدَادِينَ (مخففًا) 177 جمع فدان = جمع فَدَّادٍ (مشدَّدًا) 177 وآكام = وإِكَامٍ 178 المشربة والمسربة = المَشْرُبَةُ والمَشْرَبَةُ (بضمِّ الرَّاء وفتحها) 178 يُسقى به = يُستَقَى 178 عَلَفَ يَعْلِفُ = يَعْلَفُ 178 وحكى الزَّجاج عَلَّفْتُ = أعلفت 178 خوصة المُقِلِّ = المُقْل عَدَلَ الشَّيءَ = عَدْلُ الشَّيءِ بفتح العين رابعًا (منهج المؤلِّف في الكتاب): سار أبو الوليد الوقَّشي في تأليف كتابه هَذَا على منهج نَحى فيه مَنْحى التَّصحِيْحُ والضَّبْطُ لِكِتَابِ "المُوَطأ"، وَشَرَحَ ما أُبْهِمَ من الألْفَاظِ والتَّراكيبِ
والمَعَانِي بشكلٍ مُخْتَصَرٍ مُوجز، فهو تقريراتٌ وإشاراتٌ إلى مواضع مشكلة من "المُوَطَّأ"، فَيَشْرَحُ لَفْظَةً، ويُقَيِّدُ ضَبْطَ عَلَمٍ، ويُزِيْلُ إِبْهَامَ مُبْهَمٍ، ويُوَجِّهُ إعرابَ مُشْكِلٍ، ناقلًا كلَّ ذلِكَ من المصَادر، ومُقَيِّدًا عن الشُّيوخ، ومُسْتَشْهِدًا على ما يقول بالآياتِ القُرْآنيَّةِ، والأحاديثِ النَّبويةِ، والشَّواهدِ الشِّعْرِيَّةِ، وأمثالِ العربِ وأقوالِهَا، فَجَاءَ الكتابُ تأليفًا حافلًا مُفِيْدًا. ولمَّا كان التَصِحِيْحُ والضَّبْطُ من أهمِّ أَهدافِ تَأْلِيْفِ الكتابِ كَانَ لِزَامًا عليه أن يُقارنَ بينَ رِوَايَات المُوَطَّأ المُختلفة ما أمكنه، ذلِكَ في المواضع الَّتي يقعُ فيها إِشْكَالٌ في الألْفَاظِ أو التَّراكيب، فانتقد أبو الوليد أولًا بعض الاستعمالات التي جاءت في "المُوَطَّأ" دون ذكر رواية بعينها. ومن ذلِكَ: - قوله (2/ 74): "كَذَا الرِّواية لم تَخْتَلِفْ في ذلك النُّسَخُ، وَالأَشْهَرُ .. ". - وقوله (2/ 275): " ... وما ذكره مالكٌ في "مُوَطَّئِهِ" عن سعيد غَلَطٌ لا يصحُّ إذا حُمِلَ على ظاهره؛ لأنَّه لم يذكر الأسنان، إنَّما ذَكَرَ الأضْرَاسَ، وإنَّمَا يَصحُّ على ما قدَّمْنَا ذكره، وقد جَاءَ ما ذكره مُفسَّرًا في روايةِ ابنِ عُيَيْنَةَ انظُرْه في "الطُّرَّةِ" فَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ غَلَطٌ ... ". - وقال (1/ 341) في قَوْلهِ: "لَا هَاء اللهُ إذَا": "كَذَا الرِّوايةُ، وهو خَطَأٌ، لا وجه لِدُخُوْل "إذا" هَاهُنَا، والصَّوابُ: "لا هَاء الله ذَا" دون ألف في "إذا" والمعنى: ذا مَا أُقْسِمُ به ... ". - وقال (2/ 315). "وقوله: "وكُل أَحَدٍ دَخَلَ في نافلة ... " كَذَا الرِّوايةُ، وليس يُجيزُ سِيْبَويْه وأصحابه وقوعَ "أَحَدٍ" الَّذي يُراد به العُمُوْمِ في
الإيجاب، وإنَّمَا هو عندهم من الألفاظِ الَّتي خُصَّ بها النَّفْيُ ... ". - وقوله (1/ 205): "روى بَعْضُهُم نَفْعُ بئرٍ وهو تَصْحِيْفٌ". - وقال (1/ 355): "قوله: "إلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ" وقع في بعض النُّسخ: "إلَّا أَحَدٌ" وفي بعضها: "إلَّا أحَدًا" وهو لَفْظٌ مُسْتنكَرٌ في كلتا الرِّوايتين ... ". - وقال (1/ 254): "قوله: فأخرج بجنازتها" كذا جاءت الرِّواية وكان الوجه فخرج؛ لأنَّ النَّحويين لا يجيزون اجتماع الهمزة والباء في نقل الفعل ... ". ويُراجع (1/ 13، 117، 124، 146، 149، 204، 313، 376، 2/ 12، 25, 81, 84, 93, 116, 117, 164, 168, 172, 181, 185, 186, 231، 232، 234، 267، 268، 355، 393، 404، 405 وغيرها. وربما عَلَّل الخطأ الوارد في "الموطَّأ" إلى تَحْرِيْفِ النَّاسِخِ أو وَهْمِ الرَّاوي، قال (2/ 12): "قوله: "مُنْكَشِفًا" الرِّواية بكسر الشِّين وكان الوَجْهُ أن يكون مُنْكَشِفًا عنها ثَوْبُهَا، وأظنُّه نُقْصَانًا وقع في الخَطِّ". - وقال في (2/ 18): "ووقع في رواية يَحْيَى: "ثمَّ رَجَعَ" ولا معنى لذكر الرُّجُوع هاهُنَا، وَرَوَى غَيْرُهُ "خرج" وأظنُّه (زحف) فصحَّفَهُ الرَّاوي". - وقال في (2/ 78): "وأظنُّه تَصْحِيْفًا وَقَعَ في الرِّواية ... أو لعلَّه كان: "حتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُ المالِ الغائبِ" فسقطت الألف من "أمر". - وقال في (2/ 289): "وقوله: "اقْعُدِي لُكَعُ" وهمٌ من الرَّاوي إنَّمَا هُو لَكَاعِ". - وقال في (2/ 362): "كَانَ يَكْرَهُ الإخْصَاءُ" (الإخْصَاءُ) كَذَا وَقَعَ في الرِّواية وهو خَطَأٌ من الرَّاوي، وَصَوَابُهُ: (الخَصَا) وفعله خَصَيْتُ".
- أمَّا الضَّبْطُ والتَّقْيِيْدُ اللُّغَويُّ فهو مادةُ الكتابِ ومُعْظَمُ مَبَاحِثِهِ، وقد وُفِّقَ المُؤلِّفُ -رحمه الله- في نَقْلُ اللُّغةِ عن مَصَادِرِهَا مستفيدًا من آراء المتقدمين من جلة علمائها، فنقل آراءهم واحْتَجَّ لها، وربَّمَا انتَقَدَ وردَّ بعض الآراء، ونوضح ذلك في مبحث (مصادر الكتاب). - وأولى المؤلِّف ضَبْطُ أسماء الرِّجاء عنايةً خاصَّةً. يُراجع: (1/ 64، 658، 96، 341، 347، 352، 399، 400، 2/ 37، 40، 72، 73، 108، 144, 198, 351). - وممَّا يُؤخَذُ على المؤلِّف -رحمه الله- عدم العناية بالمواضع، فلم يَضْبُطْ، ولم يقيِّدْ، ولم يُحدِّدْ، بل إنَّه يَجْهَلُ كثيرًا منها في شيءٍ لا يُعْذَرُ بجَهْلِهِ، كقوله في "ثنيَّة الوداع" (1/ 350): "وهي هُنَا موضع بمكَّةَ، دخل منها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح". وقوله (1/ 353): "الأبواء: موضعٌ بجهة مكة" والمعروف أنَّ ثنيَّة الوداع بالمدينة، وأنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - دخل منها عام الهجرة، والأبواء بجهة المدينة، وقوله (2/ 359): "رُكْبَةُ: موضع بين مكة والطائف، وقيل: موضع بشق اليَمَنِ". وقوله: "ذات الجيش موضع بمكة" وهي بالمدينة، وذكر مواضع وأخطأ في تحديدها، أو لم يضبطها، هي بحاجة إلى ضبطٍ، أو شرح معناها اللُّغوي، ولم ينصّ على أنَّها موضعٌ بعينه. يُراجع: (1/ 99، 260، 275، 276، 306، 307، 350، 358، 363، 365، 370، 407، 2/ 207). وتظهرُ شخصيَّة المؤلِّف واضحَةً جليَّةً في مباحثه اللُّغوية وغير اللُّغوية، عند عرضه لآراء العلماء وأقوالهم، فيُوازن بين الأقوال والآراء، ويُصَحِّحُ
رابعا: (رده على العلماء)
ويُفَنِّدُ، ويُرَجِّحُ، ويُضَعِّف، ويستدلُّ على ترجيحاته وأحكامه التي يُصدرها بالشَّواهدِ من كلام العربِ، ويعضد ذلِكَ بأقوال المشاهير من عُلَمَاء النَّحو واللُّغة. - فقد يذكرُ الرِّوايتين أو الرِّوايات المختلفة، فلا يُرجِّحُ واحدة على الأخرى، فيُرسل الخلاف فيها كما في (1/ 194، 195، 380، 384، 385، 2/ 206، 257، 268، 292، 324). - وقد تستوي الرِّوايتان أو الرِّوايات فلا يرجِّحُ واحدة على الأخرى ويحكم بصحة الجميع، كقوله (1/ 3، 16، 30): "وكلاهما صحيح" أو: "وهما لُغَتَان جيِّدتان" أو "المَعنى وَاحِدٌ" وقوله (1/ 181): "وهما لغتان"، وقوله (1/ 357): "وكلاهما جَيِّدٌ"، وقوله (2/ 5، 232): "وإثبات النُّون جَائِزٌ"، (2/ 77، 145، 165)، وقوله (2/ 171، 395): "كلاهما صَحِيْحٌ"، وقوله (2/ 248): "روايتان جيِّدتان" (2/ 285)، وقوله (2/ 363): "يجوز فتح "إن" وكسرها، وبالوجهين جاءت الرِّوايتين". - وقد يذكر الخِلافَ ثم يأتي برأيه الشَّخْصِيّ كقوله (1/ 24): "وهَذَا عندي هو الصَّحيحُ" وقوله (1/ 136): "والقَوْلُ الثَّالِثُ هو الَّذي نَخْتَارُهُ" ... ومثلهما كثيرٌ. رابعًا: (رَدِّه على العُلَمَاءِ): رَدَّ أبو الوَليْدِ على مجموعة من العلماء بعد أن استَعرضَ أقوالهم، فكان من رُدُوْدِهِ ردُّه على الإمام مالك: قال (2/ 275): "وما ذكره مالك في مُوَطَّئِهِ عن سعيدٍ غلَطٌ لا يَصحُّ إِذا حُمِلَ علَى ظاهره؛ لأنه لم يذكر الأسنان، إنما ذكر
الأضراس ... " ثم قال: "فهذا يُبَيِّنُ لك أنَّ ما ذكره مالكٌ غَلَطٌ ... ". وردُّهُ على ابنِ وَهْبٍ، قال في (2/ 119، 120): "وقال ابنُ وَهْب: السِّقاية التي باعها معاوية كانت قلادة فيها خَرَزٌ وذَهَبٌ وَوَرِقٍ، وأنَّه باع ما فيها من الذَّهَبِ بالذَّهَبِ، ومن الوَرِقِ بالوَرِقِ، وهَذَا غَلَطٌ، والقِلادَةُ لا يُقَالُ لها سقايةٌ في اللُّغةِ". - وَرَدَّ على الإمام الشَّافِعِيِّ (1/ 51، 52) فقال: "قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: إنَّ الباء عنده للتَّبعيض، فقال: هَذَا خطأٌ، وإنَّما هي للإلْصَاقِ، وما قاله الشَّافعِيُّ غيرُ مَعْرُوفٍ في كَلامِ العَرَبِ ... ". - وَرَدَّ على أبي عُبَيْدٍ القاسم بن سَلَّامٍ (2/ 381) فقال: "قال أَبُو عُبَيْدٍ: والأسِنَّةُ جَمْعُ أَسْنَانٍ، والأسْنانُ جمعُ سِنٍّ، وما قَالهُ غيرُ صَحِيْحٍ؛ لأنَّ الجمعَ إنَّما جُمِعَ ليُكَثَّرَ، و (أَفْعِلَةُ) جمعٌ لأقلِّ العَدَدِ، فلا يجوزُ أن يكثرَ به؛ ولأنَّ (أَفْعَالًا) لا تُجْمَعُ على أفعلةٍ، إنَّما تُجْمَعُ إذا أُرِيْدَ تكثيرها على (أَفَاعِيْلَ) ". - ورَدَّ على أبي عُمَرَ المُطَرِّز (1/ 189) فقال: "وَذَكرَ المُطَرِّزُ أنَّ الزَّعْمَ قد يُستَعْمَل بمعنَى الحقِّ، وأنشد لأميَّة بن أبي الصَّلْت ... ثمَّ قال: ولم يُرِدْ أُمَيَّةُ ما ذَهَبَ إليه المُطَرِّزُ .. " وغلَّطَ رواية المُطَرِّزِ للشِّعر في موضعين (2/ 89، 107). - وردَّ على أبي حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيِّ ويَعقُوبَ بنِ السِّكيت (1/ 387) فقال: "قال أبو حَاتِمٍ: وَلَا يُقَالُ: مِقْرَاضٌ ولا جَلَمٌ ولا مِقَصٌّ وَتَابَعَهُ على ذلك يعقوبُ، وليس ذلك بِصَحِيْحٍ؛ لأنَّ هَذه الألفاظ وردت مثنَّاةً ومفردةً في فصيحِ النَّثرِ والنَّظْمِ". ويَظْهَرُ أنَّ أبَا الوليدِ مَعنيًّا بالردِّ على الفُقَهَاءِ خاصَّة، وَتَغْلِيْطِهِم، وتفْنِيْدِ آرَائِهِمْ، قال (1/ 315): "والفُقَهَاءُ تَسْتَعْمِلُ ألفاظًا كثيرة لا تجوزُ عنْدَ أَهْلِ
اللُّغَةِ" وربَّما قرنهم بالعَامَّة (1/ 88) قال: "وكثيرٌ من الفُقَهَاءِ والعَامَّة يَقُوْلُوْنَ: غُسْلٌ ويريدون به فِعْلَ الغَاسِلِ، ولا أَعْرِفُ أَحَدًا من أَهْلِ اللُّغَةِ قاله". - وقال (1/ 96، 97): "ومَعْنَى (تَرِبَتْ) عندَ قَوْمٍ من الفُقَهَاءِ استَغْنَتْ ... وهَذَا خَطَأٌ عند أهلِ اللُّغَةِ ... وقال: وإنَّمَا ذَهَبَ الفُقَهَاءُ إِلَى هَذَا فِرَارًا مِنْ أَنْ يَقُوْلُوا: دُعَاءٌ عليه ... وهَذَا خَطأٌ من وجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا في اللُّغَةِ، والآخَرُ في التَّأويل ... ". - وقَال (1/ 224): "والفُقَهَاءُ يروونَهُ: "الغَشِيَّ" بكسرِ الشِّين وتَشديدِ اليَاءِ ... وَلَا أَحْفَظُهُ إلَّا ساكنَ الشِّيْنِ". - وقال (1/ 232): "ولا يَعْرِفُ اللُّغَويُّون (غُدَيْقَةٌ) بضمِّ الغَيْنِ وفَتح الدَّال، والفُقَهَاءُ يَرْوُوْنَهُ كَذلِكَ". - وقال (1/ 352): "قَوْمٌ مِنَ الفُقَهَاء يَرْوُوْنَهُ: (عَمْرُو بنُ الجَمُوْعِ) بالعين، وليس ذلِكَ بمَعْرُوْفٍ عندَ أَهْلِ النَّسَبِ". - وقال (1/ 394) وذَكَرَ القَصْوَاءَ: "والفُقَهَاءُ يَرْوُونَهُ بالقَصْرِ وهو خطَأٌ". - وقَال (2/ 51): "وَرَوَى بَعْضُ الفُقَهَاءِ: قَنَاةً، وتَوَهَّمُوْهُ قَنَاةً مَن القَنَواتِ، وذلِكَ غَلَطٌ". - وقال (2/ 151): "وَرَوَى بعضُ الفُقَهَاء: لا تَصُرُّوا الإبل، أي: لا تَشُدُّوا ضُرُوعَهَا لئلَّا يُرْضَعَ لَبَنُهَا أو تُحْلَبَ، وكَذلِكَ يَفْعَلُوْنَ بالإبِلِ -بفتح التَّاء وضمِّ الصَّادِ- وذلِكَ خَطَأ ... ". - وَقَال (2/ 200): "الفُقَهَاءُ يَقُوْلُوْنَ: فأُهْرِيْقَتْ عَلَيْهِ الدِّمَاءُ فحش ...
خامسا: (شواهده)
والصَّوَابُ فأَهْرَاقت عليه وَحُشَّ؛ لأنَّ "أَهْرَاقَ" لا يَتَعَدَّى إلى مَفْعُوْلين، وإنَّمَا يَتَعَدَّى إلى واحدٍ يُقَال: أَرَاقَ الرَّجُلُ المَاءَ، وهَرَاقَهُ، وَأَهْرَاقَهُ ثَلاثُ لُغَاتٍ ... ". - وَقَال (2/ 234) - في قَوْلهِ: "لعلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ": "وَالوَجْهُ إِسْقَاطُ "أن" ... ولكِنَّ الفُقَهَاءَ رَوَوْهُ بزِيَادَةِ "أَنْ" ... وأكثرُ ما يُستعمل هَذَا في الشَّعْرِ ... ". - وَقَال (2/ 350): "والفُقَهَاءُ يَرْوُونَهُ: "يَحْيَى النَّاس من أوَّلِ ما يَحْيَوْنَ -بفتح اليَاءَيْنِ- والوجه ما ذكرناه". وإنَّما ذَكَرْتُ نَمَاذجَ كَثِيْرَةً لأُدَلِّلَ على ما قُلْتُهُ من أنَّه كانَ حَرِيصًا على تَتَبُّع زَلَّاتِ الفُقَهَاءِ وَأَخْطَائِهِمْ؛ لَعَلَّ ذلك لأنَّ قَدْرَهُم أَعْلَى فَخَطَأَهُمْ أَكْبَرُ، فأراد التَّنْبِيْهِ عليها لِيَتَلافَاهَا القَوْمُ، أو ليُدَلِّلَ على أنَّ من الفُقَهَاءِ مَنْ يَدَّعِي العِلْمَ والفقهَ، وليس بذَاك، فَأَرَادَ أن يَكْشِفَ عن أَخْطَائِهم لِيَعْرِفَ كلٌّ منهم قَدْرَهُ وَمَنْزِلَتَهُ، فَلَا يَتَطَاوَلُ، أَوْ لِيُدَلِّلَ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الفُقَهَاءِ لَا تَمَكُّنَ عِنْدَهُم في مَبَاحِث اللُّغَةِ وَالإِعْرَابِ؟ ! خامسًا: (شواهده): استشهد المؤلِّفُ في كتابه بما يزيدُ على عَشْرٍ وثلاثمائة آية من القرآن الكريم ذاكرًا للقراءات المختلفة عند الحاجة إلى ذلك مُقْتَصِرًا في إيراد الآية على مَوْضِع الشَّاهِد منها، وأحيانًا يَخْتَصِرُ اختِصَارًا فلا يَذْكُرُ إلَّا جزْءًا من الآيةِ، كقوله: {فَلَا تَمُوتُنَّ}، {فَإِنْ كَانَتَا}، {الْمُطَّوِّعِينَ}، {وَتَصْدِيَةً}، {كَمَا لَهُمْ}، {عَمَّا قَلِيلٍ}، {بَلَاغُ}، وَرُبَّمَا ذَكَرَ الآيةَ وَتَرَكَ موضعَ الشَّاهِد منها للعِلْمِ بِه، ورُبَّمَا فَعَلَ ذلِكَ في شَوَاهِدِ الشِّعْرِ أيضًا، واعتَرَضَ عَلَى قراءة مَنْ
قَرَأَ {فَإِذَا أَذِيَ في الله} بغير واوٍ، وقال: "وهي قِرَاءَةٌ خَطَأٌ قال: ومثله في الخَطَأ قراءةُ الحَسَنِ {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطُوْنَ} توهَّمه جَمْعًا مُسَلَّمًا، وَكَقِرَاءَةِ طَلْحَةِ بن مُصَرِّفٍ {قال لِمَنْ حَوْلِهِ} بالخَفْضِ، وَنَحْو هَذَا من القِرَاءَاتِ التي لا خِلافَ بينَ النَّحْويين أنَّها لَحْنٌ". - وَأَخْطَأَ المُؤَلِّف -رحمه الله- حيثُ نَسَبَ القِرَاءَةَ {وقُثَّائِهَا} بضَمِّ القَافِ إلى يَحْيَى بنِ يَعْمُر، وَهِيَ قِرَاءَةُ يَحْيَى بنُ وَثَّابٍ. واستشهد بما يزيدُ على خمسمائة بيتٍ من الشِّعْر والرَّجز أغلبُها للشُّعراء الَّذين يُحتَجُّ بشعرهم، والمُؤَلِّفُ حَرِيْصٌ كلَّ الحِرْصِ على نسبةِ الشَّاهِدِ إلى قائله ما أمكنه ذلك، ونسبتُهُ الشِّعْرَ إلى قائله في أغلبها صَحِيْحَةٌ لم يشذ عن ذلك إلَّا ما جاء في (1/ 139) حَيْثُ نَسَبَ بَيْتًا لِعَبْدِ اللهِ بنِ رَوَاحَةَ، وَهُوَ للعباسِ بن مَرداسٍ السُّلَمِيُّ، وفي (1/ 266) حيثُ نَسَبَ بَيْتًا إلى زُهَيْرٍ وَصَوَابُه نسبته إلى امْرِئِ القَيْسِ، وَنَسَبَ شَاهِدًا آخرَ في: (2/ 364) إلى عبد الرَّحمن بن حَسَّان، والصَّحيح أنَّه لأبي اللَّحَّام التَّغْلِبِيِّ، وقد ذكره ثلاث مرات أحداها (2/ 149)، والثَّانيةُ (2/ 167)، ولم يَنْسِبْهُ فيهما، والثَّالثة (2/ 364) ونسبه إلى عَبْدِ الرَّحْمَن بنِ حَسَّان، وهو إنَّما يُنسب إلى عَبْدِ الرَّحْمَن بن أُمِّ الحَكَمِ الثَّقَفِيِّ، وإنَّما رجَّحْنا أنَّه لأَبِي اللَّحَامِ، لأنَّ في القَصِيْدَةِ الَّتي منها الشَّاهد ما يَدُلُّ على ذلك، قال: أَرَكُمْ رِجَالًا بُدَّنًا حقّ بُدَّنٍ ... فَلَسْتُ أَبَا اللَّحَّامِ إِنْ لَمْ تُخَلَّدُوا وَكَرَّرَ المُؤَلِّفُ بعضَ الشَّواهدِ في مناسبات مختلفة أو غير مختلفة، ولم تختلف روايته للشَّاهد في تكراره إلَّا في بيتِ ذِي الرُّمَّةِ الذي ذَكَرَهُ في (1/ 13، 2/ 393).
سادسا: (مصادره)
وَقَدْ رَوَاهُ في المَوْضِعِ الأوَّلِ: "للدَّمْعِ" وفي المَوْضِعِ الثَّاني: "للماء". سَادِسًا: (مصادِرُه): لم يَكُنْ أَبُو الوَليْدِ الوَقَّشِيُّ مُكْثِرًا من استعمال المصادر في كتابه، وجُلَّ أَفْكَارِهِ وآرائِهِ، تَعُوْدُ -في نَظَرِي- إلى سَلامَةِ الحِسِّ اللُّغوي عنده، وثقافته اللُّغويَّة الجَيِّدةِ، مع كثرةِ محفوظِهِ من كلامِ العربِ وأشعارِها وَأَخْبَارِها ولغاتها المختلفة، فكأنَّه هَضَمَ المَصَادِرَ السَّابقةَ وحصَّلَ ما فيها من العلم واختَزَنَهُ في ذَاكرته، فلما كَتَبَ هذه التَّعليقات بدأ يجودُ بما فيها من علمٍ جَمّ، لكنَّه يرجع بينَ الفينةِ والأُخرَى إلى مَصَادِرِهِ، فينقل ويُحَقِّقُ، ويُصَحِّحُ ويُوثِّقُ، ولعَلَّ أَهمَّ مَصَادره، ومدار بَحْثِهِ على كتاب "غَرِيْبِ الحَدِيْثِ" لأبي عُبَيْدٍ القَاسِمِ بنِ سَلَّامٍ، فهو جُمْهور مادة بَحْثِهِ، وَمَرْجِعُ أهمِّ نُصُوصه، وَرُجُوْعِهِ إليه كثيرٌ جِدًّا، ولا يجدُ الباحثُ عَنَاءً في تَعَرُّفِ النُّصوصِ المَنْقُوْلَةِ عنه، سَوَاءً أشار المُؤَلِّفُ إلَى أَبي عُبَيْدٍ وَصَرَّحَ بالنَّقْلِ عنه أو لم يَفْعَلْ، صرَّحَ بالنَّقْلِ عن أبي عُبَيْدٍ في واحدٍ وعشرين مَوْضِعًا، ونقله عنه أكثر من ذلك بكثيرٍ، وصَرَّح بنقله عن "غَرِيْبِ الحَدِيْثِ" في مَوْضِعٍ وَاحِدٍ. كَمَا رَجَعَ المُؤَلِّفُ إلى كِتَابِ "الدَّلائِلِ في غَرِيْبِ الحَدِيْثِ" وهو من أهمِّ المُؤَلِّفات الَّتي أُلِّفَتْ في مادة بحثِهِ "غَرِيْبِ الحَدِيْثِ" لا أقول في بلادِ الأندلس بل بعَامَّةٍ، وَذَكَرَ مُؤَلِّفُهُ قاسِمُ بنُ ثَابِتٍ السَّرَقُسْطِيُّ في مَوْضِعين ولم يكثرْ من النَّقْل عَنْهُ، رُبَّمَا اكتِفَاءً بما نَقَلَهُ عن أَبي عُبَيْدٍ فَمَوْضُوعِ الكتابين وَاحِدٌ. وَرَجَعَ إلى كتابِ "الاستِذْكَارِ" وهو كِتَابٌ عَظِيْمٌ، غَزِيْرُ الفَائِدَةِ مِنْ تأليفِ
الإمَامِ العَلَّامةِ أَبِي عُمَرَ يُوْسُفَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ البَرِّ النَّمَرِيِّ الأنْدَلُسِيِّ (ت 463 هـ) وهو في صَمِيْمِ بَحْثِهِ، وصُلْب تَخَصُّصه شرْحٌ على "الموطَّأ"، وأولى الإمام ابن عبد البرّ اللُّغة والإعراب عنايةً ظاهرةً في كتابه هذَا مما جَعَلَ استفادَةَ المُؤَلِّف منه مُحَقَّقَةً في مَبَاحِثِ اللُّغةِ وغيرها، وذكر العلَّامةَ ابنَ عَبْدِ البَرِّ في ثَمَانِ مواضع وَرَوَى عنه [يظهر أنَّه مباشرة دون واسطة] وَرَجَعَ إلى نُسْخَتِهِ من "الموطَّأ" وَصَحَّحَ عنها، ويذكرها بـ"كتاب أَبِي عُمَرَ" كما في (2/ 25، 78، 207). وَلَعَلَّ مِنْ أَهَمِّ مَصَادِرِهِ المُعْجَمِيّةِ كتاب "العَيْنِ" ولم يَنْسِبْهُ إلى الخَلِيْلِ ولا إلى اللَّيْثِ صَرَّح بذكره في أكثر من خَمْسَةَ عَشَرَ موضعًا، ولكنَّهُ ينقل عنه أحيانًا بعبارة "صاحب العين" في ستة مواضع أُخْرَى، وربَّمَا نَقَلَ عن الخَلِيْلِ وَمَقْصُوْده ما جاء في كتاب "العين" وربما نَقَلَ عن اللَّيْثِ للهَدَفِ نَفْسِهِ فكأنِّي بالمُؤَلِّفِ مُتَرَدِّدٌ بينَ نسبتِهِ إلى الخَلِيْلِ وعَدَم نِسْبَتِهِ إليه، وكثيْرًا ما يَنْقُلُ المؤلِّفُ عن مختصره لأبي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ الزُّبَيْدِيِّ وَيَنْسِبُهُ إِلَى "العين" أو إِلى الخَلِيْلِ؟ ! وَلَمْ يُصَرِّحْ بذكرِ الزُّبَيْدِيِّ أبدًا. ويأتي في مُقدمة مَصَادِره اللُّغَويَّةِ مؤلفاتُ أبي إسحاق يَعقُوبَ بنِ السِّكِّيْتِ (ت 244 هـ) صرَّح بِذِكْرِهِ في سَبْعَة عَشَر موضعًا مُصَرِّحًا بالرُّجوع إلى كتابه "الألفاظ" في مَوْضِعٍ واحدٍ، ويبدو أنه رَجَعَ إلى "إصلاح المنطق" له، وإلى كتابه "الإبدال" وغيرهما من تصانيفه. ومن مصادره كتابُ "البَارعُ في اللُّغة" وكتابُ "المَقْصُور والمَمْدُود" وهما من تأليف أبي عَلِيٍّ القالي (ت 356 هـ)، ومن مصادره أيضًا كتابُ "المسائل والأجوبة" لأبي مُحَمَّدٍ عبدِ الله بن مُسْلِمِ بنِ قُتيبَةَ الدِّيْنَوَرِيِّ (ت 279 هـ) وَنَقَلَ
عن ابنِ قُتيبَةَ في أرْبَعَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا ويَبْدُو أنَّه رَجَعَ إلى كتاب "أدب الكاتب" وكتاب "غريب الحديث" وغيرهما من مؤلفاته. ورَجَعَ إلى كتاب "اليَوَاقِيْتِ" لأبي عُمَرَ الزَّاهدِ المِطرِّزِ المَعْرُوفِ بـ"غُلامِ ثَعْلَبٍ" (ت 345 هـ) وَذَكَرَ أبو عُمَرَ في ستَهِ مَوَاضِعَ. ورَجَعَ إلى كِتَابِ "الزِّيْنَةِ" لأبي حاتِمٍ الرَّازِيِّ في موضعٍ واحدٍ. كَمَا رَجَعَ إلى "الكامل" للمُبَرِّدِ في موضع واحدٍ، وذكر المبرِّدُ في ثمانية مواضع. وَرَجَعَ إلى كتاب "النَّاسِخِ وَالمَنْسُوخِ" لأبي جَعْفَرٍ النَّحَّاس في موضعٍ واحدٍ. وَصَرَّح بأسماء عددٍ كبيرٍ من عُلَمَاء اللُّغة والنَّحو وغيرهم مما يغلبُ على الظَّنِّ أنه رَجَعَ إلى مُؤلَّفاتِ بَعْضِهِمْ، أو أَغْلَبِهِم إنْ شِئْتَ، منهم: - إمامُ النُّحاةِ سيبويهِ ذكره في ثلاثٍ وثلاثين موضعًا. - والأصْمَعِيُّ وَذَكَرَهُ في اثنين وثلاثين موضعًا. - وَأبُو عُبَيْدَة (مَعْمَرُ بنُ المثنَّى) في اثني عشر موضعًا. - الأخْفَشُ (أبو الحَسَنِ سَعِيْدُ بنُ مَسْعَدَةَ) في أحد عشر موضعًا. - وابنُ الأعْرَابِيِّ (مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ) في عشرة مواضع. - والكِسَائِيُّ (عَلِيُّ بنُ حَمْزَةَ) في عشرة مواضع. - وتلْمِيْذُهُ الفَرَّاءُ (أبُو زكريا يَحْيَى بنُ زِيَادٍ) في عشرة مواضع. - وأبو زَيْدٍ الأنْصَارِيُّ (سَعِيْدُ بنُ أَوْسٍ) في عشرة مواضع. - وَأَبُو حَنِيْفَةَ الدِّيْنَوَرِيُّ في خمسةِ مواضع. - وَأَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ (سَهْلُ بنُ مُحَمَّدٍ) في أربعة مواضع. - وابنُ دُرَيْدٍ (أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّد بنُ الحَسَنِ) في خمسة مواضع.
وصف النسخة المخطوطة
- وَأبُو عَلِيٍّ الفَارِسِيُّ (الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ) في أربعة مواضع. - وَتَلْمِيْذُهُ أَبُو الفَتْحِ عُثمانُ بنُ جِنِّي في ثلاثة مواضع. - والخَطَّابيُّ (حَمْدُ بن سُلَيمان) في أربعة مواضع. - والزَّجَّاجُ (أبو إسْحاق إبراهيمُ بنُ السَّرِيِّ) في ثلاثة مواضع. - وأبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ في موضعين. - وابنُ دُرُسْتَوَيْهِ (عبدُ الله بنُ جَعْفَرٍ) في موضعين. - وابنُ الأنْبَارِيِّ (أبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ) في موضعين. - والأزْهَرِيُّ صاحبُ (التَّهذيب) في موضع واحدٍ. وغيرُ هَؤُلاءِ كالنَّضِرِ بن شُمَيْلٍ، والسُّكَّرِيِّ، والحَرْبِيِّ، والطُّوْسِيِّ، وأبي عَمْرِو بنِ العَلاء وَغَيْرِهِمْ. ومن غَيْرِ عُلَمَاء اللُّغة رَجَعَ المُؤَلِّفُ إلى أَقْوَالِ أَئِمَّةِ المَذَاهِبِ الأربعة أبو حَنِيْفَةَ، وَمَالِكٍ، والشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَذَكَرَ البُخاريَّ ومُسلمَ والتِّرمذيَّ وإبراهيمَ النَّخَعِيَّ، وَسَعِيْدَ بن المُسَيَّبِ، والطَّبَرِيَّ، والطَّحَاويَّ وغَيْرِهِم. وَصْفُ النُّسْخَةِ المَخطُوْطَةِ: هَذِهِ النُّسخة تحتفظ بها مكتبة دير الأسكوريال بالقُرب من مدريد عاصمة الدَّولة الأسبانية، ورقمها هُنَاك (1567) وقد صوَّرتها بعثة الجامعة العربية قديمًا، وذكرها الأستاذ الدُّكتور محمَّد فؤاد سزكين في كتابه "تاريخ التُّراث العربي". وَتَقَعُ النُّسْخَةُ في (135 ورقة) وفي كُلِّ صفحة 21 سطرًا، وفي السَّطر الواحد ما بين تسع إلى عشر كلمات. وخطُّها أَنْدلسيٌّ هو إِلَى الجَوْدَةِ أَقْرَبُ والنُّسخة بصفة عامة في حالة جيِّدة ليس بها خُرُوم في داخلها ويسقط من أولها
ورقة أو وَرَقَتَيْنِ تَقريبًا بما فيها ورقة العُنْوان، تبدأ بقول المؤلِّف: "خمسين، ثم رُدَّت إلى خَمْسٍ تخفيفًا على العِبَادِ ... " في الدِّيباجة يشرح قول المُؤَلِّفِ (وُقُوتِ الصَّلاةِ) قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ في شَرْحِ الحَدِيْثِ الأوَّلِ من كتاب (وُقُوْتِ الصَّلاةِ) لذا تَرَجَّحَ أن يكونَ السَّاقِطُ ورقةً واحدةً أو وَرَقَتَيْنِ على الأَكْثَرِ. وهي نُسْخَةٌ قَدِيْمَةٌ مَنْقُوْلَةٌ من مُبَيَّضَةِ المُؤَلِّفِ التي تَرَكَ بها بَيَاضًا في أماكن مُتَعَدِّدةً على أَمَلِ أن يملأَ هَذَا الفراغ، فلعلَّ الوقت لم يُسعفه، أو لعلَّه سَدَّدَ هَذا الفراغ في نُسْخَة أُخْرَى لم نَقِفْ عليها. والكتابُ في جُزْءَين ينتهي الجزء الأول منه بآخر كتابِ (الحَجِّ) وَيَبْدَأُ الجُزْءُ الثَّانِي بكتابِ (النِّكاح) بآخر كتابِ (أسماء النَّبِيِّ) وهو آخرُ "المُوَطَّأ" وألحقَ النَّاسخُ في آخره أوراقًا وَجَدَهَا مُلْحَقَةٌ بِالأَصْلِ ... خَتَمَ النَّاسِخُ الجُزْءَ الأول في مُنتصف الورقة رقم (76) بقوله: "تم النِّصف الأول من تعليق الشَّيْخِ الفَقِيْهِ، الإمامِ، القُدوة، المُتَفَنِّنُ أبي الوَليدِ هِشامٍ الوَقَّشِيِّ -رحمه الله- وعَفَا عَنْه، وهو مُنْتَسَخٌ من مُبَيَّضَتِهِ بخطِّ يده، وقوبل بها وَصَحَّ بعَوْنِ الله في حادي وعشرين لذي القَعْدَةِ من عامِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَسَبْعِمَائَةَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالمين، وَصَلَّى اللهُ على نبيِّنَا مُحَمَّد وآله الطَّيِّبين" ويبدأ الجُزء الثَّاني بقوله: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم ... النِّكاح ... " وينتهي بقوله: "كمل التَّعليق على مُوَطَّأ مالكِ بنِ أَنَسٍ - رضي الله عنه - في تفسير لُغَاتِهِ وَغَوَامِضِ إعرابِهِ وَمَعَانِيه، نُقل هَذَا كلُّه من مُبيضة المؤلِّفِ -رحمه الله- وَالحَمْدُ للهِ، وكان أكثرُ المَوَاضع بها تَرَكَ بياضًا، وأظنُّه تركه إلى أن يكملها ويعيد فكرته والله أعلم".
عملي في تحقيق النص
وَمَعَ أنَّ النُّسخَةَ بِحَالةٍ جَيِّدَة بشَكلٍ عَامٍّ فهي لَا تَخلو مِنْ تَصْحِيْفٍ وَتَجْرِيْفٍ فَاحِشٍ في كَثيرٍ من المَوَاضِعِ مع تقديم وتأخير لبعض الفقرات، استطعتُ بحمدِ الله إصْلاحَ أَغْلَبه وأشرتُ في هَوَامِشِ الكِتَابِ إلى ذلك على عادةِ المُحَقِّقين في منهجيه التَّحقيق. عملي في تحقيق النَّصِّ: لما كان الكتابُ نسخةً وَاحدةً وجدتُ في تقويمِ عباراته وتصحيح ألفاظه مَشَقَّةً بالغةً، وَهَذا مَا يَجِدُهُ كُلُّ مُحَقِّقٍ لنص على نسخةٍ واحدةٍ مهما كان تصحيحها جيِّدًا، فلا بد أن يقع الناسخ في التصحيفِ والتَّحريفِ الذي لا يَسْلَمُ منه أَحَد، لِذلِكَ اتخذت نُسخة "مُشكلات الموطَّأ" المنسوب إلى أبي محمد بن السِّيد البطليوسي (ت 521 هـ) نسخةً أُخْرَى وَرَمَزْتُ لها بحرف (س) لأنَّها فيما أَظُنُّ مُخْتَصَرَةً من كتابنا هَذَا لا غيرُ، كما راجحتُ نصوص الكُتُب التي نَقَلَ عنها المؤلِّف، وفي مقدمتها "غريب الحديث" لأبي عُبَيْدٍ القاسم بن سَلَّام الهروي (ت 224 هـ) و"العين" المنسوب إلى الخليل بن أحمد ... وغيرهما من مصادر المؤلِّف التي صرَّح بالنقل عنها، أو صرَّح بذكر مؤلِّفيها ولم يذكر المصدر كَنَقْلِهِ عن "أَدَبِ الكَاتبِ" لابن قتيبة، و"إِصْلاحِ المَنْطِقِ" و"الإبدال" لابن السَّكِّيت وغيرها. - ووضعت كُتُب وأبواب "الموطَّأ" وبعض عباراته التي شَرَحَهَا المُؤلِّفُ؛ لأنَّ المؤلِّفَ أو النَّاسِخَ ذَكَرَ بَعْضَهَا وأعرضَ عن بعضٍ؛ وإنَّما ذَكَرْتُ مَا تَرَكَ منها -وهو الكثير- ليكون الكتاب على نَسَقٍ واحدٍ، ولأنَّه غلب على ظنِّي أنَّها سَقَطَت منهما أو من أحدهما سهوًا عن غير قَصْدٍ. ولأهميَّة ذلك لمن أراد سرعة
استدراك وتنبيه
الرجوع إلى المقصود دون أقل عناءٍ. - وَخرجت كُتُبُ "المُوَطَّأ" مثل كتاب (وقوت الصَّلاة) وكتاب (الطَّهارة) وكتاب (الصَّلاة) ... من الرِّوايات المُختلفة للموطأ، وأهم شروحه المطبوعة، وعند ذكر أو لفظة من الحديث أذكر معها رقم الحديث في رواية يحيى وأغفل ما بعدها حتَّى تأتِيَ بعده لفظةٌ أُخرى في حديثٍ آخرَ فأذكر معها رقمه ... وهكذا. وإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّي أنَّ لفظةً ما سقطت من النَّاسخ ووجودها ضَرُوْرِيٌّ زُدتها إِذَا كَانَ يَتَوَقَّف فهمُ المَعْنى عليها. كُلُّ ذلِكَ أجعله بين حاصرتين هَكَذَا [] على ما هي عليه عادة المحقِّقين، فإن كان من مصدر ذكرته وإن لم تكن من مصدر أغفلت ذلك، والقوسان كفيلان بمعرفة المقصود. وَأَمَّا عَزْوُ الآياتِ، وَتَخْريج القِرَاءات، وَتَخْريج النُّصُوْصِ، وَتَرَاجِمِ أغلبِ الأعْلَام، وَالتَّعريفِ بِالمَوَاضِعِ وَتَخْرِيْج الأقْوَالِ، فَهَذَا كلُّه من مَبَادِئ هَذَا الفَنِّ. ومثل ذَلك تَمَامًا كتابة المُقدِّمة وَصُنع الفهارس، مِنِّي الاجتهاد ومن الله التَّوفيق. اسْتِدْرَاكٌ وَتَنْبِيْهٌ: بَعْدَ انْتِهَاء طَبْع الكِتَابِ وَفَهْرَسته تَمَامًا وَقُدِّمَ للسَّحْب، التَقَيْتُ بالأخ الدُّكتُوْر مُحَمَّد السَّليماني، وَالأخ الشَّيْخ خَالِد مدرك، فَأَخْبَرَانِي أن للكِتَابِ نسْخَةً أُخْرَى في الخزانة العَامَّة بالرِّباط، وقالا: هِيَ هُنَاك مَجْهُوْلَة المُؤَلِّف، لكن بمُقَارَنتها بنُسْخَتِنَا تَبَيَّنَ أَنَّها نُسْخَة أُخْرَى مِنْهُ، كَذَا قَالا، وَلَمْ يَعْرِفَا رَقَم الكِتَابِ هُنَاك، وَلابُدَّ لَنَا مِنَ البَحْثِ عَنْهَا، ثُمَّ الاطْلاعِ عَلَيْهَا، وَمُقَارَنتها بنُسْخَتِنَا هَذِهِ، وَنُفيدُ منها في طَبْعَةِ الكِتَابِ الثَّانِيَةِ إِنَ شَاءَ اللهُ تَعَالى.
الورقة الأولى من الجزء الأول
الورقة الأخيرة من الجزء الأول
الورقة الأولى من الجزء الثاني
الورقة الأخيرة من الجزء الثاني
([كتاب] وقوت الصلاة)
[بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ] (¬1) ([كِتَابُ] وُقُوتِ الصَّلاةِ) (¬2) [وقوت الصلاة] قَال: وهكَذَا وَرَدَتِ الرِّوَايَةُ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللهِ (¬3) وجَمَاعةٍ من رُوَاةِ "المُوَطَّأ". وَوَقَعَ في رِوَايَةِ ابنِ بُكَيْرٍ (¬4): (أوقَاتُ الصَّلاةِ) وكِلاهُمَا صَحِيْحٌ، إِلَّا ¬
أَنَّ أَوْقَاتًا جَمْعٌ لأدْنَى العَدَدِ، وهو مَا دُوْنَ العَشَرَةِ. فَإِنْ قَال قَائِلٌ فَإِنَّ أَدْنَى العَدَدِ ههنَا أَشْبَهُ وأَلْيَقُ بَهَذَا المَوْضعِ؛ لأنَّ أَوْقَاتَ الصَّلاةِ خَمْسٌ، فَرِوَايَةُ ابنُ بُكَيْرٍ أَحْسَنُ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللهِ وَمَنْ تَابَعَه؟ فَالجَوَاب عَنْ ذلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ: أحَدُهُمَا: أَنَّ الجَمْعَ الكَثيْرَ قَدْ يُسْتَعْمَلُ مكَانَ الجَمْعِ القَلِيْلِ، كَما يُسْتَعْمَلُ الجَمْعُ القَلِيْلُ في بَعْضِ المَوَاضِعِ مَكَانَ [الجَمْعِ] الكَثِيْرِ، فَقَدْ حَكَى الخَلِيْلُ وغَيْرُهُ [أَنَّ العَرَبَ] قَالُوا: ثَلاثَةُ كِلابٍ، والقِيَاسُ أَكْلُبٌ وَكَمَا قَالُوا في جَمْعِ يَوْمٍ: أَيَّامٌ، أَوْقَعُوْهَا للكَثيْرِ والقَلِيْلِ، ولا جَمْعَ لِيَوْمٍ غَيْرَهَا، وكَمَا قَال تَعَالى (¬1): {وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} فأَوْقَعَ الغُرُفَاتِ للكَثيْرِ؛ لأنَّ غُرُفَاتِ الجَنَّةِ لَا نِهَايَةَ لَهَا، وَلَا خِلافَ بَيْنَهُم في أَنَّ الجَمْعَ السَّالِمَ حُكْمُهُ أَنْ يَكوْنَ لِلْقَلِيْلِ، وعَلَى هَذَا حَمَلُوا قَوْلَ حَسَّانَ (¬2): ¬
لنا الجَفَنَاتُ الغُرُّ يَلْمَعْنَ بالضُّحَى ... وأَسْيَافُنَا يَقْطُرْنَ مِنْ نَجْدَةٍ دَمَا فَأَوْقَعَ "الجَفَنَاتِ" و"الأسْيَافَ" لِلْعَدَدِ الكَثيْرِ، لأنَّ هَذَا مَوْضعُ افْتِخَارٍ لا يليقُ بِهِ الجَمْعُ القَلِيْلُ، فَهَذَا أَحَدُ الجَوَابَيْنِ. والجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّ أوْقَاتِ الصَّلاةِ -وإِنْ كَانَتْ خَمْسَةً فَإِنَّها تَتكرَّرَ في كلِّ يَوْمٍ ولَيْلَةٍ وتَتَوَالى فَصَارَتْ كَأَنَّهَا كَثيْرَةٌ، وإِنْ كَانَتْ خَمْسَةً، وهَذَا كَقَوْلهِمْ: شُمُوسٌ، وأَقْمَارٌ، ولَيْسَ في الوُجُوْدِ إلَّا شَمْسٌ وَاحِدَةٌ، وقَمَرٌ وَاحِدٌ، فَجَمَعُوْهَا لأجْلِ تَرَدُّدِهَا مَرَّةً بعْدَ مَرَةٍ. ويَجُوْزُ أَنْ يُقَال: إِنَّ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ ¬
الخَمْسَ تَعْدِلُ خَمْسِيْنَ صَلاةً؛ لأنَّهَا فُرِضَتْ فِي أَوَّل أَمْرِهَا خَمْسِيْنَ (¬1)، ثُمَّ رُدَّت إلى خَمْسٍ تَخْفِيْفًا على العِبَادِ، وجُعِلَ أَجْرُهَا وثَوَابُهَا كَثَوَابِ الخَمْسِيْن (¬2). - وَقَوْلُهُ: "أليْسَ قَدْ عَلِمْتَ" [1]. كَذَا الرِّوَايَةُ، وَهِي جَائِزَةٌ، إلَّا أَنَّ المَشْهُوْرَ فِي الاسْتِعْمَالِ الفَصِيْحِ "أَلَسْتَ" لِلْمُخَاطَبِ، وإِنَّمَا يُقَالُ: "أليْسَ" للْغَائبِ. - وَقَوْلُ جِبريْلَ - عليه السلام -: "بِهَذَا أُمِرْتَ". بِالفَتح رَوَيْنَاهُ (¬3)، أَي بِهَذَا أَمَرَكَ رَبُّكَ، ومَنْ رَوَاهُ بالضمِّ فَهُوَ إِخْبَارٌ عنْ نَفْسِهِ، أَي: بِهَذَا أَمَرَنِي رَبِّي أَنْ أُعَلِّمَكَ. - وَقَوْلُهُ: "أوْ إِن جِبريْلَ". الوَجْهُ كَسْرُ "إِنَّ" ههنَا؛ لأنَّهُ مَوْضِع يَصْلُحُ فيه الاسْمُ والفِعْلُ، أَلا تَرَى أَنّه قَدْ كَانَ يَجُوْزُ لَهُ أَنْ يَقُولَ: أَوْ جِبْرِيْلُ هُوَ الَّذِي أَقَامَ؟ ، وَكَانَ يَجُوْزُ أَنْ يَقُوْلَ: أَوْ أَقَامَ جِبْرِيْلُ؟ وَكُلُّ مَوْضِعٍ يَصْلِحُ فيه اسْتِعْمَالُ الاسمِ تَارَةً، والفِعْلِ تَارَةً فـ "إِنَّ" فِيْه مَكْسُوْرَةً، فَإِذَا انْفَرَدَ المَوْضِعُ بِأَحَدِهِمَا فـ "إِنَّ" فيه مَفْتُوْحَةً، كَقَوْلكَ: بَلَغَنِي أَنّكَ قَائِمٌ، فَهَذَا مَوْضِع لا يَصلُحُ فيه إلَّا الاسْمُ، كَأَنَّه قَال: بَلَغَنِي قِيَامُكَ، وقَوْلَكَ: لَوْ أَنَّ زَيْدًا جَاءَنِي لأكْرَمْتُهُ فَهَذَا مَوْضع لَا يَصْلُحُ فِيْه إلَّا الفِعْلُ. ¬
- وَقَوْلُهُ: "وَالشَّمْسُ فِي حُجْرَتهَا قَبْلَ أنْ تَظْهَرَ" [2]. يُقَالُ: ظَهَرَ الرَّجُلُ فَوْقَ السَّطْحِ، وظَهَرَهُ: إِذَا عَلاهُ؛ وإِنَّمَا قِيْلَ ذلِكَ؛ لأنَّهُ إِذَا عَلا فَوْقَهُ ظَهَرَ شَخْصُهُ لِمَنْ يَتَأَمَّلُهُ، قَال اللهُ تَعَالى (¬1): {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} ويُقَالُ: ظَهَرَتُ من المَكَانِ: إِذَا خَرَجَتَ مِنْهُ: قَال زُهَيْرٌ (¬2): ظَهَرْنَ مِنَ السُّوْبَانِ ثمَّ جَزَعْنَهُ ... عَلَى كلِّ قَيْنيٍّ قَشِيْبٍ ومُفْأَمِ ويُقَالُ ظَهَرَ عَنْكَ الشَّيْءُ: إِذَا زَال وَذَهَبَ، وهو رَاجعٌ إلى نَحْو مَا ذَكَرْنَاهُ، قَال أَبُو ذُؤَيْبٍ (¬3): ¬
وعَيَّرَنِي الوَاشُوْنَ أَنِّي أُحِبُّهَا ... وتلْكَ شِكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْكَ عَارُهَا فَمَعْنَى قَولهِ: "والشَّمْسُ في حُجْرَتهَا قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ": أَيْ: تَخْرُجُ عَنْهَا وتَرْتَفِعُ، والفُقَهَاءُ يَقُوْلُوْنَ: مَعْنَاهُ: قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ الظِّلُّ عَلَى الجِدَارِ، وَهُوَ نَحْو مِمَّا ذَكَرْنَاهُ، والَّذي قُلْنَا أَلْيَقُ بلَفْظِ الحَدِيْثِ؛ لأنَّ الضَّمِيْرَ في قَوْلهِ: "تَظْهَرُ" رَاجع على الشَّمْسِ، ولَمْ يتقَدَّم للظِّلِّ في الحَدِيْثِ ذِكْرٌ. وكُلُّ بِنَاءٍ أَحَاطَ بِهِ حَائِط فَهُوَ حُجْرَةٌ، وهُوَ مُشْتَقٌّ منْ قَوْلهِمْ: حَجَرْتُ الشَّيْءَ: إِذَا مَنَعْتُهُ، وحَجَرَ القَمَرُ: إِذَا صَارَتْ حَوْلَهُ دَارَةٌ، سُمِّيَتْ بِذلِكَ؛ لأنَّهَا تَمْنَعُ مَنْ دَخَلَهَا مِنْ أنْ يُوْصَلَ إِلَيْهِ، وَمِنْ أَنْ يُرَى، ويُقَالُ لِحَائِطِ الحُجْرَةِ: الحِجَازُ (¬1). ¬
- وَقَولُهُ: "بَعْدَ أنْ أسْفَرَ" [3]. أَسْفَرَ الصُّبْحُ: إِذَا أَنَارَ، وَأَسْفَرَ القَوْمُ: إِذَا أَصْبَحُوا (¬1)، واشْتِقَاقُهُ مِنْ قَوْلهِمْ: سَفَرَتِ المَرْأَةُ نِقَابَهَا عَنْ وَجْهِهَا: إِذَا كَشَفَتْهُ، وسَفَرْتُ البَيْتَ: إِذَا كَنَسْتُهُ، ويُقَالُ لِلْمِكْنَسَةِ: مِسْفَرَةٌ، يُرَادُ بِهِ انْقِشَاعُ الظلْمَةِ وإِقْبَالُ النَّهَارِ بِضَوْئِهِ. - وَقَوْلُ عَائشِةَ: "إنْ كَانَ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ليُصلِّيَ الصُّبح" [4]. "إِنْ" فِي هَذَا المَوْضِعِ ونَحْوهِ عِنْدَ سيْبَويْهِ مُخَفَّفَةٌ من "إِنَّ" المُشَدَّدَة، واللَّامُ لازِمَةٌ لخَبَرِهَا؛ ليُفَرَّقَ بَيْنَهَا وبَيْنِ "إنْ" الَّتِي بِمَعْنَى "مَا"، فإِذَا قُلْتَ: إِنْ زَيْدٌ لَقَائِمٌ فَهِي تَأْكِيْدٌ، وإِذَا قُلْتَ: إِنْ زَيْدٌ قَائِمٌ -وأَسْقَطْتَ اللَّامَ- فَهِيَ نَفْيٌ بِمَعْنَى مَا زَيْدٌ قَائِمٌ، والكُوْفِيُّوْنَ يُجِيْزُوْنَ أَنْ يكُوْنَ نَفْيًا، وإِنْ كَانَتِ اللَّامُ فِي خَبَرِهَا (¬2)، ويَجْعَلُوْنَ اللَّامَ بِمَعْنَى "إِلَّا" المُوجِبَةِ، كَأَنَّهَا قَالتْ: مَا كَانَ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إلَّا يُصَلِّي، وتَقْدِيْرُ الكَلامِ عَلَى مَذْهَبِ سِيْبَوَيْهِ: إِنْ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، كَانَ يُصَلِّي، ونَظِيْرُ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالى (¬3): ¬
{وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} في قِرَاءَة مَنْ رَفَعَ الفِعْلَ وفَتَحَ اللَّامَ. - وقَولُهَا: "مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوْطِهِن". وَقَعَ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بِفَاءَيْنِ، وَرَوَاو أَكْثَرُ الرُّوَاةِ بِالفَاءِ وَالعَيْنِ غَيْرِ مُعْجَمَةٍ، والمَعْنَى وَاحِدٌ (¬1)، يُقَالُ: تَلَفَّعَ الرَّجُلُ بثَوْبِهِ: إِذَا اشْتَمَلَ بِه، قَال ابنُ [قَيْسٍ] الرُّقياتِ (¬2): ¬
لَمْ تَتَلَفَّعْ بِفَضْلِ مِئْزَرِهَا ..... ... .................... البيت وفي رِوَايَةِ ابنِ بُكَيْرٍ: "فَيَنْصَرِفْنَ" عَلَى لَفْظِ الجَمْعِ، وَهِيَ لُغَة لِبَعْضِ العَرَبِ يُضْمِرُونَ في الفِعْلِ إِذَا تَقَدَّمَ الفَاعِلُ، كَمَا يُضْمِرُونَ فِيْهِ إِذَا تَأخَّرَ فَيَقُوْلُوْنَ: قَاموا إِخْوَتُكَ، وقُمْنَ النِّسَاءُ، والأفْصَحُ الأكْثَرُ: الإفْرَادُ، قَال الشَّاعِرُ (¬1): وَلكِنْ دِيَافِيُّ أَبُوْهُ وَأَمُّهُ ... بِحَوْرَانَ يَعْصُرْنَ السَّلِيْطَ أَقَارِبُهْ - و"المُرُوْطُ": أَكْسِيَة تُتَّخَذُ مِنَ الصُّوْفِ وَالخَزِّ، وَجَاءَ تَفْسِيْرُهَا فِي هَذَا ¬
الحَدِيْثِ: أَنّهَا أَكْسِيَةٌ مِنْ صُوْفِ مُرَبَّعَة، سُدَاهَا شَعْرٌ. وأَمَّا قَوْلُ امْرِئِ القَيْسِ (¬1): * ... [عَلَى أثرَيْنَا] (¬2) ذَيْلَ مِرْطِ مُرَحَّلِ * فَالمِرْطُ (¬3) -ههنَا- من خَزٍّ. - و"الغَلَسُ": ظُلْمَةُ آخِرِ اللَّيْلِ. - وقَوْلُهُ: "مَنْ حَفِظَهَا وَحَافَظَ عَلَيْهَا" [6]. فَإِنَّ الحِفْظَ رِعَايَةُ الشَّيْءِ لِئَلَّا يَذْهَبَ ويَضِيع، ومِنْهُ حِفْظُ القُرْآنِ، وحِفْظُ العَهْدِ. وأَمَّا المُحَافَظَةُ فمُلازَمَةُ الشَّيْءِ، والغَالِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَعْمَلَ فِي مُلازَمَةِ المَأمُورِ مَا أُمِرَ بِهِ. وأَمَّا الحِفْظُ فَإِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِيْمَا أُمِرَ بِهِ الإنْسَانُ وفِيْمَا لَمْ يُومَرْ، وإِنَّمَا يَفْعَلُهُ باخْتِيَارِهِ دُوْنَ أَنْ يُلزِمَهُ إِيَّاهُ مُلْزِمٌ، فَلِذلِكَ يُوْصَفُ البَارِي تَعَالى بـ"الحَافِظِ" و"الحَفِيْظ"، ولا يُوصَفُ بـ "المُحَافِظِ"، وَلِلمُحَافَظَةِ معنَى آخَرُ، وَهُوَ أَنْ تَحْفَظَ الرَّجُلَ ويَحْفَظَكَ، فَهُو فِعْل يَقَعُ بَيْنَ اثْنَيْنِ لَا يَتِمُّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا دُوْنَ الآخَرِ، بِمَنْزِلَةِ المُضَارَبَةِ والمُشَاتَمَةِ، ولا مَدْخَلَ لِهَذَا المَعْنَى فِي حَدِيْثِ عُمَرَ، ولا يُوصَفُ بِهِ اللهُ تَعَالى كَمَا لَمْ ¬
يُوصَفْ بالأوَّلِ. - وَقَوْلُ عُمَرَ: "فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أضْيَعُ". هكَذَا رُويَ فِي هَذَا الحَدِيْثِ، وكَانَ الوَجْهُ أَنْ يُقَال: فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَشَدُّ إِضَاعَة؛ لأنَّ الفِعْلَ الزَّائِدَ عَلَى ثَلاثَةِ أَحْرُفٍ لا يُبْنَى مِنْهُ أَفْعَلَ، وَقَدْ أَجَازَهُ سِيْبَوَيهِ (¬1) فِيْمَا كَانَ أَوَّلَهُ الهَمْزَةُ خَاصَّةً، وجَاءَ كَثيْرًا فِي الكَلامِ والشِّعْرِ كَقَوْلِ ذِي الرُّمَّةِ (¬2): وَمَا شَنَّتَا خَرْقَاءَ وَاهِيَتَا الكُلَى ... سَقَى بِهِمَا سَاقٍ وَلَمَّا تَبَلَّلا بِأضْيَعَ مِنْ عَيْنَيْكَ لِلْدَّمْعِ كُلَّمَا ... تَوَهَّمْتَ رَسْمًا أَوْ تَذَكَّرْتَ مَنْزِلا - وَقَوْلُهُ: "ثَلاثَةُ فَرَاسِخَ" [8]. المَشْهُوْرُ في الفَرْسَخِّ أنه ثَلاثَةُ أَمْيَالٍ، وَزَعَمَ بَعْضُ اللُّغَويِّينَ أَنّه قَدْ يَكُوْنُ أَرْبَعةً، ولَيْسَ ذلِكَ بِمَعْرُوْفٍ، وَوَقَعَ فِي حَدِيْثِ مُوْسَى بنُ عُقْبَةَ (¬3): "قَدْرُ مَا يَسِيْرُ الرَّاكبُ عَلَى الجَمَلِ الثّقَالُ فَرْسَخَيْنِ"، ¬
والثَّقالُ -بِفَتْحِ الثَّاءِ-: الجَمَلُ البَطِيْءُ السَّيْرِ (¬1). فَأَمَّا الثفالُ -بِكَسْرِ الثَّاءِ- فَجِلْد يُجْعَلُ تَحْتَ الرَّحَى، قَال لَبِيْدُ بنُ رَبِيْعَةَ (¬2): ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
فَبَاتَ السَّيْلُ يَرْكَبُ جَانِبَيْهِ ... مِنَ البَقَّارِ كَالعَمِدِ الثَّفَالِ - وَقَوْلُهُ: "إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ" [7]. مَعْنَاهُ: مَالتْ، وكُلُّ شَيْءٍ مَال وانْحَرَفَ عَن الاعْتِدَالِ فَقَد زَاغَ، قَال اللهُ [عَزَّ وَجَلَّ] (¬1): {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}. - و"الفَيْءُ": الظِلُّ إِذَا رَجَعَ مِن جَانِبِ المَغْرِبِ إِلَى جَانِبِ المَشْرِقِ، ولا يُقَالُ لَهُ قَبْلَ الزَّوَالِ فَيْءٌ حَتَّى يَنْقَلِبَ ويَرْجِعَ؛ لأنَّ هَذَا مَعْنَى الفَيْءِ في اللُّغَةِ، إِنَّمَا هُوَ الرُّجُوع، قَال اللهُ [عَزَّ وجَلَّ] (¬2): {حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} أي: تَرْجِعَ. - وَقَوْلُهُ: "مَا بيْنكَ وبيْنَ ثُلُثِ اللَّيْلِ" [8]. كَذَا الرِّوَايَةُ، وَهُوَ كَلامٌ فِيْهِ مَجَازٌ؛ لأنَّه لَمْ يُرِدْ أَنْ يُحَدِّدَ مَا بَيْنَ المُخَاطبِ وَبَيْنَ ثُلُثِ اللَّيْلِ، كَمَا تَقُوْلُ: مَا بَيْنَكَ وبَيْنَ الحَائِطِ، وإِنَّمَا أَرَادَ مَا بَيْنَ وَقْتِكَ وبَيْنَ ثُلُثِ اللَّيْلِ، فَحَذَفَ المُضَافَ وَأَقَامَ المُضَافَ إِلَيْهِ مَقَامَهُ. ويُقَالُ: غَرَبَتِ الشَّمْسُ بِفَتْحِ الرَّاءِ، وقَدْ أُولِعَتِ العَامَّةُ بضَمِّهَا، وهُو خَطَأٌ، قَال اللهُ: [عَزَّ وجَلَّ] (¬3): {وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ [ذَاتَ الشِّمَالِ]}. - وَقَوْلُهُ: "بِغَبشٍ": المَشْهُور من رِوَايَة يحيى بالشِّين المُعجمة، والمَشْهُوْرُ من رِوَايَةِ ابن بُكَيْرٍ بالسِّين المُهْمَلة، وهُمَا لُغتان جَيِّدَتَان، حَكَى اللُّغويُّونَ (¬4): ¬
غبَسَ اللَّيْلُ وأغْبَسَ، وغَبَشَ وأَغْبَشَ، وهو اخْتِلاطُ الضوْءِ والظُّلْمَةِ (¬1). - وَقَوْلُهُ: "ثُمَّ يَذْهَبُ الذَّاهِبُ إِلَى قُباء" [11]. يَجُوزُ في "قُباء" الصَّرفُ على المَوضعِ والمَكَانِ، وتَركُ الصَّرْفِ على مَعْنَى البُقْعَةِ والأرْضِ (¬2)، ويَدُلُّ علَى أنه مَمْدُوْدٌ قَوْلُ ابنِ الزِّبَعْرَى (¬3): ¬
حِيْنَ أَلْقَتْ بِقُبَاءٍ بَرْكَهَا ... واسْتَحَرَّ القَتْلُ فِي عَبْدِ الأشَلُّ - وَقَوْلُ عُمَرَ بن الخَطَّابِ: "فَلَا نَامَتْ عَيْنُهُ" ثَلاثًا: إِنَّمَا ذلِكَ عَلَى جِهَةِ التَّوكيدِ والإغْلاظِ في الدُّعَاءِ عَلَيْهِ، وخَصَّ الثَّلاثَةِ؛ لأنَّ أبا عُبَيْدَةَ (¬1) حَكَى أَنَّ العَرَبَ ¬
(اشتقاق الصلوات)
كَانُوا يَسْتَحْسِنُوْنَ الثَّلاثَةَ إِذَا أَرَادُوا مَدْحًا أَوْ ذَمًّا ونَحْوَهُمَا، فَيقُولُوْنَ: أَجْوَادُ العَرَبِ ثَلاثَةٌ، وَشُجْعَانُهُم ثَلاثَةٌ، وَنَحْوُ ذلِكَ. وَمَعْلُوْمٌ أنّه كَانَ فِيْهم من الشُّجْعَانِ وَالأجْوَادِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا العَدَدِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُوْنَ جَرَى عَلَى قَوْلِ العَرَبِ في هَذَا. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّاعِرُ في قَوْلهِ (¬1): نَعَمْ فَاسْلَمِي ثُمَّ اسْلَمِي ثُمَّتَ اسْلَمِي ثَلاثَ تَحِيَّات وإِنْ لَمْ تَكَلَّمِي (اشتِقَاقُ الصَّلَوَاتِ) الصَّلَوَاتُ أَصْلُهَا أَنْ تُضَافَ إِلى أَوْقَاتِهَا، فيقَالُ: صَلَّيْنَا صَلاةَ الظُّهْرِ، وصَلاةَ العَصْرِ، وكَذلِكَ سَائِرُها، ثُمَّ يَحذِفُوْنَ ذِكْرَ الصَّلاةِ اخْتِصَارًا فَيَقُوْلُوْنَ ¬
صَلَّيْنَا الظُّهْرَ، وَصلَّيْنَا العَصْرَ، وَكَذلِكَ غَيْرُهَا، وَمَجَازُهُ عَلَى حَذْفِ المُضَافِ وإقَامَةِ المُضَافِ إِلَيْهِ مَقَامَهُ كَقَوْلهِ [تَعَالى] (¬1): {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا}. ويَجُوْزُ أَن يَكوْنَ عَلَى مَعْنَى تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ باسمِ الشَّيْءِ إِذَا اتَّصَلَ بِه ولازَمَهُ، أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا سَبَبٌ. - واشِتِقَاقُ "الصُّبح" من الصَّبَاحَةِ؛ وهي الجَمَالُ والحُسْنُ؛ سُمِّيَ بذلِكَ لإشْرَاقِهِ. ويجوزُ أَنْ يَكُونَ من قَولهم: شَيْءٌ أَصْبَحُ؛ إِذَا كَانَ فيه بَيَاضٌ وحُمْرَةٌ فيكونُ قد سُمِّيَ بذلِكَ لِلبَيَاضِ الَّذِي تُخَالِطُهُ الحُمْرَةُ في أَوَّلِ النَّهَارِ. - واشْتِقَاقُ "الفَجْرِ": من تَفَجُّرِ المَاءِ وظُهورِهِ مِنَ الأرْضِ، شَبَّهَ انْصِدَاعُه في الطلامِ بانْفِجَارِ المَاءِ. - و"الظُّهْرُ" و"الظَّهِيْرَةُ" -في اللُّغَةِ-: سَعَةُ الزَّوَالِ حِيْنَ يقوَى سُلْطَانُ الشَّمْسِ، فسُمِّيَتِ الصَّلاةُ ظُهْرًا؛ لأنَّهَا تُصَلَّى في ذلِكَ الوَقْتِ. وقِيْلَ: سُمِّيَتْ بِذلِكَ؛ لأنَّهَا أَوَّلُ صَلاة أُظْهِرَت. - و"العَصْرُ": العَشِيُّ، وبِذلِكَ سُمِّيَتِ الصَّلاةُ في المَشْهُوْرِ من أَقْوَالِ العُلَمَاءِ، قَال الحَارِثُ بنُ حِلَّزةَ -يَصِفُ نَعَامَةً- (¬2): ¬
آنَسَتْ نَبْأةَ وَأَفْزَعَهَا القُنَّاصُ ... عَصْرًا وَقَدْدَنَا الإمْسَاءُ ورُويَ عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ (¬1) وأَبِي قِلابَةَ (¬2) أَنّهُمَا قَالا: سُمِّيَتْ عَصْرًا لِتُعْصَرَ، أَرَادَا بذلِكَ تأَخيرُهَا، والأوَّلُ هُوَ المَعْرُوفُ. ويُقَالُ للصُّبْحِ وَالعَصْرِ: العَصْرَانِ (¬3)، ومِنْهُ حَدِيْثُ عَبْدِ اللهِ بنِ فَضَالةَ (¬4) عن أَبِيْه أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَال لَهٌ (¬5): "حَافِظْ عَلَى العَصْرَيْنِ" قَال: وَمَا كَانَتْ من ¬
لُغَتِنَا، وإِنَّمَا قِيْلَ لَهُمَا ذلِكَ؛ لأنَّ الغَدَاةَ والعَشِيَّ يُقَالُ لَهُمَا: العَصْرَانِ، قَال الشَّاعِرُ (¬1): وَأَمْطُلُهُ العَصْرَيْنِ حَتَّى يَمَلَّنِي ... وَيَرْضى بنصْفِ الدَّيْنِ والأنْفُ رَاغِمُ ويُقَالُ أَيْضا لِلَّيْلِ والنَّهَارِ: العَصْرَانِ، قَال حُمَيْدُ بنُ ثَوْرٍ الهِلالِيُّ (¬2): أَرَى بَصَرِى قَدْ رَابَنيْ بَعْدَ صِحَّةٍ ... وَحَسْبُكَ دَاءً أَنْ تَصِحَّ وتَسْلَمَا وَلَا يَلْبَثُ العَصْرَانِ يَوْمًا وَلَيلَة ... إِذا طُلِبَا أَنْ يُدْرِكَا مَا تَيَمَّما ¬
- وَمَعْنَى "غَرَبَتِ الشَّمْسُ": بَعُدَتْ فَلَمْ تُدرِكْهَا الأبْصَارُ، ومنه سُمِّيَ الغَرِيْبُ لِبُعدِهِ عَنْ أَهلِهِ. وَسُمِّيَ أَوَّلُ اللَّيْلِ عِشَاءً؛ لأنَّه يُعْشِي العُيُونَ فَلَا تَرَى شَيْئًا إلَّا عَنْ ضَعْفٍ مِنَ النَّظَرِ. - وَ"العَتَمَةُ مِنَ اللَّيْلِ": قَدْرُ ثُلُثِهِ، وبذلِكَ سُمِّيت الصَّلاةُ. وقِيْلَ: سُمِّيَت [عَتَمَة] (¬1) لتَأخُّرِهَا؛ من قَوْلهِمْ: فُلانٌ يَأْتِيْنَا ولا يُعْتِمُ؛ أَيْ: لَا يُؤَخّرُ، وَعَتَمَةُ الإبِلِ: رُجُوْعُهَا مِنْ مَراعَاهَا بَعْدَ مَا تُمْسِي، وَنَاقَةٌ عَاتِمٌ: إِذَا تأَخَّرَ حَمْلُهَا وأَبْطَأ، قَال الشَّاعِرُ -يَمْدَحُ قَوْمًا-: (¬2) إِذَا غَابَ عَنكمْ أَسْوَدُ العَيْنِ كُنْتُمُ ... كِرَامًا وَأَنْتُم مَا أَقَامَ أَلائِمُ تَحَدَّثُ رُكْبَانُ الحَجِيْجِ بِلُؤمِكُمْ ... ويَقْرِي بِهِ الضَّيْفَ اللَّقَاحُ العَوَاتِمُ وَقَال أَصْحَابُ المَعَانِي في تَعْبِيْرِ هَذَيْنِ البَيْتينِ: أَسْوَدُ العَيْنِ: جَبَلٌ مَعْرُوْفٌ، يَقُوْلُوْنَ: لَا يكُوْنُونَ كِرَامًا حَتَّى يَزُوْلَ هَذَا الجَبَلُ عن مَوْضِعِهِ. وقَال بعضُهُم: إِنَّمَا أَرَادَ لا يكُوْنُوْنَ كِرَامًا مَا دَامَ فِيْكُم رَجُل أَسْود العَيْن، [وَهَذَا] (¬3) ¬
(وقت الجمعة)
عِنْدِي هو الصَّحِيْحُ؛ لأنَّه قَدْ رُويَ: "أَسْوَدُ الرَّأْسُ". وقَوْلُهُ: "ويَقْرِي ... " إلى آخرِهِ، اللَّقَاحُ: الإبِلُ ذَوَاتُ اللَّبَنِ، يُريدُ: إنَّ الرُّعَاةَ يَتشاغَلُون بذِكْرِ لُؤمِكُم عن حَلْبِ إِبلِهِمْ فَإِذَا طَرَقَ الضَّيْفُ وَجَدَ الألْبَانَ حَاضِرَةً فَقُرِيَ بِهَا، فَكَأَنَّ لُومَكُمْ هو الَّذِي قَرَاهُ؛ إِذْ كَانَ السَّبَبَ لِلْقَرِا. (وَقْتُ الجُمُعَةِ) في "الطَّنْفَسَةِ" ثَلاثُ لُغَاتٍ، كَسْرُ الطَّاءِ والفَاءِ، وفَتْحُهمَا، وكَسْرُ الطَّاءِ وفَتح الفَاءِ، وهيَ تُتَّخَذُ لِلْجُلُوْسِ عَلَيْهَا وللرُّكُوْبِ عَلَى الإبِلِ (¬1)، ويَدُلُّ على ¬
ذلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ (¬1): أَتَتكَ العِيْسُ تَنفُخُ في بُرَاهَا ... تكَشَّفُ عَنْ مَنَاكِبِهَا القُطُوعُ قَال اللُّغَويُّوْنَ في تَفْسِيْرِهِ: القُطُوع: الطَّنَافِسُ. وَاحِدُهَا: قِطْعٌ بكَسْرِ القَافِ وسُكُوْنِ الطَّاءِ. ¬
- و"الضُّحَى": إِذَا ضُمَّ أَوَّلُهُ قُصرَ، وإِذَا فُتِحَ أَوَّلُهُ مُدَّ، والضُّحَى مُؤَنّثَة، يُقَالُ: ارتفَعَت الضُّحَى، وتُصَغَّرُ: ضُحَيّ، ولَمْ يَقُوْلُوا: ضُحَيَّة؛ لِئَلَّا تَلْتَبِسُ بتَصْغِيْرِ ضَحْوَةٍ. - وَ"الضَّحَاءُ" -بِفَتْحِ الضَّاد- والمَدِّ مُذَكَّرٌ، وهو أَرْفَعُ منَ المَرْفُوْعِ الأوَّلِ المَقْصُورِ إلى قُربٍ من نِصْفِ النَّهَارِ. وكَذَا قَال صَاحِبُ كِتَابِ "العَيْنِ" (¬1). - و"الضَّحْوُ": ارْتِفَاعُ النَّهَارِ، والضُّحَى فُوَيْقَ ذلِكَ، والضَّحَاءُ: إِذَا امتَدَّ النَّهَارُ. قَال: والشَّمْسُ تُسَمَّى الضَّحَاءُ. وَقَال غَيْرُهُ (¬2): الضَّحَاءُ مَفْتُوْحٌ مَمْدُوْدٌ للإبِلِ كَالوَرَاء لِلنَّاسِ، وأَنْشَدَ للنَّابِغَةِ الجَعْدِيِّ (¬3): أَعْجَلَهَا أَقْدَحِيُّ الضَّحَاء ضُحًى ... ............ البيت وَرَوَيْنَاهُ في "المُوَطَّأ": "فَنَقِيْلُ قَائِلَةَ الضَّحَاء" مَفْتُوْحُ الأوَّلِ مَمْدُوْدًا، ومَعْنَاهُ ¬
عَلَى رَأي المَالِكِيّةِ: أنَّهُم يَسْتَدرِكُوْن مَا فَاتَهم من قَائِلَةِ الضَّحَاءِ؛ لأنَّهُم كَانُوا يُهَجِّرُونَ يومَ الجُمَعَةِ فَلَا يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَقِيْلُوا قَائِلَةَ الضَّحَاءِ حَتَّى يَنْصَرِفُوْا مِنَ الصَّلاةِ، فَيَسْتَدْرِكُوْا مَا فَاتَهُم مِنْ ذلِكَ، فَتَقْدِيْرُ الكَلامِ عَلَى هَذَا: فَنَقِيْلُ قَائِلَةَ الضَّحَاءِ الَّتي فَاتَتْنَا، أَو نَقِيْلُ القَائِلَةَ الَّتِي كَانَ يَجِبُ أَنْ نَقِيْلَهَا في الضَّحَاءِ فَحَذَفَ بعضَ الكَلامِ اخْتِصَارًا، والعَرَبُ تَفْعَلُ ذلِكَ كثيْرًا، فَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالى (¬1): {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105)} أي: وَزْنًا نافِعًا، وَلَمْ يُرِدْ نَفْيَ الوَزْنِ عَلَى الإطْلاقِ لِقَوْلهِ في آيةٍ أُخْرَى (¬2): {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} فَأخبَرَ أَنَّ أَعْمَالهُم تُوْزَنُ ولكِنَّهُ وَزْنٌ لَا يَنْتِفِعُونَ بِهِ. وَقَالتِ الكِلابِيةُ (¬3): ¬
لَلِبْسُ عَبَاءَة وتَقَرَّ عَيْني ... .................. البَيْتُ المَعْنَى: مِنْ لِبْسِ الشُّفُوْفِ دُوْنَ قُرَّةَ عَيْنٍ، ولابُدَّ من تَقْدِيْرِ ذلِكَ وإلَّا لَمْ يَصِحَّ المَعْنَى، لأنَّ مَنْ لَبِسَ الشُّفُوْفَ وقَرَّتْ عَيْنُهُ خَيْرٌ مِمَّنْ لُبْسِ العَبَاءَة وقَرَّتْ عَيْنُهُ فِيْمَا ذَهَبَتْ إِلَيْهِ من المَعْنَى. فَإِنْ قِيَلَ: فَإِنَّ العَرَبَ لَا تَحْذِفُ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ في الَّذِي يَبْقَى من الكَلامِ دَلِيْلٌ عَلَى المَحْذُوفِ، أَوْ عَلَى المَعْنَى المُرَادِ كَمَا كَانَتْ مِنَ الدِّلالةِ في الآيةِ المَذْكُوْرَةِ والبَيْتِ، فَمَا دَلِيْلُكُمْ عَلَى أَنَّ هَذَا الحَدِيْثِ مِثْلُه؟ قُلْنَا: دَلِيْلَنَا عَلَى ذلِكَ ما قَد ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنهَا لَوْ كَانَتْ لِصَلاةِ العِيْدِ لَمْ يَجُزْ أَنْ تُصَلَّى بَعْدَ الزَّوَالِ، والمُجِيْزوْنَ لِصَلاتِهَا قَبْلَ الزَّوَالِ لا يَدْفَعُوْنَ جَوَازَهَا بَعْدَهُ، فَلَمَّا ثَبَتَ هَذَا، وكَانَ قَوْلُهُ: "لُمَّ نَرْجِعُ فَنقِيْلُ قَائِلَةَ الضَّحَاءِ" يُخَالِفُ ذلِكَ، حَمَلْنَاهُ عَلَى مَعْنَى الحَذْفِ؛ لِلاخْتِصَارِ الَّذِي قَدْ كَثُرَ وُرُوْدُهُ في الكَلامِ المَنْثُوْرِ والمَنْظُوْمِ. ويُقَالُ: قَال الرَّجُلُ يَقِيْلُ قَيْلُوْلَةً: إِذَا نَامَ في القَائِلَةَ، فَأمَّا البَيع فيُقَالُ ¬
فيه: قَالهُ البَيع، وأَقَالهُ البَيع، وَكَثيْرٌ مِنَ اللُّغَويِّيْنَ [يَقُوْلُوْنَ]: أَقَال -بالألِفِ- في البَيع، وَلَا يُجِيْزُ قَال إِلَّا في نَوْمِ القَائِلَةِ. - وَ"مَلَلُ": مَوْضِعٌ (¬1) قَرِيْبٌ مِنَ المَدِيْنَةِ، يُصْرَفُ إِذَا ذُهِبَ بِهِ إِلَى المَوْضِعِ والمَكَانِ ويُمْنَعُ مِنَ الصَّرْفِ إِنْ ذُهِبَ بِهِ إلى البُقْعَةِ والأرْضِ، أَنْشَدَ الخَلِيْلُ: ¬
(ما جاء في دلوك الشمس وغسق الليل)
مَاذَا تَذَكَّرْتَ منْ زَيْدِيَّةٍ ... بَيْضَاءَ حَلَّت جَنُوْبَ مَلَلْ - و"التهجِيْرُ": السَّيْرُ فِي الهَاجِرَةِ، وَهِيَ القَائِلَةُ، يُقَالُ: هَجَّرَ الرَّجُلُ أيُهَجِّرُ، تَهْجِيْرًا فَهُوَ مُهَجِّر، وهَجَّرَ النَّهارُ [يُهَجِّرُ] تَهْجِيْرًا: إِذَا اشْتَدَّ حَرُّهُ، قَال امْرُؤُ القَيْسِ (¬1): * ... إِذَا صَامَ النَّهَارُ وهَجَّرَا * وَمَعْنَى غَشَى الطِّنْفَسَةَ، أَيْ: غَطَّاهَا. (مَا جَاءَ في دُلُوْكِ الشَّمْسِ وغَسَقِ اللَّيْلِ) وَاخْتُلِفَ في الدُّلُوْكِ فَرُويَ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ أَنّه الغُرُوْبُ، وَكَذلِكَ [رُويَ] عَنِ ابنِ مَسْعُوْدٍ، وَقَال ابنُ عُمَرَ هُوَ: الزَّوَالُ، وَكِلاهُمَا صَحِيْحٌ حَكَاهُ أَهْلُ اللُّغَةِ (¬2)، ولكِنَّ الأظْهَرَ مِنْ قَوْلهِ تَعَالى (¬3): {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [أَنْ يَكُوْنَ] الزَّوَال؛ وَلِذلِكَ اخْتَارَ مَالِكٌ هَذَا القَوْل: لأنَّا إِذَا جَعَلْنَا الدُّلُوْكَ في الآيةِ ¬
زَوَال الشَّمْسِ كَانَتِ الآيةُ مُتَضَمّنَة لِلصَّلَوَاتِ الخَمْسِ، وإِذَا كَانَ الدُّلُوْكُ فيها لِلْغُرُوْبِ خَرَجَتْ صَلاةُ الظُّهْرِ والعَصْرِ مِنَ الآيةِ، فَلِذلِكَ كَانَ قَوْلُ مَنْ قَال إِنَّ الدُّلُوْكَ في الآية بِمَعْنَى الزَّوَالِ أَلْيْقَ بتفسِيْر الآيةِ، وإِنْ كَانَ الدُّلُوْكُ بِمَعْنَى الغُرُوْبِ غَيْرَ مَدْفُوع في الشَّمْسِ وَغَيْرِهَا مِنَ الكَوَاكِبِ، وَهُوَ فِي الشَّمْسِ أَشْهَرُ، قَال الرَّاجِزُ (¬1): هَذَا مَقَامُ قَدَمَيْ رَبَاحِ لِلشَّمْسِ حَتَّى دَلَكَتْ بَرَاح وَقَال ذُو الرُّمَةِ -يَصِفُ إِبلًا-: (¬2) مَصَابِيْحُ لَيْسَتْ بِاللَّوَاتِي تَقُوْدُهَا ... نُجُوْمٌ وَلَا بالآفِلاتِ الدَّوَالِكِ ¬
(جامع الوقوت)
ولا أَحْفَظُ الدُّلُوْكَ فِي غَيْرِ الشَّمْسِ إلَّا فِي هَذَا البَيْتِ. ومَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ المُرَادَ بالدُّلُوكِ المَذْكُوْرِ في الآية مَغِيْبُ الشَّمْسِ فَقَوْلُهُ يَقْتَضِي أَنْ يُرِيدَ بإِقَامَةِ الصَّلاةِ لِغَسَقِ اللَّيْلِ صلاةَ العِشَاءِ وَحْدَهَا. (جَامعُ الوُقُوْتِ) -[قَوْلُهُ]: "وُتِرَ أهْلَهُ وَمَالهُ" [21]. الصَّوَابُ: نَصْبُ الأهْلِ وَالمَالِ، وَهكَذَا رَوَيْنَاهُ في "المُوَطَّأ" وغَيْرِهِ، ومَنْ رَفَعَهُ فَقَدْ غَلِطَ؛ لأنَّ مَعْنَاهُ: أُصِيْبَ بِمَالِهِ وَأَهْلِهِ (¬1)، وسُلِبَ أَهْلَهُ وَمَالهُ، فَفِي "وُتِرَ" ضَمِيْرٌ مَرْفُوعٌ عَلَى أَنّه اسْمُ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَ"أَهْلَه" مَنْصُوْبٌ؛ لأنَّهُ مَفْعُوْلٌ ثَانٍ. وَ"وُتِرَ" استُعْمِلَ مُتَعَدِّيًا إلَى مَفعُوْلٍ وَاحِدٍ، وإِلَى مَفْعُوْلَيْنِ، فَمِنَ المُتَعَدِّي إلى مَفْعُوْلَيْنِ قَوْلُهُ تَعَالى: (¬2) {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالكُمْ (35)} وهَذَا هُوَ المَذْكُوْرُ في الحَدِيْثِ، وَالمُتَعَدِّي إلى مَفْعُوْلٍ وَاحِدٍ قَوْلُهُم: وَتَرْتُ الرَّجُلَ: إِذَا أَصَبْتَهُ بِوتْرٍ؛ وذلِكَ أَنْ تَقْتلَ لَهُ حَمِيْمًا يَطْلُبُكَ بِهِ، ومِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ (¬3): ¬
إِذَا وَتَرْتَ امْرَءًا فاحْذَرْ عَدَاوَاتَهُ ... مَنْ يَزْرَعِ الشَّوْكَ لَا يَحْصُدْ بِهِ عِنبَا وَلَو قَال قَائِلٌ: إِنَّ قَوْلَهُ: "وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَاله" مِنَ المُتَعدِّي إِلَى وَاحِدٍ، وإنَّه مِنْ بَابِ قَوْلهِمْ: سَفِهَ نَفْسَهُ وَغَبِنَ رَأْيَهُ مَا كَانَ بَعِيْدًا؛ لأنَّ الوترَ يُسْتَعْمَلُ في جَمِيع أَنْوَاعِ الظُّلْمِ وإِنْ كَانَ أَصْلُهُ القَتْلَ. وأَهْلُ البَصْرَةِ يَنْصِبُوْنَ هَذَا عَلَى تَقْدِيْرِ سُقُوْطِ حَرْفِ الجَرِّ كَأَنَّه قَال: سَفِهَ فِي نَفْسِهِ، وغَبِنَ فِي رَأْيِهِ، فَيَكُوْنُ التقدِيْرُ عَلَى هَذَا: فَكَأَنَّمَا وُتِرَ في أَهْلِهِ وَمَالِهِ. وَالكُوْفِيُّوْنَ يَنْصِبُوْنَ عَلَى التَّمْيِيزِ، والتَّمْيِيزُ عِنْد البَصْرِيِّيْنَ لا يَكُوْنُ مَعْرِفَة. وَالوَجْهُ الَّذي بَدَأْتُ بِهِ أَحْسَنُ عِنْدِي. وفَسَّرَ أَبُو عُبَيْدٍ هَذَا الحَدِيْثِ في "غَرِيْبِهِ" فَقَال (¬1): قَال الكِسَائيُّ: هُوَ مِنَ الوترِ، وَهُوَ: أَنْ يَجْنِيَ الرَّجُلُ عَلَى الرَّجُلِ جِنَايَةً، يَقْتل لَه قتِيْلًا، أَوْ يَذْهَبُ بِمَالِهِ وأَهْلِهِ، فَيُقَالُ: قَدْ وَتَرَ فُلانٌ فُلانًا أَهْلَهُ ومَالهُ. [قَال أَبُو عُبَيْدٍ]: يَقُوْلُ: فَهَذَا الَّذِي فَاتَتْهُ صَلاةُ العَصْرِ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي قَدْ وترَ فَذُهِبَ بأَهْلِهِ وَمَالِهِ. قَال أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَال غَيْرُ الكِسَائِيِّ: وترَ أَهْلَهُ وَمَالهُ، يَقُوْلُ: ¬
نُقِصَ أَهْلُهُ وَمَالهُ وبَقِيَ فَرْدًا، وَذَهَبَ إِلَى قَوْلِ اللهِ تَعَالى (¬1): {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالكُمْ (35)} أَي: لَنْ يَنْقُصَكُمْ، يُقَالُ: وَتَرْتُهُ حَقَّهُ إِذَا نَقَصْتُهُ، قَال: وَأَحَدُ القَوْلَيْنِ قَرِيْبٌ مِنَ الآخَرِ. - وَفِي رِوَايَةِ ابنِ بُكَيْرٍ: "فَلَقِيَ رَجُلًا عِنْدَ خَاتَمَةِ البلاطِ": يُرِيْدُ: الطَّرِيْقَ المُبَلَّطَ بِالحِجَارَةِ، وَهُوَ المَفْرُوْشُ بِهَا، وَهُوَ نَاحِيَةُ الزَّوْرَاءِ (¬2). ويُقَالُ لِلْحِجَارَةِ المَفْرُوْشَةِ بِلاطٌ، وَالبِلاطُ: الأرْضُ المَلْسَاءُ، قَال ذُو الرُّمَّةِ (¬3): يئنُّ إلى مَسِّ البَلاطِ كَأنَّمَا ... يَرَاهُ الحَشَايَا فِي ذَوَاتِ الزخَارِفِ - و"التَّطْفِيف" -فِي لِسَانِ العَرَبِ-: الزِّيَادَةُ عَلَى العَدْلِ والنُّقْصَانُ مِنْهُ، وقَوْلُ مَالِكٍ: وَيُقَالُ: لِكُلِّ شَيْءٍ وَفَاءٌ وتَطْفِيْفٌ، يُرِيْدُ إِنَّ هَذِهِ تَدْخُلُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مَذْمُوْمٍ زِيَادَة ونُقْصَانًا، وَهَذَا قَوْلُ مَنْ يَذْهَبُ إِلَى أنَّ التَّطْفِيْفَ يَكُوْنُ بِمَعْنَى الزِّيَادَةِ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيْثِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ (¬4): "سَابَقَ رَسُوْلُ اللهِ [- صلى الله عليه وسلم -] بمنَ الخَيْلِ وَكُنْتُ يَوْمَئِذٍ فَارِسًا فَسَبقتُ الناسَ وَطَفَّفَ بِي الفَرَسُ مَسْجِدَ بنَي زُرَيْقٍ" تَوَهَّمُوْهُ بِمَعْنَى جَاوَزَ، ولَيْسَ يَلْزَمُ مَا قَالُوْهُ، وإِنَّمَا أَرَادَ: إِنَّ الفَرَسَ وَثَبَ بِهِ حَتَّى كَادَ يُسَاوي المَسْجِدَ، والمَشْهُوْرُ مِنَ التَّطْفِيْفِ إِنَمَا هُوَ النُقْصَانُ. قَال أَبُو عُبَيْدٍ (¬5): ¬
الطَّفُّ: أَنْ يَقْرُبَ الإنَاءُ مِنَ الامْتِلاءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمْتَلأَ، يُقَالُ: هُذَا طَفُّ المِكْيَالِ، وطِفَافُهُ: إِذَا كَادَ يَمْتَلأَ، ومِنْهُ التَّطْفِيْفُ في الكَيْلِ إِنَّمَا هُوَ نُقْصَانُهُ إِذَا لَمْ يَمْلأْهُ إِلَى شَفَتِهِ. وَقَال الكِسَائيُّ: إِنَاءٌ طَفَّانٌ هُوَ الَّذِي لَمْ يَبْلُغِ الكَيْلُ طِفَافَهُ، وأَطْفَفْتُ الإنَاءَ. وَقَال أَبُو زَيْدٍ: طَفَفُهُ وطِفَافُهُ سَوَاء (¬1)، وَعَطَاءٌ طَفِيْفٌ أَيْ: نَزْرٌ، وَفِي حَدِيْثِ سَلْمَانَ: "الصَّدَقَةُ مِكْيَالٌ فَمَنْ وَفَّى وُفِّيَ لَهُ، ومَنْ طَفَّفَ فَقَدْ سَمِعْتُمْ ما قَال اللهُ في المُطَفِّفِيْنَ" وفي الحَدِيْثِ (¬2) أَيْضًا: "كلكُمْ بنُو آدَمَ طَفُّوا الصَّاعِ لا تَمْلَؤُوهُ، لَيْسَ لأَحَدٍ فَضْلٌ عَلَى أحَدْ إلَّا [بالتَّقْوَى] ". فَإِنْ قَال قَائِلٌ: إِنَّ قَوْلَهُ [تَعَالى (¬3)]: {وَيلٌ للمُطَفِّفِينَ (1) ... } إِلَى آخِرِ الآيَةِ، قَدْ دَلَّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ؛ لأنَّهُ سَمَّاهُم مُطَفِّفِيْنَ، ثُمَّ وَصَفَهُمْ بأَنَّهُمْ يَأخُذُوْنَ بالزِّيَادَةَ ويُعْطُوْنَ بالنُّقْصَانِ، فَمِنْ أَيْنَ أَنكرْتَ أَنْ يَكُوْنَ التَّطْفِيْفُ زِيَادَة ونُقْصَانًا، ويَكُوْنُ مَحْصُولُ مَعْنَاهُ الخُرُوْجَ عَنِ الاعْتِدَالِ؟ فَالجَوَابُ عَنْ هَذَا مِنْ وَجْهَيْنِ: أحَدُهُمَا: أَنَّ جَمِيع مَا قَدَّمْنَاهُ إِنَّمَا هُوَ بمَعْنَى النُّقْصَانِ. والثَّانِي: أَنَّ الزّيَادَةَ الَّتِي يَأْخُذُوْنَهَا لأَنْفُسِهُم تَرْجِعُ بالنُّقْصَانِ عَلَى مَنْ يُعَامِلُهُم، فَقَدْ صَارَ الجَمِيع يَعُوْدُ إِلَى مَعْنَى النُّقْصَانِ. - أمَّا قَوْلُهُ: "مَنْ أخَّرَ الصَّلاةَ نَاسِيًا أو سَاهِيًا" [23]، فَقَدْ فَرَّقَ قَوْمٌ بينَ ¬
(النوم عن الصلاة)
السَّهْو والنِّسْيَانِ، وعَلَى هَذَا بَنَى مَالِكٌ كَلامَهُ، فَقَالُوا: النِّسْيَانُ عَدَمُ الذِّكْرِ. والسَّهْوُ: الغَلَطُ والغَفْلَةُ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أنَّهُمَا سَوَاءٌ، والقَوْلُ الأوَّلُ أَظْهَرُ. - ويقَال: غُمِيَ عَلَى الرَّجُلِ وأُغْمِيَ عَلَيْهِ، لُغَتَانِ مَشْهُوْرَتَانِ. (النَّوْمُ عَنِ الصَّلاةِ) - قَوْلُهُ: "حِيْنَ قَفَلَ مِنْ خَيْبرَ" [25]. مَعْنَاهُ: رَجَعَ، يُقَالُ (¬1): قَفَلَ مِنْ سَفَرِهِ يَقْفُلُ قُفُوْلًا وقَفْلًا. ويُقَال: سَرَى يَسْرِي سُرىً، وأَسْرَى إِسْرَاءً (¬2): إِذَا ¬
سَارَ لَيْلًا، ويُرْوَى بَيْتُ النَّابِغَةِ (¬1) عَلَى وَجْهَيْنِ: ¬
* سَرَتْ عَلَيْهِ مِنَ الجَوْزَاءِ سَارِيَةٌ * "وَأَسْرَتْ". ويُقَالُ: عَرَّسَ المُسَافِرُ تَعْرِيْسًا ومُعَرَّسًا: إِذَا نزَلَ في آخرِ اللَّيْلِ للرَّاحَةِ: مِثْلُ مَزَّقْتُ الشَّيْءَ تَمْزِيْقًا ومُمَزَقًا، وَقَدْ يَكُوْنُ المُعَرَّسُ المَوْضِعُ الَّذِي يُعَرَّسُ فِيْهِ، قَال امْرُؤُ القَيْسِ (¬1): * وَجَدْتُ مَقِيْلًا عِنْدَهُمْ وَمُعَرَّسًا * وَقَدْ يُقَالُ في هَذَا المَعْنَى أَعْرَسَ [يُعْرِسُ] إِعْرَاسًا ومُعَرَّسًا، وهُوَ قَلِيْل، قَال كَعْبُ بنُ مَالِكٍ الأنْصَارِيُّ (¬2): جَاؤُوا بِجَيْشٍ لَوْ قِيْسَ مُعْرَسُهُ ... مَا كَانَ إلَّا كَمُعْرَسِ الدُّئِلِ - وَقَوْلُهُ: "اكلْأ لَنا الصُّبْح": أي: ارقُبْهُ وَارْعَهُ، يُقَالُ: كَلأَهُ يَكْلَؤُهُ كَلاءَةً، ومِنْهُ يُقَالُ: اذْهَبْ في كَلاءَةِ الله (¬3). ¬
- وَقَوْلُهُ: "فَبَعَثُوا رَوَاحِلَهُمْ": أي: حَرَّكُها للسَّيْرِ. والرَّوَاحِل: الإبل الَّتي يُسَافَرُ عَلَيْهَا، وَاحِدَتُهَا رَاحِلَةٌ، سُمِّيَتْ رَاحِلَة؛ لأنَّها تَرْحَلُ بِصَاحِبِهَا مِنْ مَوْضِع إِلَى مَوْضِع. - وَقَوْلُهُ [تَعَالى] (¬1): {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)}: تأَوَّلَهُ كَثيْرٌ مِنَ المُفَسِّرِيْنَ عَلَى أَنّه أَرَادَ: أَنْ يُصَلِّيَ الصَّلاةَ إِذَا ذَكَرَهَا. وَقَال غَيْرُ هَؤلاءِ: مَعْنَاهُ: أَقِمِ الصَّلاةِ لِتَذْكُرَني فِيْهَا، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ (¬2)، وَهَذَا القَوْلُ أَلْيَقُ ¬
بالآيةِ، وأَشْبَهُ بِمَعْنَاهَا، ولَو أَرَادَ ذِكْرَ الصَّلاةِ عَلَى مَا ذَهَبُوا إليه .. (¬1) وأَمَّا قِرَاءَةُ مَنْ (¬2) قَرَأَ: {لِذِكْرِي} فَهُوَ أَشْبَهُ بالتّأَويْلِ الأوَّلِ، وَكَأَنَّه أَرَادَ لِذِكْرَاهَا، فَنَابَتْ الألِفُ وَاللَّامُ مَنَابَ الضَّمِيْرِ، وَهَذَا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ الكُوْفِييْنَ في قَوْلهِمْ: زَيْدٌ أَمَّا المَالُ فَكَثيِرٌ، وعَمْرٌو أَمَّا الخَلْقُ فَحَسَن عَلَى تَقْدِير: أَمَّا مَالُهُ وأَمَّا خُلُقُهُ وأَمَّا رِوَايَةُ ابنِ بُكَيْرٍ فَقَال. "يَا بِلالُ فَقَال: بِلالُ" فَمَعْنَاهُ: يَا بِلالُ مَا هَذَا الَّدي فعَلْتَ؟ ! أَو يَا بِلالُ: أَيْنَ الَّذِي أَمَرْتُكَ بِهِ؟ فَحَذَفَ بَعْضَ الكَلامِ اخْتِصَارًا حِيْنَ فُهِمَ المَعْنَى، وكَرَّر النِّدَاءَ مَرَّتَيْنِ مُبَالغَةً في الإنكارِ، والتَّقْدِيْرُ: فَقَال يَا بِلالُ فَقَال يَا بِلالُ فأسقط حَرْفَ النِّدَاءِ من الثَّانِي كَمَا قَال تَعَالى (¬3): {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي}. - وَقَوْلُهُ: "وَقَدْ رَأى مِنْ فَزَعِهِمْ" [26]. تَقْدِيرُهُ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي الحَسَنِ الأخْفَشِ (¬4): وَقَدْ رَأَى فَزَعَهُم وَ"مِنْ" زَائِدَةٌ؛ لأنَّهُ يُجِيْزُ زِيَادَةَ "مِنْ" في الكَلامِ الوَاجِبِ، وحَكَى عَنِ العَرَبِ: "قَدْ كَانَ مِنْ مَطَرٍ" أَيْ: قَدْ كَانَ مَطَرٌ، وحَكَى الكِسَائيُّ نَحْوًا مِنْ ذلِكَ، وَسِيْبَوَيْهِ وَمَنْ يَرَى رَأَيَهُ لَا يُجِيْزِوْنَ زِيَادَةَ "مِنْ" إلَّا في النَّفْي والاسْتِفَهَامِ كَقَوْلكَ: مَا جَاءَنِي من رَجُلٍ، وهَلْ خَرَجَ مِنْ رَجُل، ويَتَأَوَّلُوْنَ ¬
قَوْلَهُمْ: قَدْ كَانَ مِنْ مَطرٍ أَنّها "مِنْ" الَّتي يُرَادُ بِهَا التَّبْعِيْضِ، وَفِي الكَلامِ حَذْفٌ، تَقْدِيْرُهُ: قَدْ كَانَ صَوْبٌ مِنْ مَطَرٍ، أَوْ جُزْءٌ ونَحْوٌ ذلِكَ، ويَجِبُ أَن يَكُوْنَ تَقْدِيْرُ الحَدِيْثِ على مَذْهَب سِيْبَوَيْهِ: وَقَدْ رَأَى مَا عَظُمَ عَلَيْهِ مِنْ فَزَعِهِمْ، أَوْ دَائِرًا مِنْ فَزَعِهِمْ مَا عَظُمَ عَلَيْهِ، ونَحْوَ ذلِكَ، فَحَذَفَ بَعْضَ الكَلامِ اخْتِصَارًا، كَمَا حَذَفَ مِنْ قَوْلهِ: "يَا بِلالُ" والعَرَبُ تَحْذِفُ من الكَلامِ مَا لَا يتِمُّ المَعْنَى إلَّا بِهِ إِذَا فُهِمَ المُرَادُ كَقَوْلهِ تَعَالى (¬1): {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} المَعْنَى: فَحَلَقَ؛ لأنَّه لَا تَلْزَمُهُ فِدْيَةٌ إِلَّا أَنْ يَحْلِقَ، وَكَذلِكَ قَوْلُه (¬2): {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} المَعْنَى: واللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ فَعِدَّتُهُنَّ كَذلِكَ، ومِثْلُهُ قَوْلُ النَّمِرِ بنِ تَوْلَبٍ (¬3): ¬
* فَسَوْفَ تُصَادِفُهُ أَيْنَمَا * يُرِيْدُ: أَيْنَمَا ذَهَبَ، وَهُوَ كَثيْرٌ جِدًّا. - وَقَوْلُهُ: "فَلَمْ يَزَلْ يُهَدِّيْهِ كَمَا يُهَدِّي الصَّبِيَّ" فَإِنَّمَا رَوَيْنَاهُ بِتشدِيْدِ الدَّالِ ويَجُوْزُ: "يُهْدِيْهِ كَمَا يُهْدِي"، بسُكُونِ الهَاءِ وتَخْفِيْفِ الدَّالِ، وهُمَا لُغَتَان. هَدَّأتُ الصَّبِيَّ وأَهْدَأَتُهُ كَمَا يُقَالُ: كَرَّمْتُ الرَّجُلَ وأَكْرَمْتُه (¬1)، قَال عَدِيُّ بنُ زَيْدٍ العِبَادِيُّ (¬2) -في التَّخْفِيْفِ-: ¬
[النهي عن الصلاة بالهاجرة]
شَئِزٌ جَنْبِي كَأنِّي مُهْدَأٌ ... جَعَلَ القَينُ عَلَى الدِّفِّ إِبَرْ وَرَوَاهُ قَوْمٌ: "كَأنِّي مَهْدأ"، -بِفَتْحِ المِيمِ والنَّصْبِ علَى الظَّرْفِ، أَي: كَأَنِّي بَعْدَ هَدْءِ مِنَ اللَّيل، وَهُوَ نَحْوٌ مِنْ ثُلُثِهِ. [النَّهْيُ عَنِ الصَّلاةِ بالهَاجِرَةِ] - وَذَكَرَ (¬1) حَدِيثِ خَبَّابِ بنِ الأرَتِّ: "شَكَوْنَا إِلَى رَسُوْلِ الله - صلى الله عليه وسلم - حَرَّ الرَّمْضَاءِ فَلَمْ يُشْكِنا". فَقَال هَذ اللَّفْظَةُ مِنَ الأضْدَادِ (¬2)، يُقَالُ: أَشْكَيتُ الرَّجُلَ: ¬
إِذَا أَحْوَجْتَهُ إِلَى أَنْ يَشْكُو، وأَشْكَيتُهُ: إِذَا شَكَا إِلَيكَ فَأزلْتَ عَنْهُ مَا يَشْكُوْهُ، قَال الزَّاجِزُ (¬1): تَمُدُّ بِالأعْنَاقِ أَوْ تَلْويهَا وتَشْتكي لَوْ أَنّنا نُشْكِيهَا مَسَّ حَوَايًا قَلَّمَا نُجْفِيهَا وَقَدْ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْله [- صلى الله عليه وسلم -]: "اشْتكَتِ النَّارُ إلَى رَبِّها" فَجَعَلَهُ قَوْمٌ حَقِيقَةً، وقَالُوا: إِنَّ الله قَادِرٌ على أَنْ يُنْطِقَ كُلَّ شَيءٍ إِذَا شَاءَ، وجَعَلُوا جَمِيع مَا وَرَدَ مِنْ هَذَا ونَحْوهِ في القُرآنِ والحَدِيثِ علَى ظَاهِرِهِ (¬2) [وَهُوَ الحَقُّ والصَّوَابُ إِنْ شَاءَ ¬
اللهم (¬1)، كَقَوْلهِ: [تَعَالى] (¬2): {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} ونَحْو ذلِكَ، وذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أنَّ هَذَا كُلَّهُ مَجَازٌ كَقَوْلِ عَنْتَرَةَ في فَرَسِهِ (¬3): * وَشَكَا إِلَيَّ بِعَبْرَةٍ وَتَحَمْحُمِ * وَقَوْلُ الآخَرِ (¬4): ¬
تَشْكُو بِعَينٍ مَا أَكَلَّ رِكَابَهَا ... وَقِيلَ المُنَادِي أَصْبَحَ القَوْمُ أَدْلِجِي وَحَمْلُ الشَيءِ عَلَى ظَاهِرِهِ أَوْلَى حَتَّى يَقُوْمَ دَلِيلٌ عَلَى خِلافِهِ. - وَ"الفَيحُ": انْتِشَارُ الحَرِّ وَسُطُوْعُهُ. ومَعْنَى الإبْرَادِ: تأْخِيرُ الصَّلاةِ إِلَى أَنْ يَسْكُنَ الحَرّ ويُقَالُ: أَبْرَدَ القَوْمُ؛ إِذَا بَرَدَ عَلَيهِمُ الوَقْتُ، وانكسَرَتْ عَنْهُمْ شِدَّةُ الحَرِّ قَال الرَّاعِي (¬1): دَأَبْتُ إِلَى أن يَنْبُتَ الظِّلُّ بَعْدَمَا ... تَقَاصَرَ حَتَّى كَادَ في الآلِ يَمْصَحُ وَجِيفَ المَطَايَا ثُمَّ قُلْتُ لِصُحْبَتِي ... وَلَمْ يَنْزِلُوا أَبْرَدتُمُ فَتَروَّحُوا - وَمَعْنَى قَوْلِ الفُقَهَاءِ: يَنْتَابُ من البَعْدِ، أَي: يَقْصُدُ، يُقَالُ: انْتَابَهُ يَنْتَابُهُ انْتِيَابًا، وَهُوَ مُنْتَابٌ. - وَذَكَرَ أَنَّ عِكْرِمَةَ قَال لابْنِ عَبَّاس: أَرَأَيتَ مَا جَاءَ عَنِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - في أُمَيَّةَ بنِ أَبِي الصَّلْتِ: "آمنَ شِعْرُهُ وَكفَرَ قَلْبُهُ"، فَقَال هُوَ حَقّ فَمَا أَنكرْتُمْ من ¬
شِعْرِهِ؟ قُلْتُ: أَنكرْنَا قَوْلَه (¬1): وَالشَّمْسُ تَطْلُعُ كُل آخِرِ لَيلَةٍ ... حَمْرَاءَ يُصْبِحُ لَوْنُهَا مُتَوَرِّدُ لَيسَتْ بِطَالعَةٍ لَهُمْ في رَسْلَهَا ... إلَّا مُعَذَّبَةً وإِلَّا تُجْلَدُ فَمَا بَال الشَّمْسُ تُجْلَدُ؟ فَقَال: والَّذي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَطُّ حَتَّى يَنْخَسَهَا سَبْعُوْنَ أَلْفَ مَلَكٍ فَيقُوْلُوْنَ لَهَا: اطلَعِي فَتَقُوْلُ: لَا أَطلُعُ عَلَى قَوْمٍ يَعْبُدُوْنَنِي مِنْ دُوْنِ اللهِ، فَيَأْتِيهَا مَلَكٌ مِنَ اللهِ فَيَأْمُرَهَا بالطُّلُوعْ فَتَسْتَقِلَّ لِضِيَاءِ بَنِي آدَمَ، فَيَأْتِيَهَا شَيطَانٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّهَا عَنِ الطُّلُوع فَتَطْلعَ بينَ قَرْنَيهِ فَيُحْرِقَهُ اللهُ تَحْتَهَا، ومَا غَرَبَتِ الشَّمْسِ قَطٌّ إِلَّا خَرَّتْ للهِ سَاجِدَةً، فَيَأْتِيَهَا شَيطَانٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّهَا عَنِ السُّجُوْدِ فَتَغْرُبَ بَينَ قَرْنَيهِ فَيُحْرِقَهُ اللهُ تَحْتَهَا، وَذلِكَ قَوْلُهُ: "مَا طَلَعَتْ إلَّا بينَ قَرْنَي الشَّيطَانِ ولَا غَرَبَتْ إلَّا بمنَ قَرْنَي الشَّيطَانِ" وَقَال قَوْمٌ: إِنَّه أَرَادَ بِقَرْنَي الشَّيطَانِ أُمَّةً تَعْبُدُ الشَّمْسَ وَتَسْجُدُ لَهَا عِنْدَ الطُّلُوع والغُرُوْبِ فَكَرِهَ [رَسُوْلُ اللهِ]- صلى الله عليه وسلم - التّشبُّهَ بالكُفَّارِ. والقَرْنُ: الأُمَّةُ، قَال اللهُ [تَعَالى] (¬2): {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ} وأَضَافَ القَرْنَ إِلَى الشَّيطَانِ كَمَا يُقَالُ لِلْكُفَّارِ: حِزْبُ الشَّيطَانِ. وَقَال عَلَيهِ السَّلامُ: "إذَا طَلعَتِ الشَّمْسُ فَاقْصُرُوا عَن الصَّلاةِ حَتَّى تَغِيبَ فَإنَّهَا تَطْلُعُ عَلَى قَرْنِ الشَّيطَانِ ويُصَلِّي لَهَا الكُفَّارُ، وَإذا عَدَلَ النّهارُ فَأَقْصِرُوا فَإنَّهَا سَاعَةٌ تَسْجُدُ فِيهَا جَهَنَّمُ" وإِلَى هَذَا التّأويلِ ذَهَبَ ابنُ قُتيبَةَ (¬3)، ¬
[النهي عن دخول المسجد بريح الثوم وتغطية الفم]
وعَلَيهِ أَهْلُ النَّظَرِ. [النَّهْيُ عَنْ دُخُولِ المَسْجِدِ برِيحِ الثُّوْمِ وتَغْطِيةِ الفَمِ] - وَذَكَرَ قَوْلُهُ: "يُؤْذِينا بِرِيحِ الثُّوْمِ" [30]. فَقَال كَذَا (¬1) الرِّوَايَةُ بِإِثْبَاتِ اليَاءِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَلَا يَجُوْزُ في مِثْلِ هَذَا الجَزْمُ عَلَى جَوَابِ النَّهْيِ في قَوْلِ سِيبَوَيهِ (¬2) وأَصْحَابِهِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُم: لَا تَدْنُ مِنَ الأسَدِ يَأكلُكَ، وَكَانَ الكِسَائِيُّ يُجيزُ في هَذَا كُلِّهِ الجَزْمَ. وَهُوَ غَلَطٌ، لأنَّه يَصِيرُ تَبَاعُدُهُ عَنِ الأسَدِ سَبَبًا لأكْلِ الأسَدِ إِيَّاهُ، وَكَذلِكَ يَصِيرُ تَبَاعُدُهُمْ عَن المَسْجِدِ سَبَبًا لإذَايَتِهِمْ لَهُ بِرِيحِ الثُّوْمِ. وَلَيسَ هَذَا مَوْضِعًا للتَّطْويلِ في التَّرْجِيحِ بَينَ القَوْلَينِ. - وَقَوْلُهُ: "يُؤْذِينا" يَجُوْزُ أَنْ يَكُوْنَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى خَبَرِ مُبْتَدَأ مُضْمَرٍ كَأَنَّهُ قَال: فَهُوَ يُؤذِينَا فَيَكُوْنُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلكَ: "يَأكلُكَ" في المَسْأَلةِ [السابقة]، ويَجُوْزُ أَنْ يَكُوْنَ في مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ في "يَقْرَبُ" كَأَنَّهُ قَال: مُؤذِيًا لَنَا. - وَقَوْلُهُ: "جَبذ الثَّوْبَ" قَال: جَبَذَ وجَذَبَ جَبْذًا وَجَذْبًا بِمَعْنًى وَاحِدٍ (¬3). - قَوْلُهُ: "عَنْ فِيهِ". المَشْهُوْرُ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ (¬4) أَنُ تُسْتَعَمَلُ في حَالِ ¬
إِفْرَادِهَا بالمِيمِ فَيُقَالُ: فَمٌ، وَمِنَ العَرَبِ مَنْ يَضُمَّ الفَاءَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكْسُرُهَا، فَإِذَا أُضِيفَتْ استُعْمِلَتْ بِحُرُوْفِ اللّينِ فَيمالُ: فُوْهُ وَفَاهُ وَفِيهِ، ورُبَّمَا اسْتَعْمَلُوْهَا في حَالِ الإضَافَةِ بالمِيمِ، قَال الرَّاجِزُ (¬1): كَالْحُوتِ لَا يَرْويهِ شَيءٌ يَلْقُمُهْ يَصْبِحُ ظَمْآنَ وَفِي البَحْرِ فَمُهْ ¬
[كتاب الطهارة]
[كِتَابُ الطَّهَارَةِ] (¬1) [العَمَلُ في الوَضُوْءِ] -[وَقَوْلُهُ تَعَالى] (¬2): {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ}. وَذَكَرَ أَبُو الوَلِيدِ الوَقَّشِيُّ (¬3) رحمه اللهُ ¬
قَوْلَ الشَّافِعِيِّ إِنَّ البَاءَ عِنْدَهُ للتَّبْعِيضِ فَقَال (¬1): هَذَا خَطَأٌ، وإِنَّمَا البَاءُ للإلْصَاقِ، وَمَا قَالهُ الشَّافِعِيُّ غَيرُ مَعْرُوْفٍ في كَلامِ العَرَبِ، ومَعْنَى قَوْلهِ [تَعَالى] (¬2): {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} أَلْصِقُوا المَسْحَ بِرُؤُوْسِكُمْ، وَيَجُوْزُ أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً للتَّأْكيدِ كالَّتِي في قَوْلهِ تَعَالى (¬3): {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)}، وقَال الرَّاجِزُ (¬4): ¬
* نَضْرِبُ بالسَّيفِ ونَرْجُو بالفَرَجْ * - وَذَكَرَ (¬1) قَوْلَ مَالِكٍ في إِدْخَالِ المِرْفَقَينِ في الوَضُوْءِ فَقَال: وَحُجَّتُهُ قَوْلُهُ تَعَالى (¬2): {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ}، {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوالهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} (¬3) فَمَا بَعْدَ "إِلَى" في هَذَينِ المَوْضِعَينِ دَاخِلٌ فِيمَا قَبْلَهَا، وَهِي بِمَنْزِلَة "مَعَ"، قَال: وحَكَى يَعْقُوْب (¬4) وَغَيرُهُ: أَنَّ "إِلَى" تَكُوْن بِمَعْنَى "مَعَ" وَتَقُوْل العَرَبُ: إِنَّ فُلانًا لَظَرِيفٌ عَاقِلٌ إِلَى حَسَبٍ ثَابِتٍ، أَي: مَعَ حَسَبٍ، وأَنْشَدَ لِذِي الرُّمَّة (¬5): بِهَا كُلُّ خَوَّارٍ إِلَى كُلِّ صَلْعَةٍ ... [ضَهُوْلٌ] وَرَفْضُ المُذْرَعَاتِ القَراهِبِ أَي: مَعَ كُلِّ صَلْعَةٍ. ¬
وَحُجَّةُ مَنْ قَال بِخِلافِ قَوْلِ مَالِكٍ، قَوْلُهُ [تَعَالى] (¬1): {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيلِ} واللَّيلُ لَيسَ بِدَاخِلٍ في الصِّيَامِ، وَالقَوْلُ الأوَّلُ أَصَحُّ؛ لأنَّ مَا بَعْدَ "إِلَى" إِنَّمَا يَمْتَنِعُ مِنَ الدُّخُوْلِ فِيمَا قَبْلَهَا إِذَا كَانَ مِن غَيرِ جِنْسِهِ. وأَمَّا إِذَا كَانَ مِن جِنْسِهِ فَبَابُهُ، أَنْ يَكُوْنَ دَاخِلًا فِيمَا قَبْلَهُ حَتَّى يَقُوْمَ دَلِيلٌ عَلَى غَيرِ ذلِكَ، أَلا تَرَى أَنَّ البَصْرِيِّينَ قَدْ أَجَازُوا ضَرَبْتُ القَوْمَ حَتَّى زَيدٍ ضَرَبْتُهُ بالخَفْضِ، وَقَالُوا: يُجْعَلُ ضَرَبْتُهُ تَوْكِيدًا، بَعْدَ مَا مَضَى كَلامُكَ عَلَى الخَفْضِ، ولَوْلَا أَنَّ زَيدًا قَدْ دَخَلَ في المَضْرُوْبِينَ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَكُوْنَ تَوْكِيدًا، وَمَعَ هَذَا فَإِنَّ مَا بَعْدَ "إِلَى" لَمَّا كَانَ قَدْ يَجُوْزُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِيمَا قَبْلَهُ، وَقَدْ يَجُوْزُ أَنْ لَا يَكُوْنَ، كَانَ إِدْخَالُ المِرْفَقَينِ في الغَسْلِ أَحْوَطَ وأَرْفَعَ للشُّبْهَةِ، والخِلافُ في الكَعْبَينِ كَهُوَ في المِرْفَقَينِ، وَذَكَرَ أَنَّ الوَاوَ العَاطِفَةَ لا تُعْطِي رُتْبَةً إِذَا لَمْ يَكُنْ في الكَلامِ دَلِيلٌ عَلَى ذلِكَ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ اللهِ تَعَالى (¬2): {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ} وفي مَوْضِعَ آخَرَ (¬3): {وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ}، وَقَال أَبُو كَبْشَةَ (¬4): ¬
* وَأَرْدَفَ أَعْجَازًا وَنَاءَ بِكَلْكَلِ * وإِنَّمَا يُرْدِفُ بِأعْجَازٍ بَعْدَ أَنْ يَنُوْءَ بِكَلْكَلِهِ، وَهَذَا اتِّفَاقٌ عَنِ البَصْرِيِّينَ والكَوْفِيِّينَ. وَقَال ثَعْلَبٌ (¬1): الوُضُوء -بِضَمِّ الوَاو- الفِعْلُ، وبِفَتْحِهَا: المَاءُ، وهو قَوْلٌ مَشْهُوْرٌ عَنِ الكُوفِيِّينَ. وأَمَّا سِيبَوَيهِ وأَصْحَابُهُ فَقَالُوا: بالفَتْحِ في المَصْدَرِ والمَاءِ جَمِيعًا، وذَكَرُوا أَنَّ المَصَادِرَ حُكْمُهَا أَن تَجِيءَ على فُعُوْلٍ -بِضَمِّ الفَاءِ- كالقُعُودِ ونَحْوهِ، والأسْمَاءُ بالفَتْحِ، إلَّا أَسْمَاء شَذَّتْ عَنِ المَصَادِرِ فَجَاءَتْ مَفْتُوْحَةَ الأوَّلِ وَهِيَ: الوَضُوْءُ، والطَّهُوْرُ، والوَلُوع، والوَقُوْدُ، والوَزُوْعُ، كَمَا شَذَّت أَشْيَاءٌ مِنَ الأسْمَاءِ فَجَاءَتْ بالضَمِّ كالسُّدُوْسِ والعُكُوْفِ، الأُتِيِّ، وقَال الأَصْمَعِيُّ (¬2): الوُضُوْءُ -بالضَمِّ- لَيسَ في كَلامِ العَرَبِ (¬3)، وَإِنَّمَا هُوَ قِيَاسٌ ¬
قَاسَهُ النَّحْويُّوْنَ، والوَضُوْءُ: مِنَ الوَضَاءَةِ، وَهِيَ: الحُسْنُ والنَّظَافَةُ، [يُقَالُ] رَجُلٌ وَضِيءُ الوَجْهِ، وكُلُّ عُضْوٍ غَسَلْتَهُ فَقَدْ وَضَّأتَهُ. - و"الاسْتِجْمَارُ": التَّمَسُّحُ بالأَحْجَارِ، وَهِيَ الجِمَارُ (¬1)، وبِهِ سُمِّيَتْ جِمَارُ مَكَّةَ، ويُقَالُ: جَمَّرَ الرَّجُلُ تَجْمِيرًا: إِذَا رَمَى بالجِمَارِ، وَوَاحِدَةُ الجِمَارِ جَمْرَةٌ. - و"الاسْتِنْثَارُ": أَخْذُ المَاءِ بالأَنْفِ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ من النُّثْرَةِ، وَهِيَ الأنْفُ كَأَنَّهُ أَخَذَ المَاءِ بالنُّثْرَةِ، فَهُوَ عَلَى هَذَا بِمَنْزِلَةِ الاسْتِنْشَاقِ سَوَاء، وقِيلَ: ¬
الاسْتِنْثَارُ: رَمْيُ المَاءِ مِنَ الأنْفِ بَعْدَ استِنْشَاقِهِ، وَهُوَ اسْتِفْعَالٌ مِنْ قَوْلهِمْ: نَثَرْتُ الشَّيءَ نَثْرًا: إِذَا رَمَيتَهُ مُتَفَرِّقَّا، وَيُقَالُ نَثَرَتِ الدَّابَّةُ نَثرًا ونَثيرًا إِذَا عَطَسَتْ، قَال ذُو الرُّمَّةِ -يَصِفُ حُمُرَ وَحْشٍ وَرَدَتِ المَاءَ- (¬1): فَمَا أَفْجَرَتْ حَتَّى أَهَبَّ بِسُدْفَةٍ ... عَلاجِيمَ عَينَا ابْنَي صُبَاحٍ نَثيرُهَا يُرِيدُ: إِنَّها أَيقَظَتِ الضَّفَادعَ بِأَصْوَاتِ أُنُوفِهَا. وَهَذَا القَوْلُ الثَّانِي أَشْبَهُ بالاسْتِنْثَارِ المَذكُوْرِ في الوَضُوْءِ؛ ولأنَّه قَدْ جَاءَ في حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ عَنِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا تَوَضَّأ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَنْشِقْ بِمَنْخَرِهِ مِنَ المَاءِ ثُمَّ لِيَنْثُرْ" دَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الاسْتِنْثَارَ غَيرُ الاسْتِنْشَاقِ (¬2). - وأَصْلُ "المَضْمَضَةُ": الغَسْلُ. يُقَالُ: مَضْمَضَ إِنَاءَهُ وَمَصْمَصَهُ، بالضَّادِ والصَّادِ المُهْمَلَةِ: إِذَا غَسَلَهُ، حَكَى ذلِكَ يَعْقُوْبُ (¬3)، ويَقَالُ: تَمَضْمَضَ النَّوْمُ في عَينَيهِ: إِذَا بَدَا وَلَمْ يَتَمَكَّنْ، قَال الرَّاجِزُ (¬4): وَصَاحِبٍ نَبَّهْتُهُ لِيَنْهَضَا إِذِ الكَرَي فِي عَينِهِ تَمَضمَضَا ¬
فَقَامَ عَجْلانَ وَمَا تَأَرَّضَا يَمْسَحُ بالكَفَّينِ وَجْهَا أَبْيَضَا - وَذَكَرَ خَفْضُ الأرْجُلِ في قَوْلِهِ تَعَالي (¬1): {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ}، فَقَال: ¬
وَفِي ذلِكَ قَوْلانِ، زَعَمَ قَوْمٌ أَنّه خَفْضٌ عَلَى الجِوَارِ، كَمَا قَال امْرُؤُ القَيسِ (¬1): * صَفِيفَ شِوَاءٍ أَوْ قَدِيرٍ مُعَجَّلِ * وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُوْلَ: "أَوْ قَدِيرًا"، وَكَمَا قَال زهُيرٌ (¬2): * ... سَوَافِي المُوْرِ والقَطْرِ * وَقَال النَّابِغَةُ (¬3): لَمْ يَبْقَ إلَّا أَسِيرٌ غَيرُ مُنْقَلِبٍ ... أَوْ مُوْثَقٍ في حِبَالِ القَدِّ مَسْلُوْبِ وَقِيلَ: إِنَّ الأرْجُلَ مَعْطُوْفَةٌ عَلَى الرُّؤُوسِ عَلَى مَا يَنْبَغِي مِنَ العَطْفِ. فَإِنْ قِيلَ: كَيفَ يَصِحُّ عَطْفُهَا عَلَى الرُّؤُوْسِ، والرُّؤُوْسُ مَمْسُوْحَةٌ وَالأرْجُلُ مَغْسُوْلَةٌ؟ . فَالجَوَابُ عَن ذلِكَ مِنْ وَجْهَينِ، كِلاهُمَا مُقْنِعٌ. أَحَدُهَا (¬4): أَنَّ العَرَبَ قَدْ تَعْطِفُ الشَّيءَ عَلَى الشَّيءِ وإِن اخْتَلَفَ مَعْنيَاهُمَا ¬
إِذَا كَانَ لَهُمَا وَجْهٌ يَجْتَمِعَانِ فيه كَقَوْلِ الرَّاجِزُ (¬1): * شَرَّابُ أَلْبَانٍ وَتَمْرٍ وأَقِطْ * والتَّمْرُ وَالأقِطُ يُؤكَلَانِ وَلَا يُشْرَبَانِ، وَلَكِنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ في أَنَّ كُلَّ وَاحدٍ غِذَاءٌ يُغْتَذَى [بِهِ] (¬2)، وَكَذلِكَ قَوْلُ الآخَرِ (¬3): [يَا ليتَ زَوُجَكِ قَدْ غَدَا] ... مُتَقَلِّدًا سَيفًا وَرُمْحًا والرُّمْحُ لا يُتَقَلَّدُ، ولكِنَّ الرُّمْحَ قَدْ يُشَارِكَ السَّيفَ؛ في أنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَحْمُوْلٌ، فَكَذلِكَ الأَرْجُلُ والرُّؤُوْسُ وإِنِ اخْتَلَفتْ في أنَّ بَعْضَهَا مَمْسُوْحٌ وبَعْضَهَا مَغْسُوْلٌ فَقَدِ اتَّفَقَتْ فِي أَنَّ المَسْحَ والغَسْلَ كِلَاهُمَا طَهَارَةٌ. والآخَرُ: أَنَّ وَاوَ العَطْفِ إِنَّمَا تُشْرِكُ الثَّانِي مَعَ الأوَّلِ بِنَوع الفِعْلِ وَجِنْسِهِ، لَا فِي كَيفِيَّتِهِ ولَا كَمِّيَّتِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّكَ إِذَا قُلْتَ: ضَرَبْتُ زَيدًا وعَمْرًا جَازَ أَنْ تَضْرِبَ أَحَدَهُمَا ضَرْبَةً وَاحِدَةً، والآخَرُ عِشْرِينَ ضَرْبَةً فَيَخْتَلِفُ مِقْدَارُ الضَّرْبَينِ وكَيفِيَّتُهُمَا، ولا يُبْطِلُ ذلِكَ عَطْفُ أَحَدِهِمَا عَلَى الآخَرِ. وكَذلِكَ يَجُوْزُ أَنْ تَضْرِبَ أَحَدَهُمَا قَائِمًا والآخَرَ قَاعِدًا فَتَخْتَلِفُ الكَيفِيَّتَانِ، وكَذلِكَ إِذَا قُلْتَ: أَعْطَيتُ زَيدًا عَمْرًا جَازَ أَنْ تَسْتَوي العَطِيَّتَانِ، وَجَازَ أَنْ تَخْتَلِفَا في القِلَّةِ والكَثْرَةِ، فتُعْطِي أَحَدَهُمَا دِرْهَمًا والآخَرَ مَائَةَ دِرْهَمٍ. والعَرَبُ رُبَّمَا استَعْمَلَتْ المَسْحَ بمَعْنْى الغَسْلِ، قَال الرَّاجِز (¬4): ¬
* أشْلَيتُ عَنْزِي وَمَسَحْتُ قَعْبِي * والقَعْبُ: القِدْحُ، يُرِيدُ إِنَّه غَسَلَ قِدْحَهُ لِيَحْلِبَ. وَقَدْ حَكَى أَبُو زَيدٍ (¬1) أَنَّ العَرَبَ تَقُوْلُ: تَمَسَّحْتَ لِلصَّلَاةِ: إِذَا تَوَضَّأَتَ لَهَا، فَلَمَّا كَانَتِ الوَاوُ إِنَّمَا تُوْجِبُ الشَّرِكَةَ في نَوع الفِعْلِ وَجِنْسِهِ لَا فِي كَيفِيَّتِهِ وكَمِّيَّتِهِ، وَكَانَ النَّضْحُ والغَسْلُ كِلَاهُمَا (¬2) يُسَمَّى مَسْحًا عُطِفَتِ الأَرْجُلُ عَلَى الرُّؤُوْسِ، وإِنْ اخْتَلَفَتْ الكَمِّيَّتَانِ والكَيفِيَّتَانِ، كَمَا جَازَ أَنْ يُقَال: أَعْطَيتُ زَيدًا وعَمْرًا في المَسْأَلةِ المَذْكُوْرَةِ؛ لأنَّ النَّضْحَ جُزْءٌ مِنَ الغَسْلِ، كَمَا أَنَّ الدِّرْهَمَ جُزْءٌ من المَائِةِ، فَهَذَا أَحْسَنُ تَأْويلٍ حُمِلَتْ عَلَيهِ؛ لأنَّه جَارٍ مَجْرَى كَلَامِ العَرَبِ الفَصِيحِ الذِي لَا يُمْكِنُ أَحَدٌ دَفْعَهُ، فَأمَّا حَمْلُهُ عَلَى الجِوَارِ فَهُوَ غَلَطٌ؛ لأنَّهُ لَا خِلَافَ بَينَ النَّحْويِّينَ في أنَّ الخَفْضَ عَلَى الجِوَارِ خَارِجٌ عَنِ القِيَاسِ، دَاخِلٌ في بَابِ الشُّذُوْذِ، وَجمِيع مَا أَنْشَدُوْهُ عَلَى أَنَّه مَخْفُوْضٌ عَلَى الجِوَارِ أَوْ حَكَوْهُ يُمْكِنُ تَأْويلُهُ عَلَى غَيرِ مَا قَالُوْهُ، وإِنَّمَا غَلِطَ مَنْ غَلِطَ في هَذَا؛ لأنَّهم لَمَّا سَمِعُوا النَّحْويِّينَ يَقُوْلُوْنَ: الوَاوُ تُشْرِكُ الأوَّلَ مَعَ الثَّانِي لَفْظًا ومَعْنَى، ظَنُّوا أَنَّه يَلْزَمُ مِنْ ذلِكَ تَسَاويهِمَا فِي الكَمِّيَّة والكَيفِيَّةِ، فَهَذَا مَا يَقْتَضِيهِ لِسَانُ العَرَبِ، وقَدْ جَاءَ في حَدِيثِ الصُّنَابِحِيُّ (¬3) "خَرَجَتْ الخَطَايَا مِنْ ¬
[وضوء النائم إذا قام إلى الصلاة]
رِجْلَيهِ إذَا غَسَلَهُمَا" وَهَذَا إِفْصَاحٌ بِغَسْلِ الأرْجُلِ. [وَضُوْءَ النَّائِمِ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ] - وَذَكَرَ: "إِذَا نَامَ أحَدُكُم مُضْطَجِعًا" [10]. فَقَال (¬1): ورُويَ "مُضَّجِعًا" وهُمَا لُغَتَان، وحُكِيَتْ لُغَةٌ أُخْرَى وَهِيَ "مُطَّجِعٌ" بِطَاءٍ، ولُغَةٌ رَابِعَةٌ شَاذَّة: "مُلْطَجِعٌ" باللَّامِ والطَّاءِ غَيرِ مُعْجَمَةٍ، قَال الرَّاجِزُ (¬2): ¬
لَمَّا رَأَى أَنْ لَا دَعَهْ ولَا شِبِعْ مَال إِلَى أَرْطَاةِ حِقْفٍ فَالْطَجَعْ وَقَوْلُهُ [تَعَالى] (¬1): {إذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ}: تأْويلُهُ: إِذَا أَرَدْتُمُ القِيَامَ، فَتَرَكَ ذِكْرَ الإرَادَةِ وهي السَّبَبُ واكتَفَى بِذِكْرِ المُسَبَّبِ عَنْهُ، ومِثْلُهُ قَوْلُهُ [تَعَالى] (¬2): {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} ومِثْلُهُ (¬3): {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} أَي: أَرَدْنَا إِهْلَاكَهَا؛ لأنَّ مَجِيءَ البَأْس إِنَّمَا يَكُوْنُ قَبْلَ الهَلَاكِ، وَقَال ابنُ جِنِّي (¬4) مَعْنَاهُ: إِذَا تَأَهَّبْتُمْ لِلصَّلَاةِ، ونَظَرْتُمْ في أَمْرِهَا، وَلَيسَ يُرَادُ بالقِيَامِ هُنَا المُثُوْلُ الَّذِي هُوَ ضِدُّ القُعُوْدِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلهِمْ: قُمْتُ بالأمْرِ: إِذَا تَوَلَّيتَهُ ونَظَرْتَ فِيهِ كَقَوْلِ ¬
الأعْشَى (¬1) يَقُومُ عَلَى الوَغْمِ فِي قَوْمِهِ ... فَيَعْفُو إِذَا شَاءَ أَوْ يَنْتَقِمْ فإِذَا كَانَ التَّأويلُ عَلَى هَذَا لَمْ يَحْتَجُ إِلَى تَقْدِيرِ الإرَادَةِ، وَلَا وُضِعَ مُسَبَّبٌ مَوْضِعَ سَبَبٍ، وهَذَانِ التَّأويَلَانِ خِلَافُ مَا قَالَهُ زَيدُ بنُ أَسْلَمَ (¬2)؛ لأنَّه جَعَلَهُ قِيَامًا مِنَ النَّوْمِ. - وَ"الكَعْبَانُ" عِنْدَ العَرَبِ: العُقْدَتَانِ اللَّتَانِ في أَسْفَلِ السَّاقِ عَنْ يَمِينِ القَدَمِ وَشِمَالِهَا، وَكُعُوْبُ القَنَاةِ: عِقَدُهَا. وَفِي الحَدِيثِ: "أَقْبَلَ عَلَينَا رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بوَجْهِهِ وَقَال: أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ، فَلَقَدْ رَأَيتُ الرَّجُلَ يُلْزِقُ كَعْبَهُ بِكَعْبِ صَاحِبِهِ" وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الكَعْبَ فِي ظَهْرِ القَدَمِ فَقَدْ أَخْطَأَ. وَكَانَ هُشَيمٌ (¬3) يَقُوْلُ: المُغِيرَةُ بنُ أَبِي بَرْزَةَ بِفَتْحِ البَاءِ والزَّاي (¬4). ¬
[الطهور للوضوء]
- و"الطَّهُوْرُ": بِفَتْحِ الطَّاءِ (¬1) سَوَاءً أَرَدْتَ بهِ المَصْدَرَ أَو المَاءَ، ويُقَالُ لِلإنَاءِ الَّذِي يُتَطَهَّرُ مِنْهُ: مِطْهَرَةٌ بِكَسْرِ المِيمِ؛ لأنَّه آلةٌ لَلْمَاءِ، وَالغَالِبُ عَلَى الآلَاتِ كَسْرُ الأوَائِلِ نَحْوَ: المِحْلَبِ لِلْقِدْحِ الَّذِي يُحْلَبُ فِيهِ، وَالمِكْتَلِ لِلْقُفَّةِ، والمِفْتَحِ، ويُقَالُ: مَطهَرَةٌ -بالفَتْحِ- لأنَّهَا مَكَانُ المَاءِ قَدْ تَضَمَّنَتْهُ فَهِيَ جَارِيَةٌ مَجْرَى الأَمْكِنةِ، وَالمَكَانُ إِذَا جَاءَ عَلَى صِيغَةِ مَفْعَلٍ [فَهُوَ] الثُّلَاثِيُّ كَالمَقْعَدِ والمَذْهَبِ. ويُقَالُ: طَهَرَتِ المَرْأَةُ وطَهُرَتْ -بِفَتْحِ الهَاءِ وَضَمِّهَا- إِذَا انْقَطَعَ عَنْهَا الدَّمُ، فَهِيَ طَاهِرٌ بغَيرِ هَاءٍ، فَإِذَا أَرَدْتَ الطَّهَارَةَ من العُيُوْبِ قُلْتَ [طَاهِرَةٌ -بالهَاءِ-] قَال الكُوْفِيُّونَ: إِنَّمَا [كَانَ] ذلِكَ لأنَّهَا مُنْفَرِدَةٌ، والطُّهْرُ مِنَ الحَيضِ لَا يَشْرَكُهَا فِيهِ المُذَكَّرُ، فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى فَرْقٍ بَينَهَا وَبَينَ المُذَكَّرِ، ويَشْتَرِكُ مَعَهُ في الطَّهَارَةِ مِنَ العُيُوْبِ، وهَذَا خَطَأٌ عِنْدَ البَصْرِيِّينَ؛ لأنَّا قَدْ وَجَدْنَا صِفَاتٍ كَثيرَةً يَشْتَرِكُ فِيهَا المُذَكَّرُ والمُؤنَّثُ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَينَهُمَا كَامْرَأَةٍ عَاشِقٍ ورَجُلٍ عَاشِقٍ وجَمَلٍ ضَامِرٍ ونَاقَةٍ ضَامرٍ، قَال ذُو الرُّمَّة (¬2): وَلَوْ أَنَّ لُقْمَانَ الحَكِيمَ تَعَرَّضَتْ ... لِعَينَيهِ مَيٌّ حَاسِرًا كَادَ يَبْرَقُ والقَوْلُ عِنْدَ البَصْرِيِّينَ فِي هَذَا أَنَّ مَا جَاءَ مِنْ صِفَاتِ المُؤَنَّثِ -بالهَاءِ- فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الفِعْلِ، وَمَا جَاءَ مِنْهُ بِغَيرِ هَاءٍ فَإِنَّهُ عَلَى مَعْنَى النَّسَبِ. [الطَّهُوْرُ لِلْوَضُوْءِ] - وَقَوْلُهُ [- عليه السلام -]: "الحِلُّ مَيتَتُهُ" [12]. يُقَالُ: حِلٌّ وحَلَالٌ كَمَا يُقَالُ: ¬
فِي ضِدَّهِ: حِرْمٌ وَحَرَامٌ، ويُقَالُ في الحَيَوَانِ مَيتَةٌ بالهَاءِ، وفي الأَرْضِ: مَيتٌ -بِغَيرِ هَاءٍ- قَال [الله] تَعَالى (¬1): {إلا أَنْ يَكُونَ مَيتَةً} وَقَال [سُبْحَانَهُ] (¬2): {بَلْدَةً مَيتًا}. - وَمَعْنَى "سَكَبْتُ": صَبَبْتُ. - وَ"أصْغَى". أَمَال، وَكُلُّ شَيءٍ أَصْغَيتُهُ فَقَدْ أَمَلْتَهُ. وَ"الرَّكبُ" جَمْعُ رَاكِبٍ، وأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ في الإبِلِ، وَهُوَ عِنْدَ سِيبَوَيهِ اسْمٌ لِلْجَمَعِ، وَهُوَ عِنْدَ الأخْفَشِ جَمْعٌ، والدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ سِيبَوَيهِ قَوْلُهُم في تَصْغِيرِهِ: رُكَيبٌ، قَال الرَّاجِزُ (¬3): بَنَيتُهُ بِعُصْبَةٍ مِنْ مَالِيَا أَخْشَى رُكَيبًا أَوْ رُجَيلًا عَادِيَا ¬
[ما لا يجب منه الوضوء]
[مَا لَا يَجِبُ مِنْهُ الوَضُوءُ] - و"القَلْسُ": بسُكُوْنِ اللَّامِ- مَصْدَرُ قَلَسَ يَقْلُسُ: إِذَا خَرَجَ إِلَى فَمِهِ أَوْ حَلْقِهِ (¬1) شَيءٌ مِمَّا في جَوْفِهِ طَعَامًا كَانَ أَوْ مَاءً، وإِذَا أَرَدْتَ اسمَ الشَّيءِ الخَارِجِ قُلْتَ: قَلَسٌ مثل الهَدْمِ، تُرِيدُ المَصدَرَ. والهَدَمُ: اسمُ الشَّيءِ المُتَهَدِّمِ. - وأما "القَيئُ" فيَكُوْنُ المَصْدَرُ مِنْ قَاءَ يَقِيئُ، ويَكُوْنُ الشَيءُ الَّذي يُتَقَيَّأُ بِلَا فَرْقٍ بَينَهُمَا فِي اللَّفْظِ، وهَذَا مِمَّا سُمِّيَ بِهِ الشَّيءُ بِفِعْلِهِ الَّذِي يَفْعَلُهُ كَقَوْلهِمْ لِلْعَينِ: طَرْفٌ ولَحْظٌ، ولْلأُذُنِ: سَمْعٌ، وَإِنَّمَا هِيَ في الحَقِيقَةِ مَصَادِرُ مِنْ قَوْلكَ: طَرَفَ وَلَحَظَ وسَمِعَ. [تَرْكُ الوَضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ] - " الصَّهْبَاءُ" [20]. أَرْضٌ بِجِهَةِ خَيبَرَ (¬2)، والسَّهْبَاءُ: بِئْرٌ لِبِنَي سَعْدٍ. والسَّهْبَاءُ: -أَيضًا- بِئْرٌ لِسَعِيدِ بنِ العَاصِي (¬3). - و"السَّويقُ" [20]. طَعَامٌ يُتَّخَذُ مِنْ قَمْحٍ يُحْرَقُ أَوْ شَعِيرٍ (¬4)، ثُمَّ يُدَقُّ فَيَكُوْنُ شبِيهُ الدَّقِيقِ، فَإِذَا احْتِيجَ إِلَى أَكْلِهِ ثُرِّيَ، أَي: بُلَّ بِلَبَنٍ أَوْ مَاءٍ أَوْ رُبٍّ ¬
[جامع الوضوء]
ونَحْو ذلِكَ، وَقَال قَوْمٌ: هُوَ الكَعْكُ. - و"أَبَانٌ" [22]. إِنْ جَعَلْتَ هَمْزَتَهُ أَصْلِيَّةً وأَلِفَهُ زَائِدَةً كَأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ أَبَّنْتُ الرَّجُلَ تَأْبِينًا: إِذَا مَدَحْتَهُ بَعْدَمَوْتهِ، أَوْ مِنْ أبَنْتُهُ: إِذَا اتَّهَمْتَهُ بِسُوْءٍ (¬1) فَهُوَ مَصْرُوْفٌ؛ لأنَّ وَزْنَهُ فَعَالٌ بِمَنْزِلَةِ أَدَاءٍ، فَإِنْ جَعَلْتَهُ فِعْلًا مَاضِيًا سُمِّيَ بِهِ حَكَيتَهُ إِنْ اعتَقَدْتَ أَنَّ فِيهِ ضَمِيرًا فَاعِلًا، وأَجْرَيتَهُ مَجْرَى مَا لا يَنْصَرِفُ إِنْ اعْتَقَدْتَ أَنَّهُ لَا ضَمِيرَ فِيهِ، والَّذِي رَوَينَا فيه الصَّرْفُ. [جَامِعُ الوَضُوءِ] - و"الاسْتِطَابَةُ" [27]. الاستِنْجَاءُ. يَقُالُ: استَطَابَ الرَّجُلُ استِطَابَةً، وأَطَابَ إِطَابَةً، قَال الأَعْشَى (¬2): يَا رَخَمًا قَاظَ عَلَى مَطْلُوبِ يُعْجِلُ كَفَّ الخَارِئِ المُطِيبِ ¬
وَيُرْوَى (¬1): "عَلَى يَنْخُوبِ". - وَقَوْلُهُ - عليه السلام -: "أَوَلَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ ثَلَاثَةَ أحْجَارٍ" [27]. هَذِهِ الوَاوُ عِنْدَ سِيبَوَيهِ (¬2) وأَصْحَابِهِ وَاوُ العَطْفِ دَخَلَتْ عَلَيهَا أَلِفُ الاسْتِفْهامِ، فَأَحْدَثَتْ في الكَلَامِ ضَرْبًا مِنَ التَّقْرِيرِ، وَقَدْ تَكُوْنُ للاسْتِفْهَامِ الَّذِي لا تَقْرِيرَ فيه، وَقَدْ تُحْدِثُ في الكَلَامِ مَعْنَى التَّوْبِيخِ كَقَوْلهِ [تَعَالى] (¬3): {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ [بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ]} (¬4) وَهِيَ تُسْتَعْمَلُ عَلَى وَجْهَينِ: أَحَدُهِمَا: تَقْرِيرُ المُخْبِرِ عَلَى بَعْضِ مَا أَخْبَرَ بِهِ (¬5). والثَّانِي: عَطْفُ كَلَامِ المُخَاطَبِ عَلَى كَلَامِ المُحَدِّثِ. أَمَّا التَّقْرِيرُ فَمِثْلِ أَنْ يَقُوْلَ قَائِلٌ: جَاءَنِي زَيدٌ وَقَال لِي كَذَا وَكَذَا، فَيقُوْلُ لَهُ المُخَاطَبُ: أَوَ قَال لَكَ هَذَا؟ فَتَسْتفْهِمُهُ عَنْ بَعْضِ كَلَامِهِ وَيَتْركَ بَعْضَهُ. وأَمَّا العَطْفُ: فَكَقَوْلِ القَائِلِ: جَاءَنِي زَيدٌ، فَيقُولُ المُخَاطَبُ: أَوَ أَقَامَ؟ كَأَنَّهُ أَرَادَ عَطْفَ القِيَامِ عَلَى المَجِيئِ الَّذِي نَطَقَ بِهِ المُخْبِرِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْهُ عَلَى ثِقَةٍ ¬
فاسْتمهَمَهُ عَنْهُ، وَقَدْ يَكُوْنُ مِنْهُ عَلَى ثِقَةٍ وَيَسْتَفْهِمُهُ علَى جِهَةِ التَّقْرِيرِ أَو التَّوْبِيخِ أَوْ نَخو ذلِكَ مِنَ المَعَانِي، وَزَعَمَ بَعْضُ النَّحْويِّينَ أَنَّ الوَاوَ في هَذ المَوَاضِعَ زَائِدَةٌ (¬1)، وَزَعَمَ بَعْضُهُم (¬2) أَنَّها "أَوْ" حُرِّكَتْ وَاوُهَا، وَلَا وَجُهَ لِدُخُوْلِ "أَوْ" في هَذِهِ المَوَاضِعَ. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا الوَاوُ العَاطِفَةُ كَمَا قَال سِيبَوَيهِ: أَنَّا وَجَدْنَاهُمْ قَدْ أَدْخَلُوْهَا عَلَى فَاءِ العَطْفِ في نَحْو قَوْلهِ [تَعَالى] (¬3): {أَفَكُلَمَا جَآءكُمْ} وَعَلَى "ثُمَّ" في نَحْو قَوْلهِ [تَعَالى] (¬4): {أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ} ومَعْنَى قَوْلهِ: "أَوَلَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ": أَوليسَ يَجِدُ أَحَدُكُمْ، فَهُوَ كَلَامٌ مَعْنَاهُ التَّقْرِيرُ كَقَوْلهِ تَعَالى (¬5): {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ}. - ويُقَالُ: مَقْبُرَةٌ ومَقْبَرَةٌ (¬6). - وَقَوْلُهُ رحمه الله: "وَإنَّا إنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُوْنَ" [28]، . فِيهُ وَجْهَان: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُوْنَ أَرَادَ لَاحِقُوْنَ في الإِيمَانِ، لَا في المَوْتِ، تَوَقِّيًا مِنَ الفِتنةِ ¬
في الدِّينِ كَمَا قَال إِبْرَاهِيمُ (¬1): {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ}، هو وَكَمَا قَال يُوْسُفُ (¬2): {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا [وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ]} (¬3)، وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْويلِ قَولُهُ [- صلى الله عليه وسلم -]: "يَا مُقَلِّبَ القُلُوْبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى طَاعَتِكَ". وَالوَجْهُ الآخَرُ (¬4): أَنَّ العَرَبَ قَدْ تُشَبِّهُ "إِنْ" الَّتِي لِلْشَّرْطِ بـ "إِذَا" الزَّمَانِيَّةِ كَمَا تُشَبِّهُ "إِذَا " في بَعْضِ المَوَاضِعِ بـ "إِنْ"؛ لِأَنَّ "إِذَا" تُضَارِعُ "إِنْ" في أَنَّها تَحْتَاجُ إِلَى جَوَابٍ، والشَّيئَانِ إِذَا تَضَارَعَا فَقَدْ يُحْمَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، فَمِمَّا شُبِّهَتْ فِيهِ "إِنْ " بـ "إِذَا" قَوْلُهُ [تَعَالى] (¬5): {إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ}، وَقَوْلُ الشَّاعِرِ (¬6): فَإِنْ لَا يَكُنْ جِسْمِي طَويلًا فَإِنَّنِي ... لَهُ بالفِعَالِ الصَّالِحَاتِ وَصُوْلُ وَطُوْلُ جِسْمِهِ شَيءٌ قَدْ وُجِدَ وَكَانَ، ولَيسَ مِمَّا يُمْكِنْ أَنْ يَكُوْنَ وَأَنْ لَا يَكُوْنَ فَيَصِحُّ الشَّرْطُ بِه، وإِنَّمَا أَرَادَ: فَإِذَا لَمْ يَكُنْ، وَمِمَّا شُبِّهَتْ فِيهِ "إِذَا" بـ "إِنْ" قَوْلُ ¬
[أَوْسِ بنِ حَجَرٍ] (¬1): إِذَا أَنْتَ لَمْ تُعْرِضْ عَنِ الجَهْلِ والخَنَا ... أَصَبْتَ حَلِيمًا أَوْ أَصَابَكَ جَاهِلُ وإِعْرَاضُهُ عَنِ الجَهْلِ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يَكُوْنَ، ويُمْكِنُ أَنْ لَا يَكُوْنَ، وهَذَا مِنْ مَوَاضِعِ "إِنْ" لَا مِنْ مَوَاضِعِ "إِذَا"؛ لأنَّ "إِذَا" إِنَّمَا بَابُهَا أَنْ تُسْتَعْمَلَ في الأُمُوْرِ الَّتِي وُقُوْعُهَا مَضْمُوْنٌ كَقَوْلِهِ: إِذا احْمَرَّ البُسْرُ فَأتِنِي، وإِذَا كَانَ اللَّيلُ فَالْقَنِي. - والفَرَطُ والفَارِطُ: الَّذِي يُقَدِّمُهُ القَوْمُ أَمَامَهُم إِذَا أَرَادُوا وُرُودَ المَاءِ ليُصْلحَ الأرْشِيَةَ لَهُمْ، ويَمْدُرَ الحَوْضَ، ويَسْتَقِيَ المَاءَ، فضُرِبَ مَثلًا لِكُلِّ مَنْ تَقَدَّمَ، ومِنْهُ فِي الدُّعَاءِ لِلطَّفْلِ "اجْعَلْه لنَا فَرَطًا" أي: أَجْرًا نَرِدُ عَلَيهِ، ومِنْهُ قَوْلُ القُطَامِيِّ (¬2): فَاسْتَعْجَلُوْنَا وَكَانُوا مِنْ صِحَابَتِنَا ... كَمَا تَعَجَّلَ فُرَّاطٌ لِوُرَّادِ - و"الغُرَّةُ": بَيَاضٌ فَوْقَ الدِّرْهَمِ يَكُوْنُ فِي الجَبْهَةِ (¬3)، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَهُوَ قُرْحَةٌ. - و"التَّحْجِيلُ" [28]. بَيَاضٌ يَبْلُغُ نِصفَ الوَظِيفِ أو ثُلُثَهُ أَوْ ثُلُثيهِ بَعْدَ أَنْ يَتَجَاوَزَ الأرْسَاغَ، وَلَا يَبْلُغُ الرُّكْبَتينِ والعُرْقُوْبَينِ، ولَا يَكُوْنُ التَّحْجِيلُ وَاقِعًا بِيَدٍ أَوْ يَدَينِ حَتَّى يَكُوْنَ مَعَهَا رِجْل أَوْ رِجْلَانِ. ¬
- و"الدُّهْمُ": الشَّدِيدة الخُضْرَةِ حَتَّى تُشْبِهِ السَّوَادَ. - و"البُهْمُ": جَمْعُ بَهِيمٍ، وَهُوَ الَّذِي لَا شِيَةَ فِيهِ وَلَا وَضَحَ أَيَّ لَوْنٍ كَانَ، والأَصْلُ بُهُمٌ، فَسَكِّنَ لِتَتَابُعِ الضَّمَّتَينِ كَعُنُقٍ وَعُنْقٍ. - و"فَليُذَادَانَّ" "فَلْيَدْفَعَنَّ" و"لْيَمْنعنَّ": اللَّامُ لَامُ القَسَمِ، كَأَنَهُ قَال: فَواللهِ لَيُذَادَنَّ، أَي: إِنَّ هَذَا سَيَكُوْنُ لَا مَحَالةَ، وَكَذلِكَ كُلُّ فِعْلٍ مُضَارعٍ تَدْخُلُ أَوَّلِهِ اللَّامُ مَعَ النُّوْنِ الثَّقِيلَةِ أَو الخَفِيفَةِ فَإِنَّمَا هُوَ عَلَى نِيَّهِ القَسَمِ كَقَوْلهِ [تَعَالى] (¬1): {وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا}، {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ} (¬2)، ويُرْوَى (¬3): "فَلَا يُذَادَنَّ" عَلَى مَعْنَى النَّهْيِ، وذلِكَ أَنَّ العَرَبَ قَدْ تُوْقِعُ النَّهْيَ عَلَى الفِعْلِ ومُرَادُهَا غَيرَهُ، إِذَا كَانَ أَحَدُ الفِعْلَينِ مُتَعَلِّقًا بالآخَرِ يُوْجَدُ بِوُجُوْدِهِ ويَرْتَفِعُ بارْتفِاعِهِ، فَتَقُوْلُ لِلرَّجُلِ: لَا يَضْرِبَنَّكَ زَيدٌ، ولَا يَأْكُلَنَّكَ الأسَدُ، أَي: لَا تَتَعَرَّضَ لِذلِكَ الشَّيءِ، بَأَنْ تَفْعَل (¬4) فِعْلًا يُؤدِيكَ إِلَيهِ؛ وَذلِكَ أَنَّ التَّعَرُّضُ لِضَرْبِ زَيدٍ، وأَكْلِ السَّبُعِ إِيَّاهُ هُوَ السَّبَبُ المُوْجِبُ لِلضَّرْبِ، وَالأكْلُ وَالضُّرْبُ مُسَبَّبَانِ عَنْهُ، فَإِذَا لَمْ يَقَعِ السَّبَبُ لَمْ يَقَعِ المُسَبَّبُ، وَمِنْ هَذَا البَابِ قَوْلُهُ [تَعَالى] (¬5): {فَلَا تَمُوتُنَّ} وَلَيسَ (¬6) المَوْتُ بِفِعْلٍ لَهُم فَيُنْهَوا عَنْهُ، ولكِنَّهُ السَّبَبُ الَّذِي مِنْ أَجْلِ تَوَقُّعِهِ ¬
يَجِبُ عَلَى الإنْسَانِ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الإسْلَامِ، ويُقَدِّمَ الأعْمَال المَرْضِيَّةَ، والمَعْنَى: لَا يَجِدَنَّكُمُ المَوْتُ إِذَا جَاءَكُم إِلَّا عَلَى هَذ الحَالِ، ونَظِيرُ هَذَا قَوْلُ النَّابِغَةِ (¬1): * لَا أَعْرِفَنْ رَبْرَبًا ... البيت * فَأَوْقَعَ النَّهْيَ عَلَى نَفْسِهِ وهو يُرِيدُ المُخَاطَبِينَ، والمَعْنَى: لَا تَتَعَرَّضُوا لأَنْ أُعْرِفَكُمْ هكَذَا. ويُروى: "لأَعْرِفَنَّ" عَلَى القَسَمِ كَأَنَّهُ قَال: واللهِ لأعْرِفَنَّ هَذَا و [مثله قَوْلُهُ تَعَالى]: (¬2) {لَّيَكُوُننَّ}، ومِنْهُ قَوْلُ عَبِيدِ بنِ الأبْرَصِ (¬3): لَا أَعْرِفَنَّكَ بَعْدَ المَوْتِ تَنْدُبُنِي ... وَفِي حَيَاتِيَ مَا زَوَّدْتَنِي زَادِي وَيُرْوَى: "لأَعْرِفَنَّكَ". - قَوْلُهُ: "هَلُمَّ": هَذِهِ اللُّغَةُ الفَصِيحَةُ [القُرَشِيَّة] (¬4)، لَا يُلْحِقُوْنَ "هَلُمَّ" ضَمِيرَ الاثْنَينِ، ولَا الجَمَاعَةِ ولا المُؤَنَّثِ ويَدَعُوْنَهَا مُفْرَدَةً عَلَى كلِّ حَالٍ؛ لأنَّها مُرَكَّبَةٌ مِنْ "هَا" الَّتِي هِيَ للتَّنْبِيهِ و "لُمَّ" الَّتِي بِمَعْنَى الأمْرِ فَغَلَبَ عَلَيهَا مَعْنَى الحَرْفِيَّةِ وشِبْهِهَا، وعَلَى هَذِهِ اللُّغَةِ جَاءَ القُرْآنُ قَال اللهُ تَعَالى (¬5): {هَلُمَّ إِلَينَا} ¬
وبَنُو تَمِيمٍ يُجْرُونَهَا مَجْرَى الفِعْلِ فَيقُوْلُوْنَ: هَلُمَّ يَا رَجُلُ لِلْمُفْرَدِ المُذَكَّرِ، وهَلُمَّا يَا رَجُلَانِ، وهَلَمُّوا يَا رِجَالُ، وهَلِمِّي يا امْرَأَةُ، وهَلمُمْنَ يَا نِسَاءُ. - "السُّحْقُ": هُوَ: البُعدُ، مَضْمُوْمُ الحَاءِ وسَاكِنُهَا، لُغَتَانِ. أَسْحَقَهُ الله إِسْحَاقًا: أَبْعَدَهُ، ومَكَانٌ سَحِيقٌ: بَعِيدٌ. - و"المَقَاعِدُ": المَصَاطِبُ كَانَتْ حَوْلَ المَسْجِدِ، يُقعَدُ عَلَيهَا، وَقِيلَ: كَانَتْ حِجَارَةً بِقُرْبِ دَارِ عُثْمَانَ وَاحِدُهَا مَقْعَدٌ والمَقْعَدُ: اسمٌ لِكُلِّ مَكَانٍ يُقْعَدُ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ مَكَانًا يُقَامُ فِيهِ عَلَى الأقْدَامِ قِيلَ لَهُ: مَقَامٌ، [وَقَدْ يُسَمَّى مَقْعَدًا]. قَال اللهُ تَعَالى (¬1): {تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ [مَقَاعِدَ]} وَقَدْ قِيلَ مَعْنَاهَا هَهُنَا -أَعْنِي فِي الآيَةِ-: مِنْ قَوْلكَ: قَعَدَ فُلَانٌ لِفُلانٍ: إِذَا أَعَدَّ لَهُ مَا يَقْعُدُ عَلَيهِ، قَال الشَّاعِرُ (¬2): لأصحَبَنْ ظَالِمًا حَرْبًا رُبَاعِيَّةً ... فَاقْعُدْ لَهَا وَدَعَنْ عَنْكَ الأظَانِينَا وَقَدْ يَجُوْزُ أَنْ تكوْنَ المَقَاعِدُ في الآيةِ مِنْ قَوْلهِمْ: قَعَدَ عَلَى الفَرَسِ والنَّاقَةِ واقْتَعَدَهُمَا: إِذَا رَكِبَهُمَا ويُقَالُ لِلْفَرَسِ الَّذِي يُتَّخَذُ لِلْرُّكُوْبِ: قِعْدَةٌ، قَال النَّابِغَةُ (¬3): ¬
قُعُوْدًا عَلَى آلِ الوَجِيهِ وَلَاحِقٍ ... يُقِيمُونَ حَوْليَّاتِهَا بالمَقَارعِ -[قَوْلُهُ]: "فَآذَنَهُ بِصَلَاةِ العَصْرِ" [29]. أَعْلَمَهُ بِحْضُوْرِ وَقْتِهَا، يُقَالُ: آذَنْتُهُ بالأَمْرِ إِيذَانًا؛ أي: أَعْلَمْتُهُ وآذَنَ هُوَ بِهِ، أي: عَلِمَ. - و"الزّلَفُ": السَّاعَاتُ، وَاحِدُهَا زلْفَةٌ، وَسُمِّيَتْ بِذلِكَ مِنَ الازْدِلَافِ وَهُوَ القُرْبُ، وَالسَّاعَاتُ يَقْرُبُ بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ويَتَّصِلُ بِهِ، والزُّلْفَى إِلَى الله [سُبْحَانُهُ]: القُرْبَةُ إِلَيهِ، ومِنْهُ المُزْدَلَفَةُ. - وَ"الأَشْفَارُ": حُرُوْفُ الأَجْفَانِ وأَطْرَافُهَا الَّتِي يَنْبُتُ عَلَيهَا الشَّعْرُ، وَاحِدَتُهَا: شُفْرٌ وشَفْرٌ، شُفْرُ كُلِّ شَيءٍ حَرْفُهُ، كَذلِكَ شَفِيرُهُ، وَمِنْهُ شُفْرُ الرَّحِمِ، وشَفِيرُ الوَادِي، وَقَدْ يُسَمَّى الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى الشَّفْرِ شَفْرًا، سُمِّيَ بِمَنْبَتِهِ مِنْ بَابِ تَسْمِيةِ الشَّيءِ باسْمِ الشَّيءِ إِذَا كَانَ مِنْهُ بِسَبَبٍ، كقَوْلهِمْ لِلْمَرأَةِ: ظَعِينَةٌ، وإِنَّمَا الظَّعِينَةُ: الهَوْدَجُ يُظْعَنُ بِهَا فِيهِ، وَقِيلَ: بَلْ الضَّعِينَةُ لِلْمَرْأَةِ، ويُسَمَّى الهَوْدَجُ بِهَا. والظَّاهرُ مِنْ حَدِيثِ الضُّنَابِحِيِّ (¬1) أَنَّه أَرَادَ بالأَشْفَارِ: الشَّعْرُ، لَا حَرُوْفُ الأَجْفَانِ. - وَقَوْلُهُ: "رَأَيتُ رَسُوْلَ الله - صلى الله عليه وسلم - وَحَانَتْ صَلَاةُ العَصْرِ" [32]. المَعْنَى: وَقَدْ حَانَتْ، وَلَابُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ "قَدْ" ههنَا؛ لأنَّ الجُمْلَةَ في مَوْضِعِ الحَالِ؛ لأنَّه إِنَّمَا أَرَادَ: رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ [- صلى الله عليه وسلم -]، فِي هَذِهِ الحَالِ، والمَاضِي لَا يَصْلُحُ أَنْ يَقَعَ حَالًا إِلَّا أَنْ تكُوْنَ مَعَهُ "قَدْ" مُظْهَرَةً أَو مُضْمَرَة (¬2)، وَلِذلِكَ قَال النَّحْويُّونَ فِي قَوْلهِ ¬
تَعَالى (¬1): {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ}: قَدْ حَصِرَتْ. - وَ"الخَطْوَةُ" و"الخُطْوَةُ" [33]. المَصْدَرُ مِنْ خَطَوْتُ، وَهِيَ المَرَّةُ الوَاحِدَةُ مِنَ الخَطْو. وفَرَّقَ الفَرَّاءُ بَينَهُمَا فَقَال: بالفَتْحِ المَصْدَرُ، وبالضَمِّ مَا بَينَ القَدَمَينِ (¬2). - و"السَّعْيُ" المَشْيُ سَرِيعًا كَانَ أَوْ غَيرَ سَرِيع لكِنَّهُ فِي هَذَا الحَدِيثِ بِمَعْنَى السُّرْعَةِ، وكَثيرٌ مِنَ النَّاسِ يَعْتَقِدُوْنَ أنَّه السَّيرُ السَّرِيع خَاصَّةً، والدَّلِيلُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ قَوْلُهُ [تَعَالى] (¬3): {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ}، وَقَوْلُهُ [تَعَالى] (¬4): {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} وَقَوْلُهُ: سَعَى فُلَانٌ في الأَمْرِ يَجُوْزُ أَنْ يَكُوْن بإسْرَاعٍ وغَيرِ إِسْرَاع، وَقَال [تَعَالى] (¬5): {يُخَيَّلُ إِلَيهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى}، وَقَوْلُهُ [تَعَالى] (¬6): {وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8)} وَمَا رُويَ عَنْ عُمَرَ وابنِ مَسْعُوْدٍ من قِرَاءَتِهِمَا (¬7): {فامْضُوْا ¬
إلى ذِكْرِ اللهِ}، وَقَوْلهِمَا لَوْ قَال: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} لَسَعَيتُ حَتَّى يَسْقُطَ رِدَائِي، قِيلَ لَهُ: قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُوْنَ لُغَةُ عَمَرُ وَقَوُمِهِ استِعْمَالُ السَّعْي بِمَعْنَى العَدْو، فَالعَرَبُ تَخْتَلِفُ لَغَاتُهُم حَتَّى إِنَّ الجَوْنَ عِنْدَ بَعْضِهِمُ الأَسْوَدُ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمُ الأَبْيَضُ (¬1)، وأَنَّ العَنْوَةَ عِنْدَ خُزَاعَةَ: الصُّلْحُ والمُسَالمَةُ، وعِنْدَ سَائِرِ العَرَبِ القَهْرُ والغَلَبَةُ (¬2)، قَال كَثَيِّرٌ -وهُوَ خُزاعِيٌّ-: ¬
فَمَا أَسْلَمُوهَا عَنْوَةً عَنْ مَوَدَّةٍ ... وَلكِنْ بِحَدٍّ المَشْرَفِيِّ اسْتَقَالهَا - وَقَوْلُهُ: "وَلَنْ تُحْصُوَا" [36]. الإحْصَاءُ فِي هَذَا المَوْضِعُ بِمَعْنَى القُدْرَةِ والطَّاقَةِ، كَقَوْلِهِ [عَزَّ وجَلَّ] (¬1): {[عَلِمَ] أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ}، وَقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةِ". وَحَقِيقَةُ الإحْصَاءِ: إِحَاطَةُ العِلْمُ بالشَّيءِ حَتَّى لَا يَشِذَّ عَنْهُ شَيءٌ، وَذلِكَ مِمَّا يَشُقُّ في أَكْثَرِ الأُمُوْرِ وَيَتَعَذَّرُ، فَضُرِبَ مَثَلًا في عَدَمِ الطَّاقَةِ والعَجْزِ عَنِ الشَّيءِ. - "نَعَمْ" و"نَعِمْ": لُغَتَانِ، والوَجْهُ أَنْ يُقَال هُنَا: نَعِمْ -بِكَسْرِ العَينِ- وبالكَسْرِ (¬2) [لُغَةُ عُمَر بنِ الخَطَّابِ ... ] لأنَّ الرُّوَاةَ رَوَوا أَنَّ أَعْرَابِيَّةً وَقَفَتْ عَلَى عُمَرَ وأَنْشَأَتْ تَقُوْلُ (¬3): ¬
[العمل في الرعاف]
يَا عُمَرَ الخَيرِ رُزِقْتَ الجَنَّهْ اكْسُ بَنَاتِي وأُمُّهُنَّهْ وأَرْدُدْ عَلَينَا إِنَّ إِنَّ إِنَّهْ أَقْسَمْتُ بِاللهِ لَتَفْعَلَنَّهْ فَقَال عُمَرُ: نَعِمْ نَعِمْ نَعِمْ، وَكَانَ مِنْ لُغَتِهِ الكَسْرُ. [العَمَلُ في الرُّعَاف] يُقَالُ: رَعَفَ ورَعُفَ (¬1) يَرْعُفُ ويَرْعَفُ رَعْفًا رُعَافًا، وَهُوَ المَشْهُوْرُ، ¬
وَحُكِيَ في المَاضِي رَعُفَ وَرَعِفَ بالرَّفْعِ والكَسْرِ، ولَا يُقَالُ: رُعِفَ على صِيغَةِ مَا لَمْ يُسَمِّ فَاعِلُهُ، وَكَانَ الأصْمَعِيُّ يَقُوْلُ: رَعَفَ، ولَا يُجِيزُ غَيرَ ذلِكَ، وَهُوَ القِيَاسُ بِدَلِيلِ قَوْلهِم في المَصْدَرِ: رُعَافٌ؛ وفُعَالٌ إِنَّمَا يَأْتِي مِنْ فَعَلَ المَفْتُوحِ العَينِ كَالسُّعَالِ وَالنُّبَاحِ وَالصُّرَاخَ، وَلَا يَكَادُ يُوْجَدُ مِنْ فَعِلَ المَكْسُوْرِ العَينِ وَلَا المَضْمُوْمِهَا (¬1) بِهَذَا المِثَالِ. ويُرْوَى أَنَّ سِيبَوَيهِ قَال لِحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ مَا تَقُوْلُ في رَجُلٍ رَعُفَ في الصَّلَاةِ؟ فَقَال لَهُ حَمَّادٌ: لَحَنْتَ يَا سِيبَوَيهِ! لَا تَقُلْ: رَعُفَ -بِضَمِّ العَينِ- إِنَّمَا قُلْ: رَعَفَ -بِفَتْحِ العَينِ- فَخَجَلَ سِيبَوَيهِ، وَقَال: سَأقرَأُ عِلْمًا لَا تُلَحِّنُنِي فِيهِ، ونَهَضَ إِلَى الخَلِيلِ فَشَكَى إِلَيهِ قِصَّتَهُ، فَقَال الخَلِيلُ: رَعَفَ هي الفَصِيحَةُ، ورَعُفَ لُغَةٌ غَيرُ فَصِيحَةٍ أَعْنِي بِضَمِّ العَينِ، وَلَزِمَ سِيبَوَيهِ الخَلِيلَ فَكَانَ سَبَبَ بَرَاعَتِهِ في صِنَاعَةِ النَّحْو (¬2) وأَصْلُ الرَّعْفِ: التَّقَدُّمُ وَالسَّبْقُ، يُقَالُ: رَعَفَ ¬
الفَرَسُ الخَيلَ (¬1): إِذَا تَقَدَّمَهَا. وقِيلَ لَهُ: رُعَافٌ؛ لأنَّه دَمٌ يَنْدُرُ مِنَ الأنْفِ وَيَنْدَفِعُ، قَال الأَعْشَى (¬2): بِهِ تَرْعُفُ الألْفُ إِذْ أُرْسِلَتْ ... غَدَاةَ الصَّبَاحِ إِذَا النَّقْعُ ثَارَا - وَقَوْلُ عُمَرَ: "ولَا حَظَّ في الإسْلَامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ" [51]. يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّه لَا كَبِيرَ حَظٍّ لَهُ في الإسْلَامِ، وَلَمْ يَنْفِهِ عَنْهُ جُمْلَة، كَقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا صَلَاةَ لِجَارِ المَسْجِدِ إلَّا في المَسْجِدِ"، و"لَا إيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ" وَنَحْو ذلِكَ مِمَّا أُرِيدَ [بِهِ] نَفْيُ الكَمَال والتَّمَامَ لا نَفْيَ الأَمْرِ كُلِّهِ. والعَرَبُ تَحْذِفُ الصِّفَةَ وَهِيَ تُرِيدُهَا إِذَا فُهِمَ المَعْنَى، فَتَقُوْلُ: فُلَانٌ رَجُلٌ وَهَذَا ثَوْبٌ، أَي: رَجُلٌ كَامِلٌ، وَثَوْبٌ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُقَال لَهُ ثَوْبٌ، ولَا يُرِيدُوْنَ أَنَّه وَاحِدٌ مِنَ الرِّجَالِ وَالثِّيَابِ؛ لأنَّ ذلِكَ لَا فَائِدَةَ فِيهِ، ونَحْوُهُ قَوْلُ الهُذَلِيِّ (¬3): ¬
أَمَا وَأَبِي الطَّيرِ المُرِبَّةِ بالضُّحَى ... عَلَى خَالِدٍ لَقَدْ وَقَعْنَ عَلَى لَحْمِ أي: عَلَى لَحْمٍ جَلِيلٍ. - وَقَوْلُهُ: "مِنَ اللَّيلَةِ الَّتِي طُعِنَ فِيهَا" [51]. أَي: "صُبْحًا" مِنَ اللَّيلَةِ، فَحَذَفَ اخْتِصَارًا، كَقَوْلكَ: اشْتَرَيتُ مِنَ الثِّيَابِ. تُرِيدُ ثَوْبًا مِنَ الثِّيَابِ ونَحْوُهُ قَوْلُ النَّابِغَةِ (¬1): كَأَنَّكَ مِنْ جِمَالِ بَنِي أُقَيشٍ ... يُقَعْقَعُ خَلْفَ رجْلَيهِ بِشَنِّ أَرَادَ: كَانَّكَ جَمَلٌ مِنْ جِمَالِ بَنِي ... ويَشْهَدُ لِهذَا التَّأْويلِ قَوْلُهُ: "وَأَيقَظَ عُمَرُ لِصَلَاةِ الصُّبحِ". ويَجُوْزُ أَنْ تكُوْنَ "مِنْ" بِمعْنَى "في"، كَمَا قَال امْرُؤُ القَيسِ (¬2): ¬
[الرخصة في ترك الوضوء من المذي]
* ... فِي ثَلَاثَةِ أَحْوَالِ * أَي: مِنْ. - و"يَثْعَبُ": ينْفَجِرُ. ثَعْبُ المَاءِ، ومَثْعَبُ الحَوْضِ: الثُّقْبُ الَّذِي يَسِيلُ مِنْهُ المَاءُ. [الرُّخْصَةُ في تَرْكِ الوَضُوْءِ مِنَ المَذْيِ] - و"المَذْيُ": مَا يَخْرُجُ من الذَّكَرِ عِنْدَ المُدَاعَبَةِ. - و"الوَدْيُ": مَا يَخْرُجُ مِنْهُ بَعْدَ البَوْلِ. - و"المَنِيُّ": مَا يَخْرُجُ عِنْدَ الجِمَاعِ، يُقَالُ: مَنَى وأَمْنَى، وأَوْدَى، وَوَدَى، ومَذَى، وأَمْذَى. وَقَدْ أُنكِرَ أَوْدَى. ورَأَيتُ الأبْهَرِيَّ (¬1) قَدْ حَكَى أَنَّهُ يُقَالُ: وَذَى بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ، وَلَا أَعْلَمُ مِنْ أَينَ قَالهُ؟ وَقَال المُطَرِّزُ في "اليَوَاقِيتِ" (¬2): ¬
أَخْبَرَنَا ثَعْلَبٌ عَنِ ابنِ الأعْرَابِيِّ (¬1)، قَال: يُقَالُ: المَذْيُ والمَذِيُّ والوَدْيُ والوَديُّ، والمَنْيُ والمِنَيُّ، ويُقَالُ: مَذَى وأَمْذى، ومَذِّى، والأوَّلُ أَفْصَحُ، وَوَدَى وأَوْدَى وَوَدَّى والأوَّلُ أَفْصَحُ، ومَنَى وأَمْنَى ومَنَّى والأوَّلُ أَفْصَحُ. والمَنْيُ: مِنْ مَنَى اللهُ الشَّيءَ، إِذَا قَدَّرَهُ وهَيَّأَهُ، سُمِّيَ بِذلِكَ؛ لأنَّ اللهَ قَدَّرَهُ وَهَيَّأهُ ¬
لِيَكُوْنَ مِنْهُ المَوْلُوْدُ. وسُمِّيَ المَذْيُ مَذْيًا لِبَيَاضِهِ شَبِّهَ بالعَسَلِ المَاذِيِّ، وَهُوَ الأَبْيَضُ، ويُشْبِهُ أَنْ يَكُوْنَ مِنْ قَوْلهِمْ: مَذَيتُ فَرَسِي وَأَمْذَيتُهُ: إِذَا أَرْسَلْتُهُ لِيَرْعَى وَتَرَكْتُهُ يَذْهَبُ حَيثُ شَاءَ، والوَدْيُ: مِنْ قَوْلهِم: وَدَى الشَّيءُ: إِذَا سَال، ومِنْهُ الوَادِي لِسَيَلَانِهِ بالمَاءِ. - وَ"النَّضْحُ" [57]. في كَلَامِ العَرَبِ قَدْ يَكُوْنُ رَشًّا وَ [قَدْ] يَكُونُ غَسْلًا، والمُرَادُ بِهِ مِنْ هَذَا الحَدِيثِ الغَسْلُ، يُقَالُ: نَضَحَتِ العَينُ: إِذَا فَارَتْ مَاءً، ولِلْحَوْضِ المُمْتَلِئِ مِنَ المَاءِ: نَضْحٌ ونَضِيحٌ، ونَضَحَ البَعِيرُ: إِذَا سَنَى وأَخْرَجَ المَاءَ مِنَ البِئْرِ. - وَقَوْلُهُ: "مِثْلُ الخُرَيزَةِ" [54]. كَذَا الرِّوَايَةُ، وهي: [تَصْغِيرُ] (¬1) خَرَزَةٍ، وَهِيَ حِجَارَةٌ جَمَعَتْ سَوَادًا وَبَيَاضًا وتُسَمَّى: الوَدَعَةَ، والوَدْعَةُ: تُعَلَّقُ في أَعْنَاقِ الصِّبْيَانِ. وَقَدْ رَوَاهُ قَوْمٌ: "الخَرَزَةُ". - ويُقَالُ: رُخُصَةٌ ورُخْصَةٌ بِضَمِّ الرَّاءِ فِيهما، وضَمِّ الخَاءِ وإِسْكَانِهَا، حَكَاهُمَا يَعْقُوْبُ (¬2) وغَيرُهُ، ولَا يُقَالُ: رُخَصَةٌ بِضَمِّ الرَّاءِ مَعَ فَتْحُ الصَّادِ. - يُقَالُ: لَهَيتُ عَنِ الشَّيء أَلْهِي: إِذَا غَفَلْتَ عَنْهُ. وَقَال الرِّيَاشِيُّ (¬3): ¬
سَألْتُ أَعْرَابِيًّا عَنْ مَصْدَرِ لَهَيتُ فَقَال: لَهَيَانًا، وَفِي الحَدِيثِ: "إِذَا اسْتَأْثَرَ اللهُ بالشَّيءِ فالْهُ عَنْهُ" ويُقَالُ في اللَّعِبِ: لَهَوْتُ أَلْهُو، واسْمُ الفاعِلِ مِنْهَا جَمِيعًا: لَاهٍ. - قَوْلُهُ: "قُبْلَةِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ" [64]. كَانَ الوَجْهُ أَنْ يُقَال: تَقْبِيلُ فَيَأْتِي بالمَصْدَرِ الَّذِي يَعْمَلُ عَمَلَ الفِعْلِ، والقُبْلَةُ اسمٌ لا يَعْمَلُ شَيئًا، ولَكِنَّ العَرَبَ رُبَّمَا أَجْرَوا الاسْمَ في بَعْضِ المَواضِعِ مَجْرَى المَصَادِرِ الَّتِي تَعْمَلُ عَمَلَ الفِعْلِ، قَال الله سُبْحَانَهُ (¬1): {يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا} فَوَضعَ المَتَاعَ مَوْضعَ التَّمْتِيع، وكَذلِكَ أَجْرَوا العَطَاءَ مَوْضِعَ الإِعْطَاءِ، قَال القُطَامِيُّ (¬2): * وَبَعْدَ عَطَائِكَ المَائَةَ الرِّتَاعَا * ¬
[العمل في غسل الجنابة]
[العَمَلَ في غَسْلِ الجَنَابَةِ] والغَسْلُ: المَصْدَرُ، وَهُوَ فِعْلُ الغَاسِلِ؛ والغُسْلُ بِضَمِّ الغَينِ: اسْمُ المَاءِ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ، والغِسْلُ -بِكَسْرِهَا-: اسمُ الشَّيءِ الَّذِي يُغْسَلُ بهِ الدَّرَنُ من طَفَلٍ وصَابُوْنٍ وغَيرِهِمَا، وكَثيرٌ مِنَ الفُقَهَاءِ والعَامَّةِ يَقُوْلُوْنَ: غُسْلٌ، ويُرِيدُوْنَ فِعْلَ الغَاسِلِ (¬1)، ولَا أَعْرِفُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ قَالهُ، والغَسْلُ: يَكُوْنُ بِتَدَلُّكٍ، وبِغَيرِ تَدَلُّكِ يُقَالُ: غَسَلَتْنَا السَّمَاءُ وغَسَل المَطَرُ الأرْضَ، وغَسَلَهُ العَرَقُ. قَال طُفَيلٌ الغَنَويُّ (¬2): تَقْرِيبُهَا المَرَطَى والجَوْزُ مُعْتَدِل ... كَأَنَّهَا سُبَدٌ بِالمَاءِ مَغْسُوْلُ والسُّبَدُ: طَائِرٌ لَيِّنُ الرِّيشِ لَا يَثْبُتُ عَلَيهِ المَاءُ. وَقِيلَ: هَيَ الخَصَفَةُ تَكُوْنُ عِنْدَ البِئْرِ. وَأَصْلُ الجَنَابَةِ: البُعْدُ عَنِ الطَّهَارَةِ؛ سُمِّيَتْ بِذلِكَ لأنَّ الجُنُبَ يَتَجَنَّبُ مَوَاضِعَ التَّعَبُّدِ وأَعْمَالهُ حَتَّى يَغْتَسِلَ. والمَشْهُوْرُ في فِعْلِهَا أَجْنَبَ الرَّجُلُ رُبَاعِيًّا، وَحَكَى أَبُو إِسْحَاق (¬3): أَجْنَبَ وَجَنِبَ بِكَسْرِ العَينِ، ويُقَالُ مِنْهُمَا: رَجُلٌ مُجْنِبٌ ¬
وَجُنُبٌ، فَمَنْ قَال مُجْنِبٌ ثنَّى وَجَمَعَ وأَلْحَقَ [عَلَامَةَ] التَّأْنِيثِ إِذَا وَصَفَ بِهِ المَرْأَةَ، ومَنْ قَال: جُنُبٌ فَالأفْصَحُ الأَشْهَرُ أَنْ لَا يُثَنِّي وَلَا يَجْمَعُ وَلَا يُلْحِقُهُ عَلَامَةَ التَّأْنِيثِ، وبِهَذِهِ اللُّغَةِ وَرَدَ القُرْآنُ [العَزِيزُ] قَال تَعَالى (¬1): {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا [فَاطَّهَّرُوا]}. وَمِنَ العَرَبِ مَنْ يُثَنِّي ويَجْمَعُ فَيقُوْلُ: جُنبَانِ وجُنُبُوْنَ وأَجْنَابٌ وَجَنبَةٌ لِلْمَرْأَةِ وجَنَبَاتٌ وجَنبَتَانِ، وأَمَّا الجُنُبُ الَّذِي يُرَادُ بِه الغَرِيبُ فَإِنَّهُ يُثَنَّى ويُجْمَعُ ويُؤَنَّثُ، ولَمْ يُسْمَعْ فِيهِ غَيرَ ذلِكَ، قَال الشَّاعِرُ (¬2). وَمَا كَانَ غَضُّ الطَّرْفِ مِنَّا سَجِيَّةً ... وَلكِنَّنَا فِي مَذْحَجٍ جُنُبَانِ ويُرْوَى: "غُرُبَانِ" وهُمَا سَواءٌ، وَقَالتِ الخَنْسَاءُ (¬3): فَابْكِي أَخَاكِ لأَيتَامٍ وَأَرْمَلَةٍ ... وابْكِي أَخَاكِ إِذَا جَاوَزْتِ أَجْنَابَا وَمِنَ العَرَبِ مَنْ يَقُوْلُ -مِنَ الجَنَابَةِ الَّتِي هِيَ ضِدُّ الطَّهَارَةِ-: رَجُلَانِ جُنُبَانِ ¬
فَيُثَنِّي، فَإِذَا جَمَعَ يَقُوْلُ: رِجَالٌ جُنُبٌ. - وَ"غَرْفَةٌ" وَ"غُرْفَةٌ" [67]. مَصْدَرَانِ مِنْ غَرَفْتُ، وَقَال الفَرَّاءُ (¬1): غَرَفْتُ غَرْفَةَ بفَتْحِ الفَاءِ، وفي الإنَاءِ بِضَمِّهَا، فَجَعَلَ الغَرْفَةُ -بِفَتْحِهَا- مَصْدَرًا، والغُرْفَةُ ¬
-بِضَمِّهَا- قَدْرَ مَا يُغْرَفُ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَكَذلِكَ قَال فِي الحَسْرَةِ والحُسْرَةِ، والجَرْعَةِ والجُرْعَةِ، وقُرِئَ بِهِمَا. ثَلَاثُ غَرَفَاتٍ مَفْتُوْحَة الرَّاءِ، ومَنْ سَكَّنَهَا فَقَدْ أَخْطَأَ. وَقِيَاسُ هَذَا البَابِ أَنَّ مَا كَانَ عَلَى "فَعْلَةٍ" مَصْدَرًا أَوْ اسْمًا غَيرَ مَصْدَرٍ فَإِنَّ العَينَ فِيهِ تُحَرَّكُ في الجَمْعِ السَّالِمِ فَمِثالُ المَصْدَرِ ضَرْبَةٌ وَضَرَبَاتٌ وحَسْرَةٌ وحَسَرَاتٌ، وَمِثَالُ الاسْمِ: جَفْنَةٌ وجَفَنَاتٌ وَقَصْعَةٌ وقَصَعَاتٌ، فَإذَا كَانَتْ "فَعْلَةٌ" صِفَةً جُمِعَتْ عَلَى فَعْلَاتٌ كَصَعْبَةٍ وصَعْبَاتٍ، وعَيلَةٍ وعَيلَاتٍ، وَلَا يَجُوْزُ غَيرُ هَذَا إلَّا في ضَرُوْرَةِ شِعْرٍ، كَمَا قَال ذُو الرُّمَّةِ (¬1): ¬
[واجب الغسل إذا التقى الختانان]
أَبتْ ذِكَرٌ عَوَّدْنَ أَحْشَاءَ قَلْبِهِ ... خُفُوْقًا وَرَفْضَاتُ الهَوَى في المَفَاصِلِ فَإِذَا كَانَتِ العَينُ يَاءً أَوْ وَاوًا سَكَنَتْ، واستَوَى في ذلِكَ الاسْمُ والصِّفَةُ كَرَوْضَةٍ وَرَوْضَاتٍ، وعَيبَةٍ وعَيبَاتٍ، وإِنَّمَا سَكَّنُوا اليَاءَ والوَاوَ مَخَافَةَ أَنْ يُحَرِّكُوْهَا فَتنقَلِبَ أَلِفًا. - و"حَفَنَاتٌ" [70]. مُحَرَّكَةُ العَينِ لا غَيرُ، والحَفْنَةُ باليَدَينِ جَمِيعًا، والحَثْيَةُ باليَدِ الوَاحِدَةِ، كَذَا قَال الأَخْفَشُ، ولَا مَعْنَى لِتَخْصِيصِهِ الحَفْنَةَ باليَدَينِ جَمِيعًا؛ لأنَّهَا قَدْ تَكُوْنُ باليَدِ الوَاحِدَةِ، وَكَذلِكَ قَال صَاحِبُ "العَينِ" (¬1): الحَفْنُ: أَخْذُ الشَّيءِ بِرَاحَةِ الكَفِّ. - ويقال: ضَغَثَهُ يَضْغَثُهُ ضَغْثًا: إِذا خَلطهُ وجَمَعَهُ وأصْلُ الكلِمَةِ: التَّخلِيطِ، ومِنْهُ: أَضْغَاثُ الرُّؤْيَا، يُقَالُ: أَضْغَثَ الرُّؤْيَا: إِذَا خَلَّطَ فِيهَا. [وَاجِبُ الغُسْلِ إِذَا التَقَى الخِتَانَانِ] - ويقَالُ: "أكْسَلَ الرَّجُلُ يُكْسِلُ" [73]. إذَا عَجَزَ عَنِ الجِمَاعِ، وَهَذَا هُوَ المَشْهُوْرُ مِنَ اللُّغَةِ وَكَسَلَ عَن الأَمْرِ يَكْسَلُ كَسَلًا، قَال العَجَّاجُ (¬2): أَظَنَّتِ الدَّهْمَا وظَنَّ مِسْحَلُ إِنَّ الأمِيرَ بِالقَضَا يُعَجِّلُ ¬
عَنْ كَسَلَاتِي والحِصَانُ يَكْسَلُ عَنِ السَّفَادِ وَهُوَ طِرْفٌ هَيكَلُ وَقَدْ حَكَى يَعْقُوْبُ فِي "أَلْفَاظِهِ" (¬1) أَن رُؤْبَةَ كَانَ يُنْشِدُهُ "يَكْسِلُ"، وَقَوْلُ العَجَّاجِ ¬
أَيضًا "عَنْ كَسَلَاتِي" يَدُلُّ عَلَى ذلِكَ؛ لأنَّ المَصْدَرَ عَلَى "فَعَلَان" لا يَجِيءُ إلَّا مِن الثُّلَاثِيَّةِ نَحْوَ الضَّرَبَان والنَّزَوانِ والطَّيَرَانِ. - وَقَوُلُهُ: "قَبْلَ يَمُوْتُ" [74]. كَذَا الرِّوَايَةُ، ويُرْوَى أَيضًا (¬1): "قَبْلَ أَنْ يَمُوْتَ" والعرَبُ قَدْ تَحذِفُ "أَنْ" النَّاصِبَةَ لِلْفِعْلِ وتَرْفُعُ الفِعْلَ، قَال اللهُ تَعَالى (¬2): {قُلْ أَفَغَيرَ ¬
اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ ... }. وَقَال طَرَفَةُ (¬1): * أَلَا أيُّهذَا الزَّاجِرِي أَحْضُرُ الوَغَى * ورُبَّمَا حَذَفُوا "أَنْ" وَتَرَكُوا الفِعْلَ مَنْصُوْبًا، وإنَّمَا يَجِيئُ ذلِكَ في الشَّعْرِ، قَال عَامِرُ بنُ جُؤَينِ (¬2): فَلَمْ أَرَ مِثْلَهَا خُبَاسَةَ وَاحِدٍ ... وَنَهْنَهْتُ نَفْسِي بَعْدَ مَا كِدْتُ أَفْعَلَهْ ¬
[إعادة الجنب للصلاة]
[إِعَادَةِ الجُنُبِ للصَّلَاةِ] وَزُيَيْدٌ (¬1) وَزِيَيدٌ: تَصغِيرُ زَيدٍ، والأَصْلُ الضَمُّ، وإِنَّمَا يُكْسَرُ أَوَّلُ هَذَا الاسْمِ في التَّصْغِير إِذَا كَانَ ثَانِي الكَلِمَةِ يَاءٌ مِثْلُ شُيَيخٍ وبُيَيتٍ (¬2) وَقَدْ تَفْعَلُ العَرَبُ مِثْلُ هَذَا في الجَمْعِ إِذَا جَاءَ عَلَى فُعُولٍ نَحْوَ بُيُوْتٍ وَشُيُوخٍ وَعُيُوبٍ وَجُيُوبٍ. [غُسْلُ المَرْأَةِ إذَا رَأتْ فِي المَنَامِ مِثْلَ مَا يَرَي الرَّجُلُ] وَفِي "أُفٍّ" [84]. ثَمَانُ لُغَاتٍ: أُفُّ، وأُفَّ، وأُفِّ (¬3)، والتَّنوينُ في كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا، وأُفْ، وأُفَّى مِثْلُ حُبْلَى، وَقَدْ حُكِيَ: أُفَّة وتُفَّة، وأَفَّةً وتَفَّة. وَ"أفٍّ" -عِنْدَ النَّحْويِّينَ- اسمُ لِلْفِعْلِ بِمَنْزِلَةِ "صَهْ" وَ"مَهْ" والتَّنْوينُ فِيهِ -عِنْدَهُم-: عَلَمُ التَّنْكِيرِ، وعَدَمُهُ: عَلَمُ التَّعْرِيفِ، والتَّنْوينُ فِيهِ لَيسَ كَهُوَ في زَيدٍ وعَمْرٍو وَرَجُلٍ؛ لأنَّه مُبَنِيٌّ في حَالِ تَنْوينهِ كَبِنَائِهِ في حَالِ عَدَم التَّنْوينِ، قَال اللهُ تَعَالى (¬4): {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ}. وأَصْلُ الأُفِّ -في اللَّغَةِ- وَسَخُ الأُذُنِ، والتُّفُ: وَسَخُ الأظْفَارِ، وقِيلَ: هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، ثُمَّ ضُرِبَا مَثَلًا في كُلِّ شَيءٍ مُسْتَرْذَلٍ مُسْتَقْبَحٍ مُتبَرَّمٍ بِهِ، وإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَسَخٌ، أَي: إِنَّ ذلِكَ قَدْ حَلَّ مَحَلَّ الاسْتِقْذَارِ. - وَمَعْنَى "تَرِبَتْ" -عِنْدَ قَوْمٍ مِنَ الفُقَهَاءِ-: اسْتَغْنَتْ، وَهَذَا كَمَا يُقَالُ للرَّجُلِ الجَاهِلِ: أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ اسْتَغْنَيتَ عَنِ السُّؤَالِ لِعِلْمِكَ بالأُمُوْرِ، والمَرَادُ ¬
بِضدِّ ذلِكَ، وَهُوَ عِنْدَهُمْ إِخْبَارٌ لَا دُعَاءٌ، وَهَذَا خَطَأٌ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ؛ لأنَّه إِنَّمَا يُقَالُ في الغَنِيِّ: أَتْرَبَ، وأَمَّا تَرِبَ فَلَا تُقَالُ إلَّا في الفَقْرِ. وإِنَّمَا ذَهَبَ الفُقَهَاءُ إلى هَذَا فِرَارًا مَنْ أَنْ يَقُوْلُوا: دُعَاءٌ عَلَيهِ، وَكَأَنَّهُم اعتَقَدُوا أَنه إِذَا دَعَا عَلَى أَحَدٍ بِمَكْرُوْهٍ أَصَابَ ذلِكَ المَكْرُوْهُ، وهَذَا خَطَأٌ مِنْ وَجْهَينِ؛ أَحَدُهُمَا في اللُّغَةِ، والآخَرُ في التَّأْويلِ. أَمَّا اللُّغَةُ فَلأنَّ العَرَبَ قَدْ تَسْتَعْمِلُ الدُّعَاءَ عَلَى الإِنْسَانِ وَلَا يُرِيدُوْنَ وُقُوْعَهُ بِهِ فَيَقُوْلُوْنَ: "أَخْزَاهُ اللهُ مَا أَشْعَرَهُ" و"قَاتَلَهُ اللهُ مَا أَفْصَحَهُ" وَيَقُوْلُوْنَ: "لَا أَبَ لَكَ" وَ"لَا أُمَّ لَكَ" و"لَا أَرْضَ لَكَ" و [لَا] يُرِيدُوْنَ نَفْيَ ذلِكَ عَنْهُ. قَال ابْنُ جِنِّي: نَظَرَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى ثَوْبٍ فَقَال: مَا لَهُ مَحَقَهُ اللهُ، فَقُلْتُ لَهُ: لِمَ؟ فَقَال: إِنَّا إِذَا اسْتَحْسَنَّا شَيئًا دَعَوْنَا عَلَيهِ. وأَمَّا التَّأويلُ: فَلأنهُ لَيسَ جَمِيع دُعَائِهِ - صلى الله عليه وسلم - وقَعَ بالمَدْعُوِّ عَلَيهِ، بِدَلِيلِ قَوْلهِ عليه السَّلام: "اللَهُمَّ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ فَمَنْ دَعَوْتُ عَلَيهِ بِدَعْوَةٍ فَاجْعَلْ دَعْوَتِي عَلَيهِ رَحْمَةً لَهُ" وأَمَّا قَوْلُهُ [- صلى الله عليه وسلم -]: "فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ" (¬1). فَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُوْنَ مِنْ هَذَا البَابِ، وَقَدْ يَجُوْزُ أَنْ يَكُوْنَ دُعَاءً بالمَكْرُوْهِ، وَكَأَنَّهُ خَاطَبَ بِذلِكَ مَنْ آثَرَ ذَوَاتِ المَالِ والحَسَبِ والجَمَالِ عَلَى ذَاتِ الدِّينِ. وَمِنَ العُلَمَاءِ مَنْ يَحْمِلُهُ عَلَى أَنَّ في الكَلَامِ حَذْفًا، كَأَنَّهُ قَال: تَرِبَتْ يَدَاكَ إِنْ فَاتَكَ مَا أَمَرْتُكَ بِهِ، ويَجْعَلُهُ خَبَرًا لَا دُعَاءً. - ويُقَالُ: "شِبْهٌ" و"شَبَهٌ". -[قَوْلُهُ: "يَغْتَسِلُ بِفَضْلِ امْرَأَتِهِ" [86]. المَشْهُوْرُ في البَقِيَّةِ مِنَ المَاءِ وغَيرِهِ أَنْ يُقَال: فَضْلَةٌ، وأَمَّا قَوْلُهُم: فيه فَضْلٌ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُوْنَ اسْمًا لِلشْيءِ ¬
الفَاضِلِ؛ كأَنَّه مُصَدْرٌ أُجْرِيَ مُجْرَى الأسْمَاءِ، كَمَا قَالُوا لِلْعَينِ: طَرْفٌ، ولِلأُذُنِ: سَمْعٌ، وهُمَا في الأَصْلِ مَصْدَرَانِ .. ويُحْتَملُ أَنْ يَكُوْنَ الفَضْلُ جَمْعُ فَضْلَةٍ كَمَا قَالُوا: تَوْبَةٌ وتَوْبٌ، قَال اللهُ تَعَالى (¬1): {وَقَابِلِ التَّوْبِ} وأَكْثَرُ مَا يَجِيئُ هَذَا الجعُ الَّذِي [تُفَرِّقُ] بَينَهُ وبَينَ واحِدِهِ الهَاءُ في الأَسْمَاءِ الَّتِي لَيسَتْ بِمَصَادِرَ كَنَخْلَةٍ ونَخْلٍ، قَالتْ: عِشْرِقَةُ المُحَارِبِيَّةُ (¬2): ولَا شَرِبُوأ كَأْسًا مِنَ الحُبِّ حُلْوَةً ... وَلَا مُرَّة إِلَّا شَرَابُهُمُ فَضْلِ ويُقَالُ: أَفْضَلْتُ الشَّيءَ إِفْضَالًا: إِذَا تَرَكْتُ مِنْهُ فَضْلَةً، فَإِن نَسَبْتَ الفعْلَ إِلَى الشَّيءِ الفَاضِلِ قُلْتَ: فَضَلَ يَفْضُلُ، وفَضِلَ يَفْضَلُ، وفَضِلَ يَفْضُلُ، وهَذِهِ لُغَةٌ شَاذَّةٌ، والأوْلَى أَفْصْحَهُنَّ (¬3). ¬
[التيمم]
- و"الخُمْرَةُ" [88]. شَيءٌ كَانَ يُنْسَجُ مِنْ سَعَف النَّخْلِ يُسْجُدُ عَلَيهِ الرَّجُلُ، وَلا تُسَمَّى خُمْرَةً حَتَّى يَكُوْنَ بِقَدْرِ مَا يَضَعُ عَلَيهِ المُصَلِّي جَبْهَتَهُ وَيَدَيهِ وإِنْ عَظُم حَتَّى يَعُمَّ جَسَدَهُ كُلَّهُ قِيلَ لَهُ: حَصِيرٌ (¬1). [التَّيَمُّمُ] التَّيَمُّمُ: شَرْعِيٌّ وَلُغَويٌّ، فاللُّغَويُّ: القَصْدُ والتَّعَمُّدُ، وتَقُوْلُ: تأَمَّمْتُكَ وتَيَمَّمْتُكَ وأَمَّمْتُكَ: إِذَا قَصَدْتُكَ، لكِنَّ الشَّرْعَ أَوْقَعَ هَذَا الاسْمَ عَلَى مَسْحِ الوَجْهِ واليَدَينِ بِالتُّرَابِ، فَانْتَقَلَ عَنْ مَوْضِعِهِ في اللُّغَةِ وَعُمُوْمِهِ فَصَارَ مَخْصُوْصًا بِهَذَا المَعْنَى، كَمَا نَقَلَ عُرْفُ الاسْتِعْمَالِ الفِقْهَ والطِّبَّ والنَّحْوَ إِلَى أَسْمَاءٍ مَخْصُوْصَةٍ. - وَ"البَيدَاءُ": الفَلَاةُ، سُمِّيَتْ بِذلِكَ لأنَّهَا تُبِيدُ مَنْ سَلَكَهَا، أَي: تُهْلِكُهُ، وَهِيَ أَحَدُ الأسْمَاءِ الَّتِي جَاءَتْ عَلَى فَعْلَاء، وَلَا أَفْعَلَ لَهَا كَالشَّبْرَاءِ والطَّرْفَاءِ. - و"ذَاتُ الجَيشِ": فَلَاةٌ بِنَاحِيَةِ مَكَّةَ (¬2) [حَرَسَهَا اللهُ] سُمِّيَتْ بِذلِكَ لِمَا ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
جَاءَ في بَعْضِ الآثَارِ: أَنَّ جَيشًا يَغْزُو الكَعْبَةَ في آخِرِ الزَّمَانِ فَإِذَا صَارَ بِهَذه الفَلاةِ خُسِفَتْ بِهِ الأرْضُ فَلَا يَنْجُو مِنْهُمْ إلَّا رَجُلٌ وَاحِد يُقْلَبُ وَجْهُهُ إِلَى قَفَاهُ. - و"المُعَاتَبَةُ": المُؤَاخَذَةُ والمُلامَةُ، وَمَعْنَى بَعَثنا البَعِيرَ: حَرَّكْنَاهُ مِنْ مَبْرَكِهِ وأَقَمْنَاهُ، وَمِنْهُ بَعَثْتُ الرَّجُلَ مِنْ نَوْمِهِ: إِذَا أَيقَظَهُ، وانْبَعَثَ هُوَ: إِذَا قَامَ قَال [الله] تَعَالى (¬1): {مَنْ بَعَثَنَا}. - و"الصَّعِيدُ": يَكُوْنُ التُّرَابَ، وَيَكُوْنُ وَجْهَ الأرْضِ قَال [الله] تَعَالى (¬2): {فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا}، وَقَال [تَعَالى] (2): {صَعِيدًا جُرُزًا}. الجُرُزُ: الأرْضُ الَّتِي لَا تُنْبِتُ شَيئًا. قَال - عليه السلام -: "جُعِلَتْ لِيَ الأرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُوْرًا" فَكُلُّ مَوْضِعٍ جَازَت الصَّلاةُ فِيهِ جَازَ التَيّمُّمُ عَلَيهِ. - قَال الخَلِيلُ (¬3): المِرْبَدُ: مَوْضِعٌ بالبَصْرَةِ كَانَ مَوْقِعًا لِلْعَرَب. والمِرْبَدُ -أَيضًا-: مَوْضِعٌ بالكُوْفَةِ، وأَصْلُ المِرْبَدِ -في اللُّغَةِ-: المَوْضِعُ الَّذِي يُجْمَعُ فِيهِ التَّمْرُ إِذَا صُرِم، والعَرَبُ تَخْتَلِفُ فِي ذلِكَ فَأَهلِ الحِجَازُ يُسَمُّوْنَهُ المِرْبَدَ، ¬
وأَهْلُ العِرَاقِ يُسَمُّوْنَهُ البَيدَرَ، وأَهْلُ الشَّامِ يُسَمُّوْنَهُ الأنْدَرَ، وأَهْلُ البَصْرَةِ: الجُوْخَانَ، وأَهْلُ نَجْدٍ [يُسَمُّوْنَهُ]: الجَرِينَ، وَقَوْمٌ مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ [يُسَمُّوْنَهُ]: المِسْطَحَ. واليَدُ: تَقَعُ عَلَى الكَفِّ وَحْدَهَا دُوْنَ الذِّرَاعِ، وَتَقَعُ عَلَى الكَفِّ مَعَ أَصْلِ الذِّرَاعِ، وَتَقَعُ عَلَى الكَفِّ وَالذِّرَاعِ والمِرْفَقِ والعَضُدِ إِلَى المِنكبِ، دَلِيلُ الأوَّلِ قَوْلُ المُتَلَمِّسِ (¬1): وَمَا كُنْتُ إِلَّا مِثْلَ قَاطِعِ كَفِّهِ ... بِكَفٍّ لَهُ أُخْرَى فَأَصْبَحْ أَجْذَمَا فَلَمَّا اسْتَقَادَ الكَفُّ بالكَفِّ لَمْ يَجِدْ ... لَهُ دَرَكًا مِنْ أَنْ تَبِينَ فَأَحْجَمَا يَدَاهُ أَصَابَتْ هَذه حَتْفَ هَذِهِ ... فَلَمْ تَجِدِ الأُخرَى عَلَيهَا مُقَدَّمَا ودَلِيلُ الثَّانِي: قَوْلُهُ تَعَالى (¬2): {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}. ودَلِيلُ الثَّالِثِ: حَدِيثُ عَمَّارٍ: "لَمَّا نَزَلَتْ آيةُ التَّيَمُّمِ قَدِمَ المُسْلِمُوْنَ مَعَ رَسُوْلِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَمَسَحُوا بأَيدِيَهُمُ الأرْضَ فَمَسَحُوا بِهَا وَجُوْهَهُمْ وأيدِيَهُم إلَى المَناكِبِ" وَمِنْ أَوْضَحِ ذلِكَ مَا أَنْشَدَهُ سِيبَوَيهِ (¬3): ¬
أَبِنَي لُبَينَى لَسْتُمُ بِيَدٍ ... إلا يَدًا لَيسَتْ لَهَا عَضُدُ فَأَضَافَ العَضُدَ إِلَى اليَدِ. وَقَال ذُو الرُّمَّةِ (¬1): طِوَالُ الأيَادِي والحَوَادِي كَأَنَهَا ... سَمَاهِيجُ قُبٌّ طَارَ عَنْهَا نِسَالُهَا وإِنَّمَا وَصَفَهَا بِطُوْلِ الأرْبَعِ، وَسَمَّى الأرْجُلَ حَوَادِيَ؛ لأنَهَا تَحْدُو الأيدِي، أَي: تَتبعُهَا. والصَّعِيدُ الطَّيِّبُ: هُوَ النَّقِيُّ الَّذِي لا نَجَاسَةَ فِيهِ، وقِيلَ: هُوَ الحَلالُ. - وَقَوْلُهُ: "يَؤُمُّهُمْ غَيرُهُ أَحَبُّ إلَيَّ" كَذَا الرِّوَايَةُ، وَكَانَ الوَجْهُ، وأَنْ يَؤُمُّهم، لِيَكُوْنَ "أَنْ" مَعَ الفِعْلِ بِتأْويلِ المَصْدَرِ، وَتكُوْنَ في مَوْضِعِ رَفْع بالابْتِدَاءِ، وَ"أَحَبُّ" خَبَرُهُ كَمَا قَال تَعَالى (¬2): {وَأَنْ تَصُومُوا خَيرٌ لَكُمْ} ¬
وَلكِنَّ العَرَبَ قَدْ يَحْذِفُوْنَ "أَنْ" في بَعْضِ المَوَاضِعِ يَرْفَعُوْنَ الفِعْلَ المُضَارعَ كَقَوْلهِ تَعَالى (¬1): {قُلْ أَفَغَيرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا} وَقَوْلُ مَالِكٍ هَذَا كَقَوْلهِمْ (¬2): "تَسْمَعُ بِالمُعَيدِي خَيرٌ مِنْ أَنْ تَرَاهُ". فَمِنَ النَّحْويِّينَ مَنْ يَرَى أَنَّ الفِعْلَ المُضَارعَ أُسْنِدَ إِلَيهِ فِي هَذَا المَوْضِعِ، وأُخْبِرَ عَنْهُ لِمَا بَينَهُ وبَينَ الاسْمِ مِنَ المُضَارَعَةِ، ومِنْهُمْ مَنْ يُنْكِرُ هَذَا ولا يُجِيزُه إِلَّا بـ "أَنَّ" ويُحْتَمَلُ قَوْلُ مَالِكٍ أَن يَكُوْنَ مِثْلَ هَذَا المَثَلِ، وَالأجْوَدُ أَنْ يَكُوْنَ "يَؤُمُّهُمْ غَيرُهُ" إِخْبَارًا مَعْنَاهُ مَعْنَى الأمْرِ كَقَوْلهِ [تَعَالى] (¬3): {يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ} ويَكُوْنَ قَوْلُهُ: "أَحَبُّ إِلَيَّ" مَرْفُوْعًا عَلَى خَبَرِ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوْفٍ، كَأَنَّهُ قَال: لِيَؤُمَّهُمْ غَيرُهُ فَذَاكَ أَحَبُّ إِلَيَّ، وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الشُّذُوْذِ. - قَوْلُهُ: "سِبَاخًا كانَ أوْ غَيرَهُ" كَذَا الرِّوَايَةُ، وَكَانَ الوَجْهُ: أوْ غَيرَهَا؛ لأنَّ السِّبَاخَ مُؤَنَّثَةٌ، وَهِيَ جَمْع سَبِخَةٌ، وَلكِنَّه ذَكَّر الضَّمِيرَ عَلَى مَعْنَى ¬
[المستحاضة]
الجَمْعِ، قَال اللهُ [تَعالى]: {نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ} (¬1)، وقَال الرَّاجِزُ (¬2): . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... ... ... ... [المُسْتَحَاضَةُ] [وَقَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -]: "لَعَلَّكِ نَفِسْتِ" "لَعَلَّ" ههنَا: ظَنٌّ وَتَوَقُّعٌ، والمَعْنَى: أَظُنَّكِ نَفِسْتِ، يُقَالُ: نَفِسْتِ المَرْأَةُ: إِذَا حَاضَتْ، وَكَذلِكَ في الولادَةِ، وحَكَى ابنُ الأعْرَابِيِّ نَفَسَتْ، وَمَعْنَى قَوْلهِمْ: نَفِسَتِ المَرْأَةُ سَال نَفَسُهَا، والنَّفَسُ: الدَّمُ، سُمِّيَ بِذلِكَ؛ لأنَّه يُوْجَدُ بِوُجُوْدِ النَّفْسِ ويُعْدَمُ بِعَدَمِهِ، عَلَى مَذْهَبِهِمْ في تَسْمِيَةِ الشَّيءَ بِاسْمِ غَيرِهِ بالسَّبَبِ، وَقَال إِبْرَاهِيمُ (¬3): مَا لَيسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ لا يُفْسِدُ المَاءَ إِذَا مَاتَ فِيهِ، وَحَكَى ابنُ الأعْرَابِيِّ: امْرَأَةٌ نُفَسَاءُ ونَفَسَاءُ بِفَتْحِ الفَاءِ والعَينِ في الآخرِ. وحَكَى اللِّحْيَانِيُّ (¬4) نَفْسَاءُ بسُكْونِ العَينِ، وَقَدْ نَفَسَتْ نَفَاسَةً ¬
ونِفَاسَةً، ونَفِسَتْ نَفَاسًا وجَمْعُ نُفَسَاءُ: نُفاسٌ كَكُلَّابٍ، ونفَاسٌ كَضِرَابٍ، ونُفُسٌ كَرُسُلٍ، ونُفَاسٌ كَكُرَاعٍ، قَال الرَّاجِزُ (¬1): * اقْعَسَ يَمْشِي مِشْيَةَ النُّفَاسِ * - "المُسْتَحَاضَةُ": الَّتِي لَا يَرْقَأُ دَمُهَا، وفِعْلُهَا: استُحِيضَتْ، وَهَذَا أَحَدُ الأفْعَال الَّتِي صِيغَتْ لِلْمَفْعُوْلِ ولَمْ تُصَغْ لِلْفَاعِلِ، وَزِيدَتْ فيه الزَّوَائِدُ لِلْمُبَالغَةِ في الحَيضِ، كَمَا قَالُوا: عَلا قِرْنَهُ، فَإِذَا أَرَادُوا المُبَالغَةَ قَالُوا: اسْتَعْلاهُ، وَكَذلِكَ: قَرَّ في مَكَانِهِ، فَإِذَا أرَادُوا المُبَالغَةَ قَالُوا: اسْتَقَرَّ، وَكَذلِكَ الزَّوَائِدُ تَدْخُلُ الأفْعَال لِمَعَانٍ زَائِدَةٍ، يُقَالُ: حَلَى الشَّيءُ، فَإِذَا أَفْرَطَ في الحَلاوَةِ قَالُوا: احْلَوْلَى، وأَعْشَبَتِ الأرْضُ وأَعْشَوْشَبَت، وخَشُنَ الشَّيءُ واخْشَوْشَنَ. ويُقَال لِلْعِرْقِ الَّذِي تَخْرُجُ مِنْهُ الاسْتِحَاضَةُ: العَاذِل، واشْتِقَاقُهُ مِنْ قَوْلهِمْ: أَعْذَلَ النَّهَارُ: إِذَا اشْتَدَّ حَرُّهُ، سُمِّيَ العِرْقُ بِذلِكَ لِمَا فِيهِ مِنَ المَشَقَّةِ، وَمِنْهُ العَذْلُ وَهُوَ اللَّوْمُ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ المَشَقَّةِ عَلَى المَعْذُوْل. - وَقَوْلُهُ: "تُهْرَاقُ الدِّمَاءَ" يَجُوْزُ فِيهِ فَتْحُ الهَاءِ وتَسْكِينُهَا، فَمَنْ جَعَلَهُ مِنْ هَرَاقَ المَاءِ حَرَّكَهُ، وَمَنْ جَعَلَهُ مِنْ اهْرَاقَ أَسْكَنَهُ، والهَاءُ عِنْدَ مَنْ أَسْكَنَهُ عِوَضٌ مِنْ ذَهَابِ حَرَكَةِ عَينِ الفِعْلِ مِنْ أَرَاقَ، وَمَنْ فَتَحَهَا فَهِيَ عِنْدَهُ بَدلٌ مِنَ الهَمْزَةِ ¬
في أَرَاقَ، وفيهِ كَلَامٌ لا يَلِيقُ بَهَذَا المَوْضِعِ، وَبِالوَجْهَينِ يُرْوَى بَيتُ الأعْشَى (¬1). في أَرَاكٍ مُرْدٍ يَكَادُ إِذَا مَا ... ذَرَّتِ الشَّمْسُ سَاعَةً يَهْرَاقُ - وَقَوْلُهُ: "لِتَنْظُرَ إلَى عَدَدِ اللَّيَالِي والأيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُ" [105]. هَذَا مِمَّا أَجْرَى العَرَبُ الظَّرْفَ فِيهِ مَجْرَى المَفْعُوْلِ؛ لاتِّسَاعِ الكَلَامِ، وَكَانَ وَجْهُ الكَلَامِ لَوْ أَجْرَاهُ مَجْرَى الظَّرْفِ أَنْ يَقُوْلَ: تَحِيضُ فِيهِنَّ. والعَرَبُ تَقُوْلُ: أَقَمْتُ ثَلَاثًا مَا أَذُوقُهُنَّ طَعَامًا وشَرَابًا، أي: لا أَذُوْقُ فِيهِنَّ وأَنْشَدَ (¬2): وَيَومٍ شَهِدْنَاهُ سُلَيمًا وَعَامِرًا ... قَلِيلٍ سِوَى الطَّعْنِ النَّهالِ نَوَافِلُهْ - ويقالُ: "قَدْرٌ وَقَدَرٌ" [105]. وَكَذْلِكَ القَدَرُ الَّذِي هُوَ القَضَاءُ. - ويُقَالُ: "استثْفَرَ الرَّجُلُ بِإزَارِهِ". إِذَا لَوَاهُ عَلَى فَخْذَيهِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ بَينهِمَا، واسْتَثْفَرَ الكَلْبُ: إِذَا أَدْخَلَ ذَنبَهُ بَينَ فَخِذَيهِ وَأَلْزَقَهُ بِبَطْنِهِ، وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ الثَّفْرِ وَهُوَ فَرْجُ كُلِّ ذَاتِ مِخْلَبٍ، ومِنْهُ ثَفْرُ الدَّابَّةِ؛ لأنَّه يَقَعَ عَلَى ذلِكَ المَوْضِع. وَرُويَ: "اسْتَدْفَرَ" بِدَالٍ مُهْمَلَة وغَيرِ مُهْمَلَةٍ مَأْخوْذٌ مِنَ الذَّفرِ -وَهُوَ النَّتَنُ- أَوْ الدَّفَرُ وَهُوَ مِثْلُهُ؛ لأنَّه يُقَالُ: دَفْرٌ بدَالٍ مِهْمَلَةٍ سَاكِنَةِ العَينِ لِلنَّتَنِ خَاصَّةً، وبِذَالٍ مُعْجَمَةٍ وَفَتْحِ الفَاءِ لِكُلِّ رَائِحَةٍ ذَكِيّةٍ مِنْ طِبِيب أَوْ نَتَنٍ قَالهُ أَبُو عُبَيدٍ (¬3). ¬
[ما جاء في السواك]
-[وَقَوْلُهُ]: "في البَوْلِ قَائِمًا وَغَيرِهِ"]. رَوَاهُ قَوْمٌ: "وَغَيرَه" بِنَصْبِ الرَّاءِ عَطْفًا عَلَى قَائِمٍ، كَأَنَّه قَال: قَائِمًا وَغَيرَ قَائِمٍ، ولَيسَ ذلِكَ بِصَحِيح؛ لأنَّ الحَال لا تُضْمَرُ وإِنَّمَا هُوَ: "وَغَيرِهِ" بِخَفْضِ الرَّاءِ مَعْطُوْفًا عَلَى البَوْلِ؛ لأنَّه ذَكَرَ في أَوَّلِ البَابِ بَوْلَ الأعْرَابِيّ في المَسْجدِ، وفي آخِرِهِ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ غَسْلِ الفَرْجِ، فَتَضَمَّنَ البَابُ البَوْلَ قَائِمًا وغَيرَ ذَلِكَ. - وَ"ذَنُوبٌ" [111] الذَّنُوْبُ: الدَّلْوُ المَمْلُوْءَةُ مَاءً، وإِنْ كَانَتْ فَارِغَةً لَمْ تُسَمَّ ذَنُوْبًا، هَذَا أَصْلُ الذَّنُوْب، ثُمَّ يُضْرَبُ مَثَلًا للنَّصِيبِ وَالحَظِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ دَلْوٌ، وَمِنْهُ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬1): {ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ}، وَذَكَرَ أَبُو عُبَيدٍ (¬2) حَدِيثَ الأعْرَابِيِّ وَقَال: إِنَّهُ فَشَجَ وَبَال، وَفَسَّرَهُ: انْفَرَجَ وَفَتَحَ فَخِذَيهِ لِلْبَوْلِ. [مَا جَاءَ في السِّوَاكِ] يُقَالُ: مِسْوَاكٌ وسِوَاكٌ، ويُجْمَعُ مَسَاويكَ وَسُوُكًا بِضَمِّ الوَاو مِنْ غَيرِ هَمْزَةٍ (¬3)، وتُسَكَّنُ الوَاوُ كَرَاهِيَةَ الضَّمَّةِ، وَمِنَ العَرَبِ مَنْ يَهْمِزُهَا لانْضِمَامِهَا. ويُقَالُ: اسْتَاكَ بالسِّوَاكِ واسْتَنَّ بِهِ، وسَاكَ بِهِ فَاهُ، وشَاصَهُ يَشُوْصُهُ شَوْصًا، وَمَاصَهُ يَمُوْصُهُ مَوْصًا، فَإِذَا مَضَغَ السِّوَاكَ لِيَلِينَ طَرَفُهُ وَيَتَشَعَّثَ، قِيلَ: نَكَثَهُ ¬
وانْتكثَهُ، قَال ذُو الرُّمَّةِ (¬1): مِنْ كُلِّ أَشْنَبَ مَجْرَى كُلِّ مُنْتَكِثٍ ... يَجْرِي عَلَى وَاضِحٍ الأنْيَابِ مَعْلُوْجِ وَيُقَالُ لِطَرَفِ السِّوَاكِ الَّذِي يَتَرَضَّضُ وَيَنْشَرِخُ: الشَّعَثُ، قَال أَبُو حَيّةَ النُّمَيرِيّ (¬2): إِذَا مَضَغَتْ بَعْدَ امْتِنَاعٍ مِنَ الضُّحَى ... أَنَابِيبَ مِنْ عُوْدِ الأرَاكِ المُخَلَّقِ سَقَتْ شَعَثَ المِسْوَاكِ مَاءَ غَمَامَةٍ ... فَضِيضًا بِخُرْطُومِ الرَّحِيقِ المُصَفَّقِ يُقَالُ: شَعَثَ رَأَسُ الوَتَرِ وَرَأَسُ السِّوَاكِ بعَينٍ مُهْمَلَةٍ. وَكَانَتِ العَرَبُ تَسْتَاكُ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الشَّجَرِ مِنْهَا الأرَاكُ والبَشَامُ والإسْحِلُ، وَهُوَ أَشْهَرُهَا (¬3)، والنُّعْضُ، والضِّرْوُ، والعُتُمُ، وهو شَبِيهٌ بالزَّيتُوْنِ يَنْبُتُ عَلَى الجِبَالِ، ومِنْهَا عَرَاجِينُ ¬
النَّخْلِ، ومِنْهَا الشَّثُّ، وأَشَدُّهَا تَبْييضًا لِلأَسْنَانِ: اليَسْتَعُوْرُ (¬1). وفي الحَدِيثِ: "إِنَّ رَسُوْلَ الله - صلى الله عليه وسلم - كانَ يُعْجِبُهُ أنْ يَسْتَاكَ بالصُّرُعِ" والصُّرُعُ: جَمْعُ صَرِيع (¬2)، وهو القَضِيبُ من الأرَاكِ يَنْثَنِي فَيَسْقُطَ منَ الشَّجَرِ عَلَى الأرْضِ في الظل لَا يُصِيبُ الشَّمْسَ، وَهُوَ مَعَ ذلِكَ لَمْ يَنْقَطِعْ مِنَ الشَّجَرَةِ، وَذَكَرَ أَبُو حَنِيفَةَ (¬3) أَنّه أَلْيَنُ مِنَ الفُرُعِ وأَطْيَبُ ريحًا، وَرُويَ أَنَّ ابنَ أَبِي لَيلَى (¬4) يَسْتَاكُ بِعَراجِينِ العُمُرِ (¬5)، وَهُوَ نَخْلُ السُّكَّرِ. ¬
[كتاب الصلاة]
[كِتَابُ الصَّلَاةِ] (¬1) [مَا جَاءَ في النِّدَاءِ لِلصَّلاةِ] -[قوله]: "والاسْتِهَامُ" [3]. الاقْتِرَاعُ، والسُّهْمَةُ: القُرْعَةُ، والسُّهُمَةُ أَيضًا، والسَّهْمُ: النَّصِيبُ، وَأَسْهَمَ الرَّجُلَانِ وتَسَاهَمَا: اقْتَرَعَا، وسَاهَمْتُ الرَّجُلَ مُسَاهَمَةً. والهَاءُ في قَوْلهِ: "عَلَيه" تَرْجِعُ عَلَى الصَّفِّ الأوَّلِ، لَا عَلَى النِّدَاءِ، بِدَلَيلِ مَا وَرَد في حَدِيثٍ آخَرَ: "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا في الصَّفِّ الأوَّلِ مَا صَفُّوا فِيهِ إلَّا بقُرْعَةٍ". وقِيلَ: إِنَّهَا تَعُوْدُ عَلَى النِّدَاءِ، وأَرَادَ: المَوْضِعَ الَّذِي يُؤَذِّنُ فيه وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، واحْتَجُّوا بِأَنَّ سَعْدَ بنَ أَبِي وَقَّاصٍ (¬2) أَقْرَعَ بينَ قَوْمٍ اخْتَلَفُوا في الأذَانِ، ويُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ يَكُوْنَ هَذَا مِمَّا اكتَفَى فيه بأَحَدِ الضَّمِيرَينِ اخْتِصارًا، وَيَكُوْنُ قَدْ أَرَادَ: عَلَيهِمَا، فَيَكُوْنُ مِثْلَ قَوْلهِ عَزَّ وَجَلَّ (¬3): {وَلَا يُنْفِقُونَهَا} فَأَعَادَ الضَّمِيرَ عَلَى أَحَدِ المَذْكُوْرِينَ إِيجَازًا، وَلِعِلْمِ السَّامِعَ بِمَا أَرَادَ. وَالذَّهَبُ: يُؤَنَّثُ ويُذَكَّرُ (¬4). وكَثير مِنْ هَذَا في الشِّعْرِ والقُرْآنِ قَال [اللهُ] تَعَالى: (¬5) ¬
{[وَاللَّهُ] وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} وأَرَادَ: يُرْضُوْهُمَا. -[وَقَوْلُهُ]: "التَّهْجِيرَ": البِدَارُ إِلَى الصَّلَاةِ في أَوَّلِ وَقْتِهَا، ولَا يَكُوْنُ ذلِكَ إلَّا صَلَاةَ الظُّهْرِ؛ لأنَّهُ مِنَ السَّيرِ في الهَاجِرَةِ، وَهِيَ القَائِلَةُ، وَقَال - صلى الله عليه وسلم -: "المُهَجِّرُ إلَى الجُمُعَةِ كَالمُهْدِي كَذَا" ويُقَالُ هَجَّرَ وتَهَجَّرَ بمعنًى (¬1). -[وَقَوْلُهُ]: "حَبا" الصَّبيُّ يَحْبُوا حَبْوًا: إِذَا زَحَفَ، وَحَبَتِ النَّاقَةُ: إِذَا عُرْقِبَتْ فَتَحَامَلَتْ عَلَى قَوَائِمِهَا الثلاثِ. - وَ"التَّثْويبُ" [6]. بالصَّلَاةِ: إِقَامَتُهَا (¬2)، وأَصْلُهُ تَكْرِيرُ الدُّعَاءِ، وهو تَفْعِيلٌ مِنْ ثَابَ يَثُوْبُ: إِذَا رَجَعَ، والتَّثْويبُ في أَذَانِ الفَجْرِ أَنْ يَقُوْلَ: "الصَّلَاةُ خَيرٌ مِنَ النَّوْمِ" مرَّتَينِ، سُمِّي بذلِكَ؛ لأنَّ المُؤَذِّنَ لَمَّا قَال: حَيَّ علَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الفَلَاحِ فَدَعَا النَّاسَ إِلَى الصلَاةِ، ثُمَّ قَال: الصلَاةُ خَيرٌ مِنَ النَّوْمِ فَثَوَّبَ: أَي: عَادَ إِلَى دُعَائِهِمْ مَرَّةً ثَانِيَة. وَ"الأذَانُ": الإعْلَامُ بالصَّلَاةِ، وَهُوَ الاسْمُ والإيذَانُ: المَصْدَرُ، مِثْل ¬
العَطَاءِ والإعْطَاء، آذَنْتُهُ إِيذَانًا: إِذَا أَعْلَمْتُهُ، وأَذِنَ هو بِهِ أَي (¬1): عَلِمَهُ، قَال اللهُ [تَعَالى] (¬2): {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} وسُمِّي أَذَانًا؛ لأنَّه صَوْتٌ يَرْتَفعُ في آذَانِ السَّامِعِينَ، وأَذِانٌ وأَذينٌ بِمَعْنًى واحد. قَال جَرِيرٌ (¬3): هَلْ يَتْبَعُوْنَ مِنَ المَشَاعِرِ مَشْعَرًا ... أَوْ يَسْمَعُوْنَ بِذِي الصَّلَاةِ أَذِينَا ¬
ويَجُوْزُ حَيَّهَلِ الصَّلاةَ وحَيَّهَل الفَلَاحَ، لكِنَّ الآثَارَ وَرَدَتْ بالمَعْهُوْدِ مِنَ الآذَانِ فَلَا سَبِيلَ إِلَى مُخَالفَتِهَا، والفَلَاحُ: الفَوْزُ والظَّفَرُ. وَالفَلَاحُ -أَيضًا-: البَقَاءُ عَلَى حَالٍ مُتَمَيِّزٍ صَاحِبُهَا، وَيُقَالُ -أَيضًا-: فَلَحٌ، قَال الأعْشَى (¬1): وَلَئِنَ كُنَّا كَقَومٍ هَلَكُوا ... مَا لِحَيِّ يَا لَقَوْمِي مِنْ فَلَحْ والفِعْلُ مِنْهُ أَفْلَحَ، قَال اللهُ [تَعَالى] (¬2): {قَدْ أَفْلَحَ [الْمُؤْمِنُونَ]}. ومَعْنَى: "أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إلَّا اللهُ" أَعْلَمُ بِهِ وأُقِرَّ، وَمِنْهُ شَهَادَةُ الشُّهُوْدِ، إِنَّمَا هُوَ إِعْلَامُهُمْ بِمَا عِنْدَهُمْ، وَمِنْهُ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬3): {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إلا هُوَ}. ومَعْنَى قَوْل المُصَلِّي. اللهُ أَكْبَرُ: اللهُ كَبِيرٌ، وقِيلَ: اللهُ أَكْبَرُ مِنْ كُلّ شَيءٍ. والأوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لأنَّهُ إِنما يُفَاضَلُ بَينَ الشَّيئينِ إِذَا كَانَ بَينَهُمَا شَيءٌ يَجْمَعُهُمَا ونَحْوُهُ، قَال الرَّاجِزُ (¬4): قُبِّحْتُمُ يَا آلَ زَيدٍ نَفَرًا ... أَلأمَ قَوْمٍ أَصْغَرًا وأَكْبَرَا أَرَادَ: صَغِيرًا وَكَبِيرًا. - و"السَّكِينة": الوَقَارُ، مَأْخُوْذٌ مِنَ السُّكُوْنِ. - و"المَدَى" الغَايَةُ الّتِي يَنْتَهِي إِلَيهَا، وَصَالُهُم [وبالميم] الرِّوَايَةُ في "المُوَطَّأ". و"النَّدَى" و"النِّداءُ": بُعْدُ مَذْهَبِ الصَّوْتِ، وفُلَانٌ أَنْدَى صَوْتًا مِنْ فُلَانٍ، أَي: أَبْعَدُ مَذْهَبًا وَأَطْوَلُ، وَقَال - صلى الله عليه وسلم -: "فَإنَّه أنْدَى صَوْتًا مِنْكَ" وهو مَفْتُوْحُ ¬
الأوَّلِ مَقْصُوْرٌ، فَإِذَا كَسَرْتَ أَوَّلَهُ مَدَدْتَ. -[وَقَوْلُهُ]: "وَحَتَى يَظَلَّ الرَّجُلُ إِنْ يَدْرِي". بالظَّاءِ المُشَالةُ أَي: يُقِيمُ الرَّجُلُ ويَصيرُ. وَالرَّجُلُ مَرْفُوع بِهِ و"إنْ" مَكْسُوْرَةُ الهَمْزَةِ، وهيَ حَرْفُ نَفْيٍ بمَعْنَى "مَا"، وَالجُمْلَةُ في مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى حبَرِ "يَظَلُّ". والتقدِيرُ: حَتَّى يَصيرَ الرَّجُلُ لا يَدْرِي كَمْ صَلَّى، وَذَكَرَ ابنُ عَبْدِ البَرِّ (¬1) أَنَّ أَكْثَرَ الرُّوَاةِ رَوَوْهُ: "إنْ يَدْرِي". وَقَال: مَعْنَاهُ: لا يَدْرِي، وهَذَا غَيرُ صَحِيحٍ؛ لأنَّ "إِنْ" لا تَكُوْنُ نَفْيًا وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًّا مِنَ النَّحَويين حَكَى ذلِكَ (¬2)، والوَجْهُ في هَذِهِ الرِّوايةِ أَنْ تُفْتَحَ اليَاءُ مِنْ "يَدْرِيَ" وتكوْنُ "أَنْ" هي النَّاصِبَةُ لِلْفِعْلِ، وتكوْنُ: "يَضَلَّ" بِضَادٍ غَيرِ مُشَالةٍ منَ الضَّلَالِ الَّذِي هُوَ الحَيرَةُ، كَمَا يُقَالُ: ضَلَّ عَنِ الطَّرِيقِ، فَكَأَنَّهُ قَال: حَتَّى يَحَارَ الرَجُلُ ويَذْهَلَ عَنْ أَنْ يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى، فَتكوْنُ "أَنْ" في مَوْضِعِ نَصْبٍ لِسُقُوْطِ حَرْفِ الجَرِّ. ويَجُوْزُ أَنْ يَكُوْنَ مِنَ الضَّلَالِ الَّذي يُرَادُ بِهِ الخَطَأ، فَتكوْنَ الضادُ مَكْسُوْرَةٍ كَقَوْلهِ (¬3): {لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى} وَتَكُوْنُ "أَنْ" في مَوْضِعه نَصْبٍ عَلَى المَفْعُوْلِ الصَّحِيحِ؛ لأنَّ "ضَلَّ" الَّتِي بِمَعْنَى أَخْطَأ لا تَحْتَاجُ ¬
في تَعْدِيَتِهَا إِلَى حَرْفِ جَرٍ، قَال طَرَفَةُ (¬1): وَكَيفَ تَضِلُّ القَصْدَ والحَقُّ وَاضِحٌ ... وَللْحَقِّ بَينِ الصَّالِحِينَ سَبِيلُ وَلَوْ رُويَ في هَذَا الوَجْهِ: "يُضِلُّ الرَّجُلَ لا يَدْرِي كَمْ صَلَّى" لَكَانَ وَجْهًا صَحِيحًا يُرِيدُ: حَتَّى يُضِلَّ الشِّيطَانُ الرَّجُلَ عن دِرَايَةِ كَمْ صَلَّى، ولَا أعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ كَذَا، لكِنَّهُ لَوْ رُويَ لَكَانَ صحِيحًا في المَعْنَى غَيرَ خَارِجٍ عَنْ مُرَادِهِ - صلى الله عليه وسلم -. - وَقَوْلُهُ: "قَبْلَ أنْ يَحِلَّ الوَقْتُ" [7] الوَجْهُ كَسْرُ الحَاءِ، وَكَذَا رَوَينَاهُ، لأنَّ مَعْنَاهُ: يَجِبُ ويَحْضُرُ، وإِذَا كَانَ "حَلَّ" بِمَعْنَى وَجَبَ وحَضَرَ فَمُسْتَقْبَلُهُ يَحِل قَال اللهُ تَعَالى (¬2): {أَنْ يَحِلَّ عَلَيكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ} (¬3). وَهكَذَا مُسْتَقْبَلُ حَلَّ ضِد حَرُمَ، وحَلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ مَكْسُوْرٌ، فَإِذَا كَانَ مِنَ الحُلُوْلِ بالمَكَانِ والنّزوْلِ فِيهِ قِيلَ: يَحُلُّ بِضَمِّ الحَاءِ، فَإِذَا كَانَ مِنَ الحَلَلِ -بفَتح الَّلامِ- وَهُوَ رَخَاوَةٌ في قَوَائِمِ الفَرَسِ، قِيلَ: يَحَلُّ بِفَتْحِ الحَاءِ. - وَقَوْلُهُ: "مُجْزِيءٌ عَنْهُمُ". كَذَا الرِّوَايَةُ، والمَشْهُوْرُ في هَذِهِ اللَّفْظَةِ: ¬
[افتتاح الصلاة]
أجْزَأَنِي الشَّيءُ يُجْزِئُنِي، أَي: كَفَانِي. وجَزَى عَنِّي يَجْزِي أَي: قَضَى وأَغْنَى، فَتُعَدِّيَ الأوَّلَ بِنَفْسِهِ وتُعَدِّيَ الثَّانِيَ بـ "عَنْ" قَال اللهُ تَعَالى (¬1): {لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيئًا} واسْمُ الفَاعِلِ مِنْهُ جَازٍ، قَال اللهُ تَعَالى (¬2): {وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ} فَكَانَ القِيَاسُ عَلَى هَذَا أَنْ يَقُوْلَ: جَازٍ عَنْهُم. والَّذِي جَاءَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ عَنْ مَالِكٍ لُغَةٌ وَلكِنَّهَا غَيرُ مَشْهُوْرَةٍ. و"البقيع" [9]. بَقِيع الغَرْقَدِ، وَهُوَ العَوْسَجُ إِذَا عَظُمَ. والبَقِيعُ؛ هُوَ مَدْفَنُ أَهْلِ المَدِينَةِ (¬3). وفي كِتَابِ "العَينِ" (¬4): البَقِيعُ: مَوْضِعٌ [مِنَ الأرْضِ] فِيهِ أَرُوْمُ شَجَرٍ مِنْ ضُرُوْبٍ شَتَّى، وَمِنْهُ سُمِّيَ بَقِيع الغَرْقَدِ الَّذِي بِالمَدِينَةِ. [افْتِتَاح الصَّلَاةِ] أَصْلُ الصَّلَاةِ -في اللُّغَةِ-: الدُّعَاءُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ [تَعَالى] (¬5): {وَصَلِّ عَلَيهِمْ} أَي: ادع لَهُمْ إِنَ دَعْوتَكَ تُسَكِّنُ إِلَيهِم نُفُوْسَهُم، وَصَلَواتُ الرَّسُوْلِ دَعَوَاتُهُ، فَسُمِّيَتِ الصَّلَاةُ بِذلِكَ لِمَا فيها مِنَ الدُّعَاءِ. وَمِنْهَا صَلَاةُ الجَنَائِزِ إِنَّمَا هِيَ الدُّعَاءُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الأعْشَى (¬6): ¬
* عَلَيكِ مِثْلُ الَّذِي صَلَّيتِ ... * البيت وَقِيلَ: إِنَّمَا سُمِّيَ المُصَلِّي مُصَلّيًا تَشْبِيهًا لهُ بالمُصَلِّي مِنَ الخَيلِ (¬1)، وَهُوَ الَّذِي يَجِيءُ وَرَأْسُهُ عِنْدَ صَلَا السَّابِقِ، والصَّلَوَانُ: مَا اكْتَنَفَ ذَنَبَ الفَرَسِ؛ لأنَّ الإمَامَ يَتَقَدَّمُ وَيَتبعُهُ المَأْمُوْمُ. والصَّلَاةُ -أَيضًا-: الرَّحْمَةُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: صَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ، فَيَجُوْزُ أَنْ تَكُوْنَ الصَّلَاةُ مِنْ ذلِكَ، لِمَا يُنَالُ بِهَا مِنَ الرَّحْمَةِ والغُفْرَانِ عَلَى مَذْهَبِهِمْ في تَسْمِيَةِ الشَّيءِ باسْمِ الشَّيءِ إِذَا كَانَ مِنْهُ بِسَبَبٍ. - و"التَّكبِيرُ": قَوْلُكَ: اللهُ أَكْبَرُ، وَهُوَ تَعْظِيمُ الله، وَهُوَ تَفْعِيلٌ مِنَ الإكبَارِ بِمَعْنَى الإجْلَالِ. - و"الإحْرَامُ": قَوْلَ ذلِكَ في الصَّلَاةِ؛ لأنَّه يَحْرُمُ عَلَيهِ كُلَّ عَمَلٍ يُنَافِي الصَّلَاةَ، ويُقَالُ: أَحْرَمْتُ الشَّيءَ وحَرَّمْتُهُ بِمَعْنًى، وَمِنْهُ إِحْرَامُ الحَجِّ. - و"الرُّكُوْعُ": الانْحِنَاءُ والانْخِفَاضُ، قَال الأضْبَطُ بنُ قُرَيعٍ (¬2): ¬
وَلَا تُعَادِ الفَقِيرَ عَلَّكَ أَنْ تَرْ ... كَعَ يَوْمًا وَالدَّهْرُ قدْ رَفَعَهُ - و"السُّجُوْدُ": التَّطَامُنُ والمَيلُ، سَجَدَ البَعِيرُ وأَسْجَدَ (¬1): إِدا خَفَضَ رَأْسَهُ لِيُرْكَبَ، وكُلُّ خُضُوعٍ وَطَاعَةٍ تُسَمَّى سُجُودًا، وَمِنْهُ سُجْوْدُ الظِّلالِ إِنَّمَا هُوَ طَاعَتُهَا وانْقِيَادُهَا لِمَا سُخِّرَت لَه (¬2). وأَكْثَرُ اللُّغَويّوْنَ يَقُوْلُوْنَ: سَجَدَ الرَّجُلُ: إِذَا وَضَعَ جَبْهَتَهُ بِالأرْضِ ¬
وأَسْجَدَ (¬1): إِذَا انْحَنَى، وَقَال بَعْضُهُمْ: سَجَدَ: إِذَا انْحَنَى، واحْتَجَّ بِقَوْلهِ [تَعَالى] (¬2): {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدً} ولَمْ يُرِدْ أُمِرُوا بالدُّخُوْلِ عَلَى وُجُوْهِهِم، وإِنَّمَا أُمِرُوا بالانْحِنَاءِ، قَال حُمَيدٌ (¬3): فُضُولَ أَزِمَّتِهَا أَسْجَدَتْ ... سُجُوْدَ النَّصَارَى لأرْبَابِهَا وسُجُوْدُ النَّصَارَى إِنَّمَا هُوَ انْحِنَاءٌ. ويُحْتَمَلُ أَنْ يَكُوْنَ تأْويلُ الآيَةِ: ادْخُلُوا البَابَ مُقَدِّرِينَ لِلسُّجُوْدِ بَعْدَ ذلِكَ، كَمَا تَقُوْلُ. سَيَخْرُجُ زيدٌ مُسَافِرًا أَي: مُقَدِّرًا ذلِكَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ [تَعَالى] (¬4): {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ}. ¬
- وَ"سُبْحَانَ": - عنْدَ سِيبَوَيه (¬1) - اسْمُ عَلَمِ التَّسْبِيحِ (¬2)، وَاقعٌ مَوْقعَ المَصْدَرِ، ولَيسَ بِمَصْدَرٍ، ومُنِعَ الصَّرْفَ كَمَا مُنِعَ عُثْمَان وسُفْيَان. وَزَعَمَ قَوْمٌ أنَّه مَصْدَرٌ مِنْ سَبَّحَ سُبْحَانًا، كالغُفْرَانِ والكُفْرَانِ مِنْ غَفَرَ وكَفَرَ، أَي: عَلَى حَذْفِ الزِّيَادَةِ مِنَ الفِعْلِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُنْطَقْ بِهِ، وَحُذِفَ مِنْهُ التّنوينُ للإضَافَةِ لا لِمَنْعِ الصَّرْفِ، واحْتَجُّوا بِقَوْلِ أُمَيَّة (¬3): سُبْحَانَهُ ثُمَّ سُبْحَانًا نَلُوْذُ بِهِ ... وقَبْلَنَا سَبَّحَ الجُوْدِيّ وَالجُمُدُ ¬
وَقَال سِيبَوَيهِ (¬1): إِنَّمَا نَوَّنَهُ هُنَا لأنَّهُ نَكَّرَهُ، كَمَا يُنَوَّنُ عُثْمَانُ إِذَا نكِّرَ، ويَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا قَال سِيبَوَيهِ قَوْلُ الأعْشَى (¬2): * سُبْحَانَ مِنْ عَلْقَمَةَ الفَاجِرِ * فَلَمْ يُنَوِّنْهُ، وَهُوَ غَيرُ مُضَافٍ. وَقَوْلُ القَائِلِ: "سُبْحَانَكَ وبِحَمْدِكَ" البَاءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِفِعْلِ مَحْذُوْفٍ تَقْدِيرُهُ: وَبِحَمْدِكَ أُسبِّحُكَ فَحُذِفَ اخْتِصَارًا. - وَقَوْلُهُ: "سَمعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ" [16]. مَعْنَى سَمِعَ: تَقَبَّلَ، وَمِنْهُ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬3): {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ} أَي: قَائِلُوْنَ لَهُ (¬4)، وَلَا يَجُوزُ أَن يُرادَ السَّمَاعُ المَعْرُوْفُ؛ لأن الإنْسَانَ يَسْمَعُ الصِّدْقَ والكَذِبَ وكَذلِكَ: "سَمعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ" خُرِّجَتْ مَخْرَجَ الخَبَرِ، وَمَعْنَاهَا الدُّعَاءُ، بِمَعْنَى اللهُمَّ اسْمَعْ مِمَّنْ ¬
حَمِدَكَ، مِثْلُ غَفَرَ اللهُ لِزَيدٍ وَشِبْهُهُ، وَإِنَّمَا فَعَلَ ذلِكَ؛ لأنْ لا يُجْرُوا مَا لَيسَ بِمَضْمُوْنٍ مُجُرَى المَضْمُوْنِ، مُبَالغَةً في المَعْنَى، وَثِقَةً بِرَحْمَةِ المَدْعُوِّ وتَحَقُّقًا بإِجَابَتِهِ. واللَّامُ في "لِمَنْ حَمِدَهُ" بِمَعْنَى "مِنْ"، وإِنَّمَا جَازَ ذلِكَ؛ لأنَّ مَنْ سُمِعَ فَقَدْ أُصْغِيَ لَهُ، فَجَرَى السَّمَاعَ مَجْرَى الإصْغَاءِ، إِذْ هُوَ بِمَعْنَاهُ. ويَجُوْزُ أَنْ يَكُوْنَ "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ" خَبَرًا عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَيسَ بِدُعَاءٍ فَيَكُوْنُ بِمَنْزِلَةِ: "اللهُ أَكْبَرُ"، و"سُبْحَانَكَ اللهُمَّ"، وَ"رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ"، وهَذَهِ كُلُّهَا أَخْبَارٌ. وَحَكَى يَعْقُوْبُ: أَنَّ الوَاوَ في "وَلَكَ الحَمْدُ" زَائِدَةٌ، ويَجُوْز أَنْ تكوْنَ عَاطِفَةً لِكَلَامِ المَأْمُوْمِ عَلَى كَلَامِ الإمَامِ، ويَجُوْزُ عِنْدِي أَنْ يَكُوْنَ مَعْطُوْفًا عَلَى كَلَامٍ مَحْذُوْفٍ، تَقْدِيرُهُ: رَبَّنَا أَنْتَ السَّامَعُ مِمَّن يَحْمَدُكَ وَلَكَ الحَمْدُ، فَحَذَفَ ذلِكَ واكْتفَى بِمَا تَقَدَّمَ مِنْهُ في كَلَامِ الإمَامِ، وهَذَا نَحْوَ قَوْلِ الرَّجُلِ لِصَاحِبِهِ: مَرْحَبَا، فَيَقُوْلُ صَاحِبُهُ رَدًّا عَلَيهِ: وَبِكَ أَهْلَا أَي: وَبِكَ مَرْحَبًا وأَهْلًا فَحَذَفَ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهِ في كَلَامِ صَاحِبِهِ. - وَ"حَذْوَ" [16]. بِمَعْنَى مُقَابِلِ، يُقَالُ: جَلَسْتُ حَذْوَهُ وحِذَاءَهُ وحَذْوَتَهُ وحِذْوَتَهُ وحِذَتَهُ بِمَعَنًى وَاحِدٍ. - وَقَوْلُهُ: "إِنِّي لأشْبَهُكُمْ بِصَلَاةِ رسُوْلِ اللهِ" [19]. التَّقدِيرُ: صَلَاةَ بِصَلَاةِ فَحَذَفَ التَّمْيِيزَ لِدَلَالةِ مَا في الكَلَامِ عَلَيهِ، وَقَدْ رُويَ في غَيرِ "المُوَطَّأ": "صَلَاةً بِصَلَاةِ رَسُوْلِ اللهِ" عَلَى غَيرِ حَذْفٍ. وأمَّا قَوْلُهُ: "يَبْتَدِيءُ صَلَاتَهُ أَحَبُّ إلي" [22]. [فـ]ـكأنَّ الوَجْه أَنْ يَقُوْلَ: أَنْ يَبْتَدِيءَ صَلَاتَهُ أَحَبُّ إِلَيَّ، كَقَولهِ [تَعَالى] (¬1): {وَأَنْ تَصُومُوا} وَقَدْ تَقَدَّم. ¬
والمُفَصَّلُ مِنْ سُوْرَةِ (ق) إِلَى آخِرِ القُرْآن، وَكَانَ مُفَصَّلُ ابنِ مَسْعُودٍ من سُوْرَةِ "الرَّحْمن" لاخْتِلَافِ التَّرْتَيبِ بَينَ مُصْحَفِ عُثْمَانَ وابنِ مَسْعُوْدٍ. - وَقَوْلُهُ: "لَتَكَادُ أنْ تَمَسَّ" [25]. كَذَا الرِّوَايَةُ، وأَهْلُ النَّحْو لا يُجِيزِوْنَ دُخُوْلَ "أَنْ" في خَبَرِ "كَادَ" إلَّا في الشِّعْرِ كَقَوْلِ رُؤْبَةَ (¬1). ¬
* قَدْ كَادَ مِنْ حلُوْلِ البِلَى أَنْ يَمْصَحَا * - "القَسِّيُّ": ثِيَابٌ مُضَلَّعَةٌ بالحَرِيرِ تُعْمَلُ بِقَسَّ: قَرْيَةٌ مِمَّا يَلِي الفَرَمَا (¬1)، وَقِيلَ: بالصَّعِيدِ مِنْ قُرَى مِصْرَ، قَال (¬2): فَأَدْنَينَ لَمَّا قُمْنَ يَحْجِبْنَ دُوْنَهَا ... حِجَابًا مِنَ القَسِّيِّ والحَبِرَاتِ ¬
وَلَا وَجْهِ لِمَنْ (¬1) كَسَرَ القَافَ وخَفَّفَ السِّينَ. - "المَيثَرَةُ": مِرْفَقَةٌ تُتَّخَذُ كَصِفَةِ السَّرْجِ، وجَمْعُهَا: مَيَاثِرُ وَمَوَاثِرٌ، من المُوَاثَرَةِ وَالوثَارَةِ، وَهِيَ اللِّينُ، فِرَاشٌ وَثِيرٌ، وَقَدْ وَثَرَ وثَارَةً، واليَاءُ في مَيثَرَةَ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ وَاوٍ، وَلِذلِكَ قِيلَ في الجَمْعِ: مَوَاثِرُ؛ لِذَهَابِ الكَسْرَةِ الَّتِي أَوْجَبَتِ انْقِلَابَهَا يَاءً، وَمَنْ قَال: مَيَاثِرُ جَعَلَهُ مِنَ البَدَلِ الَّذِي يَلْزَمُ مَعَ ذَهَابِ العِلَّةِ المُوْجِبَةِ لَهُ كَرِيحٍ وأَرْيَاح، وعَمَدٍ وأَعْمَادٍ في لُغَةِ بَني أَسَدٍ. - و"خِدَاجٌ" [39]. نَاقِصَةٌ (¬2)، يُقَالُ: خَدَجَتِ النَّاقَةُ خِدَاجًا؛ إِذَا أَلْقَتْ وَلَدَهَا قَبْلَ التَّمَامِ نَاقِصًا كَانَ أَوْ تَامَّ الخَلْقِ، فَإِذَا أَلْقَتْهُ عِنْدَ التَّمَامِ نَاقِصَ الخَلْقِ قِيلَ: أَخْدَجَتْ. وَفِي "العَينِ" (¬3): خَدَجَتْ فَهِيَ خَادجٌ، وأَخْدَجَتْ فَهِيَ مُخْدِج: إِذَا أَلْقَتْهُ قَبْلَ اسْتِبَانَةِ خَلْقِهِ، والوَلَدُ خِدَاجٌ. وَخَدَجَتْ: إِذَا أَلْقَتْ دَمًا. وأَخْدَجَتِ الزَّنْدُ: إِذَا لَمْ تُوْرِ. وأَخْدَجَ الرَّجُلُ صَلَاتَهُ فَهِيَ مُخْدِجَةٌ. - وَ"مَجَّدَنِي" [39]. وَصفَنِي بالمَجْدِ، وَهُوَ الشَّرَفُ وَكَرَمُ الفِعْلِ، وَمَجَدَ الرَّجُلُ فَهُوَ مَاجِدٌ، ومَجُدَ فَهُوَ مَجِيد، وأَمْجَدَ، فَهُوَ مُمْجِدٌ، وَ"فَعَّلَ" تَأْتِي في بَعْضِ مَوَاضعِهَا لِنَسْبَةِ الشَّيءِ إِلَى صِفَتِهِ الغَالِبَةِ عَلَيهِ كَقَوْلكِ: ظَلَّمْتُ الرَّجُلَ، وفَسَّقْتُهُ، وشَجَّعْتُهُ وَجَبَّنْتُهُ، قَال تأَبَّطَ شَرًّا (¬4): ¬
* وَمَا ضَرْبُهُ هَامَ العِدَى لِيُشَجَّعَا * وَفِي قَوْلِ اللهِ: "فَهَؤلَاءِ لِعَبْدِي" دَلِيلٌ علَى أَنَّ مِنْ قَوْلهِ (¬1): {اهْدِنَا} إلى آخرِ السُّوْرَةِ ثَلَاثُ آياتٍ، ولَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُوْنَ: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيهِمْ} آية؛ لأنَّ "هَؤلَاءِ" إِنَّمَا يُقَالُ لِلْجَمْعِ، وَلَوْ أَرَادَ التَّثْنِية عَلَى مَذْهَبِ الشَافِعِيَّةِ لَقَال: "هَاتَانِ" عَلَى أَنَّ لِلشَافِعِيِّ أَنْ يَقُوْلَ: إِنَّ العَرَبَ تُخْرِجُ التَّثْنِيَةَ مَخْرَجَ الجَمْعِ فَتَقُوْلُ: رَجُل عَظِيمُ المَنَاكِبِ وَشبْهُهُ، وَكَانَ الوَجْهُ أَنْ يَقُوْلُ مَالِكٌ: وذلِكَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ في ذلِكَ إِلَيَّ، لكِنَهُ قَدَّمَ وَأَخَّرَ فَقَال: إِلَيَّ في ذلِكَ. اخْتَلَفَ النَّاسُ في "آمين" (¬2) فَقِيلَ: مَعْنَاهُ: يَا اللهُ، وأَضْمَرَ اسْتَجِبْ لِي، ¬
وقِيلَ: مَعْنَاهُ: أُشْهِدُ الله، وقَيلَ: مَعْنَاهُ: كَذلِكَ فَعَلَ اللهُ، وَقِيلَ: آمِينَ: اسمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ تَعَالى مبْنيٌّ عَلَى السُّكُوْنِ، وفُتِحَ لالتِقَاءِ السَّاكِنَينِ كَمَا فُتِحَتْ أَينَ وَكَيفَ، وحَرْفُ النِّدَاءِ مَعَهُ مَضْمَرٌ لم يُذْكَرْ، كَإِضْمَارِهِ في قَوْلهِ تَعَالى (¬1): {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} والتَّقْدِيرُ: يَا آمِين. وَقَال الفَارِسِيُّ (¬2): هُوَ اسْمٌ من أَسْمَاءِ الفِعْلِ نَحْوَ "صَهْ" وَ"مَهْ"، واحتجَّ بما قال عِكْرِمَةُ: دَعَا مُوْسَى وَأَمَّنَ هَارُوْنُ، فَقَال الله (¬3): {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} فَكَمَا أَنَّ قَوْلَ مُوْسَى [- عليه السلام -] (¬4): {رَبَّنَا اطْمِسْ .. } الآية، كَلَامٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ فَكَذلِكَ قَوْلُ هَارُوْنَ: آمِين جُمْلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ بِنَفْسِهَا، وَلَوْلا ذلِكَ لَمْ يَكُنْ دَاعِيًا؛ لأنَّ مَنْ تكلم باسمٍ مُفْرَدٍ، أَوْ بِكَلِمَةٍ مُفْرَدَةٍ لا يُقَالُ لَهُ: دَاعٍ، كَمَا لا يَكُوْنُ أَمْرًا، وَاحتَجَّ بِقَوْلِ الحَسَنِ في تَفْسِيرِهِ بِقَوْلهِ: اللهُمَّ اسْتَجِبْ. واحْتَجَّ أَيضًا بِأَنَّهُ جَاءَ مَبْنيًّا، وَلَيسَ في أَسْمَاءِ الله شَيءٌ مَبْنيّ، وَمَا حَكَاهُ سِيبَوَيهِ (¬5) مِنْ قَوْلهِمْ: ¬
[العمل في الجلوس في الصلاة]
"لَهْيَ أَبُوْكَ"، أَي: لله أَبُوْكَ فَإِنَّمَا بُنيَ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى حَرْفِ التَّعْرِيفِ، كَمَا بُنيَ آمِين. قَال الفَارِسِيّ: وَأَمَّا رِوَايَةُ مَنْ رَوَى "آمِين" اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ تَعَالى، فَتأْويلُهُ أَنَّ هَذَا الاسْمَ لَمَّا تَضَمَّنَ المَرْفُوع، وَكَانَ ذلِكَ الضَّمِيرُ مَصْرُوْفًا إِلَى اللهِ [تَعَالى] قِيلَ: إِنَّه اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ تَعَالى، وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ الكَلِمَةَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَائِهِ دُوْنَ ضَمِيرٍ كَعَالِم وَرَازِقٍ، قَال: فَإِذَا احْتُمِلَ هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُ لَكَ لَمْ يَكُنْ فِيمَا رُويَ عَنْ مُجاهِدٍ حُجَّةٌ لِمَنْ قَال: إِنَّ جُمْلَةَ الكَلَامِ اسْمٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ أَسْمَاءَ اللهِ لَيسَ فِيهَا مَا هُوَ جُمْلَةٌ، وَإِنَّمَا هِيَ مُفْرَدَةٌ. - و"آمينُ" يُمَدُّ ويُقْصَرُ: لَفْظَةٌ عَبْرَانِيّةٌ عَرَّبَتْهَا العَرَبُ، وَلَيسَتْ بِعَرَبِيّةٍ مُحْضَةً، وَقَولُهُم: أَمَّنَ الرَّجُلُ تَأْمِينًا لا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ "آمِينَ" مُشْتَّقَةٌ مِنْ فِعْلٍ، وَلَا أَنّهُ اسْمٌ مُفْرَدٌ، وإِنَّمَا هُوَ ... (¬1) أمَّنَ تأْمِينًا، مِنْ آمِينَ، كَمَا يُقَالُ: بَسْمَلَ وَحَوْلَقَ وَحَوْقَلَ ونَحْوُهُ مِمَّا اشتُقَ فِيهِ الفِعْلُ مِنَ الجُمَلِ. [العَمَلُ في الجُلُوْسِ في الصَّلَاةِ] -[قَوْلُهُ: "وَأَنَا أَعْبَثُ بالحَصْباءِ] [48]. الحَصْبَاءُ. الحَصَا، ومِنْهُ المُحَصَّبُ مَرَمى الجِمَارِ. - و"المُعَاويُّ": مَنْسُوْبٌ إِلَى مُعَاويَةَ فَخِذٌ مِنَ الأنْصَارِ (¬2)، حُذِفَتْ اليَاءُ ¬
كَرَاهِيَةَ اجْتِمَاعِ ثَلَاثِ يَاءَاتٍ، وَلَيسَتْ بِمُعَاويَةَ هَذِهِ الّتِي ذَكَرَهَا الأعْشَى في قَوله (¬1): وَإِنَّ مُعَاويَةَ الأكْرَمِيـ ... ـينَ حِسَانُ الوُجُوْهِ طِوَالُ الأمَمْ هَذِه غَيرُ تِلْكَ (¬2). ¬
- وَقَولُهُ: "حَدِيثُ السِّنِّ" [51]. "هكَذَا الصَوَابُ" (¬1)، وَلَوْ لَمْ يَذْكُرِ السِّنَّ, لَقَال: حَدَثُ. - وَقَوْلُهُ "إنَّ رِجْلَيِّ لَا تَحْمِلَانِنِي" [51]. كَذَا الرِّوَايَةُ بِنُوْنَينِ الأُوْلَى عَلَامَةُ الرَّفْعِ، والثَّانِيَةُ: نُوْنُ الضَّمِيرِ الَّتِي تُسَمَّى نُوْنُ الوقَايَةِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: "لا تَحْمِلَانِي" (¬2) بِنُوْنٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ جَائِزٌ؛ لاجْتِمَاع النُّونين كَمَا حُذِفَتْ في قَوْلهِ [تَعَالى] (¬3): {أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ}، والوَجْهُ: أَنْ يَكُوْنَ المَحْذُوْفُ نُوْنَ الضَّمِيرِ، والمُبْقاةُ نُوْنُ عَلَامَةِ الرَّفْعِ، وَرَوَاهُ بَعْضُ الفُقَهَاءِ "إنَّ رِجْلَايَ" وَهُوَ يُخَرَّجُ عَلَى وَجْهَينِ: أحَدُهُمَا: أَنْ تَجْعَلَ "إِنَّ" بِمَعْنَى"نَعَمْ"، وتُرْفَعُ "رِجْلَايَ" بالابتِدَاءِ. والثَّاني: عَلَى لُغَةِ بالحَارِثِ يَجْعَلُوْنَ المُثنَّى بالألِفِ في الأحْوَالِ كُلِّهَا، وَفِي ذلِكَ يَقُوْلُ شاعِرُهُمْ (¬4): ¬
[التشهد في الصلاة]
تزَوَّدَ مِنَّا بَينَ أُذْنَاهُ طَعْنَةً ... دَعَتْهُ إلى هَابِي التُّرَابِ عَقِيمِ وَعَوَامُّ المَشْرِقِ يَقُوْلُوْنَ للإبْهَام بِهَامٌ (¬1)، وَكَذَا يُوْجَدُ في أَكْثَرِ كُتُبِ الفِقْهِ، وَهُوَ غَلَطٌ، إِنَّمَا البِهَامُ: أَوْلَادُ الضَّأنِ والمَعِزِ، إِنَّمَا الأُصبُعُ إِبْهَامٌ، وجَمْعُهُ: أَبَاهِيمُ. [التَّشَهُّدُ في الصَّلَاةِ] سُمِّيَ التَّشهُّدُ لِمَا فِيهِ من الشَّهَادَتَينِ بالوَحْدَانِيَّةِ والنّبوَّةِ والتَّحِيّةُ: تَتَصَرَّفُ على ثَلَاثَةِ مَعَانٍ (¬2): - تكُوْنُ السَّلامُ مِنْ قَوْلهِ [تَعَالى] (¬3): {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ}. - وتَكُونُ بِمَعْنَى التَّحِيَّاتِ للهِ والسَّلَامُ للهِ، ومَعْنَى حَيَّاكَ اللهُ: سَلَّمَكَ اللهُ. - والتَّحِيّةُ -أَيضًا- المُلْكُ سُمِّيَ بذلِكَ؛ لأنَّ المَلِكَ كَانَ يُحَيَّى بـ"أبَيتَ اللَّعْنَ" (¬4) ولَا يُحَيَّى غَيرُهُ بِذلِكَ، فَسَمَّى المُلْكُ تَحِيّهَ باسم التَّحِيّةِ الَّتِي هي السَّلَامُ، عَلَى مَذْهَبِهِمْ في تَسْمِيَةِ الشَّيءِ باسمِ الشَّيءِ إِذَا كَانَ مِنْهُ بِسَبَبِ، فَيَكُوْنُ مَعْنَى التَّحِيَّاتِ للهِ مَعْنَى المُلْكِ للهِ. وَمَعْنَى حَيَّاكَ اللهُ: مَلَّكَكَ اللهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ عَمْرِو بنِ مَعْدِي كَرِبٍ (¬5): ¬
أَسِيرُ بِهِ إِلَى النُّعْمَانِ حَتَّى ... أَنِيخَ عَلَى تَحِيَّتِهِ بجُنْدِ والتَّحِيّةُ -أَيضًا-: البَقَاءُ، وَهِيَ تَفْعِلةٌ مِنَ البَقَاءِ والحَيَاءِ، فَيَكُوْنُ مَعْنَاهَا: البَقَاءُ والدُّوَامُ للهِ، وَحَيَّاكَ اللهُ مَعْنَاهَا: أَبْقَاكَ اللهُ، وَقَال زهُيرُ بنُ جَنَابٍ الكَلْبِيُّ (¬1): ¬
وَلكُلَّ مَا قَال الفَتى ... قَدْ قُلْتُهُ إلا التَّحِيَّة أَي: إلَّا البَقَاءُ والخُلُوْدُ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّه أَرَادَ: المُلْكَ، وأَنْ يُحَيَّى "أَبَيتَ اللَّعْنَ". وَقَال الحَسَنُ: كَانَ لأهْلِ الجَاهِلِيّةِ أَصْنَامٌ صِغَارٌ فَكَانُوا يَمْسَحُوْنَ وُجُوْهَهَا ويَقُوْلُوْنَ: لَكِ الحَيَاةُ الدَّائِمَةُ البَاقِيَةُ، فَأَمَرَ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - المُسْلِمِين أَنْ يَقُوْلُوا: التَّحِيَّاتُ للهِ، أَي: البَقَاءُ لَهُ لا لِغَيرِهِ. - "الزَّاكِيَاتُ للهِ": أَي: إِنَّ الأعْمَال الصَّالِحَةَ الزَّاكِيَةَ مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُ اللهِ وَكُلُّ شَيءٍ نَمَى فَقَدْ زكَى، وَمِنْهُ الزَّكَاةُ؛ لأنَّهَا تُنَمّي مَال المُزَكِّي وَحَسَنَاتِهِ وتُعْلِي مَكَانَتَهُ عِنْدَ اللهِ. - ومَعْنَى"الطَّيِّباتُ لله": أَي: الكَلِمَاتُ الطَّيِّبَاتُ لله، وهِيَ كُل كَلِمَةٍ كَانَتْ في ذِكْرِ اللهِ، وَفِيمَا يُقَرّبُ إلَيهِ، قَال اللهُ تَعَالى (¬1): {إِلَيهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}. - وَقَوْلُهُ: "الصَّلَوَاتُ للهِ" يَحْتَمِلُ المَعَانِي الّتِي تَقَدَّمَ فِيهَا. ¬
- وَقَوْلُهُ: "السَّلَامُ عَلَيكَ": فيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أحَدُهَا: أَنْ يُرَادَ بالسَّلَامِ: الله، وَهُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَائِهِ (¬1)، فالتقدِيرُ اسمُ السَّلَامِ عَلَيكَ، وَقَدْ بَيَّنَ ذلِكَ لَبِيدٌ فَقَال (¬2). * إِلَى الحَوْلِ ثُمَّ اسْمِ السَّلَامِ عَلَيكُمَا * والثَّانِي: أَنْ يُرَادَ بالسَّلَامِ: السَّلَامَةُ، وهُمَا لُغَتَانِ سَلَامٌ وسَلَامَةٌ (¬3)، كَمَا يُقَالُ: لَذَاذٌ ولَذَاذةٌ، ورَضاع رَضَاعَةٌ، قَال (¬4): ¬
تُحَيَّى بالسَّلَامَةِ أَمُّ بَكْرٍ ... فَهَلْ لَكِ بَعْدَ قَوْمِكِ مِنْ سَلَامِ فَيَكُوْنُ مَعْنَى "السَّلَامُ عَلَيكَ" السَّلَامَةُ لَكَ، و"عَلَى" بَدَلٌ مِنَ الَّلامِ. والقَوْلُ الثَّالِثُ: -وهو الَّذِي نَخْتَارُهُ- أنْ يَكُوْنَ مَعْنَاهُ: السَّلَامَةُ مُتَوَاليِةٌ عَلَيكَ ومُتكرِّرَة، فَتكوْنُ "عَلَى" غَيرَ مُبْدَلَةٍ؛ لأنَّ البَدَلَ في الحُرُوْفِ إِنَّمَا يُصَارُ إِلَيهِ عِنْدَ عَدَم التّأْويلِ، وَقَوْلُ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ: السَّلَامُ عَلَيكَ مَعْنَاهُ: السَّلَامَةُ لَكَ مِنِّي أنْ أتناوَلَكَ بِيَدٍ أَوْ لِسَانٍ؛ لأنَّ الجَاهِلِيّةَ كَانَتْ تُغِيرُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ فَجُعِلَ شِعَارُ الإسْلَامِ مُنَاقِضًا لِذلِكَ، وَقَال أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ (¬1) في كِتَابِ "الزِّينةِ" قَوْلُ النَّاسِ: السَّلَامُ عَلَيكُمْ سُنَّةٌ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ يَكُنْ هَذَا قَبْلَ الإِسْلَامِ، وَكَانَتِ الجَاهِلِيّةُ تَقُوْلُ: أَنْعِمْ صَبَاحًا وَمَسَاءً، وَكَانَتِ العَجَمُ تَنْحَنِي بَعْضُهَا ¬
لِبَعْضٍ يُرِيدُوْنَ بِهِ الخُضُوع والتَّعْظِيمَ، فَرُفِعَتْ هَذِهِ الذِّلَّةُ، وسُنَّ: "السَّلَامُ عَلَيكُم"، كَأَنَهُ يُرِيدُ أَنْ يُعَلِّمَهُمِ أَن مَنْ دَخَلَ في الإسْلَامِ فَقَدْ سَلِمَ، وحَرُمَ دَمُهُ ومَالُهُ، فَسَقَطَتْ عَنْهُ الجِزْيَةُ، فهُوَ سَلِيمٌ آمِن في الدُّنْيَا مِمَّا عَلَى أَهْلِ الحَرْبِ، وآمنٌ في الآخِرَةِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ. - وَقَوْلُهُ: "السَّلَامُ عَلَينا". قَال المُفَضَّلُ (¬1): يَعْنِي الثقلَينِ مِنَ الإنْسِ والجِنِّ المُومِنِينَ. - "وعَلَى عِبَادِ الله الصَّالِحِينَ" يَعْنِي: المَكَئِكَةَ. - "والنّبَيُّ" -يُهْمِزُ- فَيَكُوْنُ مِنْ أَنْبَأَ [يُنْبِيءُ]: إِذَا أَخْبَرَ، فَهُوَ فَعِيلُ بِمَعْنَى مُفْعلِ، كَمَا يُقَال: وَجِيعٌ بِمَعْنَى (¬2) مُوْجِعِ، وأَلِيمٌ بِمَعْنَى مُؤْلِمٍ، سُمِّيَ بِذلِكَ لأنَّهُ أَنْبَأَ الخَلْقَ بِمُرَادِ الله. ولَا يُهْمَزُ فَيَكُوْنُ مُخَفَّفًا مِنَ الهَمْزَةِ، كَمَا قُرِيءَ (¬3): ¬
{إِنَّمَا النَّسِيُّ ... }. أَوْ يَكُوْنُ مُشْتَقًّا مِنَ النُّبُوَةِ: وَهُوَ المَكَانُ المُرْتَفِعُ مِثلِ النَّجْوَةِ، والنَّبِيُّ: مُشْرفٌ عَلَى الخَلْقِ؛ أَي: مُرْتَفِعٌ عَلَيهِمْ، ويُقَالُ لِلْمُرْتَفِعُ مِنَ الأرْضِ نَبِيٌّ. والقولُ الثَّالثُ: أَنْ يَكُوْنَ سُمِّي نَبِيًّا؛ لأنَّه وَاسِطَةٌ بَينَ الخَلْقِ والخَالِقِ يَقُوْدُهُم إِلَيهِ، ويَعْبُرُوْنَ إِلَى ثَوَابِهِ علَى يَدَيهِ، فَشُبِّهَ بالنَّبِيءِ، وَهُوَ الطَّرِيقُ الوَاضِحُ البينُ. وَرَوَى حَمْزَةُ الزَّيَّاتُ (¬1) عَن حُمرَانَ (¬2) مَوْلى ابنِ أَعيَنَ قَال: "قَال رَجُلٌ: ¬
يَا نَبِيءَ اللهِ، فَقَال: لَسْتُ نَبِيءَ اللهِ، ولكِنِّي نَبِيُّ اللهِ" فَأنَكرَ الهِمْزَة. وهَذَا حَدِيثٌ مُنكرٌ لا يُلْتفَتُ إِلَيهِ لِوُجُوْهٍ: - مِنْهَا: أَنَّ نَافِعًا قَرَأَهُ بالهَمْزِ فَلَمْ يُنكرْ عَلَيهِ ذلِكَ، وَهُوَ أَحَدُ السَّبْعَةِ القُرَّاءِ، وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ القِرَاءَاتِ السَّبْعِ مَأْخُوْذَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. - ومنْهَا: أنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ حَكَوا أَنَّ لُغَةَ قُرَيشٍ هَمْزُ النَّبِيءَ، وَهُوَ - صلى الله عليه وسلم - لا يُنكرُ لُغَةَ قَوْمِهِ. - وَمنْهَا: أَن عَبْدَ اللهِ بنَ رَوَاحَةَ (¬1) أَنْشَدَه: ¬
[ما يفعل من سلم من ركعتين]
* يَا خَاتَمَ النُّبَّآءِ إِنَّكَ مُرْسَلٌ * فَلَمْ يُنكِرْ ذلِكَ عَلَيهِ. - ومنْهَا: أَنَّ مَعْنَى النَّبِيءِ -بالهَمْزِ- صَحِيحٌ كَمَا قَدَّمْنَا آنفًا. [مَا يَفْعَلُ مَنْ سَلَّمَ مِنْ رَكعَتَين] - قَوْلُهُ: "أقُصِرَتْ الصَّلَاةُ" [58]. الصَّوَابُ تَخْفِيفُ الصَّادِ، قَال تَعَالى (¬1): {أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} وَلَا وَجْهَ لِلتّشدِيدِ هاهنَا؛ لأنَّه لَيسَ لِلتَّكْثيبِر هاهنَا مَوْضِعٌ. "التَّرْغِيمُ" [62]. وَالإرْغَامُ: الإذْلَالُ؛ رَغِمَ ورَغَمَ، وأَصْلُهُ: أَنْ يُلْصِقَ الأنْفَ بالرَّغَامِ وَهُوَ التُّرَابُ، ثُمَّ صَارَ مَثَلًا في الذِّلَّةِ (¬2). [إِتْمَامُ المُصَلِّي مَا ذَكَرَ إِذَا شَكَّ في صَلَاتِهِ] - و [قَوْلُهُ: "فَلْيتَوَخَّ"] [63]. و"التَّوَخّي": القَصْدُ، والوَخْيُ: الطَّرِيقُ السَّهْلُ. [مَنْ قَامَ بَعْدَ الإتْمَامِ أوْ في الرَّكْعَتَينِ] - قَوْلُهُ: "صَلَّى لَنَا" [65]. قِيلَ: اللَّامُ بَدَلٌ مِنَ البَاءِ، وَقَدْ رُويَ بالبَاءِ بِوَاحِدَةٍ، والوَجْهُ أَنْ يُقَال: إِنَّمَا جَازَ اسْتِعْمَالُ اللَّامِ هاهنَا؛ لأنَّ الإمَامَ يَحْتَمِلُ عَنِ المَأْمُوْمِ كَثيرًا مِنْ أُمُوْرِ الصَّلَاةِ مِمَّا كَانَ يَلْزَمُهُ فِعْلَهُ لَوْ كَانَ فَذًّا (¬3)، فَاللَّامُ عَلَى ¬
[النظر في الصلاة إلى ما يشغلك عنها]
هَذَا دَخَلَتْ لِمَعْنًى تُفِيدُهُ لا يُوْجَدُ ذلِكَ في البَاءِ، وهَذَا أَحْسَنُ مِنْ أَنْ يُذْهَبَ إِلَى البَدَلِ. وَمَعْنَى نَظَرْنَا تَسْلِيمَهُ: انْتَظَرْنَاهُ، وَمِنْهُ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬1): {انظِرُونَا نَقْتَبِس} في إِحْدَى القِرَاءَتَينِ. [النَّظَرُ في الصَّلَاةِ إِلَى مَا يَشْغَلَكَ عَنْهَا] - و"الخَمِيصَةُ" [67]. كِسَاءُ خَزٍّ لَهُ عَلَمٌ، وَقَال أَبُو عُبَيدٍ (¬2): هِيَ كِسَاءٌ مَرَبَّعٌ لَهُ عَلَمَانِ. وفي "العَينِ" (¬3) وَهِيَ بَرَنكانٌ أَسْوَدُ، قَال الشَّاعِرُ (¬4): ¬
إِذَا جُرِّدَتْ يَوْمًا حَسِبْتَ خَمِيصَةً ... عَلَيهَا وجِرْيَالًا نَضِيرًا دَلَامِصَا يَصِفُ امْرَأَةً، شَبَّهَ شَعْرَهَا بالخَمِيصَةِ. والجِرْيَالُ -هُنَا-: الذهَبُ، وَقِيلَ: الزَّعْفَرَانُ. ويُرْوَى: "جرْيَال النَّضير" أَي: ذَوْبُ الذَّهَبِ، شَبَّهَهُ بالجِرْيَالِ، وهي الخَمْرُ (¬1)، والدَّلَامِصُ: الّذِي لَهُ بَرِيق وَلَمَعَان. النَضِيرُ: الغَضُّ. - وَقَوْلُهُ: "أنْبَجَانِيةٌ" [68]. كَانَ الأصْمَعِيُّ يُنكرُهَا، ويَقُوْلُ: لا يُقَالُ: كِسَاءٌ أَنْبَجَانِيٌّ (¬2)، وإِنَّمَا يُقَالُ: مَنْبَجَانِيٌّ مَنْسُوْبٌ إلى مَنْبِج (¬3)، وفُتِحَتْ بَاؤُهُ في النَّسَبِ؛ لأنَّه خُرِّجَ مَخْرَجَ مَنْظَرَانِيٌّ ومَخْبَرَانِيٌّ، يُرِيدُ: إِنَّه جَاءَ عَلَى غَيرِ قِيَاسٍ، ¬
وأَجَازَ غَيرُهُ أَنْبَجَانِيٌّ، وأَنْشَدَ المُبَرِّد (¬1) -في لِحْيَةٍ-: كالأنْبَجَانِيُّ مُصْقُولًا عَوَرِضُهَا ... سَوْدَاءُ فِي لِينِ خَدِّ الغَادَةِ والرُّوْدِ وَحَكَى ثَعْلَبٌ (¬2): أَنْبِجَانِيّةٌ وأَنْبَجَانِيّةٌ، كُلَّمَا كَثُفَ والْتفَّ قَالُوا: شَاةٌ أَنْبَجَانِيّةٌ، أي: كَثيرَةُ الصُّوْفِ مُلْتَفَّتُهُ، وَوَقَعَ في بَعْضِ نُسخِ "المُوَطَّأ": "إِنْبِجَانِيَّةٌ" ولَا أَعْرِفُ أَحَدًا حَكَاهُ، ولَا أَبْعدُ أَنْ تَكُوْنَ لُغَةً، لِشُذُوْذِ هذِهِ الكَلَمَة عَنِ القِيَاسِ في النَّسَبِ؛ لأنَّهَا مَنْسُوبةٌ إلى "مَنْبِج" والقِياس فِيهَا: مَنْبِجِيّةٌ. - و"الحَائِطُ" [70]: البُسْتَانُ؛ سُمِّيَ بِذلِكَ لأحَدِ مَعْنيَينِ: أحَدُهُمَا: لأنَّه يَحُوْطُ صَاحِبَهُ ويَقُوْمُ بِمَؤُنَتِهِ. - أَوْ لأنَّه يُحَاطُ ويُحْفَظُ ويُبْنَى حَوْلَهُ حَائِطٌ، وَكَانَ القِيَاسُ أَنْ يُقَال: مَحُوْطٌ، لكِنَّهُ جَاءَ عَلَى مَعْنَى النَّسَبِ كَعِيشَةٍ رَاضِيَةٍ، ولَحْمٍ حَانِذٍ، أَي: مَرْضِيّةٌ ¬
ومَحْنُوْذٌ، أَي: مَشْويٌّ. - و [قَوْلُهُ: "فَثَارَ دُبْسِيٌّ"] [69] الدُّبْسِيُّ: طَائِرٌ في لَوْبهِ دُبْسَةٌ، وَهيَ حُمْرَةٌ وَسَوَادٌ، وَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّ الدُّبْسِيَّ هُوَ اليَمَامَةُ. - و"طَفِقَ يَفْعَلَ كَذَا": إِذَا أَخَذَ في فِعْلِهِ، قَال تَعَالى (¬1): {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} وَقَدْ حَكَى [اللُّغَويُّون] طَفَقَ -بِفَتْحِ العَينِ-، والأوَّلُ هُوَ المَشْهُوْرُ (¬2) -[قَوْلُهُ: "بِالقُفِّ" ... ] [70] والقُفُّ: كُلُّ مَا ارْتَفَعَ مِنَ الأرْضِ وَلَمْ يُفْرِطْ في الارْتفَاعِ، وَهُوَ -هُنَا- وَادٍ بعَينِهِ (¬3) كَمَا فُسِّرَ. ويقَالُ: ثَمَرَةٌ، وثُمُرٌ، وثُمْرٌ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الثُّمُرَ جَمْعُ جَمْع الجَمْعِ، كَأَنَّهُمْ جَمَعُوا ثَمَرَةً، عَلَى ثَمَرٍ، وثَمَرًا عَلَى ثِمَارٍ، وثِمَارٌ عَلَى ثُمُرٍ، ثمَّ سُكِّنَتِ المِيمُ تَخْفِيفًا، فَقِيلَ: ثُمْرٌ. و"تَذْلِيلُ النَّخلِ": أَنْ تُجْمَعَ أَعْذَاقُهُ، وَهِيَ عَنَاقِيدُهُ، وَفِي"العَينِ" (¬4) ذُلَّلَ الكَرْمُ: إِذَا تَدَلَّى. و"الفِتْنةُ": تَتَصَرَّفُ -في اللُّغَةِ- عَلَى سِتَّةِ مَعَانٍ؛ الاخْتِبَارُ والمِحْنَةُ، ¬
فَتَنْتُ الذَّهَبَ في النَّارِ: إِذَا اخْتبَرْتُهُ فِيهَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالى (¬1): {وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا}. والتَّعْذِيبُ، ومِنْهُ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬2): {فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}، والصَّدُّ والاسْتِذْلَالُ، وَمِنْهُ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬3): {وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ}، والإشرَاكُ والكُفْرُ، وَمِنْهُ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬4): {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ}. والعِبْرَةُ والعِظَةُ، ومِنْهُ: [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬5): {لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}. والحَرْبُ والحَرَجُ. وَيُقَالُ: فَتَنَة وأَفْتَنَةُ، قَال الشَّاعِرُ (¬6): ¬
لَئِنَ فَتَنْتَنِي لَهْيَ بالأمْسِ أَفْتَنَتْ ... سَعِيدًّا فَأَضْحَى قَدْ قَلَى كُلَّ مُسْلِمِ فَألقَى مَقَالِيدَ القِرَاءَةِ واصطَفَى ... وصَال الغَوَانِي بالكِتَابِ والمُنَمْنَمِ - وَقَوْلُهُ: "فَسُمِّيَ ذلِكَ المَالُ الخَمْسُوْنَ" [70]. كَذَا وَقَعَ. والوَجْهُ: رَفْعُ المَالِ ونَصْبُ الخَمْسِينَ (¬1)، أَوْ رَفْعُ الخَمْسِينَ، ونَصْبُ المَالِ. كَمَا تَقُوْلُ: أُعْطِيَ زَيدٌ دِرْهَمًا وأُعْطِيَ دِرْهَم زَيدًا، وأَمَّا وَجْهُ مَنْ رَفَعَ المَال ورَفَعَ. الخَمْسِينَ فَرَوَاهُ بالوَاو بِأَنْ يَكُوْنَ عَلَى طَرِيقِ الحِكَايَةِ، كَأَنَّ المَال كَانَ يُسَمَّى "الخَمْسُوْنَ" فَحَكَى ذلِكَ، كَمَا قَال الشَّاعِرُ (¬2): ¬
وَلَهَا بالمَاطِرُوْنَ إِذَا ... أَكَلَ النَّمْلُ الَّذِي جَمَعًا ويُرْوَى: "المَاطِرُوْنِ" بكَسْرِ النُّوْنِ. ¬
[كتاب السهو]
[كتَابُ السَّهْو] (¬1) (العَمَلُ في السَّهو) -[قَوْلُهُ]: "لَبسَ عَلَيهِ" [1] الرِّوَايَةُ -بالتَّخْفِيفِ- يُقَالُ: لَبَسْتُ عَلَيهِ الأمْرَ أَلْبِسُهُ لَبْسًا: إِذَا خَلَطْتَهُ عَلَيهِ، قَال [الله] تَعَالى (¬2): {وَلَلَبَسْنَا عَلَيهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} وأَمَّا الثَّوْبُ فَيقالُ فِيهِ: لَبِسْتُ أَلْبَسُ لُبْسًا. - وَقَوْلُهُ: "أهِمُ في صَلَاتِي" [3]. المَعْرُوْفُ في هَذَا عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ: وَهِمْتُ أَوْهَمُ وَهْمًا (¬3): إِذَا غَلِطْتَ، ووَهَمْتُ أَهِمُ وَهْما: إِذَا أَذْهَبْتَ (¬4) وَهْمَكَ إِلَى الشَّيءِ، وأَوْهَمْتُ أُوْهِمُ إِيهَامًا: إِذَا أَسْقَطْتَ، وَهُوَ المُرَادُ في الحَدِيثِ المَذْكُوْرِ. ¬
[كتاب الجمعة]
[كِتَاب الجُمُعَةِ] (¬1) (العَمَلُ في غسْلِ يَوْمِ الجُمُعَةِ) - ذَكَرَ قَوْلَ مَالِكٍ إِنَّ مَا ذُكِرَ مِنَ السَّاعةِ فِي هذَا الحَدِيثِ إِنَّمَا هِيَ أَجْزَاء مِنْ سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ، بِدَلِيلِ أَنَّ الشَّيءَ إِذَا كَانَتْ أَجْزَاؤُهُ مُتَشَابهةَ غَيرَ مُخْتَلِفَةٍ فَإِنَّ العَرَبَ رُبَّمَا سَمَّتْ كُلَّ جُزْء مِنْ أَجْزَائِهِ باسْمِ جُملَتِهِ، وهذَا يَجِيءُ كَثيرًا في الأجْنَاسِ والأنْوَاعِ الَّتِي لَيسَتُ لأجْزَائِها أَسْمَاء تَخُصُّها مِنْ حَيثُ هِيَ أَجْزَاء، أَلا تَرَى أَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنَ المَائِعَاتِ كُلّها يُسَمَّى بِاسْمِ جُمْلَتِها، وَلَوْلا ذلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَال: شَرِبْتُ مَاءً، وَلَا أَكَلْتُ عَسَلًا؛ لأنَّه لَمْ يَأكُلْ جَمِيعَ العَسَلِ، ولا شَرِبَ جَمِيعَ المَاءِ، وَلأجْلِ هذَا اسْتَجَازُوا جَمْعَ الأجْنَاسِ والأنْوَاعِ وإِنْ كَانَتْ أَلْفَاظُها تُغْنِي عَنْ ذلِكَ، وَقَالُوا في جَمعِ مَاءٍ: أَموَاهُ ومِيَاهٌ، وَفِي جمعٍ عَسَلٍ: عُسْلانٌ وعُسُلٌ، وَقَد يَكُوْنُ ذلِكَ أَيضا لاخْتِلافِ الأنْوَاعِ، كَمَا قَال النَّابِغةُ (¬2): ¬
بَيضَاءَ مِنْ عَسلِ ذِرْوَةٍ ضَرَبٍ ... شِيبَتْ بِمَاءِ القُلاتِ مِن عَرِمِ فَعَلَى هذَا يَجُوْزُ أَنْ يُسَمَّى كُلَّ جُزْءٍ مِنَ السَّاعَةِ سَاعَةً، وأَيضًا فَإِنَّا وَجدنَا العَرَبَ قَدْ أَوْقَعَتِ السَّاعَةُ عَلَى المُتَعَارَفِ المَشْهُوْرِ مِنْ أَمرها، وَأَوْقَعَتْها أَيضًا عَلَى مَا هُوَ جُزْءٌ مِنْها، وَعَلَى مَا يَحتَمِلُ الأمرَينِ جَمِيعًا. فَأَمَّا إِيقَاعُهُم إِيَّاها عَلَى المُتَعَارَفِ فَكَقَوْلهِم: نُمْتُ ثَلاثَ سَاعَاتٍ، ولَقِيتك، في السَّاعَةِ الأوْلَى مِنَ النَّهارِ أَوْ نحو ذلِكَ، وأَمَّا إِيقَاعُهُم إِيَّاها عَلَى الجُزْءِ فَقَوْلُهُم. اجْلِسْ مَعَنَا سَاعَةً قَصِيرَةً، وسَاعَةً صَغَيرَةً، فَقَد نَابَ هذَا مَنَابَ قَوْلهِم: بَعضُ سَاعَةٍ وجُزْءٌ مِنْ سَاعَة، ومَنَابَ سُوَيعَةٍ، ومِنْ ذلِكَ قَوْلُهُم: خَرَجْتُ فِي السَّاعَةِ الأوْلَى، وجَاءَ زَيدٌ في الثَّانِيَةِ، وَقَد عُلِمَ أن الخُرُوْجَ والقُدُوْمَ لَمْ يَكُوْنَا في الْسَّاعَةِ كُلها، وَإِثَّمَا كَانَا في جُزْءٍ مِنْها. وَمِنْ ذلِكَ قَوْلُهُم: تَحَدَّثنا سَاعَةً مِنَ اللَّيلِ أَوْ مِنَ النَّهارِ، فَإِنَّهم لَا يُرِيدُوْنَ السَّاعَةَ عَلَى الحَقِيقَةِ؛ لأنَّ ذلِكَ لَا يُعلَمُ إلَّا بِوَزْنِ الشمسِ وَتَعدِيلِهِا، إِنَّمَا يُرِيدُوْنَ الوَقْتَ مِنَ الزَّمَانِ، والقَطْعَةَ مِنَ اللَّيلِ، ولا يُبَالُوْنَ كَانَ أَكْثَرَ مِنَ السَّاعَةِ الحَقِيقِيّةِ أَم أَقَلَّ، كَمَا أَنّهُم قَالُوا (¬1): زَيدٌ يَخْرُجُ الآنَ، لَا يُرِيدُوْنَ الآنَ الحَقِيقِيَّ، وَلأنَّهُم يَجْعَلُوْنَ مَا قَرُب مِنْهُ آنًا، وعَلَى هذَا المَعنَى قَالُوا: كَانَ فُلانٌ يَنْظُرُ في عِلْمِ كَذَا، وَهُوَ السَّاعَةَ ينْظُرُ في كَذا، لَا يَخُصُّونَ سَاعَةً بِعَينها، وَقَد يَسْتعمِلُوْنَ اليَوْمَ مَكَانَ ذلِكَ فَيقُوْلُونَ: هُوَ اليَوْمَ يَقْرَأُ كَذَا، ولا ¬
يُرِيدُوْنَ نَهارًا مُعَيَّنًا، وَقَد سَمَّى اللهُ القِيَامَةَ سَاعَةً، وَلم يُرِدْ السَّاعَةَ المَعرُوْفَةَ، وَمِنْ حُجَّةِ مَالِكٍ أَيضًا: أَنَّ الرَّوَاحَ والتَّهْجِيرَ لَا يُسْتعمَلانِ في الغُدُوِّ، وأَيضًا فَقَد رَوَى أَبُو هُرَيرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "إذَا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ قَامَ عَلَى كُلِّ باب مِنْ أبْوَابِ المَسْجِدِ مَلائِكَةٌ يكتُبُوْنَ الناسَ الأَوَّلَ فالأوَّلَ، فَالمُهجِّرُ إلَى الجُمُعَةِ كَالمُهْدِي بَدَنَةً، والَّذي يَلِيهِ كالمُهْدِي بقرَةً ... " حَتَّى ذَكَرَ البَيضَةَ فَلَم يَذْكُر في هذَا الحَدِيثِ السَّاعَاتِ، وإِنَّمَا ذَكَرَ تَرتيبَ النَّاسِ في الإقْبَالِ، والمُهجّرُ لَا يُقَالُ لَهُ: مُبَكَّرٌ، وَكَذلِكَ المُبَكِّرُ لَا يُقَالُ لَهُ: مُهجَّر، وَكَذلِكَ الرَّوَاحُ هذَا المَعرُوْفُ مِنَ اللُّغَةِ، قَال لَبِيدٌ (¬1): وَإِنَّا وإِخْوَانًا لَنَا قَدْ تَتَابَعُوا ... لَكَلْمُغْتَدِي والرَّائِحِ المُتَهجِّرِ وَقَال عُمَرُ بنُ أَبِي رَبِيعَةِ (¬2): أَمِنْ آلِ نُعمٍ أَنْتَ غَادٍ فَمُبْكِرُ .... غَدَاةَ غدٍ أَم رَائِح فَمُهجَّرُ وأَمَّا حَدِيثُ: "مَنْ بكَّرَ وابْتَكَرَ" فالتَّبْكِيرُ في اللِّسَانِ في ضَربَينِ: الخُرُوْجُ في بُكْرَة النَّهارِ، والتَّعجِيلُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ مِنْ لَيلٍ أَوْ نَهار، تَقُوْلُ: أَنَا أُبكِّرُ إلَيكَ العَشِيّة، وَمِنْه باكُوْرَةُ الفَاكِهةِ لاسْتِعجَالها قبلَ غَيرِها. قَال (¬3): ¬
بَكَرَتْ [تَلُوْمُكَ بَعدَوَهْنٍ في النَّدَى] (¬1) ... بَسَلٌ عَلَيكَ مَلامَتِي وعِتَابِي والوَهْنُ والمُوْهِنُ: مِقْدَارُ ثُلُثِ اللَّيلِ، قَال النَابِغَةُ (¬2): * فَأَهْدَى لَهُ اللهُ الغُيُوْثَ البَوَاكِرَا * أَرَادَ: العَجَلَةُ في أَوَّلِ السَّنَةِ، وَعَكْسُهُ لَفْظَةُ الوَاجِبِ، فَقَال: العَرَبُ تَقُوْلُ يَجِبُ عَلَيكَ أَنْ تَفْعَلَ كَذَا، ولا يُرِيدُوْنَ بِذلِكَ العرضَ واللُّزُوْمَ، وإِنَّمَا يُرِيدُوْنَ تَأكِيدَ الأمرِ عِنْدهُ وَحَضُّهُ عَلَيهِ، وأَنّه وَاجب في ذِكْرِ مَنْ يُرِيدُ بُلُوغ الكَمَالِ، قَال الشَّاعِرُ (¬3): لَعَمرُكَ مَا حَقُّ امرِئٍ لا يَعُدُّلِي ... عَلَى نَفْسِهِ حَقًّا عَلَيهِ لَوَاجِبُ وَقَال آخرُ (¬4): ¬
إِذَا قُلْتَ فِي شَيءٍ نَعَم فَأَتِمَّهُ ... فَإِنَّ نَعَم دَينٌ عَلَى الحُرِّ وَاجِبُ أَرَادَ: وَاجِبٌ في الحُرّيَّةِ وَكَرَمِ الأخْلاقِ. - وَقَوْلُ أبِي هُرَيرَةَ [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ]. "كغُسلِ الجَنابة" [2] اعلَم أَنَّ تَشْبِيه الشَّيءِ بالشَّيءِ لا يَقْتَضِي المُمَاثَلَةَ لَهُ مِن جَمِيع الجهاتِ، وَلَو اقْتَضَى ذلِكَ لَكَانَ هُوَ هُوَ، ولَم يَكُنْ غَيرَهُ، فَقَوْلنا: زَيدٌ كَالأسَدِ إِنَّمَا يُرادُ بِهِ في الجُرأَةِ والشَّجَاعَةِ، وأَيضا فَقَدْ قَال أَبُو هُرِيرَةَ لِلْمَرأَةِ الَّتِي تَطيّبتْ لِلْمَسْجِدِ: اللهُ لَا يَقْبَلُ مِنْكَ حَتَّى ترجِعِي فَتَغْتَسِلِي كَغُسْلِكِ مِنَ الجَنَابَةِ. - والصَّوَابُ في قَوْلِهِ: "فَبِها وَنِعمَتْ": أَنْ يَكُوْنَ فعلًا مَاضِيًا لَحِقَتْهُ تَاءُ التّأنِيثِ، وَلَا وَجْة لِرِوَايَةِ مَنْ رَوَاهُ بالهاءِ؛ لأنَّهُ يُرِيدُ: نِعمَتِ الخُطَّةِ أَو الفَعلَةُ. - و"البدنَة": النَّاقَةُ الَّتِي تُهْدَى إِلَى البَيتِ، وتُسَمَّى البقَرَةُ بَدَنَة، وجمعُ البَدَنَةِ: بُدنٌ كَخَشَبَةٍ وخُشْبٌ، وأَكَمَةٍ وأُكْمٍ، ويَجُوْزُ أَنْ يَكُوْنَ جَمعَ جَمع، جَمَعُوا بَدَنَةٍ عَلَى بَدَنٍ كَشَجَرَةٍ وشَجَرٍ، وجَمَعُوا بَدَنًا على بُدنٍ مِثْلَ أَسَدٍ وأُسْدٍ. وقِيلَ: إِنَّ البُدنَ جَمعُ بَدنٍ، وإِنَّ بَدَنًا لُغَةٌ في بَدَنَةٍ، وذلِكَ غَيرُ مَعرُوْفٍ. - و"الأقْرَنُ": ذُو القَرنَينِ. - و"المَقْبُرِيُّ" و"المَقْبَرِيُّ": مَعًا حَكَاهُمَا يَعقُوْبُ (¬1) في مَقْبُرَةٍ ومَقْبَرَة. - وَقَوْلُهُ: "أيَّة سَاعَةٍ": الألِفُ هُنَا لِلاسْتِفْهامِ، وَمَعنَاهُ: التَّوْبِيخُ لَهُ عَلَى تأخِيرِهِ والإنكَارِ بِفِغلِهِ مِثْل قَوْلهِ [تَعَالى] (¬2): {ءَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ} معنَاهُ التَّوْبِيخِ ¬
لِمَنْ ادَّعَى ذلِكَ عَلَى عَيسَى، وَقَد عَلِمَ اللهُ أَنَّ عِيسَى لَمْ يَقُلْ ذلِكَ. - وَقَوْلُهُ: "الوَضُوْءَ". الرِّوَايَةُ عَلَى لَفْظِ الخبَرِ، والصَّوَابُ: المَدُّ عَلَى الاسْتِفهامِ؛ لأنَّه تَوْبِيخٌ وتَعنِيفٌ كَالَّذِي قَبْله كَقَوْلهِ تَعَالى (¬1): {ءآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ} وكَقَوْلهِ تَعَالى (¬2): {السِّحْرُ إِنَّ الله سَيُبْطِلُهُ} في حَرفِ أَبِي عَمرو، ومَجَازُهُ في العَرَبِيّةِ أَنّه مُبْتَدَأٌ مَحْذُوْفُ الخَبَرِ، لِمَا في الكَلامِ مِنَ الدَّلِيلِ عَلَيهِ، كَأَنَّهُ قَال: الوَضُوْءَ أَيضًا مِمَّا فَعَلْتَ، وَلَوْ نَصبَ لَكَانَ جَائِزًا، كَأَنَّهُ قَال: اتَّخَذْتَ الوَضُوْءَ مَعَ عِلْمِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَأْمُرُ بالغُسْلِ. - وَقَوْلُهُ: "مُعَجِّلًا أوْ مُؤَخِّرًا" [5]. يَجُوْزُ فِيها الفَتْحُ والكَسْرُ، والفَتْحُ عَلَى ¬
[ما جاء في الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب]
الصِّفَةِ لِمصدَرٍ مَحْذُوْفٍ، كَأَنَّهُ قَال اغْتَسَل مُعَجِّلًا أَوْ مُؤَخَّرًا، والكَسْرُ عَلَى الحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ الفَاعِلِ في "اغتَسَلَ" ونَظِيرُهُ قَوْلُ النَّابِغَةِ (¬1): وَتُسْقَى إِذَا مَا شِئْتَ غَيرَ مُصَردٍ ... بِزَوْرَاءَ في حَافَاتِها المِسْكُ كَانِعُ - ويُقَالُ: لَغَوْتُ أَلْغُو لَغْوًا، ولَغِيتُ أَلْغِي لَغًا، وهُوَ كُلُّ كَلامٍ فَاسِدٍ لَمْ يَقَع المَوْقِعَ الَّذِي تُحِبُّ، مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلهِم: لَغَتِ الطَّيرُ ولَغِيَتْ: إِذَا اخْتَلَطَتْ أَصوَاتُها، قَال العَجَّاجُ (¬2): وَرُبَّ أَسْرَابٍ حَجِيجٍ كُظَّمِ عَنِ اللَّغَا وَرَفَثِ التَّكَلُّمِ وَقَال آخَرُ (¬3): * بَاكَرتُهُ قَبْلَ أَنْ تَلْغَى عَصَافِيرُهُ * ويُقَالُ: عَدَلْتُ الشَّيءَ عَدلًا، وعَدَّلْتُهُ تَعْدِيلًا: إِذَا سَوَّيتُهُ، والتّشدِيدُ فِيهِ أَكْثَرُ. [مَا جَاءَ في الإنْصَاتِ يَومَ الجُمُعَةِ والإمامُ يَخْطُبُ] - و"حَاذُوا بالمَناكِبِ" [8]. أي: اجْعَلُوا بَعضَها لِبَعْضٍ، وتَقْدِيرُها: ¬
(ما جاء في السعي يوم الجمعة)
حَاذُوا المَنَاكِبَ بالمَنَاكِبِ، فَحَذَفَ اخْتِصَارًا. - وَقَوْلُهُ: "فَحَصَبَهُمَا" [9]. أي: رَمَاهُمَا بالحَصبَاءِ. وَسَمَتَ وَشَمَتَ مَعًا. (مَا جَاءَ في السَّعي يَوْمَ الجُمُعَةِ) - وَوَقَعَ في بَعْضِ النُّسَخِ: (مَا جَاءَ في السَّعي إِلَى الجُمُعَةِ)، وكِلاهُمَا جَائِزٌ وَاحتَجَّ مالِكٌ لِلسّعيِ بأنَّهُ العَمَلُ والتَّصَرُّفُ، وذلِكَ مَعرُوْفٌ في اللغَةِ كَثِيرٌ، قَال زهُيرٌ (¬1): سَعَا سَاعِيَا غَيظِ بنِ مُرَّة بَعدَمَا ... تَبَزَّلَ مَا بَينَ العَشِيرَةِ بالدَّمِ وإِنَّمَا يُرِيدُ أَنّهُمَا تَصَرَّفَا في الصُّلْحِ وإِطْفَاءِ نَائِرَةِ الحَرْبِ، وذلِكَ يَكُوْنُ بِمَشْيٍ وبِغَيرِ مَشْيٍ، ومِثْلُهُ قَوْلُ ابنِ همَّامٍ السَّلُوْليِّ (¬2): وَسَاعٍ مِنَ السُّلْطَانِ يَسْعَى عَليهِمُ ... وَمُحْتَرِسِ مِنْ مِثْلِهِ وَهُوَ حَارِسُ وأَصْلُهُ -في اللُّغَةِ-: المَشْيُ عَلَى الأقْدَامِ، ثُمَّ يُسْتَعَارُ لِكُلِّ تَصَرُّفٍ سَوَاءً كَانَ مَعَهُ مَشْيٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ كَالجَرْيِ، إِنَّمَا أَصلُهُ في العَدْو ثُمَّ يُسْتَعمَلُ بِمَعنَى النَّظَرِ في الأموْرِ والتَّصَرُّفِ فِيها، فَيقالُ: فُلانٌ يَجْرِي مَجْرَىً حَسَنًا أَوْ قَبِيحًا، وَلَيسَ هُنَاكَ جَرْيٌ عَلَى قَدَمٍ، وَقدْ جَاءَ في كِتَابِ اللهِ السعيُ بِغَيرِ معنى العَمَلِ كَقَوْلهِ ¬
تَعَالى (¬1): {مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66)} أَي: تَمشِي مَشْيًا ضَعِيفًا؛ لأنَّه إِنَّمَا خُيِّلَ إِلَيهِ أَنها تَتَحَرَّكُ وَتَثِبُ، وَقَال تَعَالى (¬2): {مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ} أَي: يُسْرِعُ في مَشْيِهِ، وَقَوْلُهُ [تَعَالى]: (¬3) {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} يُحتَمَلُ العَمَلُ، ويُحتَمَلُ المَشْيُ، وَقَوْلُهُ [تَعَالى] (¬4): {وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8)}، وَقَوْلُهُ [تَعَالى] (¬5): {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى} يُحتَمَلُ أَيضًا المَشْيُ والعَمَلُ، ومِمَّا يَدُلُّ على أَنَّ السعيَ يَكُوْنُ بِرِفقٍ وبِغَيرِ رِفْقٍ قَوْلُهُم: فُلان يَسْعَى عَلَيَّ عِنْدَ السُّلْطَانِ، يُرِيدُ: التَّلَطُفُ لِيُغَيِّرَهُ عَلَيهِ، ومِثْلُ هذَا لَا يَكُوْنُ إلَّا بالرِّفْقِ والتّانِّي، لَا بالخَرَقِ والعَجَلَةِ، وكَذلِكَ بَيتُ زهُيرٍ المُتَقَدّمُ؛ لأنَّ السعيَ في الإصلاحِ بَينَ النَّاسِ إِنَّمَا يَكُوْنُ بالرِّفْقِ والتَّلَطُفِ، وَكَذلِكَ يُسَمُّوْنَ أَفْعَال الإنْسَانِ وَمَا تَصَرَّفَ فِيهِ بِمَشْيٍ كَانَ أَوْ بِغَيرِ مَشْيٍ مَسَاعِيَ، وَاحِدَتُها مَسْعَاةٌ، ولا يَخُصُّوْنَ بِذلِكَ مَا أُسْرِعَ فِيهِ دُوْنَ مَا تَرَفُّقٍ وتأَنٍ، وأَمَّا قَوْلُ زُهْير (¬6): * سَعَى بَعدَهُم قَوْم لِكَي يُدرِكُوْهُمُ * فَإِنَّمَا أَرَادَ: الإسْرَاعَ في التَّصَرُّفِ؛ لأنَّهُ أَبْلَغُ فِي المَعنَى الَّذِي أَرَادَ، وَأَمَّا قَوْلُ ¬
الأعْشَى (¬1): وَسَعَى لِكْنَدَةَ غَيرَ سعيِ مُوَاكِلٍ ... قَيسٌ فَضَرَّ عَدُوَّها وَبَنَى لَها فهذَا لا يَكُوْنُ إِلَّا سَعيًا ضَعِيفًا؛ لأنَّ المُوَاكِلَ: هُوَ الَّذِي يَتكِلُ عَلَى غَيرِهِ، وَلَا يَجِدُّ في السّعيِ، هذَه رِوَايَةُ الأصمَعِيِّ. وَرَوَى أَبُو عُبَيدَةَ: "سَعيَ غَيرِ مُوَاكَل" وَقَد بَيَّنَ في هذَا البَيتِ أَنَّ السَّعيَ يَكُوْنَ سَرِيعًا وغَيرَ سَرِيعٍ، وَقَال الشَّاعِرُ (¬2): سَعَيتَ إِلَى الخَيرَاتِ سَعْيَ مُقَصِّرٍ ... فَأَقْبَلْتَ سُكِّيتًا وَغَيرُكَ سَابِقُ فَإِذَا ثَبَتَ هذَا لَمْ يَكُنْ فِي قِوْلهِ (¬3): {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} دَلِيلٌ عَلَى وُجُوْبِ السَّعيِ والإسْرَاعِ دُوْنَ التّأنِّي. وإِنْ جُعِلَ إِسْرَاعًا فَيَكُوْنُ إِسْرَاعًا بالنِّيّةِ والاعتِقَادِ عَلَى القَدَمِ كَمَا قَال مالك، وانْظُر مَا ذَكَرْنَاهُ في بَابِ (جَامِعِ الوَضُوْءِ) مِنْ قَوْلِ عُمَرَو بنِ مَسْعُوْدٍ، إلَّا أَنَّ الأظْهرَ مِنْ هذهِ المَسْأَلةِ أَنَّ الأكْثَرَ في كَلامِ العَرَبِ أَنْ يَكُوْنَ السَّعيُ بِمَعْنَى الإسْرَاعِ والشَّوَاهِدِ عَلَيهِ أَكْثَرُ كَنحو مَا قَدَّمنَاهُ، وكَقَوْلِ الشَّمَّاخِ -يَرثي عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ-: (¬4) ¬
[ما جاء في الساعة التي في يوم الجمعة]
فَمَنْ يَسْعَ أَوْ يركَبْ جَنَاحَي نَعَامَةٍ ... لِيُدرِكَ مَا قَدَّمتَ بالأمسِ يُسْبَقِ [مَا جَاءَ في السَّاعَةِ الَّتي فِي يَوْمِ الجُمُعَة] - وَذَكَرَ قَوْلَهُ: "قَائِم يُصَلِّي" [15]. قَال وَيُحتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بالصَّلاةِ: الدُّعَاءَ، ويُحتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بالقِيَامِ المُوَاظَبَةَ عَلَيهِ، مِنْ قَوْلهِم: فُلانٌ يَقُوْمُ بأمرِ فُلانٍ وحَوَائِجِهِ، أَي: يَسْعَى في ذلِكَ ويَنْظُرُ فِيهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ [تَعَالى] (¬1): {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}. ومِنْهُ قَوْلُ الأعشَى (¬2): يَقُوْمُ عَلَى الوَغْمِ في قَوْمِهِ ... فَيَعْفُوَ إِذَا شَاءَ أَوْ يَنْتَقم - قَوْلُهُ: "وأشَارَ [- رضي الله عنه -] بِيدهِ يُقَلِّلُها" [15]. أي: يُصَغَّرُ مَدَّتها. والقِلَّةُ تَتَصرَّفُ في كَلامِ العَرَبِ عَلَى أَربَعَةِ مَعَانٍ: أحَدُها: ضِدُّ الكَثيرِ كَقَوْلهِ [تَعَالى] (¬3): {فِئَةِ قَلِيلَةٍ}. والثَّانِي: بِمعنَى الحَقَارَةِ والصِّغَرِ. وتكُوْنُ للكَثرةِ بِمَعنَى الجَلالةِ ¬
والعِظَمِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّعبِيِّ (¬1) لِعَبْدِ المَلِكِ بنِ مَروَانَ -وَهُوَ يَعنِي مَلِكِ الرُّوْمِ-: "إِنَّمَا كَثُرَتْ في عَينهِ؛ لأنَّه لَمْ يَرَكَ" ومِنْهُ قَولُ العبَّاسِ بنِ مردَاس (¬2): فَإِنْ أَكُ فِي شِرَارِكُمُ قَلِيلًا ... فَإنِّي في خِيَارِكُمُ كَثيرُ وَالثَّالِثُ: أَنْ تكُوْنَ بِمَعْنَى الفَقْرِ [تَقُولُ]: فُلانٌ يَشْكُو القِلَّةَ. وَالرَّابعُ: أَنْ تكوْنَ بِمَعْنَى النَّفْيِ، يُقَالُ: قَلَّ رَجُلٌ يَقُوْلُ ذلِكَ إِلَّا زَيدًا، أَي: مَا يَقُوْلُ ذلِكَ إلَّا زَيدا. - وَقَوْلُهُ: "وَمَا مِنْ دَابة إلا وَهِيَ مُصِيخَةٌ" [16]. أَي: مُسْتَمِعَةٌ، وهذِه مَسْألةٌ مِنَ العَرَبِيّة فِيها إِشْكَالٌ؛ لأنَّ قَوْلَهُ: "مِنْ دَابَّةِ" مَجْرُوْرٌ في مَوْضع رَفْعٍ بالابْتِدَاءِ، فَإِنْ جَعَلْتَ قَوْلَهُ: "وَهِيَ مُصِيخَةٌ" في مَوْضِعِ خَبَرِهِ كَانَ خَطَأ؛ لأنَّ ¬
الجُمَلَ الوَاقِعَةَ مَوْقعَ الخَبَرِ لَا يَجُوْزُ دُخُوْلُ الوَاو عَلَيها، فَإِنْ جَعَلْتَها جملَةً في مَوْضِعِ نَصبٍ عَلَى الحَال بَقِيَ المُبْتَدَأُ بِلا خَبَر، وَلَم يَكُنْ في الكَلامِ عَامِل يَعمَلُ في هذهِ الحَال، وألا يَصحّ أَنْ يُقَال: إِنها حَال سَدَّتْ مَسَدَّ الخَبَرِ؛ لأنَّ الأحوَال لَا تَسُدّ مَسَدَّ الأخْبَارِ إِلَّا إِذَا كَانَ المُبْتَدَأُ مَصدَرًا أَوْ فِي تَأْويلِ المَصدَرِ؛ لأنَّه لَيسَ ههنَا عَامِل يَعمَلُ في الحَال؟ ! . والوَجْهُ -في ذلِكَ- أَنْ يُجْعَلَ خَبَرُ المُبْتَدَأ مَحْذُوْفًا، وَالجُملَةُ الَّتِي بعدَ "إِلَّا" في مَوْضِعِ نَصب عَلَى الحَال، مِنَ الضَّمِيرِ الَّذِي في الخَبَرِ، وَيَكُوْنُ الخَبَرُ المُقَدَّرُ هُوَ العَامِلُ في هذهِ الحَالِ فَكَأَنَّهُ قَال: مَا دَابَّة مَوْجُوْدة إلَّا وَهِيَ مُصِيخة. وَإِنْ جَعَلْتَ الوَاوَ زَائِدَةً -عَلَى مَذْهبِ من يُجِيزُ زِيَادَتَها- كَانَتِ الجُملَةُ في مَوْضِعِ خَبَرٍ المُبْتَدَأ. و"الشَّفَقُ" [16] الإشْفَاقُ، قَال أَبُو شَجَرَةَ (¬1): مَا زَال يَضْرِبُني حَتَّى خَذَيتُ لَهُ ... وَحَال مِنْ دُوْنِ بَعضِ الرَّغْبَةِ الشَّفَقُ - و"التَّوْرَاة": فَوْعَلَة، وأصلُها وَوْرَيَةٌ، مِنْ وَرَى الزَّنْدُ يَرِي: إِذَا خَرَجَتْ مِنْهُ النَّارُ عِنْدَ القَدحِ، سُمِّيَتْ بِذلِكَ؛ لأنَّها نُوْر وَهُدًى، كَمَا قَال تَعَالى (¬2): {هُدًى وَنورٌ} وَوَزنُها عِنْدَ الكُوْفِيِّينَ تَفْعِلَة وأَصلُها تَوْرِيَة، والتَّاءِ عِنْدَهُم زَائِدَ، ¬
وَالألِفُ مُنْقَلِبَةٌ من يَاءٍ. - قَوْلُهُ: "لَا تُعمَلُ المُطِي". أَي: لَا يُسَافَرُ عَلَيها، يُقَالُ: أَعلَمتُ النَّاقَةَ: إِذَا صرَفْتَها في العَمَلِ، وتُسَمَّى يَعمُلَة، والذَّكر يَعمُلٌ، قَال الشَّاعِرُ: إِذْ لَا أَزَالُ عَلَى أَقْتَادِ نَاجِيَةٍ ... وَجْنَاءَ يَعمُلَةِ أَوْ يَعمُلٍ جَمَلُ وسُمِّيَتْ مَطِيَّةً؛ لأنَّه مِنْ [المَطْو؛ لأنَّ مَطَاها] (¬1) وَهُوَ ظَهْرها يُركَبُ، وقِيلَ: سُمِّيت مَطِيَّةً؛ لأنَّها يُمْطَى بِها في السَّيرِ أَي: يُمَدُّ، قَال أَبُو كَبْشَةَ (¬2): * مَطَوْتُ بِهِم ...... * - و"إِيلِيَاءُ": اسْمُ بَيتِ المَقْدِسِ (¬3). - وَقَوْلُهُ: "كَذَبَ كعب" الكَذِبُ على أَربَعةِ أَوجُهٍ: أحَدُها: ضدُّ الصِّدقِ المَنْهِيِّ عَنْه إِلَّا لِمَعَارِضِ إِبَاحَةٍ. وَالثَّانِي: بمَعنَى الغَلَطِ والخَطَأ، ومِنْهُ قَوْلُهُ: كَذَبَ كَعبٌ، وكَذَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ، وَقْوْلُ سَعْدِ بنِ حَسَنٍ في طَلاق العَبْدِ: كَذَبَ جَابِرُ بنُ زَيد ومِنْهُ قَوْلُ ¬
[الهيئة وتخطي الرقاب]
أَبِي طَالِبٍ (¬1): * كَذَبْتم وبَيتِ الله يُبْزَى مُحَمَّدٌ * أي: أَخْطَأتم، ويُبْزَى: يُقْهرُ ويُغْلَبُ، وَمِنْهُ قَوْلُ معنِ بنِ أَوْسٍ (¬2): وإنِّي أَخُوْكَ الدَّائِمُ العَهْدَ لم أَحُلْ ... إِن ابْزَاكَ خَصمٌ أَوْ نَبَا بِكَ مَنْزِلُ والثَّالثُ: الرُّجُوع عَنِ القِرنِ في الحَربِ، يُقَال: حَمَلَ عَلَى قِربهِ فَكَذَبَ. إِذَا رَجَعَ وَلم يَصدُقُ الحَملَةَ، وَحَمَلَ فصَدَقَ: إِذَا لَمْ يَرْجِع. والرَّابعُ: بِمَعنَى الإغْرَاءِ بالشَّيءِ والإيجَاب لَهُ، تَقُوْلُ العَرَبُ: كَذَبَكَ الحَجَّ؛ أي: عَلَيكَ الحَجَّ، وكَذَبَكَ الحَج؛ أَي: أمكَنَكَ وتَهيأَ لَك ولَم يَغِبْكَ، وفي الحَدِيثِ: "كذَبَكُم قَتَادَةَ"، وَقَال عَنْتَرَةُ (¬3): كَذَبَ العَتِيقُ وَمَاءَ شَنٍّ بَارِدا ... إِنْ كُنْتَ سَائِلَتِي غَبُوْقا فاذْهبِي ويُروَى: "العَتِيق" مَرفُوْعًا ومَنْصُوْبا. [الهيئةُ وتَخَطِّي الرِّقَابِ] " التَّخَطِّي": غَيرُ مَهْمُوز؛ لأنَّه مِنْ تَخَطَى يتَخَطَّى تَخَطِّيًا، مِنَ الخَطْوَةِ ومَنْ همَزَهُ فَقَد أَخْطَأَ، إِنَّمَا يُهْمَزُ لَوْ كَانَ مِنَ الخَطَأ، تَقُوْلُ: تَخَطَّأت لِفُلانٍ في ¬
المَسْأَلةِ وَتَخَاطَأْتُ، أَي أَظْهرتُ لَهُ أَنّكَ مُخْطِئ، وَلَسْتَ كَذلِكَ. و"ومهْنَة" [17]. يَجُوْزُ كَسْرُ المِيمِ وَفَتْحُها، فَمَنْ فَتَحَ أَرَادَ المصدَرَ، وَمَنْ كَسَرَ أرَادَ الهيئَةَ، وأَنكرَ (¬1) الأصمَعِيُّ كَسْرَ المِيمِ، وَحَكَى اللِّحيانِيُّ. مَهنْتُ القَوْمَ أَمهنهم مَهْنَةً وَمِهْنَةً ومَهْنًا ثَلاثُ لُغَاتٍ: إِذَا خَدَمتَهم، وَلَم يُفَرِّقْ بَينَهُمَا وحَقِيقَتُهُمَا في صِنَاعَةِ النَّحو أَنَّ المَهْنَ المَصدَرُ الدَّالُ عَلَى النَّوع المُجَرَدِ مِنَ الكِمِّيّةِ والكَيفِيةِ. والمَهْنَةُ -بِفَتْحِ الفَاءِ-: المَرَّةُ الوَاحِدَةُ الدَّالَّةُ عَلَى الكِمِّيّةِ، والمِهْنَةُ -بِكَسْرِ الفَاءِ-: الهيئَةُ والكَيفِيةُ. - و"الحَرَام" [17]: المُحرِمُ، وجمعُهُ: حُرُمٌ، وَمِنْهُ: [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬2): {وَأَنتُم حُرُمٌ}. - وَ"الحَرَّة" [18]: كُلُّ أَرضٍ سَوْدَاءُ ذَاتُ حِجَارَةٍ كَأَنّها مَحرُوْقَة (¬3)، وَجَمعُها: حَرَّاتٌ، وَحِرَارٌ، وَحَرُّوْن، وَأَحَرُّوْنَ. وحِرَارُ العَرَبِ المَشْهُوْرَةِ خَمْسٌ (¬4): حَرَّةُ بني سُلَيمٍ، وحَرَّةُ لَيلَى، وحَرَّةُ رَاجِلٍ، وحَرَّةُ واقِمٍ بالمَدِينَةِ، ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
وحَرَّةُ النَّارِ لِبني عَبْسٍ. ¬
[كتاب الصلاة في رمضان]
[كِتابُ الصَّلاةِ في رَمَضَان] (¬1) [التَّرغِيبُ في الصَّلاةِ في رَمَضَان] - و"الأوْزَاعُ": الجَمَعَاتُ المُتَفَرِّقَةُ مِنَ النَّاسِ لَا واحِدَ لَها مِنْ لَفْظِها. - و"الرَّهْطُ": مِنَ الثَّلاثَةِ إِلى العَشَرَةِ. - ويَجُوْزُ في قَوْلهِ: "وَإِنِّي لأرَانِي" فَتْحُ الهمزَةِ، ويَكُوْنُ مِنَ رَأَيتُ، وضَمُّها ويَكُوْنُ مِنْ أَرَيتُ (¬2). - وَ"البِدعَةُ": كُلُّ شَيءٍ مُحدَث لَمْ يَتَقَدّم لَهُ نَظِير، يُقَال مِنهُ: أَبْدَعَ وابتَدَعَ: إِذَا أَتَى بِمَا لَمْ يُسْبَقْ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعلٍ، وَمِنْهُ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬3): {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ} أَي: خَالِقُها عَلَى غَيرِ مِثَالٍ مُتَقَدِّمٍ (¬4). والبِدعَةُ بِدعَتَانِ؛ بِدعَة مَحمُوْدَة حَسَنَة كَجَمعِ أَبِي بَكْرٍ القُرآنَ، وجَمعِ عُثْمَانَ النَّاسَ علَى مُصحَف وَاحِدٍ، وجَمعُ عُمَرَ النَّاسَ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ (¬5)، فَمِثْلُ هذِهِ البِدَعِ (¬6) يُؤجَرُ ¬
عَلَيها مُبْتَدِعُها الَّذِي ابْتَدَعَها، وَفِي مَعنَى ذلِكَ جَمِيع مَا يَتَعَيَّنُ عَلَى الاحتِيَاطِ في الدِّينِ، وأمَّا البِدعَةُ المَذْمُوْمَةُ فَكُل مَا يُصَادِمُ السُّنَنَ الثَّابِتةَ ويُنَاقِضُها (¬1)، وَفَي مَعنَاها مَا يُوْقعُ الإشْكَال في الدِّينِ، والتّشويشِ عَلَى المُسْلِمِينَ في أعمَالِهمْ وعَقَائِدِهم كَالكَلامِ في القَدَرِ، وخَلْقِ الأفْعَالِ، وهذِهِ البِدَعُ يَأثمُ مُبْدِعها ويَكُوْنُ عَلَيهِ وزْرُ مَنْ ضَلَّ بِها، وَفِي مِثْلِ هذَا يَقُولُ الشَّاعِرُ (¬2): وَخَيرُ أُمُوْرِ النَّاسِ مَا كَانَ سُنَّةٌ ... وَشَرُّ الأمورِ المُحدَثَاتُ البَدَائِعُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ - عليه السلام -: "ألَا إِنَّ كُلَّ محدَثَةٍ بدعَةٌ، وكُلَّ بِدعَةٍ ضَلالةٌ". - وَقَوْلُهُ: "يقْرأ بالمِئِينِ" [4]. القُرآنُ على أَربَعَةِ أَقْسَامٍ: - السَّبع الطِّوَالُ، وَهِيَ مِنَ البَقَرَةِ إِلَى بَرَاءَةَ؛ لأنَّهم كَانُوا يَقْرَؤُوْنَ بَرَاءَةَ والأنْفَال سُوْرَةً وَاحِدَةً. ¬
- وَمئِينَ، وَهِيَ مَا وَلِيَ الطِّوَال، وسُمّيَتْ مِئِينَ؛ لأنَّ في كُلِّ سُوْرَة مائةُ آيةِ أَوْ مَا يقْرُبُ مِنْها. - والمَثَانِي، مَا وَلِيَ المِئِينَ، كَأنَّ المِئِينَ مَبَادِي، وهذهِ مَثَانِي لَها، وَقَد تُسَمَّى سُوَرَ القُرآنِ كُلِّه مَثانِيَ؛ لأنَّ الأنْبَاءَ والقَصَص تُثنَى فِيهِ، ومِنْهُ قَوْلُهُ [تَعَالى] (¬1): {مُّتَشَبِها مثانَي}. والنَّوْعُ الرَّابعُ: "المُفَصَّلُ" وَأَوَّلُهُ {قَ} فِي مُصحَفِ عُثْمَان، وَ {الرّحمَن (1)} في مُصحَفِ ابنِ مَسْعُوْدٍ. - وبُزُوْغُ الفَجْرِ: أَوَائِلُهُ. ¬
[كتاب صلاة الليل]
[كتَابُ صَلاة اللَّيل] (¬1) [مَا جَاءَ في صَلاةِ اللَّيل] - " النُّعاسُ" [3]. نَوْمٌ خَفِيفٌ لا يَبْلُغُ الاسْتِغْرَاقَ، وَمِنْهُ قَوْلُ عَدِي بنِ الرِّقَاعِ (¬2): وَكَأَنّها بَينَ النِّسَاءِ أَعَارها ... عَينَيهِ أَخوَر مِنْ جَاذِر جَاسِمِ وَسْنَانُ أَقْصَدَهُ النُّعَاسُ فَرَنَّقَتْ ... فِي عَينهِ سِنَةٌ وَلَيسَ بِنَائِمِ وقولُ امْرِئِ [القَيسِ] (¬3) /: * فَإِمَّا تَريني لَا أُغَمِّضُ سَاعَة * ¬
والرُّقَادُ: الاسْتِغْرَاقُ، وكَذلِكَ النَّوْمُ بِدَلِيلِ قَوْلِ عَدي: "وَلَيسَ بِنَائِمِ" وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالى (¬1): {لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ}. - ويقَالُ: "كَرَاهِية" و"كَرَاهة" [4] بِيَاءٍ وبِغَيرِ يَاءٍ [لُغَتَان] فَصِيحَتَانِ. - وَقَوْلُهُ: "لَا يَمَلُّ" [4]. فِيه تأْويلان: أَحَدُهُمَا: عَلَى مَذَاهِبِ العَرَبِ في تَسْمِيَةِ المُجَازَاةِ عَلَى الشَّيءِ باسْمِ الشَّيءِ المَجْزَيِّ عَلَيهِ فَسَمَّى -ههنَا- المُجَازَاةَ عَلَى المَلَلِ [مَللًا والمَعنَى] لَا يَمتَنعُ من مُجَازَاتِكُم وَثَوَابِكُم حَتَّى تَمَلُّوا العَملَ وَمِنْهُ: [قَوْلُهُ تَعَالى]: (¬2) {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} وَ [قَوْلُهُ تَعَالى]: {فَمَنِ اعتَدَى عَلَيكُم .. } الآيةُ (¬3). ومِنْهُ قَوْل عَمرِو بنِ كُلْثُوْمٍ (¬4): أَلا لَا يَجْهلنَّ أَحَدٌ عَلَينَا ... فنَجْهلَ فَوْقَ جَهْلِ الجَاهِلِينَا وإِنَّمَا جَازَ أَنْ يُسَمِّيَ الشَّيءَ باسْمِ مَا جُزِيَ عَلَيهِ لِمَا بَينَهُمَا مِنَ التَّشَابُهِ وإِنْ كَانَا مُخْتَلِفَينِ في حَقِيقَةِ المَعْنَى. والتّأويلُ الثَّانِي: فَإِنَّ الله لَا يَمَلُّ حَتَّى إِذَا مَلَلْتم فَيَكُوْنُ كقَوْلهِم: هذَا الفَرَسُ لَا يَنْقَطِعُ جريُهُ حَتَّى يَنْقَطِعَ جَريُ الخَيلِ، وفُلانٌ لا يَضْعُفُ عَنِ الخِصَامِ حَتَّى يَضعُفَ الخُصُوْمُ، المُرادُ: إِنَّ الفَرَسَ لَا يَنْقَطِعَ جَرْيُهُ إِذَا انْقَطَعَ جَرْيُ الخَيلِ، ولَيسَ المُرَادُ إِنَّ جَريَهُ يَنْقَطِعَ عِنْدَ انْقِطَاع جَزي الخَيلِ، وَلَوْ كَانَ كَذلِكَ ¬
لَمْ يَكُنْ فيه مدحٌ، وكَذلِكَ الخَصمُ. وَمِنْ هذَا قَوْلُ الشَّنْفَرَى (¬1): صَلِيَتْ مِنِّي هُذَيلٌ بِخِرقٍ ... لا يَمَلُّ الشَّرَّ حَتَّى يَمَلُّوا فَإِنْ قِيلَ: "حَتَّى" مَعنَاها الغَايَةُ فَكَيفَ يَصِحُّ تَقْدِيرُها بِـ "إِذَا"؟ . فالجَوَابُ: أَنَّ التقدِيرَ الَّذي قَدَّرنَاهُ إِنَّمَا هُوَ جِهةِ التَّلْخِيص لِلْمَعنَى والتقرِيبِ لَهُ، وَمعنَى الغَايَةِ مَوْجُوْدٌ فِيها لَمْ تَنْتَقِلْ عَنْهُ؛ لأنَّ تَمثيلَنَا بالفَرَسِ إِنَّمَا مَعنَاهُ: إِنَّ جَرْيَهُ يتمَادَى إِلَى أَنْ يَنْقَطِعَ جَرْيُ الخَيلِ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى جَريِهِ، وَكَذلِكَ الخصمُ، وَهذَا المَعنَى مَوْجُوْدٌ في الحَدِيثِ؛ لأنَّ أفْعَال العِبَادِ تَنْقَطِعُ وَيَدخُلُها النَّقْصُ والتَّغَيُّرُ، وأَفْعَالُ الله مُتَّصِلَةٌ دَائِمةٌ لا انْقِطَاعَ لَها وَلَا تَغَيُّرَ، وَلِذلِكَ يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يَتكلَّفَ مِنَ العَمَلِ مَا يَطِيقُ، إِذْ لَا قُدرَةَ لِلْمَخْلُوْق عَلَى مُنَاهضَةِ الخَالِقِ تَبَارَكَ، الَّذِي لَا يُمَاثَلُ في أَمرٍ، ولا يُنَاهضُ فِي فِعلٍ. وَلِـ"حَتَّى" مَعنًى ثَالِثٌ مِنْ مَعَانِيها، وَهُوَ قَوْلُ القَائِلِ: لَا أُسلِمُ زَيدًا حَتَّى يُضْرَبَ، أَي: لَا أُسْلِمُهُ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى حَالِ الضَّربِ وَلكِنَّنِي استنقِذُهُ قَبْلَ ذلِكَ، وَلَم يُرِن أَنْ يُسْلِمَهُ إِذَا ضُرِبَ؛ لأنَّه إِذَا حَمَاهُ قَبْلَ الضَّرْبِ فَأَحرَى أَنْ يحمِيَهُ عِنْدَ الضَّربِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: لَا يُسْلِمُوْنَ الغَدَاةَ جَارَهُمُ ... حَتَّى يَزِلَّ الشِّرَاكَ عَنْ قَدَمِهْ وَلَيسَ لِهذَا الوَجْهِ مدخَلٌ في تَفْسِيرِ الحَدِيثِ، وإِنَّمَا ذَكَرْنَاهُ تَتْمِيمًا لِلْكَلامِ فِي ¬
مَعَانِي "حَتَّى". - ويقَالُ: "كلِفْتُ الأَمرَ أكْلَفُهُ" [4]. إِذَا تكَلَّفْتُهُ، قَال حَاتِم (¬1): وَإِني لأعطِي سَائِلِي وَلَرُبَّمَا ... أُكَلَّفُ مَا أَسْتَطِيع فَأكلَفُ - العَرضُ: خِلاف الطُّوْلِ، والعُرضُ: النَّاحِيَةُ، وَصَوَابه (¬2) فَتْحُ العَينِ. "الشَّنُّ" [11] (¬3). القربَةُ البَالِيَةُ، يُقَالُ: شَنّ وَشَنَّة: لِلَّتِي يَبُسَتْ وأَخْلَقَتْ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّابِغَةِ (¬4): * ... خَلْفَ رِجْلَيهِ بَشَنِّ * - ومِنْهُ قَوْلُ الحَجَّاجِ (¬5): "مَا يُقعقَعُ لِي بالشِّنَانِ" مَغنَى هذَا أَنَّ الجَمَلَ إِذَا حُرِّكَ الشَّنُّ خَلْفَهُ نَفَرَ وَفَرَّ، فَيُضْرَبُ مَثَلًا لِلْجَبَانِ الَّذِي يَفْزَعُ من مَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْزَعَ مِنْهُ. وَرِوَايَةُ عُبَيدِ اللهِ: "بِشَنٍّ مُعَلَّقَةٍ" وَرَوَاهُ غَيرُهُ: "مُعَلَّقٍ" وَهُوَ الصوَابُ (¬6)؛ ¬
لأَنَّ الشَّنَّ مُذَكَّرٌ وَلكِنَّهُ أَنَّثَ الضَّمِيرَ عَلَى مَعنَى القِربَةِ. والرِّوَايَةُ أَيضًا: "فَتَوَضَّأ مِنْها"، والصَّوابُ مَا ذَكرنَاهُ في تَذْكِيرِهِ. - وَقَوْلُها: "فَلَا تَسألْ عَنْ حُسْنهِنَّ وَطُوْلِهِنَّ". هذا كَلامٌ تسْتَعمِلُهُ العَرَبُ عِنْدَ تعظِيمِ الشَّيءِ والإفْرَاطِ في مَنحِهِ، فَيَقُوْلُوْنَ: لاَ تَسأَلْ عَنْ كَرَمِ فُلانٍ، ولَه مَعنيان: أحَدُهُمَا: أَنَّ كَرَمَهُ مَشْهُوْرٌ تُغْنِي شُهْرَتُهُ عَنِ السُّؤالِ عَنْهُ. والآخرُ: لَا تَسْأل عَنْ صِفَةِ كَرَمِهِ فَهُوَ أَشْنَعُ مِنْ أَنْ يُقْدَرَ عَلَى وصفِهِ لِجَوَازِهِ الحَدَّ، وَمِنْ [هذَا] المَغنَى قَوْلُ أَبِي النَّشْنَاشِ (¬1): ¬
وَسَائِلةٍ بالغَيبِ عَنِّي وَسَائِلٍ ... ومَنْ يَسْأَلِ الصَّعلُوْكَ أَينَ مَذَاهِبُهْ و"الفُسْطَاطُ" [12] ضَرب مِنَ الأبنيَةِ، وفي "العَينِ" (¬1): الفُسْطَاطُ: مُجْتَمَعُ أَهْلِ الكُوْرَةِ حَوْلَ جَامِعِها. وَقَال ابنُ قُتيبَةَ: كُلُّ مَدِينَةٍ جَامِعَةٍ فهِيَ فُسْطَاطٌ، ومِنْهُ قِيلَ لِمَدِينَةِ [مِصرَ الَّتِي بَنَاها] عَمْرُو بنُ العَاصِ الفُسْطَاطُ. وقَال غَيرُهُ (¬2): إِنَّمَا قِيلَ ذلِكَ؛ لأنَّ عمرَو بنَ العَاصِ ضَرَبَ فِيها أَقْبِيَةً حِينَ نزَلَ فَسُمِّيَ المَكَانُ بِاسْمِ أَقْبِيَتِهِ. ويُقَالُ لِلْجَمَاعَةِ الكَثيرَةِ -وإِنْ كَانُوا في أَمصَارٍ كَثيرَةٍ - فُسْطَاط؛ كأنّهُم يُسَمُّوْنَ باسمِ أَمصَارِهِم، وَذَهبَ بالوَاحِدِ مَذْهبَ الجَمِيع، ومِنْهُ قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: "عَلَيكُم بالجَمَاعَةِ فَإنَّ يَدَ اللهِ عَلَى الفُسْطَاطِ" وفِيهِ سِتُّ لُغَات، فُسْطَاطٌ، بِضَمِّ الفَاء وكَسْرِها، وفُسْتَاط، وفِسْتَاط وفُسَّاط، وفِسَّاط حَكَاها يَعقُوْبُ (¬3). ¬
(في الأمر بالوتر)
(في الأمر بالوتْر) أَهْلُ العَالِيَةِ (¬1) يَقُوْلُوْنَ: وَتْرٌ في العَدَدِ -بِفَتْحِ الفَاءِ- وفي الذَّحلِ: وتْرٌ -بِكَسْرِ الفاء- ويَقْرَؤُوْنَ [قَوْلَهُ تَعَالى] (¬2): {وَالشَّفعِ وَالوَترِ (3)} بِفَتْحِها. وتَمِيمٌ يَقُوْلُوْنَ ¬
فِيهِمَا مَعًا وتْرٌ -بِكَسْرِ الفَاءِ- ويَكْسُرُوْنَ وَاو الوتْرِ، وتَصرِيف الفعل من الوترِ الَّذي هُوَ العَدَدُ (¬1) أَوْتَرْتُ أوترُ إِيتَارًا، وَمِنَ الذِي هُوَ الذَّحلُ: وَتَرتُهُ أَتِرُهُ وَتْرًا وترَةً (¬2). - وقَوْلُهُ: "اسْتِخفَافًا" [14]: بالنَّصبِ، عَلَى وَجْهِينِ: أحَدُهُمَا: أَنْ يَكُوْنَ مَصدَرًا وُضِعَ مَوْضِعَ الحَالِ؛ كَأنَّهُ قَال مُسْتَخِفًا بِحَقِّهِنَّ فَيَكُوْنُ مِنْ بَابِ: جِئْتُهُ رَكْضًا وَعدوًا، أي: رَاكِضًا وَعَادِيًا. والثاني: أَنْ يَكُوْنَ مَفْعُوْلًا مِنْ أَجْلِهِ. - وَ"الأسوة، الإسْوة" [15]: القُدوَة (¬3). - قَوْلُهُ: "وَالسَّمَاءُ مُغْيِمَةٌ" وَ [يروَى] (مُغِيمَةٌ) [19]. يُقَال: أَغَامَتْ، وَغَامَتْ، وغَيَّمَت، وتَغَيَّمَتْ (¬4). ¬
[كتاب صلاة الجماعة]
[كِتَابُ صَلاةِ الجَمَاعَة] (¬1) [فَضْلُ الجَمَاعَةِ عَلَى صَلاةِ الفَذِّ] الفَاذُّ وَالفَذُّ (¬2): الفَردُ، وَيُقَالُ: كَلِمَةٌ فَاذَّةٌ وَفَذَّةٌ: إِذَا كَانَتْ شَاذَّةً عَنْ نَظَائِرِها. - قَوْلُهُ [- صلى الله عليه وسلم -] (¬3): "فَأُحرِقَ" ويروَى: "فَأحَرِّقَ" [3]. وهُمَا لُغَتَان: أَحرَقْتُ وَحَرَّقْتُ -رُبَاعِيًّا مُضَاعَفًا-، وَبالهمزَةِ والتَّشدِيدِ أَبْلَغُ في المعنَى. - "أوْ مِرمَاتَينِ" [3] [يُروى] بِكَسْرِ المِيمِ وفَتْحِها. وَفِي "العَينِ" (¬4): المَرمَاةُ: [سَهْم] (¬5) يتَعَلَّمُ بِهِ الرّميُ. والمَرمَاةُ: مَا بَينَ ظِلْفَي الشَّاةُ، وهو غَيرُ مَعرُوْفٍ (3)، وَقَد أَنكرَهُ أَبُو عُبَيدٍ (¬6)، وَقَال بَعضُهُم: المَرمَاةُ: حَدِيدة شِبْهُ ¬
[ما جاء في العتمة والصبح]
السِّنَانِ كانُوا يَجْعَلُوْنَها غَرَضًا، وَهذَا أَيضًا غَيرُ مَعرُوْف، والمَشْهُوْر في هذه اللَّفْظَةُ أَنها السَّهْمُ الَّذِي يُرمَى بِهِ. والمَرمَاةُ -بِفَتْحِ المِيمِ-: الغَرَضُ الَّذِي يُرمَى إِلَيهِ، وهو المَرمَى أَيضًا. - وَقَوْلُهُ: "إلَّا صَلاةَ المَكْتُوْبة" [4]. فَمَنْ رَواهُ هكَذا فَقِيَاسُهُ عِنْدَ البصرِيِّينَ أَنْ يَكُوْنَ أَرَادَ: إِلَّا صَلاةَ الفَرِيضَةِ المَكْتُوْبَةِ، فَحَذَفَ المَوْصُوْفَ وأَقَامَ الصِّفَةَ مَقَامَهُ. وهكَذَا قَوْلُهُ [تَعَالى] (¬1): {وَحَبَّ الحصِيد (9)} أَي: وَحَبَّ النَّبْتِ الحَصِيدِ، وَكَذلِكَ [قَوْلُه تعالى] (¬2): {وَلَدَارُ الآخِرَةِ} أي: وَلَدَارُ الحَيَاةِ الآخِرَةِ، ونحوَ هذَا التقدِيرِ، كَرَاهِيَةَ أَن يُضِيفُوا المَوْصُوْفَ إِلَى صِفَتِهِ. والكُوْفِيُّون: يُجِيزُوْنَ في مِثْلِ هذَا وَأَشْبَاهِهِ [أَن يُضَافَ المَوْصُوْفُ] إِلِى صِفَتِهِ وَهُوَ خَطَأ في القِيَاسِ (¬3). [ما جَاء في العَتَمَةِ والصُّبح] - وَ"الهدم" [6]-بِتَسْكِينِ الدَّالِ-: مَصدَرُ هدمتُ، والهدَمُ: اسمُ الشَّيءِ ¬
[صلاة الإمام وهو جالس]
المُتَهدِّمِ، والحَدِيثُ يَحتَمِلُ الوَجْهينِ، والرِّوَايَةُ بِسُكُوْنِ الدَّالِ، وأَنْشَدَ أَبُو زَيد (¬1): تَمشِي إِذَا زُجِرَت عَنْ سَوْأةٍ [قُدُمًا] ... كَأَنّها هدَم في الجَفْرِ مُنْقَاضُ والجَفْرُ: البِئْرُ غَيرُ مَطْوية. والمُنْقَاضُ: الَّذِي يَنْقَعِرُ مِنْ أَصلِهِ. يَصِف امرَأَة فَاجِرَة لَا يَقْدِرُ أَحَد أَن يُمسِكَها عَنْ سَوْءَةٍ، كَمَا لَا يمسَكُ هدَمُ البِئْرِ. [صَلاة الإمَامِ وَهُوَ جَالِس] - فَجُحِشَ شِقُّهُ الأَيمَنُ" [16]. الجَحشُ: الخدشُ، وَالألَمُ يحدُثُ في العُضْو عَنْ صدمَة وَضَغْط. - وَقَوْلُهُ: "أنْ كَمَا أنْتَ" [18]. أَي: أَنِ ابْقَ كَمَا أَنْتَ، وامكُثْ كَمَا أَنْتَ، فَحَذَفَ، وتَقْدِيرُهُ عَلَى مَذْهبِ الكِسَائِيُّ: كُنْ كَمَا أَنْتَ. ولا يُجِيزُهُ سِيبَوَيهِ، وَأَجَازَ الفَارِسِيُّ أَنْ تكُوْنَ "مَا" هُنَا بِمَعنَى "الَّذِي" أَوْ تكُوْنَ كَافَّة كَالَّتِي في قَوْلهِ [تَعَالى] (¬2): {كَمَا لَهُم آلهةٌ} وَخَبَرُ المُبْتَدَأ في الوَجهينِ مَحذُوْف تَقْدِيرُهُ: كَمَا أَنْتَ عَلَيهِ. وَيَجُوْزُ أَنْ يكُوْنَ "مَا" مُؤَكِّدة كَالَّتي في [قَوْلهِ تَعَالى] (¬3): {عَمَّا قَليل} فَيَكُوْنُ مَوْضِعُ "أَنْتَ" خَبَرًا كَمَا حَكَى الفَرَّاءُ والأخْفَشُ أَنَّ العَرَبَ تَقُوْلُ: مَا أَنَا كَأَنْتَ، وَمَا أَنْتَ كَأَنَا فَيُوْقِعُوْنَ ضَمِيرَ الرَّفْعِ في مَوْضِعِ ضَمِيرِ الجَرِّ. [الصَّلاة الوُسْطَى] - وَقَوْلُ عَائشِةَ: "وَصَلاةِ العَصرِ" [25]. قِيلَ: إِنَّ الوَاوَ زَائِدَ كَزِيَادَتها ¬
فِي قَوْلهِ (¬1): إِلَى المَلِكِ القَرمِ وابْنِ الهمـ ... ــــــــــــام وَلَيثُ الكَتِيبَةِ في المُزْدَحَم أَرَادَ: ابنَ الهُمَامِ، لَيثَ الكَتِيبَةِ، وهذَا غَيرُ صَحِيح؛ لأنَّ هذَا إِنَّمَا يَأْتِي في الصِّفَاتِ كَقَوْلكَ: مَرَرْتُ بِزَيد العَاقِلِ والظَّرِيفِ والكَرِيمِ، وجَاز ذلِكَ؛ لأنَّ كُلَّ صِفَةٍ تُفِيدُ مَا لَا تُفِيدُ الثَّانِية، وَلَا خِلافَ بَينَ النحويِّينَ أَنّكَ لَوْ قُلْتَ: مَرَرتُ بِزَيدٍ وَزَيدٍ وَهُمَا شَخْصٌ وَاحدٌ لَمْ يَجُزْ. وَقَال قَوْم: دُخُوْلُ الوَاو هُنَا لَا تَدُلُّ على أَنّها غَيرُ الوُسْطَى كَمَا لَمْ تَدُلَّ الوَاوُ في قَوْلهِ [تَعَالى] (¬2): {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68)}، {وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَال} (¬3) عَلَى أَنّهُمَا لَيسَا مِنَ المَلائِكَةِ، وَعَلَى أَنَّ النَّخْلَ والرُّمَّانَ لَيسَا مِنَ الفَاكِهةِ، وَإِنَّمَا هذَا عَلَى سَبِيلِ الإشَارَةِ والتّعظِيمِ. وَالعَرَبُ تَخُصُّ الشَّيءَ بالذِّكْرِ تَنْويهًا بِهِ، وتَعْظِيمًا لِقَدرِهِ. ويُقَوِّيّ هذَا أَنَّ الصَّلَوَاتِ في الآيَةِ قَدْ دَخَلَتْ فِيها الصَّلاةُ الوُسْطَى [وَخَصَّ] الصَّلاةَ الوُسْطَى تَنْويهًا لَها، ثُمَّ أَعَادَ ذِكْرَها مَرَّة أُخْرَى، بِقَوْلهِ: "وَصَلاةِ العَصرِ" تأَكِيدًا لِلْمَثُوْبَة. - وَ"الوُسْطَى": فُعلَى من التَّوَسُّط بينَ الشَّيئَينِ، وعَلَى هذَا تكُوْنُ كُلُّ ¬
صَلاةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ وُسْطَى؛ لأنَّ قَبْلها صَلاتَينِ وَبَعدها صَلاتَينِ. وَقَد يَجُوْزُ أَنْ يَكُوْنَ مِنْ قَوْلهِم: فُلانٌ أَوْسَطُ قَوْمِهِ: إِذَا كَانَ أَشْرَفَهُم حَسَبًا، فَإِذَا أَضَافُوْهُ لَمْ يثنُّوْهُ وَلم يَجْمَعُوهُ، ولَم يُؤَنِّثُوْهُ، وإِذَا أَفْرَدُوْهُ عَنِ الإضَافَةِ قَالُوا: هُوَ الأوْسَطُ، وَهِيَ الوُسْطَى، وَثنَّوا وَجَمَعُوا، وَيُقَالُ في هذَا المَعْنَى هُوَ وَسَطُ وَجْهِهِ، ومنه [قَوُلُهُ تَعَالى] (¬1): {أُمَّة وسطًا} وأَصلُ هذَا: "إِنَّ خَيرُ الأمُوْرِ أَوْسَطُها" يُضرَبُ لِذلِكَ مَثَلًا (¬2)، قَال زُهيرٌ (¬3): هُمُ وَسَطٌ يَرضَى الأنامُ بحكُمِهِم ... إِذَا طَلَعَتْ إِحدَى اللَّيَالِي بِمُعظِمِ وَإِذَا حُمِلَتَ الصَّلاةُ الوُسْطَى عَلَى هذَا التّأويلِ كَانَ أَشْبَة بِمَعنَاها، وَلَم يَصِحَّ أَنْ تكُوْنَ كُل صَلاةٍ. ¬
[كتاب قصر الصلاة في السفر]
[كِتَابُ قصرِ الصلاةِ في السَّفَرِ] (¬1) [الجَمعُ بينَ الصَّلاتَينِ في الحَضَرِ والسَّفَرِ] - " تَبِصُّ" [2]. بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ، وبِضَادٍ مُعجَمَةٍ وهو الصَّوَابُ، ومَعْنَاهُ: أَنه كَانَ يَنْبُعُ مِنْها مَاءٌ قَلِيلٌ، يُقَالُ: بضَّ الحَجَرُ يبضُّ: إِذَا رَشَحَ [مِنْهُ المَاءُ]، وَكَذلِكَ بَضَّتِ البِئْرُ، وَبَضَّ الجُرحُ، قَال ابنُ القَاسِمِ (¬2): قال لِي مالكٌ: وَهُوَ البَضَضُ وَالبَصَصُ أَيضًا، فَمَنْ رَوَى تَبِضُّ بِضَادٍ مُعجَمَةٍ أَرَادَ: تَجْرِي، وَبِصَادٍ مُهْمَلَةٍ أَرَادَ: لَمَعَانَ المَاءِ وَقِلَّتَهُ. وَرَوَاهُ القَعنَبِيُّ بِضَادٍ مُعجَمَةٍ (¬3). [مَا يَجِبُ فِيهِ قَصرُ الصَّلاةِ] -[رِيمُ] [11]. اخْتُلِفَ في مَسَافَةِ رِيمٍ من المَدِينَةِ، فَقَال مالك: [نحوٌ مِنْ أَربَعَةِ] بُرُدٍ، وقَال ابنُ شِهابٍ ثَلاثُوْنَ مِيلًا، وَرِيمُ هذَا مَكْسُوْرُ الرَّاء (¬4)، ويَجُوْزُ ¬
صَرفُهُ إِذَا ذُهِبَ بِهِ إِلَى المَوْضِعِ، وتَرَكُ صَرفهِ إِذَا ذُهِبَ بِهِ إِلَى الأرضِ، قَال الشَّاعِرُ (¬1): ¬
[صلاة الضحى]
وَكَم مِنْ حَرَّةٍ بَينَ المُنَقَّى ... إِلَى أُحُدٍ إِلَى جِلْبَابِ رِيمِ وَمِنْ عَينٍ مُكَحَّلَةِ المَآقِي ... بِلا كُحلٍ وَمِنْ كَشْحٍ هضِيمِ [صَلاة الضُّحَى] -[ثَمَانِ رَكْعَاتٍ] [28]. يَجُوْزُ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ بالنُّون، وَ"ثَمَاني" باليَاءِ، وهُمَا لُغَتَانِ، وإِثْبَاتُ اليَاءِ أَفْصَحُ وأَقْيَسُ؛ لأنَّ اليَاءَ إِنَّمَا تُحْذَفُ مِنْ مِثْلِ هذَا في حالِ الرَّفْعِ وَالخَفْضِ، وتَثْبُتُ في حَالِ النصبِ، إِلَّا أَنَّ ثَعْلَبًا حَكَى أَنّها لُغَة، وأَنْشَدَ (¬1): لَها ثَنَايَا أَربَع حِسَانُ ... وأَربع فَثَغْرها ثَمَانُ -[قَوْلُهُ]: [زَعَمَ ابنُ أمِّي ......... ] [28]. الزَّعمُ قَوْل يُخَالِطُهُ ظَنَّ واعتِقَاد فَرُبمَا كَانَ حَقًّا، ورُبَّمَا كَانَ بَاطِلًا، وَذَكَرَ المُطَرِّز (¬2) أَنَّ الزَّعمَ قَدْ يُسْتَعمَلُ بِمَعنَى الحَقّ، وأَنْشَدَ لأميّة بنِ أَبِي الصَّلْتِ (¬3): وإِني أَذِينٌ لَكُم أَنّهُ ... لسَيُنْجِزُكُم رَبُّكُمُ مَا زَعم وَلَم يُرِن أُمَيةُ مَا ذَهبَ إِلَيهِ المُطَرِّزُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ: بِمَا تكفَّلَ، مِنْ قَوْلهِم: أَنَا به زَعِيم أي: كَفِيل. - وَقَوْلها: "ابنُ أمِّي". وَلَم تَقُلْ: ابنُ أَبِي؛ لأنَّها أَرَادَتْ قُربَ المَنزلة، وإِظهارَ التَّحَفِّي واللُّطْفُ. والعَرَبُ تَسْتَعمِلُ ذلِكَ إِذَا أَرَادَتْ ذلِكَ المَعنَى، حَتَّى يَقُوْلُوا ذلِكَ لِمَنْ لَا قَرَابَةَ بَينَ القَائِلِ ذلِكَ وبَينَ المَقُوْل فيه، وقَد قِيل فِي قَوْل هارُوْن: ¬
{يَبْنَؤُمَ} (¬1): إِنَّمَا قَال ذلِكَ تَوَدُّدًا وتَلَطُّفًا؛ لإزَالةِ غَضَبِ عَلَى مَا جَرَتْ بهِ العَادَةُ، وَلم يَكُنْ مُوْسَى ابنَ أُمِّهِ، وإِنَّمَا خَصُّوا الأمَّ بِهذَا دُوْنَ الأبِ؛ لأنَّ مَنْزِلَتها عِنْدَ الابنِ ألْطَفُ، وَالابنُ إِلَيها أَميَلُ؛ لأنَّها وَضعَتْهُ كُرهًا، وَوَضَعَهُ الأبُ شَهْوَةٌ، وَعَلَى هذَا يَجْرِي كَلامُ العَرَبِ، قَال أَبُو زبيدٍ الطَّائِيُّ (¬2): ¬
[جامع سبحة الضحى]
يا بن أُمِّي .......... ... ................ البيت [جَامِعُ سَبْحَةِ الضُّحَى] قَوْلُهُ: "قُوْمُوا فَلأصَلِ لَكم" [31]. يَرْويهِ كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ: "فَلأُصَلِّي" باليَاءِ، ومِنْهُم مَنْ يَفْتَحُ اليَاءَ وَيَتَوَهَّمُ أنَّه مَنْصُوْبٌ عَلَى مَعنَى "كَي" وَلَوْ أَرَادَ مَعنَى "كَي" لَمْ يَجُزْ دُخُوْل الفَاءِ ههنَا، ومِنَ النَاسِ مَنْ يَفْتَحُ اللَّامَ ويُسَكِّنُ اليَاء يتَوَهَّمُهُ قَسَمًا، وذلِكَ غَلَطٌ؛ لأنَّه لَا وَجْه لِلْقَسَمِ ههنَا، وَلَوْ كَانَ قَسَمًا لَقَال: فَلأُصَلِّيَنَّ بالنُّوْنِ، وإِنَّمَا الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ: "فَلأُصَلِّ " بِكَسْرِ اللَّامِ عَلَى مَعْنَى الأمرِ، والأمرُ [إِذَا كَانَ لِلْمُتكلِّمِ] والغِائِبِ كَانَ بِاللَّامِ أَبَدًا، وإِذَا كَانَ للمُخَاطَبِ كَانَ باللَّامِ وَبِغَيرِ اللَّامِ. ويَجُوْزُ عِنْدِي أَنْ يَنْتَصِبَ عَلَى مَعنَى "كَي" وَلَا يَصِحُّ ذلِكَ عَلَى أَنْ تُجْعَلَ اللَّام مُتَعَلِّقَةً بـ "قُوْمُوا"؛ لأنَّ دُخُوْل الفَاءِ يَمْنَعُ مِنْ ذلِكَ، أَلا تَرَى أَنّه لَا يَجُوْزُ جِئْتُ فَلأُكْرِمَكَ، وَلكِنْ تَعَلُّقَها بِفِعلٍ مَخذُوْف دَل عَلَيهِ مَا فِي الكَلامِ، كَأَنَّهُ قَال: قُوْمُوا فَلأُصَلِّيَ لَكُم آمُرُكُم بالقِيَام، فَيَكُوْنُ مِثْلَ قَوْلهِ [تَعَالى] (¬1): {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} سَألتك أنْ تُرِيَني إِحيَاءَ المَوْتَى. ¬
[الرخصة في المرور بين يدي المصلي]
- وأمَّا: "يَرقَأ" [32]. فالرِّوَايَةُ بِتَرْكِ الهمزةِ، وَذَكَرَ ابنُ دُرَيدٍ (¬1) أَنّهُ مَهْمُوْزٌ. [الرُّخْصَةُ فِي المرُوْرِ بينَ يَدَيِ المُصَلِّي] " الأتانُ" [38]. الأنْثَى مِنَ الحَمِيرِ دُوْنَ الذَّكَرِ. ويُقَالُ للذَّكَرِ (¬2): العَيرُ والمِسْحَلُ، ومَنْ قَال: أتَانَةٌ لِلأنثَى فَقَد غَلِطَ. - وَ"نَاهزْتُ": قَارَبْتُ، وَأَصلُ المُنَاهزَةِ: تَقَارُبُ الشَّيئَينِ حَتَّى يُنَاطِحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَةُ، وَمِنْهُ نَاهزْتُ الشَّيءَ: إِذَا تناوَلْتُهُ بِيَدِكَ ونَهزْتُ الشَّيءَ: إِذَا دَفَعْتُهُ، وَصَبِيٌّ نَاهزَ: إِذَا قَارَبَ الفِطَامَ، وَمِنْهُ قِيلَ للشَّيءِ إِذَا أمكَنَ أَخْذُهُ: نُهزَةً. - وَقَوْلُهُ: "وأنَا يَوْمَئِذٍ": هذَا مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ العَرَبَ تَسْتَعمِلُ اليَوْمَ وَهم لَا يُرِيدُوْنَ بِهِ يَوْمًا وَاحِدًا، أَلا تَرَى أَنَّ مَعنَاهُ: وأَنَا في تِلْكَ المُدَّةِ وَمِثْلُهُ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬3): {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيكُمْ نِعْمَتِي}. - و [قَوْلُهُ: "تَرتَعُ"] يُقَالُ: رَتَعَتِ المَاشِيَةُ تَرْتَعُ رُتُوْعًا: إِذَا سَرَحَت في المَرعَى. وَ"تَرتَعُ" في مَوْضِعِ نَصبٍ عَلَى الحَالِ، وتُسَمَّى حَالًا مُقَدَّرَةً؛ لأنَّه لَمْ يُرسِلْها في حَالِ رُتُوْعِها، وإِنَّمَا أَرسَلَها قَبْلَ ذلِكَ، ونَظِيرُهُ: أَرسَلْتُ زَيدًا يَضْرِبُ عمرًا؛ أَي: مُقَدِّرًا مِنْهُ ذلِكَ ومُرِيدًا لَهُ مِنْهُ ذلِكَ، ومِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالى (¬4): ¬
[مسح الحصباء في الصلاة]
{خَالِصةً يوْمَ القيامةٌ} ونَحوُهُ قَوْلُ عَمرِو بنِ معدِي كَرِبٍ (¬1): أَعرَضْتُ عَنْ تِذْكَارِهِ ... وَخُلِقْتُ يَوْمَ خُلِقْتُ جَلْدَا وَيَجُوْزُ أَنْ يُرِيدَ "لِتَرْتَعَ"، أَوْ "كَي تَرتَعَ" فَلَمَّا حَذَفَ النَّاصِبَ رَفَعَ، ومِنْهُ قَوْلُهُ [تَعَالى] (¬2): {أَفَغَيرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ}، وقَال طرفة (¬3): * أَلا أَيُّهذَا الزَّاجِرِي أَحضُرُ * [مَسْحُ الحَصباءِ فِي الصَّلاة] -[أهْوَى] [42] فَرَّقَ بعضُ اللُّغَويِّينَ (¬4) بَينَ قَوْلكَ: أَهْوَى وَهوَى، فَقَال: هوَى مِنْ فَوْق إِلَى أَسْفَلَ، وأَهْوَى: مِنْ أَسْفَلَ إِلَى فَوْقٍ، واحتَجَّ بِقَوْلهِ [تَعَالى] (¬5): {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53)}، وهذَا غَلَط؛ لأنَّ مَعنَى {أهْوَى (53)} في الآيةِ: أَسْقَطَ وأَهْلَكَ، فَهُوَ مَنْقُولٌ مِنْ هوَى الشَّيءُ وأَهْوَيتُهُ، كَمَا تَقُوْلُ: هلَكَ الشَّيءُ وأَهْلَكْتُهُ، والصَّحِيحُ أَنَّ أَهْوَى وَهوَى لُغَتَانِ بِمَعنًى (¬6)، يُقَالُ: هوَيتُ ¬
[وضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة]
إِلَيهِ بالسَّيفِ وأَهْو [يتُ]، ويُروَى بَيتُ زهُير عَلَى الوَجْهينِ (¬1): * أَهْوَى لَها أَسْفَعُ الخَدَّينِ ... * ويُروَى: "هوَى" (¬2)، وَقَال طَرَفَةُ (¬3): وَأَهْوَى بِأَبْيَضِ ذِي رَوْنَقٍ ... خَشِيب يُرِيدُ بِهِ مَفْرِقِي وَقَال بَعضُهُم: هَوَى يَهْوي هُويًّا: إِذَا صَعَدَ، وهوَيًّا: إِذَا هبَطَ، وَقَال بَعضُهُم: الهويُّ والهُويُّ سَوَاءٌ، وأَمَّا قَوْلُهُم: جَلَسْنَا هويًّا مِنَ اللَّيلِ مَفْتُوْحُ الهاءِ لَا غَيرُ. [وَضْعُ اليَدَينِ إحدَاهُمَا عَلَى الأخرَى في الصَّلاةِ] - قَوْلُهُ: "فَإذَا لَمْ تَسْتَحِي فَاصْنع مَا شِئتَ" [46] فِيه وَجْهانِ: - أحَدُهُمَا: أَنْ يَكُوْنَ أَمرًا مَحْضًا، وَهُوَ تأْويلٌ كَانْ يَذْهبُ إِلَيهِ جَرِيرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيدِ (¬4) -فِيمَا ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيدٍ (¬5) -. قَال: مَعنَاهُ: أَنْ يُرِيدَ الرجُلُ أَنْ يَعمَلَ ¬
الخَيرَ فَيَدَعَهُ حَيَاءَ مِنَ النَّاسِ، كَأَنَّه يَخَافُ مَذْهب الرِّيَاءِ فَيقُوْلُ: فَلَا يَمنَعُكَ الحَيَاءُ مِنَ المُضِيِّ لِمَا أَرَدْتَ. قَال أَبُو عُبَيدٍ: والَّذِي ذَهبَ إِلَيهِ جَرِيرٌ مَعنًى صَحِيحٌ، وَهُوَ شَبِيهٌ بالحَدِيثِ الآخرِ: "إِذَا جَاءَكَ الشَّيطَانُ وأنْتَ تُصَلِّي فَقَال: إِنَّكَ تُرَائي فَزِدها طُوْلًا"، وَكَذلِكَ قَال الحَسَنُ: مَا أَحَدٌ أَرَانِي شَيئًا مِنَ الخَيرِ إلَّا سَارَ في قَلْبِهِ سَوْرَتَانِ فَإِذَا كَانَتِ الأوْلَى مِنْهُمَا للهِ فَلَا تَهِيدَنَّهُ الآخِرَةِ. أَي: لَا تَصْرِفَنَّهُ عَنْ مَا هُوَ فِيهِ، فَهذَا وَجْهٌ. - والوَجْهُ الآخِرُ: أَنْ يَكُوْنَ خَرَجَ مَخْرَجَ الأمرِ وَمَعنَاهُ الخَبَرُ والشَّرطُ، والمُرَادُ مِنْ لَمْ يَسْتَحيي صَنَعَ مَا شَاءَ، كَمَا قَال - صلى الله عليه وسلم -: "مِنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيتبَوَّأ مَقْعَدَهُ مِنَ النار" إِنَّمَا المَعْنَى: مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا تَبَوَّأ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ فَهُوَ خَبَرٌ وجَزَاءٌ وَرَدَ بِلَفْظِ الأمرِ، وَكَذلِكَ الأمرُ يَرِدُ بلَفْظِ الخَبَرِ في قَوْلهِ [تَعَالى] (¬1): {يُرضعنَ أَولَادَهُنّ} فَكَذلِكَ هذَا. وَمِنَ الأمرِ الَّذِي مَعنَاهُ الخَبَرُ والشَّرطُ قَوْلُهُ [تَعَالى] (¬2): {قُل أَنفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرهًا} مَعنَاهُ: إِنْ أَنْفَقْتم لَمْ يُقْبَلْ مِنكم، وَمِنْهُ قَوْلُ كُثيرٍ (¬3): أَسِيئي بِنَا أَوْ أحسِنِي لا مَلُوْمَةٌ ... لَدَينَا ولا مَقْلِيّةٌ إِنْ تَقَلَّتِ لَمْ يَأْمُرَها بِالإسَاءَةِ إِلَيهِ والإحسَانِ، وإِنَّمَا أَخْبَرَ أنها إِنْ أَسَاءَتْ أَوْ أحسَنَتْ لَمْ يَلمها عَلَى فِعلِهِ. ¬
[القنوت في الصبح]
- و"الاسْتِيناءُ": التّأخُّرُ، يُرِيدُ تأْخِيرِهِ إِلَى الوَقْتِ الَّذِي يَحِلُّ فيه الأكْلُ. - و"ينْمِي ذلِكَ" [47]. أَي: يَرفَعُ، يُقَالُ: نَمَيتُ الحَدِيثَ: إِذَا حَدَّثْتَ بِهِ (¬1) عَلَى جِهةِ الخَيرِ والصَّلاحِ ونَمَّيتُهُ: إِذَا حَدَّثْتَ بِهِ عَلَى جِهةِ الشَّرِ والفَسَادِ، ونَمَى الخَيرُ إِلَينَا: إِذَا طَرَأ. قَال الشَاعِرُ (¬2): ألم يَأْتِيكَ وَالأنْبَاءُ تَنْمِي ... بِمَا لاقَتْ لَبُوْنُ بني زِيَادِ [القُنُوْتُ في الصّبح] القُنُوْتُ: لَفْظَةٌ تُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ يَرجِعُ جَمِيعِها إِلَى أَصلٍ وَاحِدٍ. فالقُنُوْتُ: القِيَامُ، وَمِنْهُ: "أفْضَلُ الصَّلاةِ طُوْلُ القُنُوت". والقُنُوْتُ: الصَّلاةُ، ومِنْهُ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬3): {أمَّنْ هُوَ قَانِتٌ} أَي: أَمَّنْ هُوَ مُصَلٍّ، فَسَمَّى الصَلاةَ قُنُوْتًا لِمَا فِيها مِنَ القِيَامِ، ومِنْهُ قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: "مَثَلُ المُجَاهِدِ في سَبِيلِ الله كمَثَلِ القَانِتِ الصَّائِمِ" يعنِي: المُصَلَّى، والقُنُوْتُ: الدُّعَاءُ في الصَّلاةِ سُمِّيَ بِذلِكَ؛ ¬
لأنَّه في القِيَامِ يَكُوْنُ. والقُنُوْتُ: الإمسَاكُ عَنِ الكَلامِ، ومِنْهُ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬1): {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238)}، والقُنُوْتُ: الطَّاعَةُ والإقْرَارُ بالعُبُوْدِيّة، وَمِنْهُ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬2): {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26)}. وقَد قِيلَ في قَوْلهِ: {قَانِتِينَ (238)} مُطِيعِينَ. - قَوْلُهُ: "ونَخلَعُ ونَتْرُكُ مَنْ يكفُرُكَ" كَذَا وَرَدَتِ الروَايَةُ عَلَى إِعمَالِ الفِعلِ الثانِي وَهُوَ "نَتْرُكُ" وَتَعلِيقُ الأوَّلِ، فَإِن أعمَلْتَ الأوَّلَ قُلْتَ: ونَخْلَعُ ونَتْرُكُهُ مَنْ يَكْفُرُكَ. - قَوْلُهُ: "وَإلَيكَ نَسْعَى ونحفِدُ". قَدْ تَقَدَّمَ السَّعيُ. والحَفْدُ: هُوَ التَّصَرُّفُ في الخِدمَةِ، يُقَالُ: حَفَدَ يَحفِدُ فَهُوَ حَافِدُ: إِذَا خَدَمَ وتَصَرَّفَ بجدٍّ، ومِنْهُ قِيلَ لِلأعوَانِ: حَفَدَةٌ، وَاحِدُهُم حَافِدٌ مِثْلُ كَافِرٍ وَكَفَرَةٍ وَسَاحِر وسَحَرة [ ......... ] (¬3) ويُقَالُ لأوْلادِ البنِينِ حَفَدة؛ لأنَّ بَعضُهُم يَحْفِدُ بَعضًا، ويُقَالُ: حَفَدَ البَعِيرُ يَحْفِدُ: إِذَا أَسْرَعَ، وأَحفَدَهُ رَاكِبُه (¬4). و"الجِدُّ": ضِدُّ الهزْلِ، أَي: نَخَافُ عَذَابَكَ الحَقَّ الَّذِي لَا مِريَةَ فِيهِ والعَرَبُ تُسَمِّي مَا لا بُدَّ مِنْهُ وَلَا شَكَّ فِيهِ جِدًّا، فَعَذَابُ اللهِ لَا يَمتَرِي فِيهِ إلَّا الكُفَّارُ، قَال الرَّاجِزُ (¬5): ¬
إني إذَا مَا الأمرُ كَانَ جِدّا وَلَم أَجِدْ مِنْ اقْتِحَامٍ بُدّا لاقِي العِدَى في حَيَّةٍ عِرْبَدّا و"مُلْحِقٌ" بِكَسْرِ الحَاءِ، كَذَا الرِّوَايَةُ، وَهُوَ مَعْنَى لاحقٍ، يُقَالُ: لَحِقْتُهُ وأَلْحَقْتُهُ: إِذَا أَدرَكْتُهُ بِمَعَنى (¬1). ويَجُوْزُ مُلْحَقٌ -بِفَتْحِ الحَاءِ- عَلَى مَعْنَى إِنَّ الله أَلْحَقَهُ بِهِم فالله مُلْحِقٌ وَالعَذَابُ مُلْحَقٌ (¬2). ¬
[العمل في جامع الصلاة]
[العَمَلُ في جَامِعِ الصَّلاةِ] - قَوْلُهُ: "وَأسْوَأ السَّرِقَةِ" [72]. مَنْ فَتَحَ الرَّاءِ جَعَلَهُ جَمعَ سَارِقٍ كَكَافِر وَكَفَرَةٍ، وَمَنْ رَوَاهُ بِكَسْرِ الرَّاءِ لَمْ تَصِحَّ رِوَايَتُهُ إلَّا عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، كَأَنَّه قَال: سَرِقَةُ الَّذِي، فَيَكُوْنُ نحوًا مِنْ قَوْلهِ [تَعَالى] (¬1): {الحجُّ أَشهُرٌ معلُومَاتٌ} أَرَادَ: حَجَّ أَشْهرٍ، أَوْ أَشْهُرُ الحَجِّ أَشْهُرٌ، وأَنْشَدَ سِيبَويهِ (¬2): ¬
وَشَرُّ المَنَايَا مَيِّتٌ بَينَ أَهْلِهِ ... كَهُلْكِ الفَتَى قَد أَسْلَمَ الحَيَّ حَاضِرُهْ أَرَادَ: مِيتَةَ مَيِّتٍ. - وَقَوْلُهُ: "اجْعَلُوا مِنْ صَلاتكُم فِي بيوتكُم" [73]. مَنْ قال: إِنَّه أَرَادَ الفَرِيضَةَ فَـ "مِنْ" للتَّبْعِيضِ لَا يَجُوْزُ غَيرَ ذلِكَ. وَمَنْ قَال: أَرَادَ النَّوَافِلَ جَازَ أنْ تكوْنَ زَائِدَةً، وَجَازَ أَنْ تكوْنَ لِلْتَّبْعِيضِ. -[أوْمأ] [74]. وَيُقَالُ: أَوْمَأ وَأَوْمَى لُغَتَانِ، ويُقَالُ: وَمَأو وَمَى ثُلاثيان (¬1). وَقَد حُكِيَ: أَوْبَأَ بالبَاءِ بِوَاحِدَةٍ، وَقَال بعضُهُم: أَوْمَأ -بالمِيمِ-: إِذَا أَشَارَ إِلَى قُدَّامٍ، وَأَوْبَأَ: إِذَا أَشَارَ إِلَى خَلْفٍ، قَال الفَرَزْدَقُ (¬2): تَرَى النَّاسَ مَا سِرنَا يِسِيرُوْنَ خَلْفَنَا ... وَإِنْ نَحْنُ أَوْبَأنَا إِلَى النَّاسِ وَقَّفُوا [أأُصَلِّي فِي عَطَنِ الإبِلِ] [79]. عَطَنُ الإبِلِ: مَبْرَكُها بِقربِ المَاءِ، وَهُوَ المَعطِنُ بِفَتْحِ المِيمِ وكَسْرِ الطَّاءِ. ¬
[جامع الصلاة]
وَ"مُرَاحُ الغَنَمِ" وَالإبِلِ: المَوْضِعُ الَّذِي تَرُوْحُ إِلَيهِ بالعَشِيِّ عِنْدَ رُجُوْعِهَا مِنَ المَرْعَى. [جَامِعُ الصَّلاةِ] - وقوله: "يتعاقبون فِيكُمْ مَلائِكَة" [82]. كَذَا يَرْويهِ المُحَدِّثُوْنَ (¬1)، وَهِيَ لُغَةٌ لِبَعْضِ العَرَبِ، يُلْحِقُوْنَ الفِعْلَ عَلامَةَ التَّثْنِيّةِ وَالجَمْعِ إِذَا تَقَدَّمَ عَلَى الفَاعِلِ كَمَا يُلْحِقُوْنَهُ عَلامَةَ التّأنِيثِ، واللُّغَةُ الفَصِيحَةُ الإفْرَادُ. وَقَدْ تَأَوَّلَ بَعْضُ العُلَمَاءِ قَوْلَهُ تَعَالى (¬2): {وَأَسَرُّوْا النَّجْوَى [الذِينَ ظَلمُوا]} عَلَى هَذهِ اللُّغَةِ، وأَنْشَدُوا: عَلَى ذلِكَ (¬3): ¬
يَلُوْمُوْنَنِي في اشْتِرَاءِ النَّخِـ ... ـــــيلِ أَهْلِي وَكُلُّهمُ يَعْذِلُ والتَّعَاقبُ والمُعَاقَبَةُ: المُدَاوَلَةُ. -[مُرُوا أَبَا بكرٍ فَلْيُصَلِّ للنَّاسِ] [83]. وَقَدْ تَقَدَّمَ الكَلامُ في هَذِهِ اللَّامِ الَّتي في قَوْلهِ: "فَلْيُصَلِّ للنَّاسِ". - وَقَوْلُهُ: "بمنَ ظَهْرَانَي" [84]. هَذَا الكَلامُ أَكْثَرُ مَا تَسْتَعْمِلُهُ العَرَبُ بالتَّثْنِيَةِ فَيَقُوْلُوْنَ: فُلانٌ بَينَ ظَهْرِي النَّاسِ وبَينَ ظَهْرَانَيهِمْ بِنُوْنٍ مَفْتُوْحَةٍ، وإِنَّمَا خَصُّوا الظَّهْرَ دُوْنَ البَطْنِ؛ لأنَّ الظَّهْرَ: المَعُوْنَةَ، يُقَالُ: فُلانٌ يَأْوي إِلَى ظَهْرٍ أَي: إِلَى أَعْوَانٍ وأَنْصَارٍ؛ لأنَّ المَعُوْنَةَ تَكُوْنُ بالنُّفُوْسِ والأمْوَالِ. -[اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبري وَثَنًا يُعْبدَ] [85]. الوَثَنُ: الصَنَمُ، والجَمْعُ: أَوْثَانٌ، [وَوُثُنٌ] وَوُثْنٌ كَأَسَدٍ وآسَادَ [وأُسُدٍ] وأُسْدٍ، وتهْمَزُ الوَاوُ أَيضًا؛ لانْضِمَامِهَا فَيُقَالُ: أُثُنٌ، قَرَأ بَعْضُ القُرَّاءِ (¬1): {إِنْ يَعْبُدُوْنَ مِنْ دُونِ اللهِ إِلَّا أُثُنًا}. ¬
- وَقَوْلُهُ: "رَأَى رَسُوْلُ الله - صلى الله عليه وسلم - مُستلْقِيًا في المَسْجِدِ" [87]. كَذَا رَوَاهُ أَهْلُ الحَدِيثِ، وأَنْكرَهُ بَعْضُ النَّحْويِّينَ، وَقَال: إِنَّمَا يُقَال: اسْنَلْقَى إِذَا رَقَدَ عَلَى قَفَاه، وَلَا يُقَالُ: اسْتَلْقَى، ومَنْ قَالهُ فَالوَجْهُ فيه أَنْ يَكُوْنَ بِمَعْنَى أَلْقَى، ومَجِيءُ اسْتَفْعَلِ بِمَعْنَى أَفْعَلَ عَزِيزٌ لَمْ يَرِدْ إِلَّا في أَلْفَاظٍ نَادِرَةٍ مِنْهَا قَوْلُهُ (¬1): {استَوْقَدَ نَارًا}، وَمِنْهَا قَوْلُ كَعْبٍ الغَنَويِّ (¬2): * وَدَاعٍ دَعَا ...... ... ......... البيت * أَرَادَ: فَلَمْ يُجِبْهُ. ¬
- قَوْلُهُ: "يُبَدُّوْنَ [فيهِ أهْوَاءَهُمْ قَبلَ] أَعْمَالِهِمْ" [88]. كَذَا الرِّوَايَةُ بِغَيرِ هَمْزٍ، والقِيَاسُ: يُبَدِّؤُونَ -بالهَمْزِ- ولكِنَّهُ جَاءَ عَلَى لُغَةِ مَنْ يُبْدِلُ الهَمْزَةَ يَاءً مَحْضَةً، فَيَقُوْلُوْنَ في قَرَأْتُ: قَرَيتُ، وَفِي أَخْطَأتُ: أَخْطَيتُ، وكَثيرٌ مَا يَجِيءُ ذلِكَ في الشِّعْرِ، كَمَا قَال زُهَيرُ (¬1): جَرِيءٌ مَتَى يُظْلَمْ يُعَاقِبْ بِظُلْمِهِ ... سَرِيعًا وإِلَّا يُبْدَ بالظُّلْمِ يَظْلِمِ -[وَقَوْلُهُ]: "تُرَوْنَ ذلِكَ يُبْقِي" [91]. بِضَمِّ التَّاءِ من "تُرَوْنَ" والرِّوَايَةُ: "يُبْقِي" باليَاءِ باثْنَتينِ أَي: يَتْرَكَ ويُرْوَى: "يَبْقَى" بِفَتْحِ اليَاءِ. -[وَقَوْلُهُ: كَمَثَلِ نَهْرِ غَمْرٍ عَذْبٍ]. الغَمْرُ: المَاءُ الكَثِيرُ الَّذِي يَغْمُرُ مَنْ دَخَلَ فِيهِ، أَي يُغَطِّيهِ. - و"الدَّرَنُ": الوَسَخُ. -[وَقَوْلُهُ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ أنْ يَلْغَطَ] [93]. اللَّغْطُ واللَّغَطُ: الكَلامُ المُخْتَلِطُ. يُقَال: لَغَطَ القَوْمُ وأَلْغَطُوا (¬2). ومِنْ كَلامِهِم (¬3): "الغَلَطُ تَحْتَ اللَّغَطِ" وَهُوَ مأخُوْذٌ مِن قَوْلهِمْ: لَغَطَ القَطَا وألْغَطَ: إِذَا صَاحَ وجَلَبَ، قَال الرَّاجِزُ (¬4): وَمَنْهَلٍ وَرَدْتُهُ التِقَاطَا لَمْ أَلْقَ إِذْ وَرَدْتُهُ فُرَّاطا ¬
[جامع الترغيب في الصلاة]
إِلَّا الحَمَامَ الوُرْقَ والغَطَاطَا فَهُنَّ يُلْغَطْنَ بِهِ إِلْغَاطَا وَمَعْنَى التِقَاطًا: فُجَاءَةٌ. والفُرَّاطُ: القَوْمُ الَّذِينَ يَتَقَدَّمُونَ إِلَى المَاءِ. والوُرْقُ: الغُبْرُ الألْوَانِ. والغَطَاطُ: ضَرْبٌ مِنَ القَطَا. [جَامعُ التَّرْغِيبِ فِي الصَّلاةِ] قَوْلُهُ: "ثَائِرُ الرَّأْسِ" [94]. أَي: قَائِمُ الشَّعْرِ غَيرُ مَتَرَجَّلٍ، يُقَالُ: ثَارَ شَعْرُهُ. وَلَيسَ لِطَلْحَةَ بنِ عُبَيدِ الله في "المُوَطَّأ" غَير حَدِيثِ [هَذَا] الثَّائِرِ، وَهُوَ ضِمَامُ بنُ ثَعْلَبَةَ، أَحَدُ بَنِي سَعْدِ بنِ بَكْرٍ (¬1). - وَقَوْلُهُ: "يَسْألُ عَنِ الإسْلامِ". أَرَادَ: عَنْ فَرَائضِ الإسْلامِ فَحَذَفَ ¬
المُضَافَ وأَقَامَ المُضَافَ إِلَيهِ مَقَامَهُ، دَلِيلُ ذلِكَ قَوْلُهُ فِي الجَوَابِ: "خَمْسُ صَلَواتٍ" وَلَيسَ هَذَا جَوَابُ مَنْ قَال مَا الإسْلامُ؟ إِنَّمَا هُوَ جَوابُ مَنْ قَال: مَا فَرَائِضُ الإسْلامِ؟ . ويُرْوَى: "إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ" بِتَخْفِيفِ الطَّاءِ وَ"تَطَّوَّعَ" بتَشْدِيدِهَا، والأَصْلُ: تَتَطَوَّعُ. فَمَنْ خَفَّفَ حَذَفَ إِحْدَى التَّاءَينِ، ومَنْ شَدَّدَ ادْغَمَ التَّاءَ في الطَّاءِ، وَمِنْهُ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬1): {الْمُطَّوّعِينَ} وأَصْلُهُ: المُتَطَوِّعِينَ. - وَقَوْلُهُ: "أفْلَحَ": فَازَ بِالبَقَاءِ. - قَوْلُهُ: "قَافِيَةُ الرَّأسِ" [95]: مُؤَخِّرَهُ، سُمِّيَتْ بِذلِكَ؛ لأنَّها تَقْفُو الإنْسَانَ، أي: تَتْبَعُهُ، وَمِنْهُ قَافِيَةُ الشِّعْرِ؛ لأنَّهَا آخِرُ البَيتِ. وأَكْثَرُ العُلَمَاءِ يَتَحَاشَى الكَلامَ في هَذَا الحَدِيثِ، ويَرَى التَّسْلِيمَ لَهُ، ومَجَازُهُ في كَلامِ العَرَبِ أَنَّ العَرَبَ تُسَمِّي الحَبْسَ عَنِ الأمْرِ وَالالْتِوَاءَ تَعْقِيدًا، وكُلُّ شَيءٍ لَوَيتَهُ وخَلَطْتَهُ فَقَدْ عَقَدْتَهُ، وَمِنه عُقَدُ السَّاحِرِ لِمَنْ يَسْحَرَهُ إِنَّمَا هُوَ تَحْبِيسُهُ إِيَّاهُ، وصَرْفُهُ عَمَّا كَانَ يَفْعَلُهُ، وَمِنْهُ تَعْقِيدُ الأيمَانِ، إِنَّمَا هُوَ تَأْكِيدُهَا حَتَّى لَا يَجِدُ الحَالِفُ مِنْهَا مَخْرَجًا إِلَّا بِالكَفَّارةِ. فَمَعْنَى قَوْلهِ: يَعْقِدُ الشَّيطَانُ أَي: يُثَبِّطُهُ ويَحْبِسُهُ، وخَصَّ الثَّلاثَ؛ لأنَّه يَعْقِدُهُ عَنْ ذِكْرِ اللهِ، وَعَنِ الوَضُوْءِ، وَعَنِ الصَّلاةِ؛ وَلأنَّ الثَّلاثَ تُسْتَعْمَلُ كَثِيرًا في تأْكِيدِ الشَّيءِ وإِثْبَاتِهِ؛ وخَصَّ مُؤَخِّرِ الرَّأْسِ؛ لأنَّه يَكُوْنُ مَوْضِعَ الفِكْرِ وفي [ ... ] (2) يَكُوْنُ [ ... ] (¬2) النِّسْيَان؛ لِأَنَّ الدِّمَاغَ -فِيمَا ذَكَرَ الحُكَمَاءُ- ¬
مَقْسُوْمٌ ثَلاثَةً فَمُقَدَّمُهُ لِلْقُوَّةِ المُتَخَيِّلَةِ، وأَوْسَطُهُ لِلْقُوَّةِ المُفكِّرَةِ، وآخِرُهُ لِلْقُوَّةِ الذَّاكِرَةِ، ونَظِيرُ هَذَا في المَجَازِ قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: "ذَاكَ رَجُلٌ بَال الشَّيطَانُ فِي أُذُنِهِ" ولَيسَ هُنَاكَ بَوْلٌ في الحَقِيقَةِ، ولَكِنْ لَمَّا أَفْسَدَ عَلَيهِ أَمْرَهُ شَبَّه ذلِكَ بالبَوْلِ الَّذِي يَقَعُ في الشَّيءِ فَيُفْسِدَهُ، وخَصَّ الأُذُنَ؛ لأنَّهُ المَوْضِعُ الَّذي يُنَاجَى مِنْهُ الإنْسَانَ حَتَّى يُخْدَعَ عَمَّا يَعْتَقِدُهُ، والعَرَبُ تَسْتَعْمِلُ البَولَ بِمَعْنَى الفَسَادِ، قَال الرَّاجِزُ (¬1): إِذَا رَأَيتَ أَنْجُمًا مِنَ الأسَدْ جَبْهَتَهُ أَو الخَرَاةَ والكَتَدْ بَال سُهَيلٌ فِي الفَضِيخِ فَفَسَدْ وَطَابَ أَلْبَانُ اللَّقَاحِ فَبَرَدْ الفَضِيخُ: شَرَابٌ يُصْنَعُ مِنَ التَّمْرِ (¬2)، ويَفْسُدُ عِنْدَ طُلُوْعِ سُهَيلٍ، فَلَمَّا كَانَ سُهَيلٌ يُفْسِدُهُ بِطُلُوعِهِ جَعَلَهُ كَأَنَّهُ قَدْ بَال فِيهِ، وَعَلَى هَذَا المَعْنَى يَتَوَجَّهُ قَوْلُ الفَرَزْدقِ ¬
-فِي بَعْضِ الأقْوَالِ- (¬1): وإِنَّ الَّذي يَسْعَى لِيُفْسِدَ زَوْجَتِي ... ............... البيت أي يَسْعَى في إِدْخَالِ الفَسَادِ عَلَيهَا. وقِيلَ: مَعْنَاهُ: يَطْلُبُ أَخْذَ بَوْلِهَا، وهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ لأنَّ بَوْلَ الأسَدِ يُصْرَفُ في بَعْضِ العِلاجَاتِ؛ لأَنَّ بَعْدَهُ مِنَ الشِّعْرِ مَا يَدُلُّ عَلَيهِ وَهُوَ: وَمِنْ دُوْنِ أَبْوَالِ الأُسُوْدِ بَسَالةٌ ... وَبَسْطَةُ أَيدٍ يَمْنَعُ الضَّيمَ طُوْلُهَا ¬
[كتاب العيدين]
[كِتَابُ العِيدَينِ] (¬1) (الأَمْرُ [بالصَّلاةِ] قَبْلَ الخُطْبَةِ في العِيدَينِ) قَال كَثِيرٌ مِنَ اللُّغَويِّين: خَطَبَ عَلَى المِنْبَرِ خُطْبَةً، بِضَمِّ الخَاءِ، والمَرْأةُ خِطْبَةً بِكَسْرِهَا. وَقَال ثَعْلَبٌ (¬2): خِطْبَةٌ -بِكَسْرِهَا- المَصْدَرُ، وبِضَمِّهَا: اسمُ مَا يُخْطَبُ بِهِ. وقَالَ ابنُ دُرُسْتَوَيهِ (¬3): هُمَا اسْمَانِ لا مَصْدَرَانِ وَلكِنَّهُمَا وُضِعَا مَوْضِعَ المَصْدَرِ، وَلَوْ اسْتُعْمِلَ مَصْدَرُهُمَا عَلَى القِيَاسِ لَخَرَجَ مَصْدَرُ مَا لَا يَتَعَدَّى فِعْلُهُ مِنْهُمَا عَلَى فُعُوْلٍ -بِضَمِّ الفَاءِ- فَيَقُوْلُ: جَعَلْتُهُ خُطُوْبًا، ومَصْدَرُ المُتَعَدِّي: عَلَى فَعْلٍ فَيُقَالُ: خَطَبَ خَطْبًا، ولكِنْ تُرِكَ اسْتِعْمَالُ ذلِكَ لِئَلَّا يَلْتَبِسَ وَوُضِعَ غَيرُهُ مَوْضِعَهُ فَأَغْنَى عَنْهُ ولَمْ يَلْتَبِسْ بِشَيءٍ، قَال: والخِطْبُ -بِكَسْرِ الخَاءِ- اسمُ مَا يُخْطُبُ بِهِ في النِّكَاحِ خَاصَّةً، وبالضَمِّ: اسمُ مَا يُخْطَبُ بِهِ في كُلِّ شَيءٍ. ورُويَ عَنْهُ عَلَيهِ السَّلامُ: إِنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ خُطْبَةَ النِّكاحِ والحَاجَةِ. ¬
رَوَاهُ أَهْلُ الحَدِيثُ بِضَمِّ الخَاءِ. - قَوْلُهُ: "إِنَّ هَذَينِ يَوْمَانِ ... " إِلَى آخِرِ الكَلامِ. [5]. كَلامٌ فِيهِ حَذْفٌ واخْتِصَارٌ تَقْدِيرُهُ: أَحَدُهُمَا يَوْمُ فِطْرِكُمْ، أَوْ أَوَّلُهُمَا يَوْمُ فِطْرِكُمْ فَحَذَفَ؛ لأنَّ قَوْلَهُ: "والآخَرُ" يَدُلُّ عَلَيهِ؛ لأنَّ الآخَرَ لا يُسْتَعْمَلُ إلَّا بَعْدَ أَوَّلٍ يَتَقدَّمُ ذِكُرُهُ، ألا تَرَى أَنَّكَ لَوْ قُلْتَ: مَرَرْتُ بِرَجُلَينِ زَيدٌ وآخَر عَمْرٌ ولم يَجُزْ إلَّا عَلَى الحَذْفِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وإِنَّمَا الوَجْهُ؛ أَحَدُهُمَا زَيدٌ، والآخَرُ عَمْرٌو، ونَظِيرُهُ قَوْلُ عَبِيدٍ (¬1): جَعَلَتْ لَهَا عُوْدَينِ مِنْ ... نَشَمٍ وآخَرُ مِنْ ثُمَامَهْ تَقْدِيرُهُ: عُوْدَينِ عُوْدًا مِنْ نَشَمٍ، والآخرَ مِنْ ثُمَامَة؛ لأنَّكَ إِنْ لَمْ تُقَدِّرْهُ كَذَا وَعَطَفْتَ "آخرَ" عَلَى "عُودَينِ" كَانَتِ الأعْوَادُ ثَلاثَةً، وَقَدْ قَال أَصْحَابُ المَعَانِي: إِنَّمَا هُمَا عُوْدَانِ. ¬
وَقَوْلُهُ: "يَوْمٌ تَأكُلُوْنَ". الصَّوَابُ تَنْوينُ "يَوْمٌ"، وَكَذلِكَ رَوَينَاهُ، و"تَأْكُلُوْنَ" في مَوْضِعِ الصِّفَةِ للْيَوْمِ، كَمَا أَنَّ الجُمْلَةَ المَذْكُوْرَةَ بَعْدَ اليَوْمِ في قَوْلِهِ [تَعَالى] (¬1): {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي ... } إلى آخِرِهِ في مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِيَوْمٍ، ومَنْ رَوَى: "يَوْمُ" بِرَفْعِ المِيمِ فَحَذَفَ التَّنْوينَ فَقَدْ أَخْطَأَ؛ لِأَنَّ اليَوْمَ عَلَى هَذه الرِّوَايَةِ يَكُوْنُ مُضَافًا إِلَى الجُمْلَةِ، وَلَا يَجُوْزُ ذلِكَ في هَذَا المَوْضِعِ؛ لِأَنَّ في الجُمْلَةِ ضَمِيرًا يَرْجِعُ إِلَى اليَوْمِ فَإِذَا أَضَافَ اليَوْمَ إِلَى مَا فِيهِ ضَمِيرُهُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَال: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ حَسَنٍ وَجْهِهِ، فَأَضَافَ الشَّيءَ إِلى نَفْسِهِ، وَلِهَذَا لَمْ يُجِزِ النَّحْويُّوْنَ: زَيدٌ حَسَنُ العَينِ مِنْهُ، وَأَنكرُوا رِوَايَةَ مَنْ رَوَى بَيتَ طَرَفَةَ (¬2): رَحِيبُ قِطَابِ الجَيبِ مِنْهَا رِفِيقةٌ ... بِجَسِّ النَّدّمَى بَضَّةُ المُتَجَرَّدِ بإضَافةِ "رَحِيبٍ" إلى "القِطَابِ" وقَالُوا: الصَّوَابُ: "رَحِيبٌ قِطَابُ الجَيبِ". ¬
[كتاب صلاة الخوف]
[كِتَابُ صَلاةِ الخَوْفِ] (¬1) [صَلاةُ الخَوْفِ] - قَوْلُهُ: [يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ] [1]. غَزْوَةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ سَنَةَ خَمْسٍ (¬2)، ومَعْنَى: "ذَاتِ الرِّقَاعِ "أَنَّه جَبَلٌ فِيهِ أَلْوَانٌ مُخْتَلِفَةٌ حُمْرٌ وسُوْدٌ وبِيضٌ، وبِهِ سُمِّيَ ذَاتَ الرِّقَاعِ، وأنِّثَ عَلَى مَعْنَى الأرْضِ والبُقْعَةِ، أَو الأكَمَةِ أَو الهَضَبَةِ، وقِيلَ: سُمِّيَتْ بِذلِكَ لِلرَّايَاتِ المُخْتَلِفَةِ الألْوَانِ. وقِيلَ: سُمِّيَتْ بِذلِكَ؛ لأنَّ كَثيرًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مشَوا حَتَّى تَفَطَّرَتْ أَقْدَامُهُم بالدَّمِ، فَكَانُوا يَشُدُّوْنَ عَلَيهَا الخِرَقَ. -[وَقَوْلُهُ]: "صَفَّتْ [طَائِفَةٌ] ". أي: اصْطَفَّتْ، وهَذَا الفِعْلُ أَحَدُ الأَفْعَالِ الَّتِي جَاءَتْ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ قَبْلَ النَّقْلِ وبَعْدَهُ، لِأَنَّه يُقَالُ: صَفَّ القَوْمُ: إِذَا صَارُوا صَفًّا وَصَفَفْتُهُمْ أَنَا أَصُفُّهُمْ، وَلَمْ يَقُوْلُوا: أَصْفَفْتُهُمْ، وَكَذلِكَ صَفَّتِ البُدْنُ والطَّيرُ فَهِيَ صَوَافُّ وصَافَّاتٌ وَصَافَّةٌ. -[وَقَوْلُهُ]: "وُجَاهَ العَدُوِّ": المَكَانُ المُقَابِلُ لِوُجُوْهِهِمْ. يُقَالُ: جَلَسْتُ ¬
وُجَاهَهُ وتُجَاهَهُ ومُوَاجَهَتَهُ. والمُوَاجَهُ مَصْدَرٌ أُجْرِيَ أُجْرَيَ الظُّرُوْفِ، وأَمَّا الوُجَاهُ والتُّجَاهُ فَظَرْفَان صَحِيحَان. - وَقَوْلُهُ: "صَلُّوا رِجَالًا" [3]. أي: رَجَّالةٌ (¬1) وَاحِدُهُمْ رَجِلٌ، ويُجْمَعُ عَلَى رِجَالٍ، ورُجَّالٍ، وَرَجْلٍ (¬2) ورِجْلَةٍ (¬3)، ورَجِلٍ أَيضًا. وبِهِ قَرَأ حَفْصٌ في سوْرَةِ "الإسْرَاءِ" (¬4) وَقَالُوا أَيضًا: رِجِلٌ بِكَسْرِ الرَّاءَ والجِيمَ، وقَرَأَ ابنُ أَبِي لَيلَى (¬5): {وَرِجْلِكَ} وَقَالُوا أَيضًا للَّذي يَمْشِي عَلَى قَدَمَيهِ رَجُلٌ بِلَفْظِ الرَّجُلِ (¬6) ¬
الَّذِي يُرَادُ بِه الإنْسَان، وَبِهِ فُسِّرَ قَوْلُ الهُذَلِيِّ (¬1): أَقُوْلُ لَمَّا أَتَانِي ثَمَّ مَصْرَعُهُ ... لا يَبْعَدِ الرُّمْحُ ذُو النَّصْلَينِ وَالرَّجُلُ ¬
[كتاب صلاة الكسوف]
[كِتَابُ صَلاة الكُسُوْفِ] (¬1) (العَمَلُ في كُسُوْفِ الشَّمْسِ) الكُسُوْفُ والخُسُوْفُ سَوَاءٌ، وَهُمَا يَكُوْنَانِ في الشَّمْسِ والقَمَرَ جَمِيعًا، وَلَا وَجْهَ لِمَنْ فَرَّقَ بَينَهُمَا فَجَعَلَ أَحَدَهُمَا للشَّمْسِ والآخَرَ للْقَمَرِ، وَقَدْ سَوَّى مَالِكٌ بَينَهُمَا إِذْ جَعَلَ التَّرْجَمَةَ بالكَافِ وخَرَّجَ تَحْتَهَا بالخَاءِ، والاشْتِقَاقُ يُوْجِبُ أَنْ يَكُوْنَ الخُسُوْفُ بالخَاءِ أَشَدُّ مِنَ الكُسُوْفِ؛ لأنَّ الخُسُوْفَ مُشْتَقٌّ مِنْ قَوْلِهِمْ: خَسَفَتْ عَينُ الرَّجُلِ: إِذَا ذَهَبَ نُوْرُهَا وخَسَفَتْ عَينُ المَاءِ: إِذَا غَارَ مَاؤُهَا، أَوْ سَقَطَتْ جَوَانِبُهَا عَلَى مَائِهَا فَطُمِسَتْ، وانْخَسَفَتْ بِهِمُ الأرْضُ. والكُسُوْفُ مُشْتَقٌّ مِنْ قَوْلِهِم: بَيتٌ كَاسِفٌ: إِذَا غَيَّرَهُ الدُّخَانُ، وَلَوْنٌ كَاسِفٌ: إِذَا لَمْ يَكُنْ مُشْرِقًا؛ وفُلانٌ كَاسِفُ الوَجْهِ: إِذَا كَانَ عَبُوْسًا، ويَجُوْزُ أَنْ يُجْعَلَ الكُسُوْفُ -بالكَافِ- مِنْ كَسَفْتُ الشَّيءَ: إِذَا قَطَعْتُهُ فَيَكُوْنُ مَعْنَاهُ: إِنَّ نُوْرَهَا اقْتُطِعَ مِنْهَا فَيَكُوْنُ نَحْوًا مِنْ مَعْنَى الخُسُوْفِ عَلَى هَذَا. ويُقَالُ في تَصْرِيفِ الفِعْلِ مِنْهُمَا: خَسَفَتْ تَخْسِفُ وَكَسَفَتْ تَكْسِفُ بِكَسْرِ العَينِ فِيهِمَا في مُسْتَقْبَلِهِمَا، وهَذَانِ مِنَ الأفْعَال الَّتِي إِذَا نُقِلَتْ عَن فَاعِلِهَا لَمْ تَدْخُلْ عَلَيهَا أَدَاةُ النَّقْلِ كَمَا تَدْخُلُ الأفْعَال في قَوْلكَ: دَخَلَ الرَّجُلُ وأَدْخَلْتُهُ، وَلكِنَّكَ تَقُوْلُ: كَسَفَتِ الشَّمْسُ ¬
وكَسَفَهَا اللهُ وخَسَفَتْ وَخَسَفَهَا اللهُ، كَمَا تَقُوْلُ: هَجَمْتُ عَلَى العَدُوِّ وهَجَّمْتُ غَيرِي، ولِهَذَا جَازَ أَنْ يُقَال في حَدِيثِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: لَا يَخْسِفَانَ ولا يُخْسَفَان، ولِذلِكَ قَالُوا: شَمْسٌ كَاسِفَةٌ ومَكْسُوْفَةٌ وخَاسِفَةٌ ومَخْسُوْفَةٌ، قَال جَرِيرٌ (¬1): * الشَّمْسُ طَالِعَةٌ لَيسَتْ بِكَاسِفَةٍ * - وَقَوْلُهُ: "مَا مِنْ أحَدٍ أغيَرُ مِنَ اللهِ". يَجُوْزُ فِي "أَغْيَرُ" الرَّفْعُ والنَّصْبُ فَإِنْ جَعَلْتَ "مَا" تَمِيمِيَّةً رَفَعْتَ، وإِنْ جَعَلْتَهَا حِجَايَّةً نَصَبْتَ وَ"مِنْ" زَائِدَةٌ مُؤَكِّدَةٌ في الوَجْهَينِ. ويَجُوْزُ إِذَا فَتَحْتَ الرَّاءَ مِنْ "أَغْيَر" أَنْ تَكُوْن في مَوْضِعِ خَفْضٍ عَلى الصِّفَة لـ"أَحَدٍ" على اللَّفْظِ، وكذلِكَ يَجُوزُ إِذَا رَفَعْتَ الرَّاءَ مِنْ "أَغَيرُ" أَنْ تَكُوْنَ ¬
صِفَةً لِـ"أَحَدٍ" عَلَى المَوْضِعِ، والخَبَرُ في الوَجْهَينِ مَحْذُوْفٌ كَأَنَّه قَال: مَا أَحَدٌ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ مَوْجُوْدًا، وَ"مَا" مَحْمُوْلَةٌ عَلَى اللُّغَتينِ المَذْكُوْرَتَينِ. - وَ [قَوْلُهُ]: "تَكَعْكَعْتُ" [2]. يَعْنِي: تَأَخَّرْتُ، مِنْ قَوْلهِمْ: كَعَّ وَتَكَعْكَعَ وَكَاعَ: إِذَا ارْتَدَعَ عَنِ الشَّيءِ وَجَبُنَ عَنْه. وأَنكرَ الأَصْمَعِيُّ كَاعَ، وَحَكَاهُ غَيرُهُ. قَوْلُهُ: "فَلَمْ أرَ كَاليَوْمِ مَنْظَرًا قَطُّ": كَلامٌ تَسْتَعْمِلُهُ العَرَبُ فَيَقُوْلُوْنَ: مَا رَأَيتُ -كَاليَوْمِ- رَجُلًا، والرَّجُلُ والمَنْظَرُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُشَبَّهَا باليَوْمِ، والنَّحْويُّون يَقُوْلُوْنَ: مَا رَأَيتُ كَرَجُلِ أَرَاهُ اليَوْمِ رَجُلًا، وكَذلِكَ: فَلَمْ أَرَ كَمَنْظَرٍ رَأَيتُهُ اليَوْمَ مَنْظَرًا وتَلْخِيصُهُ: مَا رَأَيتُ كَرِجُلِ اليَومِ رَجُلًا وكَمَنْظَرِ اليَوْمِ مَنْظَرًا فَحَذَفَ المُضَافَ وأَقَامَ المُضَافَ إِلَيهِ مَقَامَهِ، وجَازَتْ إِضَافَةُ الرَّجُلِ والمَنْظَرِ إِلَى اليَوْمِ لِوَقُوعِهِمَا فِيهِ كَمَا يُضَافُ الشَّيءُ إِلَى مَا يَلْتَبِسُ بِهِ ويَتَّصِلُ، ومِنْة قَوْلُ جَرِيرٍ (¬1): يَا صَاحِبَيَّ دَنَا الرَّحِيلُ فَسِيرًا ... لا كَالعَشِيَّةِ زَائِرًا وَمَزُوْرِا أَرَادَ: لَا أَرَى زَائِرًا ومَزُوْرًا كَزَائِرِ ومَزُورَيهِمَا (¬2) العَشِيَّةَ. وفي المَنْظَرِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تُريدَ المَكَانَ المَنْظُوْرَ إِلَيهِ. والثَّانِي: أَنْ تُرِيدَ الشَّيءَ المَنْظُوْرَ إليه، فَيَكُوْنُ مِن المَصَادِرِ الَّتي تُوْضَعُ ¬
مَوْضِعَ المَفْعُوْلاتِ، كَقَوْلهِمْ: دِرْهَمٌ ضَرْبُ الأمَيرِ، وَثَوْبٌ نَسْجُ اليَمَنِ. - قَوْلُهُ: "فَرَأيتُ أَكْثَرَ أهْلِهَا النِّسَاءَ" [24]. هَذِهِ حُجَّةُ مَنْ يَرَى الرُّؤْيَةَ -ههنَا- رُؤْيَةَ عِلْمٍ؛ لأنَّه عَدَّى الرُّؤْيَةَ إلى مَفْعُوْلَينِ، وَرُؤْيَةُ العَينِ إِنَّمَا تَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُوْلٍ وَاحِدٍ، والَّذِي عَلَيهِ مَشْيَخَةُ أَهْلِ السَّنة أَنَّهَا رُؤْيَةُ عَينٍ. فَإِنْ قِيلَ: كَيفَ يَصِحُّ ذلِكَ، والكَلامُ لَا يَصِحُّ بِذِكْرِ المَفْعُوْلِ [الأوَّلِ] دُوْنَ الثَّانِي؟ فَفِي ذلِكَ وَجْهَانِ: أحَدُهُمَا: أَنْ تَكُوْنَ الرُّؤْيَةُ ههُنَا بِمَعْنَى الظَّنِّ وَالحُسْبَانِ لَا بِمَعْنَى العِلْمِ؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ القَلْبِ تَنْقَسِمُ ثَلاثَةَ أَقْسَامٍ؛ تَكُوْنُ بِمَعْنَى العِلْمِ، وتَكُوْنُ بِمَعْنَى الظَّنِّ والحُسْبَانِ فَتَعَدَّى في هَذَينِ الوَجْهَينِ إِلَى مَفْعُوْلَينِ، ويَكُوْنُ بِمَعْنَى الاعْتِقَادِ فَتَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُوْلٍ وَاحِدٍ، والشَّاهِدُ عَلَى ذلِكَ قَوْلُهُ [تَعَالى] (¬1): {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا ... } الآية، أَي: يَظُنُّونَهُ بَعِيدًا وَنَعْلَمُهُ قَرِيبًا، والرُّؤْيَةُ الَّتِي بِمَعْنَى الاعْتِقَادِ قَوْلُكَ: فُلانٌ يَرَى رَأْيَ مَالِكٍ، أَوْ رَأَيَ أَبِي حَنِيفَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُ السَّمَوْأَلِ (¬2): وَإِنَّا لَقَوْمٌ مَا نَرَى القَتْلَ سُبَّةً ... إِذَا مَا رَأَتْهُ عَامِرٌ وَسَلُوْلُ تأوَّلَهُ ابنُ جِنِّي (¬3) عَلَى مَعْنَى الاعْتِقَادِ؛ [إِذْ] إِنَّ العِلْمَ لَا يَخْتَلِفُ، إِنَّمَا تَخْتَلِفُ ¬
الاعتِقَادَاتُ و"سُبَّةً" عَلَى هَذَا حَالٌ لا مَفْعُوْلٌ ثَانٍ. ونَحْنُ نَتَأَوَّلُهُ عَلَى مَعْنَى الظَّنِّ، ونَجْعَلُ "سُبَّةً" مَفْعُوْلًا ثَانِيًا، ومَفْعُوْلُ الرُّؤْيَةِ الثَّانِيَةِ مَحْذُوْفٌ؛ لِدِلالةِ الأُوْلَى عَلَيهِ، كَأَنَّهُ قَال: إِذَا مَا رَأَتْهُ عَامِرٌ وَسَلُوْلٌ سُبَّةً. والظَنُّ لائِقٌ بحَدِيثِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - جِدًّا، كَأَنَّهُ قَال: فَظَنَنْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ لِكَثرةِ مَا رَأَيتُ فِيهَا مِنْهُنَّ، وهَذَا أَحَدُ الوجْهَينِ. والثَّانِي: أَنْ يَكُوْنَ رُؤْيَةَ عَينٍ، وتَجْعَلُ "النِّسَاءَ" بَدَلًا مِنْ "أَكْثَر" فَيَكُوْنَ كقَوْلِكَ: رَأَيتُ أَخَاكَ زَيدًا وأَنْتَ تُرِيدُ رُؤْيَةَ عَينٍ، أَلا تَرَى أَنَّ قَوْلَكَ رَأَيتُ أَخَاكَ لَا يَتِمُّ إِلَّا إِذَا كَانَ لِلْمُخَاطَبِ أَخَوَانِ حَتَّى تَقُوْلَ زَيدًا أَوْ عَمْرًا ونَحْوَ ذلِكَ، وكَذلِكَ: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ زَيدٍ، فالبَدَلُ يَحْتاجُ إِلَى المُبْدَلِ مِنْهُ كَاحْتِيَاجِ المَفْعُوْلِ الأوَّلِ إِلَى الثَّانِي فِيمَا يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُوْلَينِ. وأَمَّا رِوَايَةَ يَحْيَى: "ويَكْفُرْنَ العَشِيرَ" بوَاوٍ، فَإِنَّهُ أَثْبَتُ لَهُنَّ الكُفْرَينِ، كُفْرَ العَشِيرِ، وكُفْرَ اللهِ، وذلِكَ عَلى تَقْدِيرِ حَذْفٍ تَقْدِيرُهُ: يَكْفُرْنَ بِاللهِ ويَكْفُرْنَ ¬
بالعَشِيرِ، والعَرَبُ تَحْذِفُ المَعْطُوْفَ عَلَيهِ اخْتِصَارًا: إِذَا كَانَ فِي اللَّفْظِ دَلِيلٌ عَلَيهِ كَقَوْلِ القَائِلِ لِصَاحِبِهِ: مَرْحَبًا فَيقُوْلُ الآخَرُ: بِكَ وأَهْلًا وَسَهْلًا، يُرِيدُ: وَبِكَ مَرْحَبًا وأَهْلًا؛ لَكِنَّهُ حَذَفَ المُوْجِبَ لِتَقَدُّمِهِ في كَلامِ مَنْ تُخَاطِبُ. وأَمَّا رِوَايَةُ غَيرِ يَحْيَى فَبِغَيرِ وَاوٍ. والعَشِيرُ -هُنَا-: الزَّوْجُ، وَكُلُّ مَنْ يُعاشِرُكَ فَهُوَ عَشِيرٌ، ويُحْتَمَلُ أَنْ يَكُوْنَ العَشِيرُ فَعِيلًا بِمَعْنَى مُفَاعِلَ بِعَينٍ مَفْتُوْحَةٍ وَمَكْسُوْرَةٍ؛ لأنَّ المُعَاشَرَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا مِنْ اثْنَينِ كَجَلِيسٍ وأَكِيلٍ وشَرِيبٍ، ومِنْهُ قَوْلُهُ [تَعَالى] (¬1): {حَسِيبًا} أَي: مُحَاسِبًا. - وَقَوْلُهُ: "عَائِذًا باللهِ" [3]. في نَصْبِهِ ثَلاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُوْنَ مَنْصُوْبًا عَلَى الحَالِ المُؤَكِّدَةِ النَّائِبَةِ مَنَابَ المَصْدَرِ السَّادَةِ مَسَدَّهُ، والعَامِلُ فِيه مَحْذُوْف كَأَنَّهُ قَال: أَعُوْذُ باللهِ عَائِذًا؛ وَلَمْ يَذْكُرِ الفِعْلَ؛ لأنَّ الحَال نَائِبَةٌ عَنْهُ. والثَّانِي: أَنْ يَكُوْنَ مَصْدَرًا جَاءَ عَلَى مِثَالِ فَاعِلٍ كَقَوْلهِمْ: عُوفِيَ عَافِيَةً وفُلِجَ فَالِجًا، والأوَّلُ مَذْهَبُ سِيبَوَيهِ (¬2)، والثَّانِي: مَذْهَبُ المُبَرَّدِ. والقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنه انْتَصَبَ لِوُقُوْعِهِ مَوْقعَ الفِعْلِ المُضَارعِ، وَهُوَ رَأْيُ بَعْضِ الكُوْفِيِّيِّنِ، زَعَمَ أَنَّ وُقُوع اسمِ الفَاعِلِ مَوْقعَ الفِعْلِ المُضَارعِ يُوْجِبُ لَهُ النَّصْبَ، كَمَا أَنَّ وُقُوْعَ المُضَارعِ مَوْقعَ اسمِ الفَاعِل يُوْجبَ لَهُ الرَّفْعُ، وعَلَى هَذَا كَانَ يَتأوَّلُ قَوْلَهُ تَعَالى (¬3): {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} وَذَكَرَ سِيبَوَيهِ أَنَّ مِنَ ¬
[ما جاء في صلاة الكسوف]
العَرَبِ مَنْ يَرْفَعُ فَيَقُوْلُ: عَائِذٌ باللهِ عَلَى خَبَرِ مُبْتَدَأٍ مُضْمَرٍ، كَأَنَّهُ قَال: أَنَا عَائِذٌ، وبالنَّصْبِ الرِّوَايَةُ في "المُوَطَّأ" وهُوَ الأكْثَرُ في اللِّسَانِ [ ... ] (¬1). [مَا جَاءَ في صَلاةِ الكُسُوْفِ] - قَوْلُ أسْمَاء: "فَقُلْتُ: آيةٌ؟ " [4]. الرِّوَايَةُ بالرَّفْعِ عَلَى خَبَرِ مُبْتَدَأٍ مُضْمَرٍ كَأَنَّهُ قَال: هَذِهِ آيةٌ، وبالنَّصْبِ عَلَى مَعْنَى أَرَى آيةً، لَوْ رُويَ. - وَقَوْلُهَا (¬2): "أنْ نَعَمْ" [4]. "أَنَّ" هَذَا هِيَ الَّتِي تُسَمَّى العَبَّارَةَ (¬3)، تُفَسِّرُ مَا قَبْلَهَا وتُعَبِّرُ عَنِ المَعْنَى الَّذِي قُصِدَ بِهِ كَقَوْلهِ تَعَالى (¬4): {أَنِ امْشُوا} وَلَا تَقَعُ "أَنْ" هَذِهِ إلَّا بَعْدَ كَلامٍ مَعْنَاهُ كَمَعْنَى القَوْلِ؛ لأنَّ إِشَارَتَها بِرَأسِهَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلهَا: نَعَمْ، وَكَذلِكَ انْطِلاقِهِمْ فِيهِ بمَعْنَى أَنَّهُمْ قَال بَعْضُهُم لِبَعْضٍ: امْشُوا، وأَهْلُ الكُوْفَةِ لَا يَعْرِفُوْنَ "أَنْ" هَذِهِ ويُقَدِّرُونَ مَعَهَا حَرْف جَرٍّ كَأَنَّه قَال: بِأَنْ امْشُوا، وبِأَنْ نَعَمْ، وَلَا مَوْضِعَ لَهَا عِنْدَ البَصْرِيِّينَ. وَ [قَوْلُهَا: "حَتَّى تَجَلَّانِي الغَشْيُ "]. أصْلُ "تَجَلَّانِي" تَجَلَّلَنِي بِثَلاثِ ¬
لامَات فَاسْتُثْقِلَ اجْتِمَاعُهُنَّ فَأبْدَلَ من اللَّامِ الثَّالِثةِ يَاءً وانْقَلَبَتْ أَلِفًا لِتَحَرُّكِهَا وانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا كَتَظَنّى وتَسَنَّى، والأصْلُ: تَضَنَّنَ وتَسَنَّنَ. و"الغَشْيُ" سَاكِنُ الشّينِ، مَصْدَرُ غُشِيَ عَلَيهِ، وَكَانَ قِيَاسُ هَذِهِ الكَلِمَةِ: غَشْوٌ؛ لأنَّ أَصْلَ اليَاءِ في غَشِيَ واوٌ فَأُبْدِلَتْ لانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا فَكَانَ يَنْبَغِي لَمَّا ذَهَبَتِ العِلَّةُ أَنْ تُرَدَّ إلى أَصْلِهِ كَمَا تَقُوْلُ: غُزِيَ غَزْوًا، غَيرَ أَنَّهُمْ جَعَلُوْهُ مِنَ البَدَلِ اللَّازِمِ مَعَ ذَهَابِ العِلَّةِ المُوْجِبَةِ لَهُ كَقَوْلهِم: عِيدٌ وأَعْيَادٌ، ورِيحٌ أَرْياحٌ في لُغةِ بني أَسَدٍ، والفُقَهَاءُ يَرْوُوْنَهُ: الغَشِيَّ بِكَسرِ الشِّينِ وتَشْدِيدِ اليَاءِ؛ فإِنْ كَانَ مَحْفُوْظًا مِن وَجْهٍ صَحِيحٍ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُوْنَ مَصْدَرًا جَاءَ عَلى فَعِيلٍ كَالنَّذِيرِ والنَّكِيرِ، وأَكْثَرُ مَا يَأْتِي هَذَا النَّوعُ مِنَ المَصَادِرِ في الأَصْوَاتِ كَالنَّهِيقِ والصَّهِيلِ، ويُحْتَمَلُ أَنْ يَكُوْنَ فَعِيلًا بِمَعْنَى فَاعِلٍ كَعَلِيمٍ بِمَعْنَى عَالِمٍ، كَأَنَّها أَرَادَتْ بالغَشْيِ الغَاشِي، ولا أَحْفَظُهُ إلَّا سَاكنَ الشِّينِ. - وَقَوْلُهَا: "فَحَمِدَ اللهَ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -". تُرِيدُ: حِينَ فَرَغَ مِنَ الصَّلاةِ لكِنَّهَا حَذَفَتْ مَا لَا يَتِمُّ الكَلامُ إِلَّا بِهِ، وَذلِكَ جَائِزٌ إِذَا كَانَ فِيمَا بَقِيَ دَلِيلٌ علَى مَا حُذِفَ. - وَقَوْلُهَا: "مِثْلَ أو قَرِيبًا". التَّقْدِيرُ: مِثْلُ فِتنةِ الدَّجَالِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ فَحَذَفَ المُضَافَ إِلَيهِ، وَلِذلِكَ لَمْ يُنَوِّنْ مِثْلًا، ونَحْوُهُ مَا حَكَاهُ الفَرَّاءُ (¬1) مِنْ قَوْلِ العَرَبِ: قَطَعَ اللهُ يَدَ وَرِجْلَ مَنْ قَالهُ، أَي. يَدَ مَنْ قَالهُ وَرِجْلَ مَنْ قَالهُ، ¬
وَعَلَى هَذَا كَانَ يَحْمِلُ المُبَرَّدُ قَوْلَهُمْ: يَا زَيدُ زَيدُ عَمْرٍو؛ إِلَّا أَنَّه مُخَالِفٌ لِهَذَا مِنْ بَعْضِ الجِهَاتِ. و"الدَّجَّالُ": الكَذَّابُ، المُمَوِّهُ، المُحَسِّنُ للبَاطِلِ، ويُقَالُ لِمَا يُذَهَّبُ بِهِ السُّيُوفَ أَوْ يُفَضَّضُ دَجَّالٌ، وَبِهِ سُمِّيَ الدَّجَّالُ؛ كَأَنَّه يَمَوِّهُ البَاطِلَ ويحَسِّنُهُ حَتَّى يُظَنَّ أَنّهُ حَقٌّ، ويُقَالُ: دَجَلَ يَدْجُلُ، واشْتِقَاقُهُ مِنْ دَجَلْتُ الشَّيءَ: إِذَا سَتَرْتُهُ وَغَطَّيتُهُ، قَال ابنُ دُرَيدٍ (¬1): وَمِنْهُ سُمِّيَتْ دِجْلَةَ كَأَنَّهَا حِينَ فَاضَتْ عَلَى الأرْضِ سَتَرَتْ مَكَانَهَا مِنْهَا، وقِيلَ: هُوَ مِنْ دَجَلْتُ في الأرْضِ: [إِذَا] ضَرَبَتُ فِيهَا وطَبَّقْتُهَا. وقِيلَ: هُوَ مِنْ دَجَلْتُ البَعِيرَ إذَا طَلَيتُهُ بالقَطِرَانِ (¬2) كَأَنَّهُ يُنَفِّرُ النَّاسَ بِشَرِّهِ. - وَقَوْلُهُ: "وَإنْ كُنْتَ لمُؤْمِنًا". قَدْ مَضَت فِي قَوْلِ عَائِشَة: "إِنْ كَانَ لَيُصَلِّي الصُّبْحَ". جَمِيع العَرَبِ تَقُوْلُ: أَلا يَأْلُو: إِذَا قَصَّرَ، إِلَّا هُذَيلا فَإِنَّهَا تَجْعَلُهَا بِمَعْنَى الاستِطَاعَةِ (¬3). ¬
رُويَ عَن جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ (¬1) أَنَّه قَال: هُمَا لِلْكَافِرِ مُنْكرٌ ونَكِيرٌ؛ لإنْكَارِهِ مَا يَسْأَلانِهِ عَنْهُ ولِلْمُؤْمِنِ مُبَشِّرٌ وبَشِيرٌ، وسُمِّيا مُنكَرًا ونَكِيرًا؛ لأنَّ العَبْدَ يُنْكِر مَا يَسْأَلانِهِ عَنْهُ، ويُنكرُ المَلَكَانِ عَلَيهِ مَا يَقُولُهُ، فَنكِيرٌ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفْعِلٌ كَألَيمٌ وَوَجِيعٌ؛ لأنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ السَّائِلِ والمَسْؤُولِ فَاعِلٌ ومَفْعُوْلٌ. ¬
[كتاب الاستسقاء]
[كِتابُ الاسْتِسْقَاءِ] (¬1) (مَا جَاءَ في الاسْتِسْقَاءِ) [قَوْلُهُ]: "اللَّهُمَّ اسْقِ" [2]. يُرْوَى بالقَطْعِ مِنْ أَسْقَيتُ، وبالوَصْلِ مِنْ سَقَيتُ. قَال بَعْضُهُمْ: سَقَيتُ الرَّجُلَ: إِذَا نَاوَلْتَهُ المَاءَ، والأَرْضَ: أَرْسَلَتُ فِيهَا المَاءَ، وأَسْقَيتُهُ: جَعَلْتَ لَهُ سُقْيًا، وَهُوَ المَاءَ الَّذي يُسْقَى بِهِ، وأَسْقَيتُهُ [أَيضًا]: دَعَوْتُ لَهُ بالسُّقْيَا، وَقَال بَعْضُهُم: سَقَى وأَسْقَى بِمَعَنًى، وأَنْشَدَ لِلَبِيدٍ (¬2): سَقَى قَوْمِي [بني مَجْدٍ] ... ................. البيت ¬
[الاستمطار بالنجوم]
- و"البَهِيمَةُ": اسمٌ مُفْرَدٌ يُرَادُ بِه النَّوع كُلُّهُ كَقَوْلِهِ [تَعَالى] (¬1): {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا} و {إِنَّ الْإِنَسَانَ لَفِي خُسْرٍ} (¬2). - "وبلَدَكَ المَيِّتِ "يَجُوْزُ تَشْدِيدُ اليَاءِ وتَخْفِيفُهَا. - ويُرْوَى: "تَقَطَّعَتْ" و"انْقَطَعَتْ" [3]. وبالنُّوْنِ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا فِي هَذَا المَوْضِعِ. - وَقَوْلُهُ: "اللَّهُمَّ ظُهُورَ الجِبالِ". أي: اخْصُصْ بِهِ ظُهُوْرَ الجِبَالِ، أَوْ أَمْطِرْهُ، فَحَذَفَ لِما كَانَ فِيمَا بَقِيَ دَلِيلٌ عَلَى مَا أُلْقِيَ. وَمِنْهُ قَوْلُ المُؤَذِّنِ: الصَّلاةُ رَحِمَكُم الله، أَي: عَلَيهُمُ الصَّلاةَ. - و"الآكامُ": الكُدَا، وَاحِدُهَا أَكَمَةٌ [ ... ]. - وَقَوْلُهُ: "فانْجَابَت" أي: انْفَرَجَتْ، وهو انْفَعَلَتْ من جُبْتُ القَمِيصَ: إِذَا فَتَحْتُ جَيبَهُ، والشَّيءَ: إِذَا خَرَقْتَهُ. [الاسْتِمْطَارُ بالنُّجومِ] - " الحُدَيبِيَة" [4] (¬3) مُخَفَّفَةُ اليَاءِ- مَوْضِعٌ بَينَ الحِلِّ والحَرَمِ، كَذَا قَيَّدَهُ ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
أَبُو عَلِيٍّ البَغْدَادِيّ، وكَانَ الكِسَائِيُّ يُشَدِّدُهَا، وَكَانَ الأصْمَعِيُّ: يُنكِرُ ذلِكَ [ ... ]. - و [سَمَاءٌ]: السَّمَاءُ المَطَرُ؛ سُمِّيَ بِذلِكَ لأنَّه مِنَ السَّمَاءِ يَنْزِلُ (¬1)، وقَال أَبُو عُبَيدَةَ (¬2): مَطَرَ في الرَّحْمَةِ، وأَمْطَرَ فِي العَذَابِ، واحْتَجَّ بِقَوْلهِ [تَعَالى] (¬3): ¬
فَأَمطِرْ عَلَينَا حِجَارَةً} وأَجَازَ غَيرُهُ: مَطَرَ وأَمْطَرَ، واحْتَجَّ بِقَوْلهِ [تَعَالى] (¬1): {هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنا}. - و"بَحْرِيَّةً": يُرْوَى رَفْعُهَا ونَصْبُهَا، فَمَنْ رَفَعَ فَهِيَ فَاعِلَةٌ، وَمَنْ نَصَبَ فَعَلَى الحَالِ، والفَاعِلُ مُضْمَرٌ، كَأَنَّه قَال: إِذْ أَنْشَأَتْ السَّحَابَةُ بَحْرِيَّةً، والعَرَبُ تُضْمِرُ الفَاعِلَ وإِنْ لَمْ يَجْزِ لَهُ ذِكْرٌ؛ إِذَا كَانَ في فَحْوَى الكَلامِ أَو المُشَاهَدَة مَا يَدُلُّ عَلَيهِ، قَال تَعَالى (¬2): {حَتَّى تَوَارَتْ بِالحِجَابِ} أَرَادَ: الشَّمْسَ وَلَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْرٌ. وَمَعْنَى "أَنْشَأَتْ": ابْتَدَأَتْ وأَقْبَلَتْ، وَمِنْهُ أَنْشَأَ الشَّاعِرُ يَقُوْلُ [ ... ]. و"البَحْرِيَّةُ": سَحَابَةٌ تَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ البَحْرِ و"تَشَاءَمَتْ": أَخَذَتْ نَحْوَ الشَّامِ، إِذَا كَانَتْ كَذلِكَ كَانَ أَغْزَرُ لِمَائِهَا؛ لأنَّ الجَنُوْبَ تَسُوْقُهَا، والجَنُوْبُ الرِّيَاحُ لِلْمَطَرِ بالحِجَازِ. قَال الأصْمَعِيُّ: كُلُّ مَا كَانَ مِنْ أَرْضِ (كَذَا) فَالشِّمَالُ تَجْرِي فِيهِ السَّحَابُ وتُؤَلِّفُهُ، وَمَا كَانَ مِنْ أَرْضِ الحِجَازِ فَالجَنُوْبُ هِيَ الَّتِي تُجْرِي فيه السَّحَاب وتُؤَلِّفُهُ، والشَّمَالُ تَقْشَعُهُ (¬3)؛ لِذلِكَ سُمِّيَتِ الشَّمَالُ مَحْوَةً؛ لأنَّهَا تَمْحُو السَّحَابَ. - و"العَينُ": نَاحِيَةُ القِبْلَةِ، تَقُوْلُ العَرَبُ: مُطِرْنَا بالعَينِ، وَمِنَ العَينِ إِذَا ¬
كَانَ السَّحَابُ نَاشِئًا مِنْ نَاحِيَةِ القِبْلَةِ، وَقِيلَ بلْ العَينُ: مَاءٌ عَنْ يَمِينِ قِبَلَةِ العِرَاقِ. - وَ"غَدِيقَة": -بِفَتْحِ الغَينِ- كَثيرَةُ المَاءِ، قَال تَعَالى (¬1): {غَدَقًا} أَي: كَثيرًا، وَلَا يَعْرِفُ اللُّغَويُّوْنَ غُدَيقَةٌ بِضَمِّ الغَينِ وفَتْحِ الدَّالِ، والفُقَهَاءُ يَرْوُوْنَهُ كَذلِكَ (¬2). ¬
[كتاب القبلة]
[كِتَابُ القُبْلَةِ] (¬1) [النَّهْيُ عنِ اسْتِقْبَالِ القِبْلَةِ والإنْسَانُ عَلَى حَاجَتِهِ] - " الكَرَابِيسُ": جَمْعُ كِرْبَاسٍ وهو المِرْحَاضِ الَّذِي لَهُ قَنَاةٌ قَائِمَةٌ. وأَمَّا الَّذِي في الأرْضِ فَيُقَالُ لَهُ: الكَنِيفُ. وَكِرْبَاسٌ: مِنْ قَولهِمْ: تَكَرْبَسَ الشَّيءُ والزَّبْلُ: إِذَا تَلَبَّدَ وتَرَاكَبَ، سُمِّيَ بِذلِكَ لِتَطْبِيقِ بَعْضِهِ فَوْقَ بَعْضٍ، وَمِنْهُ الكُرَّاسَةُ. - وَ"المِرْحَاضُ": مِنْ رَحَضْتُ الشَّيءَ: إِذَا غَسَلْتُهُ، وَثَوْبٌ مَرْحُوْضٌ ورَحِيضٌ والمِرْحَضَةُ -بِكَسْرِ المِيمِ- الَّذِي تُغْسَلُ فيه، وكَذلِكَ لِلَّذِي يُتَوَضَّأ فيه، ويُقَالُ لِلْخَشَبَةِ الَّتِي يُضْرَبُ بِهَا الثَّوْبُ عِنْدَ الغَسْلِ: مِرْحَضٌ وَمِرْحَاضٌ. - و"الكَنِيفُ": مِنْ كَنَفْتُ الشَّيءَ: إِذَا سَتَرْتُهُ، وَمِنْهُ قِيلَ للتُّرْسِ كَنِيفٌ، وكَذلِكَ للزَّرِيبَةِ. يُقَالُ لِلْكَنِيفِ: حُشٌّ (¬2)، وَخَلاءٌ، ومَذْهَبٌ، وَمِيضَأةٌ، سُمِّيَ خَلاءً؛ لأنَّ الإنْسَانَ يَخْلُو فيه، ومَذْهَبًا؛ لأنَّه يُذْهَبُ إِلَيهِ عِنْدَ الحَاجَة، وَمَيضَأةً؛ لأنَّه يُتَنَظَّفُ فِيه، مِنَ الوَضَاءِ وهِيَ النَّظَافَةُ. وحُشًّا مِنَ المَخْرَجِ، والمَحَشَّةُ: الدُّبُر، وفي الحدِيثِ: "مَحَاشُّ النِّسَاءِ عَلَيكُمْ حَرَامٌ" فَسُمِّيَ حُشًّا؛ لأنَّه مَكَانٌ تُكْشَفُ فيه الأدْبَارُ. والحُشُّ ¬
[الرخصة في استقبال القبلة لبول أو غائط]
-أَيضًا-: البُسْتَانُ، وَكَانَ النَّاسُ قَبْلَ إِحْدَاثِ الكَنِيفِ يَقْضُوْنَ حَوَائِجَهُمْ فِي البَسَاتِينِ، فَيَقُوْلُ الرَّجُلُ: ذَهَبْتُ إِلَى الحُشّ، حَتَّى كَثُرَ فَصَارَ اسْمًا لِلْمَوْضِعِ الَّذِي يُحْدَثُ فيه. وَوَقَعَ في بَعْضِ النُّسَخِ: "إِذَا ذَهَبَ أحَدُكُمْ الغَائِطَ أو البَوْلَ" القِيَاسُ أَن يَكُوْنَ باللَّامِ، ومَنْ نَصَبَ أَرَادَ اللَّامَ وحَذَفَهَا، وَهَذَا نَحْوٌ مِنْ قَوْلِ العَرَبِ ذَهَبْتُ الشَّامَ. [الرُّخْصَةُ في استِقْبَالِ القِبْلَةِ لِبَوْلٍ أوْ غَائِطٍ] - و [قَوْلُهُ: "عَلَى لَبِنَتَينِ" [3]. اللَّبِنَةُ: الطُّوْبَةُ، والآجُرَّةُ (¬1)، وكُلُّ شَيءٍ؛ رَفَعْتَهُ مِنْ حَجَر ونَحْوهِ فَقَدْ لَبَنْتَهُ، وَيُقَالُ: لِبْنَةٌ -بِكَسْرِ اللَّامِ وسُكُوْنِ البَاءِ- والجَمْعُ لِبْنٌ وَلِبَنٌ كَسِدْرَةٍ وسِدْرٍ وسِدَرٍ. وَمَنْ قَال: لَبِنَةٌ -بفَتْحِ اللَّام وكَسْرِ البَاءِ- قَال: لَبِنٌ. [النَّهْيُ عن البُصَاقِ في القِبْلَةِ] ويُقَالُ: بُسَاقٌ، وبُصَاقٌ، وبُزَاقٌ. وأَمَّا بَسَقَتِ النَّخْلَةُ (¬2): إِذَا ارْتَفَعَتْ فَلَمْ يُحْكَ فِيهِ ¬
غَيرَ السِّينِ، عَلَى أَنَّهُمْ قَدْ قَالُوا: كُلُّ سِينٍ وَقَعَ بَعْدَهَا حَرْفُ اسْتِعْلاءٍ جَازَ قَلْبُهَا صَادًّا. - وَ [قَوْلُهُ: "أَوْ نُخَامَةٌ" [5]. النُّخَامَةُ والنُّخَاعَةُ: سَوَاءٌ، وقِيلَ: بالعَين مِنَ الفَمِ، وبالنُّوْن والمِيمِ مِنَ الأنْفِ.
[كتاب القرآن]
[كِتَابُ القُرْآنِ] (¬1) [مَا جَاءَ فِي القُرْآنِ] - وَ [قَوْلُهُ: ثُمَّ لَبَبْتُهُ بِرِدَائهِ] [5]. التَّلَبُّبُ: أَنْ يَضَعَ فِي عُنُقِ الرَّجُلِ ثَوْبًا ويَقْبِضُ عَلَيهِ. والتَّلَبُّبُ -أَيضًا-: أَنْ يَقْبِضَ عَلَى مَكَانِ لَبَبِهِ ويَضْغَطَهُ. واللَّبَبُ واللَّبَّةُ: وَسَطُ الصَّدْرِ. وَكُلُّ مَنْ تَحَزِّم وتَجَمِّعَ ثَوْبَهُ عَلَيهِ فَقَدْ تَلَبَّبَ (¬2). - وَ [قَوْلَهُ: "في مِثْلِ صَلْصَلَةِ الجَرَسِ "] [7]. صَلْصَلَةُ الجَرَسِ: صَوْتُهُ. - وَ [قَوْلُهُ]: "فَيُفْصَمَ عَنِّي" أي: يَزُوْلُ، فَصَمْتُ الشَّيءَ عَنِّي وَقَصَمْتُهُ بالفَاءِ والقَافِ وانْفَصَمَ وانْقَصَمَ: إِذَا انْكسَرَ، وقَيلَ: بالفَاءِ: إِذَا انْصَدَع وَلَمْ يَبِنْ، وبالقَافِ: إِذَا بَانَ بَعْضُهُ عَنْ بَعْضٍ [ ... ]. - وَ [قَوْلُهُ: لَيَتَفَصَّدَ عَرَقًا]. تَفَصَّدَ العَرَقُ والمَاءُ تَفَصُّدًا: إِذَا سَالا. -[وَقَوْلُهُ: وَقَدْ وَعَيتُ مَا قَال]. وَعَيتُ الشَّيءَ أَعِيهِ وَعْيًا وأَنَا وَاعٍ: فَهِمْتُهُ، أَي: جَمَعْتُهُ في قَلْبِكَ حَتَّى لا يَشِذُّ مِنْهُ شَيءٌ، كَمَا يُجْمَعُ الشَّيءُ في الوعَاءِ، وأَمَّا المَالُ والمَتَاعُ فَيُقَالُ: أَوْعَيتُ بالألفِ أُوْعِي إِيعاءً فَأَنَا مُوعٍ (¬3). - وَ [قَوْلُهُ]: "يَتَمَثُّلُ لِيَ المَلَكُ رَجُلًا". نَصْبٌ عَلَى الحَالِ، وتُسَمَّى الحَال ¬
المُوَطِّئَةَ، وَمَعْنَى ذلِكَ أَنَّ الحَال حُكْمُهَا أَنْ تَكُوْنَ صِفَةً مُشْتَقَّةً مِنْ فِعْل مِثْل قَائِمٍ وقَاعِدٍ ونَحْوَ ذلِكَ، فَلَمَّا كَانَ رَجُلٌ اسْما جَامِدًا لَيسَ مُشْتَقًّا مِنْ فِعْل تُأوِّلَ فيه تأْويلًا يُصْلِحُهُ ويُهَيِّئُهُ لأنْ يَكُوْنَ حَالًا، كَمَا تُؤُوَّلِ في قَوْلهِمْ: [هَذَا] خَاتَمٌ حَدِيدًا إِنَّه بِمَعْنَى رَدِيءٌ، وبَابٌ سَاجًا بِمَعْنَى صَلِيبٍ، وكَذلِكَ "رَجُلًا" ههُنَا يَكُوْنُ حَالًا؛ لأنَّه بِمَعْنَى مَحْسُوْسٍ أوْ مَرْئيٍّ، ويَجُوْزُ أَنْ يَكُوْنَ أَرَادَ: مِثْلَ رَجُلٍ فَحَذَفَ المُضَافَ وأَقَامَ المضَافَ إِلَيهِ مَقَامَهُ. - وَقَوْلُهُ: "هَلْ تَرَى بِمَا أقُوْلُ بَأْسًا" [8]. فِيهِ تَأَويلانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُوْنَ البَاءُ بِمَعْنَى قَوْلِكَ: زَيدٌ بالبَصْرَةِ، أَي: فِي البَصْرَةِ. والثاني: هَلْ تَرَى بَأسًا بِرُؤيَتِكَ مَا أَقُوْلُ، فَتَكوْنُ البَاءُ غَيرَ مُبْدَلَةٍ، وَيُكْوْنُ مِثْلَ قَوْلِ العَرَبِ: رَأَيتُ بِزَيدٍ الأَسَدَ أَي: رَأَيتُ الأَسَدَ بِرُؤْيتِي إِيَّاهُ، وكُلُّ شَيءٍ صَعْبٌ شَاقٌّ مِنْ سَمَاعٍ أَوْ مُبَاشَرَةٍ فَهُوَ بَأْسٌ، ومِنْهُ سُمِّيَتِ الحَرْبُ: بَأْسًا، والشُّجَاعُ: بَئِيسًا، والفَقِيرُ: بَائِسًا. فَمَعْنَى "لَا بَأْسَ عَلَيكَ" لَا مَشَقَّةَ عَلَيكَ ولا مَكْرُوهَ. - و"الدُّمَى": جَمْعُ دُمْيَةٍ، وَهِيَ صُوْرَةٌ تُصْنَعُ مِنَ الحِجَارَةِ، يُرِيدُ: الأصْنَامَ. و"الدِّمَاءُ": دمَاءُ الذَّبَائِحِ الَّتِي يَذْبَحُوْنَهَا لِلأَصْنَامِ أَقْسَمَ بِهَا. (¬1) -[قَوْلُهُ: نَزَرْتَ رَسُوْلَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -] [9]. التَّنْزِيرُ: أَنْ يُلِحَّ الرَّجُلُ عَلَى ¬
المَسْؤُولِ حَتَّى يَشُقَّ عَلَيهِ سُؤَالُهُ، أَوْ يَنْقَطِعَ عَنِ الجَوَابِ، أوْ لَا يَجِدَ مَا يُعْطِي (¬1)، واشْتِقَاقُهُ مِنَ نزَرَ الشَّيء نزَارَةً ونزْرًا، قَال ذُو الرُّمَّةِ (¬2): لَهَا بَشَرٌ مِثْلُ الحَرِيرِ وَمنْطِقٌ ... رَخِيمٌ الحَوَاشِي لا هُرَاءٌ ولا نَزْرُ أَي: لَا كَثيرٌ ولا قَلِيلٌ. و"عُمَرُ" بِرَاءٍ مُفْرَدًا، أَرَادَ: يَا عُمَرُ، وَمِنْهُ: {يوُسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} (¬3) و"ثَكِلَتْكَ": فَقَدَتْكَ، وَلأُمِّهِ الثُّكْلُ والثَّكَلُ: إِذَا دُعِيَ عَلَيهِ بالهَلاكِ. - قَوْلُهُ: "فَمَا نَشِبْتُ". العَرَبُ تَسْتَعْمَلُ هَذَا الكَلامُ فِي الأَمْرِ الَّذِي يَفْجَأُكَ قَبْلَ أَنْ تَنْشَبَ فِي غَيرِهِ أَي: فَمَا نَشِبْتُ في أَمْرٍ حَتَّى سَمِعْتُ صَارِخًا، أو إِلَى أَنْ سَمِعْتُ، وَحَقِيقَتُهُ إِلَى وَقْتِ أَنْ سَمِعْتُ فَحَذَفَ المُضَافَ وَأَقَامَ المُضَافَ إِلَيهِ مَقَامَهُ. ¬
- و [قَوْلُهُ: لَا يُجَاوزُ حَناجِرَهُم] [10]. الحَنَاجِرُ: جَمْعُ حَنْجَرَةٍ، وهي رَأْسُ الغَلْصَمَةِ مِنَ الحَلْقِ (¬1)، وأَمَّا الحُلُوْقُ بأَعْيَانَها فَيُقَالُ لَهَا: الحَنَاجِيرُ باليَاءِ، وَاحِدُهَا حَنْجُوْرٌ، وَرُبَّمَا حَذَفُوا اليَاءَ، وأَكْثَرُ ذلِكَ فِي الشعْرِ، كَمَا قَال النَّابِغَةُ (¬2): * ... قَبْلَ اسْتِقَاءِ الحَنَاجِرِ * - و [قَوْلُهُ: مُرُوْقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ]. الرَّمِيَّةُ: كُلُّ مَا رُمِيَ مِنْ صَيدٍ وغَيرِهِ، تَقُوْلُ العَرَبُ (¬3): "بِئْسَ الرَّمِيَّةُ الأرْنَبُ" وإِنَّمَا يُقَالُ لَهَا رَمِيَّةٌ مَا لَمْ تُرْمَ، فَإِذَا رُمِيَتْ قِيلَ لَهَا: رَمْيٌّ بِغَيرِ هَاءٍ. ومَرَقَ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ مُرُوْقًا خَرَجَ مِنْهَا تَجَاوَزَهَا. والرَّجُلُ: خَرَجَ مِنَ الدِّينِ أَوْ مِنَ الطَّاعَةِ بِقُوَّةٍ وَجِدٍّ، يُشَبَّهُ ذلِكَ بِمُرُوْقِ السَّهْمِ. - وَ [قَوْلُهُ: تَنْظُرُ في النَّصْلِ ... والقِدْحِ ... وتَتَمَارَى في الفُوْقِ]. والنَّصْلُ: الشَّفْرَةُ. والقِدْحُ: السَّهْمُ، والفُوْقُ: المَوْضِعُ الَّذِي يُوْضَعُ منه على الوَتَرِ عِنْدَ ¬
[ما جاء في الدعاء]
الرَّمْيِ، والجَمْعُ: أَفْوَاقٌ، ويُقَالُ أَيضًا: فُوْقَهُ، وَجَمْعُهَا: فُوَقٌ. والتَّمَارِي: الامْتِرَاءُ والمُرْيَةُ والمِريَةُ -بِضَمِّ المِيمِ وَكَسْرِهَا-: الشَّكُّ في الشَّيءِ، وَالفِعْلُ مِنْهُ: تَمَارَى تَمَارِيًا وامْتَرَى امتِرَاءً. - وَ [قَوْلُهُ: مَكَثَ عَلَى سُوْرَةِ البَقَرَةِ] [11]. مَكَثَ فَهُوَ مَاكِثٌ ومَكُثَ فَهُو مَكِيثٌ. [مَا جَاءَ في الدُّعَاءِ] - وَ [قَوْلُهُ: فَأُرِيدُ أنْ اخْتَبِئَ دَعْوَتِي]. [ ... (¬1) يُقَالُ: خَبَّأْتُ الشَّيءُ أَخْبَؤُهُ خَبْأً واخْتَبَأَتُهُ اخْتِبَاءً: إِذَا اسَتَرْتُهُ وَدَفَعْتُهُ] واخْتَبَأْتُ مِنَ الشَّيءِ: إِذَا اسْتَتَرْتَ عَنْهُ. - وَ"شَفَاعَةً": مَنْصُوْبٌ عَلَى المَفْعُوْلِ مِنْ أَجْلِهِ، مِثْل جِئْتُكَ مَخَافَةً مِن عُقُوْبَتِكَ. - وَ [قَوْلُهُ: "فَالِقُ الإصْبَاحِ ... " (¬2)] [27]. وَيُقَالُ: فَلَقْتُ الشَّيءَ فَلْقًا: إِذَا صَدَعْتُهُ وشَقَقْتُهُ فَأَنَا فالِقٌ، والفَلَقُ للشَّيءِ المَفْلُوقِ مِثْلُ الهَدَمِ للشَّيءِ المَهْدُوْمِ، وَسُمِّيَ الصُّبْحُ فَلَقًا لأنَّه إِنَّمَا يَكُوْنُ عِنْدَ انْصِدَاع الظَّلامِ وانْفِرَاجِهِ، وَمِنْهُ قِيلَ: انْصِدَاعُ الفَجْرِ، ويُسَمَّي الفَجْرُ صَدِيعًا، والصَّدِيعُ إِنَّمَا هُوَ الشَّيءُ المَصْدُوْعُ، وقَرِيبُ مِنْ هَذَا تَسْمِيَتُهُم إِيَّاه فَجْرًا؛ إِنَّمَا شَبَّهُوا ظُهُوْرَ الضِّيَاءِ في ظَلامِ اللَّيلِ بانْفِجَارِ المَاءِ، وسُمِّيَ صُبْحًا لإشْرَاقِهِ وضِيَائِهِ، مِنْ قَوْلكَ: صَبُحَ وَجْهُ الأرْضِ صَبَاحَةً: إِذَا حَسُنَ، وقِيلَ: سُمِّيَ صبْحًا؛ لاخْتِلاطِ البَيَاضِ بالحُمْرَةِ، وَمِنْهُ أَصْبَحَ الشَّعْرُ: إِذَا كَانَ شَعْرُهُ أَحْمَرُ يُشْرَبُ إِلى البَيَاضِ ¬
[والسَّكَنُ: مَا سَكَنَتْ إِلَيهِ نَفْسُكَ أُنْسًا] (¬1) بِهِ، وَسُمِّيَ اللَّيلُ سَكَنًا؛ لأنَّ كُلَّ شَيءٍ فيه يَسْكُنُ من الحَرَكَةِ والتَّصَرَّفِ. - و"الحُسْبَانُ" مَصْدَرُ حَسَبْتَ الشَّيْءَ أَحْسُبُهُ حَسْبًا وحِسَابًا حُسْبَانًا: إِذَا عَدَدْتَهُ، فَإِنْ أَرَدْتَ الشَّيءَ المَحْسُوْبَ، قُلْتَ: حَسَبٌ، أَي: أَنّهُمَا يَجْرِيَانِ بِحِسَابٍ مُقْدَّرٍ لَا زِيَادَةَ فِيهِ ولا نَقْصَ. - و"فَالِقَ الإصْبَاحِ" مَنْصُوْبٌ (¬2) عِنْدَ سِيبَوَيهِ عَلَى النِّدَاءِ، ولا يَجُوْزُ أَنْ يَكُوْنَ صِفَةً لِقَوْلِهِ: اللَّهُمَّ؛ لأنَّ اللَّهُمَّ لَمَّا كَانَ لَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا في النِّدَاءِ أَشْبَهَ الأصْوَاتِ الَّتِي لَا تُوْصَفُ. وَمِنَ النُّحَاةِ مَنْ يُجِيزُ أَنْ يَكُوْنَ صِفَةً، وَهُوَ مَذْهَبُ المُبَرِّدَ. - وَقَوْلُهُ: "لِيَعْزَمَ المَسْأَلَةَ" [28]. أَي: ليُنْفِذَهَا ويُمْضِيهَا، والعَزْمُ: إِنْفَاذُ الشَّيءِ وإِمْضَاؤُهُ. والحَزْمُ: صِحَّةُ الرَّأْي، وَفِي المَثلِ (¬3): "قَدْ أَحْزِمُ لَوْ أَعْزِمُ". - وَقَوْلُهُ: "مَا لَمْ يُعَجِّلْ فَيَقُولَ" [29]. مَنْصُوْبٌ علَى جَوَابِ النَّفْي، ¬
أُجْرِيَتْ "لَمْ" حِينَ كَانَ مَعْنَاهَا النَّفْيُ مُجْرَى "مَا" فِي قَوْلهِمْ: مَا أَنْتَ بِصَاحِبِي فَأَنْصُرَكَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الأعْشَى (¬1): أَجِدُّكَ لَمْ تَغْتَمِضْ لَيلَةً ... فَتَرْقُدَهَا مَعَ رُقَّادِهَا - وَقَوْلُهُ: "إِلَى سَّمَاءِ الدُّنْيَا" [30]. كَذَا الرِّوَايَةُ، وَهُوَ الوَجْهُ والقِيَاسُ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُم: "إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا " فَيَكُوْنَ عَلَى هَذَا مِنْ بَابِ صَلاةِ الأُوْلَى، وَمَسْجِد الجَامِعِ. - وَقَوْلُهُ: "مَنْ يَدْعُوْنِي ... ". مَنْ رَوَاهُ هكَذَا بِوَاوٍ جَعَلَ "مَنْ" اسْتِفْهَامًا نَصَبَ مَا بَعْدَ الفَاءِ عَلَى جَوَابِ الاسْتِفْهَامِ ومَنْ رَوَى: "مَنْ يَدْعُنِي" بِغَيرِ وَاوٍ جَعَلَ "مَنْ" شَرْطًا فَجَزَمَ بِهَا الفِعْلَ، وَرَفَعَ مَا بَعْدَ الفَاءِ كَمَا قَال [اللهُ تَعَالى] (¬2): {وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللهُ مِنْهُ}. - وَقَوْلُ عَائِشَةَ: "فَفَقَدْتُهُ مِنَ اللَّيلِ" [31]. - وَقَوْلُ ابنِ عَبَّاسٍ: "إذَا قَامِ إِلَى الصَّلاةِ مِنْ جَوْفِ اللَّيلِ" [34]. "مِن" ههنَا بِمَعْنَى "في". - وَ"المَسِيحُ" [33]. بالحَاءِ المُهْمَلَةِ، عَلَى لَفْظِ المَسِيحِ عِيسَى بنُ مَرْيَمَ لَا فَرْقَ بَينَهُمَا فِي اللَّفْظِ، وإِنَّمَا يَفْتَرِقَانِ في الاشْتِقَاقِ، وفِي اشتِقَاقِ المَسِيحِ عِيسَى سِتَّةُ أَقْوالٍ (¬3): ¬
قَال ابنُ عَبَّاسٍ: كَانَ لَا يَمْسَحُ ذَا عَاهَةٍ إلَّا بَرِئَ. وَقَال النَّخَعِيُّ: المَسِيحُ: الصِّدِّيقُ. وَقَال أَبُو عُبَيدٍ: أَظُنُّ هَذِهِ الكَلِمَةَ عَبْرَانِيَّةً أوْ سِرْيَانيَّةً، أَصْلُهَا مِشِيْحى فَعُرَّبَ. وقَال ابنُ عَبَّاسٍ -في رِوَايَةِ عَطَاءٍ عَنْهُ-: سُمِّيَ مَسِيحًا؛ لأنَّه كَانَ أَمْسَحَ الرِّجْلِ، أَي: لا أَخْمُصَ لِقَدَمِهِ. وَقِيلَ: سُمِّيَ مَسِيحًا؛ لأنَّهُ خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمّه كَأنَّهُ مَمْسُوْحٌ بالدُّهْنِ. وَقِيلَ: بَلْ كَانُوا يَمْسَحُوْنَ المَوْلُوْدَ بالدُّهْنِ، وَكَانَ هَذَا سُنَّةٌ لَهُمْ. وَقِيلَ: المَسِيحُ: الجَمِيلُ الوَجْهِ، يُقَالُ: عَلَى وَجْهِهِ مَسْحَةٌ مِن جَمَالٍ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبيِّ [- صلى الله عليه وسلم -] في جَرِيرٍ (¬1): "يَطْلُعُ عَلَيكُمْ مِنْ هَذَا الفَجِّ خَيرُ ذِي يَمَنٍ عَلَيهِ مَسْحَةُ مَلَكٍ" وَكَانَ جَرِيرٌ مِن أَجْمَلِ النَّاسِ وَجْهًا، وَقَال ذُو الرُّمَّةِ (¬2): عَلَى وَجْهِ مَيٍّ مَسْحَةٌ مِنْ مَلاحَةٍ ... وتَحْتَ الثِّيَابِ الشَّينُ لَوْ كَانَ بَادِيًا وَقَال ثَعْلَبٌ: سُمِّيَ مَسِيحًا؛ لِأَنَّه يَمْسَحُ الأرْضَ أَي: يَقْطَعُهَا. - وأَمَّا "الدَّجَّالُ" فَقِيلَ لَهُ ذلِكَ: لَأَنَّه أَعْوَرُ إِحْدَى العَينَينِ، وَجَاءَ في حَدِيثٍ أَنَّه مَمْسُوْحُ العَينِ اليُمْنَى. وفي رِوَايَةِ حُذَيفَةَ في "مُسْلِمٍ": الشِّمَالُ، وهو ¬
غَرِيبٌ. قَال الخَلِيلُ (¬1): يُقَالُ: رَجُلٌ مَمْسُوْحُ الوَجْهِ ومَسِيحٌ: إِذَا لَمْ يَبْقَ عَلَى أَحَدِ شِقَّي وَجْهِهِ حَاجِبٌ ولا عَين [إلَّا اسْتَوَى]. - و [قَوْلُهُ: "وَإلَيكَ أنَبْتُ" [34]. الإنَابَةُ. الرُّجُوع إِلَى اللهِ، والاسْتِعَاذَةُ بِهِ. - وَ [قَوْلُهُ: "فَلَنْ يَزَال الهَرْجُ"] [35]. الهَرْجُ: الفِتْنَةُ والقَتْلُ (¬2). ¬
ومن (كتاب الجنائز)
ومِنْ (كِتَاب الجنَائِزِ) (¬1) [غُسْلُ الْمَيتِ] -[قَوْلُهُ: بِمَاءٍ وَسِدْرٍ] [2]. السَّدْرُ: وَرَقُ النَّبْقِ، وَهُوَ عَلَى ثَلاثَةِ أَنْوَاعٍ؛ مَا كَانَ فيه عَلَى المَاءِ قِيلَ لَهُ: عُبْرِيٌّ وعُمْرِيٌّ. وَمَا كَانَ مِنْهُ بَرِّيًا قِيلَ لَهُ: ضَالٌ. وَمَا تَوسَّطَ بَينَهُمَا قِيلَ لَهُ: أَشْكَلُ، لأنَّه لَمْ يَسْتَحِقَّ أَنْ يُسمَّى عُبْرِيًّا ولا ضَالًا وأَشْكَلَ أَمرُهُ. - وَقَوْلُهُ: "أوْ شَيئًا مِنْ كَافُورٍ". شَكٌّ مِنَ المُحَدِّثِ، ولَيسَ بِتَخْيِيرٍ؛ لأنَّ المَعْنَيَّ فِيهِمَا وَاحِدٌ؛ لأنَّه لَمَّا قَال: "اجْعَلْنَ في الآخِرَةِ كَافُوْرًا" فَقَدْ فُهِمَ مِنْهُ أَنَّه أَرَادَ شَيئًا مِنْهُ. - وَ"فآذنَّنِي" أَعْلِمْنَنِي، آذَنْتُهُ بِالشَّيءِ إِيذَانًا. - وَ"الحَقْوُ" الإزَارُ، وأَصلُهُ: الخَصْرُ، فَسُمِّيَ الإزَارُ حَقْوًا باسمِهِ: إِذْ كَانَ يُشدُّ عليه من بَابِ المَجَاوَرَةِ، وهُذَيلٌ تَقُوْلُ: حِقْوٌ -بِكَسْرِ الحَاءِ- وجَمْعُهُ في أَقلِّ العَدَدِ: أَحْقٍ، وفي الكَثيرِ حِقَاء كَدِلاءٍ، وحُقِيّ على مِثالِ دُلِيٍّ. - و"أشْعِرْنَهَا" أَي: اجْعَلْنَهَا شِعَارًا لَهَا، والشِّعَارُ: مَا يَلِي الجَسْمَ مِنَ الثِّيَابِ، والدِّثَارُ: مَا عَلا مِنْهَا. ¬
[ما جاء في كفن الميت]
[مَا جَاءَ في كفَنِ المَيِّتِ] -[قَوْلُهُ: كُفِّنَ في ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ سُحُولِيَّةٍ] [5]. والثّيَابُ السُّحُوْليّةُ هي ثِيَابُ قُطْنٍ (¬1) تُعْمَلُ بمَوْضِع يُعرفُ بـ "سَحُوْلاء" وَقَال بعضُهم (¬2) "سَحُوْلُ" وَهُوَ المَعْرُوْفُ بِدَلِيلِ قَوْلِ طَرَفَةَ (¬3): * ... وَشَتْهُ رَيْدَةٌ وسَحُولُ * أَرَادُ: أَهْلَ رَيدَةَ، وأَمَّا السَّحْلُ: فَهُوَ ثَوْبٌ لا يُبْرَمُ غَزْلُهُ أَي: لا يُفْتَلُ طَاقَتينِ. يُقَالُ: سَحَلُوا الثَّوْبَ: إِذَا لَمْ يَفْتُلُوا سُدَاهُ، وَهُوَ السَّحِيلُ أَيضًا، قَال زهُيرٌ (¬4): * عَلَى كُلِّ حَالٍ مِنْ سَحِيلٍ وَمُبْرَمِ * ¬
وَقِيلَ: هُوَ ثَوْبٌ أَبْيَضُ من قُطْنٍ. - و [قَوْلُهُ: "قَدْ أَصَابَهُ مِشقٌ"] [6]. المِشْقُ: -بِكَسْرِ المِيمِ- المَغْرَةُ، يُقَالُ منه: ثَوْبٌ مَمْشُوْقٌ ومُمَشَّقٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ طَلْحَةَ لِعُمَرَ: "إِنَمَا هُوَ مِشْقٌ" وَقَوْلُ جَابِرٍ: "كُنَّا نَلْبسُ في الإحْرَامِ المُمَشَّقُ" إِنَّمَا هِيَ مَدَرَةٌ وَلَيسَتْ بِطَيِّبٍ. - وَقَوْلُهُ: "فَإِنَّمَا هُمَا لِلْمُهْلَةِ". كَذَا رَوَاهُ يَحْيَى بِضَمِّ المِيمِ، والمَعْرُوفُ فَتْحُ المِيمِ وكَسْرُهَا، فَإِذَا حُذِفَتْ تَاءُ التّأنِيثِ قُلْتَ: المُهْلُ بِضَمِّهَا لا غَيرُ. وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيدٍ (¬1): "إِنَّمَا هُمَا لِلْمُهْلِ" وَقَال: المُهْلُ في هَذَا الحَدِيثِ: الصَّدِيدُ والقَيحُ، وَهُوَ في غَيرِهِ: كُلُّ شَيءٌ أُذِيبَ مِنْ رَصَاصٍ أَوْ نُحَاسٍ أَوْ غَيرِهِ. والمُهْلُ: دُرْدِيُّ الزِّيتِ، وبِهَذَا التأْويلِ فُسِّرَ قَوْلُهُ [تَعَالى] (¬2): {السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ}، وسُئِلَ ابنُ مَسْعُوْدٍ عَنِ المُهْلِ فَدَعَا بفِضَّةٍ فَأذَابَهَا فَجَعَلَتْ تَمِيعُ وتَلَوَّنُ فَقَال: هَذَا مِنْ أَشْبَهِ مَا أَنْتُمُ رَائُوْنَ بالمُهْلِ (¬3). والمُهْلُ أَيضًا: مَا تَسَاقَطَ مِنَ الخُبْزَةِ عِنْدَ إِخْرَاجِهَا مِنَ التَّنُّوْرِ مِنْ رَمَادٍ أَوْ غَيرِهِ. والمُهْلُ: ضَرْبٌ مِنَ القَطِرَانِ، وَحَكَى صَاحِبُ "العَينِ" (¬4) أَنَّه يُقَالُ لِخُثَارَةِ الزَّيتِ: مُهْلٌ ومِهْلٌ ومِهْلَةٌ ولكِنَّ رُوَاةَ "المُوَطَّأ" عَلَى مِهْلَةٍ -بِكَسْرِ المِيمِ- والَّذِي رَوَاهُ يَحْيَى [بالضَّمِّ وَ] يَجُوْزُ أَن يُجْعَلَ المُهْلَةَ: القِطْعَةُ مِنَ المُهْلِ كبُسْرَةٍ ودُرَّةٍ للواحدة من ذَينَك. ¬
[المشي أمام الجنازة]
- وَ"قَوْلُ أَبِي بكرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: خُذُوا هَذَا الثَّوْبَ، لِثَوْبٍ عَلَيهِ". يَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرٍ، وتَقْدِيرُهُ: مُشِيرًا أَوْ مُرِيدًا لِثَوْبٍ، فَحْذَفَ اخْتِصَارًا وَلَمْ يُرِدْ أنَّه خَاطَبَهُ بِهَذَا الكَلامِ، وإِنَّمَا قَال ذلِكَ مُشِيرًا إِلَيهِ. [المَشْيُ أمَامَ الجَنَازَة] والجِنَازَةُ والجَنَازَةُ -بِكَسْرِ الجِيمِ وَفَتْحِهَا- لُغَتَانِ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. وقِيلَ: الجَنَازَةُ بِفَتْحِهَا المَيِّتُ، وَبِكَسْرِهَا السَّرِيرُ -يُرِيدُ النَّعْشَ-، وَقَال ابنُ الأعْرَابِيِّ: الجِنَازَةُ -بِكَسْرِ الجيمِ-: النَّعْشُ إِذَا كَانَ عَلَيهِ المَيِّتُ، وَلَا يُقَالُ لَهُ دُوْنَ مَيِّتٍ: جِنَازَةٌ، وَقَال الدِّينَوَرِيُّ: الجَنَازَةُ: النَّعْشُ، وَلَا يُقَالُ للْمَيِّتِ: جِنَازَةٌ بِكَسْرِ الجِيمِ. وَقَال ابنُ قُتَيبَةَ (¬1): في (بابِ مَا يُكْسَرُ والعَامَّةُ تَفْتَحْهُ) [وهي الجِنَازَةُ بَكَسْرِ الجِيمِ] ويُقَالُ: إِنَّهُمَا لُغَتَانِ وإِنَّ الفَتْحَ خَطَأٌ، وَكَذلِكَ قَال في "مَسَائِلِهِ" (¬2) والجَنَازَةُ -أَيضًا-: الشَّيءُ الَّذِي ثَقُلَ عَلَى القَوْمِ واغْتَمُّوا بِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ صَخْرِ بنِ الشَّرِيدِ (¬3): ¬
وَمَا كُنْتُ أَخْشَى أَنْ أَكُوْنَ جَنَازَةً ... عَلَيكِ وَمَنْ يَغْتَرُّ بالحَدَثَانِ - وَقَوْلُهُ: "والخُلَفَاءُ هَلُمَّ جَرَّا". مَنْ نَصَبَ "الخُلَفَاءَ" عَطَفَهُمْ عَلَى الأسْمَاءِ المُتَقَدَّمَةِ المَنْصُوْبَةِ (¬1)، ومَنْ رَفَعُهُمْ عَطَفَهُمْ عَلَى الضَّمِيرِ في "يُمْشُوْنَ" ويَجُوْزُ عَطْفُهُمْ عَلَى مَوْضِعِ الأَسْمَاءِ المَنْصُوْبَةِ؛ لِأنَّهَا مَرْفُوْعَةُ المَوْضِعِ، وَفِي جَوَازِ ذلِكَ خِلَافٌ. - وَ"هَلُمَّ" بِمَعْنَى أَقْبِلْ. الجَرُّ: سَيرٌ لَيِّنٌ تَتَمَشَّى بِهِ الإبِلُ وهي تَرْعَى، وَهِيَ مَنْصُوْبَةٌ عِنْدَ البَصْرِيِّينَ؛ لِأنَّها مَصْدَرٌ وَقَعَتْ مَوْقِعَ الحَالِ، كَأَنَّه قَال: هَلُمَّ جَارِّينَ، كَمَا قَال: جَاءَ زَيدٌ مَشْيًا، أَي: مَاشِيًا. والكُوفيُّونَ يَجْعَلُوْنَهُ مَصْدَرًا مَحْمُولًا عَلَى المَعْنَى؛ لأنَّه في مَعْنَى هَلُمَّ جُرُّوا، فَكَأَنَّهُ قَال: جُرُّوا جَرًّا، كَمَا يُقَالُ: قَعَدَ زَيدٌ جُلُوْسًا؛ لِأَنَّ قَعَدَ بِمَعْنَى جَلَسَ. وَزَعَمَ بَعْضُهُم: أَنّه مَنْصُوْبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ، وهَذَا خَطَأٌ لَا وَجْهَ لَهُ، فَلَا يُحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِهِ. وَمَعْنَى الحَدِيثِ: أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ أَمْرُ الخلَفَاءِ يَتَوَالى ويَنْجَرُّ عَلَى تَقَدُّمِ ¬
الجَنَائِزِ (¬1) إِلَى يَوْمِنَا هَذَا، وأَصْلُ هَذ الكَلِمَةِ (¬2) أَنْ تُسْتَعْمَلَ في الأمْرِ بالسَّيرِ عَلَى سُكْوْنٍ وتَرَفُّقٍ واتِّصَالٍ، يُقَالُ لِلرَّجُلِ: هَلُمَّ جَرَّا، أي: أَقْبِلْ في سُكْوْنٍ وتَرَفُّقٍ ولَا تُجْهِدْ نَفْسَكَ، ثُمَّ صَارَتْ مَثَلًا في كُل شَيءٍ يَتَوَالى ويَتَتَابَعُ وإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَمْرٌ. وأَوَّلُ مَنْ نَطَقَ بِهِ عائِذُ بنُ يَزِيدَ اليَشْكُرِيُّ (¬3) في قَوْلِهِ: وإِنْ جَاوَزْتُ مَقْفَرَةً رَمَتْ بِي ... إِلَى أُخْرَى كَتِلْكَ هَلُمَّ جَرَّا - وَقَوْلُهُ: "يقْدُمُ النَّاسَ" [9]. أَي: يَتَقَدَّمُ النَّاسَ، وَمَنْ رَوَاهُ: "يُقَدَّمُ" أَرَادَ أَحَدَ وَجْهَينِ: أَمَرُهُم بالتَّقَدُّمِ، أَوْ تَقَدَّمَهُمْ هُوَ، يُقَال: تَقَدَّمَ وَقَدِمَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَمِنْهُ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬4): {لَا تُقَدِّمُوا بَين يَدَي اللَّهِ} وَمِنْهُ: جَاءَتْ مُقَدَّمَةِ النَّاس -بِكَسْرِ الدَّالِ-. -[وَقَوْلُهُ: "ثُمَّ يَأْتِي البَقِيع" [10]. البقِيع مَدْفَنُ النَّاسِ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ قَوْلهِمْ: مَا أَدْرِي أَينَ بَقَعَ؟ أَي: أَينَ ذَهَبَ؛ لأن المَدْفُوْنَ لَا يُدْرَى مَا صَارَتْ حَالُهُ إِلَيهِ. ويَجُوزُ أَنْ يَكُوْنَ مِنْ قَوْلهِمْ: بَقَعَتْهُمُ البَاقِعَةُ أَي: دَهَتْهُمُ الدَّاهِيةُ (¬5). وَقَال ¬
[التكبير على الجنائز]
الخَلِيلُ (¬1): البَقِيع: مَوْضِعٌ فِيهِ أَوُرْمُ شَجَرٍ، وَبِهِ يُسَمَّى بَقِيع الغَرْقَدِ الَّذِي بالمَدِينَةِ. [النَّهْيُ عَنْ أنْ تُتْبعَ الجِنَازَة بِنَارٍ] - وَ [قَوْلُهُ: قَالتْ لأَهْلِهَا أجْمِرُوا ثِيَابِي] [12]. يُقَال: أَجْمَرْتُ الثَّوْبَ إِجْمَارًا وَجَمَّرتُهُ تَجْمِيرًا: إِذَا بَخَّرْتُهُ بالمِجْمَرِ، وأَنْتَ مُجْمِرٌ ومُجَمِّرٌ، وَقَالُوا -أَيضًا-: جَامِرٌ عَلَى مَعْنَى النَّسَبِ كَدَارعٍ ورَامِحِ لِصَاحِبِ الدِّرْعِ والرُّمْحِ. ويُقَالُ لِطِيبِ المَيِّتِ "حَنُوْطٌ" بفَتْحِ الحَاءِ، و"حِنَاطٌ" بِكَسْرِهَا ويُقَالُ: "حَنَطْتُهُ" و"حَنَطْتُهُ" قَال الشَّاعِرُ: حَنَّطْتُّهُ يَا نَصْرُ بالكَافُورِ ... وَرَفِقْتُهُ لِلْمَنْزِلِ المَهْجُوْرِ هَلّا بِبَعْضِ خِلَالِهِ حَنَّطتَهُ ... فيَضُوع أُفْقُ مَنَازِلٍ وَقُبُوْرِ وأقَوْلُهُ: "إذَا مُتُّ" [12]. مَنْ رَوَى"مُتُّ" -[بِضَمِّ المِيمِ]- فهو مِنْ مَاتَ يَمُوْتُ، ومَنْ رَوَى: "مِتْ" -بِكَسْرِ المِيمِ-: فَهُوَ مِنْ مَاتَ يَمَاتُ مِثْلَ خَافَ يَخَافُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: "مِتُّ "-بِكَسْرِ المِيمِ- تَمُوْتُ وهو نَادِرٌ [ ... ]. [التَّكبِيرُ على الجَنَائِزِ] - و [قَوْلُهُ: إنَّ رَسُوْلَ الله - صلى الله عليه وسلم - نَعَى النَّجَاشِيَّ لِلنَّاس] [14]. النَّجاشيُّ: اسمُ كُلِّ مَلِكٍ لِلْحَبَشَةِ، كَمَا إِنَّ: كِسْرَى: اسمُ كُلِّ مَلِكٍ للفُرْسِ، كَمَا أَنَّ خَاقَانَ: اسمُ كُلِّ مَلِكٍ للتُّرْكِ، كَمَا أَنَّ هِرَقْلَ: اسمُ كُلِّ مَلِكٍ للرُّوْمِ، كَمَا أَنَّ تُبَّعًا: اسمٌ لِكُلِّ مَلِكٍ لِلْيَمَنِ، كَمَا أَنَّ فِرْعَوْنَ: اسمٌ لِكُلِّ مَلِكٍ لِمِصْرَ. واسمُ ¬
النَّجَاشِي المَذْكُوْرِ في الكِتَابِ: أَصْحَمَةُ، وهو بالعربيَّة عَطِيّةُ (¬1) [الصَّنَمِ]. ويُقَالُ: نَعَيتُ المَيِّتَ أَنْعَاهُ نَعْيًا وَنَعَيَانًا: إذَا أَشْهَرْتَ مَوْتَهُ وأَعْلَمْتَ بِهِ. - قَوْلُهُ: "فَأُخرِجَ بِجِنَازَتهَا" [15]. كَذَا جَاءَتِ الرِّوَايَةُ، وَكَانَ الوَجْهُ: "فَخُرِجَ" (¬2)؛ لأنَّ النَّحْويِّينَ لا يُجِيزُوْنَ اجْتِمَاعَ الهَمْزَةِ والبَاءِ في نَقْلِ الفِعْلِ. فَلَا يَجُوْزُ عِنْدَهُمْ مَا رُويَ مِنْ قِرَاءَةِ أَبِي جَعْفَرٍ المَدَنِيُّ (¬3): {يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يُذْهِبُ بِالأبْصَارِ} بَضَمِّ اليَاءِ، وَلَمْ يُجيزُوهَا إلَّا عَلَى زِيَادَةِ البَاءِ كَزِيَادَتِهَا في قَوْلهِ [تَعَالى] (¬4): {وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} فَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُهُ: "فأَخْرِجَ بِجَنَازَتَها". ويَجُوزُ فِيه وَجُهٌ آخرُ: وَهُوَ أَنْ يَكُوْنَ المَفْعُوْلُ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ مُضْمَرًا في "أُخْرِجَ" كَأَنَّهُ قَال: فَأُخْرِجَ النَّاسُ أَوْ النَّعْشُ بِجِنَازَتهَا عَلَى أَنْ يُرَادَ بالجَنَازَةِ: الجُثَّةُ. قَوْلُهُ: "فَلَمَّا أصْبَحَ رَسُوْلُ الله [- صلى الله عليه وسلم -] ". "أَصْبَحَ" هُنَا تَامَّةٌ، لَا خَبرَ لَهَا؛ لأنَّ مَعْنَاهَا دَخَلَ في الصَّبَاحِ، كَمَا يُقَالُ: أَمْسَى القَوْمُ: إِذَا دَخَلُوا في المَسَاءِ، ¬
[الصلاة على الجنائز في المسجد]
وأَظْلَمُوا: إِذ دَخَلُوا في الظَّلَامِ، قَال [تَعَالى] (¬1): {فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37)}. - وَقَوْلُهُ: "إنَّه سَأَلَ ابنَ شِعَابٍ عَنِ الرَّجُلِ يُدْرِكُ" [16]. هَذِهِ مَسْأَلةٌ تَنَازَعَ فِيهَا النُّحَاةُ. فَالكُوْفِيُّوْنَ يَجْعَلُوْنَ "يُدْرِكُ" صِلَةً لِلرَّجُلِ، كَأَنَّهُ قَال: الَّذِي يُدْرِكُ، ويُجِيزُوْنَ أَنْ يُوصَلَ كُلَّ مَا بِهِ الألِفُ واللَّامُ كَمَا يُوْصَلُ "الَّذِي". والبَصْرِيُّونَ لَا يُجِيزُوْنَ الصَّلَةَ إلَّا في الألِفِ واللَّامِ الدَّاخلِينَ على أَسْمَاءِ الفَاعِلِينَ والمَفْعُولينَ كالضَّأْرِبِ والمَضْرُوْبِ ويَتَأَوَّلُوْنَ بَيتَ أَبي ذُؤَيب (¬2): لَعُمْرِي لأنْتَ البَيتُ أَكْرَمُ أَهْلَهُ ... وَأَقْعَدُ فِي أَفْيَائِهِ بِالأصَائِلِ عَلَى وَجْهَينِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُوْنَ: "أَكْرُمُ أَهْلَهُ" خَبَرًا لـ"أَنْتَ" بعدَ خَبَرٍ. والثَّاني: أَنْ يَكُوْنَ البَيتُ مُبْهَمًا عَلَى غَيرِ مَعْهُوْدٍ وَ"أَكْرَمُ" نَعْتٌ لَهُ، كَمَا تَقُوْلُ: إِنِّي لأمَرُّ بالرَّجُلِ غَيرِكَ، وبالرَّجُلِ خَيرٍ مِنْكَ، وعَلَى هَذَا التَّأويلِ الثَّانِي يَتَوَجَّهُ قَوْلُهُ: "عَنِ الرَّجُلِ يُدْرِكُ"؛ لِأنَّ الرَّجُلَ -ههنَا- لَا يُرَادُ بِهِ رَجُلًا مُعَيَّنًا فَجَرَى مَجْرَى النَّكِرَةِ فَصَارَ: "يُدْرِك" في مَوْضِعِ الصِّفَةِ لَهُ. [الصَّلَاةُ عَلَى الجَنَائِزِ في المَسْجِدِ] - قَوْلُ عَائشِةَ [رَضِيَ اللهُ عَنْهَا]: "مَا أسْرَعَ النَّاسَ" [22]. كَلَامٌ فِيهِ ¬
حَذْفٌ، والمَعْنَى: مَا أَسْرَعَ النَّاسَ إِلَى إِنكارِ مَا لَا يَعْلَمُوْنَ، كَمَا يُقَالُ: لَا بَأْسَ، أي: لَا بَأْسَ عَلَيكَ. ويَجُوزُ أَنْ تُرِيدَ: مَا أَسْرَعَ إِنكارِ النَّاسِ فَحَذَفَتِ المُضَافَ، كَمَا قَال [تَعَالى] (¬1): {وَسْئَلِ الْقَريَةَ}. وَرَوَاهُ [القَعْنَبِيِّ] عَن مَالِكٍ "مَا أَسْرَعَ مَا نَسِيَ النَّاسُ". وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيرَةَ: "مَنْ صَلَّى عَلَى جَنَازَة في المَسْجِدِ فَلَا شَيءَ لَهُ" فَطُعِنَ في إِسْنَادِهِ، وتُأوِّلَ "لَهُ" بِمَعْنَى "عَلَيهِ" نَحْوَ تأْويلِهِ في قَوْلهِ تَعَالى (¬2): {وَإِن أَسَأتمُ فَلَهَا} أي: فَعَلَيهَا. قَال: والعَرَبُ تَسْتَعْمِلُ "عَلَى" بِمَعْنَى "اللَّامِ" و"اللَّامُ" بمَعْنَى "عَلَى" فَيَقُوْلُوْنَ: سَقَطَ لِفِيهِ أَي: عَلَى فِيهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الأشْعَثِ بنِ قَيسٍ (¬3): ¬
[جامع الصلاة على الجنائز]
تناوَلْتُ بالرُّمْحِ الطَّويلِ قَمِيصَهُ ... فَخَرَّ صَرِيعًا للْيَدَينِ ولِلْفَمِ أَرَادَ: عَلَى اليَدَينِ وعَلَى الفَمِ. وأَمَّا اسْتِعْمَالُهُم "عَلَى" مَكَانَ اللَّامِ فَنَحو قَوْلِ الرَّاعِي (¬1): رَعَتْهُ أَشْهُرًا وخَلَى عَلَيهَا فَطَارَ ... النَّيُّ فِيهَا واسْتَغَارَا أَرَادَ: وخَلَى لَهَا. [جَامعُ الصَّلاةِ عَلَى الجَنَائِزِ] - قَوْلُهُ: "عَلَى الجَنَائزِ بالمَدِينَةِ الرِّجَالُ والنِّسَاءُ" [24]. الرِّوَايَةُ بالرَّفع على الابْتِدَاءِ، والنِّسَاءُ: مَعْطُوْفٌ عليه، والخَبَرُ مَحْذُوْفٌ مُقَدَّرٌ، وتَقْدِيرُهُ: الرِّجَالُ والنَّسَاءُ مَجْمُوْعُوْنَ أَوْ مَقْرُوْنُوْنَ فَحَذَفَ الخَبَرَ، وَدَلَّتْ عَلَيهِ الوَاوُ بِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى "مَعَ" وَهَذَا نَحْوَ مَا حَكَاهُ سِيبَوَيهِ (¬2) مِنْ قَوْلهِمْ: أَنْتَ وَشَأْنُكَ، وَكُلُّ رَجُلٍ وَضَيعَتُهُ، والكُوْفِيُّوْنَ لَا يُضْمِرُون في مِثْلِ هَذَا خَبَرًا، ويَجْعَلُوْنَ الوَاوَ تنُوْبُ مَنَابَ "مَعَ" وتُغْنِي عَنِ الخَبَرِ. ويَجُوْزُ "الرّجَالِ والنِّسَاءِ" بِخَفْضِهِمَا مَعًا عَلَى البَدَلِ مِنَ الجَنَائِزِ. ¬
[ما جاء في دفن الميت]
"وَقَوْلُ ابنُ عُمَرَ: لَا يُصَلِّي الرَّجُلُ عَلَى الجَنَازَةِ إلَّا وَهُوَ طَاهرٌ". كَذَا الرِّوَايَةُ، بإِثْبَاتِ اليَاءِ في "يُصَلِّي" عَلَى جهَةِ الخَبَرِ، وَتَكُوْنُ "لَا" بِمَعْنَى "لَيسَ" ويَكُوْنُ فِيهِ مَعْنَى النَّهي كَقَوْلهِ [تَعَالى] (¬1): {يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ} ويَجُوْزُ أَنْ يَكُوْنَ مَعْنَاهُ لَيسَ يُعَدُّ الرَّجُلُ مُصَلِّيًّا عَلَى الجِنَازَةِ حَتَّى يَكُوْنَ طَاهِرًا وإلَّا فَصَلَاتُهُ لَا تُعَدُّ صَلَاةً، ويَكُوْنُ عَلَى هَذَا التَّأويلِ خَبَرًا مَحْضًا، والعَرَبُ تَجْعَلُ كُل فِعْلٍ وَقَعَ عَلَى غَيرِ مَا يَجِبُ كالمَعْدُوْمِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ فَيقُوْلُوْنَ للرَّجُلِ: قُمْتَ وَلَمْ تَقُمْ، أَي: كَأنَّ قِيَامَكَ كَلَا قِيَامَ، وعَلَيهِ تأَوَّلَ بَعْضُهُم [قَوْلَهُ تَعَالى] (¬2): {هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35)} أَي: لَا يَنْطِقُونَ نُطْقًا يَنْتَفِعُوْنَ بِهِ، فَنُطْقُهُم كَلَا نُطْقٍ، وَكَذلِكَ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬3): {وَمَا رَمَيِّتَ إِذْ رَمَيتَ} أي: لَوْلَا أَنَّ الله أَعَانَكَ عَلَى رَمْيِكَ لَكَانَ رَمْيُكَ كَلَا رَمْيَ، وَلَمْ يَبْلُغْ مَا بَلَغَ. - وَ"الزِّنَا" [26]. يُمَدُّ ويُقْصَرُ، فَمَنْ نَسَبَهُ إِلَى أَحَدِ الزَّانِيَينِ قَصَرَهُ، ومَنْ نَسَبَهُ إِلَيهِمَا مَعًا مَدَّهُ؛ لأنَّه فِعْلٌ مِنِ اثْنَينِ فَصَارَ كَقَوْلكَ: رَامَى يُرَامِي مُرَامَاةً ورِمَاءً. [مَا جَاءَ في دَفْنِ المَيِّتِ] -[قَوْلُهُ: "وَصَلَّى النَّاسُ عَلَيهِ أفْذَاذًا" [27]. الأفْذَاذُ: الأفْرَادُ. ¬
- وَقَوْلُهُ: "فَسَمِعُوا صَوْتًا يَقُوْلُ" [27]. يَقُولُ: هَذَا كَلَامٌ خُرِّجَ عَلَى المَجَازِ؛ لأنَّ الصَّوْتَ لَا يَقُوْلُ، وإِنَّمَا القَائِلُ صَاحِبُ الصَّوْتِ، ومِثْلُهُ [قَوْلُهُ [تَعَالى] (¬1): {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ [خَاطِئَةٍ (16)]} وإِنَّمَا الكَذِبُ والخَطَأُ لِصَاحِبِهَا، وحَسُنَ هَذَا؛ لأنَّ صَاحِبَ الصَّوْتِ لَمْ يَكُنْ مَحْسُوْسًا، وإِنَّمَا سُمِعَ الصَّوْتُ فَفُهِمَ مِنهُ غَرَضُ المُتَكَلِّمِ بِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ القَائِلُ. - و [قَوْلُهُ: "كَانَ بالمَدِينَةِ رَجُلَان أحَدُهُمَا يَلْحَدُ والآخَرُ لَا يَلْحَدُ"] [28]. يُقَال: لَحَدْتُ وأَلْحَدْتُ فَأَنَا أَلْحَدُ، وأُلحِدُ (¬2) والقَبْرُ: مَلْحَدٌ من لَحَدَ، ومُلْحَدٌ من أَلْحَدَ كَمُدْخَل مِنْ أَدْخَلَ ومُخْرَجٌ من أَخْرَجَ، ومَدْخَلٌ من دَخَلَ. واللَّحْدُ: أَنْ يُمَال بالمَيِّتِ إلى أَحَدِ شِقَّي القَبْرِ. وَمِنْهُ: لَحَدَ الرَّجُلُ في الدِّينِ وأَلْحَدَ: إِذَا انْحَرَفَ عن طَرِيقِ الحَقِّ وعَدَلَ عَنْهُ. فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَيلٌ فَهُوَ الضَّرَيحُ، يُقَالُ: ضَرَحْتُ أَضْرَحُ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ ضَرَحَتْهُ الدَّابَّةُ بِرِجْلِهَا أي: دَفَعَتْهُ عَن نَفْسِهَا كَأَنَّ جَانِبَي القَبْرِ ضَرَحَا الميِّتَ أَنْ يَمِيلَ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَصَارَ في وَسَطِهِ. - وَقَوْلُهُ: "أيُّهُمْ جَاءَ أوَّلُ عَمِلَ عَمَلَهُ". كَذَا الرِّوَايَةُ بِضَمِّ "أَوَّلُ" وَهُوَ ظَرْفٌ بُنِيَ عَلَى الضَّمِّ لَمَّا قُطِعَ عَنِ الإصافَةِ، ويَجُوْزُ فيه النَّصْبُ والتَّنْوينُ إِذَا اعْتَقَدْتَ فِيه التَّنْكِيرَ وَلَمْ تَجْعَلْهُ مَعْرِفَةً فَتَقُوْلُ: جَاؤُا أوَّلًا، قَال مَعْنُ بنُ أَوْسٍ المُزنِيُّ (¬3): لَعَمْرِىَ مَا أَدْرِي وَإِنِّي لِأوْجَلُ عَلَى ... أَيِّنَا تَعْدُو المَنِيّةُ أَوَّلُ ¬
[الوقوف للجنائز، والجلوس على المقابر]
- وَ [قَوْلُهُ: حَتَّى سَمعَ وَقْعَ الكَرَازِين] [29]. الكَرَازِينُ: القُبُوْسُ والمَسَاحِي، وَاحِدُهَا كَرْزِينٌ وكَرزَانٌ. و"العَقِيقُ" [31]: وَادٍ بالحِجَازِ (¬1). [الوُقُوْفُ لِلْجَنائِزِ، والجُلُوْسُ عَلَى المَقَابِرِ] - وَقَوْلُهُ: "لِلْمَذَاهِبِ" كِنَايَةٌ عَنْ مَوَاضِعِ الحَدَثِ والبَوْلِ، يُقَالُ لِمَوْضِعِ ذَلِكَ: المَقْعَدُ، والمَجْلِسُ، والمَذْهَبُ، والخَلَاءُ، والمُتَوَضَّأ، والمِيضَأةُ، والمِرْحَاضُ، والْحُشُّ، والكَنِيفُ، والغَائِطُ، والمُسْتَرَاحُ (¬2). [النَّهْيُ عَنِ البُكَاءِ عَلَى المَيِّت] -[قَوْلُهُ]: "فَجَعَلَ جَابِرٌ يُسَكِّتُهُنَّ" [36]. مِنْ سَكَّتَ، ويُرْوَى: "يُسْكِتُهُنَّ" مِنْ أَسْكَتَ رُبَاعِيًّا (¬3)، والعَرَبُ تَسْتَعْمِلُ السُّكوتَ بمعنيين؛ أَحَدُهُمَا: ضِدُّ الكَلَامِ. والآخرُ: بِمَعْنَى السُّكُونُ، وَمِنْهُ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬4): {سَكَتَ عَنْ ¬
مُوسَى الْغَضبُ}. وكِلَا المَعْنيَينِ يَلِيقُ بِحَدِيث عَبْدِ اللهِ بنِ جَابِرٍ. - و"الاسْتِرْجَاعُ" [يَكُوْنُ بِمَعْنَيَينِ، أَحَدُهُمَا] يَكُوْنُ بِمَعْنَى [قوْلِهِ تَعَالى] (¬1): {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيهِ رَجِعُونَ}. والثَّانِي: تَرْدِيدُ الكَلَامِ مَرَّة بَعْدَ مَرَّةٍ عَلَى وَجْهِ التَّلَهُّفِ. - و [قوْلُهُ: "دَعْهُنَّ فَإذَا وَجَبَ فَلَا تَبكيَنَّ بَاكِيَةٌ"]. يُقَالُ: وَجَبَ الرَّجُلُ وُجُوْبًا وَجِبَةً إِذَا مَاتَ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ وَجَبَ الحَائِطُ: إِذَا سَقَطَ، والشَّمْسُ: إِذَا غَابَتا، وَمِنْهُ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬2): (فَإِذَا وَجَبَت جُنُوُبهَا}. - وَقَوْلُهَا: "واللهِ إِنْ كُنْتُ لأَرْجُو". "إِنْ" هَهُنَا مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ عِنْدَ سِيبَوَيهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُهَا. -[وَقَوْلُهَا: "جَهَازَكِ"] يُقَالُ: جِهَازٌ -بِكَسْرِ الجِيمِ وفَتْحِهَا-: وهُوَ مَا يَتَجَهَّزُ بِهِ الرَّجُلُ وَيَسْتَعِدُّ لَهُ لِسَفَرٍ. - وَ [قَوْلُهُ: "المَطْعُوْنُ شَهِيدٌ"]. المَطْعُوْنُ الَّذِي يُصِيبُهُ الطَّاعُوْنُ، وفِعْلُهُ طُعِنَ الرَّجُلُ، وَيُقَالُ: طُعَنِ في نَيطِهِ (¬3): إِذَا مَاتَ. - وَ [قَوْلَهُ: "وصَاحِبِ ذَاتِ الجَنْبِ"]. ذَاتُ الجَنْبِ: الشَّوْصَةُ، ويُقَالُ: إِنَّهَا في الجَانِبِ الآخَرِ مِنْ مَوْضِعِ الشَّوْصَة (¬4)، يُقَالُ مِنْهُ: رَجُل جَنِبٌ -بِكَسْرِ النُّوْنِ- ومَجْنُوْبٌ. ¬
- وَ [قَوْلُهُ: "والحَرِقُ شَهِيدٌ"]. الحَرِقُ -بِكَسْرِ الرَّاءِ- المُحْتَرِقُ بالنَّارِ. - وَقَوْلُهُ: "والَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الهَدَمِ"]. الهَدَمُ -بِفَتْحِ الدَّالِ-: مَا يَسْقُطُ مِنَ الشَّيءِ المُنْهَدِمِ مِنْ مَدَرٍ وحِجَارَةٍ والهَدْمُ -بِسُكُوْنِهَا-: المَصْدَرُ. -[وَقَوْلُهُ: "المَرْأةُ] تمُوْتُ بِجُمْعٍ". بِضمِّ الجِيمِ وكَسْرِهَا مَعًا. وَرَوَاهُ عُبَيدُ اللهِ -بالفَتْحِ- وَهُوَ خَطَأٌ (¬1) قَال عَلِيُّ بنُ زِيَادٍ (¬2): سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُوْلُ: هُوَ أَنْ تَمُوْتُ المَرْأَةُ وَوَلَدُهَا في بَطْنِهَا. قَال عَلِيٌّ: قُلْتُ لَهُ: فَإِذَا وَلَدَتْهُ ثُمَّ مَاتَتْ مِنْ نِفَاسِهِ أَتَرْجُو [يَا أَبَا عَبْدِ الله] أَنْ تَكُوْن مِنْ أَهْلِ هَذَا الحَدِيثِ؟ قَال: أَرْجُو ذلِكَ. وَيُقَالُ أَيضًا لِلْعَذْرَاءِ الَّتِي لَمْ تُفْتَضَّ جُمْعٍ وجِمْعٍ بِضَمِّ الجِيمِ وكَسْرِهَا، وَقَدْ تَأَوَّلَ الحَدِيثَ قَوْمٌ عَلَى هَذَا، وَلَيسَ بِصَحِيحٍ، والوَجْهُ: مَا تَقَدَّمَ. - وَقَوْلُ عَائشِةَ: "يَغْفِرُ اللهُ لأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَن" [27]. كَلَامٌ خَرَجَ مَخْرَجَ ¬
الخَبَرِ وَمَعْنَاهُ الدُّعَاءُ، وَمِثْلُهُ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬1): {وَالْوَالِدَتُ [يُرْضِعْنَ]} وَقَوْلُهُم: "رَحِمَكَ اللهُ وعَافَاكَ". - وَذَكَرَ قَوْلَ عُمَرَ: "مَا لَمْ يَكُنْ نَقْعٌ وَلَا لَقْلَقَةٌ" فَقَال: النَّقْعُ: رَفْعُ الصَّوْتِ، وقِيلَ: وَضْعُ التُّرَابِ عَلَى الرَّأْسِ، وَقِيلَ شَقُّ الجُيُوبِ، واللَّقْلَقَةُ واللَّقَاقُ: شِدَّةُ الصَّوْتِ. والنَّقْعُ -في غير هَذَا-: طَعَامُ القُدُومِ من السَّفْرِ (¬2). - وَقَوْلُهُ: "فَتَمَسَّهُ النَّارُ" [38]. - وَقَوْلُهُ: "فَيَحْتَسِبَهُمْ" [39]. مَنُصُوْبَانِ عَلَى جَوَابِ النَّفْيِ، وَمَنْ رَفَعَهُمَا فَقَدْ أَخْطَأ. - وَ [قَوْلُهُ]: "تَحلَّةَ القَسَمِ" [27]. تَحْلِيلُهَا، يُقَالُ: حَلَّلتُهُ مِنْ يَمِينِهِ تَحْلِيلًا وتَحِلَّةَ. وَتَحَلَّلَ هُوَ: إِذَا خَرَجَ عَنْ مَا أَقْسَمَ عَلَيهِ بِاسْتِثناءٍ، أَوْ فِعْلِ مَا أَقْسَمَ عَلَيهِ. -[قَوْلُهُ: "كَانُوا لَهُ جُنَّة مِنَ النَّارِ" [39]: الجُنَّةُ: السِّتْرُ. -[قَوْلُهُ: "يُصَابُ في حَامَّتِهِ"] [40]: الحَامَّةُ: القَرَابَةُ. ¬
[جامع الحسبة في المصيبة]
[جَامعُ الحِسْبَة في المُصِيبَة] - قَوْلُهُ: "واعقِبْنِي خَيرًا مِنْها إلَّا فَعَلَ اللهُ بِهِ ذلِكَ" [42]. - وَقَوْلُهُ - في أَوَّلِ الحَدِيث -: "مَنْ أصَابتهُ مُصِيبةٌ". ذَكَرَ جَمِيع الرُّوَاةِ إلَّا القَعْنَبِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ: "مَا مِنْ أَحَدٍ تُصِيبُهُ ... " وَسَاقَ الحَدِيثَ. قَال أَبو الوَليدِ هِشَامٌ (¬1): وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ: إلا فَعَلَ اللهُ ذلِكَ بِهِ إيجَابٌ، وسَبِيلُهُ أَنْ يَأْتِيَ بَعْدَ نَفْيٍ يَتَقَدَّمُهُ، وَلَيسَ في رِوَايَةِ يَحْيَى وَلَا غَيرِهِ نَفْيٌ، اللَّهُمَّ إلا أَنْ يُقَال: إِنَّ رِوَايَةَ يَحْيَى -وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا نَفْيٌ- فَإِنَّهَا في تأْويلِ النَّفْيِ لأنَّ "مِنْ" شَرْط، والشَّرْطُ غَيرُ وَاجِبٍ، فَهُوَ يُضَارعُ النَّفْيَ؛ لأنَّه يَجُوْزُ أَنْ يَكُوْنَ، ويَجُوْزُ أَنْ لَا يَكُوْنَ فَحُمِلَ عَلَى المَعْنَى، ولَهُ نَظَائِرُ كَثيرَةٌ مِنَ الشَّعْرِ. - وَقَوْلُهُ: "وَاعْقِبْنِي خَيرًا مِنْهَا". أَي: اعْقِبَنِي مِنْهَا خَيرًا، أَي: اجْعَلْهَا أَنْ تُفْضِيَ بِي إِلَى خَيرٍ، فَيَكُوْنُ الخَيرُ ههنَا لَيسَ الَّذِي يُرَادُ بِهِ المُفَاضَلَةُ كَقَوْلهِ: زَيدٌ خَيرٌ مِنْ عَمْرِو، وَلكِنَّهُ الخَيرُ الَّذِي لَا يُرَادُ بِهِ المُفاضَلَةُ كَقَوْلكَ: مَا رَأَيتُ مِنْكَ خَيرًا قَطُّ، إِذَا لَمْ يُحْسِنْ إِلَيكَ، وَعَلَيهِ تأَوَّلَ بَعْضُهُم [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬2): {نَأتِ بِخَير مِنْهَا} أَي: نَأْتِ مِنْهَا بِخَيرٍ وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَ "خَيرًا" ههنَا الَّتِي يُرَادُ بِهَا المُفَاضَلَةُ جَعَلْتَ المُصِيبَةَ هِيَ الشَّيءُ المُصَابُ بِهِ المَفْقُوْدُ، يُرِيدُ: اللَّهُمَّ أَجِرْنِي في مُصِيبَتِي واعْقُبْنِي خَيرًا مِنْهَا، فَيَكُوْنُ نَحْوًا مِنْ قَوْلهِمْ: أَنْتَ أَكْرَمُ عَلَيَّ مِنْ أَنْ أَضُرَّكَ. - وَقَوْلُهُ: "وَجَدَ عَلَيهَا" [43]: مَعْنَاهُ: حَزِنَ. ¬
[ما جاء في الاختفاء وهو النباش]
- وَ"الأسَفُ": الحَسْرَةُ والتَّلَهُّفُ. - وَ"مَكَثَ": ومَكُثَ: لُغَتَانِ، وَقَرَأَ عَاصِمٌ [وَحْدَهُ] (¬1) بالفَتْحِ. - وَقَوْلُهُ: "أَعَارُوْكِيهِ": مِنْ لُغَةِ بني عَامِرٍ، يَقُوْلُوْنَ: ضَرَبْتَنِيهِ ورَمَيتَنِيهِ وأَعْطَيَتكنِيهِ فَيُشْبِعُوْنَ كَسْرَةَ تَاءِ المُخَاطَبِ المُؤَنَّثِ، وَكَسْرَةُ كَافِهِ فَتَحْدُثَ بَعْدَهَا يَاءٌ [ ... ]. [ما جَاءَ فِي الاخْتِفَاءِ وَهُوَ النَّبَّاشُ] هكَذَا وَقَعَتْ هَذِهِ التَّرْجَمَةُ في بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، وَهِيَ خَطَأٌ؛ لأنَّ الاخْتِفَاءَ مَصْدَرٌ و"النَّبَّاشُ" اسْمُ فَاعِلِ النَّبْشِ، ولَيسَ أَحَدُهُمَا الآخرَ فَيُفَسَّرُ بِهِ، الصَّوابُ: مَا جَاءَ في المُخْتَفِي وَهُوَ النّبَّاشُ، وَكَذَا رَوَينَاهُ عن ابنِ عَبْدِ البَرِّ، وَوَقَعَ في بَعْضِ النُّسَخِ: "مَا جَاءَ في الاخْتِفَاءِ وَهُوَ النِّبَاشُ" بِكَسْرِ النُّوْنِ. وهَذَا كَلَامٌ مُلْتَئِمٌ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ غَيرَ أَنِّي لَا أَحْفَظُ النِّبَاشَ بِكَسْرِ النُّوْنِ مَصْدَرًا لِـ "نبشَ"، إِنَّمَا المَصْدَرُ نَبْشًا. وسُمِّيَ النبَّاشُ مُخْتَفِيًا لاسْتِخْراجِهِ أَكْفَانَ المَوْتَى، يُقَالُ: خَفَيتُ الشَّيءَ واخْتَفَيتُهُ: إِذَا أَظْهَرْتُهُ، وأَمَّا أَخْفَيتُ - بالألِفِ - فَيَكُوْنُ الإظْهَارُ، ويَكُوْنُ السَّتْرُ. وَمَنْ قَرَأ (¬2): {أَكَادُ أُخْفِيهَا} بِضَمّ الألِفِ جَازَ أَنْ يَكُوْنَ أُظْهِرُهَا ¬
لِقُرْبِهَا، وَجَازَ أَنْ يَكُوْنَ أُسِرُّهَا مِنْ نَفْسِي، فَكَيفَ أُطْلِعُكُمْ عَلَيهَا (¬1). ومَنْ قَرَأَ: {أَخْفِيهَا} - بِفَتْحِ الألِفِ - فَمَعْنَاهُ: أَظْهِرُهَا لَا غَيرُ. وأنْشَدَ لِزُهَيرٍ (¬2): خَفَاهُنَّ مِنْ أَنْفَاقِهِنَّ كَأَنَّمَا ... خَفَاهُنَّ وَدْقٌ مِنْ سَحَابٍ مُرَكَّبِ ¬
[جامع الجنائز]
[جَامِعُ الجَنَائِزِ] - وَقَوْلُهُ: "اللَّهُمَّ الرَّفِيق الأَعْلَى" [46]، . الرِّوَايَةُ بالنَّصْب، والعَامِلُ فِيهِ فِعْلٌ مُضْمَرٌ، كَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ: مَا تَخْتَارُ فَقَال: اللَّهُمَّ اخْتَارُ الرَّفِيقَ الأعْلَى، وَلَوْ رَفَعَ لَكَانَ جَائِزًا عَلَى أَنّه تَخَيَّرَ فَقَال: اخْتِيَارِي الرَّفِيقَ الأعْلَى، وَمِثْلُهُ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬1): {قُلِ الْعَفوَ} بالرَّفْع والنَّصْب. و"الرَّفِيقُ" اسمٌ مُفْرَدٌ يُرَادُ بِهِ الجَمْعُ، قَال تعَالى (¬2): {وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا (69)} ورُبَّمَا جَاءَ فَعِيل وفَعُوْلٌ يُرَادُ بِهِمَا الجَمْعُ وَيَقَعَانِ لِلْمُذَكَّرِ والمُؤَنَّثِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، قَال تَعَالى (¬3): {كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا (10)} وَقَال جَرِيرٌ (¬4): نَصَبْنَ الهَوَى ثُمَّ ارْتَمَينَ قلُوْبَنَا ... بَأَسْهُمِ أَعْدَاءٍ وَهُنَّ صَدِيقُ - قَوْلُهُ: "إِنْ كَانَ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ فَمِنْ أهْلِ الجَنَّةِ ... الحَدِيث" [47]. تَقْدِيرُهُ: إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ فَمَقْعَدُهُ مِنْ مَقَاعِدِ أَهْلِ الجَنَّةِ، فَحَذَفَ واخْتَصَرَ وَكَذَا في أَهْلِ النَّارِ. - وَقَوْلُهُ: "حَتَّى يَبْعَثَكَ اللهُ إلَيهِ (¬5) يَوْمَ القِيَامَةِ". الهَاءُ من "إِلَيهِ" عَائِدَةٌ ¬
عَلَى المَقْعَدِ، ويَجُوْزُ أَنْ تَعُوْدَ عَلَى اللهِ وَفِيهِ بُعْدٌ. - وأقَوْلُهُ: "تَأَكُلُهُ الأَرْضُ إلَّا عَجْبَ الذَّنَبِ" [48]. عَجْبُ الذَّنَبِ وعَجْمُهُ - عَلَى بَدَلِ البَاءِ مِيمًا -. هُوَ العَظْمُ الَّذِي في أَسْفَلِ فِقَارِ الظَّهْرِ. والنّسْمَةُ: الرُّوْحُ. - وَ [قَوْلُهُ: "طَيرٌ تَعْلُقُ في شَجَرِ الجَنَّةِ"]. تَعْلُقُ: تَأكُلُ، عَلَقَتِ الإبِلُ تَعْلُقُ عَلْقًا، وإِبلٌ عَوَالِقُ: إِذَا مَدَّتْ أَفْوَاهَهَا وَرَعَتْ وَرَقَ الشَّجَرِ. وَمَنْ رَوَاهُ "تَعْلَقُ" بِفَتْحِ اللَّام فَهُوَ مِنْ عَلَقَتِ الإبِلُ تَعْلَقُ إِذَا قَرَّتْ أَعْيُنَهَا بالمَرْعَى واطْمَأَنَتْ فِيهِ، وَفِي الأمْثَالِ (¬1): "عَلِقَتْ مَرَاسِيهَا بِذِي الرَّمْرَامِ وألْقَت" يُضْرَبُ مَثلًا لِمَنْ وَجَدَ مَا يُوَافِقُهُ فَلَمْ يُفَارِقُهُ. والرَّمْرَامُ: نَبْتٌ تُحِبُّهُ الإبِلُ، فَإِذَا ظَفِرَتْ بِهِ لَمْ تُرِدْ مُفَارَقَتَهُ. - وَ [قَوْلُهُ: "حَتَّى يُرْجِعَهُ اللهُ"]. يُقَالُ: رَجَعْتُ الشَّيءَ وأَرْجَعْتُهُ (¬2)، وَمِنْهُ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬3): {فَإِن رَّجَعَكَ اللَّهُ}. - و [قَوْلُهُ: "ثُمَّ اذْرُوا نِصْفَهُ" [51]. وَيُقَالُ: ذَرَوْتُ الشَّيءَ في الرِّيحِ، وأَذْرَيتُهُ (¬4) وذَرَّيتُهُ، وذَرَتِ الرِّيحُ الشَّيءَ وأَذْرَتْهُ. وَقَال قَوْمٌ: مَعْنَى أَذْرَتْهُ: قَلَعَتْهُ ¬
مِنْ أَصْلِهِ، وذَرَّتْهُ مُضَاعفًا: طَيَّرتْهُ (¬1). - وَ [قَوْلُهُ: "مِنْ بَهِيمَةٍ جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّ فِيهَا جَدْعَاءَ؟ " [52]. الجَمْعَاءُ: المُجْتَمِعَةُ الخَلْقِ، الَّتِي لَمْ يَنْقُصْ مِنْ خَلْقِهَا شَيءٌ، والجَدْعَاءُ: المَقْطُوْعَةُ الأُذُنِ، ويُسْتَعْمَلُ الجَدْعُ أَيضًا في الأنْفِ (¬2). - وَ [قَوْلُهُ: "يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا"] [54]. ونَصَبُ الدُّنْيَا: تَعَبُهَا، وَفِعْلُهُ نَصِبَ يَنْصَبُ. ¬
ومن (كتاب الزكاة)
ومن (كِتَاب الزَّكاة) (¬1) الزَّكَاةُ: النَّمَاءُ، يُقَالُ: زكَا الزَّرْعُ يَزْكُو: إِذَا زَادَ ونَمَى، وَسُمِّيَتْ زكَاةً؛ لأنَّهَا تُنَمِّي المَال وتَقِيهِ مِنَ الآفاتِ، والزَّكَاةُ: الطَّهَارَةُ أَيضًا. يُقَالُ لِلْفَاضِلِ الطَّاهِرِ: زكِيٌّ، وَمِنْهُ: {قَد أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} (¬2) أَي: طَهَّرَهَا بالعَمَلِ الصَّالِحِ وذلِكَ رَاجِعٌ إِلَى النُّمُوِّ؛ لِأنَّ الزَّكِيَ الطَّاهِرَ يَجِلُّ ويَعْظُمُ في العُيُونِ. [ما تجب فيه الزكاة] -[وَقَوْلُهُ: "خَمْسَةُ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ" [1]. والصَّدقَةُ مِنَ الصِّدْقِ؛ لأنَّ مُخْرِجَهَا مُصَدِّقٌ بِمَا وُعِدَ عَلَيهَا مِنَ الثَّوَابِ أَو مِنْ قَوْلهِم: حَمَلَ عَلَى قِرْنِهِ فَصَدَقَ: إِذَا حَقَّقَ الحَمْلَةَ، فالمُتَصَدِّقُ مُقْدِمٌ عَلَى الصَّدَقَةِ مِنْ غيرِ خَوْفِ الفَقْرِ، كَمَا يَخَافُ البَخِيلُ المَانِعُ للصَّدَقَةِ؛ وَلأجْلِ هَذَا سُمِّيَ البُخْلُ جُبْنًا، والجُوْدُ شَجَاعَةً لَكنْ جُبْنُ البَخِيلِ مِنَ الزَّمَانِ (¬3) وشَجَاعَةُ الجَوَادِ في الإقْدَامِ عَلَى الزَّمَانِ والحَمْلِ عَلَيهِ مَعَ عَدَمِ الخَوْفِ مِنْهُ. والصَّدَقَةُ والزَّكَاةُ: اسْمَانِ لِمَا يُخْرِجُهُ النَّاسُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ في وُجُوْهِ البِرِّ فَرْضًا كَانَ أَوْ نَفْلًا، غَيرَ أَنَّ الأغْلَبَ أَنْ يُسَمَّى مَا يُخْرَجُ مِنَ الحَيَوَانِ صَدَقَةً، ¬
وَمِنْ غَيرِهِ زكَاةً، وَقَدْ جَرَتِ العَادَةُ بِتَسْمِيَةِ الفَرْضِ زكَاةً، والتَّطَوُّع صدَقَةً. - وَ [قَوْلُهُ: "وَلَيسَ فِيمَا دُوْنَ خَمْسَةٍ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ"]. الوَسْقُ: سُتُّونَ صَاعًا. وَالوَسْقُ -أَيضًا- وقْرُ البَعِيرِ. أَوْسَقْتُ البَعِيرَ: إِذَا أَوْقَرْتُهُ. والوسْقُ: العِدْلُ، والوَسَقُ -بِفَتحْ الوَاو- مُشْتَقٌّ مِنْ قَوْلهِمْ: وَسَقْتُ الشَّيءَ وَسَقًا: إِذَا ضَمَمْتَ بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ، واسْتَوْسَقْتِ الإبِلُ في السَّيرِ واتَّسَقَتْ: إِذَا انْضَمَّتْ وَتَتَابَعَتْ، وَمِنْهُ [قَوْلُهُ تَعَالى]: {وَاللِّيلِ وَمَا وَسَقَ (17)} (¬1) أي: ضَمَّ وَجَمَعَ. -[وَقَوْلُهُ: "وَلَيسَ فِيمَا دُوْنَ خَمْسٍ ذَوْدٍ مِنَ الإبِلِ صَدَقَةٌ"]. الذَّوْدُ: مَا بَينَ الثَّلَاثِ إِلَى العَشْرِ، وأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ في الإنَاثِ، وَزَعَمَ ابنُ الأعْرَابِيُّ أَنَّ الذَّوْدَ (¬2): مَا بَينَ ثَلَاثَةٍ إلى خَمْسَةَ عَشَرَ، وذلِكَ غَيرُ مَعْرُوْفٍ. قَال الفَرَّاءُ: والذَّوْدُ يَقَعُ عَلَى الوَاحِدِ، وأَنْشَدَ: * فَإِنَّ عِدَّتَهَا ذَوْدٌ وَسَبْعُوْنَا * وهَذَا أَيضًا غَيرُ مَعْرُوْفٍ، وَلَيسَ في البَيتِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنّه أَرَادَ وَاحِدًا وسَبْعِينَ (¬3) دُوْنَ أَنْ يَزِيدَ أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ، بَلْ قَوْلُهُمْ: ثَلَاثُ ذَوْدٍ، وخَمْسُ ذَوْدٍ من أَدَلِّ دَلِيلٍ ¬
عَلَى أَنَّه لَا يَكُوْنُ لِلْوَاحِدِ؛ لأنَّ مَا دُوْنَ العَشَرَةِ لَا يُضَافُ إِلَى وَاحِدٍ، أَلَا تَرَى أَنّه لَا يُقَالُ خَمْسَةُ ثَوْبٍ، وَلَا أَرْبَعُ دَارٍ. والذَّوْدُ: مِنَ ذَادَ يَذُوْدُ: إِذَا دَفَعَ، وَكَأَنَّهُ مَصدَرٌ سُمِّي بِهِ. وَسُمِّيَتْ بِذلِكَ؛ لأنَّ الوَاحِدَ مِنَ الإبِلِ لَا كُلْفَةَ عَلَى الرَّاعِي مِنْهُ، وكَذلِكَ الاثْنَانِ، فَإِذَا بَلَغَتْ ثَلَاثَةً أَوْ أَكْثَرَ تَصَاوَلَتْ وَتَرَاجَمَتْ فاحْتَاجَ الرَّاعِي أَنْ يَذُوْدَ بَعْضَهَا عَنْ بَعْضٍ. - و [قَوْلُهُ: "لَيسَ فِيمَا دُوْنَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِن الوَرِقِ صَدَقَةٌ"]. الأُوْقِيَّةُ مُشْتَقٌ مِنَ الأوْقِ، وَهُوَ الثِّقَلُ، يُقَالُ: أَلْقَى على أَوْقَهُ، ويُقَالُ في جَمْعِهِ: أَوَاقِيَّ وأَوَاقٍ. و"الوَرِقُ" المَالُ مِنَ الفِضَّةِ -بِكَسْرِ الرَّاءِ- الوَرَقُ - بِفَتْحِهَا -: المَالُ مِنَ الغَنَمِ وَالإِبِلِ، واشْتِقَاقُ الوَرِقِ مِنْ أَوْرَقَ الشَّجَرُ يُوْرِقُ، وجَعَلُوا المَال لِصَاحِبِهِ، كالوَرَقِ للشَّجَرِ، وَلِذلِكَ سَمَّوْهُ رِيشًا وَرِيَاشًا؛ لأنَّه يُنْهِضُ صَاحِبَهُ إِلَى مَا يُحِبُّ كَمَا يُنْهِضُ الرِّيشُ الطَّائرَ. - و [قَوْلُهُ: "إِنَّمَا الصَّدَقَةُ في الحَرْثِ والعَينِ والمَاشِيَةِ" [3]. "العَينُ": المَالُ النَّاضُّ مِنْ الذَّهَبِ وَالوَرِقِ. وعَينُ كُلِّ شَيءٍ خِيَارُهُ وأَفْضَلُهُ، والنَّاضُّ: أَفْضَلُ المَالِ وَخَيرُهُ. - و"الحَرْثُ" مَصدَرٌ مُشْتَقٌّ مِنْ حَرَثْتُ أَحْرُثُ، ثُمَّ سُمِّيَ الشَّيءُ المَحْرُوْثُ حَرْثًا مَجَازًا، كَمَا أَنَّ العَدْلَ مَصدَرُ عَدَلَ يَعْدِلُ، ثمَّ يُقَالُ لِلرَّجُلِ العَادِلِ عَدْلٌ، و"الحَرْثُ" مُشْتَقٌّ مِنْ أحْرَثْتَ الدَّابَةَ: إِذَا أَضْعَفْتَهَا بِطُوْلِ السَّفَرِ، سُمِّيَ بِذلِكَ؛ لأنَّ الَّذِي يَحْرُثُ الأرْضَ يُوْهِنُهَا بالخَرْقِ لَهَا، ويُذْهِبُ صَلَابَتَهَا. - و"المَاشِيَةُ": المَالُ مِنَ الحَيَوَانِ، مُشْتَقٌّ مِنْ مَشَى: إِذَا نَهَضَ يُرَادُ بِهِ نَمَاؤُهُ
[الزكاة في العين من الذهب والورق]
وَتناسُلُهُ، يُقَالُ: مَشَى الرَّجُلُ وأَمْشَى، وَأَمْشَى الرَّجُلُ أَيضًا: إِذَا كَثُرَتْ مَاشِيَتُهُ (¬1). [الزكاة في العين من الذهب والورق] -[قَوْلُهُ: "وَكَانَ أبُو بكرٍ إِذَا أعْطَى النَّاسَ أُعْطِيَاتِهِمْ" [4]. الأُعْطِيَاتُ: جَمْعُ أُعْطِيَةٍ، وأُعْطِيَةُ: جَمْعُ عَطَاءٍ فَهُوَ جَمْعُ الجَمْعِ، والعَطَاءُ: يَجُوْزُ أَن يَكُوْنَ اسْمًا للشَّيءِ المُعْطَى، ويَكُوْنُ مَصْدَرًا بِمَعْنَى الإعْطَاءِ، وإِنَّمَا يَأْتِي ذلِكَ في الشِّعْرِ كَقَوْلِ القُطَامِيِّ (¬2): * وَبَعْدَ عَطَائِكَ المَائَةَ الرِّتَاعَا * - وَقَوْلُهُ: "ثَمَانِيَةُ دِرْهَمٍ بِدِينَارٍ" [7]. كَلَامٌ فيه حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: ثَمَانِيَةُ دِرْهَمٍ مِنْهَا بِدِينَارٍ، وَلَابُدَّ مِنْ هَذَا التَّقْدِيرِ؛ لِيَعُوْدَ مِنَ الجُمْلَةِ عَائِدٌ إِلَى المُبْتَدَأ، ونَظِيرُهُ قَوْلُ العَرَبِ: الشَّاءُ شَاةٌ بِدِرْهَمٍ أَي: شَاةٌ مِنْهَا بِدِرْهَمٍ. - وَقَوْلُهُ: "مِنْ يَوْمِ زُكِّيَتْ". يَجُوْزُ في "يَوْمِ" النَّصبُ بِنَاءً عَلَى الفَتْحِ لإضَافَتِهِ إِلَى الجُمْلَةِ، والخَفْضُ بِمَا يَسْتَحِقُّهُ في نَفْسِهِ من الإعْرَابِ، ومِثْلُهُ: ¬
[زكاة المعادن]
{مِن عَذَابِ يَومِئِذٍ} (¬1) مَخْفُوْضُ المِيمِ ومَنْصُوْبًا، وَمَنْ خَفَضَ المِيمَ ونَوَّنّهُ لَزِمَهُ أَن يُقَدِّرَ في الكَلَامِ ضَمِيرًا مَحْذُوْفًا يَعُوْدُ عَلَى اليَوْمِ، تَقْدِيرُهُ: مِنْ يَوْمِ زكِّيَتْ فيه؛ لأنَّ قَوْلَهُ: "زكِّيِتْ فِيهِ" صِفَة لِلْيَوْمِ فَلَزِمَ أَنْ يَكُوْنَ فِيهَا عَائِدٌ إِلَى المَوْصُوْفِ، وَمِنْهُ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬2): {يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ} وَكَذلِكَ مَا في هَذَا البَابِ مِنْ مِثْلِ هَذَا كَقَوْلكَ: "مِنْ يَوْمِ أَفَادَهَا" و"مِنْ يَوْمِ يَقْبِضَهُ". - وَقَوْلُهُ: "فَلَا زَكَاةَ عَلَيهِ" أَرَادَ: عَلَيهِ فِيهَا فَحَذَفَ "فِيهَا". [زَكَاةُ المَعَادِنِ] المَعْدَنُ مِنْ قَوْلهِمْ: عَدَنَ بالمَكَانِ يَعْدِنُ عَدْنًا وعُدُونًا: إِذَا أَقَامَ بِهِ، وسُمِّيَ بِذلِكَ لإقَامَةِ الجَوَاهِرِ بِهِ، وَمِنْهُ قِيلَ لِمَأْلُفِ الثَّوْرِ الوَحْشِيِّ مَعْدِنٌ بِكَسْرِ الدَّالِ، ومن قَال: مَعْدَن أَوْ مِعْدَنٌ - بِفَتْحِ الدَّالِ، أَوْ بِكَسْرِ المِيمِ - فَقَدْ أَخْطَأ؛ لأنَّهُ مَفْعِلٌ مِثل مَضْربٍ من ضَرَبَ. - "القَبلِيَّةُ" مَوْضِعٌ (¬3). ¬
- و"الفُرُعُ" مَوْضِعُ (¬1) بِضَمِّ الرَّاءِ، ويُقَالُ: بإِسْكَانِهَا، ويُحْتَمَلُ وَجْهَينِ: أَحَدُهُما: أَنْ يَكُوْنَ جَمْعَ فَرُوْعٍ، وهو الصَّعُوْدُ مِنَ الأرْضِ فَيَكُوْنُ كَرَسُوْلٍ وَرُسُلٍ. وَيَجُوْزُ: أَنْ يَكُوْنَ جَمْعَ فَارعٍ، وَهُوَ المُشْرِفُ مِنَ الأرْضِ كَبَازِلٍ وبُزُلٍ. ويَجُوْزُ: أَنْ يَكُوْنَ جَمَعَ فَرْعَةٍ -وَهِيَ رَأْسُ الجَبَلِ- عَلَى فِرَاعٍ، وَجَمَعَ فِرَاعِ [على] فُرُعٌ كَكِتَابٍ وكُتُب وَحِمَارِ وحُمُرٌ. - وَ"النَّيلُ": العَطَاءُ [ ... ]. ¬
[زكاة الميراث]
- وَقَوْلُهُ: "قَطَعَ ... " يُقَالُ قَطَعَ السُّلْطَانُ لِفُلَانٍ وأَقْطَعَ كَذَا، فَتكوْنُ الهَمْزَةُ مُعَاقِبَةً اللَّامَ، والأشْهَرُ: أَقْطَعَهُ. [زكَاةُ المِيرَاثِ] - قَوْلُ مَالِكٍ: "وَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاةَ مَالِهِ أَنَّهُ" [16]. كَذَا الرِّوَايَةُ، والوَجْهُ: فَإِنَّهُ، كَمَا قَال تَعَالى (¬1): {فَشُدُّوْا الْوَثَاقَ}. - وَ [قَوْلُهُ: "وتَبدِّي الوَصَايَا"]. يُقَالُ: بَدَّأتُ الشَّيءَ وَبَدَأَتُ بِهِ، وَلَا يَجْتَمِعْ التَّشْدِيدُ والبَاءُ. ويَجُوْزُ بِدَأْتُهُ بالتَّخْفِيفِ. وأَوْصى وَوَصَّى: لُغَتَانِ. - وَقَوْلُهُ: "مِنْ يَوْمِ بَاعَهُ" [61]. يَجُوْزُ فيه مَا جَازَ في قَوْلكَ: "مِنْ يَوْم زكِّيَتْ" وَقَدْ مَضَى. [زَكَاةُ العُرُوْضِ] - " العَرْضُ" مِنَ المَالِ: مَا لَيسَ بِنَقْدٍ، واشْتِقَاقُهُ مِنْ عَارَضْتُ الشَّيءَ بالشَّيءِ: إِذَا قَابَلْتُهُ به، أَوْ مِنْ عَرَضَ الشَّيءُ يَعْرُضُ: إِذَا اتَّسَعَ؛ لِأنَّ المُرَادَ بِهِ نَمَاءُ النَّقْدِ وكَثْرَتُهُ، أَوْ مِنْ عَرَضَ لَهُ الأمْرُ يَعْرِضُ؛ لأنَّ المَزَادَ بالبَيع والشِّرَاءِ نَمَاءٌ لِلنَّقْدِ [والسِّلِعِ] سَبَبٌ؛ لِذلِكَ، فَهُوَ كَالشَّيءِ يَعْرِضُ والمُرَادُ غَيرُهُ. -[قَوْلُهُ: "وَكَانَ زُرَيقٌ عَلَى جَوَازُ مِصْرَ"] [20]. وجَوَازِ مِصْرَ أَنّهُ كَانَ (¬2) لَا يَجُوْزُهَا أَحَدٌ إلَّا بِرُقْعَةٍ. ¬
[ما جاء في الكنز]
-[قَوْلُهُ: "مِمَّا يُدِيرُوْنَ مِنَ التِّجَارَاتِ"]. وإِدارَةُ التِّجَارَةِ: تَصْرِيفُهَا ومُعَالجَتُهَا ابْتِغَاءَ الفَضْلِ. -[قَوْلُهُ: "وَلَا مِثْل الجِدَادِ"] والجِدَادُ: مَصْدَرُ جَدَدْتُ التَّمْرَ: إِذَا صَرَمْتُهُ. -[قَوْلُهُ: "ولَا يَنُضُّ لِصَاحِبِهِ مِنْهُ شَيءٌ"]. النَّضُّ والنَّاضُّ: المَالُ الصَّامِتُ مِنَ الدَّنَانِيرِ والدَّرَاهِمِ، واشْتِقَاقُهُ مِنْ نَضَّ المَاءُ يَنُضُّ: إِذَا خَرَجَ مِنْ حَجَرٍ، واسْمُ ذلِكَ المَاءُ: النَّضُّ والنَّضِيضُ، وَجَمْعُهُ: أَنِضَّة ونَضَائِضُ، وفُلَان يَسْتَنِضُّ مَعْرُوْفَ فُلَانٍ: إِذَا اسْتَخْرَجَهُ شَيئًا بَعْدَ شَيءٍ والنَّضِيضُ أَيضًا: القَلِيلُ مِنَ المَطَرِ. [مَا جَاءَ في الكَنْزِ] - وَ [قَوْلُهُ: "شُجَاعًا أقْرَعَ لَهُ زَبِيبتَانِ". [22] الشُّجَاعُ: الحَيَّةُ الَّتِي تُوَاثِبُ الفَارِسَ وَالرَّاجِلَ، ويَقُوْمُ عَلَى ذَنَبِهِ. وقِيلَ: هُوَ الثُّعْبَانُ. - وَ"الأَقْرَعُ": الَّذِي يَتَمَعَّطُ شَعْرُهُ لِكَثرةِ مَا جَمَعِ مِنَ السُّمِّ. - وَ"الزَّبِيبتانِ": النُّكْتَتَانِ السَّوْدَاوَانِ اللَّتَانِ فوْقَ عَينَيهِ، وَهُوَ أَخْبَثُ مَا يَكُوْنُ. وَقِيلَ: هُمَا الزَّبَدَتَانِ اللَّتَانِ يَكُوْنَانِ في الشَّدْقَينِ إِذَا غَضِبَ الإنْسَانُ أَو أَكْثَرَ الكَلَامَ حَتَّى يُزْبِدَ فَمُهُ يُقَالُ: زَبَّ فَمُ الرَّجُلِ. - وَوَقَعَ في بَعْضِ النُّسَخِ. "مُثِّل لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ" ونَصْبُهُ على الحَالِ المُوَطِّئَةِ، كَأَنَّهُ قَال: مُثِّل لَهُ مِثْلَ شُجَاع أَقْرَعَ. فَحَذَفَ المُضَاف وَأَقَامَ المُضَافَ إِلَيهِ مَقَامَهُ، ومثله قَوْلهُ: "يَتَمثَّل لِيَ المَلكُ رَجُلًا". أَي: مِثْلَ رَجُلٍ. [صَدَقَةُ المَاشِيَةِ] -[قَوْلُهُ: "ابْنَةَ مَخَاضٍ ... "] [23]. ابنُ مَخَاضٍ وابنَةُ مَخَاضٍ الَّذِي قَدْ
[ما جاء في صدقة البقر]
أَكْمَلَ سَنَةً ودَخَلَ في الثَّانِيَةِ؛ لأنَّ أُمَّهُ فِيهَا مِنَ المَخَاضِ وَهِيَ الحَوَامِلُ، فَإِذَا دَخَلَ في الثَّالِثَةِ فَهُوَ "ابنُ لَبُوْنٍ" و"ابْنَةُ لَبُوْنٍ"، لِأنَّ أُمَّهُ ذَاتُ لَبَن، فإِذَا دَخَلَ في الرَّابِعَةِ فَهُوَ "حِقٌّ" والأنْثَى "حِقَّة"؛ لأنَّه يَسْتَحِقُّ الحَمْلَ عَلَيهِ، فَإِذَا دَخَلَ الخَامِسَةَ فَهُوَ "جَذَعٌ" وَ"جَذَعَةٌ" و"الطَّرُوْقَةُ" هِيَ الَّتِي يَطْرُقُهَا الفَحْلُ، يُقَال: طَرَقَ الفَحْلُ النَّاقَةَ يَطْرُقُهَا طَرْقًا، ويُقَال لِلفَحْلِ إِذَا كَثُرَ ذلِكَ مِنْه: "طَرُوْقٌ". -[وَقَوْلُهُ: "وَفِي سَائِمَةِ الغَنَمِ"]. السَّائِمَةُ: اسْمٌ يَقَعُ عَلَى مَا يَسْرَحُ مِنَ المَاشِيَةِ وَيَرْعَى، وَالسَّوْمُ: الذَّهَابُ في كُلِّ وَجْهٍ. سَامَ الجَرَادُ يَسُوْمُ. - و [قَوْلُهُ: "وَلَا ذَاتُ عُوَارٍ"]. والعُوَارُ والعَوَارُ - بِضَمِّ العَينِ وفَتْحِهَا -: العَيبُ، والعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ مُسْتَقْبَحٍ: أَعْوَرَ، والكَلِمَةُ القَبِيحَةُ: العَوْرَاءُ. -[وَقَوْلُهُ: "بَينَهُمَا بالسَّويَّةِ"]. السَّويَّةُ: العَدْلُ والإِنْصَافُ، وَهِيَ مِنْ الاسْتِوَاءِ. -[وَقَوْلُهُ: "وَفِي الرِّقَةِ"]. الرِّقَةُ: الوَرَقُ، وأَصْلُهَا: ورْقَةٌ، فَحُذِفَتْ الوَاوُ كَمَا حُذُفِتْ منْ عِدةٍ وَزِنَةٍ. -[وَقَوْلُهُ: "رُبعُ العُشْرِ"]. ويُقَالُ: رُبُع ورُبْعٌ، وكَذلِكَ في كُلِّ كَسْرٍ إلَى العُشُرِ. [مَا جَاءَ فِي صَدَقَةِ البَقَرِ] -[قَوْلُهُ: "أَخَذَ مِنْ ثَلَاثِينَ بَقَرَة تَبِيعًا" [24]. يُقَال لِوَلدَ البَقَرَةِ في أَوَّلِ سَنَةٍ: تَبِيعٌ، وَتِبِيعٌ في لُغَةِ بَنِي كِلَابٍ، فَإذَا دَخَلَ في الثَّانِيَةِ فَهُوَ جَذَعٌ، وفي الثَّالِثَةِ: ثَنِيٌّ، وفي الرَّابِعَةِ: رَبَاعٌ، وفي كِتَابِ "العَينِ" (¬1) التَّبِيعُ: العِجْلُ مِنْ ¬
أَوْلَادِ البَقَرِ. وأَوْلَادُ الضَّأْنِ وَالمَعِزِ في أَسْنَانِهَا كَأَوْلَادِ البقَرِ، إلَّا أَنَّ وَلَدَ الضَّأْنِ أَوَّلَ سَنَةِ يُقَالُ لَهُ: حَمَلٌ، وَوَلَدُ المَعِزِ جَدْيٌ، ثُمَّ تَنْقُلُهُمَا في الأسْنَانِ كَنَقْلِ أَوْلَادِ البَقَرِ. ويُقَالُ: ضَأْنٌ، وضَئِينٌ وضِئِينٌ، وأَضْؤُنٌ، وأَضْآنٌ، والوَاحِدَةُ: ضَائِنَةٌ. وَيُقَالُ: مَعْزٌ، ومَعِزٌ، ومِعْزَى، وأَمْعُوْزٌ، ومَعِيزٌ، والوَاحِدَةُ: مَاعِزَةٌ، والذَّكَرُ: مَاعِز. والعِرَابُ: العَرَبِيّةُ. والبُخْتُ (¬1): إِبلٌ بجِهَةِ خُرَاسَان يَزْعُمونَ أَنَّهَا تَوَلَّدَتْ بَينَ العِرَابِ والفَوَالِجِ. والفَوَالِجُ (¬2): إِبل لِكُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهَا سَنَامَانِ. والوَاحِدُ: فَالِجٌ، وَوَاحِدُ البُخْتِ: بُخْتِيٌّ. و"الجَوَامِيسُ" بَقَرٌ بِنَاحِيَةِ مِصْرَ تَعُوْمُ في النِّيلِ وتَخْرُجُ إِلَى البَرِّ، وَلِكُلِّ بَقَرَةٍ مِنْهَا قَرْن وَاحِدٌ (¬3)، والوَاحِدُ: جَامُوْسٌ. - وَ"النِّصَابُ" أَصْلُ المَالِ، وأَصْلُ كُلِّ شَيءٍ. - وَ"النَّوَاضِحُ": الإبِلُ الَّتِي تُخْرِجُ المَاءَ مِنَ البِئْرِ. والغَرْبُ: الدَّلْوُ العَظِيمَةُ. - وَقَوْلُهُ: "عَلَى رَاعِيَينِ". مَعْنَاهُ: مَقْسُوْمَةٌ عَلَيهِمَا، فَلِذلِكَ جَازَ اسْتِعْمَالُ ¬
[صدقة الخلطاء]
"عَلَى" ويَجُوْزُ أَنْ يَكُوْنَ "عَلَى بِمَعْنَى "عِنْدَ" كَقَوْلكَ: لِي عَلَى فُلَانٍ كَذَا، أَي: عِنْدَهُ. ويَجُوْزُ أَنْ يَكُوْنَ بِمَعْنَى "مَعَ". - وَقَوْلُهُ: "فَإنْ كَانَتِ الضَّأْنِ هِيَ أَكْثَرُ". يَجُوْزُ في "أَكْثَرَ" النَّصْبُ عَلَى أَنْ يَكُوْنَ "هِيَ" فَصْلًا، ويَجُوْزُ الرَّفْعُ عَلَى الابْتِدَاءِ وَالخَبَرِ ونَظِيرُهُ: "فَإِنْ كَانَتْ الإبِلُ هِيَ أَكْثَرُ". - وَقَوْلُهُ: "أَخَذُوا أَيَّتُهُمَا شَاءَ". إِنَّمَا ثَنَّى الضمِيرَ وإِنْ كَانَ قَبْلَهُ جَمْعًا حَمْلًا علَى مَعْنَى الصِّنْفَينِ أَو النَّوْعَينِ، وَكَذلِكَ قَوْلُهُ في الإبِلِ العِرَابِ والبُخْتُ يُجْمَعَانِ. و"مِنْ يَوْمِ أَفَادَهَا" مِثْلُ "مِنْ يَوْمِ زكِّيَتْ". [صَدَقَةُ الخُلَطَاءِ] الخَلِيطُ: المُخَالِطُ: فَعِيلٌ بمَعْنَى مُفَاعِلٍ، مِثْلُ شَرِيكٍ ونَدِيمٍ وشَرِيبٍ وأَكِيل، وَمِنْهُ: {عَلَى كُلِّ شَيءٍ حَسِيبًا (86)} (¬1) أَي: مُحَاسِبًا. - و"المَرَاحُ " و"المُرَاحُ" -بِفَتْحِ المِيمِ وضَمِّهَا-: المَوْضِعُ الَّذِي تَرُوْحُ الإبِلُ إِلَيهِ، فَمَنْ فَتَحَ المِيمَ جَعَلَهُ مِنْ رَاحَ يَرُوْحُ، ومَنْ ضَمَّه جَعَلَهُ من أَرَاحَ الرَّجُلُ إِبَلَه يُرِيحُ: إِذَا رَدَّهَا مِنَ المَرْعَى، ويَكُوْنُ المَرَاحُ مَصْدَرًا، أَوْ يَكُوْنُ اسمَ المَكَانِ الَّذِي تَرُوْحُ إِلَيهِ المَاشِيَةُ. - وَقَوْلُهُ: "فَصَاعِدًا": أَي: فَزَائِدًا عَلَى ذلِكَ، ولَا يَجُوْزُ فِيهِ غَيرُ النَّصْبِ، ولَا يُسْتَعْمَلُ بالوَاو، وإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ بالفَاءِ أَوْ بِـ "ثُمَّ". - وَ [قَوْلُهُ: فَإذَا أَظَلَّهُمَا المُصَدِّقُ"]. أَظَلَّهُمَا: غَشِيَهُمَا، وَفَاجَأَهُمَا، ¬
[ما يعتد به من السخل في الصدقة]
وأَصْلُهُ أَنْ يَقْرُبَ الشَّيءُ مِنَ الشَّيءِ حَتَّى يَقَعَ عَلَيهِ ظِلَّهُ. [مَا يُعْتَدُّ بِهِ مِنَ السَّخَلِ في الصَّدَقَةِ] " السَّحلَةُ": وَلَدُ الشَّاةِ والمَاعِزَةِ حِينَ تَضَعُهُ أُمُّه، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وهو البَهْمَةُ -أَيضًا- بِفَتْحِ البَاءِ - وجَمْعُ سَخْلَةٍ: سَخَلٌ وسِخَالٌ وسَخْلَاتٌ، وبَهْمَةٌ وبَهْمٌ وبِهَامٌ وبَهْمَاتٌ. - وَ"الأَكُوْلَةُ" الشَّاةُ الَّتِي تُسَمَّنُ لِتُأْكَلَ، ولَيسَتْ بِسَائِمَةٍ. وَرَوَاهُ بَعْضُهُم: "الأَكِيلَةُ" وذلِكَ خَطَأٌ؛ إِنَّمَا الأكِيلَةُ المَأْكُوْلَةُ، كَأَكِيلَةِ السَّبُعِ، ولَيسَتْ الأَكِيلَةُ مِمَّا تُسَمَّن لِتُؤْكَلَ. - وَ"الرُّبَى": القَرِيبَةُ العَهْدِ بالولَادَةِ فَهِيَ تُرَبَّى وَجَمْعُهَا: رُبَابٌ بِضَمِّ الرَّاءِ. وأَمَّا الرِّبَابُ - بِكَسْرِ الرَّاءِ - فَإِنَّهَا المُدَّةُ الَّتِي يَقَعُ عَلَيهَا فِيهَا هَذَا الاسْمُ، وذلِكَ مَا بَينَ ولَادَتِهَا إِلَى خَمْسَ عَشْرَةَ لَيلَةٍ. ويُقَالُ: هِيَ في رِبَابِهَا. و"المَاخِضُ": الحَامِلُ الَّتِي شَارَفَتِ الولَادَةَ. و"المِخَاضُ" و"المَخَاضُ" بكسر المِيمِ وفَتْحِهَا: وَجَعُ الولَادَةِ، فَإِذَا أَرَدْتَ الإبِلَ الحَوَامِلَ قُلْتَ: مَخَاضٌ لَا غَيرُ، وَاحِدُهَا: مَاخِضٌ. وَقَال الأصْمَعِيُّ: لَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا وَلكِنْ يُقَالُ لِلْوَاحِدَةِ مِنْهَا خَلِفَةٌ وَمَا قَالهُ غَيرُ صحِيحٍ. وغِذَاءُ الغَنَمِ: صِغَارُهَا، وَاحِدُهَا: غَذِيٌّ؛ لأنَّه يُغْذَّى باللَّبَنِ، وَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى [مَفْعُوْلٌ] (¬1) كَقَتِيلٍ بِمَعْنَى مَقْتُوْلٍ. وفي قَوْلهِ: "غِذَاءٌ" شُذُوْذٌ عَنْ مَا جَرَى عَلَيهِ الاسْتِعْمَالُ، وذلِكَ أَنَّ فَعِيلًا إِنَّمَا يُجْمَعُ عَلَى فِعَالٍ بِكَسْرِ الفَاءِ إِذَا كَانَ في مَعْنَى فَاعِلٌ كَكَرِيم وكِرَامٍ وَشِبْهِهِ. وإِذَا ¬
[النهي عن التضييق على الناس في الصدقة]
كَانَ بِمَعْنَى مَفْعُوْلٍ لَمْ يُجْمَعْ عَلَيهِ، لَا يُقَالُ: قَتِيلٌ وَقِتَالٌ، ولَا جَرِيحٌ وجِرَاحٌ. وإِنَّمَا يُقَالُ: قَتِيلٌ وقَتْلَى، وجَرِيحٌ وجَرْحَى. وَقَدْ جَاءَ من ذلِكَ شَيءٌ قَلِيلٌ شَذَّ عَنِ الجُمْهُوْرِ وَهُوَ فَصِيلٌ وفِصَالٌ، وسَيفٌ صَقِيلٌ وسُيُوْفٌ صِقَالٌ، والوَجْهَ في هَذَا أَنْ يُقَال: إِنَّهُمْ جَعَلُوا غَذيًّا بِمَعْنَى مُغْتَذٍ، وَفَصِيلًا بِمَعْنَى مُنْفَصِلٍ، وصَقِيلًا بِمَعْنَى مُنْصَقِلٍ؛ لِأنَّكَ تَقُوْلُ: غَذَوْتُهُ فَاغْتَذَى، وَفَصَلْتُهُ فانْفَصَلَ، وصَقَلْتُهُ فانْصَقَلَ فَتنسِبَ الفَعْلِ إِلَيهِ كَنِسْبَتِهِ إِلَى الفَاعِلِ فَجَرَى لِذلِكَ مَجْرَى كَرِيمٍ وَظَرِيفٍ. - وَقَوْلُهُ: "يَعُدُّ عَلَى النَّاسِ بالسَّخَلِ" [26]. هَذِهِ البَاءُ هِيَ البَاءُ الَّتِي تنوْبُ مَنَابَ وَاو الحَالِ كَقَوْلكَ: جَاءَ زَيدٌ بِثيَابِهِ، أَي: جَاءَ وثيَابُهُ عَلَيهِ، والتَّقْدِيرُ: يَعُدُّ الغَنَمَ والسَّخَلَ فِيهَا، فَحَذَفَ المَفْعُوْلَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالى: (¬1) {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ}، أَي: تُنْبِتُ نباتُهَا والدُّهْنُ فِيهِ في بَعْضِ الأَقْوَالِ، وَقَدْ قِيلَ في مِثْلِ هَذَا إِنَّ البَاءَ زَائِدَةٌ، ونَظِيرُهُ: [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬2): {أَلَيسَ [ذَلِكَ] بِقَادِرٍ} (¬3) و {أَلَيسَ اللَّهُ بِكَافٍ} (¬4). [النَّهْيُ عَنْ التَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ في الصَّدَقَةِ] - و [قَوْلُهُ: "فَرَأى فِيهَا شَاةً حَافِلًا"] [28]. الحَافِلُ: الَّتِي امْتَلأَ ضَرْعُهَا مِنَ اللَّبَنِ، وَكَانَ الوَجْهُ: "حَافِلَةً"، وَلكِنْ جَاءَ هَذَا عَلَى مَعْنَى النَّسَبِ أَي: ذَاتُ حَفلٍ كامْرَأةٍ عَاشِقٍ وحَاسِرٍ، ونَاقَةٍ ضَامِرٍ، فَإِذَا بَنَوا ذلِكَ عَلَى الفِعْلِ أَلْحَقُوْهُ ¬
الهَاءِ فَقَالُوا: عَاشِقَةٌ وحَافِلَةٌ. - وَ [قَوْلُهُ: "لَا تَأْخُذُوا حَزَرَاتِ المُسْلِمِينَ"]. الحَزَرَاتُ: خِيَارُ المَالِ، وَاحِدَتُهَا حَزْرَةٌ بِسُكُوْنِ الزَّاي، وَأَضَافَهَا إِلَى الأنْفُسِ (¬1) لأنَّ الأنْفُسَ تُشْفِقُ عَلَيهَا ¬
[آخذ الصدقة ومن يجوز له أخذها]
وتَتَوَجَّعُ لأخْذِهَا، وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ حَزَرَ اللَّبَنُ: إِذَا اشْتَدَّتْ حُمُوْضَتُهُ وَقَال ابنُ بُكَيرٍ عَنِ اللَّيثِ (¬1): الحَزَرَاتُ: وَجَعُ القَلْبِ [ ... ]. - وَ [قَوْلُهُ: "نَكِّبُوا عَنِ الَّطعَامِ"]. مَعْنَى "نكِّبُوا" اعدِلُوا، يُقَال: نكَبَ عَنِ الطَّرِيقِ ونكَّبَ، ويُقَالُ نكِبَ نَكْبًا. وأَرَادَ بالطَّعَامِ ذَاتِ اللَّبَنِ، أَي: اتْرُكُوا ذَاتِ اللَّبَنِ، وكَذَا فَسَّرَهُ أَبُو قُرَّةَ عَنْ مَالِكٍ (¬2). [آخِذُ الصَّدَقَةِ وَمَنْ يَجُوزُ لَهُ أخْذُهَا] -[قَوْلُهُ: "لِرَجُلٍ لَهُ جَارٌ مِسْكِينٌ"] [29]. اخْتُلفَ في الفَقِيرِ والمِسْكِينِ (¬3) فَقِيلَ: هُمَا سَوَاءٌ. وَقَال قَادَةُ: الفَقِيرُ: المُحْتَاجُ المُزْمِنُ، والمِسْكِينُ: المُحْتَاجُ ¬
الَّذِي لَا زَمَانَةَ بِهِ. وقَال ابنُ عَبَّاسٍ: الفُقَرَاءُ من المُسْلِمِينَ، والمَسَاكِينَ: مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ. وَقَال الضَّحَّاكُ: الفُقَرَاءُ من المُهَاجِرِينَ. والمَسَاكِينَ مِنَ الأَعْرَابِ. وَقَال مُجَاهِدٌ والزُّهْرِيُّ الفَقِيرُ الَّذِي لا يَسْأَلُ، والمِسْكِينُ السَّائِلُ. وهَذَهِ كلُّهَا لَا يَقُوْمُ عَلَى شَيءٍ مِنْهَا دَلِيلٌ مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا لُغَةٍ، إِذْ لَا وَجْهَ لاعتِبَارِ الصِّحَّةِ والزَّمَانَةُ، والسُّؤَالُ وغيرُ السُّؤَالِ في التفْرِقَةِ بَينَهَا، وإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْتبَرَ أَيُّهُمَا أَحْسَنُ حَالًا، وهَذَا أَمْرٌ قَدْ تنازَعَ النَّاسُ فِيه، فَقَال قَوْمٌ: الفَقِيرُ أَحْسَنُ حَالًا مِن المِسْكِينِ، وهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَاب مَالِكٍ، وأَحَدُ قَوْلَي الشَّافِعِيِّ، وَقَالُوا: الفَقِيرُ الَّذِي لَهُ البُلْغَةُ، والمِسْكِينُ: الًّذِي لَا شَيءَ لَهُ واحْتَجُّوا بِبَيتِ الرَّاعِي (¬1)، وبِقَوْلهِ [تَعَالى] (¬2): {[مِسْكِينًا] ذَا مَتْرَبَةٍ (16)} وبأَنَّهُ مِفْعِيلٌ من السُّكُوْنِ وعَدَمِ الحَرَكَةِ. وقَال آخَرُوْنَ: العَكْسُ، ومِمَّنْ قَال بِذلِكَ الأَصْمَعِيُّ، وبِهِ قَال أَبُو حَنِيفَةَ وأَصْحَابهُ واحْتَجُّوا بأَصْحَابِ السَّفِينَةِ (¬3)، وبِأنَّ الفَقِيرَ مِنْ كَسْرِ الفِقَارِ، ومَنْ كُسِرَ فِقَارُه فَلَا حَيَاةَ لَهُ، وبِقَوْلِ الشَّاعِرِ (¬4): هَلْ لَكَ في أَجْرٍ عَظِيمٍ تُؤْجَرُهْ تُغِيثُ مِسْكِينًا كَثيرًا عَسْكَرُهْ عَشْرُ شِيَاهٍ سَمْعُهُ وبَصَرُهْ ¬
فَجَعَلَ لَهُ عَشْرَ شِيَاهٍ، والأوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ، ولَا حُجَّةَ فِيمَا احتَجَّ بِهِ هَؤُلَاءِ؛ لِأنَّه لَيسِ مِنْ شَرْطِ الإضَافَةِ أَن يُرَادَ بِهَا المِلْكَ في كُلِّ مَوْضِعٍ، فَإِنَّ العَرَبَ تُضِيفُ الشَّيءَ إِلَى الشَّيءِ وتَنْسِبُ إِلَيهِ لِمَا بَينَهُمَا مِنَ المُلَابَسَةِ والمُجَاوَرَةِ، فَيَجُوْزُ أَنْ يَكُوْنَ الله تَعَالى نَسَبَهَا إِلَيهِمْ لِتَوَلِّيهِمْ أَمْرَهَا، كَمَا تُنْسَبُ الدَّابَّةُ إِلَى الَّذِي يَخْدِمُهَا وَقَدْ قَال [الله] تَعَالى (¬1): {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} ولَا مَقَامَ لله، وإِنَّمَا هُوَ لِلعَبْدِ بَينَ يَدَي رَبِّه، وإِنَّمَا المَعْنَى: مَقَامَهُ بَينَ يَدَيهِ أَوْ عِنْدَهُ، ويُرْوَى بَيتُ زُهَيرٍ (¬2): * ... فَأَمْسَى رَهْنُهَا غَلِقَا * أي: رَهْنُهَا عِنْدَنَا، ويَجُوْزُ أَنْ يَكُوْنَ سَمَّاهُمْ مَسَاكِينَ؛ لأنَّهُ عَلَى جِهَةِ التَّرَحُّمِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: "مِسْكِينٌ مِسْكِينٌ مَنْ لَا زَوْجَ لَهُ" قَالُوا: وإِنْ كَانَ ذَا مَالٍ؟ قَال: "وإِنْ كانَ ذَا مَالٍ" وفي قَوْلهِمْ أَيضًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ المِسْكِينَ عِنْدَهُم إِنَّمَا كَانَ الَّذِي لَا مَال لَهُ وَلِذلِكَ سَأَلُوْهُ. وأَمَّا البَيتُ فَمَعْنَاهُ: "عَشْرُ شِيَاهٍ سَمْعُهُ وبَصَرُهُ" لَوْ وُهِبَتْ لَهُ، فَحَذَفَ مَا لَا يَتِمَّ الكَلَامُ إلَّا بِهِ لِعِلْمِ السَّامِعِ بِمُرَادِهِ، ويُحْتَمَلُ أَنْ يُريدَ: مُلْكَ عَشْر شياهٍ أَوْ هِبَةَ عَشْرِ شِيَاهٍ سَمْعُهُ وبَصَرُهُ، فَحذَفَ المُضَافَ. -[وَقَوْلُهُ: "لَوْ مَنعوْنِي عِقَالًا"] [30]. العِقَالُ: صَدَقَةُ عَامٍ، قَالهُ الكِسَائِيُّ (¬3)، ¬
واخْتَارَهُ أَبُو عُبَيدٍ وأَنْشَدَ (¬1): * سَعَى عِقَالًا ... البيت * وقِيلَ العَقَالُ: أَنْ يَأْخُذَ المُصَدِّقُ الفَرِيضَةَ بِعَييهَا، فَإِذَا أُخِذَ الثَّمَنَ قِيلَ: أَخَذَ نَقْدًا، وأَنْشَدَ (¬2): * أَتَانَا أَبُو الخَطَّابِ ... [ ... ] * وَقِيلَ: أَرَادَ بالعِقَالِ مَا يُعْقَلُ بِهِ البَعِيرُ، وهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ (¬3)؛ لأنَّهُ إِنَّمَا ذَهَبَ ¬
إِلَى التَّحْقِيرِ والتقليلِ مُبَالغَةً كَقَوْلِ القَائِلِ: لَوْ مَنَعْتَنِي حَبَّةً مَا تَرَكْتُهَا عِنْدَكَ، وَوَاللهِ لَا تَرَكْتُ عِنْدَكَ مِنْ حَقِّي جَنَاحَ بَعُوْضةٍ، أَي: مَا يَزِنُ الحَبَّةَ وجَنَاحَ البَعُوْضَةِ. وَقَال قَوْمٌ: مَعْنَاهُ: لَوْ كَانَ لِي عِنْدَهُمْ عِقَالًا يُعْقَلُ بِهِ البَعِيرُ ثُمَّ مَنَعُوْنِي إِيَّاهُ لَجَاهَدْتُهُمْ عَلَيهِ. وَرُويَ أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ مَسْلَمَةَ (¬1) كَانَ عَامِلًا عَلَى الصَّدَقَةِ في زَمَانِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَكَانَ يَأْمُرُ الرَّجُلَ إِذَا جَاءَ بِفَرِيضَتينِ أَنْ يَأْتِيَ بِعِقَالِهِمَا وقِرَانِهِمَا. وَرُويَ أَنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ كَانَ يَأْخُذُ مَعَ كُلِّ فَرِيضَةٍ عِقَالًا وَرَوَاءً فَإِذَا جَاءَتْ إِلَى المَدِينَةِ بَاعَهَا ثُمَّ تَصَدَّقَ بِتِلْكَ العُقُلِ. والأرْويَةِ، قَال الوَاقِدِيُّ (¬2): هَذَا رَأْيُ مَالِكٍ وَابنِ أَبِي ذِئْبٍ (¬3). ¬
[زكاة ما يخرص من ثمار النخيل والأعناب]
- وَقَوْلُهُ: عَنْ عُمَرَ "فَأَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَقَاءَ" [31]. لَيسَ مِنَ التَّرْجَمَةِ في شَيءٍ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَوَجْهُ تَعَلُّقِهِ بالبَابِ أَنَّ فِيهِ تَشْدِيدًا في أَنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ إلا لِمَنْ نَصَّ عَلَيهِ رَسُوْلُ الله - صلى الله عليه وسلم -[أَلَا تَرَاهُ لَمْ يَسْتَجِزْ تَرْكَ اللَّبَنِ في جَوْفِهِ وإِنْ كَانَ شَرِبَ غَيرَ مُتَعَمِّدٍ لِذلِكَ؛ ليُرِيَ الَّذي سَقَاهُ إِيَّاهُ وَمَنْ حَضَرَهُ مَا في ذلِكَ مِنَ الإغْلَاظِ. وظَاهِرُ هَذَا الحَدِيثِ أَنَّ الَّذِي سَقَاهُ اللَّبَنَ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ فَيَكُوْنُ سَبِيلُهُ سَبِيلَ مَنْ بَرَّهُ. و"اسْتَقَاء": اسْتَدْعَى القَيءَ. [زَكاةُ مَا يُخْرَصُ مِنْ ثِمَارِ النَّخِيلِ والأعْنَابِ] -[قَوْلُهُ: "فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ والعُيُوْنُ والبَعْلُ العُشْرُ ... "] [33]. يُقَالُ لِمَا سَقَتِ السَّمَاءُ: عِذْيُّ، وعَثَرِيٌّ، وَلِمَا كَانَ مِنَ الأنْهَارِ والعَينِ: غَيل وَسَيحٌ، وَلِمَا شَرِبَ بِعُرُوْقِهِ مِنْ ثَرَى الأرْضِ وَرُطُوبَتِهَا ونَدَاهَا مِنْ غَيرِ سَقْيِ سَمَاءٍ وَلَا غَيرِهَا لَا عُيُونِ، وَلَا مَاءٍ مُسَرَّبٍ، وَلكنَهُ يسْتَمِدُّ مِنْ رُطُوبَةَ الثَّرَى، ويَمْتَصُّ من نَدْوَتِهِ: بَعْلٌ، هَذَا قَوْلُ الأصْمَعِيِّ (¬1)، وَقَال الكِسَائِيُّ: البَعْلُ: العِذْيُ بِعَينِهِ (¬2)، وَفِي حَدِيث بِشْرٍ هَذَا: مَا هُوَ في قَوْلِ الأصْمَعِيِّ؛ لأنَّه جَعَلَ مَا سقَتْهُ السَّمَاءُ والعَيُونُ صنْفًا، وَجَعلَ البَعْلَ صنْفًا آخَرَ. - وَ"السَّقْيُ" مَصْدَرُ سَقَيتُ، و"السِّقْيُ" -بِكَسْرِ السِّينِ-: المَاءُ الَّذِي يُسْتَقَى بِهِ، وسُمِّيَ المَسْقِيَّ أَيضًا سِقْيًا - بالكَسْرِ - كَالرِّعْيِ للنَّبَاتِ الَّذِي يُرْعَى. ¬
و"النَّضْحُ "السَّقْيُ بالسَّوَانِي والدَّوَالِي وَهِيَ الخِطَّارَاتُ، والغَرْبُ: الدَّلْوُ العَظِيمَةُ. - ويُقَالُ: "عُشُرٌ" و"عُشْرٌ" (¬1) و"عَشِيرٌ" وَكَذلِكَ جَمِيع الأجْزَاءِ مِنَ الثُّلُثِ إِلَى العُشُرِ إلا الرُّبْع فَإِنَّهُم لَا يَقُوْلُوْنَ فِيه: رَبِيعٌ، إِنَّمَا يُقَالُ: رُبْعٌ ورُبُعٌ لَا غَيرُ. و"الجَعْرُوْرُ" و"مِصْرَانُ الفَارِ" ويُقَال أَيضا: "مِعَى الفَارِ" وَ"عَذْقُ ابنُ حُبَيقٍ" ويُقَالُ: "خُبَيقٌ" بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ، كُلُّهَا أَنْوَاعٌ من تَمْرِ الحِجَازِ و"العَذْقُ" النَّخْلَةُ كُلُّهَا بِفَتْحِ العَينِ، والعِذْقُ - بِكَسْرِ العَينِ - كِبَاسُهَا، والكِبَاسَةُ: العُنْقُودُ مِنَ التَّمْرِ خَاصَّةً. - و"البُرْدِيُّ" - بِضَمِّ البَاءِ -: تَمْرٌ وَسَطٌ (¬2)، والبُرْنِيُّ: صِنْفٌ جَيِّدٌ مِنْهُ. - وَ"الخِرْصُ" و"الخَرْصُ": مَصْدَرَانِ: وَقِيلَ: الخِرْصُ - بِكَسْرِ الصَّادِ - المَخْرُوْصُ نُفَسُهُ، والخَرْصُ - بِفَتْحِهَا -: التَّخْمِينُ والحَزْرُ والتَّقْدِيرُ الَّذِي لَيسَ مَعَهُ يَقِينٌ، يُقَال: خَرَصَ الرَّجُلُ وتَخَرَّصَ: إِذَا قَال بِالظَّن (¬3). - وَ"الرُّطَبُ" (¬4): التَّمْرُ الَّذِي أَدْرَكَ وَصَلَحَ للأَكْلِ، يُقَالُ مِنْهُ: أَرْطَبَ النَّخْلُ فَهُوَ مُرْطِبٌ. والرَّطّبُ: النَّبَاتُ الأخْضَرُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ. ¬
- و"الرَّطَبُ" - بِفَتْحِ الرَّاءِ -: ضِدُّ اليَابِسِ مِنْ كُلِّ شَيءٍ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ مَالِكٌ في قَوْلهِ: "فَأَمَّا مَا لَا يُأْكَلُ رَطْبًا وإِنَّمَا يُؤكَلُ بَعْدَ حَصَادِهِ"، وَقْوُلُهُ: "إِنَّ مِنَ النَّخِيلِ وَالأعْنَابِ يُؤكَلُ رُطَبًا" فَهُوَ مَفْتُوْحُ الطَّاءِ. - و"الثَّمَرُ": اسْمٌ لِحَمْلِ كُلِّ شَجَرَةٍ، يُقَالُ: شَجَرٌ مُثْمِرٌ: إِذَا طَلَعَ ثَمَرُهُ، وثَامِرٌ: إِذَا نَضَجَ ثَمَرُهُ. والتَّمْرُ: اسْمٌ لِحَمْلِ النَّخل (¬1) خَاصَّةً بنُقْطَتَينِ، وَأَكْثَرُ مَا يَقَعُ عَلَيهِ هَذَا الاسْمُ بَعْدَ يُبْسِهِ، وَمِنْهُ تَمَّرْتُ اللَّحْمَ: إِذَا قَدَّدْتُهُ وجَفَّفْتُهُ، يُقَالُ: اتْمَرَتِ النَّخْلَةُ باثْنَتينِ فَوْقِهَا: إِذَا حَمَلَت التَّمْرَ. - ويُقَالُ: "جَدَدْتُ النَّخْلَ" أَجُدُّهُ جَدًّا وجِدَادًا، وَقَدْ أَجَدَّ التَّمْرُ: "إِذَا حَانَ أَنْ يُجَدَّ. وتَكَرَّرِ لِمَالِكٍ في هَذَا البَابِ قَوْلُهُ: "إنَّمَا عَلَى أَهْلِهَا فِيهَا الزَّمَانَةُ" (¬2) مَرَّتَينِ (¬3)، وكَانَ الوَجْهُ إِسْقَاطُ الثَّانِي، وَلكِنَّ العَرَبَ قَدْ كَرِّرُ اللَّفْظَ المُسْتَغْنَى عَنْهُ تَوْكِيدًا لِلْكَلَامِ، وَمِنْهُ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬4): {وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19)} ومِنْهُ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬5): {أَنَّهُمَا فِي الْنَّارِ خَالِدَينِ فِيهَا} وَفي كَلَامِ مَالِكٍ أَيضا أَنَّه حَمَلَ بَعْضَ الضَّمَائِرِ عَلَى لَفْظِ "مَا" في قَوْلهِ: "فَأَمَّا مَا لَا يُؤْكَلُ ... " فَذَكَّرهَا وَحَمَلَ بَعْضُهَا عَلَى المَعْنَى فَأَنَّثهَا، وذلِكَ كَثيرٌ في الكَلَامِ. ¬
- ويُقَالُ: "حِصَادٌ" وَ"حَصَادٌ" (¬1). - وَ"الذَّرَةُ": الحَبَّةُ الَّتِي تُسَمَّى: الجَاوُرسَ (¬2) الهِنْدِيَّ، ومِنْهَا أَبْيَضُ وأَسْوَدُ. - وَفِي "الأوُزُّ" سِتُّ لُغَاتٍ أَرُزٌ، وأُرْزٌ، وأَرُزٌ، وَرُزُّ، وَرُنْزٌ (¬3). - و"اللُّوبِيَاءُ" مَمْدُوْدَةٌ لَا غَيرُ، وتُسَمَّى الدُّجْرَ (¬4). - و"الأَكْمَامُ" الأَغْشِيَةُ الَّتِي يَكُوْنُ فِيهَا الزَّرْعُ والثَّمَرُ، وَاحِدُهُ كُمٌّ، ويُقَالُ: أَكِمَّةٌ وكَمَائِمٌ أَيضًا. وَوَاحِدُهَا: كِمَامٌ - بِكَسْرِ الكَافِ -. ويُقَالُ: ثَمَر مُكَمَّمٌ: إِذَا كَانَ في غِشَائِهِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الحَائِطِ في "كِتَابِ الصَّلَاةِ" ويُقَالُ لَهُ -أَيضًا- حَدِيقَةٌ؛ لإحْدَاقِهِ بِمَا فِيهِ من الثَّمَرِ وغَيرِهِ. ¬
[ما لا زكاة فيه من الثمار]
[مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ مِنَ الثِّمَارِ] -[قَوْلُهُ: "وَمَا يُحْصَدُ مِنْهُ أرْبَعَةُ أوْسُقٍ مِنَ القِطْنِيَّةِ"] [36]. "القِطْنِيَّةُ" - بِكَسْرِ القَافِ مُشَدَّدَةَ اليَاءِ - لُغَة شَامِيّةٌ، وَهِيَ مِنَ الأسْمَاءِ الَّتِي جَاءَتْ على صُوْرَةِ المَنْسُوْبِ وَلَمْ يُنْسَبْ إِلَى شَيءٍ، وَمِنْهُ الكُرْسِيُّ، واشْتِقَاقُهَا من قَطَنَ بالمَكَانِ: إِذَا عَمَرَهُ، وتُسَمَّى: الخِلَفَةَ بالفَاءِ بِوَاحِدَةِ وكَسْرِ الخَاءِ (¬1). - وَقَوْلُهُ: "في كُلِّ زَرْعِ مِنَ الحُبُوْبِ كُلِّهَا يُحْصَدُ". كَذَا وَقَعَ في الرِّوَايَاتِ: "كُلِّهَا" بالهَاءِ، وكَانَ ابنُ وَضَّاحٍ (¬2) يَقُوْل: "كُلِّ مَا" بالمِيمِ. [مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ مِنَ الفَوَاكِهِ] -[قَوْلُهُ: "الرُّمَانُ والفِرْسِكُ والتِّينُ"] والفِرْسِكُ: الخَوْخُ (¬3). ¬
-[وَقَوْلُهُ: "وَلَا فِي القَضْبُ"] والقَضْبُ: الرَّطْبَةُ، وتُسَمَّى أَيضًا الفِصْفِصَةُ، وأَصْلُهَا بالفَارِسِيَّةِ الفِسْفِست (¬1) -بكَسْرِ الفَاءين-، ويُقَالُ لِمَزْرَعَتِهِ: المِقْضَابُ. - و"البَقْلُ" اسْمٌ يَقَعُ عَلَى كُلِّ عُشْب نبَتَ من بِزْرٍ، ولَا يَخْرُجُ من أَرُوْمَةٍ بَاقِيَةٍ كَذَا قَال أَبُو حَنِيفَة، وَقَال صَاحِبُ "العَينِ" (¬2) البَقْلُ: مَا لَيسَ بِشَجَرٍ دَقٍّ وَلَا جَلٍّ. والفَرْقُ مَا بَينَ البَقْلِ ودَقِّ الشَّجَرِ أَنَّ البَقْلَ إِذا رُعِيَ لَمْ يَبْقَ لَهُ سَاقٌ، والشَّجَرُ يَبْقَى لَهُ سَاقٌ وإِنْ دَقَّ. - و"الحُمَّصُ" و"البَاقِلَاء": و"البَاقِلَّى": إِذَا شَدَّدْتَ اللَّامَ قَصَرْتَ وإِذَا خَفَّفْتَ مَدَدْتَ وَهُوَ الفُوْلُ واللُّوْبِيَا واللُّوْبَاءِ، وهو الدُّجْرُ. وَذَكَرَ الحُمَّصُ (¬3) وَقَال: وهو البُلُسُ (¬4)، ومنْهُ الحَدِيثُ: "مَنْ أَحَبَّ أنْ يَرِقَّ قَلْبُهُ فَلْيُدْمِنْ أَكْلَ البُلُسِ" ¬
و"التُّرْمُسُ (¬1) ": هو البَسِيلَةُ، و"المَاشُ (¬2) ": هُوَ المَنْجُ والبَنْجُ بِلُغَةِ العَامَّةِ (¬3). - وَقَوْلُ مَالِكٍ في هَذَا البَابِ: "لَيسَ في شَيءٍ مِنَ الفَوَاكِهِ كُلِّهَا صَدَقَةٌ، الرُّمَانُ والفِرْسَكُ" كَلَامٌ فيه نَظَرٌ؛ لأنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ العُمُوْمِ، ويَلْزَمُ عَلَى ظَاهِرِهِ أَنْ لَا يَكُوْد النَّخْلُ والعِنْبُ مِنَ الفَاكِهَةِ وهَدا رَأْيُ قَوْمٍ مِنَ المُفَسِّرينَ قَالُوا: لَا ¬
تُسَمَّى النَّخْلَةُ فَاكِهَةً لِقَوْلهِ [تَعَالى] (¬1): {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68)} فَكَانَ يَجِبُ لِمَالِكٍ إِنْ كَانَ اعْتَقَدَ هَذَا المَذْهَبَ أَنْ لا يَذْكُرَ الرُّمَّانَ في هَذَا البَابِ؛ لأنَّه قَدْ خَرَجَ مِنَ الفَاكِهَةِ عِنْدَ هَؤُلَاءِ كَخُرُوْجِ النَّخْلِ، وإِنْ كَانَ اعْتَقَدَ أَنَّ إِفْرَادَ النَّخلِ والرُّمَّانِ في الآيَةِ لَا يُوْجِبُ خُرُوْجَهُمَا عَنِ الفَاكِهَةِ، وإِنَّمَا القَصدُ بإِفْرَادِهِمَا التَّنْويهُ، فَقَدْ كَانَ يَجِبُ عَلَيهِ أَنْ لَا يَقُوْلَ: لَيسَ في شَيءٍ مِنَ الفَوَاكِهِ صَدَقَةٌ؛ لأنَّ في النَّخْلِ صَدَقَةً، وهي بَعْضُ الفَوَاكِهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ كَلَامُهُ عُمُوْمًا أَرَادَ بِهِ الخُصُوْصَ، ويَنْبَغِي أَنْ تُجْعَلَ "مِنْ" في قَوْلهِ في التَّرْجَمَةِ: "مَا لَا زكَاةَ فيه منَ الفَوَاكِهِ" لِبَيَانِ الجِنْسِ، ولَا تُجْعَل للتَّبْعِيضِ؛ لأنَّ ذلك يُوجِبُ أَنْ يَكُوْنَ في بَعْضِ البَقْلِ والقَضْبِ زكَاة كَمَا في بَعْضِ الفَوَاكِهِ، والصَّحِيحُ أَنَّ الفَاكِهَةَ اسم لِكُلِّ ثَمَرَةٍ يُتَنَعَّمُ بأَكْلهَا مَا خَلَا الحُبُوْبَ المُقْتَاتَةَ والبَقُوْلَ؛ لأنَّها مُشْتَقَّةٌ من فَاكَهْتُ الرَّجُلَ إِذَا مَازَحتُهُ بمُلَحِ الكَلَامِ. ورَجُلٌ فَكِهٌ وفَاكِهٌ: إِذَا كَانَ في نِعْمَةٍ من عَيشِهِ قَال [اللهُ] تَعَالى (¬2): {فَاكِهِينَ} أي: نَاعِمِينَ مُعْجَبِينَ. - "الظَّهْرُ" الإبِلُ الَّتِي تَحْمِلُ الأثْقَال، وَهُوَ اسْمٌ للْجَمْعِ، يُقَالُ ظَهَرَ الحِمْلُ ظَهَارَةً: إِذَا قَويَ عَلَى الحَمْلِ فَهُوَ ظَهِيرٌ، وأَرَادَ بالظَّهْرِ هَهُنَا: الإبِلُ الَّتِي كَانَ حَمَى لَهَا عُمَرُ الحِمَى. - قَوْلُهُ: "وَهِيَ عَمْيَاءُ" كَلَامٌ فيه حَذْف، كأَنَّه قَال: إِذَا دَفَعَهَا إِلَيهِمْ وَهِيَ عَمْيَاءُ، وَلَوْ قَال: أَوْ هِيَ عَمْيَاءُ فَزَادَ الهَمْزَةَ لَكَانَ أَلْيقَ بالكَلَامِ؛ لأنَّ هَذِهِ الهَمْزَةَ ¬
للتَّقْرِيرِ كَقَوْلهِ [تَعَالى] (¬1): {أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} [الأعراف: 88] وَلكِنْ كَذَا جَاءَتِ الرِّوَايَةُ. - وَقَوْلُهُ: "يَقْطُرُوْنَهَا بالإبِلِ" أَي: يَقُوْدُونَهَا مَعَهَا، والقَطْرُ: الشَّقُّ والنَّاحِيَةُ، القِطَارُ من الإِبِلِ: الجَمَاعَاتِ الَّتِي تَسِيرُ، يُقَالُ: قَطَرَ فِي الأرْضِ قُطُورًا: إِذَا ذَهَبَ. - وَقَوْلُهُ: "ضَرَبَ الجِزْيَة" [36]. أَي: جَعَلَ وَصَيَّرَ، فَلِذلِكَ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُوْلَينِ كَمَا تَعَدَّى في قَوْلهِ [تَعَالى] (¬2)؛ {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلًا أَصْحَابَ} ومَنْ قَال إِنَّ {أَصْحَابَ} بَدَلًا مِنْ {مَثَلًا} ذَهَبَ إِلَى مِثْلِ ذلِكَ في هَذَا الحَدِيثِ فَجَعَلَ "أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ" بَدَلًا مِنَ الجِزْيَةِ. و"الذِّمَّةُ": العَهْدُ، سُمِّيَ بِذلِكَ؛ لِأنَّ مَنْ يَخْنُهُ ذُمَّ. و"النِّعَمُ": اسمٌ يَقَعُ عَلَى الإبِلِ، ولَا يَقَعُ عَلَى النَّقَرِ، ولَا عَلَى الْمَعِزِ وَلَا عَلَى الضَّأْنِ، فَإِذَا اختَلَطَتْ بالإبِلِ قِيلَ لِجَمِيعِهَا نَعَمٌ. - وَقَوْلُهُ: "إنَّ علَيهَا وَسْمُ الجِزْيَةِ" يُرِيدُ عَلَامَتَهَا. وَسَمْتُ الشَّيءَ وَسْمًا إِذَا كَوَيتُهُ، وَالمِيسَمُ: أثرُ الكَيِّ، وَجَمْعُهُ: مَوَاسِمُ. وَالمِيسَمُ: المَكْوَى. - و"الجِزْيةُ": مُشْتَقَّةٌ مِنْ جَزَيتُهُ عَنْ كَذَا أَجْزِيهِ: إِذَا كَافَأتُهُ، سُمِّيَتْ بِذلِكَ؛ لأنَّهَا مُكَافَأةٌ يُكَافَئُوْنَ بِهَا عَنْ إِقْرَارِهِمْ عَلَى أَحْوَالِهِمْ وَتَرْكَ حَرْبِهِمْ. - و"الجَزُوْرُ": النَّاقَةُ الَّتي تُنْحَرُ. وأَمَّا "الجَزَرَةُ" فَهِيَ مِنَ الغَنَمِ - وَقَوْلُهُ: "فَدَعَى عَلَيهَا المُهَاجِرِينَ". الوَجْهُ: "إِلَيهِ" وإِنَّمَا جَازَ اسْتِعْمَالُ "عَلَى" مَكَانَ "إِلَى"؛ لأنَّ المَعْنَى دَعَاهُمْ للاجْتِمَاعِ عَلَيهِ. ¬
- و"الصَّغَارُ والصَّغرُ": الإذْلَالُ. - "العُشُوْرُ": جَمْعُ عُشْرٍ كَجُنْدٍ وجُنْوْدٍ، وبُرْدٍ وبُرُوْدٍ. ويُقَالُ: عَشَرْتُ الدَّرَاهِمَ عَشْرًا وعُشُوْرًا: إِذَا كَانَتْ عَشَرَةً فَأَخَذْتَ مِنْهَا وَاحِدًا، وعَشَّرْتُهَا -بِتَشْدِيدِ الشَّينِ-: إِذَا كَانَتْ دُوْنَ العَشَرَةِ فَكَمَّلْتَهَا عَشَرَة، قَال الخَلِيلُ (¬1): العُشُوْرُ: نُقْصَانٌ، والتَّعْشِيرُ: تَمَامٌ، ويُقَالُ: عَشَرْتُ القَوْمَ أَعْشُرُهُمْ: إِذَا أُخَذْتَ عُشرَ أَمْوَالِهِمْ، وأَعْشِرُهُمْ -بِكَسْرِ الشَّينِ-: إذَا صِرْتَ لهم عَاشِرًا. - و"النَّبَطُ": جِنْسٌ مِنَ العَجَمِ يَسْكُنُوْنَ بالشَّامِ والعِرَاقِ (¬2)، ومَنْزِلَتُهُمْ هُنَاكَ مَنْزِلَةُ القِبْطِ بِمِصْرَ، ويُقَالُ لَهُمْ أَيضًا: نَبِيطٌ، وسُمُّوا نبَطًا ونَبِيطًا: لإنبَاطِهِم المِيَاهَ ¬
ومن (كتاب الصيام)
وَمِنْ (كِتَابِ الصِّيَامِ) (¬1) [مَا جَاءَ في الرُّخْصَةِ في القُبْلَةِ لِلصَّائِمِ] -[قَوْلُهُ: "فَوَجَدَ في ذلِكَ"]. وَجَدَ يَجِدُ وَجْدًا: إِذَا حَزِنَ، ومَوْجِدَةً: إِذَا غَضِبَ. وَوَقَعَ في بَعْضِ النُّسَخِ: "إلا أخْبَرْتِيهَا" وهي لُغَةٌ لِبَنِي عَامِرٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَتْ في "الجَنَائِزِ". -[قَوْلَهَا: "وَإنْ كانَ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيُقَبِّلُ بَعْضُ أزْوَاجِهِ"]. "وإِنْ كانَ لَيُقِبِّلُ" وَقَدْ تَقَدَّمَ في ذِكْرِ "الصَّلَاةِ". وفي رِوَايَةِ عُبَيدِ اللهِ: أَنَّ عَائِشَةَ بِنْتَ طَلْحَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنّهَا قَالتْ، مِنَ القَائِلَةِ. وفي بَعْضِهَا: "كَانَتْ". [مَا جَاءَ في التّشدِيدِ في القُبْلَةِ للصَّائِمِ] وَفِي"المُوَطَّأ": "لِنَفْسِهِ" وفي غَيرهِ: "لإرْبِهِ" أَو"لأرَبِهِ" والإرْبُ: الدَّهَاءُ وَجَوْدَةُ العَقْلِ، والإرْبُ -أَيضًا- العُضْوُ، ويَكُوْنُ -أَيضًا- جَمْعَ إِرْبَةٍ كَسِدْرَةٍ وسِدْرٍ. والإرْبَةُ: الحَاجَةُ قَال [الله] تَعَالى (¬2): {غَيرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} ويَمْكِنُ أَنْ يَكُوْنَ لُغَةً في الأرَبِ كَمِثْلٍ ومَثلٍ، وَشِبْهٍ وَشَبَهٍ، وأَمَّا مَنْ رَوَاهُ: "لأرَبِهِ" بِفَتح الرَّاءِ والهَمْزَةِ: فالحَاجَةُ، هكَذَا يَكُوْنُ مَعْنَاهُ لا غَيرُ. ¬
وَذَكَرَ أَبُو الوَليدِ هِشَامٌ (¬1) حَدِيثَ: "لَيسَ مِنَ البِرِّ الصِّيَامُ في السَّفَر". فقَال: احْتَجَّ بِهِ أَهْلُ الظَّاهِرِ بِأَنْ قَالُوا: إِذَا لَمْ يَكُنْ مِنَ البِرِّ فَهُوَ إِذًا مِنَ الإثْمِ. قَال: ولَا حُجَّةَ في هَذَا؛ لأنَّ هَذَا خُصُوْصٌ خَرَجَ بِلَفْظِ العُمُوْمِ، وَإِنَّمَا قَالهُ - صلى الله عليه وسلم - في رَجُل رَآهُ وَهُوَ صَائِمٌ قَدْ ظُلِّلَ عَلَيهِ وَهُوَ يَجُوْدُ بِنَفْسِهِ، وأَيضًا فَإِنَّ نَفْي النَّفْي لا يَلزَمُ مِنْه إِثْبَاتُ ضِدّهِ وخِلَافِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْلَكَ: لَيسَ زَيد مِنَ الرِّجَالِ لا يُوْجِبُ أَنَّ زَيدًا خَارِجٌ مِنْ نَوْعِهِم، وإِنَّمَا أَرَادَ: لَيسَ في الكَمَالِ بِحَيثُ يَسْتَحِقُّ هَذَا الاسْمِ عَلَى الكَمَالِ، والعَرَبُ تُخْرِجُ الكَلَامَ مَخْرَجَ النَّفْيِ ويُرِيدُوْنَ أَنّه لَيسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي فَيَقُوْلُونَ: مَا قُلْتُ شَيئًا، أَي شَيئا يَجِبُ قَوْلُهُ، أَوْ شَيئًا يَنْتمعُ بِه، وَمِنْهُ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬2): {هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ}، ومِنْهُ قَوْلُهُ [تَعَالى] (¬3): {وَمَا رَمَيتَ إِذْ رَمَيتَ} وَهُوَ قَدْ أَوْجَبَهُ بِقَوْلهِ: {إِذْ رَمَيتَ} فَفِي الحَدِيثِ على هَذَا وَجْهَان: أحَدُهُمَا: لَيسَ مِنَ البِرِّ المُلْزِمِ الصِّيَامُ في السَّفَرِ، فَحَذَفَ الصِّفَةَ كَمَا قَال: "لَيسَ المِسْكِينُ بالطَّوَّافِ" أَي لَيسَ المِسْكِينُ الشَّدِيدُ المَسْكَنَةِ". والثَّاني: لَيسَ مِنَ البِرِّ الصِّيَامُ المُؤَدِّي إِلَى هَذ الحَالِ، فَفِي هَذَا الوَجْهِ حَذْفُ صِفَةِ الصّيَامٍ، وفي الأوَّلِ حَذْفُ صِفَةِ البِرِّ. - وَذَكَرَ قَوْلهُ [تَعَالى] (¬4): {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ}. وَقَوْلَ عَلِي: "مَنْ أدْرَكَهُ الشَّهْرُ وَهُوَ مُسافرٌ فَعَلَيهِ عِدَّةٌ مِنْ أيَّامٍ أُخَرَ، وَمَنْ أدْرَكَهُ وَهُوَ مُقِيمٌ فَعَلَيهِ ¬
صِيَامُهُ سَافَرَ أَوْ لَمْ يُسَافِرْ". قَال: وتأْويلُهُ عندَ غَيرِهِ: فَمَنْ شَهِدَ مِنكمُ الحَضَرَ (¬1) في الشَّهْرِ، فالشَّهرُ عَلَى هَذَا مَنْصُوْبٌ انْتِصَابَ الظَّرْفِ لا انْتِصَابَ المَفْعُوْلِ، وحَذَفَ المَفْعُوْلَ وهو الحَضَرُ (¬2)، ولَا يَجُوْزُ أَنْ يَكُوْنَ الشَّهْرُ مَفْعُوْلًا؛ لأنَّه يَلْزَمُ مِنْ ذلِكَ أَنْ يَصُوْمَهُ الحَاضِرُ والمُسَافِرُ؛ لأنَّهُمَا مَعًا يَشْهَدَانِ الشَّهْرَ. قَال: والأجْوَدُ أَنْ يَكُوْنَ من قَوْلهِمْ: شَهِدَ زَيدٌ: إِذَا حَضَرَ، فَيَكُوْنُ مَعْنَاهُ: فَمَنْ حَضَرَ مِنكمْ في الشَّهْرِ، وشَهِدَ هَذَا غَيرُ مُتَعدٍّ إلى المَفْعُوْلِ، ومِنْهُ قَوْلُهُ [تَعَالى] (¬3): {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} أَي: حَاضِرٌ بِلُبِّه وفِكْرِهِ. ولَمْ يُعَدِّهِ إلى مَفْعُوْلٍ، وأَيضًا فَإِنَّ مَنْ شَهِدَ بَعْضَ الشَّهْرِ في الحَضَرِ لا يُقَالُ إِنَّه شَهِدَ الشَّهْرَ. فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ العَرَبَ تَضَعُ العُمُوْمَ مَوْضِعَ الخُصُوْصِ، وبالعَكْسِ، فَمَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُوْنَ مَنْ شَهِدَ بَعْضَهُ أَنْ يُقَال: شَهِدَ الشَّهْرَ كَمَا تَقُوْلُ: لَقِيتُ القَوْمَ وأَنْتَ وإِنَّمَا لَقِيتَ بَعْضَهُمْ. قِيلَ لَهُ: يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ هَذَا التّأويلِ فِعْلُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وإِفْطَارُهُ وَهُوَ قَدْ خَرَجَ في رَمَضَان. قَال: وَقَدْ يَجُوْزُ أنْ يَكُوْنَ المُرَادُ بالآيةِ مَا قَالهُ عَلِيٌّ ثُمَّ نَسَخَهُ فِعْلُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَدْ أَشَارَ إِلَى هَذَا ابنُ شِهَابٍ بِقَوْلهِ -عَقِبَ الخَبَرِ في الموطَّأ-: وَكَانُوا يَأْخُذُوْنَ بالأحْدَثِ، فَالأحْدَثِ مِنْ أَمْرِهِ - صلى الله عليه وسلم -. - "الصِّيَام" و"الصَّوْمُ": الإمْسَاكُ (¬4)، ومِنْهُ قِيلَ لِلْسُّكُوْتِ: صَوْمٌ؛ لأنَّه ¬
إِمْسَاكٌ عَنِ الكَلَامِ وَبِذلِكَ فُسِّرَ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬1): {نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} ويُقَالُ صَامَ الفَرَسُ: إِذَا وَقَفَ وأَمْسَكَ عَنِ المَرْعَى (¬2)، وصَامَ النَّهَارُ: إِذَا قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ. - و"الفِطْرُ" مِنْ فَطَرْتُ الشَّيءَ؛ إِذَا ابْتَدَأْتُهُ، كَأَنَّه ابتَدَأَ حَالِةً أُخْرَى غَيرَ الصِّيَامِ، وَمِنْهُ خَبَرُ ابنِ عَبَّاسٍ: كُنْتُ لا أَدْرِي مَا مَعْنَى "فَاطِر" حَتَّى اختَصَمَ إلَيَّ أَعْرَابِيَّانِ في بِئرٍ، فقَال أَحَدُهُمَا: أَنَا فَطَرْتُهَا أَي: ابْتَدَأْتُهَا. وَبِهِ فَسَّر قَوْلَهُ [تَعَالى] (¬3): {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ} أَي: مُبْتَدِؤُهَا، وَمِنْهُ فَطِيرُ الخُبْزِ؛ لأنَّه استُعْجِلَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْتَمِرَ. - وَ"رَمَضَانَ" مِنَ الرَّمْضِ وهو أَنْ تَحْتَرِقَ الرِّجْلَان من شِدَّة الحَرِّ. ويُقَالُ لِلْحِجَارَةِ المَحْمِيّةِ مِنَ الشَّمْسِ: رَمْضَاءُ، وَسُمِّيَ رَمَضَانُ بذلِكَ وإِنْ كَانَ يَكُوْنُ في أَشْهُرِ الحَرِّ والبَرْدِ؛ لأنَّ فَرْضَ صِيَامِهِ (¬4) نزلَ في أَشْهُرِ الحَرِّ فَلَزِمَتْهُ الإسْمِيّةَ ولَمْ تَنْتَقِلْ بانتِقَالِهِ، كَمَا سُمِّيَتْ سَائِرُ الشُّهُوْرِ بِمَعَانٍ وَقَعَتْ في وَقْتِ التَّسْمِيَةِ، ثُمَّ لَزِمَتْ، وجَمْعُ رَمَضَان: رَمَضَانَاتٌ ورَمَضَانين ورِمَاضٌ وأَرْمِضَةٌ (¬5) على ¬
[ما جاء في صيام السفر]
حَذْفِ الزَّوَائِدِ، وكَرِهَ مُجَاهِد أَنْ يُقَال: رَمَضَان (¬1)؛ لأنَّا لا نَدْرِي لَعَلَّ رَمَضَانُ من أَسْمَاءِ اللهِ تَعَالى، وإِنَّمَا يُقَالُ كَمَا قَال تَعَالى (¬2): {شَهْرُ رَمَضَانَ} وَقَدْ خَرَّجَ البُخَارِيُّ مَا يَرُدُّ قَوْلَهُمَا (¬3) وكَذلِكَ في هَذَا البَابِ وغَيرِهِ، بالجُمْلَةِ فَإِنَّه قَوْلٌ صَدَرَ عَنْهُمَا مِنْ غَيرِ تَثبّتٍ. [مَا جَاءَ فِي صِيَامِ السَّفَرِ] - و [قَوْلُهُ: خَرَجَ إلَى مَكَّةَ عَامَ الفَتْحِ في رَمَضَان فَصَامَ حَتَّى بلَغَ الكُدَيدَ] [21] الكُدَيدُ: مَا بَينَ عُسْفَان وقُدَيدَ، وهُوَ الأرْضُ الصُّلْبَةُ (¬4)، وذلِكَ مَا بَينَ ¬
المَدِينَةِ ومَكَّةَ. وكُرَاعُ العَمِيمِ: بالعَينِ غَيرُ مُعْجَمَةٍ (¬1). - و"العَرْجُ" [22]. مَوْضِعٌ عَلَى رَأْسِ ثَلَاثَةِ (¬2) مَرَاحِلَ من المَدِينَةِ قالهُ ابنُ ¬
وَضَّاحٍ. والعَرْجُ أَيضًا مَوْضِعٌ بالطَّائِفِ يُنْسَبُ إِلَيه الشَّاعِرُ العَرْجِيُّ. اختَلَفَ أهلُ اللُّغَةِ في حَدِّ "اليَوْمِ" وَ"النّهَارِ": فَقَال النَّضْرُ بنُ شُمَيلٍ (¬1): حَدُّ النَّهَارِ: مِنْ طُلُوع الشَّمْسِ إِلَى غُرُوْبِهَا، وحَدُّ اليَوْمِ: مِنْ طُلُوع الفَجْرِ إِلَى مَغِيبِ الشَّمْسِ، قَال: وَلَا يُقَالُ لِمَا قَبْلَ طُلُوْعِ الشَّمْسِ نَهَارًا. وقَال يَعْقُوْبُ: إِذَا طَلَعَ الفَجْرُ فَأَنْتَ مُفْجِرٌ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وهَذَا شَبِيهٌ بِقَوْلِ النَّضْرِ، وَفِي كِتَابِ "العَينِ" (¬2) عَكَسُ قَوْلَ النَّضْرِ. وَقَال المُبَرِّدُ: حَقِيقَةُ اليَوْمِ مَسِيرَةَ الشَّمْسِ مِنَ المَشْرِقِ إِلَى المَغْرِبِ، وأَوَّلُهُ طُلُوْعُ الفَجْرِ إِلَى أَنْ يَبْدوَ النَّهَارِ. وَقالَ في حَدِّ النّهَارِ: انْفِجَارُ الضِّيَاءِ مِنْ طُلُوع الفَجْرِ إِلَى مَغِيبِ الشَّمْسِ. قَال (ش) (¬3): والَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّ اليَوْمَ وَالنَّهَارَ حَدُّهُمَا جَمِيعًّا: طُلُوع الفَجْرِ إِلَى مَغِيبِ الشَّمْسِ، ودَلِيلُ ذلِكَ إِجْمَاعُ المُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ اليَوْمَ المَفْرُوْضَ صَوْمُهُ أَو المَنْذُوْرَ صَوْمُهُ إِنَّمَا هُوَ مِنْ طُلُوع الفَجْرِ إِلَى المَغِيبِ. وَمَا قَالهُ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَغَيرُ صَحِيحٍ، إِنَّمَا يَفْتَرِقُ اليَوْمُ مِنَ النَّهَارِ في بابِ آخرَ، وَهُوَ أَنَّ اليَوْمَ يُسْتَعْمَلُ أَيضًا بِمَعْنَى الآنَ، ولَا يُقْصَدُ بِهِ قَصْدَ نَهَارِ مُعَيَّنٍ كَقَوْلكَ: زَيدٌ ¬
[ما يفعل من قدم من سفر ... ]
اليَوْمَ غَنِيٌّ، وَكَانَ قَبْلَ اليَوْمِ فَقِيرًا، وَعَلَى هَذَا أَجَازَ أَهْلُ الكُوْفَةِ اليَوْمَ الأحَدُ، وتَأَوَّلُوا عَلَيهِ قَوْلَهُ [تَعَالى] (¬1) {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} وَقَدْ يُوْقِعُوْنَ اليَوْمَ عَلَى الوَقْتِ وإِنْ كَانَ لَيلًا كَمَا قَال (¬2): يَا حَبَّذَا العَرَصَاتُ يَوْ ... مًا فِي لَيَالٍ مُقْمِرَاتِ وتُسَمَّى الفَتكاتُ -أَيضًا- والوَقَائِعُ أَيَّامًا، وَمِنْهُ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬3): {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ}. [مَا يَفْعَلُ مَنْ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ ... ] - قَوْلُهُ: "أنَّه دَاخِل المَدِينة" [37]، كَذَا الرِّوَايَةُ، ويَجُوْزُ دَاخِلُ المَدِينَةِ، وبالوَجْهَينِ قَرَأَ القُرَّاءُ [قَوْلَهْ تَعَالى] (¬4): {كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ} و {مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ}. - وَقَوْلُهُ: "فَعَلِمَ أنَّه دَاخِل أهْلَهُ" كَذَا الرِّوَايَةُ. وفي بَعْضِ النُّسَخِ: دَاخِلٌ ¬
[كفارة من أفطر في رمضان]
علَى أَهْلِهِ، والقِيَاسُ في "دَخَلَ" أَن تَتَعَدَّى بِحَرْفِ الجَرِّ فَإِنْ كَانَ مَذْكُوْرًا مَع الأمْكِنَةِ تَعَدَّى بـ "في" كَقَوْلكَ: دَخَلْتُ في البَيتِ، وَإِنْ ذُكِرَ مَعَ غَيرِ الأمْكِنَةِ تَعَدَّى بـ "إِلَى" و"عَلَى" تَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى المَلِكِ وإِلى المَلِكِ، وَقَدْ يُعَدَّى إِلَى الأمْكِنَةِ بِغيرِ حَرْفٍ فيُقَالُ: دَخَلْتُ البَيتَ، وفي ذلِكَ الخِلَافُ بَينَ أَهْلِ اللِّسَانِ. وأَمَّا مَا سِوَى الأمْكِنَةِ فَلَا يَتَعَدَّى إِلَيهَا إلَّا بِحَرْفِ جَرٍ. [كَفَّارة من أفْطَرَ في رَمَضَانَ] - قَوْلُهُ: فَأُتِيَ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَقٍ تَمْرٍ] [28] العَرَقُ: المِكْتَلُ العظِيمُ؛ وسُمِّيَ عَرَقًا؛ لأنَّه يُعْمَلُ عَرَقَةً عَرَقَةً، ثُمَّ يُضَمُّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَالعَرَقَةُ: الطرِيقَةُ العَرِيضَةُ المُسْتَطِيلَةُ؛ ولذلِكَ قِيلَ لِدُرَّةِ المُؤدِّب عَرَقَةٌ. وَلِكُلِّ شَيءٍ مُسْتَطِيلٍ في سَعَةٍ فَهُوَ عَرَقَةٌ وعَرَقٌ. ويُقَالُ لِلْخَيلِ إِذَا اصْطَفَّتْ وَلِلطَّيرِ إِذَا اصْطُفَّتْ في السَّمَاءِ عَرَقَةٌ (¬1) وبُنَيَ مِنَ الحَائِطِ عَرَقًا (¬2) وهِيَ الَّتِي تُسَمَّى طَابِيَّةً. والعَرَقَةُ: طُرَّةٌ تُنْسَجُ وتُخَاطُ على طَرَفِ الشِّقَّةِ. والعَرَقةُ: النَّسِيجُ. -[قَوْلُهُ: "مَا أَحَدٌ أَحْوَجَ مِنِّي"]. وَمَنْ رَوَى: "مَا أَحَدٌ أَحْوَجُ" بالرَّفْعِ، وهيَ رِوَايَةُ ابنِ وَضَّاحٍ جَازَ رَفْعُ "أَحْوَجُ" عَلَى اللُّغَةِ التَّمِيمِيَّةِ. وَجَازَ نَصْبُهُ عَلَى اللُّغَةِ الحِجَازِيَّةِ. ¬
- وَقَوْلُ الأَعْرَابِيِّ: "هَلَكَ الأَبْعَدُ" ولَمْ يَقُل: هَلَكْتُ؛ لأنَّه حرَّجَ نَفَسَهُ مَخْرَجَ مَنْ يُخَاطِبُهُ ويُكَلِّمُهُ، أَو يُخْبِرُ عَنْهُ عَلَى مَعْنَى المُبَالغَةِ (¬1)، كَمَا يَقُوْلُ الرَّجُلُ إِذَا عَنَّفَ نَفسَهُ: أَو لكَ يَا فَاسِقُ، لَقَدْ جِئْتَ بِعَارٍ يَا غَادِرُ، وَمِنْهُ قَوْلُ البَعِيثُ (¬2): * طَمِعْتُ بِلَيلَى أَنْ تَرِيع وَإِنَّمَا * [ .... ] (¬3) وأراد المُحْتَرِقُ بالأبْعَدِ. البَعِيدُ عن النَّجَاةِ أَو الصَّلَاحِ. ويَجُوْزُ أَنْ يَكُوْنَ من قَوْلهِم بَعِدَ يَبْعَدُ: إِذَا هَلَكَ، وهَذَا كَقَوْلِ العَرَبِ: أَخْزَى اللهُ الأبْعَدَ مِنَّا؛ ¬
[صيام يوم عاشوراء]
أَي: أَبْعَدَنَا عَنِ الصَّلَاحِ. وأَمَّا الَّذِي يَسْتَعْمِلُهُ النَّاسُ عِنْدَ مُحَادَثَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا فَعَلَى الأبْعَدِ كَذَا، ولَيسَ مِنْ هَذَا؛ لأنَّ هَذَا إِنَّمَا يُىسْتَعْمَلُ عَلَى جِهَةِ تَوْقِيرِ المُخَاطَبِ. [صِيَام يَوْمِ عَاشُوْرَاء] - " عَاشُوْرَاءُ" اسمُ اللَّيلَةِ العَاشِرَةِ مِنَ المُحَرَّمِ، وإِلَيهَا أُضِيفَ اليَوْمُ فَقِيلَ: يَوْمُ عَاشُوْرَاءَ. وفي كِتَابِ "العَينِ" (¬1) عَاشُوْرَاءِ: اليَوْمُ العَاشِرُ مِنَ المُحَرَّمِ، قَال: وَقَال بَعْضُهُمْ: هُوَ اليَوْمُ التَّاسِعُ مِنَ المُحَرَّمِ، ومَنْ أَنكرَ ذلِكَ قَال: وَلَوْ كَانَ التَّاسِعُ لَكَانَ يُقَالُ: تَاسُوْعًا. ولِقَائِلٍ أَنْ يَقُوْلَ: إِنَّمَا قِيلَ لَهُ: عَاشُوْرَاء، وإِنْ كَانَ تَاسِعًا؛ لأنَّ الغَرَضَ مِنَ الصَّوْمِ اليَوْمَ العَاشِرَ، وإِنَّمَا يُصَامُ اليَوْمُ التَّاسِعُ مِنْ أَجْلِهِ، فَلَمَّا كَانَ العَاشِرُ هُوَ المَقْصوْدُ غَلَبَ عَلَى التَّاسِعِ اسْمُهُ، وَقَدْ جَاءَ ذلِكَ مُبَيِّنًا في حَدِيثِ ابنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُوْلَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال في يَوْمِ عَاشُوْرَاءَ: "صُوْمُوْهُ وصُوْمُوا يَوْمًا قَبْلَهُ أوْ يَوْمًا بَعْدَهُ وَلَا تَشَبَّهوا باليَهُوْدِ" ومَا حَكَاهُ صَاحِبُ كِتَاب "العَينِ" (1) يُوْجِبُ أَنْ لَا يُقَال: يَوْمَ عَاشُوْرَاءَ؛ لأنَّ فِيهِ إِضَافَةَ الشَّيءِ إِلَى نَفْسِهِ وذَلِكَ مُخَالِفٌ لِلْحَدِيثِ. وَقَدْ جَاءَ في حَدِيثِ ابن أبِي ذِئبٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَال: "لأصُوْمَنَّ عَاشُوْرَاءَ يَوْمَ التَّاسِع" فَأَضَافَ اليَوْمَ إِلَى التَّاسِعِ وَهُوَ هُوَ، والكُوفيُّون يُجِيزُوْنَ مِثْلَهُ (¬2)، وعَلَيهِ تأَوَّلُوا قَوْلَهُ تَعَالى (¬3): {وَحَبَّ الْحَصِيدِ} وَقَوْلَهُم: مَسْجِدُ الجَامِعِ. والبَصْرِيُّون يَتَأَوَّلُوْنَ مِثْلَ هَذَا عَلَى حَذْفِ المُوْصُوْفِ وإِقَامَةِ الصِّفَةِ ¬
[ما جاء في قضاء رمضان والكفارات]
مَقَامَهُ كَأَنَّه قَال: حَبُّ النَّبْتِ الحَصِيدِ، ومَسْجِدُ اليَوْمِ الجَامِعِ، وعَلَى هَذَا يُحْمَلُ يَوْمُ عَاشُوْرَاءَ، أَي: وَقْتُ اليَوْمِ العَاشِرِ، وَوَقْتُ اليَوْمِ التَّاسِع، أَوْ مِسَافَةُ اليَوْمِ العَاشِرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ العَرَبَ تُوْقِعُ اليَوْمَ عَلَى المُدَّةِ الَّتِي مِنْ طلُوع الفَجْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وتُوقعُهُ أَيضًا على كُلِّ وَقْتٍ مِنَ الزَّمَانِ. ويَجُوْزُ أَنْ يَكُوْنَ التَّقْدِيرُ: لأصوْمَنَّ سَحَابَةَ اليَوْمِ العَاشِرِ وسحَابَةَ اليَوْمِ التَّاسِعِ؛ لأنَّ العَرَبَ تَقُوْلُ: طَارَدَهُ سَحَابَةَ يَوْمٍ أَي: مُدَّتَهُ ومِسَافَتَهُ (¬1). [مَا جَاءَ في قضَاءِ رَمَضَان والكَفَّارَات] - قَوْلُهُ: "أفْطَرَ ذَاتَ يَوْمٍ" [44]. فَائِدَتُهُ كَفَائِدَةِ القَوْلِ إنَّه أَفْطَرَ يَوْمًا غَيرَ أنَّ في ذِكْرِ الذَّاتِ فَائِدَةٌ، وَذلِكَ أَنَّ اليَوْمَ يُسْتَعْمَلُ ظَرْفًا وغَيرَ ظَرْفٍ، ويُسْتَعْمَلُ فَيقَعَ عَلَى غَيرِ اليَوْمِ المَعْهُوْدِ فَإِذَا أَرَادُوا أَنْ يُحَقِّقُوا فِيهِ مَعْنَى الظَّرْفِ ويَرْفَعُوا عَنْهُ الاتِّسَاعَ والمَجَازَ زَادُوا عَلَيهِ الذَّاتِ؛ لأنَّ ذَاتِ كُلِّ شَيءٍ حَقِيقَتُهُ، فَكَأَنَّهُ إِذَا قَال: ذَاتُ يَوْمٍ، فَكَأَنَّهُ قَال: يَوْمًا عَلَى الحَقِيقَةِ. - وَقَولُهُ: "الخَطْبُ يَسِيرٌ". الأمْرُ يَسِيرٌ، أَي: القَضَاءُ، وقِيلَ: تَرْكُ القَضَاءِ. واليَسَارَةُ -في هَذَا- مَصْدَرُ يَسُرَ الشَّيءُ فَهُوَ يَسِير: إِذَا قَلَّ. -[وَقَوْلُهُ: "وَمَنْ ذَرَعَهُ القَيءُ" [47]: وَذَرَعَهُ: أَي: غَلَبَهُ. -[وَقَوْلُهُ: "وأَنْ يُوَاتِرَهُ" [48] المُوَاتَرَةُ: المُتَابَعَةُ، واشْتِقَاقُهُ مِنَ الوتْرِ وَهُوَ الفَرْدُ، يُرَادُ بِهَا مَجِيءُ وَاحِدٍ بَعْدَ وَاحِدٍ. ¬
- وَقَوْلُهُ: "مُتَتَابِعَاتٍ أَمْ يَقْطَعُهَا" [49]. وَوَقَعَ في أَكْثَرِ النُّسَخِ: "أَوْ يَقْطَعُهَا" والوَجْهُ "أَمْ" لأنها العَدِيلَةُ لألِفِ الاسْتِفْهَامِ، وعَطَفَ قَوْلَهُ: "أَمْ يَقْطَعُهَا" عَلَى الفِعْلِ المَحْذُوْفِ العَامِلِ في "مُتَتَابِعَات" كَأَنَّهُ قَال: أَيَصُوْمُهَا مُتَتَابِعَاتٍ أَمْ يَقْطَعُهَا، وَنَصبَ "مُتَتَابِعَاتٍ" عَلَى الحَالِ. ومَنْ رَوَى "مُتَتَابِعَاتٌ" بالرَّفعِ جَعَلَهُ خَبَرَ مُبْتَدأٍ مُضْمَرٍ كَأَنَّهُ قَال: هِيَ مُتَتَابِعَاتٌ، وعَطَفَ "يَقْطَعُهَا" عَلَى المَعْنَى، كَأَنَّه قَال: أَيُتَابِعُهَا أَمْ يَقْطَعُهَا، وَقَدْ يَعْطِفُ الفِعْلُ المُضَارعَ عَلَى اسْمِ الفَاعِلِ لِمَا بَينَهُمَا مِنَ المُنَاسَبَةِ كَقَوْلهِ (¬1): {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا} ورُبَّمَا عَطَفُوا الفِعْلَ عَلَى المَصْدَرِ كَمَا قَال امْرُؤُ القَيسِ (¬2): * ... وتَوْ كَافٌ وَتَنْهَمِلَانِ * - و [قَوْلُهُ: "فَتَدْفَعُ دَفْعَة مِنْ دَمٍ عَبِيطٍ"] (¬3). الدَّفْعَةُ -بِفَتْحِ الدَّالِ-: المَصْدَرُ من دَفَعَ. والدُّفْعَةُ -بِضَمِّهَا-: اسمُ مَا يُدْفَعُ مَرَّةً كالحَسْوَةِ والحُسْوَةِ والغَرْفَةِ والغُرْفَةِ. والعَبِيطُ: الطَّرِيُّ، لَحْم عَبِيطٌ، واعتُبِطَ الفَتَى: إِذَا مَاتَ شَابًّا، واعتُبِطَتِ النَّاقَةُ (¬4): نُحِرَتْ مِنْ غَيرِ عِلَّةٍ. ¬
[قضاء التطوع]
[قَضَاءُ التَّطَوُّع] - وَقَوْلُهُ: "كَانَتْ بِنْتَ أَبِيهَا" [50]. أَي: كَانَتْ جَرِيئَةً (¬1) لا تُبَالِي بِقَوْلِ الحَقِّ وَلَا تَسْتَحِي مِنَ السُّؤَالِ عَنْ دِينهَا. - وَقَوْلُهُ: "مِنَ الأعْمَالِ الصَّالِحَةِ؛ الصَّلَاةُ، والصِّيَامُ، والحَجُّ" يَجُوْزُ خَفْضُهَا عَلَى البَدَلِ مِنَ الأعْمَالِ، ويَجُوْزُ رَفْعُهَا عَلَى إِضْمَارِ مُبْتَدَأٍ؛ لأنَّ العَرَبَ تُفَسِّرُ مِثْلَ هَذَا بالبَدَلِ والقَطْعِ كَمَا قَال كُثيِّرٌ (¬2): ¬
* وَكُنْتُ كَذِي رِجَلَينِ رِجْل صحِيحَة * - وَ [قَوْلُهُ: "حَتَّى يَتِمَّ سُبُوْعَهُ"]. وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: "حَتَّى يَتِمَّ سُبُعَهُ" وفي بَعْضهَا: "سُبُوْعَهُ" بالوَاو، والوَجْهُ في هَذهِ الرِّوَايَةِ أَنْ يَكُوْنَ جَمْعَ سُبع كَبُرْدٍ وبُرُوْدٍ، وجُنْدٍ وجُنُوْدٍ، ومَنْ قَال إِنَّه أَرَادَ الأسْبُوع فَقَدْ أَخْطَأَ، إِنَّمَا يُقَالُ: طَافَ بالبَيتِ أُسْبُوْعًا كَذَا ذَكَرَهُ اللُّغَويونَ وأَنكرُوا قَوْلَ عَامَّةِ المَشْرِقِ سُبُوْعًا وَلَيسَ بِبَعِيدٍ أَنْ يَكُوْنَ الرَّاوي اسْتَعْمَلَهُ عَلَى لُغَةِ العَامَّةِ، والفُقَهَاءُ تَسْتَعْمِلُ أَلْفَاظًا كَثيرَةً لا تَجُوْزُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ كَمَا قَال في "بَابِ العَمَلِ في صَدَقَةِ عَامَينِ إِذَا اجْتَمَعَا" يَأْخُذُ المُصَدِّقُ مِنْ الخَمْسِ ذَوْدٍ الصَّدَقَتينِ: وَإِنَّمَا الوَجْهُ: مِنْ خَمْسٍ الذَّوْدِ، أَوْ مِنَ الخَمْسِ الذَّوْدِ. - وَقَوْلُهُ: "وَرَجَعَ حَلَالًا مِنَ الطَّرِيقِ". يُقَالُ: رَجُلٌ حَلَالٌ، أَي: مُحِلٌّ. وحَرَامٌ، أَي: مُحْرِمٌ. - وَقَوْلُهُ: "وكُلُ أحَدٍ دَخَلَ في نَافِلَةٍ". كَذَا الرِّوَايَةُ، وَلَيسَ يُجِيزُ سِيبَوَيهِ وأَصْحَابُهُ وُقُوْعَ [أَحَدٍ] الَّذِي يُرَادُ بِهِ العُمُوْمُ في الإيجَابِ، وإِنَّمَا هُوَ عِنْدَهُمْ مِنَ الألْفَاظِ الَّتِي خُصَّ بِهَا النَّفْيُ، يُقَالُ: مَا جَاءَ أَحَد، وَلَا يَجُوْزُ: جَاءَ أَحَدٌ، والوَجْهُ أَنْ يُجْعَلَ في هَذَا المَوْضِعِ "أَحَدٌ" (¬1) هُوَ الَّذِي يُرَادُ بِهِ مَعْنَى الوَاحِدِ فَإِنَّ "أَحَدًا" الَّذِي بِهَذِهِ الصِّفَةِ يُسْتَعْمَلُ في النَّفْي والإيجَاب كَقَوْلهِ [تَعَالى] (¬2): {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} (¬3) وهَذَا هُوَ المُسْتَعْمَلُ في قَوْلهِمْ: أَحَدَ عَشَرَ وأَجْنَاسُهُ. ¬
[فدية من أفطر في رمضان من علة]
[فِديَةُ مَنْ أفطَرَ في رَمَضَانَ من عِلَّةٍ] - وَ [قَوْلُهُ: إنَّ أَنَسَ بنَ مَالِكٍ كَبِرَ حَتَّى لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ] [51]. يُقَال: كَبِرَ الرَّجُلُ. إِذَا أَسَنَّ بِكَسْرِ البَاء، وكَبُرَ الأمْرُ: إِذَا عَظُمَ بِضَمِّ البَاءِ ومَنْ ضَمَّ البَاءَ في حَدِيثِ أَنَسٍ فَقَدْ أَخْطَأَ. - وَقَوْلُهُ: "وَأَحَبُّ إِلَيَّ أنْ يَفْعَلَهُ" كَذَا الرِّوَايَةُ، وَكَأنَّ الوَجْهُ أَنْ يَقُوْلَ: والأحَبُّ؛ لأنَّ أَفعَلَ الّتِي للمُفَاضَلَةِ إِنَّمَا تُسْتَعْمَلُ بِغَيرِ أَلِفٍ وَلَام إِذَا كَانَ مُضَافًا كَقَوْلكَ: هُوَ أَحْسَنُ النَّاس، أَوْ كَانَتْ مَعَهُ "مِنْ" كَقَوْلكَ: زَيدٌ أَحْسَنُ مِنْ عَمْرٍو، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ كَذلِكَ فَلَا بُدَّ فِيهِ من الألِفِ واللَّامِ، والوَجْهُ في هَذَا أَنْ تُجْعَلَ "أَحَبُّ" لِغَيرِ المُفَاضَلةِ كَأَنَّهُ قَال: وَحَبِيبٌ إِلَيَّ أَنْ لا يَفْعَلَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا مَضَى أَنَّ أَفْعَلَ قَدْ يَجِيءُ لِغَيرِ المُفَاضَلَةِ كَقَوْلنَا في الأذَانِ: اللهُ أَكْبَرُ، بِمَعْنى كَبِيرٌ وكَقَوْلهِ [تَعَالى] (¬1): {هُمْ أَرَاذِلُنَا} أي: الأرَاذِلُ الَّذِي كَانُوا فِينَا، وَلَوْ أَرَادَ المُفَاضَلَةَ لَجَعَلُوا لأنْفُسِهِمْ حَظًّا مِنَ الرَّذَالةِ. (جَامِعُ قَضَاءِ رَمَضَان) قَوْلُ عَائشِةَ: "إنْ كَانَ لَيَكُوْن" [54]. "إِن" ههنَا مُخَفَّفَةٌ مِن الثَّقِيلَةَ لا تَعْمَلُ شَيئًّا، واللَّام لَامُ التّأْكِيدِ (¬2)، وفي "كَان" ضمِيرُ الأمْرِ والشَّأْنِ. وَقَال الكُوْفِيُّونَ: "إِنْ" ها هنَا بِمَنْزِلَةِ "مَا" واللَّامُ بِمَعْنَى "إلا" قَال: ويَجُوْزُ أَنْ تَكُوْنَ "إِنْ" ¬
(جامع الصيام)
هَذهِ الَّتِي تَعْمَلُ مُخَفَّفَةً عَمَلَهَا مُثقَّلَةً، ويُضْمَرُ اسمُهَا، وتُجْعَلُ "كَانَ" زَائِدَةً كَأَنَّهَا قَالتْ: إِنهُ لَيَكُوْنُ عَلَيَّ، وهَذَا الضمِيرُ الَّذِي يُسَمِّيهِ الكُوْفِيُّوْنَ المَجْهُوْلَ (¬1)، وَهُوَ كَالَّذِي في قَوْلهِ تَعَالى (¬2): {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا} عَلَى هَذَا رَوَى بَعْضُهُمْ: "إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاس عَذَابًا يَوْمَ القِيَامَةِ المُصَوِّرُوْن" بالرَّفْعِ عَلَى مَعْنَى إِنَّه، وأَكْثَرُ مَا يَجِيءُ حَذْفُ هَذَا الضَّمِيرِ فِي الشِّعْرِ. (جَامَعُ الصِّيام) -[قَوْلُهُ: "فَإِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا لَا يَرْفُثُ ... "] [57]. الرَّفَثُ - هُنَا -: الكَلَامُ القَبِيحُ .. والجَهْلُ: ضِدُّ الحِلْمِ، وَهُوَ أَنْ يَدَعَ الصَّبْرَ ويُؤثر [الانتصار]؟ (¬3). ويَكُوْنُ الجَهْلُ في مَوْضعٍ آخرَ: ضِدُّ العِلْمِ، وَلَيس هَذَا مَوْضِعَهُ، وهُمَا رَاجِعَانِ إِلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ. وَقَدْ يَكُوْنُ الرَّفَثُ: الجِمَاعُ، ولَيس هَذَا أَيضًا مَوْضِعَهُ. - و"الجُنَّةُ" السِّتْرُ، قَال قَوْمٌ: إِنَّه المِجَنَّةُ مِنَ النَّارِ (¬4). والأشْبَهُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ في هَذَا الحَدِيثِ جُنَّةٌ بَينَ الصَّائِمِ وبَينَ الآثَامِ والفَوَاحِشِ يَحُوْلُ بَينَهُ وَبَينَهَا. ولِتكرِيرِهِ "إِنِّي صَائِمٌ" وَجْهَانِ: أَحَدَهُمَا التّأْكِيدُ. والثَّانِي: أَنْ يُرِيدَ مُعَاتَبَةَ نَفْسِهِ كُلَّمَا هَمَّتْ بالمُرَاجَعَةِ، وَلَيسَ المرَادُ بِهِ أَن يَقُوْلَ ذلِكَ في مَرَّةٍ وَاحِدَةً وَلكِنَّ المُرَادَ أَنْ يَقُوْلَ ذلِكَ في كُلِّ وَقْتٍ يَعْرِضُ لَهُ ذلِكَ. ¬
-[قَوْلُهُ: "لَخُلُوْفَ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ ... " [58]. والخُلُوْفُ -بِضَمِّ الخَاءِ-: التَغَيُّرُ والرَّائِحَةُ، وَمَنْ فَتَحَ الخَاءَ فَقَدْ أَخْطَأ، وإِنَّمَا هُوَ بالضَمِّ، مَصْدَرُ خَلَفَ يَخْلُفُ خُلُوْفًا، نَظِيرُهُ: قَعَدَ يَقْعُدُ قُعُوْدًا، وَلَيسَ مِنَ المَصَادِرِ الَّتي جَاءَتْ عَلَى فُعُوْلٍ شَيءٌ مَفْتُوْحُ الفَاءِ إلَّا أَلْفَاظًا مَحْصُوْرَةً شَذَّت عَنْ مَا عَلَيهِ الجُمْهُوْرُ وَهِيَ: الوَضُوْءُ، والطَّهُوْرُ، والوَقُوْدُ، والوَلُوع، والوَزُوْعُ، ولَا يَصِحُّ أَنْ يُقَال: الخَلُوْفُ بِفَتْحِ الخَاءِ؛ إلا أَنْ يُبْنَى مِنْ خَلَفَ اسْمُ فَاعِلٍ يُرَادُ بِهِ المُبَالغَةُ في الشَّيء، كَمَا يُقَالُ: ضَرُوْبٌ وَكَذُوْبٌ وَقَتُوْلٌ لِلْمُبَالغَةِ في الكَذِبِ والضَّرْبِ والقَتْلِ. - وَ"الفَمُ" لا يُسْتَعْمَلُ بالمِيمِ إلَّا إِذَا كَانَ مُفْرَدًا غَيرَ مُضاف فَإِنْ أُضِيفَ استُعْمِلَ بحُرُوفِ اللِّينِ فَقِيلَ: فُوْكَ، وفِيكَ، وفَاكَ. ورُبَّمَا اسْتُعْمَلَ فَمُكَ بالإضَافَةِ بالمِيمِ كَمَا قَال (¬1): * يُصْبِحُ ضَمْآنَ وَفِي البَحْرِ فَمُهْ * وَلَمْ يُسْمَعْ في حَالِ الإفْرَادِ مُسْتَعْمَلًا بِحُرُوْفِ اللِّينِ إلَّا في قَوْلِ العَجَّاجِ (¬2): ¬
* خَالطَ من سَلْمَى خَيَاشِيمَ وَفَا * ومَعْنَى هَذَا الحَدِيثِ: إِنَّ خُلُوْفَ فَمِ الصَّائِمِ -إِنْ كَانَ قَبِيحًا في نَفْسِهِ- فَإِنَّ فَضِيلَةَ الصَّوْمِ قَدْ حَسَّنَتْهُ حَتَّى صَارَ مَرْتَبَتُهُ عِنْدَ اللهِ في الأسْمَاءِ الحَسَنَةِ كَمَرْتَبَةِ المِسْكِ عِنْدَ المَخْلُوْقِينَ. - وَ [قَوْلُهُ: "وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ"] [59]. مَعْنَى: "وَصُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ": غُلِّلَتْ، ويُقَالُ: صَفَدْتُ الرَّجُلَ وصَفَّدْتُهُ -مُخَفَّفًا ومُشَدَّدًا - إِذَا غَلَلْتُه والغِلُّ: الصَّفَدُ والصَّفَادُ. و"الشَّيَاطِينُ": لَفْظَةٌ مُشْتَرَكَةٌ لَهَا ثَلَاثَةُ مَعَانٍ: أَحَدُهَا: مَرَدَةُ الجِنِّ. والثَّانِي: مَرَدَةُ الإنْسِ قَال [تَعَالى] (¬1): {شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ}. وَقَال الرَّاجِزُ: أَبْصَرْتُهَا تَلْتَهِمُ الثُّعْبَانَا شَيطَانَةٌ تزَوَّجَتْ شَيطَانَا ¬
والثَّالِثُ. أَنَّ العَرَبَ تُسَمِّي الأخلَاقَ الرَّدِيئَةَ والعَادَاتِ السَّيئةَ شَيَاطِينَ وَجِنًا، ودُهَاةَ الرِّجَالِ. جِنًّا وَشَيَاطِينَ. والتَّصفِيدُ يُسْتَعْمَلُ مَجَازًا وَحَقِيقَةً فالحَقِيقَةُ قَدْ تَقَدَّمَتْ، وَمَجَازًا كَقَوْلهِ تَعَالى (¬1): {فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا}. والمَجَازُ: يَكُوْن بِمَعْنَى المَنْعِ مِنَ الشَّيءِ والرَّدْعِ عَنْهُ، وكَذْلِكَ الغِلُّ والسِّلْسِلَةُ يُسْتَعْمَلَانِ حَقِيقَةً وَمَجَازًا كَقَوْلهِ تَعَالى: {فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا} وَقَوْلهِ [تَعَالى] (¬2): {غُلَّتْ أَيدِيهِمْ} وقَال أَبُو خِرَاشٍ (¬3): * ولكِن أَحَاطَتْ بالرِّقَابِ السَّلَاسلُ * أَرَادَ بالسَّلَاسلِ: حُدُوْدَ الإسْلَامِ المَانَعَةِ مِنَ التَّعَدِّي (¬4). وهَذِهِ الثَّلَاثَةُ الأصْنَافُ مِنَ الشَّيَاطِينِ مَكْفُوْفَةٌ وفي رَمَضَان عَلَى الأغلَبِ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ والأعَمِّ لَيسَ لَهَا من التَّسَلُّطِ فِيهِ مَا لَهَا في غَيرِهِ. وَالنَّاسُ ثَلَاثَةُ أَصنَافٍ؛ صِنْفٌ مُخْلِصٌ لا سُلْطَانَ لِلشَّيطَان عَلَيهِم في رَمَضَان ولَا في غَيرِهِ. وصِنْفٌ فُسَّاقٌ مُسْتَهْزِؤُوْنَ (¬5) يَكُفُّوْنَ خَوْفًا مِنَ الحُدُوْدِ وَرِيَاءَ النَّاسِ. وَصِنْفٌ غَيرُ مُسْتَهْزئينَ يَطمَعُوْنَ في رَمَضَان بالتَّوْبَةِ وأَنْ يُكَفرَ صَوْمُهُم رَمَضَانَ ذُنُوبَهُم فيُقْلِعُوْنَ بَعْضَ الإِقْلَاع ويَلْزَمُوْنَ الصَّلَوَاتِ فَلَيسَ للشَّيَاطِين مِنَ القُوَّة في رَمَضان والتَّأثِيرِ مَا لَهَا في غَيرِه، وَقَدْ قَال - عليه السلام -: "سُدُّوا مَحَارِبَهُ بِكَثرةِ الصَّوْمِ". ¬
ومن (كتاب الاعتكاف)
وَمِنْ (كِتَاب الاعْتكَافِ) (¬1) [قَضَاء الاعْتِكَافِ] قَوْلُهُ: "آلبِرَّ تَقُوْلُوْنَ بِهِنَّ" [7]. كَلَامٌ فيه اخْتِصَارٌ، وتَقْدِيرُهُ: البَرَّ تَقُوْلُوْنَ بِهِنَّ مَا هُوَ بَيِّنٌ. وَرَوَاهُ غَيرُ مَالِكٍ: "البِرَّ تُرِدْنَ" أَوْ "يُرِدْنَ" وهَذِه هَمْزةُ الاسْتِفْهَام دَخَلَت هُنَا عَلَى مَعْنَى التَّقْرِيرِ والتَّوْبِيخُ. والعَرَبُ تَسْتَعْمِلُ القَوْلَ بِمَعْنَى الظَّنِّ إِذَا كَانَ فِعْلًا مُضَارِعًا، وَكَانَ لِلْمُخَاطَبِ خَاصَّة، وَمِنَ العَرَبِ يُجْرِي القَوْلَ كُلَّهُ مُجْرَى الظَّنِّ وَكَانَتْ مَعهُ أَدَاةٌ مِنْ أَدَوَاتِ الاسْتِفْهَامِ، فَيَقُوْلُوْنَ: أَتَقُوْلُ زَيدًا مُنْطَلِقًا كَمَا قَال هُدْبَةُ (¬2): ¬
* مَتَى تَقُوْلُ القُلُصُ الرَّوَاسِمَا * وَمِنَ العَرَبِ (¬1) مَنْ يُجْرِي القَوْلَ كُلَّهُ مُجْرَى الظَّن كَيفَمَا تَصَرَّفَ. - و"الاعْتِكَافُ": الدُّؤُوْبُ والمُلَازَمَةُ، عَكَفَ عُكُوفًا وواعْتكَفَ اعْتِكَافًا. - "لَيلَة القَدْرِ": لَيلَةُ الحُكْمِ والتَّقْدِيرِ؛ لأنَّ الله تَعَالى يُقَدِّرُ فِيهَا وَيُفَصِّلُ مَا يَكُوْنُ مِنَ السَّنَةِ إِلَى السَّنَةِ القَابِلَةِ، وَهِيَ اللَّيلَةُ المُبَارَكَةُ، يُقَالُ: قَدَرْتُ الشَّيءَ ¬
[ما جاء في ليلة القدر]
قَدْرًا وقَدَرًا، وقَدَّرْتُ تَقْدِيرًا، ويَجُوْزُ أَنْ يَكُونَ القَدْرُ مَصْدَرًا والقَدَرُ اسمٌ. [مَا جَاءَ في لَيلَةِ القَدْرِ] - وَ [أمَّا قَوْلُهُ: "يَعْتكفُ العَشْرَ الوُسَطَ" [92] الوُسَطُ: جَمْعُ الوُسْطَى، والكُبَرُ: جَمْعُ الكُبْرَى، ومَنْ رَوَاهُ: "الوُسْطَى" أَجْرَى جَمَاعَةَ مَنْ لا يَعْقِلُ مَجْرَى الوَاحدِةِ مِمَّنْ يَعْقِلُ، والعَرَبُ تَفْعَلُ ذلِكَ فَتَقُوْلُ: الجمَالُ ذَهَبَتْ، وَقَدْ يَصِفُوْنَ الجَمْعَ بِصِفَةِ الوَاحِدِ حَمْلًا عَلى مَعْنَى الجَمْعِ، وَمِنْهُ: {مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا} (¬1) و {أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِر} (¬2) ورُبَّما (¬3) فَعَلُوا ذلِكَ فِيمَنْ يَعْقِلُ وَهُوَ قَلِيلٌ، وعَلَى هَذَا التّأْويلِ تَتَوَجَّهُ رِوَايَةُ مَنْ رَوَى "الأوْسَطِ". - وَقَوْلُهُ: "حَتَّى إذَا كَانَ لَيلَةُ إِحْدَى وعِشْرِين" فالقِيَاسُ: لَيلَةَ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ؛ لأنَّه إِنَّمَا يُرَادُ لَيلَةُ اليَوْمِ الحَادِي والعِشْرِين. واليَوْمُ مُذَكَّرٌ. - وَقَوْلُهُ: "رَأيتُنِي": سِيبَوَيهِ لا يُجِيزُ تَعَدِّي فِعْلَ ضمِيرِ الفَاعِلِ المُتَّصِلِ إِلَى ضَمِيرِ نَفْسِهِ المُتَّصِلِ إلَّا في الأفْعَالِ المُتَعَدِّيّةِ إِلَى مَفْعُوْلَينِ مِمَّا هُوَ دَاخِلٌ عَلَى مُبْتَدَأٍ وَخَبَرٍ نَحْوَ: ظَنَنْتُنِي خَارِجًا وَنَحْوَهُ، ولَا يَجُوْزُ ضَرَبْتُنِي، وإِنَّمَا يَجُوْزُ: ضَرَبْتُ نَفْسِي، وإِنَّمَا جَازَ ذلِكَ في الرُّؤْيَةِ هُنَا؛ لأنَّهَا كَانَتْ في النَّوْمِ فَجَرَتْ مَجْرَى رُؤْيَةِ العِلْمِ؛ لِمُضَارَعَتِهَا لَهَا، وَقَدْجَاء ذلِكَ في رُؤْيَةِ العَينِ نَفْسِهَا في قَوْلِ عَنْتَرَةَ (¬4): ¬
* فَرَأَيتُنَا مَا بَينَنَا مِنْ حَاجِزُ * وَعَلَى تَأْويلِ قِرَاءَةِ {يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيهِمْ رَأْيَ الْعَينِ} (¬1): في قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ باليَاءِ. - قَوْلُهُ: "عَلَى عَرْشٍ". يُرْوَى: "عَرِيشٍ"، وهُمَا هاهنَا سَوَاءٌ. وَحَقِيقَةُ العَرِيشِ أَنّه المَعْرُوْشُ، وَحَقِيقَةُ العَرْشِ: المَصْدَرُ مِنْ عَرَشْتُ الكَرْمَ وغَيرَهُ، ثُمَّ يُسَمَّى المَعْرُوْشُ عَرْشًا بالمَصْدَرِ مُبَالغَةً، كَمَا قَالُوا: رَجُل عَدْلٌ - وَ [قَوْلُهُ: "وَتَحَرَّوا لَيلَةَ ... "] [10]. تَحَرَّوا: قَصَدُوا. - وَ [قَوْلُهُ: [إِنِّي رَجُلٌ شَاسِعٌ الدَّارِ"] [12] الشَّاسِعُ: البَعِيدُ شَسَعَ شُسُوْعًا. - قَوْلُهُ: "فَمُرْنِي بِلَيلَةٍ أَنْزِلُ" (¬2) يَجُوْزُ في "أَنْزِلُ" الرَّفْعُ، وَهِيَ الرِّوَايَةُ، ¬
ومَوْضِعُهُ خَفْضٌ الصِّفَةِ لِلَيلَةٍ، ويَجُوْزُ فِيهِ الجَزمُ عَلَى جَوَاب الرَّغْبَةِ والطَّلَبِ، وكَأَنَّهُ قَال: مُرْنِي فَإِنَّ أَمَرْتَنِي أَنْزِلْ. وَمِثَالُ الرَّفْعِ قَوْلُهُ [تَعَالى] (¬1): {وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} إلا أنَّ {يَعْمَهُونَ} في مَوْضِعِ الحَالِ. ويَجُوْزُ أَنْ يَكُوْنَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، أَعْنِي قَوْلَكَ: "أَنْزِلُ" عَلَى خبَرِ مُبْتَدَأٍ مُضْمَرٍ كَأَنَهُ قَال: فَأَنَا أَنْزِلُ. وَمِثَالُ الجَزْمِ قَوْلُهُ [تَعَالى] (¬2): {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا}. - وَ [قَوْلُهُ: "حَتَّى تَلاحَى رَجُلانِ"] [13]. تَلاحَى: تَشَاتَمَ وتَسَابَّ. - وَ [قَوْلُهُ: "فَرُفِعَتْ"] مَعْنَى رُفِعَتْ: رُفِعَ عَلَمُهَا، والعَرَبُ إِذَا حَذَفَتْ المُضَافَ أَقَامَتْ المُضَافَ إِلَيهِ مَقَامَهُ وَنَسَبَتْ إِلَيهِ مَا كَانَ المَنْسُوْبُ إِلَى مَحْذوْفٍ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالى (¬3): {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}. - وَقَوْلُهُ: "قَدْ تَوَاطَيتُ" [14] بِغَيرِ هَمْزٍ، الوَجْهُ: تَوَاطَأْتُ بالهَمْزِ، ولكِنَّهُ جَائِزٌ عَلَى لُغَةِ مَنْ قَال: قَرَيتُ وأَخْطَيتُ، وأَكْثَرُ مَا يَجِيءُ في الشِّعْرِ كَقَوْلِ زُهَيرٍ (¬4): * ... وإلَّا يُبْدَ بالظُّلْمِ يَظْلِمِ * ¬
من (كتاب النذور)
مِنْ (كِتَابِ النُّذور) (¬1) النُّذُوْرُ: جَمْعُ نَذْرٍ، والنَّذْرُ: مَصْدَرُ نَذَرْتُ أَنْذِرُ وأَنْذُرُ، ثُمَّ سُمِّيَ مَا يَجْعَلُهُ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ نَذرًا، كَمَا قِيلَ: الخَلْقُ والكَسْبُ. والنَّذْرُ مِنَ الألْفَاظِ الَّتي أَقَرَّهَا الإسْلَامُ عَلَى مَعْنَاهَا في الجَاهِلِيّةِ؛ لأنَّهَا كَانَتْ تَسْتعْمِلُهَا وتَلْزَمُ الوَفَاءَ بهَا. [ما يجب من النذور في المشي] - وَ [قَوْلُهُ: "لِجِرْو قِثَّاءً بيَدِهِ"] [3]. يُقَالُ: قِثَّاءٌ وَقُثَّاءٌ بِكَسْرِ القَافِ وضَمِّهَا، وَقَرَأَ يَحْيَى بنُ يَعْمُرَ (¬2): {وَقِثَّائِهَا} بِضَمِّ القَافِ. وقَوْلُهُ: "جَرْو قُثَّاءٍ" كَلَامٌ فِيّهِ حَذْفٌ، التَّقْدِيرُ: مُشْبِهِينَ لِجَرْو (¬3) قُثَّاءٍ، فاللَّامُ مُتَعَلَّقَةٌ بِمَا دَلَّتْ عَلَيهِ ¬
[فيمن نذر مشيا إلى بيت الله فعجز]
لَفْظَةُ "هَذَا" مِنْ مَعْنَى الإشَارَةِ. [فِيمَنْ نَذَرَ مَشْيًا إلى بيتِ اللهِ فَعَجَزَ] - وَقَوْلُهُ: "فَأَصَابتنِي خَاصِرَةٌ" [5]. أي: عِلَّةٌ عَرَضَتْ لَه فُي خَصْرِه، ويُقَالُ: خَصَرْتُ الرَّجُلَ وبَطَنْتُهُ وصَدَرْتُهُ: إِذَا ضَرَبْتَهُ في أَحَدَ هَذِه الأعْضَاءِ. وَوَقَعَ في بَعْضِ رِوَايَاتِ "المُوَطَّأ": "حَاصِرَةٌ"؛ كأَنَّه أَرَادَ: عِلَّةً حَصَرَتْه عُنِ السَّفَرِ أَي: مَنَعَتْهُ، وَكَانَ القِيَاسُ: مُحْصِرَةٌ؛ لأنَّ المَشْهُوْرَ أَحْصَرَهُ المَرَضُ، وَلَا يُقَالُ حَصَرَهُ إلَّا في العَدْوِّ، فَإِنْ صَحَّت هَذهِ الرِّوَايَةُ فَوَجْهُهَا أَنْ يَكُوْنَ حَصَرَ وأَحْصَرَ لُغَتين (¬1). والثَّانِي: أَن يَكُوْنَ عَلَى مَعْنَى النَّسَبِ كَقَوْلهِمْ: أَمْحَلَ البَلَدُ، وأَوْرَسَ الشَّجَرُ فَهُوَ مَاحِلٌ وَوَارِسٌ، والقِيَاسُ مُمْحِلٌ وَمُوْرِسٌ، وَمِنْه [قوله تعالى: ] (¬2) {لَوَاقِحٌ} وَكَانَ القِيَاسُ مَلَاقحَ. - وَقَوْلُهُ: "أوْ شَاةٍ إنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا هِيَ" كَذَا وَقَعَ، والصَّوَابُ: إلا إِيَّاهَا؛ لأنَّ "هِيَ" مِنْ ضَمَائِرِ الرَّفْعِ. - وَقَوْلُهُ: "أنَا أحْمِلُكَ إلَى بيتِ اللهِ" هَذِه لَفْظَة مُشْتَرَكَةٌ؛ يُقَالُ: حَمَلْتُ الشَّيءَ: إِذَا وَضَعْتَهُ فَوْقَ ظَهْرِكَ أَوْ رَأْسِكَ، أَوْ عُضْوٍ مِنْ أغْضَائِكَ كَقَوْلكَ: حَمَلْتِ الدَّابَّةُ الحِمْلَ، والمَرْأَةُ الوَلَدَ، ويُقَالُ أَيضًا: حَمَلْتُ الرَّجُلَ: إِذَا أعْطَيتُهُ مَا يَرْكَبُ، وَمِنْهُ: حَمَلَ السَّلْطَانُ فُلَانًا عَلَى فَرَسٍ، ويُقَالُ أَيضًا: حَمَلْتُ الرَّجُلَ: إِذَا آوَيتُهُ إِلَى نَفْسِكَ وتَكَلَّفتَ لَهُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيهِ. وَحَمَلْتُهُ: إِذَا كَفَيتَهُ أَمْرَ مَا يُرِيدُ أَنْ يَحْمِلَهُ، فَإِنْ أَرَدْتَ أَنّكَ أَعَنْتَهُ عَلَى حَمْلِهِ قُلْتُ: أَحْمَلْتُهُ، ولِذلِكَ مَا احْتَاجَ مَالِكٌ إِلَى تَأْويلِهَا. ¬
[اللغو في اليمين]
- وَ [قَوْلُهُ: "أَنَّهُ إذَا عَجَزَ رَكِبَ"] يُقَالُ: عَجَزَ الرَّجُلُ يَعْجِزُ، وَلَا يُقَالُ: عَجِزَ -بِكَسْرِ الجِيمِ وَفَتْحِهَا في المُسْتَقْبَلِ- إلا إِذَا عَظُمَتْ عَجِيزَتُهُ. - وَقَوْلُ مَالِكٍ: "وَنَرَى عَلَيهَا مَعَ ذلِكَ" [4]. مَعْطُوْفٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ ابنِ عُمَرَ. والعَرَبُ تَسْتَعْمِلُ مِثْلَ هَذَا إِذَا أَرَادَ المُخَاطَبُ أَنْ يَزِيدَ في كَلَامِ المُخْبِرِ مَا أَغْفَلَهُ أَوْ مَا يَرَى المُخَاطَبُ أَنّه يَجِبُ أَنْ يُزَاد فيه. و"الكَفَّارَةُ" فَعَّالةٌ مِنْ كَفَّرْتُ الشَّيءَ -لِلمُبَالغَةِ كَقَتَّالٍ وضَرَّابٍ-: إِذَا سَتَرْتَهُ؛ لأنَّهَا تُذْهِبُ الإثْمِ وتَقِي مِنْ عِقَابِ الله، وَكَانَ القِيَاسُ أَنْ يُقَال: مُكَفِّرَةٌ؛ لأنَّهَا مِنْ كَفَّرْتُ أُكَفِّرُ تَكْفِيرًا، ولكِنَّهَا جَاءَتْ عَلَى حَذْفِ الزَّوائِدِ كَمَا قِيلَ: دَرَّاكٌ مِنْ أَدْرَكَ، وَجَاءَتْ بِلَفْظِ التّأْنِيثِ؛ لأنَّهُمْ ذَهَبُوا بِهَا إِلَى مَعْنَى الحَسَنَةِ الَّتِي من شَأْنِهَا أَنْ تُذْهِبَ السَّيِّئَةَ. [اللَّغْوُ في اليَمِينِ] وَأَصْلُ اليَمِينِ: اليَدُ، ثُمَّ سُمِّيَتْ القُوَّةُ يَمِينًا؛ لأنَّ قُوَّةَ كُلِّ شَيءٍ في مَيَامِنِهِ، وَعَلَى مَعْنَى القُوَّةِ تأَوِّلَ فِي قَوْلهِ [تَعَالى] (¬1): {مَطْويَّاتٌ بِيَمِينِهِ} ثُمَّ سُمِّيَ الحَلِفُ (¬2) عَلَى الشَّيءِ يَمِينًا؛ لأنَّ الحَالِفَ يَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى مَا يُرِيدُ. - وَ"الحَلِفُ": من قَوْلهِمْ: سِنَانٌ حَلِيفٌ: إِذَا كَانَ شَدِيدًا؛ سُمِّيَتْ بِدْلِكَ؛ لأنَّهَا تَعْرُص عِنْدَ حِدَّةُ الأخْلَاقِ وَثَوَرَانُ الغَصبِ، وَسُمِّيتْ قَسَمًا؛ لأنَّ الحَالِفَ ¬
بِهَا كَثيرًا مَا يُحَاولُ بِهَا تَحْسِين الشَّيءِ وَتَزْيِينَهُ فَهِيَ مُشْتَقَّة مِنْ قَوْلهِمْ: رَجُلٌ قَسِيمٌ: إِذَا كَانَ جَمِيلًا، وَوَجْة مُقَسَّم، والقَسَامُ: الحُسْنُ. - وَ"الغَمُوْسَ": فَعُولٌ لِلْمُبَالغَةِ من الغَمْسِ في الإثْمِ. - وَ"اللَّغْوُ": الشَّيءُ المُطَّرَحُ، ومِنْ ذلِكَ قِيلَ لِلشَّيءِ القَبيحِ: لَغْوٌ ولَغىً؛ لأنَّ الآذَانَ تَمُجُّهُ وَلَا تُرِيدُ سَمَاعَهُ، وسُمِّيَتِ اليَمِينُ بذلِكَ؛ لأنَّ الحَالِفَ لَمْ يَعقِدْ عَلَيهَا نِيَّة، وأَصْلُ اللَّغْو واللَّغَى: أَصْوَاتُ الطَّيرِ ولَغَطُهَا، وضِدُّهَا اليَمِينُ المُعَقَّدَةُ؛ لأنَّ الحَالِفَ عَقَدَ عَلَيهِا نِيَّتَهُ كَمَا يَعْقِدُ الحَبْلَ. - وَ"الاسْتِثْناءُ" اسْتِفْعَالٌ مِنْ ثنَيتُ الشَّيءَ: إِذَا عَطَفْتُهُ؛ كَأَنَّ الحَالِفَ عَقَدَ عَلَى نَفْسِهِ أَمْرًا ثُمَّ عَطَفَ عَلَيهِ فَحَلَّهُ بالاسْتِثناءِ، والثنيُ والثنوَى: إِذَا فَتَحْتَ أَوَّلَهُمَا فَهِيَ بالوَاو، وإِذَا ضَمَمْتَ فَهِيَ باليَاءِ، وَهِيَ بِمَعْنَى الاستِثناءِ. - وَ [قَوْلُهُ: "لَمْ يَحْنَثْ"] [10] أَصلُ الحِنْثُ: الذَّنْبُ العَظِيمِ، وَبُلُوغُ الحِنْثِ: بُلُوغُ التَّكْلِيفِ والمُؤَاخَذَةِ عَلَى الذُّنُوْبِ، وَكَأَنَّ الحَانِثَ في اليَمين أتى ذَنْبًا بِنْقْضِهِ مَا كَانَ عَقَدَهُ عَلَى نَفْسِهِ، ويُقَالُ: حَنِثَ يَحْنَثُ بِكَسْرِ النُّوْنِ في المَاضِي فَتْحِهَا في المُسْتَقْبَلِ. - وَ [قَوْلُهُ: "وَيكُوْنُ ذلِكَ نَسَقًا مُتَتَابِعًا" [11]. النَّسَقُ: المُتَتَابع بَعْضُهُ إِثْرَ بَعْضٍ. والنَّسْقُ: المَصْدَرُ، وَرُبَّمَا فَتَحُوا في المَصْدَرِ السِّينَ. - وَقَوْلُهُ: "حَتَّى يكُوْنَ قَلْبُهُ مُضْمَرًا عَلَى الشِّرْكِ" [10] أي: مُنْطَويًا عَلَيهِ، بِكَسْرِ المِيمِ، وَمَنْ قَال: مُضْمَرًا -بِفَتْحِ المِيمِ- أَرَادَ مَطْويًّا. - وَقَوْلُهُ: "فَرَأى خَيرًا مِنْهَا" [11] الرُّؤْيَةُ - هاهنَا - بِمَعْنَى الاعْتِقَادِ، مِنْ قَوْلهِمْ: فُلَان يَرَى رَأْيَ مَالِكٍ، أي: يَعْتَقِدُهُ، وَهِيَ تَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُوْلِ وَاحِدٍ، وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُوْنَ بِمَعْنَى العِلْمِ ويَكُوْنُ المَفْعُوْلُ الثَّانِي قَدْ سَقَطَ لِلرَّاوي، وَقَدْ خَرَّجَهُ
مُسْلِمٌ فَقَال فِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأى غَيرَهَا خَيرًا مِنْهَا". - وَقَوْلُهُ: "وَاللهِ لَا أنْقُصُهُ" هُوَ مَفْتُوْحُ الهَمْزَةِ مَضْمُوْمُ القَافِ، مِنْ نَقَصَ ينقصُ، قال تعالى (¬1): {أَو انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا} والعَامَّة تَقُوْلُ: أَنْقَصَ يُنْقِصُ رُبَاعِيًّا، وَهُوَ خَطَأٌ لَمْ يُسْتَعْمَلْ مِنْهُ رُبَاعِيٌّ. - وَقَوْلُهُ: "أَنْتِ الطَّلَاقُ" الوَجْهُ أَنْ يُقَال: أَنْتِ طَالِقٌ، وَلكِنَّ العَرَبَ تَضَعُ المَصَادِرَ مَوْضِعَ أَسْمَاءِ الفاعِلِينَ والمَفْعُوْلينَ مُبَالغَةً في المَعَانِي فَيَقُوْلُوْنَ (¬2): رَجُلُ صوْمٌ وَعَدْلٌ، أَي: صَائِمٌ وَعَادِلٌ، فَيَجْعَلُوْنَهُ كَأَنَّهُ هُوَ الصَّوْمُ والعَدْلُ: لِكَثرةِ وُقُوْعِهِمَا مِنْهُ. - وَقَوْلُهُ: "إنْ كَسَوْتُكِ هَذَا الثَّوْبَ (¬3) ولَا أذِنْتُ لَكِ إلَى المَسْجِدِ" والصَّوابُ: وأَذِنْتُ لَكِ بإِسْقَاطِ "لا" وَلَا وَجْهَ لِدُخُوْلِ "لا" في هَذَا المَوْضِع إلَّا عَلَى وَجْهِ الزِّيَادَةِ كَالَّتِي في قَوْلهِ [تَعَالى] (¬4): {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيءٍ} و {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ} (¬5). - وَ [قَوْلُهُ]: "كَانَ ذلِكَ لَا يَضُرُّ بِزَوْجِهَا" هَذَا الفِعْلُ إِذَا اسْتُعْمِلَ رُبَاعِيًّا عُدِّيَ بالبَاءِ فَقِيلَ: أَضَرَّ بِهِ أَي: أَلْصَقَ بِهِ الضَّرَرَ، وإِذَا اسْتُعْمِلَ ثُلَاثِيًّا عُدِّيَ بِغَيرِ حَرْفٍ فَقِيلَ: ضَرَّه يَضُرُّهُ. ¬
[العمل في كفارة اليمين]
[العَمَلُ في كَفَّارَةِ اليَمِينِ] - وَ [قَوْلُهُ: "مَنْ حَلَفَ بِيَمِينٍ فَلَمْ يُؤَكِّدْهَا"، [12]، يُقَالُ: وَكَّدْتُ اليَمِينَ تَوْكِيدًا وأَكَّدْتُهَا تأْكِيدًا. - وَ [قَوْلُهُ: "لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ" المُدُّ الأصْغَرُ مُدُّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، والمُدُّ الأكْبَرُ: مُدُّ هِشَامِ بنِ إِسْمَاعِيلَ المَخْزُوْمِيِّ (¬1) أَمِيرِ المَدِينَةِ لِبَني مَرْوَانَ، وَهُوَ مُدّ وثُلَثَانِ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. - وَ [قَوْلُهُ: "أَوْ كسْوَةَ عَشَرَةِ ... "]. يُقَالُ: كِسْوَةٌ وكُسْوَةٌ. - وَقَوْلُهُ: "كَسَاهُمْ ثَوْبًا ثَوْبًا ... وَكَسَاهُنَّ ثَوبينِ ثَوْبينِ" [13]. هَذِهِ مَسْأَلةُ من النَّحْو غَامِضَةٌ؛ لأنَّ المَفْعُوْلَ الثَّانِي لـ"كَسَوْتُ" ها هنَا جَاءَ مُفَصَّلًا كَمَا جَاءَتِ الحَالُ مُفَصَّلَةً فِيمَا حَكَاهُ سِيبَوَيهِ (¬2): بَيَّنْتُ لَهُ حِسَابَهُ بَابًا بَابًا، أي: مُنَوِّعًا هَذَا التّنويع، وَلَقِيتُ القَوْمَ رَجُلًا رَجُلًا أي: مَرَتَّبِينَ هَذَا التَّرْتيبِ، وَكَمَا نَابَ الاسْمَانِ مَعًا مَنَابَ خَبَرَ المُبْتَدَأ المُفْرَدِ مِنْ قَوْلهِمْ: هَذَا حُلْوٌ حَامِضٌ، وَلَوْ أَدْخَلْتَ عَلَى هَذِه المَسْأَلةِ "ظَنَنْتُ" و"كَانَ" [و"إِنَّ"] فَقُلْتَ: ظَنَنْتُ هَذَا حُلْوًا حَامِضًا، وَكَانَ هَذَا حُلْوًا حَامِضًا، وإِنَّ هَذَا حُلْو حَامِضٌ، لَكَانَا جَمِيعًا نَائِبَينِ مَنَابَ المَفْعُوْلِ الثَّانِي لـ"ظَنَنْتُ" وَمَنَابَ الخَبَرِ لِـ"كَانَ" وَلِـ"إِنَّ". ¬
ومن (كتاب الجهاد)
وَمِنْ (كِتابِ الجِهادِ) (¬1) [التَّرْغِيبُ في الجِهَادِ] - قَوْلُهُ: "مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ" [2]. قَدْ تَكُوْنُ "أَوْ" بِمَعْنَى الوَاو، وَهُوَ قَوْلُ البَصْرِيِّين وَالكُوْفِيِّينَ، غَيرَ أَنَّ البَصْرِيِّينَ قَالُوا: إِنَّمَا تَكُوْنُ "أَوْ" بِمَعْنَى الوَاو إِذَا كَانَتْ بِمَعْنَى الإبِاحَةِ والتَّخْيِيرِ كَقَوْلهِمْ: جَالِسِ الحَسَنَ أَو ابنِ سِيرِينَ، وَفِي هَذَا الحَدِيثِ تَأْويلَانِ: أَحَدُهُمَا: هَذَا -أعْنِي أَنْ تَكُوْنَ "أَوْ" بِمَعْنَى الوَاو- عَلَى مَذْهَبٍ. والثَّانِي: أَنَّ الغَنِيمَةَ تُنْقِصُ الأجْرَ، وَإِذَا نَقَصَ لَمْ يَسْتَحِقَّ أَنْ يُسَمَّى أَجْرًا عَلَى الإطْلَاقِ، فَلِذلِكَ صَلَحَ دُخُوْلِ "أَوْ" في هَذَا المَوْضِعِ وإِنْ كَانَ لا يَنْفَكُّ مِنْ أَجْرٍ مَعَ غَنِيمَةٍ بِدَلِيلِ مَا رُويَ أَنّه - صلى الله عليه وسلم - قَال: "مَا مِنْ سَرِيَّةٍ غَزَتْ فَأَخْفَقَتْ إلا كتِبَ لَها أَجْرُهَا مَرَّتَينِ" فَدَلَّ عَلَى أَنَّ العَسْكَرَ إِذَا لَمْ يَغْنَمْ كَانَ أَجْرُهُ أَعْظَمُ، وبِدَلِيلِ قَوْلهِ: "مَا مِنْ غَازِيَةٍ تَغْزُو في سَبِيلِ الله فَتُصِيبُ غَنِيمَةً إلَّا تَعَجَّلُوا ثُلُثَي أَجْرَهُم من الآخِرَةِ ويَبقَى لَهُمُ الثُّلُثُ فَإنْ لَمْ يُصِيبُوا غَنِيمَةً تَمَّ لَهُمْ أَجْرَهُمْ". - "الجَهْدُ": المَشَقَّةُ، وَهُوَ أَيضًا: الغَايَةُ. والجُهْدُ: الطَّاقَةُ، وَمِنْهُ اشْتُقَّ اسمُ الجِهَادِ؛ لأنَّه استِفْرَاغُ الجُهْدِ والجَهْدِ في المُغَالبَةِ والمُدَافَعَةِ. ¬
- وَ"تكَفَّلَ" بِمَعْنَى تَضَمَّنَ، والكَفِيلُ والكَافِلُ والضَّمِينُ والضَّامِنُ، والحَمِيلُ والحَامِلُ بِمَعْنًى. - ويُقَالُ: "مَسْكِنٌ ومَسْكَنٌ" بِكَسْرِ الكَافِ وَفَتْحِهَا. - و"الطِّيَلُ" و"الطِّوَلُ": الحَبْلُ الَّذِي يَطُوْلُ فِيهِ الدَّابَّةُ. وَقَوْلُ العَامَّةِ: طِوَالٌ خَطَأ (¬1). - ويُروى: "كَانَ لَهُ حَسَناتٌ" بتَذْكِيرِ "كَانَ"، وَ"كَانَتْ" وَهِيَ رِوَايَةُ يَحْيَى، فَمَنْ رَوَى "كَانَ" ذَكَّرَ عَلَى لَفْظِ "مَا" في قَوْلهِ: "فَمَا أَصَابَ" وَمَنْ قَال: "كانَتْ" أَنَّثَ الضَّمِيرَ حَمْلًا عَلَى مَعْنَى "مَا" دُوْنَ لَفْظِهَا. وعَلَى هَذَا قِرَاءَةُ القُرَّاءِ (¬2): ¬
{* وَمَنْ يَقْنُتْ} باليَاءِ والتَّاءِ. - والاسْتِنَانُ: المَرَحُ والنَّشَاطُ واللّعِبُ. والاسْتِنَانُ أَيضا: الإسْرَاعُ، وفي المَثلِ (¬1): "اسْتنَّتِ الفِصَالُ حَتَّى القَرْعَى" والقَرْعَى: الجَرْبَى مِنَ الفِصَالِ الَّتِي قَدْ أَسْقَطَ الجَرَبُ أَوْبَارَهَا ويُسَمَّى القَرَع (¬2). - وَ [قَوْلُهُ: "شَرَفًا أَوْ شَرَفَينِ"] [3]. الشَّرَفُ: المَوْضِعُ المُرْتَفِعُ مِنَ الأرْضِ، وهُوَ هُنَا مَوْضِعُ الطَّلَقِ، ولذلِكَ ثنَّاهُ فَقَال: "أَوْ شَرَفين" كَمَا يُقَالُ: جَرَى طَلَقًا أَوْ طَلَقَينِ. - وَ [قَوْلُهُ: "لَوْ أَنَّهَا مَرَّتْ بِنَهْرٍ"]. يُقَالُ: نَهْرٌ ونَهَرٌ. - وَ [قَوْلُهُ: "وَرَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا"] يُقَالُ: غَنِيَ الرَّجُلُ غِنًى وتَغَنَّى تَغَنِّيًا، واسْتَغْنَى اسْتِغْنَاء، وتَغَانَى تَغَانِيًا: كُل ذلِكَ بِمعْنًى. - وَقَوْلُهُ: "لَمْ يَنْسَ حَقَّ اللهِ في رِقَابِهَا" إِنَّمَا أَرَادَ: وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ الله فِيهَا. وذَكَرَ الرِّقَابَ وَهُوَ يُرِيدُ ذَوَاتِهَا كَقَوْلهِ (¬3): {فَكُّ رَقَبَةٍ (13)} وذَكر الظُّهُوْرَ وإِنْ ¬
[النهي عن قتل النساء والولدان في الغزو]
كَانَتْ دَاخِلَةً تَحْتَ مَعْنَى الذَّاتِ تَتْمِيمًا لِلْمَعْنَى؛ لأنَّ العَرَبَ تُشَبِّهُ الحَق المُلْتزمَ بِمَا يُتَقَلَّدُ في العُنُقِ، وَبِمَا يُعْصَبُ بالرَّأْسِ، وبِمَا يُحْمَلُ عَلَى الظَّهْرِ. - وَ [قَوْلُهُ: "فَخْرًا ورِيَاءً وَنِوَاءً"] يُقَالُ: نَاوَأْتُ الرَّجُلَ مُنَاوَءَةً وَنوَاء: إِذَا عَادَيتَهُ وغَالبْتَهُ، وسُمِّيَ مُنَاوَءَةً؛ لأنَّ كُلَّ واحد مِنَ المُتَغَالِبَينِ يَنُوْءُ إِلَى صَاحِبِهِ أَي: يَنْهَضُ لِحَرْبِهِ في بُطْءٍ وتَثَاقُلٍ. - وَ [قَوْلُهُ: "الجَامِعَةُ الفَاذَّةُ"] الفَاذَّةُ والفَذةُ: المُنْفَرِدَةُ، وَأَرَادَ أَنَّ هَذِه الآيةَ جَمَعَتْ جُمْلَةَ الخَيرِ والشَّرِّ عَلَى اخْتِصَارِهَا ولذلِكَ سَمَّاهَا جَامِعَةً. - وَ [قَوْلُهُ]: "والمَنْشَطِ والمَكْرَهِ" [5]. النَّشَاطُ والكَرَاهَةُ، وأَمْرٌ مُكْرَةٌ: أَي: مَكْرُوْهٌ، وُصِفَ بالمَصْدَرِ لِلْمُبَالغَةِ. والمُنَازَعَةُ: المُغَالبَةُ، وسُمِّيت بذلِكَ؛ لأنَّ كُلَّ واحد من المُتشَارِعَينِ يَرُوْمُ انْتِزَعَهَا (¬1) في يَدِ صَاحِبِهِ، أوْ لأنْ نَفْسَهُ تُنَازِعُهُ إِلَيهِ. [النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ النِّساءِ والولْدَانِ في الغَزْو] - وَ [قَوْلُهُ: "بَرَّحَتْ بِنَا امْرَأَةُ ... "] [8]. يُقَالُ: بَرَّحَ بِي الأمْرُ تَبْرِيحًا: إِذَا شَقَّ عَلَيَّ وَجَهَدَنِي، ولَقِيتُ مِنْهُ البَرْحُ والبُرَحَاءَ والتَّبْرِيحَ والبُرَحِين والبِرَحِين (¬2). - قَوْلُهُ: "فَأرْفَعُ عَلَيهَا السَّيفَ ثُمَّ أذْكُرُ ... فَأَكُفُّ". كَانَ القِيَاسُ فَرَفَعْتُ ثُمَّ ذَكَرْتُ فَكَفَفْتُ، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُخْبِرُ بالحَالِ الَّتِي كَانَ عَلَيهَا مَعَهُمَا كَقَوْلهِمْ: ¬
وَثَبَتُ إلَيهِ وأَصُكُّ عَينَهُ، وَقُمْتُ إِلَيهِ وأَخَذْتُ بشَعْرهِ، ونَحْوُهُ قَوْلُهُ [تَعَالى] (¬1): {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} ويجُوْزُ أَنْ يُرِيدَ: وكُنْتُ أَرْفَعُ وَكُنْتُ أَذْكُرُ، وَكُنْتُ أَكُفُّ، وَهَذَا رَأْيُ الكِسَائِيِّ، وعَلَيهِ تأَوَّلَ قَوْلَهُ [تَعَالى] (¬2): {مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ} أي: مَا كَانَتْ تَتْلُوا. - قَوْلُ عُمَرَ: "المُرُوْءَةُ الخُلُقُ" والمَرُوءَةُ: كُلُّ خُلُقٍ حَسَنٍ وفِعْل جَمِيلٍ يَتِمُّ بِهَا المَرْءُ، كَمَا يُقَالُ: الإنْسَانِيّةُ: للفَضَائِلِ الَّتِي يَتِمُّ بِهَا الإنْسَانُ. والغَرِيزَةُ: الطَّبِيعَةُ مُشْتَقَّة مِنْ غَرَزَتِ الجَرَادَةُ ... وغرَزتِ الإبْرَةَ في الثَّوْبِ، وسُمِّيَت بِذلِكَ؛ لأنَّهَا جِبِلَّةٌ وهَيئَةٌ غُرِزَت وَرَكِّزَتْ في الإنْسَانِ والطَّبِيعَةُ: مُشْتَقَّة مِنْ طَبَعْتُ بالخَاتَمِ في الطِّينِ. - وَقَوْلُهُ: "فَحَصُوا" [10]. أي: فَحَلَقُوا الشَّعْرَ عِنْهَا حَتَّى بَدَا بَيَاضُ جُلُوْدِهَا. قَال الطُوْسِيُّ (¬3): يُقَالُ: إِنَّ القَطَاةَ تَجِيءِ إلى مَوْضِعٍ مِنَ الأرْضِ لَيِّنٍ فَتُمَلِّسُهُ، ثُمَّ تُدِيرُ حَوْلَهُ تُرَابًا فتَبِيضُ فِيهِ (¬4) فَشُبِّهَ الطَّمَعُ بِالأُفحُوْصِ. ¬
[ما جاء في الوفاء بالأمان]
- وَ [قَوْلُهُ: "وَلَا تَحْرِقَنَّ نَخْلًا"]. يُرْوَى: "تَخْرِبَنَّ" و"تُخْرِبَنَّ" و"تَحْرِقَنَّ" و"تُحَرِّقَنَّ" وَ"تُغْرِقَنَّ" و"تُغَرِّقَنَّ" ويُقَالُ: مَأكلَةٌ ومَأكَلَةٌ والجَمْعُ: مَآكِلٌ. - وَ [قَوْلُهُ: "وَلَا تَمْثلُوا" [11]. يُقَالُ: مَثلْثٍّ بِهِ أَمْثلُ مَثْلًا، مِثْلُ قَتَلْتُ أَقْتلُ قَتْلًا، وَمَثَّلْتُ أُمَثلُ تَمْثيلًا: إِذَا أَرَدْتَ التَّكْثيرَ، والتّشدِيدُ أَشْهَرُ [ ... ]. [مَا جَاءَ في الوَفَاءِ بالأمَانِ] -[قَوْلُهُ: "عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الكُوْفَةِ"] [12]. الرَّجُلُ مِنْ أهْلِ الكُوْفَةِ هُوَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ (¬1). - وَ [قَوْلُهُ: "قَال رَجُلٌ مَطْرَسْ "]. يُقَالُ: مَطْرَس ومَتَّرسَ. وذَكَرَ ابنُ وَضَّاع أَنَّ رِوَايَةَ عُبَيدِ الله: مَطَّرَس، هي كَلِمَةٌ فَارِسِيّهٌ مَعْنَاهَا: لا تَخَفْ وَلَا بَأْسَ عَلَيكَ، وَمِثْلُهُ: لا تَذْهَلُ ولا ذُهْلَ، وَقَدْ جَاءَ أَيضًا هَذَا اللَّفْظُ عَنْ عُمَرَ. [جَامَعُ النَّفْلِ في الغَزْو] -[وَقَوْلُهُ: "ونُفِّلُوا بَعِيرًا"] [15]. النَّفْلُ: الغَنِيمَةُ (¬2)، والنَّفْلُ -أَيضًا-: مَا يُنَفِّلُهُ الإمَامُ مَنْ شَاءَ مِنَ الخُمُسِ، وهو مُشْتَقٌّ مِنَ النَّافِلَةِ؛ وَهِيَ كُلُّ عَطِيّةٍ لا تَلْزَمُ، فالغَنِيمَةُ نَفْلٌ؛ لأنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لأحَدٍ غَيرَ هَذِهِ الأمَّةِ، فَهِيَ فَضْلٌ مِنَ الله تَفَضَّلَ بِهَا عَلَينَا، وعَطِيَّةُ الإمَامِ أَيضًا نَفْلٌ؛ لأنَّهَا لا تَلْزَمُهُ، وإِنَّمَا هِيَ فَضْلٌ مِنْهُ تَفَضَّل بِهِ ¬
[ما يرد قبل أن يقع القسم مما أصاب العدو]
علَى منْ شَاءَ مِنْ عَسْكَرِهِ. - وَ [قَوْلُهُ: "فَكَانَ سُهْمِانُهُمْ"] السُّهْمُانُ: جَمْعُ سَهْمٍ، وَهُوَ النَّصِيبُ والحَضُّ، ويُجْمَعُ أَيضًا عَلَى أَسْهُمٍ وَسِهامٍ، وسُمِّيَ سَهْمًا؛ لأنَّهمْ يَتَقَارَعُوْنَ عَلَى الأنْصِبَاءِ بالسِّهَامِ، فَسُمِّيَتْ الأنْصِبَاءَ سِهَامًا عَلَى مَذْهَبِهِمْ في تَسْمِيَةِ الشَّيءِ باسْمِ سَبَبِهِ (¬1). - وَ [قَوْلُهُ: "اثْنَى عَشَرَ بَعِيرًا"] البَعِيرُ: يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ والأنْثَى مِنَ الإبِلِ، وَجَمعُهُ: بُعْرٌ، وبُعْرَان، وأَبْعِرَةٌ، وأَكْثَرُ مَا يُقَالُ لِلذكَرِ. وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ العَرَبِ (¬2): طَرَحْتْنِي بَعِيرِي. [مَا يُرَدُّ قَبْلَ أنْ يَقَعَ القَسْمِ مِمَّا أصَابَ العَدُوَّ] - وَ [قَوْلُهُ: "إِنَّ عَبْدًا لِعَبْدِ الله بن عُمَرَ أَبَقَ"] [17]. يُقَال: أَبَقَ العَبْدُ يَأبِقُ ويَأْبُقُ مَكْسُوْرَ اليَاءِ ومَضْمُوْمًا (¬3). - وَ [قَوْلُهُ: "وَإِنَّ فَرَسًا لَهُ عَارَ"]. يُقَالُ: عَارَ الفَرَسُ يَعِيرُ عِيَارًا فَهُوَ عَايِرٌ: إِذَا أَفْلَتَ فَذَهَبَ عَلَى وَجْهِهِ (¬4). ¬
(ما جاء في السلب في النفل)
- وَ [قَوْلُهُ: "قَبْلَ أنْ تُصِيبَهُمَا المَقَاسِمُ"] المَقَاسِمُ: جَمْعُ مَقْسَمٍ، وَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى القَسْمِ، كَالمَضْرَبِ مِنَ الضَّرْبِ، وجُمَعِ لاخْتِلَافِ أَحْوَالِ القَسْمِ، كَمَا يُقَالُ: التَّجَارِبُ والمَنَاكِحُ. (مَا جَاءَ فِي السَّلْبِ في النَّفْلِ) مَعْنَى هَذِهِ التَّرْجَمَةِ جَاءَ في كَوْنِ السَّلْبِ في النَّفْلِ فَحَذَفَ المُضَافَ وَأَقَامَ المُضَافَ إِلَيهِ مَقَامَهُ، وَأَرَادَ بالنَّفْلِ ههنَا مَا يُنَفِّلُهُ الإمَامُ المُقَاتِلَ. - وَ [قَوْلُهُ: "كَانَتْ لِلمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ"] [18]. الجَوْلَةُ: الاضْطِرَابُ وَالرَّوَغَانُ والفِرَارُ. - وَقَوْلُهُ: ["وَجَدْتُ [مِنْهَا] رِيحَ المَوْتِ"] قِيلَ: رِيحُ المَوْتِ مَثلٌ لِمَا يَحِينُ مِنْهُ وَيُسْتَشْعَرُ كَمَا يُقَالُ: ذَاقَ المَوْتَ، وإِنَمَا الذَّوْقُ [لِـ، ]ـمَا لَهُ طَعْم (¬1). ¬
- وَقَوْلُهُ: "مَا بَالُ النَّاسِ! فَقَال (¬1): أمْرُ اللهِ" كَذَا الرِّوَايَةُ، السُّؤَالُ والجَوَابُ مُخْتَصَرَانِ، تَقْدِيرُهُمَا: مَا بَالُ النَّاسِ مُنْهَزِمِينَ. فَقَال: ذلِكَ أَمْرُ اللهِ. - وَقَوْلُهُ: "لَا هَاءَ الله. إِذًّا لَا يَعْمِدُ ... " كَذَا الرِّوايةُ، وَهُوَ خَطَأٌ (¬2) لا وَجْهَ لِدُخُوْلِ "إِذا" ها هنَا؛ وَالصَّوَابُ: لا هَاء الله ذَا، دُوْنَ أَلفٍ في "إذًا" والمَعْنَى: ذَا مَا أُقْسِمُ بِهِ، وَمِنَ النَّحْويِّينَ مَنْ يُقَدِّرُهُ: الأمْرُ ذَا، فَيَكُوْنُ عَلَى التَّقْدِيرِ الأوَّلِ مُبْتَدَأ مَحْذُوْفَ الخَبَرِ، وَعَلَى الثَّانِي خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مُضمَرٍ. - وَ [قَوْلُهُ: "فاشْتَرَيتَ بِهِ مَخرَفًا في بنَي سَلِمَةَ"] سَلِمَةَ: بِكَسْرِ الَّلامِ لا عَيرُ (¬3). والمَخْرَفُ: بِفَتْحِ المِيمِ والرَّاءِ: والنَّخْلُ (¬4)، وَقَال ابنُ بُكَيرٍ: المَخْرَفُ: الأرْضُ تَزْدَرِعُهَا. ¬
[ما جاء في الغلول]
- وَ [قَوْلُهُ]: "تَأَثَّلْتُهُ": اتَخَذْتُهُ أَصْلَ مَالٍ، والأثْلَةُ والأثَلَةُ: أَصْلُ كُلِّ شيءٍ وَوَقَعَ في رِوَايَةِ يَحْيَى: "حَتَّى كَادَ أَنْ يُحْرِجَهُ" [19]. وَهُوَ خَطَأٌ، وَصَوَابُهُ: كادَ يُحْرِجُهُ؛ لأنَّ "أَنْ" لا تَدْخُلُ في خَبَرِ "كادَ" إلَّا في ضَرُوْرَةِ الشِّعْرِ. - وَقَوْلُهُ: "مَا مِثْلُ هَذَا؟ مِثْلُ صَبِيغٍ ... ". كَلَامٌ مُخْتَصَرٌ، تَقْدِيرُهُ: مِثْلُهُ مِثْلُ صَبِيغٌ (¬1)، وَمِثْلُ وَمَثلُ: لُغَتَانِ [ ... ]. [مَا جَاءَ في الغُلُوْلِ] ويُقَالُ: [غَلَّ يَغُلُّ في الغَنِيمَةِ، و] غَلَّ يَغِلُّ: إِذَا أَضْمَرَ العَدَاوَةَ والحِقْدَ غِلًّا في مَصْدَرِ هَذَا، وَفِي الأوَّلِ غُلُوْلًا. [ ... ]. ¬
- وَ [قَوْلُهُ: "وَهُوَ يُرِيدُ الجُعْرَانَةَ"] [22]. (الجُعْرَانَةُ) و (الجُعُرَّانَةُ) (¬1) مُخَفَّفَةٌ ومُشَدَّدةٌ، وأَنكرَ الأصْمَعِيُّ التَّشْدِيدَ، وبالتَّخْفِيفِ حَكَاهُ صَاحِبُ "البَارعِ" والمُحَدِّثُوْنَ يَرْوُونَهُ بالوَجْهَينِ. - وَ [قَوْلُهُ: "مِثْل سَمُرِ تِهَامَةَ"] السَّمُرُ: شَجَرٌ طِوَالٌ لَهُ شَوْكٌ، وَهُوَ مِنْ أَنْوَاعِ العِضَاه، وَهُوَ كَثيرٌ بِتِهَامَةَ، والعَرَبُ تُشَبِّهُ الإبِلَ والجُيُوْشَ بالسَّمُرِ والنَّخْلِ والأثْلِ، يُرِيدُوْنَ إِلْتِفَافِهَا وَكَثْرَةَ عَدَدِهَا (¬2)، ويُقَالُ: إِنَّ السَّمُرَ جَمْعُ سَمُرَة، وَهِيَ شَجَرُ الصَّمْغِ العَرَبِيِّ (¬3) لِطُوْلهَا والتِفَافِهَا (3). وَمَنْ رَوَى: "ثُمَّ لَا يَجِدُوْنَنِي بَخِيلًا" بِنُونَينِ فَهُوَ القِيَاسُ؛ لأنَّ هَذَا مَوْضِعُ رَفْعٍ، والنُّوْنُ لا تَسْقُطُ مِنَ الأفْعَالِ المُضَارِعَةِ إلَّا لِنَصْبٍ أَوْ جَزْمٍ. ومَنْ رَوَى "لا تَجِدُوْنِي" بنُوْنٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّمَا حَذَفَ النُّوْنَ تَخْفِيفًا، لاجْتِمَاعِ النُّوْنَينِ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأ {أَتُحَاجُّونِّي} (¬4) واختُلِفُ في النُّوْنِ المَحْذُوْفَةِ فَقِيلَ: الأُوْلَى هِيَ ¬
المَحْذُوْفَةُ، وَقِيلَ: بَلِ الثَّانِيَةُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ (¬1). [ ... ]. - وَ [قَوْلُهُ: "أَدُّواء الخِيَاطَ"] الخِيَاطُ: الخَيطُ الَّذِي يُخَاطُ بِهِ وَجَمْعُهُ: خُيُط بِضَمِّ الخَاءِ واليَاءِ قَالهُ أَبُو زَيدٍ (¬2) / وَهُوَ غَرِيبٌ، والخِيَاطُ -أَيضًا-: الإبْرَةُ، وَمِنْهُ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬3): {سَمِّ الْخِيَاطِ} والمِخْيَطُ: الإبْرَةُ لا غَيرُ، ومَنْ رَوَى: "أَدُّوا ¬
الخَائِطَ "أَرَادَ: الخَيطَ أَيضًا؛ وسُمِّيَ خَائِطًا لأنَّه يَضُمُّ قِطَعَ الثَّوْبِ بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ. -[قَوْلُهُ: "نَارٌ وشَنَارٌ عَلَى أَهْلِهِ"] الشَّنَارُ: مَا يَشِينُ الإنْسَانَ، وَهُوَ نَحْوَ العَارِ. والنَّارُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَا النَّارَ بِعَينِهَا فَسَمَّى الغُلُوْلَ نَارًا بالمآلِ إِلَى النَّارِ كَقَوْله تَعَالى (¬1): {فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} ويُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ السِّمَةِ الَّتِي يُوْسَمُ بِهَا البَعِيرُ، والعَرَبُ تُسَمَّى العَارَ اللَّازِمَ بالوَسْمِ والكَيِّ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ [تَعَالى] (¬2): {سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16)} أي: نَسِمُهُ بِعَارٍ لا يُمْكِنُهُ خَفَاءَهُ. والوَبَرَةُ: بِفَتْحِ البَاءِ لا غَيرُ، وَمَنْ سَكَّنَهَا فَقَدْ أَخْطَأَ (¬3). - وَقَوْلُهُ: "أَوْ شَيئًا" عَطْفٌ عَلَى"وَبَرَةٍ" أَي تناول وَبَرَةً أَوْ شَيئًا يُشْبِهُ الوَبَرَةَ. وَوَقَعَ في بَعْضِ النُّسَخِ (¬4): "أَوْ شِيَاه" يُرِيدُ جَمْعُ شَاةٍ، وخَفَضَهُ عَلَى العَطْفِ عَلَى بَعِيرٍ، وَهُوَ تَصْحِيفٌ لا وَجْهَ لَهُ؛ لأنَّ الوَبَرَ لَيسَ مِمَّا يُوْصَفُ بِهِ الشَّاء، وإِنَّمَا تُوْصَفُ بِهِ الإبِلُ. - وَ [قَوْلُهُ: "خَرَزَاتٍ مِنْ خَرَزِ يَهُوْدَ"] [23]. والخَرَزُ: حِجَارَةٌ مُجَزَّعةٌ بِسَوَادٍ وَبَيَاضٍ تُنَظَّمُ نَظْمَ العَقُودِ. ويُقَالُ لَهَا: الجَزْعُ (¬5). ¬
[الشهداء في سبيل الله]
- وَ [قَوْلُهُ: "فِي بَرْدَعَةِ رَجُلٍ"] [24] البَرْدَعَةُ -بِفَتْحِ البَاءِ لا غَيرُ- وَمَنْ كَسَرَ البَاءِ فَقَدْ أَخْطَأ (¬1). - وَ [قَوْلُهُ]: "السَّهْمُ العَائِرُ" [25]. الَّذي لا يُدْرَى مَنْ رَمَاهُ، وَهُوَ مَأخوْذٌ مِنْ قَوْلهِمْ: عَارَ الفَرَسُ: إِذَا أَفْلَتَ. وَ"كَلَّا" كَلِمَةٌ مَعْنَاها الزَّجْرُ والرَّدْعُ (¬2). - وَ [قَوْلُهُ: "جَاءَ رَجُلٌ بشِرَاكٍ أَوْ شِرَاكَينِ"]: الشِّرَاكُ: مَا يُشَدُّ بِهِ النَّعْلُ. - وَ [قَوْلُهُ: "وَلَا خَتَرَ قَوْمٌ"] [26]. الخَتْرُ: الغَدْرُ. [الشُّهَدِاءُ في سَبِيلِ اللهِ] - وَقَوْلُهُ: "فَكَانَ أَبُو هُرَيرَةَ يقُوْلُ ثَلَاثًا: أُشْهِدُ الله"] [27]. يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ: أُشْهِدُ الله لَقَدْ قَالهِا رَسُوْلُ الله مِرَارًا ثَلَاثًا أَي: كَرَّرَ ذِكْرَ تَمَنِّي القَتْلِ والإحْيَاءِ، فَيَكُوْنُ العَامِلُ في "ثَلَاثًا" فِعْلًا مَحْذُوْفًا. ويُحْتَمَلُ أَنْ يَكُوْنَ أَرَادَ المُحَدِّثُ أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ كَانَ يَقُوْلُ: أُشْهِدُ اللهَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَيَكُوْنُ العَامِلُ في ثَلَاثٍ عَلَى هَذَا القَوْلِ الظَّاهِرِ. وفي (¬3) الحَدِيثِ المَنْسُوْبِ إِلَى أَبي هُرَيرَةَ. - وَ [قَوْلُهُ: "والَّذِي نَفْسِي بِيدِهِ لَا يُكْلَمُ أحَدٌ ... "] [29]. الكَلْمُ: الجَرْحُ ¬
[ما يكره من الشيء يجعل في سبيل الله]
صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا، وَجَمْعُهُ: كِلامٌ وكلُومٌ (¬1). - وَقَوْلُهُ: "يَثْعَبُ دَمًا": أَي: يَنْفَجِرُ وَيَنْدَفِعُ، ويُقَالُ: ثَعَبْتُ المَاءَ أَثْعَبُهُ ثَعْبًا، وَمَاءٌ ثَعْبٌ وثَعَبٌ. - وَقَوْلُهُ: "خَطَايَايَ" [31]. اليَاءُ مَفْتُوْحَة مِثْلُ مَحْيَايَ وعَصَايَ (¬2)، وكَذلِكَ يَاءُ المُتكلِّمِ إِذَا وَقَعَتْ بَعْدَ أَلِف فَهِيَ مَفْتُوْحَة أَبدًا. - وَ [قَوْلُهُ: "بِئسَ مَضْجَعُ المُؤْمِنِ"] [33]. المَضْجَعُ: المَرْقَدُ، والمَشْهُوْرُ فِيهِ فَتْحُ الجِيمِ، وَقَدْ حُكِيَ فِيهِ الكَسْرُ، وَهُوَ شَاذٌ غَيرُ مَعْرُوْفٍ. - و [قَوْلُهُ: "مَا عَلَى الأرْضِ بُقْعَةٌ"]: يُقَالُ: بَقْعَةٌ وبُقْعَةٌ بِفَتْحِ البَاءِ وضَمِّهَا (¬3). [مَا يُكُرَهُ مِنَ الشَّيءِ يُجَعَلُ في سَبِيلِ الله] - وَ [قَوْلُهُ: "نَشَدْتُكَ الله"] [38]. وَقَعَ في بَعْضِ النُّسَخِ: "أَنْشَدْتُكَ الله" وَهُوَ خَطَأٌ، وَصَوَابُهُ: "نَشَدْتُكَ الله". -[وَقَوْلُهُ: "سُحَيمٌ زِقٌّ؟ "] سُحَيمٌ: تَصْغِيرُ أَسْحَمَ عَلَى وَجْهِ التَّصْغِير لِلتَّرْخِيمِ، وَالأسْحَمُ: الأسْوَدُ. والعَرَبُ تُسَمِّي الزِّقَّ الأسْحَمَ أَسْوَدَ؛ (¬4) لأنَّه يَسْوَدُّ ¬
إِذَا قَدُمَ، وأَكْثَرُ مَا يُوْقِعُوْنَ ذلِكَ عَلَى زِقِّ الخَمْرِ، وَبِذلِكَ فَسَّرَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ الأعْشَى (¬1): * بأَسْحَمَ دَاجٍ ... * - ثَبَجُ كُلِّ شَيءٍ وَسْطُهُ، وَقِيلَ: ظَهْرُهُ. -[وَقَوْلهُ: "لأَحْببتُ أنْ لَا أتخَلَّفَ عَنْ سَرِيّةٍ"] [40]. والسَّرِيَّةُ فَعِيلَة بِمَعْنَى فَاعِلَة، سُمِّيَتْ بِذلِكَ؛ لأنَّهَا تَسْرِي باللَّيلِ. - وَقَوْلُهُ: "فَأَقره منِّي السَّلَامِ " [41]. الوَجْهُ: فَأَقْرِئْهُ، وَلكِنَّهُ جاءَ عَلَى لُغَةِ مَنْ خَفَّفَ الهَمْزَةَ وأَبْدَلَهَا حَرْفَ لِينٍ في قَرَيتُ وأَخْطَيتُ. -[وَقَوْلُهُ: "تُنْفَقُ فِيهِ الكَرِيمَةُ"] [43]. الكَرِيمَةُ: كُلُّ مَا تَكْرُمُ عَلَى الإنْسَانِ مِنْ مَالِهِ، وكَرِيمُ (¬2) قَوْمِهِ: شَرِيفُهُمْ. ¬
[ما جاء في الخيل والمسابقة بينها والنفقة في الغزو]
[مَا جَاءَ في الخَيلِ وَالمُسَابقَةِ بينِهَا وَالنَّفقَةِ في الغَزْو] - قَوْلُهُ: "نُوْدِيَ في الجَنَّةِ" [44]. حَكَى الكُوْفيُّوْنَ إِنَّ "في" تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى"إِلَى" وَمِنْهُ قَوْلُهُ: (¬1) {فَرَدُّوا أَيدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} أي: "إِلَى" وَحَكَوا أَيضًا أَنَّ "في" تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى "مِنْ" واحْتَجُّوا بِقَوْلِ امْرِيءِ القَيسِ (¬2): * ... في ثَلَاثِةِ أَحْوَالِ * وفي بَعْضِ طُرقِ الحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ [ابنِ] المُبَارَكِ (¬3): "نُوْدِيَ إِلَى الجَنَّةِ". - وَقَوْلُهُ: "هَذَا خيرٌ": أَي: هَذَا خَيرٌ نِلْتُهُ بِعَمَلِكَ. ¬
- وَ [قَوْلُهُ: "قَدْ أُضمِرَتْ مِنَ الحَفْيَاءِ"] [45]. الحَفْيَاءُ (¬1): مَوْضِعٌ، في بَعْضِ النُّسَخِ مَمْدُوْدٌ، وفي بَعْضِهَا مَقْصُوْرٌ، وَلَمْ أَرَ فِيهِ ضَبْطًا لأحَدٍ مِمَّنْ تَكَلَّم في المَقْصُوْرِ والمَمْدُوْدِ. - وَ [قَوْلُهُ: "وَكَانَ أمَدَهِا ثَنِيّةُ الوَدَاعِ"] الأمَدُ والمَدَى: الغَايَةُ. والثّنَيّهُ: الطَّرِيقُ في الجَبَلِ، وَهِيَ هُنَا مَوْضِع بِمَكَّةَ دَخَلَ مِنْهَا رَسُوْلُ اللهِ [صلى الله عليه وسلم] عَامَ الفَتحِ (¬2) ¬
-[وَقَوْلُهُ: "لَيسَ بِرِهَان الخَيلِ بأسٌ"] [46] الرِّهَانُ والمُرَاهَنَةُ: المُسَابَقَةُ: سُمِّيَ رِهَانًا؛ لِمَا يُوْضَعُ فِيهَا مِنَ الرُّهُوْنِ، يُقَالُ: أَرْهَنْتُ في المُخَاطَرَة، فَإِذَا أَرَدْتَ غَيرَ المُخَاطَرَةِ قُلْتَ: رَهَنْتُ الرَّهْنَ وأَرْهَنْتُهُ، وأَنكرَ الأصْمَعِيُّ أَرْهَنْتُ، واحتُجَّ عَلَيهِ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ (¬1): * نجَوْتُ وأَرْهَنْتُهُمْ مَالِكَا * فَقَال: إِنَّمَا الرِّوَايَةُ: "وأَرْهَنُهُم" (¬2) فَهُوَ فِعْلٌ مُسْتَقْبَلٌ في مَوْضِعِ الحَالِ، أَي: نَجَوْتُ وَهَذِهِ حَالِي، كَمَا تَقُوْلُ: "قُمْتُ إِلَيهِ وأَصُكُّ عَينَه". - وَ [قَوْلُهُ: "فَأَخَذَ السّبق"] يُقَالُ: سَبَقَ يَسْبِقُ سَبْقًا، فَإِذَا أَرَدْتَ الخَطَرَ قُلْتَ: سَبَقٌ -بِفَتْحِ البَاءِ- والسِّبَاقُ والمُسَابَقَةُ: فِعْلُ المُتَسِابِقَينِ. - وَ [قَوْلُهُ: خَرَجَتْ يَهُوْدُ بِمَسَاحِيهِمْ ومَكَاتِلِهِمْ"، [48] المَكَاتِلُ: جَمْعُ مِكْتلٍ وَهِيَ القُفَّةُ العَظِيمَةُ. وَفِي "العَينِ" المِكْتلُ: الزِّنْبِيلُ. - وَ [قَوْلُهُ: "مُحَمَّدٌ -وَاللهِ- مُحَمَّدٌ والخَمِيسُ"] الخَمِيسُ: الجَيشُ، سُمِّيَ بِذلِكَ لأنَّه مَقْسُوْمٌ خَمْسَةَ أَقْسَام؛ مُقَدِّمَة وسَاقَةٌ، ومَيمَنَةٌ ومَيسَرَةٌ وقَلْبٌ. هَذَا ¬
[الدفن في قبر واحد من ضرورة ... ]
هُوَ قَوْلُ الأزْهَرِيُّ (¬1). وقِيلَ: سُمِّيَ خَمِيسًا؛ لأنَّه يُخَمِّسُ الغَنَائِمَ (¬2). - وَ [قَوْلُهُ: "وإنَّا إِذَا نَزَلْنا بِسْاحَةِ قَوْمٍ"] سَاحَةُ القَوْمِ وَبَاحَتُهُم: فِنَاؤُهُمْ وَجَمْعُ سَاحٍ وَبَاحٍ: سَاحَاتٌ وبَاحَاتٌ. [الدَّفْنُ في قَبْرٍ وَاحِدٍ مِنْ ضَرُوْرَةٍ ... ] -[وَقَوْلُهُ: "إِنَّ عَمْرَو بنَ الجَمُوْحِ "] [49]. قَوْمٌ مِنَ الفُقَهَاءِ يَرْوُوْنَ "عَمْرُو بنُ (¬3) الجَمُوع"، بالعَينِ، ولَيسَ ذلِكَ بِمَعْرُوْفٍ عِنْدَ أَهْلِ النَّسَبِ [ ... ]. - وَ [قَوْلُهُ: "فَأمِيطَتْ يَدُهُ"] أُمِيطَتُ: أُزِيلَتْ، يُقَالُ: مِطْتُهُ وأَمَطْتُه (¬4). -[قَوْلُهُ: "فَحَفَنَ لَهُ ثَلاثُ حَفَناتٍ"] [50]. حَفَنَاتٌ: جَمْعُ حَفْنَةٍ -بِفَتْحِ الحَاءِ- والعَامَّةُ تكسُرُ الحَاءَ وَهُوَ خَطَأٌ؛ لأنَّ الحِفْنَةِ بِكَسْرِ الحَاءِ إِنَّمَا هِيَ هَيئَةُ الحَفْنِ كَالجِلْسَةِ واللِّبْسَةِ. ¬
ومن (كتاب الحج)
ومنْ (كِتَابِ الحجّ) (¬1) [غُسْلُ المُحْرِمِ] - " الأبْوَاءُ" مَوْضِعٌ (¬2) بِجِهَةِ مَكَّةَ، وَهُوَ مَمْدُودٌ. والقَرْنَانِ: مَنَارَتَان (¬3) تُبْنيَانِ علَى رَأْسِ البِئْرِ مِنْ حِجَارَة، ويُعْرَص عَلَيهِمَا خَشَبَة [تُسَمَّى النَّعَا] مَةَ، تُعَلَّقُ فِيهَا البَكْرَةُ. وطَأْطَأَهُ: أَمَالهُ وخَفَضَهُ. - وَقَوْلُ أبي أيُّوْبَ: "مَنْ هَذَا؟ " إِنَّمَا سَأَلَ الَّذِي كَانَ يَصُبُّ المَاءَ عَلَى رَأْسِهِ، وَلِذلِكَ لَمْ يَقُلْ: مَنْ أَنْتَ؟ فَبَادَرَ عَبْدُ اللهِ بالجَوَابِ (¬4). ¬
- وَ [قَوْلُهُ: "اُصْبُبْ"] [5]. في بَعْضِ النُّسَخِ: "أَصُبُّ" وَلَا وَجْهَ لَهُ، والصَّوَابُ: اُصْبُبْ عَلَى الأمْرِ. -[قَوْلُهُ: "إلَّا شَعَثًا"] الشَّعَثُ: أَنْ يَتَلَبَّدَ الشَّعْرُ وَيَتَّسِخُ لِعَدَمِ التَّسْرِيحِ والغَسْلِ. - وَ [قَوْلُهُ: "باتَ بذي طَوَى"] [6] ذُوْ طُوَى: وادٍ بِمَكَّة كَذَا قَال الأصمَعِيُّ (¬1). وَوَقَعَ في كِتَابِ أَبِي زَيدٍ: طُوَاء فَأَنكرَهُ ابنِ دُرَيدٍ وأَصْلَحَهُ. وَقَال: إِنَّمَا المَمْدُوْدُ طُوَاءُ الَّذِي في طَرِيقِ الطَّائِفِ (¬2). وأَمَّا طُوَى المَذْكُوْرُ في القُرْآنِ فَقُرِئَ {طُوى} مَضْمُوْمَةَ الطَّاءِ ومَكْسُوْرَة, فَمَنْ ضَمَّ فَهُوَ وَاد في أَصْلِ الطُّوْرِ بِجِهَةِ الشَّامِ، وَهُوَ غَيرُ هَذَينِ، وَمَنْ قَرَأَ مُنَوّنًا صَرَفَه (¬3) جَعَلَهُ اسْمًا غَيرَ ¬
[ما ينهى عنه من لبس الثياب في الإحرام]
مَعْدُوْلٍ سُمِّي بِهِ مُذَكَّرًا فانْصَرَفَ نَحوَ نُغَرَ وصُرَدَ. ومَنْ مَنَعَهُ الصَّرْفَ جَعَلَهُ مَعْدُوْلًا عَنْ طَاوٍ كَعُمَرَ عَنْ عَامِرِ وأَشْبَاهِهِ. أَوْ ذَهَبَ بِهِ إِلَى البقعَةِ المُشْتَمِلَةِ عَلَى الوَادِي. وَمَنْ قَرَأَ {طِوًى} جَازَ أَنْ يَكُوْنَ لُغَةَ ثَانِيَةً، وجَازَ أَنْ يَكُوْنَ مَعْنَاهُ: المُقَدَّسُ مَرَّتَينِ. - وَ [قَوْلُهُ: "رَأسُهُ بالغَسُوْلُ"] [7]. الغَسُوْلُ: مَا يُغْسَلُ بِهِ الرَّأْسُ وَالثُّوْبُ وَنَحْوَهُمَا. - وَ [قَوْلُهُ: "وَإِلْقَاءِ التَّفَثِ"]. التَّفَثُ: الأخْذُ من الشَّارِبِ، ونَتْف الإبِطِ، وقَصُّ الأظَافِرِ، والاسْتِحْدَادُ. - اللُّبس (¬1): مَصْدَرُ لَبِسْتُ الثَّوْبَ. واللَّبْسُ -بِفَتْحِ اللَّامِ- مَصْدَرُ لَبَسْتُ عَلَيهِ الأمْرِ، واللِّبْسُ -بِكَسْرِ اللَّامِ- واللَّبَاسُ، مِثْلُ الحِرْمُ والحَرَامُ، والحِل والحَلال. [مَا يُنَهَى عَنْه مِن لُبس الثّيَابِ في الإحْرَامِ] - وَقَوْلُهُ: "إلَّا أحَدٌ لَا يَجِدُ نَعْلَينِ" [8]. وَقَعَ في بَعْضِ النُّسَخِ (¬2): "إلَّا ¬
أَحَدٌ" وفي بَعْضِهَا: "إِلَّا أَحَدًا" وَهُو لَفْظٌ مُسْتنكَرٌ في كِلتا (¬1) الرِّوَايَتينِ؛ لأنَّكَ إِذَا رَفَعْتَهُ لَزِمَكَ أَنْ تُبْدِلَهُ مِنَ الضَّمِيرِ الَّذِي في "تَلْبَسُوْا" وضَمِيرُ المُخَاطَبِ لَا يَجُوْزُ أَنْ يُبْدَلَ مِنْهُ الظَّاهِرُ إلَّا أَنْ يَكُوْنَ بَدَلَ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ، أَوْ بَدَلَ اشْتِمَالٍ، فَلَا يَجُوْزُ أَنْ يُقَال: ادْخُلُوا الزَّيدُوْنَ وَلَا يُقَالُ: لَا يَقُوْمُوا غِلْمَانَ زَيدٍ، عَلَى أَنَّ الأخْفَشَ (¬2) قَدْ قَال في قَوْلهِ [تَعَالى] (¬3): {لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيبَ فِيهِ الَّذِينَ} إنَّ {الَّذِينَ} بَدَلٌ مِنَ الضِّمِيرِ في {لَيَجْمَعَنَّكُمْ} وهَذَا عِنْدَ جَمِيع أَصحَابِهِ خَطَأ. وَمَجَازُ هَذِهِ الرِّوايةِ: أَنْ يَكُوْنَ أَحَدٌ بَدَلًا مِنَ الضِّمِيرِ في قَوْلهِ: "لَا تَلْبَسُوا" حَمْلًا عَلَى مَعْنَى الكَلامِ لَا عَلَى لَفْظِهِ؛ لأنَّه إِذَا قَال: لَا تَلْبِسُوا فَمَعْنَاهُ: لَا يَلْبِسُ أَحَد، وضَمِيرُ الغَائِبِ يَجُوْزُ أَنْ يُبْدَلَ مِنْهُ الظَّاهِرُ، عَلَى هَذَا أَجَازَ عِيسَى بنُ عُمَرَ ادْخُلُوا الأوَّلُ فالأوَّلُ بالرَّفعِ؛ لأنَّ مَعْنَاهُ: لِيَدْخُلَ الأوَّلُ فَالأوَّلُ. وأَجَازَ سِيبَوَيهِ عَلَى نَحْو هَذَا التّأويلِ. وأَمَّا مَنْ رَوَى: "إلَّا أَحَدًا" فَالوَجْهُ فيه أَنْ يَكُوْنَ "أَحَد" ههنَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ المُسْتَعْمَلِ في قَوْلهِمْ: أَحَدَ عَشَرَ، وَ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬4): {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} لأنَّ أَحَدًا هَذَا يَقَعُ في الإيجَابِ والنَّفْيِ. وأَمَّا أَحَد المُسْتَعْمَلُ في قَوْلهِمْ: مَا جَاءَنِي أَحَد فَلَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا في النَّفْي دُوْنَ الإيجَابِ، وَلِذلِكَ قَال النَّحْويُّوْنَ في قَوْلِ ذِي الرُّمَّةِ (¬5): ¬
فَقَدْ بَهَرْتَ فَلَا تَخْفَى على أَحَدٍ ... إلَّا عَلَى أَحَدٍ لَا يَعْرِفُ القَمَرَا إِنَّه أَرَادَ: إلَّا عَلَى وَاحِدٍ. وَوَقَعَ في بَعْضِ نُسَخِ "المُوطَّأ": "فَلْيَلْبَسْ" بِلامَينِ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وفي بَعْضِهَا: "فَيَلْبَس"بلامٍ وَاحِدَة، وذلِكَ خطَأٌ؛ لأنَّ لامَ الأمْرِ لَا يَجُوْزُ إِسْقَاطُهَا إلَّا في ضَرُوْرَةِ الشِّعْرِ. والوَرْسُّ: شِبْهُ الزَّعْفَرَان، ونباتُهُ مِثْلُ نباتِ السِّمْسِمِ، فَإِذَا جَفَّ عِنْدَ إِدْرَاكِهِ وبُلُوغ غَايَتِهِ تَفقعتْ أَغْشِيَتُهُ فَيُنْفَضُ فَيَسقُطُ مِنْهَا الوَرْسُ، وَذَكَرَ أَبُو حَنِيفَةَ (¬1) أَنّه لا يَكُوْنُ بِغَيرِ اليَمَنِ. ووَقَعَ في بَعْضِ النُّسَخِ: "فَلْيَلْبَسِ سَرَاويلًا" مَصْرُوْفًا (¬2)، وفي بَعْضِهِ: "سَرَاويلَ" غيرُ مَصْرُوْفٍ، وَكِلاهُمَا جَائِزٌ، وَهِيَ مَسْألَةُ خِلافٍ بَينَ أَهْلِ العَرَبِيّةِ. ¬
[تخمير المحرم وجهه]
- وَ [قَوْلهُ: "إذا جَعَلَ طَرَفَيهَا جَمِيعًا سَيُوْرًا" [13 مكرر] يُروى: "سُيُوْرَةً" وَ"سُيُوْرًا" والأصْلُ: سُيُورٌ؛ وإِنَّمَا تزادُ هَذ التَّاءُ لِتأْنِيثِ الجَمَاعَةِ فَيُقَالُ: سُيُوْرٌ وسُيُوْرَةٌ وخُيُوْطٌ وخُيُوْطَةٌ، وَلَيسَ ذلِكَ بِمُطَّرِدٍ. [تَخمِيرُ المُحْرِمِ وَجْهَهُ] - وَ [قَوْلُهُ: "رَأى عُثْمَانَ بنَ عَفَّانَ بالعَرْج يُغَطِّي وَجْهَهُ"] [13]. العَرْجُ: مَوْضِعٌ بِجِهَةِ مَكَّةَ، وَإِلَيهِ يُنْسَبُ العَرْجِيُّ الشَّاعِرُ (¬1). - وَ [قَوْلهُ: "مَا فَوْقَ الذَّقْنِ"] [13 مكرر]: الذِّقْنُ: مَنْبَتُ اللِّحْيَةِ .. - وَ [قَوْلُهُ: "لَوْلَا أنَّا حُرُمٌ"] [14]: الحُرُمُ: المُحْرِمُوْنَ، الوَاحِدُ: حَرَامٌ. - وَ [قَوْلُهُ: "لَا تَنْتَقِبُ المَرْأةُ"] [15]. النِّقابُ: مَا يُسْتَرُ بِهِ الوَجْهُ، وَهُوَ مَا وُضِعَ عَلَى المَحْجَرِ، فَإِنْ قَرُبَ من العَينَينِ حَتَّى لا تَبْدُو أَجْفَانُهِمَا فَتِلْكَ الوَصْوَصَةُ، ويُقَالُ لِذلِكَ البُرْقُع: الوَصْوَاصُ، فَإِنْ أُنْزِلَ إِلَى طَرَفِ الأنْفِ فَهُوَ اللِّفَامِ -بالفَاءِ-، فَإِنْ أُنْزِلَ إِلَى الفَمِ فَهُوَ اللّثَامِ -بالثَّاءِ-. والنّقابُ -في غَيرِ هَذَا المَوْضِعِ-: أنْ يَأْتِيكَ الشَّيءُ مِنْ غيرِ مُقَدِّمَةِ يُقَال: جَاءَكَ الحَقُّ نِقَابًا ذَكَرَهُ يَعْقُوْبُ (¬2). ¬
[ما جاء في الطيب في الحج]
- وَذَكرَ حَدِيثَ ابنِ عَباسٍ فَقَال: الوَقْصُ أَنْ يَسْقُطَ الرَّجُلُ عَنْ دَابَّتِهِ فَتنْدَقَّ عُنُقُهُ. - و"الأخَاقِيقُ" (¬1): وَاحِدُهَا خُقُّ وجَمْعُ الخُقِّ. أَخْقَاقٌ، وَجَمْعُهَا: أَخَاقِيقُ، وقِيلَ: وَاحِدُ الأخَاقِيق: إِخْقيقٌ وَكَانَ الأصْمَعِيُّ يَقُوْلُ: لَخَاقِيقُ وَاحِدُهَا لُخْقُوْق. - و"الجُرْذَانُ": الفِئْرَانُ، وَاحِدُهَا: جُرْذٌ. [مَا جَاءَ في الطِّيبِ في الحَجِّ] -[قَوْلُهُ]: "كنْتُ أطَيِّبُ رَأسَ رَسُوْلَ الله [- صلى الله عليه وسلم -]، لحُرْمه (¬2) " [17]. هَذَا هُوَ المَعْرُوْفُ بِضَمِّ الحَاءِ وسُكُوْنِ الرَّاءِ، والحُرْمُ: هُوَ الإحْرَامُ. وَقَال قَاسِمٌ (¬3) في ¬
"الدَّلائِلِ": "لِحِرْمِهِ" بِكَسْرِ الحَاءِ وأَنكرَ الضَّمَّ. وَقَال: إِنما الوَجْهُ: لحِرْمِهِ مِثْل لِحِلِّهِ. وَمَا قَالهُ قَاسِمٌ غَيرُ مَعْرُوْفٍ. وإِنَّمَا الحِرْمُ: الحَرَامُ، قَال [الله] تَعَالى (¬1): ¬
[مواقيت الإهلال]
{وَحِرْمٌ (وَحَرَامٌ) عَلَى قَرْيَةٍ}. - وَ [قَوْلُهُ: "فَقَال عمر: فاذهبْ إلى شَرَبةٍ"] [20]. الشَّرَبَةُ: حُفِيرٌ يَكُوْنُ أَسْفَلَ النَّخْلِ، يُمْلأُ مَاء فَيَكُوْنُ رِيَّهَا، وجَمْعُهُ: شَرَبَاتٌ (¬1)، وَشَرَبٌ. [مَوَاقِيتُ الإهْلالِ] أَصْلُ الإهْلالِ: رَفْعُ الصَّوْتِ، يُقَالُ: أَهَلَّ الرَّجُلُ. قَال الخَلِيلُ (¬2): كَانُوا أَكْثَرَ مَا يُحْرِمُوْنَ إِذَا أَهَلُّوا فَلِذلِكَ قَال: أَهَلَّ بعُمْرَة أَوْ حَجٍّ. و"قَرْن" (¬3) و"يَلَمْلَمُ" و"يَرَمْرَمُ" -باللَّامِ والرَّاء-: جَبَلان، مَنْ صَرَفَهُمَا ¬
[العمل في الهلال]
ذَهَبَ بِهِمَا إلى الجَبَلِ أَوْ المَوْضِعِ، ومَنْ مَنَعَهُمَا الصَّرْفُ ذَهَبَ إِلَى البُقْعَةِ أَو الأكَمَةِ. ويَجُوْزُ في قَرْنٍ الصَّرْفُ وإِنْ ذُهِبَ بِهِ إلى البُقْعَةِ والأكَمَةِ؛ لِسُكُوْنِ أَوْسَطِهِ. - وَ [قَوْلُهُ: "أهَلَّ مِنَ الفُرُعِ"] [25]. يُقَالُ: "الفُرُعُ" و"الفُرْعُ" وَقَدْ مَضَى في (كِتَابِ الزَّكَاةِ). [العَمَلُ في الهْلالِ] -[وَقَوْلُهُ: "لَبيَّكَ اللَّهُمَّ لَبّيكَ"] [28]. يُقَالُ: أَلبَّ بالمَكَانِ: إِذَا لَزِمَهُ، وَمَعْنَى: "لَبَّيكَ": لزوْمًا لِطَاعَتِكَ بَعْدَ لزوْمٍ (¬1). وَمَعْنَى: "سَعْدَيكَ، مُسَاعَدَةً لَكَ بَعْدَ مُسَاعَدَةٍ (¬2) أي: مَتَى طَلَبْتَ مِنِّي إِجَابَةً أَجَبْتك مَرَّتَينِ، فالغَرَضُ مِنَ التَّثْنِيَةِ ها هنَا أَنّهُ يكوْنُ الإجَابَةُ والمُسَاعدَةُ مَتَى شَاءَ، وَكَذلِكَ قَوْلُ الدَّاعِيَ: "حَنَانَيكَ" إِنَّمَا المُرَادُ بِهِ الرَّحْمَةُ بَعْدَ الرَّحْمَةِ. والعُلَمَاءُ يَرَوْنَ أَنَّ مَعْنَى "لَبَّيكَ" إِنَّمَا هُوَ إِجَابَةً لِدَعْوَةِ إِبْرَاهِيمَ حِينَ أذَّنَ في النَّاسِ بالحَجِّ فَقَال: يَا رَبِّ وَمَا عَسَى أنْ يَبْلُغَ صَوْتي، فَقَال: أَذِّنْ وَعَلَيَّ البَلاغُ، فَصَعَدَ عَلَى الحَجَرِ فَقَال: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُتِبَ عَلَيكُمُ الحَجُّ إِلَى البَيتِ العَتِيقِ" فَسَمِعَهُ مَنْ بَينَ السَّمَاءِ والأرْضِ ¬
سَمَاعًا بالقُلُوْبِ لَا بالآذَانِ، وبَقِيَتْ صُوْرَةُ القَدَمِ في الحَجَرِ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا. - وَقَوْلُهُ: "إِنَّ الحَمْدَ والنَّعْمَةَ لَكَ" يَجُوْزُ فَتْحُ "إِنَّ" وَكَسْرُهَا وبالوَجْهَينِ جَاءَتِ الرِّوَايَةُ (¬1)، فَمَعْنَى الفَتْحِ: لَبَّيكَ لأنَّ الحَمْدَ والنِّعْمَةَ لَكَ، وتُسَمَّى هَذِهِ اللَّامُ المُقَدَّرَةُ لامَ العِلَّةِ والسَّبَبِ، كَمَا تَقُوْلُ: زُرْتُكَ طَمَعًا في مَعْرُوْفِكَ، أَي: كَانَتْ زِيَارَتي لِهَذِهِ العِلَّةِ. ومَنْ كَسَرَ الهَمْزَةَ اسْتأنَفَ وَهِيَ أَبْلَغُ في المَعْنَى؛ لأنَّه يُوْجِبُ الحَمْدَ والنِّعْمَةَ للهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ [ ... ]. - وَقَوْلُهُ: "والرَّغْبَاءُ" مَنْ ضَمَّ الرَّاءَ قَصرَ، ومَنْ فَتَحَ مَدَّ (¬2)، وهُمَا لُغَتَانِ مِثْلُ: النَّعْمَاءِ والنُّعْمَى، والبَأْسَاءِ والبُؤسَى. - وَ [قَوْلُهُ: "تَقُولُ: بيدَاؤكُمُ "] [30]. البَيدَاءُ: الفَلاةُ (¬3)؛ لأنَّهَا تُبِيدُ مَنْ سَلَكَهَا، أَي: تُهْلِكُهُ. - وَقَوْلُهُ: "الرُّكْنينِ [إلَّا] اليَمَانِيَّينِ" [31]. يُرْوَى بتَشْدِيدِ اليَاءِ وتَخْفِيفِهَا، واللُّغَةُ الفَصِيحَةُ تَخْفِيف اليَاءِ، يُقَالُ: رَجُل يَمَانٍ مَنْقُوْصٌ مِثْلُ جَوَارٍ وَقَاضٍ، وَالأصْلُ عِنْدَ النَّحْويِّينَ: يَمَنِيٌّ خُفِّفَتْ يَاءُ النَّسَبِ وعُوِّضَتِ الألِفُ مِنْهَا، وَمِنَ العَرَبِ مَنْ يُشَدِّدُ اليَاءَ ويَجْعَلُ الألِفَ زَائِدَةً لِغَيرِ العِوَضِ، قَال الشَّاعِرُ: * بُكِلِّ يَمَانِيٍّ إِذَا هُزَّ صَمَّمَا * قَال: * ... وَالبَرْقُ اليَمَانِيُّ خَوَّانُ * ¬
[القران في الحج]
- وَ [قَوْلُهُ: "النِّعَالُ] السِّبْتِيَّة"المُتَخذةُ (¬1) من السِّبْتِ وَهُوَ جُلُوْدُ البَقَرِ المَدْبُوْغَةِ بالقَرِظِ. وَقَال أَبُو زَيدٍ: هِيَ جُلُوْدُ البقَرِ خَاصَّةً، مَدْبُوغَةً كانتْ أَوْ غَيرَ مَدْبُوْغَةٍ. وَقَال الشَّيبَانِيُّ (¬2): هُوَ كُلُّ جِلْدٍ مَدْبُوغٍ. وَقَال الأصْمَعِيُّ: هِيَ الجُلُوْدُ المَدْبُوْغَةِ بالقَرِظِ. - "الحَجُّ": القَصْدُ إِلَى الشَّيءِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَمِنْهُ: المَحَجَّةُ، وإِنَّمَا هِيَ المَوْضِعُ المُتَرَدَّد، عَليه بالقَصْدِ بالمَشْيِ. - وَ"العُمْرَة": مِنَ الاعْتِمَارِ، وَهِيَ الزِّيَارَةُ، وكُلُّ زَائِرٍ معْتَمِرٌ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: دَارٌ مَعْمُوْرَةٌ. ويُقَالُ: أَحَلَّ، وحَلَّ من إِحْرَامِهِ. وحِجْرُ الإثْسَانِ وحَجْرُهُ مَكْسُوْرًا وَمَفْتُوْحًا لُغَتَانِ. [القِرَانُ في الحَجِّ] -[قَوْلُهُ: "دَخَلَ عَلَى عَلِيِّ بنِ أبي طَالِبٍ بالسُّقْيَا"] [40]. ذَكَرَ البَغْدَادِيُّ ¬
في "المَقْصُوْرِ والمَمْدُوْدِ" (¬1) سُقْيَا الجَزْلِ مَقصوْرًا، وَقَال: إِنَّهُ مَوْضِع مِنْ بِلادِ بني عُذْرَةَ، وَهِيَ قَرْيَةٌ منْ وَادِي القُرْى ولا أَعْلَمُ أَهُوَ هَذَا أَمْ لَا؟ والرِّوايَةُ ها هنَا: السُّقْيَا بالألِفِ واللامِ غَيرُ مُضَافٍ. - وَ [قَوْلُهُ: "وَهُوَ يَنْجَعُ بكرَاتٍ لَهُ"] يُقَالُ: نَجَعَ البَعِيرُ يَنْجَعُهُ، وأنجَعَهُ ويُنْجِعُهُ: إِذَا أَلقَمَهُ النَّجُوع. وهو دَقيق يعُجَنُ بوَرَقِ الشَّجرِ المَدقُوق وتُطْعَمُهُ الإبِلُ لَقْمًا. - العَرَبُ تَقُوْلُ: جَاءَ الحَاجُّ والنَّاجُّ والدَّاجُّ، فالحَاجُّ: الحُجَّاجُ بالنِّيَّةِ، والنَّاجُّ (¬2): الحَاجُّ رِيَاء وسُمْعَةً. والدَّاجُّ: أَتْبَاعُ الحَاجِّ مِنْ عَبْدٍ وَكَرِي وغيرِهِمْ، ¬
وَهُمُ الَّذِينَ يَدُجُّوْنَ على آثَارِهمْ. - وَ [قَوْلُهُ: "أثَرَ الدّقِيقِ والخَبَطِ"] الخَبَطُ -بِفَتْحِ البَاءِ-: مَا يَسْقُطُ مِنْ وَرَقِ الشَّجَرِ إِذَا خُبِطَ، فَإِنْ أَرَدْتَ المَصْدَرَ سَكَّنْتَ البَاءَ و"البَكْرَاتُ" جَمعُ بَكْرَةٍ، والذَّكَرُ بَكْرٌ، وَهِيَ الصَّغِيرَةُ من الإبِلِ. - وَ [قَوْلُهُ: "حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيًا"] الهَدْيُ مَا يُهْدَى إلى مَكَّةَ لِيُنْحَرَ. وَيُقَالُ لَهُ: هَدِيٌّ، وقُرِئَ بِهِمَا جَمِيعًا: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (¬1) وَقَال قَوْمٌ: الهَدْيُ الوَاحِدُ، والهَدِيُّ: الجَمِيع، كَمَا يُقَالُ: عَبْدٌ وعَبِيدٌ، وكَلْبٌ وكَلِيبٌ. وقِيلَ: الهَدْيُ: جَمْعُ هَدْيَةٍ كَتَمْرَةٍ وتَمْرٍ ونَخْلَةٍ ونَخْلٍ. ¬
وسُمِّيَتْ "مِنًى" لِمَا يُمْنَى فِيهَا مِنْ إِرَاقَةِ الدَّمِ، يُقَالُ: مَنَى اللهُ عَلَيهِ بِكَذَا أَي: قَدَّرَهُ وَقضَاهُ. ويُقَالُ: لِلْقَضَاءِ: المَنَى بِفَتْحِ المِيمِ، ومِنْهُ المَنِيُّ؛ لأنَّ الله قَدَّرَ خَلْقَ الحَيَوَانِ مِنْهُ، ومنه التَّمَنّي؛ لأنَّه يُقَدِّرُ أُمُوْرًا يَطْمَعُ في كَوْنهَا. واخْتُلِفَ في "عَرَفَةَ" لِمَ سُمِّيَتْ، فَقِيلَ: لاعْتِرَافِ النَّاسِ بذُنُوْبِهِمْ. وَقِيلَ: بَلْ لِصَبْرِهِمْ على القِيَامِ والدُّعَاءِ، والعَارِفُ: الصَّابِرُ، وَقِيلَ: هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ العَرْفِ وَهُوَ الطّيبُ، ومِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالى: (¬1) {عَرَّفَهَا لَهُمْ (6)} أي: طَيّبهَا، سُمِّيَتْ بِذلِكَ؛ لأنَّ مِنًى تُنْحَرُ فِيهَا الإبِلُ فَتكثر فِيهَا الدِّمَاءُ وَالأقْذَارُ، وَعَرَفَةُ طيِّبة طَاهِرَةٌ مِنْ ذلِكَ كُلِّهِ. وَقِيلَ: بَلْ كَانُوا يَسْتَعْمِلُوْنَ الطِّيبَ في المَوْسِمِ. وجَاءَ في الخَبَرِ أَنَّ آدَمُ أُهْبِطَ عَلَى جَبَلِ بالهِنْدِ يُقَالُ لَهُ: وَاشِمٌ (¬2)، وقِيلَ: الرَّاهُوْنَ، وأُهْبِطَتْ حَوَّاءُ بِجُدَّةَ فَطَلَبَ آدَمُ حَوَّاءَ فاجْتَمَعَا بِمَكَانٍ آخَرَ فَسُمِّيَ جَمْعًا فَازْدَلَفَتْ إِلَيهِ؛ أَي تَقَرَّبَتْ فَسُمِّيَ المَكَانُ المُزْدَلِفَةَ، وتَعَارَفَا بِمَكَانٍ آخَرَ فَسُمِّيَ عَرَفَةَ، وَقَال ابنُ عَبَّاسِ: إِنّمَا تسَمَّى عَرَفَاتُ لأنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يَقُوْلُ لإبْرَاهِيمَ: هَذَا مَوْضِعُ كَذَا، وهَذَا مَوْضِعُ كَذَا، فَيقُوْلُ إِبْرَاهِيمُ: قَدْ عَرَفْتُ قَدْ عَرَفْتُ. وهَذَا القَوْلُ يتضَمَّنُ أَنّها إِنَّمَا جُمِعَتْ لِتكرِيرِهِ: قَدْ عَرَفْتُ قَدْ عَرَفْتُ. أَمَّا أَهْلُ اللُّغَةِ فَقَالُوا: إِنَّمَا سُمِّيَتْ "مُزْدَلِفَة" لأنَّ النَّاسَ يَزْدَلِفُوْنَ فِيهَا، أَي: يَقْرُبُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَقِيلَ: لأنَّهُمْ يَقْرُبُوْنَ مِنْ مِنى، وَمَعْنَى ازْدَلَفَ: ¬
[جامع ما جاء في العمرة]
قَرُبَ، {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ} (¬1) قُرِّبَتْ. {وَزُلَفًا مِنَ اللَّيلِ} (¬2) وَاحِدُهَا زلفَةٌ، أَي: سَاعَةً بَعْدَ سَاعةٍ، وَمَنْزِلَةً بَعْدَ مَنْزِلَةٍ وأقَرْبَةً بَعْدَ، قَرْية، وَمِنْهُ المُزْدَلِفَةُ، قَال أَبُو عُبَيدَةَ: يَعْنِي أنَّهَا مَنْزَلَةً مِنْ بَعْدِ عَرَفَةَ. وَقِيلَ: سُمِّيَتْ مُزْدَلِفَةَ؛ لأنَّهَا تَزْدَلِفُ بالعَبْدِ إِلَى الجَنَّةِ، أي: تُقَرِّبُهُ مِنْهَا. وَ"نَمِرَة" (¬3) مَوْضِعٌ مِمَّا يَلِي الشَّامَ مِنْ عَرَفَةَ و"الأرَاكُ" (¬4) مَوْضِعٌ مَا يَلِي اليَمَنَ، سُمِّيَ بِذلِكَ؛ لأنَّهُ يُنْبِتُ الأرَاكَ، ويُقَالُ لَهُ: ذُو الأرَاكِ، ونَعْمَانُ الأرَاكِ. [جَامِعُ مَا جَاءَ في العُمرَةِ] - وَذَكَرَ حَدِيثَ سُمَيٍّ (¬5): "جَاءَتْ امْرَاةٌ فَقَالتْ: إنِّي كنْتُ تَجَهَزْتُ لِلْحَجِّ فَاعتُرِضَ لِي" [66]. اختُلِفَ في اسمُ المَرْأَةِ فَقِيلَ (¬6): أُمُّ مَعْقِلٍ، وَقِيلَ: أُمُّ ¬
[ما يجوز للمحرم أكله من الصيد]
سِنَانٍ، وَقِيلَ: أُمُّ الهَيثَمِ، والأوَّلُ أَكْثَرُ، وَهِيَ مِنْ بني أَسَدِ بنِ خزَيمَةَ وَقوْلُهَا: "اعْتُرِضَ لِي" جَاءَ مُفَسَّرًا: ضَلَّ جَمَلِي. [مَا يَجُوْزُ لِلْمُحْرِمِ أكلُهُ مِنَ الصَّيدِ] وَ [قَوْلُهُ: "تَخَلَّفَ مَعَ أصْحَاب لَهُ مُحْرِمِينَ"] [76]. يُقَالُ: تَخَلَّفَ الرَّجُلُ عَنْ أَصْحَابِهِ يَتَخَلَّفُ تَخَلُّفًا: إِذَا تأخَّرَ، واشِتقاقُهُ مِنَ الخَلْفِ، يُرَادُ: إِنَّه بَقِيَ خَلْفَهُم. - وَقَوْلُهُ: "ثُمَّ شُدَّ عَلَى الحِمَارِ" (¬1) أي: حُمِلَ عَلَيهِ، أَي: حَقَّقَ الحَمْلَةَ وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا (¬2). - وَ [قَوْلُهُ: "إِنَّمَا هِيَ طُعْمَةٌ"] الطُعْمَةُ: الرِّزْقُ، وَمَا يُطْعَمُهُ الرَّجُلُ، والطِّعْمَةُ: الهَيئَةُ والحَالُ، والطِّعْمَةُ أَيضًا: المَكْسَبُ. والطَّعْمَةُ -بِفَتْحِ الطَاءِ- المَرَّةُ الوَاحِدَةُ مِنَ الطُّعْمِ وَهُوَ الذَّوْقُ أَوْ الأكْلُ (¬3). ¬
- والصَّفِيفُ [77]: القَدِيدُ. - وَ [قَوْلُهُ: "حَتَّى إذَا كَانَ بالرَّوْحَاءِ ... "] [79]. الرَّوْحَاءُ -بالمَدِّ (¬1) -. وَالأُثَايَةُ (¬2) بِضَمِّ الهِمْزَةِ وكَسْرِهَا. والرُّوَيثَةُ (¬3) مَوْضِعٌ. والعَرْجُ (¬4): كَذلِكَ، ¬
مَا بَينَ مَكَّةَ والمَدِينَةِ. والظَبْيُ الحَاقِفُ: الَّذِي انْضمَّ إلى حُقْفٍ مِنَ الرَّمْلِ يَستَظِلُّ بِهِ. وَقَال أَبُو عُبَيدٍ (¬1): الحَاقِفُ: الوَاقِفُ المُنْحَنِي، وَكُلُّ مُنْحَرِفٍ مُحْقَوْقِفٌ، ولَيسَ لَهُ فِعْلٌ ثُلاثِيٌّ مُسْتَعْمَلٌ، إِنَّمَا يُقَالُ: احْقَوْقَفَ فَكَأنَّهُ جَاءَ عَلَى حَذْفِ الزِّيَادَة أَوْ عَلَى مَعْنَى النَّسَبِ كَمَا قَالُوا: رَامِحٌ ونَاشِبٌ ودَارعٌ، أَي: ذُو دِرْعٍ، ورُمْحٍ، ونَشَّابٍ، ولا فِعْلَ لِشَيءٍ مِنْهَا. - وَقَوْلُهُ: "لَا يَرِيبهُ أحَدٌ". كَذَا وَقَعَتِ الرِّوَايَةُ، والتقدِيرُ: لِئَلَّا يَرِيبَهُ أَحَدٌ، فَلَمَّا حُذِفَتْ "أَنْ" النَّاصِبَةُ لِلْفِعْلِ اخْتِصَارًا ارْتَفَعَ الفِعْلُ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ [تَعَالى] (¬2): {قُلْ أَفَغَيرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ} وحُكِيَ عَنِ العَرَبِ: "مُرْهُ يَجْهَرُ ¬
[ما لا يحل للمحرم أكله من الصيد]
بِهِا" وَمِثلُه (¬1): * أَلا أيهَذَا الزَّاجِرِي أَحْضُرُ الوَغَى * - وَيُروَى: "حَتَّى يُجَاورَهُ" و"يُجَاوزَهُ". - وَ [قَوْلُهُ: "يَتَوَاعَدُهُ"] [80]. وَقَعَ في بَعْضِ النُّسَح (¬2): "يَتَوَاعَدُهُ" والمَعْرُوْفُ: "يتوَعَّدُهُ", وأَمَّا يتوَاعَدُهُ فالمَشْهُوْرُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ في القَوْمِ يَعِدُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لأمْرِ يُرِيدُوْنَهُ، وَلَمْ يُسْمَعْ تَعَدِّي تَفَاعَلَ إلى مَفْعُوْلٍ إِلَّا في أَلْفَاظٍ مَحْفُوْظةٍ، وَلَيسَ هَذَا مِنْهَا. - وَ [قَوْلُهُ: "وَجَدُوْا نَاسًا أحِلَّةَ"] [81]. الأحِلَّةُ: جَمْعُ حَلالٍ كَمَا أَنَّ الحِرْمَةَ: جَمْعُ حَرامٍ في القَلِيلِ، وحُرُم في الكَثيرِ، وَلَا يُقَالُ في حَلالٍ إلَّا أَحِلَّةِ لَا غَيرُ. - "الرِّجْلُ" [82]: القِطْعَةُ مِنَ الجَرَادِ. - وَ"النَّثَر" مَاءٌ يُلْقِيهِ الإنْسَانُ من أَنْفِهِ عِنْدَ الامْتِخِاطِ، يُقَالُ: نَثرَ يَنْثِرُ ويَنْثرُ نَثْرًا ونَثيرًا. [مَا لَا يَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ أكْلُهُ مِنَ الصَّيدِ] - وَ [قَوْلُهُ: "في يَوْمٍ صَائِفٍ"] [84]. يُقَالُ: يَوْمٌ صَائِفٌ: إِذَا كَانَ مِنْ أَيَّامِ الصَّيفِ، وَلَا فِعْلَ لَهُ، وَهُوَ مِنْ بَابِ دَارعٍ وَرَامحٍ، وَقَدْ تَقَدَّمِ. - وَ [قَوْلُهُ: "بِقَطِيفَةٍ أرْجُوَانٍ"] الأرْجُوَانُ: الشَّدِيدُ الحُمْرة بِضَمِّ الهَمْزَةِ، ¬
[ما يجوز للمحرم أن يفعله]
ولا يُقَال لِغَيرِ الأحْمَر. والبَهْرَمَانُ: دُوْنَهُ في الحُمرَةِ، وَإِذا اشْتَدَّت الحُمْرَةُ قِيلَ: مُفَدَّمٌ ومُفْدَمٌ وفَدْمٌ. - وَقَوْلُهَا: "فَإِنْ تَحَلَّجَ" [85]. كَذَا أَكْثَرُ الرُّوَاةِ يَرْوُوْنَهُ، وَروايَةُ عُبَيدِ اللهِ "تَخَلَّجَ" وَلَيسَ بالمَعْرُوْفِ (¬1). أَعْنِي بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ، إلا أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ حَكَوا: مَا يتحَلَّجُ هَذَا في صَدْرِي بِحَاء مُهْمَلَةٍ في الأوْلَى، أَعْنِي: لَا أَشُكُّ فِيهِ، وَحَكَوا: اخْلَجَ بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ [في الأوْلَى] في صَدْرِهِ الهَمُّ، أَي: اصطَرَبَ وَتَحَرَّكَ، وتَخَالجَهُ الهَمُّ؛ أَي: نَازَعَهُ وجَاذَبَهُ، وَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى ذلِكَ المَعْنَى؛ لأنَّ الشَّكَّ في الشَّيءِ: اضْطِرَابٌ ومُنَازَعَةٌ، وَكِلا الرِّوايَتينِ صَحِيحَةٌ. وَ [قَوْلُهُ: "لَمْ يُرَخَّصْ لِلْمُحْرِمِ"]. يُقَال: أَرَخَصْتُ لَهُ في الشَّيءِ إِرْخَاصًا ورَخَّصْتُ تَرَخُّصًا، والأوَّل أَكْثَرُ. - وَقَوْلُهُ. "أنْ مِنْ أجْلِهِ صِيدَ" تَقْدِيرُهُ: إِنَّه مِنْ أَجْلِهِ صِيدَ فَحَذفَ الهَاءَ اخْتِصَارًا (¬2)، وَقَدْ مَضَى القَوْلُ فِيهِ. [مَا يَجُوْزُ للمُحْرِمِ أنْ يَفْعَلَهُ] - وَقَوْلُهُ: "يُقَرِّدُ بَعِيرَهُ" [92]: يَنْزَعُ عَنْهُ قُرْدَانُهُ. ¬
[ما جاء فيمن أحصر بغير عدو]
- وَقَوْلُهُ: "في طِينٍ": أي: كَانَ يُلْقِيهَا في طِينٍ لِيقْتُلَهَا بِذلِكَ. وَ"السُّقْيَا" موضعٌ (¬1). - وَ [قَوْلُهُ: "حَلَمَةً أوْ قُرَادًا"] [95]. " الحَلَمَةُ" وَ"القُرَادُ" سَوَاءٌ، غَيرَ أَنَّ الحَلَمَة أَكْبَرُ مِنَ القُرَادِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَا يَكُوْنُ صَغِيرًا لَا يَكَادُ يَتبينُ لِصِغَرِهِ، يُقَالُ لَهُ: قُمْقَامَةٌ، فَإِذَا اشْتَدَّ وتَبَيَّنَ قِيلَ لَهُ: حَمْنَانَة بِفَتْحِ الحَاءِ المُهْمَلَةِ، ثُمَّ قُرَاد، ثُمَّ حَلَمَةٌ، وَهُوَ اسْمُهُ إِلَى انْتِهَائِهِ في الكِبَرِ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّه يُسَمَّى قُرَادًا في جَمِيع أَحْوَالِهِ، وإذَا كَبُرَ حَلَمَةً (¬2). - وَ [قَوْلُهُ: "لِشَكْوٍ كَانَ بِعَينيهِ"] [94]: الشَّكْوُ، والشَّكْوَى والشِّكَاةُ، والشّكَايَةُ سَوَاءٌ. [مَا جَاءَ فِيمَنْ أُحْصِرَ بِغَيرِ عَدُوٍّ] - وَقَوْلُهُ: "أَنْ يَحِلَّا بعُمْرَةٍ ثُمَّ يَرْجِعَانِ" [103]. بالنُّوْنِ عَلَى القَطْعِ مِمَّا قَبْلَهَا، والابْتِدَاءِ كَأَنَّهُ قَال: ثُمَّ هُمَا يَرْجِعَانِ، فَأَضْمَرَ مُبْتَدَأ، وَجَعَلَ هَذَا الكَلامِ خَبَرًا عَنْهُ، والنَّصْبُ فِيمَا كَانَ دَاخِلًا في الكَلامِ الأوَّلِ، مُشَارِكًا لَهُ في العَامِلِ هُو الوَجْهُ. فَإِذَا [خَالفَهُ] (¬3) كَانَ الرَّفْعُ لا غَيرُ. - وَ [قَوْلُهُ: "أَوْ بَطْنٌ مُتَحَرِّقٌ"]: البَطنُ المُتَحَرِّقُ: الَّذِي أَصَابَتْهُ الهَيضَةُ. وَرَوَاهُ عُبَيدُ اللهِ وابنُ وَضَّاحٍ: "أو امْرَأةٌ تَطْلُقُ" بِضَمِّ اللَّامِ وفَتْحِ التَّاءِ، باثْنَتينِ. ¬
[ما جاء في بناء الكعبة]
وَرَوَى غَيرُهُمَا "تُطْلَقُ" بِضَمِّ التَّاءِ وفَتْحِ اللَّامِ، وهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ المَعْرُوْفُ؛ لأنَّه إِنَّمَا يُقَالُ: طُلِقَتْ المَرْأَةُ: إِذَا أَصَابَهَا وَجَعُ الولادَةِ، وَلَا يُقَالُ: طَلَقَتْ تَطْلُقُ إلَّا مِنَ الطَّلاقِ. [مَا جَاءَ فِي بِناءِ الكَعْبةِ] -[وَقَوْلُهُ: "ألمْ تَرَي"] [104]. رَوَى يَحْيَى: "ألَمْ تَرَ" (¬1) وسَائِرُ الرُّوَاةِ: "ألمْ تَرَي" وهُوَ الصَّوَابُ، وَالأوَّلُ: غَلَطٌ. - وَقَوْلُهُ: "اقْتَصِرُوا عَن .. " أي: قَصِّرُوا عَنْهَا: وَقَوَاعِدُ البُنْيَان: أَسَاسُهُ، وَاحِدُهُنَّ قَاعِدَةٌ. و {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ} (¬2) اللَّاتِي قَعَدْنَ عَنِ المَحِيضِ، وَاحِدَتُهُنَّ قَاعِدٌ بِغَيرِ هَاءٍ و"حِجْرُ الكَعْبة" مَكْسُوْرُ الحَاءِ لَا غَيرُ، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا حَكَى فِيهِ الفَتحَ، والقِيَاسُ يُوجِبُهُ؛ لأنَّه يُقَالُ لِحِضْنِ كُلِّ شَيءٍ: حِجْرٌ وحَجْرٌ. - وَقَوْلُهُ: "مَا أرى رَسُوْلَ اللهِ" كَانَ الوَجْهُ: فَمَا أَرَى، ولكِنْ حُذِفَتِ الفَاءُ عَلَى تَشْبِيهِ "إِنْ" الَّتِي للجَزَاءِ بـ "لَوْ" وَمِثْلُهُ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬3): {وَلَئِنْ أَتَيتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} وأَكْثَرُ مَا يَجِيءُ ذلِكَ في الأفْعَالِ المَاضِيَةِ، وَهِيَ أَكْثَرُ مَا تَصْحَبُ "لَوْ". ويَجُوْزُ فَي "أَرَى" ضَمَّ الهَمْزَةِ وفَتْحُهَا. [الرَّمَلُ في الطَّوَافِ] وَ [قَوْلُهُ: "رَمَلَ مِنَ الحَجَرِ ... "] [107]. الرَّمَلُ: سَيرٌ سَرِيعٌ كالخَبَبِ ¬
وَدُوْنَ الهَرْوَلَةِ، ويُحَرِّكُ المَاشِي فيه مَنكبَيهِ وجَنْبَيهِ لِشِدَّةِ جَرْيِهِ، وهَذَا هُوَ المُرَادُ بِقَوْلهِ: "إِذَا طَافَ بالبَيتِ سَعَى الأشْوَاطَ الثَّلاثَةَ" جَمْعُ شَوْطٍ وَهُوَ الطَّلَقُ، والمُرَادُ بِهَا هَا هُنَا الأطْوَافُ، وَهُوَ جَمْعُ طَوْفٍ وَهُوَ مَصْدَر بِمَعْنَى الطَّوَافِ، جُمِعَ لاخْتِلافِ أَنْوَاعِهِ؛ لأنَّ مِنْهُ مَا يُرْمَلُ فِيهِ، وَمَا لَا يُرْمَلُ. - وَقَوْلُهُ: "اللَّهُمَّ لَا إِلَهَ إلا أنْتَ" [109]. كَذَا الرِّوَايَةُ، والوَجْهُ فيه: "لَا هُمَّ ... " لأنَّهُمَا بَيتَانِ مِنْ مَشْطُوْرِ الرَّجَزِ (¬1) عَلَى مَذْهَبِ الأخْفَشِ، وَبَيتَانِ مِنَ السَّرِيع عَلَى مَذْهَبِ الخَلِيلِ، وَلَا تُخْرِجُهُ الزِّيَادَةُ فِيهِ عَنْ أَنْ يَكُوْنَ شِعْرًا مَخْزُوْمًا، وَمَعْنَى المَخْزُوْمِ: أَنْ تَكُوْنَ في أَوَّلِهِ زِيَادَةٌ لَا يَتَّزِنُ البَيتُ إِلَّا بإِسْقَاطِهَا كَقَوْلِ طَرَفَةَ (¬2): هَلْ تَذْكُرُوْنَ إِذَا نُقَاتِلُكُمْ ... لَا يَضُرُّ مُعدِمًا عَدَمُهْ فَهَذَا لَا يَتَّزِنُ إِلَّا بإِسْقَاطِ "هَلْ" فَإِنْ كَانَ في أَوَّلِ البَيتِ نَقْصٌ وَنُقْصَا [نٌ] سَمَّوْهُ مَخْرُوْمًا (¬3) بالرَّاءِ المِهْمَلَةِ، يَقُوْلُ امْرُؤُ القَيسِ: * دع عَنْكَ نَهْبًا ... * (¬4) ¬
[الاستلام في الطواف]
[الاسْتِلامُ في الطَّوَافِ] ويُقَالُ: اسْتَلَمْتُ الحَجَرَ واسْتَلأمْتُهُ لُغَتَانِ: قَال بَعْضُ اللُّغَويِّينَ: الهَمْزُ غَلَطٌ وشُذُوْذ (¬1)؛ لأنَّ افْتَعَلْتُ من السَّلِمَةِ وَهِيَ الصَّخْرَةُ والجَمْعُ سِلامٌ. وقَال بَعْضُهُم: لَيسَ الهَمْزُ بِغَلَطٍ؛ لكِنَّهُ مِمَّا زِيدَتِ الهَمْزَة فيه وَسَطًا كَقَوْلهِمْ: شَأْمَلٌ وشَمْأَلٌ، وَهُمْ يَقُوْلُوْنَ في تَصْرِيفِ فِعْلِهِ شَمِلَتِ الرَّيحُ تَشمَلُ فَلَا يَهْمُزُوْنَ. وَقَال بَعْضهُمْ: اسْتَلأَمْتُ اسْتفعَلْتُ مِنْ لأمْتُ بَينَهُمَا: إِذَا جَمَعْتُ، أَرَادُوا بِذلِكَ اجْتِمَاعَ الكَفِّ مَعَ الشَّيءِ المَلْمُوْسِ فالهَمْزَةُ عَلَى هَذَا أَصْلٌ، والسِّينُ زَائِدَةٌ، وَفِي الأوَّلِ أَصْلٌ؛ لأنَّهَا فَاءُ الفِعْلِ؛ إِذْ وَزْنُهَا افْتَعَلْتُ قَالهُ ابنُ الأعْرَابِي. ¬
[ركعتا الطواف]
- وَ [قَوْلُهُ: "وَكَانَ لَا يَدَعُ اليَمَانِي"] [114]. الأفْصَحُ في الرُّكْنِ اليَمَانِي تَخْفِيفُ اليَاءِ. ومِنْهُمْ مَنْ يُشَدِّدُهَا (¬1). [رَكعَتَا الطَّوَافِ] -[وَقَوْلُهُ: "لَا يَجْمَعُ بينَ السُّبْعَينِ"] [116]. في بَعْضِ النُّسَخِ "السَّبْعَينِ" بفَتْحِ السِّينِ، وفي بَعْضِهَا بالضَمِّ، فَمَنْ فَتَحَ -وَهُوَ الوَجْهُ- جَعَلَهُ جَمْعًا، وأَنَّثَ عَلَى مَعْنَى الطَّوْفَاتِ؛ أَوْ لأنَّه حَمَلَهُ عَلَى مَعْنَى الجَمْعِ؛ إِذْ كَانَتْ الأطْوَافُ تُؤَنثُ وتُذَكَّرُ. وَمَنْ ضَمَّ جَعَلَهُ اسْمًا مُفْرَدًا بِمَعْنَى الأسْبُوع، والأسْبُوع: اسم مُفْرَدٌ يُرَادُ بِهِ الجَمْعُ ولَيسَ بِجَمْعٍ، والسُّبُوع: جَمْعُ سِبع كَفِلْسٍ وفُلُوْس. - وَ"الأطْوَافُ": جَمْعُ طَوْفي، وَهُوَ مَصْدَر بِمَعْنَى الطَّوَافِ. يُقَالُ: طَافَ طَوْفًا، وَطَوَافًا، وطَوَافَانًا. ويُحْتَمَلُ أَنْ يَكُوْنَ جَمْعَ طَوَافٍ عَلَى حَذْفِ الزِّيَادَةِ كَمَا قَالُوا: أَغْثاءٌ وغَثَاءٌ وكَمِيٌ وأَكْمَاءٌ. [وَدَاعُ البيتِ] والتَّوْدِيع: مَصْدَرٌ، والوَدَاعِ: اسم وُضِعَ مَوْضِعِ المَصْدَرِ مِثْلُ المَتَاعِ والتَّمْتِيع. - وَ [قَوْلُهُ (¬2): {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)}] [120]. شَعَائِرُ اللهِ: مَعَالِمُهُ الّتِي نَدَبَ إِلَيها، الوَاحِدَةُ شَعِيرَةٌ كَالصَّفَا والمَرْوَةِ، والبُدْنِ المُهْدَاةِ إلى البَيتِ، وهَذه هِيَ المُرَادُ في الآيَةِ، وَهِيَ مِنْ أَشْعَرْتُ بالشَّيءِ: إِذَا أَعْلَمْتُ بِهِ، وإشِعَارُ البُدْنِ: أَنْ يُطْعَنَ في أَسْنِمَتِهَا حَتَّى تَدْمَى وتُعَلَّقُ ¬
عَلَيهَا نَعْل فيُعْلَمَ أنَّها بَدَنَةٌ (¬1). - وَقَوْلُهُ: (¬2) {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}. هو إِهْدَاؤُهَا إِلَى البَيتِ. ويُقَالُ: مَحِلٌّ وَمَحَلٌّ بِكَسْرِ الحَاءِ وَفَتْحِهَا، وَهُوَ مِنْ حَلَّ يَحِلُّ: إِذَا وَجَبَ. وسُمِّيَ البَيتُ عَتِيقًا؛ لأنَّه أُعْتِقَ مِنَ الجَبَابِرَة فَلَمْ يَغْلِبْ عَلَيهِ جَبَّارٌ. وَقِيلَ: مِنَ الطُّوْفَانِ. وَقِيلَ: قَوْلُه (¬3): {لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيتِ}؛ أَنَّ البَيتَ رُفِعَ وَبَقِيَ مَكَانَهُ. وَقِيلَ: العَتِيقُ: القَدِيمُ بِدَلِيلِ قَوْلهِ (¬4): {إِنَّ أَوَّلَ بَيتٍ}. - وَ [قَولُهُ: "رَدَّ رَجُلًا مِنْ مَرِّ الظَّهْرَانِ"] [121]. مَرُّ الظَّهْرَانِ: مَوْضِعٌ عَلَى سِتَّةَ عَشَرَ مِيلا مِنْ مَكَّةَ (¬5). ¬
[جامع الطواف]
- وَ [قَوْلُهُ: "مَنْ أفَاضَ ... "] [122]. الإفَاضَةُ: الدَّفعُ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: "فَقَدْ قَضَى حَجَّه" وَكَذَا رَوَاهُ ابنُ وَضَّاحٍ، وَفِي بَعْضِهَا: "وَقَدْ قَضَى الله حَجَّه) بِنَصْبِ "الله" كَمَا تَقُوْلُ: قَضَيتُ الرَّجُلَ دَينَهُ، وَفِي بَعْضِهَا بِرَفْعِ "اللهُ" أَي: أَعَانَهُ اللهُ عَلَى ذلِكَ وَأَتَمَّهُ لَهُ. -وَقَولُهُ: "فَلْيَرْجِعُ ويَطُوفُ". الوَجْهُ فِيهِمَا الرَّفْعُ، عَلى مَعْنَى فَهُوَ يَرْجَعُ ويَطُوْفُ. [جَامِعُ الطَّوَافِ] - وَ [قَوْلُه: "هَرَقْتُ الدِّمَاءَ"] [124]. يُقالُ: هَرَقْتُ المَاءَ وأَهْرَقْتُهُ: لُغَتَان (¬1) لَا غَيرُ. وَوَقَعَ في بَعْضِ النُّسَخِ: "هُرِقَتْ الدِّمَاءِ", وَهُوَ خَطَأٌ، والصَّوَابُ: هَرَقْتُ بِمَعْنَى أَرَقتُ فَأَبْدَلُوا مِنَ الهَمْزَة هَاءً. - وَ [قَوْلُهُ: "فَاغْتَسِلِي ثُمَّ اسْتَثْفِرِي"] يُقَالُ: استَثْفَرَ الكَلْبُ والسَّبُعُ: إِذَا ¬
[جامع السعي]
أَدْخَلَ ذَنبهُ بَينَ فَخْذَيهِ حَتَّى يُلْصِقَهُ بِبَطْنِهِ (¬1). - وَ [قَوْلُه: "إِذَا دَخلَ مَكَّةَ مُرَاهِقا"] [125]. وَقَعَ فَي بَعْضِ النُّسَح "مُرَاهَقًا" بِفَتْحِ الهَاءِ، وَفِي بَعْضِهَا بالكَسْرِ وَهُوَ الوَجْهُ، وَمَعْنَاه: العَارِفُ لِلأَمْرِ المُشْرِفُ عَلَيهِ، وَمَعْنَاهُ هُنَا: الَّذِي يَكَادُ يَفُوْتُهُ الوُقُوْفُ بعَرَفَةَ ويَتَوَقَّعُ ذلِكَ. [جَامعُ السَّعيِ] - وَقَوْلُهُ: "وَأنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ"] [129]. يُقَالُ: رَجُلٌ حَدِيثُ السِّنِّ، فَإِذَا لَمْ تُذْكَرِ السِّنَّ قُلْتَ: حَدَثٌ لا غَيرُ، وَمَنْ قَال: حَدَثُ السِّنِّ: فَقَدْ أَخْطَأَ. - وَ"الصَّفَا": جَمْعُ صَفَاةٍ، وَهِيَ الصَّخْرَةُ المَلْسَاءُ. - وَ"المَرْوَةُ": حِجَارَةٌ شَدِيدَةُ الصَّلابَةِ، والجَمْعُ: مَرْوٌ (¬2). - وَ"كَلَّا": كَلِمَةٌ مَعْنَاهَا الزَّجْرُ, وَقِيلَ: هِيَ بِمَعْنَى "لَا" (¬3). - وَ"الجُناحَ": الإثْمُ، مِنَ جَنَحَ عن الشَّيءِ: إِذَا مَال عَنْهُ في شِقٍّ؛ سُمِّيَ بِذلِكَ؛ لأنَّه مَيلٌ عَنِ الطَّاعةِ وانْحِرَافٌ عَنْهَا. - وَ"الإهْلالُ": رَفْعُ الصَّوْتِ بالتكْبِيرِ. - وسُمِّيت: "مَناة" لما يُمنَى فيها مِنَ الدَّمِ؛ أَي: يُرَاقُ. ¬
[صيام يوم عرفة]
- ويُقَالُ: جَلَسْتُ حِذَاءَهُ، وَحَذْوَ، وَحَذْوَتَهُ وحُذوَتَهُ، أي: قُبَالتَهُ. - وَ"قُدَيدُ": اسْمُ مَاءٍ، وصَغَّرُوه تَشْبِيهًا بالقُدَيدِ، وهي الشِّرَاكُ الصَّغِيرُ (¬1). - وَ"الحَرَجُ": الإثْمُ، وأَصلُهُ: الشَّجَرُ الكَثيرُ المُلْتفُّ، الوَاحِدَةُ: حَرَجَةٌ. - وَقَوْلُهُ: "لِيَرْجِعْ فَلْيَطُفْ بالبيتِ ثُمَّ ليَسْعَ" [121]. وَقَعَ في بَعْضِ النُّسَخِ: "ثُمَّ يَسْعَى" والوَجْهُ: أَنْ يَكُوْنَ عَلَى تَقْدِيرِ: ثُمَّ هُوَ يَسْعَى إِنْ صَحَّتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ. [صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةِ] - وَ [قَوْلُهُ: " ... أنَّ نَاسًا تَمَارَوْا"] [132]. التَّمَارِي عَلَى ضَربين؛ أَحَدُهُمَا: الشَّكُّ في الشَّيءِ. والآخرُ: الجِدَالُ، والحَدِيثُ يَحْتَمِلُ المَعْنيَينِ. - وَقَوْلُهُ: "عَنِ الرَّجُلِ يَلْقَي الرَّجُلَ" "يَلْقَى" عِنْدَ الكُوفيِّين صلَةُ الرَّجُلِ؛ لأنَّهُم يُجِيزُوْنَ وَصْلُ مَا فِيهِ الألِفُ واللَّامُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَارِيًا عَلَى الفِعْلِ. وَهُوَ في مَوضْعِ نَصْبٍ عِنْدَ البَصْرِيِّينَ على الحَالِ. - وَقَوْلُهُ: "وَلَقَدْ رَأيتُهَا يَوْمَ عَرَفَةَ يَدْفَعَ الإمَامُ ثُمَّ يَقِفُ ... " [133]. ¬
[ما يجوز من الهدي]
مَوْضِعُ الجُمْلَةِ الَّتِي هِيَ: "يَدْفَعُ الإمَامُ" مَوْضِعُ نَصْبٍ عَلَى الحَالِ [فَإِنْ قُلْتَ]: كَيفَ يَجُوْزُ أَنْ تكوْنَ حَالًا مِنَ التَّاءِ وَلَيسَ فِيهَا ضَمِيرٌ يَرْجعُ إِلَى صَاحِبِهَا وحُكُمُ الحَالِ [أَنْ يَكُوْنَ فِيهَا ضَمِير يَرْجِعُ إِلَى مَنْ هِيَ لَهُ وإِلّا لَمْ يَصِحَّ، وَ [لَوْ] قَال قَائِل: رَأَيتُ زَيدًا يَخْرُجُ عَمْروٌ لَمْ يَصِحَ حَتَّى يَقُوْلَ: إِلَيهِ أَوْ في حَاجَتِهِ؟ . والجَوَابُ: أَنّه إِنَّمَا جَازَ؛ لأنَّ قَوْلَهُ: "ثُمَّ يَقِفُ" فِيهِ] (¬1) ضَمِير يَعُوْدُ إلى الهَاءِ، وَهُوَ مَعْطُوْفٌ عَلَى "يَدْفَعُ"؛ لأنَّ المَعْطُوْفَ والمَعْطُوْفَ عَلَيهِ ها هنَا من جُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَوْ كَانَا جُمْلَتينِ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ ضَمِيرٍ في كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. - وَقَوْلُهُ: "حَتَّى يَبيَضَّ مَا بينهما وبينَ النَّاسِ" أي: يَخْلُو مِنَ النَّاسِ. والعَرَبُ تُسَمِّي النَّقَاءَ بَيَاضًا، وإِنْ كَانَ لَا بَيَاضَ هُنَاكَ (¬2). [مَا يَجُوْزُ مِنَ الهَدْيِ] - وَ [قَوْلُهُ: "إِذَا نُتِجَتِ النَّاقَةُ"] [143]. يُقَالُ: نُتِجَتِ النَّاقَةُ عَلَى صِيغَةِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ: إِذَا وَلَدَتْ. وأَنْتَجَتْ -بِفَتْحِ الهَمْزَةَ والتَّاءِ- إِذَا حَانَ نِتَاجُهَا. ونَتَجَهَا صَاحِبُهَا: إِذَا تَوَلَّى أَمْرَ نِتَاجِهَا، هَذَا قَوْلُ الجُمْهُوُرِ (¬3). ¬
[العمل في الهدي حين يساق]
- وَ"المِحْمَلُ" بِكَسْرِ المِيمِ الأوْلَى وفَتح الثانِيَةِ. - وَ [الفَادحُ] [144]: يُقَالُ: فَدَحَنِي الأمْرُ، والفَادح: العَنِيف الثقيلُ. [العَمَلُ في الهَدْيِ حِينَ يُسَاقُ] - وَ [قَوْلُهُ: "كَانَ يُجَلِّلُ بَدَنَهُ القُباطيُّ"] [146]. القُبَاطِيُّ: ثِيَابٌ بِيضٌ مِنْ كتَّان تُتَّخَذُ بِمِصْرَ وَاحِدُهَا قُبْطِيّةٌ (¬1). - وَ"تَجْلِيلُ الشَّيءِ": تَغْطيتُهُ وسَتْرُهُ. ويُقَالُ لِمَا يُسْتَرُ بِهِ الدَّابَّةُ: جِلالٌ، والجَمْعُ: أَجِلَّةٌ، وَجُلٌّ والجَمْعُ (¬2): أَجْلالٌ وجِلالٌ، فَالجِلالُ يَكُوْنُ وَاحِدًا ويَكُوْنُ جَمْعًا. -[وَ] قَوْلُهُ: "فَأَزْحَفَتَا" مَعْنَاهُ: أَعْيَتَا، يُقَالُ: زَحَفَتِ النَّاقَةُ وأَزْحَفَتْ (¬3)، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: "فَأُزْحِفَتَا" أَي: أَنَّ السَّيرَ أَزْحَفَهُمَا. - وَقَوْلُهُ: "سَقَطْتَ" كَانَ الوَجهُ: سَقَطْتُمَا، ويُحْتَمَلُ أَنْ يَكُوْنَ السَّائِلُ لَهُ أَحَدَهُمَا وَهُوَ المُخَاطَبُ بـ "سَقَطْتَ" ونسْبَةُ السُّؤَالُ إِلَيهِمَا جَمِيعًا مَمَّا يَقْدَحُ في هَذَا التّأويلِ؛ لأنَّ الإخْبَارَ قَدْ يَقَعُ عَلَى الجَمَاعَةِ وإِنَّمَا كَانَ الفِعْلُ مِنْ بَعْضِهِمْ. ويُحْتَمَلُ أَنْ يَكُوْنَا سَأَلاهُ مَعًا فَأفرَدَ هُوَ أَحَدَهُمَا بالجَوَابِ، كَمَا قَال ¬
[العمل في الهدي إذا عطب أو ضل]
تَعَالى: (¬1) {فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117)} فَأفرَدَ آدَمَ. [العَمَلُ في الهَدْي إِذَا عَطَبَ أوْ ضَلَّ] - وَقَوْلُهُ: "فَخَلِّ بينهما وَبينَ النَّاسِ يَأكلُوْنَهَا" [148، 149]. الرِّوَايَةُ كَذَا بالنُّوْنِ، ويَجُوْزُ حَذْفُهَا عَلَى جَوَابِ الأمْرِ، وإِثْبَاتُهَا عَلَى أَنْ تُجْعَلَ في مَوْضِعِ الحَالِ، وَمِثَالُ الوَجْهَينِ قَوْلُهُ [تَعَالى] (¬2): {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا} هَذَا في حَذْفِهَا، وَفِي إِثْبَاتِهِا (¬3): {ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91)}. - والرِّوَايةُ -أيضًا-: "لَا يَأكُلُ صَاحِبُ الهَدْيِ مِنَ الجَزَاءِ والنُّسُكِ" [150]. عَلَى مَعْنَى "لَيسَ يَأْكُلُ" وَلَو جَزَمَ عَلَى مَعْنَى النَّهْي [لَكَانَ حَسَنًا] (¬4)، وَفِيهِ -وإنْ كَانَ مَرْفُوْعًا- مَعْنَى النَّهْيِ كَمَا في قَوْلهِ [تَعَالى] (¬5): {لَا تَخَافُ دَرَكًا} فِيهِ مِنْ مَعْنَى النَّهْيِ مِثْلُ (¬6) مَا في قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ {لَا تَخُفْ} مَجْزُوْمًا (¬7). ¬
[هدي المحرم إذا أصاب أهله]
- ويُقَالُ: "نُسُكٌ" وَ"نُسْكٌ": وَهِيَ الذَّبِيحَةُ الَّتِي يتُقَرَّبُ بِهَا خَاصَّةً. [هَدْيُ المُحْرِمِ إِذَا أصَاب أهْلَهُ] -[وَ] قَوْلُهُ: "ثُمَّ عَلَيهَا حَجُّ قَابِلٍ ... ومنْ عَامٍ قَابِلٍ" [151]. يَجُوْزُ تَنْوينِ العَامِ وتَرْكُ تَنْوينهِ. فَمَنْ نَوَّنَهُ جَعَلَ القَابِلَ صِفَةً لَهُ، ومَعْنَاهُ كَمَعْنَى مُقْبِل؛ لأنَّه يُقَال: أَقْبَلَ وقَبَلَ، ودَبَرَ وأَدْبَرَ. وَمَنْ لَمْ يُنَوِّنْ أَرَادَ -عِنْدَ البَصْرِيِّينَ- مِنْ عَامِ وَقْتِ قَابِلٍ, [أَوْ] زَمَنِ قَابِل، فَحَذَفَ المَوْصُوْفَ وأَقَامَ الصِّفَةَ مَقَامَهُ. - وَ [قَوْلُهُ: "وإنْ لَمْ يَكُنْ ماءٌ دَافِقٌ"] [152]. يُقَالُ: دَفَقَ المَاءُ وانْدَفَقَ، ودَفَقْتُهُ أَنَا: إِذَا دَفَعْتُهُ، اسْتَوَى فِيهِ النَّقْلُ وَغَيرُ النَّقْلِ، كَمَا قَال: غَاضَ المَاءُ وَغِضْتُهُ، ونزحَ ونزحْتُهُ. [مَنْ أصَابَ أهْلَهُ قَبْلَ أنْ يُفِيضَ] - وَ [قَوْلُهُ: "سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ وَقَعَ بِأَهْلِهِ"] [155]. وَقَعَ الرَّجُلُ بِامْرَأَتِهِ: إِذَا جَامَعهَا. [جَامِعُ الهَدْيِ] - وَ [قَوْلُهُ: "وَقَدْ ظَفَرَ رَأسَهُ"] [126]. يُقَالُ: ظَفَرَ رَأْسَهُ: إِذَا لَوَى شَعْرَهُ وَجَمَعَهُ، ويُرْوَى بالتَّشْدِيدِ والتَّخْفِيفِ (¬1)، ويُقَال لِلنَّاصِيَةِ: ضَفِيرَةٌ، والجَمْعُ: ضَفَائِرٌ. -[وَقَوْلُهُ: "فَقَال اليَمَانِي"]. يُقَال في النِّسْبَةِ إلى اليَمَنِ: يَمَنِي، ويَمَانِي، ويَمَانٍ مَنْقُوْصٌ (¬2) [ ... ]. ¬
-[وَ] قَوْلُهُ: "خذ مَا تَطَايَر من شَعْرِكَ" [162]. أي. ارتَفَعَ وخَرَجَ عن حَدِّهِ ومَوْضِعِهِ، وَمِنْهُ تَطَايُرُ الغُبَارِ، وطَارَ الرَّجُلُ إِذَا غَضِبَ فَاسْتَخَفَّه الغَضَبُ وأَزْعَجَهُ. - وَ"الصُّفَّةُ" [161]: بِنَاءٌ وكَانَ خَارِجَ المَسْجِدِ. - وَ"القُروْنُ": النَّوَاصِي. - وَ"المِقَصَّان": لَفْظٌ مُثنَّى يُرَادُ بِهِ واحد (¬1)، وإِنَّمَا ثنّوا لأنَّهُم سَمَّوا كُلَّ حَدِيدَةٍ مِنْهَا مَقَصًّا، وكَذلِكَ: المِقْرَاضَانِ، والجَلَمَانِ، قَال أَبُو حَاتِمٍ: ولا يُقَالُ: مِقْرَاضٌ ولا جَلَمٌ وَلَا مِقَصٌّ، وتَابَعَهُ عَلَى ذلِكَ يَعْقُوْبُ، وَلَيس ذلِكَ بِصَحِيحٍ؛ لأنَّ هَذِهِ الألْفَاظُ قَدْ وَرَدَتْ مُثنَاةً وَمُفْرَدَةً في فَصِيحِ النَّثر والنَّظْمِ. -[وَقَوْلُهُ]: "وَقَوْلُ امْرَاةٍ مِن أهْلِ العِرَاقِ: مَا هَدْيُهُ .. " [162]. اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ في ضَبْطِهِ في المَوَاضِعِ الثَّلاثَةِ، فَرُويَ هَديه وَهَدِيُّهُ، وَهُمَا لُغَتَانِ قَرَأَهُمَا القُرَّاءُ في قَوْلهِ [تَعَالى] (¬2): {الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} وتَلْخِيصُ مَعْنَى الحَدِيثِ: إِنَّ ¬
[الوقوف بعرفة والمزدلفة]
ابنُ عُمَرَ لَمَّا أَمَرَ اليَمَانِيَّ بأَنْ يُهْدِيَ، سَألتهُ المَرْأَةُ عَنِ الهَدْيِ الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ مَا هُوَ؟ فَقَال ابنُ عُمَرَ: هُوَ هَدْيُهُ المَعْرُوْفُ في مثل فِعْلِهِ، فَلَمْ يُقْنِعْهَا ذلِكَ حَتَّى كَرَّرَتْ السُّؤَال فَقَالتْ: وَمَا هَدْيُهُ المَعْرُوْفُ؟ أَي: عَيِّنْ لَنَا مَا هُوَ؟ فَأَعْلَمَهَا أَنَّ الهَدْيَ ليسَ بِشَيءِ مُعَيَّنٍ لَا يَجُوْزُ غَيرُهُ، وَلكِنَّهُ مَا أَمْكَنَ وتَيَسَّرَ وَلَوْ شَاةٌ، وأَعْلَمَهَا أَنَّ الشَّاةَ مَعَ أنّهَا أَقَلُّ مَا تُهْدِى أَفْضَلُ مِنَ الصِّيَامِ". ونَظِيرُ قَوْلهِ قَوْلُكَ: أَكْرَمْ أَبَاكَ إِكْرَامَهُ أَي: إِكْرَامَهُ المَعْرُوْفُ، أَي: الوَاجِبُ لَهُ عَلَيكَ، أَو المُتَعَيِّنُ لِمِثْلِهِ. وفي بَعْضِ النُّسَخِ "هَدْيُهُ فَقَالتْ: مَا هَدْيُهُ، أَي هَدِيَّةٍ من الهَدَايَا"؟ والأَوَّلُ هوَ الوَجْهُ. [الوُقُوْفُ بِعَرَفَةَ والمُزْدَلَفَةَ] -[قَوْلُهُ: "قَال مَالِكٌ قَال اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى (¬1): {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَال فِي الْحَجِّ} قال: فالرَّفَثُ: ... "] [167]. فَسَّر مَالِكٌ رحمه الله و"الرَّفَثَ" و"الفُسُوْقَ" و"الجِدَال" قَال: وفي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا خِلافٌ. قيلَ في "الرَّفَثِ": هُوَ التَّعْرِيضُ بالنِّكاحِ، قَال ذلِكَ ابنُ عَبَّاسٍ وابنُ الزبَيرِ (¬2) وحُجَّتُهُمَا قَوْلُ العَجَّاج في الحُجَّاجِ (¬3): ¬
وَرُبَّ أَسْرَابِ حَجِيجٍ كُظَّمِ ... عَنِ اللَّغَى وَرَفَثِ التَّكَلُّمِ فَجَعَلَ الرَّفَثُ كَلامًا. وَفِي "العَينِ" (¬1): الرَّفَثُ: الجِمَاعُ، والرَّفَثُ: الفُحْشُ، فَجَمَعَ بَينَ القَوْلَينِ. ورَوَى رَفِيعٌ (¬2) عَنْ أَبِي العَالِيَةِ قَال: خَرَجْنَا مَعَ ابنِ عَبَّاسٍ ¬
حُجَّاجًا فأحرَمَ وأَحْرَمْنَا، ثُمَّ نزلَ ابنُ عَبَّاسٍ يَسُوْقُ الإبِلَ وَهُوَ يَرتَجِزُ (¬1): وَهُنَّ يَهْمِسْنَ بِنَا هَمِيسَا ... إِنْ تَصْدُقُ الطَّيرُ نَنِكْ لَمِيسَا فَقُلْتُ: يابنَ عَبَّاسٍ ألسْتَ مُحْرِمًا؟ ! قَال: بَلَى، إِنَّه لَا يَكُوْنُ الرَّفَثُ إلَّا مَا وَاجَهْتَ بِهِ النِّسَاءَ. وَفِي هَذِهِ الحِكَايَةَ كَمَا تَرَى فُحْشُ المَنْطِقِ، وَزَجْرُ الطَّيرِ المَنْهِيِّ عَنْهُ، فَحَصَلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الرَّفَثَ كَلِمَةٌ يُرادُ بِهَا كُلُّ مَا يَفْحُشُ سَمَاعُهُ أَوْ اطلاعٍ عليه من نكَاحٍ وقَبِيحِ كَلامٍ (¬2). - وأمَّا "الفُسُوْقُ" فَقِيلَ: إِنَّه السِّبَابُ، قَال - عليه السلام -: "سِبابُ المُسْلِمِ فُسُوْقٌ" وأمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فِيهِ وَحُجَّتُهُ فَلَا أَعْرِفْهَا لِغَيرِهِ، وَقَال عَطَاءٌ وَقُتَادَةُ: هو المَعَاصِي، وَقَال ابنُ عُمَرَ: هُوَ (¬3) المَعَاصِي في الحَرَمِ في صَيدٍ وغيرِهِ، والاشْتِقَاقُ يُعْطِي أَنّه الخُرُوْجُ عَنْ مَا يَجِبُ إِلَى مَا لَا يَجِبُ. ¬
- وَ"الجِدَالُ" يَكُوْنُ المُمَارَاةُ (¬1)، وَهُوَ نَحْوَ مَا ذَهَبَ إلَيهِ مَالِكٌ، وذَهَبَ مُجَاهِد إِلَى أَنَّ مَعْنَى "لَا جِدَال في الحَجِّ" أَي: لَا جِدَال في أَنَّ الحَجَّ في ذي الحِجَّة (¬2)، وَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ، وشَرْحُهُ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَنْسَؤُوْنَ الشُّهُوْرَ فَيُحِلُّوْنَ الحَرَامَ مِنْهَا ويُحَرِّمُوْنَ الحَلال علَى حَسَبِ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيهِ في حُرُوْبِهِمْ، فَكَانُوا إِذا صَدَرُوا عَن مِنًى قَامَ رَجُلٌ مِنْ بني كِنَانَةَ يُقَالُ لَهُ: نُعَيمُ بنُ ثَعْلَبَةَ (¬3) فَيقُوْلُ: أَنْسِئنَا ¬
شَهْرًا، أَي: أَخِّرْ عَنَّا حُرْمَةَ المُحَرَّم فاجْعَلْهَا في صَفَرٍ؛ لأنَّهُم كَانُوا يَكْرَهُوْنَ أَنْ يَتَوَالى عَلَيهِمْ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ لَا يُغِيرُوْنَ فِيهَا، فَيُحِل لَهُّمَ المُحَرَّمَ ويُحَرِّمُ صَفَرًا، فَيَسْتَمِرُّوْنَ عَلَى ذلِكَ مُدَّةً، وَقَدْ كَانَ صَفَرُ أَوَّل سَنَتِهِمْ مَكَانَهُ، وصَارَ المُحَرَّمُ مَكَانَ ذِي الحِجَّةِ، ثُمَّ يَعْرِضُ لَهُم غَرَضٌ يَحْتَاجُوْنَ فِيهِ إِلَى الحَرْبِ، فَيَرْغَبُوْنَ إِلَى سَيِّدِهِم أَنْ يُؤَخِّرَ تَحْرِيمَ المُحَرَّمِ أَيضًا إلى صَفَرِ فَيَتأخَّرُ التَّحْرِيمُ إلى رَبِيع الأوَّلِ ¬
ويَصِيرُ صَفَرُ هو ذُو الحِجَّةِ، وَلَا يَزَالُوْنَ يَفْعَلُوْنَ هكَذَا حتَّى يَسْتَدِيرَ التَّحْرِيمُ والتَّحْلِيلُ عَلى شُهُوْرِ السَّنَةِ كُلِّهَا، وكَذلِكَ الحَجُّ، فاتَّفَقَ أَنَّ حَجَّ رَسُوْلِ الله [- صلى الله عليه وسلم -]، وَقَدِ اسْتَدَارَ الحَجُّ حَتَّى رَجَعَ إِلَى ذِي الحِجَّةِ فَخَطَبَ النَّاسَ وَقَال: "وإنَّ الزَّمَانَ قَدْ استَدَارَ كَهَيئتِهِ يَومَ خَلَقَ اللهُ السمَواتِ والأَرْضَ فَلَا حَجَّ إلَّا في ذِي الحِجَّةِ". -[وَقَوْلُهُ: "عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ"] [166]. يُرْوَى: "عُرُنَةَ" و"عُرَنَةُ" بضَمِّ الرَّاءِ وفَتْحِهَا. ويُقَالُ: "مُزْدَلِفَةُ" و"المُزْدَلِفَةُ" وَهِيَ في الأصْلِ صِفَةٌ، ثُمَّ نُقِلَتْ إِلَى أَنْ يُسَمَّى بِهَا المَوْضِعَ فَجَرَتْ مَجْرَى قَوْلهِمْ -في الأعْلامِ- عَبَّاسٌ والعبَّاسُ [ ... ]. - وَ"مُحَسِّرٌ" (¬1): مِنْ حَسَرْتُ البَعِيرُ وحَسَّرْتُهُ: إِذَا مَشَيتُ بِهِ حَتَّى يَهْزُلَ فَكَأنَّه سُمِّيَ بِذلِكَ؛ لأنَّه يُهْزِلُ الإبِلَ إِذَا سَارَتْ فِيهِ. ويُقَالُ: وَضَعَ البَعِيرُ وأَوْضَعَهُ صَاحِبُهُ. - وَ"قُزَحُ" (¬2): مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنَ المُزْدَلِفَةِ، وَهُوَ غَيرُ مَصْرُوْفٍ بِمَنْزِلَةِ عُمَرَ وزفُرَ، كَأَنَّهُ مَعْدُوْلٌ عَنْ قَازحٍ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ قَوْلهمْ: قَزَحَتِ القِدْرُ وَقَزَّحْتُهَا: إِذَا جَعَلْتُ فِيهَا الأقْزَاحَ وَهِيَ التَّوَابِلُ، وَاحِدُهَا قُزْحٌ، وَمِنْ قَوْلهِمْ: قَزَّحْتُ الحَدِيثَ إِذا زيَّنتُهُ، وَمِنْهُ قَوْسُ قُزَحٍ للألْوَانِ المُخْتَلِفَةِ فِيهِ، ويُقَالُ: إِنَّ قُزَحَ اسْمُ شَيطَانٍ. والقُزَحُ الطَّرَائِقُ، جَمْعُ قَزْحَةٍ. ¬
[السير في الدفعة]
[السِّيرُ في الدَّفْعَةِ] - قَال بَعْضُ اللُّغَويِّينَ: يُقَالُ: فُرْجَةٌ بِضَمِّ الفَاءِ فِيمَا لَهُ شَخْصٌ يُرى، وَ"فَرْجَةُ": بِفَتْحِ الفَاءِ فِيمَا لَا شَخْصَ لَه يُرَى (¬1). يُقَالُ في الحَائِطِ والصفِّ "فُرْجَة", وفي الأمْرِ والضِّيقُ والشَّرِّ "فَرْجَة". - وَ"العَنَقُ": سَيرٌ تَسْتَعِين فيه الدَّابَة بِعُنُقِهَا، يُقَالُ: أعنَقَ إعْنَاقًا. - و"النَّصُّ": أَرْفَعُ السِّيرِ، يُقَالُ منه: نَصَّ يَنُصُّ. - وَ"القَصْوَاءُ": المَقْطُوعَةُ الأذُنِ، و [لَا] (¬2) يُقَالُ: جَمَلٌ أقصى. والفُقَهَاءُ يَروُونَهُ بالقَصْرِ، وَهُوَ خَطَأ. [الصَّلاة في البيتِ وقَصْرُ الصَّلاةِ وتَعْجِيلُ الخطبةِ بعَرَفَةَ] وعُثْمَانُ بنُ طَلْحَةَ الحَجَبِيُّ (¬3): مَنْسُوْبٌ إِلَى الحَجَبِ، ويُروى: "الحُجُبِيُّ" ¬
(تكبير أيام التشريق)
عَلَى أَنْ يَكُوْنَ مَنْسُوْبًا إِلَى الحُجُبِ، وكَانَ القِيَاسُ: حِجَابِيٌّ أَوْ حَاجِبِيُّ؛ لأنَّ هَذَا هُوَ حُكْمُ الجُمُوع إِلَى أَكْثَرِ العَدَدِ أَنْ يُنْسَبَ إلى الوَاحِدِ مِنْهَا. - وَ [قَوْلُهُ: "فَصَاحَ بِهِ عِنْدَ سُرَادِقِةِ"] [194].السُّرَادِقُ: التَّحْجِيرُ الَّذِي يَكُوْنُ حَوْلَ الفُسْطَاطِ. - وَقَوْلُهُ: "الرَّوَاحَ". مَنْصُوْبٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ، كَأَنَّهُ قَال: اعْتَمِدِ الرَّوَاحَ أَوْ عَلَيكَ الرَّوَاح. - وَقَوْلُهُ: "فَاقْصُرِ" بِضَمِّ الصَّادِ، وَوَصْلِ الألِفِ، مِنْ قَصَرَ يَقْصِرُ. (تكبِيرُ أيامِ التّشرِيقِ) - قَوْلُهُ: "ثُمَّ خَرَجَ الثَّانِيةَ" [502]. أَرَادَ: الخَرْجَةَ الثَّانِيَةَ، أَوْ المَرَّةَ الثَّانِيَةَ، فَيَكُوْنُ صِفَةً لِمَصْدَرٍ مَحْذُوْفٍ، أَو لِظَرفٍ مَحْذُوْفٍ؛ لأنَّ المَرَّء يُرَادُ بِهَا تَارَةً الظَّرْفُ، وتَارَةً المَصْدَرُ. و"زَاغَتْ": مَالتْ، والأيَّامُ المَعْدُودَاتُ: أَيَّامُ التّشرِيقِ، وَهِيَ الأيَّامُ الثَّلاثَةُ التَّابِعَةُ لِيَوْمِ النَّحْرِ. سُمِّيَتْ مَعْدُوْدَاتٍ؛ لأنَّهَا إِذَا زِيدَ عَلَيهَا في البقَاءِ كَانَ حَصْرًا لِقَوْله [- صلى الله عليه وسلم -]: "لَا يَبقيَنَّ مُهَاجِرٌ بِمَكَّةَ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ فَوْقَ ثَلاثٍ". وَقِيلَ. سُمِّيَتْ بِذلِكَ لِقِلَّتِهَا، وسُمِّيَتْ أَيَّامَ التّشرِيقِ؛ لأنَّ لُحُوْمَ الأضَاحِي ¬
تُشَرَّقُ فِيهَا (¬1) هَذَا قَوْلُ قَتَادَةَ، وَقِيلَ سُمِّيَتْ (¬2) بذلِكَ؛ لأنَّهُمْ كَانُوا لَا يَنْحَرُوْنَ الهَدْيَ ولا يُضَحُّوْنَ إلَّا بَعْدَ شُرُوْق الشَّمْسِ أَي: طُلُوْعُهَا يُقَالُ: شَرَقَتِ الشَّمْسُ إِذَا طَلَعَتْ، وأَشْرَقَتْ: إِذَا أَضَاءَت وَصَفَتْ (¬3). وقِيلَ (¬4): سُمِّيَتْ بذلِكَ لبُرُوْزِهِمْ [وَخُرُوْجِهِمْ مِنَ الأبنيَةِ لِلْحَجِّ وَمِنْهُ قِيلَ] لِمُصَلَّى [العِيدِ]: المُشَرَّقُ (¬5). وقِيلَ: سُمِّيَتْ بِذلِكَ لأنَّهُمْ كَانُوا يَقُوْلُوْنَ في الجَاهِلِيّةِ: "أَشْرِقْ ثَبِير كَيمَا نُغِير" (¬6). وهَذَا غَيرُ صَحِيحِ؛ لأنَّهُمْ كَانُوا يَقُوْلُوْنَ ذلِكَ عِنْدَ وُقُوْفِهِمْ بِعَرَفَةَ، ويَعْنُوْنَ بالإغَارَةِ: الإفَاضَة، يُقَالُ: أَغَارَ في عَدْوهِ: إِذَا جَدَّ. ¬
[صلاة المعرس والمحصب]
[صَلاة المُعَرَّسُ والمُحَصَّبِ] -[قَوْلُهُ: "أَنْ يَجَاوزَ المُعَرَّسَ"] [206]. المُعَرَّسُ: مَوْضِعُ التَّعْرِيسِ، وَهُوَ: أَنْ يَنْزِلَ المُسَافِرُ نَزْلَةً خَفِيفَة ثُمَّ يَرْحَلُ، وأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ إِذَا نزلَ في آخِرِ اللَّيلِ. وَ"المُحَصَّبُ" (¬1) مَوْضِعُ التَّحْصِيبِ وَهُوَ الرَّمْيِ بالحَصْبَاءِ، وَهِيَ ¬
[رمي الجمار]
الحِجَارَةُ. ويُقَالُ: أَحْصَب الحِمَارُ: إِذَا عَدَا فَطَيَّرَ الحَصْبَاءَ في عَدْوهِ. - وَ"قَفَلَ" قَفْلاً وَقُفُولًا: إِذَا رَجَعَ. - و"البَطْحَاءُ". الأرْض السَّهْلَةُ المُنبَسِطَةُ، وَمَن أَرَادَ المَكَانَ قَال: الأبْطَحُ، وَهُمَا صِفَتَانِ جَرَتَا مَجْرَى الأسْمَاءِ. [رَمْيُ الجِمَارِ] - وَقَوْلُهُ: "حَتَّى يَمَلَّ القَائِمُ" [211]. يُرْوَى: "يُمِلَّ القَائِم" أي: يَجْعَلَهُ أَن يَمَلَّ. - وَقَوْلُهُ: "عِنْدَ الجَمْرَتَينِ الأوَّليينِ" [212]. كَذَا الصَّوَابُ تَثنيةُ الأوْلَى مَقْصُوْرَةٌ، وَهِيَ تأْنِيثُ الأوَّلِ، والعَامَّةُ تَقُوْلُ: الأوَّلَتينِ، وَهُوَ خطَأ؛ لأنَّه لَا يُقَالُ في تأْنِيثِ (¬1) أَوَّلَ: أَوَّلَةٌ، كَمَا لَا يُقَالُ في تأْنِيثِ أَحْمَرَ: أَحْمَرَةٌ، ولا في تأنِيثِ أَحْسَنَ: أَحْسَنَةٌ. - وَ"الحَذْفُ" [214]: الرَّمْيُ بالحِجَارَةِ، والخَذْفُ: الرَّمْيُ بالعصَا (¬2). - و-قَالُ: "غَرَبَتْ" -بِفَتْحِ الرَّاءِ- ولا يُقَالُ بِضَمِّهَا (¬3). - وَقَولُهُ: "فَلَا يَنْفُرَنَّ": يَجُوزُ كَسْرَ الفَاءِ وضَمُّهَا، وهُمَا لُغَتَانِ، يُقَال: نَفَرَ الحَاجُّ يَنْفِرُ ويَنْفُرُ نَفْرًا ونَفَورًا ونُفُوْرًا ونفِيرًا. والنَّفَرُ: القَوْمُ لَا غَيرُ، وَمِنْهُمْ مَنْ ¬
[الرخصة في رمي الجمار]
يَراهُ اسْمًا لِلْجَمْعِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ جَمْعَ نَافِرٍ كَحَارِسٍ وحَرَسٍ. ويَرَى أَصْحَابُ النَّظَرِ إِنَّمَا سُمُّوا نَفَرًا؛ لأنَّهُمْ يَنْفُرُوْنَ في الأمُوْرِ أي: يَنْهَضوْنَ فِيهَا. - وَ [قَوْلُهُ: "ويَتَحَرَّى المَرِيضُ"] [216]. تَحَرَّيتُ الشَّيءَ: قَصدْتُ حَرَاهُ أَي: فِنَاؤهُ وَجِهَتُهُ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ في كُلِّ قَصدٍ، وصَارَ كَالمَثَلِ. ويَجُوْزُ أَنْ يَكُوْنَ مُشْتَقًّا مِنَ الحَرَى وَهُوَ الجُهْدُ والتَّعَبُ (¬1). - وَقَوْلُهُ: "يُهرِيقُ دَمًا": بِفَتْحِ الهَاءِ وتَسْكِينهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ الكَلامُ فِيهَا. [الرُّخْصَةُ في رَمْيِ الجَمَارِ] - رَوَى يَحْيَى: "أبا البَدَّاحِ عَاصِمَ بنَ عَدِيٍّ" وَرَوَى غَيرُهُ (¬2): "أَبَا البَدَّاح بنَ عَاصِمٍ", وهُوَ الصَّحِيحُ (¬3). وقَدْ تَقَدَّمَ القَوْلُ في "رُخْصَةٍ", وفي "تَرَى ونَرَى", وفي "نُفَسَاء". [إِفَاضَةُ الحَائِضِ] - وَقَوْلُهُ: "أحَابِسَتُنا هِيَ؟ " [225]. الهَمْزَةُ هُنَا لَيسَتْ للاسْتِفْهَامِ ¬
[فدية ما أصيب من الطير والوحش]
المَحْضِ، وَلكِنَّهَا عَلَى مَعْنَى الإنكارِ والإشْفَاقِ مِن شَيءٍ يتوَقَّعُ، ويَدُلُّ عَلَى ذلِكَ قَوْلُهُ في الحَدِيثِ الآخَرِ: "لَعَلَّهَا تَحْبِسُنَا" وإِنَّمَا قُلْنَا ذلِكَ؛ لأنَّهَا خَرَجَتْ مِنْهُ مَخْرَجَ التَّبَرُّمِ والغَضَبِ، بِدَلِيلِ قَوْلهِ في الحَدِيثِ الآخَرِ: "عَقْرَى حَلْقَى مَا أُرَاهَا إلَّا حَابِسَتُنا" وهَذَا منَ الدُّعُاءِ الَّذي لا يُرَادُ وُقُوْعُهُ. الرِّوَايَةُ فِيهِ بالقَصْرِ مِثْلُ سَكْرَى. والصَّوَابُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ: عَقْرًا حَلْقًا بالتَّنوين أي: عَقَرَهَا الله وحَلَقَهَا أي: أَصَابَهَا تَوَجُّعٌ في حَلْقِهَا (¬1). ويَجُوْزُ أَنْ يُرِيدَ الاسْتِئْصَال والذَّهَابَ شُبِّهَ بِحَلْقِ الشَّعْرِ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْمَنِيّةِ: حَلاقِ. وَمَجَازُ رِوَايَةِ مَنْ رَوَى: "عَقْرَى وَحَلْقَى" أَنْ يَكُوْنَا اسمَينِ مَقْصُوْرَينِ بُنِيَا عَلَى مِثَالِ "فَعْلَى" كَامْرَأَةِ حَزْيَا فَيَكُوْنَا في مَوْضِعِ نَصْبٍ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ، كَأَنَّهُ قَال: اللَّهُمَّ اجْعَلهُمَا عَقْرَى، أَوْ في مَوْضِعِ خبَرِ مُبْتَدَأٍ مُضْمَرٍ كَأَنَّهُ قَال: هِيَ عَقْرَى، وإِذَا كَانَ هَذَا التّأويلُ مُمْكِنًا فِيهِمَا فَلَا مَعْنَى لإنكارِ مَنْ أَنكرَهَا. - وَقَوْلُهُ: "فَلَا إذًا" [225] , [228]. تَقْدِيرُهُ: فَلَا تَحْبِسُنَا إِذًا، فَحُذِفَ لِدِلالةِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الخَبَرِ عَلَيهِ. - وَ"الكَرِيُّ": المُكَارِي فعِيلٌ بِمَعْنَى مُفَاعِلٍ كَجَلِيسٍ بِمَعْنَى مُجَالِسٍ، وأَكِيلٍ بِمَعْنَى مُآكِلٍ، أَوْ فَعِيل بِمَعْنَى مُفِعلٍ كأَلِيم بِمَعْنَى مُؤلمٍ. [فِدْيَةُ مَا أُصِيبَ مِنَ الطَّيرِ والوَحْشِ] -[قَوْلُهُ: "عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ قُرَيْر"] [231]. زَعَمَ [يحيى] بنُ مَعِينٍ أَنَّ مَالِكًا صَحَّفَ في هَذَا السَّنَدَ فَقَال: عَبْدُ المَلِكَ بنُ قُرَيرٍ وإِنَّمَا هُوَ ابنُ قُرَيبٍ، وَهُوَ ¬
الأصْمَعِيُّ (¬1). وَقَال غَيرُ يَحْيَى بنِ مَعِينٍ إِنَّمَا هُوَ عَبْدُ المَلِكِ (¬2) بنُ قُرَيرٍ البَصْرِيُّ. وَأَسْقَطَ ابنُ وَضَّاحٍ عَبْدَ المَلِكِ فَقَال: ابنُ قُرَيرٍ لَا غَيرُ. وَقَال ابنُ بُكَيرٍ: عَبْدَ المَلِكِ بنِ قُرَيرٍ أَخُو عَبْدِ العَزِيزِ بنِ قُرَيرٍ. - وَكَذلِكَ الحَدِيثُ الَّذِي قَبْلُ: عَنْ ابنِ (¬3) الزُّبَيرِ أَنَّ عُمَرَ رَوَاهُ، كَذلِكَ ¬
رَوَاهُ يَحْيَى، وَرَوَاهُ سَائِرُهُم عَنْ جَابِرٍ أَنَّ عُمَرَ. -[قَوْلُهُ: "بِعَنَاقٍ"] [230]. قَال القُتَيبِيُّ (¬1): يُقَالُ لِوَلَدِ المَاعِزَ حِينَ تَضَعُهُ أُمُّهُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى سَخْلَةٌ وبَهْمَةٌ، فَإِذَا بَلَغَ أَرْبَعَةَ أَشهُرٍ وفُصِلَ عَنْ أُمِّهِ قِيلَ لَهُ: جَفْرٌ، والأْنْثَى جَفْرَةٌ، [وعَرِيضٌ وَعَتُوْدٌ] (¬2) وإِذَا رَعَى وَقَويَ [وَجَمْعُهُ: عُرضَانٌ وعُدَّان وأَعْتِدَةٌ وَهُوَ في كُلِّ ذلِكَ]، وَجْدِيٌّ، والأُنْثَى: عَنَاقٌ. وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ المَالِكِيَّةِ (¬3) أَنَّ العَنَاقَ هِيَ العَنْزُ الثّنَيّةُ، وهَذَا غَيرُ مَعْرُوْفٍ. - و"اليَرْبُوْعُ": دُوَيبَةٌ أَقَلُّ مِنَ الأرْنَبِ. - و"الضَّبعٌ": نَوع مِنَ السِّبَاعِ، والأُنْثَى: ضَبُعٌ (¬4)، والذَّكَرُ: ضِبْعان (¬5)، والجَمْعُ ضِبَاع للذَّكَرِ والأُنْثَى (¬6)، فَإِنْ أَرَدْتَ الأنثَى خَاصَّةً قُلْتَ: أَصْبُغٌ (¬7). ¬
-[وَقَوْلُهُ: "إِلَى ثُغْرَةُ ثَنِيّة"] [231]. الثّنِيّةُ: الطَّرِيقُ في الجَبَلِ، وثُغْرَتُهَا فُرْجَتُهَا وثُلْمَتُهَا، وَبِذلِكَ سُمِّيَتْ ثُغْرَةَ الصَّدْرِ، وَهِيَ الهَزْمَةُ بَينَ التُّرْقُوَتَينِ. ويُقَالُ للثَّغْرِ الَّذِي يُتَّقَى مِنْهُ العَدُوُّ ثُغْرَةٌ أَيضًا (¬1). - وَقَوْلُهُ: "فَأَصَبْتُ خُشَشَاءَ فَرَكِبَ رَدْعَهُ". الخُشَشَاءُ: العظْمُ النَّاتِيءُ خَلْفَ الأُذُنِ، وَفِيهِ لُغَتَانِ: خُشَشَاءُ عَلَى وَزْنِ فُعَلاءَ (¬2) غَيرُ مَصْرُوْفٍ، وَخَشَاء عَلَى وَزْنِ شَلَّاءٍ مَصْرُوْفٌ. والرَّدْعُ: الدَّمُ، وَمَعْنَى رَكِبَهُ: أَنْ يَسِيلَ دَمُهُ حَتَّى تَضْعُفُ قُوَّتُهُ فَيَسْقُطُ فَوْقَهُ. وَقِيلَ: الرَّدْعُ: مَقَادِمُ الحَيَوَانِ (¬3)، أَي: سَقَطَ ¬
[فدية من حلق قبل النحر]
فَانْدَقَّتْ عُنُقُهُ. - وَ [قَوْلُهُ: "يُوْدَى كمَا يُوْدَى الصَّيدُ"] [234]. يُقَالُ: وَدَيتُ أَدِي: إِذَا أَعْطَيتُ دِيَة، مِثْلَ وَفَيتُ آفِي. [فِدْيَةُ مَنْ حَلَقَ قَبْلَ النَّحْر] - قَوْلُهُ: "لَعَلَّكَ آذَاكَ هَوَامُّكَ" [238]. "لَعَلَّ" هُنَا لِلتَّوَقُّع أَنْ يَكُوْنَ وأَنْ لَا يَكُوْنَ، وَلَيسَتْ ههنَا لِلرَّجَاءِ؛ لأنَّه لَا مَعْنَى لَهُ ههنَا، وإِنَّمَا هَذَا كَقَوْلكَ لِلرَّجُلِ المُتشَوِّقِ: مَا لكَ لَعَلَّكَ تَخَافُ شَيئًا، ويُقَالُ: آذَاهُ يُؤذِيهِ، والعَامَّةُ تُوْلَعُ بقَصْرِ الهَمْزَةِ، ويَرْوُوْنَ بَيتَ امْرِئَ القَيسِ (¬1): ¬
* وَإِذا أُذِيْتَ بِبَلْدَةٍ .... * بِضمِّ الهَمْزَةِ، وإِنَّمَا الصَّوَابُ فِيهَا: "وإِذَا أَذِيتَ ... " بِفَتْحِ الهَمْزَةِ، يُقَالُ: أَذَيَ الرَّجُلُ أَذىً مِثْلُ: عَمِيَ عَمًى. وَقَدْ غَلَطَ في هَذَا الفِعْلَ أَحَدُ القُرَّاءِ فَقَرَأ: {فَإِذَا أَذِيَ في اللهِ} (¬1) بِغَيرِ وَاوٍ، وَهِيَ قِرَاءَةٌ خَطَأٌ، وَلَوْ كَانَ هَذَا الفِعْلُ ثُلاثِيًّا لَقِيلَ في مُسْتَقْبِلِهِ: يَأْذِي مِثْلَ أتى يَأْتِي، وَهَذَا لَم يَقُلْهُ أَحَدٌ، وَمِثْلُهُ في الخَطأ قراءة الحسن: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطُوْن} و (¬2) تَوَهَّمَهُ جَمْعًا مُسْلَّمًا، وكَقِرَاءَةِ طَلْحَةَ بنِ مُصَرِّفٍ: {قَال لَمَنْ حَوْلِهِ} (¬3) بالخَفْضِ، وَنَحْوُ هَذَا مِنَ القِرَاءَاتِ الَّتِي لَا خِلافَ بَينَ النَّحْويِّينَ أنَّها لَحْنٌ. ويُقَالُ لِلْقَمْلِ والبَرَاغِيثِ، وكُلِّ مَا يَدِبُّ عَلَى الأرْضِ مِنَ الحَشَرَاتِ: هَوَامٌّ، الوَاحِدُ: هَامَّةٌ مُشَدَّدةُ المِيمِ، سُمِّيَتْ بِذلِكَ لِهَمِيمِهَا وَهُوَ دَبِيبُهَا، يُقَالُ: هَمَّتْ تَهِمُّ هَمِيمًا وَهَمًّا. - وَ [قَوْلُهُ: "بسُوْقِ البُرَمِ"] [239]. والبُرَمُ: القُدُوْرُ، ويُرِيدُ: سُوْقَ الفَخَّارِينَ، وَاحِدُهَا بُرْمَةٌ وَالبَرَمُ -بِفَتْحِ البَاءِ- ثَمَرُ الأرَاكِ (¬4). ¬
[جامع الحج]
- وَقَوْلُ مَالِكٍ: "يَضَعُ فِدْيَتَهُ حَيثُ شَاءَ؛ النُّسُكُ أو الصِّيامُ أو الصَّدَقَةُ" يَجُوْزُ فِيهَا النَّصْبُ عَلَى البَدَلِ مِنَ الفِدْيَةِ، والرَّفْعُ عَلى إِضْمَارِ مُبْتَدَأٍ. - وَ"الحَفْنة" بِفَتْحِ الحَاءِ، وَقَدْ أُوْلِعَتِ العَامَّةُ بِكَسْرِهَا، وَلَا يَصِحُّ إِلَّا إِذَا أُرِيدَ بِهَا هَيئَةُ الحَفْنِ، وَلَا وَجْهَ لِذلِكَ ههنَا لأنَّه إِنَّمَا أَرَادَ مَا يَمْلأُ كَفَّهُ مَرَّةً وَاحِدَةً. [جَامِعُ الحَجِّ] -[قَوْلُهُ: "افْعَلْ وَلَا حَرَجَ"] [242]. الحَرَجُ: الإثْمُ، وأَصْلُهُ الضِّيقُ. والحَرَجُ: الشَّجَرُ يَشْتَبِكُ ويَضِيقُ حَتَّى يَتَعَذَّرُ السُّلُوكُ فيه. - وَ"الشَّرَفُ" [243]: المَوْضِعُ المُشْرِفُ، وَبِهِ سُمِّيَ المَجْدُ شَرَفًا. - وَ"الآيِبُوْنَ": هُمُ الرَّاجِعُوْنَ. - وَ"المِحَفَّةُ": شِبْهُ الهَوْدَجِ إلَّا أَنّهَا مَكْشُوْفَةٌ غَيرُ مَسْتُوْرَةٍ، وهي مَكْسُوْرَةُ المِيمِ، وَأُجْرِيَتْ مُجْرى الآلاتِ كَالمِخَدَّةِ وَالمِسَلَّةِ. - وَ"الضَّبْعَانُ" [244]: العَضدَان، وقِيلَ: وسَطُ العَضُدَينِ، الوَاحِدُ: ضَبْعُ (¬1). - وَقَوْلُهُ: "وَفِيهِ أصْغَرُ" [245]. أي: أَذَلُّ، من الصَّغَارِ. - وَ"أدْحَرُ" مَعْنَاهُ: أَبْعَدُ، يُقَالُ: دَحَرْتُهُ دَحْرًا أَوْ دُحْوْرًا. - وَقَوْلُهُ. "لِمِا رُؤُيَ مِنْ تَنزُّلِ الرَّحْمَةِ". الصَّوَابُ: " [لِمَا] يَرَى" لأنَّه لَيسَ يُخْبِرُ عن شَيء قَدْ انْقَضى، إِنَّمَا يُخْبِرُ ¬
أَنَّ هَذِه حَالهُ في كُلِّ أَيَّامِ عَرَفَةَ، وَالعَرَبُ قَدْ تَضَعُ المَاضِي مَكَانَ المُسْتَقْبَلِ، وبالعَكْسِ إِذَا كَانَ المَعْنَى مَفْهُوْمًا. - وَقَوْلُهُ: "أمَّا إنَّه ... ": يَجُوْزُ كَسْرُ "إِنَّ" عَلَى الاستِئْنَافِ، ويُجْعَلُ "أَمَا" استِفْتَاحُ كَلامِ مِثْل "أَلا". ويَجُوْزُ فَتْحُهَا بِجَعْلِهَا في تَأْويلِ المَصْدَرِ وَيَكُوْنُ مَوْضِعُهَا رَفْعًا عَلَى الابْتِدَاءِ، وَخَبَرُهُ في أَمَا وَ"أَمَا" ههنَا جَارِيَة مَجْرَى الظُّرْفِ عِنْدَ سِيبَوَيهِ كَأَنَّكَ قُلْتَ: أَحَقًّا إِنَّكَ ذَاهِبٌ، فانْتِصَابِ حَقٍّ عِنْدَهُ عَلَى الظَّرْفِ كأَنَّكَ قُلْتَ: أَفِي حَقٍّ ذَهَابُكَ، وَلَيسَ من الظُّرْفِ المَعدُودَةِ. وَأجَازَ غَيرُ سِيبَوَيهِ أَنْ يَكُوْنَ "حَقًّا" مَصْدرًا كَأَنَّه قَال: أَحُقُّ حَقًّا ذَهَابَكَ. [قَال الشَّاعِرُ: أَحَقًّا عِبَادَ اللهِ أَنْ لَسْتُ لاقِيًا ... يَزِيدُ طِوَال الدَّهْرِ ... فَـ "أَحَقًّا" -ههنَا- ظَرْفٌ، كَأَنَّهُ قَال: أَفِي حَق، وأَمَّا قَوْلُهُ: * فَتًى لَيسَ كالفِتيانِ إلَّا خِيَارِهِمْ * فَـ "خِيَارِهِمْ" بَدَلٌ مِنَ الفِتيانِ، وَهُوَ بَدَلُ البَعْضِ مِنَ الكُلِّ كَأَنَّه قَال فَتًى لَيسَ إلَّا كَخِيَارِ الفِتيانِ] (¬1). -[وَقَوْلُهُ: "ويَزَعُ المَلائِكَةُ" يُهَيِّئهَا لِلْحَرْبِ، والوَازعُ: الَّذِي يُقَوِّمُ العَسْكَرَ، وَهُوَ مِثْلُ الشُرْطِيِّ. - وَ [قَوْلُهُ: "بينَ الأخشَبَينِ مِن مِنًى"] [249] الأخْشَبَانِ (¬2): جَبَلان ¬
تَحْتَ العَقَبَةِ الَّتِي بِمِنًى، وَقَال الأصْمَعِيُّ: الأخْشَبُ: الجَبَلُ. - وَ"السَّرْح": شَجَرٌ يَطُوْلُ ويَرْتَفِعُ، وَاحِدَتُهُ سَرْحَةٌ. ومَعْنَى "نَفَحَ بِيَدِهِ" أَشَارَ بِهَا وَرَفَعَهَا، يُقَالُ: نَفَحَتِ الرِّيحُ، ونَفَحَ الطَّيبُ، ونَفَحَ الجَرْحُ: إِذَا دَفَعَ بالدَّمِ. وَمَعْنَى: "سُرَّ تَحْتَهَا"؛ أي: وُلِدُ فَقُطِعَتْ هُنَاكَ سِرَارُهُم. قَال الأصمَعِيُّ: يُقَالُ: تَعَلَّمْتُ العِلْمَ قَبْلَ أَنْ يُقْطَعَ سُرُّكَ وسُرَارُكَ، وَهُوَ مَا تَقْطَعُهُ القَابِلَةُ مِنْ بَطْنِ المَوْلُوْدِ. ولا يُقَالُ قَبْلِ أَن تُقْطَعَ: سُرَّتُكَ؛ لأنَّ السُّرَّةَ هِيَ الَّتِي تَبْقَى بَعْدَ القَطْعِ (¬1). ويُسَمَّى هَذَا الوَادِي: السِّرَرُ والسُّرَرُ (¬2)، فَمَنْ كَسَرَ السِّينَ سَمَّاهُ بالذِي يُقْطَعُ مِنَ المَوْلُوْدِ، وَمَنْ ضمَّهَا سَقَاهُ بالَّذِي يَبْقَى. وَقَال ابنُ وَضَّاح: مَنْ قَال: السُّرَرُ، أَرَادَ: قُطِعَتْ سُرُرُهُمْ، وَمَنْ قَال: بالكَسْرِ أَرَادَ: إِنَّهُم بُشِّرُوا بالنُّبُوَّةِ فَسُرُّوا، وهَذَا غَيرُ مَعْرُوفٍ ولا صَحِيحٍ، والوَجْهُ مَا قَدَّمْنَا. -[وَ] قوْلُهُ: "هَلْ نَزَعَكَ غَيرُ ذلِكَ" [252]. مَعْنَاهُ: حَرَّكَكَ وأَخْرَجَكَ، يُقَالُ: نزَعَ الرَّجُلُ إِلَى بَلَده: إِذَا حَنَّ إِلَيهِ. ومَعْنَى: "ائتَنَفَ" اسْتأْنَفَ. - وَ"الانْقِصَافُ" التّزَاحُمُ والتَّضَاغُطُ، مِنْ قَصَفْتُ العُوْدَ: كَسَرْتُهُ، كَأَنَّ ¬
[حج المرأة بغير ذي محرم]
النَّاسَ يَكْسُرُ بَعْضُهُم بَعْضًا لِشِدَّةِ تزَاحُمِهِمْ. - وَقَوْلُهُ: "أو يَصْنَع ذلِكَ أحَدٌ" [253]. الهَمْزةُ هُنَا للتَّقْرِيرِ والاسْتِفْهَامِ دَخَلَتْ عَلَى وَاو العَطْفِ كَقَوْلهِ [تَعَالى] (¬1): {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا} وقَال الكِسَائِيُّ: هي "أَوْ" حُرِّكَتْ وَاوُهَا. - وَيقَالُ: "احتشَّ" (¬2) الرَّجُلُ لِدَابَّتِهِ وحَشَّ: إِذَا جَمَعَ لَهَا الحَشِيشَ، وَهُوَ: مَا يَبُسَ مِنَ النَّبْت، وَمَا كَانَ مِنَ المَرْعَى أَخْضَر قِيلَ لَهُ: الخَلَى، وَقَدْ زَعَمَ قَوْمٌ أَنَّ الحَشِيشَ يَقَعُ عَلَى المَرْعَى كُلِّهِ رَطْبِهِ ويَابِسِهِ، وهَذَا غَيرُ صَحِيحٍ؛ لأنَّ الاشْتِقَاقَ يُبْطِلُ ذلِكَ، والعَرَبُ تَقُوْلُ: حَشَّتْ يَدُهُ: إِذَا يَبُسَتْ، وحَشَّ الجَنِينُ في بَطْنِ أَمَّهُ فَهُوَ حَشِيش. [حَجُّ المَرْأةِ بِغَيرِ ذِي مَحْرَمٍ] - و"الصَّرُوْرَةُ" [254] في الجَاهِلِيّةِ: الذي لَا يَقْرُبُ النِّسَاءَ- والَّذِي لَمْ يُحْصَرْ، وَأَمَّا في الإسْلامِ فَالَّذِي لَمْ يَحُجَّ خَاصَّةً، وَهُوَ يَقَعُ لِلذَّكَرِ والأُنْثَى وَالجَمْعِ وَالمُؤَنَّثِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ. وَالحَجُّ فَرِيضَةٌ لِقَوْلِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ: (¬3) {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيتِ} ولِقَوْلهِ عَزَّ وَجَلَّ (¬4): {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِر ... } وهَذِهِ الآية -وَإِنْ كَانَتْ في شَرْعِ إِبْرَاهيمَ الخَلِيلِ- ¬
فَقَدْ تَوَجَّهَ الخِطَابُ بِهَا عَلَينَا لِقَوْلهِ عَزَّ وجلَّ: (¬1) {ثُمَّ أَوْحَينَا إِلَيكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} وَقَال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "بُنِيَ الإسْلامُ عَلَى خَمْسٍ ... " وَذَكَرَ الحَجَّ، وَلَا خِلافِ في ذلِكَ، هَذَا نَصُّ أَبِي الحَسَنِ في "التَّبْصِرَةِ". وَقَدْ جَعَلَ بَعْضُ العُلَمَاءِ تَرْكَ الحَجِّ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيه كَتَرْكِ الصَّلاةِ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيهِا قَال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ تَرَكَ الصَّلاةَ كَفَرَ" كَذلِكَ قَال [عَزَّ وجَلَّ] في تَارِكِ الحَجِّ (¬2): {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالمِينَ} وهَذِهِ زِيَادَةُ تَهْدِيدٍ تَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ تَخْصِيصٍ، وَقَدْ أَخَذَ ابنُ عَبَّاسٍ بِعُمُوْمِ الآيَةِ الوَارِدَةِ في المُنَافِقِينَ في الاتِّفَاقِ الوَاجِبِ خَاصَّةً دُوْنَ النَّفْلِ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيرُهُ عن ابنِ عَبَّاسٍ قَال: "مَنْ كَانَ له مَالٌ يُبَلِغُهُ حَجَّ بَيتِ رَبِّه أَوْ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَلَمْ يَفْعَلْ شَيئًا سَأَلَ الرَّجْعَةَ عِنْدَ المَوْتِ"، فَقَال رَجُل: يا بْنَ عَبَّاسٍ. اتَّقَ الله إِنَّمَا سألَتِ الرَّجْعَةَ الكُفَّارُ؟ ! قَال سأَتْلُوا عَلَيكَ قُزآنا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ} (¬3) " والَّذِي ذَهَبَ إِلَيهِ ابنُ عَبَّاسٍ صحِيحٌ؛ لأنَّ الوَعِيدَ إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بالوَاجِبِ دُوْنَ النَّفْلِ. فَإِنْ طُلِبَ منَ الحَاجِّ في الطَّرِيقِ أَوْ في دُخُوْلِ مَكَّةَ مَالًا فَقَال بَعْضُ ¬
العُلَمَاءِ: لا يَدْخُلُ ولا يُعْطِيهِ ويَرْجِعُ، وَقَال ابنُ وَضَّاحٍ: يُعْطِي، ولا يَنْبَغِي أَنْ يَكُوْنَ فيه خِلافٌ فَإِنَ الرَّجُلَ بإِجْمَاعٍ مِنَ الأُمَّةِ يُجُوْزُ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ عِرْضَهُ مِمَّن يَنْتَهِكُهُ بِمَالِهِ، وَقَالُوا: مَا وَقَى بِهِ المَرْءُ عَرْضَهُ فَهُوَ صَدَقَةٌ، فَكَذلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِيَ دِينَهُ مِمَّنْ مَنَعَهُ، وَلَوْ أَنَّ ظَالِمًا قَال: لا أُمْكِنُكَ مِنَ الوَضُوْءِ والصَّلاةِ إلَّا بِجُعْلٍ لَوَجَبَ عَلَيه أَنْ يُعْطِيَهُ عَلى (كَذا؟ ) (¬1). كَانَت الهِجْرَةُ وتَركُ الأمْوَالِ وَالأهْلِ والوَطَنِ لِلسَّلَفِ، وهي اليَومَ على مَنْ أَمِنَ في دَارِ الحَرْبِ بَاقِيَةٌ إلَّا شِرَاءُ الدِّينِ بتركِ المَالِ وَالأهْلِ والوَلَدِ، وَاللهُ عَزَ وجَلَّ ذَكَرَ الحَجَّ بأبْلَغِ أَلْفَاظِ الوُجُوْبِ حِينَ قَال: {عَلَى النَّاسِ} تأكِيدًا لِحَقِّهِ وتَعْظِيمًا لِحُرْمَتِهِ، ولا إِشْكَال في ذلِكَ، كَمَا أَشْكَلَ على كَثيرٍ مَعْنَى الأمْرِ والنَّهْي والخَبَرِ والاسْتخْبَارِ، فَيَجْعَلُوْنَ الخَبَرَ بِمَعْنَى الأمْرَ، وَهَذَا لَا يَجُوْزُ كَمَا لَا يَجُوْزُ عَكْسُهُ، وَهُوَ كَوْنُ الأمْر بِمَعْنَى الخَبَرَ، كَمَا لَا يَجُوْزُ أَنْ يَكُوْنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بمَعْنَى النَّهْي، وَتَلَوْا بِذلِكَ قُرآنا قَالُوا: {أَتَصْبِرُونَ} (¬2) بِمَعْنَى اصْبِرُوا {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ} (¬3) [أي]: ازْرَعُوا و {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [أي]: آمِنُوا بالله، وَيَتَرَبَّصْنَ {تَرَبُّصُ} (¬4) وَأَشْبَاهُ ذلِكَ، وَلِكُلِّ لَفْظَةٍ مِنَ الأمْرِ وَالنَّهْيِ وَالخَبَرِ والاسْتِخْبَارِ حَقَائِقُ يتَعَدَّدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا ¬
بِحَقِيقَتِهِ، وَلِذلِكَ حَصَرُوا الكَلامَ إِلَى أَرْبَعَةٍ؛ خَبَرٌ وَأَمْرٌ، واسْتِخْبَارٌ وَرَغْبَةٌ، فَإِبْقَاءُ الأشيَاءِ عَلَى حَقَائِقِهَا فِي ذَوَاتِهَا وَتَرْكُ مَزْجِهَا بِغَيرِهَا أَثْبَتُ وَأَشْهَرُ وَأَجْلَى وَأَظْهَرُ. تمَّ النِّصْفُ الأوَّلُ من تَعْلِيقِ الشَّيخِ الفَقِيهِ الإمَامِ القُدْوَةِ المُتَفَنِّنِ أَبِي الوَليدِ هِشَامٍ الوَقَّشِيِّ رَحِمَهُ اللهُ وَعَفَا عَنْهُ، وَهُوَ مُنْتَسَخٌ مِن مُبَيَّضَةٍ بِخَطِّ يَدِهِ وَقُوْبِلَ بِهَا فَصَحَّ بِعَوْنِ اللهِ فِي حَادِي وَعِشْرِين ذي القَعْدَةِ مِنْ عَامِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَسَبْعِمَائَةَ. وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطيِّبِينَ ¬
(ح) مكتبة العبيكان، 1421 هـ فهرسة مكتبة الْملك فَهد الوطنية أثْنَاء النشر الوقشي، هِشَام أَحْمد التَّعْلِيقُ عَلَى الْمُوَطَّأ فِي تَفْسِير لغاته وغوامضِ إِعرابه ومعَانيه تَحْقِيق عبد الرَّحْمَن سُلَيْمَان العثيمين - الرياض. 571 ص، 17 × 24 سم. ردمك: 0 - 787 - 20 - 9960 (مَجْمُوعَة) 7 - 789 - 20 - 9960 (ج 2) 1 - الحَدِيث - شرح. 2 - الحَدِيث - مسانيد. أ- العثيمين، عبد الرَّحْمَن سُلَيْمَان (مُحَقّق). ب- العنوان ديوي 236.4 ... 3256/ 21 ردمك: 0 - 787 - 20 - 9960 (مَجْمُوعَة) 7 - 789 - 20 - 9960 (ج 2) رقم الْإِيدَاع: 3256/ 21 الطبعة الأولى 1421 هـ - 2001 م حُقُوق الطَّبْع مَحْفُوظَة للناشر الناشر مكتبة العبيكان الرياض - الْعليا - طَرِيق الْملك فَهد مَعَ تقاطع الْعرُوبَة ص. ب: 62807 - الرَّمْز: 11595 هَاتِف: 4654424 - فاكس: 4650129
([كتاب] النكاح)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلَّى الله على سيِّدنا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلهِ وسَلَّمَ ([كتَابُ] النِّكاح) (¬1) [مَا جَاءِ في الخطبَة] قَال كَثِيرٌ مِنَ اللُّغَويِّينَ: خَطَبْتُ المَرْأَةَ خِطْبَةٌ. وعَلَى المِنْبَرِ خُطْبَةً. وَقَال ثَعْلَبٌ (¬2): الخُطْبَةُ -بالضَمِّ- اسمٌ لِمَا يُخْطَبُ به، والخطْبَةُ -بالكَسْرِ-: المَصْدَرُ. وَقَال ابن دُرُسْتُوَيه (¬3): هُمَا اسْمَانِ لَا مَصْدَرَانِ، لكِنَّهُمَا وُضِعَا مَوْضِعَ المَصْدَرِ، وَلَوْ اسْتُعْمِلَ مَصْدَرُهُمَا عَلَى القِيَاسِ لَخَرَجَ مَصْدَرُ مَا لَا ¬
يَتَعَدَّى فِعْلُهُ مِنْهُمَا عَلَى فُعُوْلٍ، والمُتَعَدِّي عَلَى فَعْلٍ، وَقِيلَ فِي المتَّعَدِّي (¬1): خَطَبْتُ المَرْأَةَ خَطْبًا، وَفِي غَيرِ المُتَعَدِّي خُطُوْبًا، وَلكِنْ كُرِهَ اسْتِعْمَالُ ذلِكَ لِئَلَّا يَلْتَبِسُ، وَوُضِعَ غَيرُهُ مَوْضِعَهُ، قَال: والخِطْبَةُ: اسْمُ مَا يُخطَبُ بِهِ في النِّكَاحِ خَاصَّةً، وبالضَمِّ: مَا يُخْطَبُ بِهِ في كلِّ شَيءٍ، ودَلِيلُ ذلِكَ قَوْلُهُمْ: "كانَ رَسُوْلُ اللهِ [- صلى الله عليه وسلم -] يُعَلِّمُنا الخطْبة فِي النكاحِ والحَاجَةِ" كَذَا رُويَ بالضَّمِّ. وقَال الزَّجَّاجُ (¬2): الخُطْبَة -بالضَّمِّ- فِيمَا لهُ أَوَّلُ وآخرُ، فَدَلَّ على أَنَّ الخِطْبَةَ -بالكَسْرِ- في النِّكَاحِ؛ لأنَّه أمرٌ لا يَتَعَيَّنُ لَهُ أَوَّلُ ولا آخرُ. - و [قَوْلُهُ (¬3): {وَلَا جُنَاحَ عَلَيكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [3]. التَّعْرِيضُ: مَأْخُوْذٌ مِنْ تَعَرَّضَتِ الدَّابَّةُ فِي المَشْيِ: إِذَا أَخَذَتْ يَمِينًا وشِمَالًا، وتَرَكَتِ المَشْيُ عَلَى اسْتِقَامَة، وَمِنْهُ قَوْلُ عَبْدِ اللهِ ذِي البِجَادَينِ (¬4) يُخَاطِبُ نَاقَةَ ¬
[استئذان البكر والأيم في أنفسهما]
النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: تَعَرَّضِي مَدَارِجًا وَسُوْمِي تَعَرُّضَ الجَوْزَاءِ للنُّجُوْمِ هَذَا أَبُو القَاسِمِ فَاسْتَقِيمِي فَمَعْنَى التَّعْرِيضِ عَلَى هَذا أَنْ يَعْدِلَ عَنْ مَا يُرِيدُهُ وَلَا يَقْصِدُ قَصْدَهُ. ويُحْتَمَلُ أَنْ يَكُوْنَ [مَأْخُوْذًا] مِنْ عُرْضِ الشَّيءِ وَهُوَ جَانِبُهُ. وأَعْرَضَ الشَّيءَ: إِذَا بَدَا لَكَ جَانِبُهُ وَلَمْ يَظْهَرْ جَمِيعُهُ، فَيَكُوْنُ مَعْنَى التَّعْرِيضُ: أَنْ يَظْهَرَ لَكَ بَعْضُ مَا تُرِيدُ. - وَ [قَوْلُهُ: "فَتَرْكَنَ إِلَيهِ"] [2]. يُقَالُ: رَكِنَ يَرْكُنُ، ورَكَنَ يَرْكَنُ -بِضَمِّ الكَافِ وفَتْحِهَا في المُسْتَقْبَلِ- فالأوَّل: كَعَلِمَ يَعْلَمُ والثَّانِي: كَقَتَلَ يَقْتلُ، وَكَانَ الوَجْهُ: "فَتَرْكَنَ" بِفَتْحِ الكَافِ (¬1). -[وَقَوْلُهُ]: "وَيَتَّفِقَا عَلَى صَدَاقٍ". مَعْطُوْفٌ عَلَى [قَوْلُهُ: ] "أَنْ يَخْطِبَ" وَلكِنَ الرِّوَايَةَ وَرَدَتْ [بِحَذْفِ] (¬2) النُّوْنِ. وإِثْبَاتُ النُّوْنِ [جَائِز] عَلَى القَطْعِ مِمَّا قَبْلَهُ. [اسْتِئْذَانُ البِكْرِ والأيِّمِ فِي أنْفُسِهِمَا] -[وَقَوْلُهُ: "والأَيِّمُ أحَقُّ بِنَفْسِهَا"] [4]. الأيِّمُ: الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا، ثَيِّبًا كَانَتْ أَوْ غَيرَ ثَيِّبٍ. ¬
[ما جاء في الصداق والحباء]
- وَذَكَرَ قَوْلَ الدَّرَاوَرْدِيِّ (¬1) لِمَالِكٍ -في تَحْدِيدِ أَوَّلِ الصِّدَاقِ-: تَعَرَّقْتَ فِيهَا، أَي: صِرْتَ عِرَاقِيًّا. - وَذَكَرَ أَدْوَاءَ الفَرْجِ فَقَال: وَمِنْهَا "القَرَنُ" ويُقَالُ لَهُ: العَفَلَةُ، والعَفْلُ، وَهُوَ طُوْلُ البُظْرِ، يُقَالُ فِيهِ: امْرَأَةٌ عَفْلاءُ وقَرْنَاءُ وبَظْرَاءُ. والبَظْرُ: الخُنْتَبُ، وأَنْشَدَ (¬2): ابْغُو لَهَا خَاتِنًا واشْرُوا لِخُنْتَبِهَا ... مَوَاسِيًا أَرْبَعًا فِيهِنَّ تَذْكِيرُ [مَا جَاءَ في الصَّدَاقِ والحَبَاءِ] فِي الصَّدَاقِ خَمْسُ لغَاتٍ: صَدَاقٌ وَصِدَاقٌ بِفَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِهَا، ¬
وَصُدُقَةٌ، وَصَدْقَةٌ وصُدْقَةٌ (¬1). واشْتِقَاقُهُ مِنْ صَدْقِ النَّظَرِ، وصَدَقِ اللِّقَاءِ، ورُمْحٌ صَدْقٌ: إِذَا كَانَ صُلْبًا (¬2)؛ لأنَّ بِهِ يَكْمُلُ النِّكَاحُ ويَنْعَقِدُ، ومِنْهُ الصِّدْقُ فِي الحَدِيثِ؛ لأنَّ الصَّادِقَ عَلَى ثَبَاتٍ مِنْ أَمْرِهِ بِخِلافِ الكَاذِبِ. - و"الحِباءُ": العَطَاءُ الَّذِي يُخَصُّ بِهِ وَاحِدٌ دُوْنَ آخَرَ. - وَقَوْلُهُ: "سُوْرَةُ كَذَا وَسُوْرَةُ كَذَا" يَجُوْزُ في "سُوْرَةٍ" التَّنوينُ، وتُجْعَلُ (كَذَا) كِنَايَةً عَنْ صِفَةٍ، ويَجُوْزُ تَرْكُ التَّنوينِ، وتكوْنُ (كَذَا) كِنَايَةً عَنِ المُضَافِ؛ كَمَا تَقُوْلُ: سُوْرَةُ البَّقَرَةِ، وَهُوَ الوَجْهُ. - قَوْلُهُ: "لِسُوَرٍ سَمَّاهَا" كَلامٌ فِيهِ حَذْفٌ، كَأَنَّهُ قَال: قَال ذلِكَ لِسُوَرٍ سَمَّاهَا. - وَ [قَوْلُهُ: "أوْ مِنَ العَشِيرَةِ" [9]. العَشِيرَةُ: القَبِيلَةُ؛ سُمِّيَتْ بِذلِكَ لِمُعَاشَرَةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ. والعَشِيرُ: الزَّوْجُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفَاعلٍ كَنَدِيمٍ وَجَلِيسٍ (¬3). - وَ [قَوْلُهُ: "فَابْتَغَتْ أُمَّها"] [10]. ابْتَغَتْ: طَلَبَتْ، يُقَالُ: بَغَيتُ الشَّيءَ أَبْغِيهِ بُغَاءً: إِذَا طَلَبْتُهُ، فَإِنْ أَكْثَرْتَ من طَلَبِهِ قُلْتَ: ابْتَغَيتُ ابْتِغَاءً. - وَ [قَوْلُهُ: "مَنْ كَانَ، أبًا أوْ غَيرَهُ"] [11]. رَوَى يَحْيَى: "مَنْ كَانَ، أَبًا أَوْ غَيرَهُمْ". وَرَوَى غَيرُهُ مِنَ الرُّوَاةِ: "أَوْ غَيرَهُ" بإِفْرَادِ الضَّمِيرِ (¬4)، وَهُوَ الوَجْهُ؛ ¬
لأنَّه يَعُوْدُ على الأبِ. وذَهَبَ يَحْيَى بِذلِكَ إِلَى الأبِ وغَيرِهِ، أَوْ جَعَلَ الأبَ بِمَعْنَى الآبَاءِ كَمَا قَال تَعَالى (¬1): {إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا (101)} والأشْبَهُ أَنْ يَكُوْنَ غَلَطًا كَمَا غَلِطَ في قَوْلهِ: "فَلِزَوْجِهَا شَرْطُ الحِبَاءِ" وإِنَّمَا هُوَ شَطْرُ (¬2). - و [قَوْلُهُ: "وَكانَ في وَلَاتةِ أبِيهِ"]. الولايَةُ: الإِمَارَةُ بالكَسْرِ لا غَيرُ، وَإِذَا كَانَتْ بِمَعْنَى الوَلاءِ جَازَ فِيهَا الفَتْحُ والكَسْرُ، وبِذلِكَ قَرَأَتِ القُرَّاءُ (¬3): {مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيءٍ} بِكَسْرِ الوَاو وفَتْحِهَا. - وَذُكِرَ أَنَّ العَجَّاجَ (¬4) نكَحَ الدَّهْنَاءَ بنْتَ مِسْحَلٍ فعَجَزَ عَنِ افْتِضَاضِهَا فَاسْتَعْدَتْ عَلَيهِ الأمِيرَ وَقَالتْ: إنِّي مِنْه بِجُمْعٍ (¬5)، فَقَال: كَذَبَتْ، إِنِّي لآخُذُهَا العُقَيلَي ¬
[نكاح المحلل وما أشبهه]
والشَّغْزَبِيَّةَ، فَضَحَكَ الأمِيرُ، وقَال: اذْهَبَا فَقَدْ أَجَّلْتُكُمَا سَنَةً، فَرَجَعَ وَهُوَ يَقُوْل (¬1): أَظَنَّتِ الدَّهْنَا وَظَنَّ مِسْحَلُ ... أَنَّ الأمِيرَ بالقَضَا يُعَجِّلُ عَنْ كَسَلاتِي وَالحِصَانُ يَكْسِلُ ... عَن السِّفَادِ وَهُوَ طِرْفُ هَيكَلُ - كَانَ (¬2) رُؤْبَةُ يُنْشِدُهُ "يَكْسَلُ" بِفَتْحِ اليَاءِ والسِّينِ- ثُمَّ جَعَلَ يُلاعِبُهَا ويُعَانِقُهَا وكثَّرَ مِنْ ذلِكَ فَقَالتْ: واللهِ لَا تَخْدَعُنِي بِضَمٍّ ... وَلَا بِتَقْبِيلٍ ولا بِشَمٍّ إِلَّا بِزَعْزَاع يُسَلِّي هَمِّي ... تَسْقُطُ مِنْهُ فتَخِي في كُمِّي العُقَيلِي والشَّغْزَبِيّةُ: أَنْ تَصْرَعَهَا عِنْدَ المُلاعَبَةِ. اعْتَقَلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ: إِذَا أدْخَلَ رِجْلَيهِ بَينَ رِجْلَيهِ فَصَرَعَهُ. والفَتْخُ: خَوَاتِمُ أَصَابع الرِّجْلَينِ، والزَّعْزَاعُ: النِّكَاحُ بالحَرَكَةِ الشَّدِيدَةِ. [نِكَاحُ المُحَلِّلِ وَمَا أشْبَهَهُ] -[قَوْلُهُ: حَتَّى تَذُوْقَ العُسَيلَةَ"] [17]. وَذَكَرَ العُسَيلَةَ وَقَوْلَ الحَسَنِ، ¬
فَقَال: الَّذِي تَقْتَضِيهِ اللُّغَةُ هُوَ أنَّ ذَوْقَ العُسَيلَةِ: النِّكَاحُ الَّذِي مَعَهُ الإنْزَالُ، يُقَالُ: عَسَلَ الرَّجُلُ المَرْأَةَ (¬1)، والفَحْلُ النَّاقَةَ. -[وَقَوْلُهُ: "فَاعْتُرِضَ عَنْهَا"]. ويُقَالُ: اعْتُرِضَ الرَّجُلُ عَنْ أَهْلِهِ: إِذَا عَجَزَ عَنْ نِكَاحِهَا كَمَا يَعتَرِضُ لَهُ الشَّيءُ فَيَحُوْلَ بَينَهُ وبَينَ قَصْدِهِ، وَفِي مَعْنَاهُ: عُنِنَ الرَّجُلُ عَنِ امْرَأَتِهِ. ورَجُل عِنِّينٌ بَيِّنُ العِنِّينَةِ والتَّعَنِينِ. أَكْسَلَ الرَّجُلُ يُكْسِلُ في الجِمَاعِ، فَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ غَيرِ جِمَاع قِيلَ كَسَلَ يَكْسَلُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ. - وَ [قَوْلُهُ: "مِثْلَ هُدْبة الثَّوْبِ"]. يُقَالُ: هُدْبَةٌ وهُدُبَةٌ وهُدَّابَةٌ: وَهُوَ الخَيطُ الَّذِي يُتْركُ في طَرَفِ الثَّوْبِ ثُمَّ يُفْتَلُ، فَيَقَعُ عَلَيهِ اسْمُ الهُدْبِ مَفْتُوْلًا وغَيرَ مَفْتُوْلٍ، يُقَالُ: هَدَّبْتُ الثَّوْبَ فَهُوَ مُهَدَّبٌ. شبَّهَتْ ذَكَرَهُ في لِينهِ بالهُدْبَةِ. - وَوَقَعَ في بَعْضِ النُّسَح: "لَا يَحِلُّ لِزَوْجِهَا الأوَّلَ أنْ يُرَاجِعَهَا" [19]. وَهُوَ الوَجْهُ؛ لأنَّه فِعْلٌ لِلْمُرَاجَعَةِ، وَ"أَنْ يُرَاجِعَهَا" في موْضِعِ رَفْعٍ بِهِ، كَأَنَّهُ قَال: لَا يَحِلُّ لِزَوْجِهَا الأوَّلِ مُرَاجَعَتِهَا، وكَذلِكَ قَوْلُهُ: "هَلْ يَحِلُّ لِزَوْجِهَا الأوَّلِ أَنْ يُرَاجِعَهَا" وَقَدْ رُويَ: "تَحِلُّ" بالتَّاءِ في المَوْضِعَينِ، عَلَى أَنْ يَكُوْنَ في "تَحِلُّ" ضَمِيرٌ يَرْجِعُ عَلَى المَرْأَةِ، ويَجُوْزُ أَنْ تَجَعَلَ: "أَنْ يُرَاجِعَهَا" في مَوْضِعِ رَفْع عَلَى البَدَلِ مِنْهُ، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ [تَعَالى] (¬2): {يُخَيَّلُ إِلَيهِ مِنْ سِحْرِهِمْ} ¬
[جامع ما لا يجوز من النكاح]
قُرِئَ (¬1) باليَاءِ والتَّاء. [جَامع ما لا يجوز من النكاح] -[قَوْلُهُ: "وَضَرَبَ زَوْجَهَا بالمِخْفَفَةِ] [27]. المِخْفَقَة: هِيَ الدُّرَّةُ (¬2). [مَا جَاءَ في كَرَاهِيةِ إِصَابةِ الأخْتَينِ بملك اليَمينِ] - وَذَكَرَ قَوْلَ عُمَرَ: "مَا أحِبُّ أنْ أخْبُرَهُمَا جَمِيعًا" [33]. فَقَال: إنَّمَا هُوَ كِنَايَة عَنِ الوَطْءِ، يُقَالُ: خَبَرْتُ الأرْضَ (¬3): إِذَا حَرَثْتُهَا، وَخَابَرْتُ الرَّجُلَ مُخَابَرَةً: إِذَا زَارَعْتَهُ، والزَّارعُ: الخَابِرُ والخَبَّارُ والخَبِيرُ. فَسَمَّى عُمَرُ النِّكاحَ خَبْرًا كَمَا سَمَّاهُ اللهُ حَرْثًا، ويُقَالُ لِلْمَرْأَةِ: حَرْثٌ، قَال (¬4): إِذَا أَكَلَ الجَرَادُ حُرُوْثَ قَوْمٍ ... فَحَرْثِي شَأنُهُ أَكْلُ الجَرَادِ - وَذَكَرَ أَنَّ "أَنَّى" تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى مِنْ أَينَ، وَمِنْهُ: (¬5) {أَنَّى لَكِ هَذَا} و {أَنَّى شِئْتُمْ} (¬6). ¬
[النهي عن أن يصيب الرجل أمة كانت لأبيه]
- وَذَكَرَ حَدِيثُ قَبِيصَةَ بنِ ذُؤَيبٍ (¬1). [34]. إِنَّمَا أَخْفَى ذِكْرَ عَلِيٍّ لِمَا تَوَقَّعَ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ، وَكَانَ قَبِيصَةُ مُدَاخِلًا لَهُمْ. - وَقَوْلُ عَلِيٍّ: "لَجَعَلْتهُ نَكَالًا" مِنْ نكلَ عَنِ الأمْرِ يَنكلُ: إِذَا جَبُنَ عَنْهُ وارْتَدَعَ، فَمَعْنَى نَكَّلْتُ بِهِ؛ أَي: عَاقَبْتُهُ مُعَاقَبَةً تُنكِّلُ غَيرَهُ أَنْ يَقْدمَ عَلى مِثْلِهِ (¬2). [النَّهْيُ عَنْ أنْ يُصِيبَ الرَّجُلُ أمَةً كَانَتْ لأَبِيهِ] - قَوْلُهُ: "مُنْكَشِفًا" [27]. الرِّوَايَةُ بِكَسْرِ الشِّينِ، وَكَانَ الوَجْهُ أَنْ يَكُوْنَ مُنكشِفًا عَنْهَا ثَوْبُهَا، وأَظُنُّهُ نُقْصَانًا وَقَعَ في الخَط، أَوْ يَكُوْنُ: مُنكَشَفًا عَنْهَا -بِفَتح الشِّينِ- فَيَكُوْنَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ القَائِلِ: انكشِفَ الثَّوْبُ عَنْ زَيدٍ، ثُمَّ يُحْذِفُ الثَّوْبُ فَيَقُوْلُ: انكشِفَ عَنْ زَيدٍ، يُقِيمُ المَصْدَرَ مَقَامَ الفَاعِلِ، كَأَنَّهُ قَال: انكشِفَ الانكشَافُ، أَوْ جَعَلَ المَجْرُوْرُ في مَوْضِعِ رَفْعٍ كَقَوْلهِ [تَعَالى] (¬3): {الْمَغْضُوبِ عَلَيهِمْ}. ¬
[نكاح المتعة]
[نِكَاحُ المُتْعَةِ] -[قَوْلُهُ: "إِنَّ رَبِيعَةَ بنَ أمَيَّةَ"] [42]. رَبِيعَةُ بنُ أُمَيَّةَ أَخُو صَفْوَانِ بنِ أُمَيَّةَ (¬1)، كَانَ مَوْصُوْفًا بِشِدَّةِ الصَّوْتِ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يُبَلِّغُ النَّاسَ قَوْلَ النَّبِيِّ [- صلى الله عليه وسلم -]، يَوْمَ حَجَّةِ الوَدَاعِ، إِذْ كَانَ النَّبِيُّ [- صلى الله عليه وسلم -] يَقُوْلُ: أَيُّ يَوْمٍ هَذَا، فَكَانَ هُوَ يَرْفَعُ بذلِكَ صَوْتَهُ. أُتِيَ بِهِ عُمَرُ سَكْرَانَ فَحَدَّهُ، فَأَنفَ مِنْ ذلِكَ وهَرَبَ إِلَى الرُّوْمِ، وتنَصَّرَ، فَلَمَّا وَلِيَ عُثْمَانُ بَعَثَ إِلَيهِ أَبا الأعْوَرِ السُّلَمِيّ (¬2) يَسْتَدْعِيهِ إِلَى الإِسْلامِ فَرَاجَعِهُ بَقَوْلِ النَّابِغَةِ (¬3): حَيَّاكَ وَدٌّ (¬4) فَإِنَّا لَا يَحِلُّ لنا ... لَهْوُ النِّسَاءِ وأَنَّ الدِّينَ قَدْ عَزَمَا ¬
وَ"وَدٌّ" صنَمٌ، وإِنَّمَا ذَكَرَهُ إِشَارَةً لِمَا كَانَ عَلَيهِ أَهْلُ الجَاهِلِيَّةِ مِنْ تَعْظِيمِ الأصْنَامِ وَعِبَادَتِهَا، وإِنْ كَانَ يُظْهِرُ النَّصْرَانِيّةَ. - وَذَكَرَ نَهْيَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عنِ المُتْعَةِ يَوْمَ خَيبرَ. وَرُويَ: يَوْمَ الفَتْحِ، وَرُويَ: يَوْمَ حَجَّةِ الوَدَاعِ، وَقِيلَ: عامَ أَوْطَاسٍ (¬1)، وَقِيلَ: عَامَ تَبُوْكَ. وَرُويَ: يَوْمَ عُمْرَةِ القَضَاءِ. وَرَجَّحَ رِوَايَةَ حَجَّةِ الوَدَاعِ عَلَى مَا رَجَّحَهَا أَبُو دَاوُدَ، وَهُوَ حدِيثُ رَبِيع بنِ سَبْرَةَ (¬2). - وَقَوْلُ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِب [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] (¬3) لابنِ عَبَّاس: "إِنَّكَ لَتَايِهٌ" (¬4) والتَّايِهُ: الضَّالُّ المُتَحَيِّرُ. - وَقَوْلُ جَابِرٍ تَمَتَّعْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُوْلِ الله [- صلى الله عليه وسلم -] وَخِلافَهِ أَبِي بَكْر، ونصْفِ ¬
خِلافَةَ عُمَرَ، ثُمَّ نَهَى عُمَرُ عَنْهَا فِي شَأْنِ عَمْرِو بنِ حُرَيثٍ (¬1)، وَسُئِلَ ابنُ عَبَّاسٍ عَنْهَا: أَسِفَاح هِيَ أَمْ نِكَاح؟ فَقَال: لَا ذَا ولا ذَا، هِيَ مُتْعَةٌ كَمَا قَال تَعَالى. وَقَوْلُ ابنِ عَبَّاسٍ: يَرحَمُ اللهُ عُمَرَ مَا كَانَتْ المُتْعَةُ إلَّا رَحْمَةً مِنَ اللهِ، وَلَوْلا نَهْيُ عُمَرَ مَا زَنَى إلَّا شَقِيٌّ. - وَذَكرَ قَوْلَهُ: "نَهَى رَسُوْلُ اللهِ [- صلى الله عليه وسلم -] عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ، وَعَنْ أكْلِ لُحُوْمِ الحُمُرُ الإنسِية (¬2) يَوْمَ خَيبرَ" فَقَال: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُوْنَ يَوْمَ (¬3) خَيبَرَ ظَرَفًا لِوُقُوع النِّهْيِ عَنِ اللُّحُوْمِ، وأَنَّ النَّهْيُ عَنِ المُتْعَةِ مُبْهَمُ الظَّرْفِ، وَقَوْلُ القَائِلِ: لَقِيتُ زَيدًا وعَمْرًا يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُوْنَ يَوْمَ الجُمُعَةِ ظَرْفًا لِلِقَائِهِمَا، ويُحْتَمَلُ أَنْ يَكُوْنَ ظَرْفًا لِلِقَاءِ أَحَدِهِمَا. - وَذَكَرَ قَوْلَ ابنِ عُمَرَ: "هَلَّا تَزَمْزَمَ بِهَا زَمَنِ عُمَرَ". يَعْنِي ابنَ عَبَّاسٍ، وقَال: الزَّمْزَمَةُ [هِيَ] (¬4): الانْقَاضُ باللِّسَانِ في الحَنَكِ مَعَ إِطْبَاقِ الفَمِ نَحْوَ مَا تَفْعَلِ ¬
الفُرْسُ، وَقِيلَ: هُوَ تَحْرِيكَ الشَّفَتينِ مِنْ غَيرِ كَلامٍ، وَمِنْهُ سُمِّيَتْ زَمْزَمُ؛ لأنَّ الفُرْسُ زَمْزَمَتْ عَلَيهَا، قَال الشَّاعِرُ: زَمْزَمَتِ الفُرْسُ عَلَى زَمْزَمِ ... وذلِكَ في سَالِفِهَا الأقْدَمِ - وَذَكَرَ قَوْلَ سَعِيدِ بنِ جُبيرٍ لابنِ عَبَّاسٍ في المُتْعَةِ؛ وأنَّ الشُّعَرَاءَ قَدْ قَالتْ في ذلِكَ (¬1): قَال المُحَدِّثُ لَمَّا طَال صُحْبَتُهُ ... يَا صَاحِ هَلْ لَكَ في فُتيا ابنِ عَبَّاسٍ فِي بَضَّةٍ رَخْصَةِ الأطْرَافِ آنِسَةٍ ... تَكُوْنُ مَثْوَاكَ حَتَّى مَرْجِعَ النَّاسِ فَقَال: مَا أَحْلَلْتُ مِنْهَا إلَّا مَا أحَلَّ اللهُ مِنَ المَيتة. - اذْكُرُ قَوْلُ هِنْدٍ: "يَا أهْلَ مَكَّةَ عَلَيكُم الحِمِّيتَ الدَّسِمَ فَاقْتُلُوْهُ" الحِمِّيتُ: الزِّقُّ يُدْبَغُ بِرُبِّ التَّمْرِ لِيَحْفَظَ (¬2) السَّمْنَ مِنَ التَّغَيُّرِ، الدَّسِمُ: الَّذِي قَدْ عَلاهُ ¬
[نكاح المشرك إذا أسلمت زوجته قبله]
الدَّسَمُ، شَبَّهَهُ بِهِ في كثرةِ لَحْمِهِ مَعَ جُبْنهِ وخَوَرِهِ. تَسْألنِي عَنْ بَعْلِهَا أَيَّ فَتًى ... خِبٌ جروزُ (¬1) وإِذا جَاعَ بَكى لَا حَطَبَ القَوْمَ وَلَا القَوْمَ سَقَى ... كَأَنَّهُ غِرَارَةٌ مَلآيَ حَثَى (¬2) الحَثَى: دِقَاقُ التبِّنِ. [نِكَاحُ المُشْرِكِ إِذَا أسْلَمَتْ زَوْجَتُهُ قَبْلَهُ] - قَوْلُهُ: " [إنَّ] هَذَا وَهْبُ بنُ عُمَيرٍ" (¬3). يَجُوْزُ رَفْعُ "وَهْبٍ" عَلَى خَبَرِ "إِنَّ" ¬
ونَصْبُهُ عَلَى البَدَلِ أوْ عَطْفِ البَيَانِ، وَيَكُوْنُ الخَبَرُ: جَاءَنِي. - وَ [قَوْلُهُ: "بحُنينَ"]. وَقَعَ في الرِّوَايَةِ: "حُنَينَ" غَيرَ مُنْصَرَفٍ، ذَهَبِ بِهِ إلى الأرْضِ والبُقْعَةِ، وَمَنْ صَرَفَهُ ذَهَبَ بهِ إلى المَوْضِعِ، وَهُوَ أَشْبَهُ قَال [تَعَالى] (¬1): {وَيَوْمَ حُنَينٍ} (¬2). - وَوَقَعَ في رِوَايةَ يَحْيى: "ثُمَّ رَجَعَ". ولا مَعْنَى لِذِكْرِ الرُّجُوع ههنَا، وَرَوَى غَيرُهُ: "خَرَجَ" (¬3) وأَظُنُّهُ: "زَحَفَ" فَصَحَّفَهُ الرَّاوي، وَمَعْنَاهُ: نَهَضَ لِلْقِتَالِ، يُقَالُ: زَحَفَ القَوْمُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ. - وَقَوْلُهُ: "حَتَّى أسْلَمَ صَفْوَانُ". هَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ القَائِلِ: لَا تُقِمْهُ مَنْ مَوْضِعِهِ (¬4) حَتَّى يَقُوْمَ عَلَى اخْتِيَارِهِ، مَعْنَاهُ، اتْرُكْهُ حَتَّى يَقُوْمَ عَلَى اخْتِيَارِهِ، وَلَيسَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلكَ: مَا عَاقَبْتُ زَيدًا حَتَّى اسْتَحَقَّ العِقَابَ؛ لأن هَذَا يُوْجِبُ أَنْ يَكُوْنَ إِسْلامُ صَفْوَانَ سَبَبًا مُوْجِبًا للتَّفْرِقَةِ بَينَهُ وَبَينَ امْرَأَتِهِ، كَمَا [كَانَ] (¬5) ¬
اسْتِحْقَاقُ زَيدٍ العِقَابَ سَبَبًا مُوْجِبًا لِعِقَابِهِ، وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ "حَتَّى" بِمَعْنَى "حِينَ" فِي قَوْله (¬1): "حَتَّى تَمَلُّوا" أَي: حِينَ، إِنَّمَا جَازَ اسْتِعْمَالُهَا بِمَعْنَى الحِينِ؛ لأنَّهَا تُسْتَعْمَلُ غَايَةً في الزَّمَانِ تَقُوْلُ: جَلَسْتُ حَتَّى الطهْرِ؛ أَي: حَتَّى هَذَا الحِينِ، فَلَمَّا كَانَتْ تُسْتَعْمَلُ في الحِينِ الَّذِي يَنْتَهِي إِلَيهِ الفِعْلُ سَدَّتْ مَسَدَّهُ؛ أَي: لَا يَملُّ عِنْدَ الغَايَةِ الَّتِي يَقَعُ المَلَلُ مِنْكُمْ. وَبِمَعْنَى "كَي" تَقُوْلُ: صَلَّيتُ حَتَّى يَغْفِرَ اللهُ [لِي]. وَلَهَا مَعْنًى آخَرُ وَهُوَ قَوْلُكَ: لَا تُمَازِحُهُ حَتَّى يَغْضَبَ أَي: لَا تَبْلُغُ بِمُمَازَحَتِهِ حَدَّ الغَضَبِ. - وَ [قَوْلُهُ: "حَتَّى الهِجْرَةِ"] الهِجْرَةُ: هَيئَةُ الهَجْرِ كَالجِلْسَةِ والرِّكْبَةِ، وَسُمِّيَتْ هِجْرَةً؛ لأنَّ الرَّجُلَ كان يَهْجُرُ فِيهَا قَوْمَهُ وَيُقَاطِعُهُمْ، وكَذلِكَ سُمِّيتُ مُهَاجَرَةً ومُرَاغَمَةً، قَال [الله] تَعَالى (¬2): {يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا [كَثِيرًا وَسَعَةً] (¬3)} والمُرَاغَمُ: مصدَرٌ جَاءَ عَلَى مِثَالِ المَفْعُوْلِ بِمَعْنَى المُرَاغَمَةِ، كَمَا قَالُوا: المُقَاتَلُ بِمَعْنَى المُقَاتَلَةِ. وَتَوْجيهُهُ رِدَاءَهُ (¬4) أَمْرٌ كَانَتِ العَرَبُ تَفْعَلَهُ في الجَاهِلِيةِ كَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَرَادَ خَفَارَةَ (¬5) رَجُلٍ وَتَأَمِينَهُ مِمَّا يَخَافُ، وَأَنْ يَعْلَمَ النَّاسُ [أنَّهُ] في كَنَفِهِ، أَلْقَى ¬
عَلَيهِ رِدَاءَهُ أَوْ ثَوْبًا مِن ثِيَابِهِ، فَلَمْ يَعْرِضْ لَهُ أَحَدٌ، قَال أَبُو خِرَاشٍ (¬1): وَلَمْ أَدْرِ مَنْ أَلْقَى عَلَيهِ رِدَاءَهُ ... عَلَى أَنّه قَدْ سُلَّ مِنْ مَاجِدٍ مَحْضِ وبَلَغَ سُلَيمَانُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ أَنَّ وَكِيعَ بنَ الدَّوْرَقِيّة التَّمِيمِيُّ (¬2) أَوْقَعَ بِقُتيبَةَ بنِ مُسْلِمٍ بِخُرَاسَان، فَخَطَبَ بِمَكَّةَ وَذَكَرَ غَدْرَ بَني تَمِيمٍ، وَسُرْعَتَهُمْ إلى إِثَارَةِ ¬
[ما جاء في الوليمة]
الفِتَنِ، فَقَامَ الفَرَزْدَقُ [فَـ]ـبَسَطَ رِدَاءَهُ وَقَال: رِدَائي رَهْنٌ لأمِيرِ المُؤمِنِينَ بِوَفَاءِ بَني تَمِيمٍ، والَّذي نُقِلَ عَنْهُم كَذِبٌ، فَمَا انْقَضَتْ إلَّا مُدَّةٌ يَسِيرَةٌ حَتَّى أتتْهُ بَيعَةُ وَكِيع وَبني تَمِيمٍ، فَسُرِّيَ عَن سُلَيمَانَ فَقَال الفَرَزْدَقُ (¬1): أتانِي وَأَهْلِي بالمَدِينَةِ وَقْعَةٌ ... لآلِ تَمِيمٍ أَقْعَدَتْ كُلَّ قَائِمِ كَأَنَّ رُؤُوْسَ النَّاسِ إذْ سَمِعُوا بِهَا .... مُشَدَّخَةً هَامَاتُهَا بالأمَايمِ وَمَا بَينَ مَنْ لَمْ يُعْطِ سَمْعًا وَطَاعَة ... وَبَينَ تَمِيمٍ غَيرُ حَزِّ الحَلاقِمِ فِدًى لِسُيُوفٍ مِنْ تَمِيمٍ وَفَى بِهَا ... رِدَائِي وَجَلَّتْ عَنْ وُجُوْهِ الأهَاتِمِ فَلَمَّا كَانَ أَمْرًا مَعْرُوْفًا عِنْدَ العَرَبِ بَعَثَ إِلَيهِ بِرِدَائِهِ لِيُؤَمِّنَهُ وَتَطِيبَ نَفْسُهُ. [مَا جَاءَ في الوَلِيمَة] لَيسِ في حَدِيثِ الخَيَّاطِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَن طَعَامَهُ كَانَ طَعَامَ وَلِيمَةٍ، وَقَدْ تأمَّلْتُهُ فِي المُصَنَّفَاتِ فَلَمْ أَجِدْ دَلِيلًا عَلَى ذلِكَ. طَعَامُ الوَليمَةِ: العُرْسُ والإمْلاكُ ¬
-وَهُوَ العَقْدُ-. وَقَال الشَّافِعِيُّ (¬1): وَلِيمَةُ العُرْسِ، وَوَلِيمَةُ الخِتَانِ والنَّفَاسِ، وَمَا حَدَثَ [فِي] السُّرُوْرِ وَاجِبٌ، وَمَا قَالهُ لَيسَ بمَعْرُوْفٍ فِي اللُّغَةِ، وإِنَّمَا الوَليمَةُ مَا ذَكَرْنَاهُ (¬2). وَطَعَامُ الخِتَانِ يُسَمَّى الإعْذَارَ (¬3)، وطَعَامُ الخُرْسِ يُقَالُ لَهُ: طَعَامُ النَّفَاسِ (¬4)، ومَا تُطْعَمُه النُّفَسَاءُ: خُرْسَةٌ (¬5)، خَرَسْتُ تَخْرِيسًا. والنَّقِيعَةُ (¬6): طَعَامُ القَادِم من سَفَرِهِ. والنَّقِيعَةُ: الشَّاةُ وَنَحْوَهَا (¬7)، رَوَى الزُّبَيرُ، عَنْ نَافِعٍ، ¬
عَنِ ابنِ عُمَرَ، عَن النَّبِي [- صلى الله عليه وسلم -]: "إذَا دَعَى أحَدُكُمْ أخَاهُ فَلْيُجِبْهُ عُرْسًا كانَ أوْ دَعْوَةً" وَهَذَا حَدِيثُ مَالِكٍ بِعَينهِ، فَخَصَّ مَالِكٌ في رِوَايَتِهِ الوَليمَةَ، وَمَعْنَى: "عُرْسًا كانَ أوْ دَعْوَةً" أَي: دَعْوَةً عَنْ عُرْسٍ، فَحَذَفَ الصِّفَةَ؛ لأنَّ الدَّعْوَةَ يمُوْنُ عُرْسًا وغَيرَ عُرْسٍ، وإِلَّا فَلَا أَعْلَمَ خِلافًا بَينَ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ الدَّعْوَةَ تَشْمَلُ العُرْسَ وَغَيرَ العُرْسِ. وَرَوَى مُوْسَى بنُ عُقْبَةَ حَدِيثَ نَافِعٍ فَقَال: "أجِيبُوا الدَّعْوَةَ إذَا دُعِيتُمْ" وَلَمْ يَخُصَّ. - "مَهْيَمُ" (¬1) كَلِمَة يَمَنِيّةٌ، يُرِيدُوْنَ بِهَا مَا الأمْرُ وَمَا الشَّأْنُ؛ فَيُقِيمُوْنَهَا مَقَامَ حَرْفِ الاسْتِفْهَامِ والشَّيءُ المُسْتَفْهَمُ عَنْهُ، وَمِثْلُهَا فِي الألْفَاظِ المُفْرَدَةِ الَّتِي وُضِعَتْ مَوْضِعَ الجُمَلِ: "بَجَلْ" وَ"حَسْبُكَ". - وَ [قَوْلُهُ: "زِنَةُ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ"]. النَّوَاةُ: زِنَةُ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ، وَقَال ابنُ حَنْبَلٍ: ثَلاثَةُ دَرَاهِمٍ وثُلث، وَقِيلَ: النَّوَاةُ -عِنْدَ أَهْلِ المَدِينَةِ- رُبْعُ دِينَارٍ. وقَال أَبُو عُبَيدٍ (¬2): مَعْنَى الحَدِيثِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ: أَنّه أَرَادَ قَدْرَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ كَانَتْ قِيمَتُهَا خَمْسَةَ دَرَاهِمٍ، وَلَمْ يَكُنْ ثَمَّ ذَهَبٌ، وإِنَّمَا هِيَ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ لِتُسَمَّى نَوَاةً، كَمَا سُمِّيَتْ الأرْبَعُوْنَ دِرْهَمًا أُوْقِيّةً، والعُشْرُوْنَ دِرْهَمًا نَشًّا. و"الدُّبَّاءُ": القَرْعُ (¬3). ¬
[جامع النكاح]
[جَامِع النكاحِ] - وَ [قَوْلُهُ: "فَلْيَأخُذْ بذِرْوَةِ سَنَامِهِ"] [52]. الذِّرْوَةُ والذُّرْوَةُ (¬1): أَعْلَى كُلِّ شَيءٍ، والسَّنَامُ: الحَدَبَةُ، وخَصَّهُ بِقَوْلهِ: عَلَى ذُرْوَةِ كُلِّ بَعِيرٍ شَيطَان، والإبِلُ تُشَبَّهُ بالشَّيَاطِينِ. -[قَوْلُهُ: "فَلْيَأخُذْ بِناصِيتهَا"]. والنَّاصِيَةُ: مُقَدَّمُ الرَّأْسِ، وخَصَّهَا؛ لأنَّ العَرَبَ تُعَبِّرُ عَنْ مِلْكِ الشَّيءِ والقُدْرَةِ عَلَيهِ بِأَنْ يَقُوْلُوا: آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ [تَعَالى] (¬2): {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ} وشَبَّهَ بِهَا عَطَاءَ النَّاسِ، ويُنْسَبُ إِلَيهَا الخَيرُ والشَّرُّ، والنَّاكِحُ والمُتَسَرِّي رَاغِبَانِ في أَنْ يُمَلِّكَهُمَا اللهُ مَا نكحَا وتَسَرَّيَا، وَجَعَلَهُمَا مُتَصَرِّفينِ تَحْتَ إِرَادَتِهِمَا. رَوَى الشَّعْبِيُّ أَنَّ رَجُلًا أتى إلى عُمَرَ فَقَال: إِنَّ ابْنَةً لي وُلِدَتْ في الجَاهِلِيّةِ وأَسْلَمَتْ فَأَصَابَتْ حَدًّا فَعَمَدَتْ إِلَى الشَّفْرَةَ فَذَبَحَتْ نَفْسَهَا، فَأَدْرَكْتُهَا وَقَدْ قَطَعَتْ بَعْضَ أَوْدَجِهَا، فَدَاوَيتُهَا فَبَرِئَتْ، ثُمَّ نَسَكَتْ وأَقْبَلَتْ عَلَى القُرْآن فَحَفِظَتْهُ، وَهِيَ الآنَ تُخْطَبُ إِلَيَّ، أَفَأُخْبِرُ مِنْ شَأْنِهَا بالَّذِي كَانَ؟ فَقَال عُمَرُ: ¬
أتعْمَدُ إِلَى سِتْرٍ سَتَرَهُ اللهُ فَتكشِفَه؟ ! لَئِنْ بَلَغَنِي أَنَّكَ ذَكَرْتَ شَيئًا مِنْ أَمْرِهَا لأجْعَلَنَّكَ نكالًا لأهْلِ الأبْصَارِ، بَلْ أَنكحْهَا إِنكاحَ العَفِيفَةِ المُسْلِمَةِ. - وَقَوْلُهُ: "مَا لكَ وَلِلْخَبَرِ". يُرِيدُ: مَا لكَ وَلِذِكْرِ الخَبَرِ، فَحَذَفَ المُضَافَ، أَوْ مَا لكَ وَلِلْخَبَرِ بِمَا كَانَ، فَيَكُوْنُ فِيهِ عَلَى هَذَا التّأويلِ الآخَرِ مَجَازَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنه حَذَفَ بَعْضَ الكَلامِ. والثَّانِي: أنَّه أَقَامَ الخَبَرَ الَّذِي هُوَ اسْمٌ مَقَامَ الإخْبَارِ الَّذِي هُوَ مَصْدَرٌ، كَمَا وَضَعَ المَتَاعَ مَوْضِعَ التَّمْتِيع في قَوْلهِ [تَعَالى] (¬1): {يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا} وَالوَجْهُ الأوَّلُ إِنَّمَا فِيهِ مَجَازٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ حَذْفُ المُضَافِ فَهُوَ أَوْلَى. - وَقَوْلُهُ: "أحْدَثَتْ". كِنَايَةٌ عَنْ زَنَتْ، كَمَا كَنَّى بِقَوْله [تَعَالى] (¬2): {كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ}. - وَقَوْلُهُ: "كادَ أنْ يَضْرِبهُ". كَذَا وَقَعَ في بَعْضِ النُّسَخِ، والنَّحْويُّوْنَ يَأْبَوْنَ اجْتِمَاعَ "كَادَ" مَعَ "أَنْ" إلَّا في ضَرُوْرَةِ الشِّعْرِ (¬3)، وَرَأَيتُهُ في كِتَابِ أَبِي ¬
عُمَر (¬1): "كَادَ يَضْرِبَهم" بإِسْقَاطِ "أَنْ". -[قَوْلُهُ]: "فآثَرَ الشَّابَّةَ (¬2) عَلَيهِا" [57]. [أَي: فَضَّلَهَا] (¬3)، يُقَالُ: أَثْرَةٌ، وإِثْرَةٌ، وأَثَرَةٌ (¬4). - وَ [قَوْلُهُ]: "نَاشَدَتْهُ الطَّلاقَ". سَأَلتْهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَطَلَبَتْ مِنْهُ، نَاشَدْتُكَ اللهَ ونَشَدْتُكَ؛ أَي: سَألتك بالله. ¬
(كتاب الطلاق)
(كِتَابُ الطَّلاقِ) (¬1) - ذَكرَ قَوْلَهُ [تَعَالى] (¬2): {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ}. فَقَال: العَرَبُ تَعْنِي بالمَرَّةِ: الوَقْتَ مِنَ الزَّمَانِ، وتَعْنِي بِهَا أَيضًا: المَصْدَرَ، فَإِذَا قَال القَائِلُ: لَقِيتُ زَيدًا مَرَّة جَازَ أَنْ يُرِيدَ وَقْتًا وَاحِدًا، وَجَازَ أَنْ يُرِيدَ لَقْيَةً وَاحِدَةً. [مَا جَاءَ في البتَّةِ] [طَلاقُ] (¬3) البَتَّةُ مِنْ بَتَّ الحَبْلَ: إِذَا قَطَعَهُ، وانْبَتَّ مَا بَينَ القَوْمِ، أَي: انْقَطَعَ، ويُقَالُ: بَتَّ عَلَيهِ القَضَاءَ وَأبتَّهُ: إِذَا فَصَلَهُ، والبَتَّةُ: مَصْدَر لَا يُسْتَعْمَل إِلَّا بالألِفِ واللامِ عِنْدَ سِيبَوَيهِ (¬4) وأَصْحَابِهِ. وَزَعَمَ الفَرَّاءُ أَنّه يُسْتَعْمَلُ مُعَرَّفًا وَمُنكَّرًا. وَ [قوْلُهُ: إنِّي طَلَّقْتُ امْرَأتِي ثَمَانِي تَطْلِيقَاتٍ"] [2]. ثَمَانِي تَطْلِيقَاتٍ، وثَمَانِ تَطْلِيقَاتٍ بإِثْبَاتِ اليَاءِ وحَذْفِهَا لُغَتَانِ جَائِزَتَانِ. - وَ [قَوْلُهُ: لا تُلْبِسُوْنَ عَلَى أنْفسُكُمْ "]. يُقَالُ: لَبَسَ الأمْرَ يَلْبِسُهُ: إِذَا خَلَطَهُ وأَبْهَمَهُ، وَكَانَ الوَجهُ: "لَا تَلْبِسُوْنَ" عَلَى مَعْنَى النَّفْيِ؛ لأنَّ قَوْلَهُ: "نَتَحَمَّلُهُ عَنكمْ" يَمْنَعُ أَنْ يَكُوْنَ مَجْزُوْمًا عَلَى النَّهْيِ. وَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ ¬
[ما جاء في الخلية والبرية .. ]
القَائِلِ (¬1): لَا يَسَعُنِي شَيءٌ [وَيَعْجَزُ عَنْكَ، أَي: لَا يَسَعُنِي شَيءٌ] وَيَكُوْنَ مِنْهُ أَنْ يَعْجَزَ عَنْكَ، وَلَا تَلْبِسُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَيَكُوْنُ مِنَّا أَنْ نَتَحَمَّلَهُ عَنكُمْ. [مَا جَاءَ في الخَلِيّة والبَرِيّةِ (¬2) .. ] -[قَوْلُهُ: "حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِك"] [4]. أَصْلُ هَذ الكَلِمَةِ: "حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ" أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُسَرِّحَ نَاقَتَهُ أَلْقَى حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا، لِئَلَّا تَطَأَهُ وتَعْثُرَ فِيهِ ثُمَّ يُرْسِلَهَا تَذْهَبَ حَيثُ شَاءَتْ، وَكَانَتِ العَرَبُ تُطَلِّقُ بِهَذ الكَلَمَةِ. والغَارِبُ: أَعْلَى السَّنَامِ، وَيَكُوْنُ أَيضًا أَعْلَى الكَتِفَينِ والظَّهْرِ (¬3). والمَجَادِيحُ (¬4): نُجُوْمٌ كَانَتِ العَرَبُ تَنْسِبُ إِلَيهَا الأنْوَاءَ، وَذَكَرَ أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّ الدَّبِرَانَ يُقَالُ لَهُ: مِجْدَحٌ ومُجْدَحٌ (¬5). [مَا لَا يَبِينُ مِنَ التَّمْلِيكِ] - و [قَوْلُهُ: "خَطَبَتْ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ" [14]. مَجَازُهُ في العَرَبِيّةِ عَلَى وَجْهَينِ: ¬
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُرِيدَ: عَلَى لِسَان عَبْدِ الرَّحْمَنِ، كَمَا يُقَالُ: فُلان تَكَلَّمَ عَلَى لِسَانِ فُلانٍ، فَحَذَفَ المُضَافَ وأَقَامَ المُضَافَ إِلَيهِ مَقَامَهُ. والآخَرُ: أَنْ يَكُوْنَ "عَلَى" بِمَعْنَى اللَّامِ (¬1). -[وَقَوْلُهُ: [وَ] مِثْلِي يُفْتَاتُ عَلَيهِ؟ ] [15]. زَعَمَ يَعْقُوْبُ (¬2) أَنّه إِنَّمَا يُقَالُ: أَفْتَأَتَ عَلَيهِ بالهَمْزِ؛ وَلَا يُقَالُ بِغَيرِ هَمْزٍ، وَمَا قَالهُ لَيسَ بِصَحِيحٍ؛ لأنَّه لَوْ كَانَ مَهْمُوْزًا كَمَا زَعَمَ لَجَازَ تَسْهِيلُهُ كَمَا يُسَهَّلُ كُلُّ مَهْمُوْزٍ، وَكَيفَ وَقَوْلُ النَّاسِ أَفْتَاتَ [-بِغَيرِ هَمْزٍ-] صَحِيحٌ؟ ! عَلَى أَنْ يَكُوْنَ افْتَعَلَ مِنْ فَاتَ الأمْرُ. وَكَانَ الوَجْهُ: أَمِثْلِي -فِي المَوْضِعَينِ- بِهَمْزَةِ الاسْتِفْهَامِ وَلَا يَحْذِفُوْنَهَا إلَّا مَعَ "أَمْ" في المَشْهُوْرِ مِنْ كَلامِهِمْ؛ لأنَّ "أَمْ" تَدُلُ عَلَيهَا، وَرُبَّمَا حُذِفَتْ دُوْنَ ذِكْرِ "أَمْ" اتّكَالًا عَلَى فَهْمِ المُخَاطَبِ. - وَذَكَرَ قَوْلَ ابنِ عَبَّاسٍ: "خَطَّأَ اللهُ نَوْءَهَا". فَقَال: العَرَبُ تَنْسِبُ الأنْوَاءَ إِلَى مَنَازِلِ القَمَرِ السَّاقِطَةِ في المَغْرِبِ، وبَعْضُهُمْ كَانَ يَنْسِبُهَا إِلَى الطَّالِعَةِ في المَشْرِقِ، والأوَّلُ أَشْهَرُ، وَمَعْنَى النَّوْءِ: سُقُوْطُ نَجْمٍ وطُلُوع آخَرُ، مِنْ نَاءَ الطَّالِعُ ¬
يَنُوْءُ: إِذَا نَهَضَ بِثُقْلٍ، فَإِذَا سَقَطَ وَلَمْ يُحْدِثْ شَيئًا قِيلَ: خَوَى وأَخْوَى وأَخْفقَ، فَضُرِبَ مَثلُهُ لِلْخَيبَةِ فَقَالُوا: خَطَّأَ اللهُ نَوْءَهَا لِمَنْ دَعَوا عَلَيهِ بالخَيبَةِ. - وَ [قَوْلُهُ]: "قَوْلُ الثّقَفِي: بِفِيكِ الحَجَرُ" (¬1) [13]. هَذِهِ اللَّفْظَةُ تُسْتَعْمَلُ عَلَى ثَلاثَةِ مَعَانِي: أَحَدُهَا: خَيبَةُ المَدْعُوِّ عَلَيهِ، أَوْ مَنْ يُقَالُ لَهُ ذلِكَ، وأَنّهُ لَا حَظَّ لَهُ فِيمَا أَرَادَهُ [إلَّا] الحِجَارَةَ فَيَقُوْلُوْنَ: بِفِيهِ الحَجَرُ، والجَنْدَلُ، والكَثكَثُ والكِثكِتُ، والأثْلَبُ، والإِثْلِبُ، والبَرَى، والتُّرْبُ، وَهُوَ أَحَدُ التّأْويلاتِ في قَوْلهِ: "ولِلْعَاهِرِ الحَجَرُ". والمَعْنَى الثَّانِي: يُرِيدُوْنَ بِهِ هَلاكَ المَقُوْلِ لَهُ ذلِكَ، وذلِكَ أَنَّ المَصْرُوْعَ يَلْقَى بِوَجْهِهِ التُّرَابَ والحِجَارَةَ، وَمِنْهُ في المَعْنَى: أَرْغَمَ اللهَ أنْفَهُ، وَ [قَوْلُ الشَّاعِرِ]: * ...... لِلْيَدَينِ ولِلْفَمِ (¬2) * ¬
والمَعْنَى الثَّالِثُ: يُرِيدُوْنَ بِهِ الغَيظَ الَّذِي لَا يَقْدِرُ مَعَهُ المُغْتَاظِ عَلَى الانْتِصَارَ، لأنَّ الكَلْبَ يُرْمَى بالحَجَرِ فَيَعَضُّ عَلَيهِ مِنْ شِدَّةِ الغَيظِ، وَلَهُمْ مِنْ هَذَا المَعْنَى أَمْثَالٌ مِنْهَا: "هُوَ يَحْذِفُ نَابَهُ"، وَ"يَعَضُّ عَلَيهِ الأنَامِلُ" وَ"يَعَضُّ عَلَيهِ الأرَمّ" (¬1). وَهِيَ الأسنَانُ، وَقِيلَ: الأصَابعُ، وَقِيلَ: الحِجَارَةُ. فَمَعْنَى هَذَا الأخِيرِ مِنَ المَعَانِي أغَاضَكَ اللهُ غَيضًا لَا تَقْدِرُ عَلَى الانْتِصَارِ. وإِنَّمَا سَكَتَ ¬
[الإيلاء]
الثَّقَفِيُّ عِنْدَ الأوْلَى؛ لأنَّهُ رَضِيَ بِهَا وَأَرَادَهَا. وتكلَّمَ في الأخرَى لَمَّا تكلَّمَ يُرِيدُ: خَيبَةَ أَمَلِهَا مِمَّا أَرَادَتْ؛ لأنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِذلِكَ وَلَا أَرَادَهُ. - تَزْويجُ عَائشِةَ [وَ] حَفْصَةَ [14، 15]. التّزويجُ وإِن كَانَ وَاقِعًا عَلَى عَقْدِ النِّكَاحِ فَغَيرُ مُمْتَنِع أَنْ يُسَمَّى كُلُّ مَا كَانَ مِنْهُ بِسَبَبٍ تَزْويجًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَقْدًا، فَتكوْن عَائِشَةُ أَمِرَتْ بِذلِكَ وخطَبَتْ وَتَكَلَّمَتْ في الصَّدَاقِ، وَلَمْ تَلِ عَقْدَهُ، وَقَدْ وَجَدْتُهُمْ يَنْسِبُوْنَ الفِعْلَ إِلَى مَنْ أَمَرَ بِهِ وَمَنْ رَضِيَهُ، كَمَا يَنْسِبُوْنَهُ إِلَى مَنْ فَعَلَهُ، فَيقُوْلُوْنَ: كَتَبَ الأمِيرُ بِكَذَا، وَبَنى المَلِكُ كَذَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ [تَعَالى] (¬1): {فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ} وَإِنَّمَا فَعَلَ ذلِكَ آبَاؤُهُمْ، وأَهْلُ دِينهِمْ، فَلَمَّا تَابَعُوْهُمْ وَرَضُوا بِفِعْلِهِمْ نَسَبَ القَتْلَ إِلَيهِمْ. [الإيلاء] آلى الرَّجُلُ يُوْلي إِيلاء فَهُوَ مُوْلٍ، والمَحْلُوْفُ عَلَيهِ مُوْلَى عَلَيهِ، والمَحْلُوْفُ بِهِ مُوْلَىً بِهِ، ويُقَالُ لِليَمِينِ: أَلِيَّة وَأَلْوَةٌ وَإِلْوَةٌ وَأُلْوَةٌ (¬2). - وَذَكرَ قَوْلَهُ [تَعَالى] (¬3): {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} فَقَال: يُحْتَملُ أَنْ يَكُوْنَ "مِنْ" بِمَعْنَى "عَلَى" كَمَا جَاءَتْ "عَلَى" بِمَعْنَى "مِنْ" في قَوْلهِ [تَعَالى] (¬4): {الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ} أي: مِنَ النَّاسِ، ويُحْتَمَلُ أَنْ يَكُوْنَ التقدِيرُ: الَّذِينَ يُؤْلُونَ ¬
(الظهار)
لَهُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصَ فَيَكُوْنُ "مِنْ" مُعَلَّقَةٌ بالاسْتِقْرَارِ (¬1) الَّذِي دَلَّتْ عَلَيهِ اللَّامُ لَا بِالإيلاءِ، كَمَا تَقُوْلُ لِلْمُطَلِّقِ مِنْ زَوْجَتِهِ أَنْ تَعْتَدَّ، أَي: هَذَا وَاجِبٌ لَهُ عَلَيهَا. ويُحْتَمَلُ أَنْ يَكُوْنَ عَدَّوا {يُؤْلُونَ} بـ"مِنْ" حَمْلًا عَلَى المَعْنَى؛ لأنَّه إِذَا آلَى مِنْهَا فَقَدْ انْفَصَلَ مِنْهَا وَتَبَرَّأ (¬2)، فَيَكُوْنُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلهُ (¬3): إِذَا رَضِيَتْ عَلَيَّ بَنُو قُشَيرٍ ... لَعَمْرُ اللهُ أَعْجَبني رِضَاهَا فَعَدَّى الرِّضَى بـ "عَلَى" لأنَّه بِمَعْنَى الإقْبَالِ؛ فَإِذَا رَضِيَ عَنْهُ أَقْبَلَ عَلَيهِ". - وَ [قَوْلُهُ: "وَإِمَّا أنْ تَفِيءَ"] [17]. الفَيءُ: الرُّجُوع، فَاءَ يَفِيءُ: إِذَا رَجَعَ. - وَ [قَوْلُهُ: "عَلَيهَا الرَّجْعَةُ"] [18] يُقَالُ: رَجْعَةٌ يُرِيدُوْنَ المَصْدَرَ، وَرِجْعَة يُرِيدُوْنَ الهَيئَةَ. - وَ [قَوْلُهُ: "مِنْ مَرَض أوْ سَجْنٍ"] [19]. السِّجْنُ: البَيتُ الَّذِي يُسْجَنُ فِيهِ، والسَّجْنُ: المَصْدَرُ، وهَوَ أَلْيَقُ بِهَذَا المَوْضِعِ، وَإِنْ كُسِرَتْ فِيهِ لَمْ تَمْتَنِعِ. (الظِّهَارُ) - ظَاهَرَ (¬4) الرَّجُلُ مِنِ امْرَأَتِهِ، وَتَظَاهَرَ، وتَظَهَّرَ بِمَعْنًى، وَقَدْ قُرِئَ بِهِمَا (¬5). ¬
قَال دَاوُدُ (¬1): العَوْدَةُ هِيَ إِلَى القَوْلِ، وَلَا يَلْزَمُ الظِّهَارُ عَنْهُ حَتَّى تُنْكِرَ حَدَّ القَوْلِ بِهِ مَرَّتَينِ، وَ"مَا" مَعَ مَا بَعْدَهَا فِي تأْويلِ المَصْدَرِ، أَي: يَعُوْدُوْنَ لِلْقَوْلِ، كَمَا يُقَالُ: أَعْجبَني مَا فَعَلْتَ، أَي: فِعْلَكَ، والعَوْدَةُ عِنْدَ مَالِكٍ: الإجْمَاعُ عَلَى الإمْسَاكِ والوَطْئِ، وَذلِكَ أَنَّ العَرَبَ تُقِيمُ المُصَادِرَ تَارَةً مَقَامَ المَفْعُوْلِ، وَتَارَةً مَقَامَ الفَاعِلِ فَيقُوْلُوْنَ: دِرْهَم ضرْبُ بَلَدِ كَذَا، وَثَوْب نَسْجُ اليَمَنِ، وَرَجُلٌ صَوْمٌ وَرِضًى وعَدْلٌ، أَي: مَضْرُوْبٌ، ومَنْسُوْجٌ، ومَرْضِيٌّ، وعَادِلٌ وَصَائِم، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا كَانَ القَوْلُ في الآيةِ وَاقِعًا مَوْقع المَقُوْلِ، فَصَارَ التقْدِيرُ: ثُمَّ يَعُوْدُوْنَ لِوَطْئِ المَقُوْلِ فِيهِ الظِّهَارُ، أَو الإمْسَاكُ المَقُوْلُ فِيهِ الظِّهَارُ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنْ تكوْنَ "مَا" في قَوْلهِ: "لِمَا" بِمَعْنَى "مَنْ" الَّتِي تَقَعُ لِمَنْ يَعْقِلُ فِي قَوْلهِ [تَعَالى] (¬2): {مَا طَابَ لَكُمْ} وَ"سُبْحَانَ مَا سَبَّحَ الرَّعْدُ بِحَمْدِه" (¬3). فَيَكُوْنُ التقْدِيرُ عَلَى هَذَا: ثُمَّ يَعُوْدُوْنَ لِمَا قَالُوا فِيهِ الظِّهَارَ أَي: الوَطْئُ أَوْ إِمْسَاكُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ الحَذْفِ ¬
لِلمُضَافِ وَإِقَامَةِ المُضَافِ إِلَيهِ مَقَامَهُ، وَحَدِيثُ أَوْسٍ لَيسَ فِيهِ أَنّه كَرَّرَ لَفْظَ الظِّهَارِ مَرَّتَينِ، وَلَا أنَّ النَّبيَّ [- صلى الله عليه وسلم -]، سَأَلهُ عَنْ ذلِكَ. واللَّامُ فِي "لمَا" مُتَعَلِّقَةٌ بـ {يَعُودُونَ} (¬1) وقَال الأخْفَشُ (¬2): هِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بالتَّحْرِيرِ، وَفِي الكَلامِ تَقْدِيمٌ وَتأْخِيرٌ، كَأَنَّهُ قَال: والَّذِينَ يُظَاهِرُوْنَ مِنْ نِسَائِهِمْ فَعَلَيهِمْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ لِلَفْظِهِمْ بالظِّهَارِ، ثُمَّ يَعُوْدُوْنَ لِلْوَطْئِ. وَقَال ثَعْلَبٌ: المَعْنَى: ثُمَّ يَعُوْدُونَ لِنَقْضِ مَا قَالُوا، أَي: مَا عَقَدُوْهُ عَلَى أنْفُسِهِمْ مِنَ الحَلِفِ. وَقَال الفَرَّاءُ (¬3): الَّلامُ بِمَعْنَى "عَنْ" والمَعْنَى: ثُمَّ يَرْجِعُوْنَ عَمَّا قَالُوا، ويُرِيدُوْنَ الوَطْئَ. وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ الفَقِيه (¬4): العَوْدَةُ هِيَ نَفْسُ القَوْلِ، أَي: عَادَ إِلَى القَوْلِ الَّذِي كَانَ يُقَالُ في الجَاهِلِيّةِ، وَقَدْ قَالهُ قَبْلَهُ غَيرُهُ. -[قَوْلُهُ]: "لَيسَ عَلَى النِّسَاءِ ظِهَارٌ" [19]. رُويَ عَنْ مُصْعَبِ بنِ الزُّبَيرِ أَنّه ¬
[ما جاء في الخيار]
خَطَبَ عَائِشَةَ بِنْتَ طَلْحَةَ فَقَالتْ: هُوَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أَبِي إِنْ تزَوَّجْتُهُ فَلَمَّا وَلِيَ مُصْعَبٌ العِرَاقَ خَطَبَهَا فَسَأَلتْ فُقَهَاءَ المَدِينَةِ عَنْ ذلِكَ فَأفتَوْهَا بَأَنْ تُعْتِقَ رَقَبَةً وَتَتزوَّجَهُ، فَأَعْتَقَتْ غُلامًا لَهَا في الفَيءِ وتزَوَّجَتْهُ، وَجَاءَتْ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ عَنِ الحَسَنِ بنِ زِيَادٍ (¬1) أَنَّ عَلَى المَرْأَةِ الظِّهَارَ، إِذَا هِيَ ظَاهَرَتْ كالرَّجُلِ، وَهُوَ شَيء لَا يُلْتَفَتُ إِلَيهِ. واخْتُلِفَ: هَلْ عَلَيهَا كَفَّارَة؟ عَلَى قَوْلَينِ. [مَا جَاءَ في الخِيَارِ] -[وقَوْلُهُ: "وأُدْمُ مِنْ أُدْمِ البيتِ"] [25]. الأُدْمُ يَكُوْنُ وَاحِدًا وَيَكُوْنُ جَمْعًا، فَمَنْ جَعَلَهُ وَاحِدًا جَمَعَهُ عَلَى: آدَامٍ، [كَجمل وأَجمالٍ] (¬2)، وَهَذَا فِي العَدَدِ القَلِيلِ، فَإِنْ أَرَادَ الكَثيرَ قَال: إِدَامٌ بِمَنْزِلَةِ جِمَالٍ، وَمَنْ جَعَلَ الأُدْمَ جَمْعًا فَوَاحِدُهُ إِدَامٌ، وأَصْلُ الدَّالُ في الأُدُمِ الضَمُّ، ثُمَّ يُخفَّفُ كَحِمَارٍ وحُمُرٌ وحُمْرٌ، وغَيرُ مَنْكَرٍ أَنْ يَكُوْنَ ضَمُّ الدَّال لُغَةً، واشْتِقَاقُهَا من أَدَمْتُ الشَّيئَينِ: خَلَطْتُهُمَا، يُقَالٌ: أَدَمَ اللهُ بَينَهُمَا وآدَمَ، أَي: لائَمَ وَجَمَعَ، وَمِنْهُ قَولُ النَّبِيِّ [- صلى الله عليه وسلم -]، لِلْمُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ [رَضِيَ الله عَنْهُ] (¬3) -وَقَدْ قَال: إِنِّي خَطَبْتُ امْرَأَةً-: "لَوْ نَظَرْتَ إِلَيهَا فَإنَّه أَحْرَى أنْ يُؤْدَمَ بَينَكُمَا". ¬
[ما جاء في الخلع]
- وَقَولُهُ: "مِن أُدُمِ البيتِ". الوَجْهُ أَنْ يُقَالُ فيه: الأُدْمُ، الأوَّلُ هو الَّذي يُرَادُ بِهِ الوَاحِدُ، والثَّانِي يُرَادُ بِهِ الجَمِيع، وَقَدْ يَجُوْزُ أَنْ يَكُوْنَا جَمِيعًا الَّذي يُرَادُ بِهِ الوَاحِدُ، وَجَازَ التَّبْعِيضُ مِنْهُ؛ لأنَّه جِنْسٌ، والأجْنَاسُ والأنْوَاعُ تُسَمَّى (¬1) بالأسْمَاءِ المُفْرَدَةِ، ويُسَمَّى كُلُّ جِنْسٍ مِنْهَا بِاسْمِ الجِنْسِ أَو النَّوع كَقَوْلهِمْ لِكُلِّ جُزْءٍ مِنَ المَاءِ: مَاءٌ، وَلِكُلِّ جُزْءٍ مِنَ العَسَلِ: عَسَلٌ. - وَ [قَوْلهُ: "تَحْتَ العَبْدِ فَتَعتقُ"] [26]. التَّاءُ الثَّانِيَةُ مِنْ "تَعْتُقُ" مَضْمُوْمَةٌ، والأُوْلَى مَفْتُوْحَةٌ، ولَكَ أَنْ تَضُمّ الأُوْلَى وَتَفْتَحَ الثَّانِيَةَ. - وَ [قَوْلُهُ: "يقالُ لَهَا: زَبْرَاءُ"] [27]. زَبرَاءُ: مَمْدُوْدَةٌ لَا غَيرُ تأْنِيثُ الأزبرِ، وَهُوَ العظِيمُ الزُّبْرَةِ، والزُّبْرَةُ: مَا أَشْرَفَ مِنَ الكَتِفَينِ والحَارِكِ. - وَقَوْلُهُ: "لَمْ أخَيِّركَ إلَّا وَاحِدَةً" [30]. أَي: فِي وَاجِدَةٍ، فَحَذَفَ الجَارِّ فَنَصَبَ كَقَوْلهِ (¬2): {اخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ [رَجُلًا]}. [مَا جَاءَ في الخُلع] الخُلْعُ -بِضَمِّ الخَاءِ-: انْخِلاع المَرْأَةِ مِنْ زَوْجِهَا، وَلِمَا سِوَى (¬3) ذلِكَ خَلْعٌ بِفَتْحِ الخَاءِ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ جَعَلَ (¬4) الخُلْعَ والصُّلْحَ والفِدْيَةَ سَوَاءً، وَمِنْهُمْ مَنْ فرَّقَ بَينَهُمَا فَقَال: الخُلْعُ: أَخْذُ جَمِيَعِ مَا أَعْطَاهَا، والصُّلْحُ: أَخْذُ البَعْضِ، ¬
والفِدْيَةُ: أَخْذُ الأكْثرِ والأقَلِّ (¬1). - وَقَوْلُهَا: "لَا أنَا وَلَا ثَابِتُ" [31]. كَلامٌ فِيهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: لَا أَنَا صَاحِبَةُ ثَابِتٍ ولا ثَابِتٌ صَاحِبِي، فَحَذَفَ خَبَرَ المُبْتَدَأَينِ، وَعَطَف جُمْلَة عَلَى جُمْلَةٍ، وَهُوَ كَلامٌ اسْتَعْمَلَهُ العَرَبُ في التَّبرِّي والانْتِفَاءِ (¬2) مِنَ الشَّيءِ، فَيُقَالُ: لَا أَنَا وَلَا زَيدٌ عَلَى ذلِكَ التَّقْدِيرِ، وَرُبَّمَا أَظْهَرُوا الأخْبَارَ كَمَا قَال [تَعَالى] (¬3): {لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}. وَقَدْ يَجُوْزُ أَنْ تكُوْنَ "لَا" هَذِهِ الَّتِي تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى "لَيسَ" فَيَرْتَفِعُ مَا بَعْدَهَا، وَيَكُوْنُ ضَمِيرُهَا مَحْذُوْفًا، وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ الكُوْفِيِّينَ؛ لأنَّهُمْ يُجِيزُوْنَ فِي "لَا" الَّتِي بِمَعْنَى "لَيسَ" أَنْ تَعْمَلَ في المَعْرِفَةِ والنكِرَةِ، وَلَا يُجِيزُ ذلِكَ البَصْرِيُّوْنَ إِلَّا في النكِرَةِ (¬4). و"الفَاحِشَةُ": اسمٌ يَقَعُ عَلَى كُلِّ قَبِيحٍ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، فَاحَشَ الرَّجُل صَاحِبَهُ مُفَاحَشَةً: إِذَا شَاتَمَهُ، وفَاحِشٌ وفَحَّاشٌ: بَذِيءُ اللِّسَانِ. - وقَال في قَوْلِهِ [تَعَالى] (¬5): {إلا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} أَنْ لَا تَغْتَسِلَ مِنْ جَنَايةٍ (¬6). وَقِيلَ: المُرَادُ بالفَاحِشَةِ المُبيِّنَةِ: الزِّنَا، قَالهُ ¬
أَبُو قِلابَةَ (¬1) وعَطَاءٌ، فإِذَا زَنَتْ عِنْدَهُم صَلَحَ الخُلْعُ وإلَّا فَلَا. وَقَال بُكَيرُ بنُ عَبْدِ الله المَدَنِيُّ (¬2): إِنَّ آيةَ النِّسَاءِ (¬3) في الخُلْعِ مَنْسُوْخَةٌ بآيةِ البَقَرَةِ، وَزَعَمَ أَنّه لا يَحِلُّ لِلزَّوْجِ أَنْ يأْخُذَ مِنْها شَيئًا، فَخَالفَ جَمَاعَةَ النَّاسِ. والخُلْعُ جَائِزٌ دُوْنَ السُّلْطَانِ. وَقَال الحَسَنُ بنُ أَبِي الحَسن (¬4) وَحدَهُ: لَا يَكُوْنُ إلَّا عِنْدَ السُّلْطَانِ كَاللِّعَانِ، وَرُويَ نحوُهُ عَنِ ابنِ سِيرِينَ، وَهُوَ كَانَ رَأْيُ زِيَادِ بنِ أَبِي سُفْيَان (¬5)، وَعَنْهُ أَخَذَ ذلِكَ الحَسَنُ في قَوْلِ قَتَادَةَ. وخُلْعُ حَبِيبَةَ هذهِ ¬
[طلاق المختلعة]
أَوَّلُ خُلْعٍ وَقَعَ في الإسْلامِ (¬1)، وَقَد رُويَ أَنّها أمُّ حَبِيبَةَ بِنْت عَبْدِ اللهِ بنِ أُبَيٍّ، والمَشْهُوْرُ مَا قَال مالك: الخُلْعُ طَلاق بَائِنٌ تَنْقَطِعُ بِهِ العِصمَةُ بَينَ الزَّوْجَينِ؛ لأنَّه لَمَا أَخَذَ مِنَ المُطَلَّقَةِ عِوَضًا، وَكَانَ كُلُّ مَنْ مَلَكَ عِوَضَ شَيءٍ خَرَجَ عَنْ مُلْكِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ رَجْعَة فِيمَا مَلَكَ عَلَيهِ. [طَلاقُ المُخْتَلَعَةِ] - وَ [قَوْلُهُ: "أنَّ رُبيِّعَ (¬2) بِنْتَ مُعَوِّذِ بنِ عَفْرَاءَ" [33]. مُعَوِّذٌ ومُعَوَّذٌ رِوَايَتَانِ. والحَدِيقَةُ: الجَنَّةُ الَّتِي يُحْدِقَ بِها حِيطَانٌ مِمَّا (¬3) يَمنَعُ دُخُوْلها (¬4). ¬
[ما جاء في اللعان]
[مَا جَاءَ في اللِّعَانِ] - وَ [قَوْلُهُ تَعَالى (¬1): {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ}] [35]. الشَّهادة تكُوْنُ بِمعنَى القَسَمِ، حَكَى سِيبَوَيهِ (¬2): أَشْهدُ لأفْعَلَن كَذَا، أَجْ: أُقْسِمُ وأَحلِفُ، وأَشْهدُ إِنَّكَ لَمُنْطَلِقٌ بِمَنْزِلَةِ قَوْلكَ: والله إِنَّكَ لَمُنْطَلِقٌ ومِنْهُ [قَوْلُهُ تَعَالى]: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} رَوَى عَمْرُو بنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَال (¬3): "لَا لِعَانَ بمنَ مَملُوْكَينِ وَلَا كَافِرَينِ" وَكَانَ سَهْلٌ رَاوي الحَدِيثِ في يَوْمِ اللِّعَانِ ابنَ خَمسَ عَشْرَةَ سَنة. - و [قَوْلُهُ: "وانْتَفَلَ مِنْ وَلَدها"] [35]. رِوَايَةُ يَحيَى: "انتفَلَ" وخَالفَهُ سَائِرُ الرُّوَاةِ فَقَالُوا: "انتفى"، واعتَدَّ كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ، رِوايَةَ يَحيَى هذهِ غَلَطًا، وَلَيسَتْ بِغَلَطٍ، قَال يَعقُوْبُ (¬4) وغَيرُهُ: انْتفيتُ مِنَ الشَّيءِ وانْتقلْتُ، وَقَد ذَكَرَ ذلِكَ ابنُ قُتيبَةَ في بَابِ المُبْدَلِ (¬5)، قَال الأعشَى (¬6): وَإِنْ مُنِيتَ بِنَا عَنْ غِبِّ مَعرَكةٍ ... لَا تُلفِنَا مِنْ دِمَاءِ القَوْمِ نَنْتفلُ وإِنَّمَا سُمِّيَتِ اللَّيلَةُ الرَّابِعَةُ والخَامِسَةُ والسَّادِسةُ مِنَ الشَّهْرِ نَفْلًا؛ لأنَّ الهِلال ¬
يَنْتفلُ فِيها مِنَ الشَّمسِ وَيَبْعُدُ عَنْها (¬1). - والمُبْهمُ: الَّذِي لَا صَدعَ فِيهِ، بَابٌ مُبْهمٌ: مُغْلَقٌ لَا فُرْجَةَ فِيهِ، وَدِرْعٌ مُبْهمَةٌ: مُحكَمَة النَّسْجِ. - قَوْلُهُ: "فَيقْتُلُوْنَهُ" [34]. كَانَ الأجْوَدُ "فَيقْتُلُوْهُ" نَصبًا عَلَى جَوَابِ الاسْتِفْهامِ، غَيرَ أَنَّ العَرَبَ رُبَّمَا رَفَعَتْ الأجْوبَةَ وَقَطَعتُها مِمَّا قَبْلها. - وَقَوْلُهُ: "قَدْ نَزَلَ فِيكَ". أَي: نزلَ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ حُكُمٌ أَوْ قُرآن، فَحَذَفَ الفَاعِلَ اخْتِصَارًا، لَمَّا فُهِمَ المُعْنَى، وَمِنْهُ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬2): {حَيَّ تَوَارَت بِالحجَابِ (32)} أَي: الشَّمسُ، وَهبَّتْ جَنُوْبًا أَوْ شَمَالًا، أَي: الرِّيحُ، وَهذَا إِنَّمَا يَقَعُ فِيمَا لَا إِشْكَال فِيهِ، لأنَّ عُوَيمِرًا (¬3) سَأَلَ: كَيفَ الحُكْمُ؟ فَقِيلَ لَهُ: قَدْ نزلَ الحُكْمُ الَّذِي سَألتَ عَنهُ. والبَاتُّ: القَاطَعُ قَطْعًا مُستأصِلًا. - وَ [قَوْلُهُ: لَيسَ لَهُ عَلَيها فِيهِ رَجْعَةٌ"] [35]. الرّجعَةُ: المَرَّةُ الوَاحِدَةُ مِنَ الرُّجُوْعِ كالضّربَةِ، والرِّجْعَةُ: الهيئَةُ، وكِلاهُمَا مَصدر (¬4)، غَيرَ أَنَّ أَحَدَهُمَا يَدُلُّ عَلَى الهيئَةِ، والثَّانِي يَدُلُّ عَلَى المِقْدَارِ. و"الأصيهِبُ": تَصغِيرُ أَصهَب، وَهُوَ لَوْنٌ يَجْمَعُ حُمرة وَبَيَاضًا. و" أُثَيبِجٌ": ¬
[طلاق البكر]
تَصغِيرُ أَثْبَجَ، وَهُوَ المُرتَفِعُ الثبجِ، وثَبَجُ كُلِّ شَيءٍ وَسطُهُ. وَقِيلَ: أعلاهُ. و"الحَمشُ": الدَّقِيقُ السَّاقِينِ، وضِدُّهُ الخَدلَجُ. و"الأوْرَقُ": ألَّذِي لَوْنُهُ بَينَ السَّوَادِ والحُمرَةِ، ومِنْهُ قِيلَ لِلرَّمَادِ: أَوْرَقُ، ولِلْحَمَامَةِ: وَرْقَاءُ، وإِنَّمَا وَصَفَهُ بالأدمَةِ. والسَّابغُ الألْيَتينِ: العَظِيمُهِما الوَاسِعُهُمَا. والجُمَالِيُّ: الكَبِيرُ الخَلْقِ كَالجَمَلِ (¬1). [طَلاقُ البِكْر] البِكْرُ: لَفْظَةٌ مُشْتَرَكَةٌ تَقَعُ علَى البِكْرِ لَمْ تقتَضَّ، وتَقَعُ عَلَى الَّتِي لَمْ يَدخُلْ بِها زَوْجُها وإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا، وإِذَا تزَوَّجَ رَجُلٌ مِنِ امرَأَةٍ لَمْ يَكُنْ لَها زَوْجٌ قَبْلَ ذلِكَ وَوُلِدَ لَهُمَا أَوَّلُ وَلَدٍ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَين يُقَالُ لَهُ: بِكْرٌ، ويُقَالُ لِلْوَلَدِ: بِكْرٌ، وإِيَّاه عَنَى الرَّاجِزُ بِقَوْلهِ (¬2): * يَا بِكْرَ بِكْرَينِ ...... * ¬
(عدة التي تفقد زوجها)
-[قَوْلُهُ: "طَلَّقَ رَجُلٌ امرَأتهُ ثَلاثًا"] [37]. رُويَ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، وجَابِرِ بنِ زَيدٍ، وعَطَاءِ بنِ يَسَارٍ أنهُم جَعَلُوا الثَّلاثَ في الَّتِي لَمْ يدخَلْ بِها وَاحِدَةً، وَكَانَ عَطَاءٌ يَدعُو بَعدَ الصُّبْحِ بِدَعَوَاتٍ يُعلِنُ بِها، كَانَ أَمَرَهُ بذلِكَ مَروَانُ بنُ الحَكَمِ، وأَجْرَى لَهُ كُلَّ شَهْير دِينَارا عَلَى ذلِكَ. - وَ [قَوْلُهُ: "فَقَال لِي عَبْدُ اللهِ بنُ عَمرِو بنِ العَاصِ: إِنَّمَا أنْتَ قَاصٌّ"] [38]. أَرَادَ [عَبْدُ اللهِ بن] عَمرٍو أَنّكَ لَا تُعَدُّ في الفُقَهاءِ وأَهْلِ الفَتْوَى، وإِنَّمَا تُعَدُّ فِي القُصَّاصِ، وأَرَادَ أنَّكَ تَروي كُلَّ مَا تَسْمَعُ مِنْ صَحِيحٍ وَسَقِيمٍ كَمَا يَفْعَلُ القَاصُّ، وَلَوْ كُنْتَ مِنْ أَهْلِ النظَرِ والقِيَاسِ لَمْ تَعتَقِد أَنّها وَاحِدة. - وَقَوْلُهُ: "مِنْ فَضْل" [37]. يَحتَمِلُ وَجْهينِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُوْنَ أَرَادَ الفَضْلَ الَّذِي يُرَادُ بِهِ النِّعمَةُ والحَظُّ. والثَّانِي: [أَنْ يَكُوْنَ أَرَادَ] الفَضْلَ الَّذِي يُرَادُ بِه تَعَدِّي الوَاجِبِ إِلَى مَا لَيسَ بِوَاجِبٍ، كَمَا تَقُوْلُ: فِي فلانٍ فَضْل، وَفِي فُلانٍ فُضول: إِذَا كَانَ فِيهِ تَهوُّرٌ في الأموْرِ، وتَعَرُّضٌ إِلَى مَا لَا يَعنِي وَلَا يَنْبَغِي، فَيَكُوْنُ فِي الكَلامِ تَقْدِيمٌ وتأْخِير؛ كَأَنَّهُ قَال: مِنْ فُضُوْلكَ وتَركِكَ الوَاجِبَ أَرسَلْتَ مَا كَانَ بِيَدِكَ ثُمَّ تُرِيدُ اسْتدرَاكَهُ. (عِدّة الَّتي تَفْقِدُ زَوْجَها) رَوَى قَتَادَةُ عَنْ أَبِي المَلِيحِ (¬1) عَنْ سُهيَّة بِنْتَ عُمَر الشَّيبَانِي قَالتْ: نُعِيَ ¬
إِلَيَّ زَوْجِي مِنْ مَنْدَابِيلَ (¬1) فَتزوَّجْتُ بَعدَهُ العَبَّاسَ بنَ طَرِيفٍ أَخَا بَني قَيسَ، وَقَدِمَ زَوْجِي الأوَّلُ فَانْطَلَقْنَا إِلَى عُثْمَان -وَهُوَ مَحْصُوْر- فَقَال: كَيفَ أَقْضِي بَينكُمَا وَأَنَا عَلَى هذهِ الحَالِ؟ ! فَقُلْنَا: قَدْ رَضِينَا بِقَضَائِكَ، فخيَّرِ الزَّوْجَ بَينَ الصَّدَاقِ والمَرأَةِ، فَلَمَّا أُصِيبَ عُثْمَانُ انْطَلَقْنَا إِلَى عَلِيٍّ، وَقَصَصنا عَلَيهِ القِصَّةَ، فَخَيَّرَ الزوْجَ بَينَ الصَّدَاقِ والمَرأَةِ، فاخْتَار الصَّدَاقَ، فَأَخَذَ مِنِّي أَلْفَينِ، وَمِنَ الزَّوْجِ الآخَرِ أَلْفَينِ. - رَوَى نَهارٌ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمةَ أَنّها قَالتْ: "كُنْتُ أَنَا ومَيمُوْنَةَ جَالِسَتينِ عِنْدَ رَسُوْلِ الله [- صلى الله عليه وسلم -]، فَاسْتأذن عَلَيهِ ابنُ أُمِّ مَكْتُوْمٍ الأعمَى فَقَال: احتَجِبَا مِنْهُ، فَقُلْنَا: يَا رَسُوْلَ الله أليسَ بِأَعمًى لَا يُبْصِرُ؟ قال: أَفَعَميَاوَانِ أَنْتُمَا؟ ! ". ¬
[ما جاء في نفقة المطلقة]
- وَذَكَرَ خَبَرَ أَبِي مُعَاذٍ بَشَّارٍ الأعمَى مَعَ نِسَاءِ المَهْدِيِّ (¬1)، وَقَوْلَ أَبِي عَلِيِّ (¬2) البَصِيرِ: قَالتْ لِتَهْزَأَ بِي غَدَاةَ لَقِيتُها ... يَا لِلرِّجَالِ لِصَبْوَةِ العُميَانِ عَينُ البَصِيرِ تَرَى فَيَعشَقُ قَلْبُهُ ... مَا بَالُ مَنْ لَيسَتْ لَهُ عَينَانِ فَأَجَبْتُها نَفْسِي فِدَاؤُكِ إِنَّمَا ... أُذْنِي وَعَيني في الهوَى سِيَّانِ عَينُ البَصِيرِ زَعمتِ رَائِدُ قَلْبِهِ ... وَكَذَاكَ رِائِدُ قَلْبِيَ الأذُنَانِ [مَا جَاء في نَفَقَةَ المُطَلَّقَةِ] - وَ [قَوْلُهُ: ] "المَبْتُوْتَةُ" [68]: المَرأَةُ المَبْتُوْتُ طَلاقها، يُقَالُ: بُتَّ طَلاقُ المَرأَةِ، ولا يُقَالُ: بَتَّ المرأَةَ إلَّا عَلَى حَذْفِ الطَّلاقِ وإِقَامَةِ المُطَلَّقَةِ مَقَامَهُ. -[قَوْلُهُ]: "لَا يَضَعُ عَصَاهُ": كِنَايَة عَنِ الضَّربِ لَها أَدَبًا لِلنِّسَاءِ، وَفِيهِ نَوعٌ مِنَ المُجَانَسَةِ لِلْمُبَالغَةِ؛ لأنَّه قَدْ كَانَ يَضَعُها، وَكَذلِكَ مُعَاويَةُ قَدْ كَانَ لَهُ مَال وإِنْ كَانَ مَيسُوْرًا، وَلكِنَّهُ أُسْلُوْبٌ مُسْتَعمَلٌ في لِسَانِ العَرَبِ إِذَا أَرَادُوا المُبَالغَةَ سَامَحُوا. ¬
وَفِي "العَصَا" وَجْهٌ آخَرُ؛ وَهُوَ أَنْ يَكُوْنَ كنَايَةً عَنْ كَثْرَةِ السَّفَرِ (¬1) وَفِي بَعضِ الرِّوَايَاتِ في غَيرِ "المُوَطَّأ": "قَسْقَاسَتَه" (¬2) و"قَشْقَاشَتَه" وَهِيَ العَصَا؛ لأنَّه يَقِسُّ بِها الدَّابَّةَ، أَي يَسُوْقُها بِها، ولأنَّ لِحَاءها تَقْشْقَشَ عَنْها أَي: تَقَشَّرَ، والعَامَّةُ تَقُوْلُ: كِسْكَاسَةٌ. - و [قَوْلُهُ: "أمَّا مُعَاويةُ فَصعلُوْكٌ"]. الصُّعلُوْكُ (¬3): الَّذِي يَعِيشُ مِنَ الإغَارَةِ، وَلَا مَال لَهُ، يُقَالُ: تَصعلَكَ: إِذَا فَعَلَ ذلِكَ، وَهُوَ في حَدِيثِ فَاطِمَةَ: الفَقِيرُ خَاصَّة. قَال الخَطَّابِيُّ (¬4): فِي قَوْلهِ "اعتَدِّي عِنْدَ [عَبْدِ اللهِ] بنِ أُمَّ مَكْتُوْمٍ" إِيجَابُ السُّكْنَى لَها. فَذَهبَ ذلِكَ عَلَى فَاطِمَةَ وَقَالتْ: لَمْ يَجْعَلْ لِي سُكْنَى؟ ! ¬
[ما جاء في الحكمين]
لَمَّا نَقَلَها عَنْ بَيتِ زَوْجِها، وذلِكَ لِلْعِلَّةِ المَذْكُوْرَةِ، والنِّدَاءُ عَلَى أَحمَائها. [مَا جاء في الحَكَمَينِ] -[قَوْلُهُ تَعَالى (¬1): {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا}] [72]. إِنَّمَا كَانَ الحَكَمَانُ مِنَ الأهْلِ؛ لأنَّ الأهْلَ أَعلَمُ بِأَمرِهِمَا وأَلْحَنُ بِحُجَّتِهِمَا، وأَخْبَرُ بِبَاطِنَ أمرِهِمَا، وَبِرُّهُمَا وَاجِبٌ بالإصلاحِ بَينَهُمَا. قَال أَبُو عُبَيدَةَ (¬2): خِفْتُم هُنَا بِمَعنَى أَيقَنْتُم، قَال الزَّجَّاجُ (¬3): لَوْ كَانَ كَذلِكَ لَمْ يَكُنْ لِتَوْصِيَتِهِمَا مَعنًى، وإِثمَا المُخَافَةُ عَلَى بَابِها. - وَذَكَرَ قَوْلَهُ: "لَا طَلاقَ فِي إِغْلاقٍ" (¬4). فَقَال: الإغْلاق: الإكْرَاهُ، وَهُوَ مِنْ أَغْلَقْتُ [عَلَيه] البَابَ أَي: سَدَدتُ عَلَيهِ الأَبْوَابَ فَلَم يَجِد سَبِيلًا إِلَى غَيرِ مَا أُكْرهَ. وَ [لا] يَبْعُدُ أَنْ يَكُوْنَ الإغْلاقُ: الغَضَبُ: لأنَّ الطَلاقَ قَل مَا يَقَع لَّا وَسَبَبُهُ الغَضَبُ. -[قَوْلُهُ تَعَالى] (¬5): {إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ}. الظَّنُّ -هاهنَا- بِمَعْنَى اليَقِينِ، وإنَّمَا جَازَ ذلِكَ؛ لأنَّ الظَّنَّ خَاطِرٌ يَخْطُرُ بالنَّفْسِ فَرُبَّمَا تَحَقَّقَ وَرُبَّمَا اضْمَحَلَّ، فَإِذَا تَحَقَّقَ لِكَثْرَةِ الدَّلائِلِ صَارَ عِلْمًا وارتَفَعَ عَن مَرتَبَةِ الشَّكِّ، وإِذَا لَمْ يَجد الظَّانُّ دَلِيلًا بَطَلَ وَذهبَ، وإِذَا تَسَاوَتْ الدَّلائِلُ في الإثْبَاتِ والنَّفْيِ بَقِيَ شَكًّا. ¬
[عدة المتوفى عنها زوجها]
- وعُثْمَانُ البَتِّيُّ (¬1) يَقُوْلُ: السَّكْرَانُ كَالمَجْنُوْنِ لَا يَلْزَمُهُ شَيء مِنَ الأحكَامِ. وعُثْمَانُ بنُ عَفَّانَ [يَقُوْلُ]: لَا يَلْزَمُ السَّكْرَانُ طَلاقًا، وَبِهِ قَال اللَّيثُ (¬2)، وعَلِي يُخَالِفُهُ. [عِدَّة المُتَوَفَّى عَنْها زَوْجُها] - قَوْلُهُ: "آخِرُ الأجَلْينِ" [83]. تَقْدِيرُهُ: أَجَلُهُ آخِرُ الأجَلَينِ، أَوْ انْقِضَاءُ عِدَّتها آخِرُ الأجَلَين فَحَذَفَ المُبْتَدَأ اخْتِصارًا، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالى (¬3): {بَلاغٌ}، أي: مَدَى بَلاغٍ. - وَ [قَوْلُهُ: "حَطَّتْ اليهِ"] مَعْنَى حَطَّتْ: مَالتْ إِلَيهِ وانْجَذَبَتْ (¬4). ¬
[مقام المتوفى عنها في بيتها .. ]
- وَقَوْلُهُ: "لَمْ تَحِلِّي بَعدُ" بِكَسْرِ الحَاءِ يُقَالُ: حَلَّ يَحِلُّ: إِذَا خَرَجَ مِنْ أَمر مَحظُوْر عَلَيهِ، وَهُوَ ضِدُّ حَرُمَ يَحرُمُ، ويُقَالُ: حَرِمَ يَحرَمُ، والمَصدَرُ: الحُرمُ. وحَلَّ الحَاجُّ مِنْ إِحرَامِهِ يَحِلُّ، وأَحَلَّ يُحِل، ولا يُقَالُ: يَحُلُّ إِلَّا إِذَا كَانَ بِمعنَى النزوْلِ. وَ [قَوْلُهُ: "وَاخْتَلَفَا في المَراةِ تَنْفُسُ"] [86]. ويُقَالُ: نُفِسَتِ المَرأَةُ تَنْفَسُ، وَحَكَى ابنُ الأعرَابِيِّ نَفِسَتْ (¬1)، وَهُوَ (¬2) شَاذٌّ. [مَقَامُ المُتَوَفَّى عَنْها فِي بيتِها .. ] - وَ [قَوْلُهُ: "كَانَ بِطَرَفِ القَدُوْمِ"، [87]. القَدُّوْمُ: مَوْضِعٌ، وَوَقَعَ في رِوَايَةٍ: "القَدُوْمِ" (¬3). ¬
- وَقَوْلُهُ]: "فَلَمَّا كانَ عُثْمَانُ". أَي: زَمَنَ عُثْمَانَ، فَحَذَفَ المُضَافَ. - وَ [قَوْلُهُ: "وَذَكَرتُ حَرثًا لَهُ بِقَناةَ" [88]. قَنَاةُ: اسمُ وَاد بِنَاحِيَةِ أُحُدٍ (¬1)، وَهُوَ عَلَم غَيرُ مُنْصَرِفٍ، وفِي الحَدِيثِ: "فَسَأَلَ الوَادِي قَنَاة" -بالرَّفْعِ- عَلَى البَدَلِ مِنَ الوَادِي. وَرَوَى بعضُ الفُقَهاءِ "قَنَاةً" وتَوَهَّمُوْهُ قَنَاة مِنَ القَنَوَاتِ، وذلِكَ غَلَط. ¬
[ما جاء في العزل]
- و [قَوْلُهُ: "تَنْتَوي حَيثُ انْتَوَى أهْلُها"] [89]. تَنتَوي: تَفْتَعِلُ من النَّوَى، وَهُوَ مَا يَنْويهِ الإنْسَانُ مِنَ السَّفَرِ، أَي: يَذْهبُ حَيثُ ذَهبُوا وَيُقِيمُ حَيثُ أَقَامُوا. [مَا جَاء في العَزْلِ] -[قَوْلُهُ: فَجَاءَهُ ابنُ قَهدٍ، رَجُلٌ مِنْ أهْلِ اليَمَنِ"] (¬1) [99]. القَهْدُ -في اللُّغَةِ-: الشَّدِيدُ البَيَاضِ، والقَهْدُ. النَّرجِسُ. وَقَهدُ -مَفْتُوْحُ الهاءِ-: مَوْضِع بِعَينهِ (¬2). ¬
- وَرَوَى زَيدُ بنُ أَبِي الزَّرقَاءِ (¬1) عَنِ ابنِ (¬2) لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ مَعمَرِ بنِ أَبِي حُيَيّة، عَنْ عُبَيدِ بنِ رِفَاعَة، عَنْ أَبِيهِ قَال: جَلَسَ إلى عُمَرَ عَلِيّ، والزُّبَيرُ، وسَعد في نَفَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فَتَذَكَّرُوا العَزْلَ فَقَالُوا: لَا بَأسَ بِهِ، فَقَال رَجُل: إِنَّهُم يَزْعُمُوْنَ أَنّها المَوْؤُدَةُ الصُّغْرَى، فَقَال عَلِيٌّ: لَا تكُوْنُ مَوْؤُدَة حَتَّى تَمُرَّ عَلَيها التَّارَاتُ السَّبْعُ (¬3)؛ تكُوْنُ سُلالةً، ثُمَّ نُطْفَةً، ثُمَّ عَلَقَةً، ثمَّ مُضْغَةً، ثُمَّ عَظْمًا، ثُمَّ لحمًا، ثُمَّ خَلْقًا آخَرَ، فَقَال عُمَرُ: صَدَقْتَ أَطَال اللهُ بَقَاءَكَ. وَرَوَاهُ ¬
أَبُو عَبْدِ الرَّحمَن المَقْبُرِيُّ، عَن ابنِ (¬1) لَهِيعَةَ فَقَال: صَدَقْتَ، جَزَاكَ اللهُ خَيرًا .. وَهذَا أَشْبَهُ بِكَلامِ عُمَرَ. -[قَوْلُه]: "مَا عَلَيكم إلَّا تَفْعَلُوا" [95] بِمَنْزِلَةِ قَوْلكَ: مَا عَلَيكَ ألا تَقُوْمَ، أَي: لَيسَ عَلَيكَ أَنْ تمتَنِعَ مِنَ القِيَامِ، وَقَد رُويَ: "لَا" مَكَانَ "مَا" والمَعنَى وَاحِدٌ وَ"لَا" فيها؛ بمعنَى "لَيسَ" والمَعنَى الإبَاحَةُ، وَيَدُلُّ عَلَى ذلِكَ قَوْلُهُ: "ما مِنْ نَسَمة ... " الحدِيثُ، وأَنَ النَاسَ عَزَلُوا بَعدَ أَنْ قَال لَهُم ذلِكَ، وإِبَاحَتُهُ - صلى الله عليه وسلم - ذلِكَ إِنَّمَا كَانَ عَلَى الشَّرِيطَةِ المَعلُوْمَةِ مِنَ الاسْتِبْرَاءِ والاغْتِسَالِ والإجَابَةِ إِلَى التَّوْحِيدِ، هذَا فِي الوثنِيَّاتِ، وَفِي الكِتَابِيَّاتِ الاغْتِسَالُ بَعدَ الاسْتِبْرَاءِ -وإِنْ كَانَ لَمْ يذْكرْ فِي الحَدِيثِ- وَهُوَ كَانَ المُتَعَارفَ عَنْدَهُم الَّذِي لَا يَجُوْزُ سِوَاهُ. واخْتُلِفَ في الغَزْوَةِ الَّتِي وَقَعَ فِيها هذَا السُّؤَالُ فَقِيلَ: غَزْوَةُ بني المُصطَلِقِ نَفَرٌ مِنْ خُزَاعَةَ أَوْقَعَ بِهِمُ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - بجِهةِ قُدَيد، بِمَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ: المُرَيسِيع (¬2). وَفِي رِوَايَةِ ابنِ عُقْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحيَى، عَنْ ابنِ مُحَيرِيز، أَنَّ أَبَا سَعيدٍ ¬
قَال: أَصَبْنَا سَبْيا منْ سَبْيِ أَوْطَاس، وَهذَا في غزْوَةِ هوَازِنَ بِحُنَينَ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الوَداكِ جَبْرِ بنِ نَوْفٍ (¬1) عَنْ أَبِي سعِيدٍ: أَنَّ ذَلِكَ في غزوَةِ خَيبرَ. وَكَانَتِ العربُ في الجَاهِليةِ أَصنَافًا مَجُوْسٌ، ونَصَارَى، ويَهُوْدُ، وعَبَدَةُ أَوْثَانٍ، وَزَنَادِقَةٌ مُسْتَخِفُّوْنَ بالأديَانِ لا يعتَقِدُوْنَ شَيئًا، فَكَانَ الغَالِبُ عَلَى بنِي تَمِيم المَجُوْسِيّة، وعَلَى حِميَرَ والأوْسِ والخَزْرَجِ اليَهُوْدِيَّةَ، وغَسَّانَ، وقُضَاعَةَ، ولَخْمَ، وجُذَامَ، والنَّمرِ بنِ قَاسِط (¬2)، وبنِي تَغْلِبَ، وبَنِي عِجْل، وَشَيبَانَ ومَذْحِجَ النصرَانِيّة، وَكَانَ النُّعمَانُ بنُ المُنذرِ أَوَّلَ أَمرِهِ منْ عُبَّادِ الأصنامِ ثمَّ تنَصَّرَ، حَمَلَهُ عَلَى ذلِكَ عَدِيُّ بنُ زَيدٍ العِبَادِي (¬3). وكَذلِكَ قَيسُ بنُ زُهير العَبْسِيُّ (¬4) تنَصَّرَ في ¬
[ما جاء في الإحداد]
آخر حَربِ دَاحِسٍ وَلَحِقَ بِعُمَانَ وحَلَقَ رَأْسَهُ، وَكَانَ في قُرَيشٍ زَنَادِقَة يَقُوْلُوْنَ بالدَّهْرِ، ويُظْهِرُوْنَ عِبَادَةِ الأوْثَانِ رِيَاءً لا اعتِقَادًا، وَهُم المُسْتَهْزِؤُوْنَ (¬1)؛ الوَليدُ بنُ المُغِيرَةِ، والعَاصِي بنِ وَائِلٍ، وعَدِيُّ بنُ قَيسٍ، والأسْوَدُ بنُ [عَبْدِ يَغُوْثَ (¬2)]، والأسْوَدُ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ وغَيرُهُم قَدْ ذَكَرَهُم المُؤَرِّخُوْنَ والمُفَسِّرُوْنَ. [مَا جَاءَ في الإحدَادِ] -[قَوْلُهُ: "فَدَعَتْ بِطِيبٍ فِيهِ صُفْرَة خَلُوْق أوْ غَيره"، [101]. الرِّوَايَةُ: "صُفْرَةُ خَلُوْقٍ أَوْ غَيرِهِ" وَهُوَ بَدَلٌ مِنَ الطِّيبِ، وَلَوْ رَفَعَهُ رَافِعٌ لَجَازَ، وَيَكُوْنُ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مُضْمَرٍ تَقْدِيرُهُ: هُوَ خَلُوْق أَوْ غَيرُهُ. والخَلُوْقُ: ضربٌ مِنَ الطِّيبِ ويُسَمَّى ¬
المَلابَ، ويُقَالُ: هُوَ الَّذِي يُسْتعمَلُ فِي الأعرَاسِ، يُقَالُ: تَخَلَّقَ وتَلَوَّبَ. - وَ [قَوْلُهُ: "أنْ تُحِدَّ عَلَى مَيتٍ"] يُقَال: حَدَّتِ المَرأَةُ [تُحِدُّ] (¬1) حِدَادًا وأَحَدَّتْ تُحِدُّ إحدَادًا فَهِيَ حَادّ ومُحِدُّ [وَلَم يَعرِفِ الأصمَعِيُّ إلَّا أَحَدَّتْ فَهِيَ مُحِدّ]: إِذَا تَرَكَتِ الزِّينَةَ وَلَبِسَتْ السَّوَادَ. - قَوْلُهُ: "أفَتكحِلُها" [103]. يُريدُ: عَينَها. وَمَنْ رَوَاهُ: "أَفَنكحِلُها" بالنُّوْنِ، أَرَادَ: البِنْتَ. -[وَقَولُهُ: تَرمِي بالبَعرَةَ"]. يُقَالُ: بعرة وَبَعَرَةٌ، وَفِي الجَمعِ بَعر وَبَعَرٌ. - وَ [قَوْلُهُ: "حِمَارٌ أوْ شَاةٌ أوْ طَير"] وَقَعَ فِي بَعضِ الرِّوَايَاتِ: "أَوْ طَيرٌ" والصَّوَابُ: "طَائر"؛ لأنَّ الطَّيرَ جَمعُ طَائِرٍ. - و [قَوْلُهُ: "وَدَخَلت حِفْشًا"]. أَصلُ الحِفْشِ: الدَّرجُ، شَبَّه بِهِ البَيتَ الصَّغِيرَ في ضِيقِهِ. - وَ [قَوْلُهُ: "فَتَفْتَضُّ بِهِ"]. يُروَى: تَفْتَضُّ وتَقْتَضُّ بالفَاءِ والقَافِ، يُقَالُ: فَضَضْتُ الشَّيءَ وقَضَضْتُهُ: إِذَا كَسَرتُهُ أَوْ فَرَّقْتُهُ، وَمِنْه (¬2): {لَانفَضُّوْا مِن حولك} وفَضُّ الخَاتمِ. ومَعنَاهُ: أنَّها تكسُرُ مَا كَانَتْ فِيهِ مِن العِدَّةِ، وتَخرُجُ مِنْها بالعِدَّةِ؛ لأنَّها لَا تزُوْلُ مِنْ مَكَانِها إلَّا بِهِ، فَقَد صَارَتْ تَفْتَضُ بِهِ. وقَال ابنُ قُتيبَةَ (¬3): سَألتُ أَبَا يُوْنُسَ -رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الحِجَازِ- عَنْ كَيفِيَّةِ فِعلِها فَقَال: إِنَّ المُعتَدَّةَ ¬
كَانَتْ لَا تَغْتَسِلُ وَلَا تَمَسُّ مَاءً، وَلَا تَقلِمُ ظُفْرًا، ولا تَسْتَاكُ، وَلا تَنْتِفُ مِنْ وَجْهِها وَلَا مِنْ جَسَدِها شَعرًا، ثمَّ تَخْرُجُ بعدَ الحَوْلِ بأَقْبَحِ مَنْظَرٍ، ثُمَّ تَفْتَضُّ بِطَائِرٍ تَمسَحُ بِهِ قُبُلَها، وتَنْبِذُهُ فَلَا يَكَادُ يَعِيشُ. وَقَال قَوْمٌ: تَفْتَضُّ تَفْتَعِلُ مِنَ الفَضَضِ (¬1) وَهُوَ المَاءُ العَذْبُ، يُقَالُ: افْتَضَضْتُ بالمَاءِ؛ أَي: اغْتَسَلْتُ بِهِ، فَمَعنَى تَفْتَضُّ بِهِ: تَغْتَسِلُ وَتَسْتنقِي كَمَا يُغْتَسَلُ بالمَاءِ. وَرَوَاهُ أَبُو سَلَمَةَ مَنْصُوْرُ بنُ سَلَمَةَ الخُزَاعِيُّ (¬2) عَنْ مَالِكٍ "فَتَقْبِصُ" بالصَّادِ غَيرِ مُعجَمَةٍ وَقَافٍ ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وذَكَرَ النَّحَّاسُ في "النَّاسِخِ والمَنْسُوْخِ" (¬3) أَنَّ الشَّافِعِيُّ رَوَاهُ عَنْ مَالِك: "فَتَقْبِصُ" كَمَا رَوَاهُ أَبُو سَلَمَةَ، وَقَال: مَعنَاهُ أَنْ تَجْعَلَ أَصَابِعها عَلَى الطَّائِرِ، كَمَا قُرِئَ (¬4): ¬
{فَقَبَصتُ قَبْصَةً} وَرَوَاهُ قَوْمٌ: "فَتَقْبِضُ" والقَبْضُ بالكَفِّ كُلِّها، والقَبْصُ: بِأَطْرفِ الأصَابعِ (¬1). وَ [قَولُهُ: "اكتَحِلِي بِكُحلِ الجِلاءِ"، [105] الجَلا (¬2): كُحلٌ يَجْلُو البَصَرَ، إِذَا فُتْحَتِ الجِيمُ قُصِرَ، وإِذَا كُسِرَتْ الجِيمُ مُدَّ، وَفِي كِتَابِ "العَينِ" (¬3) إِنَّ الجَلا: الإثْمِدُ، وهذَا غَيرُ صَحِيح، ولا هُوَ المُرَادُ بِهذَا الحَدِيثِ؛ لأنَّ الإثْمِدَ إِنَّمَا تَتزيَّنُ بِهِ النِّسَاءُ، وإِنَّمَا الجَلا كحلٌ يُحَكُّ عَلَى حَجَرٍ ويُؤخَذُ مَا تَحَلَّلَ مِنْهُ فَيُكْتَحَلُ بِهِ، وَفِيهِ حِدَّةٌ وألم، وَيَدُلُّ عَلَى أَنّه يؤلمُ العَينَ ولَيسَ الإثْمِدَ قَوْلُ ¬
أَبِي المُثلَّمِ الهُذَلِيِّ (¬1): وَأَكْحَلك .................. ... ................... البيت أَلا تَرَى أنَّه قَرَنَهُ بالصَّابِ، وَهُوَ الصَبِرُ (¬2). وَقِيلَ: هُوَ شَجَر لَهُ لَبَن. - وَ [قَوْلُهُ. "حَتَّى كَادَتْ عَيناها تَرمَصَانِ" [107] الرَّمَصُ: هُوَ القَذَى الأبْيَضُ الَّذِي تَقْذِفُهُ العَينُ، وَقَد رُويَ بالضَّادِ؛ كَأَنَّهُ ذَهبَ إِلَى مَا يُصِيبُ العَينَ مِنَ الوَجَعِ والحُرقَةِ، وَهُوَ مِنْ قَوْلهِم: رَمَضَتْ قَدَمَاهُ: إِذَا اختَرَقَتَا مِنَ المَشْيِ عَلَى الرَّمضَاءِ. - و [قَوْلُهُ: "بِالزَّيتِ والشَّيرقِ"]. يُقَالُ: شَيرَج وشَيرق، وَهِيَ لَفْظَة ¬
عجمِيَّةٌ معربة (¬1). - و [قَوْلُهُ: "ولَا تَلْبسُ شَيئًا مِنَ العَصبِ"] العَصبُ: بُرُوْدٌ تُصْنَعُ باليَمَنِ (¬2). - وَ [قَوْلُهُ: "وَلَا تمشِطُ إلَّا بالسَّدْرِ"]. السِّدرُ: شَجَرُ النَّبْقِ. فَمَا نبتَ مِنْهُ في البرِّ فَهُوَ الضَّالُ، وَمَا عَلَى الأنْهارِ العُبْرِيُّ والعمرِيُّ، وَمَا تَوَسَّطَ مِنْ ذلِكَ سُمِّيَ أَشْكَلًا (¬3). ¬
(كتاب الرضاعة)
(كِتَاب الرّضَاعَةِ) (¬1) يُقَالُ: رَضاعَةٌ ورِضَاعَةٌ، ورَضَاع ورِضَاع، ورَضِعَ يَرضَعُ عَلَى مِثَالِ عَلِمَ يَعلَمُ، وهِيَ لُغَةُ قَيسٍ (¬2) وغَيرُهُم يَقُوْلُ: رَضَعَ يَرضِعُ على مِثَالِ: ضَرَبَ يَضْرِبُ. فَإِذَا أَردتَ اللُّؤَم قُلْتَ: رَضُعَ يَرضعُ رَضَاعَة كَقَبُحَ يَقْبَحُ قَبَاحَةً. [رَضَاعَةُ الصَّغيرِ] - وَقَوْلُهُ: "لِعَمّ لِحَفْصَةَ مِنَ الرَّضَاعَةِ" [1]. لَيسَ مِنْ كَلامِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وإِنَّمَا كَلامُ النَّبيِّ [- صلى الله عليه وسلم -]: "أرَاهُ فُلانًا" وَقَوْلُهُ: "لِعَمٍّ لحفْصَةَ" تَفْسِيرٌ لِفُلانٍ، ومَعنَاهُ: [أَرَاهُ] عَمًّا لِحَفْصَةَ، وهذهِ اللَّامُ تَأْتِي بِمَعْنَى يَعْنِي وَيُرِيدُ، ويُفَسَّرُ بِها المُبْهمُ. - وَ [قَوْلُهُ: "الِلَّقَاحُ وَاحِدُ"] [5] اللَّقَاحُ -مَفْتُوْحُ اللَّامِ-: مَصدَرُ لَقِحَتْ ¬
تَلْقَحُ لَقَاحًا، واللِّقَاحُ -بِالكَسْرِ-: جَمعُ لَقَحَةٍ (¬1). - وَ [قَوْلُهُ: "أرضِعِيهِ عَشْرَ رَضَعَاتٍ"] [7]. الرَّضَعَاتُ: مَفْتُوْحَةُ الضَّادِ؛ ولا يَجُوْزُ تَسْكِينُها؛ لأنَّ فَعلَةَ إِذَا كَانَتْ مصدَرًا، أَوْ اسْمًا غَيرَ مَصدَرٍ، وَلم يكُنْ صِفَةً فَعَينُها مَفْتُوْحَة في الجَمعِ المُسَلَّمِ، كَضَربةٍ وضَرَبَاتٍ، وَحَفْنَةٍ وَحَفَنَاتٍ، وَحَسْرَةٍ وحَسَرَاتٍ، وَرَكْعَةٍ وَرَكَعَاتٍ [مُحَرَّكَةَ العَينِ ولا تُسَكَّن] (¬2)، وإِذَا كَانَ صِفَةً كَانَتْ سَاكِنَةَ العَينِ كَامرَأَةٍ ضَخْمَةٍ ونسَاءٍ ضَخْمَاتٍ. وَرَوَاهُ بَعضُهُم: "رَضَاعَاتٍ" جَعَلَهُ جَمعُ رَضَاعَةٍ، والأوَّلُ هُوَ المَعرُوْفُ. - ويُقَالُ (¬3): مَلَجَ الصَّبيُّ أُمَّهُ يَملُجُها، ولَمَجَها يَلْمُجُها -بالجِيمِ-: إِذَا رَضَعَها، وَكَذلِكَ مَلَحها يَملَحُها - بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ - وَعَلَى ذلِكَ رَوَى قَوْمٌ "المَلْحَةُ والمَلْحَتَانِ" بالحَاءِ والجِيمِ، ويُقَالُ لِلرَّضَاعِ: المِلْحُ بِكَسْرِ المِيمِ، والمَصدَر بِفَتْحِها. - وَقَوْلُهُ: "لَا رَضَاعَةَ إلا مَا كَانَ في المَهْدِ" [11]. أَي: لَا رَضَاعَةَ مُحَرِّمَةً، فَحَذَفَ الصِّفَةَ لَمَّا فُهِمَ المُعْنَى، وَمِثْلُهُ: "لَا رَضَاعَ بَعدَ فِصَالٍ". - وَقَوْلُهُ: "الرَّضَاعَةُ كلها قَلِيلُها وكَثيرُها يَحرِّم". كَانَ الوَجْهُ: "يُحَرِّمَانِ" وَلكِنَّهُ أَخْبَرَ عَنِ الوَاحِدِ كَمَا قَال [تَعَالى] (¬4): {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} وَمَنْ ¬
[ما جاء في الرضاعة بعد الكبر]
رَوَاهُ: "تُحَرِّمُ" بالتَّاءِ جَعَلَهُ خَبَرًا عَن الرَّضَاعَةِ، وكَانَ عَلى معنَى التَّقْدِيمِ والتّأخِيرِ كَأَنَّهُ قَال: والرَّضَاعَةُ كُلُّها تُحَرِّمُ قَلِيلُها وكَثيرُها، فأَخْبَرَ عن المُبْدَلِ منْهُ وتَرَكَ البَدَلَ. [مَا جَاءَ في الرَّضَاعَةِ بَعدَ الكِبَر] - وَ [قَوْلُهُ: "وإنا فُضُلُ"] [12]. يُقَالُ: رَجُل فُضُل، وامرَأَة فُضُل، وَهُوَ التَّجَرُّدُ في ثِيَابِ التَّبذُّلِ والخِدمَةِ، والفِعلُ تَفَضَّلَ فَهُوَ مُتفَضِّل. وَقَال بَعضُهُم: الفُضُلُ: الَّتِي عَلَيها ثَوْبٌ وَاحِد وَلَا إِزارَ تَحتَهُ. وَقَال الخَلِيلُ (¬1): رَجُل فُضُل ومُتَفَضِّلٌ: إِذا تَوَشَّحَ بِثَوْبِهِ فَخَالفَ بَينَ طَرَفَيهِ عَلَى عَاتِقِهِ، ويُقَالُ: امرَأَة فُضُل وثَوْب فُضُل. [جَامعُ مَا جَاءَ في الرَّضَاعَةِ] - وَ [قَوْلُهُ: "لَقَد هممتُ أنْ أنْهى عَنِ الغِيلَةِ"] [16] الغَيلَةُ: المَصدَرُ (¬2). والغِيلَةُ -بِكَسْرِ الغَينِ- الهيئَةُ كالجَلْسَةِ والجِلْسَةِ، ومَعنَاهُ: أَنْ تُرضِعَ المَرأَةُ ¬
الصَّبِيَّ وَهِيَ حَامِلٌ، أَوْ يَطَأَها الرَّجُلُ وَهِيَ ترضِعُ، يُقَالُ: أَغَالتِ المَرأَةُ وأَغْيَلَتْ، ويُقَال لِذلِكَ اللَّبَنُ الغَيلُ، ويَكُوْنُ الغَيلُ أَيضًا الرَّضَاعَ. ويَزعُمُ الأطِبَّاءُ أَنَّ ذلِكَ اللَّبَنَ مُضر بالمَوْلُوْدِ. وكَانَتِ العَرَبُ تَنْهى [عَن] ذلِكَ، ويُعَيِّرُ بِهِ بعضُهُم بَعضًا. وَحُكِيَ عَنْ بعضِهِم (¬1): "إِنه ليُدرِكَ الفَارِسُ فَيدعثِرُهُ عَن فَرَسِهِ"، أَي: يَضرَعُهُ، وَفِي تَأبِينِ تأبَّطَ شَرًّا: " ... وَلَا سَقَيتُهُ غَيلًا" (¬2). ¬
(كتاب المكاتب)
(كِتَاب المكَاتَبِ) (¬1) [الحَمَالةُ في الكِتَابة] -[وَقَوْلُهُ: "إنَّ العَبِيدَ إذَا كُوتِبُوا جَمِيعًا" [4]. وَقَعَ في بَعضِ النُّسَخِ (بابُ الحَمَالةِ في الكِتَابة): "إِنَّ العَبِيدَ إِذَا كَاتَبُوا" والمَعْنَى (¬2) يَرجِعُ إِلَى شَيءٍ وَاحِدٍ، لأنَّ المُكَاتَبَةَ فِعْلٌ من اثْنَينِ فَصَاعِدًا، فَالعَبِيدُ مُكَاتَبُونَ وَمُكَاتِبُونَ وكَذلِكَ السَّادَةُ. - وَ [قَوْلُهُ: "فَإِنْ بعضَهم حُمَلاءُ"]. حُمَلاءُ: جَمعُ حَمِيل. - وَ [قَوْلُهُ: "أوْ عَجَزَ"]. عَجَزْتُ بِفَتح الجِيمِ لا غيرُ، [وَكَسْرُها خَطَأٌ، إِنَّمَا يُقَالُ عَجِزَ -بِكَسْرِ الجِيمِ-] (¬3) عَجْزا: إِذَا عَظمَت عَجِيزَتُهُ، وهِيَ الكِفْلُ (¬4). - وَ [قَوْلُهُ: "إِنْ أدَّاهُ المُكَاتَبُ عَتَقَ"]. عَتَقَ العَبْدُ يَعتُقُ وَيَعتِقُ عَتْقًا وَعَتَاقًا وعَتَاقَة: إِذَا تَخَلَّصَ مِنَ العُبُوْدِيَّةِ والرِّقِّ، وَيُقَالُ في الحُسْنِ والجَمَال: عَتَقَ يَعتَقُ عتقا -بضمِّ التَّاءِ- وعَتَاقَة، ولا يُقَال: عَتَاقًا بِغَيرِ هاء. ويُقَالُ في القدم: عَتِقَ وعَتُقَ يَعتُقُ فِيهما عِتْقًا وعُتْقًا، والكَسْرُ أَشْهرُ. ويُقَالُ: رَقَّ يَرق مثل فَرَّ يَفِرُّ. ¬
[القطاعة في الكتابة]
ويُقَال: تَحَمَّلْتُ بالشَّيء وَحَمَلْتُ بِهِ كَقَوْلك: [تكلَّفْتُ بالشَّيءِ] (¬1) وكَلِفْتُ بِه، ومِنْه قِيلَ: حَمِيل وحَامل وكَفِيل وكَافِل. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُوْلُ: الكَتَابَةُ يَجْعَلُها كَالعَتَاقَةُ والقَطَاعَةُ، وَيَجْعَلُ الكِتَابَةُ -بِكَسْرِ الكَافِ- صِنَاعَةَ الكُتَّابِ. ويُروَى: "فَيَتَحَمَلُ" كَقَوْلكَ: يَتكفَّلُ. - وَقَوْلُهُ: "يَتَحَاصَّانِ" [3]. يُحَاصُّ يُفَاعِلُ مِنَ الحِصَّةِ، وَهِيَ النَّصِيبُ، وأَصلُهُ يُحَاصصُ، فَأُدغِمَتْ إِحْدَى الصَّادَينِ في الأُخرَى، فَصَارَ مِثْلَ [قَوْلهِ تَعَالى]: {وَلَا يُضارَّ كاتبٌ} (¬2) ويُقَالُ: حَاصصتُ الرَّجُلَ مَحَاصَّة وَحِصَاصًا. [القَطَاعَةُ فِي الكِتَابة] - و [قَوْلُهُ: "تُقَاطعُ مُكَاتِبِيها" [5] القَطَاعَةُ والعَتَاقَةُ -بِفَتْحِ القَافِ والعَينِ بِلا خِلافٍ، وإِنَّمَا الخِلافُ في الكِتَابَةِ. - وَ [قَوْلُهُ: "بالذَّهبِ والوَرِقِ"]. الوَرِقُ -بِكَسْرِ الرَّاءِ-: المَال مِنَ الدَّرَاهِمِ، فَإِنْ كَانَ مِنَ الحَيَوَانِ فَهُوَ وَرَقُ بِفَتْحِ الرَّاءِ (¬3). ¬
[جراح المكاتب]
- و [قَوْلُهُ: "ثمَّ حَازَ ذلِكَ"]. وَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابنِ وَضَّاح: حَازَ؛ أَي: قَبَضَ ذلِكَ بِحَاءٍ مِهْمَلَةٍ. ورِوَايَةُ عُبَيدِ اللهِ: جَازَ بِجِيمٍ مُعْجَمَةٍ (¬1) أَي: نَفَذَ وَتَمَّ. - و [قَوْلُهُ: بنِصفِ (¬2) مَا تَفَضَّلَهُ بِهِ"] الرِّوَايَةُ: "تَفَضَّلَه بتشدِيدِ الضَّادِ. - وَقَوْلُهُ: " [أنْ] يُبدَّؤا [عَلَيه] ": بتَشْدِيدِ الدَّالِ. [جِرَاحُ المُكَاتَبِ] -[قَوْلُهُ: "يَجْرَحُ الرَّجُلَ جَرحًا] [6] الجَرحُ: المَصدَرُ مِنْ جَرَحتُ، والجُرحُ: الاسْمُ، ويُجْمَعُ الجُرحُ عَلَى أَجْرَاع وجُرُوْع وَجِرَاح وَجِرَاحَةٍ، يُلْحَقُ فِيها تَاءُ التّأنِيثِ لِلْجَمَاعَةِ، كَمَا قَالُوا: فِحَالةٌ وجِمَالةٌ، وتُجْمَعُ جِرَاحَةٌ عَلَى جِرَاحَاتٌ، كَجِمَالةٍ جِمَالاتٍ، وقُرِئَ (¬3): {جمالتٌ صفرٌ} و {جِمَالاتٌ .. } ¬
وَزَعَمَ سِيبَويه أنه لَا يُقَالُ أَجْرَاحٌ (¬1) وأَجَازَهُ غَيرُهُ. - وَ [قَوْلُهُ: "تقَعُ فِيهِ العَقْلُ عَلَيهِ"]. في تَسْمِيَتِهم الدِّيَةُ عَقْلًا قَوْلانِ: - قِيلَ (¬2): لأنَّ الإبِلَ كَانَتْ تُجْمَعُ وتُعقَلُ بِفِنَاءِ وَليِّ المَقْتُوْلِ، أَي: تُشَدُّ قَوَائِمُها بالعُقُلِ، والعُقُلُ -في الحَقِيقَةِ- إِنَّمَا هُوَ مَصدَرٌ مِنْ عَقَلْتُ البَعِيرَ وَغَيرِهِ عَقْلًا، ثُمَّ سُمِّيَ المَعقُوْلُ عَقْلًا بالمَصدَرِ كَمَا قَالُوا: دِرهمٌ ضَربُ بَلَد كَذَا أَي: مَضْرُوْبُ، ثُمَّ سُمِّيَ مَا يُؤخذُ مَكَانُ الإبِلِ مِنْ ذَهبٍ ودَرَاهِمَ عَقْلًا، عَلَى مَذْهبهم فِي تَسْمِيَةِ الشَّيء باسْمِ الشَّيءِ إِذَا كَانَ مِنْهُ بِسَبَبٍ. - وَالقَوْلُ الثَّانِي: لأنَّها تَعقِلُ الأيدِي؛ أَي تكفُّها عَنِ الاسْتِطَالةِ والتَّعَدِّي، فَفِي هذَا القَوْلِ مَجَازٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ تَسْمِيَةُ مَا لَيسَ مَصدَرًا بالمَصدَرِ، وَفِي القَوْلِ الأوَّلِ مَجَازَانِ، تَسْمِيَةِ مَا لَيسَ [مَصدَرًا] بِمَصدَرٍ، وَنَقْلُ الاسْمِ عَنْ مَا يَعقِلُ إِلَى مَا لَا يعقِلُ، والعَقْلُ فِي هذَا القَوْلِ مَصدَرٌ وَقَعَ مَوْح المَفْعُوْلِ كالنَّسْجِ ¬
[عتق المكاتب إذا أدى ما عليه قبل محله]
والضَّربِ. ويُسَمَّى مَا دُوْنَ الدِّيَةِ مِمَّا يُوخَذُ عَلَى الجِرَاحَاتِ أَرشًا، واشْتِقَاقُهُ مِنْ أَرَّشْتُ الشَّرَّ بَينَ القَوْمِ تَأْرِيشًا: إِذَا هيجته (¬1). - وَقَوْلُهُ: "فَإنْ هُوَ عَجَزَ عَنْ أدَاءِ عَقْلِ ذلِكَ الجَرحِ". هُوَ مَفْتُوْحُ الهمزَةِ الأوْلَى وَلَيسَ بِمَصدَرٍ حَقِيقَة، وَلكِنَّهُ اسْم موْضُوع مَوْضِعَهُ، [وَإِنَّمَا المَصدَرَ التّأديَةُ. والأدَاءُ مَفْتُوْحُ الهمزَةِ مُخَفَّف الدَّالِ قَال تَعَالى: {وَأَدَاءٌ إِلَيهِ بِإِحْسَانٍ}] (¬2). - وَ [قَوْلُهُ: "أوْ مَغضُوْبَ الجَسَدِ"]. يُقَالُ: عَضَبْتُ الشَّيءَ عَضْبًا فَأَنَا عَاضِبُ وَهُوَ مَعْضُوْب: إِذَا قَطَعتَهُ، وَمِنْهُ: سَيفٌ عَضْبٌ، وَيُسْتَعمَلُ ذلِكَ فِي القرنِ إِذَا كُسِرَ، فَإِنْ نَسَبْتَ ذلِكَ إِلَى الشَّيءِ المُنْقَطِعِ أَوْ المُنكسِرِ قُلْتَ: عَضِبَ عَضَبًا مِثْلُ غَضِبَ غَضَبًا، وَمِنْهُ كَبْشُ أَعْضَبُ وشَاة عَضْبَاءُ: إِذَا انكسَرَتْ قُرُوْنُها. [عِتْقُ المُكَاتَبِ إِذَا أدَّى مَا عَلَيهِ قَبْلَ مَحِلَّه] مَحِلُّ الشَّيءِ ومَحلُّهُ: وَقْتُهُ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ، وَكَذلِكَ مَوْضِعُه (¬3) يُقَالُ: هُوَ مَحِلّ آخَرُ، ومَحَلّ آخَرُ، وقُرِئَ (¬4): {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [{مَحِلَّهُ}] (¬5) ¬
بِكَسْرِ الحَاءِ وَفَتْحِها. -[قَوْلُهُ: "أنَّ مُكَاتَبًا كَانَ لِلفُرَافِصَةِ بنِ عُمَيرٍ الحَنَفِيِّ"] (¬1) [9]. وَأمَّا فُرَافِصَةُ فَقَدْ تَقَدَّمَ الكَلامُ عَلَيهِ. وَحَكَى أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ الفَرَافِصَةُ -بِفَتْحِ الفَاءِ- اسمُ رَجُل، والفُرَافِصَةُ -بِضَمِّ الفَاءِ- الأسَدُ. وحَكَى ابنُ الأنْبَاريِّ (¬2) عَنْ أَشْيَاخِهِ قَالُوا: كُلُّ مَا فِي العَرَب فُرَافِصَةُ -بِضَمِّ الفَاءِ- إلَّا فَرَافِصَةَ أبَا نَائِلَةَ امرَأَةِ عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] (¬3) فَإِنَّهُ بِفَتْحِ الفَاءِ. وَقَال ابنُ قُتيبَةَ (¬4): الفُرَافِصَةُ -بِضَم الفَاءِ- اسمُ رَجُل، ولا يَجُوْزُ فَتْحُها. وَكُلُّ مَا فِي العَرَبِ عُدَسٌ -بِفَتْحِ الدَّالِ- إِلَّا عُدُسُ بنُ يَزِيدَ (¬5) بِضَمِّها، وكُلُّ مَا فِي العَرَبِ سَدُوْسٌ -بِفَتْحِ ¬
[ميراث المكاتب إذا عتق]
السِّينِ- إِلَّا سُدُوْسُ بنُ أَصمَع في طَيِّئٍ (¬1)، فإنَّهُ بِضمّها، وكُلُّ مَا فِي العَرَب أَسْلَمُ (¬2) -بِفتْحِ الهمزَةِ واللَّامِ- إلَّا أُسْلُمُ بنُ الحَافِ بنِ قُضَاعَةَ فَإِنَّه مَضْمُومُ الهمزَةِ واللَّامِ، وَكُلُّ مَا فِي العَرَبِ سَلْمَى -بِفَتْحِ السِّينِ- إلَّا [وَالِدُ] زُهيرِ بنِ أَبِي سُلْمَى (¬3). [مِيرَاثُ المُكَاتَبِ إِذَا عَتَقَ] [قَوْلُهُ: "ثُمَّ يقْتَسِمَانِ مَا بقيَ بالسَّويَّةِ"] [10].السَّويَّةُ والسَّوَاءُ اسْمَانِ لَا مَصدَرَانِ، وإِنَّمَا المَصدَرُ الاسْتِوَاءُ، ويُسَمَّى بِهِ الشَّيءُ المُسْتَوي، وَلِذلِكَ قَالُوا لِلْعَدلِ والإنْصَافِ: سَوَاءٌ وَسَويّةٌ، وَيُقَالُ لِوَسَطِ الشَّيءِ: سَوَاءٌ؛ لأنَّه عَادِلٌ بينَ الطَّرَفَينِ ويُقَالُ للبَرذَعَة: سَويةٌ (¬4)؛ لأنَّها تُسَويّ الحَمْلَ عَلَى الظَّهْرِ، وتُسْتَعمَلُ: سَوَاءٌ بِمَعنَى غَيرِ؛ لأنَّ اعتِدَال كُلِّ شَيءٍ مَوْجُوْدٍ، إِنَّمَا يَكُوْنُ بِأَنْ يَكُوْنَ لَهُ غَيرٌ؛ إِذْ كَانَتِ الوَحدَانِيّةُ المَحْضَةُ إِنَّمَا هِيَ للهِ تَعَالى. ¬
[الوصية في المكاتب]
-[قَوْلُهُ: "أوْ عَصَبةٍ"]. العَصَبَةُ: جَمعُ عَاصِبٍ، وأَصلُ العَصبِ جَمعُ الشَّيءِ مِنْ جَوَانِبِهِ وحَصرُهُ سُمُّوا بِذلِكَ؛ لإحَاطَتِهِم بالإنْسَانِ، يُقَالُ: عَصَبَ بِهِ القَوْمُ: إِذَا اجْتَمَعُوا حَوْلَهُ. - و [قَوْلُهُ: "وَيَصِيرَ مَوْرُوْثًا بالوَلَاءِ"]. الوَلاءُ مِنَ العِتْقَ، والمُوَالاتِ، وَلَا يَجُوْزُ قصرُهُ. [الوَصِيّةُ فِي المَكَاتَب] - قَوْلُهُ: "فَأَوْصَى لَهُ سَيِّدهُ (¬1) بالمَائة الدِّرهمِ" (¬2) [15]. كَذَا الرِّوَايَةُ، وَهِيَ لُغَةٌ لِبَعضِ العَرَبِ يُجْرُوْنَ بَابَ العَدَدِ مُجْرَى بَابِ الحَسَنِ الوَجهِ فَيُدخِلُوْنَ الألِفَ واللَّامَ عَلَى الاسْمَينِ، واللُّغَةُ الفَصِيحَةُ إِدْخَالُ الألِفِ واللَّامِ عَلَى الثَّانِي [دُوْنَ الأوَّلِ ..... ] (¬3) فَأَمَّا مَنْ أَدخَلها عَلَى الاسْمِ الأوَّلِ دُوْنَ الثَّانِي فَقَد أَخْطَأَ، وَذلِكَ لَا يَجُوْزُ. - وَقَوْلُهُ: فَضَمِنُوْهُ" يُقَالُ: ضَمِنَ يَضْمَنُ عَلَى مِثَال سَمعَ يَسْمَعُ. - قَوْلُهُ: "فَجُعِلَ (¬4) لِتِلْكَ الألْفِ الَّتِي مِنْ أوَّلِ الكِتَابة". كَذَا الرِّوَايَةُ لَمْ تَخْتَلِفْ فِي ذلِكَ النُّسَخُ، والأشْهرُ في الألْفِ التَّذْكِيرِ. ويَجُوْزُ تأْنِيثُهُ عَلَى المَعنَى ¬
إِذَا عُبِّرَ بِهِ عَن مُؤَنَّثٍ فَقد قَال النَّحويُّونَ: إِذَا قُلْتَ: هذِهِ أَلْفٌ وأَنْتَ تُرِيدُ هذِهِ الدَّرَاهِم أَوْ هذهِ الصُّرَّةِ جَازَ ذلِكَ، والتَّذْكِيرُ لُغَةُ القرآنِ (¬1)، [قال تعالى] (¬2): {بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)} فَذَكَّرَ وجَمَعَ (¬3). ¬
(كتاب المدبر)
(كِتَاب المُدَبَّرِ) (¬1) [جِرَاحُ المُدَبَّر] - قَوْلُهُ: "ويقاصُّهُ [بِجِرَاحِهِ] " [7]. هُوَ يُفَاعِلُهُ مِنَ القِصَاصِ، وأَصلُهُ يُقَاصِصُهُ فَأُدغِمَتِ الصَّادُ الأوْلَى وفي الثَّانِيَةِ، يُقَالُ: قَاصَصتُهُ أُقَاصُّهُ مُقَاصَّةً وَقِصَاصًا (¬2). -[قَولُهُ: "قَدْ شَجَّ رَجُلًا حُرًّا مُوْضِحَةً"]. المُوْضِحَةُ مِنَ الشِّجَاجِ هِيَ الَّتِي تُوْضِحُ عَن العَظْمِ، أَي: تُظْهِرُ وَضَحَهُ، وَهُوَ بَيَاضَهُ. [مَا جَاءَ في جِرَاحِ أمِّ الوَلَدِ] - قَوْلُهُ: "إِن عَقْلَ ذلِكَ الجَرْح ضَامِنٌ عَلَى سَيِّدها فِي مَالِهِ" [8]. أَي: وَاجِبٌ عَلَيهِ وَلازِم لَهُ، وَهُوَ مَأْخُوْذٌ مِنْ ضَمَانِ الشَّيءِ؛ لأنَّ مَنْ ضَمِنَ شَيئًا لَزِمَهُ فَاسْتعمِلَ الضَّمَانُ بِمَعنَى اللُّزُوْمِ والوُجُوبِ. يَجُوْزُ أَنْ يَكُوْنَ مَأْخُوْذًا من قَوْلهِم: رَجُلٌ ضَمِنٌ عَلَى [أَهْلِه] ضَمَانَةً وَضَامن: إِذَا كَانَ كَلًّا عَلَيهِم (¬3). - وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: "عَجَلَنِي العِتْقُ" بالنُّونِ (¬4)، وَفِي بَعضِها: "عجَلَ ¬
لِي" وكَذَا رَوَينَاه عن أَبي عُمَرَ، والأصلُ اللَّام، وإِنَّمَا تُحذف مَجَازًا وتَخْفِيفًا، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: زِنْ لِي [وَكِلْ لِي] ثُمَّ يَحْذِفُوْنَ اللَّامَ فَيقُوْلُوْن: زِنِّي وكِلْنِي، ومنه [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬1): {كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ}. - قَوْلُ مَالِكٍ [-رحمه الله-]: "يَثْبُتُ العِتْقُ"، و"صَارَت الخَمسُوْنَ دِينارًا"، و"ثَبتَت حُرمَتَه" [2]. كَذَا الرِّوَايَةُ، وَكَانَ الأحسَنُ أَن يَجْعَلُ الأفْعَال كُلَّها بِلَفْظِ الفِعْلِ المُضارعِ أَوْ المَاضِي، وَلكنَّ العَرَبَ رُبَّمَا استَعملت أَحَدَهُمَا مَكَانَ الآخَرِ. قَوْلُهُ: "حَتَّى يُؤْيَسَ مِنَ المَالِ الغَائِبِ". كَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عُبَيدِ اللهِ (¬2) وجَمَاعَةٍ سِوَاهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَوَقَعَ في بَعْضِ الروَايَاتِ: "حَتَّى يتبَيَّنَ" (¬3) وهكَذَا رَوَاهُ ابنُ وَضَّاحٍ، وكَذَا وَجَدتُهُ في كِتَابِ أَبِي عُمَرَ (¬4). والوَجْهُ فِي هذهِ الرِّوَايَةِ أنْ تُجْعَلَ "مِنْ" زَائِدَةً عَلَى مَا مَذْهب الأخْفَش و [ابن] الأنْبَارِيِّ؛ لأنَهُمَا حَكَيَا أَنَّ "مِنْ" تزادُ في الكَلامِ الوَاجِبِ وَذلِكَ خَطَأٌ عِنْدَ سِيبَويهِ وأَصحَابِهِ (¬5)، وإِنَّمَا تزادُ عِنْدَهُم في النَّفْي كَقَوْلكَ: مَا جَاءَنِي مِنْ رَجُلٍ، وَأَظُنَّه تَصْحِيفًا، وَوَقَعَ في الرِّوَايَةِ: "يُؤيَسَ مِنْ" أوْ لَعَلَّهُ كَانَ: حَتَّى يَتبَيَّنَ أَمرُ المَالِ الغَائِبِ فَسَقَطَتْ الألِفُ مِنْ "أَمرِ" (¬6). ¬
(ومن كتاب العتق)
(وَمِنْ كِتَاب العِتْقِ) (¬1) [مَنْ أعتَقَ شِركًا لَهُ فِي مَملُوْكٍ] -[قَوْلُهُ: "مَنْ أعتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ" [1]. أَصلُ الشِّركِ أَنْ يَكُوْنَ مصدَرًا مِنْ شَرِكْتُهُ فِي الأمرِ أَشْرَكُهُ، ثُمَّ سُمِّيَ الشَّيءُ المُشْتَرِكُ فِيهِ شُرَكَاءُ، كَمَا تُسَمِّى الأشْيَاءَ بالمَصَادِرِ. -[قَوْلُهُ: "يُعْتِقُ سَيِّدهُ مِنْهُ شِقْصًا"]. الشِّقْصُ -بِكَسْرِ الشِّينِ-: النَّصِيبُ مِنَ الشَّيءِ (¬2). - وَ [قَوْلُهُ: "وَأنَّ العَبْدَ الَّذِي يَبُتُّ سَيِّدُهُ"]. يُقَالُ: بَتَّ الشَّيءَ يَبُتُّهُ وَيَبِتُّهُ بِضَمِّ البَاءِ وَكَسْرِها. وَذُكِرَ عِنْدَ حَمَّادِ بنِ أَبِي سُلَيمَان (¬3) حَدِيثَ القرعَةِ في العَبِيدِ، ¬
(صفة القرعة في العبيد)
فَقَال: هذَا قَوْل الشَّيخِ، فَقَال لَهُ مُحَمَّدُ بنُ ذَكْوَانَ (¬1): مَنِ الشَّيخُ؟ فَقَال: إبْلِيسُ، قَال مُحَمَّد: وُضِع (¬2) القَلَمُ عَنِ المَجْنُوْنِ حَتَّى يَفِيقَ، يُعَرِّضُ بِجُنُوْن كَانَ يَعْتَرِي حَمَّادًا. (صِفَةُ القُرعَةِ في العَبِيد) أَن تكْتَبَ أَسْمَاؤُهُم في رقَاعٍ، وتُوْضَعَ كُلُّ رُقْعة مِنها في بدقةٍ من طِينٍ، وتَقْسَمَ العَبِيدُ أَثْلاثًا، ثُمَّ يؤمَرَ منْ لَمْ يُشَاهِد كَتْبَ تِلْكَ الرِّقَاعِ فَيُخْرِجْ رُقْعَةَ كُلِّ حُر، وَإِنْ لَمْ يَسْتَوُوا فِي القِيمَةِ عُدِلُوا، وَضَمِّ القَلِيلُ مِنَ الثَّمَنِ إِلَى الكَثيرِ، وَجُعِلُوا أثْلاثًا أُخرَى قَلُّوا أَوْ كَثُروا، إلَّا أَنْ يَكُوْنُوا عَبْدَينِ، فَإِنْ وَقَعَ العِتْقُ عَلَى جُزءٍ فِيهِ عِدَّةُ رَقِيقٍ أَقَلَّ مِنَ الثُّلُثِ أُعِيدَتِ القرعَة بينَ السَّهْمَين البَاقِيَينِ، فَأَيُّهُمِ وَقَعَ عَلَيهِ عتَقُوا فِي الثُّلثِ. وَذَكَرَ ابنُ جُرَيج (¬3) عَنْ سُلَيمَانَ بنِ مُوْسَى (¬4) أنَّه قَال: رَاجعتُ مَكْحُوْلًا (¬5) ¬
[من أعتق رقيقا لا يملك مالا غيرهم]
في هذَا فَقُلْتُ لَهُ: إِنْ كَانَ ثَمَنُ (¬1) عَبْدِ أَلْفَ دِينَارٍ وأَصَابَتْهُ القرعَةُ ذَهبَ المَالُ؟ فَقَال مَكْحُوْل: قِفْ عِنْدَ أَمرِ رَسُوْل اللهِ [- صلى الله عليه وسلم -] قَال ابنُ جُرَيج: قُلْتُ لِسُلَيمَانَ: الأمرُ يَسْتَقِيمُ عَلَى مَا قَال مَكْحُوْلٌ، قَال: وَكَيفَ؟ قُلْتُ: يُقَامُوْنَ قِيمَةَ عَدل فَإِنْ اللَّذَانِ أُعتِقَا عَلَى الثلثِ أُخِذَ مِنْهُم الثلثُ وإِنْ نَقَصَ عَتَقَ مَا بَقِيَ أَيضا بالقُرعَةِ، وَإِنْ فَضَلَ عَلَيهِ أُخِذَ مِنْهُ، فَقَال سُلَيمَانُ: لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ رَسُوْل اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَقَامَهم، وَهذَا الَّذِي قَالهُ ابنُ جَرَيج هُوَ وَجْهُ العَمَلِ فِي ذلِكَ، وَقَوْلُ سُلَيمَان إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يُقِمِ العَبِيدَ عَنْ صَحِيحٍ؛ لأنَّهُ جَزَّأَهم ثَلاثَةَ (¬2) أَجْزَاءٍ فَدَلَّ ذلِكَ عَلَى أَنه عَدَلَهُم بالقِيمَةِ. سُمِّيَتْ أَقْلامُ القُرعَةِ أَقْلامًا؛ لأنَّها تُسَوِّي كَمَا يُقْلَمُ الظُّفُرُ. [مَنْ أعتَقَ رَقِيقًا لَا يَملِكُ مَالًا غَيرَهُم] - قَوْلُهُ: "فَأَعْتَقَ (¬3) ثُلُثَ تِلْكَ العَبِيدِ" [3]. كَذَا الرِّوايَةُ (¬4)، وَفِيها مُتَضَادَّانِ، وَهُمَا: تَأْنِيثُ الإشَارةِ عَلَى مَعنَى الجَمَاعَةِ، وإِفْرَادُ الخِطَابِ بالكَافِ عَلَى مَعنَى الجَمعِ، كَمَا قَال تَعَالى (¬5): {ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ} والمُخَاطَبُوْنَ بالكَافِ والمِيمِ في {عَنكُم}، {لَعَلَّكُمْ} هو هُمُ المُخَاطَبُوْنَ بِقَوْلهِ: ¬
{ذَلِكَ} بأَعيَانِهم فَكَانَ يَجِبُ أَنْ يُقَال "ذلِكُم" وَفِي الحَدِيثِ: "تلْكُم". كَمَا قَال تَعَالى. (¬1) {ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ} وَلَكِنَّ العَرَبَ تَفْعَلُ هذَا بـ "ذلِكَ" خُصُوْصًا دُوْنَ غَيرِهِ، وعَلَى المَعنَى قَال: "فَأمَرَ أبان بنُ عُثْمَانَ (¬2) بِتِلْكِ الرَّقِيقِ فَقُسِمَتْ". فإِنْ قِيلَ: لَعَلَّهُ أَرَادَ نِسَاءً فَلِذلِكَ أَنّثَ؟ . قِيلَ: يمنَعُ مِنْ هذَا التَّوَهُّم قَوْلُهُ: "ثُمَّ أَسْهمَ عَلَى أَيِّهِم" فَذَكَّرَ الضَّمِيرَ، وَلَم يَقُلْ "أَيِّهُنَّ"، وَكَذلِكَ قَوْلُهُ: "فَيَعتِقُوْنَ" وَلَم يَقُلْ: "فَيَعتِقْنَ". فَإِنْ قِيلَ: فِي قَوْلهِ: "تِلْكَ" إِشَارَةٌ إِلَى حَاضِرٍ مُشَاهدٍ والعَبِيدُ المَذْكُوْرُوْنَ غَيبٌ فَكَيفَ جَازَ ذلِكَ؟ . فالجَوَابُ: أَنَّ العَرَبَ تُجْرِي الشَّيءَ إِذَا وَرَدَ ذِكْرُهُ فِي لَفْظِ المُتكلِّمِ مُجْرَى مَا قَدْ حَضَرَ شَخْصُهُ، فَيَقُوْلُ القَائِلُ مِنْهُم: لَقِيتُ رَجُلَّا فقَتَلْتُهُ، وَكَانَ هذَا الرَّجُلُ مِنْ بني تَمِيم، أَوْكَانَ ذلِكَ الرَّجُلُ مِنْ بني تَمِيم، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالى (¬3): {ذَلِكَ الكتاب} إِشَارَةً إلَى الكِتَابِ الَّذِي كَانُوا وُعِدُّوَا بِهِ في كُتُبِ اللهِ القَدِيمَةِ، وَقَوْلُهُ تَعَالى (¬4): {هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ} أَجْرَى مَا (¬5) جَرَى ذِكْرُهُ فِي الكَلامِ مَجْرَى الحَاضِرِ، وَقَد يُشَارُ أَيضًا إِلَى الشَّيءِ المُتَوَقَّعِ المُنْتَظَرِ إِذَا قَرُبَ حُضُوْرُهُ فَيُجْرى مُجْرَى الحَاضِرِ فَيقالُ: هذَا ¬
الشِّتَاءُ مُقْبِلٌ، وَهذَا الأمِيرُ قَائِمٌ، وَفِي الوثائِقِ: هذَا مَا اشْتَرَى، وَما شهِدَ عَلَيهِ الشُّهُوْدُ، وَهذهِ كُلُّها مَجَازَاتُ يَدُوْرُ عَلَيها كَلامُ العَرَبِ (¬1). - وَقَوْلُهُ -في حَدِيثِ رَبِيعَةَ-: "فَأَعْتَقَ رَقِيقًا لَهُ كلَّهُم" [4] النَّحويُّوْنَ لَا يُجِيزُوْنَ: رَأَيتُ قَوْمًا كُلَّهُم؛ لأنَّ التأكِيد بـ "كُلِّهِم" [و] بـ "أَجْمَعِين" إِنمَا يَكُوْنُ لِلْمَعَارِفِ، وأَجَازَ الكُوْفِيُّوْنَ تَأْكِيدَ النكِرَةِ إِذَا كَانَتْ مَعرُوْفَةَ المِقْدَارِ كَقَوْلكَ: قَبَضْتُ دِرهمًا كُلَّهُ، ودِرهمَينِ كِلَيهِمَا، وَلَم يُجِيزُوا قَبَضتُ دَرَاهمَ كُلَّها؛ لأنَّها مَجْهُوْلَةُ المِقْدَارِ، وهذَا كُلُّهُ خَطَأٌ عِنْدَ البصرِيِّينَ (¬2). والوَجْهُ فِي الحَدِيثِ أَنْ يُجْعَلَ "كُلُّهُم" بَدَلًا مِنَ الرَّقِيقِ لَا تَأْكِيدًا؛ لأنَّ "كُلًّا" قَدْ تُسْتَعمَلُ فِي كَلامِ العَرَبِ غَيرُ تَابِعٍ لِمَا قَبْلَهُ عَلَى مَعْنَى الاَّأْكِيدِ، فَيُقَال: كُل القَوْمِ ذَاهِبُوْنَ، وَجَاءَنِي كُلُّ القَوْم، فيُسْتَعمَلُ اسمًا غَيرَ تَابعٍ يُبْتَدَأُ بِهِ، وَيَلِي العَوَامِلَ، قَال تَعَالى (¬3): {وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَينَا مُحْضَرُونَ (32)} وَقَال [تَعَالى] (¬4): {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95)} وَلَوْ قَال قَائِل: إِن "كُلهُم" في الحَدِيثِ تأْكِيدٌ لـ"رَقِيقٍ" عَلَى أَنْ يَكُوْنَ "لَه" في مَوْضِعٍ الصِّفَةِ لـ"رَقِيقٍ" والنكِّرَةُ إِذَا وُصِفَتْ قَرُبَتْ مِنَ المَعرِفَةِ لَكَانَ قَوْلًا، وَلكِنَّهُ ضعِيفٌ مُسْتكرَهٌ مَوْضُوع غَيرَ مَوْضِعِهِ، وَالوَجْهُ مَا قُلْنَاهُ. ¬
[عتق أمهات الأولاد ... ]
[عِتقُ أمّهاتِ الأَوْلَادِ ... ] - قَوْلُهُ: "وَهُوَ يَسْتمتِعُ مِنْها" [6]. كَذَا الرِّوَايَةُ عَلَى مَعنَى يَنَالُ مُتْعَتَهُ مِنْها، وَلَوْ قَال: وَهُوَ يَسْتَمتِعُ بِها لَكَانَ أَصوَبَ. - قَوْلُهُ: "لَا تَجُوْزُ عَتَاقَةُ المُوَلَّى عَلَيهِ [فِي] مَالِهِ" [7]. سَقَطَ ذِكْرُ المَالِ فِي بَعضِ النُّسَخِ، وَكِلاهُمَا صَحِيحٌ (¬1) فَمَنْ ذَكَرَ المَال فَمَعنَاهُ المَحجُوْرُ عَلَيهِ مَالُهُ، يُقَالُ: حُجِرَ عَلَى الرَّجُلِ مَالُهُ: إِذَا مُنِعَ مِنْهُ. [مَا يَجُوْزُ مِنَ العِتْقَ فِي الرِّقَابِ الوَاجِبةِ] - وَ [قَوْلُهُ: "فَأَسِفْتُ عَلَيها"] [8] لأسَفُ عَلَى ضَربَين؛ الأسَفُ: الحُزْنُ [المُفْرِطُ]، والأسَفُ: الغَضَبُ، فَإِنْ جَعَلْتَ الأسَفَ هُنَا بِمَعنَى الحُزْنِ كَانَ الضَّمِيرُ في "عَلَيها" يَرجِعُ إِلَى الشَّاة، وإِنْ جَعَلْتـ[ــــــه]، بِمَعنَى الغَضَبِ عَادَ عَلَى الجَارِيَةِ. - قَوْلُهُ: "وَكنْتُ مِنْ بنَي آدَمَ" هذَا مِنَ الأشْيَاءِ الَّذِي يُوْضَعُ فِيها السَّبَبُ مَكَانَ المُسَبَّبِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ إِنَّ الطَّيشَ اعتَرَاهُ كَمَا يَعتَرِي النَّاسَ، فَذَكَرَ البَشَرِيّة الَّتِي هِيَ سَبَبُ النَّقْصِ المَانِعَةُ مِنَ الكَمَالِ وَاكْتَفَى بِها عَنِ المُسَبَّبِ، وَهذَا مِثَالُ قَوْله - عليه السلام -: "إنَّمَا أنَا بشرٌ يَعتَرِيه مَا يَعتَرِي البشَرَ مِنَ الغَلَطِ والسَّهْو" فَذَكَرَ البَشَرِيَّةَ المُسَبِّبَةَ لِذلِكَ. وَإِنَّمَا قَال: "وَكُنْتُ" فَأَتَى بِلَفْظِ المَاضِي؛ لأنَّه أَرَادَ: حَزِنْتُ وَغَضِبْتُ؛ لأنِّي مِنْ بني آدَمَ، فَذَكَرَ المَاضِي مِنَ الكَوْنِ؛ لأنَّهُ كَانَ سَبَبًا لِوُقُوع أَمرٍ قَدْ مَضَى، وَقَد يُخْبَرُ بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ، إِذا جُعِلَ مُقَدَّمَةً لِشَيءٍ فِيهِ ¬
فَائِدَةٌ. ويُروَى إِنَّ رَجُلًا قَال لأخِيهِ (¬1): لأهْجُرَنَّكَ، فَقَال: كَيفَ تَهْجُرُني وأَبُوْنَا وَاحِد؟ فَقَال: أَبُوْكَ أَبِي وَأَنْتَ أَخِي وَلكِنْ ... تَفَاضَلَتِ الطَّبِائِعُ والظُّرُوْفُ وَأُمُّكَ حِينَ تُنْسَبُ أُمُّ صدقٍ ... وَلكِنَّ ابْنَها طَبعٌ سَخِيفُ فَقَوْلُهُ: "أَبُوكَ أَبِي وأَنْتَ أَخِي" كَلام لَو انْفَرَدَ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَائِدَة، وَلكن لمَّا جَعَلَهُ مُقَدِّمَةً لِمَا بعدَهُ أَفَادَ. -[قَوْلُهُ: "عَنِ المَقْبُرِيِّ"] [10]. يُقَالُ: المَقْبُرِيُّ (¬2) -بِفَتْحِ البَاءِ وضَمِّها (¬3) - كَمَا يُقَال: مَقْبَرَةٌ ومَقْبُرَةٌ. - وَقَوْلُهُ: "يَجْزِئُ [عَنْهُ] ". الوَجْهُ فِيهِ فَتْحُ اليَاء وتركُ الهمزَةِ، يُقَال: جَزَى عَنِّي يَجْزِي: إِذَا قَضَى عَنِّي الوَاجِبَ، فَإِذَا أَردتَ مَعَ الكِفَايَةِ قُلْتَ: أَجْزَأَنِي ¬
[مصير الولاء لمن أعتق]
يُجْزِأُنِي (¬1) رُبَاعِيٌّ مَهُمُوْزٌ. [مَصِيرُ الوَلَاءِ لِمَنْ أعتَقَ] -[قَوْلُهُ: "خُذِيها واشْتَرِطِي لَهُمُ الوَلَاءَ"] [17]. اختَلَفَ النَّاسُ فِي مَعنَى قَوْلهِ - صلى الله عليه وسلم -. "اشْتَرِطِي لَهُمُ الوَلاءَ". فَقَال الطَّحَاويُّ (¬2): أَظْهِرِي لَهُم الوَلاءَ؛ لأنَّ الاشتِرَاطَ فِي كَلامِ العَرَبِ: الإظْهارُ وَأَنْشَدَ (¬3): ¬
فَاشْرَطَ فِيها نَفْسَهُ وَهُو مُعصِمُ ... وَأَلْقَى بِأَسْبَابٍ لهُ وَتَوَكَّلا قَال: وَيُحتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ: اشْتَرِطِي لَهُمُ الوَلاءَ الَّذِي يُوْجِبُهُ عِتَاقُكِ، يُرِيدُ إِنَّ الوَلاءَ لَكِ لَا لَهُم، قَال: ذَهبَ بَعضُ النَّاسِ إِلَى (¬1): أَنَّ مَعْنَى "لَهُم": عَلَيهِم، قَال، ذلِكَ: عَبْدُ المِلِكَ بنِ هِشَامٍ النحويُّ (¬2)، قَال عَبْدُ المَلِكِ: وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ [تَعَالى] (¬3): {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} أَي: فَعَلَيها. وَكَانَ مُحَمَّدُ بنُ شُجَاعٍ (¬4) يُحمِلُ ذلِكَ عَلَى مَعْنَى الوَعِيدِ الَّذِي ظَاهِرُهُ الأمرُ وَبَاطِنُهُ النَّهْيُ، كَقَوْلهِ [تَعَالى] (¬5): {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ} وَبِقَوْلهِ [تَعَالى] (¬6): {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} وَمَعنَاهُ: الوَعِيدُ لَهُم عَلَى ¬
عَمَلِهِ أَنْ يَفْعَلُوه (¬1)، وَلَيسَ عَلَى إِطْلاقِهِ، أَلا تَرَى أَنّه قَدْ أتْبَعَ ذلِكَ صعُوْدَهُ عَلَى المِنْبَرِ ونَهْيُهُ عَنْ ذلِكَ. قَال (ش): "أَمَّا قَوْلُ مَنْ قَال إِنَّ "لَهُم" بِمَعْنَى "عَلَيهِم" (¬2) فَلَيسَ لي (¬3) في هذَا المَوْضع وإِنْ كَانَ جَائِزًا في غَيرِهِ لِوجهينِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَسَاقَ الحَدِيثِ تَجَرُّدَهُ وَمُرَاجَعَةُ أَهْلِ بَرِيرَةَ (¬4) في ذلِكَ. والثَّانِي: أَنَّ اللَّامَ لَا تُسْتَعمَلُ بِمَعنَى "عَلَى" إلَّا فِي المَوَاضِعِ الَّتِي لَا إِشْكَال فِيها وَلَا التِبَاسَ، وأَمّا فِي مَوْضِعَ يَلْتَبِسُ فِيه الشَّيءُ بِضِدِّهِ فَلَا يَصِحُّ ذلِكَ فِيه، أَلا تَرَى أَنَّ قَوْلَهم: "اشْتَرِطِي لَهُم" ضِدَّه اشْتَرِطِي عَلَيهِم، وَلَيسَ ذلِكَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلهِ [تَعَالى] (¬5): في {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} ولا كَقَوْلهِ [تَعَالى] (¬6): {لهمُ اللَّعنَةُ}؛ ¬
لأنَّ هَذَا مَوْضِعٌ قَدْ أُمِنَ فيه اللَّبْسُ، أَوْ دَلَّ عَلَيهِ مَعْنَى الكَلام. وَقَوْلُ مُحَمَّدِ بنِ شُجَاعٍ أَشْبَهُ مَا يُحْمَلُ عَلَيهِ الكَلامُ الحَدِيث (¬1). وَفِيهِ عِنْدي وَجْهٌ آخَرُ: أَنْ يَكُوْنَ أَرَادَ بِذلِكَ أَنْ يُعْلِمَنَا أَنَّ اشْتِرَاطَ المُشْتَرِطِ لِمَا لَا يَجُوْزُ لَا يَجْعَلُهُ جَائِزًا، فَكَأَنَّهُ قَال: اتْرُكِيهِم عَلَى اشْتِرَاطِهِمْ فَإِنَّ ذلكَ لَا يَنْتَفِعوْنَ بِهِ، وَإِلَى نَحْو هَذَا أَشارَ الطَّحَاويُّ في قَوْلهِ المُتَقَدِّمِ، وتَفْسِيرِهِ اشْتَرِطِي: لِتُظْهِرِي يَعْضُدُ (¬2) هَذَا التّأويلُ. - قَوْلُهُ: "لَا يَمْنَعنَّكَ ذلِكَ فَإنَّمَا الوَلَاءُ لِمَنْ أعْتَقَ" [18]. أَي: لَا تَمْتَنِعِي مِنْ شِرَائِهَا مِنْ أَجْلِ شَرْطِهِمْ فَإِنهُمْ لَا يَنْتفعُوْنَ بِه، فَلَمَّا لَمْ يَمْتَنِعْ مِنْ شَرِائِهَا مَعَ ظَاهِرِ شَرْطِهِمْ صَارَ ذلِكَ كَإِبَاحَةِ الشَّرْطِ لَهُمْ، وإِنْ كَانَ لَا إِبَاحَةَ هُنَاكَ. وَقَال أَبُو عُمَرَ النَّحْويُّ (¬3) مَعْنَاهُ. اشْتَرِطِي لَهُمُ الوَلاءَ فَإِنَ اشْتِرَاطَهُمْ إِيَّاهُ بَعْدَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّ اشْتِرَاطَهُمْ لَا يَجُوْزُ غَيرُ نَافِعٍ لَهُمْ وَلَا جَائِزٍ، وَهَذَا يَنْحُو نَحْوَ مَا قُلْنَاهُ قَبْلَهُ، لكِنَّ قَوْلَهُ: "بَعْدَ عِلْمِهِمْ أَنَّ ذلِكَ لَا يَجُوْزُ" غَيرُ صَحِيحٍ؛ لأنَّ أَهْلَ بَرِيرَةَ لَوْ عَلِمُوا بِذلِكَ لَمْ يَشْتَرِطُوْهُ، وَإِنَّمَا تَوَهَّمُوا أَنَّ ذلِكَ يَجُوْزُ لَهُمْ (¬4)، وَلَمْ يَتَحَقَّقُوا امْتِنَاعَهُ إلَّا بِخُطْبَتِهِ - صلى الله عليه وسلم -. ¬
(كتاب البيع)
(كِتَابُ البَيع) (¬1) [مَا جَاءَ فِي بيعِ العُرْبانِ] - قَوْلُهُ: "أنَّ رَسُوْلَ الله - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بيع العُرْبانِ (¬2)] [1]. يُقَالُ: عُرْبَانٌ، ¬
وعُرْبُوْنٌ، وأُرْبَان، وأَرْبُوْنُ (¬1)، ولا يُقَالُ (¬2): عَرَبُوْنَ -بِفَتْحِ الرَّاءِ-، وَلَا أَرَبُوْنَ ولا رَبُوْنَ، ويُقَالُ: عَرْبَنْتُ وأَرْبَنْتُ في السِّلْعَةِ، وَهِيَ مَكْسُوْرَةُ السِّين لَا غَيرُ، وَهُوَ اسمٌ يَقَعُ عَلَى كُلِّ مَا يُتجَرُ بِهِ، والجَمعُ سِلَعٌ مِثْل كِسرةٍ وكِسَرٍ. والسَّلْعَة -بِفَتْحِ السِّينِ-: الغُدَّةُ تكوْنُ في العُنُقِ (¬3)، وَجَمْعُهَا (¬4): سِلاعٌ، وسَلَعَاتٌ كجَفْنَةٍ وَجِفَانٍ وَجَفَنَاتٍ، ويُقَالُ: أَسْلَعَ الرَّجُلُ يُسْلِعُ إِسْلاعًا: إِذَا كَثُرَتْ سِلَعهُ. - وَقَوْلُهُ: "فِيمَا نُرَى" مَنْ جَعَلَهْ مِنْ أَرَيتُ ضَمَّ النُّوْنَ، وَمَن جَعَلَهُ مِن رَأَيت فَتَحَ النُّوْنَ. -[وَقَوْلُهُ]: "فَمَا أَعْطَيت لَكَ باطِلًا". نَصْبًا عَلَى الحَالِ. وَ"لَكَ" خَبَرُ المُبْتَدَأ، كَما تَقُوْلُ: المَالُ لَكَ مَوْهُوْبًا. وَرُويَ: "بَاطِلٌ" -بالرَّفْعِ- عَلَى خَبَرِ ¬
المُبْتَدَأ (¬1)، [تَقُوْلُ: المَا] لُ لَكَ مَوْهُوْبٌ (¬2) كَمَا تَقُوْلُ: المَالُ لَكَ مَوْهُوْبًا. - وَقَوْلُهُ: "فَلَا يَأحُذَنَّ" (¬3). يَجُوْزُ تَشْدِيدُ النُّوْنِ وَتَخْفِيفُهَا (¬4). - وَقَوْلُهُ: "أوْ نَاقص أوْ تَامُّ أوْ حَيٌّ أوْ مَيِّتٌ". كَذَا الرِّوَايَةُ، وَكَانَ الوَجْهُ أَنْ تكُوْنَ "أَمْ" مَذْكُوْرَةً في جَمِيعِهَا وَأَلفُ الاسْتِفهَامِ، وَهذَا مُوَضَّحٌ (¬5). - وَ [قَوْلُهُ: "أنْ يُقِيلَهُ"] يُقَالُ: أَقَالهُ البَيعَ (¬6)، هَذَا هُوَ المَشْهُوْرُ، وَحُكِيَ: قُلْتُهُ البَيعَ، وَهُوَ شَبِيه بالغَلَطِ، والمُبْتَاعُ -بِضَمِّ المِيمِ لَا غَيرُ. - وَ [قَوْلُه: "قَيلَ أنْ يَحِلَّ"]. يُقَالُ: حَلَّ يَحِلُّ -بكَسْرِ الحَاءِ في المُسْتَقْبَلِ-: إِذَا وَجَبَ، وَمِنْهُ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬7): {أَنْ يَحِلَّ عَلَيكُمْ غَضَبٌ} وَلَا ¬
[ما جاء في الشرط في مال المملوك]
يُقَال: حَلَّ يَحُلُّ -بِضمِّ الحَاءِ في المُسْتَقْبَلِ- إلَّا مِنَ النُّزُوْلِ في المَكَانِ. - وَقَولُهُ: "فَصَارَ أنْ (¬1) رَجَعَتْ" "أَنْ" مَعَ مَا بَعْدَهَا بِتَأْويلِ المَصْدَرِ، وَهِيَ هَهُنَا في مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى خَبَرِ "صارَ" كَأَنَّهُ قَال: فَصَارَ البَيعُ رُجُوع سِلْعَتِهِ إِلَيهِ. [مَا جَاءَ في الشَّرْطِ في مَالِ المَمْلُوْكِ] - قَوْلُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: "فَمَالُهُ (¬2) لِلْبائعٍ" [2]، . قَدْ يُضَافُ الشَّيءُ إِلَى الشَّيءِ عَلَى وَجْهِ الاتِّصَالِ والمُلابَسَةِ، لَا عَلَى مَعْنَى المِلْكِ يُقَالُ: هَذِه دَابَّةُ فُلانٍ السَّايِسُ، وَهَذِهِ سَفِينَةُ فُلانٍ النُوتِيُّ (¬3)، فَيُضافَانِ إِلَيهِمَا لِتَوَلِّيهِمَا خِدْمَتَهُمَا، وَقَال ابنُ عَبَّاسٍ لِبَعْضِ اليَمَانِيّةِ: لَكُمْ في السَّمَاءِ نَجْمُهَا، يَعْنِي سُهَيلًا، وَمِنَ الكَعْبَةِ رُكْنُهَا يَعْنِي اليَمَانِيَّة، وَمِنَ السُّيُوْفِ صَمِيمُهَا، يَعْنِي صمْصَامَةَ عَمْرِو بن مَعْدِي كَرِبٍ، وهَذِه الأمُوْرُ لَيسَتْ بِمِلْكٍ لأحَدٍ، ومِنْهُ [قَوْلُ اللهِ تَعَالى] (¬4). {ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي} وَلَا مَقَامَ للهِ، وَلَا هُوَ مِنْ صِفَاتِهِ، وإِنَّمَا المَقَامُ لِلْعَبْدِ، أَي: مَقَامَه عُنْدِي. - قَوْلُهُ: "إلَّا أنْ يَشْتَرِطَهُ" وَقَعَ في بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: "إلا أَنْ يَشْترطَ لِغَيرِهَا" وَفِي بَعْضُهَا بالهَاءِ، فَمَنْ رَواهُ بالهَاءِ قَال: الظَّاهِرُ مِنْهُ اشْتِرَاطُهُ كُلُّهُ؛ لأنَّ الضَّمِيرَ يَرْجِعُ إِلَى المَالِ كُلِّهِ بِلَفْظِ العُمُوْمِ، وَإِذَا لَمْ يَظْهَرِ الضَّمِيرُ لَم يَكنْ في ¬
الكَلامِ مَا يُوْجِبُ العُمُوْمِ فَاحْتَمَلَ الكُلَّ، واحْتَمَلَ البَعْضَ، وبِهَذَا تَعَلَّقَ ابنُ القَاسِمِ (¬1) في قَوْلهِ: لَا يَجُوْزُ اشْتِرَاط بَعْضِ المَالِ، وَإِنَّمَا يَجُوْزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَهُ كُلَّهُ أوْ يَدَعَهُ كُلَّهُ. وَمَن رَوَاهُ بِلا هَاءٍ قَال: الظّاهِرُ مِنْهُ أَنَّ للمُبْتَاعِ أَنْ يَشْتَرِطَهُ كُلَّهُ أَوْ بَعْضه، وَبِهَذَا تَعَلَّقَ أَشْهَبُ (¬2) في قَوْلهِ: إِنَّ لَهُ اشْتِرَاطُ الكُلِّ أَو البَعْضِ، وَمَا قَالُوْهُ غَيرُ لازِمٍ؛ لأنَّ العَرَبَ قَدْ تُخْرِجُ اللَّفْظَ مَخْرَجَ العُمُوْمِ وَمُرَادُهَا الخُصُوْصُ كقوله [تَعَالى] (¬3): {الَّذِينَ قَال لَهُمُ النَّاسُ} وَلَمْ يَقُلْ ذلِكَ جَمِيع النَّاسِ، ولا ¬
[ما جاء في العهدة]
جُمَعَ لَهُمْ جَمِيع النَّاسِ، وكَذلِكَ سُقُوْطُ الضَّمِيرِ لَا يُوْجِبُ حُكْمًا آخرَ غَيرَ حُكْمِ ظُهُوْرِهِ، أَلا تَرَى أَنَّ قوْلَكَ: لَقِيتُ إِخْوتكَ مُسَاوٍ لِقَوْلهِ: الَّذِينَ لَقِيتُهُم إِخْوتُكَ. وَقَوْلُهُ [تَعَالى] (¬1): {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا} مُسَاوٍ في المَعْنَى لِقَوْلهِ: بَعَثَهُ، فَإِذَا كَانَ هكَذَا، لَمْ يَكُنْ في ظُهُوْرِ الضَّمِيرِ وَلَا في سُقُوْطِهِ دَلِيل، وَكَانَ الأظْهَرُ يَجُوْزُ اشْتِرَاطُ الجَمِيع أَو البَعْضِ (¬2). [مَا جَاءَ فِي العُهْدَةِ] -[قَوْلُهُ: "في الأيَّامِ الثَّلاثَةِ"] [3]. إنَّمَا خَصَّ الثَّلاثَةَ في العُهْدَةِ؛ لأنَّ المَدِينَةَ كَثيرَةُ الحُمَّى، والحُمَّى الرَّبعُ تَتبَيَّنُ في ثَلاثٍ (¬3). والعُهْدَةُ: يُحْتَمَلُ أَنْ تكُوْنَ مُشْتَقَّةً مِنْ قَوْلهِمْ: في هَذَا الشَّيءِ عُهْدَةٌ؛ إِذَا كَانَ فِيهِ فَسَادٌ لَمْ يُحْكَمْ، وَلَمْ يُسْتَوْثَقْ مِنْهُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تكُوْنَ مُشْتَقَّةً (¬4) مِنَ العَهْدِ والمَعْهَدِ وَهُوَ المَوْثقُ، وَمَنْ تَعَهُّدِ الشَّيءِ وَتَعَاهُدِهِ، وَهُوَ تَفَقُّدُهُ والاحْتِفَاظُ بِهِ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلذِّمِّيِّ: مُعَاهِدُ بِكَسْرِ الهَاءِ وَفَتْحِهَا؛ لأنَّه أُعْطِيَ الأمَانَ واسْتَوْثقَ لِنَفْسِهِ. وَقَال الخَلِيلُ (¬5): العُهْدَةُ: كِتَابُ الشِّرَاءِ. ¬
[العيب في الرقيق]
[العَيبُ في الرَّقِيقِ] والرَّقِيقُ: اسْمٌ يَقَعُ (¬1) عَلَى العَبِيدِ المُسْتَرَقِّينِ وَاحِدُهُم وَجَمْعُهُم مُذَكَّرُهُم ومُؤَنَّثهم حَسَنُهُم وقَبِيحُهُم، يُقَالُ مِنْهُ: رَقٍّ الرَّجُلُ رِقًا فَهُوَ رَقِيقٌ كَمَا يُقَالُ: عَتَقَ فَهُوَ عَتِيقُ: إِذَا لَمْ يُجْرَ عَلَى الفِعْلِ، فَإِنْ أُجْرِيَ عَلَى الفِعْلِ قِيلَ: عَاتِقٌ، وَكَذلِكَ كَانَ يَجِبُ في اسْمِ الفَاعِلِ مِنْ رَقَّ أَنْ يُقَال: رَاقٌ، لكِنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ، وَإِنَّمَا يُقَالُ: رَقِيقٌ لِلوَاحِدِ والجَمِيع، وَيجْمَعُ أَرقَّاءَ. وَقَوْلُهُ: "رَقِيقٌ" أَرَادَ الجَمَاعَةَ وَلِذلِكَ أَنَّثَ، وَلَوْ أَرَادَ الجَمْعَ لَذَكَّرَ فَقَال: "وَجْهُ ذلِكَ" (¬2). وَمِثْلُهُ: [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬3): {وَإِذْ قَالتِ الْمَلَائِكَةُ} و {إِذْ قَالتِ الْمَلَائِكَةُ} ونَظِيرُ الرَّقِيقِ في كَوْنِهِ مَرَّةً جَمْعًا وَمَرَّةً وَاحِدًا: الصَّدِيقُ والرَّفِيقُ، قَال تَعَالى (¬4): {وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} وَقَال جَرِيرٌ (¬5): ¬
نَصبْنَ الهَوَى ثُمَّ ارْتَمَينَ قُلُوْبَنَا .... بِأَعْيُنِ أَعْدَاءٍ وَهُنَّ صَدِيقُ - وقَوْلُهُ: "باعَنِي عَبْدًا" [4]. مَعْنَاهُ: بَاعَ مِنِّي عَبْدًا، وَلَكنَّ العَرَبَ تَتْرُكَ ذِكْرَ "مِنْ" اخْتِصارًا وَهُوَ أَكْثَرُ كَلامِهَا، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالى (¬1): {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ}. - وقَوْلُهُ: "فَيؤاجِرُهُ". الوَجْهُ فِيهِ الهَمْزُ، وأَكْثَرُ اللُّغَويِّينَ يُنْكِرُ تَرْكَ الهَمْزِ؟ لأنَّهُ يُفَاعِلُ مِنَ الأجْرِ. وحَكَى الأخْفَشُ أَنَّ تَخْفِيفَ الهَمْزَةِ لُغَةٌ لِبَعْضِ العَرَبِ (¬2). - و [قَوْلُهُ: "أو الغَلَّةِ"]. الغَلَّةُ- بِفَتْحِ الغَينِ لَا غَيرُ، يُقَالُ مِنْهُ: أَغلَّتِ الأرْضُ فَهِيَ مُغِلَّةٌ [قَال الرَّاجِزُ: ] (¬3) قَدْ جَاءَ سَيلُ جَادَ مِنْ أَمْرِ لَّهْ ... يَحْرِدُ حَرْدَ الجَنَّةِ المُغِلِّهْ وَمَنْ قَال: "الغِلَّةِ" بِكَسْرِ الغَينِ فَقَدْ أَخْطَأَ. ¬
[ما يفعل في الوليدة إذا بيعت ... ]
[مَا يَفْعَلُ في الوَلِيدَةِ إِذَا بِيعَتْ ... ] - ذَكَرَ قَوْلَ ابنِ عُمَرَ: "لَا يَطَأ الرَّجُلُ وَلِيدَةً إلَّا وَلِيدَةً إنْ شَاءَ باعَهَا ... الحَدِيثُ" [6]. ظَاهِرُهُ إِنَّمَا نَهَى عَنِ الوَطْءِ لا عَنِ الشِّرَاءِ، وَيَجُوْزُ لِمَنْ لَمْ يُجِزِ الشِّرَاءِ أَنْ يَقُوْلَ: إِنَّ الشَّيئَينِ إِذَا تَعَلَّقَ أَحَدُهُمَا بالآخِرِ تَعَلُّقَ السَّبَبِ بالمُسَبَّبِ والأشْيَاءُ المُتَلازِمَةِ فَرُبَّمَا أَوْقَعَتِ العَرَبُ الشَّيءَ عَلَى أحَدِهِمَا والمُرَادُ النَّهْيُ عَنْهُمَا جَمِيعًا (¬1)، كَأَنَّهُ قَال: لَا يَكُوْنُ مِنكمْ سُؤَالٌ فَيَكُوْنُ إِلْحَافٌ، وإِثْبَاتُ السُّؤَالِ الَّذِي لَا إِلْحَافَ فِيهِ، وَلكِنَّهُ نَفَاهُمَا جَمِيعًا كَأَنَّهُ قَال: لَا يَكُوْنُ مِنْكُمْ سُؤَالٌ فَيَكُوْنُ إِلْحَافٌ (1). [مَا جَاءَ في ثَمَرِ النَّخُلِ يُباعُ أصْلُهُ] -[قَولُهُ: "مَنْ باعَ نَخلًا قَدْ أبِّرَتْ فَثَمَنُهَا لِلْبائعِ"] [9]. أَبْرُ النَّخْلِ: هُوَ تَلْقِيحُهَا، يُقَالُ: أَبَرَ النَّخْلَ يَأبُرُهُ وَيَأبِرُهُ أَبْرًا، وأَبَارًا، وأَبَّرَهُ تَأبيرًا (¬2)، ويُسْتَعْمَلُ ذلِكَ في سَائِر الثِّمَارِ والزَّرْعِ وَلَا يُخَصُّ بِهِ النَّخْلُ دُوْنَ غَيرِهِ، والآَبِرُ: هُوَ المُلَقِّحُ، والمُوْتَبِرُ: هُوَ الَّذِي يَسْتَدْعِي إِلَى تَوْبِيرِ نَخْلِهِ (¬3)، ورُبَّمَا اسْتُعِيرَ الأبْرُ في كُلِّ شَيءٍ مُصْلَحٍ وإِنْ لَمْ يَكُنْ شَجَرًا وَلَا زَرْعًا، وَلِذلِكَ قَال الأصْمَعِيُّ: في تَأْويلِ قَوْلِ النَّبيِّ - عليه السلام - (¬4): "خَيرُ ¬
المَالِ سِكَّةُ مَأبُوْرَةٌ، أوْ مُهْرَةٌ مَأمُورَةُ" -إِنَّ المُرَادَ بالسِّكَةِ هاهُنَا السّكَّةُ الَّتِي يُحْرَثُ بِهَا الأرْضُ وَمَأْبُوْرَةٌ: مُصْلَحَةُ لِلْحَرْثِ، وأَمَّا أَبُو عُبَيدٍ (¬1) فَقَال: السِّكَّةُ: السَّطْرُ مِنَ النَّخْلِ، وَكُلُّ شَيءٍ مُصْطَفٌ مِنَ الثَّمَرِ أَوْ دُوْرٍ أَوْ حَوَانِيتٍ فَهُوَ سِكَّةٌ، والمَأْمُوْرَةُ: الكَثيرَةِ الوَلدِ. وَمَعْنَى تَلْقِيحُ النَّخْلِ: أَنَّ فِيهَا ذُكْوْرًا وإناثًا، فَيُؤخَذُ مِنْ طَلْعِ الذَّكَرِ فَيُدْخَلُ بَينَ طَلْعِ الإنَاثِ فَيُصْلُحُ حَمْلُهَا وَلَا يَفْسُدُ، وَإِذَا لَمْ يُفْعَلْ ذلِكَ لَمْ يُنْتَفَعْ بِحَمْلِ النَّخْلَةِ، ويُقَالُ لِلذَّكَرِ الَّذِي يُلَقَّحُ بِهِ: الفُحَّالُ (¬2) وَلِطَلْعِهِ: الضِّبَابُ، والإغْرِيضُ، والوَليع، قَال الشَّاعِرُ (¬3): ¬
يُطِفْنَ بِفُحَّالٍ كَأَنَّ ضِبَابَهُ ... بُطُوْنُ المَوَالِي يَوْمَ عِيدٍ تَغَدَّتِ ورُبَّمَا قِيلَ لَهُ: فَحْلٌ (¬1) كَمَا يُقَالُ في الحَيَوَانِ، وَهُوَ قَلِيلٌ. وَذَكَرَ مَنْ أَعْسَى (¬2) النَّخْلَ أَنَّ الفُحَّال رُبَّمَا قَابَلَ اتِّجِاهَ الأُنثَى وَكَانَ في مَوْضِع يَتَّصِلُ بِهَا نَسِيمُ الرِّيحِ الهَابَّةِ عَلَيهِ، فَتَصْبُوا إِلَيهِ كَمَا تَصْبُوا المَرْأةُ إِلَى الفَحْلِ، فَلَا (¬3) يَنْفَعَهَا تَلْقَحُ إلَّا مِنْهُ. وَكَذلِكَ تَلْقِيحُ التِّينِ، فَإِنَّ فِيهَا ذُكُوْرًا وَإنَاثًا كَمَا في النَّخْلِ، وَمِنْهَا مَا لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَلْقِيحٍ، وَهَذَا الصِّنْفُ مِنَ الثِّمَارِ بِمَنْزِلَةِ المَرْأَةِ الَّتِي لا تَرْغبُ في الرِّجَالِ. وأَمَّا الزُّرُوْعُ ونَحْوُهَا مِمَّا لَا يُعْلَمُ لَهُ ذَكَرٌ ولا أُنْثَى فَإِنَّ مَعْنَى الأَبارِ فِيهِ والتَّلْقِيحِ هُوَ ظُهُوْرُ صَلاحِهِ وانْعِقَادِ ثَمَرِهِ، وأَنْ يَصِلَ في حَدٍّ تُؤْمَنُ عَلَيهِ الآفَاتُ. واشْتِقَاقُ التَّلْقِيحِ مِنْ قَوْلهِمْ: لَقَحَتِ النَّاقَةُ: إِذَا حَمَلَتْ، وأَلْقَحَهَا الفَحْلُ، ولَقَّحَهَا صَاحِبُهَا تَلْقِيحًا: إِذَا حَمَلَ عَلَيهَا، وَلِذَا قَالُوا: أَلْقَحَتِ الرِّيحُ السَّحَابَ: إِذَا جَمَعَتْهُ وحَرَّكَتْهُ حَتَّى يُمْطِرَ قَال تَعَالى (¬4): {[وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ] لَوَاقِحَ}. الحُكْمُ في الثَّمَرِ لِمَنْ أبَّرَ قَدْ كَانَ مَعْرُوْفًا في الجَاهِلِيّةِ، وَكَانَ ذلِكَ مِنْ ¬
بَقَايَا كُتُبِ الأنْبيَاءِ، يُرْوَى أَنَّ مَالِكَ بنَ العَجْلان الأنْصَارِيَّ (¬1) كَانَ يُتحِفُ أَبَا جُبَيلَةَ المَلِكَ (¬2) عِنْدَ نزوْلِهِ بهِمْ بِتَمْرِ نَخْلَةٍ شَرِيفَةٍ كَانَتْ، فَغَابَ مَالِكٌ يَوْمًا فَقَال أَبُو جُبَيلَة: جُدُّوْهَا فَإِنَّ مَالِكًا قَدْ أَتْحَفَنَا بِتَمْرِهَا مَرَّةً، فَجَدَّهَا، فَلَمَّا جَاءَ مَالِكٌ أُخْبِرَ بِذلِكَ فَجَاءَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى أَبِي جُبَيلَةَ وأَنْشَدَ: جَدَدْتَ جَنَي نَخْلَتِي طَالِبًا ... وَكَانَ الثِّمَارُ لمَنْ قَدْ أَبَرْ ¬
[النهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها]
فَلَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ [- صلى الله عليه وسلم -] إِلَى المَدِينَةِ أَخْبَرَتْهُ الأنْصَارُ بِهَذَا الخبَرِ فَقَال [النَّبِيُّ]- صلى الله عليه وسلم -: "صَدَقَ، والثِّمَارُ لِمَنْ أَبر إلَّا أَنْ يَشْتَرِطُهُ المُشْتَرِي" (¬1). [النَّهْيُ عَنْ بيع الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاحُهَا] - وَ [قَوْلُهُ: "لَا يَبِيع ثِمَارَهُ حَتَّى تَطْلُعَ الثُريَّا"] [13]. مَعْنَى طُلُوع الثُّرَيَّا طُلُوْعُهَا بالغَدَاةِ في الحَرِّ، وَبالعِشَاءِ في البَرْدِ، وذلِكَ لِثَلاثَ عَشْرَةَ تَخْلَى مِنْ شَهْرَا مايه، ولِذلِكَ قَال سَاجِعُ العَرَبِ (¬2): "طَلَعَ النَّجْمُ غُدَيَّهْ، وابْتَغَى الرَّاعِي شُكَيَّهْ" [شُكَيَّةٌ]: تَصْغِيرُ شَكْوَةٍ، وَهِيَ القِرْبَةُ، يُرِيدُ: إِنَّ الرَّاعِي يَتَّخِذُ قُرْبَةً يَحْمِلُ فِيهَا المَاءَ؛ لأنَّ المِيَاهَ في ذلِكَ الوَقْتِ تَقِلُّ في بِلادِ العَرَبِ (¬3). وَقَال السَّاجِعُ -في طُلُوْعِهَا في فَصْلِ البَرْدِ عِنْدَ العِشَاءِ- (¬4): "طَلَعَ النَّجْمُ عِشَاءً وابْتَغَى الرَّاعِي كِسَاءً". ¬
والنَّجْمُ: اسمٌ للثُّرَيَّا مَخصُوْصٌ بِهَا، يُقَالُ: طَلَعَ النَّجمُ وَغَابَ النَّجْمُ يَعْنُوْنَ الثُّريَّا (¬1). ورَوَوَى قَاسِمُ بنُ أَصْبَغَ (¬2)، عَنِ ابنِ وَضَّاحٍ، عَنْ ابنِ أبي شَيبَةَ، عَنْ عَفَّانَ، عَنْ وَهْبٍ قَال: (أَنَا) عِسْلُ (¬3) بنُ سُفْيَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال (¬4): "مَا طَلَعَ النَّجْمُ صُبْحًا قَطُّ وتَقُوْمُ عَاهَةُ إلَّا رُفِعَتْ أوْ خَفَّتْ"، وَمِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنْ عِسْل، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا طَلَعَ النَّجْمُ قَطُّ وَفِي الأرضِ شَيءٌ مِنَ العَاهَةِ إلَّا رُفِع" وَهَذَا عَلَى الخُصُوْصِ في الثِّمَارِ والنَّبَاتِ؛ لأنَّ العَرَبَ كَانَتْ تَقُوْلُ: مَا بَينَ طُلُوع الشَّمْسِ وغُرُوْبِهَا أَمْرَاضٌ وَوَبَاء وَعَاهَاتٌ في النَّاسِ والحَيَوَانِ، ولذلِكَ قَال طَبِيبُ ¬
العَرَبِ (¬1): اضْمَنُوا لِي مَا بَينَ مَغِيبِ الثُّريَّا وطُلُوْعِهَا أضْمَنُ لَكُمِ سَائِرَ السَّنَةِ، وَكَانُوا يَقُوْلُوْنَ: غَرْبُهَا أعْوَهُ مِنْ شَرْقِهَا، ويُرْوَى: "أَعْيَهُ" أَي: أَشَدُّ عَاهَةً. وَكَتَبَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ إِلَى الحَجَّاجِ بنِ ذُؤَيبٍ عَامِلُهُ: إِذَا طَلَعَتِ الثُّرَيَّا فَقَدْ حَلَّ بَيع النَّخْلِ. قَال الأصْمَعِيُّ: إِنَّمَا قَال ذلِكَ لأنَّ الثُّرَيَّا لَا تَطْلُعُ إلا عَلَى حَمْرَاءَ أَوْ صَفْرَاءَ (¬2) مِنَ البُسْرِ، يُرِيدُ: أَنَّ النَّخْلَ يُزْهِي حِينَئِذٍ، وَمَعْنَى إِزْهَائِهِ وَزَهْوهِ: ظُهُوْرُ الحُمْرَةِ فِيهِ والصُّفْرَةِ. -[قَوْلُهُ: "والأمْرُ عِنْدَنَا في بيعِ البِطِّيخِ والقِثَّاءِ والخِرْبِزِ والجَزَرِ"]. الخِرْبِزُ: نَوع مِنَ البَطِّيخِ (¬3)، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ كُلَّ بِطيخٍ خِرْبِزًا، وكَلامُ مَالِكٍ يَقْتَضِي أَنّه لَيسَ البِطِّيخَ نَفْسَهُ، وَلِذلِكَ عَطَفَ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ، وَلَوْ كَانَا عِنْدَهُ نَوْعًا وَاحِدًا لاكْتفى بِذِكْرِ أَحَدِهِمَا، ويُقَالُ: طبِّيخٌ وبِطِّيخ بِكَسْرِ البَاءِ لَا غَيرُ، وقِثَّاءُ وقُثَّاءُ بِضَمّ القَافِ، وَتَخْفِيفِ الثَّاءِ (¬4)، وَقَرَأَ يَحْيَى بنُ يَعْمُرَ (¬5): ¬
[ما جاء في بيع العرية]
{وَقِثَّائِهَا} هو بِضَمِّ القَافِ. - ويُقَالُ: جِزَرٌ بِكَسْرِ الجِيمِ، وَجَزَرٌ، وَهِيَ الإسْفِنَارِيَّةُ (¬1) وتُسَمَّى الأسطفلين، وَهِيَ لُغَة شَامِيّة. [مَا جَاءَ فِي بَيعِ العَرِيَّة] والعرية: النَّخْلَةُ يُعْطِيهَا الرَّجُلُ الفَقِيرَ (¬2)، قَال سُوَيدُ بنُ صَامِتٍ ¬
الأنْصَارِيُّ (¬1): أَدِينُ وَمَا دَيِني عَلَيكُمْ بِمَغْرمٍ ... وَلكِنْ عَلَى الشُمِّ الجِلادِ القَوَادحِ عَلَى كُلِّ خَوَّارٍ كَأَنَّ جُذُوْعَهَا ... طُلِينَ بِقَارٍ أَوْ بِحَمْأةِ مَائِحِ وَلَيسَتْ بِسَنْهَاءَ وَلَا رُجَّبِيَّةٍ ... وَلكِنْ عَرَايَا في السِّنِينِ الجَوَائِحِ أَنْشَدَهُ أَبُو عُمَرَ النَّحْويُّ (¬2): * وَلكِنْ عَرَايَا في السِّنِينِ المَوَاحِلِ * ¬
[الجائحة في بيع الثمار والزرع]
وهُوَ غَلَطٌ (¬1). -[وَقَوْلُهُ: "بِخِرْصِهَا"] [14]. الخِرْصُ: بِكَسْرِ الخَاءِ هُوَ الصَّوَابُ، وَكَذَا رَوَينَا. - وَ [قَوْلُهُ: يُتَحَرَّى] مَعْنَى يُتَحَرَّى: أَي: يُقْصَدُ [ ... ] (¬2). [الجَائِحَةُ في بَيعِ الثِّمَارِ والزَّرْعِ] -[قَوْلُهُ: "تَأَلَّى أنْ لَا يفعَلَ"] [151]. مَعْنَى تَألَى: حَلَفَ، ويُقَالُ لِلْيَمِينِ أَلوَةٌ، وَإِلْوَةٌ، وَأُلْوَةٌ (¬3). - وَ [قَوْلُهُ: "الثُّلُثُ فَصَاعِدًا"، [16]. الصَّاعِدُ: الزَائِدُ، وَهُوَ مَنْصُوْبٌ عَلَى الحَالِ، والعَامِلُ فِيهِ مُضْمَرٌ تَقْدِيرُهُ: الثُّلثُ فَمَا ذَهَبَ صَاعِدًا، أَوْ فَمَا صعَدَ صَاعِدًا. [مَا يُكْرَهُ مِنْ بيعِ التَّمْرِ] وَذَكَرَ حَدِيثَ مَالِكٍ، عن عَبْدِ اللهِ بنِ يَزِيدِ، عَن زَيدٍ أَبِي عَيَّاشٍ، فَقَال. ظَنَّ قَوْمٌ أَنّه عَبْدُ الله بنُ يَزِيدَ بنِ هُرْمُزَ الفَقِيهُ، وَلَيسَ كَذلِكَ (¬4)؛ لأنَّ ابنَ هُرْمُزَ لَمْ ¬
يَرْو عَنْهُ مَالِكٌ في "مُوَطَّنِهِ" حَدِيثًا وَلَا مَسْأَلةً؛ لأنَّه حُرِّجَ عَلَى مَالِكٍ وَغَيرِهِ أَنْ يُحَدِّثُوا عَنْهُ بِشَيءٍ مِنْ رِوَايَتِهِ أَوْ رَأيِهِ، وإِنَّمَا المَذْكُوْرُ عَبْدُ اللهِ بنُ يَزِيدَ، مَوْلَى الأسْوَدِ بنِ سُفْيَانَ (¬1). وَزَيدُ بنُ عَيَّاشٍ، أَبُو عَيَّاشٍ الزُّرَقِيُّ، ويُقَالُ: المَخْزُوْمِيُّ المَدَنِيُّ سَمِعَ سَعِيدًا. قَال ذلِكَ الحَاكِمُ. والبَيضَاءُ المَذْكُوْرَةُ في حَدِيثِ سَعْدٍ [22]، هِيَ الشَّعِيرُ، جَاءَ ذلِكَ مُعْتبَرًا في حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بنِ أُمَيَّةَ (¬2) عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ يَزِيدَ، وَرَوَاهُ أَشْهَبُ، وابنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ. وقِيلَ: البَيضَاءُ: هِيَ المِصْرِيَّةُ، وَهِيَ المَحْمُوْلَةُ إِلَى المَدِينَةِ. والسَّمْرَاءُ: هِيَ الشَّامِيّةُ. وَقِيلَ: البَيضَاءُ: الذُّرَةُ. وقِيلَ: هِيَ صِنْفُ مِنْ قَمْحٍ ¬
[ما جاء في المزابنة والمحاقلة]
طَيِّبٍ، والصَّحِيحُ أَنّهَا الشَّعِيرُ. -[قَوْلُهُ: "فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ"] [21]. الجَنِيبُ: نَوع مِنَ التَّمْرِ طَيِّبٌ (¬1)، والجَمْعُ: نَوعٌ في رَدِيئِهِ. [مَا جَاءَ فِي المُزَابنَةِ والمُحَاقَلَةِ] المُزَابَنَةُ: المُدَافَعَةُ والمُغَالبَةُ، يُقَالُ: زَابَنَ الرَّجُلُ صاحِبَهُ مُزَابَنَةً: إِذَا دَافَعَهُ، وتزَابَنَ الرَّجُلانِ: إِذَا تَدَافَعَا وتَخَاصَمَا، وسُمِّيَ هَذَا النَوع مِنَ البَيع مُزَابَنَةً، لِما فِيهِ مِنَ المُخَاصَمَةِ والمُدَافَعَةِ؛ لأنَّ المَقْهُوْرَ إِذا ظَهَرَ إِلَيهِ أَنه مَغْلُوْبٌ أَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ الأمْرَ عَنْ نَفْسِهِ، وأَرَادَ القَاهِرُ اقْتِضَاءَ مَا وَقَعَ عَلَيهِ مِنَ العَقْدِ، فَتزابَنَا وتَخَاصَمَا، كَمَا يَفْعَلُ المُتبَايِعَانِ بالرُّطَبِ للتَّمر. وزبَنْتِ النَّاقَةُ: إِذَا ضَرَبَتِ الحَالِبَ بِرِجْلِهَا عِنْدَ الحَلْبِ، وَحَرْبٌ زبُوْنٌ؛ لأنَّهَا تَزْبِنُ النَّاسَ عَنْ نَفْسِهَا فَيَفِرُّوْنَ عَنْهَا كَمَا تَزْبِنُ النَّاقَةُ، أَوْ لأنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ المُتَحَارِبَينِ يَزْبِنُ صَاحِبَهُ عَنْ نَفْسِهِ، أَي: يَدْفَعُهُ فنسِبَ الزَّبْنُ إِلَى الحَرْبِ، وإِنَّمَا المُرَادُ أَهْلُهَا؛ إِذْ كَانَ الزَّبْنُ إِنَّمَا وَقَعَ فِيهَا وَمِنْ أَجْلِهَا، كَمَا قَال [تَعَالى] (¬2): {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16)} إِنَّمَا الكَاذِبُ الخَاطِئُ صَاحِبُهَا، وَمِثْلُهُ قَوْلُ الهُذَلِيِّ: (¬3) ¬
* في لَيلَةٍ مَزْؤُوْدَةٍ ... * (¬1) فَنَسَبَ الزَّأْدَ إِلَى اللَّيلَةِ والمُرَادُ مَنْ فِيهَا، فَعَلَى هَذَا يُسْتَعْمَلُ اسمُ المُزَابَنَةِ مَا نَصَّ عَلَيهِ الرَّاوي لِلْحَدِيثِ، وَمَا نَصَّ عَلَيهِ مَالكٌ في المُقَامَرَةِ والمُخَاطَرَةِ، ونَقْلُ التَّسْمِيَةَ مِنْ مُسَمَّى إِلَى مُسَمَّى آخَرَ لاتِّفَاقِهِمَا في المَعْنَى جَائِزٌ لَا وَجْهَ لإنكارِهِ، وَإِذَا وَجَدْنَا الأسْمَاءَ تُنْقَلُ في الشَّرِيعَةِ عَنْ مَوْضُوْعِهَا في اللُّغَةِ إِلَى مَعَانٍ لَا يَعْرِفُهَا العَرَبُ كَانَ نَقْلُ الاسْمِ إِلَى مَا هُوَ مَعْرُوْفٌ عِنْدَهَا، وَغَيرِ نَاقِضِ لِشَيءٍ مِنَ الشَّرِيعَةِ أَحَقَّ. -[قَوْلُهُ: "نَهَى عَنِ المُزَابنَةِ والمُحَاقَلَةِ"] [24، 25]. في المُحَاقَلَةِ ¬
ثَلاثَةُ أَقْوَالٍ: قِيلَ: هِيَ بَيع الزَّرْعِ في سُنبُلِهِ بالحُنْطَةِ. وَقِيلَ: كِرَاءُ الأرْضِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنَ الطَّعَامِ. وَقِيلَ: هِيَ مِثْلُ المُخَابَرَةِ، وَهِيَ المُزَارَعَةُ عَلَى جُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنَ الأرْضِ، وَهَذَا القَوْلُ أَشْبَهُ بِطَرِيقِ اللُّغَةِ؛ لأنَّهَا مَأَخُوْذَةٌ مِنَ الحَقْلِ وَهُوَ القَرَاحُ، ويُقَالُ لَهُ: المَحْقِلُ (¬1). - وَ [قَوْلُهُ: "بيعُ الثَّمْرِ بالتَّمْرِ كيلًا"] [23].الثَّمَرُ: بِثاءٍ مُثلَّثَةٍ، يَقَعُ عَلَى مَا كَانَ رَطْبًا غَيرَ يَابِسٍ في رُؤُوْسِ النَّخْلِ. والتَّمْرُ -بِتَاءٍ مُثنَّاةٍ- يَقَعُ عَلَى مَا قَدْ يَبُسَ. يُقَالُ: تَمَّرْتُهُ تَتْمِيرًا: إِذَا يَبَّسْتَهُ وتَمَّرْتُ اللَّحْمَ: إِذَا قَدَّدْتُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ في كِتَابِ الزَّكَاةِ شَيءٌ مِنْ هَذَا. - و [قَوْلُهُ: "يكُوْنُ لَهُ الطَّعَامُ المُصَبَّرُ (¬2) "] [25] المُصَبَّرُ: هُوَ المَجْمُوع في مَكَانٍ والمُكَدَّسُ الصُّبْرَةُ، (3) وجَمْعُ صُبْرَةٍ صُبَرٌ وصِبَارٌ كَبُرْمَةٍ [وبُرَمٍ] وبِرَامٍ (¬3). - وَ [قَوْلُهُ: ] "الخَبَطَ"-بِفَتْحِ البَاءِ- وَرَقُ الشَّجَرِ يُخْبَطُ فَينْتَثِرُ متَعْلَفُهُ الإبِلُ. ¬
[جامع بيع الثمر]
- وَ [قَوْلُهُ]: "القَضْبُ ... " (¬1) بِجَزْمِ الضَّادِ لَا غَيرُ. - وَ (قَوْلُهُ: العُصْفُرُ". عَلَى مِثَالِ جُلْجُلٍ. - وَ [قَوْلُهُ: ] "الكَتَّانُ" (¬2). مَفْتُوْحُ الكَافِ لَا غَيرُ. - وَ [قَوْلُهُ: الكُرْسُفُ"]. الكُرْسُفُ: القُطنُ [ ... ]. -[وَقَوْلُهُ: "اضْمَنُ"]. يُقَالُ: ضَمِنَ يَضْمَنُ بِكَسْرٍ لَا غَيرُ (¬3). - وَ [قَوْلُهُ: "مِنْ كَذَا وَكَذَا رِطْلًا"]. رِطْلٌ وَرَطِلٌ لَا غَيرُ (¬4)، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الرَّطِلَ بِفَتْحِ الرَّاءِ. - وَ [قَوْلُهُ: "أوْ ضَارَعَهُ"]. مَعْنَى المُضَارَعَةِ: المُشَابَهَةُ والمُمَاثَلَةُ. [جامَعُ بَيع الثَّمَرِ] - وَقَوْلُهُ: "بيعُ الكَرْمِ بالزَّبِيبِ". أَي: عِنَبُ الكَرْمِ فَحَذَفَ المُضَافَ. ويَجُوْزُ أَنْ يُسَمَّى العِنَبُ كَرْمًا؛ لأنَّه مِنَ الكَرْمِ يَتكَوَّنُ. - وَ [قَوْلُهُ: "الرُّطَبُ يُسْتَجْنَى"] [26]. الرُّطَبُ مِنَ التَّمْرِ: مَا تناهَى طِيبُهُ. والرُّطْبُ -بِضَمِّ الرَّاءِ وسُكْوْنِ (¬5) الطَّاءِ- النَّبَاتُ الأخْضَرُ خَاصَّةً. والرَّطْبُ: ضِدُّ اليَابِسِ مِنْ كُلِّ شَيءٍ. ¬
ويُقَالُ: جَنَيتُ الشَّجَرَ واسْتَجْنَيتُهُ بِمَعْنًى، إلا أَنَّ اسْتَجْنَيتُهُ يُرَادُ بِهِ التَّكثيرَ، وأَكْثَرُ مَا يُقَالُ: اسْتَجْنَيتُهُ بِمَعْنَى سَألتُهُ أَنْ يَجْنِيَ الثَّمَرَ أَوْ يُبِيحُ لِي أَنْ أَجْنِيَهُ. - وَ [قَوْلُهُ: "وَقَدْ نَهَى عَنِ الكَالِئِ بالكَالِئِ"]. كَانَ الأصْمَعِيُّ لَا يَهْمِزُ الكَالِي (¬1) ويَحْتَجُّ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ: وَإِذَا تَبَاشَرَكَ الهُمُوْ ... مُ فَإِنَّهَا كَالٍ وَنَاجِزْ وهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لأنَّه جَاءَ عَلَى لُغَةِ مَنْ يُخَفِّفُ الهَمْزَةَ، وَكَانَ أَبُو عُبَيدَةَ يَهْمِزُ ويَحْتَجُّ بِقَوْلِ الرَّاجِزِ: * وَعَينُهُ كَالكَالِئِ الضِّمَارِ (¬2) * والعَرَبُ تَقُوْلُ: تَكَلَّأتُ كَلاءَة: إِذَا أَخَذْتَ بالنَّسِيئَةِ، وَكَلأَكَ اللهُ [أَي]: حَفِظَكَ وَكَلأَ الشَّيءُ: إِذَا بَلَغَ غَايَتَهُ وَمُنْتَهَاهُ، قَال الشَّاعِرُ (¬3): ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
تَعَفَّفْتُ عَنْهَا في العُصُوْرِ الَّتِي خَلَتْ ... فَكَيفَ التَّصَابِي بَعْدَ مَا كَلأَ العُمْرُ - وَ [قَوْلُهُ: "وَلَا يَحِلُّ فِيه تَأخِيرُ وَلَا نَظِرَةٌ"]. النَّظِرَةُ: التَّأخِيرُ. - وَ [قَوْلُهُ: "مِنَ العَجْوةِ والكَبِيسِ والعِذْقِ"]. العَجْوَةُ: التَّمْرُ الأسْوَدُ. والكَبِيسُ: تَمْرٌ فِيهِ شِدَّةُ وَصَلابَةٌ. وَالعَذْقُ: النَّخْلَةُ بِنَفْسِهَا، والعِذْقُ العُنْقُوْدُ مِنْهَا (¬1)، والَّذِي أَرادَ مَالِكٌ -ههنَا- نوعٌ مِنَ التَّمْرِ يُقَالُ لَهُ: عِذْقُ بنُ حُبَيقٍ (¬2). - وَقَوْلُهُ: "إِنْ كَانَ أَخَذَ ثُلُثَي دِينارٍ رُطَبًا". كَذَا الرِّوَايَةُ، وأَصْلُهُ بِثلُثَي دِينَارٍ فَحَذَفَ حَرْفَ الجَرِّ اخْتِصَارًا كَمَا قَال (¬3): ¬
* أَمَرْتُكَ الخَيرَ .. * وَمِنْهُ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬1): {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} أَي: تُؤْمَرُ بِهِ. - وَ [قَوْلُهُ: "أَنْ يُكْرِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ رَاحِلَتَهُ بِعَينِهَا"]. الرَّاحِلَةُ: النَّاقَةُ الَّتِي يُسَافَرُ عَلَيهَا؛ سُمِّيَت رَاحِلَةً لأنَّهَا تَرْحَلُ بِصَاحِبَهَا. وَقِيلَ: لأنَّهَا يُرْحَلُ عَلَيهَا، أوْ لأنَّهَا تُرْحَلُ، أَوْ يُوْضَعُ عَلَيهَا الرَّحْلُ، والرَّحْلُ لَهَا كَالسَّرْجِ لِلْفَرَسِ، وَكَانَ الوَجْهُ أَنْ يَقُوْلَ: مَرْحُوْلَةٌ ومُرْحَلٌ عَلَيهَا، وَلكِنَّهَا جَاءَتْ عَلَى مَعْنَى النَّسَبِ كَعِيشَةٍ رَاضِيَةٍ. وَ"الكِرَاءُ" مَمْدُوْدٌ لَا يُقْصَرُ (¬2)، يُقَالُ: كَارَى يُكَارِي مُكَارَاةَ وكِوَاءٌ، فَإِنْ نَسَبَ الفِعْلَ إِلَى وَاحِدٍ قِيلَ: أَكْرى يُكْرِي. - وقَوْلُهُ: "في رَاحِلَتِكَ فُلانَةِ" الرِّوَايَةُ والمَعْرُوْفُ أنْ يُقَال في الكِنَايَةِ عَن مَا لَا يَعْقِلُ: الفُلانُ والفُلانةُ بالألِفِ واللَّامِ، رَكِبْتُ الفُلانَ ورَحَلْتُ الفَلانَةَ؛ إِذَا كَنَّيتَ عَنْ نَاقَةِ أَوْ جَمَلٍ، هَذَا قَوْلُ الأصْمَعِيِّ وغَيرِهِ (¬3). ¬
- وَ [قَوْلُهُ: "ويَنْقُدُ أثْمَانَهَا"]. يُقَالُ: نَقَدْتُهُ الثَّمَنَ أَنْقُدُهُ كَرَزَقْتُهُ أَرْزْقُهُ. - وَ [قَوْلُهُ: "فَإنْ] حَدَثَ بِهَا حَدَثٌ". مَفْتُوْحَةُ الدَّالِ، ولا يُقَالُ بِضَمِّهَا إلَّا إِذَا ذُكِرَ "قَدُمَ" فَحِينَئِذٍ تُضَمُّ الدَّالُ فَيُقَالُ: أَخَذَ مَا قَدُمَ وَمَا حَدُثَ لِلاتْبَاعِ كَقَوْلهِم (¬1): "إِنِّي لآتِيةِ بالغَدَايَا والعَشَايَا". وَلَا تُجمع "غُدْوَةٌ" عَلَى غَدَايَا إلَّا إِذَا ذُكِرَ مَعَ العَشَايَا. - وَقَوْلُهُ: " [يكُوْنُ] ضَامِنًا". أَي: ثَابِتًا، وَقِيلَ: مَضْمُوْنًا كَمَا قِيلَ: مَاءٌ دَافِقٌ بِمَعْنَى مَدْفُوْقٍ. ¬
[بيع الذهب بالفضة تبرا وعينا]
[بيعُ الذَّهَبِ بالفِضَّةِ تِبْرًا وعَينًا] -[قَوْلُهُ: "وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ"] [30]. يُقَالُ: شَفَّ الشَّيءُ عَلَى الشَّيءِ: إِذَا زَادَ، وأَشْفَفْتُ الشَّيءَ على الشَّيءِ: إِذَا فَضَّلْتَهُ عَلَيهِ، وَلِهَذَا عَلَى هَذَا شُفُوْفٌ؛ أَي: مَزِيَّةٌ وفَضْلٌ، ويُقَالُ لِلرِّبْحِ في السِّلْعَةِ: شِفٌّ -بِكَسْرِ الشِّينِ-، وَقَدْ شَفَّ في سِلْعَتِهِ شَفًا - بِفَتْحِ الشَّين-: إِذَا رَبِحَ [فِيهَا]، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ الشَّفُّ بِمَعْنَى النُّقْصَانِ وهو الأضْدَادِ (¬1). - وَ [قَوْلُهُ: "أَنْ يَبِيعَا آنِيةً مِنَ المَغَانِمِ"، [28]. الآنِيَةُ: جَمْعُ إِنَاءٍ، وَجَمْعُ الجَمعِ: أَوَانٍ، والعَامَّهُ تَقُوْلُ لِلْوَاحِدِ مِنَ الظُّرُوْفِ: آنِيَةٌ وَذلِكَ خَطَأٌ فَتَأَمَّلهُ (¬2). - وَ [قَوْلُهُ: "نَاجِزًا بِحَاضِرٍ"]. النَّاجِزُ: الحَاضِرُ. - وَ [قَوْلُهُ: "بَاعَ سِقَايَةً مِنْ ذَهَبٍ"] [33]. السِّقَايَةُ: الصُّوَاعُ، وَهُوَ شِبْهُ المَكُّوْكِ مُسْتَطِيلٌ، كَانَ يُصْنَعُ لِلْمُلُوْكِ مِنَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ، ورُبَّمَا رُصَّعَتْ بالجَوْهَرِ واليَوَاقِيتِ وَغَيرِ ذلِكَ، يَشْرَبُوْنَ بِه الخَمْرَ. وَقَال ابنُ وَهْبٍ: السِّقَايَةُ [الَّتِي بَاعَهَا] (¬3) ¬
مُعَاويَةَ كَانَتْ قِلادَةٌ فِيهَا خَرَزٌ وذَهَبٌ وَوَرِقٌ (¬1)، وأَنّه بَاعَ مَا فِيهَا مِنَ الذهَبِ بالذَّهَبِ، وَمِنَ الوَرِقِ بالوَرِقِ. وهَذَا غَلَطٌ، والقِلادَةُ لَا يُقَالُ لَهَا: سِقَايَة في اللُّغَةِ. - وَقَوْلُهُ: "مَنْ يَعْذُرِنِي" [23]. أَي: مَنْ يَقُوْمُ بِعُذْرِهِ عِنْدِي فِيمَا قَال حَتَّى أَقْبَلُهُ، وَمَنْ يَقُوْمُ بِعُذْرِي عِنْدَهُ فِيمَا أَرُوْمُهُ مِنْ مُقَاطَعَةٍ ومُهَاجَرَةٍ، وهَذَا كِلامٌ تَقُوْلُهُ العَرَبُ عَلَى هَذَينِ الوَجْهَينِ، ويُقَالُ في مَعْنَاهُ: مَنْ عَذِيرِي مِنْ فُلانٍ، وَعَذِيرِي مِنْ فُلانٍ، وعِذَيرُكَ مِنْ فُلانٍ، وَعَلَى هَذَا قَوْلُ عَلِى لِلأشْعَثِ بنِ قَيسٍ (¬2): مَنْ عَذِيرِي مِنْ هَؤُلاءِ الضَّيَاطِرَةٍ يَتَمَرَّغُ أَحَدُهُمْ في فِرَاشِهِ تَمَرُّغَ الحِمَارِ حَتَّى إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ أَقْبَلَ، ويُهَجِّرُ قَوْمٌ لِلذِّكْرِ فَيَأْمُرُوْنَنِي أَنْ أَطْرُدَهُم، مَا كُنْتُ لأطْرُدَهُمْ فَأَكُوْنَ مِنْ الجَاهِلِينَ، والَّذِي فَلَقَ الحَبَّ وبَرَأَ النَّسْمَةَ لأضْرِبَنكُمْ عَلَى الدِّينِ عَدْوًا، كَمَا ضَرَبْتُمُوْهُمْ عَلَيهِ بِرًّا، (3) قَال غَلَبَتْنَا هَذِهِ الحَمْرَاءَ، يُرِيدُ المَوَالِي، كَانُوا قَدْ هَجَّرُوا وشَبِعُوا، وَصَفُّوا أَمَامَهُ (¬3). - وَ [قَوْلُهُ: "إنِّي أخَافُ عَلَيكُمْ الرَّمَاءَ"] [35]. الرَّمَاءُ: هو الرِّبَاءُ بِعَينهِ (¬4)، ¬
[ما جاء في الصرف]
يُقَالُ: أَرْمَي عَلَى الشَّيءِ وأَرْبَى وأَرْدَى بِمَعْنًى وَاحِدٍ: إِذَا زَادَ. - وَ [قَوْلُهُ: "وَإنْ اسْتَنْظَرَكَ"]: طَلَبَ مِنْكَ أَنْ تُنْظِرَهُ، أَي: تُأَخِّرَهُ. - وَ [قَوْلُهُ: "أنْ يَلجَ بَيتَهُ"] وَلَجَ يَلجُ وُلُوْجًا: إِذَا دَخَلَ فَهُوَ وَالجٌ. - وَ [قَوْلُهُ: ] "وَلَا يُباعُ كَالِئٌ مِنْهَا بِناجِزٍ". [36]. [كَذَا الرِّوَايَةُ بالرَّفْع، عَلَى وَجْهِ الإخْبَارِ لَا عَلَى النَّهْي] (¬1) وأَمَّا {لَا يَمَسُّهُ إلا الْمُطَهَّرُونَ (79)} (¬2) فَاللَّفْظُ لَفْظُ الخَبَرِ ومَعْنَاهُ النَّهْيُ {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} (¬3) لَفْظُهُ لَفْظُ الخَبَرِ وَمَعْنَاهُ الأمْرُ. [مَا جَاءَ في الصَّرْفِ] -[قَوْلُهُ: "وَإِذَا اصْطَرَفَ الرَّجُلُ"] [38]. اصْطَرَفَ: أَصْلُهُ: اصْتَرَفَ افْتَعَلَ مِنَ الصَّرْفِ كَرِهُوا اجْتِمَاعَ الصَّادِ والتَّاءِ؛ لَتبَايُنِ مَخْرَجَهُمَا، فَأبدِلَتْ طَاءً لِلْمُوَافَقَةِ الَّتِي بَينَهُمَا في الاسْتِعْلاءِ، وللتَّاءِ في المَخْرَجِ. - وَقَوْلُهُ: "حَتَّى يَأتِيَنِي خَازِنِي". التقدِيرُ: أَنْظِرْنِي حَتَّى، فحَذَفَ لِدَلالةِ الكَلامِ عَلَيهِ. - وَقَولُهُ: "هَا وَهَا" الرِّوَايَةُ بِغَيرِ هَمْزٍ، وَالأصْلُ: الهَمْزُ، لكِنْ خُفِّفَتِ الهَمْزَةُ فَانْقَلَبَتْ أَلِفًا لانْفَتَاحِ (¬4) مَا قَبْلَهَا، وَهِيَ لُغَةٌ لِبَعْضِ العَرَبِ يَقُوْلُوْنَ: هءْ ¬
[المراطلة]
بالهَمْزِ والتَّسْكِينِ عَلَى مِثَالِ خَفْ، وَلِلاثْنَينِ: هَاءَا، والجَمِيع هَاءُوا، والمَرْأَةِ هَائِي، ولِلْمَرْأتينِ كَالرَّجُلَينِ، وللنِّسَاءِ هَأْنَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ هَأ في التَّصْرِيفِ مِثْلَ طَأ فَيقُوْلُوْنَ لِلرَّجُلِ: هَأ كَمَا تَقُوْلُ: طَأْ، ولِلْجَمِيع هَئُوا مِثْلِ طَئُوا، وللأنْثَى هَئِي مِثْل طَئِي، وللنَسَاءِ هَأْنَ، كَمَا تَقُوْلُ: طَأْنَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُوْلُ: هَاءَ عَلَى مِثْلِ هَاكَ، وهَاؤُمَا وهَاؤُمُوا، وَهَائِي وهَاؤُوْنَ، وهَذ أَفْصَحُ اللُّغَاتِ، وَهِي لُغَةُ القُرْآن قَال [تَعَالى] (¬1): {هَاؤُمُ اقْرَءُوا} فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَال عَلَى هَذِهِ اللُّغَةِ: هَاءَ وهَاءَ بالمَدِّ والهَمْزِ. قَال الخَطَّابِيُّ (¬2): إِلَّا هَاءَ وهَاءَ بالمَدِّ لَا غَيرُ، وعوَامُّ النَّاسِ يَقُوْلُوْنَهُ بالقَصْرِ وتَرْكِ الهَمْزِ، وكَذلِكَ قَال ثَابِتٌ في "الدَّلائِلِ"، وَقَال ابنُ دَاوُدَ المُقْرِئُ (¬3): أَقَرأنِيهِ أَبُو عَمْرٍو بالقَصْرِ لَا غَيرُ. - وَ [قَوْلُهُ: "ثُمَّ وَجَدَ مِنْهَا دِرْهَمًا زَائِفًا"]. الزَّائِفُ: الرَّدِيءُ مِنَ الدَّرَاهِمَ أَوْ النَّاقِصُ الصَّرْفِ عَن أَمْثاله، يُقَالُ: دِرهَمُ زَيفُ، والجَمْعُ زيُوفُ، كَبَيتٍ وبُيُوتٍ، وَدِرْهَمُ زَائِفٌ، والجَمعُ: زُيُفُ مِثْلُ شَاهِدٍ وشُهُدٍ. [المُرَاطَلَةُ] - قَوْلُهُ: "في كِفَّةِ المِيزَانِ"] [39]. كُلُّ طَويلٌ مُسْتَدِيرُ لا اسْتِطَالةَ فِيهِ فَهُوَ ¬
كِفَّةُ -بِكَسْرِ الكَافِ- مِثْلُ كِفَّةِ المِيزَان، وَكِفَّة الحَابِلِ، وَهِيَ حِبَالتُهُ؛ لأنَّه يُدِيرُهَا، وَكُلُّ مُسْتَدِيرٍ في استِطَالةٍ كُفَّةُ -بِضَمِّ الكَافِ نَحْوَ كُفَّةِ الثَّوْبِ (¬1)، وكُفَّةِ الرَّمْلِ. - وَ [قَوْلُهُ: "وَذَرِيعَة إلَى الرِّبَا"]. الذَّرِيعَةُ: السَّبَب الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الشَّيءِ، وأَصْلُهُ أَنْ يُجْعَلَ بَعِيرٌ يَرْعَى مَعَ الوَحْشِ فَإِذَا نَشِبَ بِهِ اسْتَتَرَ الصَّائِدُ وَرَاءَهُ وَرَمَى الوَحْشَ، وَجَمْعُهَا: ذَرَائِعٌ وذُرُعٌ، قَال الشَّاعِرُ (¬2): وَلِلْمَنِيَّةِ أَسْبَابٌ تُقَرِّبُهَا ... كَمَا تُقَرِّبُ لِلْوَحْشِيَّةِ الذُّرُعُ - وَ [قَوْلُهُ: "وَيُعْطِيهِ الذَّهَبَ العُتُقَ"، العُتُقُ -بِضَمِّ العَينِ والتَّاءِ والتَّخْفِيفِ-: جَمْعُ عَتيقٍ مثْلُ قَضِيبٍ وَقُضُب، وَرَغِيف وَرُغُفٍ، وَكَذلِكَ الرِّوَايَةُ، وَهُوَ الوَجْهُ، وَمَنْ قَال: عُتَّقٌ بِفَتْحِ التَّاءِ وتَشْدِيدِهَا (¬3) جَعَلَهُ جَمْعُ عَاتِقٍ كَصَائِمٍ وصُوَّمٍ، فَذلِكَ غَيرُ مَعْرُوْفٍ. والذَّهَبُ اسمٌ لِلْجِنْسِ، وَيَكُوْنُ جَمْعَ ذَهَبَةٍ، وَفِي الحَدِيثِ (¬4) أَنَّ عَلِيًّا وَجَّهَ إِلَى النَّبِيِّ [- صلى الله عليه وسلم -] مِنَ اليَمَنِ بِذَهَبَةٍ. وَيُؤَنَّثُ الذَّهَبُ ويُذكَّر، قَال ¬
[السلفة في الطعام]
الشَّاعِرُ (¬1): والنَّظْمُ في سِلْكٍ يُزَيِّنُ نَحْرَهَا ... ذَهَبُ تَوَقَّدَ كَالشَّهَابِ المُوْقَدِ يُرْوَى: "تَوَقَّدُ" بِفَتْحِ الدَّالِ عَلَى التَّذْكِيرِ، وَقَدْ تُضَمُّ الدَّالُ عَلَى التّأنِيثِ، أَي: تَتَوَقَّدُ فَحَذَفَ إِحْدَى التَّاءَينِ إِسْتِثْقَالًا. - وَ [قَوْلُهُ: "مِثْلًا بِمِثْلٍ"]. يُقَالُ: مِثْلٌ وَمَثلٌ وَجَمْعُهَا: أَمْثَالٌ، وهُمَا لُغَتَانِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُفَرِّقُ بَينَهُمَا فَيقُوْلُ: [ ... ]. - وَ [قَوْلُهُ: "بِصَاعٍ مِنْ حَشَفٍ"]. الحَشَفُ: الرَّدِيءُ مِنَ التَّمْرِ (¬2). [السلفةُ في الطَّعَامِ] السَّلَفُ: اسْمٌ مُشْتَرَكٌ يَقَعٌ عَلَى السَّلَمِ، يُقَالُ: أَسْلَفَ في كَذَا وَسَلَّفَ كَمَا يُقَالُ: أَسْلَمَ وَسَلَّمَ، والسَّلفةُ: لِمَا (¬3) سَلَفَ، وَلَا يُقَالُ: السَّلَمَةُ، ويَكُوْنُ السَّلَفُ والإسْلافُ أَيضًا بِمَعْنَى الإقْرَاضِ، وَكِلاهُمَا رَاجِعٌ إِلَى مَعْنَى التَّقَدُّمِ، كَمَا أَنَّ السَّلَمَ عَائِدٌ إِلَى مَعْنَى التَّخَلِّي عَنِ الشَّيءِ والتَّرْكِ لَهُ. وَقَال بَعْضُ المَالِكِيَّةِ: إِنَّمَا اسْتَعْمَلَ مَالِكٌ لَفْظَةَ السَّلَفِ دُوْنَ السَّلَمِ لِمَا رَوَى عَنْ عُمَرَ أنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَقُوْلَ الرَّجُلَ أَسْلَمْتُ في كَذَا، أَوْ أَسْلَمْتُ إِلَى فُلانٍ، وَقَال: إِنَّمَا الإسْلامُ ¬
[بيع الطعام بالطعام لا فضل بينهما]
لِرَبِّ العَالمِينَ، وَلَيسَ في هَذَا مَنع إِنَّمَا هُو اسْتِحْسَانٌ، وَقَدْ اسْتَعْمَلَ مَالِكٌ لَفْظَةَ السَّلَمَ في غَيرِ مَوْضِع، وَقَدْ مَضَى في حَدِيثِ ذِكْرِ الأُدْمِ. [بَيعُ الطَّعَامِ بالطَّعَامِ لَا فَضْلَ بينهمَا] - قَوْلُهُ. "وَهُوَ مِثْلُ الَّذِي وَصَفْنا مِنَ التمْرِ الَّذِي يُباعُ [صَاعَانِ] (¬1) مِنْ كَبِيسٍ" [52]. فَرَفَعَ "صَاعَان" عَلَى الابْتِدَاءِ، ومَنْ قَال: "صَاعَينِ" وَصَاعًا فَهُوَ نَصْبٌ (¬2) عَلَى الحَالِ، كَأَنَّهُ قَال: مُسَعَّرًا هَذَا السِّعْرِ. [مَا يَجُوْزُ مِنْ بيعِ الحَيَوَانِ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ والسَّلَفُ فِيهِ] - وَ [قَوْلُهُ: "بِعِشْرِينَ بَعِيرًا"] [59] البَعِيرُ: اسْم يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ والأُنْثَى، ومَنْزِلَتُهُ في الإبِلِ مَنْزِلَةَ الإنْسَانِ مِن بَنِي آدَمَ، ومَنْزِلَةَ الفَرَسِ في الخَيلِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا الرَّاحِلَةَ. - وَ [قَوْلُهُ: "أوْ بالأبْعِرَةِ مِنَ الحَمُوْلَةِ"] [61] الحَمُوْلَةُ -بِفَتْحِ الحَاءِ-: الإبِلُ الَّتِي تَطِيقُ الحَمْلَ عَلَى ظُهُوْرِهَا. [قَال الله (¬3): {وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا}] والفَرْشُ: الصِّغَارُ الَّتِي (¬4) لَا تَطِيقُ. والحُمُولَةُ -بِضَمِّ الحَاءِ-: مَا يُحْمَلُ عَلَى ظَهْرِهَا مِنَ الأمْتِعَةِ وَغَيرِ ذلِكَ. يُقَالُ: جَاءَتِ الحُمُوْلَةُ عَلَى الحَمُولَةِ. والحَاشِيَةُ: صِغَارُ الإبِلِ وَضِعَافُهَا. والنَّعَمُ: الإبِلُ خَالِصَةً كَانَت أَوْ ¬
[العينة وما يشبهها]
مُخْتَلِطَةً بالشَّاءِ والبَقَرِ، وَلَا يُقَالُ لِلشَّاءِ والبَقَرَةِ إِذَا انْفَرَدَتَا نَعَمٌ. ويقَالُ (¬1): الرُّحَلَةُ -بِضَمِّ الرَّاءِ-: الطَّاقَةُ عَلَى السَّفَرِ والعَمَلِ، وَهِيَ المَذْكُوْرَةُ في هَذَا البَابِ. والرِّحْلِةُ -بِكَسْرِ الرَّاءِ-: الارتحَالُ، وَلَا مَعْنَى لَهُ في هَذَا البَابِ. [العِينةُ وَمَا يُشْبِهُهَا] العِينَة: السَّلَفُ، قَال الخلِيلُ: (¬2) وَقَدْ عَيَّنْتُ الرَّجُلَ وتَعَيَّنْتُ مِنْهُ عِينَةً، قَال الأبْهَرِيُّ (¬3): العِينَةُ من بَابِ سَلَفٍ جَرّ مَنْفَعَةً. -[قَوْلُهُ: "فَلَا يَبْيِعُهُ حَتَّى يَسْتَوفيَهُ"] [40]. الاسْتِيفَاءُ عِنْدَ العَرَبِ يَكُوْنُ في كُلِّ شَيءٍ بَلَغَ النِّهَايَةَ، أَي شَيءٍ كَانَ، مِنْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُوْنٍ أَوْ سوَاهُمَا، يُقَال: اسْتَوْفَى عُمُرَهُ وأَيَّامَهُ، ويَقُولُون للكَامِلِ: وَافٍ، ومنه الوَفَاءُ بالعَهْدِ، إِنَّمَا [هُوَ] إِكْمَالُ مَا التزمَهُ لمَنْ عَاهَدَة. - والبَيِّعُ -بِكَسْرِ اليَاءِ وشَدِّهَا- عَلَى مِثَالِ سَيِّدٍ ومَيِّتٍ، يُرَادُ مِنْهُ المُبَايعَ، وكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ المُتبَايِعَينِ بَيِّعٌ. [الحُكْرَةُ والتَّرَبُّصٌ] - قَوْلُ ابنِ عُمَرَ: "عَلَى عَمُوْدِ كبِدِهِ" [56]. العَمُوْد: عِرْقٌ في الكَبد يَسْقِيهَا، يُرِيدُ. عَلَى مَشَقَّةٍ وَتَعَبٍ، وإِنْ لَمْ يَكُنَ ذلِكَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَثَلٌ. وَذُكِرَ أَنَّ مَعْمَرًا وَسَعِيدَ بنَ المُسَيِّبِ كَانَا يَحْتكرَانِ، وهُمَا رَوَيَا الحُكْرَةِ ¬
[ما لا يجوز من بيع الحيوان]
وَقَد سَأَلَ أَبُو الزِّنَادِ ابنَ المُسَيِّبِ عَنْ ذلِكَ، فَقَال. إِنَّمَا النَّهْيُ عَن المُغَالاةِ في الشِّرَاءِ عِنْدَ غَلاءِ السِّعْرِ، وأَمَّا إِذَا اتَّضَحَ السِّعْرُ فَلَا بَأْسَ بِهِ. [مَا لَا يَجُوْزُ مِنْ بيع الحَيَوَانِ] -[قَوْلُهُ: "نَهَى عَنْ بيعِ حَبلِ الحَبلَةِ"] [62]. قَال ثَعْلَبٌ: مَعْنَى حَبَلِ الحَبَلَةِ عِنْدِي إِنَّمَا يَعْنِي بِهِ حَمْلَ الكَرْمَةِ (¬1) قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ، والكَرْمَةُ يُقَالُ لَهَا: الحَبَلَةُ، وَجَعَلَ (¬2) حَمْلَهَا قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ حَبَلًا، كَمَا نَهَى عَنْ بَيعِ ثَمَرِ النَّخْلِ حَتَّى تُزْهِيَ. قَال (ش): إِنَّمَا قَال ذلِكَ لأنَّه أَنكرَ أَنْ تُجْمَعَ حُبْلَى عَلَى حَبَلَةٍ (¬3)، وأَنْ [لا] يُسْتَعْمَل الحَبْلُ إلَّا في النِّسَاءِ، والحَبَلُ وإِنْ كَانَ لِلنِّسَاءِ فَهُوَ يُسْتَعَارُ لِغَيرِهِنَّ، حَكَى ذلِكَ أَبُو زَيدٍ وَغَيرُهُ، وَقَدْ اسْتَعَارَهُ ثَعْلَبٌ نَفْسُهُ في تَفسِيرِهِ هَذِهِ الكَرْمَةِ، وَقَدْ قَالُوا: رَجُلٌ حَبْلانٌ: إِذَا امتَلأ بَطْنُهُ مِنَ الشَّرَابِ (¬4). وَأَمَّا الحَبَلَةُ فالوَجْهُ فِيهِ أَنْ يَكُوْنَ اسمَ فَاعِل مِنْ حَبَلَتِ المَرْأَةُ، وَجَاءَ بِهِ عَلَى مَعْنَى النَّسَبِ، يُقَالُ: حَابِلٌ كَحَائِضٍ وَطَامِثٍ وَطَاهِرٍ وعَاقِرٍ، ثُمَّ جَمَعَهُ ¬
عَلَى حَبَلَةٍ كَكَافِرٍ وَكَفَرَةٍ، وتأَمَّلَهُ (¬1) الأخْفَشُ عَلَى أنَّه جَمْعُ حَابِلَةٍ، والأوَّلُ أَقْيَسُ؛ لأنَّ فَاعِلَةَ إِنَّمَا بَابُهَا أَنْ يُجْمَعَ عَلَى فَوَاعِلٍ كَضَارِبَةٍ وضَوَاربَ، وفَاسقَةٍ وفَوَاسِقَ، وَحَكَى يَعْقُوْبُ (¬2) عَن أَبِي عُبَيدَةَ أَنه قَال: لَا يُقَالُ لِشَيءٍ مِنَ الحَيَوَانِ حُبْلَى غَيرِ المَرْأَة إلَّا في حَدِيثِ: "نَهَى عَن بَيع حَبَلِ (¬3) الحَبَلَةِ". قَال: وَذلَكَ (¬4) لا يَكُوْنُ [إلَّا] أَنْ تَكُوْنَ الإبِلُ حَوَامِلُ -لِشِبَعٍ- حُبلَى ذلِكَ الحَبَل، أَرَدَ أَبُو عُبَيدَةَ أَنَّ الحَبَلَةَ مَصْدَرٌ جَاءَ عَلَى فَعَلَةٍ كَمَا قَالُوا هَوَكَتِ النَّاقَةُ هَوَكَةً (¬5)، وبَلَمَتْ بَلَمَةً، وَهَدَمَتْ هَدَمَةً: إِذَا اشْتَهَتِ النِّكَاحِ، وَأَنكرَ عَلَيهِ الأخْفَشُ هَذَا وَقَال: كَيفَ يَجُوْزُ أَنْ يَجْعَلَ لِلْحَبلِ حَبَلًا، وَمَعَ هَذَا فَإِنَّا لَمْ نَسْمَعْ حَبَلَتْ حَبَلَةً؟ وَهَذَا الَّذِي قَالهَ الأصْمَعِيُّ لَا يَلْزَمُ؛ لأنَّ العَرَبَ قَدْ تُوْقعُ المَصَادِرَ مَوَاقعَ أَسْمَاءِ الفاعِلِينَ والمَفْعُولينَ فَيَقُوْلُوْنَ: رَجُل عَدْلٌ أَي: عَادلٌ، وَدِرْهَمٌ ضَرْبُ كَذَا، وَثَوْبٌ نَسْجُ اليَمَنِ، أَي: مَضْرُوْبٌ ومَنْسُوْجٌ، فِيَكُوْنُ قَدْ وَضَعَ الحَبَلَةَ الَّتِي هِيَ مَصْدَر مَوْضِعَ الحَبْلَى الَّتِي هِيَ صِفَة، وَمِثْلُهُ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬6): {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَن ¬
اتَّقَى} و {مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} (¬1). أرَادَ: وَلكِنَّ البِرَّ (¬2) [بِرُّ] في أَحَدِ الأقْوَالِ. - وَ [قَوْلُهُ: "عَنِ المَضَامِينِ والمَلاقِيحِ"] [63] المَضَامِينُ: مَا في أَصْلابِ الذُّكُوْرِ. والمَلاقِيحُ: مَا فِي بُطُوْنِ الإنَاثِ (¬3)، وَقِيلَ: عَكْسُ ذلِكَ (¬4) وَوَاحِدُ المَضَامِينِ مَضْمُوْن، وَوَاحِدُ المَلاقِيحَ: مَلْقُوْحٌ. ويُقَالُ: نُتِجَتِ النَّاقَةُ عَلَى صِيغَةِ مَا لمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَلَا يُقَالُ: نَتَجَتْ، إِنَّمَا يُقَالُ: نَتَجَهَا صَاحِبُهَا: إِذَا تَوَلَّى نِتَاجَهَا فَهُوَ نَاتِجٌ، وأُنْتِجَتِ النَّاقَةُ: إِذَا اسْتبَانَ نِتَاجُهَا فَهِيَ نَتُوْج، والقِيَاسُ: مُنْتِجٌ. قَالتْ هِنْدُ بِنْتُ النُّعْمَانِ بنِ بَشِيرٍ في زَوْجِهَا (¬5): ¬
[ما جاء في ثمن الكلب]
وَهَلْ هِنْدُ إِلَّا مُهْرَةً ...... ... ............ البَيتَين وَقَال: نُتِجَتْ عَلى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ. وَضُبِطَ "بَغْلُ" بِغَينٍ مُعْجَمَةٍ. والجَزُوْرُ: النَّاقَةُ الَّتِي تُتَّخَدُ لِلنَّحْرِ، والجَمْعُ جُزُرٌ، فَإِنْ كَانَتْ مِنَ الغَنَمِ والمَعِزِ فَهِيَ جَزَرَةٌ. [مَا جَاءَ في ثَمَنِ الكَلْب] - قَوْلُهُ: "ثَمَنِ الكَلْبِ وَمَهْرِ البَغِيِّ"] [68] البَغِيُّ: الزَّانِيَةُ، وَالبَغَاءُ الزِّنَا، وَكَانَ يَجِبُ أَنْ يُقَال بَغِيَّةٌ؛ لأنَّ فَعِيلًا إِذَا وُصِفَ بِه المُؤنَّثُ وَهُوَ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ كَانَ بالتَّاءِ، يُقَالُ: امْرَأَةٌ رَحِيمَةٌ وعَلِيمَةٌ، وَإِنَّمَا يَأْتِي بِغَيرِ هَاءٍ إِذَا كَانَ بِمَعْنَى مَفْعُوْلٍ كَقَتِيلٍ وَجَرِيحٍ يُقَالُ: امْرَأَةٌ قَتِيلٌ وَجَرِيحٌ، والوَجْهُ في بَغِيٍّ أَنْ يُجْعَلَ وَزْنُهُ فَعُوْلًا لَا فَعِيلًا؛ لأنَّ فَعُوْلًا إِذَا كَانَ بِمَعْنَى فَاعِلٍ اسْتُعْمِلَ في المُؤَنَّثِ بِغَيرِ هَاءٍ كَامْرَأَةٍ صَبُوْرٍ وَشَكُوْرٍ، وَإِذَا كَانَتْ بِمَعْنَى مَفْعُوْلٍ كَانَتْ بالهَاءِ مِثْلُ: نَاقَةٌ رَكُوْبَةٌ وَحَمُوْلَةٌ، أَي: مَرْكُوْبَةٌ وَمَحْمُوْلٌ عَلَيهَا، فَيَكُوْنُ أَصْلُ بَغِيٍّ بَغُوْيًّا قُلِبَت الوَاوُ يَاءً، وأُدْغِمَتْ في اليَاءِ، وَكُسِرَ مَا قَبْلَ اليَاءِ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الشُّذُوْذِ عَلَى أَنَّ هَذَا البَابَ قَدْ شَذَّتْ مِنْهُ أَشْيَاءُ أُجْرِيَتْ مُجْرَى الأسْمَاءِ كالنَّطِيحَةِ وَالذَّبِيحَةِ وَالفَرِيسَةِ، وَكَقَوْلِ زُهَيرٍ (¬1): ¬
* مَتَى تَبْعَثُوْهَا تَبْعَثُوْهَا ذَمِيمَةً * وَ"الزِّنَا": إِذَا نَسَبْتَهُ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّانِيَينِ عَلَى انْفِرَادِه قَصَرْتَه (¬1) وَجَعَلْتَهُ مَصْدَرَ زَنَى يَزْنِي زِنًا، وَإِذَا نَسَبْتَهُ إِلَيهِمَا مَعًا جَعَلْتَهُ مَصْدَرَ زَانَى يُزَانِي مُزَانَاةً وَزِنَاءً مَدَدْتَهُ. - وَ [قَوْلُهُ: "وَحُلْوَانُ الكَاهِنِ رِشْوَتُهُ"]. الحُلْوَانُ: مُشْتَقٌّ مِنَ الحَلاوَةِ (¬2)، وَهُوَ يُسْتَعْمَلُ في كَلامِ العَرَبِ عَلَى أَرْبَعَةِ مَعَانٍ: أَحَدُهَا: أُجْرَةُ الكَاهِنِ عَلَى كِهَانَتِهِ. والثَّانِي: الرِّشْوَةُ الَّتِي يُرْشَى بِهَا الإنْسَانُ، كَاهِنًا كَانَ أَوْ غَيرَهُ. والثَّالِثُ: أَنَّ الحُلْوانَ العَطِيَّةُ، رِشْوَةً كَانَتْ أَوْ غَيرَ رِشْوَةٍ. وَيُقَالُ: حَلَوْتُ الرَّجُلَ أَحْلُوْهُ حُلْوَانًا. والرَّابعُ: أَنَّ الحُلْوَانَ: مَا يَأْخُذُهُ الرَّجُلُ مِنْ مَهْرِ ابْنَتِهِ (¬3)، قَالتْ امْرَأةٌ تَمْدَحُ زَوْجَهَا: * لَا يَأْخُذُ الحُلْوَانَ مِنْ بَنَاتِيَا * ¬
[السلف وبيع العروض بعضها ببعض]
- ويُقَال: رِشْوَةٌ ورَشْوَةٌ (¬1)، وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الرِّشَاءِ، وَهُوَ حَبْلُ البِئْرِ، وذلِكَ أَنَّ الرَّاشِيَ يَتَوَصَّلُ بِهَا إِلَى مَا يُرِيدُهُ مِنَ المُرْتَشِي، كَمَا يُتوَصَّلُ بالرِّشَاءِ إِلَى المَاءِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: يَتكاهَنُ وَيَتكهَّنُ. [السَّلَفُ وَبيعُ العُرُوْضِ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ] - وَ [قَوْلُهُ: "مِنَ الكَتَّانِ أو الشَّطَويِّ أو القَصَبِيِّ"] [69]. وَوَقَعَ في بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: "مِنَ الكَتَّانِ والشَّطَويِّ"، وَكَانَ ابنُ وَضَّاحٍ يُسْقِطُ "أَوْ" ويَقُوْلُ: إِنَّمَا هُوَ مِنَ الكَتَّانِ الشَّطَويِّ، وَمَا قَالهُ صَوَابٌ؛ لأنَّ الَّذِي حَكَاهُ أَهْلُ اللُّغَةِ أَنَّ الشَّطَويَّةَ ضَرْبٌ مِنْ ثِيَابِ الكَتَّانِ تُعْمَلُ بَأَرْضٍ يُقَالُ لَهَا: شَطَا (¬2)، فَدُخُوْلُ "أَوْ" يُوْهِمُ أَنَّ الشَّطَويَّ لَيسَ مِنَ الكَتَّانِ، والكَتَّانُ: مَفْتُوْحُ الكَافِ، وكَسْرُهَا خَطَأٌ. - و"القَصَبِيَّةُ": ثِيَابٌ نَاعِمَةٌ مِنْ كَتَّانٍ، وَاحِدُهَا قَصَبِي، وَيُقَالُ: قَصَّبْتُ الثَّوْبَ تَقْصِيبًا: إِذَا طَوَيتُهُ، وَقَدْ ذَكَرَهُ أَبُو تَمَّامٍ في شِعْرِهِ، وَصَفَ فِيهِ خِلْعَةً خَلَعَهَا عَلَيهِ [ابنُ] الهَيثَمِ: (¬3) ¬
قَصَبِيًّا تَسْتَرْجِفُ الرِّيحُ مَتْنَـ ... ـــيهِ بِأَمْرٍ مِنَ الهَبُوْبِ مُطَاعِ لازِمًا مَا يَلِيهِ تَحْسَبُهُ جُزُ ... ءًا مِنَ المَسْتُوْرِ وَالأَضْلاع - وَ [قَوْلُهُ: "مِنَ الإتْرِيبِيِّ أو القَسِّيِّ أَو الزَّيقَةِ أو الثَّوْبِ الهَرَويِّ أَو المَرْوَزِيِّ .. "]. "الإتْرِيبِيُّ": ثِيَابٌ تُعْمَلُ بِقَرْيَةٍ مِنْ قُرَى مِصْرَ يُقَالُ لَهَا: إِتْرِيبُ (¬1). وَ"القَسِّيِّ": ثِيَابٌ مُضَلَّعَةٌ بالحَرِيرِ تُعْمَلُ بقَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا: القَسُّ مِمَّا يَلِي خَوْرَ الفَرَمَا (¬2)، ¬
وَقِيلَ: بالصَّعِيدِ، ومَنْ خَفَّفَ السِّينَ فَقَدْ غَلِطَ (¬1)، وَقَدْ بَيَّنَ ذلِكَ مُحَمَّدُ بنُ [نُمَيرٍ] الثَّقَفِيُّ [بِقَوْلِهِ]: (¬2) فَأَدْنَينَ لَمَّا قُمَنَ يَحْجِبْنَ دُوْنَهَا ... حِجَابًا مِنَ القَسِّيِّ وَالحَبِرَاتِ - وَ"الزَّيَقَةُ": -بِكَسْرِ الزَّاي وفَتْحِ اليَاءِ- ثِيَابٌ تُعْمَلُ بالصَّعِيدِ غِلاظٌ رَدِيئَةٌ وَاحِدُهَا زِيقٌ. والزِّيقُ -أَيضًا-: طَوْقُ القَمِيصِ، ويُقَالُ: تزَيّقَتِ المَرْأَةُ: إِذَا تَزَيَّنَتْ، وإِذَا لَبِسَتِ الزِّيقَ. - وَ"الشَّقَائِقُ": أُزُرٌ مِنْ رَدِيءِ الثِّيَابِ. - وَ"الهَرَويُّ"، ثِيَابٌ صُفْرٌ تُعْمَلُ بِهَرَاتَ، يُقَالُ: هَرَّيتُ الثَّوْبَ: إِذَا صَبَغْتُهُ بالصُّفْرَةِ وَكَانَتِ السَّادَةُ في العَرَبِ يَتَعَمَّمُوْنَ بالعَمَائِمِ المُهَرَّاةِ، ولِذلِكَ قَال الشَّاعِرُ: (¬3) ¬
رَأَيتُكَ هَرَّيتَ العِمَامَةَ بَعْدَنَا ... عَمَرْتَ زَمَانًا قَاصِعًا لَا تَعَصَّبُ وَرَوَاهُ المُطَرِّزُ: "لَا تَعَمَّمُ" وَهُوَ غَلَطٌ. والقَاصِعُ: الَّذِي لَا يَتَعَمَّمُ. - وَ"المَرْوَزِيَّةُ" ثِيَابٌ تُصْنَعُ بِمَرْوَ، يَلْبَسُهَا خَاصَّةُ النَّاسِ. - وَ"القُوْهِيَّةُ" ثِيَابٌ بِيضٌ (¬1). - وَ"الفُرْقُبيَّةُ" ثِيَابٌ مِنَ الكَتَّانِ بِيضٌ (¬2). وَقَال يَعْقُوْبُ (¬3): يُقَالُ: فُرْقُبِيٌّ، وتُرْقُبِيٌّ، بالفَاءِ والتَّاءِ. وَفِي كِتَابِ "العَينِ" (¬4) قُرْقُبِيّ بِقَافَينِ. وَذَكَرَ قَوْلَ سَعِيدِ بنُ المُسَيَّبِ: "لَا بَأْسَ بِقُبْطِيَّةٍ بِقُبْطيَّتَينِ إِلَى أَجَلٍ" فَقَال: "القُبْطِيَّةُ": ثَوْبٌ أَبْيَضُ، والجَمْعُ قُبَاطِيٌّ قَال الشَّاعِرُ -يَهْجِو أَسْودَ عَلَيهِ قُبْطِيَّةٌ-: ¬
[السلف في العروض]
إِذَا رَاحَ فِي قُبْطِيَّةٌ مُتَأزِّرًا ... فَقُلْ حَفَلٌ يُشْتَقُّ في لَبَنٍ مَحْضِ قَال: ويُقَالُ: قِبْطِيّةٌ بِكَسْرِ القَافِ أَيضًا (¬1). [السَّلَفُ في العُرُوْضِ] -[قَوْلُهُ: "سَلَفٌ في سَبائِبَ"] [70]. السَّبَائِبُ -في اللُّغَةِ-: شِقَقُ الكَتَّانِ (¬2)، وَاحِدُهَا سَبِيبَةٌ، والسِّبُّ: الثُّوْبُ الرَّقِيقُ بِكَسْرِ السِّينِ، والسِّبُ: العِمَامَةُ، وسَبُّ المَرْأَةِ: خِمَارُهَا. واخْتَلَفَتِ المَالِكِيَّةُ فِيهَا في هَذَا البَابِ فَقَال بَعْضُهُم -مِنْهُمُ ابنُ وَهْبٍ-: هِيَ العَمَائِمُ، وَقَال ابنُ بكَيرٍ: هِيَ المَقَانِعُ. وَقَال ابنُ وَضَّاحٍ: هِيَ غَلائِلُ يَمَانِيَّةٌ. - وَ [قَوْلُهُ: "ثِيَابًا مِن دُونِهَا مِنْ صِنْفِهَا"] يُقَالُ: صِنْفٌ مِنَ المَتَاعِ، وصَنْفٌ [بِكَسْرِ الصَّادِ وفَتْحِهَا]. - وَ [قَوْلُهُ: "مَحَلُّ الأَجَلِ"]. مَحَلُّ الأَجَلِ ومَحِلَّهُ، وَهُوَ مَحِلُّ أَجْرٍ ومَحَلُّ، مَفْتُوْحَ الحَاءِ ومَكْسُوْرًا، وقُرِئَ (¬3) [قَوْلهُ تَعَالى]: {الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} و {مَحِلَّهُ}. ¬
[بيع النحاس والحديد وما أشبهها مما يوزن]
ويَجُوزُ: وَذلِكَ فِيمَا نَرَى ونُرى. [بَيعُ النُّحَاسِ والحَدِيدِ وَمَا أشْبَهَهَا مِمَّا يُوْزَنُ] - وَذَكَرَ مَنْع مَالِكٍ بَيعَ الفُلُوْسِ اثْنَينِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ، وأَنَّهَا عِنْدَهُ كَالذَّهَبِ والفِضَّةِ، وَتأْويلُ المَالِكِيَّة ذلِكَ عَلَى وَجْهِ الكَرَاهِيَةِ لَا التَّحْرِيمِ؛ لِئَلَّا يَنْتَقِضَ عَلَيهِ أَصْلُهُ. قَال. وهَذهِ الفُلُوْسُ إِنَّمَا كَانَتْ مِنْ رَصَاصٍ، وَلِذلِكَ كَانَتْ تُسَمَّى بالنُّمِّيَّةُ، والنُّمِّيَةُ -في اللُّغَة-: الرَدَاءَةُ والخَسَاسَةُ، وَاحِدُهَا: نُمِّيٌّ (¬1). - وَ [قَوْلُهُ: "مِنَ النُّحَاسِ والشَّبَهِ والرَّصَاصِ"] [71]. والشَّبَهُ: نَوْعٌ مِنَ الصُّفْرِ، يُقَالُ له اللَّاطُوْنَ، فيه لُغَتَانِ: شَبَهٌ بِفَتْحِ البَاءِ والشَّين، وشِبْهٌ بِكَسْرِ الشِّينِ وَجَزْمِ البَاءِ (¬2) قَال المَرَّارُ الأسَدِيُّ (¬3): تَدِينُ لِمَزْرُوْرٍ إِلَى جَنْبِ حَلْقَةٍ ... مِنَ الشِّبْهِ سَوَّاهَا بِرِفْقٍ طَبِيبُهَا يَصِفُ نَاقَةً، وَمَعْنَى تَدِينُ: تَخْضَعُ وتَذِلُّ، والمَزْرُوْرُ: الزِّمَامُ. والطَّبِيبُ -ههُنَا-: الصَّانِعُ الحَاذِقُ. - وَ [قَوْلُهُ: "والآنُكِ والحَدِيدِ والقَضْبِ"]. "الآنُكُ": الأُسْرُبُ والأسْرُفُ بالبَاءِ والفَاءِ، وهو القزْدِيرُ (¬4). ¬
وَ"القَضْبُ" -بِسُكُوْنِ الضَّادِ وفَتْحِ القَافِ- نَبَاتٌ تَعْلَفُهُ الإبِلُ والخَيلُ يُسَمَّى الفَصَافِصَ وَاحِدُهَا فِصْفِصَةٌ بِكَسْرِ الفَاءَينِ، وَهِيَ كَلِمَةٌ فَارِسِيَّةٌ عَرَّبَتْهَا العَرَبُ (¬1)، [وأَصْلُهَا بِالفَارِسِيَّةِ] أَسبِسْت. - وَ [قَوْلُهُ: "والخَبَطُ والكَتَمُ"]. "الكَتَمُ: شَجَرٌ يُقَالُ لَهُ: [ ... ] (¬2) يُخْضَبُ بِهِ الشَّيبُ. - وَ [قَوْلُهُ: "وَإنْ كَانَتِ الحَصْبَاءُ والقَصَّةُ"] "الحَصْبَاءُ": الحِجَارَةُ الصِّغَارُ. وَ"القَصَّةُ": الجَيَّارُ (¬3) الَّذِي تُبَيَّضُ بِهِ الحِيطَانُ والقُبُوْرُ (¬4). - و"الخَبْطَةُ": وَرَقُ الشَّجَرِ يُضْرَبُ بالعَصَا فَيَسْقُطُ فَتَعْلَفُهُ الإبِلُ (¬5). ¬
[النهي عن بيعتين في بيعة]
[النَّهْيُ عَن بَيعَتَينِ فِي بَيعَةٍ] البَيعُ مِنَ الأَضْدَادِ (¬1)، يُقَالُ: بِعْتُ الشَّيءُ: إِذَا اشْتَرَيتُهُ، وَبِعْتُهُ: إِذَا أَخْرَجْتُهُ عَنْ يَدِكَ. [بَيعُ الغَرَرِ] -[قَوْلُهُ: "أنْ يَعْمِدَ الرَّجُلُ"] [75]. وَيُقَالُ: عَمَدَ الرَّجُلُ -بِفَتْحِ المِيمِ- يَعْمِدُ -بِكَسْرِهَا- في المُسْتَقْبَلِ: إِذَا قَصَدَ. - وَ [قَوْلُهُ: "أَوْ أَبِقَ غُلامُهُ"]. أَبِقَ الغُلامُ يَأْبِقُ ويَأْبُقُ -بِكَسْرِ البَاءِ وضَمِّهَا- في المُسْتَقْبَلِ. - وَ [قَوْلُهُ. "اشْتِرَاءُ حَبِّ البَانِ بالسَّلِيخَةِ"]. البَانُ: شَجَرَةٌ لَهَا ثَمَرٌ يُعْصَرُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ دُهْنٌ فيُطَيَّبُ بِأَشْيَاءَ تُوْضَعُ فِيهِ فَيَصِيرُ بَانًا، ويُسَمَّى هَذَا الدُّهْنُ سَلْيخَةً؛ لأ [نَّه] انْسَلَخَ (¬2) عَنْ ثَمَرَتِهِ فَلِذلِكَ كُرِهَ، وَكَانَ بِمَنْزِلَةِ زَيتِ الزَّيتُوْنِ فَإِذَا [طُيِّبَ وَ] دَخَلَتْهُ صَنْعَةٌ جَازَ؛ لأنَّهُ يَحُوْلُ عَنْ حَالِ السَّلِيخَةِ. - وَقَوْلُهُ: "نَشَّ". بِفَتْحِ النُّوْنِ، مِنَ النَّشِيش، وَهُوَ صَوْتُ الغَلَيَان، وَصَوْتُ الشَّيءِ عَلَى النَّارِ. وَقِيلَ لِبَعْضِ الطُّفَيلِيِّين. [مَا أَحْسَنُ الغَنِاءَ؟ ] فَقَال نَشِيشُ المَقْلِيِّ. وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ. "نُشّ" بِضَمِّ النُّوْنِ، والأوَّلُ أَصْوَبُ. ¬
[الملامسة والمنابذة]
- وَ [قَوْلُهُ. "يَبُتُّ بَيعَهَا"]. يُقَالُ: بَتَّ البَيعَ يَبُتُّهُ وَيَبِتُّهُ، وأَبَبتَّهُ يُبِتُّهُ. إِذَا أَمْضَاهُ وفَصَلَ فِيه. [المُلامَسَةُ والمُنَابَذَةُ] -[قَوْلُهُ: "وَبَيعُ الأَعْدَالِ عَلَى البَرْنَامَجِ"، [76]. بَيعُ البَرْنَامَجِ: بَيعٌ كَانَتِ العَرَبُ تُسَمِّيهِ: "دهد وازده"، وَهِيَ لَفْظَةٌ فَارِسِيَّةٌ مُعَرَّبَةٌ مَعْنَاهُ: بَيعُ الشَّيء الغَائِبِ بالصِّفَةِ عَنْ غَيرِ نَظَرٍ. وَ "دَهْد": اسمُ الغَائِبِ، وَوازدة اسمُ البَيع؛ لأنَّ الفُرْسَ مِنْ شَأْنِهِم إضَافَةُ الثَّانِي إِلَى الأوَّلِ بِخِلافِ مَا تَفْعَلُهُ العَرَبُ، وَلِذلِكَ قَالُوا لِلْخَمْرِ زَرَكُوْنُ (¬1)، وَ "زَرَ" -عِنْدَهُمْ-: اسمُ الذَّهَبِ، وَ "كُوْن": اللَّونُ، فَمَعْنَاهُ: لَوْنُ الذَّهَبِ، وَكَذلِكَ: "بَغْدَادُ" (¬2) "بَغْ": اسمُ صَنَمٍ، وَ"دَاد": اسمُ عَطِيَّةٌ، أَي: عَطِيَّةُ صَنَمٍ، وَلَوْ جَاءَت هَذ الألْفَاظُ عَلَى مَذَاهِبِ العَرَبِ في الإضَافَةِ لَقِيلَ: "وازده دهد" و"كُوْنَ زَرَ"، وَدَادَ بَغْ". [البَيعُ عَلَى البَرْنَامَجِ] - قَوْلُهُ: "البَزَّ والرَّقِيقَ" [78]. مَنْصُوْبَانِ عَلَى البَدَلِ مِنَ السِّلْعَةِ. ¬
[بيع الخيار]
- وَ [قَوْلُهُ: "فَهَلْ لَكَ أَنْ أُرْبِحَكَ"]. يُقَالُ: رَبَحْتُ الرَّجُلَ وأَرْبَحْتُهُ - وأَرْبَحْتُهُ أَشْهَرُ -إِرْبَاحًا. و"البَرْنَامَجُ": مَفْتُوْحُ المِيم، وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ نَحْوَ الفِهْرِست (¬1). - وَ [قَوْلُهُ: يَحْضُرُهُ السُّوَّامُ"]. السُّوَّامُ: جَمْعُ سَائِمٍ، وَهُوَ اسْمٌ مِنْ سَامَهُ يَسُوْمُهُ كَصَائِمٍ وَصُوَّامٌ، وَقَائِمٌ وَقُوَّامٌ. -[قَوْلُهُ]: "ومِلْحَفَةً بِصْرِيَّةً" بِفَتْحِ البَاءِ وكَسْرِهَا، والفَتْحُ أَصَحُّ. - وَ [قَوْلُهُ: "رَيطَة سَابِرِيَّةً"] السَّابِريَّةُ: الرَّقِيقَةُ، وَهِيَ مَنْسُوْبَةٌ إِلَى سَابُوْرَ عَلَى غَيرِ قِيَاسٍ. ويُسْتَعْمَلُ ذلِكَ فِي دِرْعِ الحَدِيدِ؛ إِذْ كَانَتْ لَطِيفَةً (¬2) غَيرَ خَشِنَةٍ. [بَيعُ الخِيَارِ] -[قَوْلُهُ: "مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا"] [79]. التَّفَرُّقُ يَكُوْنُ بالكَلامِ كَمَا يَكُوْنُ بالأبْدَانِ، وَمِنْهُ [قَوْلُهُ تَعَالى]: (¬3) {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا} و {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا} (¬4) [وَقَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -] (¬5): "وَفَرِّقُوا بَينَهُم" و"تَفْتَرِقُ أُمَّتِي" (¬6) عَلَى كَذَا، أَي: بالمَذَاهِبِ والاعْتِقَادَاتِ. وَقَوْلُ الرَّجُلِ لامْرَأَتِهِ قَدْ فَارَقْتُكِ، وَقَدْ يُسَمَّى الهَجْرُ [والطَّلاقُ والإعْرَاضُ] (¬7) ¬
فِرَاقًا وبُعْدًا وإِنْ تَقَارَبَتِ الأشْخَاصُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ (¬1): وَإِنَّ مُقِيمَاتٍ بِمُنْعَرَجِ اللِّوَى ... لأقْرَبُ مِنْ لَيلَى وَهَاتِيكَ دَارُهَا -[وَقَوْلُهُمْ] (¬2): "لَا تُحْمَدُ حُرَّةٌ عَامَ هِدَائِهَا وَلَا أَمَةٌ عَامَ تَنْزَائِهَا"، وَقَدْ تُسَمِّي العَرَبُ الشَّيءَ بَأَوَّلِ أَحْوَالِهِ، وَتِلْكَ الحَالُ قَدْ ذَهَبَتْ، كَمَا تُسَمِّي بالمَآلِ كَذلِكَ، كَالرَّجُلِ يُوَلَّى خُطَّةُ الوَزَارَةِ وَيَسِيسُهَا، ثُمَّ يُعَزْلُ فَيَبْقَى اسْمُهَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ لِلنَّاقَةُ إِذَا دَخَلَتْ في الشَّهْرِ العَاشِرِ مِنْ ضِرَاب الفَحْلِ إِيَّاهَا: عُشَرَاء، ثُمَّ تُسَمَّى بِهَذَا الاسْمِ حَتَّى تَضَعَ، وَبَعْدَمَا تَضَعُ أَيَّامًا، قَال امْرُؤُ القَيسِ (¬3): * عِشَارٌ وُلَّهٌ لاقَتْ عِشَارَا * فَسَمَّاهَا عِشَارًا بَعْدَ الولادَةِ؛ لأنَّ الوُلَّهَ هِيَ الَّتِي فَقَدَتْ أَوْلادَهَا بِمَوْتٍ أَوْ بِذَبْحٍ. ¬
-[وَقَوْلُهُ: "المُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بالخِيَارِ"]. قَال الطَّحَاويُّ: وَيُسَمَّى المُتَشَارِيَينِ مُتَبَايِعَينِ لِقُرْبِهِمَا مِنَ التَّبَايُعِ، وإِنْ لَمْ يَتَبَايَعَا [كَمَا سُمِّيَ] إِسْحَاقُ أَوْ إِسْمَاعِيلُ الذَّبِيحَ لِقُرْبِهِ مِنَ الذَّبْحِ (¬1)، وَقَدْ قَال النَّبِيُّ [- صلى الله عليه وسلم -]: "لَا يَسُمِ الرَّجُلُ عَلى سَوْمِ أَخيه، وَلَا يَبعْ عَلَى بَيعِ أَخِيهِ" وَمَعْنَاهُمَا وَاحدٌ، ويُسَمَّى الشَّيءُ بِمَا يُؤوْل إِلَيه كَمَا سَمَّوا الزَّرْعَ قَصِيلًا؛ لأنَّ حَالهُ يَؤُوْلُ إِلَى القَصْلِ. [تَقُوْلُ]: قَصَلْتُ الشَّيءَ [أَي]: قَطَعْتُهُ، وَهَذَا كَثِيرٌ. "المُتَبَايِعَانِ" و"البَيِّعَانِ" سَوَاءٌ، وَهُمَا: البَائِعُ والمُشْتَرِي (¬2)، وإِنَّمَا قِيلَ لَهُمَا ذلِكَ؛ لأنَّ العَرَبَ تَسْتَعْمِلُ البَيعَ بِمَعْنَى الشِّرَاءِ، ويَسْتَعْمِلُوْنَ الشِّرَاءَ بِمَعْنَى البَيعِ. - وَ [قَوْلُهُ: "عِنْدَ مُوَاجَبَةِ البَيعِ"] [80]. المُوَاجَبَةُ: مُفَاعَلَةٌ، مِنْ وَجَبَ لَهُ الشَّيءُ يَجِبُ: إِذَا لَزِمَ، وَمَعْنَاهَا: أَنْ تُوْجِبَ الشَّيءَ عَلَى صَاحِبِكَ وَيُوجِبُهُ عَلَيكَ. ¬
[ما جاء في الربا في الدين]
[مَا جَاءَ في الرِّبَا في الدَّينِ] -[قَوْلُهُ: "وَيَنْقُدُوْنِي" [81]. يُقَالُ: نَقَدْتُ الرَّجُلُ أَنْقُدُهُ: إِذَا أَعْطَيتَهُ النَّقْدَ. - "وَلَا تُوْكِلَهُ"؛ أَي: لَا تُطْعِمُهُ. وَ [قَوْلُهُ: "عَنْ عُثْمَانَ بنِ حَفْصِ بنِ خَلَدَةَ"] [82]. خَلَدَةُ: بِفَتْحِ الخَاءِ واللَّامِ لا غَيرُ (¬1). - قَوْلُهُ: "أَمْ تُرْبِي" [83]. أَي: تَزِيدَهُ، يُقَالُ: أَرْبَى يُرْبِي إِرْبَاءً، قَال تَعَالى (¬2): {لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ} واشْتِقَاقُهُ مِنْ رَبَتِ الدَّابَةُ تَرْبُو: إِذَا انْتَفَخَ جَوْفُهَا عِنْدَ الجَرْيِ، وكُلُّ شَيءٍ زَادَ على قَدْرِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيهِ فَقَدْ رَبَا، وَمِنْهُ قَيلَ لِلْكُدْيَةِ (¬3): رَبْوَةٌ؛ (¬4) لارْتِفَاعِهَا عَلَى مَا حَوْلَهَا مِنَ الأرْضِ. - وَ [قَوْلُهُ]: "بَعْدَ مَحَلِّهِ". بِكَسْرِ الحَاءِ وَفَتْحِهَا مِنْ حَلَّ يَحِلُّ: إِذَا وَجَبَ، فَإِذَا حَلَّ بالمَكَانِ قُلْتَ: يَحُلُّ -بِضَمِّ الحَاءِ- فَهُوَ مُحِلٌّ، وأَمَّا قَولُهُم: فُلانٌ مَحَلُّ أَجْرٍ، وَمَحِلُّ أَجْرٍ فَهُوَ رَاجَعٌ إلى مَعْنَى الوُجُوْبِ؛ لأنَّ مَعْنَاه أَنَّه مَوْضِعٌ يَجِبُ بِهِ الأجْرُ. [جَامِعُ الدَّينِ والحِوَلِ] الحِوَلُ: هُوَ الاسْتِحَالةُ بالدَّينِ؛ سُمِّيَ بِذلِكَ لِتَحَوُّلِ صَاحِبِ الدَّينِ مِنْ ¬
رَجُلٍ إِلَى غَيرِهِ. والحِوَلُ: التَّحَوُّلُ، وَمِنْهُ [قَوْلُهُ تَعَالى: (¬1) {لَا يَبْغُونَ] عَنْهَا حِوَلًا (108)}. - وَ [قَوْلُهُ: "إِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ"] [84]. يُقَالُ: أَتْبَعْتُ الرَّجُلَ فُلانًا أَي: جَعَلْتُهُ أَنْ يَتْبَعَهُ. وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: "فَلْيَتَّبِعْ" مُشَدَّدًا وَمُخَفَّفًا، وَكِلاهُمَا جَائِزٌ. - وَ [قَوْلُهُ: "إلَّا مَا آوَيتَ إلَى رَحْلِكَ"] [85]. مَعْنَى آوَيتَ: ضَمَنْتَ، وَهُوَ مَمْدُوْدٌ لَا غَيرُ. وأَصْلُ الرَّحْلِ: سَرْجُ النَّاقَةِ والجَمَلِ، ثُمَّ يُسَمَّى المَوْضِعُ الَّذِي يُنْزَلُ فِيهِ ويُحَطُّ فِيهِ الرِّحَالُ رَحْلًا عَلَى مَذْهَبِهِمْ في تَسْمِيَةِ الشَّيءِ باسْمِ الشَّيءِ إِذَا كَانَ مِنْهُ بِسَبَبٍ. - وَ [قَوْلُهُ: "إمَّا لِسُوْقٍ يَرْجُو نَفَاقَهَا"]. السُّوْقُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، والأشْهَرُ التَّأْنِيثُ (¬2)، وَلِذلِكَ قَالُوا سُوْقٌ نَافِقَةٌ، وكَاسِدَةٌ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: "نَفَاقَهَا" و [فِي بَعْضِهَا] "نَفَاقَهُ" (¬3). - وَ [قَوْلُهُ: "إنَّمَا تِلْكَ] الدُّخْلَةُ والدُّلْسَةُ". مَضْمُومُ الدَّالينِ، وَمَعْنَاهُمَا ¬
[ما جاء في الشركة والتولية والإقالة]
سَوَاءٌ، وَإِذَا أَرَدْتَ بالدَّخِلَةِ بَاطِنُ الشَّيءِ فَتَحْتَ الدَّال وَكَسَرْتَ الخَاءِ فَقُلتَ: فُلانٌ عَالِمٌ بِدَخِلَةِ فُلانٍ ودَخْلَتِهِ، ودَاخِلَتِهِ ودُخْلَتِهِ: كُلُّ ذلِكَ تَقُوْلُ. - وَ [قَوْلُهُ: "مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْمٌ"] [84] الظُّلْمُ (¬1): وَضْعُ الشَّيءِ في غَيرِ مَوْضِعِهِ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يَكُوْنَ بِهِ، ثُمَّ يَتَنَوَّعُّ أَنْوَاعًا يَرْجِعُ كُلُّهَا إِلَى هَذَا المَعْنَى، يُقَالُ: ظَلَمْتُ الجَزُوْرَ: إِذَا نَحَرْتَهَا، والأرْضَ: إِذَا حَفَرْتَ فِي غَيرِ مَوْضِعِ حَفْرٍ مِنْهَا. والطَّرِيقَ: إِذَا عَدَلْتَ عَنْهُ، والسِّقَاءَ: إِذَا أَسْقَيتَ مِنْ لَبَنِهِ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ رَائِبًا. ويُسَمَّى الشِّرْكُ ظُلْمًا؛ لأنَّه وَضْعُ الرُّبُوْبِيَّةِ في غَيرِ مَوْضِعِهَا، وَمِنْهُ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬2): {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} أي: بِشِرْكٍ. ويُسَمَّى النُّقْصَانُ ظُلْمًا، وَمِنْهُ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬3): {وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيئًا} وَمِنْهُ ظَلَمَهُ حَقَّهُ. والظُّلْمُ: الجَحْدُ [قَال تَعَالى] (¬4): {فَظَلَمُوا بِهَا} أَي: جَحَدُوا بِهَا آيةً مِنْ آيَاتِ الله وَ [قَوْلُهُ تَعَالى]: (¬5) {بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ} [أَي: ] يَجْحَدُوْنَ. [مَا جَاءَ فِي الشِّرْكَةِ وَالتَّولِيَةِ وَالإقَالةِ] - وَ [قَوْلُهُ: "فَإنْ دَخَلَ ذلِكَ رِبْحٌ أوْ وَضِيعَةٌ"] [86]. الوَضِيعَةُ: النَّقْصُ ¬
[ما جاء في إفلاس الغريم]
والخَسَارَةُ. [يُقَالُ] وُضِعَ الرَّجُلُ في البَيعِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ (¬1) فَاعِلُهُ -إِذَا خُدِعَ-. - وَقَوْلُهُ: "فَبَتَّ بِهِ". أَي: انفَصَلَ بِه وجَازَهُ، يُقَالُ: بَتَتُّ عَلَيهِ البَيعَ وأَبْتَتُّهُ: إِذَا فَصَلْتُهُ وأَنْفَذْتُهُ. - وَقَوْلُهُ: "أَشْرِكْنِي بِنُصْفِ هَذِهِ السِّلْعَةِ" أَي: في نِصْفِهَا، يُقَالُ: زَيدٌ بالكُوْفَةِ وَفي الكُوْفَةِ. - وَ [قَوْلُهُ: "وَعَلَيهِ العُهْدَةُ"] العُهْدَةُ: مَا وُضِعَ في ذلِكَ الكِتَابِ، والتَّنَازُعُ والرَّدُّ بالعَيبِ. [مَا جَاءَ في إِفْلاسِ الغَرِيمِ] -[قَوْلُهُ: "فَأَفْلَسَ الَّذِي ابْتَاعَهُ مِنْهُ"] [87]. يُقَالُ: أَفْلَسَ الرَّجُلُ إِفْلاسًا، فَإِن نَسَبْتَ ذلِكَ إِلَيهِ قُلْتَ: فُلَّسَ تَفْلِيسًا كَمَا يُقَالُ: سُرِّقَ إِذَا نُسِبَ إِلَى السَّرِقَةِ وَمِنْهُ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬2): {إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ} فِي قِرَاءَةِ بَعْضِهِمْ. وَفِي فُلِّسَ شُذُوْذٌ مِنْ حَيثُ أَنَّ هَذَا البِنَاءَ قَلَّ مَا يُبْنَى إلَّا مِنَ الأفْعَالِ الثُّلاثِيَّةِ كَضُرِّبَ وقُتّلَ، وَمَجَازَ ذلِكَ أَنَّهُ جَاءَ عَلَى حَذْفِ الزِّيَادَةِ ونَحْوٌ مِنْهُ قَوْلُهُم: لأَلٌ لِبَائِعِ اللُّؤلُؤِ (¬3). وَمَنْ قَال: انْفَلَسَ وَفَلَسَ الرَّجُل مَفْتُوْحَ الفَاءِ واللَّامِ فَقَدْ أَخْطَأَ. ¬
-[قَوْلُهُ: "أَسْوَةُ الغُرَمَاءِ"] الإِسْوَةُ والأُسْوَةُ: القُدْوَةُ (¬1). - وَ [قَوْلُهُ: "بَنَى البُقْعَةَ دَارًا"] [88] يُقَالُ: البُقْعَةُ بِفَتْحِ البَاءِ وَضمِّهَا. - وَ [قَوْلُهُ: "أَنْ يَأخُذَ سِلْعَتَهُ وَلَا تِبَاعَةَ"] يُقَالُ: تِبَاعَةٌ وَتَبَعَةٌ: لغتان. - وَ [قَوْلُهُ: "يُحَاصُّ بِحَقِّهِ"]. يُقَالُ: حَاصَصْتُ (¬2) الرَّجُلَ مُحَاصَّةً وَحِصَاصًا: إِذَا أَخَذْتَ حِصَّتكَ. - قَوْلُهُ: "فَيُعْطُوْنَهُ حَقَّهُ كَامِلًا ويُمْسِكُوْنَ ذلِكَ". كَذَا الرِّوَايَةُ، وَمَعْنَاهُ: وَهُمْ يُعْطُوْنَهُ عَلَى القَطْعِ في "أَنْ لَا يَرْغَبَ"، وَمِنْهُ قَوْلُهُ (¬3): ¬
[ما يجوز من السلف]
عَلَى الحَكَمِ المَأْتِيِّ يَوْمًا إِذَا قَضَى ... قَضِيَّتَهُ أَنْ لَا يَجُوْرَ وَيَقْصِدُ وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي النَّجْمِ: (¬1) الشِّعْرُ صَعْبٌ وَطَويلٌ سُلَّمُهْ إِذَا ارْتَقَى فِيهِ الَّذِي لَا يَعْلَمُهْ زَلَّتْ بِهِ إِلَى الحَضِيضِ قَدَمُهْ يُرِيدُ أَنْ يُعْرِبَهُ فَيُعْجِمُهْ [مَا يَجُوْزُ مِنَ السَّلَفِ] -[قَوْلُهُ: "اسْتَسْلَفَ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَكْرًا"] [89] البَكْرُ: الفَتِيُّ مِنَ الإبِلِ. - وقَوْلُهُ: "جَمَلًا ... [رَبَاعِيًّا] (¬2) " مُخَفَّف اليَاءِ، وَلَا يَجُوْزُ تَشْدِيدُهَا. - قَوْلُهُ: "دَرَاهِمَ خَيرًا مِنْهَا" أَي. أَكْثَرُ مِنْهَا، قَالهُ ابنُ وَضَّاحٍ، وَحَكَاهُ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ المَدِينَةِ، وَلَيسَ فِي لَفْظِ الحَدِيثِ مَا [يَقْتَضِي] (¬3) ذلِكَ، وإِنَّمَا مَعْنَى ¬
[ما ينهى عنه من المساومة والمبايعة]
"خَيرًا مِنْهَا" أَفْضَلُ مِنْهَا، وَيَكُوْنُ الفَضْلُ بِكَثْرَةٍ وغَيرِ كَثْرَةٍ. [مَا يُنْهَى عَنْهُ مِنَ المُسَاوَمَةِ والمُبَايَعَةِ] - قَوْلُهُ، "وَلَا تَنَاجَشُوا"] [96]. أَصْلُ النَّجْشُ -في اللُّغَةِ- تَحْرِيكُ الشَّيءِ وإثَارَتِهِ مِنْ مَوْضِعِه، يُقَالُ: نَجَشْتُ الصَّيدَ: إِذَا أَثَرْتُهُ مِنْ مَوْضِعِهِ، وَنَجَشْتُ الإبلَ: إِذَا سُقْتُهَا بِعُنْفٍ، قَال الرَّاجِزُ: (¬1) أَحْرِشْ لَهَا يابنَ أَبِي كِبَاشِ ... فمَا لَهَا اللَّيلَةَ مِنْ إِنْفَاشِ ¬
غَيرُ السُّرَى وسَائِقٍ نَجَّاشِ - وَ [قَوْلُهُ: "وَلَا تُصَرُّوا الإبِلَ"]. يُقَالُ: صَرَّيتُ المَاءَ في الحَوْضِ، واللَّبَنَ في الضَّرْعِ، وَصَرَيتُهُ، ومَاءٌ صِرىً وَصَرىً: إِذَا اجْتَمَعَ في مَوْضِعٍ واسْتَنْقَعَ وَبقِيَ حَتَّى يَتَغَيَّرَ ويَصْفَرَّ فَلَا يُقْدَرُ عَلى شُرْبِهِ، لِذلِكَ قَال ذُو الرُّمَّةِ (¬1): صَرًى آجِنٌ يَزْوي (¬2) لَهُ المَرْءُ وَجْهَهُ ... وَلَوْ ذَاقَهُ ظَمآن فِي شَهْرِ نَاجِرِ وَمِثْلُ المُصَرَّاةُ: المُحَفَّلَةُ، وَمِنْهُ: "بَيعُ المُحَفَّلاتِ خِلابَةٌ، وَلَا تَحِلُّ خِلابَةُ مُسْلِمٍ". قَال الشَّاعِرُ (¬3): مُحَفَّلَةً تُظَنُّ أَوَانَ رَاحَتْ ... مُعَلَّقَةً بِأَحْقِيهَا الدُّلِيُّ الأحْقِيُّ: جَمْعُ حِقْوٍ، وَهُوَ الخِصْرُ. الدَّلْوُ يُجْمَعُ عَلَى دُلِيٍّ، أَي: مَنْ رآهَا يَظُنُّ أَنَّ الدُّلِيَّ قَدْ عُلِّقَتْ بِخَوَاصِرِهَا مَمْلُوءَةً مَاءً. وَرَوَى بَعْضُ الفُقَهَاءِ -لا تَصُرُّوا الإبِلَ؛ أَي: لَا تَشُدُّوا ضُرُوعَهَا لِئَلَّا يُرْضَعَ لَبَنُهَا أَوْ تُحْلَبَ- وَكَذلِكَ يَفْعَلُوْنَ بالإبِلِ -بِفَتْحِ التَّاءِ، وضَمِّ الصَّادِ، وَذلِكَ خَطَأٌ، يُقَالُ: صَرَرْتُ النَّاقَةَ، واسْمُ مَا يُشَدُّ بِهِ ضرْعُهَا الصِّرَارُ، ورَدُّوا (¬4) هَذ الرِّوَايَةُ جُمْلَةً، وَقَالُوا: قَوْلُهُ: "مُصَرَّاةٌ" لَوْ كَانَتْ مِنْ صَرَرْتُ مُخَفَّفَةً لَقَال: مَصْرُوْرَةً؟ . قَال (ش): وَمَا قَالُوا لَا يَلْزَمُ؛ لإمْكَانِ أَنْ يَكُوْنَ أَصْلُ مُصَرَّاةٍ مُصَرَّرَةً بِثَلاثِ رَاءَاتٍ فَكَرِهُوا اجْتِمَاعَ الرَّاءَاتِ فَأَبْدَلُوا مِنَ الثَّالِثَةِ يَاءً، كَمَا قَالُوا: تَظَنَّيتُ ¬
[جامع البيوع]
والأصلُ: تَظَنَّنْتُ، وَمِنْهُ [قَوْلُهُ تَعَالى (¬1): [{وَقَدْ خَابَ مَنْ] دَسَّاهَا (10)} أَي: دَسَّسَهَا: وَمِنْهُ: [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬2). {وَتَصْدِيَةً} والأصلُ: تَصْدِدَةً؛ لأنَّه تَفْعِلَةٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالى (¬3): {إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} في قِرَاءَةِ مَنْ كَسَرَ الصَّادَ، أَي: يَضِجُّوْنَ ويَعْجَبُوْنَ، وَمِنْهُ [قَوْلُ الرَّاجِزِ] (¬4): * تَقَضّيَ البَازِي إِذَا البَازِي كَسَرْ * والأصْلُ: تَقَضُّضَ. وَهَذَا كَثِيرٌ فِي لِسَانِهِمْ فَلَا يَجِبُ أَنْ تُرَدَّ الرِّوَايَةُ مَا وُجِدَ لَهَا مَخْرَجٌ. [جَامِعُ البُيُوْعِ] اخْتُلِفَ في الخُرُوْعِ فِي البَيع الَّذِي قَال لَهُ النَّبِيُّ [- صلى الله عليه وسلم -]: قُلْ: لَا خِلابَةَ، فَقِيلَ: هُوَ حَبَّانُ بنُ مُنْقِذٍ الأنْصَارِيُّ المَازِنِيُّ (¬5). وَقِيلَ: هُوَ مُنْقِذٌ وَالِدُهُ (¬6)، وَهُوَ ¬
الصَّحِيحُ، وَكَانَ قَدْ عُمِّرَ مَائَةً وَثَلاثِينَ سَنَةً، وَكَانَ قَدْ شُجَّ في دِمَاغِهِ مَأْمُوْمَةً، فاعْتَرَاهُ خَبَلٌ فِي عَقْلِهِ وَلُثْغَةً فِي لِسَانِهِ، يَقْلِبُ اللَّامَ ذَالًا، فَيُرِيدُ أَنْ يَقُوْلَ: لَا خِلابَةَ، فَيَقُوْلَ: لَا خِذَابَةَ -واللُّثْغَةُ: أَنْ لَا يَسْتَطِيعُ المُتَكَلِّمُ أَنْ يُخْرِجَ الحَرْفَ من مَخْرَجِهِ ويُبْدِلَهُ حَرْفًا آخَرَ، فَيَقُوْلُ مَكَانَ مَرَّةَ مَغَّة. و"آنَ" مَكَانَ "كَانَ"، و"طَال" مَكَانَ "قَال". وَذَكَرَ نَافِعٌ عَنِ ابنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ صُقِعَ فِي رَأْسِهِ مَأْمُوْمَةً. والصَّقْعُ الضَّرْبُ عَلَى الرَّأْسِ، يُقَالُ بالسِّينِ والصَّادِ. والمَأْمُوْمَةُ: شَجَّةٌ تَبْلُغُ أُمَّ الرَّأْسِ وَهُوَ الدِّمَاغُ، وتُسَمَّى أَيضًا: آمَّةً، وَقَلَّ مَا يَعِيشُ صَاحِبُهَا. - وَذَكَرَ حَدِيثَ: "لَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيعِ بَعْضٍ" [95]. [فَقَال]: كَانَ أَبُو زَيدٍ الأنْصَارِيُّ، وأَبُو عُبَيدَةَ وَغَيرُهُمَا يَقُوْلُوْنَ: إِنَّمَا وَقَعَ النَّهْيُ عَلَى المُشْتَرِي لَا عَلَى البَائِعِ؛ لأنَّ العَرَبَ يَقُوْلُوْنَ: بِعْتُ بِمَعْنَى اشتَرَيتُ قَال النَّابِغَةُ (¬1): ¬
وَقَارَفَتْ (¬1) وَهِيَ لَمْ تَجْرَبْ وَبَاعَ لَهَا ... مِنَ الفَصَافِصِ بالنُّمِّيِّ سَفْسِيرُ ¬
([كتاب] القراض)
([كِتَابُ] القِرَاضِ) (¬1) - القِرَاضُ: مُشْتَقٌّ مِنْ قَرَضْتُ أَي: قَطَعْتُ، وَمِنْ قَارَضْتُهُ بِمَا فَعَلَ أَي: كَافَأْتُهُ؛ لأنَّهُمَا يَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ فَيَكُوْنُ لِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِطْعَةٌ مِنْهُ؛ ولأنَّهُمَا أَيضًا يَتَكَافآنِ في المَالِ، وسُمِّيَ هَذَا الفِعْلُ مُقَارَضَةً وقِرَاضًا؛ لأنَّه فِعْلٌ لَا يَكُوْنُ إلَّا مِن اثْنَينِ يَتَقَارَضَان فِي المَالِ، أَي: يَتَكَافَآنِ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الشَّرِكَةِ. والعِرَاقِيُّونَ (¬2) يُسَمُّوْنَهُ مُضَارَبَةً، يَذْهَبُوْنَ فِيه إِلَى [قَوْلهِ تَعَالى] (¬3): {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} (¬4) [وَقَوْلُهُ تَعَالى]: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ} (¬5)، وكِلا العِبَارَتَينِ صَحِيحٌ في اللُّغَةِ، سُمِّيَ أَيضًا مُضَارَبَةً وَضِرَابًا (¬6)؛ لأنَّه فِعْل من اثْنَتَينِ، قَال ابنُ قُتَيبَةَ: الشَّرِكَةُ ثَلاثٌ، شَرِكَةُ مُضَارَبَةٍ، وأَصْلُ المُضَارَبَةِ الضَّرْبُ في الأرْضِ، وَهُوَ أَنْ يَدْفَعَ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ المَال عَلَى أَنْ يَخْرُجَ بِهِ إِلَى الشَّامِ وَغَيرِهَا فَيُبْتَاعَ المَتَاعُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ، أَي: عَلَى أَنْ يَكُوْنَ الرِّبْحُ بَينَهُمَا نِصْفَينِ، أَوْ عَلَى مَا يَتَّفِقَانِ ¬
عَلَيهِ، والوَضيعَةُ عَلَى رَأْسِ المَالِ. وَشَرِكَةُ عِنَانٍ (¬1)، مِنْ قَوْلِكَ: عَنَّ الشَّيءُ يَعِنُّ: إِذَا عَرَضَ، وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِكَا في شَيءٍ خَاصٍّ، كَأَنَّهُ عَنَّ لَهُمَا أَي: عَرَضَ فاشْتَرَكَا فِيهِ. وشَرِكَةُ مُفَاوَضَةٍ، وَهِيَ أَنْ يَشْتَرِكَا في جَمِيعِ مَا يَسْتَفِيدَانِ فَلَا يُصِيبُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا شَيئًا إلَّا كَانَ لِلآخَرِ فِيه شِرْكٌ، سُمِّيت مُفَاوَضَةً؛ لأنَّهما جَمِيعًا يَعْمَلانِ ويُسْرِعَانِ في الأخْذِ والعَطَاءِ وَيَسْتَويَانِ، وَمِنْهُ: تَفَاوُضُ الرَّجُلانِ الحدِيثَ: إِذَا تَنَازَعَا فِيهِ مَعًا. وفَسَّرَ ابنُ قُتَيبَة المُضَارَبَةَ على مَا يَسْتَعْمِلُهُ أَصْحَابَه العِرَاقِيُّوْنَ وَلَمْ يَذْكُرِ المُفَاوَضَةَ ولا القِرَاضَ. والقِرَاضُ مِن الأمُوْرِ الَّتي كَانَتْ في الجَاهِلِيَّةِ فَأقَرَّهَا الإسْلامِ ولَمْ يُغَيِّرْهَا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيهِ. وَكَانَ لأهْلِ الجَاهِلِيَّةِ سُنَنٌ واعْتِقَادَاتٌ صَحِيحَةٌ مَعَ مَا كَانُوا عَلَيهِ مِنَ الشِّرْكِ كَالوَثَائِقِ والسِّجِلَّاتِ، والبَيِّنَةِ عَلَى المُدَّعِي واليَمِينِ عَلَى المُدَّعَى عَلَيهِ، والإيمَانِ البَعْثِ والقِيَامَةِ (¬2) والقَضَاءِ والقَدَرِ، وَبَعْثِ الأجْسَادِ مِنَ القُبُوْرِ، والمَلَكَينِ المُوَكَّلَينِ ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
بالإنْسَانِ، وَلِذلِكَ قَال الأعْشَى (¬1): فَلَا تَحْسَبَنِّي كَافِرًا لَكَ نِعْمَةً ... عَلَى شَاهِدِي يَا شَاهِدَ اللهَ فَأشْهَدِ عَنَى بالشَّاهِدِ: لِسَانَهُ، وَبِشَاهدِ اللهِ: المَلَكُ المُوَكَّلُ بِهِ. وَقَال يَمْدَحُ الأشْعَثَ بنَ قَيسٍ (¬2): وَمَا أَيبُلِيٌّ عَلَى هَيكَلٍ ... بَنَاهُ وَصَلَّبَ فِيهِ وَصَارَا بِأَعْظَمَ مِنْهُ تُقًى فِي الحِسَا ... بِ إِذَا النَّسَمَاتُ نَفَضْنَ الغُبَارَا أَرَادَ: قِيَامَ النَّاسِ يَنْفُضُوْنَ التُّرَابَ مِنْ عَلَى رُؤُوْسِهِمْ. وَقَال حَاتِمٌ الطَّائِيُّ (¬3): أَمَا والَّذِي لَا يَعْلَمُ الغَيبَ غَيرُهُ ... ويُحْيِي العِظَامَ البِيضَ وَهْيَ رَمِيمُ لَقَدْ كُنْتُ أَخْتَارُ القِرَى طِاويَ الحَشَا ... مَحَافَظَةً مِنْ أَنْ يُقَال لَئِيمُ ¬
وَقَال زُهَيرٌ (¬1): فَلَا تَكْتْتُمُنَّ اللهَ مَا فِي نُفُوْسِكُمْ ... لِيَخْفَى وَمَهْمَا يُكْتَمِ اللهُ يَعْلَمِ يُؤَخَّرْ فَيُوْضَعْ فِي كِتَابٍ فَيُدَّخَرْ ... لِيَوْمِ الحِسَابِ أَوْ يُعَجَّلْ فَينْقَمِ وَقَال زهُيرٌ أَيضًا: (¬2) فَإِنَّ الحَقَّ مَقْطَعَةٌ ثَلاثٌ ... يِمَينٌ أَوْ نِفَارٌ أَوْ جَلاءُ فَكَانَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ يَتَعَجَّبُ مِنْ عِلْمِهِ بِمَقَاطِعِ الحُقُوْقُ. ويُروَى (¬3) أَنَّ زُهَيرًا لَمَّا احْتُضِرَ جَمَعَ بَنِيهِ وَكَانُوا ثَلاثَةً؛ خِدَاشٌ وبُجَيرٌ وَكَعْبٌ فَأَخْبَرَهُمْ أَنّه رَأَى فِي مَنَامِهِ حَبْلًا قَدْ مُدَّ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأرْضِ والنَّاسُ يَتَعَلَّقُوْنَ بِهِ فَيَصْعَدُوْنَ، [قَال] وَأَرَدْتُ أَنْ آخُذَ بِهِ فَانْقَطَعَ بِي وَسَقَطْتُ إِلَى الأرْضِ، وَقَدْ تأَوَّلْتُ أَنّهُ سَيَظْهَرُ في العَالمِ دَاعٍ إِلَى خَيرٍ وَحَقَّ، وَيَنْجُو مَنْ اتَّبَعَهُ واعْتَصَمَ بِه، وَلَسْتُ مِمَّن يُدْرِكُهُ لانْقِطَاع الحَبْلِ بِي، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُم فَلْيَتْبَعْهُ، فَأَمَّا خِرَاشٌ فَمَاتَ قَبْلَ الإسْلامِ. وأَمَّا بُجَيرٌ وَكَعْبٌ فَأَدْرَكَا الإسْلامَ فآمَنَ بُجَيرٌ، وَأَقَامَ كَعْبٌ بِمَكَّةَ يَهْجُو النَّبِيَّ [- صلى الله عليه وسلم -]، فَبَذَلَ النَّبيُّ [- صلى الله عليه وسلم -]، دَمَهُ، فَاتَّصَلَ ذلِكَ بِهِ فَهَاجِرَ وَأَسْلَمَ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى بُجَيرِ اجْتَمَعَ بِهِ تَذَكَّرَ وَصِيَّةَ أَبِيهِ. ¬
[ما جاء في القراض]
[مَا جَاءَ فِي القِرَاضِ] - قَوْلُهُ: " [أَكُلُّ الجَيشِ أَسْلَفَهُ] " [1]. الجَيشُ. العَسْكَرُ، سُمِّيَ بِذلِكَ لِكَثْرَةِ حَرَكَتِهِ لِقَوْلِهِمْ: جَاشَتْ القِدْرُ عِنْدَ الغَلَيَانِ: إِذَا فَارَتْ، وَجَاشَ صَدْرُهُ، وَجَاشَتْ نَفْسُهُ: إِذَا هَمَّتْ بالخُرُوْجِ، قَال ابنُ الإطْنَابَةِ (¬1): وَقَوْلِي كُلَّمَا جَشَأَتْ وَجَاشَتْ ... مَكَانَكِ تُحْمَدِي أَوْ تَسْتَرِيحِي - وَ [قَوْلُهُ: "فَلَمَّا قَفَلا"]. يُقَالُ: قَفَلَ الجُنْدُ يَقْفُلُوْنَ قُفُولًا وقَفْلًا، وَلَا يُقَالُ للرُّفْقَةِ: قَافِلَةٌ حَتَّى تَرْجِعَ، وَأَمَّا إِذَا نَهَضَتْ فَهِيَ صَائِبَةٌ. - وَ [قَوْلُهُ: "فَرَحَّبَ بِهِمَا وَسَهَّلَ"]. مَعْنَى رَحَّبَ: توسَّع لَهُمَا في البِرِّ، أَوْ قَال لَهُمَا: مَرْحَبًا وَسَهْلًا (¬2) أَي: لَقِيتُمَا رَحْبًا أَي: سَعَةً، وَأَمْرًا سَهْلًا، وَلَمْ ¬
تَجِدَا ضِيقًا، وَلَا أَمْرًا صَعْبًا. - وَقَوْلُهُ: "مَتَاعًا مِنْ مَتَاعِ العِرَاقِ". وإنَّمَا نَقَصَ الأوَّل من الثَّانِي؛ لأنَّ المَتاعَ اسمٌ للجنس كُلِّه، ويُقال لِكُلِّ نَوْعٍ مِنْهُ وكلُّ صِنْفٍ وجُزْءٍ: مَتَاعٌ، وَكَذَا جَمِيعُ (¬1) الأجْناسِ كَالمَاءِ يَقَعُ عَلَى القَلِيلِ وَعَلَى الجَمِيعِ. - وَقَوْلُهُ: "لَوْ أَقْدِرُ لَكُمَا عَلَى أَمْرٍ" أَي: لَفَعَلْتُ، فَحَذَفَ الجَوَابَ؛ إِذْ فِي الكَلامِ دَلِيلٌ عَلَيهِ، وَقَدْ أَظْهَرَهُ ابنُ وَضَّاحٍ فِي رِوَايَتِهِ. وَفِي رِوَايَة ابنِ وَضَّاحٍ: فَقَال عُمَرُ أَيُّنَا عُمَرُ، أَيُّنَا أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ فَمَعْنَاهُ. فَقَال عُمَرُ: قَال أَبُو مُوْسَى: أَيُّنَا أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ، وَبِهِ يَتِمُّ الكَلامُ، وَهُوَ سَاقِطٌ في رِوَايَةِ يَحْيَى مُرَادٌ في التَّقْدِيرِ. - وَ [قَوْلُهُ: "بَاعَا فَأُرْبِحَا"] يُرْوَى: "فَأَرْبَحَا" أي: أَعْطَيَا الرِّبحَ، من قَوْلِهِمْ: أَرْبَحْتُ الرَّجُلَ في السِّلْعَةِ. إِذا أَعطَيتُهُ الرِّبحَ فِيهَا، ويُروى: "فأرْبَحَا" أي: صَادَفَا رِبْحًا وَهُوَ مِنْ قَوْلُهُم: أَجْدَبْتُ الأَرْضُ، وأَيبَسْتُهَا، وأَهْيَجْتُهَا (¬2): إِذَا وَجَدْتَهَا جَدْبَةً، يَابِسَةً، وَهَايِجَةَ النَّبَاتِ، قَال رُؤْبةُ (¬3): ¬
[ما لا يجوز من الشرط في القراض]
* وأَهْيَجَ الخَلْصَاءَ مِنْ ذَاتِ البُرَقْ " [مَا لَا يَجُوزُ من الشَّرْطِ في القِرَاضِ] - وَ [قَوْلُهُ: "ولَا كِرَاءٌ ولَا عَمَلٌ"] [6]. والكِرَاءُ: مَمْدُوْدٌ، مَصْدَرُ كَارَى يُكَارِي كِرًى، يُقَالُ: اغْتَبَطَ الكَرِيَّ كَرْوَتَهُ (¬1). - وَ [قَوْلُهُ: "وَلَا مِرْفَقٌ"، يُقَالُ: مَرْفَقٌ وَمِرْفَقٌ لُغَتَانِ، وَقَرأَ القُرَّاءُ (¬2): {مِرْفَقًا} و {مِرْفَقًا} وَتَجُوْزُ اللُّغَتَانِ في مِرْفَقِ الإنْسَانِ. - وَ [قَوْلُهُ: "صارَ إجَارَةً"]. الإجَارَةُ: مَكْسُوْرُ الهَمْزَةِ، فَإِذَا قُلْتَ: أُجْرَةٌ ضَمَمْتَ الهَمْزَةَ، فَإِذَا قُلْتَ أَجْرٌ فَذَكَّرْتَهَا فَتَحْتَ الهَمْزَةَ، وَكَانَ مَصْدَرُ أَجَرْتُهُ مَقْصُوْرَ الهَمْزَةِ، فَإِذَا قُلْتَ: آجَرْتُهُ - بالمَدِّ - فَالمَصْدَرُ مُؤَاجِرَةً. - وَ [قَوْلُهُ: "فَإذَا وَفَرَ المَالُ"]. وَفَرَ المَالُ: كَمُلَ وَلَمْ يَنْقُصْ، وَهُوَ مِنَ الأفْعَالِ الَّتِي تَكُوْنُ قَبْلَ النَّقْلِ وَبَعْدَهُ ثُلاثِيَّةً، لَا تَدْخُلُهَا هَمْزَةُ النَّقْلِ، يُقَالُ: وَفَرَ ¬
[القراض في العروض]
المَالُ وَوَفَّرْتُهُ أَنَا، وَمِنْهُ قِيلَ: وَافِرٌ وَمَوْفُوْرٌ، قَال أبُو الأسْوَدِ الدُّؤَلِيُّ (¬1): وَإِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ إِنْ كُنْتَ مَادِحًا ... بِمَدْحِكَ مَنْ أَعْطَاكَ وَالوَجْهُ وَافِرُ - وَ [قَوْلُهُ: "وَلَا مِنْ الوَضِيعَة"]. يُقَالُ: وَضَعَ الرَّجُلُ كَمَا يُقَالُ: غُبِنَ وَوُكِسَ وخُدِعَ كُلُّهَا سَوَاءٌ، والوَضِيعَةُ: الخَسَارَةُ والنَّقْصُ. - وَقَوْلُهُ: "لَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِطَ المُقَارِضُ عَلَى رَبِّ المَالِ غُلامًا" يَجُوْزُ فَتْحُ الرَّاءِ -وَكَذلِكَ مَا رَوَينَاهُ- ويَجُوْزُ كَسْرُهَا؛ لأنَّه فِعْلٌ مِن اثْنَينِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُقَارِضٌ لِصَاحِبِهِ، وَالمُقَارِضُ (¬2) بِمَنْزِلَةِ المُشَارِبِ والمُجَالِسِ. [القراضُ في العُرُوضِ] - قَوْلُهُ: "فَإنْ فَضَلَ مِنْهُ شَيءٌ" (¬3) [7]. الأفْصَحُ فَتْحُ الضَّادِ، وكَسْرُهَا لُغَةٌ شَاذَّةٌ، هَذَا في الفَضْلَةِ الَّتِي تَفْضُلُ مِنَ الشَّيءِ فَأَمَّا الفَضْلُ الَّذِي يُرَادُ بِهِ الشَّرَفُ فَلَا يَجُوْزُ فِيهِ إلَّا فَتْحُ الضَّادِ، ولا يَكَادُ النَّاسُ يُفَرِّقُوْنَ بَينَهُمَا، وَيُرْوَى قَوْل الشَّاعِرِ: (¬4) ¬
وَجَدْنَا نَهْشَلًا فَضِلَتْ ...... ... ............. البيت بالفَتْحِ والكَسْرِ، وذلِكَ خَطَأٌ، وَمَنْ قَال: فَضُلَ أَوْ نَقُصَ بِضَمِّ العَينِ مِنْهُمَا فَهُوَ خَطَأٌ. - وَقَوْلُهُ: "وَلَعَلَّ صَاحِبَ العَرْضِ أنْ يَدْفَعَهُ". كَذَا الرِّوَايَةُ، وَدُخُوْلُ "أَنْ" في خَبَرِ "لَعَلَّ" لَا وَجْهَ لَهُ، ولا يَجُوْزُ إلَّا فِي ضَرُوْرَةِ الشَّعْر، يُشَبِّهُهَا بـ"عَسَى" قَال الشَّاعِرُ -وَهُوَ مُتَمِّمُ بنُ نُوَيرَةَ-: (¬1) ¬
[التعدي في القراض]
لَعَلَّكَ يَوْمًا أَنْ تُلِمَّ مُلِمَّةٌ ... عَلَيكَ مِنَ اللَّائِي يَدَعْنَكَ أَجْدَعَا وقَال [اللهُ] تَعَالى -في اللُّغَةِ الفَصِيحَةِ-: (¬1) {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ}. [التَّعَدِّي فِي القِرَاضِ] - وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: "فَإنْ كَانَ فَضْلًا بَعْدَ وَفَاءِ (¬2) المَالِ" [9]. وَرُويَ: "فَضْلٌ" وَهْوَ الوَجْهُ، وَ "كَانَ" هَهُنَا تَامَّةٌ مِثْلُ [قَوْلهِ تَعَالى] (¬3): {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ}. - وَ [قَوْلُهُ: "فِي النَّمَاءِ وَالنُّقْصَانِ"] النَّمَاءُ: الزِّيَادَةُ، نَمَى الشَّيءُ يَنْمِي، ¬
[ما يجوز من النفقة في القراض]
وَهُوَ اللُّغةُ الفَصِيحَةُ، ونَمَا يَنْمُو (¬1). - وَ [قَوْلُهُ: "وَإنْ شَاءَ شَرِكَهَ فِي السِّلْعَةِ"] يُرْوَى: "شَرِكَهُ في السِّلْعَةِ" وفي بَعْضِهَا: "أَشْرَكَهُ" وَهُمَا جَائِزَانِ، يُقَالُ: شَرِكَةُ في السِّلْعَةِ، بكَسْرِ الرَّاءِ، وأَشْرَكَ غَيرُهُ. [مَا يَجُوْزُ مِن النَّفَقَةِ في القِرَاضِ] - وَ [قَوْلُهُ: "فَإذَا شَخَصَ فِيهِ العَامِلُ"] [10]. شَخَصُ الرَّجُلُ: بِفَتْحِ الخَاءِ لَا غَيرُ. وَلَا يُقَالُ: شَخِصَ -بِكَسْرِ الخَاءِ- إلَّا في عِظَمِ الشَّخْصِ. - وَقَوْلُهُ: "إنَّمَا يَتْجُرُ في المَالِ" كَذَا الرِّوَايَةُ -بِجَزْمِ التَّاءِ وضمَّ الجِيمِ-، وفي بَعْضِهَا: "يَتَّجِرُ" بِتَشْدِيدِ التَّاءِ (¬2). - وَ [قَوْلُهُ: "مِنَ المَالِ وَلَا كِسْوَةَ"]: يُقَالُ: كِسْوَةٌ وكُسْوَةٌ. ¬
[ما لا يجوز من النفقة في القراض]
[مَا لَا يَجُوْزُ مِنَ النَّفَقَةِ في القِرَاضِ] - وَ [قَوْلُهُ: "ولَا يُكَافِيءُ فِيهِ"] [11]. يُرْوَى: "يُكَافِئُ" بالهَمْزِ وبِغَيرِ هَمْزٍ، وَكِلاهُمَا جَائِزٌ. وَ [قَوْلُهُ: "فَإنْ حَلَّلَهُ"] يُرْوَى: "فَإِن حَلَّلَهُ" و "حَلَّلَ لَهُ" وَكِلاهُمَا جَائِزٌ، والأصْلُ أَنْ يَكُوْنَ باللَّامِ، وتُحْذَفُ تَخْفِيفًا، كَمَا يُقَالُ: كِلتُهُ وكِلْتُ لَهُ، وَوَزَنْتُهُ وَوَزَنْتُ لَهُ. [المُحَاسَبَةُ في القِرَاضِ] - وَ [قَوْلُهُ: "فَأدْرَكُوْهُ بِبلَدٍ غَائِبٍ"] [15]. يُرْوَى: "فَأَدْرَكُوْهُ بِبَلَدٍ غَائِبٍ"، و "غَائِبًا" بالخَفْضِ عَلَى الصِّفَةِ لِلْبَلَدِ، وبالنَّصْبِ علَى الحَالِ مِنَ المُضْمَرِ فِي "أَدْرَكُوْهُ". - وَ [قَوْلُهُ: "فَيَأخُذُوا حِصَّتَهُ ... "]. يُرْوَى: "فَأَرَادُوا أنْ يُبَاعَ لَهُمْ العَرض (¬1) فَيَأْخذُوْنَ حِصَّتَهُ مِن الرِّبْحِ". وَكَانَ الوَجهُ: "فَيَأْخُذُوا" بِإِسْقَاطِ النُّوْنِ (¬2)، والوَجْهُ في إِثْبَاتِ النُّوْنِ: أنْ يَكُوْنَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مُضْمَرٍ كَأَنَّهُ قَال: فَهُمْ يَأْخُذُوْنَ، وإِنَّمَا يَحْسُنُ هَذَا إِذَا كَانَ الفِعْلُ الثَّانِي مُخَالِفًا لِلأَوَّلِ وغَيرَ دَاخِلٍ في مَعْنَاهُ، كَمَا قَال الشَّاعِرُ (¬3): * ... أَنْ لاَ يَجُوْرَ وَيَقْصِدُ * ¬
فَهَذَا لَا يَصْلُحُ فِيهِ إلَّا الرَّفْعُ. - وَقَوْلُهُ: "حَتَّى يَحْضُرَ صَاحِبُ المَالِ فَيَأخُذُ مَالهُ ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ الرَّبْحَ". كَذَا الرِّوَايَةُ بِرَفْعِ "يَأْخُذُ" وَ"يَقْتَسِمَانِ" عَلَى إِضْمَارِ مُبْتَدَأٍ، كَأَنَّهُ قَال: فَهُوَ يَأْخُذُ، ثُمَّ هُمَا يَقْتَسِمَانِ، والنَّصْبُ وحَذْفُ النُّوْنِ جَائِزٌ (¬1). وأَمَّا قَوْلُهُ: "حَتَّى يَسْتَوْفِيَ صَاحِبَ المَالِ رَأْسَ مَالِهِ، ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ مَا بَقِيَ بَينَهُمَا" بإِثْبَاتِ النُّوْنِ هَهُنَا، والرَّفْعُ هُوَ الوَجْهُ، وَكَذلِكَ قَوْلُهُ بَعْدَ ذلِكَ: "ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ بَينَهُمَا"، "ثُمَّ يَرُدُّ إِلَيهِ المَال إِن شَاءَ أَوْ يَحْبِسُهُ"، الرَّفْعُ في هَذَا كُلِّهِ هُوَ الوَجْهُ لَا يَجُوْزُ غَيرُهُ. - وَقَوْلُهُ: "مَخَافَةَ أنْ يَكُونَ [العَامِلُ] قَدْ نَقَصَ فِيهِ". كَذَا الرِّوَايَة، وَكَانَ الوَجْهُ قَدْ نَقَصَ مِنْهُ؛ لأنَّ هَذَا الفِعْلَ يَتَعَدَّى بـ"مِنْ" لا بـ"فِي" قَال تَعَالى (¬2): {أَو انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا} ولكِنَّهُ كَلامٌ مُحَوَّلٌ علَى المَعْنَى؛ لأنَّ المَعْنَى: أَحْدَثَ فِيهِ نَقْصًا كَمَا قَال (¬3): إِذَا رَضِيَتْ عَلَيَّ بَنُو قُشَيرٍ ... لَعَمْرُ الله أَعْجَبَنِي رِضَاهَا لأنَّها إِذَا رَضِيَتْ عَنْهُ أَقْبَلَتْ [بِوُدِّهَا] عَلَيهِ، فَأَجْرَى الرِّضَا مَجْرَى الإقْبَالِ [إِذْ كَانَ بِمَعْنَاهُ] (¬4). ¬
من (كتاب الشفعة)
مِنْ (كِتَابُ الشُّفْعَةِ) (¬1) سُمِّيَت الشُّفْعَةُ شُفْعَةً؛ لأنَّ الرَّجُلَ فِي الجَاهِلِيَّةِ كَانَ إِذَا أَرَادَ بَيعَ مَنْزِلٍ أَو حَائِطٍ أَتَاهُ الجَارُ أَو الشَّرِيكُ فَتَشَفَّعَ إِلَيهِ فِيمَا بَاعَ بِقَوْمٍ يَشْفَعُوْنَ لَهُ لِيَخُصَّهُ بِذلِكَ دُوْنَ غَيرِهِ، فَسُمِّيَتْ بِذلِكَ شُفْعَةً، وسُمِّيَ طَالِبُهَا شَفِيعًا، أي: مَشْفُوْعًا لَهُ، كَمَا قِيلَ: قَتِيلٌ بِمَعْنَى مَقْتُوْلٍ، وَجَرِيحٌ بِمَعْنَى مَجْرُوْحٍ، وَقَدْ يَكُوْنُ شَفِيعٌ بِمَعْنَى شَافِعٌ في غَيرِ هَذَا المَوْضِعِ؛ لأنَّ فَعِيلًا قَدْ يَكُوْنُ بِمَعْنَى فَاعِل كَعَلِيمٍ بِمَعْنَى عَالِمٍ، كَمَا قَال قَيسُ بنُ ذَرِيحٍ (¬2): مَضَى زَمَنٌ والنَّاسُ يَسْتَشْفِعُوْنَ بِي ... فَهَلْ لِي إِلَى لَيلَى الغَدَاةَ شَفِيعُ والشَّفْعَةُ مِنَ الأُمُوْرِ الَّتِي كَانَتْ فِي الجَاهِلِيَّةِ فَأَقَرَّهَا الإسْلامُ، إِلَّا أَنَّهَا فِي الجَاهِلِيَّةِ (¬3) لِقَوْمٍ مِنْ ذَوي المَرَاتِبِ دُوْنَ قَوْمٍ، وعَرَضَتْ فِيهَا في الإسْلامِ أَحْكَامٌ لَمْ تَكُنِ العَرَبُ (¬4) تَعْرِفُهَا. ¬
[ما يقع فيه الشفعة]
-[قَوْلُهُ] (¬1): "الجَارُ أحَقُّ بِصَقَبِهِ". العَرَبُ تُسَمِّي الشَّرِيكَ جَارًا، وَيُسَمُّوْنَ الزَّوْجَةَ جَارَةً، قَال الأعْشَى (¬2): * أَجَارَتنا بِينِي فَإِنَّكَ طَالِقَهْ " والصَّقَبُ: قَدْ يَكُوْنُ القُرْبَ، وَقَدْ يَكُوْنُ الشَّيءَ القَرِيبَ بِعَينِهِ كَمَا قَال الشَّاعِرُ (¬3): كُوْفِيَّةٌ نَازِحٌ مَحِلَّتُهَا ... لَا أَمَمٌ دَارُهَا وَلَا صَقَبُ والأمَمُ مِثْلُ الصَّقَبِ إِلَّا أَنَّ الصَّقَبَ أَقْرَبُ. [مَا يَقَعُ فِيه الشُّفْعَةُ] - وَ [قَوْلُهُ: "اشْتَرَى شِقْصًا"] [3، 4]. الشَّقْصُ: النَّصِيبُ والقِطْعَةُ مِنَ الشَّيءِ كَمَا يُقَالُ: القِسْمُ لِلْجُزْءِ، وَفِي الحَدِيثِ (¬4): "مَنْ بَاعَ الخَمْرَ فَلْيُشَقِّصِ الخَنَازِيرَ" أَي: لِيُفَصِّلَهَا كَمَا يُفَصِّلُ الجَزَّارُ اللَّحْمَ. - وَ [قَوْلُهُ: "عَلَى قَدْرِ [حِصَّتِهِمْ]. يَجُوْزُ فَتْحُ الدَّالِ وَجَزْمُهَا (¬5)، وَبِالوَجْهَينِ ¬
قُرِئَ قَوْلُهُ تَعَالى (¬1): {[فَسَالتْ] أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا}. - وَقَوْلُهُ: "إنْ كَانَ قَلِيلًا فَقَلِيلًا وإِنْ كَانَ كثيرًا فَكَثيرًا" وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ "فَبِقَدْرِهِ" (¬2)، هَكَذَا الرِّوَايَةُ بالنَّصْبِ، وَهُوَ صَحِيحٌ. وَتَقْدِيرُهُ - في العَرَبِيَّةِ - إِنْ كَانَ النَّصِيبُ قَلِيلًا فَيَكُوْنُ المَأْخُوْذُ قَلِيلًا، وإِنْ كَانَ النَّصِيبُ كَثيرًا فَيَكُوْنُ المَأْخُوْذُ كَثِيرًا. وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: "فَقَلِيلٌ ... فَكَثيرٌ" بالرَّفْعِ في الثَّوَانِي عَلَى إِضْمَارِ مُبْتَدَأٍ، والتَّقْدِيرُ: إِنْ كَانَ النَّصِيبُ قَلِيلًا فَالمَأْخُوْذُ قَلِيلٌ في الشُّفْعَةِ، وإِنْ كَانَ كَثِيرًا (¬3) فَالمَأْخُوْذُ كَثيرٌ. - وَ [قَوْلُهُ]: "فَتشَاحُّوا": تَفَاعَلُوا، مِنَ الشُّحِّ. ¬
- وَقَوْلُهُ. "فَسَلَّمَ [بَعْضُ] (¬1) مَنْ لَهُ فيها الشُّفْعَةُ [بالدَّفْعِ للبَائِعٍ] "، هَكَذَا "بالدَّفْعِ لِلْبَائِعِ"، وَهُوَ غَلَطٌ، وإِنَّمَا الصَّوَابُ: لِلْمُشْتَرِي (¬2)، ولا وَجْهَ لِذِكْرِ البَائِعِ هَهُنَا إلَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ المُشْتَرِي؛ لأنَّ العَرَبَ تَقُوْلُ: بِعْتُ بِمَعْنَى اشْتَرَيتُ (¬3). - وَ [قَوْلُهُ: "شُرَكَاؤُهُ غُيَّبٌ"] وَقَعَ في بَعْضِ النُّسَخِ "وشُرَكَاؤُهُ غَيبٌ" وفي بعضها: "غُيَّبٌ" وكِلاهُمَا صَحِيحٌ. - وَ [قَوْلُهُ]: "حَتَّى يَقْدَمُوا": مَفْتُوْحِ الدَّالِ لَا غَيرُ. - وَقَوْلُهُ: " [فَسَلَّمَ بَعْضُ] مَنْ لَهُ فِيهَا الشُّفْعَةُ". بالرَّفْعِ الرِّوَايَةُ، ومَفْعُوْلُ "سَلِّمَ" مَحْذُوْفٌ لِلْعِلْمِ [بِهِ] أَرَادَ بِهِ: سَلَّمَ حِصَّتَهُ أَوْ نَصِيبَهُ وَنَحْو ذلِكَ، والعَرَبُ تَحْذِفُ المَفْعُوْلَ اخْتِصَارًا، إِذَا لَمْ يَكُنْ في حَذْفِهِ إِشْكَالٌ كَقَوْلِ النَّابِغَةِ (¬4): حَتَّى لَحِقْنَا بِهِمْ تَعْدِي فَوَارِسُنَا (¬5) ... كَأَنَّنَا رُعْنَ قُفٍّ يَرْفَعُ الآلا أي: تَعْدِي فَوَارِسُنَا الخَيلَ. ¬
[ما لا تقع فيه الشفعة]
[مَا لَا تَقَعُ فِيه الشُّفْعَةُ] -[قَوْلُهُ: "ولَا شُفْعَةَ فِي بِئْرٍ ولَا فِي فَحْلِ النَّخلِ"] [4]. قَال أَبُو عُبَيدٍ (¬1): فِي [حُكْمِ] (¬2) عُثْمَانَ "وَلَا شُفْعَةَ فِي بِئْرٍ وَلَا فَحْلِ النَّخْلِ" وَذلِكَ أَنْ يَكُوْنَ البِئْرُ بَينَ نَفَرٍ، وَلِكُلِّ نَفَرٍ مِنْهُم حَائِطٌ عَلَى حَدَّةٍ، وكُلُّهُمْ يَسْقِي حَائِطَهُ مِنْ هَذَا البِئْرِ، فَهُمْ شُرَكَاءٌ في السَّقْيِ مِنْهَا، وَلَا شَرِكَةَ بَينَهُمْ في النَّخْلِ، فَمَنْ بَاعَ حَائِطَهُ فلَيسَ لِشُرَكَائِهِ فِي البِئْرِ شُفْعَةٌ في الحَائِطِ بِسَبَبِ شَرِكَتِهِمْ في البِئْرِ، وَكَذلِكَ فَحْلُ النَّخْلِ يَكُوْنُ لِرَجُلٍ في حَائِطِ رَجُلٍ لَا شِرْكَ لهُ مَعَهُ إلَّا ذلِكَ الفَحْلَ فَإِنَّهُ إِنْ بَاعَ صَاحِبَ الحَائِطِ حَائِطَهُ فَلَا شُفْعَةَ لِصَاحِبِ الفَحْلِ مِنْ أَجْلِ فَحْلِهِ ذلِكَ، قَال ابنُ قُتَيبَةَ (¬3): مَا قَالهُ أَبُو عُبَيدٍ (¬4) خَارِجٌ عَنِ التِمَاسِ الحِيَلِ وَطَلَبَ المَخْرَجِ، وَلَوْ أَرَادَ عُثْمَانُ مَا تَأَوَّلَ أَبُو عُبَيدٍ لَقَال: لَا شُفْعَةَ في بِئْرٍ (¬5) ولا فَحْلٍ، إِنَّمَا كَانَ يَحْتَاجُ إِلَى مَا ذَهَبَ إِلَيهِ أَبُو عُبَيدٍ مِنَ الحِيلَة في التِمَاسِ المَخْرَج لَوْ كَانَ لَفْظُ الحَدِيثِ يُخَالِفُ مَذَاهِبَ الفُقَهَاءِ، إِنَّمَا الحَدِيثُ مُسْتَغْنٍ بِظَاهِرِهِ عَنْ تأْويلِ، إِنَّمَا أَرَادَ البِئْرَ تَكُوْنُ بَينَ قَوْمٍ فَيَبِيعَ أَحَدُهُم نَصِيبَهُ مِنْهُ، أَنّهُ لَا شُفْعَةَ فِيهِ لِشُرَكَائِهِ. وَكَذلِكَ الفَحْلُ، وإِنَّمَا كَانَ ذلِكَ؛ لأنَّهُمَا لَا يَحْتَمِلانِ القَسْمِ، وَكُلٌّ مَا لَمْ يَحْتَمِلِ القَسْمَ فَهَذَا حُكْمُهُ. قَال (ش): ذَهَبَ أَبُو عُبَيدٍ إِلَى أَنْ [مَعْنَى] "فِي" مَعْنَى البَاءِ تَقُوْلُ: زَيدٌ ¬
بالكُوْفَةِ وَفِي الكُوْفَةِ، وأَنْشَدَ يَعْقُوْبُ: وخَضْخَضَ فِينَا البَحْرَ حَتَّى قَطَعْتُهُ ... عَلَى كُلِّ حَالٍ مِنْ غُمَارٍ وَمِنْ وَحْلِ أَرَادَ: وَخَضْخَضَ بِنَا. وَإِنَّمَا يُقَالُ: فُلانٌ بَصِيرٌ بِكَذَا، وَقَدْ جَاءَ مَا تَأَوَّلَهُ أَبُو عُبَيدٍ مَنْصُوْبًا عَنْ عُثْمَانَ فِي رِوَايَةِ أَبَان (¬1) ابنُهُ عَنْهُ حَرْفًا بحَرْفٍ، وَكَانَ الأصْمَعِيُّ يَقُوْلُ: إِنَّمَا يُقَالُ: فُحَّالٌ النَّخْلِ، ولا يُقَالُ: فَحْلٌ [إِلَّا] لِلْحَيَوَانِ لَا غَيرُ (¬2). وَمَا قَالهُ الأصْمَعِيُّ هُوَ الأكْثَرُ والأشْهَرُ، وفَحْلٌ [فِي النَّخْلِ] قَلِيلٌ أَنْشَدَ يَعْقُوْبُ (¬3): تَأبَّرِي يَا خَيرَةَ الفَسِيلِ تَأَبَّرِي مِنْ حَنَذٍ فَشُوْلِي ¬
إِذْ ظَنَّ أَهْلُ النَّخْلِ بالفُحُوْلِ -[وَقَوْلُهُ: "وَلَا فِي طَرِيقٍ صَلَحَ القَسْمُ فِيهَا"]. يُقَالُ: صَلُحَ وَصَلَحَ بِضَمِّ اللَّامِ وفَتْحِهَا والفَتْحُ أَفْصَحُ، وَيُرْوَى: "فِيهِ" و"فِيهَا" وَكِلاهُمَا جَائِزٌ. والطَّرِيقُ يُذَكَّر ويُؤَنَّثُ (¬1). - وَ [قَوْلُهُ]: "عَرْصَةِ الدَّارِ" بِفَتْحِ العَينِ لَا غَيرُ، وَسُمِّيَتْ عَرْصَةً؛ لأنَّ الصَّبْيَانَ يُعَرِّصُوْنَ فِيهَا، أَي: يَلْعَبُوْنَ. - وَ [قَوْلُهُ]: "الغَلَّةُ" مَفْتُوْحُ الغَينِ لَا غَيرُ. - وَقَوْلُهُ: "إلَى يَوْمِ يَثْبت ... " يَجُوْزُ "يَوْمَ" بالنَّصْبِ [ويَوْمِ] بالخَفْضِ. -[قَوْلُهُ]: "العِمَارَةُ" بِكَسْرِ العَينِ وَلَا تُفْتَحُ. ¬
ومن (كتاب الأقضية)
وَمِنْ (كِتَاب الأقْضِيَة) (¬1) [التَّرْغِيبُ فِي القَضَاءِ بالحَقِّ] -[قَوْلُهُ: "إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ"] [1]. ذُكِرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى بِعِلْمِهِ في أَبِي سُفْيَانَ حِينَ اشْتَكَتْ هِنْدَ بِمسكاته "إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ". مَجَازُهُ: أَنَّه قَال لَهُ عَلَى جِهَةِ التَّوَاضُعِ، أَي: يُدْرِكُنِي مَا يُدْرِكُكُمْ حَتَّى يُؤَيِّدَنِي اللهُ بالوَحْيِ المُنَزَّلِ، وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ في اللِّسَانِ في تَقْلِيلِ الشَّيءِ وتَحْقِيرِهِ، إِمَّا عَلى التَّواضِعِ أَوْ الذَّمِّ، فَأَمَّا الذَّمُّ فَقَوْلُكَ لِلرَّجُلِ: سَمَعْتَهُ يَتَّصِفُ بالكَرَمِ -إِنَّمَا وَهَبْتَ دِرْهَمًا. وَأَمَّا التَّوَاضُعُ فَكَالْحَدِيثِ، وَكَقَوْلهِ [تَعَالى]: (¬2) {[قُلْ] إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ [مِثْلُكُمْ]}. وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ في رَدِّ الشَّيءِ إِلَى حَقِيقَتِهِ، وذلِكَ إِذَا سَمِعْتَ قَوْمًا يَصِفُوْنَ شَخْصًا بالكَرَمِ والشَّجَاعَةِ والعِلْمِ، فَيَقُوْلُوْنَ: إِنَّمَا هُوَ شُجَاعٌ، أي: هَذِهِ صِفَتُهُ الحَقِيقِيَّةِ المَعْلُوْمَةِ، وَمِنْهُ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬3): {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} وَذَكَرَ الكُوْفِيُّوْنَ أَنَّهَا تَكُوْنُ بِمَعْنَى النَّفْيِ فِي قَوْلِهِ (¬4): ¬
أَنَا الضَّامِنُ الرَّاعِي عَلَيهِمْ وَإِنَّمَا ... يُدَافِعُ عَنْ أحْسَابِهِمْ أَنَا أَوْ مِثْلِي - وَ [قوْلُهُ: "أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ"] مَعْنَى أَلْحَنُ: أَفْطَنُ وأَحْذَقُ، واللَّحْنُ - بِفَتْحِ الحَاءِ - الحِذْقُ والفِطْنَةُ، ورُبَّمَا أَسْكَنُوا الحَاءَ، يُقَالُ: لَحَنَ يَلْحَنُ فَهُوَ لَحِينٌ، وَفِي الخَطَأ: لَحَنَ يَلْحَنُ فَهُوَ لاحِنٌ، والمَصْدَرُ لَحْنٌ، ورُبَّمَا فَتَحُوْهَا. وَيُقَالُ: فُلانٌ أَلْحَنُ مِنْ فُلانٍ فَيُحْتَمَلُ وَجْهَينِ؛ الخَطَأَ والحِذْقَ، وَمِنْهُ حَدِيثُ مُعَاويَةَ (¬1): أَنَّه سَأَلَ عَنْ ابنِ أَخِيهِ فَقِيلَ: ظَرِيفٌ عَلَى أَنّه يَلْحَنُ، أَي: يُخْطِئُ فَقَال: هُوَ أَظْرَفُ ¬
[الشهادات]
لَهُ، ذَهَبَ إِلَى الفِطْنَةِ والحِذْقِ. وَ"لَعَلَّ" في هَذَا الحَدِيثِ لَيسَتْ بِرَجَاءٍ ولا طَمَع؛ لأنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِذلِكَ فِي هَذَا المَوْضِعِ وإِنَّمَا هُوَ لأمْرٍ يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ وأَنْ لَا يَقَعَ، هَذَا بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ يَقُوْلُ: رَأَيتُ مِنَ الأَمِيرِ جَفْوَةً، فَيَقُوْلُ لَهُ الآخَرُ: لَعَلَّهُ قَدِ اتَّصَلَ بِهِ عَنْكَ أَمْرٌ كَرِهَهُ. فَكَأَنَّهُ قَال: إِنَّ مِنَ المُمْكِنِ أَنْ يَكُوْنَ المُبْطِلُ مِنْكُمَا أَعْلَمَ بِمَقاطِعِ الكَلامِ مِنَ المُحِقِّ، وَدُخُوْلُ "أَنْ" في خَبَرِهَا قَلَّ مَا يَأْتِي إلَّا فِي الشَّعْرِ تَشْبِيهَّا بِـ"عَسَى" وَقَدْ تَقَدَّمَ. - وَقَوْلُهُ: "إنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ". وَهَذَا عَلَى المِثَالِ، لَمَّا كَانَ ذلِكَ يُؤَدِّيهِ إِلَى النَّارِ [صَارَ كَأَنَّهُ نَارٌ] وَمِثْلُهُ (¬1): "إنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ". [الشَّهَادَاتِ] - قَوْلُهُ: "لأَمْرٍ مَا لَهُ رَأْسٌ ولَا ذَنَبٌ" [4]. أَي: أَمْرٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَلَا فَرْعَ؛ شَبَّهَ الأَصْلَ بالرَّأْسِ والفَرْعَ بالذَّنَبِ، وإِذَا نُفِيَ عَنِ الشَّيءِ أَنْ يَكُوْنَ لَهُ أَصْلٌ وفَرْعٌ فَقَدْ نُفِيَ أَنْ تَكُوْنَ لَهُ عَنْهُ حَقِيقةٌ وَثَبَاتٌ، أَلا تَرَى أَنَّ اللهَ شَبَّهَ التَّوْحِيدَ بِشَجَرَةٍ لَهَا أَصْلٌ، وَشَبَّهَ الشِّرْكَ بِشَجَرَةٍ لَيسَ لَهّ أَصْلٌ وَلَا فَرْعٌ فَقَال تَعَالى (¬2): {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ} يُرِيدُ: النَّخْلَةَ (¬3)، والشَّجَرَةُ الخَبِيثَةُ: ¬
الكُشُوْتَا (¬1) ويُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ: إِنَّه لَمْ يَأْمُرْ بِهِ إِمَامٌ فَيُتَّبَعُ أَمْرَهُ ويُقْتَدَى بِهِ؛ لأنَّ الإمَامَ والرَّجُلَ المَتْبُوْعَ يُجْعَلُ كالرَّأْسِ، ويُجْعَلُ المَتْبُوْعِينَ لَهُ كالذَّنَبِ، وَهُوَ مَشْهُوْرٌ في كَلامِ العَرَبِ. - وَ [قَوْلُهُ: "وَلَا يُؤْسَرُ رَجُلٌ ... "] مَعْنَى يُؤْسَرُ: يُحْبَسُ، أَصْلُ الأسْرِ: شَدُّ الشَّيءِ وإِحْكَامُهُ، يُقَالُ: مَا أَحْسَنَ مَا أَسَرَ قَتَبَهُ، أَي: شَدَّه وأَحْكَمَهُ، واسْمُ القَدِّ الَّذي يُشَدُّ بِهِ: الإسَارُ، وَمِنْهُ قِيلَ للأخِيذِ: أَسِيرٌ؛ لأنَّهُم كَانُوا يَشُدُّوْنَهُ بالإسَارِ، ثُمَّ اتُبِعَ فيه فَسُمِّيَ كُلُّ مُعْتَقَلٍ أَسِيرًا، وإن لَمْ يُشَدَّ بإِسَارٍ، وَمِنْهُ قِيلَ لِقَبيلَةِ الرَّجُلِ: أُسْرَةٌ؛ لأنَّه يَعْتَصِمُ بِهِمْ ويَجْتَمِعُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ [تَعَالى] (¬2): {وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ}. ¬
[القضاء في شهادة المحدود]
- وَفِي قَوْلِ عُمَرَ: "أَوْ قَدْ ظَهَرَ ذلِكَ" (¬1) دَلِيلٌ (¬2) عَلَى مَنْ قَال: إِنَّ الشَّهَادَةَ فِي الحَوْدَبِ أَوَّلُ شَهَادَةِ زُوْرٍ شُهِدَ بِهَا فِي الإسْلَامِ، والحَوْدَبُ (¬3): اسْمُ مَاءٍ بِطَرِيقِ مَكَّةَ. [القَضَاءُ في شَهَادَةِ المَحْدُوْدِ] - قَوْلُهُ: "الَّذِي يُجْلَدُ الحَدَّ ثُمَّ تَابَ وأَصْلَحَ" [4]، كَذَا الرِّوَايَةُ، وَكَانَ الوَجْهُ أَنْ يَقُوْلَ: ثُمَّ يَتُوْبُ ويُصْلِحُ وَكَذلِكَ قَوْلُهُ: "هُوَ أحَبُّ مَا سَمِعْتُ إلَيَّ فِي ذلِكَ" [2]. وَكَانَ الوَجْهُ: مَا سَمِعْتُ فِي ذلِكَ إِلَيَّ؛ لِئَلَّا يَحُوْلُ بَينَ الصِّلَةِ والمَوْصُوْلِ بِمَا لَيسَ مِنْهَا، وَلكِنَّهُ كَلامٌ فِيهِ تَسَامُحٌ. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ العَرَبَ رُبَّمَا عَطَفَتْ المَاضِيَ عَلَى المُسْتَقْبَلِ، والمُسْتَقْبَلَ عَلَى المَاضِي، وعَلَى هَذَا تَأْويلُ النَّحْويِّينَ (¬4) قَوْلَ العَرَبِ: "سِرْتُ حَتَّى أَدْخُلُهَا" بالرَّفْعِ، وأَنَّ المَعْنَى: سِرْتُ فَدَخَلْتُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالى (¬5). {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ} بالرَّفْعِ أَنَّ المَعْنَى: فَقَال الرَّسُوْلُ، وَكَذلِكَ قَوْلُهُ [تَعَالى] (¬6): {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} في بَعْضِ الأقْوَالِ. وَقَدْ تَعْطِفُ العَرَبُ الفِعْلَ المَاضِي ¬
[القضاء باليمين مع الشاهد]
عَلَى اسْمِ الفَاعِلِ وَهُوَ أَشَدُّ مِنْ هَذَا في قَوْلِهِ [تَعَالى] (¬1): {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} وَعَطَفُوا اسْمَ الفَاعِلِ عَلَى الفِعْلِ المُضَارِعِ في قَوْلهِ: (¬2) بَاتَ يُغَشِّيهَا بِعَضْبٍ بَاتِرِ ... يَقْصُدُ فِي أَسْوُقِهَا (¬3) وَجَائِرِ وَعَطَفُوا الفِعْلَ عَلَى المَصْدَرِ في قَوْلِ امْرِئِ القَيسِ: (¬4) * ... وتَوْكَافٌ وتَنْهَمِلانِ * [القَضَاءُ باليَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ] - قَوْلُهُ: "فَإنْ نَكَلَ وَأَبىَ أَنْ يَحْلِفَ"] [7]. يُقَالُ: نَكَلَ عَنِ الأَمْرِ يَنْكُلُ بالفَتْحِ في المَاضِي وَالضَّمُّ في المُسْتَقْبَلِ، هَذَا هُوَ المَشْهُوْرُ، وَحَكَى قَوْمٌ أنَّه يُقَالُ: نَكِلَ يَنْكَلُ بالكَسْرِ في المَاضِي والفَتْحِ في المُسْتَقْبَلِ، وذلِكَ غَيرُ مَعْرُوْفٍ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ اللُّغَةِ يَجْعَلُوْنَه مِنْ لَحْنِ العَامَّةِ (¬5). ¬
[ما جاء في شهادة الصبيان]
- وَقَوْلُهُ: "وَأَنَّ العَبْدَ [إِذَا جَاءَ بشِاهِدٍ"]. مِثْلُ قَوْلِهِ [تَعَالى] (¬1): {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} وَلَا يُجِيزُوْنَ فِيهِ الابْتِدَاءَ؛ لأنَّ الشَّرْطَ بِحُكْمِهِ أَنْ يَكُوْنَ بالأفْعَالِ، والكُوْفِيُّوْنَ يُجِيزُوْنَ فِيهِ الابْتِدَاءَ. - وَقَوْلُهُ: "وَإِنْ زَنَا وَأَحْصَنَ" الرِّوَايَةُ: بِفَتْحِ الهَمْزَةِ وَالصَّادِ، ويَجُوْزُ ضَمُّ الهَمْزَةِ وكَسْرِ الصَّادِ، وقُرِئَ: [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬2): {فَإِذَا أُحْصِنَّ}، {فَإِذَا أُحْصِنَّ} فلا وَقَرَؤُوا [قَوْلَهُ تَعَالى] (¬3): {وَالْمُحْصَنَاتُ} [و] {وَالْمُحْصَنَاتُ}. - وَ [قَوْلُهُ: "فَإذْ أَقَرُّ بِهَذَا فَلْيُقْرِرْ"] يَجُوْزُ: فَلْيُقِرَّ وَفَلْيُقْرِرْ. [مَا جَاءَ فِي شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ] - قَوْلُهُ: "أَوْ يُخَبَّبُوا" [9]. أَي: يُعَلَّمُوا الخَبَّ، وَهُوَ المَكْرُ، ويُقَالُ للنَّمَّامِ والمُفْسِدِ بَينَ النَّاسِ: مُخَبِّبٌ، وَكَانَتِ الأُمَويَّة تُلَقِّبُ عَبْدُ اللهِ بنِ الزُّبَيرِ خُبَيبًا، يُرِيدُوْنَ أَنَّ لَهُ مَكْرًا وَدَهَاءً، وَكَذلِكَ كَانُوا يُسَمُّوْنَ أَخَاهُ مُصْعَبًا فَكَانَا يُسَمَّيَانِ: الخُبَيبَينِ (¬4). ¬
[ما جاء في الحنث على منبر النبي - صلى الله عليه وسلم -]
[مَا جَاءَ في الحِنْثِ عَلَى مَنْبَرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -] - وَقَوْلُهُ: "تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ"] [10]. مَعْنَى: "فَلْيَتَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ" فَلْيَنْزِلْ وليَتَّخِذْ، تَقُوْلُ: تَبَوَّأْتُ الدَّارَ مَنْزِلًا: إِذَا نَزَلْتَهَا واتَّخَذْتَهَا مَسْكَنًا وَ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬1): {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ} يَعْنِي المَدِينَةَ وخَصَّ مَنْبَرَهُ بالذِّكْرِ وَإِنْ كَانَ كُلُّ حَانِثٍ آثِمًا (¬2) مُتَوَعِّدًا تَنْويهًا بِمَنْبَرِهِ وإِشَارَةً مِنْهُ إِلَى [أَنَّ] لِمَنْبَرِهِ مَزِيَّةً فِي ذلِكَ عَلَى سَائِرِ المَنَابِرِ، وَهَذَا مِنْ (¬3) بَابِ قَوْلِهِ [تَعَالى] (¬4): {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ} وَمِنْ بَابِ [قَوْلِهِ تَعَالى] (¬5) {سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ}. [مَا لَا يَجُوْزُ مِنْ غَلُقِ الرَّهْنِ] -[قَوْلُهُ: لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ"] [13]. غَلْقُ الرَّهْنِ في الفِقْهِ مَا قَالهُ مَالِكٌ، وأَمَّا في اللُّغَةِ فَهُوَ على وَجْهَينِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَأْبَى المُرْتَهِنُ مِنْ رَدِّهِ عَلَى الرَّاهِنِ، وَذلِكَ إِذَا كَانَ فِيهِ فَضْلٌ عَلَى قِيمَةِ الدَّينِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَأْبَى الرَّاهِنُ أَنْ يَفكَّهُ إِذَا عَلِمَ أَنَّ الرَّهْنَ أَنْقَصُ قِيمَةً مِنَ الدَّينِ. وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ أَغْلَقْتُ البَابَ. وَغَلِقَ الشَّيءُ: إِذَا نَشِبَ، فَمِنَ المَعْنَى الأوَّلِ بَيتُ ¬
زهُيرِ بنِ أبِي سُلْمَى (¬1): وَفَارَقْتَكَ بِرَهْنٍ ......... ... .......................... البيت أَرَادَ أَنّهَا: مَلَكَتْ قَلْبَهُ وَلَمْ تَصْرِفْهُ عَلَيهِ، فَلَيسَ -هَهُنَا- لِلشَّرْطِ الَّذِي شَرَطَهُ الفُقَهَاءُ فِي الغَلْقِ ذِكْرٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ ابنِ دَارَةَ (¬2): أَجَارَتَنَا مَنْ يَجْتَمِعْ يَتَفَرَّقِ ... وَمَنْ يَكُ رَهْنًا لِلْحَوَادِثِ يَغْلَقِ وَإِنَّمَا أَرَادَ تَعَذُّرَ تَخَلُّصهِ وامْتِنَاعِ فَكِّهِ. وَمِنَ المَعْنَى الثَّانِي: مَا حَكَاهُ أَهْلُ اللُّغَةِ [فِي قَوْلِ العَرَبِ] (¬3): "أَهْوَنُ من قُعَيسٍ عَلَى عَمَّتِهِ" فَإِنَّ قُعَيسًا رَهَنَتْهُ عَمَّتُهُ في حُزْمَةِ بِقْلٍ وَأَبَتْ أَنْ تَفكَّهُ وَقَالتْ: غَلَقَ الرَّهْنُ، وأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَال: غَلْقُ الرَّهْنِ ضَيَاعُهُ فَلَا أَعْرِفُ ذلِكَ مَحْكِيًّا عَنْ ¬
إِمَامٍ مِنَ اللُّغَويِّينَ، والرِّوَايَةُ: "لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ" بِرَفْعِ القَافِ عَلَى لَفْظِ الخَبَرِ وَمَعْنَاهُ النَّهْيِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ [تَعَالى] (¬1): {لَا يَمَسُّهُ إلا الْمُطَهَّرُونَ (79)} [وَ] {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ} (¬2) وَيُقَالُ: رَهَنْتُ الرَّهْنَ وأَرْهَنْتُهُ، وأَنْكَرَ الأصْمَعِيُّ أَرْهَنْتُهُ وَقَال: لَا يُقَالُ: أَرْهَنْتُ إِلَّا بِمَعْنَى: أَسْلَفْتُ، وَبِمَعْنَى: أذَقْتُ، فَاحْتُجَّ عَلَيهِ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ -ابنِ هَمَّامٍ السَّلُوْلِيِّ-: (¬3) فَلَمَّا خَشِيتُ أَظَافِيرَهُمْ ... نَجَوْتُ وَأَرْهَنُهُم مَالِكَا فَقَال: إِنَّمَا الرِّوَايَةُ: "نَجَوْتُ وَأَرْهَنْتُهُم" كَمَا يُقَالُ: وبيت إليه وأَصُكُّ عَينَهُ، يُرِيدُ: إِنَّهُ فَعْلٌ مُضَارعٌ مَبْنِيٌّ عَلَى مُبْتَدَأ، والجُمْلَةُ في مَوْضِعِ الحَالِ، كَأَنَّهُ قَال: نَجَوْتُ وَأَنَا أَرْهَنُهُمْ، أَي: نَجَوْتُ وَهَذَا حَالِي، وأَنْشَدَ غَيرُ الأصْمَعِيِّ - لِدُكَينٍ -: (¬4) ¬
[القضاء فيمن ارتد عن الإسلام]
لَمْ أَرَ بُؤْسًا مِثْلَ هَذَا العَامِ ... أَرْهَنْتُ فِيهِ لِلشَّقَا (¬1) خِيتَامِي [القَضَاءُ فِيمَنْ ارْتَدَّ عَنِ الإسْلامِ] - وَقَوْلُهُ: "فَإِنْ تَابَ وَإلَّا قُتِلَ" [15]. جُمْلَتَانِ عُطِفَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى، وَحُذِفَ جَوَابُ الشَّرْطِ مِنَ الجُمْلَةِ الأوْلَى وَحْرَفُ الشَّرْطِ مِنَ الجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ، وَتَقْدِيرُ الكَلامِ: فَإِنْ تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ، وإِنْ لَا يَتُبْ قُتِلَ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ عُتْبَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ (¬2) فِي خُطْبَتِهِ: "فَأمَّا إِذَا أَبَيتُمْ إِلَّا الطَّعْنَ عَلَى الولايَةِ والشَّقْصَ للسَّلَفِ فَوَاللهِ لأقَطِّعَنَّ عَلَى ظُهوْرِكُمْ (¬3) بُطُوْنَ السِّيَاطِ، فَإِنْ حَسَمْتْ دَاءَكُمْ وَإِلَّا السَّيفُ مِنْ وَرَائِكُمْ"، تَقْدِيرُهُ: فَإِنْ حَسَمْتُ دَاءَكُمْ فَهُوَ الَّذِي أُرِيدُ، وإِنْ لَا أَحْسِمُهُ فَالسَّيفُ مِنْ وَرَائِكُمْ. وَقَدْ تَحْذِفُ العَرَبُ الشَّرْطَ وَحْدَهُ أَوْ الجَوَابَ وَحْدَهُ، ثِقَةً ¬
بِفِهْمِ المُخَاطَبِ، فَمِمَّا حُذِفَ مِنْهُ الجَوَابُ وَحْدَهُ قَوْلُ الشَّاعِرُ (¬1): * ...... إِنْ نَفَرَا * أَرَادَ: إِنْ نَفَرَ لَا أَمْلِكُ رَأْسَهُ، وَمِمَّا حُذِفَ مِنْهُ الشَّرْطَ وَحْدَهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ -هُوَ المُثقَّبُ- (¬2): فَإِمَّا أَنْ تَكُوْنَ أَخِي بِحَقٍّ ... فَأَعْرِفُ مِنْكَ غَثِّي مِنْ سَمِينِي وَإِلَّا فَاطَّرِحْنِي ..... ... ...................... البيت مَعْنَاهُ: وَإِنْ لَا تَكُنْ أَخِي بِحَقٍّ فَاطَّرِحْنِي. وَمِثْلُهُ قَوْلُ القَائِلِ: اصْبِرْ وَإِلَّا فَاصْنَعْ مَا بَدَا لَكَ. - وَقَوْلُهُ: "مِنْ مُغْرِبه خَبَرٍ" (¬3) [6]. الصَّوَابُ كَسْرُ الرَّاءِ والإضَافَةِ، وَلَكِنَّ ¬
[القضاء فيمن وجد مع امرأته رجلا]
أَبَا عُبَيدٍ (¬1)، فَتَحَ الرَّاءَ والإضافَةِ، وقَال. والأُمَويُّ (¬2) يَفْتَحُهَا، وَغَيرُهُ يَكْسَرُهَا، وأَصْلُهَا مِنَ الغَرَبِ وَهُوَ البُعْدُ، وَمِنْهُ قِيلَ: دَارُ فُلانٍ غَرْبَةٌ، وَأَنْشَدَ: وَشَطَّ وَلْيُ النَّوَى إِنَّ النَّوَى قُذُفٌ ... تَيَّاحَةٌ غَرْبَةٌ بالدَّارِ أَحْيَانًا وَمِنْهُ قِيلَ: [شَأوٌ] مُغَرِّبٌ مُغْرِبٌ قَال الكُمَيتُ: أَعَهْدُكَ فِي أُولَى الشَّبِيبَةِ تَطْلُبُ ... عَلَى دَبَرٍ هَيهَاتَ شَأْوٌ مُغَرِّبُ وأَصْلُهُ: سَرَّقَ وغَرَّبَ: إِذَا صَارَ إِلَى الشَّرْقِ والغَرْبِ، ثُمَّ قِيلَ لِكُلِّ شَيءٍ أَبْعَدَ فِي الأَرْضِ ذَهَابًا: غَرَّبَ وَإِنْ لَمْ يَذْهَبْ إِلَى الغَرْبِ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَذْهَبُ إِلَى [أَنَّ] مَعْنَاهُ: هَلْ فِيهِمْ مِنْ خَبَرٍ غَرِيب، وَ"مِنْ" زَائِدَةٌ كمَا يُقَالُ: هَلْ فِي الدَّارِ مِنْ رَجُلٍ. [القَضَاءُ فِيمَنْ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا] -[قَوْلُهُ: "فَلْيُعْطَ بِرُمَّتِهِ" [18]. والرُّمَّةُ: الحَبْلُ. وَقَوْلُهُ: "فَلْيُعْطَ" الصَّوَابُ فتْحُ الطَّاءِ، وَرَوَاهُ عُبَيدُ اللهِ بالكَسْرِ. وَهَذَا كَلامٌ جَرَى مَجْرَى ¬
المَثَلِ (¬1) يُقَالُ للرَّجُلِ إِذَا أَمَرُوْهُ بِأن يُعْطَى الشَّيءُ بِجُمْلَتِهِ مِنْ غَيرِ أَنْ يُحْبَسَ مِنْهُ شَيءٌ: ادْفَعْهُ إِلَيهِ بِرُمَّتِهِ، وأَصْلُهُ: أَنَّ رَجُلًا بَاعَ مِنْ رَجُلٍ بَعِيرًا في عُنُقِهِ حَبْلٌ فَلَمَّا اسْتَوْجَبَهُ أَرَادَ السِّمْسَارُ أَنْ يَأْخُذَ الحَبْلَ مِن عُنُقِ البَعِيرِ، فَقَال لَهُ البَائِعُ: ادْفَعْهُ إِلَيهُ برُمَّتِهِ، فَصَارَ مَثَلًا. وَقِيلَ: إِنَّ أَصْلَهُ أَنَّ مَنْ شَأْنِ المَأْسُوْرِ والقَاتِلِ أَنْ يُوضَعَ في عُنُقِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَبْلٌ يُقَادُ بِهِ. فَكَلامُ عَلِيَّ عَلَى هَذَا حَقِيقَة، وَعَلَى التّأْويلِ الأوَّلِ مَجَازٌ. - وَقَوْلُهُ: "أَنَا أَبُو حَسَنٍ". فَإِنْ هَذِهِ كَلِمَةٌ تَسْتَعْمِلُهَا (¬2) العَرَبُ عِنْدَ الافْتِخَارِ؛ بِمَا يَعْمَلُهُ النَّاسُ مِنْ أمْرٍ أَوْ عِنْدَ ظَنٍّ يَظُنُّهُ فَيَصْدُقُ ظَنُّهُ، أَوْ أَمْرٍ يَرُوْعُهُ ¬
حَتَّى يَأْتِيَ لَهُ مِنْهُ مُرَادُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ عَمْرِو بنِ العَاصِ -حِينَ بَلَغَهُ قَتْلُ عُثْمَانَ-: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ (¬1) إِذَا حَكَكْتُ قُرْحَةً أَدْمَيتُهَا؛ أَرَادَ إِنَّه كَانَ يَظُنُّ أَنَّه سَيُقْتَلُ، وَصدَقَ ظَنُّهُ. وَبَلَغَ مُعَاويَةَ أَنَّ بِطْرِيقًا في بِلادِ الرُّوْمِ يُؤاذِي المُسْلِمِينَ وَيَطْعَنُ عَلَيهِمْ ويُغْرِي بِهِمْ المَلِكَ فَبَعَثَ إِلَيهِ مُعَاويَةُ بِهَدِيَّةٍ فِيهَا خِفَافٌ حُمْرٌ ودُهْنُ بَانٍ، ثمَّ بَعَثَ إِلَيهِ بِثَانِيَةٍ وَثَالِثَةٍ حَتَّى عُرِفَتْ رُسُلُ مُعَاويَةَ بالاخْتِصَاصِ بِذلِكَ البِطْرِيقِ والنُّزُوْلِ عَلَيهِ، ثُمَّ كَتَبَ مُعَاويَةُ إِلَى ذلِكَ البِطْرِيقِ كِتَابًا يَشْكُرُهُ فِيهِ عَلَى مَا وَعَدَهُ مِنْ خُذْلانِ مَلِكِ الرُّوْمِ السَّعْيِ عَلَيهِ، وأَمَرَ رُسُلَهُ بَأَنْ تَتَعَرَّضَ لأنْ يُرَى الكِتَابُ، فاتَّصَلَ ذلِكَ بِمَلِكِ الرُّوْمِ فَطَلَبَ البِطْرِيقَ وأَرَاحَ اللهُ مِنْهُ المُسْلِمِينَ، فَبَلَغَ ذلِكَ مُعَاويَةَ، فَقَال: أَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَن، وَمِنْ ذلِكَ قَوْلُ أَبِي النَّجْمِ (¬2): ¬
[القضاء في المنبوذ]
* أَنَا أَبُو النَّجْمِ وَشِعْرِي شِعْرِي * [القَضَاءُ في المَنْبُوْذِ] -[قَوْلُهُ: "عَسَى الغُوَيرُ أَبْؤسًا"] (¬1). الغُوَيرُ: تَصْعيرُ غَارٍ. وأَبْؤُسٌ: جَمْعُ بَأْسٍ، وَهُوَ الشِّدَّةُ والمَكْرُوْهُ، وَمِنْهُ: لَا بَأس عَلَيكَ، أَي: لَا مَكْرُوْهَ، وأَصْلُ هَذَا المَثلِ: أَنَّ الزَّبَّاءَ قَتَلَتْ جُذَيمَةَ الأَبْرَشَ وَتَوَقَّعَتْ الغَدْرَ بِهَا طَلَبًا بِدَمِهِ فَاتَّخَذَتْ غَارًا تَحْتَ الأَرْضِ لِتَنْجُوَ فِيهِ إِنْ غُدِرَتْ، فَاتَّصَلَ بِهَا قَصِيرٌ اللَّخْمِيُّ فَلَمْ يَزَلْ يَنْصحُ لَهَا حَتَّى كَشَفَ عَلَى الغَارِ، وَكَانَ يَتَّجِرُ لَهَا ويُسَافِرُ، وَقَدْ اتَّفَقَ مَعَ عَمْرِو بنِ عَدِيٍّ عَلَى الغَدْرِ بالزَّبَّاءِ، وَكَانَ الأَبْرَشُ خَال عَمْرٍو، وَكَانَ [قَصِيرٌ] ¬
يُضَعِّفُ لَهَا الرِّبْحَ مِنْ مَالِ عَمْرٍو، ويُوهِمُهَا أَنَّه رَبِحَ، فَلَمَّا اطْمَأَنَّ إِلَيهَا أَتَاهَا بالجِمَالِ عَلَيهَا الصَّنَادِيقُ فِيهَا الرِّجالُ عَلَيهِمُ السِّلاحُ، وَتَقَدَّمَ إِلَيهَا وَقَال: اصْعَدِي وَانْظُرِي "قَدْ جِئْتُكَ بِمَا صَآىْ وَصَمَتْ" (¬1)، أَي: مِمَّا يَتَكَلَّمُ وَمَا لَا يَتكَلَّمُ، فَنَظَرْتْ إِلَى الجِمَالِ تَمْشِي مَشْيًا ضَعِيفًا لِثقَلِ مَا عَلَيهَا، فَقَالتْ: * مَا لِلْجِمَالِ مَشْيَهَا وَئِيدًا * ... الأبْيَات (¬2). ثُمَّ رَأَتْ قِطْعَةً مِنْهَا، وَفِيهَا عَمْرُو بنُ عَدِيٍّ قَدْ تَرَكَتِ الطَّرِيقَ فَأَخَذَتْ نحوَ الغَارِ فَقَالتْ: "عَسَى الغُوَيرُ أَبْؤسًا" أَي: عَسَى الغَارُ الَّذِي اتَّخَذْنَاهُ للنَّجَاة سَيَأْتِينَا المَكْرُوْهُ مِنْ قِبَلِهِ، وَدَخَلَتِ الجِمَالُ إِلَى القَصْرِ، فَفُتِحَتِ الصَّنَادِيقُ وخَرَجَ الرِّجَالُ فَفَرَّتْ إِلَى الغَارِ، فَأَلْفَتْ فيه عَمْرَو بنَ عَدِيٍّ وَبِيَدِهِ السَّيفُ، فَقَالتْ (¬3): "بِيَدِي لَا بِيَدِ عَمْرٍو" فَمَصَّتْ خَاتَمَهَا فَمَاتَتْ، فَصَارَ قَوْلُهَا مَثَلًا لُكُلِّ ¬
مَا يُسْتَرَابُ بِهِ، ويُتَوقَّعُ أَنْ يَأْتِيَ المَكْرُوْهُ مِنْ مَوْضِعِ الأمْنِ والثَّقَةِ مِنْهُ. فَتُرَى عُمَر اتَّهَمَ أَبَا جَمِيلَةَ (¬1) بالمَنْبُوْذِ وَخَشِيَ أَنْ يَكُوْنَ لَهُ فيه عَمَلٌ وَوَرَاءَهُ رَمِيَّةٌ، فَلَمَّا أَثْنَى عَلَيهِ زَال ذلِكَ التَّوهُّمُ، وَقَدْ تَوَهَّمَ قَوْمٌ أَنَّ عُمَرَ إِنَّمَا أَنكرَ المَنْبُوْذَ عَلَى أَبِي جَمِيلَةَ؛ لأنَّه ظَنَّ أَنَّه يُرِيدُ أَنْ يَفْرِضَ لَهُ، وَكَانَ عُمَرُ يَفْرِضُ لِلْمَنْبُوْذِ، فَظَنَّ أَنَّه أَخَذَهُ لِيَلِيَ أَمْرَهُ، وَيَأْخُذَ مَا يُفْرَضَ لَهُ فَيَصْنَعَ فيه مَا شَاءَ، فَقَال لَهُ: عَرَفْتُهُ أَنَّه رَجُلٌ صَالِحٌ فَتَرَكَ عُمَرُ ظَنُّهُ، وأَخْبَرَهُ بالحُكْمِ فِيهِ. والقَوْلُ عِنْدَنَا هُوَ الأوَّلُ. وانْتَصَبَ "أَبؤُسًا" عَلَى خَبَرِ "كَانَ" مُضْمَرَةً، كَأنَّهُ قَال: عَسَى الغُوَيرُ أَنْ يَكُوْنَ أَبْؤُسًا، وَهُوَ قَوْلُ الكِسَائِيُّ. قَال ابنُ كَيسَان (¬2): مَعْنَاهُ عَسَى الغُوَيرُ أَنْ ¬
يَبْأسَ بَأْسًا بَعْدَ بَأسٍ (¬1) يَذْهَبُ إِلَى (¬2) أَنَّ انْتِصَابَهُ انْتِصَابُ المَصَادِرِ. وَقَال قَوْمٌ: مَعْنَاهُ: أَنَّ يُحْدِثَ أَبْؤُسًا فَهُوَ مَفْعُولٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ. وَقَال قَوْمٌ: مَعْنَاهُ: عَسَى الغُوَيرُ أَنَّ يَأتِيَ بِأَبْؤُسٍ، فلَمَّا حَذَفَ البَاءَ نَصَبَ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ الكُمَيتِ (¬3): قَالُوا أَسَاءَ بَنُو كُرْزٍ فَقُلْتُ لَهُمْ ... عَسَى الغُوَيرُ بِأَبْآسٍ وأَغْوَارِ وَمِنَ النَّحْويِّينَ مَنْ يَذْهَبُ إِلَى أنَّ "عَسَى" فِي هَذَا المَثْلِ أُجْرِيَ مُجْرَى "كَانَ" ¬
[القضاء بإلحاق الولد بأبيه]
وَهُوَ مَذْهَبُ سِيبَويهِ (¬1). وَقَال الأَصْمَعِيُّ: أَصْلُ هَذَا المَثَلِ أَنَّ قَوْمًا آوَوا إِلَى غَارٍ فَانْهَارَ عَلَيهِمْ، أَوْ أَتَاهُمْ فِيهِ عَدُوٌّ فَقَتَلَهُمْ، فَصَارَ مَثَلًا لكُلِّ مَنْ يُخَافُ أنْ يَأْتِيَ مِنْهُ شَرٌّ. وَقَال ابنُ الكَلْبِيُّ: الغُوَيرُ: مَاءٌ مَعْرُوْفٌ لِكَلْبٍ (¬2). - وَقَوْلُ عُمَرَ (¬3): "أَكَذْلِكَ". مُبْتَدأٌ مَحْذُوْفُ الخَبَرِ، أَوَادَ كَذَاكَ هُوَ، وهَذَا التَّقْدِير للعَرِيفِ عَلَى مَا وَصَفَهُ بِهِ مِنَ العِفَّةِ. [القضاءُ بإلْحَاقِ الوَلَدِ بأَبِيهِ] -[قَوْلُهُ: ] "وَلِلعَاهِرِ الحَجَرُ" [20]. قِيلَ: الرَّجْمُ، وقِيلَ: الخَيبَةُ، إِذْ لَا حَظَّ لَهُ فِي الوَلَدِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لِوُجُوْهٍ: مِنْهَا: أَنَّ الرَّجْمَ لَيسَ لِكُلِّ عَاهِرٍ، إِنَّمَا هُوَ لِلْمُحْصَنِ. وَمِنْهَا: أَنَّه رُويَ: "ولِلْعَاهِرِ الأثْلَبُ" وَهُوَ التُّرَابُ، قَاله بنُ الأعْرَابِيِّ وَغَيرُهُ. وَمِنْهَا: أَنَّ العَرَبَ إِنَّمَا تَسْتَعْمِلُ هَذَا إِذَا أَرَادُوا الخَيبَةَ لِلْرَّجُلِ مِمَّا أَمَّلَ، وأَنَّه لَا حَظَّ لَهُ فِيمَا أَرَادَ فَيَقُوْلُوْنَ: تُرْبٌ لَهُ وَجَنْدَلٌ، وتُرْبًا لَهُ وَجَنْدَلًا، والأكْثَرُ في كَلامِهِم النَّصْبُ [قَال الشَّاعِرُ] (¬4): لَقَدْ أَلَّبَ الوَاشُوْنَ إِلْبًا لِبَينَنَا ... فَتُرْبٌ لأَفْوَاهِ الوُشَاةِ وَجَنْدَلُ ¬
أَي: خَيبَةٌ لَهُمْ بِمَا أَمَّلُوا. وتَقُوْلُ أَيضًا: تُرَابٌ. قَال الشَّاعِرُ (¬1): أَرُوْحُ وَلَمْ أُحْدِثْ لِلَيلَى زِيَارَةً ... لَبِئْسَ إِذَنْ رَاعِي المَوَدَّةِ والأَصْلِ تَرَابٌ لأَهْلِي لَا وَلَا نِعْمَةً لَهُمْ ... لَشَرٌّ إِذَنْ مَا قَدْ تَعَبَّدَنِي أَهْلِي ويُقَالُ: أَثْلَبٌ وإِثْلِبٌ (¬2)، قَال الشَّاعِرُ (¬3): * تَكْسْو حَرُوْفَ حَاجِبَيهَا الأثْلَبَا * أَي: التُّرابُ. - قَوْلُهُ: "هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ [بنَ زَمْعَةَ] ". قَال الطَّبَرِيُّ: هِيَ إِضَافَةُ مُلْكٍ وعُبُوْدِيَّةٍ. وَقَال الطَّحَاويُّ: هِيَ إضَافَةُ اخْتِصَاصٍ لَا عَلَي وَجْهِ المُلْكِ، وَلَا عَلَى النَّسَبِ، لَكِنْ كَمَا يُضَافُ اليَتِيمُ إِلَى مَنْ يُوْليهِ وَيَتَوَلَّى أَمْرَهُ. وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: هِيَ إِضَافَةُ نَسَبٍ. ¬
وَذَكَرَ أَنَّ عُمَرَ كَانَ قَائِفًا، ولِذلِكَ مَا اجْتَزَأَ بِقَوْلِ قَايفٍ وَاحِدٍ، اسْتِظْهَارًا علَى فَرَاسَةِ نَفْسِهِ، وإِنَّمَا (¬1) قَوْمًا أَتَوْهُ يَدَّعُوْنَ أَنَّهُمْ (¬2) مِنْ قُرَيشٍ لِيُثْبِتَهُمْ فِيهِمْ، فَنَظَرَ إِلَى وُجُوْهِهِمْ وَأَكُفِّهِمْ ثُمَّ قَال: صُفُّوا العُطُفَ عَلَى مَنَاكِبِكُمْ، وَهِيَ الأرْدِيَةُ، وَاحِدُهَا عِطَافٌ، ثُمَّ قَال: أَدْبِرُوا وأَقْبِلُوا، ثُمَّ قَال: لَيسَتْ بِأَكُفِّ قُرَيشٍ وَلَا شَمَائِلِهَا، إِنَّمَا أَنْتُمْ (¬3) مِنْ بَنِي فُلانٍ، وأَكْثَرُ مَا يَتَفَرَّسُ (¬4) القَافَةُ في الوُجُوْهِ، والأَكُفِّ، والأقْدَامِ، والحَرَكَاتِ، والأخْلاقِ، وقَال بَعْضُ الشُّعَرَاءِ -يُرِيدُ مَنْ نَفَاهُ عَنْ أَبِيهِ-: وَقَدْ كَتَبَ الشَّيخَان لِي فِي صَحِيفَتِي ... شَهَادَةَ حَقٍّ أَخْضَعَتْ كُلَّ بَاطِلِ أَرَادَ بالشَّيخَينِ: أَبَوَيهِ، وَبِصَحِيفَتِهِ: وَجْهُهُ، وَقَال آخَرُ (¬5): أَرِقُّ لأرْحَامٍ أُرَاهَا قَرِيبَةً ... لِحَارِ بنِ كَعْبٍ لا لِجَرْمٍ وَرَاسِبِ وَأَنَّا نَرَى أَقْدَامَنَا فِي نِعَالِهِمْ ... وَآنافنَا بَينَ بَينَ اللِّحَا والحَوَاجِبِ وأَخْلاقَنَا إِعْطَاءَنَا وإِبَاءَنَا ... إِذَا مَا أَبَينَا لَا نُدِرُّ لِعَاصِبِ - ويُقَالُ: زَمْعَةٌ وَزَمَعَةٌ: لُغَتَان (¬6). وَمَعْنَى: "فَتَسَاوَقَا" سَاقَ بَعْضُهَا بَعْضًا، ¬
وَقَوْلُهُ. "يَا عَبْدُ بنَ زَمْعَةَ" يَجُوْر في "عَبْدٍ" النَّصْبُ والرَّفْعُ، أَمَّا ابنُ فَمَنْصُوْبٌ لَا غَيرُ عَلَى حَدِّ قَوْلِ العَرَبِ. يَا زَيدُ بنَ عَمْرٍو، يَا زَيدُ بنَ عَمْرٍو. و"العَاهِرُ": الزَّانِي، عَهَرَ الرَّجُلُ: إِذَا زَنَى بِحُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ. ويُقَال: سَاعَى الرَّجُلُ الأمَةَ يُسَاعِيهَا مُسَاعَاة وَسِعَاءً: إِذَا زَانَاهَا، وَلَا تَكُوْنُ المُسَاعَاتُ إلَّا في الإمَاءِ خَاصَّةً، واشْتِقَاقُهُ مِنَ السَّعْيِ، أَي. سَعَى إِلَيهَا وَسَعَتْ إِلَيهِ. والمَرْأَةُ تُسَمَّى لِبَاسًا، وفِرَاشًا، يُكْنَى عَنْهَا بِهِ، وَكَذلِكَ يُكْنَى عَنْهَا بالمَضْجَعِ، والمَرْكَبِ، والمَطِيِّةِ، وإِنَّمَا ذلِكَ على التَّمْثيلِ والتَّشْبِيهِ، قَال تَعَالى (¬1): {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ} وَقَال النَّابِغَةُ (¬2): إِذَا مَا الضَّجِيعُ ثَنَى جِيدَهَا ... تَثنَّتْ عَلَيهِ فَكَانَتْ لِبَاسَا وَقَال آخَرُ: إِذَا افْتَخَرَ الأقْوَامُ يَوْمًا بِفُرْشِهِم ... فَإِنَّ ابْنَةَ البَكْرِيِّ خَيرُ فِرَاشِ وَقَال آخَر: عَلَى مَطَايَا بُرَاهَا فِي مَسَامِعِهَا ... مِنْ حَيثُ مَا ارْتَحَلُوا بَاتُوا يَحُلُّوْنَا والبُرَى: حِلَقٌ مِنْ صُفْرٍ تُجْعَلُ في أُنُوْفِ الإبِلِ، وَاحِدُهَا بُرَةٌ، فَجَعَلَ النِّسَاءِ مَطَايَا: لأنَّهَا تُمْتَطى كالإبِلِ، إِلَّا أَنَّ الإبِلَ بُرَاهَا في أُنُوْفِهَا، وَهَذ بُرَاهَا في آذَانِهَا، إِشَارَةً إلى الشُّنُوْفِ والقِرَطَةِ، وَقَال حُجَيَّةُ بنُ المُضَرِّبِ (¬3): ¬
ذَكَرْتُ بِهمْ عِظَامَ مَنْ لَوْ أَتَيتُهُ ... حَرِيبًا لآسَانِي عَلَى كُلِّ مَرْكَبِ وَقَال آخَرُ: فَلَمَّا بَلَغْنَا الأُمَّهَاتُ وَجَدْتُمُ ... بَنِي عَمِّكُمْ كَانُوا كِرَامَ المَضَاجِعِ - وَ [قَوْلُهُ: "فَمَكَثَتْ عِنْدَ زَوْجِهَا"] [21]. يُقَال: مَكُثَ وَمَكَثَ، فَمِنْ مَكُثَ -بِضَمِّ الكَافِ- يَكُوْنُ اسمُ الفَاعِلِ: مكِيثًا (¬1)، وَمِنْ مَكَثَ - بِفَتْحِ الكَافِ -[يَكُوْنُ] اسمُ الفَاعِل: مَاكِثٌ، والضَّمُّ أَشْهَرُ، وَعَلَيهِ القُرَّاءُ إلَّا عَاصِمًا وَحْدَهُ (¬2). -[قَوْلُهُ: "فَأُهْرِيقَتْ عَلَيهِ الدِّمَاءُ فَحَشَّ وَلَدُهَا فِي بَطْنِهَا"] الفُقَهَاءُ يَقُوْلُوْنَ: فَأُهرِيقَتْ عَلَيهِ الدِّمَاءُ فَحُشَّ وَلَدُهَا في بَطْنِهَا، والصَّوَابُ: فَأَهْرَاقَتْ عَلَيهِ وَحَشَّ؛ ¬
لأنَّ "أَهْرَاقَ" لَا يَتَعَدَّى إلَى مَفْعُوْلَينِ، وَإِنَّمَا يَتَعَدَّى إِلَى وَاحِدٍ، يُقَالُ: أَرَاقَ الرَّجُلُ المَاءَ، وَهَرَاقَهُ، وأَهْرَاقَهُ ثَلاثَ لُغَاتٍ، فَإِذَا صُرِفَ إِلَى صِيغَةِ [مَا] لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ قِيلَ: أُرِيقَ وهُرِيقَ، وأُهْرِيقَ المَاءُ، والوَجْهُ مَنْ رَوَى: "أُهْرِيقَ" أَنْ يَرْفَع الدِّمَاءَ، لَا وَجْهَ لِرِوَايَةِ غَيرِ هَذَا، وإِنْ كَانَ وَجْهُهُ مُسْتكرَهًا بَعِيدًا (¬1). وَحَشَّ النَّبْتُ فَهُوَ حَشِيشٌ، وَحَاشٌّ: إِذَا أَيبَسَ، وأَلْقَتِ النَّاقَةُ وَلَدًا حَشِيشًا. - وَقَوْلُهُ: "أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَبْلُغْنِي .. " "أَمَا" - هَهُنَا - مُخَفَّفَةُ المِيمِ، والنَّحْويُّوْنَ يُجِيزُوْنَ فَتْحَ الهَمْزَةِ في "أَنَّ" فِي هَذَا المَوْضِعِ وَكَسْرَهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ الكَلامُ فِيهَا. -[قَوْلُهُ: كَانَ يُلِيطُ أَوْلَادَ الجَاهِلِيَّةِ بمَنِ ادَّعَاهُمْ] [22]. لاطَ الشَّيءَ بالشَّيءِ: إِذَا لَصَقَ، والْتَطْتُهُ أَنَا إِلاطَةً، وَلاطَ حُبُّة بقَلْبِي يَلِيطُ وَيَلُوْطُ: إِذَا تَعَلَّقَ، وَهُوَ ألْيَطُ بِقَلْبِي وَأَلْوَطُ، وأَبى الفَرَّاءُ أَلْوَطُ إِلَّا مِنَ اللِّيَاطَةِ (¬2). - وَقَوْلُهُ: "هَذَا لأَحَدِ الرَّجُلَينِ" أَي: وَأَشَارَتْ لأَحَدِ الرَّجُلَينِ، واللَّامُ - هَهُنَا - بِمَعْنَى "إِلَى"، وَهُوَ كَلامٌ أَخْرَجَ الرَّاوي بَعْضَهُ عَلَى حِكَايَةِ قَوْلهَا، وَذلِكَ قَوْلُهَا: "يَا لَيتَنِي" وَسَائِرُهُ عَلَى جِهَةِ الإخْبَارِ عَنْهَا. وَيُرْوَى: "حَبْلٌ" [وَ] "حَمْلٌ" وَهُمَا سَوَاء. ¬
[القضاء في عمار الموات]
[القَضَاءُ فِي عِمَار المَوَاتِ] عِمَارَةُ الأَرْضِ: مَكْسُوْرَةُ العَينِ، وَمَنْ فَتَحَهَا فَقَدْ أَخْطَأَ. والمَوَاتُ - بِفَتْحِ المِيمِ -: الأَرْضُ الَّتِي لا عِمَارَةَ فِيهَا، والمَوْتَانُ: الطَّاعُوْنُ مِثْلُ المَوَاتِ، يُقَالُ: وَقَعَ في النَّاسِ مَوْتَانُ وَمَوَاتٌ، ويُقَالُ: أَرْضٌ مَيتٌ - سَاكِنَةُ اليَاءِ -: دُوْنَ مَاءٍ، قَال تَعَالى (¬1): {بَلْدَةً مَيتًا} وَمَا مَاتَ مِنَ الحَيَوَانِ دُوْنَ دَاءِ فَهُوَ مَيتة، فَأَمَّا المَيِّتُ والمَيِّتَةُ بِتَشْدِيدِ اليَاءِ فَيَصْلُحَانِ (¬2) فِي كُلِّ شَيءٍ مِنْ حَيَوَانٍ وَغَيرِهِ، وَمَا كَانَ مِنْهَا لِلْمُذَكَّرِ أُسْقِطَتْ مِنْهُ التَّاءُ، وَمَا كَانَ مِنْهُ لِلْمُؤَنَّثِ أُثْبِتَتْ فِيهِ التَّاءُ، وَكَذلِكَ مَايِتٌ وَمَايِتَةٌ. وَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّ المَيتَ - بِسُكُوْنِ اليَاءِ - يُسْتَعْمَلُ في مَنْ مَاتَ وَقَضَى نَحْبَهُ، وأَمَّا المَيِّتُ - مُشَدَّدُ اليَاءِ - فَيُسْتَعْمَلُ فِي مَنْ لَمْ يَمُتْ بَعْدُ وَهُوَ مُنْتَهٍ لأنْ يَمُوْتَ، واحْتَجَّ بِقَوْلِهِ [تَعَالى]: (¬3) {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} أي: إِنَّكَ سَتَمُوْتُ وإِنَّهُمْ سَيَمُوْتُوْنَ، وَهَذَا خَطَأٌ مِنْ وَجْهَينِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَيِّتًا وَمَيتًا لَيسَ بَينَهُمَا أَكْثَرُ مِنْ تَخُفِيفِ اليَاءِ وتَثْقِيلِهَا، كَمَا يُقَالُ: هَينٌ وهَيِّنٌ، وَلَينٌ وَلَيِّنٌ، فَكَمَا أَنَّ التَّخْفِيفَ فِي هَذَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِمَا مَعْنًى عَلَى مَعْنَاهَا قَبْلَ التَّخْفِيفِ فَكَذلِكَ مَيتٌ وَمَيِّتٌ. والوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ العَرَبَ لَمْ تُفَرِّقْ بَينَهُمَا في الاسْتِعْمَالِ، وَمَنْ أَبْيَنِ ذْلِكَ قَوْلُهُ: (¬4) ¬
لَيسَ مَنْ مَاتَ فَاسْتَرَاحَ بِمَيتِ ... إِنَّمَا المَيتُ مَيِّتُ الأحْيَاءِ إِنَّمَا المَيتُ مَنْ يَعِيشُ كَئِيبًا ... كَاسِفا بَالُهُ قَلِيلَ الرَّجَاءِ وَقَال ابنُ قُنْعَاسٍ الأسَدِيُّ (¬1): أَلا [يَا] لَيتِني وَالمَرْءُ مَيتٌ ... وَمَا يُغْنِي مِنَ الحَدَثَانِ لَيتُ فَجَعَلَ المَيتُ - بالتَّخْفِيفِ (¬2) - لِمَا يَمُوْتُ فِي المُسْتَقْبَلِ كَمَا تَرَى. ¬
[القضاء في المياه]
وَقَال الآخَرُ: أَتَشْمَتُ مِنْ مَوْتي أَتَانَا حِمَامُهَا ... وَمَا النَّاسُ إلَّا مَيِّتٌ وابْنُ مَيِّتِ -[وَقَوْلُهُ: "لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ"] [26]. الرِّوَايَةُ: "لِعرْقٍ ظَالِمٍ" عَلَى الصِّفَةِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذلِكَ تَفْسِيرُ مَالِكٍ هَذِهِ، وَقَدْ رُويَ بالإضَافَةِ عَلَى أَنْ يَكُوْنَ العِرْقُ الأصْلَ، والمُرَادُ بِهِ: وَلَيسَ لأصْلٍ يُوْصلُهُ ظَالِمٌ في أَرْضِ غَيرِهِ حَقٌّ يَسْتَوْجِبُهُ، وَهَذا هُوَ الأَصْلُ والمُرَادُ بِهِ، وإِنْ نُوُّنَ [جُعِلَ "ظَالِمٌ" صِفَةً لَهُ عَلَى] (¬1) هَذا المَعْنَى كَمَا قَال [تَعَالى]: (¬2) {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16)} فَنَسَبَ ذلِكَ إِلَيهَا، وَإِنَّمَا الكَاذِبُ والخَاطِئُ صَاحِبُهَا. (3) - وَذَكر تبليغَ إلى الجرر فَقَال: الجَرر والجرار سَوَاءٌ (¬3). [القضَاءُ في المِيَاهِ] - وَ [قَوْلُهُ: "فِي سَيلِ مَهْزُوْزٍ - بالرَّاء - وَمُذَينِيبُ"] [28]. مَهْزُوْزٌ ومُذَينيبُ: وَادِيَانِ مِنْ أَوْدِيَةِ المَدِينَةِ (¬4)، يَنْحَدِرَانِ (¬5) إِلَى نَاحِيَةِ بَنِي قُرَيظَة، قَال الشَّاعِرُ: آلَيتُ إِسلامَكُمْ يَا هِنْدُ مَا طَلَعَتْ ... شَمْسٌ وَسَال مُذَينِيبٌ وَمَهْرُوْزُ -[قَوْلُهُ: "لِيَمْنعَ بِهِ الكَلأ"] [29]. الكلأُ: مَقْصُوْرٌ وَمَهْمُوْزٌ: اسمٌ يَقَعُ عَلَى جَمِيعِ ¬
[القضاء في المرفق]
النَّبَاتِ، أَخْضَرُهُ ويَابِسُهُ (¬1). - قَوْلُهُ: "لَا يُمْنعُ نَقْعُ البِئْرِ" [30]. النَّقْعُ: المَاءُ المُجْتَمِعُ في البِئْرِ وَغَيرِهَا مِنَ الأَرْضِ، والجَمْعُ: أَنْقُعٌ وَنِقَاعٌ، وَمِنْهُ: "إِنَّهُ لَشَرَّابٌ بِأَنْقُعٍ" (¬2) يُقَالُ للرَّجُلِ المُجَرِّبِ لِلأُمُوْرِ، يُرَادُ بِهِ: قَدْ سَافَرَ وَشَرِبَ المِيَاهَ المُخْتَلِفَةِ. وَرَوَى بَعْضُهُمْ: "نَفْعُ بِئْرٍ" بالفَاءِ، وَهُوَ تَصْحِيفٌ. [القَضَاءُ في المِرْفَقِ] المِرْفَقُ: كُلُّ مَا ارْتَفَقَ بِهِ الإنْسَانُ وَكَانَتْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ، وَيُقَالُ: مِرْفَقٌ ومَرْفَقٌ وقُرِئَ بِهِمَا: {مَرْفَقًا} (¬3). -[قَوْلُهُ: "لَا ضَرَرَ ولَا ضِرَارَ"] [31]. والضَّرَرُ: فِعْلُ الوَاحِدِ، والضِّرَارُ ¬
فِعْلُ الاثْنَينِ فَصَاعِدًا، بِمَنْزِلَةِ القِتَالِ والخِصَامِ، فَكَأَنَّهُ نَهَى عَنْ أَنْوَاعِ الضُّرِّ، وأَمَرَ أَنْ لَا يُضَارَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الرَّجُلَينِ صَاحِبَهُ عَلَى جهَةِ المُجَازَاةِ، وَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بالضَّرَرِ، عَلَى أَنَّ المُجَازَاةَ دُوْنَ تَعَدٍّ جَائِزَةٌ بِنَصِّ القُرْآنِ (¬1)، وَقَال الحَسَنُ: الضَّرَرُ: مَالكَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ، وَعَلَى غَيرِكَ فِيه مَضَرَّةٌ، والضِّرَارُ مَا لَيسَ لَكَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ، وَعَلَى غَيرِكَ فِيهِ مَضَرَّةٌ، وَقَدْ قِيلَ: هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَذلِكَ (¬2) لَا يَصِحُّ لِمَعْنيَينِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ اللُّغَةَ تَدُلُّ عَلَى خِلافِ ذلِكَ. والثَّانِي: أَنَّ كَلامَهُ [صلى الله عليه وسلم] كُلَّهُ (¬3) حِكَمٌ لَيسَ فِيهِ حَشْوٌ وَلَا لَغْوٌ، وَلَا لَفْظُ لَا مَعْنَى لَهُ، وإِذَا أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ لِكُلِّ لَفْظٍ مَعَنًى يَخُصُّهُ كَانَ أَوْلَى وأَصَحَّ. - وَ [قَوْلُهُ: "في حَائِطِ جَدِّه رَبيعٌ لِعَبْدِ الرَّحْمن بنِ عَوْف"] [34]. الرَّبِيع: السِّقَايَةُ، وَجَمْعُهُ: رُبْعَانٌ وأَرْبُعَةٌ. وَقَال ابنُ قُتَيبَةَ: يُجْمَعُ رَبِيعٌ: - الكَلأُ - عَلَى أَرْبُعَةٌ، وَرَبِيعٌ - الجَدْوَلُ -: أَرْبُعَاءٌ. والجَدْوَلُ أَكْبَرُ مِنَ الرَّبِيع، وَكَذلِكَ الخَلِيجُ. - وَ [قَوْلُهُ: لَا يَمْنعُ أَحَدُكُمْ جَارَ خَشَبَةً يَغرِزُهَا في جِدَارِهِ"] [32]. يُرْوَى. "خَشَبَةً" عَلَى الإفْرَادِ، وَ"خَشَبَهُ" عَلَى الجَمْعِ (¬4). و[قَوْلُهُ: "بَينَ أَكْتَافِهِمْ"]. يُرْوَى: "بَينَ أَكْتَافِهِمْ" بالتَّاءِ، وَهُوَ الوَجْهُ. ¬
[القضاء في الضواري والحريسة]
وَيُرْوَى بالنُّوْنِ وَلَيسَ بِصَحِيحٍ. والأَكْتَافُ: النَّوَاحِي مِنْ كُلِّ شَيءٍ. والعُرَيضُ: تَصْغِيرُ عرضٍ، وَهُوَ الوَادِي (¬1). [القَضَاءُ فِي الضَّوَارِي والحَرِيسَةِ] اخْتَلَفَتْ نُسَخُ "المُوَطَّأ" في تَرْجَمَةِ بَابِ القَضَاءِ في "الضَّوَارِي والحُرَيسَةُ" فَوَقَعَ في نُسْخَةِ مُعَاويَةَ (¬2) عَلى عُبَيدِ الله، قَال ابنُ وَضَّاح: الضَّوَالُّ. ووَقَعَ في كِتَابِ أَبِي عُمَرَ وغَيرِهِ: الضَّوَارِي وفَسَّرَهُ فَقَال في "الاسْتِذْكَارِ": "الضَّوَارِي: مَا ضَرَي الأذَى. والحُرَيسَةُ: المَحْرُوْسَةُ مِنَ المَاشِيَةِ في المَرْعَى، قَال الخَطَّابِيُّ: وَقَال أَهْلُ اللُّغَةِ: الحَرِيسَةُ مِنَ المَوَاشِي: مَا أَدْرَكَهُ اللَّيلُ فِي المَرْعَى مِنْ غَيرِ أَنْ يُؤْويَهِ الرَّاعِي ويَصْرِفَهُ إِلَى مَكَانِهِ الَّذِي يَبِيتُ فِيهِ، وتُسَمِّيه العَرَبُ: حَرِيسَةَ الجَبَلِ. وأَمَّا الضَّوَالُّ فَمَعْنَاهَا المُهْمَلَةُ الَّتِي لَا صَاحِبَ مَعَهَا، والَّتِي خَلَتْ مِنْ أَخِصَّائِهَا وَرُعَاتِهَا. - وَقَوْلُهُ: "ضَامِنٌ عَلَى أَهْلِهَا" [37]. أي: مُوْجِبٌ عَلَيهِمْ العَزْمَ؛ لأنَّ ¬
الضَّمَانَ إِيجَابٌ وإِثْبَاتٌ. ويُحْتَمَلُ أَنْ يَكُوْنَ مِنْ قَوْلهِمْ: هُوَ ضَمِنٌ عَلَى أَهْلِهِ، وَضَمْنٌ عَلَيهِمْ وَضَامِنٌ عَلَيهِمْ (¬1)؛ أَي: كَلٌّ عَلَيهِمْ يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ، فَيَكُوْنُ مَعَنَى ضَامِنٌ عَلَيهِمْ: عَائِذٌ عَلَيهِمْ وَلازِمٌ لَهُم، وَتأَوَّلَهُ قَوْمٌ عَلَى أَنَّهُ مَضْمُوْنٌ عَلَيهِمْ، وَجَعَلُوا فَاعِلَهُمَا بِمَعْنَى مَفْعُوْلٍ، كَدَافِنٍ بِمَعْنَى مَدْفُوْنٍ، وَهَذِهِ الأوْجُهُ الثَّلاثَةُ مُتَقَارِبَةٌ في المَعْنَى. - وَذَكَرَ النَّفَشَ فَقَال: النَّفَشُ لَا يَكُوْنُ إِلَّا باللَّيلِ، هَذَا قَوْلُ جَمِيعْ أَهْلِ اللُّغَةِ (¬2)، يُقَالُ: نَفَشَتِ الإبِلُ نَفْشًا، وأَنْفَشَهَا صَاحِبُهَا إِنْفَاشًا، قَال الرَّاجِزُ (¬3): إِجْرِشْ لَهَا يَا بْنَ أَبِي كِبَاشِ فَيَا لَهَا اللَّيلَةَ مِنْ أَنْفَاشِ أَمَّا "الهَمَلُ" فَقَال بَعْضُهُم هُوَ بالنَّهَارِ خَاصَّةً، وَقَال قَوْمٌ: يَكُوْنُ لَيلًا وَيَكُوْنُ نَهَارًا. في حَرِيسَةِ الجَبَلِ غَرَامَاتٌ مِثْلُهَا وجَرَارَاتٌ وَلَا قَطْعَ، يُحْتَجُّ بِهَذَا لِعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ في تَضْعِيفِ القِيمَةِ عَلَى مَوَالِي العَبِيدِ، وَإِنْ كَانَ القُرْآنُ يُعَارِضُهُ، يَرْويهِ عَمْرُو بنُ شُعَيبٍ (¬4) عنْ أَبيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ [صلى الله عليه وسلم]. ¬
[القضاء فيما يعطى العمال]
[القَضَاءُ فِيمَا يُعْطَى العُمَّالُ] -[قَوْلُهُ: "حُلِّفَ الصَّبَّاغُ"] [38]. تَسْمِيَةُ الصَّبَّاغِ غَسَّالًا غَيرُ مَعْرُوْفٍ في اللُّغَةِ. [القَضَاءُ في الحَمَالةِ والحَوَلِ] " الإحَالةُ": المَصْدَرُ، والحَوَالةُ والحَوَلُ: اسْمٌ، وَسُمِّيَتْ بِذلِكَ لأنَّهَا تَحُوْلُ وتَنْتَقِلُ (¬1) مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، وَمِنْهُ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬2): {لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108)} أَي: تَحَوُّلًا، وَكَانَ أَهْلُ الجَاهِلِيةِ يُسَوُّونَ بَينَ الحَوَالةِ والكَفَالةِ فِي ¬
أَحْكَامِهِمْ، ولِذلِكَ قَال زُهَيرٌ (¬1): * وَسِيَّان الكَفَالةُ وَالتَّلاءُ * و"التَّلاءُ": الحَوَالةُ، أَتْلَيتُ فُلانًا عَلَى فُلانٍ: إِذَا أَحَلْتَه عَلَيهِ (¬2)، وَعَلَى هَذَا جَاءَ مَذْهَبُ أَبِي ثَوْرٍ (¬3) وابنِ أَبِي لَيلَى (¬4) وابنِ شُبْرُمَةَ (¬5) في التَّسْويَةِ بَينَهُمَا. ¬
[القضاء فيمن ابتاع ثوبا وبه عيب]
[القَضَاءُ فِيمَنِ ابْتَاعَ ثَوْبًا وَبِهِ عَيبٌ] -[قَوْلُهُ: "وَبِهِ عَيبٌ مِنْ حَرْقٍ"] [38]. إِذَا كَانَ فِي الثَّوْبِ أثرٌ مِنْ دَقِّ القَصَّارِ أَوْ الكَمَّادِ فهُوَ حَرَقٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ، فَإِنْ كَانَ مِنَ النَّارِ فَهُوَ [بِتَسْكِينِ] (¬1) الرَّاءِ (¬2)، قَال الشَّاعِرُ (¬3) - فِي حَرَقٍ -: شَيبٌ تُغَرُّبِهِ كَيمَا تَغُرَّبِهِ ... كَبَيعِكَ الثَّوْبَ مَطْويًّا عَلَى حَرَقِ ¬
[ما لا يجوز من النحل]
وَقَال فِي الحَرْفِ: مَنْ جَالسَ القَينَ لَمْ تَعْدِمْ مَلابِسُهُ ... حَرْقًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَرْقٌ فَتَدْخِينُ - قَوْلُهُ: "فَهُوَ رَدٌّ عَلَى البَائِعِ". القِيَاسُ: فَهُو مَرْدُوْدٌ، وَلكِنَّ هَذَا مِمَّا وُضِعَ المَصْدَرُ فِيهِ مَوْضِعَ المَفْعُوْلِ كَمَا قَالُوا: دِرْهَمٌ ضَرْبُ الأَمِيرِ (¬1). -[قَوْلُهُ: "أَوْ عَوَارٌ"، العَوَارُ، والعُوَارُ: العَيبُ وَالفَسَادُ. - وَ [قَوْلُهُ: "إنْ شَاءَ أَنْ يَغْرَمَ"] يُقَالُ: غَرَمَ يَغْرِمُ بِفَتْحِ الرَّاءِ في المَاضِي وَكَسْرِهَا فِي المُسْتَقْبَلِ، مِثْلُ ضَرَبَ يَضْرِبُ وَغَرِمَ يَغْرَمُ مِثْلُ عَلِمَ يَعْلَمُ. - وَ [قَوْلُهُ: "أَو الصَّبْغُ"]. الصَّبْغُ -بِفَتْحِ الصَّادِ- المَصْدَرُ، والصُّبغ: اسمُ مَا يُصبَغُ بِهِ. [مَا لَا يَجُوْزُ مِنَ النَّحْلِ] النِّحْلَةُ والنَّحْلُ: العَطِيَّةُ الَّتِي لَا يُطْلَبُ عَلَيهَا مُكَافَأةٌ، وَهُمَا جَمِيعًا مَصْدَرَانِ قَال تَعَالى (¬2): {صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} أَي: هِبَةٌ مِنَ الله وَفَرِيضَةٌ عَلَى الأزْوَاجِ. - وَقَوْلُهُ: "أَكُلُّ وَلَدِكَ [نَحَلْتَهُ] " [39]. يَجُوْزُ في "كُلٍّ" الرَّفُعُ والنَّصْبُ، فَمَنْ رَفَعَ فَلاشْتِغَالِ الفِعْلِ عَنْهُ بِضَمِيرِهِ، وَمَنْ نَصَبَ فَبِإِضْمَارِ فِعْلٍ يُفَسِّرُهُ هَذَا الظَّاهِرُ، كَأَنَّهُ قَال: أَنَحَلْتَ كُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ، والاخْتِيَارُ النَّصْبُ؛ لأنَّ الاسْتِفْهَامَ بالفِعْلِ أَوْلَى إِذَا دَخَلَ عَلَى جُمْلَةٍ فِيهَا فِعْلٌ واسمٌ ما لمْ يَعْرِضْ عَارِضٌ يَمْنَعُ مِنْ ذلِكَ. ¬
-[فَأَمَّا قَوْلُهُ: "فَارْتَجِعْهُ" فَإِنَّ "رَجَعَ" فِعْلٌ يُسْتَعْمَلُ مُتَعَدِّيًا وَغَيرَ مُتَعَدٍ] فَإِذَا أَرُيدَ بالرُّجُوع مَعْنَى الانْصِرَافِ لَمْ يَتَعَدَّ، وَإِذَا أُرِيدَ بِهِ مَعْنَى الرَّدِّ تَعَدَّى. - وَقَوْلُهُ: "جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا" [40]. أَرَادَ: حَائِطًا يُجَدُّ مِنْهُ هَذا العَدَدُ، وهَذَا كَلامٌ خَرَجَ مَخْرَجَ المَجَازِ؛ لأنَّ الحَائِطَ يُجَدُّ مِنْهُ التَّمْرُ، وَلَا يَجُدُّ هُوَ، فَهُوَ فِي الحَقِيقَةِ مَجْدُوْدٌ وَلَا جَادٌّ، وَلَهُ تَأْويلانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ الحَائِطَ لَمَّا كَانَ يُنْبِتُ التَّمْرَ ويُعْطِيهِ جَازَ أَنْ يُؤْتَى بهِ عَلَى لَفْظِ الفَاعِلِ كَقَوْلهِمْ: هَذِهِ الأَرْضُ تُعْطِي مِنَ الزَّرْعِ كَذَا وَكَذَا، وَنَاقَةٌ تَاجِرَةٌ للنَّافِقَةِ فِي السُّوْقِ، وإِنَّمَا هِيَ مَتْجُوْرٌ فِيهَا، وَلكِنْ لَمَّا كَانَ حُسْنُهَا هُوَ الَّذِي يُنْفِقُهَا كَانَ لَهَا حَظٌّ مِنَ الفِعْلِ. والثَّانِي: لأنَّ العَرَبَ قَدْ تَأْتِي بالمَفْعُوْلِ عَلَى صِيغَةِ الفَاعِلِ عَلَى مَعْنَى النَّسَبِ كَقَوْلهِمْ: لَيلٌ نَائِمٌ، ونَهَارٌ صَائِمٌ، ولَحْمٌ حَانِذٌ للمَشْويِّ المَحْنُوْذِ والحَنِيذِ، وإِنَّمَا يُنَامُ في اللَّيلِ ويُصَامُ في النَّهَارِ. - وَ [قَوْلُهُ: "مِنْ مَالِهِ بالغَابة"]. الغَابَةُ - هَهُنَا - مَوْضِعٌ (¬1)، وأَصْلُ ذلِكَ أَنَّه شَجَرٌ مُلْتَفٌّ مُشْتَبِكٌ فَتَأْلَفُهُ الأُسْدُ وَالسِّباعُ. - وَقَوْلُهُ: "جَدَدْتِيهِ واخْتَزَنْتِيهِ" لُغَةٌ لِبَعْضِ العَرَبِ، وَأَكْثَرُ العَرَبِ يَحْذِفُوْنَ اليَاءِ، وَهِيَ اللُّغَةُ الفَصِيحَةُ المَشْهُوْرَةُ. -[قَوْلُهُ]: "وإنَّمَا هُمَا أَخَوَاكِ وأُخْتَاكِ" إِنَّمَا ثَنَّى الضَّمِيرَ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ شَيءٌ مُثَنًّى يَعُوْدُ عَلَيهِ؛ لأنَّ الوَارِثَ لَفْظُهُ مُفْرَدٌ يُرَادُ بِهِ الوَاحِدُ والاثْنَانِ والجَمِيع، فَحَمِلَ ¬
الإضْمَارَ عَلَى المَعْنَى، كَمَا يُقَالُ: مَنْ فِي الدَّارِ أَخَوَاك أَوْ إخْوَتُكَ؟ وَعَلَى نَحْو هَذَا التَّأْويلِ قَوْلُهُ تَعَالى (¬1): {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَينِ} لَمَّا كَانَتِ الكَلالةُ تَقَعُ عَلَى الوَاحِد والجَمِيع، وهَذَا مِنَ المَسَائِل الغَامِضَةِ في النَّحْو، وَمِمَّا يَنْحُو هَذَا تَفْسِيرُكَ المُؤَنَّثَ بالمُذَكَّرِ والمُذَكَّرَ بالمُؤَنَّثِ، كَقَوْلكَ: الجُرْأَةُ هُوَ الإقْدَامُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُوْلُ: الجُرْأَةُ هِيَ الإقْدَامُ كَيفَ كَانَ المُبْتَدَأُ والخَبَرُ شَيئًا وَاحِدًا و [مَا] كَانَتِ الجُرْأَةُ إلَّا هِيَ الإقْدَامُ في المَعْنَى. - وَقَوْلُهُ: "ذُو بَطْنٍ بِنْتُ خَارِجَةَ". [ذُ] و- هَهُنَا - بِمَعْنَى صَاحِب، وَقَدْ تَكُوْنُ "ذُو" بِمَعْنَى "الَّذِي". في مِثْلِ قَوْلِ الشَّاعِرِ (¬2): [وَ] قُوْلا لِهَذَا المَرْءِ ذُو جَاءَ سَاعِيًا ... [هَلُمَّ] فَإِنَّ المَشْرَفِيَّ الفَرَائِضُ وَهِيَ لُغَةٌ طَائِيَةٌ، وَلَا مَدْخَلَ لَهَا فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ -رحمه الله-؛ لأنَّ "ذُو" هَذِهِ الَّتِي ¬
[الاعتصار في الصدقة]
بِمَعْنَى "الَّذِي" لَا تَجُوْزُ إِضَافَتُهَا كَمَا لَا تَجُوْزُ إِضَافَةُ "الَّذِي"، وَكَذلِكَ الأَسْمَاءُ المَوْصُوْلَةُ لَا تَجُوْزُ إضَافَتُهَا. وَحُكِيَ عَنِ ابنِ وَضَّاحٍ أَنَّهُ كَانَ يَتَأَوَّلُ "ذُو" هُنَا بِمَعْنَى "الَّذِي" وَذلِكَ غَلَطٌ فَاحِشٌ. [الاعْتِصَارُ في الصَّدَقَةِ] والاعْتِصَارُ - في اللُّغَةِ - اسْتِخْرَاجُ مَالٍ مِنْ يَدِ إِنْسَانٍ بَأيِّ وَجْهِ اسْتِخْرَاجٍ، وَهُوَ [مِنْ] عَصَرْتُ العِنَبَ واعْتَصَرْتُهُ (¬1): إِذَا اسْتَخْرَجْتُ مَاءَهُ، واعْتَصَرَتِ الرِّيحُ السَّحَابَ: إِذَا اسْتَخْرَجَتْ مَاءَهَا، وَرَجُلٌ كَرِيمٌ المُعْتَصَرِ، أَي: مَا يُسْتَخْرَجُ مِنْ مَالِهِ بالسُّؤَالِ، قَال الرَّاجِزُ: * إِذَا اعْتَصَرْتَ فاعْتَصِرْ كَرِيمًا * وَقَال آخَرُ -يَمْدَحُ رَجُلًا مَنَّ عَلَى أَسِيرٍ فَأَطْلَقَهُ (¬2) -: فَمَنَّ واسْتبقَى وَلَمْ يَعْتَصِرْ مِنْ رَفْعِهِ مَالًا وَلَا بِمُكْسِرِهْ أَرَادَ بِرَفْعِهِ: قَوْمَهُ، وَأَرَادَ بِمكْسِرِهْ: أَصْلَ مَالِهِ. - وَ [قَوْلُهُ: "أَوْ كَانَ فِي حَجْرِ أَبِيهِ"] [42]. يُقَالُ: حَجْرُ الإنْسَانِ، وَحِجْرُهُ والفَتْحُ أَفْصَحُ. ¬
[القضاء في العمرى]
[القَضَاءُ في العُمْرَى] وَ"العُمْرَى": قَوْلُ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ: هَذِهِ الدَّارُ لَكَ عُمُرُكَ أَوْ عُمُرِي. وَ"الرُّقْبَى": "أَنْ يَقُوْلَ: إِنْ مِتَّ قَبْلِي رَجَعَتْ لِي، وإِنْ مِتُّ قَبْلَكَ فَهِيَ لَكَ، واشْتِقَاقُهُ مِنَ المُرَاقَبَةِ؛ لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُرَاقِبُ مَوْتَ صَاحبِهِ. وَقِيَاسُ "العُمْرَى" و"الرُّقْبَى" عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنْ يَكُوْنَا مَصْدَرَينِ؛ لأَنَّ العُمْرَى والرُّقْبَى (¬1) بِمَنْزِلَةِ "الرُّجْعَى"، فالعُمْرَى: مَصْدَرُ عَمَرَ، والرُّجْعَى: مَصْدَرُ رَجَعَ، والرُّقْبَى: مَصْدَرُ رَقَبَ، وإِنَّمَا لَزِمَ أَنْ يَكُوْنَا مَصْدَرَينِ؛ لأنَّ المُعْمِرَ والمُرْقِبَ عِنْدَ مَالِكٍ لَا يَمْلِكَانِ بالإرْقَابِ والإعْمَارِ ذَاتَ الشَّيءِ وَرَقَبَتَهُ، وإِنَّمَا لَهُ الانْتِفَاعَ بِهِ فَقَطَ، ويَجِبُ أَنْ يَكُوْنَا اسْمَينِ للشَّيءِ المُعَمَّرِ والمُرْقَبِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى أَنَّهُمَا يُوْجبَانِ مِلْكَ رَقَبَةِ الشَّيءِ. والوَجْهَانِ مَعًا جَائِزَانِ في كَلامِ العَرَبِ؛ لأنَّ "فُعْلَى" تكُوْنُ عِنْدَهُمْ مَصْدَرًا كالرُّجْعَى وتكُوْنُ اسْمًا كَالبُهْمَى، وَيَجِبُ أَنْ تكوْنَ العُمْرَى والرُّقْبَى من الأشْيَاءِ الَّتِي تُسَمَّى بالمَصَادِرِ كَتَسْمِيَتِهِمْ الرَّجُلَ زَيدًا وَعَلاءً وَجزءًا وَنَحْو ذلِكَ. وَمَعْنَى "الإفْقَارِ": أَنْ يُبِيحَهُ رَكُوْبَ ظَهْرِهِ (¬2) والفِقَارُ: عَظْمُ الصُّلْبِ. و"الإخْبَالُ" (¬3) أَنْ يُعِيرَهُ إِبلًا أَوْ غَنَمًا يَنْتَفِعُ بِهَا ويَرُدَّهَا، يُقَالُ: اسْتَخْبَلَنِي ¬
فَأَخْبَلْتُهُ. قَال زُهَيرٌ (¬1): * هُنَالِكَ إِنْ يُسْتَخْبَلُوا المَال يُخْبِلُوا * وَ"الإطْرَاقُ": أَنْ يُعْطِيَهُ فَحْلًا يَضْرِبُ نُوْقَهُ، يُقَالُ: اسْتَطْرَقَنِي فَأَطْرَقْتُهُ، والطَّرْقُ: الضِّرَابُ، وَيَكُوْنُ الفَحْلُ بِعَينِهِ، وَهُوَ مِمَّا يُسَمَّى بالفِعْلِ. - وَقَوْلُهُ: "وَرِثَ حَفْصَةَ" [45] أَي: مِنْ حَفْصَةَ، فَلَمَّا أَسْقَطَ الخَافض (¬2) تَعَدَّى فَنَصَبَ، يُقَالُ: وَرِثْتُهُ مَالًا، وَوَرِثْتُ مِنْهُ مَالًا، واخْتَرْتُ الرِّجَال زَيدًا، وَمِنَ الرِّجَالِ زَيدًا. - وَقَوْلُهُ: "قَدْ أسْكَنَتْ بِنْتَ زَيدٍ ... " كَانَ الوَجْهُ: قَدْ أَسْكَنَتْهَا بِنْتَ زَيدٍ، أَوْ أَنْ تَقُوْلَ: قَدْ أَسْكَنَتْ بِنْتَ زَيدِ بنِ الخَطَّابِ دَارَهَا، وَلكِنْ تَرَكَ ذِكْر المَفْعُوْلِ لَمَّا فُهِمَ المَغنَى. ¬
[القضاء في اللقطة]
- وَ [قَوْلُهُ: "قَبَضَ عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ المَسْكِنَ"]. يُقَالُ: مَسْكَنٌ ومَسْكِنٌ بِفَتْحِ الكَافِ وكَسْرِهَا. [القَضَاءُ فِي اللُّقَطَةِ] ذَكَرَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَنَّ اللُّقَطَةَ مَفْتُوْحَةَ القَافِ، وَهِيَ لَفْظَةٌ شَذَّتْ عَنِ القِيَاسِ؛ لأنَّ "فُعَلَةً" إِنَّمَا تُحَرَّكُ العَينُ مِنْهَا إِذَا وُصِفَ بِهَا الفَاعِلُ، فَإِنْ وُصِفَ بِهَا المَفْعُوْلُ سَكَنَتْ عَينُهَا فَيُقَالُ: رَجُلٌ لُعَنَةٌ وسُبَّةٌ وَضُحَكَةٌ: إِذَا كَانَ يَلْعَنُ النَّاسَ ويَسُبُّهُم وَيَضْحَكُ مِنْهُم، فَإِذَا كَانَ هُوَ الَّذِي يُلْعَنُ وَيُسَّبُّ وَيُضْحَكُ [مِنْهُ] سَكَنَتِ العَينُ فَقُلْتَ لُعْنَةٌ وسُبَّةٌ وضُحْكَةٌ، فَيَجِبُ عَلَى هَذا أَنْ يُقَال: لُقْطَةٌ لِلشَّيءِ المُلتَقَطِ، وتُفْتَحُ القَافُ للرَّجُلِ المُلْتَقِطِ، وَقَدْ جَاءَ بِهَا بَعْضُ اللُّغَويِّيِّنَ عَلَى القِيَاسِ، والأوَّلُ هُوَ المَشْهُوْرُ. وأَمَّا الضَّالَّةُ فَاسْمُ وَاقعٌ عَلَى كُلِّ مَا تَلِفَ وَغَابَ، وَلَا يَخْتَصُّ بِهَا حَيَوَانٌ من غَيرِهِ تَقُوْلُ العَرَبُ: ضَلَّ الشَّيءُ فِي التُّرَابِ وضَلَّ المَاءُ في اللَّبَنِ، وَقَال عَلَيهِ السَّلامُ (¬1): "إنَّ أُمَّكُمْ ضَلَّتْ قِلادَتُهَا" يَعْنِي عَائِشَةَ، وضَلَّ المِشْطُ في الشَّعْرِ: إِذَا غَابَ فِيهِ، وضَلَّ المَيِّتُ في الأَرْضِ وأَضْلَلْتُهُ: إِذَا دَفَنْتُهُ، قَال تَعَالى (¬2): {أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ}. - وَ [قَوْلُهُ: "اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوكَاءَهَا"] [46]. العِفَاصُ: هُوَ الوعَاءُ الَّذِي تَكُوْنُ فِيهِ النَّفَقَةُ مِنْ جِلْدٍ كَانَ أَوْ خِرْقَةٍ أَوْ غَيرِ ذلِك، ويُقالُ لِلْجِلْدِ الَّذِي يَدْخُلُ فِي فَمِ القَارُوْرَةِ: عِفَاصٌ؛ لأنَّهُ كَالوعَاءِ لَهَا وَلَيسَ كَالصِّمَامِ، والصِّمَامُ: ¬
الَّذِي يَدْخُلُ في فَمِ القَارُوْرَةِ فَيَكُوْنُ سِدَادًا لَهَا. وَ"الوكَاءُ": الخَيطُ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ، يُقَالُ: أَو كَيتُ الإنَاءَ إِيكَاءً، وَأَوْكَيتُ الزِّقَ: إِذَا شَدَدْتَ فَاهُ بِخَيطٍ، وَمِنْهُ (¬1) "العَينُ وَكَاءُ السّهْ" ويُرْوَى "السَّتَهْ" وهُمَا جَمِيعًا: الالسْتُ. ويُقَالُ: عَفَصْتُ القَارُوْرَةَ عَفْصًا: إِذَا شَدَدْتُ العِفَاصَ عَلَيهَا، فَإِذَا أَرَدْتَ أَنَّكَ جَعَلْتَ لَهَا عِفَاصًا قُلْتَ: أَعْفَصْتُهَا إِعْفَاصًا. - وَقَوْلُهُ: "عَرِّفْهَا": أَي: عَرَّفْ بِهَا، ثُمَّ حَذَفَ الجَارَّ فَعَدَّى الفِعْلَ. - وَقَولُهُ: "لَكَ": أَي: هِيَ لَكَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ هَذِهِ اللَّامَ تَكُوْنُ بِمَعْنَى المِلْكِ وَبِمَعْنَى غَيرِ المِلْكِ (¬2). - قَوْلُهُ: "مَا لكَ وَلَهَا" أَي: مَالكَ والتَّعَرُّضُ لَهَا. - قَوْلُهُ: "فَشَأنَكَ بِهَا" [47]. أَي: عَلَيكَ شَأْنَكَ بِهَا، أَوْ الزَمْ شَأْنَكَ؛ أَوْ نَحْوَ ذلِكَ مِنَ الإضْمَارِ الَّذِي يَلِيقُ (¬3) بِمَعْنَى الكَلامِ، فَهُوَ مَنْصُوْبٌ بالعَامِلِ المُضْمَرِ. وَلِلْعَرَبِ في هَذِهِ اللَّفْظَةِ ثَلاثُ لُغَاتٍ: - مِنْهُمْ مَنْ يَقُوْلُ: شَأْنَكَ وَكَذَا. - وَمنْهُمْ مَنْ يَقُوْلُ: شَأَنَكَ بِكَذَا. ¬
[القضاء في استهلاك العبد اللقطة]
- وَمِنْهُمْ مَن يَقُوْلُ: شَأْنَكَ فَقَط، وَلَا يَجُوْزُ: شَأَنَكَ كَذَا بغَيرِ وَاوٍ ولا باءٍ. - وَقَولُهُ: "مَعَهَا سِقَاؤُهَا [وَحِذَاؤهَا] " أي: إِنَّهَا تَقْوَى عَلَى وُرُوْدِ المَاءِ وتَصْبِرُ علَى العَطَشِ، فَشَبَّهَهَا بالمُسَافِرِ الَّذِي مَعَهُ سِقَاءٌ لِيَتَزَوَّدَ فِيهِ المَاءَ. و"حِذَاؤهَا": يُرِيدُ أَخْفَافَهَا، أَي: إِنَّهَا تَقْوَى عَلَى السَّيرِ. - قَوْلُهُ (¬1): "ضَالَّةُ المُؤْمنِ حَرْقُ النَّارِ". "الحَرْقُ": يَتَصَرَّفُ في اللُّغَةِ عَلَى أَرْبَعَة مَعَانٍ؛ فَتَارَةً يَجْعَلُوْنَهُ النَّارَ بِعَينِهَا. وَتَارَةً يَجْعَلُوْنَهُ إِحْرَاقَ النَّارِ، وَمِنْهُ الحَدِيثُ (¬2) "الحَرَقُ [والغَرَقُ] والشَّرَقُ شَهَادَةٌ" وَتَارَةً يَجْعَلُوْنَهُ الأثَرَ الَّذِي يَكُوْنُ فِي الثَّوْبِ مِنْ دَقِّ القَصَّارِ والكَمَّادِ، فَإنْ كَانَ مِنَ النَّارِ قَالُوا: حَرْقٌ، وَتَارَةً يُرِيدُوْنَ بِهِ تَأَثُّرَ شَعْرِ الإنْسَانِ وَرِيشِ الطَّائِرِ. [القَضَاءُ في اسْتِهْلاكِ العَبدِ اللُّقَطَةِ] الاسْتِهْلاكُ مُسْتَعْمَلٌ عَلَى وَجْهَينِ: أَحَدُهُمَا: التَّعَرُّضُ لِلْهَلاكِ، فَهُوَ فِي هَذَا الوَجْهُ لَا يَتَعدَّى إِلَى مَفْعُوْلٍ، يُقَالُ: اسْتَهْلَكَ الرَّجُلُ. والثَّانِي: بِمَعْنَى الإهْلاكِ فَيَتَعَدَّى، يُقَالُ: اسْتَهْلَكَ الرَّجُلُ الشَّيءَ، وأَهْلَكَهُ بِمَعْنًى، كَمَا يُقَالُ. اسْتِحْبَابِ وأَجَابَ، واسْتَوْقَدَ النَّارَ وأَوْقَدَ بِمَعْنًى. ¬
[القضاء في الضوال]
[القَضَاءُ فِي الضَوَالِّ] -[قَوْلُهُ: ] "مَنْ أَخَذَ ضَالَّةً فَهُوَ ضَالٌّ" [50]. يُرِيدُ بالضَّالَّةِ: ضَوَالُ الإبِلِ خَاصَّةً، وَلَيسَ عَلَى عُمُوْمِهِ، وَمَعْنَى "فَهُوَ ضَالٌّ" هُوَ مِنَ الضَّلالِ الَّذِي بِمَعْنَى الخَطَأ، يُقَالُ، مِنْهُ: ضَلَّ عَنِ الطَّرِيقِ، وَمِنْهُ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬1): {قَال عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (52)}، وَمِنْهُ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬2): {قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ (95)} وَكُلُّ مَا خَالفَ طَرِيقَ الاسْتِقَامَةِ فَالعَرَبُ تُسَمِّيهِ ضَالًّا. - وَ [قَوْلُهُ: "إِبِلًا مُؤَبَّلَةً"] [51]. "الإبِلُ المُؤَبَّلَةُ": المُتَّخَذَةُ لِلنَّسْلِ، لَا لِلتِّجَارَةِ وَلَا لِلْعَمَلِ، ويُقَالُ: هِيَ الكَثيرَةُ المُهْمَلَةُ، وَهِيَ الأَوَابِلُ أَيضًا (¬3). [صَدَقَةُ الحَيِّ عَنِ المَيِّتِ] -[قَوْلُهُ: "إنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسَهَا"]. رَوَى الخَطَّابِيُّ (¬4): "نَفْسُهَا" بالرَّفْعِ، وَقَال: مَعْنَاهُ: أُخِذَتْ نَفْسُهَا فُجَاءَةً (¬5). وَرُويَ: "نَفْسَهَا"، وَذلِكَ عَلَى وَجْهَينِ: ¬
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُوْن "نَفْسَهَا" مَرْدُوْدَةً عَلَى الأُمِّ كَأَنَّهُ قَال: إِنَّ أُمِّي نَفْسَهَا افْتُلِتَتْ. والثَّانِي: أَنْ يَكُوْنَ "افْتُلِتَتْ" بِمَعْنَى سُلِبَتْ، كَمَا يُقَالُ: سُلِبَ زَيدٌ ثَوْبَهُ فِي قَوْلِ مَنْ يَنْصِبَ الثَّوْبَ عَلَى أَنَّه مَفْعُوْلٌ ثَانٍ لِـ"سُلِبَ". وَمَنْ رَوَى: "افْتُلِتَتْ مِنْهَا نَفْسُهَا" فَلَيسَ في النَّفْسِ إلَّا الرَّفْعُ. وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ: "إِنَّ أُمِّي افْتَلَتَتْ"، وَكَذَا رَوَاهُ المُبَرِّدُ في "الكَامِلِ" (¬1). ¬
ومن (كتاب المساقاة)
وَمِنْ (كِتاب المُسَاقاة) (¬1) [ما جاء في المُسَاقاة] قَال مَالِكٌ: "وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُسَاقَى الأَرْضُ البَيضَاءُ، وذلِكَ أَنَّهُ يَحِلُّ لِصَاحِبَهَا كِرَاؤُهَا بالدَّنَانِيرِ والدَّرَاهِمِ وَمَا أَشْبَهَ ذلِكَ مِنَ الأثْمَانِ المَعْلُوْمَةِ" [2] هَذَا مِنْ قَوْلِهِ يُوْهِمُ إِجَازَةَ كِرَاءِ الأَرْضِ بِغَيرِ الدَّنَانِيرِ والدَّرَاهِمِ إِذَا كَانَ ذلِكَ مَعْلُوْمًا، لَيسَ هَذَا مِنْ مَذْهَبِهِ، لأنَّه لَا يُجِيزُ كِرَاءَهَا بِشَيءٍ مِنَ الطَّعَامِ مَعْلُوْمًا كَانَ أَوْ مَجْهُوْلًا، وَلابُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ كَلامِهِ تَقْدِيرًا يَخْرُجُ بِهِ عَن المُنَاقَضَةِ لأُصُوْلهِ، بِأَنْ يُجْعَلَ كَلامُهُ عَلَى التَّقْدِيمِ والتَّأْخِيرِ كَأَنَّهُ قَال: لأنَّهُ يَحِل لِصَاحِبِهَا كِرَاءَهَا مِنَ الأثْمَانِ المَعْلمُوْمَةِ بالدَّنَانِيرِ والدَّرَاهِمِ، فَيَكُوْنُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ القَائِلِ: اُمْرُرْ مِنَ القَوْمِ بِزَيدٍ وعَمْرٍو أَي: اختَصَّ هَذَينِ بِمُرُوْرِكَ دُوْنَ غَيرِهِمَا، ثُمَّ يُقَدِّمُ ويُؤَخِّرُ فَيَقُوْلُ: اُمرُرْ بِزَيدٍ وعَمْرٍو مِنَ القَوْمِ. - وَ [قَوْلُهُ: "فَجَمَعُوْا حَلْيًّا منْ حَلْي نِسَائِهِمْ"]. يُقَالُ: حَلْيٌ وحِلْيٌ، والحِلْيُ الثَّانِي يُرَادُ بِهِ النَّوْعُ، والأوَّلُ يُرَادُ بِهِ جُزْءٍ مِنَ النَّوع؛ لأنَّ الأنْوَاعَ والأجْنَاسَ يُسَمَّى كُلَّ جُزْءٍ مِنْهَا باسمِ الجُمْلَةِ، فَيُقَالُ: مَاءٌ لِلجُزْءِ مِنَ المَاءِ وَلِجَمِيع جِنْسِهِ. - وَ [قَوْلُهُ: "وَتَجَاوَزَ في القَسْمِ"] "القَسْمُ" - بِفَتْحِ القَافِ - مَصْدَرُ قَسَمْتُ، والقِسْمُ [بِكَسْرِهَا]: النَّصِيبُ مِنَ الشَّيءِ المَقْسُوْمِ. ¬
- وَفِي رِوَايَةِ عُبَيدِ الله: "يَا مَعْشَرَ اليَهْوْدِ" وَفِي رِوَايَةِ غَيرِهِ: "يَا مَعشَرَ يَهُوْدَ" (¬1) مَنْ جَعَلَهُ جَمْعَ يَهُوْدِيٍّ صَرَفَهُ ونَوَّنَهُ، وَمَنْ جَعَلَهُ اسْمًا عَلَمًا لِلأُمَّةِ لَمْ يَصْرِفْهُ. - وَ [قَوْلُهُ: "عَلَى أنْ أحِيفَ عَلَيكُمْ"]: الحَيفُ: الجَوْرُ والمَيلُ عَنِ الحَقِّ. الرِّشْوَةُ والرَّشْوَةُ وَقَدْ تَقَدَّمَ. - وَ [قَوْلُهُ: "فَإنَّهَا سُحْتٌ"]. "السُّحْتُ": اسْمٌ يَعُمُّ الحَرَامَ، وَهُوَ مِنْ سَحَتَهُ اللهُ وأَسْحَتَهُ: إِذَا اسْتَأْصَلَهُ وَلَمْ يَبقَ مِنْه بقيَّةٌ، سُمِّيَ الحَرَامُ بذلِكَ؛ لأنَّه يُهْلِكُ صَاحِبَهُ وَمَالهُ. - وَقَوْلُهُ: "بِهَذَا قَامَتِ السَّمَوَاتُ والأَرْضُ" أَي: بالعَدْلِ، وَإِنَّمَا قَالُوا ذلِكَ عَلَى طَرِيقِ الهُزْءِ بِعَبْدِ اللهِ بنِ رَوَاحَةَ؛ لأنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُوْنَ أَنَّ أَخْذَ أَمْوَالِهِمْ مِنْ أَيدِيهِمْ غَصْبٌ وظُلْمٌ وجَوْرٌ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَوْ اعْتَقَدُوا [أَنَّ فِعْلَهُ عَدْلٌ] (¬2) وأَمْرٌ مِنَ الله وارِدٌ لَمْ يَكْفُرُوا بِهِ (¬3). ¬
- وَ [قَوْلُهُ: "يَجُوْزُ لِرَبِّ الحَائِطِ أَنْ يَشْتَرِطَهَا"] "الحَائِطُ": اسْمٌ يَقَعُ عَلَى البُسْتَانِ؛ لأنَّهُ يَحُوْطُ صَاحِبَهُ وَيَحْفَظَهُ، أَوْ لأنَّهُ مُحَاطٌ عَلَيهِ بالحَائِطِ الحَافِظِ المَانِعِ مِنْهُ، فَيَكُوْنُ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الشَّىْءِ بِبَعْضِهِ، كَتَسْمِيَتِهِمْ الطَّلِيعَةَ عَينًا، وللَّذِي يَتَسَمَّعُ الأخْبَارَ أُذُنًا (¬1). - وَ [قَوْلُهُ: "لَيسَتْ مِمَّا أُقَارِضُكَ عَلَيهِ"]. المُقَارَضُ: المَفْعُوْلُ والمُقَارِضُ: الفَاعِلُ، وكَذلِكَ المُسَاقَى: المَفْعُوْلُ، والمُسَاقِي: الفَاعِلُ، وكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ المُتَسَاقِيَينِ وَالمُتَقَارِضَينِ فَاعِلٌ وَمَفْعُوْلٌ. - وَ [قَوْلُهُ: ["تَأُبُرُهَا"]]: يُقَالُ: أَبرَتُ النَّخْلَ آبُرُهَا أَبْرًا وَإِبَارًا، وَقَدْ تَقَدَّم. - وَ [قَوْلُهُ: "شَدُّ الحِظَارِ"] رِوَايَةُ عُبَيدِ الله عَنْ أَبِيهِ: "سَدُّ الحِظَارِ" بالسِّينِ غَيرِ المُعْجَمَةِ، وَبِذلِكَ رَوَاهُ ابنُ بُكَيرٍ (¬2)، وَمَعْنَاهُ سَدَّ الخَلَّة الَّتِي يُدْخَلُ مِنْهَا. وَرَوَى غَيرُهُمَا (¬3) عَنْ مَالِكٍ "شَدُّ" بالشِّينِ المُعْجَمَةِ، وَمَعْنَاهُ: تَحْظِيرُ الزُّرُوْبِ الَّتِي حَوْلَ النَّخْلِ والشَّجَرِ، يُقَالُ: حَظَرْتُ البُسْتَانَ حَظْرًا، وحَظَّرْتُهُ تَحْظِيرًا إِذَا جَعَلْتُ حَوْلَهُ مَا يَمْنَعُ مِنَ الوُصُوْلِ إِلَيهِ، والحَظِيرَةُ: الجَنَّةُ المَحْظُوْرَةُ، والحِظَارُ (¬4): حَائِطُ الحَظِيرَةِ. -[قَولُهُ: "وَخَمُّ العَينِ"] الخَمُّ: الكَنْسُ، وَخَمُّ العَينِ: كَنْسُهَا وإِخْرَاجُ مَا ¬
فِيهَا مِنَ الحَمْأَةِ والزَّبَلِ، يُقَالُ: خَمَمْتُ البَيتَ وقَمَمْتُهُ وسَفرْتُهُ: إِذَا كَنَسْتُهُ، والمِخَمَّةُ والمِقَمَّةُ والمِسْفَرَةُ: المِكْنَسَةُ، وبَيتٌ مَخْمُوْمٌ ومَقْمُوْمٌ ومَسْفُوْرٌ أَي: مَكْنُوْسٌ، ويُقَالُ لِمَا يُرْمَى من الزَّبْلِ: القُمَامَةُ والخُمَامَةُ والكُنَاسَةُ والسُّفَارَةُ. ويُقَالُ: رَجُلٌ مَخْمُوْمُ القَلْبِ، أَي: نَقِيُّ القَلْبِ مِنَ الغِلِّ والحَسَدِ. - وَ [قَوْلُهُ: "سَرْوُ الشُّرَبِ"]. السَّرْوُ: الكَنْسُ أَيضًا، مِنْهُ اشْتُقَّ السَّرِيُّ مِنَ الرِّجَالِ، أَرَادُوا: أَنَّه خَالِصُ النَّسَبِ مِنْ كُلِّ مَا يَعِيبُهُ، والشَّرَبُ: جَمْعُ شَرْبَةٍ، وَهِيَ أَحْوَاضٌ تُصْنَعُ حَوْلَ النَّخْل والشَّجَرِ وتُمْلأُ مَاءً فَيَكُوْد رِيُّ النَّخْلَةِ أَو الشَّجَرَةِ [مِنْهَا]، قَال زهُيرٌ (¬1): يَخْرُجْنَّ مِنْ شَرَبَاتٍ مَاؤُهَا طَحِلٌ ... عَلَى الجُذُوْعِ يَخَفْنَ الغَمَّ الغَرَقَا وَقَال آخرُ: (¬2) سَحُّ تَظَلُّ عَلَيهَا الطَّيرُ سَاجِعَةً ... تَسْقِي أَسَافِلَهَا الغُرْدَانُ والشَّرَبُ - وَ [قَوْلُهُ: "وإِبَارُ النَّخلِ"]. إِبَارُ النَّخْلِ: تَلْقِيحُهُ وإِصْلاحُهُ، وَمَنْ رَوَاهُ: "وإِيبَارُهُ" فَقَدْ أَخْطَأَ. - و [قَوْلُهُ]: "وَقَطْعُ الجَرِيدِ": هُوَ جَمْعُ جَرِيدَةٍ، وتُجْمَعُ عَلَى جَرَائِدَ أَيضًا، وَهِيَ أَغْصَانُ النَّخْلَةِ. - وَ [قَوْلُهُ: "وَجَدُ التَّمْرِ"]: جَدُّ التَّمْرِ وَجِدَادُهُ: صَرَامُهُ، وَهُوَ قِطَافُهُ. ¬
[الشرط في الرقيق في المساقاة]
- وَ [قَوْلُهُ: "أَوْ ضَفْيَرَةٍ يَبْنيهَا"] الضَّفِيرةُ والمِسْنَاةُ والسَّكْرُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ السَّدُّ. - وَ [قَوْلُهُ: ] "والفَرْسَكُ": الخَوْخُ. وَ [قَوْلُهُ: ] "والدُوْلَابُ": السَّانِيَةُ، والجَمْعُ: دَوَالِيبُ. [الشَّرْطُ في الرَّقِيقِ في المُسَاقَاة] قَوْلُهُ: "فِي عَمَلِ (¬1) الرَّقِيقِ" [3]. كَذَا رِوَايَةُ عُبَيدِ اللهِ، وَتَوَهَّمَ قَوْمٌ أَنَّ ذلِكَ غَلَطٌ، وَلَيس عِنْدِي بِغَلَطٍ، وَمَجَازُهُ عَلَى وَجْهَينِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُوْنَ عَمَلٌ جَمْعَ عَامِلٍ كَحَارِسٍ وغَائبٍ، وهوَ في الحَقِيقَةِ اسمٌ لِلْجَمْعِ. والثَّانِي: أَنْ يَكُوْنَ مِمَّا وُضِعَ المَصْدَرُ فِيهِ مَوْضِعَ الاسْمِ، والمَصدَرُ إِذَا وُضِعَ مَوْضِعَ الاسْمِ كَانَ لِلْوَاحِدِ والاثْنَينِ والجَمْعِ والمُذَكَّرِ بلَفْظٍ وَاحِدٍ، قَال تَعَالى (¬2): {هَؤُلَاءِ ضَيفِي} أَي: أَضْيَافِي، وَقَال زُهَيرٌ: (¬3) * فَهُمُ رِضًى وَهُمُ عَدْلُ * - وَ [قَوْلُهُ: "وَالأُخرَى بِنَضْحٍ"]. النَّضْحُ: الاسْتِقَاءُ مِنَ البِئْرِ بالإبِلِ، ¬
والدَّوَابِّ: النَّوَاضِحُ، وَهِيَ السَّوَانِي، وَاحِدُهَا: نَاضِحٍ، قَال عَبَّاسُ بنُ مِرْدَاسٍ. (¬1) أَرَاكَ إِذًا قَدْ صِرْتَ لِلقَوْمِ نَاضِحًا ... يُقَالُ لَهُ بالغَرْبِ أَدْبِرْ وَأَقْبِلِ - و [قَوْلُهُ: بِعَينِ وَاثِنَةٍ]. الوَاتِنَةُ والوَاثِنَةُ سَوَاءٌ، إلَّا أَنهُ بالتَّاءِ المُعْجَمَةِ باثْنَتَينِ أَشْهَرُ، وتَفْسِيرُهَا مَا قَالهُ (¬2) مَالِكٌ. ¬
[ومن (كتاب كراء الأرض)
[وَمِنْ (كتَابِ كِرَاءِ الأرْض) (¬1) يُقَالُ: أَكْرَيتُ الشَّيءَ مِنْ غَيرِي، وَتَكَارَيتُهُ أَنَا. والمَزْرُعَةُ والمَزْرَعَةُ -بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا- والزِّرَاعَةُ وَاحِدٌ، وَهِيَ الأرْضُ الَّتِي تُزْرَعُ، واسْمُ البَذْرِ الَّذِي يُبْذَرُ فِيهَا الزَّرِيعَةُ [بِكَسْرِ] الرَّاءِ مِنْ غَيرِ تَشْدِيدٍ، وجَمْعُهَا: زَرَائِعُ، مِثْلُ ذَرِيعَةٍ وذَرَائِعَ، وسَفِينَةٍ وسَفَائِنَ. وَذَكَرَ حَدِيثَ رَافِعٍ فَقَال: المَادِيَانَاتُ: السَّوَاقِي، والجَدَاولُ: أَعْظَمُ مِنْهَا، وإِقْبَالُهَا مَا أَقْبَلَ عَلَيكَ مِنْهَا وَوَاجَهَكَ، والقَبَلُ: رَأْسُ الجَبَلِ وَرَأْسُ الكَثِيبِ، قَال الشَّاعِرُ (¬2): * يَا يُّهَذَا النَّابِحِي نَبْحَ القَبَلْ * يُرِيدُ: نَبْحَ الخَيلَ الكَلْبُ وذلِكَ لَا يَضُرُّهُ. وَ"الرَّبِيع": السَّاقِيَةُ، يُقَالُ لَهَا أَيضًا: القريُّ والسَّرِيُّ، قَال تَعَالى (¬3): {تَحْتَكِ سَرِيًّا (24)}: و"القُصَارَةُ": مَا يَبْقَى في السُّنْبُلِ من الحَبِّ بَعْدَ ما يُدْرَسُ، وأَهْلُ الشَّامِ يُسَمُّوْنَهُ القُصْرَى. و"المُخَابَرَةُ": ¬
المُزَارَعَةُ، واشْتِقَاقُهَا من الخَبْرِ وَهُوَ النَّصِيبُ، وقَال ابنُ الأعْرَابِيِّ: هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ خَيبَر؛ لأنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَقَرَّهَا بِأَيدِيهِمْ مُزَارَعَةً، فَسُمِّيَتْ كُلُّ مُزَارَعَةٍ مُخَابَرَةً. ويُقَالُ: مَنَحَ يَمْنَحُ، وَقَوْلُهُ: "يَمْنَحُ أَحَدُكُم أَخَاهُ خَيرٌ لَهُ" كَذَا رَوَاهُ طَاوُوْسُ (¬1). عَنِ ابنِ عَبَّاس، وَكَانَ الوجْهُ: "أَنْ يَمْنَحَ" "أَنْ" مَعَ الفِعْلِ [فِي] تَأْويلِ المَصْدَرِ المُبْتَدَأُ، وَخَيرٌ: خَبَرُهُ فَيَكُوْنُ [كَـ] قَوْلِهِ [تَعَالى] (¬2): {وَأَنْ تَصُومُوا خَيرٌ لَكُمْ} وَإِنَّمَا جَازَ أَنْ يُبْدَأَ بالفِعْلِ ويُخْبَرُ عَنْهُ لِمَا بَينَ الفِعْلِ المُضَارعِ واسمِ الفَاعِلِ مِنَ المُشَابَهَةِ، ولأ [نَّ] "أَنْ" مَنْويَّةٌ في الكَلامِ، ويظْهَرُ هَذا [فِي قَوْلهِمْ]: "تَسْمَعُ بِالمُعَيدِيِّ خَيرٌ مِنْ أَنْ تَرَاهُ" (¬3) وَكَانَ الوَجْهُ: أَنْ تَسْمَعَ. وَقَدْ رُويَ الوَجْهَانُ جَمِيعًا (¬4) ¬
[كتاب الوصية]
[كِتَابُ الوصِيةِ] (¬1) [الأمَرُ بالوَصِيَّةِ] - قَوْلُهُ: "يُوْصَى فِيهِ" [1]. أَكْثَرُ مَا تَقُوْلُ العَرَبُ أَوْصَى بِكَذَا فَيُعَدُّوْنَهُ بالبَاءِ، وَمنْ قَال: أَوْصَيتُهُ فِي كَذَا، كَانَ ذلِكَ عَلَى وَجْهَينِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُوْنَ مَعْنَاهُ: أَوْقَعتُ الوَصِيَّةَ فيه فَتكوْنَ عَلَى بَابِهَا. والآخَرُ: أَنْ يَكُوْنَ بَدَلًا مِنَ البَاءِ كَمَا يُقَالُ: هُوَ بالبَصْرَةِ وَفِي البَصْرَةِ. - وَ [قَوْلُهُ: "يَبِيتُ"] اتَّفَقَ الرُّواةُ في هَذا الحَدِيثِ عَلَى إِسْقَاطِ "أَنْ" وَرَفْعُ "يَبِيتُ" وَكَانَ الوَجْهُ: "أَنْ يَبِيتَ فِيهِ" وَلكِنَّ العَرَب قَدْ تَحْذِفُ "أَنْ" مِن مِثْلِ هَذَا وتَرْفَعُ الفِعْلَ، وَعَلَى هَذَا التَّأْويلِ قَوْلُهُ تَعَالى (¬2): {قُلْ أَفَغَيرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64)} وَعَلَى هَذَا جَاءَ قَوْلُ طَرَفَةَ (¬3): * أَلا أَيُّهَذَا الزَّاجِرِي أحْضُرُ الوَغَى * وَرُبَّمَا حَذَفُوا "أَنْ" وتَرَكُوا الفِعْلَ [مَنْصُوْبًا] (¬4) وذلِكَ لَا يَكُوْنُ إلَّا فِي ضَرُوْرَةِ الشِّعْرِ. ¬
[الوصية في الثلث لا تتعدى]
- وَ [قَوْلُهُ: "مِنَ العَتَاقَةِ"] العَتَاقَةُ: مَفْتُوْحَةُ العَينِ، ومَنْ كَسَرَهَا فَقَدْ أَخْطَأَ. - وَ [قَوْلُهُ: "غُلامًا يَفَاعًا"] [2]. قَال الخَلِيلُ (¬1): يُقَالُ لِكُلِّ شَيءٍ مُرْتَفِعٍ: يَفَاعٌ. (ش): والمَشْهُوْرُ أَنْ يُقَال: غَلامٌ يَفْعَةٌ ويَافِعٌ وَهُوَ (¬2) الَّذِي شَبَّ وَلَمْ يَبْلُغْ (¬3). وأَمَّا اليَفَاعُ: فَهُوَ المَكَانُ العَالِي المُشْرِفُ (¬4). [الوَصِيَّةُ في الثُّلُثِ لَا تَتَعَدَّى] - وَقَوْلُهُ: "إنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ" [4]. "لَنْ" تَدُلُّ عَلَى الاسْتِقْبَالِ؛ لأنَّهَا نَقِيضُ السِّينِ وَسَوْفَ؛ وَلِذلِكَ اسْتَبْشَرَ سَعْدٌ (¬5) بَأَنَّهُ لَا يَمُوْتُ مِنْ عِلَّتِهِ تِلْكَ، فَاسْتَثْبَتَهُ بِقَوْلهِ: "أَأُخَلِّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي؟ ! " فالمُرَادُ بالتَّخَلُّفِ على هَذا البَقَاءُ بَعْدَ مَوْتِ أَصْحَابِهِ، ويَدُلُّ عَلَيهِ جَوَابُهُ لَهُ. ويُحْتَمَلُ أَنْ يَكُوْنَ اسْتَفْهَمَهُ عَن التَّخَلُّفِ بِمَكَّةَ وَمَعْنَاهُ التَّوَجُّعُ مِنْ مَوْتِهِ بِهَا، ويَدُلُّ عَلَى ذلِكَ قَوْلُهُ: "اللَّهُمَّ أمْضِ لأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ ... " الحَدِيث. - وَقَوْلُهُ: "فَالشَّطْرُ". كَذَا الرِّوَايَةُ بالرَّفْعِ، وَهُوَ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ مُضْمَرٌ، تَقْدِيرُهُ: فالشَّطْرُ أَتَصَدَّقُ بِهِ، وَكَذَا الثُّلُثُ، ويَبْعُدُ أَنْ يَكُوْنَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مُضْمَرٍ ¬
لِدُخُوْلِ الفَاءِ عَلَيهِ، وَهُوَ مَعِ ذلِكَ جَائِزٌ، فَيَكُوْنُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ القَائِلِ: أَزَيدٌ قَائِمٌ، فَيَقُوْلُ لَهُ المُجِيبُ: لَا، فَيَقُوْلُ: فَقَاعِدٌ، أي: فَهُوَ قَاعِدٌ. وَلَوْ نَصَبَ نَاصِبٌ الشَّطْرَ والثُّلُثَ عَلَى مَعْنَى فَأُعطِيَ الشَّطْرَ وأُعْطِيَ الثُّلُثَ لَكَانَ جَائِزًا. - وَقَوْلُهُ: "أَنْ تَذَرَ" (¬1) مَوْضِعُهَا مَوْضِعُ رَفْعٍ بالابْتِدَاءِ وَ"خَيرٌ" خَبَرُهُ، وَمِثْلُهُ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬2): {وَأَنْ تَصُومُوا خَيرٌ لَكُمْ}. - وَ"العَالةُ": الفُقَرَاءُ، وَاحِدُهُم عَائِلٌ كَبَائِعٌ وَبَاعَةٌ، وَصائِغٌ وصَاغَةٌ، وفِعْلُهُ: عَال يُعِيلُ، فَإِنْ أَرَدْتَ الجَوْرَ قُلْتَ: يَعُوْلُ، وَإِنْ أَرَدْتَ كَثْرَةَ العِيَالِ قُلْتَ: أَعَال يُعِيلُ. - وَ"يَتكَفَّفُوْنَ": يَسْألوْنَ النَّاسَ بِأَكُفِّهِمْ. - و [أَمَّا] قَوْلُهُ: "إِنَّكَ أَنْ تُخَلَّفُ" فَإِنَّ الفُقَهَاءَ يَرَوُونَهُ "أَنْ" (¬3) وَيتَوهَّمُوْنَهَا النَّاصِبَةَ للأفْعَالِ، وَلَا وَجْهَ لِـ"أن" فِي هَذا المَوْضِعِ (¬4) [لأنَّ] قَوْلُهُ: "إلَّا ازْدَدْتَ [بِهِ دَرَجَةً] " يُبْطِلُ [ذلِكَ]؛ لأنَّ "إلَّا" الَّتِي للإيجَابِ لَا يَجُوْزُ دُخُوْلُهَا إلَّا بَعْدَ النَّفْيِ، والصَّوَابُ باللَّامِ، وَكَذَا رَوَاهُ ابنُ وَضَّاحٍ، وَلَا يَصِحُّ دُخُوْلُ "أَنْ" فِي هَذَا المَوْضِعِ إلَّا عَلَى حِيلَةٍ، وَذلِكَ أَنْ تَكْسِرَ هَمْزَتُهَا وَتَجْعَلَهَا بِمَعْنَى "مَا" النَّافِيَةِ؛ لإتْيَانِ الإيجَابِ بَعْدَهَا، وَتَرْفَعَ "تُخَلَّفُ" و"تَعْمَلُ"، كَأَنَّه قَال: مَا تُخْلَّفُ، فَتَعْمَلُ إِلَّا ازْدَدْتُ، كَمَا يُقَالُ: إِنْ زَيدٌ إلَّا قَائِمٌ، وَمِنْهُ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬5): ¬
{إِنِ الْكَافِرُونَ إلا فِي غُرُورٍ (20)}. - وَ [أَمَّا] قَوْلُهُ: "لَعَلَّكَ أَنْ تُخلَّفَ" فَالوَجْهُ إِسْقَاطُ "أَنْ" وتَرْفَعَ الفِعْلَ، قَال تَعَالى (¬1): {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ [بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1)]} وَلكِنَّ الفُقَهَاءَ رَوَوْهُ بِزِيَادَةِ [أَنْ] وَكَذلِكَ "لَعَلَّ أحَدَكُمْ أنْ يَكُوْنَ أَلْحَنَ" وأَكْثَرَ مَا يُسْتَعْمَلُ هَذَا فِي الشِّعْرِ، وَمَجَازُهُ عِنْدَ النَّحْويِّينَ عَلَى تَشْبِيهِ "لَعَلَّ " بـ"عَسَى" وَعَسَى تَسْتَعْمَلُ بـ"أَنْ" وَقَدْ يَحْذِفُوْنَ "أَنْ" مِنْ خَبَرِ "عَسَى" تَشْبِيهًا لَهَا بـ"لَعَلَّ" كَمَا يَزِيدُوْنَهَا في خَبَرِ "لَعَلَّ " تَشْبِيهًا لَهَا بـ"عَسَى"؛ لأَنَّهَا مِثْلُهَا فِي الطَّمَعِ. - وَ [قَوْلُهُ: "لكِنِ البَائِسُ سَعْدُ بنُ خَوْلَةَ"] (¬2). اعْلَمْ أَنَّ "لكِنَّ" إِنَّمَا تَأْتِي فِي الكَلامِ اسْتِدْرَاكًا بَعْدَ النَّفْيِ فِي قَوْلِ عَامَّةِ النَّحْويِّينَ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ النَّفْيُ مَلْفُوْظًا بِهِ كَانَ مُقَدَّرًا، وتَقْدِيرُهُ هُنَا: أَنَّ سَعْدًا لَمَّا خَافَ أَنْ يَمُوْتَ بِمَكَّةَ قَال لَهُ [النَّبِيُّ]- صلى الله عليه وسلم -: لَا تَتَخَوَّفَ مِمَّا تَخَافُهُ فَإِنَّكَ لَا تَمُوْتُ بِمَكَّةَ، لكِنِ البَائِسُ سَعْدُ بنُ خَوْلَةَ هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُتَخَوَّفَ لَهُ، فَفِي الكَلامِ حَذْفَانِ، حَدفٌ مِنْ أَوَّلِهِ وَحَذْفٌ مِنْ آخِرِهِ، وَلَوْ رُويَ: "سَعْدَ بنَ خَوْلَةَ" بالنَّصْبِ لَكَانَ جَائِزًا (¬3)، وَيَكُوْنُ خَبَرُ "لَكِنَّ" مَحْذُوْفًا لِدِلالةِ الكَلامِ عَلَيهِ، والعَرَبُ تَحْذِفُ خَبَرَ "لَكِنَّ" تَارَةً ¬
واسْمُهَا تَارَةً إِذَا فُهِمَ المَعْنَى، قَال الفَرَزْدَقُ (¬1): فَلَوْ كُنْتَ ضَبْيًا عَرَفْتَ قَرَابَتِي ... وَلكِنَّ زِنْجِيًّا عَظِيمَ المَشَافِرِ قَال سِيبَوَيهِ (¬2): وَمِنَ العَرَبِ مَنْ يَنْصِبَ "زِنْجِيًّا" بِـ"لَكِنَّ" وَيُضْمِرُ خَبَرَهَا، كَأَنَّهُ قَال: وَلكِنَّ زِنْجِيًّا عَظِيمُ المَشَافِرِ لَا يَعْرِفُ قَرَابَتِي، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْفَعُ ويُضمِرُ اسمَ ¬
"لَكِنَّ" كَأَنَّهُ قَال: وَلَكِنَّكَ زَنجيٌّ"، وَكَذلِكَ أَخَوَاتُ "لكِنَّ". وَمَجَازُ مَنْ رَوَى: "وَلكِنِ البَائسُ سَعْدٌ": أَنْ يَكُوْنَ تَقْدِيرُهُ: ولَكِنِ البَائِسُ سَعْدٌ لَئِنْ مَاتَ بِمَكَّةَ. وَ"قَوْلُهُ: "اللَّهُمَّ أَمْضِ لأصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ"، الهِجْرَةُ: هَيئَةُ الهِجْرَانِ، كَالجِلْسَةِ والرّكْبَةِ، فَإِنْ أَرَدْتَ المَصْدَرَ قُلْتَ: هَجْرٌ وهِجْرَانٌ، وَإِذَا أَرَدْتَ الوَاحِدَ قُلْتَ: هَجْرَةٌ كَضَرْبَةُ، فَإِذَا جَعَلْتَهَا مِنِ اثْنَينِ قُلْتَ: هَاجَرَ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ مُهَاجَرَةً. وأَمَّا الهِجْرَةُ المُسْتَعْمَلَةُ في الشَّرِيعَةِ (¬1) فَهِيَ بِكَسْرِ الهَاءِ لَا غَيرُ؛ لأَنَّ المُهَاجِرَ كَانَ يُرَادُ مِنْهُ أَنْ يَهْجُرَ قَوْمَهُ وَوَطَنَهُ وَيَفِدَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ويَسْتَمِرَّ عَلَى ذلِكَ، وَالفِعْلُ إِذَا اسْتَمَرَّ وَدَامَ صَارَ خُلُقًا وَهَيئَةً، فَلِذلِكَ لَمْ يَجُزْ فِيهَا إِلَّا كَسْرُ الهَاءِ، وَيُقَالُ -أَيضًا-: مُهَاجَرَةً؛ لأنَّ المُؤْمِنَ يَهْجُرُ قَوْمَهُ وَيَهْجُرُهُ قَوْمُهُ، وَلذلِكَ سُمّيَتْ مُرَاغَمَةً؛ لأنَّ المُؤْمِنَ يُرَاغِمُ قَوْمَهُ بِتَرْكِهِ إِيَّاهُم فَهَدهِ الهِجْرَةُ في اللُّغَةِ. وَهِيَ - فِي الشَّرِيعَةِ - خَمْسَةُ أَقسامٍ: الهِجْرَةُ الأُوْلَى إِلَى أَرْضِ الحَبَشَةِ، والثَّانِيَةُ إِلَى المَدِينَةِ، وَهِيَ المَذْكُوْرَةُ في حَدِيثِ سَعْدٍ، وَمِنْهَا قَال: "لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ" (¬2). والقِسْمُ الثَّالثُ: هِجْرَةُ المَعَاصِي، ومِنْهَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لفُدَيكٍ (¬3): ¬
[أمر الحامل والمريض والذي يحضر القتال في أموالهم]
"يَا فُدَيكَ أَقَمِ الصَّلاةَ، وَآتِي الزَّكَاةَ، واجْتَنِبْ مَا نَهَاكَ اللهُ عَنْهُ، واسْكُنْ حَيثُ شِئتَ فِي بلَدِ قَوْمِكَ تَكُنْ مُهَاجِرًا". والقِسْمُ الرَّابِعُ: هِجْرَةُ المُسْلِمِ بِلادَ الحَرْبِ إِذَا أَمْكَنَهُ، لِقَوْلهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬1): "أَنَا بَرِيءٌ (¬2) مِنْ كلِّ مُسْلِم مَعَ مُشْرِكٍ". وَ [القِسْمُ] الخَامِسُ: بِمَعْنَى النَّفْرِ إِلَى قِتَالِ العَدُوِّ؛ لأنَّهُمْ يَهْجُرُوْنَ أَوْطَانَهُمْ لِلْجهَادِ فِي سَبِيلِ الله، وَمِنْهُ: قَوْلُهُ - عليه السلام - (¬3): "إذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَأَبْعِدُوا" وَقَوْلُهُ (¬4): "لَا تَنْقَطعُ الهِجْرَةُ مَا قُوْتِلَ الكُفَّارُ". [أَمْرُ الحَامِل وَالمَرِيضِ والَّذِي يَحْضُرُ القِتَال في أَمْوَالِهِمْ] - قَوْلُهُ: "فَإذَا كَانَ المَرَضُ الخَفِيفُ ... وإِذَا كَانَ المَرَضُ المَخُوْفُ". فَإِنَّ الوَجْهَ فِيهِ الرَّفْعُ، وَ"كَانَ" ههنَا تَامَّةٌ لَا خَبَرَ لَهَا، كَأَنَّهُ قَال: فَإِذَا حَدَثَ المَرَضُ أَوْ وَقَعَ المَرَضُ، وَلَوْ نَصَبَ لَجَازَ عَلَى إِضْمَارِ اسمِ "كَانَ" تَقْدِيرُهُ: فَإِذَا كَانَ مَرَضُهُ المَرَضَ الخَفِيفَ، وَعَلَى هَذَا قُرِئَ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬5): {إلا أَنْ ¬
[ما جاء في المؤنث من الرجال ومن أحق بالولد]
تَكُونَ تِجَارَةً} وَ {تِجَارَةٌ}. [مَا جَاءَ في المُؤَنَّثِ مِنَ الرِّجَالِ وَمَن أَحَقُّ بالوَلَدِ] -[قَوْلُهُ: أَنَّ مُخَنَّثًا كَانَ عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ ... ] [5]. "هَيتٌ" وَ"طُوَيسٌ" (¬1) المُخَنَّثَينِ مَوْلَيَا عَبْدِ الله بنِ أَبِي أُمَيَّةَ (¬2) وَجَاءَ تَحْلِيَتُهُ (¬3) بَادِنَةَ بِنْتِ غَيلانَ بنِ سلَمَةَ ¬
ابنِ مُعْتبٍ بَأَنَّهَا: هَيفَاءُ، وشَمُوعٌ نَجْلَاءُ، إِنْ يَكَلَّمَتْ تَغَنَّتْ، وإِنْ قَامَتْ تَثنَّتْ -مَشَتْ- وإِنْ جَلَسَتْ تَبَنَّتْ -يُرِيدُ صَنَعَتْ بِنَاءً- تُقْبِلُ بِأَرْبَعَ وتُدْبِرُ بِثَمَانٍ، مَعَ ثَغْرٍ كَالأُقْحُوَانِ، وَبَينَ رِجْلَيهَا كالقَعْبِ المَكْفُوِّ، فَهِيَ كَمَا قَال قَيسُ بنُ الخَطِيمِ (¬1): تَغْتَرِقُ الطَّرْفَ وَهْيَ لَاهِيَةٌ ... كَأَنَّمَا شَفَّ وَجْهَهَا نَزَفُ بَينَ شُكُوْلِ النِّسَاءِ خِلْقَتُهَا ... قَصْدٌ فَلَا جَبْلَةٌ وَلَا قَضَفُ فَقَال لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - (¬2): "لَقَدْ غَلْغَلْتَ النَّظَرَ يَا عَدُوَّ الله"، ثُمَّ قَال: "لَا يَدْخُلَنَّ هَذَا عَلَيكُنَّ، وأَجْلَاهُ عَنِ المَدِينة إلَى الحِمَى (¬3) " فَلَمْ يَزَلْ هُنَاكَ حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ [- صلى الله عليه وسلم -] وأَبُو بَكْرٍ وعُمَرَ، وكُلِّمَ فِيهِ عُثْمَانَ. [وَهَيتَ] كَلِمَةٌ مَعْنَاهَا الاسْتِدْعَاءُ بِمَعْنَى هَلُمَّ. سُميَ بذلِكَ إِشَارَةً إِلَى أَنَّه يُسْتَدْعَى إِلَى الفُجُوْرِ، كَمَا فَعَلَتْ امْرَأَةُ العَزِيزِ إِذْ قَالتْ (¬4): {هَيتَ لَكَ} يُقَالُ: هُيِّتَ بالرَّجُلُ تَهْيِيتًا: إِذَا دُعِيَ إِلَى أَتْيِ [أَيِّ] شَيءٍ كَانَ. وَ"بَادِنَةُ" هِيَ ¬
الضَّخْمَةُ البَدَنِ؛ سُمِّيَتْ بِذلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى سِمَنِهَا، وَرُويَ: "بَادِيَةُ" (¬1) مِنْ بَدَا يَبْدُو، وَالأوَّلُ هُوَ المَشْهُوْرُ. وَ"الهَيفَاءُ" الضَّامِرَةُ الخِصْرَينِ. وَ"الشَّمُوع" الكَثيرَة المِزَاحِ، والمُشْمِعَةُ: المُكَامِنَةُ. و"النَّجْلَاءُ": العَظِيمَةُ شَقِّ العَينَينِ، وَمِنْهُ: طَعْنَةٌ نَجْلَاءُ: الوَاسِعَةُ الشَقِّ. وَمَعْنَى إِذَا تَكَلَّمَتْ تَغَنَّتْ أَي: إِنَ كَلَامَهَا يُشْبِهُ الغِنَاءَ (¬2)؛ لِحُسْنِ نَغْمَتِهَا وَحَلَاوَةِ مَنْطِقِهَا، قَال الشَّاعِرُ: حَسِبْتُهَا تَتَغَنَّى إِذْ تكَلِّمُنِي ... ويُظْهِرُ الدُّرُّ فُوْهَا حِينَ تَبْتَسِمُ وَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَقُوْلَ: "وَتُدْبِرُ بِثَمَانِيَةٍ" لأنَّه إِنَّمَا أَرَادَ أَطْرَافَ العُكْنِ، والطَّرَفُ مُذَكَّرٌ لكِنَّهُ أَنَّثَ عَلَى مَعْنَى الجَمْعِ، كَمَا تَقُوْلُ: كَتَبَ لِفُلَانٍ ثَلَاثَ سِجِلَّاتٍ، فَتُؤَنِّثُ والوَاحِدُ سِجِلٌ. والقَعْبُ: القِدْحُ الصَّغِيرُ. والمَكْفُوُّ: المَقْلُوْبُ عَلَى فَمِهِ. وَمَنْ رَوَاهُ: "المَكْفُوْفُ" فَقَدْ أَخْطَأَ، وَمَعْنَى "تَغْتَرِقُ الطَّرْفَ"؛ أَي: تَسْتَغْرِقُ نَظَرَ العَينِ وتَمْلِكُهُ فَلَا تَنْظُرُ العَينُ إِلَى غَيرِهَا عُجْبًا بِهَا. وَهِيَ لَاهِيَةٌ أَي: غَافِلَةٌ لَمْ تَتَزَيَّنْ، يُرِيدُ: إِنَّ حُسْنَهَا غَيرُ مُتكلَّفٍ. وَرَوَاهُ ابنُ دُرَيدٍ (¬3): "تَعْتَرِقُ" بالعَينِ غَيرِ ¬
مُعْجَمَةٍ وَهُوَ تَصْحِيفٌ. وَقَوْلُهُ: "كَأَنَّمَا شَفَّ وَجْهِهَا نزَفُ" أَي: إِنَّهَا لَيسَتْ بِجَهْمَةِ الوَجْهِ، وَلكِنَّهَا قَلِيلَةُ لَحْمِ الوَجْهِ، كَأَنَّ دَمَهَا قَدْ نَزِفَ، وَكَانُوا يَسْتَحْسِنُوْنَ ذلِكَ، ولِذلِكَ كَانُوا يَسْتَحْسِنُوْنَ غَوْرَ العَينِ ويَكْرَهُوْنَ جُحُوْطهَا. وشَكُوْلٌ: جَمْعُ شَكْل، والقَصْدُ: المُعْتَدِلُ مِنْ كُلِّ شَيءٍ. والجَبْلَةُ: العَظِيمَةُ الخَلْقِ، والقَضَفُ: الضعِيفَةُ الدَّقِيقَةُ، أَرَادَ: الاعْتِدَال فِي الخَلْقِ، لَا طَويلَةٌ وَلَا قَصِيرَةٌ، ولَا سَمِينَةٌ وَلَا هَزِيلَةٌ. والغَلْغَلَةُ والتَّغَلْغُلُ في كَلَامِ العَرَبِ: الإفْرَاطُ والوُصُوْلُ إِلَى الغَايَةِ، يُقَالُ: تَغَلْغَلَ المَاءُ بَينَ الشَّجَرِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ (¬1): تَغَلْغَلَ حُبُّ عَثْمَةَ فِي فُؤَادِي ... فَبَادِيةِ مَعَ الخَافِي يَسِيرُ تَغَلْغَلَ حَيثُ لَمْ يَبْلُغْ شَرَابٌ ... وَلَا حَزَنٌ وَلَمْ يَبْلُغْ سُرُوْرُ - وَرَوَي: "لَا يَدْخُلْ هَؤُلَاءِ عَلَيكُمْ" أَرَادَ: عُمُوْمَ النَّهْيِ لِنِسَائِهِ (¬2) وَلِغَيرِهِنَّ مِنْ كُلِّ مَنْ لَهُ أَهْلٌ، أَنْ لَا يَدْخُلَ مُخَنَّثٌ عَلَى أَهْلِهِ، فَلَمَّا اشْتَمَلَ نَهْيُهُ عَلَى الرِّجَالِ والنِّسَاءِ غَلَّبَ المُذَكَّرَ، وَمِنْ هَذَا قَوْلُ جَرِير (¬3): ¬
وَدَّعْ أُمَامَةَ حَانَ مِنْكَ رَحِيلُ ... إِنَّ الوَدَاعَ إِلَى الحَبِيبِ قَلِيلُ مِثْلُ الكَثيبِ تَمَايَلَتْ أَعْطَافُهُ ... فَالرِّيحُ تُجْبِرُ مَتْنَهُ وتُهِيلِ هَذِي القُلُوْبُ صَوَادِيًا تَيَّمْتِهَا ... وَأَرَى الشَّفَاءَ وَمَا إِلَيهِ سَبِيلُ فَقَال الحَجَّاجُ: قَدْ جَعَلَ اللهُ لَكَ السَّبِيلَ خُذْهَا فَهِيَ لَكَ، فَضَرَبَ جَرِيرٌ بِيَدِهِ عَلَيهَا فَتَمَنَّعَتْ عَلَيهِ فَقَال: إِنْ كَانَ طِبُّكُمُ الدَّلَال ... ............... البيت فَضَحِكَ الحَجَّاجُ وَأَمَرَ بِتَجْهِيزِهَا إِلَيهِ (¬1). إِنْ كَانَ طِبُّكُمُ الدَّلَال فَإِنَّه ... حَسَنٌ دَلَالُكِ يَا أُمَامَ جَمِيلُ وَذلِكَ أَنَّ الدَّلَال مِمَّا تَسْتَحْسِنُهُ النِّسَاءُ لأنْفُسِهِنَّ، وَيَسْتَحْسِنُهُ الرِّجَالُ لَهُنَّ، فَلَمَّا ¬
اشْتَرَكَ النِّسَاءُ والرِّجَالُ فِيه غَلَّبَ الرِّجَالُ، وَكَانَتْ مِن [ ... ] (¬1) -وَفِي بَعْضِ طُرِقِ الحَدِيثِ-: "أَلَا أَرَاكَ تَعْقِلُ" وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُوْنَ "أَلَا" ههنَا هِيَ الَّتِي يُرَادُ بِهَا اسْتِفْتَاحُ الكَلَامِ، فَكَأَنَّهُ اسْتَفْتَحَ بِـ "أَلَا" ثُمَّ قَال: أَرَاكَ تَعْقِلُ أَمْرَ النِّسَاءِ، فَلَسْتَ أَهْلًا لِمُدَاخَلَتِهِنَّ. والوَجْهُ الآخَرُ: أَنْ تَكُوْنَ "أَلَا" الَّتِي يُرَادُ بِهَا تَعْنِيفَ المَرْءِ نَفْسِهِ عَلَى غَفْلَتِهِ عَنْ أَمْرٍ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَنْظُرَ فِيهِ ثُمَّ يَنْتَبِهَ لَهُ، كَالرَّجُلِ يَظُنُّ بِصَاحِبِهِ الجَمِيلَ ثمَّ يَرَى مِنْهُ مَا يُنكرُ فَتقُوْلُ: أَلَا أَعْلَمْ أَنَّ فُلَانًا عَدُوِّي فَاحْذَرْهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الآخَرِ: أَلَا أَرَى أَنَّ مَعِيَ رُمْحًا. * ذَكَّرْتَنِي الطَّعْنَ وَكُنْتُ نَاسِيَا * (¬2) وَمَجَازُ "أَلَا" هَذِهِ أَنْ تَكُوْنَ بِمَعْنَى "هَلَّا" أَي: أَرَى أَنَّكَ تَعْقِلُ (¬3)، فاعْلَمْ أَنَّكَ لَسْتَ مِنْ {غَيرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} (¬4) ويَجُوْزُ أَنْ يَكُوْنَ "أَلَا" هَذِهِ هِيَ ¬
[جامع القضاء وكراهيته]
المُرَكَّبَةُ مِنْ حَرْفِ النَّفْي وَأَلِفِ الاسْتِفْهَامِ، وَمِنْ خَاصَّةِ النَّفْى إِذَا دَخَلَ عَلَيهِ أَلِفُ الاسْتِفْهَامِ أَنْ يَرْجِعَ تَقْرِيرًا كَقَوْلهِ [تَعَالى] (¬1): {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ}. [جَامِعُ القَضَاءِ وَكرَاهِيَتُهُ] -[قَوْلُ أَبِي الدَّرْدَاءِ: هَلُمَّ إِلَى الأَرْضِ المُقَدَّسَةِ] [7]. اسْتَقْضَى عُمَرُ أَبا الدَّرْدَاءِ عَلَى دِمشْقَ، وَلَمْ يَزَلْ قَاضِيًا بِهَا حَتَّى مَاتَ زَمَانَ عُثْمَانَ، وَكَانَ سَلْمَانُ قَدْ نزَلَ المَدَائِنَ، وَكَانَا أَخَوَينِ بِمُؤاخَاة النَّبِي [- صلى الله عليه وسلم -] بَينَهُمَا، وَكَتَبَ إِلَيهِ يَسْتَقْدِمُهُ لِيَسْتَعِينَ بِهِ. وَقَدْ قِيلَ في قَوْلهِ تَعَالى (¬2): {ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ} إِنَّهَا دِمَشْقَ وفِلِسْطِينَ، وبَعْضِ الأُرْدُنّ. والمُقَدَّسَةُ: المُطَهَّرَةُ؛ أَي: تُطَهِّرُ النَّاسَ مِنَ الدُّنُوْبِ، وَمِنْهُ سُمِّيَ بَيتَ المَقْدِسِ، وَمِنْ أَسْمَاءِ اللهِ: القَدُّوْسُ والقُدُّوْسُ (¬3)؛ لأنَّه مُنَزَّهٌ عَنْ مُمَاثَلَةِ المَخْلُوْقِينَ. - وَ [قَوْلُهُ: "أَنَّكَ جُعِلْتَ طَبِيبًا ... وإِنْ كُنْتَ مُتَطَبِّبًا". الطَّبيبُ: الحَاذِقُ بالطِّبِّ المُتأَصِّلُ فِيهِ، والمُتَطَبِّبُ: المُتَدَخِّلُ فِيهِ المُتَصَوِّرُ عَلَيهِ وَلَيسَ لَهُ بِأهلٍ. - وَ [قَوْلُهُ: "قَدْ دَانَ مُعْرِضًا"] [8]. يُقَالُ: إِدَّانَ الرَّجُلُ وَدَانَ وَاسْتَدَانَ: ¬
إِذَا أَخذَ بالدَّينِ. قَال أَبُو عُبَيدٍ (¬1): المُعْرِضُ: الَّذِي يُعْتَرِضُ النَّاسَ فَيَسْتَدِين مِمَّنْ أَمْكَنَهُ، قَال: وكلُّ شَيءٍ أَمْكَنَكَ مِنْ عِرْضِهِ فَهُوَ مُعْرِضٌ، حَكَى ذلِكَ عَنِ الأصْمَعِيِّ (¬2). قَال ابنُ قُتيبَةَ (¬3): لَمْ أَجِدْ أَحَدًا يُجِيزُ: أَعْرَضَ فُلَانٌ النَّاسَ: إِذَا اعْتَرَضَهُمْ، إِنَّمَا يُقَالُ: اعْتَرَضَهُمْ واسْتَعْرَضَهُمْ قَال: وَقَوْلُ الأصْمَعِيِّ: كُلُّ شَيءٍ أَمْكَنَكَ مِنْ عِرْضِهِ فَهُوَ مُعْرِضٌ فَلَيسَ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ حَدِيثُ الأُسَيفِعِ (¬4) عَلَيهِ، والوَجْهُ في حَدِيثِ الأُسَيفِعِ: اسْتَدَانَ مُعْرِضًا عَنِ القَضَاءِ وَعَنِ النَّظَرِ في العَاقِبَةِ، ويُحْتَمَلُ أَنْ يَكُوْنَ مُعْتَرِضًا فَسَقَطَتْ التَّاءُ لِبَعْضِ النَّقَلَةِ. قَال (ش): إِنَّ مُعْرِضًا بمَعْنَى اسْتَعْرَضَ، كَمَا يُقَالُ: أَوْقَدَ وَاسْتَوْقَدَ وأَجَابَ واسْتَجَابَ بِمَعْنًى، وَكَذَلِكَ: أَخْلَفَ واسْتَخْلَفَ: [وأَسْقَى واسْتَقَى] إِذَا اسْتَقَى المَاءَ، قَال الشَّاعِرُ (¬5): ¬
[ما جاء فيما أفسد العبيد أو جرحوا]
* فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبُ * - وَ [قَوْلُهُ: "فَأَصْبَحِ قَدْرِينَ بِهِ ... "] مَعْنَى "رِينَ بِهِ": غَلَبَهُ الدَّينُ، يُقَالُ: رِينَ بالرَّجُلِ رَينًا: إِذا وَقَعَ فِيمَا لَا قِبَلَ لَهُ بِهِ، وَكَذلِكَ كُلُّ مَا غَلَبَكَ وعَلَاكَ فَقَدْ رَانَ بِكَ، وَرَانَ عَلَيكَ، وَرَانَتْ بِهِ الخَمْرُ، وَرَانَ بِهِ النُّعَاسُ. - وَ [قَوْلُهُ: "وآخِرُهُ حَرَبٌ"] الحَرَبُ: السَّلْبُ، بِفَتْحِ الرَّاءِ، يُقَالُ: حَرَبَ الرَّجُلُ مَا لَهُ، ويُقَالُ: أَفْلَسَ الرَّجُلُ إِفْلَاسًا، والعَامَّةُ تَقُوْلُ: أُفْلِسَ -بضَمِّ الهَمْزَةِ وكسْرِ اللَّامِ- وَهُوَ خَطَأٌ. [مَا جَاءَ فِيمَا أفْسَدَ العَبِيدُ أَوْ جَرَحُوْا] - وَ [قَوْلُهُ: "أَوْ حَرِيسَةٍ احْتَرَسَهَا"] [8]. الحَرِيسَةُ: الشَّاةُ الَّتِي تُسْرَقُ لِلرَّاعِي فِي الجَبَلِ، يُقَالُ: حَرَسَهَا: إِذَا سَرَقَهَا. ¬
(كتاب الحدود)
(كِتَابُ الحُدُوْدِ) (¬1) [مَا جَاءَ في الرَّجْمِ] - قَوْلُهُ: "ثُمَّ إِنِّي سَأَلْتُ (¬2) أَهْلَ العِلْمِ" [6]. أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يُفْتُوْنَ عَلَى عَهْدِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَ المُفْتُوْنَ عَلَى عَهْدِهِ سَبْعَةً؛ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وعُثْمَانُ، وعَلِيٌّ، وأُبَيُّ بنُ كَعْبٍ، ومُعَاذُ بنُ جَبَلٍ، وزَيدُ بنُ ثَابِتٍ. غَرَّبُ عُمَرُ رَبِيعَةَ بنَ أُمَيَّةَ (¬3) إِلَى خَيبَرَ فَتَنَصَّرَ وَلَحِقَ بِهِرَقلَ، فَقَال عُمَرُ: لَا أُغرِّبَ مُسْلِمًا بَعْدَهُ. - قَوْلُهُ: "فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهَا آيةُ الرَّجْمِ" [1]. كَذَا الرِّوَايَةُ، وَكَانَ الوَجْهُ: فَإِذَا تَحْتَهَا آيةُ الرَّجْمِ، أَي: تَحْتَ يَدِهِ، ومن رَوَاهُ: "فِيهَا" أَرَادَ: فِي التَّوْرَاةِ، وَيَجُوْزُ أَنْ يَعُوْدَ عَلَى اليَدِ، كَأَنَّهُ قَال: فَإِذَا فِي مَوْضِعِ يَد فَحَذَفَ المُضَافَ وأَقَامَ المُضَافَ إِلَيهِ مَقَامَهُ. - وَ [قَوْلُهُ: "فَرَأَيتُ الرَّجُلَ يَحْنِيَ عَلَى المَرْاةِ"]. يُقَال: جَنَأَ الرَّجُلَ يَجْنَأ ¬
فَهُوَ أَجْنَأ: إِذَا احْدَوْدَبَ وَمَال وانْحَنَى. وأَمَّا يَجْنَى بِغَيرِ هَمْزٍ فَهِيَ الرِّوَايَةُ، والوَجْهُ مَا قُلْنَاهُ، وَلَوْ كَانَ مُخَفَّفُ الهَمْزَةِ مِنْ جَنَأ لَكَانَ يَجْنَا بالألفِ مِثْلَ قَرَأَ يَقْرَا إِذَا خُفِّفَ. وَرُويَ: "يَحْنِي" بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ (¬1) مِنْ حَنَيت عَلَيهِ: إِذَا عَطَفْتَ عَليه، وحَنَيتُ ظَهْرِي أَحْنِيهِ وَحَنَوْتُهُ أَحْنُوهُ (¬2). وَرُوي "يُحَانِي عَلَيهَا". - وَقَوْلُهُ: "إِنَّ الأَخِرَ" [2]. صَوَابُهُ: قَصْرُ الهَمْزَةِ وكَسْرُ الخَاءِ، وَمَعْنَاهُ: الأرْدَأُ. وَقَوْلُهُ: "إنَّ المَسْأَلَةَ أخِرُ كَسْبِ الرَّجُلِ" أَي: أَرْدَأَهَا وشَرُّهَا. وَرُويَ: "آخِرُ" مَمْدُوْدًا، وَمَعْنَاهُ: إِنَّه إِذَا تَعَوَّدَ المَسْأَلةَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِيَكْتَسِبَ شَيئًا وَلَا لِيَحْتَرِفَ [فِي صِنَاعَةٍ]. ويُحْتَمَلُ أَنْ يَكُوْنَ هَذا اللَّفْظُ لَفْظَ مَاعِز (¬3) كِنَايَةً عَنْ نَفْسِهِ، وأَنْ يَكُوْنَ لَفْظَ الرَّاوي كِنَايَةً عَنْ مَاعِزٍ، واسْتَقْبَحِ الرَّاوي أَنْ يَحْكِي قَوْلُهُ؛ إِنِّي: زَنَيتُ. - وَقَوْلُهُ: "لَوْ سَتَرْتَهُ بِرِدَائِكَ" [3]. لَمْ يُرِدِ الرِّدَاءَ المَلْبُوْسَ، وإِنَّمَا هُوَ مَثلٌ مَضْرُوْبٌ لِلْوقَايَةِ والسَّتْرِ. وأَصلُهُ أَنَّ العَرَبَ كَانَتْ إِذَا أَجَارَتْ رَجُلًا وَمَنَعَتْهُ ¬
أَلْقَى عَلَيهِ المُجِيرُ رِدَاءَهُ أَوْ غَيرَهُ من ثِيَابهِ، فَضُرِبَ ذلِكَ مَثَلًا لِكُلِّ مَنْ وَقَى رَجُلًا وَحَفِظَهُ وإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ رِدَاءٌ (¬1). - وَ [قَوْلُهُ: "إذَا أُحْصِنَ"] [8]. يُقَالُ: رَجُلٌ مُحْصَنٌ أَي: حَصَّنَهُ غَيرُهُ، وَمُحْصِنٌ؛ أَي: أَحْصَنَ نَفْسَهُ بِالنِّكَاحِ وَهُوَ مِنَ الحَصَانَةِ، وَبِنَاءٌ حَصِينٌ: يُحَصِّنُ مَا بِدَاخِلِهِ (¬2)، وَمِنْهُ سُمِّيَ الحِصْنُ حِصْنًا، ويُقَالُ: حَصُنَتِ المَرْأَةُ حِصْنًا، وأُحْصِنَتْ إِحْصَانًا. - وَ [قَوْلُهُ: "يُلَقِّنُهَا أَشْبَاهَ ذلِكَ لِتَنْزِعَ"] [9]. يُقَالُ: نزعْتُ عَنِ الشَّيءِ أَنْزَعُ نُزُوْعًا: إِذَا تَرَكْتَهُ وأَعْرَضْتَ عَنْهُ، فَإِنْ دَلَفْت إِلَيهِ قُلْتَ: نَازَعْتُ إِلَيهِ مُنَازَعَةً ونِزَاعًا. - وَ [قَوْلُهُ: "وتَمَّتْ عَلَى الاعْتِرَافِ"]. يُقَالُ: تَمَّ الرَّجُلُ عَلَى الشَّيءِ: إِذَا مَضَى عَلَيهِ وعَزَمَ وثَابَرَ عَلَيهِ. - وَ [قَوْلُهُ: "أَنَاخَ بالأَبْطَحِ"] [10]: الأبْطَحُ؛ المَكَانُ السَّهْلُ المُنْبَطِحُ (¬3). - وَ [قَوْلُهُ: "ثُمَّ كَوَّمَ كُوْمَةً"]. الكُوْمَةُ (¬4): - بِفَتْحِ الكَافِ وضَمِّهَا-: الكِدْسُ مِنَ التُّرَابِ أَو الرَّمْلِ، وَقَدْ كَوَّمتُهُ تَكْويمًا. - وَ [قَوْلُهُ. "واسْتَلْقَى"]. أَكْثَرُ مَا يَسْتَعْمِلُ اللُّغَويُّوْنَ (¬5) اسْتَلْقَى مَكَانَ اسْنَلْقَى، ويَقُوْلُوْنَ: اسْنَلْقَى خَطَأٌ، وَلَيسَ بِخَطَأٍ، لكِنَّهُ قَلِيلُ الاسْتِعْمَالِ، وَقَدْ ¬
[الحد في القذف والنفي والتعريض]
حَكَى ابنُ الأعْرَابِيِّ أَنّهُ قَال لأعْرَابِيٍّ: أَتَعُوْدُ إِلَى البَادِيَةِ؟ ! فَقَال: أَمَّا مَا دَامَ السَّعْدَانُ مُسْنَلْقِيًا فَلَا. أَرَادَ أَنَّه لَا يَعُوْدُ إِلَيهَا أَبَدًا. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ اسْنَلْقَى الرَّجُلُ: إِذَا رَمَى نَفْسَهُ إِلَى الأرْضِ كَيفَ مَا كَانَ، واسْتَلْقَى: إِذَا رَقَدَ عَلَى ظَهْرِهِ، فَمَعْنَى اسْنَلْقَى أَلْقَى نَفْسَهُ إِلَى الأرْضِ كَمَا يُقَالُ: اسْتَجَابَ بِمَعْنَى أَجَابَ، واسْتَوْقَدَ بِمَعْنَى أَوْقَدَ. - وَ [أَمَّا] قَوْلُهُ: "وَضَرَبَ بِإِحْدَي يَدَيهِ عَلَى الأُخرَي". فَإِنَّ هَذا أَمْرٌ كَانَتِ العَرَبُ تَفْعَلُهُ إِذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يُنَبِّهَ غَيرَهُ عَلَى شَيءٍ يَسْتَدْعِيَ إِقْبَالهُ عَلَيهِ، وَرُبَّمَا فَعَلَهُ الرَّجُلُ إِذَا صَاحَ عَلَى شَيءٍ، وإِذَا تَعَجَّبَ مِنْهُ. وَقَال الشَّاعِرُ -في التَّصْفِيقِ بِمَعْنَى التَّنْبِيهِ-: أَقَامُوا الدَّيدَبَانَ (¬1) عَلَى يَفَاعٍ ... وَقَالُوا لأَنْتُمُ الدَّيدَبَانِ فَإِن أَبْصَرْتَ ضَيفًا مِنْ بَعِيدٍ ... فَصَفِّقْ بالبَنَانِ عَلَى البَنَانِ تَرَاهُمْ خَشْيَةَ الأَضْيَافِ خُرْسًا ... يُصَلُّوْنَ الصَّلَاةَ بِلَا أَذَانِ -[وَ] ذَكرَ قَوْلَ عُمَرَ: "إنَّ الأَمَةَ أَلْقَتْ فَرْوَتَهَا مِنْ وَرَاءِ الدَّارِ". الفَرَوْةُ جِلْدُ الرَّأْسِ، وَأَرَادَ بِهَا -هَهُنَا-: الخِمَارَ، سَمَّاهُ فَرْوَةً لِكَوْنهِ عَلَى الفَرْوَةِ، وَأَرَادَ بِوَرَاءِ الدَّارِ: خَارِجَهَا، وَمَعْنَى الحَدِيثِ: إِشَارَةٌ إِلَى كَثْرَةِ تَصَرُّفِهَا، وَعَدَمِ إِمْكَانِ تَثْقِيفِهَا، مَعَ عَدَمِ حَيَائِهَا وَقِلَّةِ تَسَتُّرِهَا. [الحَدُّ في القَذْفِ والنَّفْي والتَّعْرِيضِ] - وَذَكَرَ قَوْلَ أَبِي مَيمُوْنَةَ (¬2): قَدِمْتُ المَدِينَةَ فَدَخَلْتُ المَسْجِدَ وَقَيَّدْتُ ¬
بَعِيرِي فَجَاءَ رَجُل فَحَلَّهُ فَقُلْتُ: يَا نَايِكَ أُمِّه، فَرَفَعَنِي إِلَى أَبِي هُرَيرَةَ -وَهُوَ خَلِيفَة لِمَرْوَانَ- فَضَرَبَنِي ثَمَانِينَ، قَال: فَرَكِبْتُ بَعِيرِي فَقُلْتُ: لَعَمْرُكَ إِنِّي يَوْمَ أُضْرَبُ قَائِمًا ... ثَمَانِينَ سَوْطًا إِنِّنِي لَصبُوْرُ وَإِنِّي لَرَكَّابٌ لِكُلِّ عَظِيمَةٍ ... وَإِنِّي عَلَى مَا أَشْتَهِي لَجَسُوْرُ - وَقَدْ ذَكَرْنَا التَّعْرِيضَ واشْتِقَاقَهُ في بَابِ (الخُطْبَةِ) وَمَعَنَا زِيَادَةٌ وَهُوَ: أَنَّ قَوْمًا ذَهَبُوا إِلَى أَنَّه مُشْتَقٌّ من المِعْرَاضِ وَهُوَ سَهْمٌ لَا نَصْلَ لَهُ وَلَا رِيشَ يُرْمَى بِهِ الأعْرَاضُ، وَيُؤَيِّدُ ذلِكَ قَوْلُهُمْ في الأَقْوَالِ الَّتِي هَذِهِ سَبِيلُهَا: مَعَارِيضُ، وَفِي الحَدِيثِ (¬1): "إِنَّ في المَعَارِيض ... " الحَدِيثُ. والتَّعْرِيضُ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَنْفِي الرَّجُلُ عَنْ نَفْسِهِ أَمْرَّا وغَرَضُهُ أَنْ يُثْبِتَهُ لآخَرَ كَنَحْو مَسْأَلةِ مَالِكٍ، وَنَحْو قَوْلِ الشَّاعِرِ (¬2): ¬
* ... وإِنَّا لَا نَخُطُّ عَلَى النَّمْلِ * قَال أَصْحَابُ المَعَانِي: في هَذَا تَعْرِيضٌ بِرَجُل كَانَ أَخْوَالُهُ مَجُوْسًا، والنَّمْلُ: قُرُوْحٌ تَخْرُجُ في الجَنْبِ إِذَا خَطَّ عَلَيهَا وَلَدُ الرَّجُلِ مِنْ أُخْتِهِ بَرِأَتْ. والمَجُوْسُ تَنْكِحُ أَخَوَاتِهَا. والنَّوع الثَّانِي: أَنْ يَكُوْنَ بِألفَاظٍ مُشْتَرِكَةِ المَعَانِي يُوْهِمُ المُتكلِّمَ أنَّه أَرَادَ مَعْنًى مِنْهَا وَغرَضُهُ مَعْنًى آخَرُ، وَهُوَ يُسَمَّى اللَّحْنَ واللَّغْزَ كَقَوْلكَ: والله مَا أَخَذْتُ لَهُ غَفَارَةٌ، وأَنْتَ تُرِيدُ السَّحَابَةَ الَّتِي تكُوْنُ فَوْقَ سَحَابَةٍ أُخْرَى (¬1). - وَ [قَوْلُهُ: "والخُلَفَاء هَلُمَّ جَرًا"] [17]. مَعْنَى (هَلُمَّ) أَقْبِلْ، والجَرُّ: سَيرٌ رَقِيقٌ، جَرَرْتَ الإبِلَ: إِذَا رَفَقْتَ بِهَا في المَشْيِ، وَتَركتَهَا تَرْعَى النَّبَاتَ في سَيرِهَا، والعَرَبُ تَسْتَعْمِلُهَا في الشَّيءِ الَّذِي يَسْتَمِرُّ ويَتَّصِلُ، وأَصْلُهَا أَنْ تُسْتَعْمَلَ في الأَمْرِ فَيُقَالُ: هَلُمَّ جَرًا، أَي: أَدْرَكْتُهُمْ جَارِّينَ لِهَذَا الحَكْمِ مُسْتَمِرِّينِ عَلَيهِ، كَأَنَّ المُتَقَدِّمَ مِنْهُمْ يَجُرُّ (¬2) المُتَأخِّرَ الَّذِي يَأتِي بَعْدَهُ بَأَنْ يتَمَثَّلَ ذلِكَ وَلَا يُغَيِّرَهُ. ¬
- وَ [قَوْلُهُ: "لأبُوْءَنَّ عَلَى نَفْسِي"] [18]. يُقَالُ: بَاءَ الرَّجُلُ [بِذَنْبِهِ]: إِذَا اعْتَرَفَ بِهِ وَأَلْقَى بِيَدِهِ. - وَذَكرَ قَوْلَ عَلِيٍّ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي شَكَت أنَّ زَوْجَهَا يُلِمُّ بِجَارَتهَا (¬1): "إِنْ كُنْتِ صَادِقَةً رَجَمْنَاهُ وإِنْ كُنْتِ كاذِبَةً جَلَدْنَاكِ، فَقَالتْ: رُدَّنِي إِلَى أَهْلِي غَيرَي نَغِرَةً". يُقَالُ: نَغَرَتِ القِدْرُ تَنْغِرُ، ونَغَرَتْ تَنْغَرُ: إِذَا غَلَتْ. وأَرَادَتْ: أَنَّ جَوْفَهَا تَغْلِي مِنَ الغَيظِ والغَيرَةِ. وأُسَافُ: اسْمُ رَجُلٍ. والمُحَدِّثُوْنَ يَقوْلُوْنَ: هِلَالُ بنُ يَسَافٍ (¬2) وأَبَى ذلِكَ أَهْلُ اللُّغَةِ، وَقَالُوا: هُوَ خَطَأٌ، وَلَيسَ عِنْدِي كَذلِكَ لِوَجْهَينِ: أَحَدُهُمَا: اتِّفَاقُ المُحَدِّثِينَ عَلَى نَقْلِهِ باليَاءِ. والثَّانِي: أنَّا وَجَدْنَا في اللُّغَةِ أَلْفَاظًا كَثيرَةً يَكُوْنُ بالهَمْزَةِ وباليَاءِ كَقَوْلهِمْ: يَرْقَان وأَرْقَان، ورُمْحٌ يَزَنِيُّ وأَزَنِيٌّ (¬3)، وَيَسْرُوْعٌ وأَسْروْعٌ (¬4)؛ لِدُوْدَةٍ يَكُوْنُ فِي الرَّمْلِ (¬5). ¬
[ما لا حد فيه]
[مَا لَا حَدَّ فِيهِ] - وَقَوْلُهُ: "لَتَأْتِيَنِّي بالبَيِّنَةِ" [20]. يُروْى بنونين، وبنُونٍ وَاحِدةٍ مَكْسُوْرَةٍ مُشَدَّدَة، وباثْنَتينَ أَبْلَغُ في المَعْنَى، وَقَوْلُهُ: بالبَيِّنَة أَي: بالقِصَّةِ البَيِّنة الَّتي لَا إِشْكَال فِيهَا، ويُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بـ[البَيِّنَةِ] الشُّهُوْدَ، وَقِيلَ لَهُمْ بَيِّنَةٌ؛ لأنَّهم يُبَيِّنُوْنَ الأُمُوْرَ، الوَاحِدُ: بَيِّنٌ، مِثْلُ: قَيِّمٍ وَقَيِّمَةٍ، ذَهَبَ بالتَّأْنِيثِ إلى مَعْنَى الجَمَاعَةِ كَمَا قِيلَ من القَيِّمة. قَيِّمٌ، والعِلَّةُ في ذلِكَ أَنَّ الحُقُوْقَ لا تَبِينُ بِوَاحِدٍ، وإِنَّمَا باثْنَينِ فَصَاعِدًا، وإِنَّمَا يُقَالُ: رَجُلٌ بَيِّنٌ إِذَا كَانَ بَلِيغًا، وَقَوْمٌ أَبْيِنَاءُ، كَمَا يُقَالُ: هَيِّنٌ وأَهْونَاءُ، وَليِّنٌ وأَلْيِنَاءُ. وَقَوْلُهُ: "بِأَحْجَارِكَ" (¬1). إِنَّمَا كَانَ أَضَافَهَا إِلَيهِ؛ إِذْ كَانَ يَسْتَحِقُّ الرَّجْمَ بِهَا، والعَرَبُ تُضِيفُ الشَّيءَ إِلَى الشَّيءِ إِذَا كَانَتْ بَينَهُمَا وَصْلَةٌ. [مَا يَجِبُ فِيهِ القَطْعُ] -[قَوْلُهُ: "قَطَعَ في مِجَنٍّ"] [21]. المِجَنُّ: التِّرْسُ؛ لأنَّه يُجِنُّ الَّذِي تَحْتَهُ أَي: يَسْتُرَهُ. جَنَّهُ اللَّيلُ وأَجَنَّهُ أَي: سَتَرَهُ. - وَ [قَوْلُهُ: "حَرِيسَةُ الجَبلِ"] [22]. الحَرِيسَةُ: الشَّاةُ تُسْرَقُ في الجَبَلِ. - وَ [قَوْلُهُ: "المُرَاحُ أَو الجَرِينُ"]. المُرَاحُ-بِضَمِّ المِيمِ- المَوْضِعُ الَّذِي ¬
تُرَاحُ إِلَيهِ الإبِلُ مِنَ المَرْعَى؛ أي: تُرَدُّ إِذَا أَقْبَلَ اللَّيلُ، يُقَالُ: رَاحَتِ الإبِلُ وأَرَاحَهَا الرَّاعِي، فَإِنْ جَعَلْتَ المُرَاحَ مِنْ رَاحَ يَرُوْحُ فَتَحْتَ المِيمَ، وإِنْ جَعَلْتَهَا مِن أَرَاحَهَا الرَّاعِي ضَمَمْتَ المِيمَ، ومثله المُقَام بِضَمِّ المِيمُ مِنْ أَقَامَ يُقِيمُ، وَفَتْحُهَا مِنْ قَامَ يَقُوْمُ، قَال تَعَالى (¬1): {قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ} وَقَال [تَعَالى] (¬2): {مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76)}. - وَ"الجَرِينُ" شِبْهُ الأنْدَرِ، وَجَمْعُهُ: جُرُنٌ، ويُقَالُ لَهُ: المِرْبَدُ، والجُوْخَانُ والمِسْطَحُ (¬3). - وَ [قَوْلُهُ: "أَنَّ سَارِقًا سَرَقَ في زَمَنِ عُثْمَان أُتْرُجَّةً"] [23]. يُقَالُ: أُتْرُجَّةٌ والجَمْعُ: أُتْرُجٌّ، قَال الأصْمَعِيُّ: وَلَا يُقَالُ: تُرُنْجَةٌ، وَزَعَمَ أَبُو زَيدٍ أَنه يُقَالُ: تُرُنْجَةٌ وتُرُنْجٌ (¬4)، قَال: وأُتْرُجَّةٌ وأُتْرُجٌّ أَفْصَحُ. - وَقَوْلُ عَائشِةَ: "مَا طَال عَلَيَّ وَمَا نَسِيتُ"] [24]. أَي: مَا طَال عَلَيَّ الأمْرُ فَتَرَكت ذِكْرَ الفَاعِلِ اخْتِصَارًا لِلْعِلْمِ بِهِ، وَمِثْلُهُ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬5): {حَتَّى تَوَارَتْ ¬
[جامع القطع]
[جَامعُ القَطْعِ] - وَ [قَوْلُهُ: "ثُمَّ يُسْتَعْدَى عَلَيهِ"] [30]. يُقَالُ: اسْتَعْدَيتُ السُّلْطَانَ عَلَى فُلَانٍ واسْتَأْدَيتُهُ. ويُقَالُ: أَعْدِنِي عَلَيهِ وأدَّنِي عَلَيهِ، أَي: قَوِّنِي وأَعِنِّي (¬1). - وَ [قَوْلُهُ: "أَخَذَ نَاسًا فِي حِرَابَةٍ"] [31]. الحِرَابَةُ -بالحَاءِ غَيرِ مُعْجَمَةٍ- السَّلْبُ، حَرَبْتُ مَالهُ أَحْرُبُهُ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: "خِرَابَةٍ" بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ، وَهِيَ سَرِقَةُ الإِبِلِ خَاصَّة، يُقَالُ: رَجُلٌ خَرِبٌ، وَقَوْمٌ خِرَابٌ، والأوَّلُ هُوَ الوَجْهُ. - وَ [قَوْلُهُ: "أَو الصُّنْدُوْقِ .. أَوْ بالمِكْتَلِ"]. "الصُّنْدُوْقُ": التَّابُوْتُ (¬2). والمِكْتَلُ: شِبْهُ القُفَّةِ. - وَ [قَوْلُهُ: "يُغْلَقَانِ"]. "الغَلَقُ": مَا يُغْلَقُ فِيهِ البَابُ، ويُسَمَّى أَيضًا البَابُ غَلَقًا. - وَ [قوْلُهُ: بِمَنزلَةِ حَرِيسَةِ الجَبَلِ" (¬3)]. "حَرَيسَةُ الجَبَلِ": السَّرِقَةُ نَفْسُهَا، يُقَالُ: حَرَسَ يَحْرِسُ حَرْسًا: إِذَا سَرَقَ، وَيَكُوْنُ المَعْنَى إِنَّهُ لَيسَ فِيمَا يُسْرَقُ مِنَ المَاشِيَةِ بِالجَبَلِ قَطْعٌ حَتَّى يُؤويهَا المُرَاحُ. قَال أَبُو عُبَيدٍ (¬4): وَفِيهَا وَجْهٌ آخَرُ، ¬
[ما لا قطع فيه]
وَهُوَ أَنْ تَكُوْنَ الحَرِيسَةُ هِيَ المَحْرُوْسَةُ. فَيُقُوْلُ: لَيسَ فِيمَا يُحْرَسُ في الجَبَلِ قَطْعٌ؛ لأنَّه لَيسَ بِمَوْضِعِ حِرْزٍ وَإِنْ حُرِسَ. [مَا لَا قَطْعَ فِيهِ] -[قَوْلُهُ: "فَخَرَجَ صَاحِبُ الوَدِيِّ يَلْتَمِسُ وَدِيَّهُ"] [32]. حَدِيثُ رَافِعٍ لَيسَ فِيهِ ذِكْرٌ لِلْوَدِيِّ، وَلَيسَ الكَثَرُ مِنَ الوَدِيِّ في شَيءٍ، وإِنَّمَا الوَدْي: الفَسِيلُ وَهُوَ النَّخْلَةُ الصَّغِيرَةُ الَّتِي تُغْرَسُ، وَلكِنَّ مَرْوَانَ وَرَافِعًا أَجْرَيَا الوَدِيَّ مَجْرَى الكَثَرِ والثَّمَرِ، وَلَوْلَا ذلِكَ لَمْ تَكُنْ حُجَّةٌ. - وَ [قَوْلُهُ: "قَد اخْتَلَسَ مَتَاعًا"] [34]. الخُلْسَةُ والاخْتِلَاسُ: أَخْذُ الشَّيءِ في سُرْعَةٍ، والخُلْسَةُ والدُّعْرَةُ وَاحِدٌ. وسُئِلَ عَلِيٌّ عن الخلْسَةِ؟ فَقَال: تِلْكَ الدُّعْرَةُ المُعْلَنَةُ لَيسَ فِيهَا قَطْعٌ. وأَصْلُ الدَّعْرِ: الدَّفْعُ، ومِنْهُ الحَدِيثِ: "دَعْرُ الأَصِفَّاءِ" أَي: ادْعَرُوْهُمْ وَلَا تُصَافوْهُمْ فِي القِتَالِ. ¬
(كتاب الأشربة)
(كِتَابُ الأشْرِبَةِ) (¬1) قَال أبُو مُوْسَى: خَمْرُ المَدِينَةِ مِنَ البُرِّ والتَّمْرِ، وَهُوَ الفَضِيخُ (¬2) والسَّكَرُ (¬3)، والبِتْعُ (¬4)، وَهُوَ نَبِيذُ العَسَلِ - يَتَّخِذُهُ أَهْلُ مِصْرَ واليَمَنِ، ولأهْلِ اليَمَنِ ¬
المِزْرُ (¬1) -وَهُوَ مِنَ الشَّعِيرِ- وَهُوَ خَمْرُ الحَبَشَةِ. والسُّكُرْكَةُ (¬2) مِنَ الذُّرَةِ، وَهِيَ الغُبَيرَاءُ (¬3) الَّتِي نَهَى عَنْهَا رَسُوْلُ اللهِ [- صلى الله عليه وسلم -]، وَقَال: "هِيَ خَمْرُ العَالِمِ"، فَقَدْ سُمِّيَتْ هَذِهِ الأشْرِبَةُ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا خَمْرًا. كَانَ المَشْهُوْرُ عِنْدَ العَرَبِ أَنَّ ¬
الخَمْرَ وَاقِعٌ عَلَى عَصيرِ العِنَبِ الَّذِي يُغْلِي ويَقْذِفُ بالزَّبَدِ بِغَيرِ نَارٍ. وأَمَّا المَطْبُوخُ فَإِنَّمَا كَانُوا يُسَمُّوْنَهُ الطِّلَا (¬1)، وَكَانُوا يُسَمُّوْنَ مَا اتُّخِذَ مِنَ التَّمْرِ: الفَضِيخُ والسَّكَرُ والكَسِيسُ (¬2)، وما اتُّخِذَ مِنَ العَسَلِ: البِتْعُ، وَمَا اتُّخِذَ مِنَ الشَّعِيرِ: الجَعَةُ (¬3)، وَمَا اتُّخِذَ مِنَ الذُّرَةِ: المِزْرُ والسُّكُرْكَة ويُطْلِقُوْنَ عَلَى جَمِيعِهَا اسمَ النَّبِيذِ (¬4). ¬
وَكَانُوا رَبَّمَا سَمَّوا هَذ الأصْنَافَ كُلَّهَا خَمْرًا فَلَمَّا قَال تَعَالى (¬1): {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيسِرُ ... } إذْ كَانَتْ نَائِبَةً مَنَابَ الخَمْرِ وَسَادَّةً مَسَدَّهَا، وَكَانَ مَعْنَى الخَمْرِ مَوْجُوْدًا فِيهَا، وَكَانَ مِنْهُم مَنْ لَا يُسَمِّيهَا خَمْرًا، فَلَمَّا قَال تَعَالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيسِرُ ... } احتُمِلَ أَن يُريدَ الخَمْرَ المَشْهُوْرَةَ الَّتي لا خلافَ فِيهَا [ ... ] (¬2) خَمْرًا، دُوْنَ غَيرِهَ مِمَّا قَدْ تُسَمَّى خَمْرًا وَقَدْ لا تُسَمَّى، واحْتُمِلَ أَنْ يُرِيدَ جَمِيع مَا يَقَعُ عَلَيهِ هَذَا الاسْم، فَأَوْضَحَ رَسوْلُ الله [- صلى الله عليه وسلم -] هَذَا الإبْهَامَ بِأَنْ قَال: "كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ" أَي: حُكْمُهُ حُكْمُ الخَمْرِ، وَلِهذَا احْتِيجَ أَنْ يُقَال: إِنَّ الخَمْرَ يَكُوْنُ مِنَ التَّمْرِ والزَّبِيبِ والحِنْطَةَ والعَسَلِ والشَّعِيرِ، وَلَوْ كَانَ المَشْهُوْرُ أَنَّ هَذه الأَصْنَافَ تُسَمَّى خَمْرًا كَشُهْرَةِ تَسْمِيَةِ عَصِيرِ العِنَبِ إِذَا (¬3) احْتِيجَ إِلَى هَذَا، وَلَكَانَ فِي تَحْرِيمِ الخَمْرِ كِفَايَةٌ، وَلكِنْ لَمَّا كَانَتْ تَحْتَمِلُهُ بَيَّنَ ذلِكَ رَسوْلُ اللهِ [- صلى الله عليه وسلم -] كَمَا قَال تَعَالى (¬4): {حُرِّمَتْ عَلَيكُمُ الْمَيتَةُ وَالدَّمُ} احْتَمَلَ العُمُوْمَ واحْتَمَلَ الخُصُوْصَ فَأَوْضَحَ ذلِكَ النَّبيُّ [- صلى الله عليه وسلم -] بِقَوْلهِ: "أُحِلَّتْ لَكُمْ مَيتَتَانِ وَدَمَانِ" وَهَذِهِ الآيةُ عَكْسُ آيةِ الخَمْرِ؛ لأنَّه خَصَّصَ فِي هَذِهِ الآيةِ مَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُوْنَ عُمُوْمًا، ¬
وعَمَّمَ في آيةِ الخَمْرِ مَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُوْنَ خُصُوْصًا. والسُّكْرُ -في اللُّغَةِ- رَمْزُ الشَّرَابِ عَلَى العَمَلِ والبَأْسِ، سَوْرَتُهُ الدُّمَاغُ، وَكُلُّ شَيءٍ سَدَدْتَهُ فَقَدْ (¬1) سَكَرْتَهُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِكُلِّ مَا سُدَّ بِهِ مَجَارِي المِيَاهِ: السُّكُوْرُ، وَاحِدُهَا سُكْرٌ -[بِضَمِّ] (¬2) السِّينِ-، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالى (¬3): {إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا} أَي: غُشِيَتْ شَيئًا أَزَال النَّظَرَ عَنْ حَقَائِقِهِ، وَسُمِّيَتِ الخَمْرُ خَمْرًا لِمُخَامَرَتهَا العَقْلَ؛ ولأنَّهَا تُخَمِّرُهُ وتَسْتُرُهُ؛ أَوْ لأنَّهَا تُخَمَّرُ وتُغَطَّى حَتَّى تُدْرِكَ، فَحَيثُ مَا وُجِدَتْ هَذِهِ المَعَانِي لَزِمَهَا اسْمُ الخَمْرِ. عَرْفَجَةُ بنُ أَسْعَدَ (¬4) المُتَّخِذُ الأنْفَ مِنَ الذَّهَبِ، إِذْ أُصِيبَ أَنْفُهُ يَوْمَ الكُلَابِ في الجَاهِلِيَّةِ، وتَخَتَّمَ البَرَاءُ بنُ عَازِبٍ (¬5) بالذَّهَبِ. وَكَانَ شُرَيحٌ القَاضِي (¬6) يَقْضِي على حُلَّةِ أَسَدٍ. وَقَال ابنُ مَسْعُوْدٍ: شَهِدْنَا ¬
التَّحْرِيمَ وشَهِدْتُمْ، وشَهِدْنَا التَّحْلِيلَ وغَنِمْتُمْ. - قَوْلُهُ: "مَا أَسْكَرَ الفَرَقُ مِنْهُ فَمِلْيءُ الكَفِّ مِنْهُ حَرَامٌ". والعَوَامُّ يَقُوْلُوْنَ فيه. "فَرْقٌ" بِسُكْوْنِ الرَّاءِ (¬1)، ويَذْهَبُوْنَ إِلَى أَنَّه ثَمَانِيَة وعِشْرُوْنَ (¬2) رَطْلًا عَلَى مَا اصْطَلَحُوا عَلَيهِ في فرق الدُّوشَابِ، وإِنَّمَا هُوَ الفَرَقُ بِفَتْحِهَا وَهُوَ سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا. عُمَرُ، وابنُ مَسْعُوْدٍ، والأعْمَشُ، والنَّخَعِيُّ، والشَّعْبِيُّ، والبَرَويُّ (¬3) وأَبُو وَائِلٍ (¬4)، وَعَاصِمُ بن أَبِي النُّجوْد (¬5)، ومُحَمَّدُ بنُ رَافِع (¬6)، لَا يَجُوْزُ أَنْ يُقَالُ في هَؤلاءِ يَشْرَبُوْنَ المُسْكِرَ عَلَى تَأْويلٍ، كَمَا لَا يَجُوْزُ أَنْ يُقَال في ابنِ عَبَّاس، وجَابرٍ وعَطَاءٍ، وابنِ جُبَيرٍ ونَحْوهِم مِمَّن أَجَازَ المُتْعَةَ إِنَّهُم أَجازُوْهَا عَلَى تأْويلٍ. ¬
[كتاب العقول]
[كِتَابُ العُقُوْل] (¬1) [ذِكرَ العُقُول] -[قَوْلُهُ: "إِذَا أُوْعِيَ جَدْعًا"] [1]. الجَدْع: قَطْعُ الأنْفِ أَو الأُذُنِ، وَلَا يُسْتَعْمَلُ في غَيرِهِمَا مِنَ [الأَعْضَاءِ] (¬2) وهو في الأَنْفِ أَشْهَرُ مِنْهُ في الأُذُنِ، وَوَقَعَ في بَعْضِ النُّسَخِ: "أَنْ يُجَبَّ" وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَمَعْنَاهُ: اسْتُؤْصِلَ. [مَا جَاءَ في دِيَةِ العَمْدِ إِذَا قبلت وجناية المَجْنُوْنِ] وَ [قَوْلُهُ: "بِنْتُ مَخَاضٍ ... بِنْتُ لَبُونِ .. حِقَّةٌ ... جَذَعَةٌ"] [2]. يُقَالُ لِوَلَدِ النَّاقَةِ أَوَّلَ سَنَةٍ حُوَارٌ، وحِوَارٌ بضمِّ الحَاءِ وكَسْرِهَا (¬3)، ويُقَال له في [الثَّانِيَة] (2) ابنُ مَخَاضٍ؛ لأنَّ أَمَّهُ مِنَ المَخَاضِ وَهِيَ الحَوَامِلُ، وأَصْلُ [مَخَاضٍ] مَاخِضَة مِنْ غَيرِ لَفْظِهَا، وَلَا يُقَالُ: مَخَاضَة. ويُقَالُ لَهُ في السَّنَةِ الثَّالِثَةِ: ابنُ لَبُوْنٍ؛ لأنَّ أُمَّهُ ذَاتُ لَبَن، ويُقَالُ لَهُ في السَّنَةِ الرَّابِعَةِ: حِقٌّ؛ لاسْتِحْقَاقِهِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيهِ ويُرْكَبَ، ¬
والأُنْثَى حِقَّة. ويُقَالُ لَهُ في السَّنَةِ الخَامِسَةِ: جَذَعٌ، والأُنْثَى جَذَعَةٌ، والجَمْعُ: جِذَاعٌ، وجِذْعَانٌ. ثُمَّ يُلْقِي ثَنِيَّتَهُ في السَّنَةِ السَّادِسَةِ فَيُقَالُ: أَثْنَى، ثُمَّ يُلْقِي رُبَاعِيَتَهُ في السَّنَةِ السَّابِعَةِ فَيُقَالُ لَهُ: رَبَاعٌ، ثُمَّ يُلْقِي السّنَّ الَّتِي بَعْدَ الرُّبَاعِيَةِ في السَّنَةِ الثَّامِنَةِ فَيُقَالُ لَهُ: سَدْسٌ، والجَمِيع: سُدْسٌ وسُدُسٌ، ويُقَالُ لَهُ أَيضًا: سَدَسٌ بِفَتْحِهِمَا، والجَمْعُ أَسْدَاسٌ، ثُمَّ يَفْطُرُ نَابهُ في التَّاسِعَةِ فَهُوَ بَازِلٌ، والبَازِلُ في الإبِلِ كَالقَارِحُ في الخَيلِ (¬1) قَال جَرِيرٌ (¬2): * ... صَوْلَةَ البُزْلِ القَنَاعِيسِ * وَهِيَ العِظَامُ، وَاحِدُهَا: قِنْعَاسٌ (¬3)، فَإِذَا أَتَى عَلَيهِ بَعْدَ ذلِكَ عَامٌ فَهُوَ مُخْلِفٌ، وَلَيسَ لَهُ اسمٌ بَعْدَ الإخْلَافِ، وإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ: مُخْلِفٌ عَامًا، ومُخْلِفٌ عَامَينِ فَمَا زَادَ، ثُمَّ لَا يَزَالُ كَذلِكَ حَتَّى يَهْرَمَ فيُسَمَّى عَوْدًا، قَال الرَّاجِزُ (¬4): ¬
[دية الخطأ في القتل]
* عَوْدٌ عَلَى عَوْدٍ عَلَى عَوْدٍ خَلِفْ * أَي: شَيخٌ مُسِنٌّ، عَلَى جَمَل مُسِنٌّ، عَلَى طَرِيقٍ قَدِيمٍ قَدْ طَال سُلُوْكُهُ. [دِيَةُ الخَطَأ في القَتْلِ] - قَوْلُهُ: "فَنَزَي فِيهَا" (¬1) [4]. قَال قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ (¬2): هَذَا تَصْحِيفٌ، وإِنَّمَا هُوَ فَنَزَفَ، أَي: جَرَى مِنْهَا دَمٌ كَثيرٌ ضَعَّفَهُ، ويَجُوْزُ عِنْدِي أَنْ لَا يَكُوْنَ تَصْحِيفًا؛ لأنَّه يُقَال: نَزَا يَنْزُ ونَزْوًا: إِذَا وَثَبَ، وَقَصْعَةٌ (¬3) نَازِيَةٌ ونَزِيَّة: إِذا كَانَ لَهَا جَوْفٌ كَبِيرٌ. وَنَزَا السِّعْرُ يَنْزُو: إِذَا ارْتَفَعَ وَتَجَاوَزَ حَدَّهُ، فَيَكُوْنُ المُرَادُ أَنَّ الأصْبُعَ وَرِمَتْ وانْتفَخَتْ انْتِفَاخًا مُفْرِطًا. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّه مِنَ النُّزَاءِ، وَهِيَ عِلَّةٌ تأْخُذُ المَعِزَ (¬4) ¬
[عقل الجنين]
فَتبوْلُ الدَّمَ فَتَمُوْتُ ويُسَمَّى النُّقَازُ أَيضا، يُقَال مِنْهُ: نزَتِ المَاعِزَةُ تَنْزِي فَهِيَ مُنْزِيَةٌ. [عَقْلُ الجَنِينِ] - وَ [قَوْلُهُ: "فَقَضَى فِيهِ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بُغَرَّةٍ: عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ"] [5 , 6]. العَبْدُ وَالوَليدةُ تَفْسِيرٌ لِلْغُرَّةِ، وَسُمِّيَتْ غُرَّةً؛ لتَشْبِيهِهَا بِغُرَّةِ الفَرَسِ، أَي: إِنَّهَا جَمَالٌ لِمَالِكِهَا وَزَينٌ لَهُ. أَوْ مِنْ قَوْلهِمْ: فُلَانٌ غَرِيرٌ بِهَذَا الأَمْرِ، أَي كَفِيلٌ بِهِ؛ لأنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَتكفَّلُ بأَمْرِ مَوْلَاهُ. - وَ [قَوْلُهُ: "وَمِثْلُ ذلِكَ بَطَلْ"] [6]. رُويَ (بَطَلٌ) و"يُطَلُّ" (¬1) الأوَّلُ من البُطْلَانِ، والثَّانِي من طَلَّ دَمُهُ فَهُوَ مَطْلُوْلٌ: إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ قَوَدٌ وَلَا عَقَلٌ. -[قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّمَا هَذَا مِنْ إِخْوَانِ الكُهَّانِ" كَرِهَ النَّبِيُّ [- صلى الله عليه وسلم -] سَجْعَ حَمْلِ ابنِ مَالِكٍ (¬2) هَذَا؛ لِمَا يَبْدُو عَلَيهِ مِنْ التَّكَلُّفِ، وَلَيسَ كُلُّ سَجْعٍ مُسْتَحْسَنًا، وَلِذلِكَ قِيلَ: البَلَاغَةُ: [العالية] أَنْ يَكُوْن اللَّفْظ فَصِيحًا، والمَعْنَى صَحِيحًا، ولَا يَكُوْنُ مَجَازُهُ تَقْصِيرًا، وَلَا إِطْنَابهُ تَطْويلًا، وأَنْ يَكُوْنَ حُسْنُ وَصْلِةِ تَابِعًا ¬
لِقَطْعِهِ، وَمَعَانِيهِ غير تَابِعَةٍ لسَجْعَهُ، وَلَا يُفْسِدُهُ التَّعَسُّفُ، وَلَا يَنْقُصُ بِهَاءَهُ التَّكَلُّفُ. فَمَعْنَى قَوْلِهِ: "أَنْ يَكُوْنَ مَعَانِيهِ غَيرَ تَابِعَةٍ لِسَجْعِهِ" أَنَّ المُتكلِّفَ لِلْسَّجْعِ يَتكلَّفُ المَعَانِي مِنْ أَجْلِهِ فَتَأْتِيَ مَعَانِيهِ قَلِقَةً، وأَلْفَاظُهُ مُسْتكرَهَةً، والحَسَنُ الطَّبْعِ أَحْمَد عَرْضِهِ تَامَّة المَعَانِي، فَإِنْ اتَّفَقَ لَهُ السَّجْعُ أَتَى بِهِ، فَكَانَ زَائِدًا فِي حُسْنِ أَلْفَاظِهِ، وَإِنْ رَأَى فِيهِ كُلْفَةً تَرَكَهُ، أَلَا تَرَى قَوْلَهُ - صلى الله عليه وسلم - لِجَرِيرِ بنِ عَبْدِ الله (¬1) -حِينَ اسْتَوْصَفَهُ مَنْزِلَهُ: فَسَجَعَ لَهُ-: "إِذَا قُلْتَ فَأَوْجِزْ، وإِذَا بَلَغْتَ حَاجَتكَ فَلَا تَتكلَّفْ" فَيَجِيءُ سَجْعُهُ تَابِعًا لِمَعَانِيهِ. وَهكَذَا سَجْعُ الكُهَّانِ أَكْثرُهُ تَكَلُّفٌ. - وَقَوْلُهُ: "مَا [لَا] شَرِبَ وَلَا أَكَلْ" (¬2) أَي: مَا لَمْ يَشْرَبْ وَلَمْ يَأْكُلْ، وَكَذلِكَ إِلَى آخِرِ الحَدِيثِ، والعَرَبُ تَصِلُ "لَا" بالفِعْلِ المَاضِي فَيَنُوْب ذلِكَ مَنَابَ وَصْلِ "لَمْ" بالفِعْلِ المُسْتَقْبَلِ فَمِنْ ذلِكَ قَوْلُهُ تَعَالى (¬3) {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّي} أَي: لَمْ يُصَدِّقْ وَلَمْ يُصَلِّ، وَقَوْلُ أَبِي خِرَاشِ (¬4): * وَأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لَا ألَمَّا * أَي: لمْ يُلِمَّ. - وَقَوْلُهُ: "حَتَّى يَزَايِلَ بَطْنَ أُمِّهِ". لَا يَجُوْزُ هَمْزُ "يُزَايِلَ" لأنَّ يَاءَهَا أَصْلِيَّةٌ، ¬
[ما جاء في عقل العين إذا ذهب بصرها]
وإِنَّمَا تُهْمَزُ اليَاءُ الزَّائِدَةُ والمُنْقَلِبَةُ مِنْ حَرفٍ زَائِدٍ. - وَ [قَوْلُهُ: "ونَرَى أَنَّ في جَنِينِ الأَمَةِ .. "]: "نُرَى" من رَأى و"نَرَى" من أَرَى. [مَا جَاءَ في عَقْلِ العَينِ إِذَا ذَهَبَ بَصَرُهَا] -[قَوْلُهُ: "وسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ شَتْرِ العَينِ وحِجَاجِ العَينِ"، يُقَالُ: شَتَرَتِ العَينُ تَشْتُرُ شَتْرًا: إِذَا نَسَبْتَ الانْشِقَاقَ إِلَيهَا، فَإِنْ نَسَبْتَهُ إِلى إِنْسَانٍ فَعَلَ ذلِكَ قُلْتَ: شَتَرَهَا يَشْتُرُهَا شَتْرًا، ويُقَالُ -مِنَ الأوَّلِ-: عَينٌ شَتْرَاءُ، وجَفْنٌ أَشْتَرُ. وَمِنَ الثَّانِي: عَينٌ مَشْتُوْرَهٌ وَجَمْنٌ مَشْتُوْرٌ (¬1). وَ"حِجَاجُ العين" و"حَجَاجُهَا": العَظْمُ الَّذِي عَلَيهِ الحَاجِبَانِ، وجَمعُهُ: أَحِجَّةٌ، وَهُوَ مَفْتُوْحٌ وَمَكْسُوْرٌ، وَقَدْ ذَكَرَهُ يَعْقُوْبُ في بابِ "فِعَال" و"فَعَال" (¬2)، وأَدْخَلَ هَذِهِ الكَلِمَةَ بِعَينِهَا. - وَ [قَوْلُهُ: "في العَينِ القَائِمَةِ والعَوْرَاءِ"]. العَينُ القائمةُ: هي الَّتي صُوْرَتُهَا صُوْرَةُ العَينِ الصَّحِيحَةِ غَيرَ أَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَرَى بِهَا شَيئًا (¬3). ¬
[ما جاء في عقل الشجاج]
[مَا جَاءَ في عَقْلِ الشِّجَاجِ (¬1)] الشِّجَاجُ لَا تَكونُ إلَّا في الرَّأْسِ والوَجْهِ، وَلَا يُقَالُ لِمَا في الجَبْهَةِ: شِجَاجٌ، وإِنَّمَا يُقَالُ: جِرَاحٌ. وَكَانَ [مَالِكٌ] لَا يَرَى أَنَّ اللِّحْيَ الأسْفَلَ والأنْفَ مِنَ الرَّأْسِ. والشِّـ]ــــــــــجَاجُ عَلَى نَوْعَينِ: - نَوع فِيهِ عَقْلٌ [مُسَمَّى] وَهِيَ أَرْبَعُ شِجَاجٍ: "المُوْضِحَةُ" (¬2) وَهِيَ الَّتِي تُوْضِحُ عَنْ العَظْمِ، أَي تُبْدِي وَضَحَهُ، وَهُوَ بَيَاضُ العَظْمِ. وَبَعْدَهَا (¬3): "الهَاشِمَةُ" وَهِيَ الَّتِي تَهْشِمُ العَظْمَ وتَرُضَّهُ. ثُمَّ "المُنَقِّلَةُ" وَهِيَ الَّتِي تُخْرِجُ عِظَامًا صِغَارًا شُبِّهَتْ تِلْكَ العَظَامُ بالنَّقْلِ؛ وَهِيَ صِغَارُ الحِجَارَةِ. وَبَعْضُ المَالِكِيَّةِ يَجْعَلُ "الهَاشِمَةَ" و"المُنَقِّلَةُ" سَوَاءً، ¬
وَذلِكَ غَلَطٌ، وَكَيفَ يَصِحُّ هَذَا وَفِي "الهَاشِمَةِ" عَشْرٌ مِنَ الإِبِلِ عِنْدَ جُمْهُوْرِ الفُقَهَاءِ، وَفِي "المُنْقِلَةِ" خَمْسَ عَشْرَةَ؟ ! . ثُمَّ بَعْدَ المُنْقِلَةِ: "المَأْمُوْمَةَ" (¬1) وَهِيَ "الآمَّةُ" فَمَنْ سَمَّاهَا آمَّة فَلأنَّهَا أَمَّتِ الدِّمَاغَ، أَي: قَصَدَتْهُ، وَمَنْ سَمَّاهَا مَأْمُوْمَةً أَرَادَ: أَنَّ الشَّاجَّ أَمَّ بِهَا أمَّ الدِّمَاغِ (¬2) أَي: قَصدَه بِهَا. وَأَمَّا "الجَائِفَةُ" (2) فَلَيسَتْ مِنَ الشِّجَاجِ، وَهِيَ الَّتِي تَبْلُغُ الجَوْفَ وَتَكُوْنُ في الظَّهْرِ والبَطْنِ. وأَمَّا الشجَاجُ الَّتِي تَكُوْنُ دُوْنَ "المُوْضِحَةِ" فَأَوَّلُهَا. "الحَارِصَةُ" وهِيَ الَّتي تَحْرِصُ الجِلْدَ، أَي: تَشُقُّهُ، وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ قَوْلِهِ: حَرَصَ القَصَّارُ الثَّوْبَ، وَمِنَ العَرَبِ مَنْ يُسَمِّيهَا: "الحَرْصَةَ" (¬3). ثُمَّ "الدَّامِيَةُ"ويُقَالُ لَهَا: "الدَّامِعَةُ" وَهِيَ الَّتيِ يَسِيلُ مِنْهَا دَمٌ، وَمِنَ النَّاسِ (¬4) مَنْ فَرَّقَ بَينَهُمَا فَجَعَلَ "الدَّامِيَةَ" هِيَ الَّتِي تَدْمَى مِنْ غَيرِ أَنْ يَسِيلَ مِنْهَا دَمٌ، وَجَعَلَ "الدَّامِعَةَ" الَّتِي يَسِيلُ مِنْهَا دَمٌ، كَمَا يَسِيلُ الدَّمْعُ مِنَ العَينِ. ¬
[عقل الأسنان]
ثُمَّ: "البَاضِعَةُ" وَهِيَ الَّتِي تَشُقُّ اللَّحْمَ بَعْدَ اللَّحْمِ شَقًّا خَفِيفًا. ثُمَّ "المُتَلَاحِمَةُ" وَهِيَ الَّتِي أَمْعَنَتْ في اللَّحْمِ (¬1). ثُمَّ "السِّمْحَاقُ" (2) وَهِيَ الَّتِي بَينَهَا وَبَينَ العَظْمِ قِشْرَةٌ رَقِيقَةٌ، وَكُلُّ قِشْرَةٍ رَقِيقَةٍ فَهِيَ سِمْحَاقٌ، ويُقَالُ: عَلَى ثُرْبِ الشَّاةِ سمَاحِيقُ مِنْ شَحْمٍ، وَعَلَى السَّمَاءِ سَمَاحِيقُ من غَيمٍ، أَي: شَيءٌ رَقِيقٌ (¬2). ويُقَالُ لَهَا أَيضًا: "المِلْطَاءُ" (¬3) بالمَدِّ، و"المِلْطَى" بالقَصْرِ و"المِلْطَاةُ" بالتَّاءِ. وَشَكَّ أَبُو عُبَيدٍ في المِلْطَاءِ فَقَال: لَا أَدْرِي أَهِيَ مَقْصُوْرَةٌ أَمْ مَمْدُوْدَةٌ وَقَال الخَلِيلُ (¬4) بالمَدِّ عَلَى وَزْنِ حِرْبَاءَ. فَهَذِهِ الشِّجَاجُ لَيسَ فِيهَا عَقْلٌ مُسَمًى. [عَقْلُ الأسْنَانِ] في فَمِ الإنْسَانِ أَرْبَعُ ثَنَايَا، وأَرْبَعُ رُبَاعِيَاتٌ، الوَاحِدَةُ: رُبَاعِيَةٌ مُخَفَّفَةُ اليَاءِ، وأَرْبَعَةُ أَنْيَابٍ، وأَرْبَعَةُ ضَوَاحِكُ، واثْنَتَا عَشْرَةَ رَحًى، ثَلَاثٌ فِي كلِّ شِقٍّ، ¬
وأَرْبَعَةُ نَوَاجِذُ وَهِيَ أَقْصَاهَا، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُسَمِّي الضِّوَاحِكَ نَوَاجِذَ، وَيُسَمَّيَ الأَرْحَاءَ أَضْرَاسًا وطَوَاحِنَ، وَجَمِيعُهَا عَلَى اخْتِلَافِ أَسْمَائِهَا تُسَمَّى أَسْنَانًا. وَثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَال: "فِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنَ الإبِلِ" فَلَزِمَ أَنْ يَكُوْنَ حُكْمُهَا كُلُّهَا في الدِّيَةِ سَوَاء، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَقَوْلُ مَرْوَانَ لابنِ عَبَّاسٍ يَقْتَضِي أَنَّ مَا فِي مُقَدَّمِ الفَمِ، يُقَالُ لَهُ: أَسْنَانٌ لَا أَضْرَاسٌ، فَتكُوْنُ الأَسْنَانُ عَلَى هَذَا الرَّأْيِ اثْنَتَي عَشْرَةَ سِنًّا، أَرْبَعُ ثَنَايَا، وأرْبَعُ رُبَاعِيَاتٌ، وَأَرْبَعَةُ أَنْيَابٍ، وَيَكُوْنُ مَا بَقِيَ الأَضْرَاسُ عَلَى هَذَا عُشْرُوْنَ، فَيَكُوْنُ أَوَّلَهَا الضَّوَاحِكُ وَمَا وَرَاءُهَا إِلَى أَقْصَى الفَمِ، وَعَلَى هَذَا الرَّأي يَتَوَجَّهُ قَوْلُ سَعِيدِ بن المُسَيَّبِ أنَّ الدِّيَةَ تَنْقُصُ في قَضَاءِ عُمَرَ، وتَزِيدُ في قَضَاءِ مُعَاويَةَ؛ لأنَّ عُمَرَ قَضَى في الأَضْرَاسِ بِبَعِيرٍ بَعِيرٍ، والأَضْرَاسُ عَلَى هَذَا عُشْرُوْنَ، فَتكوْنُ جُمْلَتُهَا عُشْرُوْنَ بَعِيرًا. وَحَكَى في الأَسْنَانِ في كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنَ الإبِلِ، وَهِيَ اثْنَتَا عَشْرَةَ سِنًّا، فَجُمْلَةُ دِيَتِهَا سُتُّوْنَ بَعِيرًا، فَإِذَا أَضَفْنَاهَا إِلَى عِشْرِينَ كَانَتْ ثَمَانِينَ بَعِيرًا، فَتنقُصُ من الدِّيَةِ الكَامِلَةِ عُشْرُوْنَ، وَسَوَّى مُعَاويَةُ بَينَهَا كُلَّهَا فَجَعَلَ في كُلِّ وَاحِدَةٍ خَمْسًا، فَيَكُوْنُ الوَاجِبُ في دِيَتِهَا كُلِّهَا مَائَةً وَسِتِّينَ، فَتَزِيدُ على دِيَةِ الإنْسَانِ ستِّينَ بَعِيرًا، فَرَأيُ ابنُ المُسَيِّبِ أَنْ يُجْعَلَ في كُلِّ ضِرْسٍ بَعِيرَانِ لِتكوْنَ دِيَةُ الأضْرَاسِ أَرْبَعِينِ، وَدِيَةُ الأسْنَانِ سِتِّينَ، فَلَا تَزِيدُ علَى المَائَةِ ولَا تَنْقُصُ مِنْهَا. والظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ أَنَّه اعْتَقَدَ أَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ [- صلى الله عليه وسلم -] في كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ من الإبِلِ أَنَّه إِنَّمَا أَرَادَ بِهِ مَا فِي مُقَدَّمِ الفَمِ مِنَ الأسْنَانِ دُوْنَ الأْضَرَاسِ، فَلِذلِكَ فَرَّقَ بَينَ حُكْمِ السِّنِّ والضَّرْسِ، وَلَا يَلْزَمُ هَذَا؛ لأنَّهُ لَمْ يُرْوَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - في ذلِكَ
[ميراث العقل والتغليظ فيه]
حُكُمٌ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ السِّنِّ وَوَجَدْنَا العَرَبَ تُسَمِّي الجَمِيعَ (¬1) أَسْنَانًا. ويُشْبِهُ أَنْ يَكُوْنَ ابنُ المُسَيِّبِ اعتَقَدَ في الأَسْنَانِ مِثْلُ ذلِكَ فَلِذلِكَ قَال مَا قَال. وَمَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ في "مُوَطَّئِهِ" عَنْ سعِيدٍ غَلَطٌ لَا يَصِحُّ إِذَا حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ؛ لأنَّه لَمْ يَذْكُرِ الأسْنَانَ إِنَّمَا ذَكَرَ الأَضْرَاسَ، وإِنَّمَا يَصِحُّ عَلَى مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ. وَقَدْ جَاءَ مَا ذَكَرَهُ مُفْسَّرًا في رِوَايَةِ ابنِ عُيَينَةَ (¬2) انْظُره في الطُّرَّةِ (¬3) فَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ غَلَطٌ، وَأَنَّ عُمَرَ كَانَ يَرَى أَنَّ الأسْنَانَ غَيرُ (¬4) الأَضْرَاسِ عَلَى مَا أَشَارَ إِلِيهِ مَرْوَانُ. [مِيرَاثُ العَقْلِ والتَّغْلِيظُ فِيهِ] -[قَوْلُهُ: "أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أحَيحَةُ بنُ الجُلَاحِ (¬5) "] [11]. أَحَيحَةُ بنُ الجُلَّاحِ لَمْ يُدْرِكِ الزَّمَانَ الَّذِي سُمِّيَتْ فِيهِ الأنْصَارُ أَنْصَارًا؛ لأنَّ هَذَا الاسْمِ وَقَعَ عَلَى الأَوْسِ والخَزْرَجِ بَعْدَ ظُهُورِ الإسْلَامِ، وإِنَّمَا أَرَادَ عُرْوَةُ (¬6) أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأوْسِ والخَزْرَجِ الَّذِينَ سَمَّاهُمُ اللهُ في الإسْلَامِ أَنْصَارًا، فَسَمَّاهُم بِمَا آل إِلَيهِ أَمْرُهُم آخِرًا. والعَرَبُ تُسَمِّي الشَّيءَ بِمَا آلَ إِلَيهِ، كَتَسْمِيَتِهِمْ الكَبْشَ ذبِيحًا قَبْلَ أَنْ يُذْبَحَ، وَضَحِيَّهً قَبْلَ أَنْ يُضَحَّى [بِهِ]. - وَقَوْلُ عُرْوَةَ: "وَلِذلِكَ: لَا يَرِثُ قَاتلُ مَنْ قَتَلَ" أَرَادَ أَنَّ هَذَا الفِعْلَ ¬
الوَاقِعَ في الجَاهِلِيَّةِ أَوْجَبَ أَنْ يُنْهَى عَنْهُ في الإسْلَامِ، وَكَانَ قِصَّةُ أُحَيحَةُ مَشْهُوْرَةٌ فِي ذلِكَ الوَقْتِ، فَذَكَرَتِ الأَنْصَارُ ذلِكَ للنَّبِي - صلى الله عليه وسلم - فَكَانَ سَبَبًا للنَّهْيِ؛ عُقُوْبَةً لَهُ لاسْتِعْمَالِهِ المِيرَاثَ. - وَ [قَوْلُهُ: "فَقَال أخْوَالُهُ: كَنَّا أهْلَ ثُمِّهِ وَرَمِّهِ"]. أَهْلُ ثَمِّهِ وَرَمِّهِ؛ أَهْلُ حَضَانَتِهِ وَتَرْبِيَتِهِ، ويُقَالُ (¬1): ثَمَمْتُ الشَّيءَ وَرَمَمْتُهُ: إِذَا أَصلَحْتُهُ. وَقَال قَوْمٌ: الثَمُّ: الرَّطْبُ، وَالرَّمُّ: اليَابِسُ، أَي: كُنَّا المُسْتَوْلينَ عَلَى أَمْرِهِ كُلِّه؛ لِأَنَّ النَّبْتَ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُوْنَ رَطْبًا أَوْ يَابِسًا، فَضُرِبَ مَثَلًا لاسْتِغْرَاقِ الشَّيءِ واسْتِيفَائِهِ، كَمَا يُقَالُ: مَا تَرَكَ لَهُ رَطْبًا وَلَا يَابِسًا، أَي: مَا تَرَكَ لَهُ شَيئًا. ويُرْوَى: "ثَمِّهِ وَرَمِّهِ" وَ"ثُمِّهِ وَرُمِّه" فَمَنْ فَتَحَهُمَا جَعَلَهُمَا مَصْدَرَينِ، وَمَنْ ضمَّهُمَا جَعَلَهُمَا اسْمَينِ. وَيُرْوَى: "عَمَمِّهْ" وَهُوَ الأشْهَرُ، وَ"عُمُمَّهْ " بِضَمِّ العَينِ والمِيمِ الأُوْلَى وتَشْدِيدِ ¬
[جامع العقل]
المِيمِ الثَّانِيَةِ، والمُرَادُ بذلِكَ عِظَمُ الخَلْقِ، وَكَمَالُ الجِسْمِ، قَال الشَّاعِرُ (¬1): * فَرْعَاءُ مَمْكُوْرَةٌ في فَرْعِهَا عَمَمُ * وَوَقَعَ في رِوَايَةِ يَحْيَى (¬2). "غَلَبَنَا عَلَيهِ حَقُّ امْريءٍ" وَمَعْنَاهُ. لَمْ نَنْتَفِعْ بِتَرْبِيَتِهِ، وَلَا مَا تَوَلَّينَا مِنْ حضَانَتِهِ وَمَا يَجْمَعُنَا وَإِيَّاهُ مِنَ القَرَابَةِ. [جَامِعُ العَقْلِ] -[قَوْلُهُ: جَرْحُ العَجْمَاءِ جُبَارٌ"] [12] العَجْمَاء: البِهِيمَةُ، سُمِّيَتْ عَجْمَاءَ؛ لامْتِنَاعِهَا مِنَ الكَلَامِ. وَمِنْهُ قِيلَ لِصَلَاةِ النَّهَارِ: عَجْمَاءُ. والجُبَارُ: الهَدْرُ الَّذِي لَا دِيَةَ فِيهِ ولَا أَرْشَ، واشْتِقَاقُهُ من أَجْبَرْتُهُ عَلَى الشَّيءِ: إِذَا أَكْرَهْتُهُ عَلَيهِ؛ لأنَّ المَجْنِيَّ عَلَيهِ مُجْبَرٌ عَلَى تَرْكِ الدِّيَةِ. وَيَجُوْزُ أَنْ يَكُوْنَ مُشْتَقًّا مِنَ الجَبَّارُ مِنَ النَّخْلِ، وَهِيَ الَّتِي فَاتَت اليَدَ بُسُوْقًا (¬3)، فَكَأَنَّ المَعْنَى: إِنَّ الدِّيَةَ مُمْتَنِعَةٌ لَا يُوْصَلُ إِلَيهَا. - وَ [قَوْلُهُ: والبِئْرُ جُبَارٌ"] في البِئْرِ الجُبَارِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أنَّهَا البِئْرُ العَادِيَّهُ الَّتِي لَا يُعْلَمُ لَهَا صَاحِبٌ يَقَعُ فِيهَا الشَّيءُ فَذلِكَ (¬4) هَدْرٌ. ¬
[ما جاء في الغيلة والسحر]
والثَّانِي: أَنَّهَا البِئْرُ المُتَمَلَّكَةُ يَقَعُ فِيهَا شَيءٌ فَلَا ضَمَانٌ عَلَى مَالِكِهَا. والثَّالِثُ: أَنَّهَا البِئْرُ المُسْتَأْجَرُ عَلَى حَفْرِهَا فَتَسْقُطُ عَلَى الأَجِيرِ الحَافِرِ فَهِيَ هَدْرٌ. - وَ [قَوْلُهُ: "الَّذِي جَبَذَهُ الدِّيةَ"] يُقَالُ: جَبَذَ وجَذَبَ بِمَعْنىً. - وَ [قَوْلُهُ: "كَانُوا أَهْلَ دِيوَان أَوْ مَقْطُوْعَينَ"]. المَقْطُعون: هُمُ الَّذِينَ لَا دِيوَانَ لَهُمْ، يُقَالُ: رَجُلٌ مُقْطَعٌ، وَهُوَ الَّذِي يُفْرَضُ لِنُظَرَائِهِ ولا يُفْرَضُ لَهُ، وَأَهْلُ الدِّيوَانِ: هُمُ الَّذُينَ يُرْزَقُوْنَ من بَيتِ المَالِ. - وَ [قَوْلُهُ: "إلَّا الفِرْيَةُ". الفِرْيَةُ: بِكَسْرِ الفَاءِ لَا غَيرُ، والجَمْعُ فِرًى كَلِحْيَةٍ ولِحًى. - وَ [قَوْلُهُ: "بَينَ ظَهْرَانَي قَوْمٍ"]. ظَهْرِيٌّ وظَهْرَانِيٌّ وَاحِدٌ. يُقَالُ: لَطَخَهُ بِشَرٍّ، خَفِيفُ الطَّاءِ، ويُقَالُ: لَطَحْتُهُ بالحَاءِ غَيرِ المُعْجَمَةِ أَيضًا بِمَعْنًى وَاحدٍ، قَال الشَّاعِرُ (¬1): أَتَلْطُخُنِي بَعِرِّكَ يَابْنَ بِشْرٍ ... وَذلِكَ مِنْ عَجِيبَاتِ الأُمُوْرِ [مَا جَاءَ في الغِيلَةِ والسِّحْرِ] -[قَوْلُهُ: "قَتْلَ غِيلَةٍ"] [13] الغِيلَةُ: الغَدْرُ والمَكْرُ، يُقَالُ: غَالهُ يَغُوْلُهُ، واغْتَالهُ يَغْتَالُهُ. - وَ [قَوْلُهُ: "لَوْ تَمَالأَ عَلَيهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ"]. يُقَالُ: تَمَالأ القَوْمُ عَلَى الأَمْرِ تَمَالُؤًا. إِذَا تَعَاوَنُوا عَلَيهِ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْجَمَاعَةِ: مَلأٌ، لأنَّ بَعْضَهُمْ يُعِينُ بَعْضًا ¬
ويَعْضُدُهُ، وَ"صَنْعَاءُ" مَمْدُوْدٌ لَا غَيرُ، وَهِيَ مِنْ بِلَادِ اليَمِنِ، والنَّسَبُ إِلَيهَا: صَنْعَانِيٌّ وصَنْعَاويٌّ. -[قَوْلُهُ: "حَتَّى تَفِيظَ نَفْسُهُ"] [15]. كَانَ الأَصْمَعِيُّ لَا يُجِيزُ: فَاضَتْ نَفْسُ الرَّجُلِ (¬1)، وَيَقُوْلُ: إِنَّمَا هُوَ فَاظَ الرَّجُلُ: إِذَا مَاتَ، فَاحْتُجَّ عَلَيهِ بِقَوْلِ ¬
الشَّاعِرِ (¬1): اجْتَمَعَ النَّاسُ وَقَالُوا عُرْسُ ... فَفُقِئَتْ عَينٌ وَفَاضَتْ نَفْسُ وَقَال: إِنَّمَا هُوَ: "وَطَنَّ الضِّرْسُ" قَال: وإِنَّمَا الحُجَّةُ قَوْلُ رُؤْبَةَ (¬2): * لَا يَدْفُنُوْنَ مِنْهُمُ مَنْ فَاظَا * وَأَجَازَ غَيرُ الأصْمَعِيِّ: فَاضَتْ نَفْسُهُ بالظَّاءِ والضَّادِ. قَال المُبَرِّدُ: كُلُّ العَرَبِ يَقُوْلُوْنَ: فَاضَتْ نَفْسُهُ -بالضَّادِ- إلا بَنِي ضَبَّة (¬3) فَإِنَّهُمْ يَقُوْلُوْنَهُ بالظَّاءِ. ¬
[ما جاء في دية السائبة وجنايته]
- وَ [قَوْلُهُ: "فِي النَّائِرَةِ تَكُوْنُ بَينَهُمْ"]. النَّائِرَةُ: الفِتْنَةُ والإِحْنَةُ، شُبِّهَتْ بالنَّارِ الهَائِجَةِ، وَلِذلِكَ، قَالُوا: طَفَئَتْ النَّائِرَةُ واشْتَعَلَتْ، كَمَا يَقُوْلُوْنَ في النَّارِ نَفْسِهَا، وَيُسَمُّوْنَ الحَرْبَ نَارًا قَال تَعَالى (¬1): {[كُلَّمَا أَوْقَدُوا] نَارًا [لِلْحَرْبِ]} لِلْفِتْنَةِ. [مَا جَاءَ في دِيَةِ السَّائِبَةِ وَجِنَايَتِهِ] - وَ [قَوْلُهُ: "هُوَ إِذًا كَالأَرْقَمِ"] [16] الأَرْقَمُ: نَوْعٌ مِنَ الحَيَّاتِ مُنَقَّطٌ، شُبِّهَ مَا فِيهِ مِنَ الآثَارِ بالرَّقْمِ في الثَّوْبِ. وَمَعْنَى: "إِنْ يُقْتَلْ يَنْقِمْ" أَنَّ بَعْضَ الحَيَّاتِ يقتُلُه الرَّجُلُ فَيَمُوْتُ، أَوْ يَنَالُهُ ضَرَرٌ فَيُتَجَنَّبُ قَتْلُهُ لِذلِكَ. ¬
(كتاب القسامة)
(كَتَاب القَسَامَة) (¬1) القَسَامَةُ: مُخَفَّفَةُ السِّينِ، وَحَقِيقَةُ القَسَامَةِ أَنَّهَا الأَيمَانُ، يُقَالُ: قُتِلَ فُلَانٌ بالقَسَامَةِ، أَي: بالأَيمَانِ، ثُمَّ يُسَمَّى القَوْمُ المُقْسِمُوْنَ قَسَامَةً مِنْ بَنِي فُلَانٍ، وَكَأنَّهَا مَصْدَرٌ سُمِّيَ بِهِ كَمَا قَالُوا: مَاءٌ غَوْر، وَرَجُلٌ عَدْلٌ، أَي: غَائِرٌ وَعَادِلٌ، وَهُوَ مِنَ المَصَادِرِ الشَّاذَّةِ الَّتِي جَاءَتْ عَلَى غَيرِ تَصْرِيفِ أَفْعَالِهَا؛ لأنَّ الفِعْلَ [أَقْسَمَ] يُقْسِمُ إِقْسَامًا، وَفَعَالةٌ، إنَّما حُكْمُهَا أَنْ تَأْتِيَ مِنَ الأَفْعَالِ الثُّلَاثِيَّةِ كَالسَّفَاهَةِ والصَّرَامَةِ، فَمَنْزِلَةُ القَسَامَةِ من الإِقْسَامِ كَمَنْزِلَةِ العَطَاءِ من الإعْطَاءِ، في أَنَّه جَاءَ عَلَى حَذْفِ الزِّيَادَةِ. [تَبْدِئَةُ أَهْلِ الدَّمِ في القَسَامَةِ] -[قَوْلُهُ: "فِي فَقِيرِ بِئْرٍ"] [1]. الفَقِيرُ: اسمٌ يَقَعُ عَلَى كُلِّ حُفْرَةٍ تُحْفُرُ في الأَرْضِ مِثْلِ البِئْرِ والعَينِ. (¬2) والمُفْقِرَةُ والفُقْرَةُ: حُفْرَةٌ تُحْفَرُ في الأَرْضِ يُغْرَسُ فِيهَا فَسِيلُ النَّخْلِ، وَيُقَالُ لَهَا: فَقِيرٌ أَيضًا، وَهِيَ بِمَعْنَى مَفْقُوْرَةٍ، كَمَا يُقَالُ: امْرَأَةٌ قُتِيلٌ بِمَعْنَى مَقْتُوْلَةٍ. - وَ [قَوْلُهُ: "فَأَتَى يَهُوْدَ"] يَهُوْدُ: يَجُوْزُ فِيهِ الصرْفُ عَلَى أَنْ يَكُوْنَ جَمْعَ يَهُوْدِيٍّ، وَيَجُوْزُ تَرْكُ الصَّرْفِ عَلَى أَنْ يُرِيدَ بِهِ الأُمَّةَ أَو القَبِيلَةَ. - وَقَوْلُهُ: "وإِمَّا أَنْ يُؤْذَنُوا بِحَرْبٍ". رَوَاهُ عُبَيدُ الله بكَسْرِ الذَّالِ والوَجْهِ فَتْحُهَا؛ ¬
لأنَّه مِنْ قَوْلكَ: آذَنْتُ غَيرِي بالأَمْرِ أُوْذِنُهُ: إِذَا أَعْلَمْتُهُ، وَأَوْذِنَ هُوَ بالأمْرِ: إِذَا أُعْلِمَ بِهِ، وإِذَا كُنْتَ أَنْتَ العَالِمَ بِهِ قُلْتَ: آذَنْتُ بِهِ آذِنُ عَلَى مِثَال: أَعَلِمْتُ أَعْلِمُ. - وَقَوْلُهُ: "دَمَ (¬1) صَاحِبِكُمْ أَوْ قَاتِلِكُمْ" [2]. فَإِنَّ هَذَا شَكٌّ من الرَّاوي لِلْحَدِيثِ، والصَّحِيحُ: "دَمَ صَاحِبِكُمْ" لأنَّه كَذَا وَقَعَ في حَدِيثِ أَبِي لَيلَى مِنْ غَيرِ شَكٍّ (¬2)، والصَّاحِبُ ههنَا أَشْبَهَ؛ لأنَّه إِنَّمَا أَرَادَ القَتِيلَ اتَذِي قُتِلَ لَهُم. وأَمَّا مَنْ رَوَى: "قَاتِلِكُمْ" فَيَنْبَغِي أَنْ يُرِيدَ بِهِ دَمَ الَّذِي قَتَلَ صَاحِبِكُمْ، وَلكِنْ يَجِبُ عَلَى هَذَا أَنْ يَقُوْلَ: دَمَ قَاتِلِ صَاحِبِكُمْ، فَيُضِيفَ القَاتِلَ إِلَى صَاحِبِكُمْ المَقْتُوْلِ لَا إِلَيهِمْ، وَلكِنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا طَالِبِين للقَاتِلِ أَضَافَهُ إِلَيهِمْ لِذلِكَ، كَأَنَّه قَال: القَاتِلُ الَّذِي يَطْلُبُوْنَهُ، والعَرَبُ قَدْ تُضِيفُ الشَّيءَ إِلَى الشَّيءِ وإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ؛ إِذَا كَانَتْ بَينَهُمَا مُلَابَسَةٌ وعُلْقَةٌ، كَقَوْلهِ [تَعَالى] (¬3): {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ}: وَلَا مَقَامَ لله، وإِنَّمَا مَعْنَاهُ: مَقَامَهُ بَينَ يَدَي، وَمِثْلُهُ قَوْلُ زْهَيرٍ (¬4): * فَأمْسَى رَهْنُهَا غَلِقَا * كَذَا رَوَاهُ السُّكَّرِيُّ (¬5) فَأَضَافَ إِلَيهَا الرَّهْنَ وَلَيسَ هُوَ لَهَا، إِنَّمَا عَنَى بِهِ قَلبَهُ ¬
فَالمَعْنَى: رَهْنُكِ عِنْدَهَا. وَمَنْ رَوَى: "صَاحِبِكُمْ" فَقَد يَحْتَمِلُ أن يُرِيدَ بِهِ القَاتِلَ كَمَا يَقُوْلُ الرَّجُلُ لِلْحَاكِمِ هَذَا صَاحِبِي فَأَنْصِفْنِي مِنْهُ, أَي: هَذَا الجَانِي عَلَى والَّذِي أَطْلُبُهُ، وَلَيسَ يُرِيدُ أَنَّهُ صَدِيقُهُ. - وَ [قَوْلُهُ: "إلا أنْ يَنْكُلَ أَحَدٌ"]. يُقَال: نكَلَ يَنْكلُ: إِذَا جَبُنَ وتَأخَّر عَنِ اليَمِينِ، هَذِهِ هِيَ اللُّغَةُ الفَصِيحَةُ، وَحَكَى بَعْضُهُم: نكلَ يَنْكَلُ (¬1). - وَقَوْلُهُ: "إنَّمَا فُرِّقَ بَيْنَ ... " الرِّوَايَةُ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَهُوَ فِعْلٌ مَاضٍ (¬2) و"أَنَّ ... " (¬3) في مَوْضِعِ رَفْعٍ بِهِ. وَقَوْمٌ يُسَكِّنُوْنَ الرَّاءَ مِنْ "فَرْقٌ" ويَرْفعُوْنَهُ، وَيُضِيفُوْنَهُ إِلَى "بَينَ" فَيَكُوْنُ "بَينَ" عَلَى هَذَا اسْمًا لَا ظَرْفًا، وَيَرْتَفِعُ "فَرْقٌ" بالابْتِدَاءِ، وَ"أَنَّ الرَّجُلَ ... " خَبَرُهُ. - وَ [قَوْلُهُ: "يُبَدَّؤُنَ بِهَا"]. الرِّوَايَةُ: "يُبَدَّؤُوْنَ" بالتَّشْدِيدِ يَدُلُّ عَلَيهِ قَوْلُهُ (¬4): "إِنَّ المُبَدَّئِينَ" وَلَوْ كَانَ بالتَّخْفِيفِ لَقَال. إِنَّ المُبْدَأَ بِهِم. وَقَدْ رُويَتْ "يُبْدَؤُوْنَ" بالتَّخْفِيفِ وَهُوَ جَائِزٌ. ¬
[كتاب الجامع]
[كتابُ الجامِعِ] (¬1) كَانَ الوَجْهُ أَنْ يَقُوْلَ: "الجَامِعُ"؛ لِكَوْنهِ جَامِعًا لِفُنُوْن مِنَ العِلْمِ فَيَكُوْنُ الجَامِعُ صِفَةً لِلْكِتَابِ، وَلَا تَجُوْزُ إِضَافَةُ المَوْصُوْفِ إِلى صِفَتِهِ، وَقَدْ جَاءَتْ مِنْ هَذَا النَّوع أَلْفَاظٌ يَسِيرةٌ تُحْفَظُ وَلَا يُقَاسُ عَلَيهَا نَحْوَ: مَسْجِدِ الجَامِعِ، وَصَلَاةِ الأُوْلَى {وَلَدَارُ الْآخِرَةِ} (¬2) {وَحَبَّ الْحَصِيدِ} (¬3). وأَهْلُ الكُوْفَةَ يَقُوْلُوْنَ في هَذِهِ الأشْيَاء: إِنَّ المَوْصُوْفَ أُضِيفَ إِلَى صِفَتِهِ لَاخْتِلَاف اللَّفْظَينِ. والبَصْرِيُّوْنَ لَا يَرَوْنَ ذلِكَ، وَيَجْعَلُوْنَ هَذِهِ المَحْفُوْظَاتِ كُلَّهَا صِفَاتٍ لِمَوْصُوْفَاتٍ مَحْذُوْفَاتٍ تَقْدِيرُهَا عِنْدَهُم: مَسْجدُ اليَوْمِ الجَامِعِ، وَصَلَاةِ السَّاعَةِ الأُوْلَى مِنْ زَوَالِ الشَّمْسِ، وَلَدَارِ الحَيَاةِ الآخِرَةِ، وحَبَّ النَّبْتِ الحَصِيدِ، وكِتَابُ الفَنِّ الجَامِعِ أَوْ العِلْمِ الجَامِعِ، وَمِثْلُهُ: "نِسَاءَ المُؤمِنَاتِ" عَلَى رِوَايَةِ مَنْ نَصَبَ النِّسَاءَ وأَضَافَهُنَّ إِلَى المُؤْمِنَاتِ، واسْتعْمَلَ مَالِكٌ رَحمه اللهُ في كِتَابِهِ لَفْظَ "الجَامِعِ" مَرَّةً عَلى جِهَةِ الخُصُوْصِ في قَوْلهِ: "جَامِع الوَضُوْءِ"، و"جامِع الصَّلَاةِ" و"جَامع الزَّكَاةَ" ونَحْو ذلِكَ. ومَرَّة عَلى جِهَةِ العُمُوْمِ في "كِتَابِ الجَامِعَ" ولِذلِكَ لَمْ يُضفِ الجَامعَ هُنَا إِلى شَيءٍ يُخَصِّصُهُ به كَمَا فَعَلَ هُنَاكَ (¬4). ¬
[الدعاء للمدينة وأهلها]
[الدُّعَاءُ للمَدِينَةِ وأَهْلِهَا] - قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: "بَارِك لَهُمْ فِي مِكيَالِهِمْ" [1]. أَي: فِيمَا يَكِيلُوْنَهُ، وَلَمْ يُرِدِ البَرَكَةَ في الكَيلِ وَحْدَهُ، وَمِنْ شَأْنِ العَرَبِ أَنْ تَعْدِلَ عَنِ التَّصْرِيحِ بِذِكْرِ الشَّيء إِلَى مَا يُشِيرُ إِلَيهِ ويَدُلُّ عَلَيهِ، ويَرَوْنَ ذلِكَ أَبْلَغَ فِي المَعْنَى كَقَوْلهِمْ؛ فِدًى لَكَ ثَوْبِي وَرِدَائِي. يُرِيدُوْنَ [بالثَّوْبِ وَ] الرِّدَاءِ مَا اشْتَمَلَ عَليه مِنَ الذَّاتِ، وَيَقُوْلُوْنَ: فُلَانٌ عَفِيفُ الإزَارِ، وطَاهِرُ الجَيبِ، وَوَاسِعُ الصَّدْرِ، وَرَخِيُّ البَالِ، يُرِيدُوْنَ: مَا اشْتَمَلَ عَلَيهِ الإزَارُ مِنَ الفَرْجِ، وَسَلَامَةِ الصَّدْرِ والقَلْبِ منَ الغِشِّ، فَهَذَا وَجْهٌ. والوَجْهُ الآخَرُ: وَهُوَ أَنَّ الأشْيَاءَ الَّتِي تُكَالُ إِذَا بُوْرِكَ فِيهَا رَخَصَتْ أَسْعَارُهَا فَتَضَاعَفَتْ أَعْدَادُهَا حَتَّى يَبْتَاعَ الرَّجُلُ بِدِرْهَمٍ أَرْبَعَةَ أَكْيَالٍ مَكَانَ كَيلٍ وَاحِدٍ كَانَ يُبْتَاعُ بِهِ قَبْلَ ذلِكَ، فَلَمَّا كَانَتِ الأَكْيَالُ مُتَعَلِّقَة كَالمَكِيلِ صَارَ الدُّعَاءُ لِلْمِكْيَالُ دُعَاء للْمَكِيلِ، والعَرَبُ تَقُوْلُ: كِلْتُ، الدِّرْهَمَ كَمَا تَقُوْلُ: كِلْتُ الطَعَامَ فَيَسْتَعْمِلُوْنَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ في المَكِيلِ والمَوْزُوْنِ، وَلِهذَا سُمِّيَتْ دَرَاهِمَ المَدِينَةِ الكَيلَ، فَيقُوْلُوْنَ: بِعْتُ الثَّوْبَ بِعَشْرَةَ دَرَاهِمَ كَيلًا، وَهِيَ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا من الدَّرَاهِمِ الوَازِنَةِ، وأَرْبَعَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا مِنَ الدَّرَاهِم الدَّخْلِ. والمِكْيَالُ يَكُوْنُ المِقْدَارُ الَّذِي يُوْزَنُ بِهِ، كَمَا يَكُوْنُ المَقْدَارَ الَّذِي يُكَالُ بِهِ، فَدُعَاؤُهُ - صلى الله عليه وسلم - يَنْتَظِمُ المِكْيَال والمِيزَانَ، وأَيضًا فَإِنَّهُ قَال: "بَارَكَ اللهُ في مَدِينتِنا" وَلَمْ يَخُصَّ شَيئًا مِمَّا تَحْتَوي عَلَيهِ. أَمَّا قَوْلُهُ: المِيزانُ مِيزَانُ المَدِينَةِ، والمِكْيَالُ مِكْيَالُ مَكَّةَ، فَلَيسَ فِيهِ مَا يَنْفِي الكَيلَ عَنْ مَكَّةَ وَلَا الوَزْنَ عَنِ المَدِينةِ، وَلكِنَّه ¬
[ما جاء في سكنى المدينة والخروج منها]
نَسَبَ كُلَّ بَلَدٍ إلى مَا هُوَ الأغْلَبُ عَلَيهِ، وأَمَّا نَصُّهُ في الدُّعَاءِ عَلَى الصَّاعِ والمُدِّ وَقَدْ دَخَلَا في المِكْيَالِ فَعَلَى طَرِيقِ المُبَالغَةِ في العِنَايَةِ بِهِمَا والاهْتِبَالِ، وَذلِكَ في كَلَامِ العَرَبَ مَشهوْر يَقُوْلُوْنَ: أَبْلَغ إِخْوَانِي السَّلامَ وَفُلَانًا، وَمِنْ نَمَطِهِ قَوْلُهُ تَعَالى (¬1): {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ ... } ... الآية. [مَا جَاءَ في سُكْنَى المَدِينَةِ والخُرُوْجِ مِنْهَا] - وَقَوْلُهُ: " [اقْعُدِي] لُكَعُ (¬2) " [3] وَهْم مِنَ الرَّاوي، وإِنَّمَا هُوَ لَكَاعِ، ولُكَعُ إِنَّمَا يُقَالُ لِلْمُذَكَّرِ، وَمَعْنَاهُ الخَسِيسُ مِنَ الرِّجَالِ، وأَكْثَرُ مَا تُسْتَعْمَلُ هَاتَانِ اللَّفْظَتَانِ في النِّدَاءِ إلَّا أَنْ يَضطَرَّ شَاعِرٌ إِلَى غَيرِ ذلِكَ، قَال الحُطَيئَةُ: (¬3) * ...... قَعِيدَتُهُ لَكَاعِ * وَقَدْ جَاءَتْ في غَيرِ النِّدَاءِ، وَفِي غَيرِ ضَرُوْرَةٍ، قَال رَسُوْلَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَأْتِي على النَّاسِ زَمَانٌ يَكُوْنُ أسْعَدُ الناسِ في الدُّنْيَا لُكَعَ بنَ لُكَعٍ". - وَ [قَوْلُهُ: "يَصْبِرُ عَلَى لأوَائِهَا"] [3]. الَّلأْوَاءُ: الشِّدَّةُ، وأَصْلُهَا الهَمْزُ، ¬
ثُمَّ يُخَفَّفُ، ويُقَالُ لَهَا أَيضًا: لَوْلَاءُ باللَّامِ، والأَوَّلُ أَشْهَرُ، والجُهْدُ: المَشَقَّةُ، والجَهْدُ الطَّاقَةُ، وَقِيلَ: هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ. بِدَلِيلِ قَوْلهِ [تَعَالى] (¬1): {وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إلا جُهْدَهُمْ} قُرِئَ بالوَجْهَينِ. - وَقَوْلُهُ: " [إلا كِنْتُ لَهُ] شَهِيدًا". أَي: شَاهِدًا، بِمَا يَصْبِرُ عَلَيهِ مِنْ ضِيقِ العَيشِ وشَظَفِهِ. - وَقَوْلُهُ: "أَوْ شَفِيعًا" الأشْبَهُ بـ "أَوْ" هَهانَا أَنْ تَكُوْن بِمَعْنَى الوَاو (¬2). - وَ [قَوْلُهُ: "يَنْصَعُ طِيبُهَا"] [4]. مَعْنَى يَنْصَعُ: يَخْلُصُ، وَكُلُّ لَوْنٍ خَلَصَ مِنْ أَنْ يَشُوْبَهُ لَوْنٌ آخِرُ فَقَدْ نَصَعَ يُقَالُ: أَبْيَضُ نَاصِعٌ، وأَسْوَدُ نَاصِعٌ. - وَ [قَوْلُهُ: "إِنَّمَا المَدِينْةُ كَالكِيرِ"]. الكِيرُ: زِقُّ الحَدَّادِ الَّذِي يَنْفُخُ فِيهِ، والكُوْزُ: القَرْنُ المَبْنِيُّ مِنَ الطِّينِ الَّذِي يُنْفَخُ فِيهِ بالكِيرِ. وخَبَثُ الحَدِيدِ والفِضَّةِ وَغَيرِهِمَا: مَا يَخْرُجُ مِنْهُمَا عِنْدَ التَّخْلِيصِ من الرَّدِيءِ الَّذِي لَا خَيرَ فِيهِ، وَفِيهِ لُغَتَانِ: خُبْثٌ وخَبَثٌ والرِّوَايَةُ بِفَتْحِ الخَاءِ والبَاءِ. ¬
- الأكْلُ -في اللُّغَةِ-: اسْتِعَارَةٌ ومَجَازٌ عَلَى ثَلَاثَةِ مَعَانٍ: أَحَدُهَا: الهَلَاكُ والتَّلَفُ، وَمِنْهُ مَا وَرَدَ في هَذَا الحَدِيثِ، وَمِنْهُ قَوْلُ المُمَزَّقِ العَبْدِيِّ (¬1) -وَكَانَ عَمْرُو بنُ هِندٍ دَفَعَهُ إِلَى قَوْمٍ كَانُوا يَطْلُبُوْنَهُ بِثَأرٍ وحَكَّمَهُمْ فِيهِ فَاعْتَزَمُوا عَلَى تَقْطِيعِهِ إِرَبًا إِرَبًا، فَقَال-: إِذَا كُنْتُ مَأْكُوْلًا [فَكُنْ خَيرَ آكِلِي ... وإِلَّا فَأَدْرِكْنِي وَلَمَّا أُمَزَّقِ] فَبَلَغَ هَذَا البَيتُ عَمْرَو بنَ هِنْدٍ فَاسْتَرَدَّهُ مِنْهُم وَأَطْلَقَهُ فَسُمِّيَ المُمَزَّقَ (¬2). والمَعْنَى الثَّانِى: السَّلْبُ، يُقَالُ: أُكِلَتِ القَافِلَةُ. ¬
والثَّالِثُ: الغَيبَةُ، ومَنْهُ [قَوْلُهُ تَعَالى]: (¬1) {أَنْ يَأَكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ [مَيتًا]}. - وَ [قَوْلُهُ: "يقُوْلُوْنَ يَثْرِبَ، وَهِيَ المَدِينَةُ"] [5]. كَانَتِ المَدِينَةُ تُسَمَّى فِي القَدِيم يَثْرِبَ وأَثْرِبَ وطَيبَةَ وَطَابَةَ، وأَمَّا المَدِينَةُ فاسْمٌ إِسْلَامِيٌّ سَمَّاهَا بِهِ رَسُوْلُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَصَارَ عَلَمًا لَهَا، وَمَنْرلَتُهُ مِنَ الأسمَاءِ الأعْلَامِ مَنْزِلَةَ السِّمَاكِ، والدَّبِرَانِ، والعَبَّاس، والحَارِثِ مِمَّا جُعِلَ عَلَمًا وَفِيهِ الألِفُ واللَّامُ، وَلَا يُقَالُ لِغَيرِهَا المَدِينَةُ عَلَى الإطْلَاقِ، وَلكِنْ يُقَالُ: مَدِينَةُ كذَا عَلى الإضَافةِ عَلَى مَا يَتَعَرَّفُ بِهِ. - وَ [قَوْلُهُ: "فَيَأْتِي قَوْمٌ يَبِسُّوْنَ"] [7]. رِوَايَةُ ابنِ بُكَيرٍ: "يَبُسُّوْنَ" وفَسَّرَهُ يَسِيرُوْنَ مِنْ قَوْلهِ تَعَالى (¬2): {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5)}، ومثله رَوَاهُ ابنُ القَاسِمِ، وفَسَّرَهُ: تَدَعُوْنَ. وَرَوَاهُ ابنُ وَهْب ومُطَرِّفٌ: "يَبِسُّونَ" جعلَاهُ مِنْ أَبْسَسْتَ النَّاقَةَ: إِذَا دَعَوْتَهَا لِلْحَلْبِ (¬3). قَال (ش): "والعَرَبُ تَقُوْلُ ذلِكَ، [فَيَقُوْلُوْنَ] (¬4): "لَا أَفْعَلُ ذلِكَ مَا أَبَسَّ عَبْدٌ بِنَاقَةٍ": ويُقَالُ: بَسَسْتَ النَّاقَةَ بَسًّا وأَبْسَسْتَهَا: إِذا زَجَرْتَهَا لِتَسُوْقَهَا. قَال الخَلِيلُ (¬5): بَسْ: زَجْرٌ للبَغْلِ والحِمَارِ يُقَالُ: بَسْ بَسْ، يُقَالُ مِهُ: بَسَسْتُ ¬
وأَبْسَسْتُ فَيَكُوْنُ مَعْنَى يَبِسُّوْنَ يَزْجُرُوْنَ دَوَابَّهُمْ وَيَسُوْقُوْنَهَا، وَهَذَا كَلَامُ أَنْذَرَ فِيهِ بِمَا يَكُوْنُ بَعْدَهُ. - وَ [قَوْلُهُ: "العَوَافِي الطَّير والسِّبَاعِ"] [8] العَوَافِي: مِنْ عَفْتَّ الشَّيءَ تَعْفُوْهُ: إِذَا قَصَدْتَهُ، يُقَالُ: عَفَاهُ يَعْفُوْهُ عَفْوًا واعْتَفَاهُ يَعْتَفِيهِ اعْتِفَاءً، فَهُوَ عَافٍ ومُعتَفٍ: إِذَا قَصَدَهُ، وَمِنْهُ قِيلَ للسَّائِلِ عَافٍ، وَلِذلِكَ سُمِّيَتِ الطَّيرُ والسِّبَاعُ عَوَافٍ بِقَصْدِهَا الشَّيءَ. - وَ [قَوْلُهُ: "فَيُغَذِّيَ"]. يُقَالُ: [غَذَى] وغَذَّى بِمَعْنَى: نرْلَ دَفْعَةً بَعْدَ دَفْعَةٍ، يُقَالُ: غَذَى بِبَوْلِهِ وغَذَّى: إِذَا قَطَعَهُ. - وَ [قَوْلُهُ: " .. أنَّه بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيزِ حِينَ خَرَجَ مِنَ المَدِينَةِ التَفَتَ إِلَيهَا فَبَكَى، ثُمَّ قال: يَا مَزَاحِمَ"] [9]. خُرُوْجُ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيزِ عَنِ المَدِينَةِ لَمْ يَكُنْ رَغْبَةً عَنْهَا، وإِنَّمَا عَزَلَهُ الوَليدُ عَنْهَا، وَوَلَّى عُثْمَانَ بن يَحْيَى المُزَنِيَّ (¬1) سقَايَةَ الحَاجِّ، فَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ نَفَتِ المَدِينَةُ، وَلَا مِمَّنْ رَغِبَ عَنْهَا، وَلكِنَّهُ أَخْرَجَ كَلَامَهُ مَخْرَجَ الإشفَاقِ، ومُزَاحِمٌ مَوْلَاهُ (¬2). ¬
[ما جاء في تحريم المدينة]
[مَا جَاءَ في تَحْرِيمِ المَدِينَةِ] - وَ [قَوْلُهُ: "هَذَا جَبلٌ يُحِبُّنَا ونُحِبُّهُ"] [10]. فِي قَوْلهِ: هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا ونُحِبُّهُ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (¬1): أَحَدُهَا: أَنْ تَكُوْن المُحَبَّةُ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا، وَلَيسَ يَبْعُدُ أَنْ يَخْلُقَ الله [تَعَالى] في الجَبَلِ مَحَبَّةً كَمَا خَلَقَ في الجِذْعِ حَنِينًا. والثَّانِي: أَنّه نَسَبَ المَحَبَّةَ إِلَى الجَبَلِ وَهُوَ يُرِيدُ أَهْلَهُ الأنْصَارَ، وَحَكَى سِيبَوَيهِ جَاءَتِ اليَمَامَةُ (¬2)؛ أَي أَهْلُهَا، وَهُوَ شَائِعٌ مَشْهُوْرٌ. والثَّالثُ: أَنْ يَكُوْنَ المَعْنَى أنَّ الجِبَال لَو كَانَت مِمَّنْ تُحَبُّ لَأحْبَّنَا هَذَا الجَبَلُ كَمَا نَقُوْلُ: دُوْرنَا تَتَنَاظَرُ أَي: لَوْ كَانَ لَهَا أَعْيُنٌ لنظَرَ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ لَتَرَآى لِي نَارَاهمَا. - وَقَوْلُهُ: "إنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ" وفي حَدِيثٍ آخرَ: "إنَّ هَذَا البَلدَ حَرَّمَهُ ¬
اللهُ"، وَمِثْلُهُ في القُرْآنِ (¬1). والَّذِي يَجْمَعُ بَينَ ذلِكَ أَنْ يُقَال: إِنَّ اللهَ حَرَّمَهَا عَلَى لِسَانِ إِبْرَاهِيمَ [- عليه السلام -]، فَنَسَبَ التَّحْرِيمَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ، وَمِنْهُ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬2): {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19)} لَمَّا وَرَدَ عَلَى لِسَانِهِ. - وَ [قَوْلُهُ: "مَا بَينَ لَابتَيهَا"]. اللَّابَةُ: الحَرَّةُ، وَفِيهَا لُغَتَانِ: لَابةٌ ولُوْبَةٌ وَهِيَ أَرْضٌ سَوْدَاءُ الحِجَارَةِ، قَال ابنُ نَافِعٍ: واللَّابَتَان إِحْدَاهُمَا الَّتِي يَنْزِلُ بِهَا الحَاجَّ إِذَا رَجَعُوا مِنْ مَكَّةَ، وَهِيَ بِغَرْبِيِّ المَدِينَةِ، والأُخْرَى مِمَّا يَلِيهَا مِنْ سُوْقِ المَدِينَةِ، وَفِي قِبْلَةِ المَدِينَةِ حَرَّةٌ ثَالِثَةٌ، وَفِي جَوْفِهَا حَرَّةٌ رَابِعَةٌ، فَقَوْلُهُ: مَا بَينَ لَابَتَي المَدِينَةِ يَدْخُلُ فِيهِ مَا بَينَ الحَرَّةِ الشَّرْقِيَّةِ والغَرْبِيَّةِ، وَمَا بَينَ الحَرَّةِ الجَوْفِيَّةِ والقِبْلِيَّةِ. - وَ [قَوْلُهُ: "وَأنَا بالأسْوَافِ"] [13] الأسْوَافُ: مَوْضِعٌ بِنَاحِيَةِ البَقِيع مِنْ المَدِينَةِ (¬3) ¬
- وَ [قَوْلُهُ: "قَدْ اصْطَدْتَ نُهسًا"] النُّهَسُ: اليَمَامَةُ، ويُقَالُ: الصُّرَدُ (¬1). - وَ [قَوْلُهُ: "عَنْ مَالِكٍ عَن رَجُلٍ"]. الرَّجُلُ الَّذِي لَمْ يُسَمِّهِ مَالِكٌ اسمُهُ شَرَحْبِيلُ بنُ سَعْدٍ (¬2)، وَكَانَ عِنْدَهُ غَيرَ مَرضِيٍّ ولا ثِقَةٍ. ¬
[ما جاء في وباء المدينة]
[مَا جَاءَ في وَبَاءِ المَدِينَةِ] -[قَوْلُهُ (¬1): أَلَا لَيتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيلَةً ... بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِياهَ مِجَنَّةٍ ... وَهَلْ يَبْدوَنْ لِي شَامَةٌ وطَفِيلُ] ¬
الجَلِيلُ: هُوَ الثُّمَامُ. أَهْلُ الحِجَازُ يَقُوْلُوْنَ للتُّمَامِ: جَلِيلٌ، وَغَيرُهُم يَقُوْلُ: ثُمَامٌ، ويُرْوَى (¬1): "بِفَخِّ" مَكَانَ "بِوَادٍ". وَ"فَخٌّ" وَادٍ بِمَكَّةَ، وَهُوَ الَّذِي عَنَى النُّمَيرِيُّ بِقَوْلِهِ (¬2): مَرَرْنَ بِفَخّ ثُمَّ رُحْنَ عَشِيَّةً ... يُلَبِّينَ للرَّحْمَن مُعْتَمِرَاتِ وشَامَةُ وطَفِيلٌ: جَبَلَان عَلى نَحْو ثَلَاثِينَ مِيلًا مِنْ مَكَّةَ، وشَامَةُ غَيرُ مَصْرُوْفٍ (¬3) للتَّأنِيثِ والتَّعْرِيفِ إلَّا في ضَرُوْرَةِ الشِّعْرِ، ويُقَالُ لَهُ -أَيضًا-: شَابَةُ بالبَاءِ (¬4) ¬
وَمَنْ قَال: شَامِةُ بِكَسْرِ المِيمِ والتَّاءِ، فَقَدْ صَحَّفَ. وَ"مِجَنَّةُ" مَوْضِعٌ بِمَكَّةَ غَيرُ مَصْرُوْفٍ إلَّا في الضَّرُوْرَةِ (¬1). - وَقَولُهُ: " * وَقَدْ رَأيتُ المَوتَ ... * " [15]. الوَجْهُ فِيهِ: "لَقَدْ ... " وَلكِنْ هكَذَا جَاءَتِ الرِّوَايَةُ هَاهُنَا. ويُسَمَّى هَذَا عِنْدَ العَرُوْضِيِّينَ مَخْرُوْمًا (¬2)، وَمَعْنَى الخَرْمِ: أنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوَّلِ البَيتِ جُزْءٌ لَا يَتِمُّ الوَزْنُ إلا بِهِ. وَهَذَا الرَّجَزُ ¬
هُوَ لِعَمْرِو بن أُمَامَةَ أَخِي عَمْرِو (¬1) بنِ هِنْدٍ، وَكَانَ نزلَ بِمُرَادَ فَطَرَقُوْهُ لَيلًا، وَقَتَلُوْهُ، فَقَال عَمْرٌو وَهُوَ يُقَاتِلُهُمْ: لَقَدْ وَجَدْتُ المَوْتُ قَبْلَ ذَوْقُهُ إِنَّ الجَبَانَ حَتْفُهُ مِنْ فَوْقِهِ كُلُّ امْرِئٍ مُقَاتِلٌ (¬2) عَنْ طَوْقِهِ كَالثَّوْرِ يَحْمِي جِلْدَهُ بِرَوْقِهِ والمَوْتُ أَدْنَى مِنْ بَنَاتِ طَوْقِهِ وَيُرْوَى: "قَدْ خَشَوْتُ" وَمَعْنَى (¬3): "حَتْفِهِ مِنْ فَوْقِهِ" أَن مَوْتَهُ يُقَدَّرُ مِنْ الله فَحَذَرُهُ ¬
[ما جاء في إجلاء اليهود من المدينة]
لا يُنْجِيهِ. وَقَوْلُهُ: * كُلُّ امْرِئٍ مُقَاتِلٌ (¬1) عَنْ طَوْقِهِ * أَي: مُدَافِعٌ (1) عَنْ نَفْسِهِ بِقَدْرِ طَاقَتِهِ، والطَّوْقُ والطَّاقُ لُغَتَانِ. وَبَنَاتُ الطَّوْقِ: الأوْدَاجُ. وَالطَّوْقُ - هَاهُنَا - طَوْقُ الثَّوْبِ، يُقَالُ: "هُوَ أَقْرَبُ إِلَيهِ مِنْ بَنَاتِ طَوْقِهِ"، وَ"مِنْ حَبْلِ وَرِيدِهِ". - وَ [قَوْلُهُ: "عَلَى أَنْقَابِ المَدِينَةِ"] [16]. الأنْقَابُ: الطُّرُفُ في الجَبَلِ وَاحِدُهَا نَقْبٌ، والأشْهَرُ فِي جَمْعِهَا: نِقَابٌ؛ لأنَّ فَعْلًا لَا يُجْمَعُ عَلَى أَفْعَالٍ إلَّا نَادِرًا (¬2). -[قَوْلُهُ: "وانْقُلُ حُمَّاهَا واجْعَلْهَا بالجُحْفَةِ"] [14]. إِنَّمَا دَعَا بِنَقْلِ الحُمَّى إِلَى الجُحْفَةِ (¬3)؛ لأنَّهَا كَانَتْ لِلْمُشْرِكِينَ. [مَا جَاءَ في إِجْلَاءِ اليَهُودِ مِنَ المَدِينَةِ] -[قَوْلُهُ: "لَا يَجْتَمعُ دِينَانِ في جَزِيرَةِ العَرَبِ"] [18]. قَال الأصْمَعِيُّ (¬4): ¬
جَزِيرَةُ العَرَبِ مِنْ أَقْصَى عَدَنِ اليَمَنِ إِلَى رِيفِ العِرَاقِ في الطُّوْلِ، وأَمَّا في العَرْضِ فَمِنْ جُدَّة (¬1) وَمَا وَالاهَا مِنْ سَاحِلِ البَحْرِ إِلَى أَطْرَافِ الشَّامِ أَتَمّ نَوَاحِيهَا، وَقَال أَبُو عُبَيدَةَ: جَزِيرَةُ العَرَبِ مَا بَينِ حَفْرِ أَبِي مُوْسَى إلَى أَقْصَى اليَمَنِ في الطُّوْلِ، وأَمَّا في العَرْض مَا بَينَ رَمْلِ يَبْرِينَ إلى مُنْقَطَعِ السَّمَاوةِ. والحَفَرُ: أَي: الشَّيءُ المَحْفُوْرُ، والحَفْرُ - بإِسْكَانِ الفَاءِ - المَصْدَرُ كالهَدَمُ والهَدْمُ. - وَ [قَوْلُهُ: "قِاتَلَ اللهُ اليَهُوْدَ"] [17]. مَعْنَى قَاتَلَ اللهُ اليَهُوْدَ، أَي: قَتَلَهُمُ اللهُ، وإِنْ كَانَ الأشْهَرُ أَنْ لَا يُسْتَعْمَلَ فَاعَلَ إلَّا في اثْنَينِ فَصَاعِدًا، فَقَدْ جَاءَتْ أَلْفَاظٌ بِخِلَافِ ذلِكَ مِثْلُ طَارَقْتُ النَّعْلَ - وَعَافَاكَ اللهُ. وَقِيلَ: مَعْنَى قَاتَلَ اللهُ: لَعَنَ اللهُ، وإِنَّمَا شَاعَ ذلِكَ؛ لأنَّ أَصْلَ المُقَاتَلَةِ المُحَارَبَةُ، وَلَا تكوْنُ إلَّا عَنْ مُنَابَذَةٍ وَمُبَاعَدَةٍ، واللَّعْنُ مَعْنَاهُ: الإبْعَادُ (¬2). - وَ [قَوْلُهُ: "فَفَحَصَ عَنْ ذلِكَ عُمَرُ ... "] [18]. مَعْنَى فَحَصَ عَنْ ذلِكَ: كَشَفَ عَنْهُ وَبَحَثَ وَمِنْهُ سُمِّيَ الفَحْصُ فَحْصًا؛ لانْكِشَافِهِ. - وَ [قَوْلُهُ: حَتَّى أَتَاهُ الثّلَجُ"]. الثَّلَجُ - بِفَتْحِ اللَّامِ - مَصْدَرُ ثَلَجَتْ نَفْسِي بالشَّيءِ: إِذَا سَكَنَتْ إِلَيهِ (¬3) وَوَثِقَتْ بِهِ وَثَلَجَث نَفْسِي بالشَّيءِ؛ أَي: سرَّت بِهِ، ويُسَمَّى السُّرُوْرُ بالنَّفْسِ ثَلَجًا؛ لأنَّ المُهْتَمَّ بالشَّيءِ يَعْتَرِيهِ حِدَّةٌ ويَجِدُ حُرْقَةٌ فَإِذَا ¬
وَصَلَ إِلَىَ مَا يُرِيدُ ذِهَبَتْ تِلْكَ الحُرْقَةُ، فَيُقَالُ عِنْدَ ذلِكَ بَرَدَتْ نَفْسُهُ، وفُلَانٌ يَجِدُ بُرْدَ النَّفْسِ، ويَابُرْدَهَا عَلَى الفُؤَادِ [قَال]: أَرَّقَنِي اللَّيلَةَ بُرْغُوْثٌ ثَقِفْ يَبِيتُ بَينَ مَرْفَقَيَّ يَخْتَلِفْ يَقفِزُ القَفْزَةَ كالفَهَدِ اللَّقِفْ يَا بُرْدَهَا عَلَى الفُؤَادِ لَوْ يَنِفْ - وَ [قَولُهُ: "مِنْ ذَهَبٍ وَوَرِقٍ"] الوَرِقُ - بِكَسْرِ الرَّاءِ - المَالُ مِنَ الدَّرَاهِمَ، فَإِنْ كَانَ مِنْ حَيَوانٍ كالإِبِلِ والبَقَرِ والغَنَم فَهُوَ وَرَقٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ (¬1). - وَ [قَوْلُهُ: "وَحِبَالٍ وأَقْتَابٍ"]. الأقْتَابُ: جَمْعُ قَتَبٍ، وَهُوَ نَحْوَ البَرْدَعَة للبَعِيرِ. - وَ [قوْلُهُ: "وأَجْلَاهُمْ مِنْهَا"]. يُقَالُ: جَلَوْتُ القَوْمَ عَن المَوْضِعِ أَجْلِيهِمْ: إِذَا طَرَدتُهُمْ. - وَذَكَرَ قَوْلَهُ: "الهَدْمَ الهَدْمَ والدَّمَ الدَّمَ (¬2) ". فَقَال: كَانَتِ العَرَبُ إِذَا اختَلَفَتْ أَوْ خَالفَتْ غَيرَهَا تَقُوْلُ. الدَّمَ الدَّمَ، والهَدْمَ الهَدْمَ، أَي تَطْلُبُ بِدَمِي وأَطْلُبُ، بِدَمِكَ، وَمَا هَدَمْتَ مِنَ الدِّمَاءِ هَدَمْتُ. وَقَال أَبُو عُبَيدَةَ (¬3) إِنَّمَا هُوَ ¬
[الهَدَمَ الهَدَمَ واللَّدَمَ اللَّدَمَ] (¬1) بِفَتْحِ الدَّالِ، أَي: حُرْمَتِي مَعَ حُرْمَتِكُمْ وَبَيتِي مَعَ بَيتِكُمْ. وأَصْلُ الهَدَمِ: مَا انْهَدَمَ. ويُسَمَّى مَنْزِلُ الرَّجُلِ هَدَمًا لانْهِدَامِهِ، ويَجُوْز (¬2) أَنْ يَكُوْنَ الهَدَمُ القَبْرَ، سُمِّيَ بِذلِكَ لأنَّهُ يُحْفَرُ ثُمَّ يُرَدُّ تُرَابُهُ فِيهِ فَهُوَ هَدَمُهُ، فَمَعْنَاهُ عَلَى هَذَا: مَقْبَرِي مَقْبَرُكُمْ، أَي: لَا أَزَالُ حَتَّى أَمُوْتَ عِنْدَكُمْ، وَقَوَّى هَذَا قَوْلُهُ: "بَلِ المَحْيَا مَحْيَاكُمْ والمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ" (¬3). واللَّدَمُ: الحَرَمُ (¬4)، جَمْعُ لَادِمٍ مِثْلُ حَارِسٍ وَحَرَسٍ، وسُمِّيَ أَهْلُ الرَّجُلِ وبسَاؤُهُ لَدَمًا؛ لأنَّهُنَّ يَلْتَدِمْنَ عَلَيهِ إِذَا مَاتَ، أَي: يَلْطُمْنَ خُدُوْدَهُنَّ واللَّدْمُ مِثْلُ اللَّطْمِ فَكَأَنَّهُ قَال: حَرَمِي مَعَ حَرَمِكُمْ. - وَ [قَوْلُهُ: "حَتَّى إِذَا كَان بِسَرْغَ"] [22]. سَرْغُ: مَوْضِعٌ بَينَهُ وبَينَ المَدِينَةِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ مَرْحَلَةً (¬5) فِيمَا ذَكَرَ ابنُ وَضَّاحٍ وَغَيرُهُ، ويُرْوَى بالعَينِ والغَينِ، ¬
وفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكْوْنِهَا. -[وَقَوْلُهُ: "قَال ابنُ عَبَّاسٍ: فَقَال عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ: ادْعُ لِيَ المُهَاجِرِينَ الأوَّلِينَ"]. المُهَاجِرُوْنَ الأوَّلُوْنَ: مَنْ صَلَّى القِبْلَتَينِ، وهَاجَرَ قَبْلَ الفَتْحِ. وَقَوْلُ ابنِ عَبَّاسٍ (¬1): فَقَال عُمَرُ: ادْعُ لِيَ ... كَذَا وَقَعَ هُنَا، وَفِي المَوْضِعَينِ الآخَرَينِ: "ادعوا" وَهُوَ صَحِيحٌ أَيضًا؛ لأنَّ مِنَ المُمْكِنِ أَنْ يَكُوْنَ عُمَرُ أَمَرَ مَنْ بِحَضْرَتِهِ بالدُّعَاءِ فَتَسَرَّعَ ابنُ عَبَّاسٍ فَدَعَاهُمْ، وَقَدْ رُويَ: "فَدَعوْهُمْ" وَهُوَ أَبْيَنُ فِيمَا أَرَدْنَاهُ. - وَ [قَوْلُهُ: "مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيشٍ"]. يُقَالُ: مَشْيَخَةٌ وَمِشِيخَةٌ، وَكَانَ ابنُ دُرَيدٍ (¬2) يَسْتَضْعِفُ مَشْيَخَةً؛ لأنَّهَا جَاءَتْ عَلَى غَيرِ قِيَاسٍ، وَكَانَ القِيَاسُ: مَشَاخَةٌ كَمَنَارَةٍ وَمَثَابَةٍ ونَظِيرُهَا في الشُّذُوْذِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ (¬3): {لَمَثْوَبَةٌ} وَقَوْلُهُمْ في اسمِ رَجُل: مَكْوَزَةٌ (¬4). - وَفِي بَعْضِ طُرُقِ الحَدِيثِ: إِنَّ أصْحَابَ مُحَمَّدٍ قُرْحَان فَلَا يُقْدَمُ بِهِم عَلَي هَذَا الوَبَاء. والقُرْحَانُ الَّذِي لَمْ يُصِبْهُ مَرَضٌ (¬5)، وأَكْثَرُ مَا يُقَالُ في ¬
الجُدَرِيِّ فَيُقَالُ: صَبِيٌّ قُرْحَانٌ، وصِبْيَانٌ قُرْحَانٌ، فلَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ، ورُبَّمَا ثُنِّيَ وجُمِعَ. - وَأَمَّا قَوْلُهُ: "فِرَارًا". فَمَعْنَاهُ أَتِفِرُّ فِرَارًا، وَهَذَا أَلِفُ الإنْكَارِ والتَّوْبِيخِ، كَمَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ: أَقِيَامًا والنَّاسُ قُعُوْدٌ. - وَ [قَوْلُهُ: "لَوْ غَيرَكَ قَالهَا يَا أَبَا عُبَيدَةَ"]. جَوَابُ "لَوْ" مَحْذُوْفٌ، كَأَنَّهُ أَرَادَ: لعَزَّرْتُهُ، لأدَّبْتُهُ عَلَى الجَهْلِ، وأَمَّا أَنْتَ فَغَيرُ مَعْذُوْرٍ. - وَذَكَرَ قَوْلَ النّبَيِّ [- صلى الله عليه وسلم -]: "إذَا مَرَّ أحَدُكُمْ بِطُرْبَالٍ مَائلٍ فَلْيُسْرِعِ المَشْيَ، وأَنَّهُ كَانَ إِذَا مَرَّ بِهَدَفٍ مَائِلٍ أَوْ صَدَفٍ مَائلٍ أَسْرَعَ المَشْيَ". فَقَال: الصَّدَفُ، والهَدَفُ والطُّرْبَالُ: كُلُّ (¬1) بِنَاءٍ عَالٍ مُشْرِفٍ. ¬
- و [قَوْلُهُ: "الطَّاعُوْنُ رِجْزٌ"] [23] الرِّجْزُ - هُنَا - هُوَ العَذَابُ. - قَوْلُهُ: "فَلَا تَخرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ" "فِرَارًا" هُنَا يَنْتَصِبُ (¬1) عَلَى أَحَدِ وَجْهَينِ (¬2). أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُوْنَ مَفْعُوْلًا مِنْ أَجْلِهِ كَأَنَّهُ قَال: لَا تَخْرُجُوا لِلْفِرَارِ، ومِنْ أَجْلِ الفِرَارِ. والثَّانِي: أَنْ يَكُوْنَ مَصْدَرًا وَقَعَ مَوْقعَ الحَالِ كَقَوْلهِ: جِئْتُهُ رَكْضًا، وأَخَذْتُ العِلْمَ سَمْعًا وَسَمَاعًا، أَي: رَاكِضًا وَسَامِعًا، فَكَأَنَّهُ قَال: لَا تَخْرُجُوا فَارِّينَ، فالنَّهْي إِذًا إِنَّمَا وَقَعَ عَلَى الخُرُوْجِ عَلَى جِهَةِ الفِرَارِ [فَإِنْ كَانَ خُرُوْجًا عَلَى غَيرِ جِهَةِ الفِرَارِ] لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَرَجٌ. وأَمَّا رِوَايَةُ أَبي النَّضْرِ (¬3): "لَا يُخْرِجُكُمَا إلا فِرَار مِنْهُ" بالرَّفْعِ والنَّصبِ فَلَا ¬
تَصِحُّ عَلَى ظَاهِرِهَا، لأنَّكَ إِنْ جَعَلْتَهُ كَلَامًا مُنْقِطِعًا مِنَ الحَدِيثِ لَمْ يَصِحَّ لَهُ مَعْنًى، ولَا إعْرَابٌ، وإِنْ وَصَلْتَهُ بالحَدِيثِ صَارَ التَّقْدِيرُ: وإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا إِذَا كَانَ لَا يُخْرِجُكُمْ إلا فِرَارًا مِنْهُ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ لَهُ مَعْنًى وَلَا إِعْرَابٌ، سَوَاءً رَفَعْتَ الفِرَارَ أَوْ نَصَبْتَهُ، وَلَا تَصِحُّ هَذِهِ الرِّوَايَةُ إلا عَلَى أَنْ يَكُوْنَ سَقَطَ مِنَ الحَدِيثِ شَيءٌ، كَأَنَّ الحَدِيثَ إِنَّمَا كَانَ: وإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا إِذَا كَانَ لَا يُخْرِجُكُمْ إلا الفِرَارُ مِنْهُ، فَإِذَا زِيدَتْ هَذِهِ الزِّيَادَة صَحَّ مَعْنَى الحَدِيثِ (¬1)، وَجَازَ في إِعْرَابِهِ وَجْهَانِ الرَّفْعُ والنَّصْبُ، والرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلُ يُخْرِجُكُمْ، والنَّصْبُ عَلَى أَنْ يُضْمَرَ في "يُخْرِجُكمْ" ضمِيرًا فَاعِلًا يَرْجِع إِلَى الطَّاعُوْنِ، كَأَنَّهُ قَال: إِذَا كَانَ لَا يُخرجُكُمْ الطَّاعُوْنُ إلا فِرَارًا مِنْهُ فَيَنْتَصِبُ "فِرَارًا" عَلَى أَنّه مَفْعُوْلٌ مِنْ أَجْلِهِ، أَوْ عَلَى أَنّه مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الحَالِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَرَوَى بَعْضُهُمْ: إلا فِرَار مِنْهُ، أَي: إِفْرَارُ الطَّاعُوْنِ إِيَّاكُمْ، أَي: لَا يَحْمِلَنكُّمْ ¬
الطَّاعُوْنُ عَلَى الفِرَارِ مِنْهُ كَمَا تَقُوْلُ: لَا يَحْمِلَنَّكَ إِفْرَارُ النَّاسِ إِيَّاكَ علَى الفِرَارِ وَ"لَا" في هَذِهِ الرِّوَايَةِ نَهْيٌ لَا نَفْيٌ. وَيُقَالُ: فَرَّ الرَّجُلُ مِنَ الأمْرِ يَفِرُّ فِرَارًا، وأَفْرَرْتُهُ أَنَا إِفْرَارًا أَي: جَعَلْتُهُ أَنْ يَفِرَّ. - وَ [قَوْلُهُ: "لَبَيتٌ برُكْبَةَ أَحَبُّ إِلَيَّ"] [26]. رُكْبَةُ: مَوْضِعٌ بَينَ مَكَّةَ والطَّائِفِ (¬1). وقِيلَ: مَوْضِعُ بشِقِّ اليَمَنِ. ¬
[كتاب القدر]
[كِتَابُ القَدَرِ] (¬1) [النَّهْيُ عَنِ القَوْلِ بالقَدَرِ] [قَوْلُهُ: "ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَمِينِهِ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّتَهُ"] [2]. مَسَحَ اللهُ ظَهْرَ آدَمَ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ الذُّرِّيَّةَ، فَقَدْ كَانَ في تِلْكَ الذُّرِّيَّةَ أَبْنَاؤُهُ، وأَبْنَاءُ أَبْنَائِهِ، إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، فَإِذَا أَخَذَ مِنْ أَوَّلِيكُمُ العَهْدَ فَقَدْ دَخَلَ في ذلِكَ جَمِيع بَنِي آدَمَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمِثْلُ هَذَا قَوْلُهُ [تَعَالى] (¬2): {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ... } الآية. والسُّجُوْدُ إِنَّمَا كَانَ قَبْلَ خَلْقِنَا وتَصْويرِنَا، وإِنَّمَا جَازَ ذلِكَ؛ لأنَّه حِينَ خَلَقَ آدَمَ خَلَقَنَا في صُلْبِهِ، فَكَأَنَّ خَلْقَ آدَمَ خَلْقٌ لَنَا. - وَقَوْلُهُ: "حَتَّى العَجْزُ والكَيِسُ" [4]. يَجُوْزُ رَفْعُ العَجْزِ والكَيَسِ عَطْفًا عَلَى "كُلِّ"، ويَجُوْزُ خَفْضُهُمَا عَلَى الغَايَةِ. [جَامِعُ مَا جَاءَ في أهْلِ القَدَرِ] - قَوْلُهُ: "لِتَسْتَفْرَغَ صَحْفَتَهَا" [7]. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى في غَيرِ "المُوَطَّأ": "لِتَكْتَفِيءَ" ومَعَنَاهُمَا وَاحِدٌ، يُقَالُ: كَفَأْتُ الإِنَاءَ وأَكْفَأتُهُ: إِذَا قَلَبْتُهُ (¬3)، وهَذَا ¬
كَلَامٌ خَرَجَ مَخْرَجَ التَّمْثيلِ والاسْتِعَارَةِ، وحَقِيقَتُهُ: لَا تَسْألِ المَرْأَةُ زَوجَهَا طَلَاقَ أخْتِهَا لتَسْتَجِرَّ حَظَّهَا مِنْهُ إِلَى نَفْسِهَا، وتَنْفَرِدَ بِهِ دُوْنَهَا، وَلَيسَ هُنَاكَ صَحْفَةٌ وإِنَّمَا هُوَ مَجَازٌ. - وقَوْلُهُ: "وَلَا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنهُ الجَدُ"] [8]. الجَدُّ: الحَظُّ. والجِدُّ: الانكمَاشُ (¬1). ومَعْنَى رِوَايَةِ الفَتْحِ: أَنَّ مَنْ كَانَ سعِيدًا في الدُّنْيَا جَلِيلَ القَدْرِ فِيهَا لَمْ يَنْتَفِعْ بِذلِكَ في الآخِرَةِ، وإِنَّمَا يَنْتَفِعُ بِمَا قَدَّمَهُ مِنَ العَمَلِ الصَّالِحِ؛ لِأنَّ الدُّنْيَا بالأمْوَالِ، والآخِرَةِ بالأعْمَالِ. ومَعْنَى رِوَايَةِ الكَسْرِ أَنَّ الإنْسَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَاءِ حُقُوْقِ اللهِ وإِنْ جَدَّ في العَمَلِ الصَّالِحِ، إلا أنْ تُدْرِكَهُ رَحْمَةُ اللهِ، قَال رَسُوْلُ الله [- صلى الله عليه وسلم -]، : "لَنْ يَدْخُلَ الجَنَّةِ أَحَدٌ بِعَمَلِهِ، قِيلَ: ولَا أَنْتَ يَا رَسُولَ الله؟ قَال: وَلَا أَنَا، إلَّا أنْ يَتَغَمَّدَنِي الله بُرَحْمَتِهِ". وقِيلَ: مَعْنَاهُ: إِنَّه لَا يَنْفَعُ أَحَدٌ اجْتِهَادَهُ في طَلَب الرِّزْقِ إِنَّمَا مَا قُدِّرَ وقُسِّمَ، وهَذَا التَّفْسِيرُ غَيرُ صَحِيحٍ؛ لِأنَّه لَوْ أَرَادَ المَدَّ في طَلَبِ الرّزْقِ لَقَال: "فيه" وَلَمْ يَقُلْ: "مِنْهُ"، وَقَدْ رُويَ: "مِنْكَ الجِدُّ" بِكَسْرِ الجِيمِ (¬2)، وهَذَا يبعده عن تَفْسيره، وإِنَّمَا الوَجْهُ في كَسْرِ الجِيمِ مَا قَدَّمْنَاهُ. - وَ [قَوْلُهُ: "لَا يَعْجَلُ شَيءٌ أَنَاهُ وَقَدَّرَهُ"] [9]. رِوَايَةُ يَحْيَى بنِ يَحْيَى: "لَا يَعْجَلُ شَيءٌ إِنَاهُ وَقَدَرَهُ" [-بِفَتح اليَاءِ الجِيمِ وكَسْرِ الهَمْزَةِ-، ] أَي: لَا يَسْبِقُ وَلَا يَتَقَدَّمُ مِنْ قَوْلهِ [تَعَالى] (¬3): {وَعَجِلْتُ إِلَيكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84)}. والإناءُ: الوَقْتُ، ¬
[ما جاء في الحياء]
قَال تَعَالى. (¬1) {غَيرَ نَاظِرينَ إِنَاهُ} والمَعْنَى. لَا يَسْبِقُ وَقْتَهُ الَّذِي قَدَّرَ كَوْنَهُ فِيهِ. وَرَوَاهُ قَوْمٌ: "وَلَا يُعْجَلُ شَيءٌ آنَاهُ وَقَدَرَهُ"، اعتَقَدُوا في آنى فِعْلٌ مَاضٍ من قَوْلِ العَرَبِ: آتَيتُ الشَّيءَ إِينَاءً: إِذَا أَخَّرْتُهُ، وَمَعْنَاهُ عَلَى هَذَا: لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى تَعْجِيلِ شَيءٍ أَخَّرَهُ اللهُ، كَمَا لَا يَسْتَطِيع تَأْخِيرَ شَيءٍ قَدَّمَهُ اللهُ، وفي رِوَايَةِ القَعْنَبِيِّ: "لَا يَعْجَلُ شَيئًا آنَاهُ وَقَدَّرَهُ"، عَلى أَنْ يَكُوْنَ آنَاهُ فِعْلًا مَاضِيًا، وفي "يُعْجَلُ" ضَمِيرُ فَاعِل يَرْجِعُ إلى اللهِ، وَمَعْنَاهُ عَلَى هَذَا: إِنَّ اللهَ وَقَّتَ لِلأَشيَاءِ مَوَاقِيتَ، فَهُوَ تَعَالى لَا يُقَدِّمُ مِنْهَا شَيئًا قَبْلَ وَقتِهِ وَلَا يُؤَخِّرُ. وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: "لَا يُعْجِلُ شَيئًا إِنَاهُ وَقَدَّرَهُ" فَالإنَى عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ اسمٌ لَا فِعْلٌ، وتَفْسِيرُهُ كَتَفْسِيرِ فَتْحِ اليَاءِ والجِيمِ (¬2). [مَا جَاءَ فِي الحَيَاءِ] - وَ [قوْلُهُ: "دَعْهُ فَإنَّ الحَيَاءَ مِنَ الإِيمَانِ"] [10]. لَمَّا (¬3) كَانَ الحَيَاءُ يَرْدعُ صَاحِبَهُ عَنِ القَبَائِحِ وَيَصُدُّهُ عَنِ الفَوَاحِشِ كَمَا يَفْعَلُ الإيمَانُ، كَانَ كَأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهُ مَشَابَهَتُهُ إِيَّاهُ في فِعْلِهِ. والحَيَاءُ مِنْ مَحَاسِنِ الأَخْلَاقِ، والإيمَانُ لَا يَصِحُّ إلا بالتِزَامِ الأخْلَاقِ الجَمِيلَةِ واطِّرَاحِ الذَّمِيمَةِ، وَلِذلِكَ قَال - صلى الله عليه وسلم -: "بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَحَاسَنَ الأَخْلَاقِ" فَلِذلِكَ صَارَ كَأَنَّهُ شعْبَةٌ مِنَ الإيمَانِ. ¬
وَقَدْ حَرَّمَ قَوْمٌ عَلَى أَنْفُسِهِمُ الحمْرَ في الجَاهِلِيَّةِ حَيَاءً وَخجَلًا مِنْ أَنْ يَفْعَلُوا فِعْلًا يُعَابُوْنَ بِهِ، فالتَزَمُوا مِنْ كَرِيمِ الأخْلَاقِ بالحَيَاءِ مِثْلَ مَا أَوْجَبَهُ الإيمَانُ فِمِمَّنْ حَرَّمَ ذلِكَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى بنيهِ: الوَليدُ بنُ المُغِيرَةَ المُخْزُوْمِيُّ (¬1)، ثُمَّ وَجَدَ رِيحَهَا مَرَّةً مِنْ ابْنِهِ هَاشِمٍ فَجَلَدَهُ الحَدَّ. وَمِنْهُمْ عَامِرُ بنُ الظَّرِبِ العَدْوَانِيُّ (¬2)، وَقَال في ذلِكَ: ¬
إِن أَشْرَبِ الخَمْرَ أَشْرَبْهَا لِلَذَّتَهَا ... وإِنْ أَدَعْهَا فَإِنِّي مَاقِتٌ قَالِي [لَوْلَا اللَّذَاذَةُ والفِتْيَانُ لَمْ أَرَهَا ... وَلَا رَأَتْنِيَ إلا مِنْ مَدى الغَالِي] (¬1) مُحِلَّةٌ (¬2) للْفَتَى مَا ليسَ في يَدِهِ ... دهَابَةٌ بِعُقُوْلِ القَوْمِ والمَالِ أَقْسَمْتُ بِاللهِ أَسْقِيهَا وَأَشرَبُهَا ... حَتَّى يُمَزِّقُ تُرْبُ القَبْرِ أَوْصَالِي مورثة القَوْمِ أَضْغَانًا بِلَا إِحَنٍ ... مُزرية بالفَتَى ذِي النَّجْدَةِ الخَالِي وَمِنْهُمْ: قَيسُ بنُ عَاصِمٍ المَنْقِرِيُّ (¬3)، غَمَزَ عُكْنَ ابْنَتِهِ وَهُوَ سَكْرَانُ، فَلَمَّا صَحَا ¬
أُخْبِرَ بِذلِكَ فَتَرَكَهَا حَيَاءً وَقَال: لَعَمْرُكَ إِنَّ الخَمْرَ مَا دُمْتُ شَارِبًا ... لَسَالِبَتِي مَالِي ومُذْهِبَةٌ عَقْلِي وَتَارِكَتِي مِنَ الضِّعَافِ قَوَائِمٍ ... وَمُورثَتِي حَرْبَ الصَّدِيقِ بِلَا نَبْلِ وَمِنْهُم: صَفْوَانُ بنُ أُمَيَّةَ بنُ مُحْرِثٍ الكِنَانِيُّ (¬1) وَقَال في ذلِكَ: رَأَيتُ الخَمْرَ صَالِحَة وَفِيهَا ... خِصَالٌ تُفْسِدُ الرَّجُلَ الكَرِيمَا فَلَا وَاللهِ أَشْرَبُهَا حَيَاتِي ... وَلَا أَدْعُو لَهَا أَبَدًا نَدِيمًا ¬
فَإِنَّ الخَمْرَ تَفْضَحُ شَارِبِيهَا ... وتَجْشَمُهُمْ مِنَ الأَمْرِ العَظِيمَا فَإِنْ دَارَتْ حُمَيَّاهَا تَعَلَّتْ ... طَوَالِعُ تُفْسِدُ الرَّجُلَ الحَلِيمَا - وَمِنْهُم: البُرْجُ بنُ مُسَهِّرٍ الطَّائيُّ (¬1)، سَكِرَ فَسَمعَ ابنَتَهُ تَبُوْلُ فَقَال. أَسْمَعُ شَخَّةً، فلابُدَّ أَنْ أَزُخُّهَا زَخَّةً، فَقَامَ إِلَيهَا فَوَطِئِهَا، فَلَمَّا صَحَا وَعَلِمَ بِذلِكَ اسْتَحْيَى، وَتَرَكَ شُرْبَهَا حَتَّى مَاتَ. والشَّخُّ: صَوْتُ البَوْلِ، والزَّخُّ: صَوْتُ النِّكَاحِ (¬2). ¬
- وَمِنْهُم: شَيبَةُ بنُ رَبِيعَةَ (¬1)، وعَبْدُ المُطَّلِبِ بنِ هِشَامٍ (¬2)، وَوَرَقَةُ بنُ نَوْفِلٍ (¬3)، ومَقِيسُ بنُ قَيسِ بنِ عَدِيٍّ السَّهْمِيُّ (¬4) [وَكَانَ سَكِرَ] فجَعَلَ يَخُطُّ بِبَوْلهِ ¬
وَيَقُوْلُ: بَعِيرٌ أَوْ نَعَامَةٌ، فَلَمَّا صَحَا أُخْبِرَ فَأَقْسَمَ أَنْ لَا يَشْرَبَهَا أَبَدًا وَقَال: رَأَيتُ الخَمْرَ صَالِحَةً وَفِيهَا ... خِصَالٌ كُلُّهَا دَنَسٌ ذَمِيمُ فَلَا وَاللهِ أَشْرَبُهَا حَيَاتِي ... طِوَال الدَّهْرِ مَا طَلَعَ النُّجُوْمُ - وَمِنْهُم: عُبَيدُ اللهِ بنُ جَدْعَانَ (¬1) سَكِرَ فَجَعَلَ يُسَاورُ القَمَرَ، فَلَمَّا صَحَا أُخْبِرَ بِذلِكَ، فَخَجِلَ وَتَرَكَهَا، وَقِيلَ: بَلْ لَطَمَ نَدِيمَهُ فَأَصْبَحَتْ عَينُهُ مُخْضَرَّة، فَقَال: أَبَلَغَ بِيَ السُّكْرُ أَنْ أُوْذِيَ خَلِيلِي؟ ! فَتَرَكَهَا وَقَال: دعَ الآثَامِ لَا تَقْرَبْ حِمَاهَا ... فَفِي ذَاكَ الجَلَالةُ وَالسَّنَاءُ هَبِ الأدْيَانَ لَا تتَنْهَاكَ عَنْهَا ... أَمَا يَنْهَاكَ لُبُّكَ وَالحَيَاءُ ¬
- وَمِنْهُمْ: عَفِيفُ بنُ مَعْدِي كَرَبِ [بنِ] عَمْرِو بنِ الأشْعَثِ بنِ قَيسٍ (¬1)، حَرَّمَهَا وَقَال: وَقَائِلَةٍ هَلُمَّ إِلَى التَّصَابِي ... فَقُلْتُ عَفَفْتُ عَنْ مَا تَعْلَمِينَا وَوَدَّعْتُ القِدَاحَ وَقَدْ أَرَانِي ... بِهَا في الدَّهْرِ مَشْغُوْفًا رَهِينًا وَحَرَّمْتُ المُدَامَ عَلَيَّ حَتَّى ... أَكُوْنَ بِقَعْرِ مَلْحُوْدٍ (¬2) دَفِينَا - وَمِنْهُمُ: الأَسْلُوْمُ الهَمْدَانِيُّ (¬3) وحَرَّمَ الزِّنَا وَقَال في ذلِكَ: سَالمْتُ قَوْمِي بَعْدَ طُوْلِ مَظَاظَةٍ ... وَالسِّلْمُ أَبْقَى في الأُموْرِ وأَعْرَفُ وَتَرَكْتُ شُرْبَ الرَّاحِ وَهْيَ أَثِيرَةٌ ... والمُوْمِسَاتِ وَتَرْكُ ذلِكَ أَشْرَفُ [وَعَفَفْتُ عَنْهُ يَا أُمَيمَ تَكَرُّمًا ... وَكَذَاكَ يَفْعَلُ ذُو الحِجَا المُتَعَفِّفُ] - وَالعَبَّاسُ بنُ مِرْدَاسٍ (¬4): تَرَكَهَا فَقِيلَ لَهُ في ذلِكَ فَقَال: لَا أَشْرَبُ شَرَابًا أُصْبِحُ سَيِّدَ قَوْمِي وأُمْسِي سَفِيهَهُمْ. - وَسُوَيدُ بنُ عَدِيِّ بنِ عَمْرِو بنِ سَلَمَةَ (¬5): حَرَّمَهَا وأَدْرَكَ الإسْلَامَ فَقَال: ¬
تَرَكْتُ الشِّعْرَ واسْتَبْدَلْتُ مِنْهُ ... إِذَا دَاعِي ضِيَاءِ الصُّبْحِ قَامَا كِتَابَ اللهِ لَيسَ لَهُ شَرِيكٌ ... وَوَدَّعْتُ المُدَامَةَ والنَّدَامَى وَحَرَّمْتُ الخُمُوْرَ وَقَدْ أُرَانِي ... بِهَا سَدِكًا (¬1) وإِنْ كَانَتْ حَرَامَا - وَذَكَرَ قَوْلَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا لَمْ تَسْتَحْي اصْنع مَا شِئْتَ" (¬2). فَقَال: العَرَبُ تَسْتَعْمِلُ الأَمْرَ في بَعْضِ المَوَاضِعِ في مَعْنَى الشَّرْطِ؛ لِمَا بَينَهُمَا مِنَ المُضَارَعَةِ؛ لأنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَير وَاجِبٍ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُفْتَقِرٌ إِلَى جَوَابٍ، وَلَا فَرْقَ بَينَهُمَا غَيرَ أَنَّ أَحَدَهُمَا شَرْطٌ لَفْظِيٌّ؛ والآخَرُ شَرْط مَعْنَويٌّ، أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْلَكَ: إِن تَجِئْنِي أُكْرِمْكَ، فَهَذَا شَرْطٌ لَفْظِيٌّ؛ لأنَّ فِيهِ أَدَاةُ الشَّرْطِ مَلْفُوْظًا بِهَا، وإِذَا قُلْتُ في الأَمْرِ: جِئْنِي أُكْرِمْكَ، فَلَيسَ في اللَّفْظِ أَدَاةٌ من أَدَوَاتِ الشَّرْطِ، لكنَّهَا مَوْجُوْدَةٌ فيه مِنْ طَرِيقِ المَعْنَى لَا مِنْ طَرِيقِ اللَّفْظِ، فَإِنَّ التَّقْدِيرَ: جِئْنِي فَإِنْ تَجئْنِي أُكْرِمْكَ، فَلَمَّا كَانَتْ بَينَهُمَا هَذِهِ المُنَاسَبَةُ جَازَ أَنْ يَسُدَّ أَحَدُهُمَا مَسَدَّ الآخَرِ، فَمِمَّا سَدَّ فِيهِ الأمْرُ مَسَدَّ الشَّرْطِ قَوْلُهُ: "إِذَا لَمْ تَسْتَحِي فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ" كَأَنَّهُ قَال: إِذَا لَمْ تَسْتَحي صَنَعْتَ مَا شِئْتَ، ومِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالى (¬3): {قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَو كَرْهًا ¬
لَن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ} وَمِثْلُهُ قَوْلُ كُثَيِّرٍ (¬1): أَسِيئي بِنَا أَوْ أَحْسِنِي لَا مَلُوْمَةٌ ... لَدَينَا وَلَا مَقْلِيَّةٌ إِنْ تَقَلَّتِ مَعْنَاهُ: إِنْ أَسَئْتِ أَوْ أَحْسَنْتِ لَمْ أَلُمْكِ؛ لأَنِّي رَاضٍ بِذلِكَ مِنْكِ، وَلَمْ يَأمُرُهَا بِأَنْ تُسِيءَ إِلَيهِ. وَلِلأَمْرِ مَعَانٍ كَثيرَةٌ في كَلَامِ العَرَبِ مِثْلِ الأمْرِ الَّذِي يُرَادُ بِهِ الإيجَابُ، والَّذِي يُرَادُ بِهِ الإبَاحَةُ، والَّذِي يُرَادُ بِهِ الوَعِيدُ، والَّذِي يُرَادُ بِهِ التَّعْجِيزُ، والَّذِي يُرَادُ بِهِ الشَّرْطُ وَغَيرُ ذلِكَ. وَقَدْ نَظَمَ حَبِيبُ بن أَوْسٍ (¬2) مَعْنَى هَذَا الحَدِيثِ فَقَال: يَعْيشُ المَرْءُ مَا اسْتَحْيَى بِخَيرٍ ... وَيَبْقَى العُوْدُ مَا بَقِيَ اللَّحَاءُ فَلَا وَاللهِ ما في العَيشُ خَيرٌ ... وَلَا الدُّنْيَا إِذَا ذهَبَ الحَيَاءُ إِذَا لَمْ تَخْشَ عَاقِبَةَ اللَّيَالِي ... وَلَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا تَشَاءُ ¬
[كتاب حسن الخلق]
[كِتابُ حُسْن الخُلُقِ] (¬1) - قَوْلُهُ (¬2): "وَضَعْتُ رِجْلِي في الغَرْزِ"] [1]. الغَرْزُ للرَّحْلِ: كَالرِّكَابِ للسَّرْجِ. [مَا جَاءَ في حُسْنِ الخُلُقِ] - ويُرْوَى: "حُسْنُ الأَخْلَاقِ" و"حَسَنُ الأَخْلَاقِ". - وَ [قَوْلُهُ: "بِئْسَ ابنُ العَشِيرَةِ"] [4]. يُرْوَى: "بِئْسَ ابنُ العَشِيرَةِ"، وَ"بِئْسَ أَخُو العَشِيرَةِ". [مَا جَاءَ في الغَضَبِ] - قَوْلُهُ: "عَلِّمْنِي (¬3) كَلِمَاتٍ" [11]. أَي: قُلْ لِي كَلَامًا قَلِيلًا، وَلَا تُكْثِرُ عَلَيَّ. - وَقَوْلُهُ: "لَا تَغْضَبْ". أَي: لَا تَغْضَبْ غَضَبًا يُخْرِجُكَ إِلَى غَيرِ الوَاجِبِ، فَحَذَفَ لَمَّا كَانَ في مَجْرَى الكَلَامِ دَلِيلٌ عَلَيهِ، وَمِثْلُهُ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬4): {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزَنًا} أي: وَزْنًا نَافِعًا. والغَضَبُ وإِنْ كَانَ خُلُقًا وغَرِيزَةً فَإِنَّ الإنْسَانَ يُمْكِنُةُ أَنْ يُغَالِبَهُ بِصَدِّه حَتَّى يَضْعُفَ، ويَطُوْلَ صَدُّهُ عَلَيه حَتَّى يَمْلِكَهُ ثُمَّ يَصْرِفَهُ ¬
[ما جاء في المهاجرة]
بِحَسَبِ إِرَادَتِهِ، وَبِهَذَا المَعْنَى فَارَقَ الإنْسَانُ البَهِيمَةَ، واسْتَوْجَبَ الثَّوَابَ والعِقَابَ. - وَقَوْلُهُ: "لَيسَ الشَّدِيدُ بالصُّرَعَةِ"] [12]. الصُّرَعَةُ: الَّذِي يَصْرَعُ الرَّجُلَ لِقُوَّتِهِ، بِفَتْحِ الرَّاءِ وضَمِّ الصَّادِ. وبإِسكَانِ الرَّاءِ الَّدي يَصْرَعُهُ الرَّجُلُ. وَمِثْلُهُ: لُعْنَة ولُعَنَةٌ، وسُبَّةٌ وسُبَبَةٌ، وسُخْرَةٌ وسُخَرَةٌ. وَمَعْنَى هَذَا الحَدِيثِ: أنَّ قُوَّةَ النَّفْسِ أَحْسَنُ مِنْ قُوَّةِ الجِسْمِ، وَلَيسَ في هَذَا الحَدِيثِ مَا يَنْفِي أَنْ يُسَمَّى الَّذِي يَصْرَعُ الرِّجَال صُرَعَةً وإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّ المَالِكَ لِنَفْسِهِ أَحْرَى بِأَن يُسَمَّى شَدِيدًا، وإِنْ كَانَ الصُّرَعَةُ يُسَمَّى كَذلِكَ. قَال أَبُو تَمَّامٍ يَمْدَحُ المَأْمُوْنَ (¬1): والصَّبْرُ بالأَرْوَاحِ يُعْرَفُ فَضْلُهُ ... صَبْرُ المُلُوكِ وَلَيسَ بالأجْسَامِ وَقَال آخرُ: صَبَرْتُ عَلَى مَا لَوْ تَحَمَّلَ بَعْضَهُ ... جِبَالُ شَرَوْرَى (¬2) أَوْشَكَتْ تَتَصَدَّعُ [مَا جَاءَ في المُهَاجرَةِ] [قَوْلُهُ: "أنْ يُهَاجِرَ الرَّجُلُ أَخَاهُ"] [13]. في رِوَايَةَ يَحْيَى: "يُهَاجِرُ" وفي ¬
رواية غَيرِهِ "يَهْجُرُ" ويُهَاجِرُ: لَا يَكُوْنُ إلَّا مِنْ اثْنَينِ فَصَاعِدًا، والهَجْرُ فِعْلُ الوَاحِدِ. وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ الاهْتِجَارُ بِمَعْنَى المُهَاجَرَة يُقَالُ: اهتَجَرَ الرَّجُلَانِ (¬1) بِمَعْنَى اقْتَتَلَا. قَال عَبْدُ الرَّحْمن بنُ حَسَّانَ (¬2): بُلِينَا بِهِجْرَانٍ وَلَمْ أَرَ مِثْلَنَا ... مِنَ النَّاسِ إِنْسَانَينِ يَهْتَجِرَانِ - وَ [قَوْلُهُ: "لَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا"] [14]. التَّدَبُرُ: التَّقاطُعُ؛ لأنَّ المُتَقَاطِعَينِ يُوَلِّي كُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ دُبُرَهُ. والحَسَدُ نَوْعَانِ: مَحْمُوْدٌ، وَهِيَ المُنَافَسَةُ في الخَيرِ، وَمِنْهُ حَدِيثُ ابنِ مَسْعُوْدٍ: "لَا حَسَدَ إلا في اثْنتينِ"، ومَذْمُوْمٌ، وهو أَنْ يَسُوْءَهُ مَا أَنْعَمَ اللهُ بِهِ عَلَى أَخِيهِ ويَتَمَنَّى سَلْبَ نِعْمَتِهِ، فَهَذَا الحَسَدُ إِذَا لَمْ يَتْبَعُهُ بَغْيٌ وتَعَدٍّ فَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ. - وَ [قَوْلُهُ: "لَا تَجَسَّسُوا ولَا تَحَسَّسُوا"] [15]. التَّحَسُّسُ: التَّسَمُّعُ لِحِسِّ الشَّيءِ وَحَرَكَتِهِ. وَبِالجِيمِ: تَعَرُّفُ الأَخْبَارِ والبَحْثِ عَنْهَا. - وَ [قَوْلُهُ: "تَصَافَحُوا يَذْهَبُ الغِلُّ"] [16]. التَّصَافُحُ: أَنْ يُصَافِحُ الرَّجُلُ صَفْحَةَ كَفِّهِ في صَفْحَةِ كَفِّ صَاحِبِهِ، وَتَكُوْنُ مُعَانَقَةً وبِغَيرِ مُعَانَقَةٍ. - وَقَوْلُهُ: "إلا رَجُلًا" [17]. النَّصْبُ عَلَى الاسْتِثناءِ هُوَ الوَجْهُ، وأَمَّا الرَّفْعُ فَهُوَ خَطَأ، لَا وَجْهَ لَهُ، وَلَوْ خَفَضَهُ خَافِضٌ عَلَى الصَّفَةِ لِـ"كُلٍّ" [وَجَعَلَ "إلَّا" بمعنى "غَير"] أَو البَدَلِ مِثْهُ لَكَانَ غَيرَ مُمْتَنِعٍ فَيَكُوْنُ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ (¬3): ¬
وَكُلُّ أَخٍ مُفَارِقُهُ أَخُوْهُ ... البيت - وَ [قَوْلُهُ: "أَوْ أَرْكُو هَذَينِ ... "] [18]. مَعْنَى "أَرْكُوا": أَرْجُوا (¬1)، وَمَعْنَاهُ كَمَعْنَى أَرْجَأْتُ الأَمْرَ وأَرْجَيتُهُ، وَكَأَنَّ صَاحبَ هَذِهِ اللُّغَةِ كَانَ أَلْثَغَ اللِّسَانِ فَصَيَّرَ الجِيمَ كَافًا كَمَا صَيَّرَهَا بَعْضُ اللُّثغْ قَافًا، فَقَال: اللُّقَامُ، أَرَادَ اللِّجَامَ. وَحَكَى اللُّغَويُّوْنَ: أَزْكَنْتُهُ (¬2) الأمْرَ أي: أَلْزَمْتُهُ إِيَّاهُ فَيَكُوْنُ المَعْنَى عَلَى هَذا: أَلْزِمُوا هَذَينِ ذُنُوْبَهُمَا حَتَّى يَفِيئًا، أي: يَرْجِعَا إِلَى مَا كَانَا عَلَيهِ من التَّوَادِّ. ¬
[كتاب اللباس]
[كِتَابُ اللِّبَاسِ] (¬1) [مَا جَاءَ في لُبس الثِّيابِ لِلْجَمَالِ بِهَا] -[قَوْلُهُ]: "جَمَعَ رَجُلٌ عَلَيه ثِيَابَهُ" [3]. لَفْظُهُ لَفْظُ الخَبَرِ وَمَعْنَاهُ الأمْرُ؛ أَي: لِيَلْبَس جَمِيع ثِيَابِهِ في المَوَاضِعِ الَّتِي يَحْتَاجُ إلى التَّجَمُّلِ فِيهَا كَالجُمْعَةِ والعِيدَينِ، ونَظِيرُهُ قَوْلُ الخَطِيبِ: فاتَّقَى عَبْدٌ رَبَّهُ، ونَصَحَ لِنَفْسِهِ، أَي: لِيَتَّقِ وَليَنْصَحْ. وَقَوْلُهُمْ: غَفَرَ اللهُ لَكَ، لَفْظُهُ لَفْظُ (¬2) الخَبَرِ، ومَعْنَاهُ الدُّعَاءُ، وَمِثْلُهُ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬3): {وَالْوَالِدَتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَدَهُنَّ}. -[قَوْلُهُ: "فَوَجَدْتُ فِيهَا جَرْوَ قِثَّاءٍ"] [1]. الجَرْوُ: الصَّغِيرُ منَ القِثَّاءِ. [مَا جَاءَ في لُبْسِ الثِّيَابِ المُصَبَّغَةِ والذَّهَبِ] أَجَازَ التَّخَتُّمَ بالذَّهَبِ [جَمَاعَةٌ] وتَخَتَّم بِهِ حُذَيفَةُ بنُ اليَمَانِ (¬4) وَطَلْحَةُ بنُ عُبَيدِ الله، وَسَعْدُ (¬5) بنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَأَنَسُ بنُ مَالِكٍ، وَجَابِرُ بنُ سَمُرَةَ، وإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وعَبْدُ اللهِ بنُ يَزِيدَ الخَطْمِيُّ (¬6). ذَكَرَ ذلِكَ ابنُ أَبِي شَيبَةَ. ¬
[ما يكره للنساء لبسه من الثياب]
- وَقَوْلُ مَالِكٍ - في رِوَايَةِ ابن القَاسِمِ -: "أنَّ سُدَاهُ". تَقْدِيرُهُ: لأنَّ، هُوَ مَفْعُوْلٌ لَهُ، ويُسَمَّى أَيضًا مَفْعُوْلًا مِنْ أَجْلِهِ، والعَرَبُ تُظْهِرُ هَذِهِ اللَّام تَارَةً، وتَحْذِفُهَا تَارَةً، فَيَقُوْلُوْنَ: جِئْتكَ أَنَّكَ تُحِبُّ الخَيرَ، وَلأنَّكَ كَمَا قَال (¬1): وَمَا هَجَرَتْكَ النَّفْسُ يَا حَيُّ أَنَّهَا ... قَلَتكَ وَلَا أَنْ قَلَّ مِنْكَ نَصِيبُهَا وَلكِنَّهُمْ يَا أَمْلَحَ النَّاسِ أُوْلِعُوا ... بِقَوْلِ إِذَا مَا جِئْتُ هَذَا حَبِيبُهَا [مَا يُكْرَهُ للنِّسَاءِ لُبْسُهُ مِنَ الثِّيَابِ] -[قَوْلُهُ: "مَائِلَاتٌ مُمِيلَاتٌ"] [7]. المَائِلَاتُ: هُنَّ اللَّاتِي إِذَا مَشَينَ مِلْنَ في أَعْطَافِهِنَّ وَتَبَخْتَرْنَ. والمُمِيلَاتُ: المُصْبِيَاتُ اللَّوَاتِي يُمِلْنَ إِلَيهِنَّ قُلُوْبِ الرِّجَالِ، أَوْ يَتبَرَّجْنَ فَيُمِلْنَ الخُمُرَ رُؤُوسِهِنَّ لتُنْظَرَ وُجُوهُهُنَّ وشُعُوْرُهُنَّ، والمَرْأةُ الجَمِيلَةُ تَتَعَرَّضُ لأنْ تُرَى وتَنْكَشِفَ. قَال ابنُ أَبِي رَبِيعَةَ (¬2). ¬
فَلَمَّا تَلَاقَينَا وَسَلَّمْتُ أَشَرَفَتْ ... وُجُوْهٌ زَهَاهَا الحُسْنُ أَنْ تَتَقَنَّعَا وَقَال أَبُو النَّجْمِ (¬1): مَائِلَةُ الخُمْرَةِ والكَلَامِ باللَّغْو بَينَ الحِلِّ والحَرَامِ يُرِيدُ مِزَاحُهَا مِنْهُ؛ لأنَّهَا تُطْمِعُ بِنَفْسِهَا فَتُظَنُّ قَرِيبَةً وَهِيَ بَعِيدَةٌ. وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ، وَذلِكَ: أَنْ يُجْعَلَ المُمِيلَاتُ مِنَ المِشْطَةِ المَيلَاءِ (¬2)، وَهِيَ مِشْطَةٌ مَعْرُوْفَةٌ كُنَّ يُمِلْنَ فِيهَا العِقَاصَ وَهِي النَّوَاصِي. وَمِنْهُ حَدِيثُ ابنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ امْرَأَةً قَالتْ لَهُ: إِنِّي أَمْتَشَطُ المَيلَاءَ، فَقَال لَهَا عِكْرِمَةُ: رَأَسُكِ تَبَعٌ لِقَلْبِكِ، فَإِنْ صَلَحَ اسْتَقَامَ رَأْسُكِ. وَقَال أَبُو عُمَرَ بنُ عَبْدِ البَرِّ: المَائِلَاتُ عَن الحَقِّ، المُمِيلَاتُ أَهْوَاءَ أَزْوَاجِهِنَّ إِلَيهِنَّ (¬3)، ولَا أعْلَمُ مِنْ أَينَ نَقَلَ هَذَا التَّفْسِيرَ؟ ! . ¬
[ما جاء في إسبال الرجل ثوبه]
[مَا جَاءَ في إِسْبَالِ الرَّجلِ ثَوْبَه] - قَوْلُهُ: "الَّذِي يَجُرُّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ ... "] [9]. يُقَالُ: "خِيَلَاءُ" - بِكَسْرَ الخَاءِ وضَمِّهَا - وَخَالٌ ومَخِيلَةٌ: كُلُّ ذلِكَ بِمَعْنَى التَّكَبُّرِ، والمَرَحُ والبَطَرُ نَحْوُهُ. وفي الحَدِيثِ: "إِنَّ النَّبِيَّ [- صلى الله عليه وسلم -]، قَال لأبِي جَرِيٍّ جَابِرِ بنِ سُلَيمٍ (¬1): إِيَّاكَ المَخْيَلَةَ، فَقَال أَبُو جَرِيٍّ: نَحْنُ قَوْمٌ عَرَبٌ فَمَا المَخْيَلَةُ؟ قَال: سَبْلُ الإِزَارِ". -[قَوْلُهُ: "إزْرَةُ المُؤْمِنِ"] [12]. الإزْرَةُ: هَيئَةُ الإِزَارِ كَالجِلْسَةِ والرِّكْبَةِ. - وَقَوْلُهُ: "مَا أَسْفَلَ مِنْ ذلِكَ فَفِي النَّارِ". "أَسْفَلَ" مَنْصُوْبٌ عَلَى الظَّرْفِ، ¬
[ما جاء في الانتعال]
كَقَوْلهِ [تَعَالى] (¬1): {وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} وَلَوْ قِيلَ: مَا أَسْفَلَ (¬2) مِنْ ذلِكَ، وَمَا انْسَفَلَ مِنْ ذلِكَ لَكَانَ وَجْهًا لَوْلَا الرِّوَايَةُ. وَمَعْنَى ذلِكَ: مَا تَحْتَ ذلِكَ مِنَ الجِسْمِ فَفِي النَّارِ، وَهُوَ نَحْوَ قَوْلهِ [تَعَالى] (¬3): {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ} وَإِنَّمَا الكَاذِبُ صَاحِبُهَا. وَقَدْ سُئِلَ نَافِعٌ عَنْ هَذَا فَقَال: وَمَا تَحْتَ (¬4) الثِّيَابِ فَحُكُمُهَا حُكْمُهُ. وسُئِلَ سَالِمُ بنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ ذلِكَ هَلْ هُوَ في الإزَارِ خَاصَّةً؟ فَقَال: بَلْ وَفِي القَمِيصِ والرِّدَاءِ والعِمَامَةِ، وَقَدْ قَال - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَنْظُرُ اللهُ إلى مَنْ تَحْتَ ثَوْبِهِ خُيَلَاء"، وَهَذَا عَامٌّ في كُلِّ ثَوْبٍ. [مَا جَاءَ في الانْتِعَالِ] -[قَوْلُهُ. "أَتَدْرِي مَا كَانَتْ نَعْلَا مُوْسَى [- عليه السلام -] " [16] الحَسَنُ ومُجَاهِدٌ: كَانَتْ نَعْلَا مُوْسَى مِنْ جُلُوْدِ البَّقَرِ، وإِنَّمَا أُمِرَ بُحلْعِهَا لِيُبَاشِرَ بَرَكَةَ الأرْضِ بِقَدَمِهِ (¬5). ¬
[ما جاء في لبس الثياب]
- و [قَوْلُهُ تَعَالى (¬1): {بالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى}. مَنْ ضَمَّ الطَّاءِ مِنْ "طُوَى" جَعَلَهُ اسمَ الوَادِي، ومَنْ كَسَرَهَا فَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا لُغَةٌ في "طُوَى". والثَّانِي: أَنْ يَكُوْنَ مَعْنَاهُ المُقَدَّسَ مَرَّتَينِ (¬2)، واحْتَجُّوا بِقَوْلِ عَدِيِّ بنِ زَيدٍ (¬3). أَعَاذِلُ إِنَّ اللَّوْمَ في غَيرِ كُنْهِهِ ... عَلَيَّ طُوًى من غَيِّكِ المُتَرَدِّدِ ويُرْوَى: "عَلَيَّ ثُنًى" ومَعْنَاهُ بِمَعْنَى طُوًى. - وَقَوْلُهُ: "مَا كَانَتَا ... ". هكَذَا الرِّوَايَةُ عَلَى لُغَةِ أَكَلُوْنِي البَرَاغِيثُ، وَهِيَ غَيرُ فَصِيحَةٍ، وَكَانَ الوَجْهُ: مَا كَانَتْ. [مَا جَاءَ فِي لُبس الثِّيَابِ] -[قَوْلُهُ: "رَأَى حُلَّةً سِيَرَاءَ"]: السِّيَرَاءُ: ضَرْبٌ مِنَ الثِّيَابِ المُخَطَّطَةِ (¬4)، ¬
ويُقَالُ: إِنَّهَا ثِيَابٌ مُضَلَّعَةٌ بالقَزِّ وَكَذلِكَ فَسَّرَهَا ابنُ شِهَابٍ. وَقَال الطُّوْسِيُّ: هي ضَرْبٌ من البُرُوْدِ، ويُقَالُ لَهُ: "أَمْرَعْتَ فانزِل" (¬1) وَمَعْنَى ذلِكَ: وَجَدْتَ مَكَانًا مُمْرِعًا، أَي: مُخْصِبًا، شبَّهُوا الألْوَانَ المُخْتَلِفَةَ في الثَّوْبِ بالمَكَانِ المُخْصبِ الَّذِي فيه أَنْوَاعُ الزَّهْرِ، قَال (¬2): * وَمَا شُمْتَ من خَزٍّ وَأَمْرَعْتَ فانْزِلِ * واخْتَلَفَ اللُّغَويُّون والفُقَهَاءُ في السِّيَرَاءِ هَلْ هُوَ حَرِيرٌ وَحْدَهُ، أَوْ بَعْضُهُ حَرِيرٌ، وبَعْضُهُ غَيرُ حَرِيرٍ فَقَال الخَلِيلُ (¬3): لَيسَ بِحَرِيرٍ مَحْضٍ، وأَكْثَرُ النَّاسِ عَلَى أَنَّه حَرِيرٌ مَحْضٌ، وأَجْمَعَ الفُقَهَاءُ علَى أَنَّه لَا يَجُوْزُ للرِّجَالِ لِبَاسُ الحَرِيرِ المَحْضِ الَّذي لَا يُخَالِطُهُ غَيرُهُ، وَهُوَ الَّذِي يُشِيرُ [إِلَيهِ] المُصَنِّفُ. واخْتَلَفُوا في القَلِيلِ مِنْهُ يَكُوْنُ في الثَّوْبِ نَحْوَ القَلَمِ واللَّوْقِ (¬4)، وفي الثَّوْبِ يَكُوْنُ سُدَاهُ حَرِيرًا، ولُحْمَتُهُ ¬
غَيرُ حَرِيرٍ. ويَجُوْزُ أَنْ يُقَال: حُلَّةٌ سِيَرَاءُ فَتكوْن سِيَرَاءُ صِفَةً لِحُلَّةٍ وإِنْ شِئْتَ تَفْسِيرًا وتَمْيِيزًا، ويَجُوْزُ أنْ تَقُوْلَ: حُلَّةُ سِيرَاءَ على الإضَافَةِ من غَيرِ تَنْوينٍ، كَمَا تَقُوْلُ: ثَوْبُ خَزٍّ، وَثَوْبٌ خَزٌّ، وَهَذَا قِيَاسٌ مُسْتَمِرٌ في جَمِيع الأجْنَاسِ. قَال (1): ذَرْ عَنْكَ لَوْمِي إِنَّه إِغْرَاءُ ... والقَلْبُ حَيثُ الحُلَّةُ السّيَرَاءُ - وَ [قَوْلُهُ: "مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ". الخَلَاقُ: النَّصِيبُ وَالحَظُّ. - قَوْلُهُ: "قَدْ رَقَعَ بَينَ كَتِفَيهِ بِرُقَعٍ". ويُرْوَى: "بِرقَاعٍ". "بَينَ" في هَذَا المَوْضِعِ اسمٌ للفُرْجَةِ المُنْفَرِجَةِ بَينَ الكَتِفِ إِلَى الكَتِفِ، وَلَيسَ بِظَوْفٍ، وانْتِصَابُهَا انْتِصَابَ المَفْعُوْلِ بِهِ، كَمَا تَقُوْلُ: سَدَدْتُ بَينَ الحَائِطَينِ، وهو اسمٌ يَجْرِي بِوُجُوْهِ الإعْرَابِ، قَال أَبُو الأسْوَدِ (¬2): يُدِيرُوْنَنِي عَنْ سَالِمٍ وَأُدِيرُهُمْ ... وَجِلْدَةُ بَينَ العَينِ وَالأَنْفِ سَالِمُ ¬
[كتاب صفة النبي - صلى الله عليه وسلم -]
[كِتَابُ صِفَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -] (¬1) [مَا جَاءَ في صِفَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -] -[قَوْلُهُ: "لَيسَ بالطَّويلِ البَائِنِ"] [1]. الطَّويلُ البَائِنُ: هو المُفْرِطُ [في] الطُّوْلِ. - وَ [قَوْلُهُ: "لَيسَ بالأبْيضَ الأمْهَقِ"] الأمْهَقُ: هُوَ الَّذِي يُفْرِطُ بَيَاضِهِ حَتَّى يَصِيرَ كَالبَرَصِ. وَ [قَوْلُهُ: "وَلَا بِالآدَم"]. والآدَمُ منَ الرِّجَالِ: الأسْمَرُ اللَّوْنِ، وَمِنَ الإبِلِ: الأبْيَضُ اللَّوْنِ، ومن الظِّبَاءِ: الأسْوْدُ الظَّهْرِ الأبْيَضُ البَطْنِ. -[قَوْلُهُ: "وَلَا بالجَعْدِ القَطَطِ"]. القَطَطُ: الشَّدِيدُ الجُعُوْدَةِ، والسَّبْطُ: ضِدُّهُ. ويُقَالُ: سَبَطٌ وسَبْطٌ. [مَا جَاءَ في صِفَةِ عِيسَى بنِ مَرْيَمَ - عليه السلام - والدَّجَالِ] - قَوْلُهُ: "أَرَانِي اللَّيلَةَ" [2]. كَلَامٌ فيه حَذْفٌ واخْتِصَارٌ، والتَّقْدِيرُ: كُنْتُ أَرَانِي، وَمِثْلُهُ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬2): {وَاتَّبَعُوْا مَا تَتْلُوا الْشَّيَاطِينُ} أَي: مَا تَلَتْهُ، وهَذَا مَذْهَبُ الكِسَائِيِّ (¬3)، وَعَلَى هَذَا تُأُوِّلَ قَوْلُ الرَّاجِزِ (¬4): ¬
جَارِيَةٌ في رَمَضَانَ المَاضِي تُقَطِّعُ الحَدِيثَ بالإيمَاضِ أَي: كانَت تُقَطِّع. والبَصْريُّوْنَ لَا يُجِيزُوْن هَذَا وَيَذْهَبُوْنَ فِيهِ إِلَى أَنّهَا حَالٌ مَحْكِيَّةٌ تَقْدِيرُهُ: -عَلَى مَذْهَبِهِم- كأَنِّي الآنَ أَرَى نَفْسِي عِنْدَ الكَعْبَةِ، كَمَا تَقُوْلُ: كَأنَّي أَنْظُرُ إِلَى كَذَا، تُرِيدُ إِنَّكَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ في حَالِكَ الَّتِي تُخْبِرُ فِيهَا بِمَا رَأَيتَهُ، وأَمَّا قَوْلُ زُهَيرٍ (¬1): أَرَاني إِذَا مَا بُتُّ بُتُّ عَلَى هَوًى ... وَأنِّي إِذَا أَصْبَحْتُ أَصْبَحْتُ غَادِيَا فَهُوَ يُشْبِهُ هَذَا في أَنَّه أَخْبَرَ عَنْ حَالِهِ الَّتي هُوَ فِيهَا، وَلَكنْ يُخَالِفُهُ في أَنَّهُ لَا يَحْكِي حَالًا مَاضِيَةً، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّه فَهِمَ أَمْرَ الزَّمَانِ، وَجَعَلَ في مَرْتَبَةِ مَنْ يَرَاهُ بِعَينِ البَصِيرَةِ. وَهَذِهِ الرُّؤية الَّتِي ذَكَرَهَا كَانَتْ رُؤْيَةَ نَوْمٍ، وذلِكَ بَيِّنٌ في حَدِيثِ ابنِ عُمَرَ: "بَينَا أَنَا أَطُوْفُ بالكَعْبَةِ ... " الحديث. ¬
- وَ [قَوْلُهُ]: "فَرَأَيتُ رَجُلًا آدَمَ كَأَحْسَنِ مَا أنْتَ رَاءٍ مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ"]. وَصْفُهُ عِيسَى بالأَدْمَةِ، وَقَدْ وَصَفهُ ابنُ زمل في حَدِيثِ رُؤْيَاهُ بالبَيَاضِ (¬1) وكَذلِكَ في حَدِيثِ نزوْلِهِ إِلَى الأرْضِ فَقَال - صلى الله عليه وسلم -. "رَجُلٌ مَرْبُوْعٌ إلَى الحُمْرَةِ والبَيَاضِ" فاعْلَمْ أَنَّ الأُدْمَةَ تَكُوْنُ شَدِيدَةً فَتُقَارِبُ السَّوَادَ، وَتَكُوْنُ يَسِيرَةَ فَلَا يَخْرُجُ اللَّوْنُ بِهَا عَنِ البَيَاضِ خُرُوْجًا كَثيرًا، والبَيَاضُ قَدْ يَكُوْنُ كَثيرًا فَيُقَالُ: أَبْيَضُ نَاصِعٌ، وَقَدْ يَكُوْنُ غَيرَ نَاصِعٍ، فَيُقَالُ: أَبْيَضُ أَكْهَبُ. والحُمْرَةُ قَدْ تَكُوْنُ خَالِصَةً فَيُقَالُ: أَحْمَرُ عَضْبٌ، وَقَدْ تَكُوْنُ كُدْرَة فَيُقَالُ: أَحْمَرُ أَكْلَفُ، وَقَدْ يُخَالِطُهَا سَوَادٌ فَيُقَالُ: أَحْمَرُ أَدْبَسُ. وَيُقَوِّي هَذَا أَنّهُمْ قَالُوا: إِلَى الحُمْرَةِ والبَيَاضِ، وَلَمْ يَقُوْلُوا: أَحْمَرُ أَبْيَضُ على الإطْلَاقِ. -[قَوْلُهُ: "أعْوَرِ اليُمْنَى"]. اخْتُلِفَ في عَوَرِ الدَّجَّالِ في أَيِّ عَينَيهِ هُوَ (¬2)؟ فَفِي حَدِيثِ سَمُرَةَ: اليُسْرَى، وفي حَدِيثِ حُذَيفَةَ - كَذلِك، خرَّجه مُسْلِمٌ - وفي سَائِرِ الأحَادِيثِ: اليُمْنَى. وَالمَسِيحُ الدَّجَّالُ عَلَى لَفْظِ المَسِيحِ عِيسَى بنِ مَرْيَمَ، ¬
وَسُمِّيَا بذلِكَ لِجَوَلَانِهِمَا في الأرْضِ. وقيلَ: سُمِّي عِيسَى مَسِيحًا (¬1) لِحْسْنِ وَجْهِهِ. والمَسِيحُ - في اللُّغَةِ - الجَمِيلُ الوَجْهِ. والمِسْحُ: قِطَعُ الفِضَّة، وقِيلَ: سُمَّيَ بذلِك؛ لأنَّه مُسِحَ عِنْدَ وَلَادَتِهِ بالدُّهْنِ، وقَيلَ: ... - وَ [قَوْلُهُ: "كَالعِنَبَةِ الطَّافِيَةِ"]. الطَّافِيَةُ: الَّتي تَثُوْرُ عَلَى غَيرهَا مِنْ حَبِّ العُنقود. وقيل: "المَسِيحُ" مُعَرَّبُ مشيحا بالعَبْرَانِيَّة (¬2). وقيلَ (¬3): سُمِّيَ المَسِيحُ؛ [لأنَّه مَمسُـ]ـوحَ العَينِ. وقيلَ: المَسِيحُ: الكَذَّابُ، والدَّجَّالُ: الكَذَّابُ. وقيلَ: المُمَوِّهُ المُمَخْرِقُ. و"الدَّجَّالُ" - في اللُّغَةِ - مَاءُ الذَّهَبِ الَّذِي يُطْلَى بِهِ الشَّيءُ، سُمِّيَ الدَّجَّالُ ¬
[ما جاء في السنة في الفطرة]
بذلِكَ؛ لأنَّه يُحَسِّنُ البَاطِلَ. ويُقَال -أَيضًا-: دَجَلْتُ البَعِير: إِذَا طَلَيتَهُ بالقَطِرَانِ فَسُمِّيَ دَجَّالًا؛ لأنَّه يُغَيِّر النَّاس بِشَرِّهِ، كَمَا يُقَالُ: أَلْمَحَنِي فُلان بِشَرٌ. - قَوْلُهُ: "فَإذَا أنا بِرَجُلٍ". العَرَبُ تَقُوْلُ: خَرَجْتُ فَإِذَا زَيد يَأكلُ، وخَرَجْتُ فَإِذَا أَنَا بِزَيدٍ يَأْكُلُ. فَيَذْكُرُوْنَ البَاءَ تَارَةً، ويَحْذِفوْنَهَا تَارَةً، فَإِذَا ذَكَرُوا بَعْدَ "إِذَا" ضَمِيرَ مُتكَلّم أَوْ مُخَاطَبٍ أَوْ غَائِبٍ، لَمْ يَكُنْ بُد مِنْ ذِكْرِ البَاءِ. تَقُوْلُ: خَرَجْتُ فَإِذَا أَنَا بِزَيدٍ يَأْكُلُ، وخَرَجَ عَمْرٌو فَإِذَا هُوَ بِخَالِدٍ (¬1) يَنْتَظِرُهُ، فَيَجِبُ أَنْ نَنْظُرَ في هَذِهِ البَاءِ بِمَ تَتَعَلَّقُ في المَسْأَلتينِ؟ وَلِمَ لَمْ يَكُنْ بُدّ مِنَ البَاءِ مَعَ ذِكْرِ الضَّمَائِرِ؟ وَهَلِ البَاءُ في مِثْلِ هَذِهِ المَسَائِلِ بِمَنْزِلَتِهَا في قَوْلهِمْ: خَرَجْتُ فَإِذَا زَيد بالفَرَسِ وَاقِفًا؟ وَهَذِه المَسَائِلُ لَا تَلِيقُ بِهَذَا المَوْضِعِ (¬2). [مَا جَاءَ في السُّنَّة في الفِطْرَةِ] -[قَوْلُهُ: "خَمْسٌ مِنَ الفِطْرَة"] [3]. قَال أَبُو حَاتِم: الفِطْرَةُ ابتِدَاءُ الخِلْقَةِ، فالإنْسَانُ مَفْطُوْرٌ لَيسَ عليه شَارِبٌ، ولا لِحْيَةٌ، ولا عَانةٌ، ولا شَعْر إِبطٍ، وفُطُوْرُهُ: ظُهُوْرُهُ من بَطْنِ أُمّه، فَأُمِرَ بِنَتْفِ هَذ الأشْيَاءِ وَإِزَالتِهَا؛ ليَكُوْنَ علَى الفِطْرَةِ، أَي: عَلَى أَصْلِ الخِلْقَةِ، طَاهِرًا مِنَ الأدْنَاسِ، وَهَذَا يَنْتَقِضُ بالاخْتِتَانِ، فَلَيسَ الإنْسَانُ مَفْطُوْرًا بِهِ (¬3). والأشْبَهُ أَنْ يُرَادَ بالفِطْرَةِ: الدِّينِ؛ لأنَّ الإسْلامَ يُسَمَّى فِطْرَةً ¬
[النهي عن الأكل بالشمال]
أَيضا، كَمَا يُسَمَّى ابْتِدَاءُ الخِلْقَةِ، وكُلُّ شَيء فَطَرْتَهُ فَقَدْ بَدَأْتَهُ، يُقَالُ: فَطَرْتُ البِئْرَ: إِذَا ابْتَدَأْتَ حَفْرَهَا، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا: "بُنِيَ الإسْلامُ عَلَى النَّظَافَةِ" ويُرْوَى: "عَلَى الطهَارة" وجَعَلَ الشِّرْكَ نَجَاسَة، وَهَذَا يُوْجِبُ أَنْ يكوْنَ النَّجَاسَةُ في البَاطِنِ كَمَا تكوْنُ في الظَّاهِرِ؛ لأنَّ المُشْرِكَ إِنَّمَا نَجَاسَتُهُ بِسُوْءِ اعْتِقَادِهِ، وإِنْ كَانَ طَاهِرَ البَدَنِ. - وَ [قَوْلُهُ: "كَانَ إبْرَاهِيمُ أوَّلَ النَّاسِ ضَيف الضَّيفَ وأوَّلُ النَّاسِ اخْتَتَنَ"] [4]. اختَتَنَ إِبْرَاهِيمُ بالقَدُّوْمِ -مُشَدَّدًا- وهو ابنُ مَائةٍ وعِشْرِينَ سَنة، وَعَاشَ بَعْدَ ذلِكَ ثَمَانِينَ سَنَةً. والقَدُّوْمُ: مَوْضِع (¬1). - ويُقَالُ: زَنَقَ الرجُلُ إِبطَهُ يزنُقُه زنْقًا: إِذَا نَتفهُ. واسْتَحَدَّ اسْتِحْدَادًا، واستَعَانَ اسْتِعَانَة: إِذَا حَلَقَ عَانَتَهُ. وانْتَوَرَ انْتِوَارًا، وتنوَّرَ تنوُّرا، وانْتَارَ انْتِيَارًا: كُل ذلِك من النُّوْرَةِ. وَقَال ثَعْلَبٌ (¬2): لَا يُقَالُ: تَنَوَّرَ إلَّا إِذَا نَظَرَ إِلَى النَّارِ، وأَما مِنَ النَّوْرَةِ فَلَا. [النَّهْيُ عَنِ الأكلِ بالشِّمَالِ] - قَوْلُهُ: "فَإنَّ الشَّيطَانَ يَأكُلُ بِشِمَالِهِ" [4]. العَرَبُ تَنْسِبُ الفِعْلَ إِلَى مَنْ ¬
[ما جاء في المساكين]
أَمَرَ بِهِ وَرَضِيَهُ كَمَا تَنْسِبُهُ إِلَى مَنْ عَمِلَهُ وَتَوَلَّاهُ، فَالشَّيطَانُ يَرْتَضِي للإنْسَانِ هَذِهِ الأشيَاءَ ويَأْمُرُهُ بِهَا؛ لِيُوْقِعَهُ في المَكْرُوْهِ، وَعَلَيهِ يُحْمَلُ كُلُّ مَا جَاءَ مِن هَدا كَنَهْيِهِ عن أَنْ يَشْرَبَ الإنْسَانُ مِنْ مَقْبَضِ القِدْحِ؛ لأنَّهَا كَفْلُ الشَّيطَان، والكَفْلُ: المَركَبُ. وقِيلَ: إِنَّ الشَّيطَانَ في هَذِه الأحَادِيثِ إِنَّمَا يُعْنَى بِهِ مَرَدَةُ الإنْسِ وفُسَّاقُهُم، وَهُمْ يُسَمَّوْنَ شيَاطِينَ تَشْبِيهًا بِشَيَاطِينِ الجِنِّ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى التَسْلِيمِ، وتَرْكِ الخَوْضِ في مِثلِ هَذِهِ الأحَادِيثِ. - وَ [قَوْلُهُ: "وَأنْ يَشْتَمِلَ الصَّمَّاءَ"]. اشْتِمَال الصَّمَّاء: أَنْ يشْتَمِلَ الرجُلُ بِثَوْبِهِ فَيُجَلِّلَ بِهِ جَسَدَهُ كُلَّهُ، وَلَا يَرْفَعُ مِنْهُ جَانِبًا يُخْرجَ مِنْهُ يَدَهُ. والصَّمَّاءُ: صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوْفٍ، أَي: اشْتَمَلَ الاشْتِمَالةَ الصَّمَّاءَ، وَمِثْلُهُ: رَجَعَ القَهْقَرَى، وَقَعَدَ القُرْفُصاءَ. وَقَال أَهْلُ العَربِيَّةِ: هِيَ مَصَادِرُ رَجَعَتْ مِنْهَا أَنّهَا نُعُوْتٌ (¬1) لِمَصَادِرَ مَحْذُوْفَةٍ. والصَّمَّاءُ: مِنْ قَوْلهِمْ: صَمَمْتُ الكُوةَ؛ إِذَا سَدَدْتُهَا، وَكَذلِكَ صَمَمْتُ القَارُوْرَة، ويُقَال لِمَا تُشَدُّ بِهِ: الصِّمَامُ، وَمِنْهُ اشْتُقَّ الصَّمَمُ في الأذُنِ، وَمِنْهُ قِيلَ للدَّاهِيَةِ الَّتي لا يُقْدَرُ على تَلافِيهَا وإِصْلاحِهَا: صَمَامِ وصَماءُ؛ لانْسِدَاد أَبْوَابِ الحِيَلِ إلى مُعَانَاتِهَا، فَلَمَّا كَانَ الإنْسَانُ يُجَلِّلُ جَسَدَهُ بِثَوْبِهِ ولا يَتْرُكُ مِنْه فُرْجَةً يُخْرجُ مِنْهَا يَدَهُ شُبِّهَ ذلِكَ بالشَّيءِ المَسْدُوْدِ. و"الاحْتِباءُ" الاشْتِمَال. [مَا جَاءَ في المَسَاكينِ] -[قَوْلُهُ: "فَمَا المِسْكِينُ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟ "] [7]. الغَالِبُ عَلَى "مَا" الاسْتِفْهَامِ عَنْ مَا لَا يَعْقِلُ، وَقَدْ يُسْتفهَمُ بِهَا عن الأجْنَاسِ والأنْوَاعِ مِمَّنْ يَعْقِلُ كَقَوْله ¬
[تَعَالى] (¬1): {ما طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} وَهَذِهِ العِبَارَةُ مُسَامَحَةٌ مِنَّا عَلَى نَحْو مَا يَسْتَعْمِلُهُ النَّحْويوْنَ، وأَمَّا في الحَقِيقَةِ فَلَيسَ بِنَوعٍ وَلَا جنسٍ، وَقَدْ يُسْتفهَمُ بِهَا أَيضًا عَنِ الصِّفَاتِ نَحْوَ قَوْلِ القَائِلِ. مَا زَيدٌ؟ فَيُقَالُ: ظَرِيفٌ؛ عَلَى مَا قَل، فَيُسْتَفْهَمُ بِهَا أَيضًا عَنْ مَاهِيَّةِ كُلِّ شَيء وَهِيَ حَقِيقَتُهُ وَلَا مَدْخَلَ لِهَذَا في صِنَاعَةِ النحْو. - ذَكَرَ حَدِيثَ "جَهْجَاه" (¬2). فَقَال: أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ أَنّهُ إِنَّمَا ضَرَبَ هَذَا مَثَلاٌ للزَّهَادَةِ في الدُّنْيَا والحِرْصِ عَلَيهَا، فَجَعَلَ المُؤمِنُ لقَنَاعَتِهِ باليَسِير مِنْهَا كَالآكِلِ مِنْ مِعى وَاحِد، والكافر لِشِدَّة حِرْصِهِ عَلَيهَا كَالآكِلِ في سَبْعَةِ أَمْعَاء. - وَذَكَرَ حَدِيثَ أبِي ذَر: "تخضِمُون ويقْضِم والمَوْعِدُ الله". فَقَال: الخَضْمُ: الأكْلُ بالفَمِ كُلهِ. والقَضْمُ: الأكْلُ بأَطْرَافِ الأسْنَانِ. وَقِيلَ: الخَضْمُ أَكْلُ الرَّطْبِ، والقَضْمُ: أَكْلُ اليَابِسِ. وخَصَّ السَّبع دُوْنَ سَائِرِ العَدَدِ لِشُربِهِ حِلابَ سَبع شِيَاه. والحِلابُ: اللَّبَنُ، وَقَدْ يَكُوْنُ الإنَاءُ الَّذي يُحْلَبُ فيه، قَال (¬3): ¬
[النهي عن الشراب في آنية الفضة والنفخ في الشراب]
صَاحِ (¬1) هَلْ رَيتَ أَوْ سَمِعْتَ بِرَاعٍ ... رَدَّ في الضَّرْعِ مَا قَرَى في الحِلابِ أَرَادَ: رَأَيتَ، وَهِيَ لُغَةٌ شَاذَّة. [النَّهْيُ عَنِ الشَّرَابِ في آنيةِ الفِضَّةِ والنَّفْخِ في الشَّرَاب] في بَعْص النُّسَخِ: "النَّهْي عَن الشُّرب .. " وهو الوَجْهُ؛ لأنَّه فعْلُ الشَّارب وأَمَّا الشَّرَاب فَهُوَ اسمُ المَشْرُوْب، فكَأنَّهُ عَلَى هَذَا وَضَعَ اسمَ [المَصدَرِ] مَوْضعِ المَصْدَرِ كَقوْلهِ تَعَالى (¬2): {مَتَاعًا حَسَنًا} أَي: تَمْتِيعًا، والمَتَاعُ إِنَّمَا هُوَ اسم لِمَا ¬
يَقَعُ التَّمَتعٌّ بِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ (¬1): * وَبَعْدَ عطَائِكَ المَائَةَ الرِّتَاعَا * أَرَادَ: إِعْطَائِكَ (¬2). أَجْمَعَ العُلَمَاءُ أَنّهُ لا يَجُوْزُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَشْرَبَ في إِنَاءٍ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا في اتِّخَاذِهَا لِغَيرِ الشُرْبِ، وَفِي القِدْحِ المُفَضَّضِ والمَشْدُوْدِ بالفِضَّةِ. -[قَوْلُهُ: "يُجَرْجِرُ في بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ"] [11]. يَجُوْزُ: "نَارَ جَهَنَّمَ" بالنَّصْبِ، عَلَى أَنْ تكوْنَ "مَا" صِلَة لـ"إِنَّ" وَهِيَ الَّتِي تَكُفُّ "إِنَّ" عَنِ العَمَلِ، وتَنصِبُ النَّارَ عَلَى المَفْعُوْلِ بِيُجَرْجِرُ. ويَجُوْزُ: "نَارُ [جَهَنَّم] " بالرَّفعِ عَلَى أَنْ يَكُوْنَ خَبَرَ ["إنَّ"] وَ"مَا" بَمَعْنَى "الَّذِي" كَأَنَّهُ قَال: إِنَّ الَّذي يُجَرْجِرُ في بَطْنِهِ نَارُ جَهَنَّم، وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالى (¬3): {إِنَّمَا صَنَعُوا كَيدُ سَاحِرٍ} بالرَّفْعِ وبالنَّصْبِ قُرِئَ بِهِمَا، ويَجِبُ إِذَا جَعَلْتَهُ بِمَعْنَى "الَّذِي" أَنْ تتَبَ مُنْفَصِلَةً مِنْ "إِنَّ". ¬
[ما جاء في شرب الرجل وهو قائم]
والجَرِيرَةُ: صَوْتُ المَاءِ في حَلْقِ الشَّارِبِ، وفي الإنَاءِ عِنْدَ خُرُوُجِهِ إِلَى فَمِهِ، ويُقَالُ: جَرْجَرَ الجَمَلُ جَرْجَرَةً: إِذَا رَدَّ هَدِيرَتَهُ في حَلْقِهِ: قَال الرَّاجِزُ (¬1): وَهْوَ إِذَا جَرْجَرَ بَعْدَ الهَبِّ جَرْجَرَ في حَنْجَرَةٍ كَالحُبِّ وَهَامَةٍ كَالمِرْجَلِ المُنكبِّ و"الهَبّ" و"الهَابُ": النِّيَاحُ، و"الحُبُّ" -بِحَاء مُهْمَلَةٍ-: الخَابِئَةُ. و"الآنِيَةُ": جَمْعُ إِنَاءٍ مِثْل إِزَارٍ وآزِرَة، وَحِمَارٍ وأَحْمِرَة. [مَا جَاءَ في شُرْبِ الرَّجُلِ وَهْوَ قَائِم] قَال ابنُ قُتيبَةَ (¬2). مَعْنَى "قَائِمَا": سَاعِيًا ومَاشِيًا، والعَرَبُ تَقُوْلُ: قُمْ في ¬
[السنة في الشرب ومناولته عن اليمين]
حَاجَتِنَا لَا يُرِيدُوْنَ أَنْ يَقُوْمَ حَسْبُ، إِنَّمَا يُرِيدُوْنَ: امْشِ فِي حَاجَتِنَا وَاسْعَ (¬1) في حَاجَتِنَا، وَأَنْشَدَ قَوْلَ الأعْشَى (¬2): * يَقُوْمُ عَلَى الوَغْمِ في قَوْمِهِ * أَي: يَطْلُبُ بالذَّحْلِ (¬3) وَيَسْعَى فِيهِ، وَمِنْهُ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬4): {إلا مَا دُمْتَ عَلَيهِ قَائِمًا} أَي: مُوَاظِبًا عَلَيهِ بالاخْتِلافِ والمُطَالبَةِ والاقْتِضَاءِ. وَمَعْنَى القَائِمِ في حَدِيثِ الإبَاحَةِ أَي: عيرَ مَاشٍ فَهُوَ عَلَى طُمَأْنِينَةٍ بِمَنْزِلَةِ القَاعِدِ. وَذَهَب (ش) (¬5) إِلَى أَنَّ النَّهْي عَنِ الشُّرْبِ قَائِمًا خصُوْصٌ. [السُّنة فِي الشُّرْبِ وَمَناوَلَتِهِ عَنِ اليَمِين] - وَ [قَوْلُهُ]: "الأَيمَنَ فالأَيمَنَ"] [17]. مَنْصُوْبٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ كَأَنَّهُ قَال: اعطُوا الأيمَنَ فَالأيمَنَ. [جَامِعُ مَا جَاءَ في الطَّعَامِ والشَّرابِ] -[قَوْلُهُ: "فآدَمْتُهُ"] [19]. يُقَالُ: أَدَمْتُهُ بالقَصْرِ، وآدَمْتُهُ بالمَدِّ، وهُمَا لُغَتَانِ، ويُقَالُ لِمَا يُوْتَدَمُ بِهِ: إِدَامٌ وأُدْمٌ، وَقَدْ يَكُوْن الأُدْمُ جَمْعَ إِدَامٍ، ويَكوْنُ ¬
أَصْلُهُ: أُدُم بضمِّ الدَّالِ، ثُمَّ يُسَكَّن تَخْفِيفًا كَمَا يُقَال في عُنق عُنْق (¬1)، وَيَدُل عَلَى أَنَّ الأُدْمَ يَكُوْن وَاحِدًا قَوْلُ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: ["إنَّ سَيِّد أُدْمِ الدُّنيَا والآخرَةِ اللَّحْمُ" وَقَال: "نِعْمَ الأدمُ الخَلُّ" وحَدِيثُ عُمَرَ: "أنَّه نَهَى عَنْ جَمْع أُدمَينِ في أُدْمٍ". واشْتِقَاقُهُ مِنْ أَدَمْتُ الشَّيءَ] بالشَّيءِ: إِذَا قَرَنْتُهُ بِهِ وَخَلَطْتُهُ، وأَدَمَ اللهُ بَينَ الرَّجُلينِ وآدَمَ: إِذَا حُبِّبَ بَعْضُهُمَا إلى بَعْض، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، لِلْمُغِيرَةِ: "لَوْ نَظَرتَ إليهَا ... " الحَدِيثِ" أَي: يُوَفَّقُ، وَقَال الرَّاجِزُ (¬2): * وَالبِيضُ لَا يُؤدِمْنَ إِلَّا مُؤدَمَا" أَي: لَا يُحْبِبْنَ إِلَّا مُحَبَّبًا. - وَقَوْلُ أنسٍ: "قُمْتُ عَلَيهِمْ". لَيسَ مِنَ القِيَامِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ المَشْيِ (¬3)، يُقَالُ: قَامَ الرَّجُلُ: إِذَا وَقَفَ وَلَمْ يَنْهَضْ، وَقَامَتْ الدَّابَّةُ: إِذَا وَقَفْتَ من الإعْيَاءِ، وقَامَتِ الشَّمْسُ نِصْفَ النَّهَارِ: إِذَا خُيِّلَ إِلَيكَ أَنّهَا سَكَنَتْ، [وَقَوْلُهُ تَعَالى] (¬4): {وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيهِمْ قَامُوا} أي: وَقَفُوا على فَمِهِ. -[قَوْلُهُ: "واكْفِؤُوا الإنَاءَ"] [21]. يُقالُ: كَفَأت الإنَاءَ وأَكْفَأتهُ. -[قَوْلُهُ: "وخَمِّرُوا الإنَاءَ". أَي: غَطُوا واستُرُوا. ¬
- وَ [قَوْلُهُ: "لَا يفْتَحُ غَلَقًا"] الغَلَقُ: مَا يُغْلَقُ بِهِ البَابُ. - وَ [قَوْلُهُ: "وإِنَّ الفُوَيسِقَةَ"] الفُوَيسِقَةُ: الفَأْرَةُ. - وَذَكَرَ قَوْلُهُ: "كَفِّتُوْا صِبيانَكُمْ". أَي: ضُمُّوا، يُقَالُ: كَفَتُّ الثَّوْبَ: إِذَا شَمَّرْتُه (¬1)، وسُمِّيَتُ الأرْضُ كِفَاتًا لأنَّها تَضُمُّ النَّاسَ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا، ويُقَالُ لِمَوْضِعِ التَّدَافُقِ: مَكْفَتَةٌ، أَرَادَ أَنَّ الشَّيَاطِينَ لَيسَ لَهَا أَجْسَامٌ فَتَفْعَلُ مِنْهُ الأفْعَال، إِنَّمَا هِيَ أَرْوَاحٌ لَطِيفَةٌ. رَوَى جَابِرٌ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَال: "غَطُّوا الإنَاءَ وأوْكوا السِّقَاءَ فَإنَّ في السَّنَة لَيلَةً يَنزلُ فِيهَا وَباءٌ لَا يَمُرُّ بِإنَاءٍ لَيسَ عَلَيهِ غطَاءٌ، أوْ سِقَاءٍ لَيسَ عَلَيهِ وكاءٌ إلا نَزَلَ فِيهِ مِنْ ذلِكَ الوَباء". والأعَاجِمُ يَذْكُرُوْنَ أَن هَذَا يَكُوْنُ في كَانُون الأوَّل. -[قَوْلُهُ: "جَائزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيلَةٌ"] [22]. الجَائِزَةُ بمعنى العَطِيّة عِنْدَ العَرَبِ. - وَ [قَوْلُهُ: "وَضِيَافَته ثَلاثَةُ ايَّامٍ"]. الضِّيَافَةُ عندَ مَالِك على أَهْلِ الوَبَرِ، وَلَيسَتْ على أَهْلِ المَدَرِ، رَوَاهُ ابنُ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ [- صلى الله عليه وسلم -] وَهُوَ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، وَضَعَهُ إِبْرَاهِيمُ بنُ عَبْدِ الله بنِ هَمَّام، ابنُ أَخِي عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وهو مُتَّهم في حَدِيثِهِ (¬2). - وَ [قَوْلُهُ: "وَلَا يَحِلُّ لَهِ أنْ يَثْويَ عَنْدَهُ"] الثِّوَاءُ: الإقَامَةُ، يُقَالُ: ثَوَى يثوي ثَوَاءً فَهُوَ ثَاوٍ، وأَثْوَى يُثْوِي فَهوَ مُثْوٍ، قَال الحَارِثُ بنُ حِلِّزَةِ: -في ¬
ثَوَى- (¬1): آذَنَتنا بِبَينهَا أَسْمَاءُ ... رُبَّ ثَاوٍ يُمَلُّ مِنْهُ الثَّوَاءُ وَقَال الأعْشَى -في أَثْوَى-: (¬2) أَثْوَى وَقَصَّرَ لَيلَهُ لِيُزَوِّدَا ... وَمَضَى وَأَخْلَفَ مِنْ قُتَيلَةَ مَوْعِدَا - وَ [قَوْلُهُ: "حَتَّى يُحْرِجَهُ"] مَعْنَى "يُحْرِجُه" يُغِيضُهُ ويُضَيِّقُ صَدْرُهُ. - وَ [قَوْلُهُ: "فإذَا حُوْتٌ مِثل الظَّرِب"] [24] المَشْهُوْرُ في الظَّرِبِ أنَّه الحَجَرُ النَّاتِئُ المُحَدَّدُ (¬3). وَقَدْ يُخَفَّفُ فيُقَالُ: ظِرْبٌ، تُلْقَى كَسْرَةُ الرَّاءِ عَلَى الظَّاءِ فَتبقَى الرَّاءُ سَاكِنَةً فَيُقَالُ: ظِرْبٌ، وَجَمْعُهُ ظِرَابٌ. - وَذَكَرَ عَامَ الرَّمَادَةِ وَقَال: الرَّمَدُ: الهَلاكُ، يُقَالُ: رَمَدَ القَوْمُ رَمَدًا. - وَ [قَوْلُهُ: "يَا نِسَاءُ المُؤْمناتِ"] [25]. الوَجْهُ: يَا نِسَاءُ المُؤمِنَاتُ بالرَّفْعِ، علَى أَنْ يَكُوْنَ نِسَاءُ نِدَاءً مُفْرَدًا، و"المُؤمناتُ" صِفَة لَهُن عَلَى اللَّفْظِ. ويَجُوْزُ نَصْبُ "المُؤمِنَاتِ" عَلَى أَن يَكُونَ صِفَةً للنِّسَاءِ علَى المَوْضِعِ، وَهَذَا ¬
كَقَوْلهِم: يَا زَيدُ العَاقِلُ مَرْفُوعًا ومَنْصُوْبًا، وَعَلَى ذلِكَ قَوْلُ جَرِيرٍ (¬1): * ... يَا عُمَرُ الجَوَادَا * والرِّوَايَة: يَا نِسَاءُ المُؤمِنَاتِ مِنْ (¬2) بَابِ قَوْلهِمْ: "مَسْجِدُ الجَامِعِ" وَ"صلاةُ الأوْلَى". وَقَدْ مَضَى الكَلامُ عَلَيهِ في كِتَابِ "الجَامِعِ"، وَهَذَا كَمَا تَقُوْلُ: يَا رِجَالُ الرِّجَالِ كَذلِكَ تَقُوْلُ: يَا نِسَاءُ المُؤمِنَاتِ. -[قَوْلُهُ: "حَتَّى يَحْيَى النَّاسُ"] [29]. يُقَالُ: أَحْيَا النَّاسُ يُحْيُوْنَ: إِذَا حَيِيَت أَمْوَالُهُمْ وأَخْصَبُوا، كَمَا يُقَالُ: أَهْزَلَ النَّاسُ فَهُمْ مُهْزِلُوْنَ: إِذَا أَجْدَبُوا فَهَزُلَتْ أَمْوَالُهُمْ. والفُقَهَاءُ يَرْوُوْنَهُ يَحْيَى النَّاسُ من أَوَّلِ مَا يَحْيَوْنَ بفَتْحِ اليَاءَين والوَجْهُ مَا ذَكَرَنَا. - وَ [قَوْلُهُ: "كآَنَّكَ مُقْفِرٌ"] المُقْفِرُ: الَّذِي لَا أُدْمَ لَهُ، كَذَا يُقَالُ: أَقْفَرَ الرَّجُلُ، وَطَعَامٌ قِفَارٌ، وعِفَارٌ، وَخَتٍّ، وسَحِيتٌ: إِذَا لَمْ يَكُنْ فيه أُدْمٌ. -[قَوْلُهُ: "أنَّ عِنْدِي قَفْعَةً"] [30] القَفْعَةُ: شِبْهُ القُفَّةِ (¬3). ¬
- و [قَوْلُهُ: "يَأكلُ حَشَفَهَا"]. الحَشَفُ: الرَّدِيءُ مِنَ التَّمْرِ. -[وقَوْلُهُ: "حُمَيدُ بنُ مَالِكِ بنِ خُثَيْمٍ (¬1) "] [31]. "خُثيمٍ" بِخَاءِ مُعْجَمَةِ، وَثَاءٍ مُثلَّثَة مُشَدَّدَةِ كَأنَّه جَمْعُ خَاثِمٍ، لَا يَجُوْزُ غَيرُهُ. - قَوْلُهُ: "فَلَمْ يُصِبِ القَوْمُ [مِنَ الطَّعَامِ] شَيئًا" يُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى ظَاهِرِهِ، ويُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ: إِنَّ القَوْمَ لَمْ يُصِيبُوا مِنْهُ شَيئًا كَثيرًا، بَلْ أَصَابُوا قَلِيلا مِنهُ، وَجَعَلَهُم لُغَةً مَا أَصَابُوا كَمَنْ لَمْ يُصِبْ شَيئًا، كَمَا تَقُوْلُ: مَا فَعَلْتُ شَيئًا، وَمَا قُلْتُ شَيئًا، أَي: شَيئًا يَنْبَغِي أَنْ يُفْعَلَ أَوْ يُقَال، وَهُوَ الألْيقُ بِحُسْنِ الأدَبِ. - وَ [قَوْلُهُ: "وَامْسَحِ الرُّغَامَ عَنْهَا"]. رَوَى يَحْيَى، وابنُ بُكَيرٍ، ومُطَرّفٌ، وابنُ نَافِعٍ "الرُّعَامُ" بِضَمِّ الرَّاءِ وعَينٍ مُهْمَلَةٍ. ورَوَى عيرُهُم: "الرُّغَامُ" بِغَينٍ مُعْجَمَةٍ، والرُّغَامُ: هُوَ المُخَاطُ. والرُّغَامُ -[بِغَينٍ] مُعْجَمَةٌ-: التُّرابُ، ¬
وَالأشْبَهُ أَنْ يَكُوْنَ باللُّغَتينِ؛ لأنَّ المَشْهُوْرُ في التُّرَابِ رَغَامٌ بِفتْحِ الرَّاءِ. -[قَوْلُهُ: "لَيُوْشِكُ أنْ يَأَتِيَ عَلَى الناسِ"] يُوْشِكُ، يَقْرُبُ، أَمْرٌ وَشِيك أَي: قَرِيبٌ. - وَ [قَوْلُهُ: "تكوْنُ الثَّلَّةُ"]. الثَّلةُ: الغَنَمُ، وَلَا يُقَالُ للمَعزِ -إِذَا انْفَردَتْ: ثَلَّةٌ، إِنَّمَا يُقَالُ لَهَا: حِيلَةٌ، فَإِذَا خَالطَتْهَا الغَنَمُ قيلَ لَهَا: ثَلَّةٌ (¬1). والثلَّةُ -بِضَمِّ الثَّاءِ-: الجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ. - وَ [قَوْلُهُ: "وَأطِبْ مُرَاحَهَا"]. المُرَاحُ -بِضَمِّ المِيمِ- المَكَانُ الَّذِي تَرُوْحُ إِلَيهِ الغَنَمُ والإبِلُ مِنَ المَرْعَى. -[قَوْلُهُ: "إِنْ كنْتَ تَبْغِي ضَالَّةَ إِبِلِهِ"] [33]. تَبْغِي: تَطْلُبُ. - وَ [قَوْلُهُ: "وتهْنأُ جَرْبهَا"]. هَنَأْتُ البَعِيرَ أَهْنَأُ: إِذَا طَلَيتُهُ بالقَطِرَانِ، وَهُوَ الهُنَاءُ، قَال زُهَيرٌ (¬2): * وَقَدْ يَشْفِي مِنَ الجَرَبِ الهُنَاءُ * - وَ [قَوْلُهُ: "وَلَا نَاهِكٍ فِي الحَلْبِ"]. النَّاهِكُ: المُفْرِطُ، يُقَال: نَهَكْتُهُ عُقُوْبَةً: إِذَا بَالغْتَ في ذلِكَ، ونَهَكْتُهُ ضَرْبًا. ويُقَالُ: حَلَبْتُ النَّاقَةَ وغَيرَهَا حَلْبًا وَحَلَبًا، فَإِذَا أَرَدْتَ اللَّبَنَ المَحْلُوْبَ قُلْتَ: حَلَبٌ بفَتْحِ اللَّامِ لَا غَيرُ. - وَذَكَرَ قَوْلَ مَالِكٍ في آخرِ البابِ وأَنْشَدَ: ¬
لَا تَأَمَنَنَّ عَلَى النساءِ أخًا ... مَا فِي الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ أمِينُ - وَذَكَرَ حَدِيثِ: "التُّوَلَةُ شِرْكٌ". فَقَال: التُّوَلَةُ (¬1): التَّهَيُّجُ. وَرَأَيتُ بِخَطِّ يَدِه: قِلادَةٌ مِنْ وَبَر بِفَتْحِ البَاءِ. وَ"دَاخِلَةُ الإزَارِ": كِنَايَةٌ عَنِ المَذَاكِرُ. وَقَال بَعْضُهُم: أَرَادَ: الأفْخَاذَ وَالوَرْكَ وَقَال أَبُو عُبَيد: دَاخِلَةُ الإزَارِ: طَرَفُ الإزَارِ الَّذِي يَلِي جَسَدَهُ مِنْ جَانِبِهِ الأيمَنِ، لأنَّ المُؤتَزِرَ إِنَّمَا يَبْدَأُ الاتّزارَ (¬2) بِجَانِبِهِ الأيمَنِ فَذلِكَ الطَّرَفُ الَّذِي يُبَاشِرُ جَسَدَهُ هُوَ الَّذِي يُغْسَلُ. وَقَال الطَّحَاويُّ: دَاخِلَةُ الإِزَارِ الَّتِي تَحْتَ الإِزَارِ مِمَّا يَلِي الجَسَدَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ (¬3). ¬
[كتاب العين]
[كتَاب العَين] (¬1) [الوضُوء مِنَ العَينِ] - و [قَوْلُهُ: "اغْتَسَلَ أبِي -سَهْلُ بنُ حُنيفٍ (¬2) - بالخَرَّارِ" [[1] الخَرَّارُ: نَهْرٌ بِخَيبَرَ (¬3)، وخَرِيرُ المَاءِ وَأَلِيلُهُ وقَسِيبُهُ: صَوْتُ جَرَيَانِهِ. - و [قَوْلُهُ: "فَلُبِطَ سَهْلٌ"] [2]. لُبِطَ الرَّجُلُ ولُبِجَ: إِذَا صُرِعَ فَضَرَبَ بِنَفْسِهِ الأرْضَ. ويُقَالُ: عِنْتُ الرَّجُلَ بِعَينِي أَعِينُهُ فَأَنَا عَايِنٌ وَهُوَ مَعْيُوْنٌ ومَعِينٌ. وَجَاءَ في حَدِيثٍ يُرْوَى عَنْ عَائشَةَ: "إِنَّهُمْ كَانُوا يَأمُرُوْنَ المَعِينَ أنْ يَتَوَضَّأ فَيَغْتَسِلَ مِنْهُ المُعَانُ" وَهَذَا عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ خَطَأٌ مِنَ الرَّاوي إِنَّمَا هو العَائِنُ فَيَتَوضَّأَ فَيَغْتَسِلَ مِنْهُ المَعِينُ، قَال الشَّاعِرُ (¬4): ¬
[ما جاء في أجر المريض]
قَدْ كَانَ قَوْمُكَ يَحْسَبُونَكَ سَيِّدًا ... وَأَخَالُ أَنكَ سَيِّد مَعْيُونُ - وَقَوْلُهُ: "مَا رَأيتُ كالْيَوْمِ وَلَا جِلْدَ مُخَبأةٍ" كَلام وَقَعَ فيه حَذْفٌ واخْتِصَار، وَتَقْدِيرُهُ: مَا رَأَيتُ أيَوْمًا، كَاليَوْمِ جِلْدَ رَجُلٍ وَلَا جِلْد مُخَبَّأةٍ، فَحَذَفَ المَوْصُوْفَ الَّذِي هُوَ اليَوْمُ المُشَبَّهُ باليَوْمِ، وَحَذَفَ المَعْطُوْفَ عَلَيهِ لَمَّا فُهِمَ المَعْنَى، وفي الكَلامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِير كَأَنَّهُ قَال: مَا رَأَيتُ جِلْدَ رَجُلٍ وَلاجِلْدَ مُخَبَّأةٍ يَوْمًا كاليَوْمِ، والعَرَبُ يَحْذِفُوْنَ المَعْطُوْفَ عَلَيهِ كَمَا يَحْذِفُوْنَ المَوْصُوْفَ، يَقُوْلُ القَائِلُ: جَاءَ زَيدٌ؟ فَيَقُوْلُ المُجِيبُ: نَعَمْ وَعَمْرٌو. أَي: نَعَمْ جَاءَ زَيدو وعَمْرٌو. ويَقُوْلُ الرَّجُل لِلرَّجُلِ: مَرْحَبًا، فَيَرُدُّ عليه زَيدٌ: وَأَهْلَّا. مَعْنَاهُ: وَبِكَ مَرْحَبَّا وأَهْلًا. [مَا جَاءَ في أجْرِ المَرِيضِ] -[قَوْلُهُ: "وَيحَكَ وَمَا يُدْرِيكَ"] [8]. وَيحَكَ: كَلِمَةٌ كَانَتْ جَارِيَةٌ على لِسَانِ العَرَبِ (¬1) يَقُوْلُوْنَهَا عِنْدَ اسْتِحْثاثِ الرَّجُلِ وعِنْدَ الإنكارِ عَلَيهِ، وَهُمْ ¬
[التعوذ والرقية في المرض]
لَا يُرِيدُوْنَ وُقُوع المَكْرُوْهِ بِهِ. وَقِيلَ: هُوَ دُعَاءٌ على وَجهِهِ بِوُقُوع الوَيحِ، غَيرَ أَنه قَدْ تَقَدَّمَ قَبلَ ذلِكَ فَيقالُ: "اللَّهُمَّ إِنَّمَا أنا بشرٌ فمن دَعَوْتُ عَلَيهِ بدَعْوَةٍ فاجْعَلْ دَعوتي عَلَيهِ رَحْمَة له". والقَوْلُ الأوَّلُ أَشْبَهُ بِكَلامِ العَرَبِ. [التَّعَوُّذُ والرُّقْية فِي المَرَضِ] -[قَوْلُهُ: "بِالمُعَوِّذَاتِ وَيَنْفثُ"] [10]. النَّفثُ: النَّفْخُ بِلا بُصَاقٍ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ بُصَاقٌ فَهُوَ تَفْلٌ (¬1). [الغُسْلُ بالمَاءِ مِنَ الحُمَّى] -[قَوْلُهُ: "إِنَّ الحُمَّى مِنْ فَيحِ جهَنَّمَ"] [16] الفَيحُ: سُطُوع الحَرِّ، ويُقَالُ: فوحٌ أَيضًا، وَقَدْ فَاحَ يفِيحُ ويَفُوْحُ ويُرْوَى "فَابْرِدُوْهَا" و"فَأبْرِدُوْهَا" لُغَتَانِ، يُقَالُ: بَرَدْتُهُ بالمَاءِ وأَبْرَدْتُهُ. الرَشُّ [ ... ] (¬2) وَاحِد وهُوَ صَبَّ المَاءُ مُتَفَرِّقًا. والسَنُّ: صَبُّهُ عَلَى جِهَةٍ وَاحِدَةٍ. وَلِزَمْزَمَ أَسْمَاءٌ كَثيرَةٌ (¬3): زَمْزَم، وزَمَّمٌ، وزُمْزِمٌ، والمَضْنُوْنَة، وَرَكْضَةُ ¬
[عيادة المريض والطيرة]
جِبْرِيلَ، وحُفَيرُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وَطَعَامُ طُعْمٍ وشُفاءُ سُقْمٍ، وسُمِّيَتْ زَمْزَمُ لِزمْزَمَةِ مَائِهَا عِنْدَ ظُهُوْرِهِ، وَلِزمْزَمَة الفُرْسِ حَوْلَهَا. وَهِيَ أَصْوَاتٌ لَهُمْ لَا تُفْهَمُ لِخُرُوْجِهَا مِنْ أنوْفهِمْ وَلَا يُحَرِّكُوْنَ بِهَا أَلْسِنَتَهُمْ، وأَكْثَرُ مَا يَسْتَعْمِلُوْنَ ذلِكَ عِنْدَ الأكْلِ. [عِيَادَةُ المَرِيضِ والطِّيَرَة] ويُقَالُ: مَرِضَ الرَّجُلُ: إِذَا كَانَ المَرَضُ في جِسْمِهِ، وَصَحَّ: إِذَا كَانَتْ الصِّحَّةُ في جِسْمهِ، فَإِنْ كَانَتْ في إِبلِهِ [قِيلَ: ] أَمْرَضَ وأَصَحَّ. - قَوْلُهُ: "وَلَا هَامَ وَلَا صَفَرَ". الصَّفَرُ (¬1): حَيَّة تكوْنُ في البَطْنِ تُصِيبُ المَاشِيَةَ والنَّاسَ، وَهِيَ أَعْدَى مِنَ الجَرَبِ عِنْدَ العَرَبِ. وَقِيلَ: إنَّهَا تَشْتَدُّ على الإنْسَانِ إِذَا جَاعَ فَتُؤذِيهِ. وَقِيلَ: هُوَ تَأخِيرُهُم المُحَرَّمَ إلى صَفَرٍ في تَحْرِيمِهِ، وَهَكَذَا حَكَى ابنُ القَاسِمِ عَن مَالِكٍ. والهَامَةُ: طَائِر يَخْرُجُ مِنْ رَأْسِ المَقْتُوْلِ إِذَا لَمْ يُؤخَذْ بِثأرِهِ فَيَصِيحُ على ¬
قَبْرِهِ: اسْقُوني اسْقُوني (¬1) فَإِذَا قُتِلَ قَاتِلُهُ كَفَّ عَنِ الصِّيِّاحِ. وَزَادَ بَعْضُهم: "وَلَا غُوْلَ" وَهِيَ سَاحِرَةُ الجِنِّ كَانَتْ تَتَمَثَّلُ لَهُم في الفَلَوَاتِ، ويُسَمُّونَهَا السَّعْلاتَ، قَال [كَعْبُ بنُ] زُهَيرٍ (¬2): فَمَا تَدُوْمُ عَلَى وَصْلٍ لِوَاصِلَهَا ... كَمَا تَلَوَّنُ في أَثْوَابِهَا الغُوْلُ ¬
[كتاب الشعر]
[كِتَابُ الشَّعْرِ] (¬1) [السُّنةُ في الشَّعْرِ] -[قَوْلُهُ: "أمَرَ بِإحفَاءِ الشَّوَارِبِ"] [1] الإحْفَاءُ في اللّغَةِ: الإفْرَاطُ في الشَّيءِ؛ يُقَالُ: سَأَلَ فَأَحْفَى، وفُلانٌ حَفِيٌّ بِفُلانٍ (¬2): إِذَا كَانَ يُكْثِرُ مِنْ بِرِّهِ، وَلِذلِكَ رَأَىْ أَهْلُ العِرَاقِ اسْتِئْصَال الشَّارِب بالحَدِّ. وَذَهَبَ مَالِكٌ إلى الأخْذِ مِنْهُ حَتَّى يَبْدُوَ الإطَارُ، وَهُوَ طَرَفُ الشِّفَةِ، وكَذَلِكَ إِطَارُ الظُّفْرِ: اللَّحْمُ المُحِيطُ بِهِ، وإِطَارُ الغِرْبَالِ: جَدَارُهُ المُحْدِقُ بِهِ، فَيُحْتَمَلُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُوْنَ الإحْفَاءُ مِنْ قَوْلهِم: حَفِيَتِ الدَّابَّةُ وأَحْفَيتَهَا، وحَفَى السِّكِّينُ: إِذَا لَمْ يَقْطَعْ (¬3)، وأَحْفَيتَهُ، فَكَانَ المُرَادُ بِإِحْفَاءِ الشَّارِبِ: أَنْ يُقْطَعَ أَطْرَافُ شَعْرِهِ الَّتِي تَقْرُبُ مِنَ الفَمِ؛ لأنَّهَا تَنْخَسُ المَرْأَةَ وتُؤذِيهَا عِنْدَ اللَّثْمِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الشَّيءِ الحَدِيدِ التِي تزالُ حِدَّتُهُ بِأَنْ يُحَفَى، وَمَعَ ذلِكَ فَإِنَّ الشَّارِبَ في الحِقْيقَةِ إِنَّمَا هُوَ طَرَفُ الشَّفَةِ الَّتِي يُشْرَبُ بِهَا المَاءُ، ولِذلِكَ سُمِّيَ شَارِبًا. وَقَال الخَلِيلُ (¬4): الشَّارِبَانِ: مَا طَال من نَاحِيَتَي السَّبَلَةِ، فَإِنْ سُمِّيَتِ الشَّفَةُ كُلُّهَا فَذلِكَ مَجَازٌ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ جُمْلَةِ الشَيءِ بِبَعْضِهِ ¬
كَقَوْلهِمْ لِلَّذِي يَتَسَمَّعُ الأخْبَارَ: أُذُنٌ، وللَّذِي يَتَطَلَّعُ لِلقَوْمِ: عَينٌ. - و [قَوْلُهُ "وَإِعْفَاءِ اللِّحَى"]. الإعْفَاءُ: لَفْظٌ يُرَادُ بهِ التَّكْثيرُ والتقلِيلُ (¬1)، يُقَالُ: عَفَا وَبَرُ النَّاقَةِ وَلَحْمُهَا: إِذا كَثُرَ، وَعَفَا القَوْمُ: إِذَا كَثروا [وَقَوْلُهُ تَعَالى]: (¬2) {حَتَّى عَفَوا} أَي: كَثُرُوا، ويُقَالُ: عَفَا المَنْزِلُ: إِذَا دَرَسَ وَذَهَبَتْ آثَارُهُ. - قَوْلُهُ: ["سَدَلَ رَسُوْلُ اللهِ .. "] [4] السَّدْلُ: إِرْسَالُ الشَّيءِ، والمُنْسَدِلُ مِنَ الشَّيءِ: الطَّويلُ، ويُقَالُ لَهُ: المُنْسَدِرُ. كَانَ شَعْرُ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَوْقَ الوَفْرَةُ (¬3) وَدُوْنَ الجُمَّةِ. الوَفْرَةُ: الشَّعْرَةُ الَّتي إلى شَحْمَةِ الأذُنَين، فَإِذَا زَادَتْ شَيئًا فَهِيَ جُمَّة، فَإِذَا ألمَّتْ بالمَنكبِ فَهِيَ لِمَّةٌ (¬4). وَقَدْ قِيلَ: اللِّمَّةُ والجُمَّةُ سَوَاء. فَإِذَا بَلَغَ الكفلَ (¬5) فَهو [واردٌ] (¬6). -[قَوْلُهُ: "كانَ يَكْرَهُ الإخْصَاءَ" [[4] الإخْصَاءُ [كَذَا] وَقَعَ في الرِّوَايَةِ، وَهُوَ خَطَأ من الرَّاوي، وَصَوَابُهُ: الخَصَا، وفِعْلُهُ: خَصَيتُ. - وَقَوْلُهُ: "فيه تَمَامُ الخَلْقِ". عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، ومثله [قَوْلُهُ ¬
[إصلاح الشعر]
تَعَالى] (¬1): {رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ} أَي: عَلَى لِسَانِ رَجُلٍ [مِنَ] العَرَبِ. [إِصْلاح الشَّعْرِ] العَرَبُ تُسَمِّي الشَّعْرَ الذِي عَلَى الرَّأسِ رَأْسًا، لكُوْنه عَلَى الرَّأْسِ، كَمَا تُسَمَّى الأهْدَابَ أَشْفَارًا؛ لِنبَاتِهِ على الشّفرِ، وسَائِرِ الرَّأْسِ: قَائِمُ الشَّعْرِ. -[قَوْلُهُ: "ثَائِرَ الرَّأسِ كأنَّهُ شَيطَان"] [7]. الشَّيطَانُ -وإِنْ كَانَ رُوْحَانِيًّا وَلَيسَ بِذِي جِسْمٍ- فَقَدْ صَحَّ في نُفُوْسِ الناسِ أَنّه في غَايَةِ القُبْحِ "فَلِذلِكَ صَحَّ التَّشبِيهُ بهِ (¬2)، وأَيضا فَإِنَّه يتصَوَّرُ وَيَتَمَثَّلُ كَمَا تَمَثَلَ إِبْلِيسُ في صُوْرَةِ سُرَاقَةِ بنِ جُعْثُم (¬3)، وَكَانَ مِنْ أقْبَحِ النَّاسِ. والمَلائِكَةُ رُوْحَانِيُّوْنَ وَلكِنَّهُمْ يَتَمَثَّلُوْنَ في صُوْرَةِ الحِسَانِ من بني آدَمَ كَدِحْيَةِ الكَلْبِيِّ (¬4). وأَنْشَدَ قَوْلَ الحُسَينِ (¬5): يَسْوَدُّ أَعْلاهَا وتَأْبَى أُصُوْلُهَا ... فَيَا ليتَ مَا يَسْوَدُّ مِنْهَا هُوَ الأصْلُ ¬
[ما جاء في المتحابين في الله]
- ويُقَالُ: نَصَلَ الخِضَابُ يَنْصُلُ نُصُولًا: إِذا زال. [مَا جَاءَ في المُتحابين في الله] -[قَوْلهُ: "أينَ المُتَحَابُّونَ لِجَلالِي"] [13] العَرَبُ تَقُوْلُ: فَعَلْتُ ذلِكَ لِجَلالِكَ، ولِجَلَلِكَ، ومِنْ جَلالِكَ، ومِنْ جَلاكَ، أَي: من أَجْلِكَ وَبِسَبَبِكَ، فالمُتَحَابُّوْنَ لِجَلالِي أَي: مِنْ أَجْلِي. ويُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ هُنَا العَظَمَةَ. -[قَوْلُهُ: "ثمَّ يُوْضَعُ لَهُ القَبُوْلُ في الأرْضِ"] [15] القَبُوْلُ: التَّقبُّلُ، وهو مَفْتُوْحُ القَافِ لَا غَيرُ. -[قَوْلُهُ: "إِنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ القَصْدُ وَالتُّؤَدَةُ"] [17]. والقَصْدُ: العَدْلُ في الأمْرِ والتَّوَسُّطُ فيه (¬1) يُقَالُ: قَصَدَ يَقْصِدُ، واقْتَصَدَ يَقْتَصِدُ، قَال تَعَالى (¬2): {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} قَال عَبْدُ الرَّحْمنِ بنِ حَسَّان (¬3): عَلَى الحَكَمِ المَأتيِّ يَومًا إِذَا قَضَى ... قَضِيَّتَهُ أَنْ لَا يَجُوْرَ ويَقْصِدُ والتُّؤَدَةُ: الرِّفْقُ، اتّأدَ: رَفَقَ. -[قَوْلُهُ: "وَحُسْنُ السَّمْتِ"، السَّمْتُ: الهَيئَةُ. ¬
[كتاب الرؤيا]
[كِتَابُ الرُّؤيَا] (¬1) [مَا جَاءَ في الرُّؤيَا] -[قَوْلُهُ: "جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وأرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبوَّةِ"] [1] اختَلَفَتِ الرِّوَايَةُ في تَجْزِئَةِ الرُّؤْيَا مِنَ النُّبُوَّةِ فَرُويَ منْ سِتَّةٍ وأَرْبَعِينَ، وَمِنْ سِتَّةٍ وعِشْرِينَ، ومِنْ أَرْبَعِينَ، وَمِنْ خَمْسَةٍ وأَرْبَعِينَ، وَمِنْ أَرْبَعَة وأَرْبَعِينَ، وَمِنْ سَبْعِين (¬2). جَمَعَ الطَّحَاويُّ بَينَ هَذه الرِّوَايَاتِ، فَقَال: الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ بُشْرَى لِلْمُؤمِنِينَ، والبُشْرَى نِعْمَةٌ مِنَ اللهِ عَلَى عَبْدهِ وَفَضْلٌ، فَيَكُوْنُ اللهُ تَفَضَّلَ عَلَى عَبْدِهِ أَوَّلًا بَأَنْ جَعَلَ رُؤْيَاهُ جُزْءًا مِنْ سبْعِينَ، ثَمَّ زَادَ إِنْعَامًا وفَضْلًا بِأَنْ جَعَلَهَا جُزْءًا مِنْ خَمْسِينَ، وَهكَذَا إِلَى أَقَلِّ العَدَدِ، وَهِيَ أَرْفَعُ المَنَازِلِ، فَكَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الحَسَنَاتِ الَّتِي يُضْعِفُهَا اللهُ للعَبْدِ (¬3) مِنْ عَشْير إلَى سَبْعِمَائَةَ. وَقَال (ش) (¬4): لَمَّا كَانَ المُؤمِنُوْنَ يَتَفَاضَلُوْنَ في إِيمَانِهِمْ تَفَاضَلَتْ رُؤاهُمْ فَأقْوَاهُمْ إِيمَانًا تكوْنُ رُؤْيَاهُ جُزْءًا مِنْ سِتَّةٍ وعِشْرِينَ، ثُمَّ مَنْ هُوَ دُوْنَهُ تكوْنُ رُؤْيَاهُ جُزْءًا من أَرْبِعِينَ، ثُمَّ مَنْ دُوْنَهُ تكوْنُ رُؤْيَاهُ جُزْءًا مِنْ خَمْسَةٍ وأَرْبَعِينَ، ثُمَّ هكَذَا إِلَى ¬
[ما جاء في النرد]
سَبْعِينَ، وَفِيهِ قَوْلٌ آخرُ: لَوْلَا اخْتِلافِ التَّجْزئَةِ فإِنَّمَا يَأْتِيَ عَلَى رِوَايَةِ السِّتةِ والأرْبَعِينَ. [مَا جَاءَ في النِّرْدِ] -[قَوْلُهُ: "مَنْ لَعِبَ بالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى اللهُ ورَسُوْلَهُ"] [6] النَّرْدُ (¬1) بالفَارِسِيَّة أَصْلُهُ: نَرْدَشِير، فَحُذِفَ بَعْضُهُ لِطُوْلهِ، كَمَا أَنَّ البَيْذَقَ أَصْلُهُ: شَهْبَيذَقُ، فَكَذلِكَ النَّأْيُ [الَّذِي يُزْمَرُ بِهِ] إِنَّمَا هُوَ نَرْمَناي، ويُقَالُ للنَّرْدِ أَيضًا: الأرنُ، والكُوْبةُ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّه الطَّبْلُ، وَذَكَرَ بَعْضُهُم أَنّه يُقَالُ لَهُ: الطُّبَنُ، وذلِكَ غَلَط، إِنَّمَا الطُّبَنُ: القِرْقُ لَا النَّرْدُ، وهي القِرْقَةُ والسُّدَّرُ. والطُّبَنُ: اللِّعْبُ بالطُبَنِ (¬2). - وَذَكرَ حَدِيثَ: "إِنَّ اللهَ يَغفِرُ لِكُلِّ مذْنبٍ إلَّا لِصَاحِبِ كوْبةٍ أوْ عَرْطَبةٍ". - فَقَال: العَرْطَبَةُ: عُوْدُ الغِنَاءِ (¬3). ويُقَالُ لَهُ أَيضا: الكِنَّارَةُ (¬4)، والكِرَّانُ، والمِزْهَرُ (¬5). وقِيلَ: إِنَّ الكِنَّارات: الدُّفُوْفُ. ¬
[كتاب السلام]
[كتَابُ السَّلام] (¬1) [العَمَلُ في السَّلام] [قَوْلُهُ: "إِنَّمَا يقُوْلُ: السَّامُ عَلَيكُمْ"] [3]: السَّامُ: المَوْتُ، أَي: سُلِّطَ عَلَيكُمُ المَوْتُ والهَلاكُ، فَأُمِرَ المَرْء أَنْ يَرُدَّ عَلَيهِمْ فَيقالُ: عَلَيكُمْ، وَلِذلِكَ كَانَ الوَجْهُ إِسْقَاطُ الوَاو؛ لأنَّ الوَاوَ تُوْجِبُ الاشْتِرَاكِ، ويَجِبُ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنّهَا زَائِدَةٌ في رِوَايَةِ مَنْ زَادَهَا، وإِنَّمَا ذُكِرَتْ لتُسْتَعْمَلَ مِنَ الألْغَازِ في رَدِّ السَّلامِ عَلَيهِمْ مِثْلُ مَا يَسْتَعْمِلُوْنَهُ في ابتِدَائِهِ، وَكَانَ بَعْضُ العُلَمَاءِ يَرَى أَنْ يُقَال لَهُمْ: السِّلامُ عَلَيكُم بِكَسْرِ السِّينِ أَي: الحِجَارَةُ (¬2). والأحْسَنُ اتِّبَاعُ الحَدِيثِ، وإِلَّا فَثَمَّ مِنَ الألْفَاظِ المُشْتَرَكَةِ مَا هُوَ أَقْوَى إِلْغَازًا مِنْ ذلِكَ، مِثْلُ السَّلامُ -بِفَتْحِ السين- وَهِيَ لَفْظَةٌ مُشْتَرَكَةٌ بِمَعْنَى التَّحِيَّةِ، وَبِمَعْنَى البَرَاءَةُ مِنَ الشَّيءِ، وَمِنْهُ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬3): {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ .. } الآية (¬4). والسَّلامُ -أَيضًا- ضَرْبٌ مِنَ الشَّجَرِ (¬5) وَاحِدُهَا سَلامَةٌ. ويَمْكِنُ أَنْ يُرَدَّ عَلَيهِمْ بِصَلَّمَكَ الله -بالصَّادِ- أَي: قَطَعَ أُذُنَيكَ. ¬
[كتاب الاستئذان]
[كتاب الاسْتئْذَانِ] (¬1) [الاسْتِئْذَانُ] - قَوْلُهُ: "عَنْ أبِي مُوْسَى ... " [2]. يُرِيدُ: عَنْ قِصَّةِ أَبِي مُوْسَى. وَهَذَا مِثْلُ مَا وَقَعَ في (كِتَابِ الحَجِّ): عن النَّهْرَبِيِّ في الحِمَارِ الوَحْشِيِّ، وإنَّمَا رَوَاهُ هُنَاكَ: عُمَيرٌ عَن النَّبِيِّ، لاعَنَ النَّهْرَبِيِّ، ففيه مَجَازَانِ؛ حَذْفُ مُضَافٍ وَهِيَ القِصةُ وَالأمرُ، وَجَعْلُ "عَنْ" مَكَانَ "فِي" كَأَنَّهُ قَال: في قِصةِ أَبِي مُوْسَى، كَمَا تَقُوْلُ العَرَبُ: كَلَّمْتُ الأمِيرَ عَنْ فُلانٍ، أَي: فِي قِصَّتِهِ وَأَمْرِهِ. و"الاسْتِئْاسُ": الاسْتِئْذَانُ في لُغَةِ أَهْلِ اليَمَنِ، حَكَاهُ الفَرَّاءُ (¬2)، قَال ابنُ عَبَّاس: إِنَّمَا هُوَ يَسْتَأْذِنُوا فَأَخْطَأَ الكَاتِبُ. [التَّشْمِيتُ في العُطَاسِ] - وَذَكَرَ عَنِ العِرَاقِيِّينَ أَنّهُ إِنَّمَا يَقُوْلُ: يَغْفِرُ الله لنَا وَلَكَ، وَلَا يُقَال: يَهْدِيكُمُ اللهُ ¬
ويُصْلحْ بَالكُمْ؛ لأنَّه مِنْ دُعَاءِ الخَوَارِجِ؛ لأنهم لَا يَرَوْنَ الاستِعفَارَ لنا؛ لأنَّنَا عِنْدَهُمْ كُفَّارٌ، وجَوَّزَ مَالك رحمه الله أَنْ يُقَالا (¬1) معًا. - و [قَوْلُهُ "إنْ عَطَسَ فَشَمِّتْهُ"] [4]. يُقَال: شَمَّتُّ العَاطِسَ، وسَمَّتُّهُ - بالسِّين - (¬2) يَكُوْنُ مُشْتَقًّا مِنَ السَّمْتِ، وَهُوَ الوَقَارُ وَالجَلالةُ؛ لأنَّه توْقِيرٌ للعَاطِسِ وإِكْرَام لَهُ، وَمَنْ قَال شَمَّتُّهُ فاشْتِقَاقُهُ مِن أَشْمَتَتِ الإبِلُ: إِذَا سَمِنَتْ وَحَسُنَتْ حَالُهَا، فَهُوَ رَاجِع أَيضًا إلى مَعْنَى الإجْلالِ والإعْظَامِ، وإِلَيهِ ذَهَبَ ابنُ الأعْرَابِيِّ. وَقِيلَ: مَعْنَى التشمِيتُ: إِبْعَادُ الشَّمَاتَةِ، قَالهُ ثَعْلَب، وَقِيلَ: هُمَا وَاحِد؛ لأنَّ العَرَبَ قَد تُبْدِلُ الشِّينَ من السِّينِ فَيقُوْلُوْنَ: رَجُل جَعْسُوْس وَجَعْشُوْشٌ للحَقِيرِ (¬3). وَقَال الفَارِسِيُّ: السِّينُ هِيَ الأصْلُ، والشِّينُ بَدَلٌ مِنْهَا. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: إِنَّ العَاطِسَ إِذَا عَطَسَ انْتَفَشَ وتَغَيَّرَ وَجْهُهُ، وَإِذَا دَعَا لَهُ فَكَأَنَّهُ أَعَادَهُ إِلَى سَمْتِهِ وَهَدْيِهِ. وقَال ابنُ جِنِّي (¬4): لَوْ جَعَلَ فَاعِلُ الشِّين أَصْلًا وَأَخَذَهُ مِنَ الشَّوَامِتِ وَهِيَ القَوَائِمُ لَكَانَ وَجْهًا صَحِيحًا؛ وذلِكَ أَنَّ القَوَائِمَ هِيَ الَّتِي تَحْمِلُ الفَرسَ وَبِهَا عَظَمَتُهُ فَكَأَنَّهُ إِذَا دَعَا لَهُ فَقَدْ ثَبَّتَ أَمْرَهُ، وأَنْهَضَهُ وأَحْكَمَ دَعَائِمَهُ وأَنْشَدَ (¬5): ¬
[ما جاء في الصور والتماثيل]
* طَوع الشَّوَامِتِ مِنْ خَوْفٍ وَمِن صُرَدِ * وهَذِه الأقْوَالُ قَرِيبٌ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، وأَوْضَحُهَا قَوْلُ مَنْ قَال: مَعْنَى شَمَّتَ: أَبْعَدَهُ عَنِ الشَّمَاتَةِ، وَذلِكَ أَنَّ العَرَبَ كَانُوا يتشاءَمُوْنَ بالعُطَاسِ وَيَسُبُّوْنَ العَاطِسَ إِذَا عَطَسَ، فَأُمِرَ النَّاسُ بِحُسْنِ الأدَبِ، وأَنْ يَجْعَلُوا مَكَانَ الدُّعَاءِ عَلَيهِ دُعَاءٌ لَهُ، وأُمِرَ العَاطِسُ بِأَنْ يَدْعُوَ بالمَغْفِرَة لِمَن يَسْمَعُهُ، كَمَا يَقُوْلُ الرَّجُلُ لِمَن أَشْمَتَهُ: غَفَوَ اللهُ لَكَ، ولأجْلِ هَذَا لَمْ يؤمَرْ بِتشمِيتِهِ بَعْدَ الثَّلاثِ؛ لأنَّ العَرَبَ إِنَّمَا كَانُوا يُرَاعُوْنَ العَطَسَاتِ الثَّلاثِ، وَلَا يَلْتَفِتُوْنَ إِلَى مَا فَوْقَهَا. أَمَّا أَمْرُ العَاطِسِ بالتَّحْمِيدِ فَلأنَّ جُهَّال العَرَبِ كَانُوا يَعتَقِدُوْن في العطَاسِ أَنّه دَاءٌ؛ وَلِذلِكَ صَاغُوْهُ صيغَةَ الأدْوَاءِ كَالبُوَالِ والدُّوارِ والنُّحَازِ (¬1)، وكَانَ الرَّجُلُ مِنْهُم يَحْبِسُ نَفْسَهُ عَنِ العُطَاسِ لِئَلَّا يَأتِيَ بِمَا يتشاءمُ بِهِ فيُسَبُّ عَلَيهِ، فَأُعْلِمُوا أَنّه لَيسَ بِدَاء وَلَا شَيءٍ يُكْرهُ، وأَنّهُ نِعْمَةٌ مِنْ نعَمِ اللهِ الَّتِي يَجِبُ عَلَى الإنْسَانِ أَن يَحْمَدَهَا، وَلَوْ كَانَ ذلِكَ مَكْرُوْهًا لَم يَجِبْ تَرْكُ الحَمْدِ؛ لأنَّه يُحْمَدُ علَى المَكْرُوْهِ والمَحْبُوبِ، والعُلَمَاءُ قَدْ اعْتبَرُوا العُطَاسَ فَوَجَدُوْهُ دَوَاءً لَا دَاءَ فيهِ؛ لأنَّها رِيحٌ مُخْتَفِيَةٌ في الجِسْمِ (¬2) تَخْرجُ، وَمِنْ خَاصَّتِهِ فتْحُ سَدَد الكَبِد. [مَا جَاءَ في الصُّوَرِ وَالتَّمَاثِيلِ] - و [قوْلهُ: "فَعَرَفت في وَجْهِهِ الكَرَاهِيةَ"] [8]، . يُقَال: كَرَاهَةٌ وكَرَاهِيَةٌ. وَصُوَرٌ وَصِوَرٌ بِضَمِّهَا وكَسْرِهَا. ¬
[ما جاء في أمر الكلاب]
[مَا جَاءَ في أمْر الكِلاب] قَال عَلِيُّ بنُ أَبي طَالِبٍ: "الحِنُّ: الكِلابُ المَعيّنة، قَال القُتَبِيُّ: المعيّنةُ: هِيَ التِي يُرى فوق عَينَيهَا كالعُيُوْنِ، وأَكْثَرُ مَا يَكُوْنُ ذلِكَ في السُّوْدِ، وَقَال ابنُ عَبَّاسٍ: الجِنُّ السَّوْدُ مِنَ الكِلابِ. والحِنُّ -بِحَاءٍ مِهْمَلَة - البُقْعُ مِنْهَا. وقِيلَ: الحِنُّ: سَفَلَةُ الجِنِّ، ذَكَرَهُ المُطَرِّز (¬1). قَال الخَلِيلُ (¬2): الحِنُّ: حَيٌّ مِنَ الجِنِّ، [يُقَالُ] مِنْهُم الكِلابُ [السُّوْدُ] البُهْمُ، يُقَالُ: كَلْبٌ حِنِّيٌّ. واعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مُتَمَرد مِنَ الإنْسِ أَو الجنِّ (¬3)، أَوْ مَا يُرَى مِنْ أَصْنَافِ الحَيَوَانِ فَهُوَ شَيطَانٌ، وتَحْتَمِلُ تَسْمِيَةُ الكَلْبِ الأسْوَدِ شَيطَانًا وَجْهًا آخرَ وَهُوَ أَنَّ الشَّيَاطِينَ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تُتَصَوَّرَ لِلنَّاسِ في صُوَرٍ شَتَّى فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُوْنَ أَكْثَرُ تَصَوُّرُهَا فِي صُوْرَةِ الكَلْبِ الأسْوَدِ. قَال أَبُو جَعْفَر المَنْصُوْرُ (¬4) لِعَمْرِو بنِ عُبَيدٍ (¬5): ¬
[ما جاء في أمر الغنم]
مَا بَلَغَنَا في الكِلابِ [قَال: ] فَحَدَّثْتُهُ حَدِيثَ ابنِ عُمَرَ: "مَن اقْتَنَى كَلْبًا ... " الحَدِيثُ، فَقَال لَهُ المَنْصُوْرُ: لِمَ قَال هكِذَا الحَدِيثُ؟ قَال: خُذْهَا بِحَقِّهَا؛ إِنَّمَا ذلِكَ لأنَّه يَنْبَحُ الضَّيفَ، ويُرَوِّعُ السَّائِلَ. [مَا جَاءَ في أمْرِ الغَنمِ] -[قَوْلُهُ]: "رَأسُ الكُفْرِ نَحْوَ المَشْرِقِ" أَرَادَ: الفُرْسَ، وَمَنْ كَانَ فِي شِقِّهِمْ مِنَ العَجَمِ؛ لأنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ كِتَابٌ وَلَا شَرِيعَةٌ مِنْ قِبَلِ نَبِيٍّ، إِنَّمَا كَانَ صَاحِبُهُمْ زَرَادِشْتُ ادَّعَى فِيهِمُ النُّبُوَّةَ، وأَصَّلَ لَهُمْ أُصُوْلًا فَاسِدَةَ مِنْهَا القَوْلُ بِخَمْسَةِ أَشْيَاءٍ قَدِيمَةِ لَمْ تزَلْ: "أَزدمن" يعني الله، و"أهدمن" يعني إبْلِيسَ، و"حام" وهو الزَّمَانُ، و"كام" وهو المَكَانُ، و"نوم" وهو الجَوْهَرُ. وَقَدْ قِيلَ إِنَّه كَانَ نَبِيًّا، وإنَّ أَتْبَاعَهُ غَيَّرُوا شَرِيعَتَهُ كَمَا غَيَّرَ (¬1) اليَهُوْدُ والنَّصَارَى شَرَائِعَ أَنْبِيَائِهِمْ. -[قَوْلُهُ: "والفَخرُ والخيَلاءُ"]. الخِيَلاءُ والخُيَلاءُ، بِكَسْرِ الخَاءِ وضَمهَا، والضَمّ أَفْصَحُ. -[قَوْلُهُ: "والفَدادِينَ أهْل الوَبَرِ"]. قَال الأصْمَعِيُّ (¬2): الفَدَّادُوْنَ هُمُ ¬
الذِينِ تَعْلُوا أَصْوَاتُهُم في حُرُوبهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ وأَمْلاكِهِمْ وَمَا يُعَالِجُوْنَ مِنْهَا، وَكَذلِكَ قَال الأحْمَر، يُقَالُ: فَدَّ الرَّجُلُ يَفُدَّ فَهُوَ فَدَّا [دٌ]، إِذَا اشتَدَّ صَوْتُهُ، وأَنْشَدَ: نُبِّئتُ أَخْوَالِي بَنِي يَزيدُ ... ظُلْمًا عَلَينَا لَهُمُ فَدِيدُ جَعَلَ "يَزِيدُ" في حُكْمِ الجُمْلَةِ، وأَضْمَرَ فيه فَاعِلًا فَحَكَاهُ كَمَا تُحْكَى الجُمَلُ. ويُرْوَي "تَزِيدُ" وَ"قَدِيدُ" وَقِيلَ الفَدَّادُوْنَ: المُكْثِرُوْنَ مِنَ الإبِلِ الَّذِينَ يَمْلِكُ أَحَدُهُمُ المِئِينَ مِنْهَا إِلَى الألْفِ يُقَالُ لَهُ: فَدَّاد إِذَا بَلَغَ ذلِكَ، وَمِنْهُ الحَدِيثُ: "أنَّ الأرْضَ إذَا دُفِنَ فِيهَا الإنْسَانُ قَالتْ لَهُ: رُبَّمَا مَشَيتَ عَلَيَّ فَدَّادًا، ذَا (¬1) مَالٍ كثير وَذَا خُيَلاء". وَكَانَ أَبُو عَمْرٍو الشَّيبَانِيُّ يَرْويهِ: "إنَّ الجَفَاءَ والقَسْوَةَ في الفدَادِين" ¬
بتَخْفِيفِ الدَّالِ جَمْعُ فَدَّادٍ مُشَدَّدًا عَلَى التَّكْسِيرِ، وَهِيَ الثيرانُ التِي تَحُرثُ، يُقَالُ: أَصْحَابُهَا أَصْحَاب جَفَاءٍ. قَال أَبُو عُبَيدٍ (¬1): لَمْ تَعْرفِ العَرَبُ "الفَدَّادِين" وإنَّمَا كانَتْ لِلروْمِ وأَهْلِ الشَّامِ، وَإِنَّمَا افْتُتِحَتِ الشَّامُ بَعْدَ النَّبِي [- صلى الله عليه وسلم -]. - وَ [قَوْلُهُ: "والسَّكِينة فِي أهْلِ الغَنمِ"]. السَّكِينَةُ: الوَقَارُ، مُشْتَقَّةٌ مِن السُّكُوْنِ. - و [قَوْلُهُ "يُوْشِكُ أنْ يَكُوْنَ خَيرَ مَالٍ"] [16] مَعْنَى يُوْشِكُ: يَقْرُبُ. - و [قَوْلُهُ "شُعَبِ الجِبالِ"]. شُعَبُ الجِبَالِ: جَمْعُ شُعْبَةٍ، وَهِيَ طَرَفُ الجَبَلِ، ويُرْوَى: "شَعَفُ" -بالفَاءِ (¬2) - وَهِيَ رَءُوْسُ الجِبَالِ وأَعَالِيهَا، وَاحِدُهَا شَعَفَةٌ كَأكَمَةٍ وَأَكَمٍ، وَهَذَا رَوَاهُ أَكْثَرُ رُوَاةِ "المُوَطَّأ" ويُرْوَى: "شِعَافُ" وَهُوَ أَيضًا جَمْعُ شَعَفَةٍ كَأكَمَةٍ وَإكَامٍ (¬3). - و [قَوْلُهُ "أنْ تُؤْتى مَشْرُبته"] [17] المَشْربَةُ والمَشْربَةُ -بِضَمِّ الرّاءِ وفَتْحِهَا-: الغُرْفَةُ. - و [قَوْلُهُ "فَينتَقِلَ طَعَامُهُ"]. كُلُّ مَأْكُوْلٍ أَوْ مَشْرُوْب فَاسْمُ الطَّعَامِ وَاقعٌ عَلَيهِ، وأَطْعَامٌ جَمْعُ أَطْعِمَةٍ، وأَطْعِمَةٌ جَمْعُ طَعَامٍ، كَمَا تَقُوْلُ: أُعْطِيَاتُ الجُنْدِ وأُجْهِزَاتُ الجُنْدِ. جَمعُ جَهَازٍ وَعَطَاءٍ. ¬
[ما يكره من الأسماء]
[مَا يُكْرَهُ مِنَ الأَسمَاءِ] - و [قَوْلُهُ: ] "لِلَقَحَةٍ [تُحْلَبُ"] [24]. هَذِهِ اللامُ هِيَ التِي تُسْتَعْمَلُ بِمعْنَى "مِنْ أَجْلِ" كَقَوْلكَ: فَعَلْتُ ذلِكَ لَكَ أَي: مِنْ أَجْلِكَ، وَلَيسَتْ كَاللامِ في قَوْلكَ: قُلْتُ لَهُ كَذَا. - و [قَوْلُهُ "مِنَ الحُرَقَةِ"] [25]. الحُرَقَةُ: قَبِيلَةٌ مِنْ جُهَينَةَ (¬1). - وَقَوْلُه: "بِحَرَّة النارِ (¬2) ". حَرّةُ النَارِ: مَوْضِعٌ بِنَاحِيَةِ حُنَينٍ. [مَا جَاءَ في الحِجَامَةَ وَأجْرَةِ الحَجَّامِ] -[قَوْلُهُ: "أعْلِفْهُ نُضَّاحَكَ يَعْنِي رَقِيقَكَ"]. النَّاضِحُ: الجَمَلُ الَّذِي يُسْتَقَى بِهِ وَجَمْعُهُ: نُضَّاحٌ وَنَوَاضِحٌ، والناضِحُ -أَيضًا-: الرَّجُلُ الَّذِي يَسْقِي النَّخْلَ، وَعَلَى هَذَا قَال في تَفْسِيرِهِ: "يَعني رَقِيقَكَ" وَقَدْ رَوَاهُ ابنُ بُكَيرٍ: "نُضَّاحَكَ وَرَقِيْقَكَ" فَيَجُوْزُ في هَذِهِ الرِّوَايَةُ فَتْحُ النُوْنِ فَيَكُوْنُ اسْمًا مُفْرَدًا بِمَعْنَى نَاضِحٍ، وَجَاءَ عَلَى وَزْنِ "فَعَّالٍ" للمُبَالغَةِ كَضَرَّابٍ وَقَتَّالٍ، وَلَا يَجُوْزُ في رِوَايَةِ يَحْيَى غيرُ ضَمِّ النُّوْنِ؛ لأنَّهُ جَمْعٌ. وَيُقَالُ: عَلَفَ يَعْلَفُ هَذَا هُوَ المَشْهُوْرُ، وَحَكَى الزَّجَّاجُ (¬3): أَعْلَفْتُ الدَّابَةُ رُبَاعِيًّا. وَكَانَ الأصْمَعِيُّ لَا يُجِيزُ ذلِكَ. ¬
[ما جاء في المشرق]
[مَا جاءَ في المَشْرِقِ] -[قَوْلُهُ: "هَا إنَّ الفِتْنة هاهُنا" [29]. لأنَّ البِدع إِنَّمَا ظَهَرَ أَكْثَرُهَا مِنْ نَاحِيَةِ المَشْرِقِ. وفِي الخَبَرِ: "إِنَّه سَيَخْرُجُ مِنْ نَاحِيَةِ المَشْرِقِ رَجُلٌ يَدَّعِي النبوَّةِ يَدْعو النَّاسَ إِلَى عِبَادَةِ الشَّمْسِ، والمُنَجِّمُوْنَ يَزْعُمُوْنَ أنهُ يَظْهَرُ مِن نَاحِيَةِ بَابل بَعْدَ خَمْسِمَائَةِ سَنَةٍ وثَمَانِ عَشْرَةَ سَنَةٍ شَمْسِيَّةٍ من الهِجْرَةِ (¬1). - و [قَوْلُهُ "مِن حَيثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيطَانِ"]. قَرْنُ الشَّيطَانِ: أُمَّةٌ تَعْبُدُ الشَّمْسِ مِنْ دُوْنِ اللهِ، وَكَذلِكَ قَوْلُهُ: "تَطْلُعُ بَينَ قَرْنَي شَيطَانٍ" إِنَّمَا أَرَادَ: أُمَّتينِ تَعْبُدَانِ الشَّمْسَ، وَمَنْ عَبَدَ غَيرَ اللهِ فَإِنمَا عَبَدَ الشَّيطَانَ. وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَرْنهِ حَزَبَهُ دُوْنَ مَنْ يَعْبُدُهُ؛ لأنَّ البَلاءَ يَأْتِي مِنْ قِبَلِ المَشْرِقِ وَفِيهِ تُبْعَثُ الشَّيَاطِينُ وتَنْتَشِرُ، وَلِذلِكَ قَال (¬2) [تَعَالى]: (¬3): {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ}. - و [قَوْلُهُ "وَبِهَا فَسَقَةُ الجِنِّ"] [30]. فَسَقَةُ الجِنِّ: مَرَدَتُهُمْ، ويُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ: دُهَاةَ الرِّجَالِ، وَرُؤِيَ الفِسْقُ والنَّكَارَةُ مِنْهُمُ. وَالعَرَبُ تُسَمِّيهِمْ جِنًّا وشَيَاطِينَ، وتُسَمِّي العَرَبُ أَيضا ذَا الأخْلاقِ الرَّدِيئَةِ جِنًّا وَشَيَاطِينَ، قَال الشَّاعِرُ (¬4): ¬
[ما جاء في قتل الحيات ... ]
فَمَا نَفَرَتْ جِنِّي وَلَا فُلّ مِبْرَدِي ... وَلَا أَصْبَحَتْ طَيرِي مِنَ الخَوْفِ وَقعًا وتُسَمِّي المَلائِكَةَ جِنًّا وجِنَّةً. - و [قَوْلُهُ "وَبِهَا الدَّاءُ العُضَالُ"]. يُقَالُ دَاءٌ عُضَالٌ، وعُقَامٌ، وعَقَام، ونَاجِسٌ، ونَجِيسٌ: إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ دَوَاءٌ. [مَا جَاءَ في قَتْلِ الحَيَّاتِ ... ] -[قَوْلُهُ: "إلا ذَا الطُّفْيتينِ وَالأبْتَرُ"] [32]. ذُو الطُّفْيَتينِ هُوَ الَّذِي في ظَهْرِهِ خَطَّانِ أَسْوَادَانِ. وأَصْلُ الطُّفْيَةِ: خُوْصَةُ المُقْلِ شُبِّهَ بِهَا الخَطُّ الَّذِي في ظَهْرِهِ. -[قَوْلُهُ: "قَتْل الجِنان "]. الجِنَانُ: حَيَّاتٌ رِقَاقٌ خِفَافٌ، وَاحِدُهَا جَانٌّ. - و [قَوْلُهُ: "فَإنَّمَا هوَ شَيطَانٌ"] [33] أَي: إِنَّ الشَّيطَانَ يتصَوَّرُ بِصُوَرِ الحَيَّاتِ، والعَرَبُ تُسَمِّي الحَيّةَ الخَفِيفَةَ الجِسْمِ شَيطَانًا، وَبِهِ فُسِّرَ قَوْلُهُ [تَعَالى] (¬1): {كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ}. - قِيلَ لِعَاصِمٍ (¬2) في مَعْنَى الحَوْرِ بَعْدَ الكَوْنِ فَقَال: ألمْ تَسْمَعْ قَوْلَهُمْ: "حَارَ ¬
[ما يؤمر به من الكلام في السفر]
بَعْدَمَا كَانَ"؟ أَي: كَانَ عَلَى حَالةٍ جَمِيلَةٍ فَحَارَ عَنْ ذلِكَ أَي: رَجَعَ. وَهَذَا تَصْحِيفٌ إِنَّمَا هُوَ الكَوْرُ بالرَّاءِ يُقَالُ: كَارَ الرَّجُلُ عِمَامَتَهُ: إِذَا أَدَارَهَا عَلَى رَأْسِهِ، وَحَارَ: إِذَا نَقَضَهَا، وَهَذَا الدُّعَاءُ يَتَصَرَّفُ في مَعَانٍ كَثيرةٍ؛ كَالضَّلالِ بَعْدَ الهُدَى، والشَرِّ بَعْدَ الخَيرِ، والفَقْرِ بَعْدَ الغِنَى، والنُّقْصَانِ بَعْدَ الزِّيَادَةِ، وَذَكَرَ يَعْقُوْبُ بنُ السِّكِّيتِ (¬1) أنّهُ بالرَّاءِ، فَقَال: نَعُوْذُ بالله مِنَ الحَوْرِ بَعْدَ الكَوْرِ، يُرِيدُ مِنَ النُّقْصَانِ بَعْدَ الزِّيَادَةِ. وَقَال: ويُقَالُ: إِنَّ مَعْنَاهُ: القِلَّةُ بَعْدَ الكَثرةِ. [مَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنَ الكَلامَ فِي السَّفَرِ] - و [قَوْلُهُ "إِذَا وَضَعَ رِجْلَهُ في الغَرْزِ"] [34] الغَرْزُ لِلنَّاقةِ مِثْلُ الرِّكَابِ لِلْفَرَسِ. والوَعْثَاءُ (¬2): المَشَقَّةُ والصعُوْبَةُ، وأَصْلُهُ مِنْ وَعَثَ الرَّمْلِ، وَهُوَ الَّذِي تَسُوْخُ (¬3) فِيهِ الأقْدَامِ لِلِينهِ فَيَتَعَذَّرَ عَلَى المَاشِي رُكُوْبُهُ. -[قَوْلُهُ: "وَكآبة المُنْقَلَبِ"]. أَنْ يَرْجِعَ مِنْ سَفَرِهِ كَئِيبًا لَمْ يَبْلُغْ مَا أَرَادَ (¬4). والمُنْقَلَبُ: مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الانْقَلابِ، كالمُنْطَلَقِ بِمَعْنَى الانْطِلاقِ. وَ"سُوْءُ ¬
[ما جاء في الوحدة في السفر للرجال والنساء]
المَنْظَرِ" رُؤْيَةُ مَا لَا يَسُرُّ. -[قَوْلُهُ: "بِكَلِمَاتِ الله التَّامَّاتِ"]. التَّامَّاتُ: صِفَةٌ يُرَادُ بِهَا المَدْحُ، وَلَا يُرَادُ بِهَا الفَرْقُ بَين مَوْصُوْفَينِ أَحَدُهُمَا تَامٌّ والآحرُ نَاقِصٌ؛ لأنَّ كَلِمَاتُ اللهُ لَا نَقْصَ في شَيءٍ مِنْهَا، وإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلهِ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، وَ [قَوْلُهُ تَعَالى] (¬1): {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا} ونَحْوهَا مِنَ الصفَاتِ الَّتِي يُرَادُ بِهَا المَدْحُ أَو الذَّمُّ لَا الفَرْقَ، وَكَذلِكَ قَوْلُهُ [تَعَالى] (¬2): {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} لأنَّهُ لَمْ يُفْرَضْ عَلَى الخَلْقِ صَوْمُ الشَّهْرِ الَّذِي أُنْزِلَ فيهِ القُرْآن دُوْنَ غَيره. [مَا جَاءَ في الوحْدَةِ في السَّفَرِ للرِّجَالِ والنِّسَاءِ] -[قَوْلُهُ: "الرَّاكِبُ شَيطَانٌ"] [35]. وَلَمَّا كَانَتِ الوحْدَةُ مِنْ مَقَابِحِ الأخْلاقِ التِي تَدُلُّ عَلَى [ ... ] (¬3) وبُغْضِ النَّاسِ والحَسَدِ، بِضِدِّ الألْفَةِ التِي هِيَ مِنْ مَحَاسِنِ الأخْلاقِ. وَكَانَتْ الصِّفَاتُ القَبِيحَةُ تُنْسَبُ إِلَى الشَّيَاطِينِ، وَمَنُ تَخَلَّقَ بِأخلاقِهِم كَانَ بِمَنْزِلَتِهِمْ، هَذَا وَجْهٌ. وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ العَربَ كَانَتْ تُسَمِّي كُل مَنْ ألفِ القِفَارَ واعْتزلَ النَّاسَ جِنِّيًّا وشَيطَانًا. - وَرَوَى حَدِيثَ أبِي هُرَيرَةَ [37] "لَا يَحِلُّ لامْرَأةٍ تُؤمنُ بالله واليَوْمِ الآخِرِ أنْ تُسَافِرَ بَرِيدًا" وَرُويَ "يَوْمَينِ"] وَرُويَ "ثَلاثَةُ أيَّامٍ"] وَرُويَ: "ثَلاثَةُ أيَّامٍ ¬
فَصَاعِدًا" وَرُويَ بِغَيرِ تَحْدِيدٍ. -[قَوْلُهُ: "مَا لَا يُعِينُ عَلى العُنْفِ"] [38] العُنْفُ -بِضَمِّ العَين-: الجَفاءُ، وَهُوَ ضِدُّ الرِّفْقِ. - وَ [قَوْلُهُ: "وإيَّاكمْ والتَّعْرِيسَ عَلَى الطَّرِيقِ"]. التَّعْرِيسُ: أَنْ يَنْزِلَ المُسَافِرُ نَزْلَةً خَفِيفَةً آخرَ اللَّيلِ. - وَذَكَر قَوْلَهُ: "أعْطُوا الرُّكُبَ -بِضَمِّ الرَّاءِ والكَافِ- أسِنّتَهَا"، فالرُّكُبُ المَذْكُوْرِ: جَمْعُ رِكَابٍ كَكِتَابٍ وَكُتُب، وَهِيَ الإبِلُ الَّتِي تُرْكَبُ، وَأَصْلُهَا، رُكُبٌ ثُمَّ سُكِّنَت تَخْفِيفًا كَحُمُرٍ وحُمْرٍ، وعُنُقٍ وعُنْقٍ، وكَذلِكَ كُلُّ ضَمَّتينِ تَوَالتَا في كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّ حَذْفَ الضَّمَّةِ الثَّانِيَةِ جَائِزٌ. وَوَاحِدُ الرِّكَابِ: حَمُوْلَة مِنْ غَيرِ لَفْظِهَا. وَقِيلَ. رَكُوْبَةٌ. وَقَال أَبُو عُبَيدٍ (¬1): وَالأسنَّةُ جَمْعُ أَسنَانٍ، والأسْنَانُ جَمْعُ سِنٍّ، وَمَا قَالهُ غَيرُ صَحِيحٍ؛ لأنَّ الجَمْعَ إنَّمَا جُمِعَ لِيُكَثَّرَ، وأَفْعَلَةٌ جَمْعٌ لأقَلِّ العَدَدِ فَلَا يَجُوْزُ أَنْ يُكَثِّرَ بِهِ، ولأنَّ أَفْعَالًا لَا تُجْمَعُ عَلَى أَفْعِلَةٍ إِنَّمَا تُجْمَعُ إِذَا أُرِيدَ تكثيرُهَا عَلَى أَفَاعِيلَ (¬2) ¬
[ما جاء في المملوك وهبته]
كَأَقْوَالٍ وأَقَاويلَ، وأَنْعَامٍ وأَنَاعِيمَ. وَقَال أَبُو سَعِيدٍ الضرِيرُ (¬1): الأسِنَّةُ جَمْعُ سِنَانٍ، والعَرَبُ تَقُوْلُ: "الحَمْضُ يَسِنُّ الإبِل عَلَى الخَلَّة"] أَي: يُقَوِّيهَا ويُشَهِّيهَا، والسِّنَانُ: الاسْمُ [مِنْ سَنَّ يَسِنُّ] (¬2)، وَهُوَ القُوَّةِ. و"الحَمْضُ" مَا مَلُحَ مِنَ النَّبَاتِ. و"الخَلَّةُ" مَا خَلا مِنْهَا. و"النِّقْيُ": المُخُّ، أَنْقَى العَظْمَ: إِذَا صَارَ فِيهِ مُخٌ. والدَّوَابُّ: تَنْشَطُ لِسَيرِهَا باللَّيلِ أَكْثرُ مِنْ سَيرِهَا بالنَّهَارِ، وَكَذلِكَ أَصْحَابُهَا؛ وَذلِكَ لِبَرْدِ اللَّيلِ وحَرِّ النَّهَارِ، وَلِذلِكَ قَال: "فَإِنَّ الأرْضَ تُطْوَى بالليلِ ... " الحدِيثُ. [مَا جَاءَ في المَمْلُوْكِ وهِبتَهِ] -[قَوْلُهُ: "تَجُوْسُ النَّاسَ"] [44] جَاسَ وحَاسَ لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَطِئُوْا، يُقَال: جَاسَتْهُمْ الخَيلُ، وَسَمِعَ أَبُو زَيدٍ أَبَا سِوَارٍ الغَنَويُّ [يَقْرَأُ]: {فَحاسُوا خِلَال الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا} (¬3) فَأنكرَ عَلَيهِ فَقَال: هُمَا بِمَعْنى وَاحِدٍ: وَرَوَاهُ ابنُ كِنَانَةَ (¬4) عَنْ مَالِكٍ: ¬
"تَسُق النَّاسَ" مَكَانَ "تَجُوْسُ". وَمَعْنَى باءَ (¬1): احْتَمَلَ: [قَال تَعَالى] (¬2): {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ} أَي: تَحْتَمِلَ. "فَإنَّ الدَّهْرَ هُوَ الله" أَي: إِنَّ الدَّهْرَ لَا يَفْعَلُ شَيئًا، والفِعْلُ كُلُّه إِنَّمَا هُوَ للهِ فَمَنْ سَبَّ الدَّهْرَ فَإِنَّمَا يَسُبُّ اللهَ الَّذِي يُصَرِّفُهُ. وسَمِعَ زِيَادٌ (¬3) رَجُلًا يَسُبُّ الزَّمَانَ فَقَال: لَوْ تَدْرِي مَا الزَّمَانُ لَضَرَبْتُ عُنُقَكَ، إِنَّمَا الزَّمَانُ هُوَ السُّلْطَانُ. وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يُرَادُ بِذَمِّ الدَّهْرِ ذَمُّ أَهْلِهِ كَمَا يُقَالُ: لَيل قَائِم ونَهَار صَائِمٌ، وَإِنَّمَا الصَّائِمُ القَائِمُ أَهْلُهُ. ¬
[كتاب الكلام]
[كِتابُ الكلامِ] (¬1) [مَا يُكْرَهُ مِنَ الكَلامِ بِغَيرِ ذِكْرِ اللهِ] قَدِمَ الزِّبْرِقَانُ (¬2) وعَمْرُو بنُ الأهْتَمِ (¬3) عَلَى رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَال الزِّبْرِقَانُ: يَا رَسُوْلَ الله أَنَا سَيِّدُهُمُ، والمُطَاعُ فِيهِمْ، آخُذُ لَهُمْ بِحَقِّهِمْ، وأَمْنَعُهُمْ عَنْ الضِّيمِ، وَهَذَا يَعْلَمُ ذلِكَ -يَعْنِي: عَمْرًا-، فَقَال عَمْرٌو: أَجَلَ يَا رَسُوْل اللهِ، إِنَّهُ لَمَانَعٌ لِحَوْزتهِ، مُطَاعٌ في عَشِيرَتِهِ، شَدِيدُ العَارِضَةِ فِيهِمْ، فَقَال الزِّبْرَقَان: أَمَا إِنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ، وَلِكِنَّهُ حَسَدَنِي شَرَفِي. فَقَال عَمْرٌو: أَمَّا ¬
لَئِنْ قَال مَا قَال: فَمَا عَلِمْتُهُ إلَّا ضَيِّقَ العَطَنِ، زَمْرَ المُرُوْءَة (¬1)، أَحْمَقَ الأبِ، لَئِيمَ الخَال، حَدِيث الغِنَى. فَرَأَى الكَرَاهِيَةَ فِي وَجْهِ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَال: يَا رَسُوْل - صلى الله عليه وسلم - رَضِيتُ فَقُلْتُ أَحْسَنَ مَا عَلِمتُ، وَسَخِطْتُ فَقُلْتُ أَقْبَحَ مَا عَلِمْتُ، وَمَا كَذَبْتُ في الأوْلَى، وَلكِنْ صَدَقْتُ في الأُخْرَى. فَقَال رَسُوْل اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. "إنَّ مِنَ البيَانِ لَسِحْرًا، وإِنَّ مِنَ الشِّعْرِ لَحِكْمَةً" (¬2). وَكَانَ عَمْرٌو مِمَّنْ جُمِعَ لَهُ البَيَانُ نَثْرًا ونَظمًا، وَكَانَ يُقَال: كَأَنَّ كَلامَهُ وَشْيٌ مَحُوْكٌ، وَكَأنَّ شَعْرَهُ حُلَل مُنَشَّرَةٌ عِنْدَ المُلُوْكِ (¬3)، وَهُوَ القَائِلُ (¬4): ¬
ذَرِيني فَإِنَّ البُخْلَ يَا أَمَّ مَالِكٍ ... لِصَالح أَخْلاقِ الرِّجَالِ سَرُوْقُ ذَرِيني وَحَظِّي في هَوَايَ فَإِنَّنِي ... عَلَى الحَسَبِ الزَّاكِي الرَّفِيع شَفِيقُ وَكُلُّ كَرِيم يتَّقي الذَّمَّ بالقِرَى ... وَلِلْخَيرِ بَينَ الصَّالِحِينَ طَرِيقُ لَعَمْرُكَ مَا ضَاقَتْ بِلادٌ بِأَهْلِهَا ... ولكِنَّ أَخْلاقَ الرِّجَالِ تَضِيقُ - وَقَوْلُهُ: "إِنَّ مِنَ البيَانِ لَسِحْرًا" [7]. كَلامٌ خَرَجَ مَخْرَجَ المَدْحِ، أَرَادَ مِنَ البَيَانِ مَا يَسْتَمِيلُ القُلُوْبَ كَمَا يَفْعَلُ السِّحْرُ، ويَدُلُّ عَلَى أَنّه مَدْحٌ قَوْلُهُ: "وإنَّ مِنَ الشِّعْرِ لَحِكْمَةً" وَهَذَا مَدْحٌ بِلا شَك، فَكَيفَ يَكُوْنَ نِصْفُهُ مَدْحًا ونصْفُهُ ذَمًّا؟ ! . وأَيضًا فَقَدْ رُويَ أَنَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيزِ قَال لِلْغُلامِ حِينَ قَال لَهُ: "إِنَّمَا المَرْءُ بِأَصْغَرَيهِ لِسَانِهِ وقَلْبِهِ، فَإِذَا مَنَحَ اللهُ عَبْدَهُ لِسَانًا لافِظًا وقَلْبًا حَافِظًا فَقَدْ أَجَادَ لَهُ الاخْتِيَارَ، وَلَوْ كَانَتِ الأموْرُ بالسِّنِّ لَكَانَ هاهنَا مِنْ هُوَ أَحْقُّ بِمَجْلِسِكَ مِنْكَ". فَقَال عُمَرُ: "قُلْ يَا بُنَيَّ فَهَذَا السِّحْرُ الحَلالُ"، فَوَصْفُهُ إِيَّاهُ بالحَلالِ دَلِيلٌ عَلَى أَنّه مَمْدُوْحٌ، ¬
[ما جاء فيما يخاف من اللسان]
وإِنَّ مِنَ السِّحْرِ مَا هُوَ مُسْتَحْسَنٌ، وَمِنْهُ مَا هُوَ مُسْتَقْبَحٌ. قَال ابنُ الرُّوْمِيِّ (¬1): وَحَدِيثها السَّحْرُ الحَلالُ لَوَنَّهُ ... لم يجِنْ قَتْلَ المُسْلِمِ المُتَحَرِّز إِنْ طَال لَمْ يُمْلَلْ وإِنْ هِيَ أَوْجَزَتْ ... وَدَّ المُحَدَّثُ أَنّهَا لَمْ تُوْجِزِ شَرَكُ العُقُوْلِ ونُزْهَةٌ مَا مِثْلُهَا ... لِلْمُطْمَئِنِّ وَعُقْلَةُ المُسْتَوفِزُ وَقَال أَبُو تَمَّامٍ (¬2) -يُخَاطِبُ مُحَمَّدَ بنَ يُوْسِفَ الطَّائِيَّ وَكَانَ سَألَهُ حَاجَةً فَمَنَعَهُ-: إِذَا مَا الحَاجَةُ انْبَعَثَتْ [يَدَاهِا] ... جَعَلَتَ المَنع مِنْكَ لَهَا عِقَالا فَأَينَ قَصَائِدٌ لِي مِنْكَ تأْبَى ... وَتأَنَفُ أَنْ أُهَانَ وأَنْ أُدالا هِيَ السِّحْرُ الحَلالُ لِمُجْتَنِيهِ ... وَلَمْ أَرَ قَبْلَهَا سحرًا حَلالا وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أن النَّبِيَّ [- صلى الله عليه وسلم -] إِنَّمَا قَال [هَذَا] في بابِ مَا يُكرَهُ مِنَ الكَلامِ. [مَا جَاءَ فِيمَا يُخَافُ مِنَ اللسَانِ] -[قوله: "فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[11] وَجْهُ سُكوْتِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَن إِجَابَةِ السَّائِلِ لِيُصْغِي الحَاضِرُوْنَ إِلَى جَوَابِهِ، ويَهَشُّوا لِمَعْرِفَةِ الاثْنَينِ؛ لأنَّ الشَّيءَ إِذَا أُبْهِمَ كَانَتِ النُّفُوْسُ أَحْرَصَ عَلَى مَعْرفتِهِ، وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ [- صلى الله عليه وسلم -]: "أيُّ يَوْمٍ هَذَا، أيُّ شَهْرٍ هَذَا" وَرَوَاهُ يَحْيَى. "لَا تُخبِرْنَا" وتَبِعَهُ ابنُ القَاسِمِ. كَأنَّ السَّائِلَ ¬
[ما جاء في الصدق والكذب]
أَرَادَ أَنْ يَتْرُكَهُمْ يُفكِّرُوْنَ في الاثْنَيْنِ مَا هُمَا. والوَجْهُ في "تُخْبِرُ" أَنْ يَكُوْنَ: لاَ تُخْبِرُنَا بِرَفْعِ الرَّاءِ عَلَى مَعْنَى العَرْضِ كَمَا يُقَالُ فِي التَّقْدِيْرِ: أَمَا تَرَى، ورُبَّمَا حَذَفُوا الهَمْزَةَ فَقَالُوا: مَا تَرَى وَهِيَ لُغَةٌ ضَعِيْفَةٌ، والمَشْهُوْرُ بالهَمْزِ، أَو يَكُوْنَ مِنَ الأفْعَالِ الَّتِي تَرْفَعُ عَلَى مَعْنَى الإخْبَارِ، والمُرَادُ بِهَا الأمْرُ والرَّغْبَةُ، كَمَا تَقُوْلُ: يَرْحَمُ اللهُ زَيْدًا ويَغْفِرُ لَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ [تَعَالَى] (¬1): {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} وَمَنْ رَوَى "ألَا تُخْبِرُنَا" بِرَفْعِ الرَّاءِ فَهُوَ أَصَحُّ، وَيَكُوْنُ عَلَى مَعْنَى العَرْضِ والاسْتِدْعَاءِ كَقَوْلِكَ (¬2): "أَلاَ تَفْعَلُ، أَلاَ تَقْعُدُ، أَلاَ تَنْزِلُ" وَرُوِيَ: "ألَّا تُخْبِرُنَا" بِتشدِيْدِ اللاَّمِ، وَمَعْنَاهَا كَمَعْنَى "هَلاَّ" والهَمْزَةُ بدَلٌ مِنَ الهَاءِ، وَمَعْنَاهَا التَّحْضِيْضُ. - وَ [قَوْلُهُ: "وَهُوَ يَجْبِذُ لِسَانَهُ"] [12]. يُقَالُ: جَبَذَ الشَّيْءَ وَجَذَبَهُ: إِذَا مَدَّهُ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٌ "يَدْلَعُ لِسَانَهُ" أَيْ: يُخْرِجُ لِسَانَهُ، يُقَالُ: دَلَعَ الرَّجُلُ لِسَانَهُ وأَدْلَعَ: إِذَا أَخْرَجَهُ، وَدَلَعَ اللِّسَانُ نَفْسُهُ. [مَا جَاءَ في الصِّدْقِ والكَذِبِ] [قَوْلُهُ: "لَا خَيْرَ فيِ الكَذِبِ"] [15]. المَمْنُوْعُ مِنَ الكَذِبِ مَا كَانَ كَذِبًا عَلَى اللهِ [تَعَالَى] أَوْ عَلَى رَسُوْلهِ [صلى الله عليه وسلم]، أَوْ كَانَ فِيْهِ مَضَرَّةٌ عَلَى مُسْلِمٍ. أَذْكُرُ قِصَّةَ الحَجَّاجِ بنِ عِلاَطٍ (¬3) وإِسْلاَمَهُ وَقَوْلَهُ لأهْلِ مَكَةَ: أُخِذَ ¬
[ما جاء في إضاعة المال]
مُحَمَّدٌ أَسِيرًا. [مَا جَاءَ في إِضَاعَةِ المَالِ] - وَ [قَوْلُهُ: "وأنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله"] [20]. حَبْلُ اللهِ: القُرْآنُ، وَقِيلَ: الجَمَاعَةُ. - وَ [قَوْلُهُ: "قِيلَ وَقَال". قِيلَ: عِبَارَةٌ عَنْ كُلِّ قَوْلٍ لَمْ يُذْكَرْ صاحِبُهُ. وَقَال: عِبَارَةٌ عَنْ كُلِّ قَوْلٍ ذُكِرَ قَائِلُهُ، وَهُمَا فِعْلانِ مَاضِيَانِ مَحْكِيَّانِ، ومَنْ أَعْرَبَهُمَا جَعَلَهُمَا اسْمَينِ لِلْقَوْلِ، قَال (¬1): كَرِيمُ الفِعْلِ في بِدْءٍ وعَوْدٍ ... نَزِيهُ السَّمْعِ عَن قِيلٍ وَقَالِ - وَ [قَوْلُهُ: "إِضَاعَةِ المَالِ، وَكثرةِ السُّؤَالِ"]. في "إِضاعَةِ المَالِ" ثَلاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: تَرْكُ الإحْسَانِ إِلَى مَنْ تَمْلِكُهُ مِنَ الجِيرَانِ. والثَّانِي: تَرْكُ سِرِّ المَالِ والنَّظَرِ في إِصْلاحِهِ. والثَّالِثُ: إِنْفَاقُهُ عَنْ حَقِّهِ. وفِي "كَثرة السُّؤالِ" ثلاثةُ أَقْوَالٍ: ¬
أَحَدُهَا: قَوْلُهُ [تَعَالى]: (¬1) {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ} الآية. والثَّانِي: سُؤَالُ مَا في أَيدِي النَّاسِ. والثَّالثُ: النَّوَازِلُ والأغْلُوْطَاتُ. وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنّه قَال: أَمَّا "قِيلَ وَقَال" فَهِيَ الأخْبَارُ الَّتِي النَّاسُ فِيهَا. وَ"إِضَاعَةُ المَالِ" مَنْعُهُ مِنْ حَقِّه وَوَضْعُهُ في غَيرِ حَقِّهِ. وأَمَّا "كَثْرَةُ السُّؤَالِ" فَواللهِ مَا أَدْرِي مَا أَرَادَ إِنْ كَانَ سُؤال العَطَاءِ، أَوْ مَا أَنْتُم فِيه مِنْ كَثرةِ المَسَائِلِ. -[قَوْلُهُ: "إِذَا كَثرُ الخَبَثُ"]. قَال ابنُ وَهْبٍ: الخَبَثُ: أَوْلادُ الزّنَا. وَقَال ابنُ وَضَاحٍ (¬2). قَال (من): وَلَيسَ هَذَا بِشَيءٍ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ فَسَّرَ قَوْلَهُ [تَعَالى] (¬3): {خُذُوا زِينَتَكُمْ} أَنّه المِشْطُ، وَقَوْلُهُ [تَعَالى] (¬4): {أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} الرُّغُفُ الّتي يَحْمِلُهَا الصِّبْيَانُ (¬5) إِلَى المُعَلِّمِينَ، وَقَوْلُهُ تَعَالى (¬6): {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)} أنَّهُمُ الحَمَّالُوْنَ، ونَحْوَ ذلِكَ مِنَ التفسِيرِ الشَّاذِّ. ¬
[ما جاء في التقى]
[مَا جَاءَ في التُّقَى] -[قَوْلُهُ: "بَخٍ بَخٍ"]. يُقَالُ: بَخْ بَخْ، وبَخٍ بَخٍ، وبَخٍ بَخْ؛ بِتَسْكِينَ الخَائَينِ وتَنْوينهِمَا أَيضًا، وتَسْكِينِ الثَّانِيةِ للوَقْفِ وكَسْرِ الأوْلَى مَعَ التنوينِ، فإِذَا وَصَلْتَ الثَّانِيَةِ بِكَلامِ تَقِفُ عَلَيهِ كَسَرْتَهَا أَيضًا، فَتَقُوْلُ: بَخْ بَخٍ يَا هَذَا. وتَنْويهِمَا عِنْدَ النَّحْويِّينَ عَلامةٌ لِتنكِيرِهَا، وتَسْكِينُهَا عَلامةٌ لِتَعْرِيفِهِمَا، ويُقَالُ بَهْ بَهْ في مَعْنَاهُمَا.
[كتاب جهنم]
[كتابُ جَهَنَّمَ] (¬1) [مَا جَاءَ في صِفَةِ جَهَنَّمَ] -[قَوْلُهُ: "لَهِيَ أَسْوَدُ مِنَ القَارِ"] [2]. أَجْمَعَ الرُّوَاةُ عَلَى قَوْلهِ: "أَسْوَدُ" وإِنَّمَا الوَجْهُ لَهِيَ أَشَدُّ سَوَادًا، ونَظِيرُهُ قَوْلُ عُمَرَ: "فَهْوَ لِمَا سِوَاهَا أَضْيَعُ" والقِيَاسُ: أَشَدُّ إِضَاعَةٌ، وأَكَثْرُ مَا يَأْتِي مِثْلُ هَذَا في الشِّعْرِ كَقَوْلهِ (¬2): * أَبْيَضُ مِنْ أخْتِ بني أباضِ * وَقَال ذُو الرُّمَّةِ: وَمَا شَنَّتَا خَرْقَاءَ وَاهِيَةُ الكُلَى ... سَقَى بِهِمَا سَاقٍ وَلَمَّا تَبَلَّلا بِأضيَعَ مِنْ عَينَيكَ لِلْمَاءِ كُلَّمَا ... تَوَهَّمْتَ رَبْعًا أَوْ تَذَكَّرْتَ مَنْزِلًا -[قَوْلُهُ: "جَهَنَّمُ"]. النُّوْنُ زَائِدَةٌ، وَيَكُوْنُ وَزْنُهَا "فَعَيَّلًا" وَهَذَا بِنَاءٌ غَيرُ مَعْرُوْفٍ، والَّذِي عَلَيهِ الجُمْهُوْرُ إِنَّهُ اسمٌ أَعْجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ (¬3). ¬
[كتاب الصدقة]
[كِتَاب الصَّدقَة] (¬1) [الترْغِيبُ فِي الصَّدَقَةِ] -[قَوْلُهُ: "مَالٌ رَابِحٌ"] [2]. رَابِحٌ يَعُوْد عليه من هَيئَةِ الرِّبحِ، وهَذِهِ اللَّفْظَةُ تَجْري مَجْرَى النَّسَب كَقَوْلهِ [تَعَالى] (¬2): {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21)}، وإِلا فَكَان الوَجْهَ أَنْ يَقُوْلَ: مَرْبُوْحٌ. وَمَن رَوَى: "رَائِحٌ" أَرَادَ: يَرُوْحُ عَلَيكَ خَيرُهُ كَمَا تَرُوْحُ المَاشِيَةُ مِنَ المَرْعَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ الكَلامُ في قَوْلهِ: "يَا نِسَاءُ المُؤْمِنَاتِ". - وَ [قَوْلُهُ: "شَاةً وَكفَنها"] (¬3) [5]. كَانُوا يَسْلَخُوْنَ الشَّاةَ ويُلْبِسُوْنَهَا عَجِينًا ثُمَّ يُعَلِّقُوْنَهَا في التَّنُّوْرِ لئَلَّا يَسِيلَ مِنْ وَدَكِهَا شَيءٌ، وَكَانُوا رُبَّمَا عَلَّقُوا الشَّاةَ المَسْلُوْخَةَ في التَّنُّوْرِ دُوْنَ أَنْ يُلْبِسُوْهَا عَجِينًا وَوَضَعُوا ثَرِيدَةَ يَقْطُرُ فِيهَا شَحْمُهَا. [مَا جَاءَ في التَّعَفُّفِ عَنِ المَسْأَلَةِ] - وَقَوْلُهُ: "مَا يَكُوْنُ عِنْدِي مِنْ خَيرٍ"] [7]. رُويَ: "مَا يَكُنْ" بالجَزْمِ عَلَى مَعْنَى الشَّرْطِ. وَرُويَ: "مَا يَكُوْنُ" بالرَّفْعِ عَلَى أَنْ تكوْنَ "مَا" بِمَعْنَى "الَّذِي" وكِلاهُمَا صَحِيحٌ، إِلَّا أَنَّ الشَّرْطَ أَحْسَنُ ها هنَا، لِمَجِيءِ الشُّرُوْطِ المَذْكُوْرَةِ بغَيرِ هَاءٍ ¬
-[قوله]: "وَمَنْ يَسْتَعْفُّ يُعِفُّهُ اللهُ"] [7] بِرَفْعِ الفَاءِ وبضمِّهَا. - قَوْلُهُ: "لِيَأخُذُ" [10]. أَرَادَ: لأنْ يَأْخُذَ، فَلَمَّا حَذَفَ النَّاصِبَ رَفَعَ الفِعْلَ، ورُبَّمَا فَعَلَتِ العَرَبُ ذلِكَ إلَّا أنَّه قَلِيل، وَمِنْه (¬1): "تَسْمَعُ بالمُعَيدِي خَيرٌ مِنْ أَنْ تَرَاهُ" وَعَلَيهِ تُأُوِّلَ قَوْلُهُ [تَعَالى] (¬2): {تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ} وَقَوْلُ طَرَفَةَ (¬3): * ... أَخْضُرُ الوَغَى * ورُبَّمَا حَذَفُوا "أَنْ" وَتَرَكُوا الفِعْلَ مَنْصُوْبًا، وَلَا يُوْجَدُ ذلِكَ إِلَّا في الشِّعْرِ، وَعَلَى هَذَا رُويَ بَيتُ طَرَفَةَ: * ... أَخْضُرَ الوَغَى * بِنَصْبِ الرَّاءِ، وَمِنْهُ قَوْلُ عَامِرِ بنِ جُؤَينٍ الطَّائِيِّ (¬4): فَلَمْ أَرَ مِثْلَهَا خَبَاسَةَ وَاحِدٍ ... وَنَهْنَهْتُ نَفْسِي بَعْدَ مَا كِدْتُ أَفْعَلَهْ فَنَصَب "أَفْعَلَه". - قَوْلُهُ: "مِنْ حَاجَتِهِمْ" [11]. "مِنْ" ها هنَا زَائِدَةٌ، كَمَا تَقُوْلُ: مَا رَأَيتُ مِنْ رَجُلٍ، وَمَا جَاءَنِي مِنْ أَحَدٍ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ [تَعَالى] (¬5): {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ} فَتكوْنُ زِيَادَتُهَا لِتَأْكِيدِ النَّفْي، وَقَال الحَرْبِيُّ (¬6): تزادُ لِلْجِنْسِ في قَوْلكَ: مَا ¬
جَاءَنِي مِنْ رَجُلٍ، ويَجُوْزُ أَنْ يكُوْنَ غَيرَ زَائِدَةٍ، وَيَكُوْنُ في الكَلامِ مَحْذُوْفٌ مُقَدَّرٌ كَأَنَّهُ قَال: وَيَذْكُرُوْنَ مَا لَهُمْ مِنْ حَاجَتِهِمْ. - وَ [قَوْلُهُ: "أَوْ عَدْلُهَا"]. عَدْلُ الشَّيءِ -بِفَتْحِ العَينِ- مَا يُعَادِلُهُ مِنْ غَيرِ جِنْسِهِ (¬1). وَعِدْلُهُ -بِكَسْرِ العَينِ-: مَا يُعَادِلُهُ مِنْ جِنْسِهِ، فَإِذَا قُلْتَ: عِنْدِي عَدْلُ ثَوْبِكَ، كَانَ مَعْنَاهُ: عِنْدِي قِيمَتُهُ، وَإِذَا قُلْتَ: عِنْدِي عِدْلُ ثَوْبِكَ فَمَعْنَاهُ عِنْدِي ثَوْبٌ مِثْلهُ قَال تَعَالى (¬2): {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا}، قَال الشَّاعِرُ: (¬3) بِنَفْسِي منْ هَوَاهُ عَلَى التَّنَائِي ... وَطُوْلِ الدَّهْرِ مُؤتَنِفٌ جَدِيدُ وَمَنْ هُوَ فِي الصَّلاةِ حَدِيثُ نَفْسِي ... وَعِدْلُ النَّفْسِ عِنْدِي بَلْ يَزِيدُ - وَ [قَوْلُهُ: "إِلْحَافًا"]. الإلْحَافُ: الإلْحَاحُ في السُّؤَالِ. - وَ [قَوْلُهُ: ] "لِلَقَحَةٍ". اللَّقَحَةُ، النَّاقَةُ ذاتُ اللَّبَنِ. - وَ [قَوْلُهُ: "بِبقيع الغَرْقَدِ"]. الغَرْقَدُ: شَجَرٌ، وَبِهِ سُمِّيَ بَقِيعًا؛ لأنَّ البَقِيع عِنْدَ العَرَبِ: كُلُّ مَوْضِع فيه أَرُوْمُ شَجَرٍ مِنْ ضُرُوْبٍ شَتَّى (¬4). -[قَوْلُهُ: "مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ"] [12]. تَوَهَّمَ قَوْمٌ أَنَّ قَوْلَهُ: "مَا ¬
[ما يكره من الصدقة]
نَقَصَتْ صدَقَةٌ مِنْ مَالٍ" مِنَ الكَلامِ المَقْلُوْبِ (¬1) وأَنَّ المَقْصُوْدَ: مَا نَقَصَ مَالٌ مِنْ صدَقةٍ، وَهَذَا غَلَطٌ عَرَضَ لِصَاحِبِهِ مِنْ أَجْلِ أنَّهُ تَوَهَّمَ أَنَّ "نَقَصَ" لَا يَتَعَدَّى إلى مَفْعُوْلٍ، وَهَذِهِ كَلِمَةٌ تَغْلَطُ فِيهَا العَامَّةُ، يَقُوْلُوْنَ: نَقَصَ الشَّيءُ فَإِذَا أَرَادُوا أَنْ يُعَدُّوْهُ لِمَفْعُوْلٍ قَالُوا: أَنْقَصْتُهُ، كَمَا يُقَالُ: قَامَ زَيدٌ وأَقَمْتُهُ، والصَّحِيحُ أَنهُ يُقَالُ: نَقَصَ الشَّيءُ وَنَقَصْتُهُ أَنَا، كَمَا يُقَالُ: زَادَ وَزِدْتُهُ أَنَا، وَقَال تَعَالى (¬2): {أَو انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3)} فَمَعْنَى الحَدِيثِ: لَا تُنْقِصُ صدَقَةٌ مَالًا، وَدَخَلَتْ "مِنْ" لِلتبْعِيضِ، كَمَا يُقَالُ: شَرِبْتُ مِنَ المَاءِ. [مَا يُكْرَهُ مِنَ الصَّدَقَةِ] -[قَوْلُهُ: "لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لآلِ مُحَمَّدٍ"] [13] آلُ مُحَمَّدٍ، هُمْ بَنُو هَاشِمٍ (¬3)، وَقِيلَ: بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو [عَبْدِ] المُطَّلِبِ، وَقِيلَ بَنُو عَبْدِ المُطَّلِبِ، وَقِيلَ: قُرَيشُ كُلُّهَا لَا تَحِلُّ لَهُمُ الصَّدَقَةُ، وَمَوْلَى القَوْمِ مِنْهُمْ. والصَّدَقَةُ المُحَرَّمَةُ عَلَيهِمْ عِنْدَ ¬
مَالِكٍ هِيَ صَدَقَةُ الفَرْضِ خَاصَّةً. - وَ [قَوْلُهُ: "اسْتَحْمِلُ عَلَيهِ"] [15]. مَعْنَى اسْتَحْمِلُ أسأَلُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيهِ، يُقَالُ: اسْتَحْمَلْتُهُ فَأَحْمَلَنِي. -[قَوْلُهُ: "أتحْمِلُ رَجُلًا بادِنًا"]. البَادِنُ: السَّمِينُ. -[قوْلُهُ: "تَحْتَ إِزَارِهِ وَرُفْغَيهِ"]. الرَّفْعُ والرُّفْغُ (¬1) -بِفَتْحِ الرَّاءِ وضَمَّهَا-: بَاطنُ الفَخِذِ (¬2). ¬
[كتاب العلم]
[كِتَابُ العلْمِ] (¬1) [مَا جَاءَ في طَلَبِ العِلْمِ] -[قَوْلُهُ: "مَا يُحْييِ اللهُ الأرْضَ المَيتَةَ"] [1]. هُدَى والعِلْمُ يُسَمَّيَانِ حَيَاةً، وَكَذلِكَ الإيمَانُ، وأَضْدَادُهَا يُسَمَّى مَوْتًا. وتُسَمَّى العَرَبُ الذَّكْرَ حَيَاةً وَالبَلِيدَ مَيتًا، والمَشْهُوْرُ: أَرْضٌ مَيت بِلا هَاءٍ؛ إِذَا كَانَتْ مُجْدِبَةً، قَال تَعَالى (¬2): {وَأَحْيَينَا بِهِ بَلْدَةً مَيتًا} ويُقَال لِلْحَيَوَانِ: مَيتةً قَال تَعَالى (¬3): {إلا أَنْ يَكُونَ مَيتَةً} فَإِذَا شَددْتَ اليَاءَ مِنْ مَيتةً كَانَ لِلمُؤَنَّثِ مِنْ الحَيَوَانِ وَغَيرِهِ. - وَ [قَوْلُهُ: "بِوَابِلِ السَّمَاءِ"] الوَابِلُ: أَعْظَمُ مِنَ المَطَرِ. ¬
[كتاب دعوة المظلوم]
[كِتَابُ دَعْوَةِ المَظْلوْم] (¬1) [مَا يُتَّقَى مِنْ دَعْوَةِ المَظْلُوْمِ] -[قَوْلُهُ: "عَلَى الحِمَى"] [1]. الحِمَى: المَرْعَى يَحْمِيهِ السُّلْطَانُ فَلَا يَسْرَحُ فِيهِ إلَّا مَالُهُ ومَالُ مَنْ يَخُصُّهُ، وَهُوَ يُمَدُّ ويُقْصَرُ (¬2)، قَال جَرِيرٌ (¬3): * أَبَحْتَ حِمَى تِهامَةَ ............... * - وَ [قَوْلُهُ: "وأنَّ رَبَّ الصُّرَيمَةِ"]. الصُّرَيمَةُ: تَصْغِير صِرْمَةِ وَهِيَ القِطْعَةُ مِنَ الإبِلِ لَا تَجَاوَزُ الأرْبَعِينَ، يُقَالُ من ذلِكَ: رَجُل مُصْرِمٌ. ¬
- وَقَوْلُهُ: "وإيَّايَ". أَي: جَنِّبني نَعَمْ ابنُ عَفَّان، أَي: جَنِّبيي إِدْخَالُهَا في الحِمَى فَلَمَّا حَذَفَ الفِعْلَ أَتى بالضمِيرِ المُنْفَصِلِ، والنَعَمُ: الإبِلُ مُفْرَدَةً وَمَعَ غَيرِهَا، فَإِنْ انْفَرَدَ غَيرُهَا دُوْنَهَا لَمْ تُسَمَّ نَعَمًا. - وَقَوْلُهُ: "يَرْجِعَانِ". كَذَا الرِّوَايَةُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ في العَرَبِيّةِ، وإِنَّمَا يَجِيئُ في الشِّعْرِ عَلَى مَعْنَى التقدِيمِ والتأْخِيرِ، كَأَنَّهُ قَال: فَإِنَّهُمَا يَرْجِعَانِ إِنْ تَهْلَكْ مَاشِيَتُهُما، هَذَا تَقْدِيرُهُ عِنْدَ سِيبَوَيهِ، وَتَقْدِيرُهُ عِنْدَ المُبَرِّدِ: إِنْ تَهْلَكْ مَاشِيَتُهُمَا فَإِنَّهُمَا يَرْجِعَانِ، قَال الشَّاعِرُ (¬1): أَأَقْرَعَ بنَ حَابِسٍ يَا أقْرَعُ ... إِنَّكَ إِنْ يُصْرَعْ أَخُوْكَ تُصْرَعُ تَقْدِيرُهُ عِنْدَ سِيبَوَيهِ: إِنَّكَ تُصْرَعُ إِنْ يُصْرَعْ أَخُوْكَ، وَعِنْدَ المُبَرِّدِ إِنْ يُصْرَعْ أَخُوْكَ ¬
فَإِنَّكَ تُصْرَعُ. وَرُويَ عَنْ يَحْيَى: "يَرْجِعَا" (¬1) [بحذف النُّون] (¬2) جَزْمًا عَلَى جَوَابِ الشَّرْطِ. - وَقَوْلُهُ: "إِلَى المَدِينَةِ" (¬3). كَذَا الرِّوَايَةُ، والوَجْهُ: مِنَ المَدِينَةِ أَوْ في المَدِينَةِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ أَنْ يَكُوْنَ المَجْرُوْرُ الثَّانِي بَدَلًا مِنَ المَجْرُوْرِ الأوَّلِ، ويُقَدَّرُ في الكَلامِ ضَمِيرٌ مَحْذُوْفٌ كَأنَّه قَال: إِلَى زَرْعٍ ونَخْل، فَيَكُوْنُ مِثْلَ قَوْلهِ [تَعَالى] (¬4): {لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ}. -[قَوْلُهُ: "وأيمُ الله إنَّهُم لَيَرَوْنَ"]. يَجُوْزُ: "وأَيمُ اللهِ" بِوَصْلِ الألِفِ، وَهُوَ مَذْهَبُ سِيبَوَيِهِ (¬5)، ويَجُوْزُ قَطْعُ الألِفِ وَهُوَ مَذْهَبُ الفَرَّاء (¬6). ¬
[كتاب أسماء النبي] [صلى الله عليه وسلم]
[كِتَابُ أسْماء النَّبِيّ] (¬1) [صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ] وَمِنْ أَسْمَائِهِ المَرْويَّةِ: "الخَاتِمُ" وَ"المُقَفِّي" وَ"نَبِيُّ التَّوْبَةِ" وَ"نَبِيُّ المَلْحَمَةِ" وَقَال كَعْبٌ (¬2): في التَّوْرَاةِ: "مُحَمَّدٌ" و"أَحْمَدُ" وَ"المُتَوَكِّلُ" وَ"المُخْتَارُ" وَ"حُمْيَاطَى" وَ"فارقليطي" وَ"ماذه اد" وَ"الحَاشِرُ" وَ"المَاحِي" وَ"العَاقِبُ" وَ"المُقَفَّى" وَ"الخَاتِمُ" و"الخَاتَمُ" وَسَمَّاهُ في "الإنْجِيلِ" عِيسَى رُوْحُ النَّبِي. وسَمَّاهُ أَسْعَيَاء: "رَاكِبُ الجَمَلِ" وَسَمَّاه سَطِيحٌ الكَاهِنُ: صَاحِبَ الهَرَاوَةِ. وسُمِّيَ: صَاحِبَ السَّاعَةِ والشَّفَاعَةِ. وَفي القُرآنِ: "مُحَمَّدٌ" و"أَحْمَدُ" و"طَهَ" و"يَس" و"المُزَّمِّلُ" وَ"المُدَّثِّرُ" وَ"عَبْدُ اللهِ" وَ"نُوْرٌ" ومِنْ أَسْمَائِهِ: "الفَاتِحُ" وَ"الكَافُّ" وَ"المُعَقِّبُ" (¬3) فالكَافُّ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَى الخَلْقِ كَافَّةً. والمُعَقِّبُ: ¬
أَعْقَبَ الأنْبِيَاءَ والمُقَفَّى: قَفَا عَلَى أثرِ الأنْبِيَاءِ: والحَاشِرُ: الَّذِي يَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ. والأشْبَهُ أَنْ يَكُوْنَ مَعْنَى الكَافِّ. الّذِي كَفَّ النَّاسَ عَنِ المَعَاصِي، والفَاتِحُ: فَتَحَ اللهُ بِهِ الإسْلامَ، وفارقليطي وفارقليط، قَال ثَعْلَبٌ (¬1) يُفَرِّقُ بَينَ الحَقِّ والبَاطِلِ، قَال: وَمَعْنَى حُمْيَاطَى (¬2): يَحْمِي الحَرَمَ، ويَمْنَعُ الحَرَمَ، ويُوْطِئُ الحَلال، وَ"مَاذَه مَاذَ" طَيِّبٌ طَيِّبٌ (¬3). و"الحَاشِرُ" الَّذِي يُحْشَرُ النَاسُ في أَيَّامِهِ، وفي نبوءَتِهِ، وَ"العَاقِبُ" عَقِبَ الأنْبِيَاءَ بالأمْرِ والنَّهْيِ. والمُقَفَّى المُتبعُ المُمْتَنُّ. والخَاتَمُ: أَحْسَنُ الأنْبِيَاءِ خُلْقًا وخَلْقًا كَأَنَّهُ أَرَادَ جَمَال الأنْبِيَاءِ كَالخَاتَمِ الَّذِي يتجَمَّلُ بِهِ، وَقِيلَ في قَوْله تَعَالى (¬4): {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} في قِرَاءَةِ ¬
مَنْ فَتَحَ: أَنّه لَمَّا انْقَضتْ بِهِ النُّبُوَّةِ شُبِّهَ بالخَاتَم الَّذي يُخْتَمُ بِهِ الكِتَابِ إِذَا فُرِغَ مِنْهُ. والخَاتِمُ مَعْنَاهُ: آخِرُ الأنْبِيَاءِ، اسمُ فَاعلٍ مِنْ خَتَمَ يَخْتِمُ فَهُوَ خَاتِمٌ. وَقَال الجَاحِظُ: مَعْنَى "فَارقليطي" عِنْدَ النَّصْرِ والحَمْدِ يَقُوْلُوْنَ لِفُلانٍ عِنْدِي فَارقليطي، تأْويلُهُ: المَحْمَدَةُ، كَأَنَّهُ أَرَادَ: مُحَمَّدَ وأَحْمَدَ ومَحْمُوْدَ. - وَقَوْلُهُ: "عَلَى قَدَمِي". أَي: أَنّه يُحْشَرُ أَوَّلًا، ثُمَّ يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِهِ؛ أَي: عَلَى أثرِهِ، وَقَدْ جَاءَ: "عَلَى عَقِبِي" وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَدَمِهِ عَهْدُهُ وَزَمَانُهُ. يُقَالُ: كَانَ ذلِكَ عَلَى عَهْدِ فُلانٍ، وَعَلَى رِجْلِ فُلانٍ، وَعَلَى قَدَمِهِ، وَعَلَى حِينِ فُلانٍ، أَي: عَهْدِهِ وَزَمَانِهِ. ويُرْوَى (¬1) أَنَّ ابنَ المُسَيِّبِ قَال ذَاتَ يَوْمٍ: إِنِّي رَأيتُ مُوْسَى يَمْشِي عَلَى البَحْرِ حَتَّى صعَدَ إِلَى قَصْرٍ، ثُمَّ أَخَذَ بِرِجْلِ شَيطَانٍ فَألقَاهُ في البَحْرِ، وَإِنِّي لَا أَعْلَمُ نَبِيًّا هَلَكَ عَلَى رِجْلِهِ مِنَ الجَبَابِرَةِ مَا هَلَكَ عَلَى رِجْلِ مُوْسَى وأَظُنُّ هَذَا قَدْ هَلَكَ يَعْنِي عَبْدَ المَلِكِ بِنَ مَرْوَانَ فَجَاءَ نَعْيُهُ. بَعْدَ أَرْبَعٍ، أَي: عَلَى زَمَانِ مُوْسَى. وتَحْقِيقُ القَوْلِ في هَذَا الحَدِيثِ عَلَى وَجْهَينِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُوْنَ أَرَادَ بِحَشْرِ النَّاسِ عَلَى أثرِ قَدَمِي فَحَذَفَ المُضَافَ وأَقَامَ المُضَافَ إِلَيهِ مَقَامَهُ. ¬
والثاني: أَنْ يَكُوْنَ سَمَّى أثرَ القَدَمِ قَدَمًا عَلَى مَذْهَبِ العَرَبِ في تَسْمِيَةِ الشَّيءِ باسْمِ الشَّيءِ إِذَا كَانَ مِنْهُ بِسَبَبٍ، والعَرَبُ تَقُوْلُ: لَا تَضَعُ قَدَمَكَ عَلَى قَدَمِ فُلانٍ، أَي: لَا تُتْبِعُهُ. وَحَقِيقَةُ القَوْلِ الثَّانِي: أَنَّ القِيَامَةَ تكوْنُ في زَمَن نبوتهِ. وَقَدْ اسْتَعْمَلَتِ العَرَبُ أَيضا القَدَمَ بِمَعْنى السِّبْقِ، كَمَا استَعْمَلَتهَا بِمَعْنَى الأثَرِ، وَقَالُوا: لِفُلانٍ قَدَمٌ، وَكَأنَّهُمْ سَمَّوا السَّبْقَ قَدَمًا؛ لأنَّهُ يَكُوْنُ بالقَدَمِ، كَمَا سَمَّوا القُوَّةَ طِرْقًا؛ لأنَّهَا بالطِّرْقِ تكوْنُ، وَهُوَ (¬1) الشَّحْمُ. وَقَدْ يُحْتَمَلُ [أَنْ] يُرِيدَ لِفُلانٍ قَدَمٌ سَابِقَةٌ وَلَمْ يَذْكُرُوا الصَّفَةَ حَينَ فُهِمَ المَعْنَى كَمَا قَال (¬2): {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105)} أَي وَزْنًا نَافِعًا. وَقَال الشَّاعِرُ: (¬3) أَمَا وَأَبِي الطيرِ المُرِبَّةِ في الضُّحَى ... عَلَى خالِدٍ لَقَدْ وَقَعْتِ عَلى لحْمِ أَرَادَ: عَلَى لَحْمٍ شَرِيفٍ، ويُقَوِّي هَذَا الوَجْهُ الثّانِي قَوْلُهُمْ. لفُلانٍ شَاهِدٌ أَي: قَدَمٌ سَابِقَةٌ يَحْذِفُوْنَ المَوْصُوْفَ تَارَةً والصِّفَةَ تَارَةً اخْتِصَارًا وإِيجَازًا، ورُبَّمَا جَمَعُوْهُمَا مَعًا كَمَا قَال (¬4): جَرَوْا وجَرَيتَ إِلَى قَدَمٍ ... فَكَانَتْ لَكَ القَدَمِ السَّابِقَهْ وَمِنْ أَحْسَنِ مَا جَاءَ في هَذَا المَعْنَى قَوْلِ الآخَرِ: أتطْمَعُ عنْدَهُمْ بِيدٍ ... مَا لَكَ عِنْدَهُمْ قَدَمُ ¬
وَقَال تَعَالى (¬1): {أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ} فَذِكْرُ القَدَم في الآيَةِ كَذِكر السَّبْقِ في قَوْلهِ (¬2): ) {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10)}. كَمُلَ التَّعْلِيقُ عَلَى مُوَطَّأ مَالِكٍ بنِ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في تَفْسِيرِ لُغَاتِهِ وَغَوَامِضِ إِعرابِهِ وَمَعَانِيهِ نُقِلَ هَذَا كُلُّه في مُبيَّضَةِ المُؤَلِّفِ رحمه الله والحَمْدُ لله. وَكَانَ أَكْثَرُ المَوَاضِعِ بِهَا تَرَكَ بَيَاضًا، وَأَظُنُّهُ تَرَكَهُ إِلَى أَنْ يُكْمِلَهَا وَيُعِيدُ فكْرَتَهُ واللهُ أَعْلَمُ (¬3) ¬
أوراق ملحقة بالأصل بخط الناسخ نفسه منقولة عن خط المؤلف
أوراق ملحقة بالأصل بخط الناسخ نفسه منقولة عن خط المؤلف
التَّعْلِيقِ (¬1) لِلْمؤَلِّفِ رحمه الله مَا نَصُّه ... نُكَتٌ في [كتَابِ الجَا] مِعِ، وَمَوَاضِعَ مُتَفرِّقة مِنَ "المُوَطَّأ". - شَاهِدٌ على كتاب الجامع أنَّه مثل "صلاةِ الأوْلَى" و"مَسْجِدُ الجَامِعِ" قول الراعِي (¬2): ¬
وَقَرَّبَ جَانِبَ الغَرْبِيِّ يَأدُوْا ... مِدَبَّ السَّيلِ واجْتَنَبَ الشَّعَارَا أَي: جَانِب الشِّقِّ الغَرْبِيِّ. - "أَوْ" بِمَعْنَى الوَاو، قَال جَرِيرٌ (¬1): * جَاءَ الخِلافَةَ أَوْ ... البَيت * - هَذَا مُحِيلٌ وَمُحِيلَةٌ قوْلُ المَجْنُوْنُ: (¬2) وَأَجْهَشْتُ للِتُّوْبَادِ حِينَ رَأَيتُهُ ... وَكَبَّرَ لِلرَّحْمَنِ حِينَ رَآنِي وَأَذْرَيتُ دَمْعَ العَينِ لَما رَأَيتُهُ ... وَنَادَى بِأعلَى صَوْتهِ فَدَعَانِي فَقُلْتُ لَهُ أَينَ الذِينِ عَهِدْتُهُمْ ... حَوَالِيكَ في خِصْبِ (¬3) وَخَفْضِ زَمَانِ فَقَال مَضَوْا واسْتَوْدَعُوْني بِلادَهُم ... وَمَنْ ذَا الَّذِي يَبْقَى عَلَى الحَدَثَانِ ¬
وإِنِّي لأبْكِي اليَوْمَ مِنْ حَذَرِي غَدًا ... فِرَاقَكِ وَالحَيَّان مُجْتَمِعَانِ سِجَالًا وتَهْتَانًا وَوَبْلًا وَدِيمَةً ... وَرَشًا وتَوْكَافًا وتَنْهَمِلانِ فَأَخْبَرَ أَنّه خَاطَبَ الجَبَلَ وخاطَبَهُ عَلَى مَعْنَى أَنّه لَوْ نَطَقَ لَقَال هَذَا (¬1): - شَامَةَ، ويقالُ: شَابَة، وهو جَبلٌ (¬2). ¬
كَأَنَّ ثِقَال المُزْنِ بَينَ تُضَارعٍ ... وَشَابَةَ بُرْكٌ مِنْ جُذَامَ لَبِيجُ -والوَرَقُ -بِفَتْحِ الرَّاءِ-: المَالُ مِنَ الحَيَوَانِ، قَال العَجَّاجُ: (¬1) بِاسمِ ربِّ البَيتِ وَالمُشَرِّقِ ... والمُسْبِلاتِ كُلِّ سَيبٍ سَمْلَقِ - قَال صَاحِبُ "العَينِ": جَلَيتُ القَوْمَ واجْلَيتُهُمْ (¬2): طَرَدْتُهُمْ، قَال أَبُو ذُؤَيبٍ (¬3) -يَذْكُرُ النَّحْلَ-: ¬
فَلَمَّا جَلاهَا بالأيَّامِ تَحَيَّزَتْ ... ثُبَاتٍ عَلَينَا دلُّهَا واكْتِئَابُهَا وَصَفَ رَجُلًا أَرَادَ أَنْ يَشْتَارَ عَسَلًا فَطَرَدَ النَّحْلَ بالأيَّامِ، وهُوَ الدُّخَانُ. والثباتُ: الجَمَاعَاتُ في تَفْرِقَةٍ، وَاحِدُهَا: ثُبَةٌ، وتَحَيَّزَتْ: مَالتْ وانْفَرَدَتْ. - أهْلُ الحِجَازِ تَقُوْلُ: الجَلِيلُ، وَهُوَ شَجَرٌ، وغَيرُهُم يَقُوْلُوْنَ: ثُمَامٌ، وَلَا تكادُ تُوْجَدُ ثُمَامَةٌ مُفْرَدَةٌ إِلَّا نَابِتةٌ مَعَ أَخْرَى (¬1): لَا قُوَّتي قُوَّة الرَّاعي قَلائِصَهُ ... يَأْوي فَيَأوي إِلَيهَا الكَلْبُ والرَّبَعُ وَلَا العَسِيفُ الَّذِي يَشْتَدُّ عُقْبَتُهُ ... حَتَّى يَبِيتُ وَبَاقِي نعْلِهِ قِطَعُ لَا يَحْمِلُ العَبْدُ فِينَا فَوْقَ طَاقَتِهِ ... وَنَحْنُ نَحْمِلُ مَا لَا يَحْمِلُ القِلَعُ - المِشْطَةُ المَيلاءُ، قَال: ¬
تَقُوْلُ لِي مَائِلَة الرَّوَاتِبِ كَيفَ أَخِي في العُقُب النَّوَائِبِ قَال بَعْضُ الشُّعَرَاءِ لِعُمَر بنِ عَبْدِ العَزِيزِ يَذُمُّ المُرَائِينَ: إِنَّ الَّذِينَ أَمَرْتَهُم أَنْ يَعْدِلُوا ... نبَذوا كِتَابَكَ واستحِل المحْرمُ وَأَرَدْتَ أَنْ يَلِيَ الأمَانَةَ مِنْهُمُ ... بَرٌّ وَهَيهَاتَ الأبرُّ المُسْلِمُ طَلَسُ الثيابِ عَلَى مَعَابِر أَرْضِنَا ... كلٌّ بِنَقْصِ نَصِيبِنَا يَتكلَّمُ أجِدِ الثّيَابَ إِذَا اكْتَسَيتَ فَإِنَّهَا ... زَينُ الرِّجَال بِهَا تُهَانُ وتكرَمُ وَدَعِ التَّوَاضُعَ في اللبَاسِ تَحَوُّبًا ... واللهُ يَعْلَمُ مَا تُجِنُّ وتكتُمُ تَزْيِين ثَوْبِكَ لَا يَزِيدُكُ رِفْعَةً ... عِند الإلَهِ وَأَنْتَ عَبْد مُجْرِمُ وَوَهَاءُ ثَوْبِكَ لَا يَضُرُّكَ بَعْدَ أَنْ ... تَخْشَى الإلَهَ وَتَتقِي مَا يَحْرُمُ - "حَتَّى صِرْتَ آخِرُ القَوْمِ" و"آخِرَ القَوْمِ" رِوَايتان، مَرْفُوْعًا ومَنْصُوْبًا. - و"الأبْلَجُ": المُشْرِقُ الوَجْهِ: المُضِيءُ مِنْ تَبَلَّجَ الصُّبْحُ: إِذَا [أَسْفَرَ] وَصَارَ أَبْلَجَ، والأبْلَجُ: المُفْتَرِقُ الحَاجِبَينِ، والأوَّلُ هُوَ المُرَادُ بِخَبَرِ أُمِّ مَعْبَدٍ. - يقالُ: "شَشْلٌ"، و"شَشْنٌ". و"مَسْرَبةٌ" و"مَسْرُبةٌ". - المُطَهَّمُ: الَّذِي كُلُّ عُضوٍ مِنهُ حَسَنٌ عَلَى حِدَتِهِ. وَقِيلَ: هُوَ السَّمِينُ وَقِيلَ: هُوَ المُنْتفخ الوَجْهِ، وَقِيلَ: هُوَ النَّحِيف الجِسْمِ. وَقِيلَ: هُوَ الضَّخْمُ المكليم المُسْتَدِيرُ الوَجْهِ. سُئِلَ الأصْمَعِيُّ عَنِ الشَّشْنُ فَقَال: هُوَ الغَلِيظُ القَدَمَينِ، فَقِيلَ: إِنَّهُ في وَصْف النَّبِيّ؟ فَحَلَفَ لَا يُفَسّرُ القُرآنَ وَلَا الحَدِيثَ. - "الرَّجحُ": المُسْتَعْمَلُ، يُقَالُ لَهُ تَرْجِيحٌ، قَال مُحَمَّدُ بنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ
- وَقَدْ دَخَلَ عَلَى أَحَدِ مُلُوْكِ بني العَبَّاسِ - فَقَال (¬1). وَكَائِنْ رَأَينَا مِنْ فَتى مُتَجَمِّلٍ ... يَظَلُّ عَدِيمًا لَيسَ يَمْلِكُ دِرْهَمَا يَبِيتُ يُرَاعِي النَّجْمَ مِنْ سُوْءِ حَالِهِ ... ويُصْبِحُ يُلْفَى ضَاحِكَا مُتبَسِّمَا وَلَا يَسْألِ المُسْرِينَ مَا فِي رِحَالِهِمْ ... وَلَوْ مَاتَ هُزْلًا عِفَّةً وتكرُّمَا وأَنْشَدَ: أَظُنُّكَ أَطْغَاكَ الغِنَى فَنَسِيتَنِي ... ونَفْسَكَ والدُّنيَا الوَدِيَّةُ قَدْ تُنْسِي فَإِنْ تَكُ تَعْلُو بالَّذِي لَكَ مِنْ غِنًى ... فَإنِّي سَيُعْلِيني عَلَيكَ غنَى نَفْسِي - "جِهِنَّام": اسمُ رَجُلٍ، قَال (¬2): دَعَوْتُ خَلِيلِي مِسْحَلًا (¬3) وَدَعَوْا لَهُ ... جِهِنَّامَ جَدْعًا لِلْهَجِينِ المُذَمَّمِ قَال مُحَمَّدُ بن يَسير يَعِيبُ المُتكلِّمِين: قَدْ نَفَّرُوا النَّاسَ حَتَّى أَحْدَثُوا بِدَعًا ... في الدِّينِ بالرَّأْي لَمْ يُبْعَثْ بِهَا الرُّسُلُ حَتَّى اسْتَخَفَّ بِحَقِّ اللهِ أَكْثَرُهُمْ ... وَفِي الَّذِي كَلِفُوا مِنْ حَقِّهِ شُغُلُ وَقَال بَعْضُهُم: (¬4) فَذَرُوا التَّعَمُّقَ بالأمُوْرِ فَإِنَّهَا ... فِرَقُ الضَّلالِ بِكُل مَنْ يَتَعَمَّقُ ¬
وَقَال: أَبْلْغُ مَا يُطْلَبُ النَّجَاحُ بِهِ ... القَصْدُ وعِنْدَ التَّعَمُّدِ الزَّلَلِ وَقَال: إِذَا المَالُ لَمْ يُوْجِبْ عَلَيكَ عَطَاؤُهُ ... صَنِيعَةَ تَقْوى أَوْ صَدِيقٌ تُوَافِقُهْ بَخِلْتَ وَبَعْضُ البُخْلِ حَزْمٌ وَقُوَّةٌ ... فَلَمْ يَقْتَلِدْكَ المَالُ إلَّا حَقَائِقُه [وَقَال: ] أَلا [لَا] أَرَى الأحْدَاثَ حَمْدًا وَلَا ذَمَّا ... فَمَا بَطْشُهَا جَهْلًا وَلَا كَفُّهَا حِلْمَا إِلَى مِثْل مَا كَانَ الفَتَى يَرْجِعُ الفَتى ... يَعُوْدُ كَمَا أَبْدَى ويُكْرى كَمَا أَرْمَا [وَقَال (¬1): ] وَذِي نَدَبٍ دَامِي الأظَلِّ قَسَمْتُهُ ... مُحَافَظَةً بَيني وبَينَ زَمِيلِي وَزَادٍ رَفَعْتُ الكَفَّ عَنْهُ تَجَمُّلًا ... لأوثرَ في زَادِي عَلَيَّ أَكِيلِي وَمَا أنَا للشَّيءِ الَّذِي لَيسَ نَافِعِي ... وَيَغْضَبُ مِنْهُ صَاحِبِي بِقَؤُوْلِ - "وَعَلَيكُمْ مِنَ المَطَاعِمِ مَا طَابَ مِنْهَا" قَال (¬2): ¬
وَلَقَدْ أَبِيتُ عَلَى الطِّوَى وأَظلُّهُ ... حَتَّى أَنَال بِهِ كَرِيمَ المَأكِلِ قَال قَيسُ بنُ عَاصِم المَنْقَرِيُّ (¬1): إِذَا مَا صَنَعْتِ الزَّادَ فَالتَمِسِي لَهُ ... أَكِيلًا فَإِنِّي لَسْتُ آكِلُهُ وَحْدِي قَصِيًّا كَرِيمًا أَوْ قَرِيبًا فَإِنَّنِي ... أَخَافُ مَلامَاتِ الأحَادِيثِ مِنْ بَعْدِي كَتَبَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ إِلَى أَبِي عُبَيدَةَ وَهُوَ بالأرْدُنِّ: إِنَّ الأرْدُنَّ أَرْضٌ عَمِقَةٌ، أَي: وَبِئَةٌ، وأَرْضُ الجَابِيَةِ أَرْضٌ نَزِهَةٌ، فاظْهَرْ بِمَنْ مَعَكَ مِنَ المُسْلِمِين. عَلَى المَرْءِ أَنْ يَسْعَى وَيَبْذُلَ جَهْدَهُ ... وَيقِضِي إِلَهُ النَّاسِ مَا كَانَ قَاضِيَا (¬2) - قَوْلُ النَّبِيِّ [- صلى الله عليه وسلم -]: "نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَضَاءِ الله إلى قَدَرِ الله" وَفِي حَدِيثِ ابنِ مَسْعُوْدٍ: "لَا يَأْتِي عَلَى النَّاسِ سِتّمَائة وعَلَى الأرْضِ غَيرُ مُضَريٍّ، فَقَال لَهُ عَلِيٌّ: أَخْطَأْتَ ¬
أَسنة عَفرة (كذا؟ ! )، إِنَّمَا قَال ذلِكَ فِيمَنْ حَضَرَ، وَهِلِ الرَّجَاءُ إِلَّا بَعْدَ المَائَةِ. - لَيسَ في كَلامِ العَرَبِ "فُعَلَى" إِلَّا قَوْلُهُم شُعَبَى: اسمُ مَوْضع، وأُرَبَى: لِلدَّاهِيَةِ لَا غَيرُ (¬1)، قَال (¬2): ¬
اعَبْدًا حَلَّ فهي شُعَبَى غَرِيبًا ... ألؤمًا لَا أَبا لَكَ واغْتِرَابَا وَقَال: فَأَعْرَضت دورُ الَّتِي رَامَ وَقَدْ ... جَدِّ بِهِ الجِدُّ اللهِيمُ الأرَبَى - سُئِلَ الأسْتَاذُ الإمَامُ أَبُو عَبْدِ اللهِ المَعْرُوْفُ بـ"النَّصْرِي" عَنْ الحَدِيثِ الَّذِي وَقَعَ في أَوَّلِ كِتَابِ "مُسْلِمٍ" وَهُوَ قَوْلُ يَحْيَى بنُ سعِيدٍ (¬1) للقَاسِمِ بنِ عُبَيدِ اللهِ بنِ [عبد الله بن] (¬2) عُمَرَ: وأَنْتَ ابنُ أُمَامَي هُدًى، يُرِيدُ: وأنْتَ ابنُ أَبِي بَكْرٍ وعمَرَ. فَقُلْتُ: لَعَلَّ ذلِكَ بُنُوَّة نَسَبٍ، فَبَحَثْتُ عَلَى نَسَبِ أَبِي بَكْرٍ وعُمَرَ، فَألقَيتُ تَيمًا جَدُّ أَبِي بَكْرٍ بَينَهُ وَبَينَ كَعْبِ [بنِ] لُؤَيِّ سَبْعَةُ جُدُوْدٍ، وَوَجَدْتُ بَينَ عَدِي جَدُّ عُمَرَ وَبَينَ لُؤَيٍّ ثَمَانِيَةَ جُدُوْدٍ. - قَوْلُهُ -في المَدِينَةِ-: "يَنْصَعُ طِيبُهَا" يُرِيدُ بِهِ: يَبْيَضُّ ويَحْسُنُ، يُقَالُ: نَصَعَ اللَّوْنُ نُصُوْعًا ونَصَاعَةً: إِبْيَضَّ وحَسُنَ، ويُقَالُ: أَبْيَضُ نَاصِعٌ، وأَحْمَرُ نَاصِعٌ. ¬
- وَقَوْلُهُ: "فَإذَا قَضَى أحَدُكُم نَهْمَتَهُ" يُرِيدُ: رَغْبَتَهُ، يُقَالُ: نَهِمَ في العِلْمِ: إِذَا كَثُرَتْ رَغْبَتُهُ فِيهِ. وَفِي الحَدِيثِ: "مَنْهُوْمَانِ لَا يَشْبَعَانِ مَنْهُوْمٌ في العِلْمِ، ومَنْهُوْمٌ في المَالِ" ونَهِمَ الإنْسَانَ ونَهَمَ: بَلَغَ نَهْمَتَهُ. ونَهِمَ أَيضًا: كَثُرَ أَكْلُهُ. - نَجَلْتُ الشَّيءَ نَجْلًا: رَمَيتُهُ، ونَجَلَتِ الدَّابَّةُ الحِجَارَةَ بحَوَافِرِهَا وأَخْفَافِهَا كَذلِكَ، وَمِنْهُ المِنْجَلُ، ونَجَلَتِ العَينُ نَجْلًا: اتسَعَتْ. يُقَالُ: رَجُلٌ أَنْجَلُ العَينِ، وامْرَأَةٌ نَجْلاءُ، والجَمِيع نُجْلٌ. - لُبِطَ بِهِ؛ أَي: صُرعَ بِهِ، يُقَالُ: لَبَطَه لبْطًا: صَرَعَهُ. قَال ابن القُوْطِيّةِ (¬1): لَبَطَهُ لَبْطًا: خَبَطَهُ، إلَّا أَنَّ اللَّبْطَ باليَدِ، والخَبْطَ بالرِّجْلِ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الرَّجُلُ: لَبْطَة (¬2). ¬
وَقَال أبُو زَيدٍ: اللَّبْطَةُ لَبْطَةٌ مِنْ سُعَالٍ أَوْ زكَامٍ، ولُبِطَ بِهِ صُرِعَ فُجَاءَةً مِنْ غَيرِ عِلَّةٍ. - وَ"الغَفْرُ": السَّتْرُ، يُقَالُ: غَفَرَ اللهُ الذَّنْبَ غَفْرًا وغُفْرَانًا، وَهِيَ المَغْفِرَةُ والغَفِيرَةُ. قَال زَيدُ الخَيلِ: (¬1) وَلكِنَّ نَصْرًا أرْتَعَتْ وتَخَاذَلتْ ... وَكَانَتْ قَدِيمًا مِنْ شَمَائِلِهَا الغَفْرُ وَيُقَالُ: غَفِيرَتُكَ يَا رِبّ، أَي: مَغْفِرَتُكَ، قَال أَبُو الأسْوَدِ الدُّئَلِيُّ (¬2): بِخَيرِ خَلِيقَةٍ وبخَيرِ نَفْسٍ ... خُلِقْتَ فَزَادَكَ اللهُ الغَفيرَة - "صَبْغُ الشَّعْرِ" يُقَالُ: صَبَغَ الثَّوْبَ صَبْغًا، وَزَادَ غيرُهُ صَبِغا، وَكَذلِكَ الَّذِي يُصْبَغُ بِهِ: الصَّبغُ، وأَنْشَدَ: (¬3) وَاصْبَغْ ثِيَابِي صَبِغًا تَحْقِيقَا بِجَيِّدِ العِصْفِرِ لَا تَشْرِيقَا ¬
وَصَبغ الرَّجُلِ في النِّعَمِ: غَرَقَهُ فِيهِ، وصَبَغْتُ اللُّقْمَةَ في المَرَقِ أَصْبَغُهَا قَال تَعَالى (¬1): {وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ (20)} وَصَبَغَ الفَرَسُ صَبْغًا: ابْيَضَّتْ نَاصِيَتُهُ وصَبَغَ الطَّائِرُ: ابْيَضَّ ذَنبهُ، وصَبَغَتِ الشَّاهُ: ابْيَضَّ ذَنبهَا. - مَعَ: "أن الله لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا". قَال الأسْتَاذُ أبو القَاسِمِ بنُ الأبْرَشِ: (¬2) "تَمَلُّوا" ههنَا بِمَعْنَى تَتْرُكُوا، أي: إِنَّ الله لَا يَتْرُكُ المُجَازاةَ عَلَى العَمَلِ حَتَّى تَتْرُكُوا العَمَلَ، وَ"حَتَّى غَايَةٌ عَلَى بَابِهَا. وَقَال ابنُ قُتيبَةَ: "حَتَّى" ها هنَا بِمَعْنَى "إِذَا" وَهُوَ غَلَطٌ. وَقَال غَيرُهُ: إِنَّهَا بِمَعْنَى الوَاو، وَهُوَ غَلَطٌ أَيضَا لأنَّهَا لَوْ كَانَتْ بِمَعْنَى الوَاو، أَوْ بِمَعْنَى "إِذَا" كَانَتْ غَيرَ عَامِلَةٍ، وَكَانَ يَجِبُ عَلَى قَوْلهِمْ: حَتَّى تَمَلُّوْنَ [بنُوْنٍ] ثَابِتة فَحَذْفُهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ "حَتَّى" غَايَةٌ عَلَى بَابِهَا فَاعْلَمْهُ. - قَالتْ عَائشِةُ: "لَوْ نُشِرَ لِي أبَوَايَ مَا تَرَكْتُهُنَّ". يُقَالُ نَشَرَ المَيِّتُ: إِذَا حَيِيَ، قَال الشَّاعِرُ (¬3): ¬
لَوْ أَسْنَدَتْ مَيتًا علَى نَحْرِهَا ... عَاشَ وَلَمْ يُنْقَلْ إِلَى قَابِرِ حَتَّى يَقُوْلَ النَاسُ مِمَّا رَأَوْا ... يَا عَجَبًا لِلْمَيتِ النَّاشِرِ فَهَذَا مِنْ نَشَرَ فَهُوَ نَاشِرٌ، كَمَا تَقُوْلُ: ضَرَبَ فَهُوَ ضَارِبٌ. ويُقَالُ: أَنْشَرَ اللهُ المَوْتَى فَنَشَرُوا، وَيُرْوَى: "لَوْ نُشِرَ لِي أَبوَايَ". - النُّمْلَةُ -بِضَمِّ النُّوْن-: النَّمِيمَةُ، يُقَالُ: رَجُل نُمْل: إِذَا كَانَ نَمَّامًا قَال الواعِي (¬1): لَسْنَا بِأَخْوَالِ أَقْوَامَ يَزِيلُهُمُ ... قَوْلُ العَدِوِّ [وَلَا ذُو النمْلَةِ المَحَلُ] [قَال الأصْمَعِيُّ: النُّمْلَةُ هِيَ قُرُوْحٌ] تَخْرُجُ في الجَنْبِ [وَغَيرِهِ] قَال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - للشَّفَاءِ (¬2): عَلِّمِي حَفْصَةَ رُقْيَةَ النُّمْلَةِ. قَال أَبُو عُبَيدِ (¬3): سَمِعْتُ ذلِكَ - أَرَاهُ ¬
الهَيثَمُ بنُ عَدِيِّ - يَقُوْلُ فهي رُقْيَةِ النُّمْلَةِ. - قَال أُمَيةُ بنُ أَبِي الصَّلْتِ (¬1) -في الذَّبِيحِ-: وَلإبْرَاهيم المُوفّئ بالنُّذْرِ ... احْتِسَابًا وَكَامِلِ الأحْوَالِ بِكْرُهُ لَمْ يَكُنْ لِيَصْبِرَ عَنْهُ ... لَوْ رَآهُ في مَعْشَرٍ أقْتَالِ أبُنَيَّ إِنِّي نَذَرْتُكَ لله شَحْيـ ... ـطًا فَاصْبِرْ فِدًى لَكَ خَالِي واشْدُدِ الصَّفْدَ لَا أَحِيدُ عَن السِّـ ... ـكينِ حَيدَ الأسِيرِ ذِي الأغْلالِ وَلَهُ مُدَيَةٌ تَخَايَلُ في اللَّحْمِ ... هُذَامٌ حَنِيَّةٌ كَالهِلالِ بَينَمَا يَخْلَعُ السَّرَابِلَ عَنْهُ ... فَكَّهُ رَّبهُ بِكَبْشٍ جُلالِ فَخُذَنْ ذَا وَأَرْسِلِ ابْنَكَ إِنِّي ... لِلَّذِي فَعَلْتُمَا غَيرُ قَالِي وَالدٌ يَتَّقِي وآخَرُ مَوْلُوْدٌ ... فَطَارَا مِنْهُ بِسَمْعِ فَعَالِ رَبَّمَا يكرَهُ النُّفُوْسُ مِنَ الأمر ... لَهُ فَرْجَةٌ كَحَلِّ العِقَالِ - كَانَ عَمْروٌ بنُ عَبْدِ وُدٍّ قَدْ وَقَفَ هُوَ وَخَيلُهُ فَقَال: مَنْ يُبَارِزْ؟ (¬2) فَبَرَزَ إِلَيهِ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِب فَقَال عَلِيٌّ: يَا عَمْرُو: إِنَّكَ كُنْتَ عَاهَدْتَ اللهَ لَا يَدْعُوْكَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ قُرَيشٍ إِلَى إِحْدَى خِصْلَتينِ إِلَّا أَخْذْتَهُمَا مِنْهُ، فَقَال: أَجَلْ، قَال لَهُ عَلِيُّ: فَإِنِّي أَدْعُوْكَ إِلَى الله ورَسُوْلهِ وَإِلَى الإسْلامِ، فَقَال: لَا حَاجَةَ لِي بِذلِكَ، قَال: فَإِنِّي أَدْعُوْكَ إِلَى النِّزالِ، قَال: وَلمَ يَابنَ أَخِي؟ فوالله مَا أُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَكَ، قَال لَهُ ¬
عَلِيٌّ: وَلكِنِّي -والله- أَحِبُّ أنْ أَقْتُلَكَ [ ... ] عِنْدَ ذلِكَ نزَلَ فَنَزَلَ عَنْ فَرَسِهِ فَعَقَرَهُ وَضَرَبَ وَجْهَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ فَتَنَازَلا وَتَجَاوَلا فَقَتَلَهُ عَلِيٌّ وَخَرَجَتْ خَيلُهُ مَنْهَزِمَةً حَتَّى اقْتَحَمَتِ الخَنْدَقَ هَارِبَةً، فَقَال عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ في ذلِكَ: (¬1): نصَرَ الحِجَارَةَ مِنْ سَفَاهَةِ رَأَيِهِ ... ونَصَرْتُ رَبَّ مُحَمَّدٍ بِصَوَابِي فَصَبَرْتُ حِينَ تَرَكْتُهُ مُتَجَدِّلًا ... كَالجِزْعِ بَينَ دَكَادِكٍ وَرَوَابِي وَعَفَفْتُ عَنْ [أَثْوَابِهِ] وَلَوَ نَّنِي ... كُنْتُ المُقَطَّرَ بَزَّنِي أَثْوَابِي لَا تَحْسَبُنَّ اللهَ خَاذِلَ دِينهِ ... وَنَبِيِّهِ يَا مَعْشَرَ الأحْزَابِ - في رُقْيَةِ النُّمْلَةِ هَذِهِ العَرُوْس تَحْتفلُ وتُقْتَالُ، وتكتَحِلُ، وكُلُّ شَيءٍ يُفْتَعِلُ غَيرَ أَنَّ لَا تُعَاطِيَ الرِّجلَ مَدَى الهَرَويِّ، وَلَا رُقْيَةَ إلَّا نُمْلَةٍ أَوْ حمه، فالنُّمْلَةُ مَا ذَكَرْنَاهُ. تَقُوْلُ المَجُوْسُ: إِنَّ وَلَدَ الرَّجُلِ إِذا كَانَ مِنْ أُخْتِهِ ثُمَّ خُطَّ عَلَى النُّمْلَةِ شُفِيَ صَاحِبُهَا قَال (¬2): وَلَا عَيبَ فِيهَا عَرْقٍ لَمَعْشَرٍ ... كِرَامٍ وَأنَّا لَا نَخُطُّ عَلَى النُّمْلِ يرِيدُ: إِنَّا لَسْنَا بِمَجُوْسٍ نَنكحُ الأخَوَاتِ. قَال المَاوَرْدِيِ (¬3): وَكَانَ مُعَاويَةُ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنْ كَلْبٍ فَذُكِرَ عِنْدَهُ المَجُوْسُ يَوْمًا فَقَال: لَعَنَ اللهُ المَجُوْسَ ¬
يَنكحُوْنَ أُمَّهَاتِهِمْ، والله لَوْ أُعْطِيتُ عَشَرَةُ آلافِ دِرْهَمٍ مَا نكحْتُ أُمِّي، فبَلَغَ ذلِكَ مُعَاويَةَ فَقَال: قَبَّحَهُ اللهُ أَتُرَوْنَهُ لَوْ زَادُوْه فَعَلَ، وعَزَلَهُ. - وَقَوْلُهُمْ: "هَذَا أحَبُّ إلَيهِ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ". النَّعَمُ لَا يَقَعُ إلَّا على الإبِلِ خَاصَّةً، والأنْعَامُ تَقَعُ عَلَى الإبِلِ والبقَرِ والغَنَمِ، فَإِذَا انْفَرَدَتِ البقَرُ لَمْ يُقَلْ لَهَا: نَعَمٌ، ولا أَنْعَامٌ. وحُمْرُهَا: كِرَامُهَا. - عَنِ "الحَاوي" قَال: (نا) أبو نُعَيمٍ (نا) سُفْيَانُ، عَن مَنْصُوْرٍ: عَن إِبْرَاهِيمَ، عَن هَمَّامٍ، قَال: كُنَّا مَعَ حُذَيفَةَ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ رَجُلًا يَرْفَعُ الحَدِيثَ إِلَى عُثْمَانَ، فَقَال حُذَيفَةُ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُوْلُ: "لَا يدخلُ الجَنَّةّ قتَّاتٌ"، قَال أَبُو دَاوُدَ: القَتَّاتُ: النَّمَّامُ، يُقَالُ: قَتَّ الرجُلُ قَتًّا: إِذَا مَشَى بالنَّمِيمَةِ، ويُقَالُ للنَّمَّامِ: القَسَّاسُ والقَسُّ بِفَتْحِ القَافِ، وَهُوَ يتَّبعُ النَّمَائِمَ. وأَمَّا بِكَسْرِ القَافِ فَعَالِمُ النَّصَارَى. ويُقَالُ لِلنَّمَّامِ: دِقْرَارَةٌ بِدَالٍ مَخْلِيّةٍ وقَافٍ وَرَاءَينِ مُخْلَيَتينِ، وَجَمْعُهُ: دَقَارِيرُ (¬1). و"الخَمَّامُ": بِخَاءٍ مَنْقُوطَةٍ و"القَمَّامُ": بالقَافِ. - و"الدَّباح": بالدَّالِ والحَاءِ المَخليَّتين، وباءٍ مُعْجَمَةٍ بِوَاحِدَةٍ (¬2). وَ"الغَمَّازُ": بالغَينِ و [الزَّاي] المُعْجَمَتيَنِ. والهَمَّازُ أَيضًا واللَّمَّازُ. المُهَينِمُ (¬3). باليَاءِ والنُّوْن بَينَ الهَاءِ والمِيمِ والمُهَنْمِلُ بالنُّون وَمِيمَينِ بينَ الهَاءِ واللَّامِ. وَالمُؤْسُ أَيضًا بِهَمْزَةٍ سَاكِنَة بين المِيم وَالوَاو. وَالمِيأسُ أَيضًا بِهَمْزَةٍ مَفْتُوْحَة بَينَ اليَاءِ وَالألف. وَالمَئِسُ أَيضًا بِهَمْزَةٍ مَكْسُوْرَة بَين المِيمِ وَالسِّينِ، ¬
يُقَالُ: مَأسَ الرَّجُلُ يَمْأسُ مَأسًا: إِذَا مَشَى [ ........... ] (¬1) ويقالُ للرَّجُلِ نمَّل بتشدِيدِ المِيمِ: إِذَا ... كَمَا قَدمنا، وَمُنَمِّلٌ بضَمِّ المِيمِ ... [وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ] [وآخِرُ دَعْوانَا أَنِ الحَمْدُ لله رَبِّ العَالمِينَ .. ] ¬
المصادر والمراجع
المصادر والمراجع (حَرْفُ الهمْزة) - الإبدالُ، تأليف يعقوب بن السِّكِّيتِ (ت: 244 هـ)، تحقيق: حسين محمَّد محمَّد شرف (ط) مجمع اللغة العربية - القاهرة 1978 م. - الإبدالُ، تأليفُ أَبي الطَّيِّب مُحمَّدِ بنِ عبدِ الواحدِ اللُّغويِّ (ت 351 هـ)، تَحْقِيق: عزِّ الدِّين التّنوخِيّ (ط) دمشق، سنة 1379 هـ. - الإتْبَاعُ، تأليفُ أَبي الطيب مُحمَّدِ بنِ عبدِ الواحدِ اللُّغويِّ (ت 351 هـ)، تَحْقِيق: عزِّ الدِّين التّنوخِيِّ (ط) دمشق، سنة 1961 م. - الإحاطَةُ في أخبارِ غِرْنَاطة، تَأْلِيف مُحَمَّدِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ الخَطِيبِ، لِسان الدِّينِ (ت 776 هـ)، تَحقيق: مُحَمَّد عبد الله عَنان -مكتبة الخانجي- القاهرة. - أخبارُ القُضَاةِ، تأْلِيف مُحَمَّد بن خَلَف بن حبَّان (وكيع) (ت 306 هـ)، نسخة مصورة في عالم الكتب ببيروت. - أَخْبَارُ مَكَّةَ في قَديمِ الدَّهرِ وَحَدِيثِهِ، تألِيف مُحَمَّد بن إسحاق الفَاكِهِيِّ (ت؟ )، تَحْقِيق: عبد الملكِ بن عبد الله بن دهيش، الطبعة الأولى 1407 هـ. - أخبارُ النَّحويين البَصْرِيِّين، تأليف أَبِي سَعِيدٍ الحَسَنِ بنِ عبدِ الله السِّيرَافِيِّ (ت: 368 هـ)، اعتنى بنشره: فريتس كرنكو (ط) المطبعة الكاثوليكية سنة 1939 م. - أَخْبَارُ مَكَّةَ وما جاءَ فيها من الآثارِ، تألِيف مُحَمَّدِ بنِ عبدِ الله بن أَحمد، أبُو الوَليد الأزْرَقِيِّ (ت؟ )، تَحقيق: رُشدي الصَّالح ملحس (ط) الأندلس - بيروت 1403 هـ. - أَدَبُ الكَاتِبِ، تأليفُ عبدِ اللهِ بن مُحمَّدِ بن مُسلم بن قُتيبَةَ الدِّينَوَرِيّ (ت 276 هـ)، تَحْقِيق: مُحَمَّدٍ الدَّالي (ط) مؤسسة الرِّسالة 1402 هـ. - الأزْمِنَةُ والأمْكِنَةُ، تأليفُ: أحمدَ بنِ مُحَمَّد بن حسن المَرْزُوْقِيِّ (ت 421 هـ)، (ط) الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني (1389 هـ). - أَسَاسُ البَلاغةِ، تأليفُ مَحمود بن عُمر الزَّمَخْشَرِيِّ، جارِ الله، أبي القاسم (ت 538 هـ) تَحْقِيق: عبد الرحيم مَحمود، (ط) القاهرة (1953 م) وزارة المعارف المصرية. - الاسْتِبْصَارُ في أَنْسَابِ الأنصارِ، تأليفُ: عبدِ الله بن أحمد موفَّقِ الدِّين، ابنِ قُدَامَةَ المَقْدِسِيِّ (ت 621 هـ)، تَحْقِيق: عادل نُويهض (ط) دار الفكر (1392 هـ).
- الاسْتِذْكَارُ (شَرْحُ المُوَطَّأ)، تأليفُ يُوْسُفَ بن عبد الله بن عبدِ البر النَّمريِّ (ت 463 هـ)، ج 1، 2 تَحقيق: علي النَّجدي ناصف، (ط) المَجْلِس الأعلى للشُّئون الإِسلامِيَّة (1970 م). - الاسْتِقْصَاءُ لأخبارِ دُوَلِ المَغْرِبِ الأقْصَى، تأَلِيف: أَحْمَدَ بنِ خالدٍ النَّاصِرِيِّ السلاويِّ (ت 1315 هـ)، (ط) الدَّارُ البَيضَاء (1954 م). - الاسْتِيعَابُ في معرفةِ الأصْحَابِ، تأليف: يُوْسُفَ بنِ عبد الله بن عبد البرّ النَّمريِّ (ت 463 هـ) تَحْقِيق: مُحَمَّد علي البجاوي (ط) نهضة مصر- القاهرة. - أُسْدُ الغابة في معرفة الصحابة، تأْلِيف علي بن مُحَمَّد بن الأثير الجزري (ت 630 هـ) (هـ) مطبعة الشَّعب. - أسماءُ المُغتالين، تأليف: أبي جعفر محمَّد بن حبيب البَغْدَادِيُّ (ت: 245 هـ) تحقيق: عبد السَّلام محمَّد هارون (نوادر المخطوطات) (ط) لجنة التأليف والترجمة - القاهرة سنة 1954 م. - الاشْتِقَاقُ، تأليفُ: مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنُ بن دُرَيدٍ الأزْدِيِّ (ت 321 هـ)، تَحْقِيق: عبد السَّلام مُحَمَّد هارون (ط) مكتبة الخانجي، مصر (1378 هـ). - الإصابةُ في تَمييز الصَّحابة، تَأْلِيف أحمد بن علي بن حجر العسقلانيِّ، الحافظ أبي الفَضْلِ (ت 852 هـ) - تَحْقِيق مُحَمَّد علي البجاوي (ط) نهضة مصر- القاهرة. - إصلاحُ غَلَطِ أَبِي عُبَيدٍ، تألِيف عبدِ اللهِ بن مُسْلِمِ بنِ قُتيبَةَ الدينَوَرِيِّ (ت 276 هـ) تَحْقِيق: د / عبد الله الجبوري (ط) دار الغرب الإِسلامي (1403 هـ). - إصْلاحُ المَنْطِقِ، تَأْلِيف يَعقوب بنِ السّكِّيت، أبي يوسف (ت 244 هـ)، تَحْقِيق: الشيخ أحمد شاكر، وعبد السلام هارون، القاهرة - دار المعارف (1956 م). - الأصْمَعِيَّاتُ، جمع عبدِ المَلك بن قُريب الأصمعيّ (ت 216 هـ)، تَحْقِيق: أحمد مُحَمَّد شاكر، وعبد السلام هارون، (ط) دار المعارف بمصر (1967 م). - الأصُوْلُ في النَّحو، تأليفُ أبي بكر مُحَمَّد بن السَّرِيِّ بن السَّرَاجِ (ت 316 هـ) تَحْقِيق: د / عبد الحسين الفتلي (ط) مؤسسة الرسالة - بيروت (1405 هـ). - الأضْدَادُ، تأليف الحَسن بن مُحَمَّد الصغاني (ت 650 هـ)، تَحْقِيق: محمَّد، عبد القادر عطا، مكتبة النهضة المصرية - القاهرة (1409 هـ). - الأضْدَادُ، تأليفُ سَهْلِ بن مُحَمَّد بن عثمان السّجِسْتَانِيِّ (ت هـ 255 هـ) تَحْقِيق: مُحَمَّد عودة أبو جرى، (ط) مكتبة الثقافة الدِّينيّة (1414 هـ). - الأضْدَادُ، تأليفُ عبدِ اللهِ بن مُحَمَّد التُّوَّزيِّ (ت 233 هـ)، تَحْقِيق: مُحَمَّد حسين آل ياسين، طبع في مجلة المورد عدد 3 المجلد الثامن (1979 م) وطبع في بيروت سنة (1983 م).
- الأضدَادُ في اللُّغَةِ، تأليفُ مُحَمَّدِ بنِ عبدِ الواحدِ، أبو الطَّيبِ اللُّغَويِّ (ت 351 هـ) تَحْقِيق / عزَّة حَسَن، (ط) مجمع اللُّغة العربية بدمشق (1963 م). - الأضدَادُ في اللغةِ، تَأْلِيف مُحَمَّد بن القاسم، أبي بكر بن الأنْبَارِي (ت 328 هـ) تَحْقِيق: مُحَمَّد أبي الفَضل إبراهيم (ط) وزارة الإعلام الكويتية (1380 هـ). - الأضدَادُ، تأْلِيف مُحَمَّدِ بنِ المُسْتَنِيرِ (قُطْرُب) (ت 206 هـ)، تَحْقِيق: حنَّا حداد، (ط) دار العلوم الرياض (1405 هـ). - إعرابُ القِرَاءَات، تَأْلِيف الحُسين بن أحمد بن خَالويه (ت 370 هـ)، تَحْقِيق: د / عَبْد الرحْمن بن سُلَيمَان العُثيمِين، (ط) مكتبة الخانجي - مصر (1413 هـ). - إعرابُ القرآن، تأليف: أبي جَعْفَرٍ أحمدِ بن محمد النَّحاس (ت: 338 هـ)، تحقيق: د (زهير غازي زاهد (ط) بغداد سنة 1979 م. - الأعلام، تأليف: خير الدِّين الزِّرِكِلْيّ (ط) دار العلم للملايين سنة 1984 م. - الإعْلام بِمَنْ حَلَّ مُراكش من الأعْلامِ، تأْلِيف العبَّاسِ بن إبراهيم المراكشي، (ط) الرِّباط (1974 م). - الأغَانِي، تأليفُ علي بن الحُسين، أبُي الفرج الأصْبَهَانِي (ت 356 هـ)، (ط) دَارُ الكُتُبِ المصرية من سنة (1354 - 1394 هـ). - الإفْصَاحُ في شَرْحِ أَبياتٍ مُشْكِلَةِ الإعْرَاب، تأليفِ الحَسَنِ بن أَسَدٍ الفَارِقِيِّ (ت 487 هـ)، تَحْقِيق: سعيد الأفعاني (ط) جامعة بَنْغَازِي، سنة (1974 م). - الأفعال، تأليف: أبو بكر محمَّدٍ بن عُمَر بن عبد العزيز المعروف بـ "ابن القُوْطِيةِ" (ت: 367 هـ) تحقيق: علي فوده (ط) مطبعة مصر 1952 م- و (ط) ليدن 1894 م. - الأفْعَالُ، تأليفُ سعيد بن عثمان السَّرقُسطيِّ (ت 400 هـ) تَحْقِيق: حسين مُحَمد شَرَف، (ط) مَجمع اللُّغة العربية، القاهرة (1395 هـ). - الأفْعَالُ، تأليفُ علي بن جَعفر بن القَطَّاعِ (ت 515 هـ)، (ط) دائرة المعارف العثمانية، حَيدَرآباد، الهند (1360 هـ). - اقْتِبَاسُ الأنْوَارِ ... في أَنْسَاب الصَّحَابةِ ورواة الآثارِ (مختصره)، تأليفِ عبدِ الحق بن عبد الرَّحمن الإشْبِيلِيّ (ت 581 هـ)، مخطوط في المكتبة الأزهرية. - الاقْتِضَاب شرح أدب الكاتب، تألِيف عبد الله بن مُحَمَّد بن السِّيد البَطَلْيَوْسِي، أبي محمدٍ (ت 521 هـ)، تَحْقِيق: مصطفى السقا .. ، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب (1981 م).
- الاقتضاب في شرح غريب الموطَّأ وإعرابه على الأبواب، تألِيف مُحَمَّد بن عبد الحقِّ بن سُلَيمَان اليَفْرنيِّ التِّلمساني (ت 625 هـ)، حققته وهو في طريقه إلى النشر -إن شاء الله-. - إِكْمَالُ الإعلام بمُثلثِ الكَلامِ، تأليفُ مُحَمَّدِ بن عبدِ الله جمالُ الدِّين بن مالك (ت 672 هـ)، تَحْقِيق: سعد حمدان الغامدي، (ط) مركز البحث العلمي - جامعة أم القرى، مكة المكرمة (1404 هـ). - الإكْمَالُ في رَفْع الارتياب عن المُؤتلف والمُختلف من الأسْماءِ والكُنَى والألْقَاب، تَأْلِيف عليُّ بن هبة الله بن ماكولا، أبي نَصْرٍ الأمير (ت 475 هـ) تَحْقِيق: عبد الرَّحمن بن يَحْيَى المُعلَمِيِّ، (ط) دائرة المعارف العثمانية -الهند- حيدرآباد (1962 م). - الألْقَابُ، تَأْلِيف عَبْدِ الله بنِ مُحَمَّدِ بن يُوسف الأزْدِيِّ القُرْطُبِي المَعْرُوف بـ "ابنِ الفَرَضِيِّ" (ت 403 هـ) تَحْقِيق مُحَمَّد زينهم، (ط) دار الجيل، بيروت (1412 هـ). - الإلماع إلى معرفة أصول الرِّواية وتقييد السَّماع، تأليف: القاضي عِيَاضِ بنِ مُوسَى اليَحْصُبِي (ت 544 هـ) (ط) دار التراث، والمكتبة بمصر، العتيقة بتونس سنة 1978 م. - الأمَالِي في النَّحو (الأمَالِي الشَّجَرِيّةِ)، تأْلِيف هبة الله بن الشَّجَرِيِّ (ت 542 هـ)، (ط) دائرة المعارف العثمانية- حيدر آباد الدكن، الهند (1349 هـ). - الأمَالِي (النَّوادر)، تَأْلِيف أبي عَلِيٍّ القَالِي (ت 356 هـ)، تَحْقِيق عَبْد العَزِيز المَيمَنِيِّ الرَّاجَكُوتِيِّ، (ط) دار الكتب المصريَّة (1926 م). - الأمْثالُ، تأْلِيف أبي عُبَيدٍ القاسِم بن سَلامٍ الهَرَويِّ (ت 224 هـ) تَحْقِيق: عبد المجيد قطامش (ط) مركز البحث العلمي بجامعة أمِّ القرى بمكة المكرمة (1400 هـ). - إِنْبَاهُ الرُّواة على أَنباه النُّحَاةِ، تألِيف علي بنِ يُوسف القِفْطِي، جَمَالِ الدِّين (ت 646 هـ) (ط) دار الكتب المصرية- القاهرة (1969 م). - أنْسَابُ الأشْرَافِ (جُمَلٌ مِن ... )، تأْلِيف أحمد بن يحيى بن جابر البَلاذُرِي (ت 279 هـ)، تَحْقِيق: د / سهيل ذكار، ورياض زركلي (ط) دار الفكر - بيروت (1417 هـ). - الأنْسَابُ، تَأليف عبد الكريم بن مُحَمَّد السَّمعاني، أبي سَعْدٍ (ت 562 هـ)، تَحْقِيق: عبد الرَّحمن بن يحيى المُعلِّمي (أجزاء منه)، (ط) مُحَمَّد أمين دمج - بيروت (كَاملًا). - الإنصافُ في مَسَائِل الخِلاف في النَّحْو، تأليفِ عبد الرَّحْمَن بنِ مُحَمَّد بن أبي سعيد بن الأنْبَارِيِّ (ت 577 هـ)، (ط) المكتبة التجارية - القاهرة (1380 هـ). - الأوائل، تأليف: أبي هِلالٍ الحَسَنِ بن عبدِ الله العَسْكَرِيِّ (ت: 395 هـ)، تحقيق: وليد قصَّاب،
(حرف الباء)
ومحمد المصري (ط) دار العلوم- الرياض. - الإيضَاحُ في مَنَاسِكِ الحَجِّ والعُمْرة، تَأليف يَحْيَى بن شَرَفِ النَّوَويِّ (ت 676 هـ)، (ط) دار البَشائِرِ الإِسلامية، والمكتبة الإمدادية بمكة المكرمة، الطبعة الثانية (1417 هـ). - الإينَاسُ في عِلْمِ النَّسَبِ، تأْلِيف الحُسَين بن عليِّ المَعْروفِ بـ "الوَزِيرِ المَغْربِي" (ت 418 هـ) تَحْقِيق الشيخ حمد الجاسر، (ط) النادي الأدبي بالرياض (1400 هـ). (حَرْفُ الباء) - البارعُ في اللُّغَةِ، تأليف: أبي علي إسماعيل بن القاسم القَالي (ت: 356 هـ)، تحقيق: هاشم الطعان (ط) بيروت 1975 م. - البِئْرُ، تَأْلِيف مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ الأعْرَابِي (ت 231 هـ)، تَحْقِيق: د / رمضان عبد التَّواب، (ط) الهيئة المصرية العامَّة للكتاب (1970 م). - البَحْرُ المُحِيطُ، تَألِيف مُحَمَّدِ بن يُوسف، أبي حَيَّان الأنْدَلُسِي، أثيرُ الدِّينِ (ت 745 هـ). - البِدَايَةُ والنِّهَايَةُ، تأليفِ عِمَادِ الدِّينِ إسماعيلِ بنِ كَثِيرٍ (ت 774 هـ) (ط) السَّعادة بمصر (1358 هـ). - بَرْنَامجُ الرُّعَينيِّ، علي بن مُحَمَّدِ (ت 666 هـ)، تَحْقِيق: إبراهيم شَبُّوح (ط) دمشق (1962 م). - بُغْيَةُ المُلْتَمِسِ في تاريخ رجال أهل الأندلُسِ، تأليف: أحمد بن يحيى بن عميرة الضبيِّ (ت 599 هـ) (ط) دار الكاتب العربي 1967 م. - بُغْيَةُ الوُعَاةِ في طبقات اللُّغويين والنُّحاة، تَأليف عبد الرَّحمن بن أبي بكرٍ، جلال الدين السُّيوطِيِّ (ت 911 هـ)، تَحْقِيق: مُحَمَّد أبي الفَضلِ إبراهيم (ط)، عيسى البابي الحلبي، القاهرة (1384 هـ). - بَهْجَةُ المَجَالِسِ وأُنس المُجالس، تأْلِيف يُوسف بن عبد الله بن عبد البرّ النمَريِّ (ت 463 هـ)، تَحْقِيق: مُحَمَّد مرسي الخولي (ط) دَار الكَاتب العَرَبِي للنشر (الدَّار المَصرِية للتأليف والتَّرْجَمة). - البَيَانُ المُغربِ في أخبارِ الأندَلُسِ والمَغْرِبِ، تأليف مُحمدٍ المراكشي (ت 695 هـ)، تَحْقِيق: ج. س كولان، وإ. ليفي بُروفنسال، (ط) دار الثقافة، بيروت (1400 هـ)، وتحقيق: إميروسي هويسي ميرانده، ومشاركة مُحَمَّد بن تَاويت، ومحمد إبراهيم الكتاني، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة مُحَمَّد الخامس - الرباط (1958 م). - البَيَانُ والتَّبيين، تأليف: أبي عمرو عثمان الجاحظ (ت: 206 هـ)، تحقيق: عبد السلام محمَّد هارون (ط) مكتبة الخانجي بمصر سنة 1948 م.
(حرف التاء)
(حَرْفُ التّاء) - تأويل مشكل القُرآن، تأليف: أبي محمَّد عبد الله بن مسلم بن قتيبة (ت: 276 هـ)، تحقيق: سيد أَحْمد صقر (ط) دار التراث- مصر 1973 م. - تاجُ العَرُوس في شَرْحِ جَواهر القَامُوس، تأليف: مُحَمَّد مرتضى الزَّبِيدِيِّ (ت 1205 هـ)، (ط) المطبعة الخيرية بمصر (1306 هـ). - تاريخُ الإِسلام، تَأْلِيف مُحَمَّد بن أَحْمد شمس الدِّين الذَّهبيِّ (ت 748 هـ) تَحْقِيق: عبد السلام تدمري أجزاء منه حتَّى حوادث ووفيات سنة (670 هـ)، (ط) من (1407 - 1419 هـ). - تَارِيخ بَغْدَادَ، تَأْلِيف أَحْمد بن عليّ الحَافِظ الخَطِيبِ البَغْدَادِيّ (ت 463 هـ) (ط) دار الكاتب العربي، بيروت- لبنان (مصور). - تَارِيخُ جُرجان، تأْلِيف حَمْزة بن يوسف السَّهْمِيِّ (ت 427 هـ)، (ط) دائرة المعارف العثمانية، و (ط) عالم الكتب بيروت (1401 هـ) الطبعة الثَّانية. - تَارِيخُ خَلِيفَةَ بنِ خَيَّاطٍ (ت 240 هـ)، تَحْقِيق: الدكتور أكرم ضياء العُمَرِيِّ، (ط) مؤسسة الرِّسالة- دار العلم، بيروت (1401 هـ)، (الطبعة الثَّانية). - تاريخُ الطَّبَرِي (تاريخ الملوك والأمَم) تأْلِيف مُحَمَّد بن جرير الطَّبريِّ (ت 310 هـ) تَحْقِيق: مُحَمَّد أبي الفضل إبراهيم (ط) دار المعارف بمصر (1979 م) (الطبعة الرابعة). - تاريخ علماء الأندلس، تَأْلِيف عبد الله بن مُحَمَّد أبي الوليد بن الفَرْضِيِّ (ت 403 هـ)، (ط) الدَّار المصريّة للتَّأْلِيف والترجمة (1966 م). - تَارِيخُ قُضَاةِ الأنْدَلُسِ (المَرْقَبَةُ العُلْيَا ... )، تأليف: علي بن عبد الله، أبي الحسن النُّبَاهِيِّ (ت بعد 792 هـ)، نشره بروفنسال- القاهرة (1948 م). - التَّاريخُ الكبيرُ، تأْلِيف مُحَمَّد بن إسماعيل البُخَارِي (ت 256 هـ)، تَحْقِيق: عبد الرَّحمن المُعَلِّمي (ط) دار المعارف العثمانية- حيدرآباد الدِّكن (1360 هـ). - تَبْصِيرُ المُنْتَبه بتحرير المُشْتَبِه، تأْلِيف الحافظ أَحْمد بن عليّ بن حجرٍ العَسْقَلَانِيِّ (ت 852 هـ) تَحْقِيق: علي بن مُحَمَّد البجاوي، ومحمَّد بن عليّ النجار، (ط) الدار المصرية للتَّأْلِيف والترجمة (1386 هـ). - التَّبْيِينِ عن مَذَاهِبِ النَّحْويّين، تَأْلِيف أبي البَقَاء عبدِ الله بن الحسين العُكْبَرِيّ (ت 616 هـ)، تَحْقِيق: د / عَبْدُ الرَّحْمَن بن سُلَيمَان العُثيمِين، (ط) دار الغَرْبِ الإسْلَامِي - بيروت (1406 هـ). - التَّبيِينِ في أنساب القرشيين، تَأْلِيف عبد الله بن أَحْمد، موفق الدّين بن قدامة المقدسيّ
(ت 612 هـ)، تَحْقِيق: مُحَمَّد نايف الدُّليمي (ط) بغداد (1402 هـ). - التّحفةُ اللَّطِيفَةُ في تاريخ المَدِينَة الشَّرِيفَةِ، تأْلِيف مُحَمَّد بن عبد الرَّحمن السَّخَاويِّ (ت 902 هـ)، نشره أسعد طرابزوني الحسني (1399 هـ). - التَّخْمِيرُ (شَرْحُ المُفَصَّلِ)، تأْلِيف صَدْرِ الأفاضل قاسم بن الحسين الخُوَارَزْمِيِّ (ت 617 هـ)، تَحْقِيق: د / عَبْد الرَّحْمَن بن سُلَيمَان العُثيمِين (ط) دار الغرب الإِسلامي (1990 هـ). - تذكرة الحفَّاظ، تَأْلِيف مُحَمَّد بن أَحْمد الذَّهبي شمس الدين (ت 748 هـ)، (ط) دار المعارف العثمانية- الهند (1375 - 1377 هـ). - تَرتيبُ المَدَارك لمعرفة أعيان مذهب مالك، تأليف القاضي عياضِ بن موسى اليَحْصُبيِّ (ت 544 هـ)، (ط) وزارة الأوقاف بالمغرب، و (ط) مكتبة دار الفكر ببيروت (1967 م). - تفسير غريب القُرآن، تَأْلِيف عبد الله بن مُسلم بن قُتيبة الدِّينَوَرِيِّ (ت 276 هـ)، تَحْقِيق: سيد أَحْمد صقر، (ط) البابي الحلبي بمصر سنة (1958 م). - التَّقْفِيَةُ في اللُّغةِ، تأليف اليَمَانِ بن أبي اليَمَانِ البَنْدَنِيجِيِّ (ت 284 هـ)، تَحْقِيق: خليل إبراهيم العَطِيّة (ط) مكتبة العاني، بغداد (1976 م). - تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن)، تألِيف مُحَمَّد بن أَحْمد الأَنْصَارِيّ القرطبي (ت 671 هـ) (ط) دار الكتب بمصر (1358 هـ). - تكمِلة الصِّلة، تألِيف مُحَمَّد بن عبد الله القُضَاعِيُّ البلنسي الأندلسي (ت 659 هـ)، (ط) القاهرة (1956 م). - التَّنبيهاتُ على أغاليط الرُّواة، تأليف: علي بن حمزة البَصْرِيّ (ت: 375 هـ)، تحقيق: عبد العزيز المَيمَنِي (ط) دار المعارف بمصر 1967 م. - التَّمهيد (مرتب على أبواب المُوَطَّأ)، تأليفُ يُوسُفَ بنِ عبد اللهِ بن عبدِ البرِّ النَمريِّ (ت 463 هـ)، تحقيق: أسامة بن إبراهيم وحاتم أبو زيد، (ط) الفاروق الحديثة للطباعة والنشر (1420 هـ -1999 م). - تنبيه البَصَائِر على أسماء الكبائر، تأْلِيف عُمَرُ بن الحسن بن دحية (ت 633 هـ)، (مخطوط)، نسخة ليدن بهولندا. - تَنْويرُ الحَوَالِكَ، تَأْلِيف عبد الرَّحْمن بن أبي بكر السُّيوطي (ت 911 هـ) تقدَّم في (شروح الموطَّأ). - تَهْذِيبُ الألفاظ (كنز الحفَّاظ ... )، تَأْلِيف يعقوب بن السِّكيت، أبي يوسف (ت 244 هـ)، والتَّهذيب للخطيب التَّبريزي يحيى بن عليٍّ (ت 502 هـ)، تَحْقِيق: لويس شيخو (ط) المكتبة الكاثوليكية، بيروت- 1895 م. - تَوْضِيحُ المُشتَبه، تأْلِيف مُحَمَّدِ بنِ عبد الله القَيسِيِّ، المعروف بـ "ابنِ ناصرِ الدِّين" (ت 842 هـ)،
(حرف الثاء)
تَحْقِيق: مُحَمَّد نعيم عرقسوسي، (ط) مؤسسة الرسالة، 1414 هـ. - تَهْذيبُ تاريخ دمشق، تألِيف عبد القادر بن بدران (ط). - تَهْذِيبُ التَّهذيب، تأْلِيف الحافظ أَحْمد بن عليّ بن حَجَرٍ العَسْقَلَانِيِّ (ت 852 هـ)، (ط) دار صادر بيروت (1968 م) المصورة عن طبعة الهند. - تَهذِيبُ الكَمَال في أَسماء الرِّجال، تأْلِيف يُوسف بن عبد الرَّحْمَن المِزِّيِّ (ت 742 هـ)، تَحْقِيق: بشار عوَّاد معروف (ط) مؤسسة الرسالة (1400 هـ - 1413 هـ). - تَهْذِيبُ اللُّغة، تأليف أحْمَد بن مُحَمَّد الأزهريِّ (ت 370 هـ) (تَحْقِيق: (مجموعة من المُحَقِّقين) (ط) الدار المصريَّة للتأليف والتَّرْجَمة، القاهرة (ط) (1964 - 1967 م). - التَّيسِيرُ في القِرَاءَاتِ السَّبع، تأْلِيف أبي عَمرو عثمان بن سَعِيدٍ الدَّانيِّ (ت 444 هـ)، تَحْقِيق: أو تربرتزل، (ط) استانبول سنة (1350 هـ)، (جمعية المستشرقين الألمان). (حَرفُ الثَّاء) - الثِّقاتُ، تَأْلِيف مُحَمَّد بن حبّان البُسْتِيِّ (ت 354 هـ)، (ط) دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدُّكن، الهند (1399 هـ). - ثمار القُلُوْبِ في المُضَافِ والمَنْسُوْب، تأليف: عَبْدِ المَلِكِ بن محمّدٍ الثّعَالِبِيِّ (ت: 429 هـ)، تحقيق: محمَّد أبو الفضل إبراهيم (ط) دَار نهضة مصر 1965 م. (حَرْفُ الجيم) - الجِبَالُ والأمكنةُ والمِيَاهُ، تأْلِيف مَحْمُود بن عمر الزَّمَخْشَرِيِّ (ت 538 هـ) تَحْقِيق: إبراهيم السَّامرائي- بغداد سنة (1968 م). - جَذْوَةُ المُقْتَبِسِ في تاريخ علماء الأندلس، تأْلِيف مُحَمَّد بن أبي نصر الحُمَيدِيِّ (ت 488 هـ)، تَحْقِيق: إبراهيم الإبياري (ط) دار الكاتب المصرية ودار الكاتب اللبناني (1403 هـ). - الجَرْحُ والتَّعْدِيلُ، تَأْلِيف عبد الرَّحْمَن بن أبي حاتمٍ الرَّازِيّ (ت 327 هـ)، تَحْقِيق: عبد الرَّحمن بن يَحْيَى المُعَلِّمِيِّ- دائرة المَعَارف العثمانية، حيدر آباد الدّكن- الهند، (1372 هـ). - الجَلِيسُ الأنِيسُ في تحريم الخَنْدَرِيس، تألِيف مُحَمَّد بن يَعقُوب الفيروزآبادي (ت 817 هـ) (مخطوط). - جمهرة أشعار العرب، تأليف: أبي زيد محمَّد بن أبي الخَطَّاب القُرشيّ (ت: ؟ ) (ط) بولاق (1308 هـ).
(حرف الحاء)
- جَمْهَرَةُ الأمثالِ، تَأْلِيف الحسن بن عبد الله أبي هلال العَسْكَرِيِّ (ت هـ 39 هـ) تَحْقِيق: مُحَمَّد أبي الفضل إبراهيم، وعبد المجيد قطامش (ط) المؤسسة العربية الحديثة بمصر (1964 م). - جَمْهَرَةُ أنسابِ العَرَبِ، تَأْلِيف علي بن أحمد بن حَزْمٍ (ت 456 هـ) تَحْقِيق: عبد السلام هارون (ط) دار المعارف بمصر (1382 هـ). - جَمْهَرَةُ اللُّغةِ، تأْلِيف أبي بكرٍ مُحَمَّد بن الحَسَن بن دريد الأزديِّ (ت 321 هـ) تَحْقِيق: د / رمزي البعلبكي، (ط) دار العلم- بيروت (1987 م). - جَمْهَرَةُ نَسَبِ قُريش وأخبارها، تَألِيف الزُّبير بن بَكَّارٍ (ت 256 هـ) (الجزء الأول)، تَحْقِيق: محمود مُحَمَّد شاكر (ط) دار العروبة، القاهرة (1381 هـ). - جَمْهَرَةُ النَّسَبِ، هشام بن مُحَمَّد بن السَّائِب الكَلْبِيِّ (ت 204 هـ) رواية السكري عن ابن حبيب، تَحْقِيق: ناجي حسن، (ط) عالم الكتب (1407 هـ). - جَنَى الجَنَّتين في تمييز نَوْعَي المُثنَّيَينِ، تأَلِيف مُحَمَّد أمين بن فضل الله المُجِبِّي (ت 111 هـ)، (ط) التَّرقي بدمشق سنة (1348 هـ). - الجَنَى الدَّانِي في حُرُوفِ المَعَانِي، تأليف الحسن بن قاسم المراديِّ (ت 749 هـ)، تَحْقِيق: د / فخر الدين قباوة، وحمد نديم فاضل، (ط) المكتبة العربية بحلب (1393 هـ). (حَرْف الحاء) - الحُجَّةُ في القِرَاءَاتِ السَّبعِ، تَأليف أبي علي الحَسَنِ بنِ أحمد الفَارِسيّ (ت 377 هـ)، (ط) دار المأمون- دمشق (1404 هـ) فما بعدها. - حسنُ المُحَاضَرَةِ في تاريخ مصر والقاهرة، تأْلِيف جلال الدِّين عبد الرَّحمن بن أبي بكر السُّيوطي (ت 911 هـ) تَحْقِيق: مُحَمَّد أبي الفَضْلِ إبراهيم، (ط) عيسى البابي الحلبي- القاهرة (1387 هـ). - الحُلَلُ السُّنْدسِيَّةَ في الأخْبَارِ والآثارِ الأندلُسِيَّة، تأليف: الأمير شكيب أرسلان (ط) دار الحياة- بيروت. - حِلْيَةُ الأوْلِيَاءِ وَطَبَقَاتُ الأصْفِيَاءِ، تَأْلِيف الحافظ أبي نُعيم أحمد بن عبد الله الأصبهانيِّ (ت 430 هـ)، (ط) السَّعادة- القاهرة، (1357 هـ). - خَرِيدَةُ القَصْرِ (قسم شُعَرَاء المَغْرِب)، تَألِيف العماد الأصْبَهَانِي الكَاتِبُ، تَحْقِيق: مُحَمَّد المَرزوقي .. وآخرين، (ط) الدار التونسية للنشر (1973 م) (النشرة الثانية).
(حرف الخاء)
(حَرف الخاء) - خِزَانَةُ الأَدَب، تأْلِيف عبد القادر بن عُمَرَ البَغْدَادِيِّ (ت 1093 هـ)، (ط) بولاق (1299 هـ). - الخَصَائِصُ، تأْلِيف عثمان بن جني أبي الفتح (ت 392 هـ)، تَحْقِيق: الشيخ مُحَمَّد بن عليّ النَّجار، (ط) دار الكتب المصرية (1952 م) فما بعدها. - خَلْقُ الإنسان، تأْلِيف عبد الملك بن قُرَيبٍ الأصمعيِّ (ت 216 هـ)، نشر في (الكنز اللُّغوي) تَحْقِيق هفنر (ط) المكتبة الكاثوليكية - بيروت (1903 م). (حَرْفُ الدَّال) - الدُّرُّ النَّقِيُّ في شرحِ ألفاظِ الخِرَقِيِّ، تَأْلِيف يُوسف بن حسن بن عبد الهادي (ت 909 هـ)، تَحْقِيق: (إعداد ... ) رضوان مختار بن غرِيبَةَ (ط) دار المُجتمع للنشر والتَّوزيع، جدة (1411 هـ). - الدُّرَرُ الكَامِنَةُ، تَأْلِيف الحافظ أَحْمد بن عليّ بن حَجَرٍ العَسْقَلَانِيِّ (ت 852 هـ)، تَحْقِيق: مُحَمَّد سيد جاد الحق، (ط) المدنِيُّ بمصر، الطبعة الثَّانية (1385 هـ). - الدُّرُّ المَصُوْنُ في عُلُومِ الكتابِ المَكْنُونِ، تَأْلِيف أَحْمد بن يوسف الحَلَبِي، المعروف بـ "السَّمين" (ت 756 هـ) (تَحْقِيق: د / أَحْمد الخرَّاط، (ط) دار القلم، دمشق، (1406 هـ - 1415 هـ). - الدِّيبَاجُ المُذْهَبِ في معرفةِ أعيانِ المَذْهَبِ، تأْلِيف إبراهيم بن عليّ بن فُرْحُون اليَعْمُرِيِّ المَدَنِيِّ (ت 799 هـ)، تَحْقِيق: الأحمدي أبي النُّور (ط) دار التُّراث، القاهرة (1972 م). - دِيوَانُ امرئ القَيس، تَحْقِيق: مُحَمَّد أبي الفَضْل إبراهيم (ط) دار المعارف بمصر (1969 م). - ديوان أُميَّة بن أبي الصَّلت، تحقيق: د / عبد الحفيظ السطلي، (ط) دمشق 1974 م- وتحقيق بهجة عبد الغفور الحديثي (ط) بغداد سنة 1975 م. - دِيوَانُ أوْسِ بن حَجَرٍ، تَحْقِيق: مُحَمَّد يوسف نجم، (ط) دار صادر (1979 م). - ديوان بشرِ بنِ أبي خَازِمٍ الأسديِّ، تحقيق: عزة حسن (ط) دمشق 1973 م. - ديوانُ أبي تمَّام حَبيب بن أوس الطَّائيّ، شرح الخَطيب يَحْيَى بنُ علي التِّبريزيِّ (ت: 502 هـ) تحقيق: محمَّد عبده عزام (ط) دار المعارف بمصر سنة 1964 م. - دِيوَانُ تميمِ بن أُبَيِّ بن مقبل العَجْلَانِيُّ، تَحْقِيق: عزة حسن- دمشق (1381 هـ). - دِيوَانُ جريرٍ، تَحْقِيق: نعمان أمين طه، (ط) دار المعارف بمصر (1971 م). - ديوان جَميل بن معمر العُذْرِي، تحقيق: د / حسين نصار (ط) مكتبة مصر- القاهرة. - دِيوَانُ الحُطَيئَةِ (رواية ابن السكيت وشرحه)، تَحْقِيق: نعمان أمين طه (ط) مكتبة الخانجي (1407 هـ).
- ديوانُ حاتِمٍ الطَّائي، تحقيق: عادل سليمان (ط) مطبعة الخانجي- مصر. - ديوانُ الحماسةِ، تأليف: أبي تمام حَبِيبِ بنِ أوس الطَّائي (ت: 231 هـ) (رواية الجواليقي) تحقيق: د / عبد المنعم أَحْمد صالح (ط) وزارة الثقافة- بغداد سنة 1980 م (دار الرشيد). - دِيوَانُ الحَارثِ بن حلِّزة اليشكري، جمع وتحقيق: هاشم الطَّعان، (ط) بغداد (1969 م). - دِيوَانُ حَسَّان بن ثابت الأَنْصَارِيّ، تَحْقِيق: الدكتور وليد عرفات، (ط) دار صادر - بيروت (1974 م). - دِيوَانُ حُمَيدِ بنِ ثَوْرٍ، تحْقِيق: عبد العزيز المَيمَنِي الراجكوتي، (ط) دار الكتب المصرية (1951 م). - ديوانُ الخَنْسَاءِ، شرح أبي العباس أَحْمد بن يَحْيَى ثعلب (ت: 291 هـ)، تحقيق: أنور أبو سويلم (ط) دار عمار- الأردن، سنة 1409 هـ. - دِيوَانُ دُرَيدِ بنِ الصِّمَّةِ، جمع وتحقيق: مُحَمَّد خير البقاعي، (ط) دار قتيبة (1401 هـ). - دِيوَانُ ذِي الرُّمة، تَحْقِيق: د / عبد القدوس أبي صالح، (ط) مجمع اللّغة العربيّة بدمشق (1972 - 1973 م). - ديوان رؤبة بن العجَّاج (مجموع أشعار العرب)، نشره: وليم بن آلورد (ط) لا يبزك سنة 1903. - دِيوَانُ الرَّاعِي النُّميريِّ، تَحْقِيق: د / راينهرت وايبرت، (ط) بيروت سنة (1401 هـ). - دِيوَانُ زُهَيرِ بن أبي سُلْمَى، شرح ثعلب (ت 292 هـ)، (ط) دار الكتب المصرية (1944 م). - دِيوَانُ سُوَيدِ بن أبي كاهل اليشكريِّ، تَحْقِيق: طاهر العاشور، (ط) البصرة، (1279 م). - ديوان الشَّافعيّ (الإِمام) (شعر الشَّافعيّ)، جمع وحقيق: د / مجاهد مصطفى بهجت، الموصل سنة 1406 هـ. - ديوان الشماح بن ضرار الغطفاني، تحقيق: صلاح الدِّين الهادي (ط) دار المعارف بمصر سنة 1968 م. - دِيوَانُ طَرَفَةِ بنِ العَبْدِ البَكْرِيّ، شرح أبي الحجاج الأعلام الشنتمري (ت 476 هـ)، تَحْقِيق: لطفي الصَّقَّال، ودريَّة الخَطيب، (ط) دمشق (1395 هـ). - دِيوَانُ عبد الله بنِ رَوَاحَةَ، تَحْقِيق: وليد قصَّاب، (ط) دار العلوم- الرياض (1402 هـ). - دِيوَانُ عَبِيدُ بنُ الأبْرَصِ الأسدي، تَحْقِيق: الدكتور حسين نَصَّار (ط) القاهرة (1957 م). - ديوانُ عُبَيدِ الله بن قَيس الرُّقيات، تحقيق: محمَّد يوسف نجم (ط) بيروت، دار صادر سنة 1958 م.
- دِيوَانُ العَجَّاج، تَحْقِيق: عبد الحفيظ السَّطلي، (ط) مكتبة أطلس سنة (1391 هـ). - دِيوَانُ عُمَرَ بنِ أبي رَبِيعَةَ، تَحْقِيق: مُحَمَّد مُحيي الدِّين عبد الحميد، (ط) السعادة بمصر (1960 م). - ديوان العَرْجِيِّ، تحقيق: خضر الطَّائيّ- ورشيد العبيدي (ط) بغداد سنة 1956 م. - دِيوَانُ عَمْرِو بن مَعْدِي كَرِبٍ، تَحْقِيق: هاشم الطَّعان، (ط) بغداد سنة 1970 م، وتحقيق: مطاع الطَّرابيشي (ط) دمشق سنة (1974 م). - دِيوَانُ عَنْتَرَةَ، تَحْقِيق: مُحَمَّد سعيد مولوي، المكتب الإِسلامي، دمشق (1964 م). - ديوان الفَرَزْدَقِ (ط) دار صادر- بيروت 1966، و (ط) الصاوي. - دِيوَانُ القُطامي، تَحْقِيق: إبراهيم السَّامرائي وأَحمد مطلوب، (ط) دار الثقافة، بيروت (1960 م). - ديوان قَيسِ بنِ الخَطِيمِ، تحقيق: د / ناصر الدِّين الأسد، (ط) بيروت 1967 م. - ديوانُ كُثيِّر عَزَّةَ، تَحْقِيق: د / إحسان عبَّاس، (ط) دار الثقافة، بيروت سنة (1971 م). - ديوان كعب بن زُهير، صنعة: السُّكريِّ (ط) دار الكتب المصريَّة 1950 م. - ديوان كعب بن مالك، تحقيق: سامي مكّيّ العاني، (ط) بغداد سنة 1966 م. - دِيوَانُ لَبِيدٍ (شرح ديوان ... )، تَحْقِيق: إحسان عباس، (ط) وزارة الإعلام الكويتية (1382 هـ). - دِيوَانُ لَيلَى الأخيلية، تَحْقِيق: خليل وجليل العطية، (ط) بغداد سنة (1967 م). - دِيوَانُ مَالكِ بن الرَّيب، تَحْقِيق: نورى القَيسِي، (ط) مجلة معهد المخطوطات (1389 هـ). - دِيوَانُ المتلمس، تَحْقِيق: مُحَمَّد كامل الصَّيرفي، (ط) مجلة معهد المخطوطات العربية، القاهرة (1970 م). - ديوان المعاني، تأليف أبي هِلَالِ الحَسَنِ بن عبد الله العَسْكَرِيِّ (ت: 395 هـ) (ط) مكتبة القدسي مصر سنة 1352 هـ. - دِيوَانُ النَّابغة الجَعْدِيِّ، تَحْقِيق: عبد العزيز رباح، المكتب الإِسلامي، دمشق (1384 هـ). - دِيوَانُ النابغة الذُّبْيانيِّ، صنعة ابن السِّكيت (ت 244 هـ)، تَحقِيق: شكري فيصل، بيروت سنة (1968 م)، وتحقيق: مُحَمَّد أبي الفضل إبراهيم، (ط) دار المعارف بمصر سنة (1977 م). - ديوان أبي النِّجم العِجْلِيِّ، صنعة: علاء الدِّين آغا (ط) منشورات النادي الأدبي- الرياض 1981 م.
(حرف الذال)
- ديوانُ النَّمرِ بنِ تَوْلَبٍ (شعر النَّمر) صنعة: د / نوري حمودي القيسي (ط) بغداد سنة 1969 م. (حرْفُ الذَّال) - الذَّخِيرَةُ في مَحَاسِن أهل الجَزِيرَةِ، تَأْلِيف علي بن بسَّام الشَّنْتَرِينيِّ (ت 542 هـ)، تَحْقِيق: د / إحسان عبَّاس، (ط) دار الثقافة، بيروت- لبنان سنة (1399 هـ). - ذَيلُ التَّقْيِيدِ في رواة السُّن والمسانيد، تأليف: مُحَمَّد بن أَحْمد تقي الدين الفاسي (ت 832 هـ) تَحْقِيق: كمال يوسف الحوت، (ط) دار الكتب العلمية - بيروت سنة (1410 هـ). - الذَّيلُ والتكمِلةُ لكتاب الموصول والصلة (أجزاء منه)، تألِيف مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الملك المراكشي (ت 703 هـ)، تَحْقِيق: مُحَمَّد بن شريفة، إحسان عباس. (حرف الراء) - رجَالُ صَحِيح مُسْلِمٍ، تأْلِيف أَحْمد بن عليّ بن منجويه الأَصْبهانِيّ (ت 428 هـ) تَحْقِيق: عبد الله اللَّيَثي، (ط) دار المعرفة (1407 هـ). - الرِّسالةُ المُستطرفة، تأْلِيف مُحَمَّد بن جعفر الكتاني (ت 1345 هـ)، (ط) دار الكتب العلمية (1400 هـ). - الرَّوضُ الأنُف، تأليف: عبد الرَّحمن بن عبد الله السُّهيلي (ت: 581 هـ)، تحقيق: عبد الرَّحْمَن الوكيل (ط) القاهرة سنة 1967 م. - الرَّوْضُ المِعْطَارُ في خَبَرِ الأقْطَارِ، تَأْلِيف مُحَمَّد بن عبد المنعم الحِمْيَرِيّ (ت؛ )، تَحْقِيق: د / إحسان عباس، (ط) مكتبة لبنان سنة (1975 م). (حرْف الزَّاي) - زَادُ المَسِيرِ في علم التَّفْسير تأْلِيف عبد الرَّحْمَن بن عليّ بن الجَوْزِي (ت 597 هـ)، (ط) المكتب الإِسلامي (1384 هـ). - الزَّاهِرُ في غريب ألفاظ الشَّافِعِي، تأْلِيف مُحَمَّد بن أَحْمد، أبي منصور الأزهريِّ (ت 370 هـ)، حققه مُحَمَّد جبر الألفي، (ط) وزارة الأوقاف الكويتية سنة (1399 هـ). - الزَّاهِرُ في معاني كلمات النَّاس ... تَأليف أبي بكر مُحَمَّد بن القاسم الأنباري (ت 328 هـ) تَحْقِيق: د / حاتم صالح الضَّامن، (ط) بغداد (1399 هـ) دار الرَّشيد. - الزِّينةُ في الكلمات الإِسلامية، تأْلِيف أَحْمد بن حَمْدَان الرَّازيِّ، أبي حاتمٍ (ت 322 هـ)، تَحْقِيق: حسين فضل الله الهَمَذَانِي- القاهرة (1957 - 1958 م).
(حرف السين)
(حَرْفُ السِّين) - السَّبْعَةُ في القراءات، تَأْلِيف أَحْمد بن موسى أبي بكر بن مُجَاهِدٍ (ت 324 هـ)، تَحْقِيق: د / شوقي ضيف، (ط) دار المعارف بمصر سنة (1972 م). - سِرُّ صِنَاعَةِ الإعراب، تَأْلِيف عثمان بن جني، أبي الفتح (ت 393 هـ) تَحْقِيق: د / خليل هنداوي، (ط) دار القلم- دمشق سنة (1405 هـ). - سِيَرُ أعلامِ النُّبلاء، تَأْلِيف الحافظ شمس الدِّين مُحَمَّد بن أَحْمد الذهبي (ت 748 هـ)، تَحْقِيق مجموعة من المحققين، (ط) مؤسسة الرسالة (1401 - 1405 هـ). - السِّيرةُ النَّبَويَّةُ، تهذيب: أبي مُحَمَّد عبدِ الملك بن هشام الحِمْيَريِّ (ت 213 هـ)، تحقيق: مصطفى السَّقا وآخرين (ط) مصطفى البابي الحلبي- القاهرة سنة 1375 هـ. (حرْفُ الشِّين) - شَذَرَاتُ الذهب في أخبار من ذهب، تَأْلِيف عبد الحي بن العماد الحَنْبَلِيِّ (ت 1089 هـ)، (ط) القاهرة (1350 هـ)، و (ط) دار ابن كثير (1406 - 1414 هـ). - شَرْحُ أبياتِ الكتاب، تأْلِيف أبي مُحَمَّد يوسف بن الحسن السِّيرافي (ت هـ 38 هـ)، تَحْقِيق: د / محمَّد علي سلطاني (ط) مجمع اللُّغة العربية بدمشق (1969 م). - شَرْحُ أَبْيَاتِ المُغني، تَأْلِيف عبد القادر بن عمر البَغْدَادِيِّ (ت 1093 هـ (تَحْقِيق: عبد العزيز رباح، وأَحمد يوسف دقاق، (ط) دار المأمون بدمشق سنة (1973 م). - شَرْحُ أَدَبِ الكَاتِبِ، تأْلِيف مَوْهُوْبِ بنِ أَحْمد الجَوَالِيقِيِّ (ت 540 هـ)، (ط) القاهرة (1350 هـ). - شَرْحُ أَشْعَارِ الهُذَلِيينَ، تَأْلِيف الحسن بن الحسين السُّكريِّ (ت 275 هـ)، تَحْقِيق: عبد السَّتار أَحْمد فراج، (ط) دار العُرُوبة بمصر (1384 هـ). - شَرْحُ الزُّرقاني (تقدم في شروح الموطَّأ) في مقدمة تفسير غريب الموطأ لابن حبيب. - شَرْحُ شَوَاهِدِ إصلاح المنطق، تَأليف يوسف بن الحسن السِّيرافي (ت 385 هـ)، تَحْقِيق: ياسين مُحَمَّد السَّواس، (ط) الدار المتحدة- دمشق (1412 هـ). - شَرْحُ القَصَائِدِ السَّبيع الطِّوال، تأْلِيف مُحَمَّد بن القَاسِمِ بن الأنباريِّ (ت 328 هـ)، تَحْقِيق: عبد السَّلام هارون، (ط) دار المعارف بمصر (1963 م). - شَرْحُ القَصَائِدِ التِّسع، تَألِيف أَحْمد بن مُحَمَّد بن النَّحاس، أبي جَعْفَرٍ (ت 328 هـ)، تَحْقِيق: أَحْمد خطاب، (ط) بغداد (1973 م).
(حرف الصاد)
- شرحُ المُفَصَّلِ، تَأْلِيف يعيش بن عليّ بن يعيش (ت 643 هـ)، (ط) المنيرية بمصر. - شَرْحُ المُفَضَّليات، تأْلِيف القاسم بن بشَّارٍ الأنباري (ت 304 هـ)، تَحْقِيق: ليال، (ط) بيروت (1920 م). - شَرْحُ مقصورة ابن دريد (ابن خالويه وجهوده ... )، تَأْلِيف الحسين بن أَحْمد بن خالويه (ت 370 هـ)، تَحْقِيق: محمود جاسم محمَّد، (ط) مؤسسة الرسالة (1407 هـ). - شرحُ نهج البَلاغةِ، تأليف: عبد الحميد بن أبي الحديد (ت 656 هـ) تحقيق: محمَّد أبي الفضل إبراهيم (ط) مصر سنة 1967 م.- شِعْرُ الأغْلَبِ العِجْلِيّ، نشره الدكتور نورى القَيسيِّ، مجلة المجمع العلمي العراقي (3/ 31). - شِعْرُ الأخْطَلِ (صنعة السُّكريِّ)، تَحْقِيق: فخر الدّين قباوة، (ط) د ار الأصمعي، حلب (1971 م). - شِعْرُ البَعِيثُ المُجَاشِعِيِّ، جمع وتحقيق: ناصر رشيد مُحَمَّد حسين- مجلة كلية الآداب، جامعة البصرة، عدد (14). - شِعْرُ بني تَمِيمٍ، جمع: الدكتور عبد الحميد محمود، (ط) النادي الأدبي بالقصيم (1402 هـ). - شِعْرُ الخَوَارِجِ، تَحْقِيق: د / إحسان عباس - بيروت (1974 م). - شِعْرُ طَيِّئ وأخبارها، جمع وتحقيق: د / وفاء فهمي السّندوبي، (ط) دار العلوم- الرياض (1403 هـ). - شِعْرُ الرَّبيعِ بن زيادٍ العَبْسِي، تَحْقِيق: عادل البياتي، مجلة كلية الآداب، بغداد- عدد (14) سنة (1971 م). - شِعْرُ الكُمَيتُ بنُ زيدٍ الأسَدِيِّ، جمع الدُّكتور / داود سلوم- النَّجف (1969 م). - الشِّعْرُ والشُّعَرَاءُ، تأْلِيف عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدِّينَوَرِيِّ (ت 276 هـ)، تَحْقِيق: الشَّيخ أَحْمد شاكر (ط) دار المعارف بمصر سنة (1966 م). - شِفَاءُ الغَلِيلِ فيما في كلام العرب من الدَّخيلِ، تأْلِيف شهاب الدِّين الخَفَاجِيِّ (ت 1069 هـ)، (ط) المنيرية بالأزهر (1952 م). (حَرْفُ الصَّاد) - الصُّبحُ المُنير في شعر أبي بصير (ديوان الأَعشى) وغيره .. (ط) بلندن (1927 م). - الصِّحَاحُ (تاج اللُّغة وصحاح العربيَّة)، تأليف: إسماعيل بن حماد، أبي نَصْير الجَوْهَرِيِّ (ت 398 هـ)، وتحقيق: أَحْمد عبد الغفور عَطَّار (ط) دار الكتاب العربي بمصر (1376 هـ). - صَفْوَةُ الصَّفْوَةِ، تأليف: أبي الفرج عبد الرَّحمن بنِ علي بنِ الجَوْزِيِّ (ت: 597 هـ) (ط) دائرة
(حرف الطاء)
المعارف العثمانية، حيدر آباد الدين- الهند سنة 1355 هـ. - الصِّلَةُ، تَأليف خلف بن عبد الملك بن بشكوال (ت 578 هـ)، (ط) الدار المصرية للتأْلِيف والتَّرجمة سنة (1966 م). - الصِّنَاعَتينِ، تأليف: أبي هِلَالٍ الحَسَنِ بنِ عبدِ الله العَسْكَرِيِّ (ت: 395 هـ) تحقيق: محمَّد علي البجاوي (ط) مصر سنة 1971 م. (حرْفُ الطّاء) - طَبَقَاتُ الأُمَمِ، تأليف: صاعدِ بنِ أَحْمد الطُلَيطِليُّ (ت: 462 هـ) (ط) القاهرة و (ط) لويس شيخو الكاثوليكية - بيروت 1912 م. - طبقاتُ الحفاظِ، تأليف: عبد الرَّحمن بن أبي بكر السُّيُوطي (ت: 911 هـ) تحقيق: علي محمَّد عمر (ط) مكتبة وهبه- القاهرة 1393 م. - طَبقَاتُ خَلِيفَةَ بنِ خيَّاط العُصَيفِرِيِّ (ت: 240 هـ) تحقيق: د / أكرم ضياء العُمَرِيِّ (ط) دار طيبة- الرياض 1982 م. - طَبقَات الشَّافعيَّة الكُبرى، تأْلِيف تاج الدِّين السُّبْكِيِّ (ت 771 هـ)، تَحْقِيق: محمود الطناحي، وعبد الفتاح الحلو، (ط) عيسى الحَلَبِيّ بمصر سنة (1964 م). - طَبقَاتُ الشُّعَرَاءِ، تأْلِيف عبد الله بن المُعتزّ (ت 296 هـ)، تحْقِيق: عبد السَّتَّار فَرَّاج (ط) دار المعارف بمصر سنة (1956 م). - طَبَقَاتُ فُحُوْلِ الشُّعراء، تأْلِيف مُحَمَّد بن سَلَّام الجُمحِيِّ (ت 213 هـ)، تَحْقِيق: محمود مُحَمَّد شاكر، (ط) المدنِيُّ القاهرة (1394 هـ). - طَبَقَاتُ الفُقَهاء، تأْلِيف أبي إسحاق إبراهيم بن عليٍّ الشِّيرَازِيّ (ت 476 هـ)، تَحْقِيق: د / إحسان عباس - بيروت سنة (1970 م). - الطَّبَقَاتُ الكُبْرَى، تَألِيف مُحَمَّد بن سعد (ت 230 هـ) (ط) بيروت (1957 م). - طَبَقَاتُ المُفسِّرين، تألِيف مُحَمَّد بن عليّ بن أَحْمد الدَّاودي شمس الدين (ت 945 هـ) تَحْقِيق: علي مُحَمَّد عمر، (ط) مطبعة الاستقلال الكبرى, مصر (1392 هـ). - طَبقَاتُ النُّحويين واللُّغويين، تَأْلِيف أبي بكرٍ مُحَمَّد بن الحسن الزُّبيديِّ (ت 379 هـ) تَحْقِيق: مُحَمَّد أبي الفضل إبراهيم (ط) دار المعارف بمصر (1973 م). - الطَّرائفُ الأدَبِيَّة، جمع وتحقيق: عبد العزيز الميمني الرَّاجكوتي (ط) القاهرة سنة 1937 م.
(حرف العين)
(حَرفُ العين) - العبر في خبر من غير، تَأْلِيف مُحَمَّد بن أَحْمد الذَّهبي الحافظ (ت 748 هـ)، تَحْقِيق: صلاح الدين المنجد، (ط) الكويت (1386 هـ). - العصا، تَأْلِيف الأمير أسامة بن منقذ (ت 584 هـ)، تَحْقِيق: حسن عباس، (ط) الهيئة المصرية العامة للكتاب (فرع الإسكندرية) سنة (1977 م). - العِقْدُ الفَرِيدُ، تأليف: أَحْمد بنِ عبد ربُّه الأندلسيِّ (ت: 328 هـ)، تحقيق: أَحْمد أمين وآخرين، مطبعة لجنة التأليف ... مصر سنة 1948 م. - العَمْدَةُ في محاسن الشعر وآدابه، تأليف: الحسن بن رشيق القيراوني (ت 456 هـ)، تَحْقِيق: محمَّد قرقزان (ط) دار المعرفة بيروت سنة (1408 هـ). - العِقْدُ الثَّمِينُ في تاريخ البلد الأمين، تَأْلِيف مُحَمَّد بن أَحْمد الفاسي، تقيّ الدين (ت 832 هـ)، تَحْقِيق: فؤاد السَّيّد (ط) السنة المحمديّة سنة (1381 هـ). - عُنوانُ الدِّرايةِ ... ، تَأْلِيف أَحْمد بن أَحْمد بن العبد الله الغبريني (ت 714 هـ)، تَحْقِيق: عادل نُويهض، (ط) منشورات لجنة التَأْلِيف والترجم والنشر، بيروت (1969 م). - العَينُ، المنسوب إلى الخَلِيلِ بن أَحْمد الفراهيديِّ (ت 175 هـ)، تَحْقِيق: مهدي المخزومي، وإبراهيم السَّامرائي، (ط) بغداد (1400 - 1406 هـ). - عُيُونُ الأخْبَارِ، تأليف: أبي محمَّدٍ عبد الله بن مُسْلِمِ بنِ قُتيبَةَ (ت: 279 هـ) (ط) دار الكتب بمصر 1925 - 1930 م. (حَرْفُ الغين) - غَايَةُ النِّهاية (طبقات القُرَّاء)، تَأْلِيف مُحَمَّد بن مُحَمَّد شمس الدين الجزري (ت 833 هـ)، (ط) مكتبة الخانجي بمصر سنة (1352 هـ). - غَايَةُ الوَسَائِل إلى معرفة الأوائل، تَأْلِيف هبة الله بن باطيش (ت 655 هـ) (مخطوط) بخط مؤلِّفه. - غَرِيبُ الحَدِيثِ لأبي إسحاق إبراهيم الحربيِّ (ت 285 هـ) تَحْقِيق: د / سليمان بن إبراهيم العائد، (ط) مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى- مكة المكرمة (1405 هـ). - غَرِيبُ الحَدِيثِ، لأبي سليمان حمد بن مُحَمَّد الخطابي (ت 388 هـ) تَحْقِيق: عبد الكريم العزباوي (ط) مركز البحث العلمي بجامعة أمِّ القرى بمكة المكرمة (1402 هـ). - غَرِيبُ الحَدِيث، تَأْلِيف عبد الرَّحْمَن بن عليّ بن الجوزيِّ (ت 597 هـ)، تَحْقِيق: عبد المعطي أمين
(حرف الفاء)
قلعجي، (ط) دار الكتب العلميَّة، بيروت (1405 هـ). - غَرِيبُ الحديث، تأْلِيف عبد الله بن مسلم بن قُتَيبَةَ الدينوريِّ (ت 276 هـ)، تَحْقِيق: د / عبد الله الجبوري، (ط) وزارة الأوقاف العراقية سنة (1397 هـ). - غَرِيبُ الحَدِيثِ لأندلسيِّ مجهولٍ من أهلِ القرنِ السَّادسِ الهِجْرِيِّ (مخطوط)، النسخة المحفوظة فيِ الأسكوريال بأسبانيا. - غرِيبُ الحَدِيثِ، لأبي عُبَيدٍ القاسمِ بن سلَّام الهَرَويِّ (ت 224 هـ)، (ط) دائرة المعارف العُثمانية. - حيدر آباد الدكن، الهند (1396 هـ) (مصورة عنها). و (ط) مجمع اللغة العربية بالقاهرة. - الغَرِيبَينِ، تَأْلِيف أبي عُبَيدٍ أَحْمد بن مُحَمَّد الهَرَويّ (ت 401 هـ)، تَحْقِيق: محمود الطناحي ج (1)، القاهرة (1970 م)، وطبعة الهند- دائرة المعارف العثمانية (1 - 3). - الغُنْيَةُ (مُعْجم شُيُوخِ) للقاضي عياض بن موسى اليَحصُبِيِّ (ت 544 هـ) تَحْقِيق: ماهر جَرَّار، (ط) دار الغرب الإِسلامي. (حرْفُ الفاء) - الفَائِقُ في غَرِيبِ الحَدِيثِ، تَأْلِيف مَحمُود بن عُمر جار اللهِ أبي القاسم الزَّمَخْشَرِيِّ (ت 538 هـ)، تَحْقِيق: مُحَمَّد علي البجاوي، ومحمَّد أبي الفضل إبراهيم، (ط) الحلبي بمصر (1971 م). - الفَاخرُ (في الأمثال)، تَأْلِيف المفضل بن سلمة (ت 219 هـ)، تَحْقِيق: الطحاوي (ط) مصر سنة (1960). - فتح الباري بشرح صحيح البُخَارِيّ، تأْلِيف الحافظ أَحْمد بن عليّ بن حجر العسقلاني (ت 852 هـ)، (ط) مُحَمَّد فؤاد عبد الباقي، السلفية بمصر سنة (1390 هـ) (مصور). - الفُتُوح، تأْلِيف أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَعْثَمٍ الكُوفِيّ (ت نحو 314 هـ)، (ط) دائرة المعارف العثمانية (1388 هـ). - الفَرْقُ بينَ الأحْرُفِ الخَمْسَةِ، تأْلِيف عبد الله بن مُحَمَّد بن السَّيد البطليوسيِّ (ت 521 هـ)، تَحْقِيق: عبد الله الناصير (ط) دار المأمون للتراث، دمشق سنة (1404 هـ). - فَصْلُ المَقَالِ في شَرْحِ كِتَابِ الأمْثَالِ، تأْلِيف أبي عُبَيدٍ عبد الله بن عبد العزيز البَكْرِيِّ (ت 487 هـ) تَحْقِيق: إحسان عباس، وعبد المجيد عابدين، (ط) بيروت (1971 م). - فَعَلْتَ وَأَفْعَلْتَ، تأْلِيف إبراهيم بن السَّرِي الزَّجاجِ (ت 311 هـ)، تَحْقِيق: ماجد الذهبي، (ط) الشركة المتحدة سنة (1404 هـ). - فَعَلْتَ وَأَفْعَلْتَ، لأبي حاتِمٍ سَهلِ بن مُحَمَّد السِّجِسْتَانِيِّ (ت 248 هـ)، تَحْقِيق: خليل إبراهيم
(حرف القاف)
العطية، (ط) دار صادر بيروت (1416 هـ). - فَعَلْتَ وَأَفْعَلْتَ (مَا جَاءَ على ... )، تأْلِيف مَوهوب بن أَحْمد الجواليقي (ت 540 هـ)، تَحْقِيق: ماجد الذهبي، (ط) دار الفكر- دمشق (1402 هـ). - فِهْرِسُ الفَهَارِسِ، تَأْلِيف عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني، تَحْقِيق: إحسان عباس، (ط) دار الغرب الإِسلامي، بيروت (1402 هـ). - فِهْرسْتُ ما رواه عن شيوخه (فهرست ابن خير الإشبيليُّ) تأْلِيف أبي بكر مُحَمَّد بن خير الإشبيلي (ت 5785 هـ)، (ط) بيروت (1962 م). - فَوَاتُ الوَفَيَاتِ، تأليف: محمَّد بن شاكر الكتبي (ت: 764 هـ)، تحقيق: د / إحسان عباس (ط) بيروت 1973 - 1974 م. (حرْف القاف) - القَبَسُ في شَرْحِ موطأ مالك بن أنس، للإمام ابن العربي (مفصَّل في مُقدمة تفسير غريب الموطَّأ). - قَصْدُ السَّبِيلِ فيما في اللُّغةِ العربيةِ من الدَّخيل، تأْلِيف مُحَمَّد بن فضل الله المحبي (ت 1111 هـ)، تَحْقِيق: عثمان محمود الصَّيني، (ط) مكتبة التوبة، الرياض (1415 هـ). - قَلَائِدُ العِقْيَانِ وَمَحَاسِنُ الأعْيَانِ، تأْلِيف الفتح بن خاقان (ت 528 هـ)، تَحْقِيق: حسين يوسف خربوش، (ط) مكتبة المنار، عمان (1409 هـ). (حرْف الكاف) - الكاملُ في ضُعَفَاءِ الرِّجال، تَأْلِيف أَحْمد بن عبد الله بن عَدِي الجُرْجَانِيِّ (ت 365 هـ)، (ط) دار الفكر بيروت (1404 هـ). - الكَامِلُ في اللُّغةِ والأدَبِ، تَأْلِيف مُحَمَّد بن يزيد المُبرِّد (ت 285 هـ) تَحْقِيق مُحَمَّد الدَّالي (ط) مؤسسة الرسالة (1406 هـ). - الكِتَابُ لسيبويه (ط) بولاق (1316 هـ). - كَشْفُ الظُّنون، تأْلِيف حاجي خليفة (كاتب جلبي) استانبول (1360 هـ). - كَشْفُ النِّقَابِ عن الأسْمَاءِ والألْقَابِ، تأْلِيف عبد الرَّحمن بن عليّ بن الجوزيِّ (ت 597 هـ)، تَحْقِيق: د / عبد العزيز بن راجي الصَّاعدي، (ط) دار السلام، الرِّياض (1993 م). - الكَشْفُ عن وُجُوْهِ القِراءات السَّبع وعللها، تَأْلِيف مَكي بن أبي طالب القَيرَاوَنِيِّ (ت 438 هـ) تَحْقِيق: مُحيي الدين رَمَضَان، (ط) مجمع اللُّغة العربية بدمشق (1394 هـ).
(حرف اللام)
(حَرْفُ اللام) - الَّلآلي في شرح الأمالي، تأْلِيف عبد الله بن عُبَيد الله أبي عُبَيدٍ البَكْرِيِّ (ت 487 هـ)، تَحْقِيق: عبد العزيز الميمني الراجكوتي (ط) لجنة التَّأْلِيف والترجمة والنشر- القاهرة (1354 هـ). - لِسَانُ العَرَبِ، جَمْع مُحَمَّد بن منظور الإفريقيِّ (ت 711 هـ)، (ط) دار صادر - بيروت (1968 م). - لِسَانُ المِيزَانِ، تأْلِيف الحافظ أَحْمد بن عليّ بن حجر العَسْقَلَانِيِّ (ت 852 هـ)، (ط) دائر المعارف العثمانية- الهند (1330 هـ). (حَرْفُ الميم) - المُؤتَلِفُ والمُخْتَلِفُ، تَأْلِيف الحَسَنِ بن بشير الآمديِّ (ت 370 هـ)، تَحْقِيق: عبد الستار فراج، (ط) الحلبي بمصر سنة (1381 هـ). - مُؤتَلِفِ القَبَائِلِ، تأليف مُحَمَّد بن حَبِيبَ البَغْدَادِيُّ (ت 245 هـ)، تَحْقِيق: الشيخ حمد الجاسر، (ط) النادي الأدبي في الرياض (1400 هـ). - ما اتَّفَقَ لفظُهُ واختَلَفَ معنَاهُ، ج (1)، تَأْلِيف إبراهيم بن أبي محمَّدٍ اليَزِيدِيِّ (ت هـ 22 هـ)، تَحْقِيق: د / عبد الرَّحمن بن سليمان العثيمين، (ط) بيروت سنة (1407 هـ). - ما اتَّفَقَ لفظُهُ واختَلَفَ مَعْنَاهُ، تأْلِيف هبة الله بن الشجري (ت 542 هـ)، تَحْقِيق: عطية رزق، (ط) النشرات الإِسلاميّة جميعة المستشرقين الألمان - بيروت (1413 هـ). - المُثَلَّثُ، تأْلِيف عبد الله بن مُحَمَّد بن السيد البطليوسي، تَحْقِيق: صلاح مهدي علي الفرطوسي (ت 521 هـ)، (ط) بغداد، دار الرشيد (1981 م). - المُثنَّى، تَأْلِيف أبي الطَّيب مُحَمَّد بن عبد الواحد، الحلبيِّ اللّغويِّ (ت 351 هـ)، تَحْقِيق: عزة حسن، (ط) دمشق (1960 م). - مَجَازُ القرآن، تأْلِيف أبي عُبَيدَةَ معمر بن المُثنَّى التَّيمِيِّ (ت 210 هـ)، تَحْقِيق: مُحَمَّد فؤاد سزكين، (ط) السَّعادة- القاهرة (1374 هـ). - المَجَالِسُ، تأْلِيف أَحْمد بن يحيى ثعلب (ت 292 هـ)، تَحْقِيق: عبد السَّلام هارون، (ط) دار المَعَارف بمصر (1380 هـ). - مَجَالِسُ العُلَمَاءِ، تأْلِيف عبد الرَّحْمَن بن إسْحاق الزَّجاجِي (ت 337 هـ)، تَحْقِيق: عبد السَّلام مُحَمَّد هارون، (ط) وزارة الإعلام الكويتية (1962 م). - مَجْمَعُ الأمثالِ، تأْلِيف أَحْمد بن مُحَمَّد الميداني (ت 518 هـ)، (ط) السعادة بمصر (1379 هـ).
- المُجْمَلُ في اللُّغَةِ، تأْلِيف أَحْمد بن فارس الرَّازيّ (ت 395 هـ)، تَحْقِيق: زهير عبد المحسن سلطان، (ط) مؤسسة الرِّسالة - بيروت (1404 هـ). - المَجْمُوعُ المُغِيثُ في غريبي القُرآنِ والحَدِيثِ، تأْلِيف مُحَمَّد بن أبي بكر المدينيّ الأصْبَهَاني (ت 581 هـ)، تَحْقِيق: عبد الكريم العزباوي، (ط) مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى بمكة المكرمة (1406 هـ). - المُحَبَّرُ، تأْلِيف مُحَمَّد بن حَبِيب البَغْدَادِيِّ (ت 245 هـ)، (ط) حيدرآباد (1942 م). - المُحْتَسَبُ، تأْلِيف عثمان بن جني، أبي الفتح (ت 392 هـ)، تَحْقِيق: علي النجدي ... وغيره، (ط) المجلس الأعلى للشئون الإِسلاميَّة- القاهرة (1969 م). - المُحَرَّرُ الوَجِيزُ في تفسير الكتاب العزيز، تأْلِيف عبد الحق بن عطية الإشبيليِّ الأندلسيِّ (ت 541 هـ)، (ط) قطر (1398 - 1412 هـ). - المُحْكَمُ والمُحيطُ الأعظمُ، تأْلِيف علي بن إسماعيل بن سيدة الأندلسي (ت 458 هـ)، (ط) معهد المخطوطات العربيَّة- القاهرة (1 - 10) (1958 - 1998 م). - مُخْتَصَرُ العَينِ، تَأْلِيف أبي بكر مُحَمَّد بن الحسن الزُّبيدي (ت 379 هـ)، تَحْقِيق: نور حامد الشاذلي، (ط) عالم الكتب - بيروت (1417 هـ). - المُخَصَّصُ، تأْلِيف علي بن إسماعيل بن سيدة الأندلسيِّ (ت 458 هـ)، (ط) المكتب التجاري- بيروت، مصور عن (ط) بولاق (1318 هـ). - مرآةُ الجِنَانِ وعَبْرَةُ اليقْظَان، تأْلِيف عبد الله بن سعد اليافعي (ت 768 هـ)، (ط) بيروت- لبنان (1390 هـ). - مَرَاتِبُ النَّحْويِّين، تأليف: أبي الطيِّبِ عبدِ الواحدِ بنِ عَلِي اللُّغَويّ (ت 351 هـ) تحقيق: محمَّد أبي الفضل إبراهيم (ط) مصر سنة 1955 م. - المُرَصَّعُ في الآباء والأمهات .. ، تأْلِيف المبارك بن محمَّد، ابن الأثير (ت 606 هـ)، تَحْقِيق: د / إبراهيم السَّامرائي، (ط) بغداد (1971 م). - مُرُوج الذَّهَبِ ومَعَادِنُ الجَوْهَرِ، تأليف: أبي الحَسَنُ عليّ بنُ الحُسَين المَسْعُوْدِيِّ (ت: 346 هـ)، تحقيق: محمَّد محيي الدِّين عبد الحميد (ط) السعادة بمصر سنة 1958 م. - المُزْهِرُ في عُلُوم اللُّغة، تأْلِيف عبد الرَّحْمَن بن أبي بكير السُّيُوطِي (ت 911 هـ)، تَحْقِيق: جاد المولى وآخرين، (ط) الحلبي بمصر. - المُسْتَقْصَى في أمثالِ العَرَبِ، محمود بن عمر الزَّمخشري (ت 538 هـ)، (ط) حيدر آباد- الهند (1962 م).
- مشَارِقُ الأنْوَارِ على صِحَاحِ الأخبار، تأليف: القاضي عِيَاضِ بن مُوسَى اليعحْصُبَي (ت: 544 هـ) (ط) المكتبة العتيقة تونس، ودار التراث القاهرة. - المَشُوفُ المُعْلَمُ .. ، تَأْلِيف أبي البَقَاء عبدِ الله بن الحُسين العُكْبَرِيِّ (ت 616 هـ) تَحْقِيق: ياسين مُحَمَّد السَّواس، (ط) مركز البحث العلمي، بجامعة أم القرى- مكة المكرمة (1403 هـ). - المِصْبَاحُ المُنِيرُ، تَأْلِيف أَحْمد بن مُحَمَّد الفيُّوميِّ (ت 770 هـ)، (ط) البابي الحلبي بمصر. - المعارف، تأْلِيف عبد الله بن مُسلم بن قُتيبَةَ الدِّينوري (ت 276 هـ) تَحْقِيق: د / ثروت عكاشة، (ط) دار المعارف بمصر (1969 م). - المُطْرِبُ من أشعارِ أَهْلِ المَغْرِبِ، تأليف: أبي الخطَّاب عُمر بن الحسن بن دِحِيَةَ (ت 633 هـ) تحقيق: إبراهيم الإبياري وآخرين (ط) ت القاهرة سنة 1954 م. - مَعَانِي القُرْآن، تألِيف سعيد بن سعدة أبي الحسن الأخفش (ت 215 هـ)، تَحْقِيق: د / هدى قراعة، (ط) مكتبة الخانجي- القاهرة (1411 هـ). - مَعَانِي القُرآن، تأْلِيف يحيى بن زيادٍ الفرَّاء (ت 207 هـ)، تَحْقِيق: مُحَمَّد بن عليّ النجَّار ... وغيره، (ط)، القاهرة (1955 - 1972 م). - مَعَانيُ القُرآن وإعرابه، تَأْلِيف إبراهيم بن السَّرِيَّ الزَّجاج (ت 311 هـ)، تَحْقِيق: عبد الجليل عبده شلبي، (ط) عالم الكتب، بيروت (1408 هـ). - المَعَانِي الكَبِيرُ، تأليف: أبي محمَّد عبد الله بن مُسلم بن قُتيبَةَ (ت: 276 هـ) (ط) حيدر آباد- الدكن- الهند 1949 م. - مُعْجَمُ الأدَبَاءِ، تأْلِيف ياقوت بن عبد الله الرُّوْمِيّ الحَمَويِّ (ت 626 هـ)، (ط) دار المأمون بمصر سنة (1936 م)، و (ط) دار الغرب الإِسلامي - بيروت (1993 م)، تَحْقِيق: د / إحسان عباس. - مُعْجَمُ البُلدان، تَأْلِيف ياقوت بن عبد الله الرُّوميِّ الحَمَويِّ (ت 626 هـ)، (ط) دار الكتب العلميَّة- بيروت سنة (1410 هـ). - مُعْجَمُ الشُّعَرَاءِ، تأليف: أبي عبيد الله محمَّد بن عمران المرزباني (ت: 384 هـ) تحقيق: عبد الستار أَحْمد فراج (ط) عيسى البابي الحلبي سنة 1960 م. - المُعْجَمُ في أَصْحَابِ القَاضِي الإِمام أبي علي الصَّدفي، تأْلِيف مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي بكر القُضاعي (ابن الأبار) (ت 658 هـ)، (ط) في مدريد (1885 م). - مُعْجَمُ ما استَعْجَمَ، تَأْلِيف عبد الله بن عُبيد الله أبي عُبَيْدٍ البكري (ت 487 هـ)، تَحْقِيق: مصطفى
السقا، (ط) لجنة التَّألِيف والترجمة والنشر، القاهرة (1364 هـ). - المُعَرَّبُ من الكَلَام الأعْجَمِي، تأْلِيف محفوظ بن أَحْمد الجَوَالِيقِي (ت 540 هـ)، تَحْقِيق: الشيخ أَحْمد شاكر، (ط) دار الكتب المصرية (1969 م). - مَعْرِفَةُ القُرَّاءِ الكبار، تَأْلِيف الحافظ مُحَمَّد بن أَحْمد الذَّهَبِي (ت 748 هـ)، تَحْقِيق: د / بشَّار عوَّاد معروف وآخرين، (ط) مؤسسة الرسالة - بيروت (1404 هـ). - المَغَانِمِ المُطَابة في مَعَالِم طابة (المَواضع)، تأْلِيف مُحَمَّد بن يعقُوب الفيروزآباديِّ (ت 817 هـ)، تَحْقِيق: الشيخ حَمَد الجاسر، (ط) (1389 هـ). - المُفَضَّليات، جمعُ المُفَضَّلِ بن مُحَمَّد الضَّبِّي (ت 178 هـ تقريبًا) تَحْقِيق: الشيخ أَحْمد شاكر، وعبد السَّلام هارون، (ط) دار المعارف بمصر (1964 م). - مَقَايِيسُ اللُّغةِ، تأْلِيف أَحْمد بن فارس بن زكريا الرَّازيّ (ت 395 هـ)، تَحْقِيق: عبد السلام هارون، (ط) الحلبي بمصر سنة (1369 هـ). - المُقْتَضَبُ من جَمْهَرَةِ النَّسَبِ، تَأْلِيف يَاقوت بن عبد اللهِ الحَمَويِّ الرُّومِيِّ (ت 626 هـ)، تَحْقِيق: د / ناجي حسن، (ط) الدار العربية، بيروت (1987 م). - المُقْتَضَبُ، تأْلِيف مُحَمَّد بن يزيد المُبرِّد (ت 285 هـ)، تَحْقِيق: د / محمَّد عبد الخالق عُضَيمَةَ، (ط) المجلس الأعلى للشئون الإِسلاميّة سنة (1485 هـ). - المَقْصُوْرُ والمَمْدُوْدُ، تَأْلِيف أَحْمد بن مُحَمَّد بن الوليد (ابن دلاد) (ت 332 هـ)، (ط) السعادة بمصر سنة (1326 هـ). - المُنْتَظِمُ في تاريخ الملوك والأمم، تَأْلِيف عبد الرَّحمن بن عليّ بن الجَوزيِّ (ت 597 هـ)، (ط) حيدر آباد- الهند سنة (1395 هـ). - المُنْصِفُ: تأليف أبي الفتح عثمان بن جني (ت: 392 هـ)، تحقيق: إبراهيم مصطفى وعبد الله أمين (ط) مصر سنة 1954 - 1960 م. - المَنْقُوصُ والمَمْدُوْدُ، تأليف: أبي زكريَّا يحيى بن زياد الفرَّاء (ت: 207 هـ)، تحقيق: عبد العزيز الميمني (ط) دار المعارف بمصر 1967 م. وتحقيق: ماجد الذَّهبي - مؤسسة الرسالة - بيروت سنة 1983 م. - المُنَمَّقُ، تأليف: محمَّدِ بن حَبِيب البغداديِّ (ت: 245 هـ) (ط) حيدر آباد- الدكن- الهند سنة 1964 م. - مَنْ اسمُهُ عَمْرٍو من الشعراء، تأليف: مُحَمَّد بن داود بن الجرَّاح (ت 296 هـ)، تَحْقِيق:
(حرف النون)
د / عبد العزيز بن ناصر المانع (ط) مكتبة الخانجي- القاهرة (1412 هـ). - المُنْتَقَى في شرح الموطَّأ، تَأْلِيف أبي الوليد الباجي (مذكور في مقدمة تفسير غريب الموطَّأ). - مِنَحُ المَدْحِ (شُعَرَاء الصَّحَابة ممن مَدَحَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -) تأْلِيف مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سيِّدِ النَّاسِ (ت 732 هـ)، تَحْقِيق: عفت وصال حمزة، (ط) دار الفكر- دمشق (1407 هـ). - المُوَطَّأ (رواية سُوَيدُ)، تَحْقِيق: عبد المجيد تركي، (ط) دار الغرب الإِسلامي سنة (1994 م). - المُوَطَّأ (رواية أبي مُصْعَبٍ) تَحْقِيق: د / بشار عواد معروف، ومحمود مُحَمَّد خليل، (ط) مؤسسة الرسالة، بيروت (1412 هـ). - المُوَطَّأ (رواية مُحَمَّد بن الحسن)، (ط) دار القلم - بيروت. - المُوَطَّأ (رواية يحيى) تصحيح وترقيم مُحَمَّد فؤاد عبد الباقي، (ط) الحلبي بمصر (1370 هـ). - مِيزَانُ الاعتِدَالِ في نَقْدِ الرِّجَالِ، تَأْلِيف الحافظ مُحَمَّد بن أَحْمد شمس الدِّين الذَّهَبِي (ت 748 هـ)، تَحْقِيق: مُحَمَّد علي البجاوي، (ط) الحلبي بمصر (1382 هـ). (حَرْفُ النون) - النَّاسخُ والمَنْسُوْخ، تأليف: أبي جعفر أَحْمد بن محمَّد بن إسماعيل النَّحاس (ت: 338 هـ) تحقيق: د / سليمان بن إبراهيم اللاحم (ط) مؤسسة الرسالة - بيروت 1991 م. - النَّبَاتُ، تأْلِيف أبي حنيفة أَحْمد بن مُحَمَّد الدِّينَوَرِيِّ (ت 282 هـ)، تحقيق: برنهار دلقين، (ط) النشرات الإِسلاميّة (1394 هـ). - النُّجومُ الزَّاهرَةُ في تاريخ مصر والقاهرة، تأليف: يوسف بن تغري بردي (ت: 874 هـ)، (ط) دار الكتب بمصر سنة 1375 هـ. - نُزْهَةُ الألْبَابِ في الألْقَابِ، تَأْلِيف الحافظ أَحْمد بن عليّ بن حجر العَسْقَلَانِيِّ (ت 852 هـ)، تَحْقِيق: عبد العزيز بن مُحَمَّد السُّديري، (ط) مكتبة الرشد- الرياض سنة (1409 هـ). - النَّشْرُ في القِرَاءَات العَشْرِ، تأليف: محمَّد بن محمَّد بن الجَزَرِيّ (ت: 833 هـ) (ط) مصر المكتبة التجارية الكبرى. - نَفْحُ الطِّيبِ من غُصن الأنْدَلُسِ الرَّطِيبِ، تأْلِيف أَحْمد بن مُحَمَّد المَقريِّ (ت 1014 هـ)، تَحْقِيق: د / إحسان عبَّاس (ط) دار صادر - بيروت (1388 هـ). - النَّقَائضُ، تَأْلِيف أبي عُبَيدَةَ مَعْمَرِ بن المُثنَّى التَّيمِي (ت 210 هـ)، تَحْقِيق: بيغن، (ط) لندن (1905 م). - النُّكَتُ على كتاب سيبويه، تأْلِيف يُوسف بن سليمان الشَّنْتَمَرِيِّ الأعْلَمِ (ت 476 هـ)، تَحْقِيق:
(حرف الواو)
زهير عبد المحسن سلطان (ط) معهد المخطوطات العربية بالكويت (1407 هـ). - نَكْتُ الهِمْيَانِ في نُكَتِ العميان، تَأْلِيف صَلَاح الدِّين خليل بن أيبك الصَّفَدِيِّ (ت 764 هـ)، طبع أَحْمد زكي بك- الجمالية بمصر (1329 هـ). - النِّهاية في غريب الحديث والأثر، تأْلِيف المبارك بن محمَّد، ابن الأثير (ت 606 هـ)، تَحْقِيق: محمود، الطَّناحي، (ط) الحلبي بمصر (1963 - 1965 م). - النَّوادر، تَأْلِيف أبي زيد الأَنْصَارِيّ (ت 214 هـ تقريبًا)، تَحْقِيق: مُحَمَّد عبد القادر أَحْمد، (ط) دار الشروق، بيروت (1401 هـ). (حرْف الواو) - وَهْجُ الجَمْرِ في تَحريم الخَمْرِ، تأليف عمر بن حسن بن دحية (ت 633 هـ) (مخطوط). - وَفَاءُ الوَفَاءِ بأخبارِ دارِ المُصْطَفَى، تَأْلِيف علي بن أَحْمد السمهودي (ت 911 هـ)، (ط) إحياء التراث العربي - بيروت (1393 هـ) (مصور) عن تَحْقِيق مُحَمَّد محيي الدين عبد الحميد. - وَفَيَاتُ الأعْيَانِ، تَأْلِيف أَحْمد بن مُحَمَّد بن خلكان (ت 681 هـ)، تَحْقِيق: د / إحسان عباس، (ط) دار صادر - بيروت (1397 هـ). - الوَافِي بالوَفَيَاتِ، خليل بن أيبك الصَّفدي (ت 764 هـ)، (ط) النشرات الإِسلاميَّةِ- جمعية المُسْتشرقين الألمان (أجزاء منه). - وقْعَةُ صِفِّين، تأليف: نَصْرِ بنِ مُزَاحِمٍ المَنقريِّ (ت: 212 هـ)، تحقيق: عبد السَّلام محمَّد هارون (ط) مطبعة الخانجي بمصر. - الوُلَاةُ والقُضَاةُ، تأليف: محمَّد بن يوسف الكِنْدِيِّ (ت: 355 هـ) (ط) بيروت سنة 1908 م.