التعليق على العدة شرح العمدة - أسامة سليمان

أسامة سليمان

العدة شرح العمدة [1]

العدة شرح العمدة [1] الوضوء له شروط ونواقض، ومن النواقض ما هو متفق عليه ومنها ما فيه خلاف، ومن النواقض الردة عن الإسلام وأكل لحم الجزور ومن شك في ناقض من النواقض بنى على الأصل.

نواقض الوضوء

نواقض الوضوء نواقض الوضوء سبعة: الناقض الأول: الخارج من السبيلين، وينقسم إلى قسمين: معتاد ونادر، والمعتاد: هو البول والغائط، والنادر: هو الدود والشعر ودم الاستحاضة والحصى. الناقض الثاني: خروج النجاسات من سائر الجسد. الناقض الثالث: زوال العقل بنوم أو جنون أو إغماء أو سكر، فإذا زال العقل بأي طريق من هذه الطرق انتقض الوضوء. الناقض الرابع: لمس ذكره بيده. الناقض الخامس: أن تمس بشرته بشرة أنثى. الناقض السادس: الردة عن الإسلام. الناقض السابع: أكل لحم الجزور.

الردة عن الإسلام

الردة عن الإسلام قوله: (سادساً: والردة عن الإسلام): الردة عن الإسلام أن ينطق العبد بكلمة الكفر، أو يعتقد أو يشك شكاً يخرجه عن الإسلام، أو ينكر معلوماً من الدين بالضرورة، كأن يقول: أنا غير مؤمن بالصلاة، أو ينكر الصيام، أو ينكر الحج، أو ينكر الزكاة، أو يطعن في القرآن، أو يطعن في السنة، أو يجحد حديثاً ويرده. وفرق بين المتأول الذي يفهم فهماً خاطئاً، وبين الجاحد الذي يرد، فالذي يرد يعتبر مرتداً بعد استتابته وإقامة الحجة عليه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث -ومنهم-: التارك لدينه المفارق للجماعة) ويستتاب ثلاث مرات، يقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا} [النساء:137]. وفي حديث البخاري أن معاذاً جاء إلى أبي موسى الأشعري ووجد رجلاً مربوطاً فقال: من هذا يا أبا موسى؟! قال: رجل ارتد. قال: لن أنزل من على راحلتي حتى يقتل، قضاء الله ورسوله. قال: وما جئنا به إلا لنقتله؛ لأنه ارتد عن دينه واستتيب فلم يتب فقتل. وأذكر أن أحد المفكرين عميد أعلى كلية في جامعة الأزهر تمخض فولد رأياً عجيباً، قال: إن المرتد يستتاب مدى الحياة، يعني: لا يقتل بحال؛ حتى لا يقال: إن الإسلام دين قتل، وهذا أما تكفيه نصوص القرآن والسنة؟! إن الردة عن الإسلام ناقض من نواقض الوضوء؛ لأن الله قال: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر:65]، والوضوء عمل، فالمرتد وضوءه ينتقض.

أكل لحم الجزور

أكل لحم الجزور ومن نواقض الوضوء: أكل لحم الجزور؛ لما روى مسلم من حديث جابر بن سمرة وهو حجة على كل المذاهب؛ لأن هذا مذهب أحمد فقط، وأكل لحم الجزور هو لحم الإبل، ولحم الإبل ينقض الوضوء عند الحنابلة وهو الراجح خلافاً للشافعي وغيره؛ لما ثبت: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله رجل، فقال: يا رسول الله! أنتوضأ من لحم الغنم؟ قال: إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ، قال: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم. توضأ من لحوم الإبل)، رواه مسلم. قال الإمام أحمد: هذان حديثان صحيحان عن النبي صلى الله عليه وسلم. إذاً: الحديث حجة على المخالف. وكنت أسمع في إذاعة القرآن الكريم، وكان ضيف الإذاعة الدكتور محمد بكر إسماعيل حفظه الله وهو شافعي المذهب، ففوجئت أنه يقول في هذا الحديث: إن المقصود بالوضوء هنا: غسل الفم؛ لأن العرب تطلق الوضوء على طهارة الفم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لولا أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء)، وفي رواية: (عند كل صلاة)، فقال: كلمة (وضوء) هنا بمعنى: غسل الفم، ومع أنه أستاذنا في اللغة وأستاذنا في الأحكام الشرعية، ولا يمكن للأصاغر أن يتطاولوا على الأكابر، لكن نقول: يا أستاذنا! لا يصرف معنى الكلمة من المعنى الشرعي إلى المعنى اللغوي إلا بقرينة، يعني: الكلمة في أي حديث تحمل على المعنى الشرعي وليس على المعنى اللغوي، فحينما نقول: يا أيها الذين آمنوا أقيموا الصلاة، تحمل على المعنى الشرعي وهو الصلوات ولا تحمل على المعنى اللغوي وهو الدعاء، فكلمة الصلاة حينما تطلق فإنه يراد بها الصلوات إلا إذا جاءت قرينة تصرف الصلاة عن المعنى الشرعي إلى المعنى اللغوي، فحمل الوضوء على المعنى اللغوي ابتداءً يناقض الأصول، لأن الأصل أن نحمل الكلمة على المعنى الشرعي لا على المعنى اللغوي. ويقول صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)، فإن قال رجل: أتمضمض وأغسل فمي وأصلي؛ لأن الوضوء هو طهارة الفم، فما تقولون فيه إن فعل ذلك؟ كما أن أول الحديث يدل على أن الوضوء هو الوضوء الشرعي. قال: (أنتوضأ من لحم الغنم؟ قال: إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ)، هل معنى ذلك: إن شئت فاغسل فمك وإن شئت فلا تغسل؟ هذا الكلام لا يمكن أن يفهم أبداً. ولكن انتصاراً للمذهب الشافعي أراد الأستاذ الفاضل أن يصرف معنى الكلمة عن معناها الشرعي إلى معناها اللغوي، أقول ذلك مع احتفاظي بالتقدير؛ ولأنه أستاذنا تعلمنا منه كثيراً، فمن الأدب أن نتعلم كيف نتعامل مع أساتذتنا.

مس النساء ومباشرتهن

مس النساء ومباشرتهن هذا الموضوع من الموضوعات الخلافية بين المذاهب وهو مس المرأة، والمس في المتن يقصد به: اللمس، فإذا مس رجل امرأة سواءً كانت زوجة أو غير زوجة هل ينقض وضوءه أم لا؟ مع الأخذ في الاعتبار أن مس المرأة التي ليست من المحارم حرام، وهذه مسألة أخرى، ونحن الآن نحقق مسألة نقض الوضوء. فمن العلماء من قال: ينقض على الإطلاق كالإمام الشافعي؛ واستدل بقول الله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء:43]، واللمس في الآية عند غير الشافعي بمعنى: الجماع، أي: أو جامعتم النساء، والقول الراجح كما يقول الشارح: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل عائشة وهو متوضئ، ويذهب إلى الصلاة، وكان يصلي أحياناً فيجد قدم عائشة في القبلة، فيغمزها في قدمها وهو يصلي، فهذا يدل على أن لمس عائشة لم ينقض الوضوء، إلا إذا كان المس بشهوة فإنه ينقض؛ لأن الشهوة مظنة نزول المذي، فإذا كان المس بشهوة: انتقض الوضوء، وإذا كان المس بغير شهوة فلا ينقض؛ ولذلك قال الشارح: (ولا ينقض اللمس بالذراع). وفي الناقض الخامس أن تمس بشرته بشرة أنثى: ثلاث روايات عن أحمد بن حنبل. واختلاف الروايات عن أحمد يعني: أن أحد تلامذته نقل رأياً عنه، وتلميذاً آخر من تلامذته نقل رأياً آخر، وتلميذاً آخر كذلك نقل رأياً آخر، ففي هذه المسألة ثلاث روايات عن أحمد والترجيح بين الروايات مهم، فالرواية الأولى عن أحمد: أنه ينقض بكل حال بشهوة أو بغير شهوة؛ لقوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء:43]، فالإمام أحمد في هذه الرواية يوافق الشافعي، وهذا يدل على أن من ثراء مذهب الإمام أحمد أن فيه أكثر من رواية، وستجد أن بعض الروايات توافق المذاهب الأخرى، فدراسة مذهب الإمام أحمد يجعلك تحصل المذاهب الأخرى بعد أن تستكمل الدراسة. والرواية الثانية: لا ينقض بحال؛ لما روي: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل عائشة ثم صلى ولم يتوضأ)، رواه أبو داود، وبعضهم قال: إنه مرسل. وفي حديث آخر: قالت عائشة: (فقدت النبي صلى الله عليه وسلم، فجعلت أطلبه، فوقعت يدي على قدميه وهو ساجد)، رواه مسلم، فلو أن لمس المرأة ينقض الوضوء لخرج النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة، لكنه أكمل الصلاة. والرواية الثالثة عن أحمد وهي ظاهر المذهب: أنه ينقض إذا كان بشهوة ولا ينقض بغير شهوة جمعاً بين الآية والحديث، لأن إعمال الأدلة أولى من إهمالها؛ ولذلك جمع بين الدليلين.

مراتب العلم وحكم التيقن في الطهارة وحكم النسك فيها

مراتب العلم وحكم التيقن في الطهارة وحكم النسك فيها قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث، أو تيقن الحدث وشك في الطهارة فهو على ما تيقن منهما]. مثال ذلك: رجل توضأ للمغرب وصلى المغرب، ثم شك بعد المغرب: هل أحدث أم لا؟ إذاً: يبني على الأصل، والأصل أنه على وضوء، ويطرح الشك. ومراتب العلم ستة: 1 - علم. 2 - جهل بسيط. 3 - جهل مركب. 4 - ظن. 5 - وهم. 6 - شك. والعلم معناه: إدراك الشيء على حقيقته، كأن يقول الشخص إجابة على Q متى كان فتح مكة؟ فيقول: فتح مكة كان في سنة 8هـ، فهذا علم؛ لأنه أدرك الشيء على حقيقته، فلو قال شخص: فتح مكة كان سنة 7هـ، فهذا تسميه جهلاً مركباً؛ لأنه أدرك الشيء على غير حقيقته، وعلى هذا فإن الذي قال: إن النقاب عادة وليس عبادة قوله هذا جهل مركب. ومن قال: لا أدري متى كان فتح مكة، فقوله هذا جهل بسيط، ومن قال: فتح مكة كان في العام الثامن، واحتمال أن يكون في العام السابع فقوله هذا ظن؛ لإدراك الراجح مع احتمال المرجوح، وإن قال قائل: فتح مكة كان في العام السابع، واحتمال أن يكون في الثامن فهذا وهم؛ لأنه أدرك المرجوح مع احتمال الراجح. وإن قال قائل: يحتمل أن يكون فتح مكة في العام السابع ويحتمل أن يكون في العام الثامن، فهو متردد بين احتمالين ولم يجزم بقول. فهذا شك. فهنا أقول: إذا تيقن الطهارة وشك في الحدث فإنه يبني على الأصل ويطرح الشك، وكذلك العكس إذا شك في الطهارة وتيقن الحدث فعليه أن يتوضأ؛ لأنه لا بد أن يعمل بالأصل وهو اليقين. فمثلاً: رجل شك: هل صلى ثلاث ركعات أم أربع؟ فاليقين ثلاث ركعات والشك أربع، إذاً: يبني على اليقين فيأتي برابعة. هذا هو الشك. يقول المصنف: [ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث، أو تيقن في الحدث وشك في الطهارة فهو على ما تيقن منهما؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً، فأشكل عليه هل خرج منه شيء أم لم يخرج فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)، متفق عليه]. فاليقين لا يزول بشك، مثال ذلك: رجل يصلي وأشكل عليه: هل أخرج ريحاً أو لم يخرج، فلا يخرج من الصلاة حتى يسمع صوتاً -صوت الحدث- أو يجد ريحاً، وليس المقصود بالحديث الظاهر، يعني: ربما رجل ما وجد صوتاً وما شم ريحاً ولكنه متيقن أنه أحدث فلا بد له أن يخرج من الصلاة ولا يتمسك بظاهر النص، فالحديث لا يحمل على ظاهره بقدر ما يحمل على علته، والعلة هي التيقن: أن تستصعب اليقين، والله تعالى أعلم.

الأسئلة

الأسئلة

مراعاة الإمام أحوال المأمومين وعدم التطويل عليهم في القراءة

مراعاة الإمام أحوال المأمومين وعدم التطويل عليهم في القراءة Q ما حكم تطويل الإمام في القراءة في صلاة العشاء؟ A كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقرأ في العشاء من قصار المفصل أو من أوسط المفصل، وأوسط المفصل يعني: من بعد ق والحجرات والمعارج وسبح، وقال ابن حجر في الفتح: كان يقرأ من قصار المفصل، يعني: سبح والغاشية، وحديث معاذ معروف: (كان يصلي العشاء الآخرة فقرأ البقرة)، وفي رواية: سورة لعلها المؤمنون، وابن حجر في فتح الباري بينها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فتان فتان فتان يا معاذ؟! من أم بالناس فليخفف، فإن فيهم المريض وذا الحاجة والضعيف. ألا قرأت بسبح؟ ألا قرأت بالشمس وضحاها والليل إذا يغشى)، قال العلماء: إن من السنة في العشاء الآخرة أن تقرأ من قصار المفصل، أما في صلاة الفجر فقد كان يقرأ النبي صلى الله عليه وسلم قدر ستين آية، وهذه الرواية في البخاري. والقاعدة الأصل: مراعاة حال المأموم، فإن كان المأموم لا يطيق أن يقف فلا بد أن يصلي الإمام على قدر قيامه.

حكم أكل لحم الجزور وما مسته النار

حكم أكل لحم الجزور وما مسته النار Q ما حكم أكل لحم الجزور؟ A أكل لحم الجزور ليس بحرام، وقد بيَّن ابن تيمية في مجموع الفتاوى أن لحم الجزور يحدث تهيجات داخلية في المعدة، والوضوء يطفئ هذه التهيجات، فهذه نكتة طبية. كما أن المعروف هو عدم الوضوء مما مسته النار، لكن لحم الجزور موضوع آخر، فإذا أكلت أي طعام مسته النار فلا تتوضأ، لكن أكل لحم الجزور لا بد من الوضوء منه؛ لما روى مسلم: (أن رجلاً قال: يا رسول الله! أنتوضأ من لحم الجزور؟ قال: نعم)، فحديث مسلم حجة على الأحناف وعلى من سواهم.

حكم العمل في ناد رياضي

حكم العمل في نادٍ رياضي Q أعمل مهندساً زراعياً في نادي شمس الرياض، وأقوم بالإشراف والتنفيذ للأعمال الزراعية الخاصة بكل الملاعب، وكذلك الحدائق ذات المسطحات الخضراء، والمشتل الخاص بإنتاج النباتات والزهور والتي تباع لأعضاء النادي، فهل هذا العمل الذي أقوم به حرام؛ لأنه في خدمة أعضاء النادي؟ A عملك حلال؛ لأن أصل العمل مشروع، لكن إن خالطه شيء حرام فمن الورع أن تترك هذا العمل. ولنفترض أن الذين في نادي الشمس كلهم عراة وأنت تذهب فتنظر رغم إرادتك، ولا تستطع أن تتحكم في نظرك، وترى منكراً وتوافق عليه ولا تستطع أن تغيره، فأصل العمل حلال، لكن جاءت بعض الأمور والظروف التي أحاطت بالعمل، فإن كان هناك منكر ولا تستطع أن تغيره فزل أنت عن المنكر؛ لأن العلماء يقولون: إما أن تغير المنكر وإما أن تزول أنت عنه، فإن رأيت منكراً ولم تستطع أن تغيره فابتعد. بارك الله لك في رزقك.

حكم إخراج أشياء عينية على أنها زكاة المال

حكم إخراج أشياء عينية على أنها زكاة المال Q أحد الأشخاص يريد أن يخرج زكاة المال أشياء عينية غير المال لتأليف القلوب، فما حكم ذلك؟ A لا يجوز أن يخرج أشياء عينية، بل لا بد أن يخرج مالاً عن زكاة المال، إلا إذا كانت زكاة عن عروض تجارة فيجوز أن تخرج من جنس التجارة.

حكم استحداد النساء والرجال

حكم استحداد النساء والرجال Q ما حكم الاستحداد للنساء والرجال؟ A الاستحداد: هو نتف شعر العانة، ولا بأس مطلقاً للمرأة بعد بلوغها أن تزيل شعر الإبط والعانة، والبعض يتركه إلى أن يتزوج وهذه مخالفة شرعية صريحة، فإن إزالة شعر الإبط والعانة للرجال والنساء على السواء، ولا يزيد عن أربعين يوماً أبداً، فالمرأة مأمورة أن تزيل هذا الشعر ولا يزيد عن أربعين يوماً.

حكم استخدام الكريم المزيل للشعر في الاستحداد ونتف الإبط

حكم استخدام الكريم المزيل للشعر في الاستحداد ونتف الإبط Q ما حكم استخدام الكريم المزيل للشعر في الاستحداد ونتف الإبط؟ A يجوز ولا بأس به.

الاختلاف في المعنى اللغوي لحف الشارب

الاختلاف في المعنى اللغوي لحف الشارب Q هل يعني حف الشارب: الحلق بالكلية أم التقصير؟ A فيه خلاف بين العلماء، منهم من قال: الحف بمعنى: التقصير، ومنهم من قال: الحف بمعنى الحلق بالكلية، والمالكية يعزرون من يحف الشارب كاملاً، والخلاف في المعنى اللغوي، هل: حف الشارب بمعنى الحلق بالموسى أم التقصير بالمقص وكلاهما إن شاء الله جائز.

حكم حضور من يعمل في المسجد دروسا على أن ينيب عنه في المسجد غيره

حكم حضور من يعمل في المسجد دروساً على أن ينيب عنه في المسجد غيره Q أنا أعمل بوزارة الأوقاف بوظيفة في مسجد، وأريد أن أعرف هل يجوز لي أن أحضر درساً بين صلاة المغرب والعشاء على أن يكون هناك من ينوب عني خلال فترة غيابي، علماً بأن من ينوب عني هو أبي وأخي؟ A لا بأس أن تكلف غيرك بعملك، ثم تحضر درس العلم.

حكم صبغ الشعر بالسواد

حكم صبغ الشعر بالسواد Q أنا شاب وعندي مشكلة وهي أن الشعر يشيب بالكامل أو معظمه، فهل يجوز لي أن أصبغ شعري بالسواد؟ A غير الشيب لكن بغير السواد.

حكم الصيام بعد النصف من شعبان

حكم الصيام بعد النصف من شعبان Q هل يجوز الصيام بعد النصف من شعبان؟ A يجوز.

صيام النبي صلى الله عليه وسلم معظم شعبان

صيام النبي صلى الله عليه وسلم معظم شعبان Q هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم معظم شعبان؟ A نعم كان يصوم غالب شعبان؛ لحديث أمنا عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم).

حكم تشغيل شريط قرآن ولا ينصت لسماعه

حكم تشغيل شريط قرآن ولا ينصت لسماعه Q ما حكم الاستماع إلى القرآن بغير إنصات، كأن أشغل شريط قرآن وأنا أذاكر؟ A لا يجوز، قال تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا} [الأعراف:204]، ولم يقل: استمعوا فقط، وإنما قال: استمعوا وأنصتوا، والنص عام، فمن الأدب مع القرآن عند قراءته أن تستمع وأن تنصت، قال ابن حجر في الفتح: فمن الناس من يستمع دون إنصات، ومنهم من ينصت دون استماع، فلا بد أن تستمع وأن تنصت.

العدة شرح العمدة [2]

العدة شرح العمدة [2] من موجبات الغسل خروج المني بشهوة، وكذا التقاء الختانين، والحيض والنفاس، والدخول في الإسلام، كما أن الغسل يجب فيه النية وتعميم البدن بالماء، ومن الاغتسال ما هو كمال ومنه ما هو غسل إجزاء، والمسلم يسعى إلى الكمال وتحقيق الوصول إليه.

باب الغسل من الجنابة

باب الغسل من الجنابة كنا قد توقفنا في كتاب العدة عند الغسل من الجنابة. والكتاب الأول في العدة هو كتاب الطهارة، والكتاب ينقسم إلى أبواب، فكان الباب الأول: هو باب أحكام المياه، والباب الثاني: باب الآنية، والثالث: باب قضاء الحاجة، والرابع: باب المسح على الخفين، والخامس: باب نواقض الوضوء، ونحن الآن مع الباب السادس: باب الغسل من الجنابة.

خروج المني بشهوة

خروج المني بشهوة قال المصنف رحمه الله تعالى: [والموجب له-يعني: ما يوجب الغسل- خروج المني وهو الماء الدافق بلذة]. ما يجب له الغسل: أولاً: خروج المني، وضابطه أن يكون بلذة، يعني: بشهوة، والضابط الثاني: يقظة، فإن خرج المني بغير شهوة مناماً فعليه غسل، إذاً: ضابط الفقهاء حينما يقولون: خروج المني بشهوة يقصدون به: أن يخرج المني بشهوة في حال اليقظة، لكن إن خرج بغير شهوة في اليقظة هل يوجب الغسل أم لا؟ في الأثر -وإن كان ضعيفاً عند بعض العلماء إلا أنه يبين المعنى-: أن رجلاً دخل المسجد يوماً فقال للحضور: أفيكم مفتٍ؟ قالوا: سل، فقال: إني أجد الماء بعد الماء كلما تبولت؟ فقالوا له: الذي منه الولد؟ قال: الذي منه الولد، قالوا جميعاً: لا نرى لك إلا أنه يجب عليك الغسل، ففي هذه الحال كلما تبول الرجل اغتسل، وكان ابن عباس يصلي فسمع الرجل وسمع الإجابة، فعجل في صلاته ونادى الرجل، وقال له: أتجد شهوة في فرجك؟ قال: لا، قال: أتجد خدراً في جسدك؟ قال: لا، قال: إنما هي بردة -يعني: برد أصابك- يكفيك منه الوضوء وأن تغسل المذاكير، ثم قال الكلمة المعروفة: لفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد. فلا بد أن تعلم أن خروج المني في حال اليقظة لا بد أن يكون بشهوة، فإن كان لسبب مرضي فلا يوجب الغسل. والمني قال الله في حقه: {فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق:5 - 7]. جاءت أم سليم إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقالت: (يا رسول الله! إن الله لا يستحيي من الحق، هل على المرأة غسل إذا هي احتلمت؟) يعني: إذا رأت في نومها ما رأت ثم احتلمت هل عليها غسل؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (نعم. إذا رأت الماء)، فعلق الغسل على رؤية الماء، فإذا رأت الماء وجب عليها الغسل. فأول موجب للغسل هو خروج المني بشهوة في حال اليقظة أو حال المنام، إلا أنه في حال اليقظة يشترط أن يكون بشهوة، وفي حال المنام إذا رأت الماء. فإذا لم يتذكر حلماً في منامه، ورأى ماء أو وجد بللاً في سراويله فعليه الغسل، وإن تذكر أنه رأى في منامه شيئاً، لكنه لم يجد بللاً فليس عليه غسل؛ لأن العلة هنا هي وجود الماء: (نعم. إذا رأت الماء) فإذا رأى الماء فيجب أن يغتسل، وفي الحديث أن أم سلمة قالت: (أو تحتلم المرأة يا رسول الله! فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: تربت يداك يا أم سلمة! ففيم يشبهها ولدها؟ إذا علا ماءُ الرجل ماء المرأة ذكر بإن الله، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أنث بإذن الله). وقد يقول قائل: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من جنابته بعد الفجر. و A أن غسل النبي صلى الله عليه وسلم من الجنابة لا يكون إلا من الجماع، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا يحتلم؛ لأنه ليس للشيطان عليه سبيل، فلم يغتسل من احتلام أبداً صلى الله عليه وسلم إنما غسله كان من جماع، والاحتلام من الشيطان، وقد قال لـ عائشة حينما سألته: (أو لك شيطان يا رسول الله؟! قال: نعم. إلا أن الله أعانني عليه فأسلم)، صلى الله عليه وسلم. وحديث أم سليم هذا متفق عليه. قالت: (يا رسول الله! إن الله لا يستحيي من الحق)، وهناك عبارة تدور على ألسنة البعض وهي غير صحيحة، وهي قولهم: (لا حياء في الدين) وهذا خطأ، فإن الدين كله حياء، و (الحياء من الإيمان) كما قال النبي عليه الصلاة والسلام. فجملة (لا حياء في الدين) كلمة خاطئة، ولكن قل: لا استحياء في التعلم، أو لا حياء في العلم، أي: لا حياء في طلبه.

التقاء الختانين

التقاء الختانين قال المصنف رحمه الله: [والتقاء الختانين]. يعني: أن التقاء الختانين يوجب الغسل، ومعنى التقاء الختانين: تغييب الحشفة في الفرج وإن لم يحصل الإنزال، يعني: إن جامع الرجل المرأة وغيب حشفته في فرجها أنزل أو لم ينزل فقد وجب عليه الغسل، والكثير يجامع دون أن ينزل ويظن أنه لا بد أن ينزل حتى يغتسل، وهذا خطأ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان وجب الغسل) رواه مسلم، أي: مس ختان الرجل ختان المرأة. إذاً: هذا الحديث دليل على أن المرأة تختتن، فالمرأة تختتن بدون أدنى شك، والذين يحاربون قضية ختان المرأة يريدون أن تعم الفاحشة في الأمة ومهما قالوا وبرقعوا هذا الكلام فليسمع من يسمع أن عدم ختان المرأة معناه إشاعة الفاحشة. وفي الأدب المفرد عند البخاري من حديث أم المهاجر أنها أسلمت في عهد عثمان رضي الله عنه فأمر بها فاغتسلت ثم اختتنت، فأمرها عثمان رضي الله عنه أن تختتن مع كبر سنها بعد إسلامها. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: وكان الرجل إن لم تختتن أمه يعير بها بين العرب، فيقال له: يا ابن القلفاء! أي: غير مختتنة، والمرأة غير المختتنة تتطلع إلى الرجال أكثر من غيرها، فعدم ختان المرأة إشاعة للفاحشة تماماً، فنقول: يا قلفاء! اختتني اختتني ولا تسمعي لقول هؤلاء الناس، فإنهم يريدون للأمة أن تعمها الفاحشة. ومن ضوابط ختان المرأة: عدم الإنهاك، فهو أنظر للوجه ويهذب الشهوة. فهذا الحديث حجة، والتقاء الختانين موجب من موجبات الغسل.

انقطاع دم الحيض والدخول في الإسلام من موجبات الغسل

انقطاع دم الحيض والدخول في الإسلام من موجبات الغسل من موجبات الغسل أيضاً: الحيض، فبعد انقطاع دم الحيض ينبغي للمرأة أن تغتسل. ومن موجبات الغسل أيضاً: الإسلام بعد الكفر، فإن كان كافراً وأراد أن يسلم فعليه أن يغتسل. قال المصنف رحمه الله: [والواجب فيه -أي: الواجب في الغسل- النية]؛ لأن كل عمل يحتاج إلى نية. قال: [وتعميم بدنه بالغسل] أن يعمم الجسد بالماء، وهو أن يصل الماء إلى كل ظاهر الجسد، والأنف والفم من ظاهر الجسد بأدلة خمسة، فلا بد أن يتمضمض وأن يستنشق في الغسل، وإن لم يفعل هذا فقد يكون الغسل باطلاً عند الحنابلة، والدليل على أن الأنف والفم من ظاهر الوجه أنهما يأخذان أحكام الظاهر، فمثلاً: لو تمضمض الصائم فإنه لا يفطر، ومعنى ذلك: أن الفم من الظاهر، وكذلك إذا أقاء وأخرج القيء من معدته إلى فمه، وإذا بلع ذلك القيء أفطر؛ لأن انتقال القيء من المعدة إلى الفم انتقال من باطن إلى ظاهر، ولو دخل الخمر في فمه ثم لفظه قبل أن يبتلعها فليس عليه حد، فلو أن الفم من الباطن لكان وصول الخمر إلى الفم معناه: إقامة الحد، ولو أن طفلاً رضيعاً أخذ ثدي امرأة ثم مص منه لبناً، وكلما مص قذف اللبن فلا تحسب رضعة؛ لأن وصول اللبن إلى الفم لا يعتبر وصولاً إلى الباطن وإنما وصول إلى الظاهر. فكل هذه الأشياء تؤكد أن الفم من ظاهر الوجه. إذاً: عند الغسل لا بد أن يدخل الماء إلى الفم، فلا بد من المضمضة والاستنشاق. وقد يقول قائل: إن نزلت في بركة الماء مرة واحدة وأنا جنب ثم صعدت. هل هذا يعد غسلاً ويغني عن الوضوء أم لا؟ نقول: يلزمك أن تتمضمض وتستنشق، فإن فعلت ذلك أجزأ؛ لأنك عممت الجسد بالماء. وبعض الناس يتجاوز هذه النقطة فلا يصل الماء إلى الأماكن التي ينبغي الوصول إليها، كالإبطين وبين الفخذين، وبعض النساء -هداهن الله- تكون قد قامت بفرد شعرها عند الكوافير، ووضعته في الخلاط الكهربائي بخمسين جنيهاً أو مائة جنيه، وتخشى عليه من الماء، فإن أرادت أن تغتسل تضع كيس بلاستيك على رأسها وتربط عليه فتلة ثم تغتسل، فلا يصل الماء إلى منابت الشعر، فهذا لا يسمى غسلاً، كذلك إن وضعت على يدها ما يحول بينه وبين وصول الماء -كالمناكير مثلاً- فهذا لا يسمى غسلاً، لأنه حاجز عن الماء، فلا بد من تعميم الجسد بالماء. إذاً: الواجب في الغسل النية ثم تعميم الجسد بالماء مع المضمضة والاستنشاق. ولا يشترط للمرأة أن تحل ظفيرتها، وقد كان ابن عباس يقول بوجوب حل الظفيرة عند الغسل، فقالت عائشة: عجباً لـ ابن عباس! أيأمر النساء أن تحل ظفائرهن عند الغسل؟! أما يأمرهن بحلق رؤوسهن؟! لقد اغتسلت مع النبي صلى الله عليه وسلم في إناء واحد. والظفيرة تنضح شريطة أن يصل الماء إلى منابت الشعر، فالمرأة في كل أنواع الغسل لا يلزمها أن تفك الظفيرة، وهذا هو الراجح.

صفة الغسل

صفة الغسل قال في الشرح: [والغسل ضربان: غسل كمال وغسل إجزاء]، وهناك فرق بين الكمال والإجزاء، فمن فعل السنة وأدى الواجبات قبل ذلك واستكمل المستحبات فقد استكمل الغسل. ومن اغتسل غسلاً كما هو وارد دون أن يفعل السنة فهذا يسميه العلماء إجزاء، أي: غسلاً أجزأه، والغسل الكمالي أن يفعل كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم: أولاً: أن يغسل مذاكيره، وبعد أن يغسل المذاكير يغسل اليدين، وبعد ذلك يغسل الرأس ثلاث مرات، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، وبالنسبة للقدمين تكون مع أعضاء الوضوء وقد تؤخر، فهذا ثابت في البخاري وهذا ثابت، وهذا من تعدد أفعال النبي عليه الصلاة والسلام، وبعد أن يتوضأ وضوءه للصلاة يسيل الماء على شقه الأيمن، ثم على شقه الأيسر، ثم يعمم الجسد بالماء، وهكذا يكون قد اتبع السنة في الغسل، وهذا نسميه غسل كمال؛ لأنه اتبع السنة كما وردت عن نبينا عليه الصلاة والسلام. أما غسل الإجزاء كرجل وجد بحيرة ماء، ثم نزل فيها برأسه وتمضمض واستنشق وخرج، فإنه يكون بذلك قد أجزأ غسله ولم يدلك ولم يستخدم ليفة ولا صابونة ولا غير ذلك، بل وصل الماء إلى كل أنحاء الجسد ووصل إلى منابت الشعر وتحت الإبطين وبين الفخذين وعمم الجسد بالماء مع المضمضة والاستنشاق، فهذا نسميه غسل إجزاء؛ لذلك قال في الشرح: [واعلم أن الغسل ضربان: كمال وإجزاء]، فالكمال أن يتوضأ للصلاة ثم يغتسل بعد الوضوء، وقد دل عليه حديث عائشة وميمونة. روت عائشة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه ثلاثاً قبل أن يضعها في الإناء، وتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يخلل شعر رأسه بيده) حتى يصل الماء إلى المنابت. قال: (ويخلل لحيته بيده حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات، ثم غسل سائر جسده) متفق عليه. وقالت ميمونة: (توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وضوء الجنابة، فأفرغ على يديه فغسلهما مرتين أو ثلاثاً، ثم أفرغ بيمينه على شماله فغسل مذاكيره، ثم ضرب يده بالأرض أو الحائط مرتين أو ثلاثاً، ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه وذراعيه، ثم أفاض الماء على رأسه، ثم غسل سائر جسده، فأتيته بالمنديل فلم يردها، وجعل ينفض الماء بيديه)، متفق عليه. هكذا وصفت عائشة وميمونة رضي الله عنهما غسل النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه صفة الكمال، أما صفة الإجزاء: فأن يعم بدنه بالماء في الغسل وينوي الغسل والوضوء ويتمضمض ويستنشق؛ لأن ذلك هو المأمور به. قال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة:6]، وقال تعالى: {حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء:43]. إن الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن غسل المذاكير ضرب يديه بالأرض؛ حتى يطهرهما مما قد يعلق بهما، وقد يستخدم الذي يريد الغسل الصابون، وهذا كان قبل أن تكون هناك مطهرات. وغسل الرجل إما أن تقدمها مع الوضوء، وإما أن تؤخرها، وهذا وارد في كتاب الغسل عند البخاري في المجلد الأول.

سنن الغسل مع التفصيل في نية الغسل

سنن الغسل مع التفصيل في نية الغسل ويشرع الترتيب في الغسل لكن الغسل له حكمه. وتسن التسمية ويدلك بدنه بيده، ويفعل كما روت ميمونة قالت: (سترت النبي صلى الله عليه وسلم، فاغتسل من الجنابة، فبدأ فغسل يديه، ثم صب بيمينه على شماله، فغسل فرجه وما أصابه، ثم ضرب الأرض بيده على الحائط والأرض، ثم توضأ وضوءه للصلاة، ثم أفاض الماء على بدنه، ثم تنحى فغسل رجليه)، ولا يجب نقض الشعر في غسل الجنابة إذا روى أصوله، وإذا نوى بغسله أجزأ -أي: أجزأ عن الوضوء والغسل- ولو تيمم للحدثين والنجاسة على بدنه أجزأ عن جميعها، وإن نوى بعضها فليس له إلا ما نوى بهما وجهه وكفيه.

الأسئلة

الأسئلة

حكم غسل المرأة غير المختونة بعد جماع زوجها لها

حكم غسل المرأة غير المختونة بعد جماع زوجها لها Q هل في قوله: (إذا التقى الختانان) دليل على أنه لا بد أن يكون للمرأة ختان حتى تغتسل، وهب أن المرأة غير مختونة، وأن الرجل غيب الحشفة في فرجها. هل عليها غسل أم ليس عليها؟ A نعم. عليها غسل، إنما المقصود: أنها خرجت مخرج الغالب، فغالب النساء مختونات.

حكم اختتان المرأة

حكم اختتان المرأة Q ما حكم اختتان المرأة؟ A ختان المرأة عند الحنابلة على سبيل الوجوب، وعند الشافعية مكرمة، وعند الأحناف قالوا: لو أن أهل بلد -مثل مصر- اجتمعوا على عدم ختان الإناث وجب على ولي الأمر أن يقاتلهم. فمن قال بوجوب اختتان المرأة استدل بما رواه البخاري في الأدب المفرد: أن عثمان بن عفان أمر أم المهاجر أن تغتسل وأن تختتن تهذيباً، وهذا هو المذهب الراجح؛ لأنهم كانوا يعرفون الأسارى في الحرب بالختان.

حكم الغسل الواحد عن الجمعة والجنابة

حكم الغسل الواحد عن الجمعة والجنابة Q إذا نوى غسل الجمعة وغسل الجنابة، فهل يغتسل مرة أم مرتين؟ A يرى الشيخ الألباني في تمام المنة أنه لا بد أن يغتسل مرتين، وهذا الرأي مخالف لرأي الجمهور، والصواب: أن غسلاً واحداً يجزئ عن الجنابة وعن الجمعة، فالغسل عن الجنابة واجب، أما غسل الجمعة ففيه خلاف شديد: هل هو واجب أم سنة مؤكدة، لكن إن نوى بالغسل أن يرفع الجنابة وأن يكون هذا الغسل للجمعة أيضاً فلا حرج. وهذا رأي جمهور العلماء.

حكم من صلى ركعتين قبل إقامة صلاة المغرب على أنها سنة مغرب وتحية مسجد وسنة وضوء

حكم من صلى ركعتين قبل إقامة صلاة المغرب على أنها سنة مغرب وتحية مسجد وسنة وضوء Q من دخل لصلاة المغرب قبل إقامتها بدقائق هل يجوز له أن يصلي ركعتين على أنها تحية مسجد وسنة مغرب وسنة وضوء؟ A نعم. يجوز، ولا بأس في ذلك.

حكم التسمية داخل الحمام

حكم التسمية داخل الحمام Q ما حكم التسمية في الحمام؟ A التسمية في الحمام ليس فيها شيء، إنما المحظور أن تسمي الله في الخلاء، أي: في مكان قضاء الحاجة، لكن الحمام بعيد عن الخلاء.

حكم أداء الفرض والسنة بنية واحدة

حكم أداء الفرض والسنة بنية واحدة Q هل يجوز للمصلي أن يصلي الفرض والسنة بنية واحدة؟ A الفرض لا يمكن أن يكون سنة. هذا لا يجوز، كما أنه لا يجوز للمرأة أن تنوي صيام قضاء أيامها التي لم تصمها في رمضان مع أيام شوال.

حكم جعل مقبرة واحدة للرجال والنساء

حكم جعل مقبرة واحدة للرجال والنساء Q هل يجوز أن يكون هناك مقبرة للرجال والنساء؟ A للنساء مقبرة إلا في حال الضرورة كضيق المكان أو عدم وجود مكان، فهذه ضرورة والضرورة تقدر، أما في الأحوال العادية فللرجال مقبرة وللنساء مقبرة.

بعض الأحكام الشرعية في غسل يوم الجمعة

بعض الأحكام الشرعية في غسل يوم الجمعة Q ما هو الرأي الراجح في حكم غسل يوم الجمعة، مع بيان أفضل أوقات الغسل؟ A غسل الجمعة واجب، وقد اختلف فيه العلماء اختلافاً شديداً، ففي كتاب الجمعة عند البخاري: أن عمر رضي الله عنه كان يخطب الجمعة، فدخل عثمان رضي الله عنه ولم يغتسل، فعاتبه ولامه على رءوس الصحابة. قال: حتى الغسل لم تغتسل؟ قال: انقلبت من السوق. قال ابن حجر في الفتح: فعتاب عمر لـ عثمان يدل على أن الغسل واجب، وبعض العلماء ردوا على ذلك. أما غسل يوم الجمعة فإنه يكون بعد الفجر، وكلما اقترب الغسل من الجمعة كان أفضل، هب أن رجلاً اغتسل بعد صلاة الجمعة. لا ينفع، لأن علة الغسل حضور الصلاة، كذلك لو أنه اغتسل بعد الفجر ثم خرج إلى الورشة وأصابه الزيت والرائحة فهل يجوز هذا الغسل؟ إن الغسل له علة، وعلة الغسل أن يأتي إلى المصلى طاهراً، والمعروف أن ابن حزم يرى الوجوب كما في المحلى.

حكم صيام يوم الإثنين بنية الست من شوال ونية متابعة النبي صلى الله عليه وسلم

حكم صيام يوم الإثنين بنية الست من شوال ونية متابعة النبي صلى الله عليه وسلم Q ما حكم صيام يوم الإثنين بنيتين: نية شوال ونية المتابعة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم؟ " A يجوز أن تنوي صيام أيام شوال التي منها الإثنين والخميس باعتبار أن الإثنين يجوز أن يصام من السنة، فلا بأس بهذه النية.

حكم اختتان المرأة التي لا يوجد لها ختان لقطعه

حكم اختتان المرأة التي لا يوجد لها ختان لقطعه Q المرأة التي لا يوجد لها ختان لقطعه ما حكم اختتانها؟ A هذه طبيعة وخلقة، فطالما لا يوجد مكان فليس عليها اختتان، ولا بد أن يكون ختان المرأة عند الطبيبة، والمصيبة أن نساء الأرياف يختتن عند الصحة أو المزين، وقد يأتي على شهوة المرأة فيقضي عليها تماماً؛ وذلك بسبب الاختتان بطريقة خاطئة، فتصاب المرأة ببرود جنسي، مما يجعل بعض الرجال يستترون، وهذه مشكلة واقعة لمسناها كثيراً، فبعض الناس يدفعون بناتهم إلى أن يختتن عند من ليس له خبرة، فيقطع الشهوة ويميتها مما يترتب عليه أن تصاب المرأة بحالة من البرود الجنسي الذي يعاني منه كثير من الأزواج.

حكم الاتفاق على قيام الليل في بيت واحد بعد رمضان

حكم الاتفاق على قيام الليل في بيت واحد بعد رمضان Q هل يجوز اتفاق بعض الإخوة على قيام الليل في بيت واحد بعد رمضان؟ A لا يجوز أن يقام الليل في جماعة بعد رمضان إلا أن يكون عرضاً دون ترتيب، فإن كان بترتيب فقد أحدث، والدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قام يصلي قيام الليل في بيت ميمونة. يقول ابن عباس: (بت عند خالتي ميمونة، فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فقمت ووقفت عن يساره، فأخذني وجذبني من أمامه، وجعلني عن يمينه)، هل كان هناك اتفاق بين النبي صلى الله عليه وسلم وابن عباس على قيام الليل؟ يقول ابن حجر في الفتح: يجوز أن تصلي قيام الليل دون ترتيب. أما أن تعطي موعداً كيوم الإثنين فتقول: سنصلي في المسجد جماعة؛ هذا لم يثبت عن السلف وليس عليه العمل، فإذا ولى رمضان فلا قيام، وهناك بعض الأدعية التي ينبغي أن ندقق النظر فيها، والشيخ عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله مفتي الديار السعودية هذا العام لفت الأنظار إلى دعاء عن العز بن عبد السلام يقول: اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، قال الشيخ: لا يجوز أن نقول: ويذل، وإنما ينبغي أن نقول: ويهدى فيه أهل معصيتك، فيكون الدعاء: اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويهدى فيه أهل معصيتك. فدعاء العز بن عبد السلام: (ويذل فيه) ليس عليه دليل، والصواب: أن يقال: ويهدى. فهناك بعض الأمور التي نراها، وليس عليها دليل من كتاب أو سنة.

حكم صلاة الرجل بأهله قيام الليل

حكم صلاة الرجل بأهله قيام الليل Q ما حكم صلاة الرجل بأهله قيام الليل؟ A لا بأس أن تصلي بأهلك قيام الليل.

حكم رفع اليدين والتأمين في دعاء قنوت الوتر

حكم رفع اليدين والتأمين في دعاء قنوت الوتر Q هل يجوز رفع اليدين والتأمين في دعاء قنوت الوتر؟ A نعم. يجوز رفع اليدين والتأمين جهراً.

حكم الاغتسال بعد الفجر من الجنابة

حكم الاغتسال بعد الفجر من الجنابة Q لماذا اغتسل النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفجر من جنابة؟ A الرسول عليه الصلاة والسلام اغتسل بعد الفجر من جنابة ليبين أن الصائم إذا أصبح جنباً فإنه يغتسل ويصوم، فإن لم يغتسل بعد الفجر فقد ضيع صلاة الفجر، ففي البخاري: (أنه صف الصفوف للصلاة وقال: استووا تراصوا. فتذكر أنه جنب فتركهم ودخل واغتسل، وخرج ورأسه يقطر ماءً) ولم يأمر المؤذن بإعادة الإقامة. قال ابن حجر في الفتح: وفي الحديث جواز الفصل بين الإقامة والصلاة.

حكم من استيقظ قبل شروق الشمس وهو جنب ولم يصل صلاة الفجر

حكم من استيقظ قبل شروق الشمس وهو جنب ولم يصل صلاة الفجر Q لو أن رجلاً استيقظ من نومه قبل شروق الشمس بقليل وهو جنب. ماذا يصنع؟ هل يغتسل أم يصلي متيمماً وهو جنب؟ A يغتسل؛ لأن النوم عذر. قال في العدة: والانشغال بشروطها دخول فيها، فمن انشغل بالوضوء للصلاة فبمجرد أن انشغل بشروط من شروطها دخل فيها.

حكم تأخير المرأة والرجل لصلاة العشاء

حكم تأخير المرأة والرجل لصلاة العشاء Q هل يجوز للمرأة والرجل تأخير صلاة العشاء إلى منتصف الليل؟ A المرأة تصلي العشاء في وقته: (أحب الأعمال إلى الله الصلاة على وقتها)، إلا إذا رأى الإمام أن يؤخر العشاء لعلة، كأن يجتمع الناس، فهذا فعله النبي عليه الصلاة والسلام، أما بالنسبة للمرأة فإن غلب على ظنها أنها ستصلي قبل الساعة الثانية عشرة فلا بأس أن تؤخر إلى الساعة العاشرة؛ لأنها غير مرتبطة بجماعة المسجد، فكلما أخرت كان أفضل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هذا ميعادها لولا أن أشق على أمتي).

العدة شرح العمدة [3]

العدة شرح العمدة [3] من الرخص الشرعية لهذه الأمة -ومن خصائصها- التيمم في حال عدم وجود الماء وفي حال عجز الإنسان عن استخدامه، وصفته أن يضرب الإنسان بيديه على الصعيد ضربة واحدة يمسح بها وجهه وكفيه، وما ينتقض به الوضوء ينتقض به التيمم وزيادة على ذلك وجود الماء والقدرة على استعماله.

باب التيمم

باب التيمم إن من رحمة الله بهذه الأمة أن رخص لنا في حال عدم وجود الماء أن نتيمم، وهذا مما أعطيه النبي صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي)، يعني: لم يعطها أحد قبل نبينا عليه الصلاة والسلام، ومن هذه الأشياء قال: (وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل)، يعني: في أي مكان يمكنك أن تصلي، أما أهل الكتاب فلا يجوز لهم أن يؤدوا الصلاة إلا في الكنائس والمعابد. قال: (وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)، يعني: ترابها طهور، واحذر أن تقول: (طاهر)، وفرق بين الطاهر والطهور، فالطاهر: طاهر في نفسه لكنه غير مطهر لغيره، والطهور: طاهر في نفسه ومطهر لغيره؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (طهوراً)، أي: أن تراب الأرض طاهر في نفسه مطهر لغيره.

صفة التيمم

صفة التيمم صفة التيمم: أن يضرب بيديه على الصعيد الطيب ضربة واحدة فيمسح بهما وجهه وكفيه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ عمار: (إنما كان يكفيك هكذا وضرب بيديه الأرض)، وفي الشرح قال: وصفته. وأخذ يشرح صفة التيمم. وحديث عمار هو عمدة في هذا الموضوع، فقد كان عمار بن ياسر مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه في سفر فأجنبا -أي: أصابتهما جنابة- أما عمار فتمرغ في الأرض كما تتمرغ الدابة؛ لأنه ظن أن التيمم معناه: أن يعمم الجسد بالتراب. وصلى بعدها، وأما عمر فكف عن الصلاة، فلما وصل الأمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ عمار: (إنما كان يكفيك هكذا)، أي: أن التيمم هكذا. قال: (وضرب بيديه الأرض فمسح بهما وجهه وكفيه) متفق عليه، وهذا الحديث عمدة وحجة على كل المذاهب، إذ إن الشافعي رحمه الله يرى أن التيمم ينبغي أن يكون لليد كاملة من الرسغ إلى الكف؛ لأنه حمل المطلق على المقيد، وهذا كلام مرجوح؛ لأن الثابت أن النبي عليه الصلاة والسلام ضرب الأرض بيديه هكذا ثم مسح وجهه وكفيه مسحة واحدة، وهذا يكون في الطهارة الصغرى في الوضوء وأيضاً للجنابة. وقال القاضي: المسنون ضربتان يمسح بإحداهما وجهه، وبالأخرى يديه إلى المرفقين، وهذا هو مذهب الشافعي، لكننا قلنا: الراجح أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم حجة في القضية.

شروط التيمم

شروط التيمم شروطه أربعة:

العجز عن استعمال الماء

العجز عن استعمال الماء أولاً: العجز عن استعمال الماء إما لعدمه، أو لخوف الضرر من استعماله لمرض أو برد شديد؛ أو لخوف العطش على نفسه أو رفيقه أو بهيمته؛ أو خوف على نفسه بطلبه؛ أو تعذر إلا بثمن كثير. فإن أمكنه استعماله في بعض بدنه أو وجد ماء لا يكفيه لطهارته استعمله وتيمم للباقي. والعاجز عن استعمال الماء معناه: أنه فقد الماء، والله يقول: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة:6]، وسبب التيمم جاء في قصة عائشة رضي الله عنها لما كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة ونامت، وكانت قد أخذت عقداً من أختها استعارة -عارية مستردة- وسقط العقد منها، فلما قامت أخبرت النبي صلى الله عليه وسلم بأن العقد قد سقط منها، فانشغل الصحابة بالبحث عنه حتى انعدم الماء، فلما انعدم الماء عاتب الصحابة عائشة، وعنفها أبو بكر تعنيفاً شديداً، فنزلت آية التيمم على النبي صلى الله عليه وسلم في هذه السفرة. يقول أسيد بن حضير ما هذه بأول بركتكم يا آل أبي بكر! يعني: ليست هذه أول بركة لكم، بسبب ضياع عقد عائشة نزلت آية التيمم. ففي حالة إذا انعدم الماء فينبغي للمسلم أن يتيمم، فإن لم تجد ماء في العزيز ومكان آخر موجود فيه فإن الماء معدوم والعدم معناه: أنك تبحث في البقعة المحيطة بدون مشقة ولا تجد الماء مع عدم السفر إلى مكان جديد. قال: أو لخوف ضرر من استعماله. والمقصود: حد البحث في العرف إنما، مثال ذلك: في الزيتون فقد الماء، والماء موجود في الهرم، فهل يذهب إلى الهرم ويتوضأ ويعود؟! هذا ليس ممكناً، فقد الماء يكون في البقعة التي لا تكلفه مشقة أو سفر. يقول في الشرح: [وله شروط أربعة: العجز عن استعمال الماء إما لعدمه؛ لقوله سبحانه: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء:43]، أو لخوف الضرر من استعماله لمرض أو برد شديد أو جرح؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [النساء:43]؛ ولحديث عمرو بن العاص]. فالخوف من الضرر من استعمال الماء أو البرد الشديد كعدم وجوده. وفي الحديث: أن عمرو بن العاص احتلم، وعندما استيقظ وجد الجو بارداً؛ فتذكر رضي الله عنه قول الله عز وجل: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء:29]، فتيمم ولم يغتسل مع وجود الماء، وصلى بأصحابه وهو متيمم وهم على وضوء، فلما علموا بعد الصلاة أنه فعل ذلك أخبروا النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأخبره عمرو أنه تذكر قول الله عز وجل: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ} [النساء:29]، فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على فعله. فإن قيل: هل يجوز للمتيمم أن يؤم متوضئاً؟ A نعم. يجوز، فإن عمراً كان متيمماً، وأمّ الصحابة وهم على وضوء، وفي هذا حجة؛ لأن الحديث صحيح. ثانياً: الخوف على نفسه من ضرر استخدام الماء، وعلم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فلم يأمره بالإعادة. رواه أبو داود. قال: [أو لخوف العطش على نفسه] وهذا كله في المسألة الأولى وهي انعدام الماء حكاه ابن المنذر إجماعاً، كرجل في صحراء ومعه ماء يكفي للوضوء ويكفي لشربه: هل يتوضأ به ولا يشرب؛ أم يتركه لشربه ويتيمم؟ A يتركه لشربه ويتيمم؛ لأنه يخاف العطش على نفسه. قال: [أو لخوفه على رفيقه أو بهيمته]، الله أكبر! انظر إلى رحمة الإسلام، فلو كان معك بهيمة وتخاف عليها من العطش فإنك تتيمم وتترك الماء لها، والشواذ يقولون: الإسلام دين الإرهاب، وهل دين الإرهاب يجعل للبهيمة حقاً في الماء؟! تتيمم وتترك الماء لهذه البهيمة؛ لأنها من خلق الله سبحانه. قال: [أو لخوف العطش على نفسه أو رفيقه -صديقه- أو بهيمته، أو خوف على نفسه أو ماله بطلبه]. بمعنى: أنه يوجد ماء في آخر هذا الشارع، ولكنك إن وصلت إليه فهناك عدو يتربص بك، أو ماء في بئر أمامك ولكنك لا تملك أن تنزل إليه، وإن نزلت لن تخرج، إذاً: هناك خوف من استخدام الماء إما لوجود عدو أو لتعذر استخدامه؛ فجاز له التيمم؛ لقوله عليه السلام: (لا ضرر ولا ضرار). قال: [أو تعذر إلا بثمن كثير يزيد على ثمن المثل، أو لمن يعجز عن أدائه كذلك]. الماء موجود لكنه يباع وأنت لا تملك الثمن، أو تملك الثمن لكن يباع بأكثر من ثمن المثل، فهذا فيه مشقة؛ لأنه يبيع الماء بأكثر من ثمن المثل، فإن باعه بثمن المثل وأنت قادر عليه يجوز لك أن تستخدمه.

أحكام تتعلق بالتيمم عند العجز عن استعمال الماء

أحكام تتعلق بالتيمم عند العجز عن استعمال الماء فإن أمكنه استعماله في بعض بدنه ولم يمكن في بعضه -كالمجروح- استعمله وتيمم للباقي؛ لأنه خائف على نفسه ويشبه المريض. بمعنى: إن أمكن استعمال الماء ومعه ماء يكفي لغسل بعض أعضاء الوضوء ولا يكفي للآخر، هل يترك هذا الماء أم يستخدم ما يمكن أن يستخدم ثم يتيمم للباقي؟ A يستخدم الماء حتى ينتهي ثم يكمل بالتيمم؛ لأن ذلك ثابت عن نبينا صلى الله عليه وسلم، وهذا معناه: أن تحصّل من الواجبات ما تستطيع. كحال بعض إخواننا في الصلاة ربما يكون عاجزاً عن القيام في الصلاة أثناء القراءة، يعني: لا يستطيع أن يقوم خلف الإمام فله أن يصلي جالساً، لكنه في حال ركوع الإمام ينبغي له أن يقوم ويركع وهو قائم لا كما يفعل البعض يركع وهو جالس، طالما يستطيع أن يركع وهو قائم فلا بد أن يحصل هذا الركن، يعني: يجلس عند القراءة، فإذا قال الإمام: الله أكبر عليه أن يقوم ثم يركع مع الإمام؛ لأنه قادر على الركوع، وهو عاجز عن القيام فقط خلفه في القراءة، إذاً: تحصل من الواجبات ما تستطيع، كما قال ربنا سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي شج رأسه أنه كان يجزئه أن يربط عليه خرقة ثم يمسح على هذا المربوط ويغسل الجزء الباقي. يعني: رجل أصابته جنابة ثم شج في رأسه، فإن مكان الإصابة في الرأس، فهل يتيمم لكل جسده؛ أم يغتسل لسائر جسده ويمسح على الجزء؟ يغتسل لسائر الجسد ويمسح على الجزء، إذاً: يحصّل من الواجبات ما يستطيع. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن وجد ماءً لا يكفي لزمه استعماله وتيمم للباقي]؛ لقوله عليه السلام: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)، هذا إن كان جنباً، وإن كان محدثاً فعلى وجهين: أحدهما: يلزمه استعماله كالجنب، والثاني: لا يلزمه، وهذا مبني على وجوب الموالاة، وفيها روايتان: إن قلنا بوجوبها لم يلزمه استعماله؛ لأنه لا يفيد، وإن قلنا: إنها غير واجبة لزمه؛ لأنها تفيد رفع الحدث عن بعض بدنه، وأما الجنابة فليس فيها موالاة؛ لأن الأصل عدم الموالاة في الطهارتين؛ ولأن الله أمر بالغسل فيهما، وإنما وجبت في الوضوء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الذي رأى في قدمه لمعة لم يصبها الماء بإعادة الوضوء والصلاة؛ فبقي غسل الجنابة على الأصل. في مسألة الجنابة وجد جزءاً من الماء لا يكفي لغسل بقية البدن، يكفي لغسل الشق الأيمن ولا يكفي لغسل الشق الأيسر، فهل يغسل الشق الأيمن ويتيمم للباقي؟ أم يجزئه التيمم في هذه الحالة كاملةً؟ A الموالاة معناها: الترتيب والتتابع في غسل الأعضاء، ولا يترك فترة زمنية بين عضو وعضو، هنا يقول: من قال بوجوب الموالاة قال: يترك الماء كلياً ويتيمم؛ لأن الموالاة شرط، ومن قال بعدم وجوب الموالاة قال: يستخدم الماء بالقدر الكافي ثم يتيمم للباقي.

دخول الوقت

دخول الوقت قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثانياً: دخول الوقت. فلا يتيمم لفريضة قبل وقتها، ولا لنافلة في وقت النهي عنها]. فلا يجوز التيمم لفرض قبل دخول وقته، بمعنى: لا يجوز أن تتيمم للظهر إلا بعد دخول وقت الظهر؛ لأنك إن تيممت قبل وقته ربما جاء الماء في وقته فبطل التيمم في هذه الحالة. لكن من تيمم للظهر وظل الماء مفقوداً حتى جاء العصر. هل يلزمه إعادة التيمم، أم يكفيه التيمم الأول؟ A هناك خلاف شديد بين العلماء في كون التيمم رافعاً للحدث، أم هو بديل مؤقت عن الوضوء؟ فمن قال: إن التيمم رافع للحدث قال: يجوز له أن يصلي العصر بتيمم الظهر وهذا هو الراجح، خلافاً لمذهب الحنابلة، إذ إن الحنابلة يقولون: لا بد أن يعيد التيمم؛ لأن التيمم ليس رافعاً للحدث، فقالوا: إن تيمم للظهر، ثم أذن العصر عليه أن يطلب الماء، فإن لم يجد الماء أعاد التيمم رغم أنه لم يحدث، وقلنا: هذا الرأي مرجوح وإنما يكفيه التيمم؛ لأن التيمم رافع للحدث وبديل تام عن الوضوء. لذلك قال هنا: فلا يجوز التيمم لفرض قبل دخول وقته، ولا لنافلة في وقت النهي عنها؛ لأنه قبل الوقت مستغنٍ عن التيمم فلم يجز تيممه كما لو تيمم عند وجود الماء، وإنما جار التيمم لحاجة الصلاة، وقبل الوقت هو غير محتاج إلى الصلاة، وكذلك وقت النهي.

مسائل تتعلق بالتيمم

مسائل تتعلق بالتيمم مسألة: رجل تيمم لصلاة نافلة -كصلاة الضحى مثلاً- ثم أذن الظهر ولم ينتقض تيممه، فهل يلزمه أن يتيمم للفرض أم لا؟ A عند الحنابلة يلزمه، وعند الجمهور لا يلزمه. وهناك تعليق للشيخ ابن عثيمين في الحديث الصحيح الذي فيه: أن رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقدا الماء فصليا بالتيمم، فالأول لما جاء الماء لم يتوضأ ولم يعد، والثاني: توضأ وأعاد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للأول: (أصبت السنة)، وقال للآخر: (لك الأجر مرتين)، يقول ابن عثيمين رحمه الله: قول النبي صلى الله عليه وسلم للأول: (أصبت السنة)، أي: ينبغي عليك وعلي أن نلزم السنة؛ لأنه بين أنه أصاب السنة، وهذا من رحمته عليه الصلاة والسلام. مسألة: طيب رجل تيمم لقراءة القرآن، ثم جاء وقت الظهر وهو متيمم، فهل عليه أن يتيمم للظهر مرة أخرى أم يجزئه تيممه لقراءة القرآن؟ A من قال: إن التيمم رافع للحدث يجزئ عنده، وهذا هو الرأي الراجح. مسألة: رجل يصلي وبينما هو يصلي جاء الماء في الركعة الثانية هل يخرج للوضوء أم يكمل الصلاة بالتيمم؟ الجواب: يقول الشيخ ابن عثيمين: يخرج من الصلاة؛ لأن الماء وجد وإذا وجد الماء بطل التيمم، والبعض يقول: لا يخرج؛ لأن أول دخوله كان متيمماً تيمماً رافعاً للحدث، وجد الماء بعد دخوله في الصلاة فلا يلزمه أن يخرج، والراجح: بأنه يخرج. مسألة: رجل فقد الماء فتيمم وصلى، ثم وجد الماء قبل أن يخرج الوقت. هل يتوضأ ويصلي مرة أخرى، أم يكفيه الصلاة الأولى؟ الجواب: ثبت في الصحيح أن صحابيين فقدا الماء فتيمما وصليا، ثم وجدا الماء قبل أن يخرج الوقت، فالأول توضأ وأعاد، والآخر لم يتوضأ ولم يعد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للذي لم يعد: (أصبت السنة)، وهذا هو الأصل.

النية

النية قال المؤلف رحمه الله تعالى: ثالثاً: النية؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات)، فإن تيمم لنافلة لم يصل فرضاً. هذا قول الحنابلة: إن تيمم لنافلة لم يصل بها؛ وذلك لأن التيمم عند الحنابلة غير رافع للحدث، كأن يكون تيمم للضحى وجاء الظهر فهل يجوز أن يصلي الظهر بتيمم الضحى؟ الجواب عند الحنابلة: لا. قال: فإن تيمم لنافلة لم يصل بها فرضاً؛ لأن التيمم لا يرفع الحدث. وهذا كلام مرجوح. قال: فلا يباح الفرض حتى ينويه؛ لقوله عليه السلام: (إنما الأعمال بالنيات)، وإن تيمم لفريضة فله فعلها؛ لأنه نواها، وله فعل ما شاء من الفرائض والنوافل حتى يخرج وقتها؛ لأنها طهارة أباحت فرضاً فأباحت سائر ما ذكرناه. أي: يصلي الظهر وسنة الظهر، أما العصر فلا، لا بد أن يعيد الوضوء عند الحنابلة.

التراب

التراب قال المؤلف رحمه الله تعالى: رابعاً: التراب. فلا يتيمم إلا بتراب طاهر؛ لأن الله سبحانه قال: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء:43]. قال ابن عباس: الصعيد: تراب الحر، والطيب: الطاهر، ويشترط أن يكون له غبار؛ لقوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة:6]، ومن للتبعيض، وما لا غبار له لا يمسح شيء منه. التراب الطاهر له غبار، وإني لأتعجب من بعض الناس يتيمم على عمود خرسانة أو لحاف، بل رأيت مريضاً في المستشفى يتيمم على البطانية، وهذا مخالف لقوله سبحانه: {صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة:6]. إذاً: الذي ينبغي أن يتمم به ما له غبار، قال تعالى: {صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة:6]، فالرمال والجبال الذي لها غبار يتيمم بها.

مبطلات التيمم

مبطلات التيمم قال المؤلف رحمه الله تعالى: ويبطل التيمم ما يبطل طهارة الماء؛ لأنه بدل عنه. يعني: إذا تيمم ثم أحدث بطل التيمم، فكل ما يبطل الوضوء يبطل التيمم. قال: ويبطل بخروج الوقت؛ لأنه طهارة ضرورة، فتقدر بقدر الضرورة، وقدر الضرورة: الوقت، فتقيد به؛ لأنه وقت الحاجة. وهذا قول الحنابلة: أن التيمم يبطل بخروج الوقت، كأن أتيمم للظهر، فإن خرج وقت الظهر بطل التيمم، وعلي أن أتيمم مرة أخرى، وهذه كلها نتائج مترتبة على أنهم لم يجعلوا التيمم رافعاً للحدث. قال: ويبطل بالقدرة على استعمال الماء، لقوله عليه السلام: (التراب كافيك ما لم تجد الماء، فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك)، وتبطل طهارته وإن كان في الصلاة؛ لأنه لو كان خارج الصلاة لبطلت فكذلك في الصلاة. وهذا قول الحنابلة أيضاً.

معنى التيمم لغة واصطلاحا

معنى التيمم لغة واصطلاحاً حينما نقول: لغةً نعود إلى كتب اللغة كلسان العرب والمعجم الوسيط ومختار الصحاح والقاموس المحيط وتاج العروس وكتب أخرى متعددة في البحث عن المعنى اللغوي. وحينما نقول: اصطلاحاً يعني: في الشرع. ننظر إلى أقوال العلماء في التيمم. يقول تعالى في سورة البقرة: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} [البقرة:267]، والمفسرون يقولون في قوله تعالى: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ} [البقرة:267] أي: لا تقصدوا، فالتيمم هنا بمعنى: القصد. وللإمام الشافعي رأي في صفة التيمم يختلف عن رأي الجمهور، فهو يرى أن التيمم لا بد أن يكون للمرفق؛ لأنه حمل المطلق في آية التيمم على المقيد في آية الوضوء، والخلاف في الأصول ليس في الفروع، ففي آية الوضوء: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة:6]، وفي آية التيمم: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة:6]، فاليد في آية التيمم مطلقة، وفي آية الوضوء مقيدة، فـ الشافعي حمل المطلق في آية التيمم على المقيد في آية الوضوء. فهل يجوز حمل المطلق على المقيد في هذه الحالة؟ ومتى يجوز حمل المطلق على المقيد؟ هذه مسألة مهمة لابد أن نبحث عنها. اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، اللهم ارزقنا علماً نافعاً، وقلباً خاشعاً، ولساناً ذاكراً، نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار. آمين آمين آمين.

الأسئلة

الأسئلة

حكم مباشرة الرجل لامرأته في الدبر

حكم مباشرة الرجل لامرأته في الدبر Q امرأة تريد أن تفارق زوجها؛ لأنها ارتدت النقاب، وتريد أن تتعلم الشرع، وهو لا يعينها على ذلك، ومعها ولد وبنت، وطلبت منه الطلاق عدة مرات وهو يرفض، ومع ذلك يعاشرها معاشرة غير شرعية، إذ يأتيها في الدبر بإلحاح، فماذا تفعل معه، فهي لا تريد أن تخلع النقاب، بل تريد أن ترضي الله؟ A بما أنه يصر على المجامعة بهذه الطريقة فهو رجل عنده شذوذ جنسي، فأقول لكِ: ارفعي الأمر إلى القضاء في جلسة واحدة، وإن أطال القضاء معك اخلعي نفسك منه، والخلع -والحمد لله- موجود، فاخلعي نفسك في الحال ولا تمكثي تحت هذا الرجل الشاذ.

العدة شرح العمدة [4]

العدة شرح العمدة [4] الحيض أحد العوارض التي تمنع المرأة من أداء بعض العبادات الواجبة عليها مثل: الصلاة والصيام ومس القرآن والطواف بالبيت واللبث في المسجد، وغيرها من الأحكام.

التيمم مبيح للصلاة رافع للحدث

التيمم مبيح للصلاة رافع للحدث مسألة: هل التيمم مبيح لما تجب له الطهارة أم رافع للحدث؟ في هذا نزاع، وإن قلنا: رافع للحدث، سيترتب على ذلك أمور، وإن قلنا: مبيح لما تجب له الطهارة، سيترتب على ذلك أمور أيضاً. والحنابلة قالوا: إنه مبيح لما تجب له الطهارة، والمقصود: أنه لو تيمم مسلم لصلاة الظهر ثم جاء وقت العصر ولا يزال على تيممه فإنهم يلزمونه أن يعيد التيمم، وهذا مرجوح؛ لأن الراجح في التيمم أنه رافع للحدث وليس مبيحاً لما تجب له الطهارة. مثال ذلك: تيمم لسنة صلاة الظهر فهل يجوز له أن يمس المصحف بهذا التيمم؟ القول الراجح عند الحنابلة: أنه إن تيمم لعبادة فلا يجوز أن يفعل ما فوقها، أما ما دونها فيجوز، وما فوق النافلة هو الفرض، أما مس المصحف فهو أدنى، والعلماء اختلفوا في مس المصحف بوضوء أو غير وضوء، والنافلة ما اختلف أحد فيها، فمسه للمصحف يجوز في هذه الحالة عند هؤلاء وعند هؤلاء. ونحن نقول: الرأي الراجح: أنه إذا تيمم للظهر والعلة لا زالت قائمة وهي: عدم وجود الماء، فإنه يصلي بهذا التيمم ما شاء، فلو تيمم لسنة الظهر فإنه يصلي بها فرض الظهر، ويصلي بها العصر، ويصلي بها المغرب، ويصلي بها العشاء طالما لا تزال العلة قائمة، ويصلي بها ما نسي من الصلوات، ويقضي بها النوافل؛ لأن التيمم بديل تام عن الوضوء، ورافع للحدث عند عدم وجود الماء.

باب الحيض

باب الحيض

ما يمنع منه الحيض

ما يمنع منه الحيض ننتقل إلى باب الحيض: الحيض عند الحنابلة يمنع عشرة أشياء: 1 - فعل الصلاة. 2 - وجوب الصلاة ومعنى هذا: أن الصلاة ترفع عن الحائض، ويرفع عنها القضاء. 3 - فعل الصيام، أما وجوب الصيام فلا يرفع؛ لأنها مأمورة بقضاء الصيام بعد انتهاء الحيض، فوجوب الصيام لم يرفع، والدليل في صحيح البخاري في كتاب الحيض، يقول البخاري: باب تقضي الحائض الصيام؛ لأن البخاري فقيه ومحدث، وفقهه يظهر من الترجمة، يقول: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم في فطر أو أضحى، يعني: في عيد فطر أو عيد أضحى، والشك من الراوي، فبعد أن وعظ الرجال -أي: خطب الرجال- ذهب إلى النساء! وقال: يا معشر النساء تصدقن وأكثرن من الصدقة فإني رأيتكن أكثر أهل النار، فقلن: يا رسول الله! ما بالنا أكثر أهل النار؟ قال: تكفرن -فقلن: نكفر بالله؟ - قال: لا. بل تكفرن العشير، وتكثرن اللعن، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن، قلن: وما نقصان عقلها ودينها يا رسول الله؟ قال: أليس شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل؟ - قلن: بلى- قال: أليس إذا حاضت لا تصوم ولا تصلي؟). فهذا معناه أن الصلاة والصيام ترفع عن الحائض في حال حيضها. لذلك قال هنا: ويمنع الحيض عشرة أشياء: 1 - فعل الصلاة. 2 - وجوبها. 3 - فعل الصيام. 4 - والطواف. 5 - وقراءة القرآن. 6 - ومس المصحف. 7 - واللبث في المسجد. 8 - والوطء في الفرج -جماع-. 9 - وسنة الطلاق. 10 - والاعتداد بالأشهر. ونأتي الآن إلى تفصيل العشرة وقد بينا الصلاة والصيام، وأما قوله: الطواف بالبيت؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أحل فيه الكلام، فمن تكلم فلا يتكلم إلا بخير)، ويمكن أن يقول قائل: إن هذا الحديث غير واضح في الدلالة، خذ الواضح: في البخاري في كتاب الحيض في الطواف: (دخل النبي صلى الله عليه وسلم على السيدة عائشة في ذي الحليفة في حجة الوداع فوجدها تبكي، فقال: ما يبكيك يا عائشة أنفست؟)، انظروا إخواني إلى حرص عائشة رضي الله عنها على الطاعة، فهي تبكي حزناً على فوات الطاعة. فقالت رضي الله عنها: يرجع صويحباتي بحج وعمرة وأنا أرجع بحج -لأن الحيض سيمنعها من أداء حجة متمتعة- فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم منها ذلك قال لها: (افعلي كما يفعل الحاج إلا أن لا تطوفي بالبيت)، فلا يجوز للحائض أن تطوف، ولذلك بعد أنهت مناسك الحج ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أخاها عبد الرحمن أن يردفها خلفه إلى التنعيم لتحرم بالعمرة بعد أن طهرت، والتنعيم عمرة التنعيم للأعذار للحيض ونحن جعلناها الآن كلما سافر أحد منا ذهب إلى التنعيم، والسؤال كما قال شيخ الإسلام، عبد الرحمن صحابي أم لا؟ الصحابة يحرصون على الطاعة أم يضيعون الطاعات؟ لم لم يحرم مع أخته؛ لأنه ليس من أهل الأعذار؛ ولأنه ليس له عمرة لأن هذا الميقات ليس هو الخاص به، ونحن إذا سافرنا نقول: عملت عشر عمرات، رايح جاي الله أكبر! يا عبد الله! العمرة بسفرة من ميقاتك أنت، فلبي في الميقات عمرة عن أبي عمرة، عن أمي عمرة واحدة، أما أن تذهب إلى مكة تعتمر لنفسك ثم تخرج إلى التنعيم ويعتمر لأبيك ثم لأمك ثم لجدك ثم لخالتك، عمرات متتابعة، يقول شيخ الإسلام في الفتاوى: وهذا ليس عليه عمل السلف وما أثر عنهم أنهم كانوا يقومون بهذا. ثم قال: قراءة القرآن: وهذا قول مرجوح، فقد فرق شيخ الإسلام بين الجنب والحائض في قراءة القرآن، وما ورد من نصوص في عدم جواز قراءة القرآن للحائض ضعيف، ولذلك قال: وقراءة القرآن، في الشرح، لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن)، رواه أبو داود وهو منكر، يعني: أنهم استدلوا بحديث منكر، ولذلك فهذا المذهب مرجوح، بل يجوز للحائض أن تقرأ دون أن تمس المصحف؛ لأن الحيض ليس بيدها، أما الجنب فبيده أن يرفع الجنابة، أما الحائض فربما يمتد مدة الحيض إلى خمسة عشر يوماً، فهل يجوز لنا أن نحرم المرأة من قراءة القرآن طوال هذه المدة؟ فيجوز لها أن تقرأ القرآن من ذاكرتها، أو تقرأ من كتاب غير المصحف. وهذا من اختيارات شيخ الإسلام رحمه الله تعالى التي خالف فيها المذاهب: أنه يجوز للحائض أن تقرأ القرآن وهذا هو الراجح. ثم قال: ومس المصحف، ومس المصحف لا يجوز للحائض؛ لقوله تعالى: {لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة:79]، وهذا الاستدلال في غير محله، مع أن مس المصحف لا يجوز، لكن هذا الدليل لا يصلح؛ لأن معنى لا يمسه إلا المطهرون المقصود بهم: الملائكة، إنما مس المصحف هناك أحاديث ضعيفة في النهي عن مس المصحف لكنها تتظافر وترتقي إلى مرتبة الحسن، وعند كثير من العلماء: أن مس المصحف للح

الأسئلة

الأسئلة

حكم مس المصحف للحائض

حكم مس المصحف للحائض Q هل يجوز للحائض أن تمس المصحف بالقفّاز؛ لأنه حائل؟ A لا، لا يجوز، لكن يجوز أن تقرأ القرآن من كتاب تفسير؛ لأنه ليس مصحفاً، أو من حائل خشبي، يعني دون أن تمس المصحف.

العدة شرح العمدة [5]

العدة شرح العمدة [5] الحيض مما كتبه الله على بنات آدم، وهو يمنع من الصلاة والصيام والمكث في المسجد ومس المصحف والطواف والمباشرة للزوج، كما أن الحيض له أحكام أخرى تتعلق به كالطلاق والمباشرة والاغتسال وغيرها.

موانع الحيض

موانع الحيض قال المصنف رحمه الله: [باب الحيض ويمنع عشرة أشياء: فعل الصلاة] فالحائض لا تصلي. [وجوبها] يعني: لا تصلي ولا تقضي. وكذلك رفع عنها الصيام ولكن لم يرفع عنها القضاء، فالصيام واجب على الحائض بعد أن تتطهر، لذلك أشار المصنف إلى فعل الصلاة ووجوب الصلاة وفعل الصيام، أما وجوب الصيام فلم يسقط، (كنا نؤمر بقضاء الصيام، ولا نؤمر بقضاء الصلاة ونحن حيض). وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: (ريت النار فرأيت أكثر أهلها النساء يكفرن، قلنا: يا رسول الله يكفرن بالله؟ قال: لا. بل يكفرن العشير والإحسان، ما رأيت من ناقصات عقل ودين، أذهب للب الرجل الحازم منكن، ثم سئل، فقال: أما نقصان العقل فشهادة المرأة نصف شهادة الرجل، وأما نقصان الدين فترفع عنها الصلاة وهي حائض ولا تؤمر بقضائها). ويمنع الحيض عن المرأة: الطواف بالبيت، وقراءة القرآن وفيه خلاف، ومس المصحف وفيه خلاف، والمكث في المسجد وفيه خلاف، والجماع في الفرج وليس فيه خلاف، فالحيض يمنع على الرجل أن يجامع امرأته، ولا يجوز بحال من الأحوال، وسنة الطلاق فمن طلق امرأته وهي حائض فقد خالف السنة وتعدى في الحد، يقول تعالى: {يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:1]، ومعنى لعدتهن: أي: من طهر لم يجامعها فيه، فلا يطلقها وهي حائض، أو في طهر جامعها فيه، فهذا طلاق بدعي، وبين العلماء خلاف في وقوعه وعدم وقوعه. ويمنع الحيض عن المرأة الاعتداد بالأشهر، فالمرأة الحائض تعتد بالحيض. والحيض يوجب الغسل، أي: أن الحيض من موجبات الغسل، ورب العالمين يقول: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة:222]، والعزلة هنا عزلة جسدية وليست عزلة قلبية، والعزلة ثلاثة أنواع: عزلة جسدية، وعزلة قلبية، وعزلة جسدية قلبية، وإبراهيم عليه السلام اعتزل قومه بقلبه وجسده: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [مريم:48]، وكذلك أصحاب الكهف: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ} [الكهف:16]، اعتزلوا القوم بأجسادهم وبقلوبهم، أما عزلة الرجل للمرأة في المحيض فهي عزلة جسدية، قال تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة:222]، يعني: حتى يغتسلن. إذاً: الحيض يوجب الغسل، وهو من علامات البلوغ، فإذا حاضت المرأة فقد بلغت، وعلامات بلوغ المرأة أربعة: أن ينبت شعر العانة، أو تحتلم، أو تحيض، أو تبلغ خمس عشرة سنة. وقد تحيض المرأة لتسع سنين، فإن حاضت لتسع فقد بلغت، لأن أي علامة من هذه العلامات الأربع فهي علامة من علامات بلوغ المرأة. وعلى هذا فعدة المرأة تكون بالحيض؛ لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228]، وأما المرأة التي لم تحض أو اليائسة من المحيض فعدتها ثلاثة أشهر، قال تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق:4]، إذاً فالمرأة التي يئست من المحيض عدتها ثلاثة أشهر، وكذلك التي لم تبلغ سن المحيض عدتها ثلاثة أشهر، أما التي تحيض فعدتها ثلاثة قروء. إذاً: فالحيض يمنع عشرة أشياء، ويوجب ثلاثة أشياء: يوجب الغسل، ويوجب البلوغ، ويوجب الاعتداد به. ثم قال: فإذا انقطع الدم أبيح فعل الصوم، يعني: انقطع دم المرأة ولم تغتسل فيجوز لها الصيام، ولا يشترط في الصيام أن تغتسل، وإنما يشترط في الصيام انقطاع الدم، فإذا انقطع الدم قبل الفجر بدقيقة فيجوز لها أن تصوم حتى وإن اغتسلت بعد الفجر، لكن الصلاة لا بد أن تغتسل لها، وهناك فرق بين الصلاة والصيام. فإذا انقطع الدم أبيح فعل الصوم والطلاق بمعنى: يجوز أن يطلقها أيضاً بانقطاع الدم، وليس شرطاً أن تغتسل، ولم يبح سائرها حتى تغتسل. ويجوز الاستمتاع من الحائض بما دون الفرج، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا كل شيء غير النكاح)، بمعنى: يجوز للزوج أن يستمتع من زوجته وهي حائض إلا أنه يحظر عليه أن يجامعها، أما ما دون الجماع فهو جائز. قال: وأقل الحيض يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يوماً. قال في الشرح: وأقل الحيض يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يوماً، قال الشافعي رحمة الله: رأيت جدة في مصر عمرها 21 سنة؛ لأنها حاضت لتسع، ثم تزوجت بعد تسع وأنجبت بنتاً، وحاضت هذه البنت أيضاً لتسع ثم تزوجت وأنجبت فأصبحت الأم جدة. قال: وأقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوماً وليس لأكثره حد، وأقل سن تحيض له المرأة تسع سنين وأكثره ستون، والمبتدئة إذا رأت الدم لوقت تحيض في مثله

الأسئلة

الأسئلة

حكم صلاة من به سلس بول أو نحوه

حكم صلاة من به سلس بول أو نحوه Q أحياناً أتوضأ للصلاة، فإذا كنت في الصلاة أشعر بنزول مذي، فما العمل؟ A لا بد أن تعلم أن المذي ناقض من نواقض الوضوء، فإذا كنت مريضاً فأنت من أهل الأعذار وحكمك كحكم المستحاضة، تتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها وتتحفظ.

الأعمال المستحبة في عشر ذي الحجة

الأعمال المستحبة في عشر ذي الحجة Q أفيدونا عن الأعمال المستحبة في عشر ذي الحجة؟ وهل صيام هذه الأيام من السنة وجزاكم الله خيراً؟ A نعم. قال صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله فيها من هذه الأيام العشر)، والعمل الصالح كلمة عامة تشمل الصيام والصلاة وقراءة القرآن، وقد حدثنا الشيخ الألباني في مسند الإمام أحمد أثراً بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم الأيام التسع، وأياً كان حال هذا الأثر، فإن عندنا في البخاري: (ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله فيها من هذه العشر)، ومن العمل الصالح: الصيام، فلا يجوز أن تقول: صيام التسعة بدعة؛ لأن هذه الأيام العمل الصالح محبب فيها إلى الله عز وجل، فصمها ولا حرج.

حكم الأخذ من اللحية

حكم الأخذ من اللحية Q هل يجوز الأخذ من اللحية؟ مداخلة: لا يجوز.

المكان الذي تؤخذ منه حصى الجمرات

المكان الذي تؤخذ منه حصى الجمرات Q استكمالاً لدروس الحج الرجاء الإفادة عن رمي الجمرات، هل يجوز جمعها من المزدلفة أم لابد من منى؟ وهل يجوز استخدام الحصيات المستخدمة ولكم جزيل الشكر؟ A جمرة العقبة يوم العيد يجمع لها من المزدلفة هذا هو السنة، وأيام منى تجمع من منى، ولا يجوز أن تستخدم الحصى المستخدمة، فإن أخذت من الحوض فهذا لا يجوز.

حكم قول: صدق الله العظيم عند الفراغ من القراءة

حكم قول: صدق الله العظيم عند الفراغ من القراءة Q ما حكم قول صدق الله العظيم بعد الفراغ من القرآن، وهل هو بدعة؟ A قال الدكتور بكر أبو زيد في كتابه بدع القراء: إن الالتزام بصدق الله العظيم بعد قراءة القرآن بدعة. والشيخ ابن عثيمين في شرح الممتع يقول: إن قول صدق الله العظيم دائماً بعد القراءة لا يجوز، أما إن قالها القارئ أحياناً فله أصل في قوله تعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النساء:122]، {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} [النساء:87]، لكن المواظبة عليها بعد كل قراءة هذا هو المحظور، فإن فعلتها مرة وتركتها مرات فلا بأس، والمشكلة أنك تجعلها مرتبطة بالتلاوة فكلما قرأت قلت: صدق الله العظيم.

حكم زكاة ذهب المرأة المعد للزينة

حكم زكاة ذهب المرأة المعد للزينة Q الذهب الذي تلبسه المرأة هل عليه زكاة؟ A اختلف العلماء فيه فذهب جمهور العلماء إلى أنه ليس عليه زكاة، والأحناف: أن عليه زكاة، والراجح رأي الأحناف، وهذا ما ذهب إليه الشيخ ابن عثيمين وهو حنبلي المذهب؛ لأن النصوص العامة تبين أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخلت عليه امرأة سألها: هل أديت زكاة ما تلبسين من حلي؟ فلما أخبرته، قال: هل تحبين أن يسوّرك الله بسوار من نار؟ ولم يقل: هذا حلي، كما لم يفرق بين الحلي وغيره. فالرأي الراجح وجوب الزكاة على الحلي لا سيّما إن زاد على النصاب. وهناك رأي آخر يقول: هل الذهب الذي تلبسه في يديها لا يزيد عن العادة أم يزيد، فإن زاد فعليه زكاة وإن كان غير زائد على العادة فليس عليه زكاة. ورأي الأحناف هو الراجح في وجوب الزكاة على الحلي، فكل سنة تزن الذهب، فإن زاد عن النصاب وهو أربعة وثمانين جراماً تخرج الزكاة.

حكم أكل طعام من يتعامل بالربا

حكم أكل طعام من يتعامل بالربا Q والد زوجتي يعمل مديراً لأحد البنوك، وأضطر للأكل عنده وكذلك زوجتي وأولادي؟ A إن كان له مصدر دخل آخر فكل، وإن لم يكن فلا تأكل، والله تعالى أعلم.

حكم الأضحية في حق الغارم

حكم الأضحية في حق الغارم Q أنا من الغارمين ولا أستطيع سداد ديوني؛ لأن مبالغها كثيرة جداً وأستطيع أن أقوم بشئون حياتي ومصارفها، فهل علي أن أضحي أضحية العيد؟ A أنت من الغارمين، فليس عليك أضحية وإنما تستحق الزكاة؛ لأن الله قال: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة:60]، حتى قال: {وَالْغَارِمِينَ} [التوبة:60]، فأنت تستحق الزكاة.

العدة شرح العمدة [6]

العدة شرح العمدة [6] النفاس هو الدم الخارج عند الولادة، والمرأة النفساء لا تصلي ولا تصوم، ثم تقضي الصوم بعد ذلك، وغالب نفاس المرأة أربعون يوماً ولا حد لأقله.

باب النفاس

باب النفاس الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيّه من خلقه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، -ترك الأمة على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الإخوة الكرام الأحباب! نعود إلى ما بدأناه من كتاب العدة شرح العمدة في فقه الإمام أحمد رحمه الله تعالى. قال المصنف رحمه الله: باب النفاس: وهو الدم الخارج بسبب الولادة، أي: أن دم النفاس يختلف عن دم الحيض، فدم النفاس له سبب، وسببه هو: الولادة، فأي دم ينزل من المرأة بعد ولادتها نسميه: دم نفاس. كما أن الحيض قد يطلق عليه نفاس، والنفاس قد يطلق عليه حيض، كما قد يطلق على الكسوف خسوفاً، وقد يطلق على الخسوف كسوفاً، وهذه من العبارات المترادفة التي يحل بعضها بدلاً عن بعض، والدليل: في البخاري في كتاب الغسل أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل على عائشة رضي الله عنها في حجة الوداع وهو في ذي الحليفة فوجدها تبكي، قال: (ما يبكيك يا عائشة أنفست؟)، أي: أحضتِ، قال البخاري في تبويبه: باب من سمى الحيض نفاساً، ثم جاء بهذا الحديث وفقه البخاري في تراجمه، والبخاري قد قسم كتابه إلى كتب، وقسم الكتب إلى أبواب، وهذا منهج التصنيف عند البخاري رحمه الله تعالى، وعدد كتب البخاري في الصحيح: سبعة وتسعون كتاباً، بدأها بكتاب: بدء الوحي، وختمها بكتاب: التوحيد، وتحت كل كتاب يأتي بأبواب، ولا ينبغي لطالب علم أن يعيش بمعزل عن البخاري، وهناك شروح كثيرة للبخاري، أجمعها وأكثرها تفصيلاً هو كتاب: فتح الباري للعلامة: ابن حجر العسقلاني المصري رحمه الله تعالى، وقيل للشوكاني صاحب نيل الأوطار وصاحب فتح القدير: ألا تشرح لنا البخاري؟ فقال: لا هجرة بعد الفتح. وهناك عمدة القارئ للعيني، وهناك شرح صحيح البخاري لـ ابن بطال، وشرح صحيح البخاري للكرماني، وشرح صحيح البخاري للزركشي، وفتح الباري لـ ابن رجب الحنبلي، وهناك شروح عديدة لصحيح البخاري تصل إلى أكثر من خمسين شرحاً. أقول لإخواني: البخاري يضع باباً بهذا العنوان باب: من سمى الحيض نفاساً. قال: وهو الدم الخارج بسبب الولادة.

حكم دم النفاس

حكم دم النفاس حكمه الشرعي حكم الحيض -إلا أنه يختلف عن الحيض في أحكام سنبينها- فيما يحل ويحرم، ويجب ويسقط به. وقد تحدثنا عما يحرمه الحيض وقلنا: يمتنع على الحائض عدة أشياء: أولاً وثانياً: فعل الصلاة ووجوب الصلاة، فيمتنع عليها أن تصلي، ويمتنع عليها أن تقضي الصلاة، فتسقط عنها الصلاة ووجوب قضاء الصلاة. ثالثاً: فعل الصيام لكن لا يسقط الوجوب؛ لأن الصيام ينبغي عليها أن تقضيه. رابعاً: مس المصحف عند جمهور العلماء. خامساً: الطواف بالبيت. سادساً: المكث في المسجد. سابعاً: سنة الطلاق. ثامناً: الوطء في الفرج. تاسعاً: الاعتداد بالأشهر، هذه أشياء تحرم على المرأة إذا حاضت، وما يمتنع عليها وهي حائض يمتنع عليها وهي نفساء، هذا قول المصنف، ولا خلاف عليه أن دم النفاس يأخذ نفس حكم دم الحيض.

أكثر مدة لدم النفاس

أكثر مدة لدم النفاس قال: وأكثره أربعون يوماً، قال: ولأن دم النفاس دم حيض مجتمع احتبس لأجل الحمل، يقول العلماء: دم الحيض ينزل في حال عدم الحمل، فإذا حملت المرأة انقطع عنها الحيض، لأنه غذاء للجنين في بطن أمه، إذاً يتحول ثم ينحبس هذا الدم وينزل بعد الولادة؛ لأن دم النفاس دم حيض احتبس لأجل الحمل، فنادراً ما تجد امرأة تحيض وهي حامل، وربما يحدث هذا ولكن الغالب أن علامة الحمل أن ينقطع الحيض عن المرأة. قال: وأكثره أربعون يوماً لما روت أم سلمة قالت: (كانت النفساء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تقعد بعد نفاسها أربعين يوماً أو أربعين ليلة)، وأجمع أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من التابعين أن النفساء تضع الصلاة أربعين يوماً وهذا أكثره، إلا أن ترى الطهر قبل الأربعين، والمعنى: أن أكثر مدة للنفاس أربعين يوماً. فلو أن امرأة ولدت واستمر معها الدم بعد الأربعين فينبغي لها أن تغتسل وأن تتطهر، وإن استمر الدم فإنه يأخذ حكم دم الاستحاضة، أي: أنها تتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها وتصوم وتطوف وكل شيء يجوز في حقها؛ لأن الدم الذي ينزل بعد ذلك ليس دم نفاس ولا دم حيض وإنما هو دم استحاضة وبمعنى أصح (نزيف)، ولذلك فإن أكثر مدة للنفاس أربعون يوماً، فإذا انقطع الدم قبل الأربعين فعليها أن تغتسل وأن تتطهر وأن تصلي، لا كما يفهم الكثير من النساء أنه لا بد أن تبقى إلى الأربعين. والمرأة الحامل لها حكم خاص، قال تعالى: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:4]، وهذا حكم خاص بالمرأة، لأن المرأة الحامل عدتها تنتهي بوضع الحمل، فإذا طلق الرجل زوجه وهي حامل في الشهر الثاني فيبقى لها سبعة أشهر على المعتاد، وعلى هذا يبقى على انقضاء العدة سبعة أشهر، فله أن يراجعها إن كان طلاقه رجعياً في هذه المدة؛ لأن أولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن، فإن وضعت الحمل بعد أسبوع فقد انقضت العدة، وبانقضاء العدة لها أن تتزوج، إن لم يراجعها الزوج في هذه المدة، فلها أن تتزوج غيره، أو إن كان مات عنها الزوج فلها أن تتزوج، كما رخص النبي صلى الله عليه وسلم لـ فاطمة بنت قيس بعد أن وضعت الحمل، رخص لها أن تتزوج بعد موت زوجها بمدة قليلة، فلا يشترط أن تبقى أربعة أشهر وعشراً؛ لأنها حامل والحامل لها عدة خاصة. لكن ابن تيمية له رأي، وقد قال الأطباء: إن هذا الرأي معتبر وهو: إذا زادت مدة دم النفاس عن أربعين، فإن المرأة تصلي وتصوم، إلا الجماع فلا تجامع إلا بعد الستين يوماً وهذا رأي شيخ الإسلام، لأنه يرى أن الرحم بعد الولادة لا يعود إلى مكانه الطبيعي إلا بعد الستين يوماً، فسألت طبيباً للنساء فقال: بالفعل إن جامع الرجل المرأة بعد الولادة وقبل الستين يوماً ربما يترتب على ذلك نزيف شديد، فقول شيخ الإسلام: بجواز كل شيء على المرأة النفساء إلا الجماع فيكون بعد الستين، هو الراجح إن شاء الله، والله تعالى أعلم. قال: ولا حد لأقله، يعني: يمكن أن يستمر الدم يوماً أو يومين أو ثلاثة أيام أو أربعة أيام، إلى غير ذلك لا حد لأقله، ولكن أكثره أربعون يوماً. ومتى رأت الطهر اغتسلت وهي طاهرة، قال في الشرح معلقاً: ومتى رأت الطهر -وليس لأقله حد- فهي طاهر تغتسل وتصلي، كالحيض، وإن عاد في مدة الأربعين فهو نفاس. والمقصود: إذا انقطع الدم بعد أسبوع تغتسل وتصلي، وبعد أسبوعين عاد الدم مرة أخرى في الأربعين فيأخذ حكم دم النفاس.

العدة شرح العمدة [7]

العدة شرح العمدة [7] الصلوات الخمس واجبة بإجماع المسلمين، ومن أنكرها جحوداً فهو كافر مرتد، ومن تركها تكاسلاً وتهاوناً فإنه على خطر عظيم وذنب كبير، وقد اختلف العلماء في حكمه، ولا يتصور من رجل يقيم بين المسلمين ويسمع المؤذن ينادي للصلاة ثم يتركها إلا لنفاق في قلبه وعمى في بصيرته.

كتاب الصلاة

كتاب الصلاة قال رحمه الله: كتاب الصلاة: روى عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (خمس صلوات كتبهن الله على العباد في اليوم والليلة، فمن حافظ عليهن كان له عهد عند الله أن يدخله الجنة، ومن لم يحافظ عليهن لم يكن له عند الله عهد، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له). والصلوات الخمس واجبة على كل: مسلم عاقل بالغ، إلا الحائض والنفساء. قوله: حديث عبادة بن الصامت، هذا الحديث عمدة في أمرين هامين: الأمر الأول: أن الصلوات المفروضة على المسلم خمس. قالت الأحناف: الوتر واجب، وهذا قول مرجوح، لأن حديث عبادة قال: (خمس صلوات في اليوم والليلة)، هذا نص في أن الواجب خمس صلوات، ولو أن رجلاً نذر أن يصلي لله ركعتين، فإنه يصبح في حقه واجب، إذاً: هذا خرق لهذا الحديث، الواجب بحق الإسلام، لكن ليس معنى ذلك أن يكون هناك واجبات أخرى قد يفرضها الإنسان على نفسه، وقد تكون عارضة كصلاة الكسوف عند من قال بوجوبها، وكصلاة الاستسقاء عند من قال بوجوبها، لكنها ليست في اليوم والليلة وإنما هي عارضة، والحديث يتحدث عن الواجب في اليوم والليلة في حق المسلم: (خمس صلوات كتبهن الله على العباد) وكتب بمعنى: فرض، وهي من صيغ الوجوب، وكلمة كتب المراد بها: الكتابة القدرية الكونية، وهناك كتابة شرعية دينية، وعدم التفرقة بين الشرع الديني والقدر الكوني يوقع في ضلال بعيد. فقوله تبارك وتعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة:183]، فهذه كتابة شرعية دينية، فهناك فرق بين الشرع الديني والقدر الكوني. {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [المجادلة:21]، وهذه كتابة قدرية كونية وليست شرعية دينية، وقد أجاد شيخ الإسلام رحمه الله في بيان الفرق بين الكوني القدري والشرعي الديني في كتاب الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، ووضع باباً كاملاً في الفرق بين الأمر الشرعي الديني، والأمر الكوني القدري. وقوله في الحديث: (كتبهن الله على العباد في اليوم والليلة، من حافظ عليهن -أي: على الصلوات الخمس- كان له عهد عند الله أن يدخله الجنة، ومن لم يحافظ عليهن وضيعهن لم يكن له عند الله عهد، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له)، ولعل هذا دليل الجمهور في أن تارك الصلاة تكاسلاً وليس جاحداً تحت مشيئة الله، خلافاً للحنابلة الذين جاءوا بأدلة تبين أن تارك الصلاة تكاسلاً كافر كفراً يخرج من الملة، يعني: إن تركها تكاسلاً يكفر، فلا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، والجمهور رأيهم: أنه يكفر كفراً عملياً، ودليلهم هذا الحديث حديث عبادة: (ومن لم يحافظ عليهن لم يكن له عهد ولا برهان وأمره إلى الله). والحنابلة قالوا: هذا الحديث مخصوص بأحاديث أخرى بيّنت أن تارك الصلاة كافر، منها حديث: (إن آخر من يخرج من النار أناس تعرفهم الملائكة بآثار سجودهم)، إذاً الذي لا يصلي لا يخرج من النار؛ لأن الحديث فيه: آخر من يخرج من النار تعرفهم الملائكة بآثار السجود، فالذي لا يصلي كيف تعرفه الملائكة وهو لا يصلي، فلن يخرج من النار. واستدلوا أيضاً على كفر تارك الصلاة بحديث: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)، وقول الصحابة: كنا لا نعد من الأوامر الشرعية أمراً يعد تركه كفراً إلا الصلاة، فيا تارك الصلاة هل تريد أن تكون مختلفاً في أمرك؟ وقد اتفق الفريقان على أن تارك الصلاة يستتاب ثلاثاً، فإن أصر على تركها يقتل، ولكن الحنابلة يقولون: يقتل ردة، والجمهور يقولون: يقتل حداً كالزاني المتزوج يرجم حداً، ومعنى أنه يقتل حداً: أنه يصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين. لكن لو جئنا برجل لا يصلي وقلنا له: صل وإلا قتلناك بعد ثلاث، فقال: اقتلوني ولن أصلي، فهذا جاحد لأننا لا نتصور أن يقال له: ستقتل ويختار القتل على الصلاة وهو مقر بها. ومن أدلة كفر تارك الصلاة: قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر:38 - 43]، إذاً: تارك الصلاة في سقر، والذي قال عن القرآن: إن هو إلا سحر يؤثر يعني: من جحد القرآن فهو في سقر أيضاً، فكأن تارك الصلاة مع الذي قال: إن القرآن سحر، واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ومن لم يحافظ عليهن حشر مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف)، قال ابن القيم رحمه الله: فمن شغله ماله حشر مع قارون، ومن شغلته وزارته حشر مع هامان،

الأسئلة

الأسئلة

كيفية قضاء الصلوات الفائتة

كيفية قضاء الصلوات الفائتة Q رجل ترك الصلاة لمدة خمسة أيام ثم عاد إلى الصلاة من نحو ثلاثة أيام، فكيف يؤدي ما فاته؟ A اختلف العلماء في هذا على قولين: القول الأول: لا قضاء للفائتة، وإنما عليه أن يكثر من النوافل. والقول الثاني: عليه أن يقضي. والراجح أنه يقضي إذا كانت الفائتة غير متعددة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى الفجر بعد شروق الشمس، وقضى العصر بعد غروب الشمس في يوم الأحزاب، فثبت أنه صلى قضاءً، صلى الفجر بعد الشروق، وهذا يسمى قضاء، وصلى العصر بعد الغروب يوم الأحزاب، وهذا مشروعية القضاء. لكن إذا تعددت الفروض، ترك الصلاة شهراً أو تركها سنة، فإن الراجح من أقوال العلماء أنه لا يقضي وإنما يكثر من النوافل. أما إذا ترك صلاة واحدة فقط فيقضيها حينما يذكرها؛ لحديث: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها)، ولا يتركها إلى الفرض الثاني.

حكم من فاتته صلاة العصر حتى غربت الشمس

حكم من فاتته صلاة العصر حتى غربت الشمس Q فاتتني صلاة العصر وقد أقيمت صلاة المغرب فأيهما أصلي أولاً؟ A لا بد أن يصلي العصر للحفاظ على الترتيب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما فاتته العصر في يوم الأحزاب بعد غروب الشمس صلى العصر ثم المغرب، قال ابن حجر في الفتح معلقاً: وفي هذا مشروعية الترتيب في الصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العصر ثم المغرب بعد غروب الشمس.

حكم من ترك صلاة واحدة متعمدا

حكم من ترك صلاة واحدة متعمداً Q هل ترك صلاة واحدة كترك الصلوات جميعاً؟ A إن ترك الصلاة لنوم أو لنسيان فهذا معذور، ولكن إن أصر على تركها فهذه مسألة خطيرة جداً، لذلك قال العلماء: لا ينظر في أمر تارك الصلاة إلا بعد أن يترك أكثر من فرض، لكن شيخ الإسلام يقول: لو أن رجلاً نام وقد عزم النية على أن لا يستيقظ، بأن ضبط المنبه على الساعة الثامنة، أو قال لأهله: أيقظوني الساعة الثامنة، فهو على خطر عظيم، وأنا لا أقطع بكفره، ولكن مسألة التكفير نحن نتورع فيها، وأرجو من إخواني أن يتورعوا فيها، وأن لا يطلقوا لألسنتهم العنان في التكفير أبداً، فتارك الصلاة مرتكب لكبيرة، وهذا بلا أدنى خلاف، وتارك الفجر متعمداً مرتكب لكبيرة، بل من أكبر الكبائر وليس كبيرة فقط.

حكم صلاة الرجل في بيته جماعة

حكم صلاة الرجل في بيته جماعة Q ما حكم صلاة الرجل بالأسرة في المنزل؟ A ليس هناك صلاة للرجال في البيت إلا النافلة، صلاة البيت للنساء، أما الرجال في المساجد: (ولا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد)، وإن كان الحديث فيه كلام، لكن لا بد أن تعلم أن المساجد جعلت للصلاة، وحديث ابن أم مكتوم الرجل الأعمى الذي لم يجد من يقوده إلى المسجد، ربما تعترضه هوام، وربما يصطدم بشجرة في الطريق، وربما يقع في حفرة، فلم يرخص له النبي في ترك الجماعة، بل قال له: (أتسمع النداء؟ قال: نعم، قال: فأجب). يا مبصر! النبي لم يرخص لأعمى في ترك الجماعة، فهل تريد منا أن نرخص لك أن تصلي في بيتك، والله يقول: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} [القلم:42 - 43]، كلمة يدعون هنا بمعنى: ينادى عليهم بالصلاة، حي على الصلاة، فالذي صلى في بيته وترك الجماعة لم يستجب للمؤذن. وخير دليل استدل به شيخنا العلامة ابن باز رحمه الله: أن الله عز وجل رخص للمقاتلين في سبيله أن يصلوا إلى غير قبلة، فيصلون إلى جهة العدو، أو رجالاً أو ركباناً، ويصلون في نعالهم، ويصلون والسلاح على أكتافهم، ويصلون ركعة ثم يتأخرون كما جاء في وصف صلاة الخوف، ومع كل هذا لم يرخص لهم في ترك الجماعة، فقال تعالى: {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} [النساء:102]، انظر إلى الحرص على الجماعة حتى في القتال، طائفة تدافع وطائفة تصلي في الخلف هذا دليل وجوب واضح، وأنت آمن ليس هناك ما يمنعك من الصلاة في الجماعة، ولكن يمكن أن تصلي النافلة مع أهلك كما جاء في حديث معاذ الذي في البخاري حيث كان يصلي العشاء الآخرة خلف النبي عليه الصلاة والسلام ثم يعود إلى قومه فيصلي بهم العشاء هو متنفل وهم مفترضون، وهذا دليل الشافعي -والراجح خلافاً للجمهور- على أنه يجوز للمتنفل أن يؤم المفترض، وحديث معاذ حجة وعمدة في هذا.

الحكم إذا نزل المني بعد الغسل

الحكم إذا نزل المني بعد الغسل Q زوجتي اغتسلت بعد الجماع ثم بعد ساعتين نزل شيء كالمني، فقلت أنا: يكفي الوضوء، وقالت هي: لا بد من الغسل؟ A إذا نزل مني من الفرج بعد الغسل دون أن تتبول المرأة أو الرجل فيجب الغسل، أما إذا تبول كما قال صاحب المغني فإن البول طارد لبقايا المني، يعني: إذا جامعت ثم تبولت ثم اغتسلت فلا عبرة لما ينزل بعد ذلك؛ لأن البول مسلك لمجرى المني، أما إذا اغتسلت دون تبول ونزل مني فإنه يلزمك الغسل بعد ذلك، والله تعالى أعلم.

العدة شرح العمدة [8]

العدة شرح العمدة [8] الصلاة واجبة على كل مسلم ومسلمة إلا الحائض والنفساء، ومن جحد وجوبها فقد كفر، كما أنها تؤدى في أوقاتها المعلومة المحددة لها، ولا يجوز تأخيرها أو التكاسل عن أدائها والتهاون بها؛ لأنها ركن الإسلام وعموده وشعيرته العظمى.

فضل صيام يوم عاشوراء

فضل صيام يوم عاشوراء الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولي المتقين، وخالق الخلق أجمعين ورازقهم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيّه من خلقه وخليله، بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين والملأ الأعلى إلى يوم الدين. أما بعد: قبل أن نواصل الحديث مع كتاب العدة في فقه الإمام أحمد للإمام موفق الدين ابن قدامة المقدسي الحنبلي رحمه الله تعالى نذكر بيوم عاشوراء، ويوم عاشوراء هو: اليوم العاشر من شهر الله المحرم. وشهر الله المحرم من الأشهر الحرم التي قال الله فيها: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة:36]، والأربعة الحرم: ثلاثة على التوالي وشهر رجب الفرد، والتي على التوالي هي: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ونبينا صلى الله عليه وسلم -قال كما رواه مسلم في صحيحه-: (أفضل الصيام بعد رمضان صيام شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل)، فصيام شهر الله المحرم من الأمور التي بينها نبينا صلى الله عليه وسلم. وصوم عاشوراء كما هو رأي عند الفقهاء كان قد فرض على المسلمين في بدء الأمر قبل أن يفرض رمضان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صامه وأمر بصيامه، فلما فرض صيام رمضان نسخ صيام عاشوراء وبقي على التخيير، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (من شاء صام ومن شاء أفطر)، فتحول صيام عاشوراء من الفرض إلى الندب. ويوم عاشوراء يوم أنجى الله فيه موسى عليه السلام من الغرق، وأغرق فيه فرعون ومن معه، والنبي صلى الله عليه وسلم صامه وأمر بمخالفة اليهود؛ وقال صلى الله عليه وسلم: (لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع والعاشر)، ثم لم يعش حتى يصوم التاسع والعاشر، وقد يتبادر أن هناك تناقضاً بين قولنا: إنه صامه عند نزوله المدينة، يعني: في أول سنة هجرية وبين قوله: (لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع) ولا تناقض؛ فإنه لما رأى اليهود يصومون عاشوراء صامه وأمر بصيامه، فلما أخبر بأنهم يصومون عاشوراء ويفردونه بالصيام فأمر بمخالفتهم من الله عز وجل، وهذا في العام العاشر، فقال: (لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع والعاشر). وبهذا استدل العلماء على القاعدة الأصولية التي تقول: شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يأت شرعنا بنسخه. وشيخ الإسلام له تحفظ على هذه القاعدة، ولكن أردت أن أوضح أن الصيام عرف في بني إسرائيل فكانوا يصومون عاشوراء، والنبي صلى الله عليه وسلم صام عاشوراء. فأريد أن أذكر بصيام هذا اليوم، وينبغي أن تضم إليه يوماً قبله أو يوماً بعده؛ حتى تخالف صيام أهل الكتاب بالنسبة لهذا اليوم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن صيامه: (يكفر ذنوب سنة ماضية)، وما أكثر ذنوبنا! فينبغي أن نتواصى بصيام يوم عاشوراء.

حكم تأخير الصلاة عن وقتها

حكم تأخير الصلاة عن وقتها قال المصنف رحمه الله: [فالصلوات الخمس واجبة على كل مسلم عاقل بالغ، إلا الحائض والنفساء، فمن جحد وجوبها لجهله عرف ذلك، وإن جحدها عناداً كفر، ولا يحل تأخيرها عن وقت وجوبها]. ذكرنا أنه لا يحل أن تؤخر الصلاة عن وقت وجوبها، وسنذكر في كتاب مواقيت الصلاة أن لكل صلاة ميقاتاً بينه جبريل للنبي عليه الصلاة والسلام، والله سبحانه قال: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء:103] وأحب الأعمال إلى الله الصلاة في أول وقتها، ولا يحل تأخيرها عن وقت وجوبها. قال المصنف: [إلا لناوٍ جمعها، أو مشتغل بشرطها، فإن تركها تهاوناً بها استتيب ثلاثاً فإن تاب وإلا قتل]. قوله: (إلا لناوٍ جمعها). الظهر يجمع مع العصر، والمغرب مع العشاء، وإما أن يكون جمع تقديم أو جمع تأخير، فلا يجوز أن تجمع صلاة الليل مع صلاة النهار، يعني: لا يجوز أن تجمع المغرب مع العصر، هذا لا يجوز، وإنما الجمع يكون لفرضين: إما بالنهار وإما بالليل، وشروطه أربعة: الشرط الأول: أن يكون القصر لصلاة رباعية، فالصلاة الثنائية لا تقصر، والصلاة الثلاثية لا تقصر. الشرط الثاني: أن يكون القصر في مسافة طويلة قدروها بأكثر من ثمانين كيلو متر، ويرى صاحب المغني أن تحديد المسافة ليس عليه دليل من كتاب ولا سنة وإنما مطلق السفر يجوز فيه القصر. الشرط الثالث في القصر: أن يكون قد نوى القصر؛ لأن النية أمر هام جداً. الشرط الرابع للقصر: أن يكون على سفر، فلا يجوز أن يقصر في محل الإقامة، فإذا صار خارج البلدة فله أن يشرع في القصر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قصر الصلاة وهو يرى المدينة؛ لأنه كان قد شرع في السفر. وهذه الشروط الأربعة للقصر عند الحنابلة سنتحدث عنها. والجمع رخصة، بمعنى: في حالة الخوف من ضياع الوقت لك أن تجمع، وفي حالة الحبس لك أن تجمع، وفي حالة السفر لك أن تجمع، والنبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير مرض ولا سفر وقال: (حتى لا أشق على أمتي)، رواه مسلم. يقول بعض العلماء: هذا لأهل الأعذار؛ فمثلاً: يصح الجمع للذي يشق عليه أن يصلي الفرض في وقته كطبيب يقوم بإجراء عملية جراحية لمريض، والعملية قد تستغرق ست ساعات، فإذا فتح بطنه وقام بإجراء العملية وأذن الظهر يستحيل أن يترك بطنه مفتوحاً ليصلي ثم يعود؛ لأن هذا أمر لا يحتمل التأخير فيبقى معه حتى ينتهي تماماً، فإذا دخل وقت العصر وهو لا يزال في إجراء العملية فله أن يجمع الظهر مع العصر. مثال آخر: طالب في جامعة دخل المدرج الساعة الحادية عشرة، فأغلق الدكتور أبواب المدرج ولم تفتح إلا بعد نداء العصر، وليس هناك ماء، فله أن يجمع في هذه الحالة؛ لتعذر الصلاة؛ لأنه في هذه الحالة لن يستطيع أن يخرج، وإن خرج فسيحدث مفسدة وقد لا يفتح له أحد، فضلاً عن عدم وجود الماء، فإن قال قائل: يتيمم قلنا: الماء موجود، لكنه غير قادر على استخدامه، فالصلاة غير ممكنه في هذه الظروف. إذاً: هناك ظروف حرجة قد تدفع الإنسان إلى الجمع. فإذا نوى المسلم الجمع فيجوز له أن يؤخر الصلاة عن وقتها حتى يدخل وقت الصلاة الثانية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله، فيجوز تأخير وقت الظهر حتى يدخل وقت العصر، والنبي عليه الصلاة والسلام صلى في يوم عرفة الظهر مع العصر جمع تقديم. وصلى بالمزدلفة المغرب والعشاء جمع تأخير والظهر والعصر جمع تقديم. وابن مسعود صلى خلف عثمان رضي الله عنهما في منى، والصلاة في منى في أيام التشريق وفي يوم التروية تكون قصراً لا جمعاً، يعني: كل فرض في وقته ويصلى قصراً: الظهر ركعتين والعصر ركعتين، لكن عثمان رضي الله عنه أتم، وابن مسعود قال له: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر ومع عمر وكانوا يقصرون الصلاة، أما أنت فقد أتممت وأنت الإمام، فأتم خلفه، ثم قال له: الخلاف شر، فلم يرد أن يختلف مع إمامه، لكن هناك من العلماء من اعتذر عن فعل عثمان بخمسة أقوال أرجحها كما قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع: أنه رضي الله عنه كان قد تأهل في منى، وأقام فيها فأصبحت منى بالنسبة له محل إقامة، وعند ذلك يجوز له أن يتم الصلاة، وهذا أرجح الأعذار التي اعتذر بها بعض العلماء لفعل عثمان؛ لأنه يستحيل أن يتعمد عثمان رضي الله عنه مخالفة السنة، فلاشك أن هناك سبباً جعله يتم، أو يكون قد نزل بمنى ونوى الإقامة، فأصبحت بالنسبة له دار إقامة فينبغي أن يتم فيها الصلاة؛ لأن جمهور العلماء يقولون: إذا نزل المرء إلى بلد ونوى أن يقيم فيها أكثر من أربعة أيام فله أن يتم وليس له القصر، مثال ذلك: إذا ذهبت إلى الإسكندرية من القاهرة وقد حددت مدة إقامتك فيها أسبوعاً، فهل يجوز لك أن تقصر الصلاة هناك؟ A لا؛ لأنك نزلت بها وقد نويت الإقامة أكثر من أربعة أيا

حكم تارك الصلاة

حكم تارك الصلاة الصلاة من تركها تهاوناً استتيب ثلاثاً، فإن تاب وإلا قتل بالسيف؛ لما سبق، وقد اختلفت الرواية في الذي يجب قتله، فقال القاضي: يجب قتله إذا ترك صلاة واحدة حتى تضايق وقت الثانية؛ لأنه إذا ترك الأولى لم يعلم أنه عزم على تركها، فإذا خرج وقتها علمنا أنه تركها، لكن لا يجب قتله؛ لأنها فائتة، والفائتة وقتها موسع، فيصبر عليه حتى يتضايق وقت الثانية. والرواية الثانية: أنه يجب قتله إذا ترك ثلاث صلوات ويتضايق وقت الرابعة عن فعلها؛ لأنه قد يترك الصلاة والصلاتين والثلاث لشبهة، فإذا رأيناه ترك الرابعة علمنا أنه عزم على تركها فيجب قتله، وهذا يدل على إباحة قتله. وقال عليه السلام: (نهيت عن قتل المصلين)، فمفهومه أنه لم ينه عن قتل غيرهم، وقال: (بين العبد والكفر ترك الصلاة)، رواه مسلم. والكفر مبيح للقتل بدليل حديث: (لا يحل دم مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير حق)، متفق على معناه. فالمقصود: أن تارك الصلاة يستتاب، واختلفوا متى يستتاب، ولـ أحمد في ذلك روايتان: الرواية الأولى: إن ترك الظهر نتركه حتى يأتي وقت العصر، فإن جاء وقت العصر ولم يصل علمنا أنه لم يجمع بينهما وقد خرج وقت الظهر مع العصر وجاء وقت المغرب، إذاً: هو قد ترك فرضين متتاليين يجوز له أن يجمعهما، فإن ترك فرضين متتاليين وجاء الفرض الثالث فإنه يستتاب، والذي يستتيبه هم أهل الحل والعقد، والذي يقتله هو ولي الأمر، أما أن كل أحد يقتل تارك الصلاة فستتحول البلاد إلى برك دماء، فيا عبد الله! أنت غير مأمور بالاستتابة ولا بالقتل، فإن الذي يستتيب تارك الصلاة هم العلماء؛ لأنهم يستطيعون أن ينفوا عنه الشبهة وأن يقيموا عليه الأدلة، والذي يقتله إن أصر على تركها هو ولي الأمر، أما أنا وأنت فليس في يدنا أن نقتل، فانتبه إلى هذا المعنى، ولا تقل: جاري لا يصلي، فتستتيبه ثم تقتله؛ لأن الاستتابة لأهل الحل والعقد، والقتل لولي الأمر، ولا يجوز غير ذلك أبداً. قال: (فإن تركها تهاوناً بها استتيب ثلاثاً) يعني: ثلاث مرات. والرواية الثانية لـ أحمد: أن يترك ثلاثة فروض ويدخل وقت الرابعة، يعني: يترك الظهر والعصر والمغرب ويدخل وقت العشاء؛ لأنه ربما يكون متأولاً أو فاهماً فهماً خاطئاً فلا يترك ثلاثة فروض متتالية، وفي الرابعة يستتاب ويقام عليه الحجة ويبين له. وأنا قلت قبل: إننا لا نتصور أن رجلاً يختار القتل على ترك الصلاة إلا إذا كان جاحداً لها، وهذا ليس ممكناً أبداً. وهذا يبين بياناً شافياً عظم قدر الصلاة في شرعنا، وأن البعض يضيعها وهو يظن أن هذا أمراً هيناً، وهو أمر عظيم جداً عند الله عز وجل. قال: [فإذا وجب قتله لم يقتل حتى يستتاب ثلاثاً، ويضيق عليه، ويدعى إلى فعل كل صلاة في وقتها، ويقال له: إن صليت وإلا قتلناك؛ لأنه قتل لترك واجب فتتقدمه الاستتابة كقتل المرتد، فإن تاب وإلا قتل بالسيف لقوله عليه الصلاة والسلام: (إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته) رواه مسلم]. فانظروا إلى إسلامنا، يعني: حتى في الذبيحة من الأنعام لا بد أن تريحها على الجنب الذي تستريح فيه، ولا تذبحها إلا بالسكين الحادة، حتى لا تعذبها. وهنا سؤال مهم وهو: رجل يصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء كل يوم بعد العشاء، فما حكمه؟ و A أنه يستتاب؛ لأنه خرج بالصلاة عن وقتها، وكأنه لم يصل، يقال له: اجمع الظهر مع العصر، والمغرب مع العشاء، أما أن تصلي صلاة النهار بالليل فلا، يقول أبو بكر رضي الله عنه: إن لله حقاً بالنهار لا يقبله بالليل، وحقاً بالليل لا يقبله بالنهار. وهنا سؤال آخر يقول: صلاة الجمعة جاءت في وقت الامتحان فهل يحضر الجمعة أو يحضر الامتحان؟ و A أن هذا يبين لك أن واضع وقت الامتحان في هذا الوقت ليس له شأن بالجمعة، وأنه في وادٍ والإسلام في وادٍ آخر، فالمفروض أن واضع الامتحان يراعي أوقات الصلاة، فحتى الجمعة التي هي واجب على كل المسلمين يضع الامتحان في وقتها؟! وأقول لك: سقطت عنك الجمعة لأسباب: السبب الأول: أن هناك في علم الأصول ما يسمى تزاحم الواجبات، وهناك واجب مضيق وواجب موسع، وهناك واجب يحتمل التأخير وواجب لا يحتمل التأخير، كمن انشغل بالصلاة فرأى ناراً قد اشتعلت في داره فهل يترك الصلاة أم يطفئ النيران؟ فيؤخر الصلاة؛ لأنه من أهل الأعذار في هذه الحالة، قال العلماء: الشيء الذي لا يحتمل التأخير يقدم، وغالب النساء تسأل: أنا أصلي الظهر وبينما أنا أصلي اشتعلت النار من البوتاجاز في الإناء فهل أترك الصلاة أم أترك البوتاجاز والنار؟ وأقول: هذا لا يحتاج إلى كلام، فالشرع يقول: ما لا يحتمل التأخير يقدم، وهذا يسمى في علم الأصول تزاحم الواجبات. فأنت الآن إن تركت الامتحان ستعقد لك لجنة خاصة وتُحاسب، فأنت الآن في حكم المحبوس المأسور، والأسر أنواع، لكن إ

باب الأذان والإقامة

باب الأذان والإقامة قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الأذان والإقامة: وهما مشروعان للصلوات الخمس دون غيرها، للرجال دون النساء، والأذان خمس عشرة كلمة لا ترجيع فيها، والإقامة إحدى عشرة كلمة، وينبغي أن يكون المؤذن أميناً صيتاً عالماً بالأوقات، ويستحب أن يؤذن قائماً متطهراً على موضع عالٍ، مستقبل القبلة، فإذا بلغ الحيعلة التفت يميناً وشمالاً، ولا يزيل قدميه، ويجعل أصبعيه في أذنيه، ويترسل في الأذان ويحدر الإقامة، ويقول في أذان الصبح بعد الحيعلة: الصلاة خير من النوم مرتين، ولا يؤذن قبل الأوقات إلا لها -يعني: للفجر- لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم). ويستحب لمن سمع المؤذن أن يقول كما يقول؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول)]. قوله: (هما مشروعان للصلوات الخمس) أي: الأذان والإقامة، والأذان لغة: هو الإعلان، واصطلاحاً: هو الإعلان بدخول الصلاة بألفاظ مخصوصة. ومن تعريفهم للأذان بهذه الصورة ينبغي أن نعلم أنه لا يجوز لأحد أن يزيد في الأذان حرفاً، أو أن يزيد فيه كلمة، فلا يجوز أن يقول قائل: أشهد أن سيدنا محمداً رسول الله بزعم أنه يحب رسول الله، فإنه كاذب في دعواه؛ لأن من يحب أحد يتبعه، فالمحبة اتباع، وأنت حين تقول: أسيد النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه سيد، والسيد مطاع، فالسيد المطاع يأمرك أن تؤذن بهذه الطريقة فتسييدك فيه عدم طاعة، يعني: أنت تسيد قولاً لكنك في واقع الأمر لا تسود. قلت لأحدهم: هل أنت تحب رسول الله أكثر من بلال؟ قال: نعم، لأنه لا يجد إجابة، فقلت: بلال كيف كان يؤذن هل كان يقول: أشهد أن محمداً أم أن سيدنا محمداً؟ كان يقول: أشهد أن محمداً رسول الله، وأبو محذورة كان يؤذن هكذا، وهكذا في زمن الصحابة والتابعين وتابعي التابعين لم يكن فيه سيدنا، فدل ذلك على أنها بدعة محدثة، قالوا: لأن الشافعي قال: من باب الأدب، والأدب قدم على العلم، ويستدلون باستدلالات منها: أن أبا بكر أمره الرسول صلى الله عليه وسلم أن يصلي فرفض الأمر وعاد إلى الصلاة مأموماً، فقدم الأدب على الأمر، وفي الحديث: أن أبا بكر كان يصلي بالناس جماعة والنبي صلى الله عليه وسلم في قباء يصلح بين طائفتين وبين قبيلتين- فجاء النبي والصديق يصلي إماماً في الركعة الأولى فصفق الصحابة على أيديهم، فالتفت أبو بكر بطرف عينه فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في الصف الأول فأشار إليه: أن اثبت، وفي هذا أمر له أن يصلي، فأبى أبو بكر وتراجع، وبعد الصلاة قال له: (ما لك تراجعت إذ أمرتك؟ فقال: ما كان لـ ابن أبي قحافة أن يصلي إماماً برسول الله)، وهذا من باب الأدب. قالوا: فـ أبو بكر قدم الأدب على الأمر، إذاً: لنا أن نقدم الأدب على الأمر، فنقول: هذا قياس مع الفارق؛ فهذا أدب أقره النبي صلى الله عليه وسلم، أما (سيدنا) فهو أدب لم يقره، فلا يجوز أن تجتهد في أدب لم يقره النبي صلى الله عليه وسلم، بل أنت بذلك قليل الأدب؛ لأن الأدب أن تتبع، الأدب أن تتبع السنة وأن تطيع السيد الذي تسوده. فقوله: (الأذان خمس عشرة كلمة)، يعني: أن كلمات الأذان معدودة، فلو أن أحداً قال: ست عشرة فيكون بذلك قد ابتدع. وهي: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، فهذه خمس عشرة كلمة. والمراد بالكلمة هنا الجملة، ومن ذلك قول الله عز وجل في سورة الكهف: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} [الكهف:5]، وهم قالوا جملة، وهي: {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} [الكهف:4]، فقال الله: {كَبُرَتْ كَلِمَةً} [الكهف:5]، فسمى الجملة كلمة، فدل على أن الجملة تسمى كلمة. فالأذان للصلوات الخمس دون غيرها؛ لأن المقصود منه الإعلان بوقت الصلاة المفروضة على الأعيان، وهذا لا يوجد في غيرها؛ ولأن مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤذن لها دون غيرها. وهنا ينبغي أن تفرق بين أذانين: أذان أبي محذورة وأذان بلال، فـ أبو محذورة كان يرجع، وبلال كان لا يرجع. والترجيع هو أنك قبل أن تتلفظ بأشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، تقول: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله بصوت منخفض. والأذان الذي له ترجيع له إقامة معينة، والأذان الذي ليس

العدة شرح العمدة [9]

العدة شرح العمدة [9] الأذان إعلام بدخول وقت الصلاة المفروضة، وهو مشروع للرجال دون النساء، وعدد كلماته خمس عشرة كلمة والإقامة إحدى عشرة كلمة، وينبغي للمؤذن أن يكون أميناً صيتاً عالماً بالأوقات، كما يستحب أن يؤذن وهو قائم متطهر.

باب الأذان والإقامة

باب الأذان والإقامة قال المصنف رحمه الله: [باب الأذان والإقامة. وهما مشروعان للصلوات الخمس دون غيرها، للرجال دون النساء]. والمعنى: أن الأذان والإقامة مشروعان فقط للصلوات الخمس، فلا أذان ولا إقامة لصلاة العيد، ولا أذان ولا إقامة لصلاة الكسوف، ولا أذان ولا إقامة لأي صلاة أخرى، إلا أن صلاة الكسوف كان النبي صلى الله عليه وسلم يرسل منادياً ينادي: الصلاة جامعة. وهناك من قال: ينطبق على العيد ما ينطبق على الكسوف، وهذا قول باطل؛ لأن هذا القول من مراسيل الزهري وأيضاً: النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم لصلاة العيد بغير أذان ولا إقامة ولا نداء بالصلاة جامعة، فمن فعل ذلك فقد ابتدع وأحدث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما فعلها ولم يؤثر عنه أنه كان يقول قبل صلاة العيد: الصلاة جامعة، أو كان يرسل منادياً، إنما كان يخرج للصلاة دون نداء، هذا هو الثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام. وقوله: (وهما مشروعان للصلوات الخمس دون غيرها، للرجال دون النساء) أي: أن الأذان للرجال دون النساء، فليس للنساء أذان ولا إقامة. قال في الشرح: [لأن المقصود منه الإعلام بوقت الصلاة المفروضة على الأعيان، وهذا لا يوجد في غيرها، ولأن مؤذني النبي صلى الله عليه وسلم إنما كانوا يؤذنون لها دون غيرها، وذلك مشروع للرجال دون النساء، وقال الحسن وإبراهيم والشعبي وسليمان بن يسار: ليس على النساء أذان ولا إقامة].

ألفاظ الأذان والإقامة

ألفاظ الأذان والإقامة قال المصنف رحمه الله تعالى: [والأذان خمس عشرة كلمة، لا ترجيع فيها، والإقامة إحدى عشرة كلمة]. وألفاظ الأذان هي: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، فهذه خمس عشرة كلمة. ثم قال: [والإقامة إحدى عشرة كلمة]. وألفاظ الإقامة هي: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله. إذاً: الأذان خمس عشرة كلمة، والإقامة إحدى عشرة كلمة، وقد ذكرنا قبل ذلك حديث عبد الله بن زيد أنه قال: (لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس ليضرب به لجمع الناس للصلاة طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوساً، فقلت: يا عبد الله! أتبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ فقلت: ندعو به إلى الصلاة، قال: أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ قلت: بلى، قال: تقول: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر قال: ثم استأخر عني غير بعيد، قال: ثم تقول إذا قمت للصلاة فذكر الإقامة مفرداً غير أنه يقول: قد قامت الصلاة، مرتين، ثم لما أصبحت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت، فقال: إنها لرؤيا حق إن شاء الله تعالى، فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فيؤذن به؛ فإنه أندى صوتاً منك). وفي هذا الحديث فوائد، منها: انشغال الصحابة بالأمر الشرعي، فـ عبد الله بن زيد انشغل في نومه بالأذان؛ لأنه نام وقضية الأذان تشغله وتؤرقه وتسيطر على فكره. لذلك يروى أن شيخاً أراد أن يختبر تلميذه، فقال له: يا ولدي! هل رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نومك؟ قال: لم أره ولا مرة، قال: إذاً: يا ولدي! حبك فيه ضعف، قال: كيف؟ قال: سأبرهن لك الآن على ذلك، وقدم له طعام العشاء، وجعل في طعام العشاء أنواعاً من الأكل الذي يحتاج إلى ماء، ثم قال له: الماء مقطوع، فنم إلى الصباح ثم تشرب إن شاء الله تعالى، فنام التلميذ عطشاناً، وفي الفجر قام التلميذ فقال له الشيخ: ماذا رأيت في المنام؟ قال: رأيت أنهاراً وأمطاراً وسحباً وأنا أشرب، قال: صدق عطشك فصدقت رؤياك، ولو صدقت محبتك لتعلق قلبك بالحبيب صلى الله عليه وسلم. ولذلك يقول سيدنا أنس: ما من ليلة تمر علي بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم إلا وأنا أراه في منامي. وذلك لتعلق القلب؛ فالقلب يتعلق في النوم بما يحب، فالمدين يرى في نومه أنه يقضي دينه، وهكذا كل من كان يسيطر على ذهنه وقلبه شيء ينشغل به في منامه، وجرب أن تنشغل بشيء قبل نومك. قال لي سائل: رأيت المسيح الدجال في نومي، فقلت له: متى آخر خطبة سمعتها عن الدجال؟ قال: الجمعة الماضية، قلت: كم كتاباً قرأت عن الدجال؟ قال: كنت أقرأ عنه في كتاب، فسيطر عليه الدجال فرآه في نومه؛ لأنه انشغل به، وجرب أن تنشغل بأمر يسيطر عليك فإنه لا بد أن تراه. فذلك الصحابي الجليل انشغل بقضية الأذان وهو نائم، فرأى رجلاً في نومه معه ناقوس، فقال: يا عبد الله! أعطني الناقوس، فقال: وما تصنع به؟ قلت: نعلن به للصلاة، فقال: ألا أدلك على خير من ذلك؟ قلت: بلى، قال: قل: الله أكبر الله أكبر، وعلمه الأذان والإقامة، فقام عبد الله بن زيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره، وفي رواية أخرى: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنها وافقت وحي عندي)، يعني: أن هذه الرؤيا وافقت وحياً عند رسول الله عليه الصلاة والسلام، ثم قال: (قم وعلمها بلالاً فإنه أندى منك صوتاً)، وفي الحديث أنه يؤذن صاحب الصوت الحسن، ولكن للأسف أن عندنا في مساجدنا بعض الناس يصر على الأذان والناس لا يدخلون المسجد لأجل هذا الصوت، فيا رجل! اتق الله وقرب من هو أندى منك صوتاً.

شروط وآداب المؤذن

شروط وآداب المؤذن قال المصنف رحمه الله تعالى: [وينبغي أن يكون المؤذن أميناً صيتاً عالماً بالأوقات، ويستحب أن يؤذن قائماً متطهراً]. ينبغي أن يكون أميناً؛ لأنه يؤتمن على الأوقات، فالمؤذن هو الذي يعلن الوقت، والناس تبني على دخول الوقت أحكاماً، فإن كانوا صياماً أفطروا، لكن هب أنه أذن قبل الوقت فإنه سيتسبب في أن يفطر الناس خطأً، فلا بد أن يكون أميناً عالماً بالأوقات، فإن لم يكن عادلاً غرهم بأذانه في غير الوقت. ويكون صيتاً؛ لأنه أبلغ في الإعلام بالمقصود بالأذان، قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ عبد الله بن زيد: (ألقه على بلال؛ فإنه أندى صوتاً منك). ويكون عالماً بالأوقات؛ ليتمكن من الأذان في أوائلها، وهنا Q هل يجوز للأعمى أن يؤذن؟ و A أنه يجوز إذا كان هناك من يخبره بدخول الوقت؛ لأن ابن أم مكتوم كان يؤذن، وكان أعمى، وكان له من يخبره بدخول الوقت، فإن لم يكن له من يخبره يتنحى عن النداء. وقوله: (ويستحب أن يؤذن قائماً متطهراً) يعني: يؤذن وهو قائم وهو متطهر، وهذا على وجه الاستحباب، ويجوز أن يؤذن وهو على غير طهارة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ويستحب أن يؤذن قائماً متطهراً على موضع عالٍ]. يعني: مكان مرتفع؛ حتى يصل الصوت إلى أبعد بقعة، أو أكثر عدداً، والآن المكبر أغنانا عن هذا؛ وهناك مسألة خلافية: هل يؤذن المؤذن بالمكبر فوق السطح أم من داخل المسجد لأن العلة هي الإعلان؟ الشيخ الألباني له رأي وجيه جداً حيث قال: لو أن التيار الكهربائي انقطع والمؤذن يؤذن فسيؤذن في الداخل، ولكن لو أذن في الخارج والمكبر في يده لفعل خيراً؛ لأنه إذا انقطع التيار سيراه الناس، وصوته سيصل إلى الكثير. وهناك علة أخرى وهي أنه ربما يرى الأصم المؤذن بعينه ولا يسمعه بأذنه، فيعلم أن الصلاة قد دخلت، وهناك علل أخرى أوردها الشيخ الألباني رحمه الله لمشروعية النداء بالمكبر على سطح المسجد أو على بابه أو في أي مكان في الخارج. فيستحب أن يؤذن قائماً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ بلال: (قم فأذن)؛ ولأنه أبلغ في الإسماع. ويكون متطهراً، وأما حديث: (لا يؤذن إلا متوضئ) فروي مرفوعاً وموقوفاً عن أبي هريرة والموقوف أصح. ويكون على موضع عال؛ لأنه أبلغ في الإعلان، وقد روي أن بلالاً كان يؤذن على سطح امرأة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [مستقبل القبلة] وهذا إجماع؛ لأن مؤذني رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يؤذنون وهم مستقبلي القبلة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [فإذا بلغ الحيعلة التفت يميناً وشمالاً ولا يزيل قدميه، ويجعل أصبعيه في أذنيه]. إذا بلغ: حي على الصلاة حي على الفلاح التفت يميناً في (حي على الصلاة) ويساراً في (حي على الفلاح) إن قال قائل: إن أذن في المكبر لا حاجة له بالالتفات؛ لأن الالتفات إنما هو ليسمع من على يمينه، ثم يسمع من على يساره، وقد حقق هذه المسألة ابن حجر في الفتح قائلاً: إنه أمر تعبدي، فلعل العلة أن يشهد الملائكة الذين على اليمين والذين على اليسار؛ فالعلة باقية، ولا يقول قائل: انتفت العلة بالمكبر فلا يلتفت، بل نقول: لا، إنما المشروع أن يلتفت حتى وإن أذن في المكبر. وابن حجر العسقلاني في فتح الباري قد بحث هذه المسألة وأفاض فيها، فارجع إليه إن شئت. ثم قال: (ولا يزيل قدميه) يعني: حينما يلتفت يميناً لا يحرك القدم وإنما يتحرك بصدره، ولا يزيل قدميه. ويجعل أصبعيه في أذنيه، وكون المؤذن يجعل أصبعيه في أذنيه هذا أمر تعبدي أيضاً؛ لما روى أبو جحيفة قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في قبة من أدم، وأذن بلال فجعلت أتتبع فاه هاهنا وهاهنا يميناً وشمالاً، وهو يقول: حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح) متفق عليه، وفي لفظ: (ولم يستدر، وأصبعاه في أذنيه) يعني: كان بلال على هذه الهيئة التي علمه إياها النبي صلى الله عليه وسلم. وينبغي أن يكون النداء خاضعاً لأحكام التلاوة، فلا يقل: الله أكبر، فيمدها حتى يثبت ثلاثين حرفاً، ولو قال: آكبار، خرج به عن معناه، أو يمط ويقول: حي على الصلآة، ويخفض ويرفع، فهل تغني يا عبد الله؟! هذا لا يجوز، فأكثر المد ست حركات. حتى يكون الأذان شرعياً لابد أن تلتزم فيه الأحكام الشرعية. ثم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ويترسل في الأذان ويحدر الإقامة]. ومعنى يترسل في الأذان: أن يؤذن بطيئاً؛ لأن غرض الأذان هو إعلام من بخارج المسجد، فيترسل فيه حتى يفرق بين كل كلمتين، بحيث يكون هناك أكبر وقت للإعلام، أما في الإقامة فيحدر: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله سريعاً؛ لأن الإقامة لمن بداخل المسجد. وهذا الموضوع أيضاً خلافي: هل نقيم في ال

التثويب في صلاة الصبح

التثويب في صلاة الصبح قال المصنف رحمه الله تعالى: [ويقول في أذان الصبح بعد الحيعلة: الصلاة خير من النوم مرتين]. وهذا يسمى عند العلماء التثويب لصلاة الفجر، وهو أن يقول بعد (حي على الفلاح): الصلاة خير من النوم، ولكن من الذي كان يقولها: بلال أم ابن أم مكتوم؟ المسألة خلافية، فمن العلماء من يقول: إن الأذان الأول ليس فيه الصلاة خير من النوم، وهذا معمول به في بعض البلدان. والأذان الأول غير معمول به في كثير من البلدان، وأنا أربأ بمساجد أهل السنة أن تختفي فيها هذه السنة، ولنكن نحن أول المساجد التي نطبق هذه السنة، فالثابت في البخاري وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤذن للفجر أذانين: أذاناً قبل الفجر الصادق، وأذاناً عند الفجر الصادق، وكان يقول لأصحابه: (لا يغرنكم أذان بلال فإنه يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)، والأذان الأول له غرض؛ وهو أن ينتبه الشارد ويستيقظ النائم ويغتسل الجنب، ويأتي البعيد، وهذه سنة مؤكدة ضيعناها وأقمنا بدلاً منها أذانين للجمعة، فأقول: الثابت من سنة النبي صلى الله عليه وسلم أن الفجر له أذانان. والمؤذن للأذان الأول يختلف عن الأذان الثاني، فالمؤذن للأذان الأول يؤذن طبقاً للمذهب الأول بغير: الصلاة خير من النوم، والمؤذن الثاني يقول: الصلاة خير من النوم، وهذه فروق بين الأذانين؛ فإذا سمعت التثويب علمت أنه الأذان الثاني، وإن لم تسمع علمت أنه الأذان الأول. فأقول لإخواني: إن كان في يدك أمر مسجد فأقم هذه السنة، شريطة أن تمهد الأمر لتقبل الناس له، فتعود إلى البلد تتحدث عن السنة وتخبر الناس وتشهر في المجتمع قبل أن تفعل، أما أن تؤذن مباشرة من غير تعليم فممكن أن تحصل في البلد مشكلة. فمن أحيا في الإسلام سنة حسنة -وهذه سنة حسنة- فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، فهذه سنة لا ينبغي أن نتباطئ في تطبيقها. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ويقول في أذان الصبح بعد الحيعلة: الصلاة خير من النوم مرتين، ولا يؤذن قبل الأوقات إلا لها] يعني: لا يؤذن قبل حلول الوقت إلا للفجر؛ [لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم). ويستحب لمن سمع المؤذن أن يقول كما يقول؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول).

الأسئلة

الأسئلة

حكم الأذان والإقامة للجماعة الثانية

حكم الأذان والإقامة للجماعة الثانية Q الجماعة الثانية هل لها إقامة؟ A نعم، لها إقامة، أما الأذان فلا.

الرد على من يرى عدم الأذان الأول في الفجر

الرد على من يرى عدم الأذان الأول في الفجر Q هناك أستاذ جامعي قال: إن أذان بلال الأول في الفجر الآن يحدث زعزعة في المجتمع واضطراباً، ويقول: إن الأذان الثاني في الجمعة سنة عثمان، ولذلك لا نفعله؛ حتى لا نحدث هذا الاضطراب فما تعليقكم؟ A ونحن نقول له: إقامة السنة لا يمكن أن تحدث اضطراباً، فعلم الناس السنة بدلاً من أن تقول هذا الكلام. وقوله: إن الأذان الثاني سنة عثمان؟ أجيب عليه قائلاً: طبق سنة عثمان، واعلم ماذا فعل عثمان، فـ عثمان أرسل مؤذناً إلى الزوراء، وهذا قبل دخول وقت الجمعة؛ ليعلم الناس بدنو وقتها، فإن أردت أن تطبق سنة عثمان فأذن قبل وقت الجمعة، ولا تؤذن بعد دخول الوقت ثم تؤذن مرة أخرى.

حكم الأذان الأول للجمعة

حكم الأذان الأول للجمعة Q هل لـ عثمان سنة؟ A نعم، عثمان من الخلفاء الراشدين، وفعله سنة؛ فإن أصل العمل مشروع وهو أن النبي كان يتخذ للفجر الأول مؤذناً، وأما أذان عثمان الأول للجمعة فله علة، وهي أن الناس في يوم الجمعة يكونون منشغلين في السوق، فأرسل مؤذناً يؤذن قبل الجمعة؛ ليعلمهم باقتراب الوقت.

مقدار الوقت بين الأذانين في الفجر

مقدار الوقت بين الأذانين في الفجر Q كم الوقت بين النداءين في الفجر؟ A جاء في البخاري: ولم يكن بين ذا وذا -يعني: بين بلال وابن أم مكتوم - إلا أن ينزل هذا ويصعد هذا، والله تعالى أعلم.

العدة شرح العمدة [10]

العدة شرح العمدة [10] شروط صحة الصلاة هي: ستر العورة والطهارة من الحدثين وطهارة البدن والثوب والمكان ودخول الوقت والنية واستقبال القبلة، ومتى فقد شيء من هذه الشروط ولم توجد في المصلي فإن صلاته تكون باطلة غير مقبولة.

باب شروط الصلاة

باب شروط الصلاة قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب شروط الصلاة: وهي ستة: أحدها: الطهارة من الحدث؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن أحدث حتى يتوضأ)]. قال في الشرح: متفق عليه. شروط الصلاة: منها شروط صحة وشروط وجوب، وهناك فرق بين شرط الصحة وشرط الوجوب، وهذه التي ذكرها المصنف شروط صحة، والبلوغ شرط وجوب، يعني: أن غير البالغ له أن يصلي، فإن صلى صحت صلاته، لكن الصلاة لا تجب عليه إلا بعد البلوغ. وهناك فرق بين الشرط والركن، فالشرط هو: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته، يعني: إذا انعدم الشرط انعدم الحكم، مثل: إنسان يصلي بغير وضوء فصلاته باطلة؛ لأنه غاب عنها شرط، فإذا انعدم الشرط انعدم الحكم. وشروط صحة الصلاة ستة: 1 - الطهارة من الحدثين: الأكبر والأصغر. 2 - طهارة البدن والثوب والمكان. 3 - استقبال القبلة. 4 - ستر العورة. 5 - دخول الوقت. 6 - النية. وهذه شروط صحة الصلاة، وإذا تخلف شرط من هذه الشروط الستة فإن الصلاة باطلة. لكن إذا وجد الشرط هل بالضرورة يوجد معه الحكم؟ يعني: إذا كنت مستقبل القبلة، فهل يلزم من استقبالك القبلة الصلاة أم لا؟ لا يلزم، وعلى هذا فلا يلزم من وجود الشرط وجود ولا عدم لذاته. أما الركن فهو: ما يدخل في الماهية ويكون جزءاً منها، كتكبيرة الإحرام وكقراءة الفاتحة، وكالركوع، وكالسجود، وكالاعتدال من الركوع، وكالطمأنينة إلى آخره.

الطهارة من الحدث

الطهارة من الحدث أول شروطها: الطهارة من الحدث، والحدث: فساء أو ضراط، فإذا أخرج ريحاً سواء كان الريح بصوت مرتفع أو بصوت منخفض فإنه يسمى حدثاً، وكذلك الحدث الأكبر. إذاً: لا صلاة لمحدث حتى يتوضأ، وحتى هنا للغاية.

دخول الوقت وذكر أوقات الصلاة

دخول الوقت وذكر أوقات الصلاة قال المصنف رحمه الله تعالى: [الشرط الثاني: الوقت -دخول الوقت- ووقت الظهر: من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله]، يعني: أن وقت الظهر له بداية وله نهاية، وأول وقت الظهر عند الزوال، والمقصود بالزوال انحراف الشمس عن وسط السماء، فوقت الظهر يبدأ بمجرد أن تصل الشمس إلى وسط السماء ثم تتحرك قليلاً، فبمجرد أن تتحرك عن وسط السماء يبدأ وقت الظهر، وينتهي وقت الظهر حينما يصير ظل كل شيء مثله. ويبدأ وقت العصر حينما يكون ظل كل شيء مثله، وينتهي وقت العصر حينما يكون ظل كل شيء مثليه، وفي رواية أخرى لـ أحمد: عند اصفرار الشمس، وسنتحدث عن وقت العصر بعد. قال في الشرح: [ووقت الظهر من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله بعد القدر الذي زالت عنه الشمس؛ لما روى ابن عباس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أمني جبريل عند البيت مرتين، فصلى بي الظهر في المرة الأولى حين زالت الشمس، والفيء مثل الشراك)]. والفيء يعني: الظل، ومعنى (مثل الشراك): شراك النعل، قال أبو بكر رضي الله عنه: كل امرئٍ مصبح في أهله والموت أدنى من شراك نعله يعني: أن الموت أقرب إليه من شراك النعل، والشراك هو رباط الحذاء، فتجد الظل في وقت الزوال إذا كان كشراك النعل، فهذا هو أول وقت للظهر. قال: [(ثم صلى بي المرة الأخيرة حين صار ظل كل شيء مثله، وقال: الوقت ما بين هذين)، قال الترمذي: حديث حسن، ويعرف زوال الشمس بطول الظل بعد تناهي قصره]. يعرف زوال الشمس بطول الظل، ويبدأ الظل في الزيادة بعد أن كان قصيراً. ووقت الظهر هو وقت الجمعة، ووقت الجمعة أيضاً له وقت بداية ونهاية، ونهاية وقت الجمعة هو بداية وقت العصر، يعني: أنه يمتد وقت الجمعة إلى نداء العصر، لكن متى يبدأ وقت الجمعة؟ هل بالظهر أم قبل ذلك؟ يقول جابر كما في صحيح مسلم: (كنا نصلي الجمعة مع النبي صلى الله عليه وسلم ونذهب إلى جمالنا نريحها ولم تزل الشمس عن وسط السماء)، يعني: كانوا يصلون الجمعة قبل وقت الظهر، أي: كانوا يبكرون بالجمعة أحياناً، فللإمام الراتب أن يبكر بصلاة الجمعة إن رأى أن في ذلك مصلحة أو رخصة، أما أن يؤخر الصلاة فليس من السنة، وإني أعجب من بعض المساجد التي تؤخر صلاة الجمعة فإن هذا مخالف للسنة، فإن شاءوا فليعودوا إلى البخاري أو أي كتاب من كتب السنة؛ لينظروا كيف كانت سنة النبي عليه الصلاة والسلام، والتزام السنة أولى من تركها، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم. فإن قال قائل: إذا كان يوم غيم أو مطر كيف نعرف الزوال؟ ف A الحمد لله عندنا الآن الساعات وعندنا وسائل عديدة لمعرفة وقت الزوال. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ووقت العصر -وهي الوسطى- من آخر وقت الظهر إلى أن تصفر الشمس]. والعصر هي الصلاة الوسطى، قال في الشرح: [لما روي عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: (شغلونا عن صلاة العصر الصلاة الوسطى ملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً)، متفق عليه]. أي: أن الصلاة الوسطى بنص هذا الحديث هي صلاة العصر، [وأول وقتها إذا صار ظل كل شيء مثله، وهو آخر وقت الظهر؛ لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث جبريل: (وصلى بي العصر حين صار ظل كل شيء مثله)، وآخره ما لم تصفر الشمس، لما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (وقت العصر ما لم تصفر الشمس)، رواه مسلم. وعنه أن آخره -يعني: رواية أخرى عن أحمد - إذا صار ظل كل شيء مثليه؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (وصلى بي جبريل العصر في المرة الأخيرة حين صار ظل كل شيء مثليه). ثم يذهب وقت الاختيار ويبقى وقت الضرورة إلى غروب الشمس، والضرورة: العذر، يعني: لا يباح تأخيرها إلا لعذر؛ لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته، ومن أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته)، متفق عليه]. إذاً: العصر له وقتان: وقت اختياري ووقت اضطراري، فإن سأل سائل: هل يجوز أن أصلي العصر بعد غروب الشمس وقبل نداء المغرب؟ فنقول: هل أنت من أهل الأعذار؟ فإن كان لك عذر فيجوز؛ لأن هذا هو وقت الاضطرار، أما وقت الاختيار فينتهي باصفرار الشمس، أو بأن يصير ظل كل شيء مثليه. وفي الحديث: (تلك صلاة المنافق تلك صلاة المنافق، الذي يجلس يرتقب الشمس إلى الغروب فإذا غربت قام فنقرها أربعاً)، فحكم عليه أنه منافق؛ لأنه يؤخرها بلا عذر؛ وليس هو من أهل الأعذار. فعند الإمام أحمد أن العصر له وقتان: وقت اختيار ووقت اضطرار، ووقت الاختيار يبدأ من نهاية وقت الظهر وذلك

الأسئلة

الأسئلة

بيان ما يقال بعد المؤذن عند قوله: الصلاة خير من النوم

بيان ما يقال بعد المؤذن عند قوله: الصلاة خير من النوم Q ماذا نقول عند قول المؤذن: الصلاة خير من النوم، هل نقول: صدقت، أم ماذا نقول؟ A في الحديث: (قولوا مثلما يقول)، وهذا النص عام إلا في الحيعلتين فإنها مستثناة، فتقول مثلما يقول المؤذن، فإن قال: الصلاة خير من النوم، فقل: أنت أيضاً: الصلاة خير من النوم.

مقدار الوقت بين الأذانين في الفجر

مقدار الوقت بين الأذانين في الفجر Q كم مقدار الوقت الذي بين أذان بلال وأذان ابن أم مكتوم هل هو ثلث ساعة أم أقل أم أكثر؟ A الثلث كثير؛ لأن حديث البخاري يوضح هذا؛ فإن فيه: (ولم يكن بين أذان بلال وأذان ابن أم مكتوم إلا أن ينزل ذا ويصعد ذا)، وابن أم مكتوم رجل أعمى، فكان ينزل بلال ويصعد ابن أم مكتوم، ونزول الأعمى قد يحتاج إلى وقت، فيُجعل بينهما: عشر دقائق أو ربع ساعة أو اثنا عشر دقيقة، ولا يزاد على هذا.

حكم إجبار الزوجة على الخلع

حكم إجبار الزوجة على الخلع Q هل يجوز للزوج أن يضيق على زوجته ليجبرها على الخلع ثم يأخذ منها المهر وزيادة على المهر ويأخذ كل مستحقاتها ويأخذ أكثر مما يستحق؟ A هذا أمر واقع، فبعض إخواننا هداهم الله يستحلون من المرأة ما يستحلون، والله يقول: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء:21]، فأنت تزوجتها بكراً ستعود إلى بيت أبيها ثيباً، ألا تستحي من ربك عز وجل أن تعوضها عما صنعت بهذا فمنهم من يسرق القائمة، ومنهم من يجبرها على التوقيع على بياض بالتنازل عن حقها، ومنهم من يجبرها على التنازل عن المتعة والعدة ومؤخر الصداق حتى تحصل على الحرية، ويتبجح بذلك في المجالس. فمثل هذا نقول له: أما تستحي من ربك عز وجل؟! ألا تعلم أنك بذلك تأكل ناراً في بطنك وجوفك؟ فلا ينبغي لرجل يتقي الله عز وجل أن يأخذ من حق المرأة شيئاً أبداً؛ لأن الله يقول: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ} [النساء:4]، فلا بد أن تطيب نفس المرأة بالعطاء. اتصلت بي أخت فاضلة وقالت: زوجي يجبرني على أن أرد الصداق إليه وأنا معه الآن، والمهر الذي دفعه هو ألف ونصف، واشترت هي بالألف والنصف قطعة أرض في السبعينات، وهذه الأرض الآن بعشرين ألفاً، فهو يريد أن يأخذ الصداق وربح الصداق. أرأيتم إلى رجل كهذا؟ فيا عبد الله! كيف تستمتع بالمرأة بدون صداق؟ فالصداق هو الذي أحلها لك، وهو الذي مكنك منها، أما أن تأخذ حقوقك الشرعية بغير صداق فأنت مفترٍ ظالم. فأقول: إخوتي الكرام! لنتق الله عز وجل في أمورنا. والله تعالى أعلم.

العدة شرح العمدة [11]

العدة شرح العمدة [11] الصلاة لها شروط وأركان وواجبات وسنن ومستحبات ومكروهات، نصت عليها السنة النبوية، وبينت أحكامها، كما أن الفقهاء شرحوا هذه الشروط والأركان وبينوا ذلك استنباطاً من السنة النبوية، ومن شروط الصلاة المعلومة ستر العورة.

شروط صحة الصلاة

شروط صحة الصلاة ذكرنا فيما مضى أن من شروط صحة الصلاة: الأول: الطهارة من الحدثين: الأكبر والأصغر. الثاني: دخول الوقت، وتحدثنا عن الوقت تفصيلاً، وقلنا: لكل صلاة وقت لا بد أن يدخل حتى تؤدى، لأن البعض قد يسأل فيقول: أنا مسافر إلى القاهرة في الساعة الحادية عشرة صباحاً، وسأصل إليها بعد العصر، فهل أستطيع أن أصلي الظهر والعصر جمع تقديم في بلدي؟ و A لا يجوز؛ لأن وقت الظهر لم يدخل بعد، وهذا كلام بدهي يعرفه الغالب من الناس.

الفرق بين الشرط والركن

الفرق بين الشرط والركن والفرق بين الشرط والركن: أن الشرط: خارج عن ماهية الفعل، وهو ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم. مثاله: دخول الوقت شرط لصحة الصلاة، استقبال القبلة. والركن: ما كان داخل في ماهية الشيء أو الفعل. مثاله: تكبيرة الإحرام، قراءة الفاتحة، الركوع، الاعتدال من الركوع، السجود، الجلسة بين السجدتين.

ستر العورة

ستر العورة الثالث: ستر العورة، وللعلامة ابن عثيمين رحمه الله كلام جميل في الشرح الممتع في شرح زاد المستقنع، فقال رحمه الله تعالى: وعورة الصلاة تختلف عن عورة النظر. أي: أن العورة خارج الصلاة تختلف عن العورة داخل الصلاة، فلا تقاس عورة الرجل خارج الصلاة على عورته في الصلاة، فهذه عورة وهذه عورة. مثال ذلك: للمرأة في بيت زوجها أن تكشف شعرها، فإذا أرادت أن تصلي في البيت فيلزمها أن تستر شعرها، سواء كان زوجها موجود أو غير موجود. مثال آخر: يقول العلماء: إن عورة الرجل من السرة إلى الركبة، وهذا هو القول الراجح، لكن لا يستطيع أن يصلي الرجل وهو كاشف الكتفين ونصف البطن، وإنما لا بد أن يستر أحد عاتقيه على الأقل. وهنا لغز فقهي يقول: امرأة تصلي فبطلت صلاتها بكلمة من غيرها، كيف ذلك؟ A أن المرأة التي تصلي أمة، يعني: عبدة مملوكة، وللأمة أن تصلي مكشوفة النحر وجزء من الصدر، لكن لو أنها صلت كاشفة الشعر والنحر، فقال لها سيدها وهي تصلي: أنت حرة، عند ذلك أصبح الشعر والنحر عورة في حقها، فيلزمها تغطيتهما. ثم قال في الشرح: وستر العورة واجب، لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)، رواه أبو داود، ومعنى الحديث: أن الله عز وجل لا يقبل صلاة المرأة البالغ إلا بخمار ساتر، فتلبسه وتغطي به نفسها حتى وإن لم يرها أحد. قال رحمه الله تعالى: ويجب سترها بما يستر لون البشرة من الثياب والجلود أو غيرها، فإن وصف لون البشرة لم يعتد به؛ لأنه غير ساتر.

حدود عورة الرجل والأمة في غير الصلاة

حدود عورة الرجل والأمة في غير الصلاة عورة الرجل والأمة ما بين السرة والركبة، لما روى أبو أيوب رضي الله عنه أنه -هذه عورة نظر وليست عورة صلاة- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أسفل السرة وفوق الركبتين من العورة)، وعن جرهد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (غط فخذك فإن الفخذ من العورة)، رواه أحمد، وفي رواية أخرى عند أحمد: (الفرجان من الرجل)، وفي المقابل فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر حسر الإزار عن فخذه حتى أني لأنظر إلى بياض فخذ رسول الله عليه الصلاة والسلام. والحقيقة أن عورة الرجل في النظر لا في الصلاة فيها خلاف، هل هي من السرة إلى الركبة؟ أم هي القبل والدبر فقط؟ فمن العلماء من قال: إن عورة الرجل من السرة إلى الركبة، لحديث جرهد السابق، ومنهم من قال: إن الفخذ ليس بعورة، لحديث مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان يجلس في حجرة عائشة وقد بدا جزء من فخذه فدخل أبو بكر فظل النبي على حاله، ثم دخل عمر فظل النبي على حاله، فلما دخل عثمان أسرع النبي ودارى فخذه وجذب القميص عليه وعدل من جلسته، فقالت عائشة: يا رسول الله ما هذا الذي عملت؟ قال: ألا أستحي من رجل تستحيي منه الملائكة)، ولحديث البخاري في يوم خيبر. لكن هناك قاعدة أصولية تقول: إن الدليل القولي مقدم على الدليل الفعلي، فحديث: (إن الفخذ عورة) قولي، وحديث: جلسة النبي صلى الله عليه وسلم وقد بدا جزء من فخذه فعلي، فيقدم القول على الفعل، لأنه ربما أنه صلى الله عليه وسلم قد جلس تلك الجلسة لعذر، أو لعل ذلك خاص به، أي: أنه قد يطرأ على الفعل ما يمكن أن يصرف به، أما القول فلا احتمال لفهمه إلا هذا الفهم، وعلى هذا فإن الأحوط من أقوال العلماء: أن عورة الرجل من السرة إلى الركبة؛ لأن حديث جرهد في هذه المسألة واضح وبين. والعورة إن كانت تُرى من خلف القميص وجب سترها؛ لأنها لم تُستر بعد.

حدود عورة المرأة في الصلاة وغيرها

حدود عورة المرأة في الصلاة وغيرها والحرة كلها عورة إلا الوجه والكفين، لقوله سبحانه: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور:31]، قال ابن عباس: وجهها وكفيها؛ ولأنه يحرم ستر الوجه والكفين في الإحرام، ولو كانا عورة لم يجز كشفهما، وعنه: في الكفين أنهما عورة؛ لأن المشقة لا تلحق بسترهما، فأشبه سائر بدنها، وما عدا ذلك فعورة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)، وعن أم سلمة أنها قالت: يا رسول الله! تصلي المرأة في درع وخمار وليس عليها إزار؟ قال: (نعم إذا كان سابغاً يغطي ظهور القدمين)، فالحديثان يتكلمان عن عورة المرأة في الصلاة، وعورة المرأة في الصلاة تختلف عن عورة النظر، وصلاة المرأة في البنطلون باطلة، لا كما يزعم بعض من ينتسب إلى العلم ظلماً وزوراً أن صلاة المرأة بالبنطلون جائز! وذلك حتى نحببهم في الصلاة، ثم بعد ذلك نقول لهم: إن الصلاة بالبنطلون باطلة! إن هذا تميع في دين الله لا يقبل، بل ولا يرضي الله عز وجل، فضلاً عن أن البنطلون للمرأة لا يجوز؛ لأن فيه تشبهاً بالرجال، حتى ولو كانت مع زوجها بمفردها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تلبس المرأة لبس الرجل، ولا يلبس الرجل لبس المرأة)، فالبنطال من ملابس الرجال، وليس للمرأة أن تلبس البنطال، وذلك كالعباءة، فهي من ملابس النساء، وليس للرجل أن يلبس العباءة، وإلا فهو متشبه بالنساء، وللمرأة أن تلبس سراويل تحت الجلباب حتى تستر نفسها، ولها أن تصلي في جلباب يجر إلى الأرض فيستر قدميها، والقدم موضع خلاف بين العلماء، لكن هذا الحديث قد حسم هذه القضية فقال: إن صلت في درع وخمار وليس عليه إزار؟ قال: (نعم إذا كان سابغاً يغطي ظهور قدميها)، إذاً لا بد أن يكون الجلباب يغطي ظهور القدمين، لكن إن ظهر العقب فلا تبطل الصلاة، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى. وعليه فمطلوب من المرأة إذا صلت أن تلبس الخمار والجلباب الطويل حتى تستر نفسها في صلاتها.

عورة الأمة كعورة الرجل

عورة الأمة كعورة الرجل ثم قال رحمه الله تعالى: وعورة الأمة كعورة الرجل، لما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا زوج أحدكم أمته أو أجيره فلا ينظر إلى شيء من عورته، فإنما تحت السرة إلى الركبة عورة)، وكذلك أم الولد والمعتق بعضها كالأمة، وأم الولد كـ هاجر أم ولد إبراهيم عليه السلام، وهي في الفقه تُسمى كذلك، لا أن نقول: هاجر زوجة إبراهيم عليه السلام، ولذلك لما سألها جبريل: من أنت؟ فقالت له: أنا أم ولد إبراهيم، ولم تقل: أنا زوجة إبراهيم، وإنما قالت: أنا أم ولد، وأم الولد والمعتق بعضها كالأمة، فلو أن رجلاً أعتق جزءاً من أمته فإنها تأخذ حكم الأمة تماماً، والكلام هذا لا داعٍ للتفصيل فيه؛ لأنه غير موجود في الواقع.

حكم من صلى في ثوب أو دار مغصوبة

حكم من صلى في ثوب أو دار مغصوبة ومن صلى في ثوب مغصوب أو دار مغصوبة أو توضأ بماء مسروق لم تصح صلاته؛ لأنه استعمل في شرط العبادة ما يحرم استعماله، وهذا كلام الحنابلة، وأما كلام الجمهور: فالصلاة صحيحة مع الإثم، وهذا الكلام معتبر وهو الراجح. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: والقميص الذي يلبسه المسلم ينبغي أن يكون مطابقاً للشرع، فمنه ما هو محرم لذاته، ومنه ما هو محرم لوصفه، فإن كان محرماً لذاته فالصلاة فيه باطلة، كمن صلى في ثوب حرير، أو صلى بثياب عليها تصاوير، أو صلى بثياب نسائية، فعند الحنابلة: الصلاة باطلة، وعند الجمهور: الصلاة صحيحة مع الإثم؛ لأن هذه الثياب محرمة لذاتها. وأما المحرم لوصفه، كمن صلى مسبلاً، فصلاته باطلة عند الحنابلة، لأنهم لم يفرقوا بين المحرم لذاته والمحرم لوصفه، وعند الجمهور صحيحة مع الإثم، لذا فيحرم على الرجل أن يلبس قميصاً يجر إلى الأرض، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما جاوز الكعبين ففي النار)، وقوله: (ثلاثة لا يزكيهم الله ولا ينظر إليهم ولا يكلمهم يوم القيامة: ومنهم: مسبل الإزار)، أي: أن يجعل القميص أو الجلباب بعد الكعبين.

حكم من صلى في ثوب نجس

حكم من صلى في ثوب نجس وكذلك: من صلى في ثوب نجس، فصلاته باطلة عند الحنابلة؛ ولأن الصلاة قربة منهي عنها على هذا الوجه، فكيف يتقرب بها بما هو عاصٍ به، أو يؤمر بما هو منهي عنه؟! ورواية أخرى عند أحمد رحمه الله تعالى: أن الصلاة تصح؛ لأن التحريم لا يعود إلى الصلاة، كما لو غسل ثوبه بماء مغصوب، أو صلى وعليه عمامة حرير؛ لأن الرأس ليس بعورة، إنما لو ستر فرجه بحرير فهذا كلام مختلف فيه. ولبس الحرير والذهب مباح للنساء دون الرجال، لما روى أبو موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (حرم لبس الحرير والذهب على ذكور أمتي، وأحل لإناثهم)، قال ابن عبد البر: وهذا إجماع.

حكم لبس الدبلة عند الخطوبة

حكم لبس الدبلة عند الخطوبة وأما لبس الدبلة عند الخطوبة فلا يجوز، وكذلك الذهب لا يجوز لبسه للرجال عند الخوف من سرقة الفلوس، لأنه لا يجوز للمسلم أن يحل مشكلته بحرام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من لبس ذهباً من الرجال لبس في يده نار)، والدبلة عادة ليست إسلامية، حتى وإن كانت من فضة، لأنهم كانوا يعتقدون قديماً أن الدبلة ترتبط بعرق في القلب، واحد اثنين باسم الأب والابن وروح القدس، ويعتقدون أن العرق الذي في الأصبع يمتد إلى القلب، وما دامت الدبلة موجودة فالحب موجود، وإذا خلعت الدبلة خلع معها الحب! لذا قد يعجب المرء من رجل يتزوج أربعاً أين يضع هذه الدبل كلها! وأما الذهب المحلق فحلال للنساء بدون أدنى شك، ويجوز للإنسان أن يلبس خاتماً من فضة كما كان النبي عليه الصلاة والسلام.

حكم لبس الحرير عند الحاجة

حكم لبس الحرير عند الحاجة قال رحمه الله تعالى: [إلا عند الحاجة فيجوز للرجل أن يلبس الحرير كحكة أو قمل أو مرض ينفعه لبسه]، أي: إذا كان في الجلد مرض أو حكة، وقال الأطباء: لا بد أن يلبس الحرير، ففي هذه الحالة يجوز لبسه؛ لما روي: (أن عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام شكيا القمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرخص لهما في قميص الحرير، فرأيته عليهما)، متفق عليه. ومن صلى في ثوب واحد بعضه على عاتقه أجزأ ذلك، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يصل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء)، كالفنيلة الحمالة التي لا تستر أحد الكتفين، لذا لا بد أن تستر أحد الكتفين في الصلاة، والصلاة جائزة لكن مع الكراهة؛ للحديث الذي ذكرناه، والمقصود بـ (عاتقيه) أي: كتفيه. وهنا تنبيه مهم بالنسبة للبس الحرير: فيجوز لمن له حكة في الجلد، وليس هناك ثياباً يستطيع أن يلبسها إلا الحرير، فله ذلك، أما إذا وجدت الثياب واستطاع لبسها، فلا يجوز له لبس الحرير.

حكم صلاة من لم يجد ما يستر عورته

حكم صلاة من لم يجد ما يستر عورته قال رحمه الله: [فإن لم يجد إلا ما يستر عورته سترها؛ لأن سترها شرط لصحة الصلاة، وقد قدر عليه، فلزمه كسائر شروطها؛ ولأن ذلك واجب في غير الصلاة ففيها أولى]، أي: إذا لم يجد من الثياب إلا ما يستر عورة النظر فيحصله وصلاته صحيحة. ثم قال: [فإن لم يكف جميعاً ستر الفرجين]، أي: يستر الفرجين أولاً، ثم من السرة إلى الركبة، فإذا لم يجد إلا ملابس تغطي إما الدبر وإما القبل، فقال بعضهم: يغطي الدبر؛ لأنه إذا ركع وسجد بدا، ومنهم من قال: يغطي القبل؛ لأنه يتوجه به إلى القبلة، وصلاة لاعبي الكرة بالشورت باطلة، انعدم الستر بكل حال صلى جالساً ويومئ إيماءً بالسجود؛ لأنه يحصل به ستر أغلب العورة، وعن أحمد رحمه الله تعالى: يصلي قائماً ويركع ويسجد؛ لأن المحافظة على ثلاثة أركان أولى من المحافظة على شرط واحد (ستر العورة). فإن حصل أن هناك مجموعة من العراة، فإن الإمام يقف في وسط الصف كالنساء ولا يقف أمامهم، وهذا بالإجماع، لكن هل يصلون قياماً أم قعوداً؟ عند الإمام أحمد في رواية: يصلون قعوداً حتى يسترون العورة في الأرض، ثم يومئوا برءوسهم، وفي الرواية الأخرى: يصلون قياماً؛ لأن القيام والركوع والسجود أركان، وستر العورة شرط، فالمحافظة وتحصيل هذه الأركان أولى من شرط واحد (ستر العورة)، وهذا هو الراجح، ويغمضون عيونهم، وتغميض العينين في الصلاة مكروه إلا لضرورة، كأن تصلي وأمامك شيء يذهب بخشوعك في الصلاة، فلا حرج أن تغمض عينيك عند ذلك. ومن لم يجد إلا ثوباً نجساً أو مكاناً نجساً صلى فيهما ولا إعادة عليه؛ لأن ستر العورة واجب في الصلاة وفي غيرها، وهو مخاطب ومأمور بها، فإذا صلى فقد أتى بما أمر به، فيخرج عن العهدة، لكن: هل عليه أن يعيد الصلاة أم لا؟ روايتان عن أحمد: الأولى: أنه لا يعيد، والثانية: يلزمه الإعادة، والراجح من أقوال العلماء: أنه يعيد إن لم يخرج الوقت، والله تعالى أعلم.

حرمة القدح في العلماء

حرمة القدح في العلماء هناك من الشباب -هداهم الله- هوايتهم القدح في العلماء، فيقول أحدهم: هذا عالم ثورجي! وهذا عالم فوضوي! وهذا عالم كذا؛ لأني سمعت من الشيخ الفلاني يقول عنه كذا وكذا، فأقول: ما شأنك يا قزم؟ فأنت قزم حينما تخطئ حق عالم من العلماء، ولذا لا ينبغي لطويلب علم أن يعطي نفسه الحق في أن يخطئ العلماء بحجة أنه سمع من الشيخ الفلاني يقول عن الشيخ فلان كذا وكذا، فهذا عذر قبيح، بل هذا من صنع السفهاء الذين لم يتعلموا، ولن يصلوا أبداً، لأنهم تركوا لأنفسهم حرية القدح في أهل العلم، ولذا فلحوم العلماء مسمومة، فاحذر أن تأكل السم بنفسك، وإذا قدح بعض أهل العلم في بعضهم، أو تناطح العلماء فيما بينهم، فإن ذلك يطوى ولا يروى، ولا يجوز لأخ فاضل بدأ في طلب العلم أن يبدأ الطريق بتناول العلماء بالسب والقدح، والله تعالى أعلم.

العدة شرح العمدة [12]

العدة شرح العمدة [12] الطهارة من الحدث شرط في صحة الصلاة، فإن الله لا يقبل صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول، والطهارة من السكينة تكون في الثوب والبدن وموضع الصلاة، وقد يعفى عن يسير النجاسة، كما أن على المصلي أن يحرص على الطهارة والبعد عن النجاسة؛ حتى تكمل صلاته وتصح.

طهارة البدن والثوب والمكان من النجاسة

طهارة البدن والثوب والمكان من النجاسة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، ترك الأمة على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين. أما بعد: فلا زلنا في كتاب العدة ومع شروط صحة الصلاة، وقد قلنا: إن شروط صحة الصلاة ستة، وقد ذكرنا منها ثلاثة: الشرط الأول: دخول الوقت. الشرط الثاني: الطهارة من الحدثين الأكبر والأصغر. الشرط الثالث: ستر العورة.

الطهارة من النجاسة

الطهارة من النجاسة قال المصنف رحمه الله: (الشرط الرابع: الطهارة من النجاسة في بدنه وثوبه وموضع صلاته، إلا النجاسة المعفو عنها كيسير الدم ونحوه، وإن صلى وعليه نجاسة لم يكن علم بها، أو علم بها ثم نسيها فصلاته صحيحة، وإن علم بها في الصلاة أزالها وبنى على صلاته، والأرض كلها مسجد تصح الصلاة فيها إلا المقبرة والحمام والحش وأعطان الإبل وقارعة الطريق). فأما طهارة النعل الذي يصلي به المصلي، فالدليل على ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى مرة بنعله وفيه نجاسة، وصلى الصحابة خلفه بالنعال -لأنهم كانوا يفعلون كما يفعل النبي عليه الصلاة والسلام- فجاء جبريل فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن بنعله أذى، أي: نجاسة، فخلع نعليه وخلع الصحابة دون أن يسألوا، ولما انقضت الصلاة سألوا، فقال عليه الصلاة والسلام: (أما أنا فجاءني جبريل فأخبرني أن بهما أذىً)، يعني: نجاسة، فيجب على المصلي أن يتخلص فوراً من النجاسة التي على ثيابه أو نعله، والصلاة في النعال جائزة بضوابط، منها: أن لا يكون فيهما نجاسة، وأن يكون المسجد من حصى، وهذا هو الفرق بيننا وبين أهل الكتاب، فأهل الكتاب لا يصلون في نعالهم، وإنما هي خاصية لهذه الأمة المحمدية.

طهارة المكان من النجاسة

طهارة المكان من النجاسة وأما طهارة المكان، فلحديث أبي داود: أن رجلاً دخل المسجد فبال فيه، فهم به الصحابة ليزجروه، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (دعوه حتى يكمل بولته، ثم أريقوا عليها سجلاً من ماء)، ففي الحديث أنه لا بد من طهارة مكان الصلاة.

طهارة الثوب من النجاسة

طهارة الثوب من النجاسة قال في الشرح: (الشرط الرابع: الطهارة من النجاسة في بدنه وثوبه وموضع صلاته)، لقوله عليه السلام لـ أسماء بنت عميس في دم الحيض: -فقد كانت تصاب بحيض واستحاضة، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تحك دم الحيض- (حتيه) -أي: اقرضيه- (ثم اقرصيه ثم اغسليه بالماء وصلي فيه)، فقد أمرها النبي صلى الله عليه وسلم بإزالة النجاسة قبل الصلاة، فدل ذلك على أنها ممنوعة من الصلاة فيه قبل غسله. وهنا Q هل يجوز للمرأة أن تصلي في ثوب أصابه دم الحيض؟ A نعم، بشرط أن تحته ثم تقرصه ثم تغسله، ومعنى: تحته: أي: أن تمسك الدم ثم تخلل بين أجزائه، وعليه فهذه ثلاث خطوات: تحُت، ثم تقرض، أي: تعصر، ثم تغسل حتى يزال الدم، ولذا فالحديث دليل على أنه لا بد من إزالة النجاسة من الثوب الذي يصلي فيه المصلي، إلا النجاسة المعفو عنها كيسير الدم ونحوه، لأنه عفي عنها لمشقة التحرز على ما سبق في باب المياه، والمصنف رحمه الله تعالى يقرر أن الدم نجس، ولكن الراجح أنه ليس بنجس، لكن لو أصاب الثوب دم كثير فينبغي أن يزال، وهنا يأتي سائل فيقول: ثوبي مصاب بدم برغوث، فهل تجوز الصلاة فيه؟ و A أن كل ذلك ورع يا عبد الله! فيعفى عن يسيره طالما يشق أن تتحرز منه، والمشقة تجلب التيسير، وهناك أناس يضيقون على أنفسهم، فربما قد تأتي أشياء لا يمكن بحال أن تتحرز منها، كسيارة تسير في الطريق فجاء على قميصك رذاذ، فهذا الرذاذ غير متميز، وهناك مشقة في إزالته، فيعفى عن يسير النجاسة طالما أن هناك مشقة في إزالتها.

حكم من صلى وعلى ثوبه نجاسة لم يكن علم بها أو علم بها ثم نسيها

حكم من صلى وعلى ثوبه نجاسة لم يكن علم بها أو علم بها ثم نسيها قال المصنف رحمه الله تعالى: (وإن صلى وعليه نجاسة لم يكن علم بها، أو علم بها ثم نسيها)، أي: إن صلى المسلم وفي ثوبه نجاسة لم يكن يعلم بها، أو علم بها لكنه نسيها، ففيه روايتان عن أحمد: إحداهما: يعيد، لأنها طهارة واجبة فلم تسقط بالجهل كالوضوء، والثانية: لا يعيد؛ لما روى أبو سعيد رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خلع نعليه في الصلاة فخلع الناس نعالهم، فقال: مالكم خلعتم نعالكم؟)، فقالوا: رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا، فقال: (أما أنا فأتاني جبريل فأخبرني أن فيهما قذراً)، فوجه الحجة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن علم بالنجاسة حتى أخبر بها، وبنى على صلاته، ولو علم بالنجاسة وهو في الصلاة، فإن أمكنه أن يزيلها بغير عمل كثير أزالها وبنى على صلاته، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وإن لم يمكنه إلا بعمل كثير استأنفها، كالسترة إذا وجدها وهو في الصلاة بعيدة منه، لأن اتخاذ السترة واجب من واجبات الصلاة. واختار الشافعي رحمه الله تعالى وهو رواية عن أحمد كما ذكرنا: أنه يعيد طالما أن الوقت لم يخرج بعد، ومعنى رواية عند الإمام أحمد رحمه الله تعالى: أن أحد تلامذته نقل عنه رأياً، ثم نقل تلميذ آخر رأياً آخر، والعلامة المرداوي في كتاب: (الإنصاف في الراجح من مسائل الخلاف) قد رجح بين الروايات في المذهب الواحد، لا في المذاهب المتعددة. والراجح: أن الوقت إذا لم يخرج فإن عليه أن يعيد الصلاة، فإن خرج الوقت فلا إعادة، ويعذر بخطئه وبعدم علمه، وكذلك: من صلى بثوب نجس، ثم علم بالنجاسة وهو في الصلاة، فإن أمكنه إزالة النجاسة بحركة يسيرة أزالها؛ للحديث الذي رواه البخاري في كتاب الصلاة: أن الشقي عقبة بن أبي معيط جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، فوضع على ظهره الشريف سلا الجزور، فجاءت ابنته فاطمة رضي الله عنها وأزالت النجاسة عن أبيها، وأكمل النبي عليه الصلاة والسلام صلاته، قال البخاري في صحيحه وابن حجر معلقاً: وفي الحديث: إذا عرضت للمصلي نجاسة فاستطاع أن يزيلها أزالها وأتم الصلاة، وإن لم يستطع إزالتها إلا بحركة كثيرة تخل بالصلاة، أزالها ثم أعاد الصلاة من أولها.

مواضع النهي عن الصلاة

مواضع النهي عن الصلاة قوله: (والأرض كلها مسجد)، أي: أن الأرض كلها مسجد تصح الصلاة، لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عند البخاري في كتاب التيمم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم، وأعطيت الشفاعة، وبعثت إلى الناس كافة)، فالشاهد في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (وجعلت لي الأرض مسجداً)، أي: كل الأرض يجوز أن تصلي فيها إلا المقبرة، فلا تصل في المقبرة ولا تصل إلى القبور، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها)، وقوله: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، ألا إني أنهاكم عن ذلك)، وقوله عليه الصلاة والسلام: (لا تتخذوا القبور مساجد)، فكل هذه النصوص المحكمة الواضحة البينة تدل على أن الصلاة في المساجد التي فيها قبور لا تصح، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: إن كان المسجد قد بني أولاً ينبش القبر ويزال من المسجد، وإن كان القبر قبل المسجد فيهدم المسجد؛ لأنه لا يجتمع قبر مع مسجد في دين الإسلام أبداً، ولذلك أقول: هذه ظاهرة منتشرة عندنا وفي بعض البلاد الإسلامية، فتدفن الأموات في المساجد، وتقام لها الأضرحة، ثم يطاف بها، ويسمى المسجد باسم صاحب الضريح، وتعجب عندما تجد أن علماء السوء يدافعون عن هذا، ولا غرو في ذلك؛ لأن صناديق النذور تجلب الملايين من السفهاء والأغنياء، حتى لو خرج صاحب الضريح حياً لقتلوه مرة أخرى للمصلحة التي تعود إليهم! وهذه قصة تدل على جهل هؤلاء الذين يطوفون بالقبور يُذكر أن رجلين جاءا بجحش ودفناه، وأعدا له مقاماً ليطوف الناس به، وفعلاً عندما كان الناس يأتون إلى المسجد يطوفون بالقبر، وتقول: مقام سيدي جحش! فاختلف الرجلان على صندوق النذور -لأنه يجلب الكثير- فقال أحدهما للآخر: وهل نسيت أننا دفناه مع بعض؟ أي: أنه لا يفعل هذا الفعل إلا من لا عقل له ولا شرع عنده، ولذا فالمساجد ليست مكاناً للدفن، وليست مكاناً للقبور أبداً. وهنا شبهة عريضة يرددها بعض الناس: إن قبر النبي في مسجده، وهذا كذب وافتراء، فقبر النبي صلى الله عليه وسلم في حجرة عائشة، وكان المسجد يبعد عن الحجرة إلى أن جاء عبد الملك بن مروان في زمن الدولة الأموية فوسع المسجد وألحق به الحجرة، يعني: أن الأمر أولاً لم يكن في عهد الخلفاء الراشدين، والنبي عليه الصلاة والسلام قد نهانا أن ندفن في المسجد، فلم هذا الإصرار العجيب على هذا الفعل الذي يخالف الشرع؟! إن لم يكن فيه إلا ما يحدث من طواف وطلب للمدد فيكفي. وأذكر أن رجلاً نذر خروفاً للبدوي إن نجح ابنه في الثانوية -والنذر لغير الله شرك- فشاء الله أن يمرض الخروف، ثم شاء الله أن يموت الخروف، فإذا به يقول: يا بدوي لم استعجلت عليه؟ كنت سآتيك به بعد أيام! فأثبت له أنه يحيي ويميت من دون الله عز وجل، إنها سفاهة عقول خربة، حتى المرأة إذا أرادت الحمل قيل لها: اذهبي إلى مقام سيدي فلان، وطوفي به واذبحي له، إلى هذا الحد ما زلنا نقوم بهذه الأعمال الشركية، فإن تحدثنا ونهرنا ومنعنا قالوا: أصوليون، متحجرون، إرهابيون، رجعيون، متخلفون، وخذ المصطلحات الكثيرة من قاموس البذاءات، ونسأل الله العافية. وكذلك: لا يجوز الصلاة في الحمام والحش، أي: موضع قضاء الحاجة، وأعطان الإبل، أي: المكان الذي تبرك فيه، فهذه الأماكن الأربعة التي لا يجوز فيها الصلاة من سائر الأرض. قال الشارح: أما المقبرة والحمام؛ فلما روى أبو سعيد في سنن أبي داود، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام)، وأما الحش فبطريق التنبيه عليه بالنهي عن هذين الموضعين، أي: إن كان الحمام لا تجوز فيه الصلاة، فمن باب أولى الخلاء، وأما أعطان الإبل؛ فلما روى جابر بن سمرة كما عند الإمام مسلم: (أن رجلاً قال: يا رسول الله! أنصلي في مرابض الغنم؟ قال: نعم، قال: أنصلي في مبارك الإبل؟ قال: لا)، والنهي عن الصلاة في أعطان الإبل لعلتين: الأولى: أن الإبل بها شيطنة، فحينما تثور لا يستطيع أحد أن يقف في وجهها. الثانية: أن الإبل حينما تبرك تستر النجاسة التي تنفصل عنها، وهي مظنة النجاسة. ولذا قال الشارح: ولأنها مظنة النجاسة، فإن البعير إذا برك صار سترة للبائل -يعني: يستر البول- بخلاف الغنم فإنها لا تستر، فأقمنا المظنة مقام حقيقة النجاسة. بمعنى: أن الإبل قد تستر ما تحتها من نجاسة -وليس معنى ذلك أن بول الإبل نجس- فنظن أن هناك نجاسة، وطالما أننا نظن فلا نصل في ذلك الموضع. وأنا لست في مجال الحكم على الصلاة في المساجد التي بها قبور، فأقول: الصلاة باطلة أو

استقبال القبلة

استقبال القبلة قال المصنف رحمه الله تعالى: (الشرط الخامس: استقبال القبلة)، أي: أن استقبال القبلة شرط لصحة الصلاة؛ لقوله تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة:144]، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صلى في المدينة ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً إلى المسجد الأقصى، وكان بعد كل صلاة يقلب بصره في السماء سائلاً الله عز وجل أن يحول القبلة إلى المسجد الحرام، فأنزل الله عليه: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة:144]. ثم قال: (إلا في النافلة على الراحلة والعاجز)، فاستثنى اثنين من شروط استقبال القبلة: النافلة على الراحلة، والعاجز، كمريض مربوط، أو لا يستطيع أن يتحرك في سرير مرضه، أو أسير مربوط في اتجاه غير اتجاه القبلة، أو في صلاة الخوف؛ لأنه ليس من الحكمة أن أعطي ظهري للعدو وأصلي إلى القبلة.

سقوط استقبال القبلة للعاجز والمتنفل على الراحلة

سقوط استقبال القبلة للعاجز والمتنفل على الراحلة قال الشارح: (إلا في النافلة على الراحلة للمسافر فإنه يصلي حيث كان وجهه، لما روى ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسبح -يعني: يصلي- على ظهر راحلته حيث كان وجهه يومئ برأسه، وكان يوتر على بعيره صلى الله عليه وسلم، متفق عليه)، وعليه فيجوز للإنسان وهو في القطار أو في السيارة أو على البعير أو على الدابة أن يصلي وهو جالس، وليس شرطاً أن يستقبل القبلة، وقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة ساجداً على راحلته صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك يقول: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:115]، وهذا في صلاة النافلة على الراحلة فحسب، وأما في الفريضة فلا بد فيها من استقبال القبلة. ثم قال الشارح: (والعاجز عن الاستقبال لخوف أو غيره؛ لأنه فرض عجز عنه أشبه القيام؛ لأن الله قال: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة:239])، أي: صلوا قياماً على أرجلكم، أو وأنتم راكبون في حال القتال، ولذا فإن عجز عن استقبالها في حال الفرض جاز له أن يصلي إلى جهة غير القبلة، كالمسافر في الطائرة سفراً طويلاً، كيومين أو ثلاثة، فله أن يصلي إلى غير اتجاه القبلة؛ لأنه عاجز عن استقبالها، وله أن يصلي قاعداً إن عجز عن القيام، ولا يجوز له أن يؤخر الصلاة -طالما أنه مسافر- حتى يخرج وقت الصلاة الأخرى، كالظهر مع العصر، والمغرب مع العشاء، فحد أقصى أن يؤخر الظهر إلى آخر وقت العصر، أما أن يخرج وقت الظهر ويخرج وقت العصر، أو يخرج وقت المغرب ويخرج وقت العشاء ولا صلاة، فلا يجوز ذلك مطلقاً، وإنما يصلي حسب قدرته واستطاعته، لأن الله قال: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78]، وأما إن كان في سيارة وسيقف بعد ساعة أو ساعتين، فلا بد عليه أن ينتظر حتى يحقق القيام في الصلاة، ولا يجوز له أن يصلي إيماءً ويقول: إنه مسافر، بل طالما أنه يستطيع القيام واستقبال القبلة فلا بد من ذلك، وهذا الكلام في حال العجز التام عن استقبالها، والأمر ليس بيده.

إصابة عين الكعبة لمن كان قريبا منها وجهتها لمن كان بعيدا عنها

إصابة عين الكعبة لمن كان قريباً منها وجهتها لمن كان بعيداً عنها قال المصنف: (فإن كان قريباً منها -أي: الكعبة- لزمته الصلاة إلى عينها)، ففرق بين ثلاثة أشياء: من هو داخل المسجد الحرام، فهذا يستقبل عين الكعبة، ومن هو داخل مكة، فهذا يستقبل المسجد الحرام، ومن في أقطار الأرض، فهذا يستقبل مكة، وعليه فنحن نصلي إلى جهة مكة، ولا يقل قائل: نحن نصلي إلى جهة المسجد الحرام أو إلى الكعبة، ولعل هذا في سورة البقرة بين وواضح، فإذا كنت تصلي داخل المسجد فيلزمك أن تتوجه إلى الكعبة، وإن كنت تصلي في مكة فيلزمك أن تتوجه إلى المسجد الحرام، وإن كنت تصلي في خارج مكة فيلزمك استقبال مكة المكرمة؛ لأن مكة يطلق عليها المسجد الحرام، والراجح من أقوال أهل العلم: أن مكة كلها حرم، قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ} [البقرة:217]، فالمسجد الحرام المقصود به هنا: هو مكة بدون شك، وليس إخراج الناس من المسجد، بل من مكة، ولذلك يقول ربنا: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [التوبة:28]، فالمقصود بالمسجد الحرام هو مكة بإجماع المفسرين، فلا يجوز لمشرك أن يدخل مكة، ثم قال الله: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة:28]، أي: إن خفتم فقراً فلا تخافوا، أو خفتم أن ينقطع العون والمدد فما عند الله أكثر، أو خفتم أن تنقطع الإعانات والدعم فلا تحزنوا.

حكم الصلاة لمن خفيت عليه القبلة في الحضر

حكم الصلاة لمن خفيت عليه القبلة في الحضر ثم قال رحمه الله تعالى: (وإن كان بعيداً فإلى جهتها)، لأنه لا يستطيع إصابة العين بخلاف القريب. قال: (وإن خفيت القبلة في الحضر سأل واستدل بمحاريب المسلمين، فإن أخطأ فعليه الإعادة)، أي: إن كان لا يعرف جهة القبلة، واجتهد في تحديدها، ثم صلى وبان له خطؤه بعد ذلك، فصلاته صحيحة ولا إعادة عليه، وإن صلى دون أن يجتهد في معرفة القبلة، فيلزمه الإعادة، وإن صلى في مسجد وجاء آخر فقال له: القبلة في الجهة الأخرى، لزمه الاستدارة إلى اتجاه القبلة؛ لما ثبت أن أهل قباء استداروا في صلاة الفجر وهم يصلون بعد أن وصلهم خبر تحويل القبلة، ولم يسلموا ويخرجوا من الصلاة، وإنما استداروا في الصلاة. وقول المصنف: (واستدل بمحاريب المسلمين)، وكلمة: (المحاريب) قد يفهمها البعض بأنها التجويف الذي في الحائط، لا، بل المحاريب مكان الصلاة، قال تعالى: {فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ} [آل عمران:39]، أي: في مكان صلاته، لا في المكان المجوف الذي يعمله المسلمون اليوم، فهو من البدع المحدثة، وقد دفع ذلك الشيخ الجزائري بقوله: طالما أنه أقيم للإرشاد إلى جهة القبلة فليس بشيء، لكن الشيخ الألباني رحمه الله تعالى يرى أنه بدعة، والمهم أننا نمتثل خير الهدي، وخير الهدي هو هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فهل أقام عليه السلام تجويفاً في حائط؟ ما أقام عليه الصلاة والسلام، لكن أحياناً الضرورة تستدعي ذلك: كأن يكون المسجد ضيقاً، فإن دخل الإمام في هذا التجويف ترك صفاً، ففي هذه الحالة ليست للتعبد وإنما لسعة المسجد، فتختلف الأمور عند ذلك، والخلاصة: أن السنة أن لا تقام هذه التجاويف في الحوائط، وإنما المحاريب هي أماكن الصلاة.

حكم الصلاة لمن خفيت عليه القبلة في السفر

حكم الصلاة لمن خفيت عليه القبلة في السفر ثم قال رحمه الله تعالى: (وإن خفيت القبلة في السفر اجتهد وصلى ولا إعادة عليه)، وإن أخطأ؛ لأنه أتى بالمأمور فيخرج عن عهدة الأمر، ودليل أنه أتى بما أمر به: أنه اجتهد وليس عليه أكثر من الاجتهاد، وهو مأمور بالصلاة إلى الجهة التي يغلب على ظنه بعد الاجتهاد أنها جهة الكعبة، قال: (وإن اختلف مجتهدان لم يتبع أحدهما الآخر)، لأنهما تعارضا فتساقطا، ثم قال: (ويتبع الأعمى والعامي أوثقهما في نفسه) كما نقول في الأحكام.

شرط النية

شرط النية الشرط السادس: النية، وقد اعتبرها بعض العلماء ركناً، وبعضهم اعتبرها شرطاً، وهنا اعتبرها شرطاً، وقد فرقت سابقاً بين الركن والشرط، وعليه فالنية شرط لصحة الصلاة، ولا تصح الصلاة إلا بها، قبل دخوله الصلاة، فإن نوى أن يصلي الظهر فلا يجوز له أن يصلي العصر بنية الظهر، لأن الأعمال بالنيات، والنية محلها القلب، ويعبر عنها بالإرادة، وبالابتغاء وبالباعث، يقول ربنا عز وجل: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ} [الليل:19 - 20]، والابتغاء يعني: النية، وقال تعالى: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ} [آل عمران:152]، فالإرادة هنا بمعنى: النية، ولأنها عبادة أشبهت الصوم، ويجب أن ينويها بعينها إن كانت معينة ظهراً أو عصراً لتتميز عن غيرها، وإن كان سنة معينة كالوتر لزمه تعيينها، وإن لم تكن معينة كالنافلة المطلقة أجزأه نية الصلاة، لأنها غير معينة، والنية تقدم على التكبير بلا شك؛ لأنها لا بد أن تسبق أول أعمال الصلاة، وهي تكبيرة الإحرام. والله تعالى أعلم.

العدة شرح العمدة [13]

العدة شرح العمدة [13] يستحب للعبد عند المشي إلى الصلاة أن تكون خطاه متقاربة، وعليه السكنية والوقار، لأنه في صلاة ما قصد الصلاة، وإذا أتى المسجد شرع له الدخول مباشرة مع الإمام إذا كان قد شرع في الصلاة، كما أن على المصلي أن يلتزم بآداب الصلاة داخل المسجد وخارجه.

أمور في الصلاة يجب التنبيه عليها

أمور في الصلاة يجب التنبيه عليها قبل أن ندخل في باب: آداب المشي إلى الصلاة، أحب أن أتكلم وأنبه على أمور تحدث في الصلاة، فأقول: سأصلي أمامكم على المنبر، لحديث مالك بن الحويرث عند البخاري قال: ما أردت أن أصلي، ولكن أردت أن أبين لكم كيف صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذا فالتعليم بوسائل الإيضاح من أهم الوسائل لوصول ورسوخ المعلومة، لأننا في المساجد قد نجد واحداً يضع يده هكذا، والآخر هكذا، والثالث تحت السرة وهكذا، كما نجد أيضاً عند الاعتدال من الركوع يرفع البعض يديه، وفريق آخر لا يرفع، مع أن الثابت أن يرفع المسلم يديه عند الرفع من الركوع خلافاً للمالكية، لأنهم لا يعملون بخبر الآحاد إذا خالف عمل أهل المدينة، وهذا كلام في أصول المالكية. والمهم أنني أريد أن أقول: إننا نختلف بجوار بعضنا البعض في كيفية الصلاة! رغم أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، ونقل الصحابة لكيفية صفة صلاته عليه الصلاة والسلام بل حتى عندما كان يقرأ في الصلاة وأصابته عطسة فقطع القراءة وركع، وتحريك الأصبع في التشهد، ووضع اليدين على الركبتين في حال الركوع، كل ذلك نقلوه عن النبي عليه الصلاة والسلام نقلاً دقيقاً، وعليه فلا يجوز للمسلم أن يخالف في ذلك. أيضاً: التأمين فلا زلنا نخطئ فيه ونصر على الخطأ، قال شيخنا العلامة الألباني رحمه الله تعالى: إنه لا بد حتى يحصل المأموم على الأجر أن يوافق تأمينه تأمين الإمام. أما نحن فحالنا أننا نسبق الإمام بالتأمين، فبمجرد أن يقول: {وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7]، نقول بسرعة: آمين، والإمام لم يشرع بعد في قول آمين، بينما لو وافق تأمين المأموم للإمام غفر له ما تقدم من ذنبه. كذلك: تجد البعض عندما يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام أو عند الركوع أو عند الرفع من الركوع يرفعهما وكأنه ينش الذباب، أو يرفعهما بكسل جداً، أو يرفعهما كالسيف! والسنة الثابتة عن النبي عليه الصلاة والسلام أن تكون الأصابع متجهة إلى القبلة، وفي حذو المنكبين تحت شحمة الأذنين، لحديث أبي داود رحمه الله تعالى. لكن تعال في زمننا اليوم، فتجد أن كل واحد يرفع يديه حسب هواه، وكيفما أراد، بل بعضهم قد لا يرفع أبداً، ولذلك حينما نتعلم كيفية صفة الصلاة لا بد أن ننقلها إلى العباد في كل مسجد، فنقول: إن صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم هي: أن يكبر المسلم تكبيرة الإحرام، ثم يضع اليمنى على اليسرى في أول الصدر، ثم يقول دعاء الاستفتاح وينظر إلى محل سجوده، ثم يقرأ الفاتحة، ثم يركع، ثم يرفع من الركوع، ثم يسجد على سبعة أعظم، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم، وأن لا أكف يداً ولا شعراً)، ونعمل ذلك عملياً أمام الناس، ثم يبين حركة الإصبع عند التشهد، ثم ينقل الخلاف: هل النزول إلى السجود على الركبتين أم على اليدين؟ فالشيخ أبو إسحاق يرى النزول على اليدين أولاً، وابن القيم في زاد المعاد يقول: لا بد من النزول على الركبتين، والراجح: النزول على اليدين، وسأبين سبب ذلك إن شاء الله تعالى، والمهم حركة الإصبع في التشهد، لأننا نجد البعض قد يعمل بأصابعه هكذا، فيقبضها ثم يبسطها، والسنة أن تكون الأصبع تجاه القبلة لا تتحول عنها، والبعض الآخر قد يحلق بإصبعه كذا، والذي بجانبه متضايق منه، والبعض أيضاً: عندما يقف في الصف يريد أن يضع رجله في رجل الذي بجانبه، بل وربما قد يضعها فوق رجل أخيه! والبعض كذلك: قد يفتح رجليه مائتين وثمانين درجة! فيقف في الصف مباعداً بين رجليه، وكذلك بعض الناس قد يقف في الصلاة مكتوفاً هكذا، وهو يظن أنه على حق، وسأنقل لكم الكيفية بالنصوص، والجمع بين الأدلة كما وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأموراً أخرى عجيبة في الصلاة نراها ولا حول ولا قوة إلا بالله.

آداب المشي إلى الصلاة

آداب المشي إلى الصلاة وسنشرع في باب: (آداب المشي إلى الصلاة) فنقول: قال المصنف رحمه الله تعالى: [يستحب المشي إلى الصلاة بسكينة ووقار، ويقارب بين خطاه، ولا يشبك أصابعه، ويقول: باسم الله: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} [الشعراء:78] الآيات إلى قوله: {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:89]، ويقول: (اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وبحق ممشاي هذا، فإني لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا رياءً ولا سمعةً، خرجت اتقاء سخطك، وابتغاء مرضاتك، أسألك أن تنقذني من النار، وأن تغفر لي ذنوبي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)، فإذا سمع الإقامة لم يسع إليها؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وائتوها وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا). وإذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة، وإذا أتى المسجد قدم رجله اليمنى في الدخول، وقال: باسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج قدم رجله اليسرى وقال ذلك، إلا أنه يقول: وافتح لي أبواب فضلك].

المشي إلى الصلاة بسكينة ووقار

المشي إلى الصلاة بسكينة ووقار يستحب المشي إلى الصلاة بسكينة ووقار، لأن العبد إذا خرج من بيته فهو في صلاة، فإذا أتى والإمام ساجد، فلا ينتظر حتى يقوم، فإن ذلك فيه مخالفة للنص: (فما أدركتم فصلوا)، وكذلك إذا أتاه وهو قائم أو راكع، لكن البعض قد يجد الإمام ساجداً فيقول: قد فاتت الركعة، ولا يدخل مع الإمام، فنقول له: هب أن ملك الموت أتاك وأنت خارج الصلاة، ولم تدخل بعد، فكان الأفضل لك أن يأتيك وأنت داخل الصلاة، وكذلك النص فيه: أن المأموم يدخل مع الإمام على أي هيئة كان. وتعال إلى بعض المساجد، فتجد أن المأموم يدرك الإمام وهو راكع، فيريد المأموم أن يدرك الركعة، فيقول بصوت حتى يسمعه الإمام: إن الله مع الصابرين! فهذا العمل لا يجوز، لأن العبد مأمور بأن ما أدركه من الصلاة صلى، وما فاته أتم.

مقاربة الخطا عند المشي إلى الصلاة

مقاربة الخطا عند المشي إلى الصلاة قول المصنف: (ويقارب بين خطاه)، أي: يكثر من خطواته عند ذهابه إلى المسجد، لأن تلك الخطوات مكتوبة له في صحائف عمله، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [يس:12]، فخطوة ترفعك درجة، وخطوة تحط عنك خطيئة، وهذا ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم كما في مسند ابن حميد رحمه الله تعالى، وكذلك فعله أنس وهو يسير مع تلميذه ثابت البناني، قال ثابت: كنت أسير مع أنس بن مالك فضيق الخطا، فقلت: يا أنس ما هذا الذي تصنعه؟ فقال: أما تعلم يا ثابت أن خطواتنا إلى بيت الله عز وجل تكتب في صحائف أعمالنا؟ وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلاً كلما غدا أو راح)، وقال عليه الصلاة والسلام: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط).

النهي عن تشبيك الأصابع في الصلاة

النهي عن تشبيك الأصابع في الصلاة وقوله: (ولا يشبك أصابعه)، أي: في الصلاة، وعند الإتيان إليها، والبخاري رحمه الله تعالى قد أورد حديثاً في صحيحه، فيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين ناسياً، ثم قام إلى مؤخرة المسجد وشبك بين أصابعه)، فقام رجل يقال له ذو اليدين: يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ما قصرت الصلاة ولا نسيت، ثم قال: أحقاً ما قال ذو اليدين؟، - وفي القوم أبو بكر وعمر - فقالوا: نعم يا رسول الله، ثم صلى بهم ركعتين وسجد للسهو بعد التسليمتين، فكيف نجمع بين النهي عن التشبيك بين الأصابع في الصلاة وبين هذا الحديث الذي ورد فيه: (وشبك بين أصابعه)؟ قال ابن حجر في الفتح: إن فعل النبي صلى الله عليه وسلم كان بعد انصرافه من الصلاة، أما والمسلم في صلاة أو هو آتٍ من بيته إلى المسجد فلا يجوز ذلك، ولذلك بوب البخاري رحمه الله تعالى في كتاب الصلاة باب: (تشبيك الأصابع في المسجد)، ليجمع بين النصوص التي تنهى عن التشبيك، والنصوص التي تبين أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فعله.

صلاة ركعتين عند دخول المسجد

صلاة ركعتين عند دخول المسجد ثم قال المصنف رحمه الله تعالى: (ويقول: "اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك ")، هذا الدعاء ليس عليه دليل، وإنما الصواب أن يقول دعاء الخروج من البيت: (اللهم اجعل في سمعي نوراً، وفي بصري نوراً، وفي قلبي نوراً، وفي لساني نوراً، ومن خلفي نوراً، ومن فوقي نوراً، وعن يميني نوراً، وعن يساري نوراً، واجعل لي نوراً)، وهذا هو الثابت في دعاء الخروج، فإذا وصل إلى المسجد دخل برجله اليمنى - وكم أحزن عندما أجد مسلماً يدخل المسجد برجله اليسرى - وقال: باسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنبي وافتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج خرج برجله اليسرى وقال: باسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنبي وافتح لي أبواب فضلك. ويستحب له أن يصلي ركعتين تحية المسجد، وإن كان دخوله في وقت سنة صلى السنة وأجزأته عن التحية، وإن كان دخوله والناس يصلون فرضاً صلى معهم وأجزأته عن تحية المسجد، وعليه: فالمهم أن يكون أول فعل يفعله عند دخوله المسجد أن يصلي. وكذلك يوم الجمعة إذا جاء والإمام يخطب فليصل ركعتين خفيفتين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من جاء والإمام يخطب فليصل ركعتين خفيفتين)، ومن باب أولى من جاء إلى حلق العلم، فلا يجوز له أن يجلس حتى يصلي ركعتين.

الانتظار للصلاة صلاة

الانتظار للصلاة صلاة ثم ينتظر في مصلاه حتى يأمر الإمام المؤذن بالإقامة، وهذه هي السنة عن نبينا صلى الله عليه وسلم، لا كما يفعله بعض الناس في المساجد، فتجد أحدهم يأمر المؤذن بالإقامة أو ربما قد يحدث فوضى في المسجد، ونسي أن هناك آداباً للمسجد لابد أن تراعى، بل الأعجب من ذلك أن تجد بعض المصلين يصلون لحالهم ثم ينصرفون قبل الجماعة الكبرى، وهذين مثالين يبينان جهل الناس بهذا الأمر: الأول: لو أن بعض الناس دخلوا مسرحاً، وأخبروا بأن الستار سيرفع في الثامنة، فقال أحدهم: بل في الثامنة إلا خمس! لقالوا له: ما شأنك أنت؟! ولا يمكن أن يؤمر برفع الستار إلا في الوقت المحدد، والمخرج الفني هو الذي يأمر بذلك، والجمهور كأن على رؤوسهم الطير. الثاني: أن الحكم هو الذي يأمر ببداية المباراة ونهايتها، فهو الذي يملك تحديد الوقت، الوقت الضائع والوقت بعد الضائع، وهو الذي ينظر ويعطي الأمر بالإشارة، ولا يقوم بذلك أحد غيره.

إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة نافلة

إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة نافلة قوله: (وإذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة)، أي: إذا أقيم للصلاة فلا يجوز التنفل، خلافاً للأحناف؛ لأن أفضل وقت عندهم للصلاة هو آخره وليس أوله، وهذا تجده كثيراً في الحرم المكي، فتجد الشيخ يصلي الفجر وبعضهم يصلي السنة، والحديث حجة عليه: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة)، وهذا ليس فيه جدال، لكن لو أقيمت الصلاة والمسلم يصلي النافلة، فما الحكم؟ A أنه بالخيار، فإن استطاع أن يتم قبل أن يدخل الإمام في تكبيرة الإحرام ودعاء الاستفتاح فليتم، لأن الإقامة وتكبيرة الإحرام تحتاج إلى وقت، لكن لو أنه في الركعة الأولى وأقيمت الصلاة، ففي هذه الحالة يخرج من الصلاة دون تسليم، وهذا اختيار فقهائنا، والله تعالى أعلم. وأما صلاة النافلة بعد الفجر فتجوز، أي: صلاة سنة الفجر إن فاتت.

العدة شرح العمدة [14]

العدة شرح العمدة [14] علم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه كل دقائق الصلاة، وهم نقلوا لمن بعدهم كل أفعاله في اختلاف أحواله عليه الصلاة والسلام، فلابد للمسلم من الحرص على تتبع هديه ومعرفة كيف صلى؛ حتى يصلي صلاة صحيحة موافقة لصلاة نبيه صلى الله عليه وسلم.

صفة الصلاة

صفة الصلاة الحمد لله رب العالمين، الذي أحسن كل شيء خلقه، وبدأ خلق الإنسان من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر:3]. وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فنشرع بعون الله وفضله وتوفيقه في كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم حيث أمرنا أن نصلي كما صلى، فقال: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، وفي الحديث: أنه رأى رجلاً يسيء في صلاته -وما أكثر من يسيء في صلاته- فقال له: (ارجع فصل فإنك لم تصل)، فأمره بإعادة الصلاة؛ لأنه لم يصل على الكيفية التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم. والمتأمل في حال الأمة اليوم يجد أن كثيراً من الناس يصلي وهو لا يصلي؛ لأنه يجهل كيف صلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كنا في مسجد واحد نختلف فيما بيننا، فهذا يرفع وهذا لا يرفع، وهذا يضع يده على صدره وهذا يضع يده تحت سرته، وهذا يضعها عن يساره، وهذا يضعها عن يمينه إلى غير ذلك من الاختلاف الذي لا ينبغي أن يكون، لاسيما بين أهل السنة الذين يلتزمون بسنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك خصصت هذا الحديث عن صفة صلاة النبي عليه الصلاة والسلام، مع اعتبار أن هناك أموراً فيها خلاف بين العلماء، سنحصرها ثم نبين الراجح منها، مع العلم أنك قد تختلف معي في وجهة النظر في هذه المسألة، لكن سأذكر الرأي الراجح نقلاً عن أهل العلم. ومن هذه المسائل: مسألة وضع اليمنى على اليسرى بعد الاعتدال من الركوع. ومسألة النزول إلى السجود: هل يكون على الركبتين أم على اليدين قبل الركبتين؟ ومسألة تحريك السبابة في التشهد: هل تحرك أم لا تحرك؟ وما الفرق بين الحركة والقبض والبسط؟ ومسألة: الفرق بين التورك والافتراش، ومتى تتورك ومتى تفترش؟ ولبيان صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم أقرأ أولاً متن العدة، ثم أقوم بالشرح والتعليق مع بيان المرجوح في هذا الكتاب من أقوال العلماء. قال رحمه الله: [باب صفة الصلاة: إذا قام إلى الصلاة قال: الله أكبر، يجهر بها الإمام، وبسائر التكبير ليسمع من خلفه، ويخفيه غيره، ويرفع يديه عند ابتداء التكبير إلى حذو منكبيه أو إلى فروع أذنيه، ويجعلهما تحت سرته، ويجعل بصره إلى موضع سجوده، ثم يقول (سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك)، ثم يقول: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ} [الفاتحة:1] ولا يجهر بشيء من ذلك؛ لقول أنس: (صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحداً منهم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم). ثم يقرأ الفاتحة، ولا صلاة لمن لم يقرأ بها إلا المأموم، فإن قراءة الإمام له قراءة، ويستحب أن يقرأ في سكتات الإمام وفيما لا يجهر فيه، ثم يقرأ بسورة تكون في الصبح من طوال المفصل -بكسر الطاء- وفي المغرب من قصاره، وفي سائر الصلوات من أوسطه، ويجهر الإمام بالقراءة في الصبح والأولين من المغرب والعشاء، ويسر فيما عدا ذلك. ثم يكبر ويركع ويرفع يديه كرفعه الأول، ثم يضع يديه على ركبتيه ويفرج أصابعه، ويمد ظهره، ويجعل رأسه حياله، ثم يقول: سبحان ربي العظيم. ثلاثاً. ثم يرفع رأسه قائلاً: سمع الله لمن حمده، ويرفع يديه كرفعه الأول، فإذا اعتدل قائماً قال: ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، ويقتصر المأموم على قول: ربنا ولك الحمد. ثم يخر ساجداً مكبراً، ولا يرفع يديه، ويكون أول ما يقع منه على الأرض ركبتاه ثم كفاه ثم جبهته وأنفه، ويجافي عضديه عن جنبه، وبطنه عن فخذيه، ويجعل يديه حذو منكبيه، ويكون على أطراف قدميه، ثم يقول: سبحان ربي الأعلى. ثلاثاً. ثم يرفع رأسه مكبراً، ويجلس مفترشاً، فيفرش رجله اليسرى ويجلس عليها، وينصب اليمنى ويثني أصابعها نحو القبلة، ويقول: رب اغفر لي. ثلاثاً. ثم يسجد السجدة الثانية كالأولى، ثم يرفع رأسه مكبراً وينهض قائماً، فيصلي الثانية كالأولى. فإذا فرغ منهما جلس للتشهد مفترشاً، ويضع يده اليسرى على فخذه اليسرى، ويده اليمنى على فخذه اليمنى، يقبض منهما الخنصر والبنصر، ويحلق الإبهام مع الوسطى، ويشير بالسبابة في تشهده، ويقول: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. فهذا أصح ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد يقول: اللهم صل على محمد

معنى تحية المسجد

معنى تحية المسجد تحدثنا فيما مضى عن آداب المشي إلى المسجد، فإذا دخل المسجد يدخل برجله اليمنى ويقول: (باسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنبي وافتح لي أبواب رحمتك). فإذا دخل إلى المسجد صلى تحية المسجد، وإذا كان هناك سنة راتبة للفريضة تجزئ عن تحية المسجد؛ لأن تحية المسجد معناها أن يكون أول فعل للقادم للمسجد هو الصلاة؛ فإن صلى نافلة أجزأ، وإن وجدهم في الفريضة أجزأ، هذا معنى تحية المسجد، فحينما يدخل يصلي صلاة النافلة الثابتة للفريضة عن النبي عليه الصلاة والسلام، ثم يجلس -والعبد في صلاة ما دام ينتظر الصلاة- يستغفر ويتأدب بآداب المسجد حتى تقام الصلاة.

وقت قيام المصلي لصلاة الجماعة

وقت قيام المصلي لصلاة الجماعة متى يقوم المصلي للصلاة؟ خلاف بين العلماء، والراجح أنه يقوم إذا شرع المؤذن في الإقامة ورأى الإمام؛ لما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تقوموا حتى تروني) وهو الإمام، فلا يجوز للمأموم أن يقوم إلا إذا رأى الإمام، سواء في أول القيام أو أوسطه أو آخره، الكل سواء، وليس معنى ذلك أن ينتظر حتى يقول: قد قامت الصلاة كما قال بعض العلماء، لا. إنما بمجرد أن يرى الإمام ويشرع المؤذن في الإقامة، فله أن يقوم. وهذا هو القول الراجح، ولكن نحن نقوم أحياناً ولم يشرع المؤذن في الإقامة، وهذا خطأ موجود في المساجد يقع فيه الكثير، نعم أنت رأيت الإمام ولكن لابد لكي تقوم أن يشرع المؤذن في الإقامة، ولا تقوم حتى ترى الإمام. والعلة في ذلك: أنك ربما تقوم ويتأخر الإمام أو يعرض له عارض، لما في البخاري: أنه صلى الله عليه وسلم قام ليصلي بأصحابه، وبعد أن سواهم وتوجه إلى القبلة تذكر أنه جنب -والنسيان هنا للتشريع- فقال لهم: كما أنتم. ودخل واغتسل وخرج وهم قيام، ولم يأمر بالإقامة مرة أخرى. يقول ابن حجر في الفتح معلقاً: (وفي الحديث بيان أنه ربما يعرض للإمام عارض فيظل المأموم على حاله) وهب أنك قمت ولم تر الإمام، ثم تأخر الإمام لعارض، فإنك تظل قائما؛ ً فإذاً لا قيام إلا حينما ترى الإمام.

تسوية الصفوف في الصلاة

تسوية الصفوف في الصلاة إذا قام الإمام إلى الصلاة ليصلي فإن أول أمر يجب عليه فعله هو أن يسوي الصفوف، لأن تسوية الصف من تمام الصلاة، وتسوية الصفوف تتم عن طريق لزق المنكب بالمنكب، يعني: الكتف بالكتف، والكعب بالكعب، وليس معنى ذلك: أن تكون كذلك طوال الصلاة، لكن المقصود هو المحاذاة، وليس المقصود أن تضايق من بجوارك، وتضع قدمك فوق قدمه، فإن الدكتور بكر أبو زيد له كتاب اسمه: لا جديد في أحكام الصلاة، ذكر فيه هذا، وبين أن المقصود هو: المحاذاة، والعلة هي المحاذاة، فإن تم التحاذي انتهت العلة. ولا تترك للشيطان فرجة كما يأمر بذلك النبي عليه الصلاة والسلام، وينبغي على الإمام أن يقوم بتسوية الصف، فإن رأى من تقدم أخره، وهذا أمر واجب على الإمام: أن يسوي الصفوف قبل الشروع في الصلاة.

هيئة رفع اليدين للتكبير

هيئة رفع اليدين للتكبير يبدأ المصلي الصلاة برفع يديه حذو منكبيه أو بمحاذاة شحمة الأذن، وهذا ثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام، والراجح: أن تجعل أصابعك مبسوطة منفردة متجهة إلى القبلة حذو المنكبين أو بمحاذاة شحمة الأذنين، فتكون الكف متجهة إلى القبلة والأصابع واقفة قائمة مبسوطة ومضمومة حذو المنكبين أو بمحاذاة شحمة الأذنين، وهذا هو الموضع الأول للرفع. وللرفع أربعة مواضع: الموضع الأول: عند تكبيرة الإحرام. الموضع الثاني: عند الركوع، والتكبير في الركوع يكون أثناء الحركة؛ لأن البعض يكبر بعد أن يركع وهذا لا يجوز؛ لأنه جعل التكبير من ذكر الركوع، أو يكبر وهو قائم ثم يركع، إنما الوارد أن يكون الركوع أثناء الحركة. إذاً: أول تكبيرة هي الإحرام، والإحرام ركن من أركان الصلاة، ولها كيفية: يقول: الله أكبر. ثم يضع اليمنى على اليسرى، وكيف يضع اليمنى على اليسرى؟ البعض يضعها تحت السرة كقول المذهب، وهذا ضعيف، والبعض يضع اليمنى على اليسرى في الناحية اليسرى أسفل السرة، وهذا أيضاً ضعيف، والثابت: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضع اليمنى على اليسرى على أول الصدر، إما أن يضع وإما أن يقبض، كلاهما وارد. روى البخاري أن ابن عباس قام يصلي بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع اليسرى على اليمنى فجذبه النبي صلى الله عليه وسلم ووضع اليمنى على اليسرى، وفي رواية: أنه وقف عن يساره فجذبه فجعله عن يمينه. ثم بعد تكبيرة الإحرام ووضع اليمنى على اليسرى ينظر إلى موضع السجود، أو إلى إمامه كلاهما ثابت، والنظر إلى موضع السجود أدعى للخشوع، فقد روى البخاري أن الصحابة في صلاة الكسوف نظروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: (يا رسول الله! ما لك تكعكعت وأنت تصلي؟) يعني: تراجعت، فما الذي جعلهم يرونه وهو يتراجع إلا أنهم كانوا ينظرون إليه، وهناك أكثر من حديث يثبت أنهم كانوا ينظرون إلى الإمام، ولذلك فإن من شروط الجماعة أن تتصل الصفوف ويرى كل صف الصف الذي أمامه حتى يتأسى به في الركوع والسجود.

دعاء الاستفتاح

دعاء الاستفتاح بعد وضع اليمنى على اليسرى على أول الصدر يبدأ بقراءة دعاء الاستفتاح، وله صيغ متعددة منها عن أبي هريرة وعمر الذي أورده المصنف هنا، وأنت بالخيار في دعاء الاستفتاح الذي تفتتح به الصلاة. الأول: كان النبي عليه الصلاة والسلام بعد تكبيرة الإحرام يسكت قبل أن يقرأ، فقال أبو هريرة: (بأبي أنت وأمي يا رسول الله! ماذا تقول عند سكوتك في الصلاة؟ قال: أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد)، هذا دعاء. وربما يقول قائل: وهل للنبي خطايا؟ و A الأنبياء عصمهم الله من كبائر الذنوب قبل البعثة وبعد البعثة، وعصمهم من صغائر الخسة كالنظر إلى المرأة الأجنبية، إنما الصغائر إن وقعت من الأنبياء فإنها تقع بدون عذر ولا إصرار، وفي الحال يعاتبون أنفسهم ويتوبون إلى ربهم، ويكون حالهم بعد التوبة أفضل من حالهم قبلها. هذا رأي أهل السنة والجماعة؛ لأن الأنبياء بشر، والذين قالوا بعصمتهم من كل الصغائر هم المعتزلة، وشيخ الإسلام له تفصيل في هذه المسألة. الثاني: دعاء عمر وهو: (سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك). الثالث: (إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) من العلماء من قال: يجوز أن تقول (أول) ومنهم من قال: يجب أن تقول (وأنا من المسلمين)، والراجح أن تقول: (من)؛ لأن أول المسلمين هذه رتبة للنبي عليه الصلاة والسلام. ودعاء الاستفتاح يشرع لكل صلاة حتى النافلة ما عدا صلاة الجنازة؛ لأنه ليس فيها ركوع ولا سجود بل هي على سبيل التخفيف، فلا يشرع فيها دعاء الاستفتاح.

قراءة الفاتحة

قراءة الفاتحة بعد تكبيرة الإحرام ووضع اليمنى على اليسرى ودعاء الاستفتاح يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم، ثم يبدأ في قراءة فاتحة الكتاب، ولا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب. والصلاة بالنسبة لقراءة الفاتحة أمرها خطير، فإذا لحن بحرف في الفاتحة بطلت الصلاة، والبعض لا يخرج لسانه في الذال من (الذين) فيقول: الزين، فيغير المعنى، أو يحذف حرفاً أو يغير تشكيلاً (أنعمتَ) يقول: (أنعمتُ) وهذا صلاته باطلة، لذا ينبغي أن تكون قراءة الفاتحة قراءة صحيحة. {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] الباء هنا مشددة. {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:3] فإن كان ألثغاً فلا يؤم إلا من على شاكلته، يعني: واحد يقول: (الغحمان الغحيم) قلب الراء إلى غين، هذا لحن رغم إرادته، نقول له: لا تصل إماماً إلا بمن على شاكلتك؛ لأنه لا يجوز للألثغ أن يؤم أصحاء، {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:3 - 6] البعض يقول: (المستكيم) فيبدل القاف كافاً، فهذا صلاته باطلة، {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7]. أيضاً (مالكِ) يقول: (مالك) وهذا لحن جلي يبطل الصلاة، كل ذلك لابد أن نعلمه الناس، فلابد للمصلي أن يقرأ الفاتحة قراءة صحيحة على يد شيخ، يراجعها على يد من يجيد القراءة، ليس هناك مشكلة مطلقاً في هذا، و (مالك) ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم بوجهين (ملك) و (مالك). ثم ينبغي له إن كان منفرداً أن يقول: (آمين) مع نفسه، وإن كان مأموماً أن يوافق تأمينه تأمين الإمام، وهذا خطأ منتشر؛ لأن الكثير يسبق الإمام، وينبغي للمأموم أن يوافق الإمام. هذا الخطأ الأول. الخطأ الثاني: أنه ينطقها خطأً فيقول: (آمين) فيمدها زيادة، إنما (آمين) مد بدل، قلبت الهمزة ألفاً، تمد بقدر حركتين، إذاً: الصحيح أن يقول: (آمين) ليس (آآآ) مثل كل المساجد يطيلونها إلى أربع أو ست حركات بينما هي حركتين فقط. الخطأ الثالث: أن يوافق المأموم الإمام، والآن الإمام هو من يوافق المأموم، فيقول الإمام: (ولا الضالين) قبل أن يصل على (ين) تجد من يقول (آمين)، لا. لابد أن ننتظر، وهذا هو السائد في المساجد، أول ما يقول: (ين) تجد من يقول (آمين) مباشرة، لابد أن ننتظر حتى يبدأ الإمام؛ لأن الحديث: (فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه) فلابد من الموافقة، وهذا صعب في كثير من المساجد. الخطأ الرابع: لا ينبغي أن يقول: (آمّين) يعني: قاصدين، وهذا خطأ فادح. ويلاحظ: أنه إن لم يسمع في الصفوف الخلفية الإمام يسمع من أمامه، لذلك نقول: ينبغي للصفوف أن تتصل حتى نتأسى بمن بين يديه.

أحكام البسملة

أحكام البسملة أما الجهر بالبسملة ففي حديث أنس أنه قال: (صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وخلف أبي بكر وخلف عمر وخلف عثمان فما سمعتهم يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم، إنما كانوا يسرون بها) يعني يقول: {بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ} [الفاتحة:1] يسرها في نفسه. وابن القيم له رأي: أنه يسر بها أحياناً ويجهر بها أحياناً. أولاً: هل البسملة آية من الفاتحة أم لا؟ هي آية من آيات القرآن الكريم نزلت للفصل بين السور، ولكن العلماء اختلفوا في حكمها في فاتحة الكتاب، فـ الشافعي قال: هي آية، ولابد من الجهر بها، وإنما مناط الخلاف هو في السر أم الجهر. كان النبي صلى الله عليه وسلم يسر بها أحياناً ويجهر بها أحياناً، وكان سره أكثر من جهره، لكن شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: إن صليت بأناس يحبون أن تجهر فاجهر، ولا تجعل المسألة خلافية؛ لأن البعض ينزل إلى قرى ويصر على عدم الجهر، فيحدث فتنة وهو يظن أنه يحسن صنعاً، بينما الجهر وارد والسرية واردة، فلا داعٍ للخلاف، وحديث أنس الذي أورده المصنف هنا أنه صلى خلف النبي عليه الصلاة والسلام فما سمع (بسم الله الرحمن الرحيم) كان في الصلاة الجهرية.

القراءة بعد سورة الفاتحة

القراءة بعد سورة الفاتحة بعد قراءة الفاتحة والتأمين يشرع الإمام في قراءة ما تيسر من القرآن، والقراءة فيها تفصيل، قال المصنف هنا: (يقرأ من المفصل في الفجر والمغرب والعشاء) ما هو المفصل؟ قسم علماء علوم القرآن القرآن إلى أقسام: الأول: السبع الطوال، وهي البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف والأنفال والتوبة أو يونس على خلاف في السابعة. هذه السور اسمها السبع الطوال، وورد أن النبي صلى بغير المفصل. الثاني: المئين: وهي بعد السبع الطوال، وهي السور التي عدد آياتها يزيد عن المائة قليلاً. الثالث: المثاني: وهي السور التي يقل عدد آياتها عن المائة، وسميت بالمثاني لسرعة الفصل بين بعضها البعض وبين آياتها. الرابع: المفصل: ويبدأ من سورة (ق) أو الحجرات -على خلاف في ذلك- إلى آخر المصحف، والمفصل قسموه إلى ثلاثة أقسام: طوال المفصل -بكسر الطاء- وأوسط المفصل، وقصار المفصل، وبالنسبة لطوال المفصل فمن (ق) إلى النبأ {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} [النبأ:1] فهذا يسمى الطوال، وبالنسبة لأوسط المفصل يبدأ من النبأ إلى الضحى أو البروج -على خلاف- ومن البروج إلى آخر القرآن يسمى القصار، ولا يقال: صغار القرآن، فليس فيه صغار، وإنما قصار المفصل، فكان النبي عليه الصلاة والسلام يقرأ في الفجر بطوال المفصل. أقول: بعد قراءة الفاتحة يقرأ الإمام ما تيسر من القرآن، وإن قرأ الفاتحة فقط ركع فصلاته صحيحة؛ لأن الفاتحة هي الركن، وما زاد عن الفاتحة من مستحبات الصلاة، يعني: إن أخطأ في قراءة (ق) فصلاته صحيحة، حتى لو لحن لحناً جلياً. ولنفترض أنه لا يحفظ الفاتحة فعليه أن يقرأ ما تيسر من القرآن بقدر الفاتحة، وهب أنه لا يحفظ شيئاً من القرآن، فإنه يسبح سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. هل يلزم المأموم أن يقرأ الفاتحة في الصلاة الجهرية؟ خلاف بين العلماء، فمنهم من قال: لابد من القراءة، وشيخ الإسلام ابن تيمية قال: قراءة الإمام قراءة للمأموم، إلا أن الشيخ ابن عثيمين يرى أن حديث ابن حبان حجة، وهو أن الصحابة كانوا ينازعون النبي في الفاتحة، فقال لهم: (لعلكم تنازعوني، قالوا: نعم، قال: لا تفعلوا إلا بأم الكتاب). يعني: إذا قال الإمام: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] فقل أنت: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2]، وإذا قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:3] فقل: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:3] وهذه منازعة، أو يسكت الإمام بعد الفاتحة سكتة خفيفة يمكن أن تقرأ فيها الفاتحة، وهذه السكتة فيها خلاف، لكن الراجح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسكت سكتة خفيفة لا تتسع لقراءة الفاتحة، بل إن بعض العلماء رأى أن يقرأ المأموم الفاتحة في حال السكتات في القرآن، {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:2 - 3] فحينما ينتقل إلى آية أنا أقرأ آية من الفاتحة، فبعضهم رأى هذا، والأحوط أن تقرأ (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب). إذاً: يستحب في الفجر أن يقرأ بطوال المفصل؛ لأن الفجر ركعتان، وقرآن الفجر مشهود، فيستحب أن يطيل الإمام في القراءة، أما في المغرب فقد كان يقرأ من قصار المفصل، وفي العشاء من أوسط المفصل، المهم أن يقرأ ما تيسر من القرآن. ومسألة القراءة تحتاج إلى بسط أوسع، فقد كان يقرأ في الفجر أحياناً من السبع الطوال، وقرأ مرة الزلزلة في الركعة الأولى، والزلزلة في الركعة الثانية في الفجر كذلك، ولو فعل واحد منا اليوم هذا لقالوا: لا يحفظ، يعيد الزلزلة مرتين، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها وهذا من السنة. كما أن هناك بعض السور ثبت أنه عليه الصلاة والسلام كان يكررها في صلواته.

هيئة الركوع والرفع منه

هيئة الركوع والرفع منه الحالة الثانية: رفع اليدين عند الركوع، وعند الركوع ينبغي أن ننتبه إلى ظهر الراكع أن يكون مستوياً، وإلى موضع اليدين على الركبتين، حيث تكون مفتوحتين كأنه يمسك بهما، ورفع اليدين عند الركوع ثابت من حديث ابن عمر أنه كان يرفع يديه قبل الركوع، فيرفع ثم يكبر ويركع عند الانتقال، وفي الركوع لابد أن يكون الظهر مستوياً، ولا يرفع الرأس ولا يخفضه، واليد تكون على الركبة مفتوحة الأصابع، مقبوضة على الركبة والظهر مستوياً، بحيث إذا سقط عليهما استقر، ولا صلاة لمن لم يركع بهذه الطريقة، ولابد أن تطمئن راكعاً، ولو اطمأن راكعاً وخفض الرأس فصلاته صحيحة لكنه خالف. ثم يقول وهو راكع: سبحان ربي العظيم، (صلوا كما رأيتموني أصلي) لا يسبح في عجالة بل يخشع ويطمئن، وبعض الأئمة لا يطمئن راكعاً، وإن سبح واحدة باطمئنان أجزأه، ثم يقول إن شاء: سبوح قدوس رب الملائكة والروح؛ لحديث: (فأما الركوع فعظموا فيه الرب)، ومن التعظيم أن تقول: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي)، والحديث في البخاري عن عائشة قالت: (كان يتأول القرآن). ثم يعتدل قائلاً: سمع الله لمن حمده. ويرفع يديه مرة أخرى، وهذا هو الموضع الثالث للرفع. ويقول الإمام: سمع الله لمن حمده، فيقول المأموم والإمام: ربنا ولك الحمد، كما عند البخاري (ربنا) ثناء، (ولك الحمد) ثناء آخر، أما رواية (ربنا لك الحمد) فهو ثناء واحد، هذا قول ابن حجر وقول: (ربنا ولك الحمد، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد) هكذا كان يقول النبي عليه الصلاة والسلام، (ربنا ولك الحمد، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه) لما قالها أحد الصحابة قال النبي صلى الله عليه وسلم: (رأيت اثني عشر ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أولاً)، وإذا عددت هذه الكلمات ستجد أنها اثني عشر. أما وضع اليمنى على اليسرى بعد الركوع ففيه خلاف، والراجح عدم الوضع، لما ثبت أن الصحابة كانوا ينقلون أحوال الصلاة حتى إذا عطس، قالوا: عطس في وضع الركبة، قالوا: وكان يضع الأصابع على الركبة مفرجة، ولم ينقلوا لنا أنه كان يضع اليمنى على اليسرى بعد الاعتدال، فأدق حركات الصلاة نقلوها، ولم ينقل عن واحد منهم أنه بعد الاعتدال من الركوع كان يضع اليمنى على اليسرى، وإن استدل البعض بقوله: (حتى يعود كل عضو إلى مكانه)، قلت: أن يعود كل عضو إلى مكانه قبل أن يدخل في الصلاة. المهم أن المسألة خلافية، لكن لا يجوز القياس في الصلاة؛ لأن الصلاة نقلت نقلاً دقيقاً من الصحابة، أيعجز أحدهم أن ينقل لنا أنه كان يضع اليمنى على اليسرى بعد الاعتدال من الركوع، ويتركها للاستنباط والاستنتاج؟ أياً كان فالموضوع خلافي، والراجح فيه ما ذكرت. هذا وشيخنا الألباني رحمه الله يرى أن الإرسال هو الأصل، وشيخنا ابن باز يرى أن وضع اليمنى على اليسرى هو الأصل، وكلاهما مجتهد، ولكن الراجح عندي ما نقلت لكم. فإذا اعتدل من الركوع يقف مطمئناً، ويقول: (ربنا ولك الحمد، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه) ولا يجوز أن يعتدل ثم يسجد مباشرة بل لابد أن يعتدل قائماً ويطمئن، ويعود الظهر إلى وضعه الأصلي، ورأي المالكية عدم رفع اليدين بعد الاعتدال؛ لأنهم يقدمون عمل أهل المدينة على خبر الواحد، والبعض يقول: ربنا ولك الحمد والشكر، ولفظة (الشكر) لم تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاتباع أولى من الابتداع.

هيئة السجود

هيئة السجود أما السجود فهل ينزل على ركبتيه أم ينزل على يديه؟ لشيخنا أبي إسحاق كتاب يسمى: نهي الصحبة عن النزول على الركبة، وابن القيم في زاد المعاد يدافع عن وجوب النزول على الركبة، والشيخ ابن باز في صفة الصلاة يقول أيضاً بالنزول على الركبة، لكن الراجح أن ينزل على يديه؛ لأن الحديث حجة: (وليضع يديه قبل ركبتيه). وكذلك حديث سراقة بن مالك في البخاري: أنه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم فغاصت قدم البعير حتى ركبتيه، ومناط الخلاف: (لا تسجد كما يسجد البعير)، فكيف يسجد البعير، هل يضع ركبتيه أم يديه؟ ركبتا البعير في يديه، وطالما قال: (وليضع يديه قبل ركبتيه حجة) فهو على من قال بغير ذلك. الشيخ ابن عثيمين يرى أنه يسجد على الركبتين، ويرى أن الحديث فيه قلب، وأن الراوي قال: (وليضع يديه قبل ركبتيه)، وكان ينبغي أن يقول: وليضع ركبتيه قبل يديه؛ لأن فيه قلباً على الراوي. والراجح من أقوال العلماء: أن يسجد على اليدين قبل الركبتين، والمشكلة الآن هي في وضع السجود؛ لأن السجود ينبغي أن يكون على سبعة أعظم، (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم، وأن لا أكف ثوباً ولا شعراً)، رواه البخاري، ولذلك نحن أمرنا بعد غسل الميت أن نطيب مواضع السجود بالكافور. ومواضع السجود السبعة هي: الجبهة مع الأنف -هذا عضو- ثم اليدان متجهتان إلى القبلة، ثم الركبتان وأطراف أصابع القدمين، والبعض يعلق أطراف أصابعه في الهواء، وهذا خطأ، لابد أن يسجد على أطراف أصابع القدمين، وقد بوب البخاري: باب السجود على أطراف أصابع القدمين. وأصابع القدمين تكون منصوبتين على الأرض، ويجافي بين عضديه، فلا يلصق عضديه بمنكبيه، وإنما يبسط ظهره، وبهذا يكون قد جافى بين عضديه، ويسجد على سبعة أعظم، فإذا سجد بهذه الطريقة وقع السجود صحيحاً، ولا ينبغي أن يلصق الكوع بالإبط، فإن هذا منهي عنه، وإنما يفرج بحيث إذا مر شيء من تحت إبطه يمر. وإذا كنت بجوار أخ لك فهذا يضيق عليك الأمر، فاسجد على قدر استطاعتك، طالما أنت في جماعة، وكذلك للمنفرد. والمرأة والرجل سواء في الصلاة ليس هناك فرق بينهما، ومن فرق فلا دليل معه، كلاهما يسجد بهذه الطريقة على سبعة أعظم. ويقول وهو ساجد: سبحان ربي الأعلى، ويكثر من الدعاء في سجوده. وهل يجلس بين السجدتين متوركاً أم مفترشاً؟ خلاف بين العلماء، وصاحب العدة سماه (افتراشاً) وبعض العلماء سماه (توركاً) ولا مشاحاة في الاصطلاح بعد فهم المعنى. يعني: إن اتفقنا على معنى كلمة لن نختلف، إنما الصواب أن يسمى توركاً خلافاً للعدة؛ لأنه ينصب الرجل اليمنى ويجلس على اليسرى، وهذا يسمى توركاً بين السجدتين. ويقول بين السجدتين: رب اغفر لي. ثلاث مرات، وهي واجبة عند الحنابلة، ومن تركها تجبر بسجود سهو. يقول: (رب اغفر لي -ثلاثاً- وارحمني وارزقني واهدني واكسني). إلى غير ذلك من الدعاء الوارد بين السجدتين. ويعتدل ثم يسجد ويكبر تكبيرات الانتقال، وهي واجبة عند الحنابلة، إن تركها تجبر بسجود سهو؛ لأن الصلاة لها أركان وواجبات ومستحبات سنبينها إن شاء الله تعالى. والناسي لا شيء عليه، إن تركها نسياناً يجبر بسجود سهو عند الحنابلة، وإن تعمد تركها تبطل الصلاة عند الحنابلة.

هيئة جلسة الاستراحة

هيئة جلسة الاستراحة أما جلسة الاستراحة ففيها خلاف: فمنهم من قال: يجلس وهي من السنة، ومنهم من قال: لما تقدم السن بالنبي صلى الله عليه وسلم كان يستريح قليلاً ثم يقوم، ولكن الراجح أنها ليست لعلة، وإنما فعلها النبي عليه الصلاة والسلام، ثم قام إلى الركعة الثانية معتمداً على بطن كفيه، وفي رواية أبي داود: أنه كان يعجن. وهذا ما يراه الشيخ الألباني، وهناك من يرى عدم العجن، والراجح عدم العجن. والجلوس مع التورك، ثم يقوم لركعة ثانية. وهناك جلسة أخرى وهي جلسة الافتراش، وتكون في الصلاة الرباعية التي فيها تشهدان، والافتراش أن تدخل القدم اليسرى وتجلس على الإلية على المقعدة، ولا يصح الافتراش في صلاة ثنائية، لأن جلسة الافتراش لا تكون إلا في الصلاة التي فيها أكثر من تشهد، وتكون في التشهد الأخير.

هيئة التشهد

هيئة التشهد أما وضع الإصبع في التشهد فهل يكون محركاً من أول التشهد إلى آخره أم بالإشارة فقط؟ الراجح أنه يشير بإصبعه من أول التشهد إلى آخره دون حركة، ومن قال بالحركة اعتمد على رواية زائدة بن قدامة أنه قال: (كان يشير ويحرك)، وهذا فيه مخالفة، لأنه أولاً: يتحول الأصبع اتجاهه عن القبلة، ثانياً: أن الحركة تختلف عن القبض والبسط، إنما كان يشير، ومعظم الرواة رووا الحديث أنه كان يشير دون أن يذكروا الحركة، فجاء زائدة بن قدامة وقال: (كان يشير ويحرك). وهذه الزيادة شاذة عند بعض العلماء، وهذا هو الراجح؛ لأن الزيادة هنا من ذات الطريق، بمعنى: أنا الآن أتكلم في مسجد العزيز، والمسجد كله أجمع على أني قلت كذا، وواحد فقط هو الذي خالف، إذاً هذا الواحد يخالف جماعة من ذات الطريق، ثم أعتمد المخالفة؟ وهذا لا يمكن بحال، وحتى من قال بالحركة قال بحركة خفيفة من أول التشهد إلى آخره، ومن قال بعدم الحركة قال بالشذوذ للرواية، والأمر فيه سعة. وفي آخر التشهد يقول: (اللهم إني أعوذ بك من فتنة المحيا والممات، وأعوذ بك من المأثم والمغرم، ومن شر فتنة المسيح الدجال). أما صيغة التشهد التي اعتمدها المصنف فهي حديث ابن مسعود: (التحيات لله والصلوات والطيبات)، أثبت الواو لتعدد الثناء، حينما أقول: (التحيات الصلوات الطيبات لله) أثبت ثناءً واحداً، وحينما أقول: (التحيات لله والصلوات والطيبات) أثبت أكثر من ثناء، وكلاهما رواية، لكن هذا الراجح، ولا داعٍ للخلاف. (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له) وهي رواية: (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)، (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد) هذه صيغة، وربما تقول: (في العالمين إنك حميد مجيد)، وصيغة ابن مسعود وصيغة ابن عمر وكعب بن عجرة كلها ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم كان يستعيذ بعد أن ينتهي من التشهد، وفي حديث مسلم: (يستعيذ بالله من خمس: اللهم إني أعوذ بك من فتنة المحيا والممات، ومن المأثم، ومن المغرم، ومن شر عذاب جهنم، وعذاب القبر، ومن فتنة المسيح الدجال) كان يستعيذ منهن في كل صلاة، صلى الله عليه وسلم. ثم يسلم يميناً حتى يرى بياض خده الأيسر، السلام عليكم ورحمة الله، ثم السلام عليكم ورحمة الله، ويكفي تسليمة واحدة؛ فإن أحدث بعد التسليمة الأولى فقد انتهت الصلاة وصلاته صحيحة. وبعض الناس يرفع يده عند السلام ويقلبها، وهذا منهي عنه أو يسلم بحركة الرأس، وهذا مخالف للسنة. ختاماً: أعلم أن الكثير لديه تساؤلات، لكن ينبغي أن نبدأ بصغار العلم قبل كباره، والمعنى: أنه ينبغي علينا أن نمحو أولاً الجهل في كيفية الصلاة، والخلاف بين العلماء لطلبة العلم الذين يريدون أن يبحثوا، لكن الحد الأدنى من المعلومات ينبغي أن يكون واضحاً بيناً عند المسلمين.

الأسئلة

الأسئلة

حكم قراءة التشهد كله في التشهد الأوسط

حكم قراءة التشهد كله في التشهد الأوسط Q هل يقرأ التشهد كاملاً في التشهد الأوسط؟ A نعم، التشهد الأوسط هل تكمله إلى آخره، أم تقرأ إلى: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله؟ الراجح أن تقرأ إلى الآخر؛ لأن الذين قالوا: إنه إلى الوسط ليس عندهم دليل إلا دليل احتمالي، وهذا هو الراجح، والله تعالى أعلم.

سبب التورك في الثنائية والافتراش في الرباعية

سبب التورك في الثنائية والافتراش في الرباعية Q لماذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتورك في الثنائية ويفترض في الرباعية؟ A النبي صلى الله عليه وسلم كان يتورك في الثنائية ويفترش في الرباعية، لأنك وأنت داخل إلى المسجد لو رأيت الإمام يقرأ التحيات إن كان مفترشاً علمت أنه في الرباعية، وإن كان متوركاً علمت أنه في الثنائية، والدليل عملي، وقد نقل الصحابة صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وفيها أنه كان يتورك في الثنائية ويفترش في الرباعية، والحديث رواه البخاري.

حكم إغماض العينين

حكم إغماض العينين Q تغميض العين؟ A تغميض العين في الصلاة يكره إلا لضرورة، فإذا كان أمامك شيء يشغلك عن الصلاة فيجوز لك أن تغمض العين لضرورة، أما أن تغمض العين لغير ضرورة فهذا مكروه، كما أن النظر إلى السماء أيضاً فيه وعيد، حيث توعد النبي صلى الله عليه وسلم الذي ينظر إلى السماء بأن يأخذ الله عينيه، فبعض الناس يقول: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] وينظر إلى السقف أو إلى النجوم، وهذا منهي عنه.

كيفية سجود المرأة

كيفية سجود المرأة Q سجود المرأة كيف يكون؟ A سجود المرأة كسجود الرجل لا فرق ولا خلاف بينهما في ذلك.

الموضع الرابع لرفع اليدين في الصلاة

الموضع الرابع لرفع اليدين في الصلاة Q ما هو الموضع الرابع لرفع اليدين في الصلاة؟ A الموضع الرابع: القيام من التشهد الأوسط إلى الركعة الثالثة هو الموضع الرابع لرفع اليدين، وهل يرفع من تحت أم يرفع عند قيامه؟ خلاف بين العلماء، والراجح فيه أن يرفع عند قيامه.

كيفية دفع التثاؤب في الصلاة

كيفية دفع التثاؤب في الصلاة Q كيف يدفع التثاؤب في الصلاة؟ A يدفع التثاؤب بظهر يده اليمنى، أما الشمال فهي للاستنجاء، وللأمور الأخرى، ولا يضعها على الفم.

عدد التكبيرات في كل ركعة

عدد التكبيرات في كل ركعة Q ما عدد التكبير في كل ركعة؟ A كم تكبيرة في الصلاة في الركعة الواحدة؟ الله أكبر عند الركوع، وسمع الله لمن حمده ليس تكبيراً. والله أكبر عند السجود، والله أكبر عند الاعتدال، والله أكبر عند السجود مرة أخرى، والله أكبر عند القيام، هذه خمس تكبيرات في أربع ركعات بعشرين، وتكبيرة الإحرام واحد وعشرون تكبيرة، هذه تكبيرات الانتقال، والشيخ عبد اللطيف حفظه الله يقول: الله أكبر ويركع، والمفروض أن المأموم يقول: الله أكبر، والبعض لا يذكر تكبيرة الانتقال ويترك واجباً في الصلاة، (إذا كبر فكبروا) فلابد أن تكبر كما يكبر الإمام، والبعض لا يكبر ويكتفي بتكبيرة الإمام، وهذا خطأ.

حكم الإمام إذا أحدث

حكم الإمام إذا أحدث Q إذا أحدث الإمام ما يفعل؟ A إذا أحدث الإمام يستخلف من خلفه.

حكم المأموم إذا لم يرفع الإمام يديه في بعض مواضع الرفع

حكم المأموم إذا لم يرفع الإمام يديه في بعض مواضع الرفع Q الإمام إذا لم يرفع يديه في بعض مواضع الرفع فما الحكم؟ A إذا لم يرفع الإمام اليد ارفع أنت، لأنك مأمور بالرفع وقد خالف الإمام.

مواضع النظر في الصلاة

مواضع النظر في الصلاة Q أين ينظر المصلي؟ A تنظر إلى موضع سجودك في الصلاة، إلا في موضعين وهما: في حال صلاة الخوف تنظر إلى العدو، وفي حال التشهد تنظر إلى الأصبع.

حكم صلاة المنفرد خلف الصف

حكم صلاة المنفرد خلف الصف Q ما حكم صلاة المنفرد خلف الصف؟ A ( لا صلاة لمنفرد خلف الصف) فإذا وجد فرجة في الصف ولم يقف فيها فصلاته باطلة، أما إذا كان الصف مكتملاً فيقف بمفرده وصلاته صحيحة، وهذا اختيار الحنابلة.

العدة شرح العمدة [15]

العدة شرح العمدة [15] قسم أهل العلم أفعال الصلاة إلى أركان وواجبات ومسنونات، فالركن ما تبطل الصلاة بتركه كالركوع أو السجود، والواجب ما يجبر بسجود السهو إن ترك سهواً كالتشهد الأوسط، والمسنون إن أتى به المصلي أُجر عليه وإن تركه لم يأثم.

أركان الصلاة وواجباتها

أركان الصلاة وواجباتها الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وبعد: تحدثنا سلفاً عن صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم، ولعل هذا هو عنوان كتاب شيخنا المبارك فضيلة الشيخ الألباني رحمه الله تعالى: صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها. وسنشرع الآن في إكمال صفة الصلاة من كتاب العدة، ونتحدث عن الأركان والواجبات والسنن في الصلاة. ولابد أن نعلم أولاً أن الصلاة لها أركان وواجبات وسنن، فما الفرق بين الركن والواجب والسنة؟ معلوم أن الأركان من الواجبات، لكنه واجب لا يجبره سهو، فالواجبات متنوعة في درجتها؛ ولذلك يقول العلماء: أركان الصلاة تختلف واجباتها عن سننها، وهناك فرق بين شروط صحة الصلاة وبين أركانها، فالشرط يخرج عن ماهية الشيء، أما الركن فيكون داخل الماهية. قبل البدء أريد أن أذكر أمراً، وهو أن صحيفة علمانية نشرت: حرب بين أنصار السنة والأزهر: أين الله؟ كان هذا في الأسبوع الماضي، ومن حسن ظني بهم أعددت رداً وأرسلته لهم على الفاكس، فنشروا الرد لكن كيف نشروه؟ راقصة عارية تماماً والرد تحتها، وهذا دأبهم! هل يستقيم أن تنشر كلاماً يعالج قضية من أخطر القضايا في العقيدة قضية العلو لله عز وجل وأدلة إثبات العلو تحت صورة راقصة، لكن هذا ليس غريباً على هؤلاء، فهؤلاء قد مسخوا قردة وخنازير! ولا تعليق.

أركان الصلاة

أركان الصلاة قال المصنف رحمه الله: (أركانها اثنا عشر، وواجباتها سبعة)، والفرق بين الركن والواجب: أن الركن لا بد من تحصيله ولا يجبره سجود سهو، مثال ذلك: رجل ترك السجود الثاني، ثم قام للركعة بعد ذلك، وتذكر أنه نسي أن يسجد السجدة الثانية، فلا يقال له: اسجد للسهو، بل لابد من تحصيل ركعة كاملة؛ لأن غياب ركن عن ركعة يفسدها، ثم يسجد للسهو بعد ذلك، ليس جبراً للركن وإنما جبراً للنسيان. ثم ذكر أركان الصلاة فقال: (القيام مع القدرة)، فأول ركن هو القيام، والبعض يجلس في صلاة الفريضة مع قدرته على القيام، ومن صلى قاعداً وهو قادر على القيام فصلاته باطلة. إنما في النافلة يجوز أن يصلي قاعداً وهو قادر، وله نصف الأجر كما في الحديث، أما إن صلى قاعداً في الفريضة مع قدرته فتبطل، فالقيام مع القدرة ركن من أركان الصلاة؛ لأن الله يقول: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة:238]. الركن الثاني: تكبيرة الإحرام: وهي ركن من أركان الصلاة، وعدم تحصيلها يؤدي إلى بطلان الصلاة بالكلية؛ مثال ذلك: قد يأتي المصلي والإمام راكع فيدخل معه في الصلاة بتكبيرة الركوع دون أن يكبر تكبيرة الإحرام، وتكبيرة الإحرام لابد أن تكون من قيام؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم). الركن الثالث: قراءة الفاتحة فـ: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)، ويستثنى من ذلك المأموم إذا أدرك الإمام وهو راكع، فقراءة الإمام تجبر قراءة المأموم، وإدراك الركوع إدراك لركعة، وهذا رأي الجمهور؛ لحديث أبي بكرة. واعلم أن في المسألة خلافاً، لكن الراجح أن من أدرك الإمام راكعاً فقد أدرك الركعة. الركن الرابع: الركوع، فمن ركع دون أن يأتي بالركوع الصحيح فصلاته باطلة؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل: (ارجع فصل) فالركوع له هيئة، وهي: أن يستوي الظهر وأن يطمئن راكعاً. الركن الخامس: الرفع من الركوع: بحيث يطمئن قائماً، ويعود كل عضو إلى محله، ويقول: سمع الله لمن حمده، ثم يطمئن ويعتدل، والاعتدال ركن في الركوع. الركن السادس: السجود: فمن لم يسجد على سبعة أعظم فسجوده باطل، ومن ثم فصلاته باطلة، فلابد أن يكون السجود بالهيئة التي أمرنا بها النبي عليه الصلاة والسلام: (صلوا كما رأيتموني أصلي). الركن السابع: (الجلوس عنه) أي: الجلوس بين السجدتين. الركن الثامن: الطمأنينة في كل الأركان السابقة. الركن التاسع: التشهد الأخير. الركن العاشر: الجلوس للتشهد الأخير. فالتشهد ركن والجلوس له ركن، وهب أن إنساناً قرأ التشهد الأخير من قيام، فصلاته باطلة؛ لأنه ترك ركناً وهو الجلوس للتشهد الأخير. الركن الحادي عشر: التسليمة الأولى، السلام عليكم ورحمة الله، والثانية سنة، (وتحليلها التسليم) أي: تسليمة واحدة لا تسليمتين. وينبني على هذا أحكام فقهية: فلو قال إمام: السلام عليكم ورحمة الله، ثم أحدث فما حكم الصلاة؟ صحيحة ولا شيء عليه. أو مأموم يأتم بالإمام وبعد أن انتهى الإمام من التسليمة الأولى، قام ليأتي بالركعة المسبوق فيها، فصلاته صحيحة أيضاً؛ لأن الصلاة تنتهي بالتسليمة الأولى، ولكن الأولى أن ينتظر حتى ينتهي من التسليمتين.

ترتيب الأركان

ترتيب الأركان الركن الثاني عشر: (ترتيبها على ما ذكر)، ترتيب هذه الأركان على هذا النحو الذي ذكرنا. فأي ركن من هذه الأركان نسيته فلابد أن تأتي به، ولا يجبره سجود سهو، فمن نسي الفاتحة يأتي بركعة، ومن نسي الركوع يأتي بركعة، والسؤال الآن: إن استطاع أن يحصل الركن فلا بأس طالما أنه لم يفصل بين الركن والركن بركن، والمعنى: عندنا سلم فهل تستطيع أن تصعد إلى الدرجة الثالثة دون أن تصعد الأولى ثم الثانية ثم الثالثة؟ فإن نسيت الأولى وأنت على الثانية تستطيع أن تعود، أما إن نسيت الأولى ووصلت إلى الثالثة انتهى الأمر، فإن فصلت بين الركنين بركن لابد من تحصيل ركعة كاملة، أما إن تذكرت الركن وأنت في الركن الذي بعده فيمكنك أن تعود إلى الركن الذي تركته. مثال ذلك: رجل نسي السجدة الثانية وجلس للتشهد، ظناً منه أنه سجد سجدتين، فتذكر أنه لم يسجد، إنما تشهد ثم سلم. فصل بين الركنين بركن؛ فإن تذكر الركن الذي نساه في الركن الثاني يجوز له أن يعود إلى الركن الذي نساه. أما إن فصل بين الركنين بركن فيحصل الركعة كاملة.

واجبات الصلاة

واجبات الصلاة قال: (وواجباتها سبعة)، ولعل الحنابلة اختلفوا مع الفقهاء في هذه المسألة. الإمام أحمد أحاط بالسنة ما لم يحط بها غيره، ولذلك من ثراء هذا المذهب أن فيه أكثر من رواية، ودائماً تجد إحدى الروايات توافق المذاهب الأخرى، فهو لا يقتصر على رواية واحدة. قال: (وواجباتها سبعة) أي: واجبات الصلاة التي إن نسيت تجبر بسجود السهو، لكن إن تعمد ترك الواجب هل تبطل الصلاة أم تصح مع سجود السهو؟ رجل تعمد ألا يقول: سمع الله لمن حمده، فما حكم صلاته؟ عند أحمد روايتان: رواية أنها تبطل، ورواية أنها سنة لا تبطل وتجبر بسجود السهو. قال الإمام أحمد: إن النبي عليه الصلاة والسلام نسي التشهد الأوسط -كما في البخاري - واعتدل للركعة الثالثة، فقام من خلفه، ولم يرجع إلى التشهد الأوسط مرة ثانية، ثم سجد للسهو قبل التسليمتين. قال أحمد: وهذا يدل على أن التشهد الأوسط واجب، والواجبات تجبر بسجود السهو إن نسيها، فالنبي صلى الله عليه وسلم قد نسي، لكن ما قولك فيمن تعمد أن يترك التشهد الأوسط؟ النبي صلى الله عليه وسلم نسي فسجد للسهو قبل التسليمتين، أما هذا فقد تعمد أن يقوم للثالثة، إذاً: ترك واجباً مع التعمد، فما حكم صلاته؟ عند أحمد الرواية الأولى أنها تبطل، والرواية الثانية أنها لا تبطل، ولعل هذا هو رأي الجمهور؛ هل تعلم أن قولك: (رب اغفر لي) بين السجدتين واجب، وعلى رواية أحمد أن من تركها أن الصلاة باطلة. فمثلاً: رجل تعمد ألا يقول: ربنا ولك الحمد، وهي من واجبات الصلاة، فإن تعمد أن يترك واجباً بطلت الصلاة في رواية، وفي رواية أنها لا تبطل، ولعل هذا هو رأي جمهور العلماء. وواجباتها سبعة: (التكبير غير تكبيرة الإحرام)، وهي تكبيرات الانتقال، ولابد من متابعة الإمام في تكبيرات الانتقال؛ لأنها واجبة، والكثير لا يقولها وراء الإمام؛ لأنه يسهى أو ينسى أو يتعمد ترك تكبيرات الانتقال مع أنها مهمة، وهي خمس تكبيرات في كل ركعة: تكبيرة الركوع، ثم تكبيرة السجود، ثم الاعتدال من السجود، ثم السجود، ثم القيام، فهذه التكبيرات يسميها العلماء تكبيرات الانتقال من ركن إلى ركن. وحينما قلنا: إن من يسجد للتلاوة فإنه يكبر عند السجود ويكبر عند القيام، قامت الدنيا عند بعض إخواننا في إمبابه؛ لأن بعض العلماء يقولون: لا تكبير عند الرفع، واستدلوا بحديث عائشة. يا عبد الله! الانتقال من ركن إلى ركن لابد له من تكبير، والرأي المعتبر أن تكبر عند السجود وعند الرفع، ونحن لا نصادر آراء علمائنا، ولكن أقول: هذا هو الراجح، والله تعالى أعلم. (وواجباتها سبعة: التكبير غير تكبيرة الإحرام، والتسبيح في الركوع والسجود مرة مرة)، يعني: إن ركع، وقال: سبحان ربي العظيم مرة واحدة. هذا هو الواجب والزيادة سنة. ما تقول في رجل كبر وركع ثم تعمد الصمت، ترك واجباً أم ركناً ما حكم صلاته؟ في رواية عن أحمد تبطل؛ لأنه ترك واجباً متعمداً، والرواية الأخرى أنها لا تبطل. (التكبيرات بخلاف تكبيرة الإحرام، والتسبيح في الركوع والسجود مرة مرة، والتسميع والتحميد في الرفع من الركوع)، يعني: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، هذه أيضاً من واجبات الصلاة. (وقول: رب اغفر لي بين السجدتين)، واجب. (والتشهد الأول) الأوسط واجب، (والجلوس للتشهد الأوسط، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير). قال أحمد: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير من واجبات الصلاة، يعني قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله في التشهد الأخير ثم سلم، فإذا تعمد أن يترك واجباً، فإن الصلاة تبطل في رواية وهو الراجح، وقد رأيت البعض في رمضان في بعض المساجد يقول للمصلين في التراويح: يكفيكم أن تقرءوا إلى أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، ثم نسلم من أجل أن نصلي أكبر عدد من الركعات! يأمرهم بترك الواجب عمداً، ويأمرهم بترك الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، أرأيتم الجفاء والجهل المدقع. الأمة الآن مبتلاة، فهذا أستاذ دكتور في كلية الآداب قسم الفلسفة الإسلامية، في الأسبوع الماضي يخطب الجمعة ساعة إلا ربع، ويقول: إن الرسول أول خلق الله رغم أنف الحاقدين، ولما أذنب آدم في الجنة توسل بجاه النبي عند الله أن يغفر له، ولتفاهة رأيك لن نرد عليك، أنا أقول لك هذا الكلام، هذه تفاهة رأي، وأنت لا تعرف الفرق بين الوجود العيني والوجود العلمي! الوجود العلمي ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول: علمي: وهو أن أخبركم عن وجود كوب، الثاني: علمي لفظي: تلفظت به. الثالث: علمي رسمي: قمت وكتبت على السبورة (كوب) بالقلم، إذاً: الوجود الكتابي وجود علمي. ولو قلت لكم: هذا كوب. فأنت تتخيل الكوب في ذهنك، هذا وجود ذهني، فالذهني والرسمي واللفظي كلها وجود علمي، ثم لو جئتك بالكوب وقلت: هذا هو الكوب، فهذا وجود عي

حكم ترك واجبات الصلاة

حكم ترك واجبات الصلاة قال: (فإن تركها عمداً بطلت صلاته، وإن تركها سهواً سجد لها)، واستدل ابن قدامة على هذا: بأن النبي صلى الله عليه وسلم نسي التشهد الأوسط فجبره بسجود، فقال: وسائر الواجبات تقاس عليه، ثم قال: (وما عدا هذا فسنن لا تبطل الصلاة بعمدها، ولا يجب السجود لسهوها)، يعني: ما عدا الأركان والواجبات فهو سنن لا تبطل الصلاة بتركها عمداً أو سهواً، ولا يجب السجود لها في السهو. ولعل البعض يقول: ما رأيكم في قول الحنابلة: إن ترك الواجب عمداً بطلت الصلاة، وإن تركه نسياناً سجد للسهو؟ وهذه الرواية الأولى عن أحمد، والرواية الثانية أنها لا تبطل، والحقيقة أن استدلال الحنابلة بمسألة التشهد الأوسط ثم قاسوا عليه سائر الواجبات فيه نظر، نقول: لا تقاس سائر الواجبات على بعضها؛ فإن من نسي قول: (رب اغفر لي) بين السجدتين، أو تعمد أن يتركها عمداً لا يمكن أن يقاس على من نسي أو تعمد أن يترك التشهد الأوسط، فالواجبات تختلف عن بعضها البعض في الرتبة.

قاعدة فيما يجوز في الفرض والنفل

قاعدة فيما يجوز في الفرض والنفل القاعدة تقول: ما يجوز في الفرض يجوز في السنة وليس العكس. هذه القاعدة بمعنى: يجوز في السنة أن تقعد مع القدرة على القيام، ولكن لا يجوز في الفرض. وهذه القاعدة ترد على من يقول: إن من نسي وهو صائم في السنة لابد أن يفطر، ومن نسي وهو صائم في رمضان فليتم، وهذا يقوله بعض المالكية، وهو مرجوح، والصواب: إن كان الله عز وجل قد عفا عن النسيان في الفرض فمن باب أولى أن يعفو عنه في السنة، للحديث: (من أكل أو شرب ناسياً فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه)، والحديث لم يفرق بين الفرض والسنة، إذاً: أنت لا تفرق، فإن التفريق لا دليل عليه؛ ويصادم قاعدة ما يجوز في الفرض يجوز في السنة وليس العكس.

صفة الصلاة

صفة الصلاة تبدأ الصلاة بتكبيرة الإحرام، وينبغي أن يستقبل المصلي القبلة في وقت وجيز بأطراف قدميه، فلا يفرِّج قدميه يميناً أو يساراً كما يقف البعض بل يقف معتدلاً متجهاً إلى القبلة، والأصابع متجهة إلى القبلة. كما أنه لا يفتح القدمين أكثر من محاذاة الجسد، ثم يكبر تكبيرة الإحرام، ويجعل الأصابع في حذو المنكبين بمحاذاة شحمة الأذنين، والأصابع مبسوطتان متجهتان إلى القبلة، ثم يكبر مع الرفع، هذا هو الأرجح، وعند التكبير لا يلحن كما يفعل بعض الأئمة، أو يمطط لفظ الجلالة، فهو لفظ ينطق بضوابطه الشرعية. ثم يضع اليمنى على اليسرى على أول الصدر، إما أن يقبض وإما أن يضع، وصفة القبض تكون على الرسغ، أو أن يضع اليمنى على اليسرى على أول الصدر، وبعض المصلين يشدد على نفسه، والبعض الآخر يضعها تحت السرة أو فوق السرة أو على اليمين أو الشمال، بينما الثابت أنه صلى الله عليه وسلم كان يضع اليمنى على اليسرى على أول الصدر في بساطة، ثم يقرأ دعاء الاستفتاح وينظر إلى محل سجوده؛ فإن ذلك أدعى للخشوع. ودعاء الاستفتاح متعدد، كأن يقرأ: (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب) أو يقول: (سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك)، (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين). ثم هل يجوز أن يجمع بين أكثر من دعاء للاستفتاح؟ A لا؛ لأنه لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه جمع بين أكثر من استفتاح، وهذا من اختلاف التعدد، يعني: كل ذلك ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم يبسمل، ثم يقرأ الفاتحة، وقراءة الفاتحة ينبغي أن تكون قراءة صحيحة؛ لأن اللحن الجلي في الفاتحة يبطل الصلاة، ثم يقرأ ما تيسر من القرآن، ثم يرفع يديه حذو منكبيه. ثم يكبر للركوع، ويكون ظهره حال الركوع مستوياً مع الرأس، فلا يخفض رأسه ولا يرفعه، ويطمئن راكعاً، ويجعل يديه على ركبتيه، ويقبض بهما الركبة، وينظر إلى محل السجود، ويقول: سبحان ربي العظيم. سبحان ربي العظيم. سبحان ربي العظيم، سبوح قدوس رب الملائكة والروح، سبحانك اللهم وبحمدك رب اغفر لي، كما في البخاري أنه عليه الصلاة والسلام كان يقول ذلك في ركوعه، وأقل التسبيح مرة واحدة. ثم يرفع رأسه ويقول: سمع الله لمن حمده، ويرفع يديه حذو منكبيه ويقف معتدلاً. وهل يضع اليدين: اليمنى على اليسرى على الصدر أم يرسلها؟ قلنا: هذا موطن خلاف، والراجح أن يرسلهما؛ لأنه لا قياس في الصلاة؛ ولأن الصحابة نقلوا لنا الصلاة بالتفصيل، ولم يتركوا هذا المكان سهواً، فقد نقلوا حتى العطسة، ولما ينقلوا أنه كان بعد الاعتدال من الركوع يضع اليمنى على اليسرى؟! ويقول وهو قائم: (سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد)، وإن أردت أن تسترسل في الدعاء فقل: (أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد). ثم عند السجود يكبر وهو هابط، ويكون السجود على اليدين، وهو الراجح في كتاب الشيخ أبي إسحاق: نهي الصحبة عن النزول بالركبة. فقد أورد الأدلة التي تبين أن السجود يكون على اليدين قبل الركبتين. وبعض الناس يسجد على يديه كاملة، وهذا منهي عنه، وبعض الناس لا يجافي بين عضديه، بل يلصق العضدين إلى جانبيه، وهذا منهي عنه أيضاً. ثم يسجد على سبعة أعظم، وهي: الجبهة مع الأنف واليدين والركبتين وأصابع القدمين، ويجافي بين عضديه، ولا يفترش الأرض بيديه، فهو منهي عن افتراش الأرض باليدين، إلا إذا كان في جماعة فإنه يجافي قدر الاستطاعة، ثم يقول وهو ساجد: سبحان ربي الأعلى. سبحان ربي الأعلى. سبحان ربي الأعلى، ثم يقول: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، رب اغفر لي، ويدعو بما شاء الله له أن يدعو، فأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، ولا يقرأ القرآن في ركوع ولا سجود، فهذا منهي عنه. ثم يكبر للرفع: الله أكبر، ويجلس متوركاً فارشاً اليسرى وينصب اليمنى، ويضع الأصابع على أول الفخذين عند الركبتين، وينظر إلى محل السجود، ويقول بين السجدتين: رب اغفر لي ثلاثاً، ثم يكبر للسجدة الثانية كما كبر للسجدة الأولى، ثم يجلس جلسة الاستراحة، وينهض على يديه للركعة الثانية، والله تعالى أعلم.

الأسئلة

الأسئلة

حكم الأبناء الذين لا يصلون

حكم الأبناء الذين لا يصلون الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد. قبل أن أسترسل في الأسئلة، أقول: بعض الآباء يشكون من عدم صلاة الأبناء، وفي الواقع أن هذه الظاهرة الخطيرة لا ينبغي لأب مسلم أن يفرط فيها، فالولد إن لم يصل ليس من أهلك، فإن نوحاً عليه السلام قال لله: {رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} [هود:45]، فقال له: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود:46]. فالابن الذي لا يصلي ولد عاق لأبويه، وهذا ولد في أبسط الأمور يترك فرضاً كتبه الله عليه قد يخرج به من الإسلام إلى الكفر عند كثير من العلماء.

حكم الظهار

حكم الظهار Q يسأل البعض أيضاً أن الزوج قد يحرم زوجته على نفسه، ويقول لها: أنت حرام علي إن فعلت كذا؟ A تحريم الزوجة على النفس يسمى عند الفقهاء ظهار الزوجة، فينبغي عليه أن يكفر كفارة الظهار وهي: بصيام شهرين أو إطعام ستين مسكيناً.

حكم معاملة الابن لأبيه الذي لا يصلي

حكم معاملة الابن لأبيه الذي لا يصلي Q إذا كان الوالد لا يصلي؟ A يكون مع أبيه كما كان إبراهيم: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا} [مريم:41 - 45] ينصحه برفق وبحكمة، وإن أصر على ما هو فيه فقل كما قال إبراهيم لأبيه: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا} [مريم:48].

موضع رفع اليدين بعد القيام من التشهد الأوسط

موضع رفع اليدين بعد القيام من التشهد الأوسط Q موضع رفع اليدين عندما يقوم من السجود بعد التشهد الأوسط، هل يرفعهما وهو جالس أم بعد القيام؟ A الراجح أن يرفعهما بعد القيام، أما الرفع وهو جالس فلا، وأنا أعلم رأي مشايخنا، لكني أقول لك الراجح: أن يرفع وهو قائم إلى الركعة.

آداب الذكر والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام

آداب الذكر والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام Q أحد الخطباء في أحد المساجد بعد الانتهاء من الدرس يقول: هيا بنا نصلي على سيدنا رسول الله كما فعل الإمام الشافعي، ويقول بطريقة ملحنة: (اللهم صل على أفضل مخلوقاتك)، ثم يطلب من الموجودين الترديد معه أو بعده، هل كل هذا الفعل يوافق الشرع؟ وهل يصح لي الصلاة وراءه؟ A هذا رجل مخرف، وهؤلاء يظنون أنهم يحسنون صنعاً، وهذا يشبه من كان يقول: (صلى الله على طه خير الخلق وأحلاها)، وطه ليس من أسماء النبي عليه الصلاة والسلام، وعد إلى كل كتب التفاسير وإلى أقوال العلماء، فستجد أن تفسير طه مثل ألف لام ميم، ولم يقل أحد من علماء السلف: إن طه من أسماء الرسول عليه الصلاة والسلام. ثم يقول: (وعلى الكرار أبي الكرماء)، الكرار يعني: الذي يقاتل الأعداء، (وعلى الزهراء وأبناها)، ثم يمدح ويتمايل ومعه البطانة، وبعد أن يتم المدح، ينطلقون إلى الفتة فرادى أو جماعات. نسأل الله العافية. هذا الكلام عفا عليه الدهر {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} [الأعراف:205] فهناك أدب للذكر. أخي الفاضل العزيز: هذا رجل يظن أنه يحسن صنعاً، ولكن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لها آداب. مداخلة: لكنه يحتج بحديث البخاري على الذكر الجماعي، وأن الرسول دخل على أصحابه وهم يفعلون ذلك وأقرهم على هذا ولم ينههم؟ الشيخ: تقصد أثر: كنا نعرف أن هناك صلاة من ارتفاع أصوات المصلين، هذا قول ابن حجر في الفتح، وهذا كان في أول الأمر كانوا يقولون: سبحان الله. بصوت مرتفع، أما أن يذكر الله عز وجل ذكراً جماعياً بهذه الطريقة، أو يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم كذلك فلا. يا قوم! المحبة ليست غناء ولا شعراً، إنما المحبة اتباع، مدخن ويقول: صلى الله على سيد الخلق، فلماذا لا تطيعه؟ وهو لا يصلي الجماعات، وزوجته متبرجة، ويفعل الموبقات، يأتي الكبائر ويترك الواجبات، يا قوم! حبكم هذا لا ينفع المحبة محبة اتباع. مثلاً: رجل يقول: (يا بوي ذوبني. ذوب جالس في منامي. يا بوي لبسني ثوب) هذه مصيبة. يقول هذا وهو يغني للناس، لو أن حب الرسول ذوبك لتركت الغناء! تغني على المسرح وحب الرسول يذوبك! هؤلاء واهمون في حبهم، كاذبون في ادعائهم، {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31] تحبه وأنت حليق! أين الحب؟! أين الأسوة؟! أين القدوة؟! كيف تحبه وأنت تقيم المساجد على الأضرحة؟! هذا حب كاذب، وهؤلاء ليس لهم من الحب إلا الشعارات الكاذبة، وهذا دأب من كان قبلنا.

حكم حضور الحائض دروس العلم

حكم حضور الحائض دروس العلم Q هل يجوز للحائض أن تحضر درس العلم؟ A لا يجوز للحائض أن تحضر درس العلم أبداً إلا في مكان غير ملحق بالمسجد. وهذا رأي الجمهور: أن الحائض لا يجوز لها أن تدخل المسجد، أنا أعرف رأي الشيخ مصطفى العدوي ورأي الشيخ محمد حسين يعقوب ورأي الشيخ الألباني، لكني قرأت الردود، وأنا أستدل لكم الآن بحديث عند البخاري في كتاب الحيض، تقول أمنا عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم معتكفاً، فكان يخرج لي رأسه وأنا في حجرتي لأغسلها وأمشطها، وأنا في حجرتي؛ لأني حائض، فما الذي يمنع عائشة من دخول المسجد؟ لو أنها تعلم أن الحائض يجوز لها أن تدخل المسجد لفعلت. يقول العلامة ابن حجر في الفتح معلقاً: فما الذي يمنعها من دخول المسجد؟ أنا أعرف أنهم ضعفوا الأحاديث التي فيها أنه: (لا يحل المسجد لحائض ولا جنب)، إنما لما قال لـ عائشة: (ناوليني الخمرة من المسجد -يعني: الحصيرة- فقالت: إني حائض، قال: إن حيضتك ليست بيدك). وأنا الآن بمفهوم المخالفة أسأل: عندما قالت عائشة: إني حائض حينما أمرت بدخول المسجد، لو لم تكن تعلم أن الحائض لا يجوز لها أن تدخل المسجد لما قالت: إني حائض؟ يعني: أن الحيض يمنعني من دخول المسجد، فقال لها: ناوليني ثم اخرجي، لا تدخلي على سبيل المكث والاستقرار، وهذا رأي المذاهب الأربعة، وأنا أعلم أن هناك آراءً لكني لا أستطيع أن أقول بالجواز أبداً. مداخلة: هل يجوز لها أن تقرأ القرآن؟ الشيخ: نعم. لها أن تقرأ القرآن، لكن من دون أن تمس المصحف.

حكم بقاء المأموم في السجدة الأولى حتى سجود الإمام السجدة الثانية

حكم بقاء المأموم في السجدة الأولى حتى سجود الإمام السجدة الثانية Q إذا تأخر المأموم في سجوده الأول حتى أتى الإمام بالسجدة الثانية فما الحكم؟ A الصورة هذه: أن المأموم ساجد والإمام جلس بين السجدتين ثم أتى بالسجدة الثانية ولا يزال المأموم في السجدة الأولى، إن تعمد مخالفة الإمام فصلاته كلها باطلة، وإن لم يستدرك الإمام وقد فصل بركنين فصلاته تبطل أيضاً، وهو متوعد.

حكم من أدرك مع الإمام التسليمة الثانية

حكم من أدرك مع الإمام التسليمة الثانية Q ما حكم المأموم إذا تأخر عن الصلاة حتى سلم الإمام التسليمة الأولى وأدرك الثانية؟ A بمجرد أن يسلم الإمام التسليمة الأولى انتهت الصلاة.

حكم انتظار الإمام حتى يسلم ثم إنشاء جماعة جديدة

حكم انتظار الإمام حتى يسلم ثم إنشاء جماعة جديدة Q بعض الناس يدخلون المسجد عندما يكون الإمام في التشهد الأخير، فينتظرون حتى يسلم ثم يقيمون جماعة فهل هذا صحيح؟ A هذا مخالف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أدركتم فصلوا)، فإذا وجدت الإمام يقرأ التشهد فادخل معه على هذه الهيئة؛ لأن انتظارك هذا مخالف.

حكم صلاة المنفرد خلف الصف

حكم صلاة المنفرد خلف الصف Q هل يجوز الصلاة للفرد خلف الصف؟ A نعم، يجوز في حالة إن لم يجد فرجة في الصف، والبخاري قد بوب على ذلك في صحيحه أن صلاة المرأة بمفردها خلف الصف جازت لعدم وجود امرأة أخرى، لحديث أنس والطفل اليتيم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم والمرأة خلفهم)، إلى غير ذلك من الأدلة، فضلاً عن أن أصول الفقه تجيب عن السؤال، هل يكلفنا الله فوق طاقتنا أم ما في طاقتنا؟ فمثلاً: رجل جاء ووجد الصف مكتملاً أين يقف؟ لو سحب رجلاً من الصف. نقول: السحب ضعيف ولا دليل عليه، والشرع لا يكلف الإنسان إلا ما في مقدوره.

حكم رفع اليدين في الصلاة لسجود التلاوة

حكم رفع اليدين في الصلاة لسجود التلاوة Q في سجود التلاوة داخل الصلاة هل يتم رفع اليدين قبل السجود؟ A نعم، ترفع عند السجود (الله أكبر)، ثم تسجد، وكذلك عند الرفع تكبر.

حكم تجاوز المساجد للوصول إلى مسجد تقام فيه الدروس

حكم تجاوز المساجد للوصول إلى مسجد تقام فيه الدروس Q ما حكم المرور بمساجد تقام فيها الجماعة لأجل إدراك الدرس في مسجد آخر؟ A لا يجوز أن تمر على مسجد يصلي جماعة وتتركه لأجل الدرس، إن أقيمت الصلاة فصل في أقرب المساجد، وبعض الإخوة يقول: أحضر الدرس وأصلي جماعة هناك، وأنت تمشي جاءك ملك الموت أتضمن؟ ما زلت في الطريق، وتحاسب لأنك كان في مقدورك الصلاة، ولماذا تترك المسجد الذي في أول الطريق؟ أي مسجد تمر عليه فصل فيه، أما أن تترك المساجد والجماعة مقامة فهذا ليس من الخلق. إذاً: إن كنت قاصداً المسجد للدرس والصلاة لم تقم بعد فلا بأس، لكن لو أتيت والمساجد تصلي فصل ثم احضر.

نصيحة للمستفتين عبر الهاتف

نصيحة للمستفتين عبر الهاتف Q أحياناً نتصل عبر الهاتف ببعض المشايخ فيغضبون منا، أو أنهم لا يجيبون؟ A أنا تعبت من إخواني، لهم أسئلة في التليفون تستمر نصف ساعة، وفي الأخير سؤال صغير بعد نصف ساعة شرح، اتق الله في وقت الناس، واتق الله في نفسك، حسن السؤال نصف العلم، لماذا لا تقل: أنا قلت لزوجتي: أنت طالق، فما حكم الطلاق؟ وإن قلنا هذا الكلام قالوا: الشيخ عصبي. قبل عدة أيام قبل الفجر بساعة ونصف، يتصل أحدهم ليقول لي: يا شيخ! آسف أنا طلقت زوجتي؟ مصيبة كبيرة جداً، طبعاً أنا أرحب ولكن من داخلي غاضب، نعم قد يكون الرجل في أزمة ومعذوراً، والذي نصب نفسه للإجابة على الأسئلة كالطبيب يستدعى في أي وقت. وأنا لا أغضب، لأنه لا ينبغي أن يحجب الإنسان نفسه عن الناس، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن على بابه حراس ولا حجاب، في أي وقت تريده تجده، هذا هو الأصل، وقد يكون الرجل معذوراً فلا يستريح إلا بالكلام معك. أنا أريد أن أبين أنه ممكن أن يوقظك لكن السؤال يكون في دقيقتين. احذر أن تحجب نفسك عن الناس، لك حق نعم، لكن الناس لهم عليك حقوق، إن كنت أنت لك حق فهم لهم حقوق لابد أن توفيها تامة.

الرضاعة المحرمة للزواج

الرضاعة المحرمة للزواج Q عزمت على خطبة فتاة من ذوي القرابة، وأخبرتني أختي بأنها أرضعت تلك الفتاة، وقالت: أرضعتها مرة أو اثنتين أو ثلاثاً، ثم بعد ذلك قالت: والله أعلم بالعدد، وهو ليس بالكثير؛ لأنني كنت لا أكفيها، فكنت أرضع من جارتي، أفتونا يرحمكم الله ويحسن إليكم؟ A يريد أن يخطب فتاة رضعت من أخته، وتكلم في عدد الرضعات، ويقول العلماء: إن كان هناك شك في عدد الرضعات قبل الزواج فابن على الأحوط، والأحوط هو عدم الزواج، وإن كان بعد الزواج فلا نفرق بينهما إلا بيقين. أقول مرة أخرى: تزوج من امرأة رضع عليها، لكن المرضعة تقول: لا أذكر عدد الرضعات، فالزواج قائم؛ ولأن الزواج قائم فلا نستطيع أن نفرق بينهما. لكن إذا كنت متأكداً أنها رضعت لكن عدد الرضعات فيه مشكلة، فأغلق هذا الباب، والأحوط أن تترك هذا الباب.

تقييم كتاب صفة الصلاة للألباني

تقييم كتاب صفة الصلاة للألباني Q ما رأيك في كتاب صفة الصلاة للشيخ الألباني؟ A وهل أنا أقول رأيي في صفة الصلاة للشيخ الألباني! يا عبد الله! اتق الله شيخنا الألباني نحن نقول رأينا فيه؟ إذاً نحن لم نتعلم الأدب، وعلم بلا أدب كالنار بلا حطب، فكونك تقول: ما رأيك في كتاب صفة الصلاة للشيخ الألباني، هذا سؤال خطأ؛ لأنك تسأل طويلب علم عند الشيخ الألباني، فاتق الله في نفسك.

حكم طاعة الأب في عدم إعفاء اللحية

حكم طاعة الأب في عدم إعفاء اللحية Q والدي يعارضني في إعفاء اللحية فهل أطيعه أم لا؟ A لا طاعة له مطلقاً، تريد أن تذهب إلى أصحاب المنهج الحزبي، انظر سيقول لك: احلق لمصلحة الدعوة.

حكم الائتمام بالشخص المكروه

حكم الائتمام بالشخص المكروه Q هل يجوز الصلاة خلف من تكره، فقد سمعت أن هذا يبطل الصلاة؟ A إن كنت تكرهه لسبب شرعي، فنعم، وأما لغير هذا فلا. مداخلة: هو مسبل وحليق. الشيخ: مسبل وحليق، لكنه الإمام راتب أم لا؟ مداخلة: راتب. الشيخ: يصلي خلفه، والشيخ ابن تيمية له كتاب في هذا، جواز الصلاة خلف المبتدع والفاسق طالما أن البدعة ليست كفرية، لكن ينصح طالما لم يكفر، ولو وجدت مسجداً آخر، فاذهب للأتم والأصلح. مداخلة: ما هي البدع الكفرية؟ الشيخ: البدع الكفرية كمن يشد الرحال إلى القبور، ويطلب المدد من غير الله، ويذبح لغير الله.

حكم صلاة سنة الفجر بعد الفرض

حكم صلاة سنة الفجر بعد الفرض Q هل يجوز أن أصلي سنة الفجر بعد الفرض؟ A نعم، يجوز؛ لفعل الصحابة، وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم لهم على ذلك.

نصيحة لمن ينسى القرآن سريعا

نصيحة لمن ينسى القرآن سريعاً Q أداوم على حفظ القرآن، ولكني سريع النسيان ماذا أفعل؟ A صل به قيام الليل والفروض والنوافل، وتتبعه واقرأ تفسير الآيات التي تحفظها يثبته الله لك.

معنى القرء

معنى القُرء Q اللفظ المشترك بين الحيض والطهارة والخلاف بين الحنفية والشافعية فأيهما أرجح؟ A أنا أعرف اللفظ المشترك بالنسبة للقرء، {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228] هذا القرء حيض إلى حيض، أم طهر إلى طهر؟ الراجح أنه طهر إلى طهر.

حكم ترك الجماعة والخروج منها

حكم ترك الجماعة والخروج منها Q هل يجوز الخروج من الصلاة في الجماعة؟ A إذا كان لمصلحة فإنه يجوز، والدليل أن الرسول عليه الصلاة والسلام لما انفلت الرجل من وراء معاذ بن جبل وصلى بمفرده، هل أمره بالإعادة أم أقره على صلاته؟ يعني: إما أنه أطال الصلاة حتى أن المأموم خرج عن الخشوع، فانفلت وصلى بمفرده، فأقره النبي على فعله ولم يأمره بالإعادة. اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، اللهم تقبل صلاتنا، واختم بالباقيات الصالحات أعمارنا، اللهم ارزقنا علماً نافعاً، وقلباً خاشعاً، ولساناً ذاكراً، نعوذ بك يا رب من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن دعوة لا يستجاب لها.

العدة شرح العمدة [16]

العدة شرح العمدة [16] من طبع الإنسان السهو والنسيان، ومن ذلك سهوه ونسيانه في العبادات، ولما كانت الصلاة أكثر العبادات ممارسة كان السهو فيها أكثر، على أنه يفرق بين الأركان والواجبات والمسنونات، فالسهو في ركن يبطل الركعة، والسهو في واجب يجبر بسجدتي السهو، وأما المسنونات فلا تحتاج إلى سجود سهو، ويكون السجود للسهو قبل السلام وبعده.

أحكام سجود السهو

أحكام سجود السهو الحمد لله رب العالمين، شرع لنا دينا قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر:3]. وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: نواصل قراءة كتاب العدة شرح العمدة للإمام موفق الدين بن قدامة المقدسي الحنبلي رحمه الله تعالى، ومع باب: سجدتي السهو. وقبل أن أبدأ أريد أن أنبه إلى أننا عندما نطرح بحثاً فينبغي أن يهتم الحضور ببحث هذه المسألة، وقد طرحت في الدرس السابق بحثاً وهو: هل ترك الواجب المتعمد يبطل الصلاة أم لا؟ وذكرت أن أركان الصلاة اثني عشر ركناً، والواجبات سبعة، وحكم هذه الواجبات إن تركها المصلي عامداً، وذكرنا أن الحنابلة لهم في المسألة روايتان، وقد كنت أريد من الحضور أن يهتموا بهذه المسألة وأن يبحثوها لاسيما وأنها من المسائل المهمة في الصلاة.

الحكمة من سجدتي السهو

الحكمة من سجدتي السهو قال المصنف رحمه الله تعالى: (باب سجدتي السهو). قوله: (سجدتي) يشير إلى أن للسهو سجدتين، وعلل بعض الفقهاء الحكمة منها، فقالوا: السهو من الشيطان، فهو الذي يجعل الإنسان يسهو في صلاته، فيسجد ليغيظ ذلك اللعين ترغيماً لأنفه؛ لأنه أمر بالسجود فلم يسجد، وابن آدم أمر بالسجود فسجد، فجبرت بعض واجبات الصلاة بسجود سهو ترغيماً للشيطان.

السهو بزيادة فعل من جنس الصلاة

السهو بزيادة فعل من جنس الصلاة يقول المصنف: (السهو ينقسم إلى ثلاثة أقسام: أحدها: زيادة فعل من جنس الصلاة)، أن يزيد المصلي فعلاً من جنس الصلاة، كأن يزيد ركعة أو سجدة أو ركناً (فتبطل الصلاة بعمده، ويسجد لسهوه) وإن ذكر وهو في الركعة الزائدة جلس في الحال، وإن سلم عن نقص في صلاته أتى بما بقي عليه منها ثم سجد، ولو فعل ما ليس من جنس الصلاة لاستوى عمده وسهوه، فإن كان كثيراً أبطلها، وإن كان يسيراً كفعل النبي صلى الله عليه وسلم في حمله أمامة وفتحه الباب لـ عائشة فلا بأس. إذاً: القسم الأول من السهو: هو أن يزيد فعلاً من جنس الصلاة.

حالتا سجود السهو قبل السلام

حالتا سجود السهو قبل السلام ذكر الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله أقسام السجود قبل وبعد السلام، وقد قسم المسألة تقسيماً بديعاً في كتابه الممتع، ولعل بعض المطابع أخذت جزءاً من كتابه الممتع وسمته أحكام سجود السهو. قال: هناك حالتان قبل التسليمتين، وحالتان بعد التسليمتين. أما ما يسجد له قبل التسليمتين: فهما الشك ونسيان الواجب، بمعنى: أنك شككت في الصلاة هل صليت ثلاثاً أم أربعاً؟ فالواجب عليك أن تبني على الأقل، وهو ثلاث ركعات، وهذا يسميه العلماء اليقين: اليقين أنك صليت ثلاثاً، والشك أنك صليت أربعاً. ومراتب العلم ستة، وهي: الأولى العلم: وهو إدراك الشيء على حقيقته، فلو سئلت: متى كانت غزوة بدر؟ إن قلت: كانت في السنة الثانية من الهجرة، فهذا يسمى: (علم)، والعلم هو إدراك الشيء على حقيقته، أما لو قلت: كانت غزوة بدر في السنة الثالثة، فهذا نسميه: (جهل مركب)، وهو: إدراك الشيء على غير حقيقته، وهذا في زماننا حدث به ولا حرج. هذه الثانية، وإن قلت: لا أدري متى كانت غزوة بدر، فهذا يسمى (جهل بسيط)، لأنه لا يدري، ومن قال: لا أدري فقد أفتى. هذه الثالثة. الرابعة: لو قال قائل: غزوة بدر كانت في السنة الثانية الهجرية واحتمال أن تكون في السنة الثالثة، فهذا يسمى عند العلماء (الظن)، وهو إدراك المعنى الراجح مع احتمال مرجوح، يعني: ضعيف. الخامسة: لو قلت: غزوة بدر كانت في السنة الثالثة الهجرية، واحتمال أن تكون في السنة الثانية، فهذا يسمى (وهم)، أدرك المعنى المرجوح وأخر المعنى الراجح. السادسة: لو قلت: أنا لا أدري ربما تكون في الثانية وربما تكون في الثالثة، فهذا يسمى (شك)، أي: أنه استوى عنده الطرفان. إذاً: مراتب العلم ستة: علم، جهل مركب، جهل بسيط، ظن، وهم، شك، فقول المصنف: (شك) معناه: أنك ترى (50%) أنك صليت ثلاثاً، و (50%) أنك صليت أربعاً، ولا يوجد احتمال راجح، بل تتساوى الاحتمالات، فعندها يبني على الأقل وهو الثلاثة، ويقوم ويأتي بركعة؛ فإن كانت الخامسة فلا بأس، وإن كانت الرابعة فالحمد لله، ثم يسجد للسهو قبل التسليمتين، يسبح فيها كتسبيحه في السجود العادي، سبحان ربي الأعلى، لكن بعض الناس يقول: سبحان الذي لا يسهو ولا ينام، وهذا دعاء ليس له أصل في الشرع، إنما يسبح تسبيحاً عادياً. والواجبات سبعة، وهي: تكبيرات الانتقال، والتشهد الأوسط، والجلوس له، والتسميع، والتحميد عند الرفع من الركوع، والاستغفار بين السجدتين: (رب اغفر لي ثلاثاً)، ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم التسبيح في الركوع والسجود، والركوع والسجود ركن، ولكن التسبيح فيهما واجب. ولو أن المصلي نسي واجباً من واجبات الصلاة سهواً فعليه أن يسجد للسهو، والسهو للمنفرد، أما المأموم فلا يسجد للسهو إلا إذا سجد الإمام، فإن سها فلا يسجد بمفرده إنما يجبر سهوه الإمام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في البخاري عن الأئمة: (يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم). والمقصود: لو أن إماماً صلى بالناس جنباً حتى انتهت الصلاة، وبعد الصلاة تذكر أنه كان جنباً، فهل يعيد المأمومون الصلاة أم يعيد الإمام فقط؟ يعيد الإمام فقط، وأما المأموم فصلاته صحيحة؛ للحديث: (يصلون لكم؛ فإن أصابوا فلكم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم)، إذاً: يلزم الإمام أن يعيد الصلاة بمفرده ولا يلزم المأموم.

حالتا سجود السهو بعد السلام

حالتا سجود السهو بعد السلام أما الحالتان التي يسجد لهما بعد التسليمتين: فحالة الزيادة وحالة النقص، إن زاد في عدد الركعات أو قلل، وعمدتنا في ذلك حديث ذي اليدين في البخاري: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه إحدى صلاتي العشي)، في الكتاب (العشاء) وهذا غلط، وصلاتي العشي هما: الظهر والعصر، وصلاة الغداة هي صلاة الفجر. وصلاة العشي كل منهما أربع ركعات؛ لكن النبي عليه الصلاة والسلام صلاها ركعتين، فلما صلى سكت الصحابة وظنوا أن الصلاة قصرت، ونزل حكماً، فتأخر النبي صلى الله عليه وسلم إلى آخر المسجد وشبك بين أصابعه، وفي القوم رجل يسمى ذا اليدين، يعني: أن إحدى يديه أطول من الثانية، وهذه ليست غيبة؛ لأنها تعريف: القدح ليس بغيبة في ستة متظلم ومعرف ومحذر ولمظهر فسق ومستفت ومن طلب الإعانة في إزالة منكر أي: أن هذا للتعريف، وأبو هريرة هذا تعريف، وبشر الحافي تعريف، والأكوع تعريف، والأعرج تعريف، وطالما أنه يعرف بهذا فلا بأس أن تذكره بذلك؛ لأن هذا من قبيل التعريف، لكن لو أن رجلاً اسمه (محمد) وليس له لقب وأنت تعرفه بلقب، فهذا تنابز بالألقاب، أما إن كان مشتهراً بين الناس بهذا الاسم فهذه ليست غيبة. قال ذو اليدين: (يا رسول الله! أقصرت الصلاة أم نسيت؟ قال: لم؟ قال: صليت بنا ركعتين، قال: أحقاً ما قال ذو اليدين؟ قال الصحابة: نعم يا رسول الله! وفي القوم أبو بكر وعمر فقام النبي صلى الله عليه وسلم وكبر وصلى ركعتين ثم سجد للسهو بعد التسليمتين). ومن هنا استدل العلماء على أنه في حال النقص يسجد للسهو بعد التسليمتين. وفي حديث ابن مسعود قال لأصحابه: (إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإن نسيت فذكروني)، وهو ينسى للتشريع. قال المؤلف: (زيادة فعل من جنس الصلاة كركعة أو ركن) كرجل زاد في الصلاة ركعة، فإن زادها متعمداً فصلاته باطلة بلا خلاف، أو زاد فيها ركناً من أركانها الاثني عشر، ومعنى ذلك: أنه لا يجوز أن تقرأ الفاتحة مرتين، والبعض ينتهي من الفاتحة قبل الإمام فيعيدها الإمام مرة ثانية، لا. أنت الآن تحصل الركن أكثر من مرة. رجل ركع في الصلاة ركوعين، فإن كرر الركن فلا يجوز، وإن تعمد أن يزيد ركناً فصلاته باطلة. ولو زاد ركناً بسهو، يعني: سجد ثلاث سجدات، أو ركع ركوعين، أو صلى خمساً، فهذه زيادة فعل من جنس الصلاة تبطل الصلاة بعمده ويسجد لسهوه، وإن ذكر وهو في الركعة الزائدة جلس في الحال، والأركان لا بد من تحصيلها، لا تجبر بسجوده. وهذا يشبه حال بعض الأئمة عندما يقوم لخامسة، فيذكره من خلفه من الرجال بالتسبيح، والنساء يصفقن ببطون كفهن على ظهر الأخرى. وفي حديث أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ بلال: (إن تأخرت فأقم الصلاة، وائذن لـ أبي بكر) وذهب إلى صلح في قباء بين بني عوف. وهذا المعتبر أن الإمام الراتب عندما يتأخر يستخلف خليفة، ونحن الآن في مساجدنا نرى الإمام الراتب يغيب، وراتب الراتب يغيب، وهذا أمر نعاني منه في كثير من المساجد، والمؤذن يقدم على هواه، ويتقاتلون على الأذان والإمامة؛ لأن الراتب لا يعين خليفة. فلما حضرت الصلاة أقام بلال وصلى أبو بكر بالناس، وبينما هو في الركعة الأولى جاء النبي عليه الصلاة والسلام، فصفق الصحابة لـ أبي بكر، فأشار النبي صلى الله عليه وسلم وأشار إلى أبي بكر أن اثبت وأكمل، فتراجع الصديق رغم هذه الإشارة ووقف في الصف الأول بعد تكبيرة الإحرام، فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم وصلى بالناس إماماً، وبعد الصلاة قال له: (يا أبا بكر ما لك تراجعت إذ أمرتك -أن تكمل- قال: يا رسول الله! ما كان لـ ابن أبي قحافة أن يصلي إماماً برسول الله)، وهذا من أدب أبي بكر. ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من حزبه أمر في الصلاة إنما التسبيح للرجال والتصفيق للنساء). وقد بوب أبو داود باب التصفيق للنساء، إذا حزبها في الصلاة أمر تصفق. قال: (يسجد للسهو)، إن قام الإمام لخامسة وسبحنا فينبغي له أن يجلس، والإمام مسألته تختلف عن المنفرد؛ لأن له من يذكره، وعلى الإمام أن يذعن لرأي المجموعة ويجلس ويسجد للسهو. (وإن ذكر في الركعة الزائدة جلس في الحال، وإن سلم عن نقص في صلاته أتى بما بقي عليه منها ثم سجد)، والدليل هنا حديث ذي اليدين الذي ذكرت.

السهو بزيادة فعل ليس من جنس الصلاة

السهو بزيادة فعل ليس من جنس الصلاة قال المؤلف: (ولو فعل ما ليس من جنس الصلاة لاستوى عمده وسهوه، فإن كان كثيراً أبطلها، وإن كان كفعل النبي صلى الله عليه وسلم في حمله أمامة وفتحه الباب لـ عائشة فلا بأس). ومعنى أن المصلي فعل شيئاً ليس من جنس الصلاة: أنه قد يخرج منديلاً وينشف العرق، أو يتنخم إلى غير ذلك، فهذا ليس من جنسها، يستوي فيه العمد والسهو. قال المصنف هنا: (إن كان ليس من جنسها فيعفى عن يسيره) ولكن قد تبطل الصلاة إن كثر، لأنه ليس من جنس الصلاة، والنبي عليه الصلاة والسلام أتى بأفعال ليست من جنس الصلاة، مثل حمل أمامة بنت بنته ووضعها وهو في الصلاة، والحمل والوضع ليس من جنس الصلاة، حتى أنه صلى على المنبر للصحابة صلاة صحيحة ونزل من على المنبر، ثم تراجع وسجد في أصل المنبر، ثم قام وارتقى المنبر، ثم رجع وسجد، وهذا الرجوع فيه حركة ولكنها ليست كثيرة. فيقول المصنف هنا: (كالمشي والحك والتروح) إن كان كثيراً يبطل الصلاة؛ لأنه من غير جنسها (ولا يشرع له سجود، وإن قل لم يبطلها، لما روى أبا قتادة (أن النبي صلى الله عليه وسلم حمل أمامة بنت أبي العاص بنت بنته إذا قام حملها وإذا سجد وضعها) متفق عليه). وروي أنه فتح الباب لـ عائشة رضي الله عنها في الصلاة، والقليل مما شابه فعل النبي عليه الصلاة والسلام في فتحه الباب وحمله أمامة، والكثير إذا عد في العرف كثيراً فيبطل، إلا أن يفعله متفرقاً بدليل حمل النبي صلى الله عليه وسلم لـ أمامة في صلاته، حيث فعله متفرقاً لم يبطل وإن كان كثيراً. ومعنى هذا: أن الفعل إن كان ليس من جنس الصلاة فيعفى عن يسيره، وإن كان كثيراً متفرقاً فيعفى عنه أيضاً، لكن من يصلي وأتى بحركة ليست من جنس الصلاة وهي طويلة كالخروج إلى الشارع، فهذا خرج من الصلاة. أو أغلق الهاتف وهو يصلي، فصلاته صحيحة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم فتح الباب لـ عائشة وهو يصلي، وحمل أمامة بنت بنته وهو يصلي، وعندما يركع فإنه يضعها، وحينما يرفع من السجود يأخذها، وهذه كلها حركات ليست من جنس الصلاة. لكن لو أن الباب طرق وأنت وهو في غير اتجاه القبلة فلو فتحت ستنحرف عن القبلة وهذا لا يجوز. فالحركة لصالح الصلاة تجوز إن كانت يسيرة أو كثيرة متفرقة بين الركعات، وابن حجر في الفتح ذكر هذا، لما ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر بين أصحابه ليصلي لهم ويعلمهم الصلاة، فكبر تكبيرة الإحرام وهو على المنبر، وقرأ الفاتحة، ثم ركع، فإذا أراد أن يسجد تراجع ونزل من على المنبر، ثم نزل وسجد عند أصل المنبر عند الدرجة الأولى ثم سجد ثم اعتدل وقام وعاد على المنبر، قال ابن حجر في الفتح معلقاً: وفي الحديث جواز الفعل الكثير إن تفرق لصالح الصلاة. وحد الكثير والقليل العرف، ما يعتبروه الناس كثيراً وما يعتبره الناس قليلاً، وقد ذكر المصنف هنا أن القليل هو فعل النبي عليه الصلاة والسلام حينما فتح الباب لـ عائشة وحمل أمامة، أما من يصلي وأخرج ألف جنيه بعدها ثم غلط في العد ماذا أقول في شأنه؟ وآخر ينظر في الساعة، ثم فتح الساعة وحرك العقارب، أو أخرج التلفون يتصل في الصلاة، أو يقلب الرسائل، فهل هذا مصل؟ أما من نسي إغلاقه ودق ثم أخرجه وأقفله فلا. كذلك لو صلى، والغترة مالت على وجهه وعدلها فصحيح، أما من يهندم نفسه في الصلاة. فلا يصح، أو امرأة تصلي والطبيخ على النار، وتذهب للمطبخ فهذا ينهي الصلاة، أما لو كانت بجواره وأغلقته ثم صلت في اتجاه القبلة فلا بأس. وأيضاً يجب أن يخشع المرء في صلاته، فبعض الناس يريد أن يتابع المباراة في الصلاة، فيأتي بالتلفزيون أمامه، ويقول: من أجل أن يخشع في الصلاة، هذا لا يجوز.

سجود السهو بسبب نسيان واجب

سجود السهو بسبب نسيان واجب الضرب الثاني من السهو (كنسيان واجب، فإن قام عن التشهد الأول فذكر قبل أن يستتم قائماً رجع فأتى به، وإن استتم قائماً لم يرجع) رجل نسي التشهد الثاني، ثم تذكر قبل أن يستتم قائماً، فعليه أن يعود، أما إن استتم قائماً فلا يعود؛ لأنه يعود من ركن إلى واجب. ولو أن رجلاً في التشهد الأخير تذكر أنه لم يسجد السجدة الثانية؛ فإنه يسجد لأنه لم يفصل بين الركنين. قال المؤلف: (وإن نسي ركناً فذكره قبل شروعه في قراءة ركعة أخرى رجع فأتى به وبما بعده، وإن ذكره بعد ذلك بطلت الركعة التي تركها منها)، والمعنى: نسي السجدة الثانية، ثم قام من الركعة الثانية وقرأ الفاتحة، وركع واعتدل، وبعد أن اعتدل تذكر أنه نسي السجدة الثانية فإن الركعة كلها باطلة، ويأتي بركعة كاملة لأنه فصل بعد الركن بأركان، قام وقرأ الفاتحة وركع ثم تذكر أنه نسي ركناً لابد من تحصيل الركعة بكاملها، إذاً: الركعة الأولى تحذف من حساباته، ويأتي بركعة إضافية في آخر الصلاة؛ لأنه نسي ركناً وفصل بينه بأركان. قال المؤلف: (وإن نسي أربع سجدات من أربع ركعات فذكر في التشهد سجد في الحال وصحت له ركعة، ثم يأتي بثلاث ركعات)، والمعنى: أنا أصلي الظهر، ونسيت السجدة الثانية في الركعة الأولى، والسجدة الثانية في الركعة الثانية، والسجدة الثانية في الركعة الثالثة، والسجدة الثالثة في الركعة الرابعة، ثم وأنا أقرأ التشهد تذكرت أنني ما سجدت للأولى والثانية والثالثة والرابعة، فماذا أعمل؟ أسجد سجدة فتصح لي الركعة الرابعة فقط، وتعتبر الركعة الأولى صحيحة كاملة، وأقوم بصلاة ثلاث ركعات.

سجود السهو بسبب الشك

سجود السهو بسبب الشك قال المؤلف: (الضرب الثالث من سجود السهو: الشك، فمن شك في ترك ركن فهو كتركه له)، كأن شككت هل أقرأت الفاتحة أم لم تقرأ وأنت منفرد في صلاة، فكأنك لم تقرأ، إذاً تأتي بركعة كاملة، لأن الشك في ركن يلغيه. وأول الأركان تكبيرة الإحرام، وهي تختلف عن كل الأركان، إذا شككت أنك لم تكبر تكبيرة الإحرام فالصلاة من أولها لا تصح؛ لأن مفتاحها التكبير، وأنت خسرت المفتاح. وأركان الصلاة هي: تكبيرة الإحرام، قراءة الفاتحة، الركوع حتى تطمئن، الاعتدال من الركوع، السجود حتى تطمئن، الاعتدال من السجود، السجدة الثانية، قراءة التشهد الأخير، التسليمة الأولى، الاطمئنان في كل ما ذكرنا، الترتيب على ما ذكرناه، القيام بعد الركوع. الضرب الثالث من ضروب السهو: (الشك فمن شك في ترك ركن فهو كتركه له، ومن شك في عدد الركعات بنى على اليقين)، أي: الأقل، إلا الإمام خاصة، فإنه يبني على غالب ظنه؛ لأن الإمام وراءه من يذكره، لكن المنفرد ليس معه أحد، (ولكل سهو سجدتان قبل السلام إلا من سلم عن نقص في صلاته، والإمام إذا بنى على غالب ظنه، والناسي للسجود قبل السلام، فإنه يسجد سجدتين بعد سلامه، ثم يتشهد ويسلم. وليس على المأموم سجود سهو إلا أن يسهو الإمام فيسجد معه، ومن سها إمامه أو نابه أمر في صلاته فالتسبيح للرجال والتصفيق للنساء، (إذا نابكم أمر فالتسبيح للرجال والتصفيق للنساء))، والتصفيق ليس للرجال مطلقاً في الصلاة وخارجها. ذكر المصنف هنا أن السهو على ثلاثة أضرب: الأول: أن يزيد فعلاً من جنس الصلاة، والثاني: النقص كنسيان واجب، والثالث: الشك في ترك ركن، أو في عدد الركعات يبني على اليقين. وللفائدة: يوجد صحابي وحيد هو الذي صلى بالنبي صلى الله عليه وسلم إماماً، وهو عبد الرحمن بن عوف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في الركعة الثانية في الفجر ولم يدخل في الركعة الأولى، فوصول الإمام الراتب في الأولى يختلف عن وصوله في الثانية.

الأسئلة

الأسئلة

حكم من شك في الإتيان بركن

حكم من شك في الإتيان بركن Q دخلت الصلاة، وكبرت تكبيرة الإحرام، وقرأت دعاء الاستفتاح، وبينما أنا قائم شككت هل قرأت الفاتحة أم لا؟ A من شك في ترك ركن أتى به، فلابد أن يأتي به، وعلى هذا فعليه أن يقرأ الفاتحة طالما هو منفرد، والله تعالى أعلم.

مذهب الحنابلة فيمن نسي سجود السهو

مذهب الحنابلة فيمن نسي سجود السهو Q قال المؤلف: على من نسي السجود للسهو قبل السلام أن يسجد للسهو ثم يتشهد، فما معنى كلامه؟ A هذا كلام المذهب: من نسي أن يسجد للسهو، يسجد بعد أن يتذكر، ويتشهد ويسلم، والراجح أنه لا يتشهد.

أحوال استخلاف الإمام

أحوال استخلاف الإمام Q ما هي أحوال استخلاف الإمام لمن خلفه أو لمن ينوبه؟ A الاستخلاف حكم عام، فلو أن الإمام الراتب عرض له عارض فتأخر كأن أحدث أو أجنب فجذب مأموماً ليؤم الناس، فهذا اسمه استخلاف، أما حالة النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر فهي أخرى، فقد كانوا بدءوا في الصلاة ثم أتاهم وهم في الركعة الأولى فائتم الناس بالنبي صلى الله عليه وسلم. مداخلة: هل أكبر مع الإمام النائب من جديد؟ الشيخ: لماذا تكبر وقد كبرت، هل ستكبر مرتين؟ أنت كبرت ورائي وأنا الإمام، وأنا أستخلف سواي. حتى لو كان في الركعة الأولى.

حكم المأموم إذا قام الإمام لركعة خامسة

حكم المأموم إذا قام الإمام لركعة خامسة Q إذا قام الإمام لركعة خامسة، والمأموم متأكد من ذلك، وبعضهم قام رغم أنه متأكد فهل يجوز ذلك، مع العلم أن البعض الآخر لم يقم؟ A العلماء في هذه المسألة على خلاف، هل يجلس الذي أتى برابعة ويترك الإمام ويقرأ التشهد ويفارق؟ أم يجلس وينتظر حتى يجلس الإمام ويتشهد معه للمتابعة؟ والصواب: عليه أن يفارق؛ لأن الإمام لا يتابع في الخطأ، وإنما يتابع في الصواب، إذا الإمام أخطأ وأصر ولا يريد أن يقعد، فأنت لك أن تتشهد وتفارقه؛ لأن هذا خطأ ولا يتابع الإمام عليه. أما من قام إلى الخامسة ويعلم علم اليقين أنها خامسة فقد بطلت صلاته؛ لأنه زاد في الصلاة. والشيخ ابن عثيمين رحمه الله يختار الرأي الثاني وهو المفارقة، تسلم قبله لأنه لا يتابع في الخطأ، بل تسبح له فإن جلس فبها ونعمت، وإن أصر على المخالفة تفارقه، يعني: تخرج من الصلاة، وبالنسبة للإمام فقد يكون قام لخامسة لشك، فالشك يزول بالتسبيح، فلعله نسي الفاتحة وحينها هو من يقوم ويصحح، لكن أنا غير مطالب بالمتابعة؛ لأني لا أتابع في الخطأ، وإنما أتابع في الصواب. وبعضهم قالوا: إذا أخطأ الإمام وكان الخطأ لصالح الصلاة فإنه يجوز. إذاً: الشيخ ابن عثيمين اختار المفارقة وهي الصواب؛ لأن الإمام هنا أخطأ (إنما جعل الإمام ليؤتم به) يعني: في الصواب، وإن أخطأ كانت هذه دعوة مفارقة في هذه الحالة.

ضابط الفاصل الذي تنقطع به الموالاة بين الركعات في حق من نسي بعضها

ضابط الفاصل الذي تنقطع به الموالاة بين الركعات في حق من نسي بعضها Q لو أن الإمام صلى ركعتين وسلم وسلم معه المأمومون ثم ذكر بعد الصلاة فقام وصلاهما، فهل فعله هذا صحيح؟ A يشترط في الفترة الزمنية بين الركعتين المتممتين أن لا تطول؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخرج من المسجد. والإمام مالك له رأي عجيب في المسألة، يقول: إن خرج ومكث شهراً يأتي بركعتين، والصواب أن الأمر حده العرف، والنبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين ثم جلس في آخر المسجد، وحصل بينه وبين ذي اليدين حواراً وسأل الصحابة، لكن الفاصل لم يطل، ولم يخرج من المسجد. والراجح: أنه لا ينبغي أن يفصل بين الركعتين بمدة زمنية طويلة، والحد الذي فعله النبي عليه الصلاة والسلام أنه تأخر في آخر المسجد، فمثلاً: أنا صليت ركعتين، واستدرت بوجهي، فقيل لي: يا شيخ! أنت صليت ركعتين، صحيح؟ نعم والله صحيح، فنقوم ونأتي بالركعتين مباشرة، وليس هناك زمن محدد إنما العرف.

حكم المأموم إذا نسي الإمام التشهد الأوسط

حكم المأموم إذا نسي الإمام التشهد الأوسط Q إمام يصلي المغرب، وقام من الثانية إلى الثالثة دون أن يقرأ التشهد، ماذا يفعل المأموم؟ A طالما اعتدل الإمام قائماً فإن المأموم يقوم معه؛ لأنه لا يجوز إذا اعتدل أن يعود، والمأموم ظل جالساً وسبح له، لو أن الإمام فقيه يدعه يسبح للصبح، أنا قمت لركن، لن أعود إلى الواجب من ركن، والإمام جلس وظن أنه نسي سجدة، فجلس وتذكر أنه في التشهد الأوسط فقام مرة أخرى، فالإمام بطلت صلاته، إن كان جاهلاً يعذر بجهله، ولا يؤم الناس إلا فقيه بالصلاة حتى يستدرك هذه الأخطاء التي تعرض له.

حكم البسملة في الصلاة

حكم البسملة في الصلاة Q ما حكم البسملة في الصلاة؟ A البعض لا يبسمل في الفاتحة، والراجح أنها آية من الفاتحة، ونسيان آية كنسيان الفاتحة، فيكون قد نسي ركناً، ويلزمه أن يحصل ركعة كاملة، أما الذي لا يجهر بها فهذا هو السنة، فقد ثبت في الصحيحين من حديث أنس: (صليت خلف النبي وخلف أبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أياً منهم يقرأ ببسم الله الرحمن الرحيم، إنما كان يسر بها)، وأما عدم قراءتها ألبتة فهذا غير صحيح؛ لأن معناه أن يجعل الفاتحة ست آيات لا سبع آيات.

حكم من استخلفه الإمام قبل أن يكمل الفاتحة

حكم من استخلفه الإمام قبل أن يكمل الفاتحة Q استخلفني الإمام وأنا أصلي خلفه لأنه أحدث فقال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:4 - 5]، ثم خرج من الصلاة، فهل أكمل الفاتحة أم أبدأ من جديد؟ A تكمل الفاتحة؛ لأن قراءته صحيحة.

حكم مرور الصبي بين يدي المصلي

حكم مرور الصبي بين يدي المصلي Q هل نأخذ من حديث حمل الرسول صلى الله عليه وسلم لـ أمامة جواز مرور الصبية بين يدي المصلي؟ A الصبي غير المميز، نعم، أما الصبي المميز فلا، ولابد أن نعلم أن سترة الإمام سترة للمأموم.

حكم العمل في أماكن اللهو

حكم العمل في أماكن اللهو Q أعمل سباكاً في شركة أجنبية، تقوم بتشطيب الفنادق مع العلم أنه يوجد بارات وصالات ديسكو وحمامات سباحة وغير ذلك؟ A إن كان الفندق فيه بارات وصالات ديسكو فلا يجوز، لكن لو كان هناك فندق ليس فيه بارات فإنه يجوز فيه الاستعمال الحسن ويجوز فيه الاستعمال السيئ، إذاً أبني على الجميل، والإثم على من يستخدم، حتى لو أن قلبوا هذه الصالة لصالة أفراح ليس لي دخل، وصالة الديسكو معروف أنها لخمر فلا أصممها، فهناك حرام لذاته وهناك حرام لوصفه أو لغيره، والحرام لذاته لا يجوز أن تعمل فيه، والحرام لغيره إثمه على المستخدم وليس على الباني. مداخلة: حتى ولو كان متيقناً أنه يستخدم في الحرام؟ الشيخ: لا، المتيقن، لا يجوز له، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

العدة شرح العمدة [17]

العدة شرح العمدة [17] السنن الرواتب بمثابة سياج حفظ للفريضة، وبإحسان النوافل تكمل الفرائض، ومن داوم عليها فإنه ينال محبة الله تعالى بذلك، وهي اثنتا عشرة ركعة في اليوم والليلة، ومن تطوع أكثر في أوقات غير منهي عن الصلاة فيها فهو نور على نور.

السنن الراتبة

السنن الراتبة الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنة، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيّه من خلقه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شرٍ يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين والملأ الأعلى إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الإخوة الكرام الأحباب! طبتم جميعاً وطاب ممشاكم إلى بيت الله عز وجل، وأسأل الله سبحانه بفضله وكرمه أن يجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، وألا يجعل فينا ولا منا شقياً ولا محروماً، إنه ولي ذلك والقادر عليه. لا زلنا مع كتاب العدة شرح العمدة للإمام موفق الدين ابن قدامة المقدسي الحنبلي رحمه الله تعالى، ومع باب: صلاة التطوع، وهذا الباب مهم؛ لأنه يرتبط بعبادة متكررة. قال رحمه الله: [وهي على خمسة أضرب] أي: أنه قسم التطوع إلى خمسة أنواع: [أحدها: السنن الراتبة]. ومعنى قوله: السنن الرواتب أي: السنن التي ليست مطلقة وإنما هي مقيدة بالفرض ولها صفة الرتابة، أي: الاستمرار. لذلك قال: [وهي عشر ركعات]، أي: أن السنن الرواتب عشر ركعات، وهناك خلاف بين حديثين: أحدهما لـ ابن عمر قال فيه: إنها عشر ركعات، والآخر لـ عائشة رضي الله عنها أنها اثنتي عشرة ركعة، والخلاف بينهما في سنة الظهر، كما سأبين إن شاء الله تعالى. قال: [قال ابن عمر: (حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات: ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء في بيته، وركعتين قبل الصبح، كانت ساعة لا يدخل فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها)، وحدثتني حفصة: (أنه كان إذا أذن المؤذن وطلع الفجر صلى ركعتين)، متفق عليه. وآكدها ركعتا الفجر؛ قالت عائشة: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن على شيء من النوافل أشد تعاهداً منه على ركعتي الفجر)، وقال: (ركعتا الفجر أحب إلي من الدنيا وما فيها)، رواه مسلم، ويستحب تخفيفهما]. النافلة تعد بمثابة سياج حفظ للفريضة؛ لأنه إذا أصابك الفتور فيؤثر على النافلة، وإن لم يكن هناك نافلة وأصابك الفتور فيؤثر على الفريضة، فالنافلة بمثابة حفظ للفريضة. ثانياً: النافلة تعتبر تمهيداً للدخول إلى الفريضة، كصيام أيام من شعبان تمهيداً للدخول في صيام رمضان. ثالثاً: النافلة سبب لحب الله، قال تعالى في الحديث القدسي: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه)؛ لأنه يزيد على جنس الواجبات من جنسها المستحبات، قال ابن تيمية رحمه الله: الولي هو الذي يفعل الواجبات، ويضيف إليها المستحبات، ويتجنب المحرمات والمكروهات، ويترك بعض الأمور المباحة لأجل رضا ربه عز وجل. ومن المستحبات: السنن النوافل، كركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصليهما في بيته؛ لأن من السنة أن تجعل لبيتك نصيباً من الصلاة لا سيما صلاة النوافل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً)، وقد استنبط العلماء من هذا الحديث أن القبور لا يصلى فيها ولا يقرأ فيها القرآن، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين بعد العشاء في بيته، أما ركعتا الفجر وهما آكد السنن فقد كان صلى الله عليه وسلم يصليهما في بيته ويخفف فيهما، ولذلك يستحب فيهما التخفيف، وكان يقرأ فيهما بسورتي (الكافرون والإخلاص)، كذلك ركعتا المغرب. قال: [ويستحب تخفيفهما] أي: ركعتا الفجر، فإن ذلك من السنة. قال: [لأن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفف الركعتين قبل الصلاة، حتى أقول: هل قرأ فيهما بأم القرآن؟)، أخرجه أبو داود]. وهذا يشير إلى التخفيف، وليس معناه السرعة والنقر، إنما كان عليه الصلاة والسلام يخففهما بالنسبة للمعهود في صلاته عليه الصلاة والسلام، والمعهود في صلاته أنه كان يطيل. جاء في صحيح البخاري في باب تقصير الصلاة: عن أمنا عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (لم يكن النبي عليه الصلاة والسلام يصلي قيام الليل وهو قاعد أبداً إلا بعد أن أسن -أي: بعد أن تقدم سنه- كان يفتتح الصلاة قائماً ثم يجلس-يعني: يقعد- ويقرأ وهو قاعد، فإذا أراد أن يركع قام وقرأ ما يقرب من أربعين أو خمسين آية قائماً ثم يركع). وهذا يدل على أنه كان يقرأ في قعوده أكثر من خمسين آية، لذلك فإن أحب الص

صلاة الوتر

صلاة الوتر قال: [الضرب الثاني -يعني: القسم الثاني-: الوتر، ووقتها ما بين العشاء والفجر، لما روى أبو بصرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله زادكم صلاة فصلوها ما بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر الوتر)، وقال عليه الصلاة والسلام: (فإذا خشيت الفجر فأوتر بواحدة)، متفق عليه]. والإمام البخاري له كتاب في الصحيح اسمه كتاب الوتر في المجلد الثاني. والوتر سنة خلافاً للأحناف الذين قالوا: إنه واجب، والدليل على سنيته أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الوتر أحياناً على راحلته، ومعلوم أنه لا يجوز أن تصلى الفريضة على الراحلة، فدل ذلك على أن الوتر نافلة. ولذلك يقول ابن حجر: ولو أن البخاري لم يضع هذا الباب في كتاب الوتر لظننت أنه يقول بالوجوب، أي: باب: صلاة الوتر على الراحلة، وهذا من فقه البخاري. وكان يوتر أحياناً في أول الليل يعني: بعد العشاء، وأحياناً في وسط الليل، وأحياناً في آخر الليل، وكان آخر عهده أنه كان يوتر في آخر الليل، لكنه قال لـ أبي ذر: (أوصاني خليلي -أي: حبيبي- بثلاث: أن أوتر قبل أن أنام، وبصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وبصلاة الضحى)، وإنما قال لـ أبي ذر: (أوتر قبل أن تنام)، وذلك أخذاً بالحيطة، إذا أوترت في أول الليل فربما تستيقظ مع الفجر وقد أوترت، وإن غلب على ظنك وتيقنت أنك ستقوم قبل الفجر فلك أن توتر بعد الاستيقاظ من النوم. قال رحمه الله: [وأقله ركعة] كما في حديث البخاري: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة)، وهذا هو الأولى أن يصلى الوتر مثنى مثنى ثم الإيتار بركعة واحدة، لحديث: (وكان النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً يصلي الوتر ثلاثاً بتشهد واحد)، وليس بتشهدين كصلاة المغرب فإن هذا لا يجوز. قال رحمه الله: [وأكثره إحدى عشرة ركعة؛ لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ما بين العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين ويوتر بواحدة) متفق عليه. وأدنى الكمال ثلاث بتسليمتين، لما روى عبد الله أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوتر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (افصل بين الواحدة والثنتين بالتسليم)] يعني: صل ركعتين ثم سلم ثم صل ركعة واحدة وسلم، فهذه هي أفضل طريقة لصلاتها، أما من صلاها متصلة فهو جائز؛ فقد ثبت عنه ذلك صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ بسبح اسم ربك الأعلى في الركعة الأولى، وبالكافرون في الركعة الثانية، وبالإخلاص في الركعة الثالثة. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقنت في الوتر قبل الركوع أحياناً، وبعد الركوع أحياناً، وأحياناً كان لا يقنت وكل الأفعال ثابتة، فالسنة أن تقنت قبل الركوع أو بعد الركوع، أو تترك القنوت طالما أن ذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فمن السنة أن تفعل الثلاث، ولا تستدم على حال. ومن البدع في القنوت: ما يفعله البعض في دعاء القنوت من إطالته بطريقة تخالف السنة، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم. قال رحمه الله: [ويقنت بعد الركوع؛ لما روى أبو هريرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت بعد الركوع)، والقنوت الدعاء]. ولفظ القنوت أورد له الحافظ العراقي عشرة معاني، منها: الدعاء. قال رحمه الله: [وهو ما روي عن عمر: أنه قنت فقال: اللهم إنا نستعينك ونستهديك، ونستغفرك ونؤمن بك، ونتوب إليك، ونتوكل عليك، ونثني عليك الخير كله، نشكرك ولا نكفرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك الجد بالكفار ملحق، اللهم عذب كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك. وروى الحسن قال: (علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت) رواه الترمذي]. وإذا كان المصلي إماماً فإنه يأتي بصيغة الجمع لا الإفراد، أما المأموم فإنه يؤمن عند الدعاء. وهنا أخطاء يقع فيها بعض الناس في الدعاء، منها قولهم: وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، والصواب: وقنا شر ما قضيت، أو قولهم: إنك تقضي بالحق، والصواب: إنك تقضي ولا يقضى عليك، أو زيادة لفظة يا الله بعد قوله: إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت، وهذا غير وارد. ويجوز التأمين بلفظ آمين فقط، والثناء على الله عند آيات الثناء، أو تقول: سبحانك، في سرك، ففي هذا تنزيه لله، أما أن تقول: حقاً، أشهد، يا الله! فهذا كلام غير

صلاة التطوع

صلاة التطوع قال رحمه الله: [القسم الثالث: التطوع المطلق -أي: غير المقيد بصلوات- وتطوع الليل أفضل من تطوع النهار؛ لأن الله سبحانه أمر به نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} [المزمل:1 - 2]]، والدليل الأبين من هذه الآية: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل:6]، يعني: صلاة الليل أفضل من صلاة النهار. قال رحمه الله: [وقال تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء:79]، وروى أبو هريرة قال: قال صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل)، والنصف الأخير من الليل أفضل من النصف الأول؛ لما روي عن عائشة -في الحديث الذي رواه مسلم - قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام أول الليل ويحيي آخره، ثم إن كانت له حاجة إلى أهله قضى حاجته ثم ينام، فإذا كان عند النداء الأول وثب فأفاض عليه الماء؛ وإن لم يكن جنباً توضأ)، وصلاة الليل مثنى مثنى؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (صلاة الليل مثنى مثنى)] ومن التطوع المطلق قيام الليل، والصلاة ما بين المغرب والعشاء تطوع مطلق ليس في وقت الكراهة، وكذا الصلاة من بعد الظهر إلى العصر تطوع مطلق. قال رحمه الله: [وصلاة الليل مثنى مثنى، وصلاة القاعد على النصف من صلاة القائم]. فلو صلى المصلي التطوع المطلق وهو قاعد فيجوز له ذلك لكن له نصف أجر صلاة القائم، وهذا يشترط فيه أن يكون قادراً على القيام، فإن قعد لعجزه فله الأجر كاملاً، لأن هذا من باب المشقة. قال رحمه الله: [لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الرجل قاعداً نصف الصلاة)، وقال عليه السلام: (من صلى قائماً فهو أفضل ومن صلى قاعداً فله نصف أجر صلاة القائم) رواه البخاري. وقالت عائشة رضي الله عنها: (إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى كان كثير من صلاته وهو جالس)، أخرجه مسلم] وله رواية أيضاً في البخاري.

ما تسن له الجماعة

ما تسن له الجماعة قال رحمه الله: [الضرب الرابع: ما تسن له الجماعة]. يعني: منها ما تسن له الجماعة ومنها ما لا تسن له الجماعة، والأصل فيها أنها فرادى، كسنة المغرب.

صلاة التراويح

صلاة التراويح قال رحمه الله: [وهو ثلاثة أنواع: أحدها: التراويح وهي عشرين ركعة بعد العشاء في رمضان]، وهذا اختيار المذهب وإنما الراجح أنها إحدى عشرة ركعة، لكن الخلاف سائغ؛ لأنه ثبت أن بعض الصحابة زاد عن إحدى عشرة ركعة، ولعلمائنا رسائل عديدة في هذا الموضوع، ولا نحجر واسعاً. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: إن أردت أن تزيد عدد الركعات فقلل من حجم القراءة، وإن أردت أن تزيد في القراءة فقلل من عدد الركعات، وهذا على حسب حال المأمومين، وهذا كله وارد، وهو من الخلاف السائغ. قال رحمه الله: [لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان وأقامه إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)، متفق عليه، وقام النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه ثلاثاً ثم تركها خشية أن تفرض، فكان الناس يصلون لأنفسهم حتى خرج عمر وهم أوزاع -يعني: متفرقون- يصلون، فجمعهم على أبي بن كعب، قال السائب بن يزيد: لما جمع عمر الناس على أبي وكان يصلي بهم عشرين ركعة، والسنة فعلها جماعة، أخرجه البخاري]. ورواية العشرين ركعة التي سنها عمر فيها كلام في تخريجها، إنما أياً كان فإن الراجح: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى التراويح في جماعة في أول يوم في رمضان وثاني يوم وثالث يوم، وامتلأ المسجد بالمصلين، فخشي أن تفرض على الأمة فتركهم في اليوم الرابع، فظلوا جلوساً حتى أذن الفجر فخرج إليهم وقال: (لم يخف علي مكانكم، لكني خشيت أن تفرض عليكم). ولما كانت خلافة عمر رضي الله عنه وجدهم متفرقين يصلون فرادى، فجمعهم على أبي بن كعب، ثم قال: نعمت البدعة هذه، ولا يوجد شيء اسمه بدعة حسنة، فإن عمر رضي الله عنه لم يأت بجديد، والعلة قد انتهت، وهي قوله صلى الله عليه وسلم: (خشيت أن تفرض عليكم). فقد انقطع الوحي بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم فـ عمر أمن من أن تفرض فعاد إلى أول عهدها، فقال: نعمت البدعة، قال ابن تيمية: البدعة في قول عمر هي البدعة بمعناها اللغوي وليست البدعة بمعناها الشرعي. وأهل البدع يستدلون علينا بهذا الحديث على الابتداع في الدين، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (كل بدعة ضلالة)، وطالما أنها بدعة فهي ضلالة. وعمر رضي الله عنه لم يأت بجديد، إنما أقام أمراً مشروعاً فعله النبي عليه الصلاة والسلام، فأراد البدعة بمعناها اللغوي، ولم يرد بمعناها الشرعي، فانتبه إلى هذا المعنى. وسميت صلاة التراويح بهذا الاسم؛ لأنهم كانوا يستريحون بين كل ركعتين، فإنهم كانوا يطيلون فيها القيام، بخلاف الأئمة في زماننا الذي يخففون في القراءة تخفيفاً مفرطاً. ومن البدع: قول بعض الناس بعد الانتهاء من صلاة التراويح: الصلاة والسلام عليك يا أول خلق الله، الصلاة عليك يا رسول الله، ثلاثة آلاف صلاة عليك يا رسول الله، مع أن هذه العبارة تتضمن صلاة واحدة، كمن قال بعد الصلاة: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر ثلاثاً وثلاثين، فإنها تحسب مرة واحدة؛ لأنه إذا تلفظ بالذكر مع العدد فإنها لا تعد إلا مرة واحدة. ومن البدع أيضاً: قول بعض الناس قبل الوتر: أوتروا واستقبلوا شهر الصيام أثابكم الله، وعمل ورد لكل ركعتين من عند شيطانه، يملي عليه هذا، وإذا قلنا: بدعة، قالوا: هؤلاء أهل السنة يكرهون أهل البيت. فنقول لهم: هل النبي صلى الله عليه وسلم فعلها أم لم يفعلها؟ فسيقولون: لم يفعلها لكن باب الذكر مفتوح، فنقول لهم: لا بد من الالتزام بالسنة. ومن البدع أيضاً: قراءة سورة الإخلاص بصوت جماعي موحد ثلاث مرات بين كل أربع ركعات، حتى أن المسبوق بركعة أو أكثر لا يستطيع أن يتم صلاته، فهذه بدع محدثة ما أنزل الله بها من سلطان، وخير الهدي هدي محمد عليه الصلاة والسلام. قال الإمام الشافعي: من استحسن فقد شرع. أيها الإخوة الكرام! حينما تحدثنا عن التعدي في الدعاء لا يؤثر ذلك على صحة الصلاة، فهناك أخ فاضل عزيز يقول: أنت تدعو أحياناً لبعض البلاد باسمها، والآن تحذر من الدعاء، فبأي القولين: نأخذ بفعلك أم بقولك؟ فأقول: هذا الفهم لا ينبغي أن يكون فهم طالب علم، فالعراق مبتلاة فلا بد أن أدعو لها بالاسم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا على قبيلتين وخصهما بالاسم، ولا تعدد البلاد إن زادت عن واحدة، ما دام وأنها مبتلاة، فأحياناً نخصص الدولة في زمن البلاء الفعلي لها، إنما لا ينبغي التعدد لأن بعض الأئمة يعدد بلداناً كثيرة، إنما إن كانت بلدة واحدة أو اثنتين فلا مانع كفلسطين والعراق.

صلاة الكسوف

صلاة الكسوف قال: [النوع الثاني: صلاة الكسوف] تسن لها الجماعة، [فإذا انكسفت الشمس أو القمر فزع الناس إلى الصلاة -أي: في جماعة- لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: (خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث منادياً ينادي: الصلاة جامعة، وخرج إلى المسجد فصف الناس وراءه، وصلى أربع ركعات في ركعتين وأربع سجدات)، متفق عليه]. إذاً: تشرع الجماعة لصلاة كسوف الشمس وخسوف القمر، أو كسوف الشمس وكسوف القمر، أو خسوف الشمس وخسوف القمر، وهذا كله جائز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الشمس والقمر آيتان لا ينكسفان أو ينخفسان)، فكلمة الكسوف يمكن أن تحل بدلاً من الخسوف. وبوب البخاري فقال: باب الخسوف للشمس والقمر؛ حتى يبين هذا المعنى، أي: أن الخسوف يمكن أن يطلق على القمر مع الشمس، ومعروف أن الكسوف ينقسم إلى قسمين: كسوف كلي، وكسوف جزئي، ويشرع في الكسوف أن ينادي للناس فيقال: الصلاة جامعة، وقاس بعضهم العيد، ولا قياس، فلا يشرع في العيد أن تقول: الصلاة جامعة؛ لأن هذا قول ضعيف جداً، فلا يشرع إلا في صلاة الكسوف. أما كيفية صلاة الكسوف فهي ركعتان في كل ركعة ركوعان وسجودان. والأفضل أن تصلى صلاة الكسوف في جماعة، فيكبر الإمام ويقرأ الفاتحة وسورة طويلة، ويفعل كما روت عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما انكسفت الشمس خرج إلى المسجد وصف الناس وراءه، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة طويلة ثم كبر وركع، ثم رفع رأسه، وقال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم قام فقرأ قراءة طويلة). إذاً: صفة صلاة الكسوف هي أن يكبر الإمام ثم يدعو دعاء الاستفتاح ويقرأ الفاتحة وسورة طويلة كالبقرة، ثم يركع، ثم يعتدل من الركوع ويقرأ مرة ثانية الفاتحة وآل عمران مثلاً ثم يركع ثم يعتدل من الركوع الثاني ثم يسجد، وهكذا في الركعة الثانية، فقد فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم حتى انجلت الشمس، متفق عليه.

صلاة الاستسقاء

صلاة الاستسقاء قال رحمه الله: [الثالث: صلاة الاستسقاء -والاستسقاء يعني: طلب السقيا- إذا أجدبت الأرض، واحتبس القطر، خرجوا مع الإمام على الصفة التي خرج عليها الرسول صلى الله عليه وسلم للاستسقاء متبذلاً -يعني: غير متجمل- متواضعاً متخشعاً متضرعاً حتى أتى المصلى فلم يخطب كخطبتكم هذه، ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير، وصلى ركعتين كما يصلي في العيدين، ثم يخطب خطبة واحدة يفتتحها بالتكبير كخطبة العيد بعد الصلاة؛ لأن أبا هريرة رضي الله عنه قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خطب بنا) وهذا صريح؛ ولأنها تشبه صلاة العيد وخطبتها بعد الصلاة. وعنه -أي: عن أحمد - لا يخطب؛ لقول ابن عباس: لم يخطب كخطبتكم هذه] وصلاة الاستسقاء كصلاة العيدين، ففي الركعة الأولى سبع تكبيرات، وفي الركعة الثانية: خمس تكبيرات، يقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى:1]، وفي الركعة الثانية يقرأ بعد الفاتحة {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:1]. ثم بعد الصلاة يخطب الناس خطبة كخطبة العيد، ثم يقلب رداءه ويستقبل القبلة، ويدعو الله عز وجل. ومعنى قلب الرداء: هو أن يجعل الكم اليمين في الشمال والشمال في اليمين، والوجه وراءه والظهر قدامه، ويتضرع ويستغفر ويدعو الله الإمام والمأموم، ولذلك قال المصنف: [ويكثر فيها من الاستغفار، وقراءة الآيات التي فيها الأمر به مثل: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح:10 - 11]، وقوله تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [هود:3]، ويحوّل الناس أرديتهم -وفي ذلك إشارة إلى تحول الحال، والتواضع والخشوع- وهو أن يجعل الأيمن على الأيسر، والأيسر على الأيمن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك تفاؤلاً أن يحول الله الجدب خصباً، رواه سعيد بإسناده]. وصلاة الاستسقاء في المصلى كالعيد، ويجوز أن تصلى في المسجد، والدليل: أن أعرابياً دخل من باب المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب الجمعة وسأله أن يستسقي، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم وأمنّ الناس وحول الرداء، قال البخاري في صحيحه: باب الاستسقاء في المسجد، لكن السنة أن تكون الصلاة في المصلى، وقد كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للاستسقاء في المسجد يوم الجمعة، يقول أنس: ولم نر في السماء قزعة، يعني: سحابة، فإذا بسحاب يتجمع فوق المسجد على المدينة، وإذا بالسماء تمطر كأنها القرب، يعني: فتحت حتى انغمر مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالماء، فظل الماء أسبوعاً كاملاً حتى سجد النبي بين الماء والطين عليه الصلاة والسلام، فجاء الأعرابي السابق، وقال: يا رسول الله! هلك الزرع والضرع ادع لنا ربك أن يمسك الغيث، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم حوالينا ولا علينا)، إشارة إلى أن هناك أماكن تحتاج إلى الماء فهذا الماء ينصرف إليها. قال رحمه الله: [وإن خرج أهل الذمة لم يمنعوا -يعني: إذا خرجوا مع المسلمين لم يمنعوا من ذلك، لكن لا يصلون وينفردون عن المسلمين- لأنهم يطلبون الرزق فلا يمنعون منه].

سجود التلاوة

سجود التلاوة قال رحمه الله: [الخامس: سجود التلاوة، وهي أربع عشرة سجدة]، ومواطن السجود في القرآن الكريم هي في سورة الأعراف، ثم الرعد، ثم النحل، ثم الإسراء، ثم مريم، ثم الحج في موضعين، ثم النمل ثم الفرقان ثم السجدة، (ص) وهذه مختلف فيها ثم النجم، ثم الإنشقاق ثم في العلق، ومجموعها أربع عشرة سجدة. قال رحمه الله: [ويسن السجود للتالي والمستمع دون السامع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سجد وسجد أصحابه معه، ولا نعلم فيها خلافاً]، والراجح أن السجدة سنة وليست فرضاً؛ لأن عمر بن الخطاب قرأ على المنبر سورة النحل يوم الجمعة فنزل وسجد، وفي الجمعة التي بعدها قرأ نفس الآيات من سورة النحل ولم ينزل ولم يسجد، قال: أردت أن أعلمكم أنها سنة، أي: أن من سجد فله الأجر ومن لم يسجد فلا شيء عليه. والنبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك أيضاً لبيان أن السجود سنة [لحديث ابن عمر قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا السورة في غير الصلاة فيسجد ونسجد معه حتى لا يجد أحدنا مكاناً لموضع جبهته)]. وهناك فرق بين السامع والمستمع، فالمستمع هو الذي يجلس مع القارئ ويستمع قراءته، أما السامع فهو الذي يسمع القرآن دون أن يجلس مع القارئ في الحلقة. وسجود التلاوة فيها خلاف بين العلماء هل يشترط لها ما يشترط للصلاة؟ والجمهور اشترطوا لها ما يشترط للصلاة من استقبال القبلة وستر العورة والطهارة، وشيخ الإسلام ابن تيمية ومعه مجموعة كبيرة من العلماء ولهم في السلف سبق يرون أنه لا يشترط لها ما يشترط للصلاة، ودليلهم أن بعض الصحابة سجدوا لما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم سورة النجم إلى غير القبلة وعلى غير وضوء، والخلاف بين الفريقين خلاف معتبر. ومن قال: يشترط لها ما يشترط للصلاة قال: فلا بد أن تكبر قبلها، وعند الرفع منها، وأن تسلم بعد الانتهاء؛ لأنها جزء من الصلاة فيشرع لها ما يشرع للصلاة، ومن قال: لا يشترط لها استقبال القبلة ولا الطهارة قال: تكبر وعند الرفع لا تكبر ولا تسلم، وهذا الخلاف بين العلماء في سجود التلاوة لسنا بصدد الترجيح وبيان الراجح من المرجوح. لعله هنا يقول: (يقرأ علينا السورة في غير الصلاة فيسجد ونسجد معه حتى لا يجد أحدنا مكاناً لموضع جبهته). قال رحمه الله: [فأما السامع غير القاصد للسماع فلا يستحب له، لما روي عن عثمان رضي الله عنه أنه مر بقاص فقرأ القاص سجدة ليسجد عثمان فلم يسجد، وإنما قال: إنما السجدة على من استمع لا على من سمع، وقال عمر وابن مسعود: وإنما جلسنا لها ولا مخالف لهما في عصره، ويكبر إذا سجد وإذا رفع ثم يسلم. المهم أن الإمام إذا كان في الصلاة ومر بآية بها سجدة فله أن يسجد ويكبر عند السجود وعند الرفع، هذا هو الثابت ولا خلاف عليه.

الأسئلة

الأسئلة

القنوت في الصلاة

القنوت في الصلاة Q متى يكون القنوت، قبل الركوع أم بعده؟ A خصص بعض العلماء أن القنوت قبل الركوع في الفريضة، وبعد الركوع في الوتر، لكن الراجح أن القنوت قبل الركوع أو بعده سواء في الفريضة أو الوتر.

عدد صلاة التراويح

عدد صلاة التراويح Q كم عدد صلاة التراويح؟ بالرغم من أن بعض الناس يقولون: إنها عشرون ركعة؟ A هذا كلام رد عليه الشيخ ابن باز وابن عثيمين، وأخونا الشيخ مصطفى العدوي حيث عمل رسالة خاصة، قال فيها: إن صلاة التراويح إحدى عشرة ركعة لا زيادة، وهذا رأي شيخنا العلامة الألباني رحمه الله: أنه ما زاد عن إحدى عشرة ركعة، وهذا هو الرأي الراجح.

حكم قراءة غير الفاتحة في الصلاة

حكم قراءة غير الفاتحة في الصلاة Q ما حكم قراءة القرآن في الصلاة؟ A قراءة القرآن في الصلاة سوى الفاتحة سنة وليست من الواجبات أو الأركان. ومن نسي فليس عليه شيء. وإذا قرأ الفاتحة ثم ركع أجزأ وصلاته صحيحة وليس عليه سهو، لأن قراءة السورة بعد الفاتحة من السنن وليست من الواجبات.

حكم من عجز عن سجود التلاوة

حكم من عجز عن سجود التلاوة Q ما حكم من عجز عن سجود التلاوة؟ A ليس عليه السجود، وبعض العلماء قال: يومئ برأسه مشيراً إلى السجود للعجز عنه.

حكم سجود التلاوة بدون تكبير

حكم سجود التلاوة بدون تكبير Q ما حكم من سجد سجدة التلاوة بدون أن يكبر؟ A هذا فعل غير صحيح، إذا سجد كبر وإذا رفع كبر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فعل ذلك كبر، والذي يرفع بدون تكبير معه دليل ضعيف. وهكذا في الصلاة يكبر عند السجود وعند الرفع؛ لحديث: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يكبر إذا سجد وإذا رفع)، وعندما تحمل النصوص الأخرى على غير ذلك فهذا يحتاج إلى فقه، قال في المغني: الراجح: التكبير إذا سجد وإذا رفع من السجود، ومن قال بغير ذلك فقد استنبط من نص واحد وعكس الفهم.

حكم التسليم من سجدة التلاوة

حكم التسليم من سجدة التلاوة Q ما حكم التسليم من سجدة التلاوة؟ A من اشترط من علمائنا أن سجدة التلاوة كالصلاة وأنها جزء منها قال: يسلم منها، ومن قال: إنها تجوز بغير وضوء وإلى غير القبلة قال: لا يسلم.

بطلان حديث الشيطان

بطلان حديث الشيطان Q الأخ الفاضل بعث إلي حديثاً الأسبوع الماضي، يعرف بحديث الشيطان، وهو: بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالس مع أصحابه إذ طرق الباب طارق، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام لأصحابه: أتدرون من في الباب؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إنه إبليس، فقال عمر: يا رسول الله! دعني أضرب عنقه. A هذا يعني: أن عمر جاهل بالقرآن، يقول تعالى: {قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ} [الحجر:37 - 38]، فهذا كذب وافتراء وكما قيل: طالما المغفل موجود النصاب بخير، فقد ظهرت وصية الشيخ أحمد. وكذا الحديث المؤلف والمفترى والذي يزعم قائله أنه قدسي وأن الله تعالى قال فيه: يا ابن آدم خلقتك وجعلت لك قراراً في بطن أمك، وغشيت وجهك بغشاء حتى لا يؤذيك منظر الرحم، وجعلت وجهك في ظهر أمك حتى لا تؤذيك رائحة الطعام، علمتك القيام والقعود في بطن أمك -هل الجنين يقوم ويقعد في بطن أمه؟! - وجعلت لك متكأً عن اليمين ومتكأً عن اليسار؛ فأما الذي عن اليمين فالكبد وأما الذي عن اليسار فالطحال، فلما اكتمل مدة الحمل أمرت ملك الأرحام أن يخرجك على ريش من جناحه لا لك سن يقطع ولا يد تبطش ولا رجل تمشي بها، وأنبت لك عرقين رقيقين في ثديي أمك يخرجان لك لبناً خالصاً حاراً في الشتاء، بارداً في الصيف، ووضعت محبتك في قلب أبويك فلا يأكلان حتى تشبع، ولا يرقدان حتى تنام، فلما اشتد عودك بارزتني بالمعاصي واعتمدت على المخلوقين ولم تعتمد علي، وبارزتني في المعاصي في خلواتك ولم تستح مني. اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، اللهم تقبل منا يا رب العالمين.

العدة شرح العمدة [18]

العدة شرح العمدة [18] الإمامة لها أحكام شرعية كثيرة، منها: أنه لا تصح إمامة المرأة بالرجال، ولا تصح إمامة الذي لا يحسن الفاتحة، ويصح إمامة المتنفل بالمفترض والمتيمم بالمتوضئ، ويقف المأمومون خلف الإمام، وإن كان واحداً فعن يمين الإمام، أما عن يساره أو قدامه فلا، وتقف المرأة إمامة للنساء في وسطهن.

الرد على العلمانيين الذين ينكرون الحجاب الإسلامي ويتهجمون على أصول الدين

الرد على العلمانيين الذين ينكرون الحجاب الإسلامي ويتهجمون على أصول الدين الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين أما بعد: أيها الإخوة الكرام الأحباب! نواصل اللقاء مع الفقه الحنبلي من كتاب العدَّة شرح العمدة للإمام موفق الدين ابن قدامة المقدسي، ولكن قبل أن نعيش مع موضوعنا هذه الليلة دفع لي بعض الإخوة مقالاً في كتاب موجود لرجل معروف بردته قبل ذلك، وقد أصدر الأزهر فتوى بردته واستتابته واسم الكتاب (حقيقة الحجاب وحجية الحديث)، يتطاول فيه على الحجاب الشرعي، وعلى الآيات القرآنية التي جاءت في ذكر آية الحجاب، ولا أدري ماذا يريد؟ هل يريد للنساء أن يخرجن عاريات؟ فإن الفطرة السليمة السوية تقبل الحجاب، أما صاحب الفطرة التي فيها دخن فإنه يحب لزوجته أو لابنته أن تسير عارية الذراعين أو الفخذين أو الصدر وينظر إليها الرجال، إن كان يحب ذلك فهذه دياثة؛ فليراجع الأوراق. وليست بجديدة هذه الهجمة الشرسة على الحجاب الذي فرضه الله عز وجل. ثانياً: ذكر في مجلة حمراء -وما أكثر المجلات الحمراء في هذا الزمن الذي وسِّد فيه الأمر إلى غير أهله- أن معظم الباعة الذين يجلسون بجوار مسجد العزيز يلبسون ثياباً بيضاء قصيرة، ويطلقون اللحى؛ كأنه يستهزئ من هذا السمت، وذكرت المجلة أن الباعة يمولون الإرهاب. الله أكبر! وهؤلاء أناس لا عقول لهم، هل انتهت أزمة الأمة؟! يا عباد الله! نسأل الله لكم العافية. ثالثاً: والتقط صورة لأخت منتقبة، وهذا السمت يزعجهم ويقلقهم ويمرض قلوبهم، فهم يريدون للنساء العري والإباحية والاختلاط. ولو أنه ذهب والتقط صورة على (الكرنيش) لشاب يحضن فتاة ويقبلها لكان ذلك يعجبهم. وأبناؤهم هم الذين يفعلون هذا، لا شك في ذلك ولا مراء ولا جدال، فالمسألة -إخوتي الكرام- مسألة مزايدة، فهم يقولون: الحقوا يا ناس! الإرهاب من عند مسجد العزيز وفي الشوارع، فهم يظهرون غير ما يبطنون، وينتسبون إلى اللادين، ليس عندهم دين ألبتة، بل علمانية لها تصور في الشريعة وفي العقيدة كما بينا، تصور العلمانية في الشريعة أن هناك فرقاً بين الدين والدنيا، والدين لا يدخل في الأحكام الدنيوية، وهذا اسمه فصل الدين عن الدولة، يعني: الدين مساجد عبادة تماتم تسبيحات، إنما الأحكام والمعاملات ليس لها دخل بالدين. إذاً: العلمانية العفنة في أقبح صورها هي: فصل الدين عن الدولة، أما في مجال العقيدة فهؤلاء يؤمنون بكل محسوس، فما أحسوه آمنوا به، وما لم يحسوه لم يؤمنوا به؛ فهذه العلمانية في أبسط صورها، وهي بدعة أوروبية مستوردة. وهذه المجلات الهابطة الداعرة يتسلط فيها أصحابها بجهل أو بأسلوب متعمد على شرع الله عز وجل وعلى دين الله تبارك وتعالى وهم أبواق تردد ما يملى عليها. طبعاً! مجلة في هذا الحجم وبهذه الطبعة الفاخرة تكلف آلاف الجنيهات، وأنا أنصح بعدم شراء هذه المجلات الحمراء، لا تقل: أشتريها لأعرف ما بها، أنت الآن تدعمها، إنما اجعلها كالزبالة، لا تلتفت إليها، من أجل أن تطبع ثم ترد، حتى تتوقف عن الطباعة، أما أن يطبع منها -مثلاً- عشرة آلاف نسخة وتباع؛ فهذا تصريح بالاستمرارية. فأنا ضد اقتناء مثل هذه المجلات الحمراء أبداً بحال، وهؤلاء معروفون عندنا، تاريخهم القديم معروف بحربهم على الثوابت الإسلامية. أما الحجاب الشرعي فقد اتفق عليه علماء الأمة قاطبة، وأنا لن أرد عليه، وإنما سأحيله إلى مفتي الديار حينما قال: الحجاب من ثوابت الإسلام، فهو الآن في حرب مع المفتي، فإنه يناقض قول مفتي الديار الذي عين مفتياً للديار، أنت يا عبد الله أيها القزم! يا من يطعن في الحجاب، لا قيمة لطعنك هذا. بعض الناس إن لم يكن له ذكر ويكون نكرة، فيريد أن يذكر ويشتهر، فيطعن في الثوابت؛ لأجل أن نهتم به، هذا هو الغرض، يأتي إلى أمر مجمع عليه ولا نزاع فيه بين علماء الأمة فيدخل في هذا الموضوع، ونقول: وما ضر الورود وما علاها إذا المزكوم لم يطعم شذاها وحينما تقول: إن السيف أمضى من العصا ظلمت السيف. قال الشاعر: ألم تر أن السيف ينقص قدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصا أي: أنك إذا قارنت بين السيف والعصا ظلمت السيف، فلا تلتفت إلى العصا، فإن من الظلم أن يقارن السيف بالعصا. ولو أن كل كلب عوى ألقمته حجراً لأصبح الصخر مثقالاً بدينار أي: لو أن كل كلب عوى ألقمته إلى فمه حجراً؛ أصبحت الحجارة لها ثمن؛ فدعهم ينبحون ولا جدوى لنباحهم، قال تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف:8]، وأمر التدافع بين أصحاب دعوة الحق وأصحاب الدعوات الباطلة سنة كونية أبدية سرمدية إلى قيام الساعة، لا بد من الصراع بين الحق والباطل، ودولة الباطل ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة، قال تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا

حكم إمامة المرأة بالرجال

حكم إمامة المرأة بالرجال أيها الإخوة الكرام! كنا توقفنا في باب الإمامة عند قوله: [ولا تصح إمامة المرأة بالرجال]. وهذا أمر لا خلاف فيه؛ لأن الله قال: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء:34]، فالمرأة لا يجوز لها أن تؤم الرجل، ولذلك لو تتبعت الأحكام الشرعية في الكتاب والسنة؛ لوجدت أن كثيراً منها يختلف فيها الذكور عن الإناث، فليس للمرأة أن تؤذن، ولا أن تخطب الجمعة، ولا أن تصلي بالرجال، ولا أن تعتلي منصب القضاء، بل إن بول الجارية يغسل، وبول الذكر ينضح وذلك قبل الفطام، لحديث أم قيس في البخاري: (بول الصبي ينضح وبول الجارية يغسل). وفي العقيقة للذكر شاتان، وللأنثى شاة واحدة. وفي الميراث: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء:11]. وفي الشهادة: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة:282]. وفي الدية: أجمع العلماء على أن دية الذكر مثلي دية الأنثى، فهذه أحكام شرعية، وربنا عز وجل قال في آل عمران: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى} [آل عمران:36]، فهذا حكم مجمع عليه.

حكم إمامة من به سلس البول

حكم إمامة من به سلس البول قال رحمه الله: [ولا تصح إمامة من به سلس البول) لأنه أخل بشرط من شروط الصلاة وهو الطهارة، فإن صاحب سلس البول مريض، وكذا من به انفلات الريح والمستحاضة، وهؤلاء أهل أعذار، وأهل الأعذار لا يجوز لهم إمامة الصحيح أو السليم المعافى؛ لذلك لما سألني أحد الإخوة: عن حكم إمامة الرجل الكسيح يعني: المشلول، قلت: لا يجوز له أن يكون إماماً، إلا إذا اعتلاه مرض يرجى برؤه، وفرق بين هذا وهذا؛ لأن الذي يؤم الناس ينبغي أن يكون صحيحاً معافى، فالذي به سلس بول، وهو انفلات الماء لضعف المثانة حيث أنها لا تتحكم في البول؛ فيقطر منه البول بعد الوضوء، فهذا مريض بسلس البول. وهناك أناس -عافانا الله وإياكم- عندهم انفلات ريح أو سلس بول، فهم من أهل الأعذار، فمن كان به سلس بول فإنه يتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، ويصلي حتى وإن خرج منه البول بعد ذلك؛ شريطة أن يتحفظ على فرجه حتى يعزل بين البول وبين ملابسه بحافظة، هذا كلام العلماء، لكن من به مرض سلس البول لا يجوز له أن يكون إماماً.

حكم إمامة الأمي الذي لا يحسن قراءة الفاتحة

حكم إمامة الأمي الذي لا يحسن قراءة الفاتحة قال رحمه الله: [ولا تصح إمامة الأمي الذي لا يحسن الفاتحة، أو يخل بحرف منها إلا بمثله] يعني: مريض سلس البول لا يتقدم فيؤم الناس، وكذا الألتغ الذي يقلب الحروف لا ينبغي أن يؤم غيره. كذلك الأمي الذي لا يجيد قراءة الفاتحة، ويخل بحرف من حروفها، كمن قرأ: (الذين) ولم يخرج مخرج الذال؛ فيكون قد أخل بحرف من الحروف، فعلى المصلي أن يتقن قراءة الفاتحة قراءة صحيحة، واللحن الخفي لا يخل في القراءة بخلاف اللحن الجلي، كأن يقرأ قول الله تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ} [الفاتحة:7]، برفع: (أنعمتُ)، أي: أنه نسب النعمة إلى نفسه، فإذا قال: (أنعمتُ)؛ بطلت الصلاة، فهذا مثل لحركة بطلت بها الصلاة، فلا بد أن يجيد الإمام قراءة الفاتحة ولا يلحن في قراءة حرف واحد من حروفها. وكذا في قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4]، وهناك من يثبت ياء، فيقول: (مالكي يوم الدين)، فأثبت ياء بحركتين، فأبطل بذلك الفاتحة. ولا يصح أن يسكن لفظ (مالكَ) أو يفتح؛ لأن (مالك) لفظ مكسور، إن وقف سكن، وإن وصل كسر، فهذا لحن أيضاً في حروف الفاتحة. فعلى الإمام أن يجلس بين يدي قارئ للقرآن يصحح له الفاتحة ويقرأها قراءة صحيحة مائة بالمائة، ولا يكون إماماً إلا وهو يجيد قراءة الفاتحة إلخ. ثم قال: إن لحن الإمام في الفاتحة لحناً جلياً يراد بأنه إذا أقرَّ على هذا الخطأ بطلت الصلاة؛ لأن الفاتحة ركن من أركان الصلاة.

حكم ائتمام المتوضئ بالمتيمم

حكم ائتمام المتوضئ بالمتيمم ثم قال: [ويجوز ائتمام المتوضئ بالمتيمم] لأن المتيمم العادم للماء كالمتوضئ القادر على الماء، والدليل أن عمرو بن العاص رضي الله عنه صلى بأصحابه في غزوة ذات السلاسل وهو متيمم، فقد أصابته جنابة فتيمم، وأم الناس وهم متوضئون، وبعد الصلاة علموا أنه على جنابة وصلى بهم متيمماً، فأخبروا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا عمرو! صليت بهم جنباً، قال: نعم يا رسول الله! تذكرت قول الله عز وجل: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء:29]، والجو كان بارداً برداً شديداً، وفي هذه الحالة لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم من صلى خلف عمرو أن يعيد الصلاة إقراراً منه على ائتمام المتوضئ بالمتيمم.

حكم إمامة المفترض بالمتنفل

حكم إمامة المفترض بالمتنفل قال رحمه الله: [ويصح ائتمام المفترض بالمتنفل، لما روى جابر أن معاذاً كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرجع فيصلي بقومه تلك الصلاة، متفق عليه. وروى الأثرم أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بطائفة من أصحابه في الخوف ركعتين ثم سلم، ثم صلى بالطائفة الأخرى ركعتين أيضاً ثم سلم]. صلاة الخوف في الحرب لها صور متعددة: منها: أن الإمام يصلي ركعتين بطائفة، وركعتين بطائفة أخرى، يصلي ركعتين بالطائفة الأولى فرضاً بالنسبة له والطائفة الثانية يصلي بهم ركعتين نفلاً وهم مفترضون. والصورة الصحيحة: أن يصلي ركعتين، يصلي ركعة بطائفة ثم يقوم وتقوم معه الطائفة الأولى، ثم يظل قائماً إلى أن تأتي الطائفة الأولى بركعة وهو قائم، ثم يسلمون ويتقدمون وترجع الأخرى، وتأتي معه بركعة التي قام فيها، ثم يصلي ركعة ويجلس للتشهد، فتقوم الطائفة الثانية تأتي بالركعة وهو جالس للتشهد، ويجلسون ويتشهدون ويسلمون. نأتي بطائفتين والإمام أمامهم، ثم يصلي بطائفة والطائفة الثانية في الأمام تحرس، والإمام في الخلف هو والطائفة الأولى، فطائفة تحرس وطائفة تصلي، وبالنسبة للطائفة التي تصلي مع الإمام في الخلف تسمى الطائفة الأولى، يصلي بهم الإمام ركعة كاملة، ثم يقوم ليأتي بالركعة وهم معه، ويظل قائماً، وهم يأتون بركعة بمفردهم حتى ينتهوا من الركعتين، ثم يتقدمون. ثم بعد أن ينتهوا ينفصلوا عن الإمام ويتقدموا للحراسة بدلاً من الطائفة الثانية، وتعود الطائفة الثانية مع الإمام الواقف تأتي معه بركعة، ثم يجلس هو للتشهد، ثم تقوم الطائفة الثانية وتأتي بركعة ثانية ثم تجلس معه للتشهد، ولا تسلم حتى يسلم الإمام. فأحد صور صلاة الخوف: أن يصلي الإمام ركعتين مفترضاً وركعتين متنفلاً. ثم قال رحمه الله: [ثم صلى بالطائفة الأخرى ركعتين أيضاً ثم سلم، والثانية منهما تقع نافلة، وقد أم بها مفترضين، ولأنهما صلاتان اتفقتا في الأفعال؛ فجاز ائتمام المصلي في إحداهما بالمصلي في الأخرى كالمتنفل خلف المفترض، وعنه: لا يجوز؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (إنما جعل الإمام ليؤتم به؛ فلا تختلفوا عليه) متفق عليه]، يعني: رواية عن أحمد أنه لا يجوز، والرواية الأخرى يجوز، والراجح وخلاصة القول: أنه يجوز للمفترض أن يأتم بالمتنفل، وهذا مذهب الشافعي وهو الراجح، وأدلته أقوى وأوضح، لحديث معاذ، وحديث صلاة الخوف.

موقع المأمومين من الإمام

موقع المأمومين من الإمام قال رحمه الله: [وإذا كان المأموم واحداً وقف عن يمين الإمام] أي: يقف بجواره تماماً، أن تكون القدم ملاصقة لقدم الإمام لحديث ابن عباس في البخاري؛ وكثير من الناس يعتقد أنه إذا صلى مع الإمام فينبغي أن يتراجع قليلاً، وحديث ابن عباس في البخاري هو: (أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فوقف عن يساره، فأداره النبي صلى الله عليه وسلم عن يمينه)، أي: إذا صلى المأموم بجوار الإمام منفرداً فينبغي أن يقف عن يمين الإمام، وابن عباس وقف عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم، فجذبه النبي صلى الله عليه وسلم من أذنه وفتلها، وجعله عن يمينه، وفي هذا جواز أن يعدل الإمام وقفة المأموم. قال رحمه الله: [فإن وقف عن يساره أو قدامه أو وحده لم تصح] وهذه المسألة مهمة جداً، فإن بعض الناس في مسجد العزيز في يوم الجمعة يصلون أمام الإمام لغير ضرورة، وأنا أحذر من هذا الصنيع، إذا وقف المأموم أمام الإمام لم تصح الصلاة، إلا لضرورة، وهي ضيق المكان، أما إذا كان المكان واسعاً أو توجد شوارع حول المسجد؛ فلا يجوز للمأموم -لأنه تابع- أن يتقدم على الإمام، فضلاً عن أن البعض يصلي في أماكن ليس فيها اتصال صفوف، فيقف لوحده في حجرة في المسجد أو خارجه ويتابع إمام المسجد في الصلاة، وهذا لا يصح، لأنه لا بد من اتصال الصفوف وأن يرى كل صف الذي قبله، وهذه من الأمور المهمة التي نفرط فيها كثيراً. وهنا ثلاث حالات: الأولى: إذا كان المأموم واحداً، ووقف عن يسار الإمام، قال: لم تصح، والصحيح أنها تصح؛ لأن ابن عباس لما وقف عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم جذبه، وما أمره أن يعيد ما صلى عن يساره، هذا هو الكلام المعتبر، لكن إن وقف وحده خلف الإمام؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا صلاة لمنفرد خلف الصف)، فإن كان بمفرده لا بد أن يكون بجواره، أما إن اكتمل الصف وهو عاجز عن أن يقف مع آخر؛ فيسقط عنه الأمر، فلو دخلت المسجد فوجدت أن الصف قد اكتمل قف بمفردك خلف الصف وصلاتك صحيحة، وهذا هو القول الراجح. أما من قال بجذب واحد من الصف الممتلئ فليس معه دليل فضلاً عن الخلل الذي أحدثه في الصف الأول وهو فرجة. ثانياً: يتسبب في أن يرجع رجلاً من الصف الأول إلى الصف الثاني، وهو جاء مبكراً يريد الصف الأول وأجره، فيُرَدُّ إلى الصف الثاني. أما أصول الفقه وأقوال الفقهاء فتؤيد ما قلناه من أن المكلف لا يكلف إلا ما في طاقته، إذ لا تكليف إلا بمقدور، فلو أن شخصاً مصاباً بكسور لا يلزم بالقيام في الصلاة على أساس أن القيام ركن فيها. وفي مسألتنا هذه وهي إتيان الفرد لصلاة الجماعة مع اكتمال الصف، فينفرد بسبب عدم القدرة على الدخول في الصف، والحديث في البخاري حجة وكذا حديث أنس مع الطفل اليتيم والمرأة، يقول أنس: (صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وبجواري غلام يتيم، ووقف من خلفنا أم سليم بمفردها)، فـ أم سليم وقفت خلف الصف لوحدها كما في الحديث، فدل ذلك على أن صلاة المرأة منفردة خلف الصف تصح وصلاة الرجل منفرداً خلف الصف يصح كذلك، وأم سليم لم تجد من يقف بجوارها؛ فهي لا تكلف إلا قدر استطاعتها، وابن حجر يعلق على ذلك قائلاً: والدليل على هذه القضية حديث أنس. وليس من المعقول ولا من المنقول أن تكلفني ما فوق طاقتي. وهل على من أتى ولم يجد فرجة في الصف السابق أن ينتظر حتى يأتي شخص آخر معه في الصف، وإلا فعليه أن ينتظر؟ وإن لم يأت أحد فماذا يعمل؟ وجذب أحد المصلين إلى الصف الثاني ليس عليه دليل. وإذا دخل اثنان معاً المسجد وفي الصف السابق فرجة لواحد فقط، فيسد أحدهما الفرجة والثاني يقف بمفرده في الصف، فإما أن يقف الاثنان في الصف الثاني ويدعا الفرجة دون أن تسد وهذا لا يصح، وصلاة أحدهما تبطل؛ لأنه إذا رأى المأموم فرجة وتركها، ووقف منفرداً بطلت، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يقف بمفرده خلف الصف وفي الصف السابق فرجة فأمره بإعادة الصلاة؛ لأنه وجد فرجة ولم يسدها بل أنشأ صفاً جديداً، هذا فقه الحديث، قال عليه الصلاة والسلام: (من وصل صفاً وصله الله، ومن قطع صفاً قطعه الله). وإذا تيسر له أن يقف بجوار الإمام فهذا هو الأولى إذا كان سيتخطى الرقاب مسافة طويلة، فهذا عاجز وليس عليه حرج، بل يسقط للعجز. حديث علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل صلى خلف الصف: (لا صلاة لمنفرد خلف الصف)، وأمره أن يعيد صلاته. إذاً: المواضع المنهي عن الوقوف للمأموم: عن يسار الإمام أو أمامه أو منفرداً خلف الصف. قال رحمه الله: [إلا أن تكون امرأة فتقف وحدها خلفه؛ لما روى أنس أنه قال: (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصففت أنا واليتيم وراءه وال

كيفية ترتيب الرجال والصبيان والنساء في المسجد الواحد

كيفية ترتيب الرجال والصبيان والنساء في المسجد الواحد قال رحمه الله: [فإن اجتمع رجال وصبيان وخناثى ونساء] وأنبه على ظاهرة خطيرة في مساجدنا وهي أن الصف الأول للرجال، وبعد الرجال الصبيان ثم النساء، وهذا الكلام غير صحيح أبداً، والدليل على ذلك عدة أحاديث عند البخاري، منها: أن الغلمان الصغار كانوا يقفون مع الرجال في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، أما أن يخصص صفاً للصغار، فهذا كلام غير صحيح؛ لأنه ثبت أن غلاماً يتيماً صلى بجوار أنس بن مالك، فلو كان الأمر كذلك -ولا يجوز للصغير أن يقف بجانب الكبير- لما أوقف أنس ذلك الصغير بجانبه. وحديث آخر عند البخاري عن ابن عباس يقول: (كنت غلاماً لم أناهز الحلم -أي: لم أحتلم- فجئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي في منى في حجة الوداع إلى غير جدار، فقمت في الصفوف). وأكثر من سبعة أحاديث أوردها البخاري مستدلاً على أن الغلام يقف في الصف، ولا نقيم صفاً لهم، إنما الصف الأول هو الذي ينبغي أن يكون فيه أولو الأحلام والنهى والحفظة؛ بحيث إذا اعترض الإمام شيء استخلف من الصف الأول من يقوم مقامه، وبعد ذلك فإن الغلمان يدخلون بين الصفوف، وهذا كلام الألباني رحمه الله، قال الألباني: الغلام لما يقف بجوار الكبير فسيتعلم منه كيف يصلي، أما عندما نعمل لهم صفاً مستقلاً خلف صف الرجال فسيلعب الأطفال بدلاً من أن يتعلموا الصلاة، وذكر الإمام البخاري في باب الأذان في أكثر من حديث يستدل به على أن الغلمان يصلون مع الرجال داخل الصفوف وهو: (تقدم الرجال ثم الصبيان) وهذا كلام مرجوح، قال رحمه الله: [ثم الخناثى ثم النساء؛ والأصل في ذلك ما روي عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أنه قال: (ألا أحدثكم بصلاة رسول الله! أقام الصلاة فصف الرجال، ثم صف خلفهم الغلمان)]، وهذا حديث ضعيف، رواه أبو داود. أنا أستدل بما عند البخاري، والمذهب يستدل بحديث ضعيف، احذر أن تأخذ بهذا الحديث الضعيف الذي فيه أنه رصَّ الرجال ثم الغلمان، أنا أحيلك إلى البخاري في تحقيق هذه المسألة الهامة. والخنثى: هو الرجل الذي جمع بين الذكورة والأنوثة.

إدراك المأموم للجماعة

إدراك المأموم للجماعة قال رحمه الله: [ومن كبر قبل سلام الإمام؛ فقد أدرك الجماعة] والمذهب على أن من أدرك الإمام ولو في التشهد؛ فقد أدرك الجماعة، وهذا هو الصحيح، والعلامة ابن حجر في فتح الباري جاء بهذا الكلام في أكثر من حديث؛ لأن البعض يقول: إدراك الجماعة بإدراك ركعة، وهذا غير صحيح، مثال ذلك: إذا أدركت الإمام يوم الجمعة في التشهد ودخلت معه؛ فقد أدركت الجمعة بإدراك التشهد، فتصليها ظهراً، لكن سقطت عنك الجمعة. مثال آخر: سافرت مائتين وخمسين كيلو، فجئت أصلي فأدركت الإمام وهو في التشهد الأخير، فدخلت معه، فيلزمني أن آتي بأربع ركعات؛ لأنني صليت خلف مقيم. فإدراكي التشهد يلزمني أن أصلي أربعاً، مع أنني مسافر، قال الفقهاء: إذا أدرك المسافر الإمام المقيم وهو في التشهد الأخير فعليه الائتمام به ويصلي أربعاً، فمن أدرك التشهد فقد أدرك الجماعة، والحديث في البخاري وقد علق عليه ابن حجر تعليقاً وافياً، قال: إن من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر، والمفروض أن يحسب الثلث داخل في الوقت وثنتين خارج الوقت، لكن من فضل الله على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أنه يعطيهم أجراً كاملاً. وهذا الحديث الذي وقع فيه صاحب كتاب (عمر أمة الإسلام)، وهو أن اليهود عملوا من الفجر إلى الظهر، والنصارى من الظهر إلى العصر، والمسلمين عملوا من العصر إلى المغرب، فصاحب العمل أعطى من عمل من الفجر إلى الظهر أجراً، وأعطى الذي عمل من الظهر إلى العصر أجراً، وأعطى الذي عمل من العصر إلى المغرب أجرين، فاعترض الأولان، وقالوا: كيف يأخذ ضعفينا وقد عمل أقل منا، أي: أن اليهود عملوا أطول وقتاً منا، لكن الله أعطى الأمة الإسلامية مثل ما أعطى الأمتين معاً، فلما اعترضوا قال لهم: ذلك فضلي أوتيه من أشاء، هل ظلمتكم؟ قالوا: لا. والإمام البخاري يأتي بهذا الحديث، وصاحب كتاب (عمر أمة الإسلام) قال: إن عمر أمة الإسلام تساوي عمر أمة اليهود والنصارى مجتمعتين. قال رحمه الله: [ومن كبر قبل سلام الإمام؛ فقد أدرك الجماعة؛ لأنه أدرك جزءاً من صلاة الإمام فأشبه ما لو أدرك ركعة، ولأنه إذا أدرك جزءاً من الصلاة فدخل مع الإمام؛ لزمه أن ينوي الصفة التي هو عليها، وهو كونه مأموماً فيدرك فضل الجماعة. ومن أدرك الركوع فقد أدرك الركعة، وإلا فلا]، وهذه المسألة فيها خلاف، ورأي الجمهور أن من أدرك الإمام راكعاً؛ فقد أدرك الركعة، وحد الإدراك أن يدرك معه تسبيحة واحدة مطمئناً؛ لحديث أبي بكرة: لما جاء متأخراً، فكبر خلف الإمام وركع، وسار وهو راكع حتى وصل الصف وأدرك الركعة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (زادك الله حرصاً ولا تعد)؛ وصاحب تحفة الأحوذي وغيره قالوا بعدم اعتمادها ركعة إلا بإدراك الفاتحة، لكن قول الجمهور أرجح، وأدلته كالشمس واضحة في رابعة النهار. قال: [لما روى أبو هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أدركتم السجود فاسجدوا، ولا تعدوها شيئاً، ومن أدرك الركوع فقد أدرك الركعة)، رواه أبو داود] أي: من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة، إلى غير ذلك من الأدلة التي تبين أن إدراك الركوع إدراك للصلاة. ودليلنا أيضاً: ما عليه جمهور العلماء عدا الأحناف: أن من أدرك الإمام راكعاً في صلاة الجمعة في الركعة الثانية فقد أدرك ركعة فليصل جمعة، ومن أدركه ساجداً فلم يدرك فليصل ظهراً، فجعلوا إدراك الركوع يوم الجمعة إدراك الجمعة؛ فيصلي ركعتين، وهذا قول جمهور العلماء، ولا خلاف بينهم في هذا القول.

الرد على من يقوم بنشر أوراق فيها وصايا منامية

الرد على من يقوم بنشر أوراق فيها وصايا منامية أيها الإخوة الكرام! هذه ورقة تخرج علينا كل سنة، ويوزعها من لهم أغراض: فتاة تبلغ من العمر ست عشرة سنة، مريضة جداً، والأطباء عجزوا عن علاجها، والورقة توزع في القرى، وتدخل على السفهاء والجهلاء، وفي ليلة القدر بكت، ونامت في منامها، فجاءتها السيدة زينب وأيقظتها وأعطتها شربة ماء، ولما استيقظت من نومها وجدت نفسها شفيت تماماً بإذن الله، ووجدت قطعة قماش مكتوب عليها: أن تنشر هذه الرسالة وتوزعها على اثني عشر شخصاً. وصلت الرسالة إلى عميد بحري ووزعها؛ فحصل على ترقية خلال اثني عشر يوماً، ووصلت إلى تاجر فأهملها؛ فخسر كل ثروته خلال اثني عشر يوماً، ووصلت إلى عامل فوزعها؛ فحصل على ترقية وحلت كل مشاكله خلال اثني عشر يوماً. أرجو منك يا أخي المسلم أن تقوم بنشرها وتوزيعها على اثني عشر فرداً، والرجاء عدم الإهمال. ملحوظة: قم بنشر هذه الرسالة وفقنا الله وإياكم لخير الأمة. إمضاء الفتاة. أهذا خير الأمة يا عبد الله! أنا لا أدري ماذا أقول في هذه السفاهة؟! وهذا لا يحتاج إلى تعليق حقيقة، لكن أردت أن أبين إلى متى الاستخفاف بعقول الناس، وربما يقول قائل: يا شيخ! هذا كلام معروف، لكن ثق وتأكد أن هناك من يصورها وهم طبقة من المثقفين.

الرد على القصة التي فيها التوسل بالإمام الغزالي

الرد على القصة التي فيها التوسل بالإمام الغزالي مات في البلدة -وهو العمدة- فقام أحد الناس على القبر فقال: الرسول صلى الله عليه وسلم قابل موسى عليه السلام ليلة الإسراء والمعراج، فقال موسى له: يا محمد! -عليه الصلاة والسلام- أنت تقول: علماء أمتك أنبياء بني إسرائيل! قال: موسى! نعم، قال موسى: كيف ذلك يا محمد؟! فإذا بالرسول صلى الله عليه وسلم يقول لموسى: قل: يا يا شيخ محمد يا غزالي! فسيجيبك في علم الغيب، فنادى موسى وقال: يا شيخ محمد يا غزالي! فقال: نعم يا موسى! وبجواره أساتذة وعلماء ودكاترة في الجامعة، ولم يقل له أحد: يا مخرف اسكت! ماذا تقول يا رجل؟ فمعنى ذلك: أن الناس خلقوا قبل أن يوجدوا على الأرض، وهذه نظرية ابن عربي، فإنه يرى أننا قبل أن نكون خلقاً على الأرض كنا خلقاً في السماء، يعني: الأشباح خلقت قبل أن توجد، فموسى عليه السلام نادى على الشيخ الغزالي باسمه فرد عليه في الملأ الأعلى في علم الغيب. وهذا كثير جداً، وحدث عنه ولا حرج. وأنا كنت بعيداً في آخر الدفن، ولو كنت قريباً لحدث ما لا يحسبوه، لقلت له: يكفي يا مخرف! ممكن يحدث عواقب وأنا أعرف هذا، لكن تعجبت ممن بجواره، وهو رئيس قسم في أصول الدين بجانبه، ولم يعلق عليه، فهل يقبل هذا الكلام؟ وأذكر لكم فيما أذكر أن الشيخ عبد اللطيف مشتهري رئيس الجمعية الشرعية السابق، جاءه رجل فقال له: يا شيخ! هل إسماعيل عليه السلام دفن في الحجر؟ -بعض الناس يقول هذا الكلام- ولا دليل عليه، قال له: لماذا؟ قال: خطيب الجمعة اليوم قال لنا: إن إسماعيل دفن في الحجر، قال الشيخ: أنتم سكتم؟ قال: المسجد كله لم يتكلم أحد، فقال: خلاص، كأنه يقول: يا بهائم أنا مالي، نسأل الله العافية. والشاهد من الكلام: أنه ليس أي كلام يقال يؤخذ، لو سمع الناس الخطيب أو غيره قال كلاماً أخطأ فيه فالمفروض عليهم تنبيهه وردُّ كلامه، لأن هذا دين فلا بد من قول كلمة الحق، ومع ذلك رواد المسجد كله ساكت على كلام لا يغني ولا يسمن من جوع. يا عبد الله! الرسول صلى الله عليه وسلم كان يجلس وينام في حجره علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فنام علي حتى غربت الشمس فقام، وقال: يا رسول الله! أنا لم أصل العصر، فأمر الشمس فعادت فقام وصلى ثم غربت بعد ذلك، وهذا الحديث في صحيح البخاري.

ذكر بعض قصص الوضاعين للأحاديث النبوية

ذكر بعض قصص الوضاعين للأحاديث النبوية وللأسف فإن هناك من يفتري على البخاري وينسب إليه الأحاديث كشخص في جامعة القاهرة علق حديثاً في ورقة طولها عشرة أمتار وكتب في آخره رواه البخاري، وهو ليس بحديث؛ فقلت له: يا ضلالي! حرام عليك، البخاري ما ذكر هذا الحديث. وأغلب القصاصين يذكرون قصصاً واهية، كما في قصة أحدهم أنه جلس في الحرم يقول: حدثني أحمد بن حنبل عن يحيى بن معين، فنظر أحدهما إلى الآخر: هل حدثنا هذا الرجل، فقال أحمد بن حنبل: يا هذا! أنا ابن حنبل وهذا ابن معين، ما حدثناك! قال: ألستما عاقلان؟! أليس في العالم كله إلا ابن حنبل وابن معين! أنا سمعت من ابن حنبل آخر وابن معين آخر، فهذا معناه أنه يكذب. كذلك نوح بن أبي مريم وضع أربعة آلاف حديثاً من عنده في فضل القرآن الكريم، وفضل بعض سور القرآن، فقيل له: لم فعلت ذلك يا نوح! قال: رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن؛ فأردت أن أرغبهم في قراءته، وكان الدافع لذلك هو زيادة الأجر في قراءة سورة معينة أو آية من كتاب الله لم يرد بذلك الشرع المطهر، فهذا وضع هذه الأحاديث بدافع أن يحبب الناس في قراءة القرآن الكريم؛ لذلك فإن حركة الوضع في السنة حركة مقصودة، فمنها: إسرائيليات وأحاديث ضعيفة، ولذلك تجد المتعصبين -كالأحناف- أرادوا أن يقدحوا في المذهب الشافعي فإذا ببعضهم يضع حديثاً قال فيه: قال صلى الله عليه وسلم: سيولد في أمتي رجل هو أضر عليها من إبليس اسمه محمد بن إدريس، والذي وضع هذا الحديث أراد أن يقدح في المذهب الشافعي؛ فوضع هذا الحديث، وحدث ولا حرج.

أسباب وضع الأحاديث النبوية

أسباب وضع الأحاديث النبوية وأسباب وضع الأحاديث كثيرة: منها التعصب المذهبي، والتعصب القبلي، والتعصب للغة، والتعصب لشخص، وبعض الحركات التي أرادت أن تثبت نفسها مثل الصوفية، فإنها وضعت أحاديث في فضل كذا وكذا، والشيعة وضعت أحاديث في فضل كذا وكذا، وبعض أهل السنة وضعوا أحاديث في أبي بكر وعمر؛ رداً على الشيعة. ووضعوا أيضاً في فضل اللغة وفضل العواصم وفضل البلاد وفضل التجارة، فمثلاً: شخص يبيع عنباً وبلحاً ولم ير أي تحسن في البيع والشراء؛ فيقول: قال صلى الله عليه وسلم: (خيار أمتي في البطيخ والعنب)، (من أسمك فليتمر)، أي: عندما تأكلوا سمك كلوا التمر، (الهريسة تشد الظهر)، وحدث ولا حرج عن الحركات التي تسببت في هذا الكلام من وضع أحاديث لا صحة لها ألبتة. فإن كانوا قديماً يقولون: سموا لنا رجالكم، فنحن اليوم أولى؛ لأن عندنا سوقاً مفتوحاً لكل من هب ودب يضع فيه أحاديث، حتى أن بعضهم قال: (إن آدم لما أكل من الشجرة نظر إلى العرش فوجد مكتوباً عليه: محمد صلى الله عليه وسلم؛ فقال: يا رب! من محمد؟ قال: يا آدم! محمد من أجله خلقتك، وخلقت الجنة والنار، قال: يا رب! بحق إيماني بمحمد اغفر لي ذنبي). وهذا كلام لا أدري من أين جاءوا به؟ فيا عبد الله! لا تقبل الكلام إلا بدليل أو بحديث مخرج ثابت النسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

الأسئلة

الأسئلة

الرأي في قول العالم عن نفسه: إنه ليس بعالم ولا طويلب علم

الرأي في قول العالم عن نفسه: إنه ليس بعالم ولا طويلب علم Q ما رأيك في شيخ يقول قبل درسه أو خطبته: إنه ليس بعالم ولا بطويلب علم، ولكني أقول: إن العصمة دفنت يوم دفن النبي صلى الله عليه وسلم؟ A هذا الخطيب الذي يقول عن نفسه أول ما يبدأ: أنا لست بعالم ولا طويلب علم، هذا من باب هضم النفس، لكن لا يكون هذا دائماً كل ما يبدأ بالخطبة أو الدرس يقول هذا الكلام؛ فيحمل على غير مقصده.

حكم نكاح الولي إذا كان لا يصلي

حكم نكاح الولي إذا كان لا يصلي Q ما صحة عقد نكاح قائم إذا كان الولي لا يصلي؟ A العقد صحيح.

زمن الراتبة التي بعد الصلاة

زمن الراتبة التي بعد الصلاة Q الرواتب البعدية هل لها أوقات تخرج عنها مثل سنة المغرب؟ وكم لها من الوقت بعد الصلاة؟ A تمتد سنة المغرب إلى وقت العشاء.

أيهما أفضل في التشهد قول: السلام عليك أيها النبي أم السلام على النبي

أيهما أفضل في التشهد قول: السلام عليك أيها النبي أم السلام على النبي Q بالنسبة للتشهد في الصلاة هل نقول: السلام عليك أيها النبي، أم نقول: السلام على النبي؟ A في هذه المسألة راجح ومرجوح: فالراجح أن تقول: السلام عليك، وفي رواية ابن مسعود أنهم كانوا يقولون بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم: السلام على النبي، لكن الراجح عند العلماء أن تقول: السلام عليك بصيغة الخطاب.

حكم الصلاة في غرفة فيها صور أو لعب الأطفال المجسمة

حكم الصلاة في غرفة فيها صور أو لُعَبِ الأطفال المجسمة Q هل تصح الصلاة في غرفة بها صور أو لعب الأطفال المجسمة لحيوانات؟ A لا يجوز أن تصلي في غرفة بها صور؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مزق قراماً لـ عائشة كان عليه تصاوير، وقال: (شغلني في الصلاة)، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة)، وفي الحقيقة الصورة تشمل الجميع.

المواضع التي يتخلى فيها الرقيب والعتيد عن الإنسان

المواضع التي يتخلى فيها الرقيب والعتيد عن الإنسان Q هل إذا كان الإنسان في مكان فيه صور يغادر المكان الملكان الرقيب والعتيد؟ A لا، لن يتركوك، لأن هناك فرقاً بين الحفظة والكتبة، فالكتبة معك دائماً، قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18]، إلا في حال قضاء الحاجة.

حكم الصلاة خلف إمام يقنت في صلاة الفجر

حكم الصلاة خلف إمام يقنت في صلاة الفجر Q هل تجوز الصلاة خلف إمام يقنت في صلاة الفجر فقط؟ A نعم، يجوز، كما نص على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية.

حكم الزواج بامرأة صالحة وأبوها غير ملتزم بالدين

حكم الزواج بامرأة صالحة وأبوها غير ملتزم بالدين Q أخت ذات دين وخلق كريم، وأمها امرأة صالحة، توفي أبوها منذ عامين سابقين، ولكنه كان يمارس ألعاب النردشير، ويشاهد برامج الدش التي لا ترضي الله، أريد أن أتقدم لخطبتها فما رأي الإسلام في ذلك؟ A أنت تقول: إنه توفي، فلا بأس بذلك ما دام أنه قد مات والبقاء لله وإنا لله وإنا إليه راجعون، ما دام أنها على دين وخلق وأمها صالحة.

تقييم كتاب صفوة التفاسير للصابوني

تقييم كتاب صفوة التفاسير للصابوني Q ما رأيك في كتاب صفوة التفاسير للشيخ الصابوني؟ A صفوة التفاسير هناك استدراك لشيخنا العلامة ابن باز على بعض ما فيه من مختصرات، وما هو عليه من عقيدة الأشعرية في باب الأسماء والصفات، فانتبه إلى مثل هذا، ولشيخنا العلامة ابن باز كتاب اسمه: تنبيهات هامة على ما كتبه الشيخ محمد علي الصابوني في صفات الله عز وجل، وهذا كتاب موجود في السوق، وينصح بقراءته قبل قراءة صفوة التفاسير. وفي الحقيقة هناك كتب في التفاسير مطلوب منك أن تعرف منهج المفسر، مثل الرازي والزمخشري، والنسفي وسيد قطب، وبعض الكتب التي ينبغي ألا تقرأها إلا إذا كنت عارفاً بما فيها؛ لأن فيها أشياء إن أخذتها على علتها ضعت، كما في قوله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا} [الجن:26]، قال الرازي في هذه الآية: الغيب هو يوم القيامة، و (عالم الغيب) يعني: عالم يوم القيامة، فلا يظهر على غيبه أحداً {إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن:27]، يعني: أن الرسل يعلمون متى يوم القيامة، وهذا قول خطير.

حكم من دخل المسجد ولم يجد فيه ماء

حكم من دخل المسجد ولم يجد فيه ماء Q ما حكم من دخل المسجد ولم يجد ماءً، فهل يتيمم؟ A إذا دخلت المسجد ولم تجد ماء فلا تيمم بل اطلب الماء في البقعة المحيطة.

تقييم كتاب حياة محمد صلى الله عليه وسلم

تقييم كتاب حياة محمد صلى الله عليه وسلم Q ما رأيك في كتاب حياة محمد صلى الله عليه وسلم تأليف: حسنين هيكل؟ A كتاب حياة محمد صلى الله عليه وسلم لـ حسنين هيكل عليه ملاحظات كثيرة جداً.

حكم الصلاة خلف إمام يلحن في الفاتحة لحنا جليا

حكم الصلاة خلف إمام يلحن في الفاتحة لحناً جلياً Q ما حكم صلاة المأموم إذا صلى وراء إمام يخطئ في قراءة الفاتحة خطأً كبيراً؟ مع العلم بأن الإمام ليس الإمام الراتب للمسجد، ويصلي بالناس بعض الفروض فقط؟ A لماذا تسمحوا له ليصلي بالناس ما دام أنه غير راتب وهو لا يجيد قراءة الفاتحة؟ فهذا ينصح ويقال له: قراءتك باطلة، فننصحك بالتراجع، ولا بد من هذا. أما المأموم فإنه يجب عليه إعادة الصلاة.

تقييم كتاب في ظلال القرآن لسيد قطب

تقييم كتاب في ظلال القرآن لسيد قطب Q ما رأيك في كتاب في ظلال القرآن لـ سيد قطب؟ A هذا موضوع طويل، وهل هذا وقته؟ ومن ليس عليه استدراكات؟ لا شك أن فيه بعض الأمور وبعض العبارات الموهمة للتشبيه، وكذا بعض الأمور العقائدية الآدابية التي لا تليق مثال ذلك: قول البعض: وكان موسى عصبي المزاج، هل يقال عن نبي هذا الكلام؟ مثال آخر: في سورة يونس، ومساجد المسلمين الآن في بلاد المسلمين معابد للأصنام، والكلام هذا في الظلال وقد قرأته بنفسي. فلا تقدس الرجال، وأنا أعرف أن البعض سيتضايق ويقول: كيف ينتقد الشيخ في ظلال القرآن لـ سيد قطب؟ والمتضايقون هم الحزبيون المرجفون الواهمون، فكل إنسان يؤخذ من قوله ويترك إلا محمد صلى الله عليه وسلم، والعصمة ليست لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن نحمل الكلام على محمله الحسن، ونرشد ونقول: عندما تقرأ الفقرة الفلانية انتبه، ولن أقول: الشيخ حلولي اتحادي زنديق وغيره من الكلام الكبير الذي لا نتحمله، إنما ننبه حين القراءة من بعض الألفاظ التي خرجت من مؤلفه رحمه الله تعالى والتي قد تكون بدون قصد، ونحملها على وجه حسن، إلى غير ذلك. لكن لا تقدس آراء الرجال، وهذا الكلام في كتب جاءت من السعودية في هذا الكلام، وبعض أساتذة الجامعة أعطوا التلاميذ استدراكات، فمثلاً: تفسير النسفي عليه استدراكات خطيرة جداً. المهم: أن تقرأ في باب العقيدة منهج السلف الصالح، لا تقرأ أي شيء غيره، فتفسير ابن كثير غير المحقق فيه قصص واهية كثيرة جداً وإسرائيليات. مثلاً: قصة أن رجلاً أعرابياً جاء إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وتوسل به أن يغفر له ذنوبه، ثم رحل وأخذ ينادي ويقول: يا خير من دفنت بالقاع أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم نفسي فداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم فسمعه رجل كان بجوار القبر فنام بجوار القبر، فجاءه النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وقال: الحق الأعرابي وبشره أن الله قد غفر له. فذكر المؤلف هذه القصة دون أن يبين صحتها، والحكم عليها، فإن هذا الكلام يوهم التوسل بالأموات. يا إخواني! نحن ضد تجريح العلماء، لكن مع وضع المنهج السليم في أقوال أهل العلم في موضعها. اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا. آمين آمين آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

العدة شرح العمدة [19]

العدة شرح العمدة [19] المريض من أهل الأعذار والرخص، وله أحكام خاصة به في الصلاة والجمع والطهارة وغيرها، فمن لم يستطع الوضوء فليتيمم، ومن لم يقدر أن يصلي قائماً فقاعداً أو على جنب، كما يجوز له الجمع بين الصلاتين.

الرد على العلمانيين في ذمهم المذهب الحنبلي

الرد على العلمانيين في ذمهم المذهب الحنبلي الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قيماً، وهدانا صراطاً مستقيماًَ، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر:3]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أيها الإخوة الكرام الأحباب! لا زلنا مع كتاب الصلاة من كتاب العدة شرح العمدة للإمام موفق الدين بن قدامة المقدسي الحنبلي رحمه الله تعالى. الحقيقة أن الإمام ابن حنبل ظلم بيننا الآن، وأنا في الطريق قال لي أحد الإخوة: إن بعض الناس يعيرونني ويقولون لي: يا حنبلي! ولفظة حنبلي عندنا يفهم منها أنه متشدد، أو متنطع، وهذا من صنع المستشرقين، وهو طعم شربناه وأكلناه؛ لأننا مستهدفون. حدث ولا حرج عن العلمانية، وعن الاستشراق، وعمن صنع عند الغرب ورضع من عصارته: طه حسين، رفاعة الطهطاوي، قاسم أمين، علي مبارك، أحمد عبد المعطي حجازي، لويس عوض، محمد سعيد عشماوي، وإذا ظللت أذكر هذه الأسماء ستنتهي المحاضرة وأنا لم أنته بعد من سردها. أسماء ترتبت ورضعت ولها أذناب: نصر أبو زيد، سيد القمي، وما أدراك؟ هؤلاء الذين أرادوا أن يكون لهم ذكر؛ فطعنوا في الشريعة، حتى قال قائلهم -وهذا قاسم مشترك عندهم جميعاً-: إن القرآن كتاب يخضع للزمان والمكان والتقييم البشري. يعني: كتاب أدب، يمكن أن نرفض منه أو نقبل على حسب الأحوال الزمانية والمكانية، لا يوجد عندهم شيء اسمه ثوابت، إنما كل العقيدة والشريعة متغيرات على حسب الزمان والمكان. لذلك إخوتي الكرام! أقول: من هذه الأقوال الظالمة: ذم المذهب الحنبلي، إن ابن حنبل إمام أهل السنة، ومذهبه آخر المذاهب رحمه الله تعالى، وأكثرها إحاطة بحديث رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ ولذلك قال عنه الشافعي: تركت في بغداد -يوم أن جاء إلى مصر- شاباً إذا قال: حدثنا؛ استمع الناس له، كاد يكون إماماً في بطن أمه. ابن حنبل إمام أهل السنة قال عنه علي بن المديني شيخ البخاري: لقد حفظ الله الإسلام برجلين: بـ أبي بكر رضي الله عنه يوم الردة، وبـ أحمد يوم المحنة رحمه الله تعالى. لكننا الآن إذا أردنا أن نعير شخصاً نقول له: أنت حنبلي، ولماذا تدرسون في العزيز بالله الفقه الحنبلي يا حنابلة؟! شرف لنا أن نكون من أتباع مذهب أحمد، ولسنا ندعو إلى المذهبية أبداً ولا إلى التعصب لمذهب، لكن مذهب أحمد أكثر المذاهب إحاطة بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، علاوة على أن للإمام أكثر من رواية، وهذا يدل على ثراء المذهب، فما من رواية إلا يقابلها رأي في المذهب الآخر. فمن الظلم التعسفي وملامح الغربة في بلادنا هذه: أن يكون لقب الحنبلي دليل اتهام، وإنما لفظ الحنبلي دليل شرف؛ لأنه يتبع السنة، وليس هذا قدحاً، فكلهم من رسول الله ملتمس، ونحن مع الدليل حيث دار. أبو حنيفة رحمه الله أسس مذهبه على بضعة أحاديث، أدرك البعض ولم يصله البعض، وكلما كان الإنسان متقدماً كان أقل في الإحاطة، فـ ابن حنبل رحمه الله تعالى أكثر إحاطة بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ورغم ذلك إذا كان المذهب مرجوحاً نقول: هذا مرجوح، والدليل ليس معه؛ لأننا كما قلنا: نمقت التعصب المذهبي، والدين بالدليل، والعلم قال الله قال رسوله. تعلمون أن محنة الإمام كانت في مسألة خلق القرآن في زمن الخليفة المأمون في بغداد في العصر العباسي، يوم أن أقنع المعتزلة المأمون بفكر الاعتزال، وهو أن القرآن مخلوق، ومن قال: إن القرآن مخلوق فهو زنديق؛ لأن القرآن كلام الله، وكلام الله صفة من صفاته، ومعنى أنه مخلوق: أن الصفة لم تكن موجودة ثم وجدت، أي: أن الله كان لا يتكلم ثم تكلم. ثم ما من أمر مخلوق إلا ومصيره إلى الفناء وحاشا لله عز وجل أن يفنى! وكذلك كل أمر مخلوق ناقص؛ ولذا يشعر بالنقص، ولذلك أبى الإمام أن يقولها، وأرسل إليه الخليفة. قال: يا أحمد! قلها، قال: لن أقولها؛ لأنه يعلم أن زلة العالِم زلة عالَم، فأرسل إليه المأمون وقد قرر أن يقتله: ائتوني بـ ابن حنبل، وفي الطريق إليه قال: اللهم لا تجمع بيني وبين المأمون بعد اليوم في الدنيا أبداً، فجاءه الصارخ بصوت مرتفع: يا أحمد! أبشر؛ فإن المأمون قد مات. ثم أدخلوه السجن في عهد المعتصم وجلدوه، وأبى أن

باب صلاة المريض

باب صلاة المريض قال المؤلف رحمه الله تعالى: المريض من أهل الأعذار والرخص، وله كيفية خاصة للصلاة: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78]. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: صلاة المريض. والمريض إذا كان القيام يزيد في المرض صلى جالساً، فإن لم يطق فعلى جنبه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ عمران بن حصين: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنبك) فإن شق عليه فعلى ظهره، فإن عجز عن الركوع والسجود أومأ إيماءً، وعليه قضاء ما فاته من الصلوات في إغمائه. وإن شق عليه فعل كل صلاة في وقتها، فله الجمع بين الظهر والعصر، وبين العشاءين في وقت إحداهما، فإن جمع في وقت الأولى اشترط نية الجمع عند فعلها، ويعتبر استمرار العذر حتى يشرع في الثانية منهما، ولا يفرق بينهما إلا بقدر الوضوء، وإن أخر اعتبر استمرار العذر إلى دخول وقت الثانية، وأن ينوي الجمع في وقت الأولى قبل أن يضيق عن فعلها، ويجوز الجمع للمسافر الذي له القصر، ويجوز في المطر بين العشاءين]. انتهى! هذا باب صلاة المريض، ثم صلاة المسافر، ثم صلاة الجمعة، ثم صلاة العيدين والخوف، وننتهي من كتاب الصلاة، ثم ننتقل إلى كتاب الجنائز، ثم إلى كتاب الزكاة، ثم إلى كتاب الصوم، ثم إلى كتاب الحج والعمرة إن شاء الله عز وجل. بالنسبة لصلاة المريض إن كان عاجزاً عن القيام فهناك قاعدة مهمة جداً في الفقه، وهي: أن تحصل من الواجبات ما تستطيع، مثال ذلك: رجل لا يستطيع أن يسجد على الأرض لألم في ظهره، نقول له: قم واركع، وعند السجود أومئ برأسك فقط. حصل من الواجبات ما تستطيع، حصلت القيام وحصلت الركوع، وأنت عاجز عن السجود؛ فأومئ برأسك في السجود، لكن البعض الآن عاجز عن السجود فيجلس ويهدر أركاناً كثيرة، ونقول: حَصِّل من الواجبات ما تستطيع، وقد يكون مصاباً بجرح فيربط على مكان الجرح في حال غسل الجنابة، ويمسح عليه ويعمم الجسد بالماء إلا هذا الموضع؛ فيحَصِّل من الواجبات ما يستطيع. قال في الشرح: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً). قلنا: القيام مع القدرة ركن من أركان الصلاة في الفرض، فإن صلى جالساً في الفرض مع قدرته بطلت الصلاة، وإني أرى الكثير يتحرك ويذهب إلى المخبز ويأتي بخبز ويذهب إلى عمله، فإذا جاءت الصلاة جلس وقال: أنا متعب. طيب! يا عبد الله! أنت تتحرك بصفة طبيعية، إذاً: لا يجوز لك أن تجلس إلا إذا كنت عاجزاً عن القيام، فالجلوس مع القدرة يبطل الصلاة، بعكس النافلة. قلت: (فإن لم تستطع فقاعداً)، والقعود هنا عكس القيام، والجلوس عكس الاتكاء؛ لأن الله قال: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا} [آل عمران:191]. وفي الحديث الآخر: (كان النبي صلى الله عليه وسلم متكئاً فجلس وقال: ألا وقول الزور)، فالجلوس يكون من اتكاء، والقعود يكون من قيام، فالتعبير الصحيح: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً)، والبعض يقعد بالافتراش، والصواب أن يجلس متربعاً، ثم يومئ برأسه عند الركوع، ثم يسجد على الأرض إن استطاع، وإن لم يستطع يومئ. قال: (فإن لم تستطع فعلى جنبك)، الأول: قائماً، والثاني: قاعداً، ثم على جنب، والجنب متجه إلى القبلة، يستقبل بوجهه القبلة وهو على جنبه، وأجمعوا على أن من لم يطق القيام فرض عليه أن يصلي قاعداً، فإذا شق عليه -يعني: الصلاة على جنبه- صلى على ظهره، ووجهه ورجلاه إلى القبلة؛ لأن ذلك أسهل عليه. مثال ذلك: رجل يشق عليه أن يصلي على جنبه، يجعل القدمين إلى القبلة، ويستلقي على ظهره مستقبل القبلة، بحيث إذا اعتدل قام إلى القبلة، وهذه طريقة أخرى. ولذلك قلت: هناك خلاف بالنسبة للقبر، هل الميت يوجه إلى القبلة هكذا، يعني: وجهه إلى القبلة، أم ينام بحيث تكون رجلاه إلى القبلة وهو على ظهره، بحيث لو قام كالنائم تماماً، الحالتان هنا ثابتتان. قال: (فإن عجز عن الركوع والسجود أومأ بهما)، يعني: وإيماء الركوع يكون أعلى من إيماء السجود؛ اعتباراً بأصلهما. قال: (وعليه قضاء ما فاته من الصلوات في إغمائه) كالنائم، ثم يقضي ما فاته من صلوات، بمعنى: رجل يغيب عن الوعي مدة طويلة، فغاب عن الوعي من الظهر إلى العشاء، ثم فاق بعد العشاء، فإنه يصلي ما فاته بالترتيب؛ لأنه مكلف منذ لحظة رجوع العقل، وإذا غاب العقل سقط التكليف؛ لذلك هناك خلاف بين العلماء في حكم صلاة السكران، رجل شرب الخمر بإرادته، وأخذت بعقله؛ فقال لزوجته: أنت طالق، ما حكم صلاته؟ هنا اختلف العلماء: فمن العلماء من قال: يقع عقوبة له؛ لأنه تناول الخمر بإرادته. وشيخ الإسلام ابن تيمية يقول: لا يقع؛ لأن العقل مناط التكليف، وإثم الخمر مسألة، ووقوع الطلاق مسألة أخرى، وهو لم يرد الطلاق. كذلك يقول: إن الطلاق يتعدى إلى الغير، أي: أن ضرره يتعدى للزوجة، فما ذنب الزوجة أن تطلق والزوج سكران؟! فـ شيخ الإسلام يدافع عن تلك القضية فيقول: لا يقع طلاق السكران حتى

العدة شرح العمدة [20]

العدة شرح العمدة [20] للمسافر أحكام خاصة به من قصر الصلاة والفطر في رمضان وغيرها، والقصر في السفر له شروط وأحكام، والسفر الذي يرخص القصر فيه هو ما سمي سفراً عرفاً وإن لم يحدد بمسافة معينة، واختلف في المدة التي تقصر فيها الصلاة.

باب صلاة المسافر

باب صلاة المسافر (باب صلاة المسافر). سمي السفر سفراً لعلتين: العلة الأولى: لأنه يسفر عنه أخلاق الرجال، يعني: يظهر المعادن؛ لذلك لا تعرف الرجل إلا في السفر. العلة الثانية: لأنه إذا سافر برز خارج البلدة، فمنه سفور المرأة يعني: ظهور المفاتن، فحينما تخرج من محيط بلدك تبرز أي: تظهر، فسمي السفر سفراً لهاتين العلتين. قال رحمه الله تعالى: [والمسافر إذا كانت مسافة سفره ستة عشر فرسخاً -وهي مسيرة يومين قاصدين- وكان مباحاً فله قصر الرباعية خاصة]. مذهب الإمام أحمد في هذا مرجوح؛ لأنه قيد القصر بمسافة قدرها ستة عشر فرسخاً. أي: أربعة أبرد أو ثمانية وأربعون ميلاً، أو اثنان وثمانون كيلو، والراجح عند العلماء -وهو اختيار شيخ الإسلام - مطلق السفر، أي: ما يسميه الناس سفراً يجوز لك أن تقصر فيه الصلاة، ولا تقيده بمسافة؛ لأن من قيد لا دليل معه، فالنبي صلى الله عليه وسلم قصر في فتح مكة تسعة عشر يوماً، فإن كنت أنا مسافراً من (القاهرة) إلى (أسيوط) وسأمكث في (أسيوط) أسبوعاً -أي: حددت مدة الإقامة- هل يجوز لي أن أقصر؟ A لا؛ لأني نويت أن أقيم أكثر من رأي الجمهور: أربعة أيام، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قصر الصلاة تسعة عشر يوماً؛ لأنه لا يدري متى سيرحل؟ ربما سيرحل بعد ساعة، وربما يرحل غداً أو بعد غد أو بعد شهر، فطالما أنك مسافر ولا تعلم متى الرحيل فإنه يجوز لك أن تقصر الصلاة، لكن إن حددت مدة الإقامة وهي أكثر من أربعة أيام فليس لك أن تقصر الصلاة، وإنما تتم منذ نزولك إلى البلدة؛ لأنك الآن في حكم المقيم. ووهم البعض فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قصر وهو يرى مشارف المدينة. قلت: قصر لأنه على متن السفر، وليس لأن هذه المسافة هي التي يجوز فيها القصر، فلا نقل: إنك قصرت على هذه المسافة، ولكن نقول: إنك قصرت لأنك فارقت البلد وشرعت في السفر. من العلماء والصحابة من قال: إن مدة القصر تسعة عشر يوماً، فمن زاد عن هذه المدة فليس له أن يقصر، قلت: الراجح: أن النبي صلى الله عليه وسلم قصر هذه المدة لأنه أقامها، ولو أقام عشرين يوماًً لقصر، ولو أقام واحداً وعشرين يوماً لقصر؛ فلا يجوز أن نقول: إن القصر تسعة عشر يوماً. قال: [والمسافر إذا كانت مسافة سفره ستة عشر فرسخاً، وهي مسيرة يومين قاصدين، وكان مباحاً؛ فله قصر الرباعية خاصة]. أي: أن الإمام أحمد يشترط لقصر الصلاة في السفر: أولاً: المسافة. ثانياً: أن يكون السفر مباحاً. فمن سافر للمصيف عند الإمام أحمد: لا يقصر، والراجح: أنه يقصر، وهذا اختيار شيخ الإسلام وقد حقق المسألة. قال الإمام أحمد: لأن الرخص لا تعطى إلا للمؤمن التقي، ولا تعطى للفساق، مثال ذلك: رجل سافر ليشاهد حفل رقص في مكان ما، فهل يجوز له أن يقصر الصلاة؟ A لا، فعند أحمد: لا بد أن يكون السفر مباحاً أو يكون سفر طاعة، فإن كان سفر معصية فعند أحمد لا يجوز له أن يقصر، والرأي الراجح: أنه يقصر وعليه إثم المعصية، فهذه مسألة وتلك مسألة ثانية. قال رحمه الله: [فله قصر الرباعية خاصة]، فلا قصر للثلاثية ولا الثنائية، لا يقصر الفجر ولا المغرب، وإنما القصر للظهر والعصر والعشاء.

شروط قصر الصلاة

شروط قصر الصلاة (ويشترط للقصر شروط: منها: أن يكون طويلاً قدره أربعة برد، وهي ستة عشر فرسخاً، كل فرسخ ثلاثة أميال. قال القاضي: الميل اثنا عشر ألف قدم، وذلك نحو يومين قاصدين)، وبالكيلو متر: اثنان وثمانون كيلو. فإن قيل: من أقام أكثر من أربعة أيام لا يسمى مسافراً؟ A لأن المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام بلياليها، وللمقيم يوم وليلة، فاعتبرت الثلاثة الأيام أقصى مدة، وبعد ذلك يعتبر في حكم الإقامة، وهذا استنباط جمهور العلماء، ولا يعد سائق القطار مسافراً؛ لأنه أصبح عملاً دائماً بالنسبة له، والسفر حالة عارضة أو طارئة. مثال ذلك: رجل على باخرة يقضي على متنها عشرين يوماً من كل شهر، فهذا أصبح في حكم المقيم؛ لأن السفينة الآن هي محل الإقامة، ولذلك قال ابن تيمية: كساعي البريد الذي يوصل البريد من مركز إلى مركز، هذا ليس له قصر؛ لأن تنقله أصبح مهنة، وهذه المسألة فيها خلاف لكن هذه هي الآراء الراجحة. قال: (الشرط الثاني: أن يكون سفره مباحاً، فإن سافر في معصية كالآبق، وقاطع الطريق، والتجارة في الخمر لم يقصر، ولم يترخص بشيء من رخص السفر؛ لأنه لا يجوز تعليق الرخص بالمعاصي؛ لما فيه من الإعانة عليها والدعاية إليها، والشرع لا يرد بذلك. الشرط الثالث: أن القصر في الرباعية خاصة إلى ركعتين، فلا يجوز قصر الفجر ولا المغرب إجماعاً؛ لأن قصر الصبح يجحف بها، وقصر المغرب يخرجها عن كونها وتراً. الشرط الرابع: شروعه في السفر بخروجه من بيوت قريته أو خيام قومه؛ لأن الله سبحانه قال: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء:101]، ولا يكون ضارباً في الأرض حتى يخرج). العبد الآبق: هو الذي فر من سيده، يعني: عصى سيده. أقول: كثر جهل المسلمين، فالكثيرون اليوم لا يفهمون أن القصر للرباعية فقط، ولا قصر للفجر ولا للمغرب. ومن شروط قصر الصلاة: أن يخرج من محل الإقامة، فلا قصر في محل الإقامة، مثلاً: أنت من الزيتون وتريد أن تسافر إلى الإسكندرية، فإذا أردت أن تصلي في الزيتون تتم؛ لأنه لا قصر في محل الإقامة، لا قصر إلا إذا ضرب في الأرض، ويجوز له أن يجمع. قال: (إلا أن يأتم بمقيم)، المسافر إذا ائتم بمقيم فعليه أن يتم، أما ابن حزم فله رأي آخر، ولغيره رأي كذلك، وهذا هو الراجح. إذا ائتم المسافر بمقيم عليه أن يتم، وإن أدرك المقيم في التشهد الأخير لابد أن يتم، فطالما أنه مؤتم عليه أن يتبع الإمام في الإتمام.

الأحوال التي لا يجوز فيها قصر الصلاة

الأحوال التي لا يجوز فيها قصر الصلاة قال: (إلا أن يأتم بمقيم فعليه الإتمام؛ لأن ابن عباس سئل: ما بال المسافر يصلي ركعتين حال الانفراد وأربعاً إذا ائتم بمقيم؟ فقال: تلك السنة. رواه الإمام أحمد، وهو ينصرف إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولأنه قول جماعة من الصحابة، ولم يعرف لهم في عصرهم مخالف من الصحابة؛ فكان إجماعاً. أو لا ينوي القصر مع نية الإحرام؛ فإنه يلزمه الإتمام)، بمعنى: إذا كبر تكبيرة الإحرام وقد نوى أن يتم، ولم ينو القصر، فهل يجوز له أن ينوي القصر بعد أن نوى الإتمام؟ A لا بد أن يتم؛ لأنه لم ينو القصر. قال: (لأن الإتمام هو الأصل، فإطلاق النية ينصرف إليه، كما لو نوى الصلاة مطلقاً انصرف إلى الانفراد الذي هو الأصل. أو ينسى صلاة حضر فيذكرها في السفر)، يعني: يستثنى من القصر أحوالاً لا يجوز له فيها أن يقصر: أولاً: إذا ائتم بمقيم. ثانياً: إذا لم ينو القصر. ثالثاً: إذا نسي صلاة في الحضر وتذكرها في السفر، فمثلاً: نسيت صلاة الظهر هنا وتذكرت في سفري أنني لم أصل الظهر؛ فليس لي أن أقصرها في السفر. قال: (أو صلاة سفر فيذكرها في الحضر، فإن عليه الإتمام)، يعني: كنت مسافراً فنسيت أن أصلي في البلد التي سافرت إليها، فتذكرتها في الحضر حين عدت من سفري، فلا أقصرها، بل علي الإتمام، وهذا الرأي مرجوح؛ لأنه وجبت عليه في السفر ركعتان، فتكون في الحضر كما هي؛ ولذلك توجد رواية أخرى عن أحمد: أنه إن نسي صلاة رباعية في السفر فله أن يقصرها في الحضر. قال: (لأن صلاة الحضر وجبت أربعاً، وصلاة السفر -إذا ذكرها في الحضر- وجبت أربعاً؛ لأن المبيح للقصر هو السفر، وقد زال؛ فيلزمه الإتمام؛ لأنه الأصل).

اختلاف العلماء في كون قصر الصلاة في السفر رخصة أم عزيمة

اختلاف العلماء في كون قصر الصلاة في السفر رخصة أم عزيمة هل قصر الصلاة في السفر رخصة أم عزيمة؟ المسألة خلافية. قال بعض السلف: من صلى في السفر أربعاً كمن صلى في الحضر ركعتين، وكأنهم يرون أن القصر عزيمة وليس رخصة؛ لأن الرخصة معناها: أن تقبلها أو لا تقبلها، لكن حينما نقول: القصر عزيمة فإنه يلزمك أن تقصر الصلاة. وقد استدل الفريق الأول على أن القصر عزيمة بقول أمنا عائشة: فرضت الصلاة في السفر ركعتين ركعتين، ثم زيدت في الحضر. فالأصل أنها ركعتان، وزادت في الحضر إلى أربع إلى غير ذلك من أدلة، لكن إن صليت مأموماً فهذه مسألة أخرى. والثابت: أن الصحابة كانوا يقصرون في السفر، والنبي صلى الله عليه وسلم قصر في السفر، ولم يثبت أن أحداً من الصحابة سافر ولم يقصر إلا عثمان، واعتذر له بأربعة اعتذارات عن فعله. قال: (وللمسافر أن يتم)، إذاً: الإمام أحمد يرى أن القصر رخصة. قال: (لقوله تعالى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء:101]، مفهومه: أن القصر رخصة يجوز تركها، وعن عائشة أنها قالت: (خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة رمضان فأفطر وصمت، وقصر وأتممت؛ فقلت: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي، أفطرت وصمت، وأتممت وقصرت، فقال: أحسنت)، رواه أبو داود الطيالسي)، وهو منكر؛ ولذلك سقط به الاستدلال. قال الناظم: والمنكر الفرد به راو غدا تعديله لا يحمل التفردا يعني: انفرد به راو وهو غير ثقة وعدل، فإذا انفرد به راوٍ من طريق واحد يعتبر الحديث منكراً. فإذا انفرد به راوٍ لا تنسحب إليه العدالة فهو منكر. قال الإمام أحمد: (والقصر أفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه داوموا عليه، وعابوا من تركه، قال عبد الرحمن بن يزيد: صلى عثمان أربعاً فقال عبد الله: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين، ومع أبي بكر ركعتين ومع عمر ركعتين، ثم انصرفت بكم الطرق، ولوددت أن حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان، متفق عليه)، يرى الإمام أحمد أن القصر أفضل؛ لأنه ثبت أن الصحابة جميعاً كانوا يقصرون في السفر، ولم يثبت عن واحد منهم أنه أتم إلا عثمان في منى، وقد تأول الجميع فعله رحمه الله تعالى. فإن قال قائل: إن كنت مسافراً ودخلت المسجد فوجدت الجماعة في التشهد الأخير، أأدخل مع الجماعة أم أنتظر؟ A ادخل مع الجماعة في الحال؛ لحديث: (ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)، حتى ولم تدرك إلا التشهد، فالمختار: أن من أدرك الإمام في التشهد فقد أدرك الصلاة، فالسفر ليس رخصة لك في أن تترك الجماعة. وإن قال قائل: أنا مسافر وأريد أن أقيم عشرة أيام. أأقصر في أربعة أيام وأتم في ستة أيام؟ A ليس لك ذلك، بل تتم منذ نزولك من أول يوم؛ لأنك أصبحت في حكم المقيم. قال: (ومن نوى الإقامة أكثر من إحدى وعشرين صلاة أتم)، يعني: أكثر من أربعة أيام. (فإن لم يجمع على ذلك قصر أبداً)، يعني: إن لم يدر متى سيعود يقصر أبداً طالما أنه في سفر، فإن نوى الإقامة مدة أكثر من أربعة أيام فإنه يصبح في هذه الحالة في حكم المقيم. قال: (لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة فصلى إحدى وعشرين صلاة يقصر فيها؛ لأنه قدم لصبح رابعة إلى يوم التروية، فصلى الصبح ثم خرج، فمن أقام مثل إقامته قصر، ومن زاد أتم. قال أنس: أقمنا بمكة عشراً نقصر الصلاة، ومعناه: ما ذكرناه؛ لأنه حسب خروجه إلى منى وعرفة، وما بعده من العشر). أيها الإخوة الكرام! مسألة قصر الصلاة وصلاة أهل الأعذار من الأهمية بمكان، والعلماء قد اختلفوا فيها اختلافاً شديداً، وفيها أقوال عديدة، ولكننا نجتهد على حسب القدرة في التماس الرأي الراجح، وهذا ما انتهينا إليه.

الأسئلة

الأسئلة

حكم السنن الراتبة للمسافر الذي يريد قصر الصلاة

حكم السنن الراتبة للمسافر الذي يريد قصر الصلاة Q هل للمسافر أن يصلي السنن الراتبة عند قصره للصلاة؟ A السنن لا تصلى في القصر. قال ابن عمر: لو كنت متماً لتنفلت. فالله عز وجل رفع عنك من صلاة الفريضة ركعتين، فمن باب أولى أن تسقط السنة، فلا تنفل للمسافر إلا الوتر وركعتي الفجر وقيام الليل؛ لأنه ثبت أنهم كانوا في قيام الليل يوترون ويصلون ركعتي الفجر ويتهجدون، أما السنن الرواتب الملازمة للصلوات، فلا يصليها المسافر إذا قصر الصلاة؛ لأنه أسقط من الفريضة ركعتين، فمن باب أولى النافلة.

حكم المسافر يصلى خلف مقيم فأتم ويصلي السنة الراتبة

حكم المسافر يصلى خلف مقيم فأتم ويصلي السنة الراتبة Q أنا مسافر ودخلت وراء الإمام فأتممت؛ لأن الإمام يتم فهل علي سنة راتبة؟ A ليس عليك سنة؛ لأنك في حالة سفر، والذي دفعك للإتمام أنك ائتممت بمقيم فقط.

حكم ترك المسافر الصلاة في جماعة لعلة السفر

حكم ترك المسافر الصلاة في جماعة لعلة السفر Q أنا مسافر هل أصلي في المسجد أم في البيت؟ A صل في المسجد؛ لأنه ليس من أعذار ترك الجماعة أن تكون مسافراً، فإن كنت في سفر وسمعت النداء فإنه يلزمك أن تصلي في جماعة.

حكم صلاة المقيم خلف المسافر

حكم صلاة المقيم خلف المسافر Q ما حكم صلاة المقيم خلف المسافر؟ A يقصر الإمام الصلاة إن كان مسافراً، ويقوم المأموم ليتم، ويقول الإمام المسافر لمن خلفه: أتموا صلاتكم؛ فإنا على سفر، ولكن الراجح: أن يأتم المسافر بالمقيم، والأولى لمن يؤم الناس وهو مسافر أن يتنصل من الإمامة.

مسألة في الرضاعة

مسألة في الرضاعة Q شاب رضع من زوج خاله وعنده بنات، ثم توفيت هذه الزوجة فتزوج الخال امرأة أخرى وأنجب منها بنات، فهل يستطيع الشاب أن يتزوج واحدة من بنات تلك المرأة الأخرى؟ A نعم. يجوز لأنه لم يجتمع معها على رضاعة، ولا علاقة بين بنات المرأة الثانية بالمرأة الأولى.

حكم بناء زوايا مسجدية متقاربة في حي واحد

حكم بناء زوايا مسجدية متقاربة في حي واحد Q يوجد زاوية في المنطقة -مسجد- وكان دائماً يغلق لعدم وجود إمام، وفي صلاة الجمعة دائماً أو غالباً يغيب الخطيب؛ لعدم وجود خطيب منتظم، فأخذتني الغيرة على غلق المسجد في الجمعة التي يغيب فيها الخطيب فخطبت، غير أني ما زلت طالب علم، وما عندي من العلم إلا القليل، هل أترك المسجد في صلاة الجمعة يغلق رغم قلة علمي، أم ماذا أفعل؟ وهل لو تركت الخطبة يكون علي إثم؟ A أنت تقول: مسجد زاوية، والزوايا الأفضل أن تغلق، فإنه ما ضاعت الأمة إلا بسبب هذه الزوايا، ورغم أن القرار موجود في وزارة الأوقاف بإغلاق الزوايا يوم الجمعة إلا أن القرار لم يطبق، والجمعة ما سميت جمعة إلا لأنها تجمع، ونحن تفرقنا، فكل من بنى داراً جعل فيه زاوية، ويصلي فيه صفان. يقول عبد الرزاق عفيفي في فتاويه: إن المسجد إذا فتح مع وجود مكان في المسجد الجامع تبطل فيه الجمعة، فطالما أن المسجد الجامع يسع فلا عبرة بفتح مسجد آخر إلا إذا ضاق هذا المسجد الجامع. إن هذه الفوضى التي نعيشها هي سبب في هذا الوباء الذي نراه الآن، فهذه الزوايا دمرت الأمة، وليس عندنا خطباء على المستوى المرضي، زد أن فيه ما لذ وطاب، فكل واحد يصعد ليقول ما يريد من شعر، وانظر إلى كثرة الزوايا في المناطق، في كل عشرة أمتار زاوية، حتى في يوم العيد يصلي الناس في العراء وهو يصلي في الزاوية، ويصلي معه العوام. إن هذا الأمر فيه تشتيت للأمة، إذاً: الزاوية لا بد أن تغلق. كذلك القرى تشتت المصلون فيها، فقد ذهبت إلى قريتنا منذ فترة قصيرة، وكان المسجد الكبير يكتظ بالمصلين ونحن صغار، أما الآن فدخلت إليه فوجدت صفاً في الجمعة أو صفين، فقلت: أين الباقي؟ قالوا: كل سنة وأنت طيب! القرية فيها أربع عشرة زاوية، فبعد أن كانت القرية تجتمع في مسجد واحد، أصبح الآن فيها أربع عشرة زاوية فتفرق الناس، فكل عائلة لها زاوية، أنا لن أغلق زاوية بيت فلان، وكل عائلة عملت لها مضيفة وزاوية، فيا عبد الله! هذا شتات وضياع للأمة؛ فلا نحيي هذه البدع للعصبية التي نعيشها. والله تعالى أعلم.

حكم رؤية الرجل مخطوبته المنتقبة عدة مرات

حكم رؤية الرجل مخطوبته المنتقبة عدة مرات Q هل يجوز للخاطب أن يرى وجه مخطوبته المنتقبة في كل مرة ويجلس معها؟ A هل هو من أحد المحارم حتى يذهب ويجيء؟ يا عبد الله! لا ترى مخطوبتك إلا مرة واحدة، فإن وقعت في قلبك عادت أجنبية، وثانية وثالثة لا بأس، والذين قالوا بأن الرؤية ثلاث مرات استدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها حيث قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (أريتك في المنام ثلاثاً)، فاستنبطوا من هذا: أنه يجوز للخاطب أن يرى المخطوبة ثلاث مرات، وبعد الثلاث تصير أجنبية، أما أن تكشف له كلما جاءها فهذا لا يجوز؛ لأنه تصرف غير شرعي. كما أنه يحرم عليك أن تحدثها بالتلفون؛ لأن التلفون سلك لا نعرف ما يقال فيه، وهي أجنبية عنه إلا أن يعقد عليها، أو يحدثها مباشرة وبوجود محرم وهي منتقبة، فيناقش معها مسائل الزواج وغيرها من المسائل، أما أن يقول ولي الأمر: أنا سأتركك مع ابنتي خمسة أيام أمانة، ثم أرجع!! فأي أمانة هذه وأنت تركت في بيتك رجلاً أجنبياً؟! إن هذا فيه ضياع للأمة وضياع لأخلاقياتها، ويترتب عليه فتن كثيرة. فيا عبد الله! أغلق الباب من أول وهلة، ولا يحل لك بحال أن تتحدث مع امرأة أجنبية لا تحل لك، إلا بقدر الضرورة، وفي أضيق الظروف. قال موسى عليه السلام لابنتي شعيب عليهما السلام: ((مَا خَطْبُكُمَا))، كلمة واحدة فقط {قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} [القصص:23]، لو أن واحداً منا رأى فتاة لقال لها: الأخت الفاضلة! ما اسمك؟ أين تدرسين؟ كم عمرك؟ وما أخبار العائلة؟ ويدخل نفسه في متاهات، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)، بل إن الفتاة تثرثر معه وتتحدث. قال الشاعر: نظرة فابتسامة فسلام فكلام فموعد فلقاء فزواج عرفي، فإنجاب، فإجهاض، فمصيبة، فضياع، وهذا الذي نحن فيه الآن، فحينما نغلق الباب من أول وهلة نغلق على الشيطان مداخله.

نظرة الإسلام إلى التعدد

نظرة الإسلام إلى التعدد Q ما هي نظرة الإسلام إلى التعدد؟ A نظرتنا إلى التعدد نظرة معكوسة، ونظرة غربية أوروبية؛ لأن التعدد من الإسلام بدون أدنى شك، وهو في قول ربنا سبحانه: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء:3]، لكن لا بد أن نضع الضوابط الشرعية للتعدد، وهي أن يعدل الزوج بين زوجاته وألا يظلم، وألا يكون التعدد لغرض في نفسه ثم يزول، إنما على سبيل الاستقرار، ولا بد لكل امرأة من زوج، فإن زاد عدد النساء عن عدد الرجال، فأين تذهب الزيادة؟! إن المرأة قنبلة موقوتة، وبلا رجل تعرض للانفجار في كل وقت؛ ولذلك يقولون في الأرياف: ظل رجل ولا ظل حائط. فأقول: عالجوا لنا هذه المعادلة يا علماء! إذا زاد عدد النساء عن عدد الرجال ماذا نصنع بالزيادة؟ الحل هو أن يجمع الرجل بين أكثر من زوجة إن كان قادراً ويستطيع أن يعدل، أي: بالضوابط التي بيناها ووصفناها، لكن هذا الكلام يغضب البعض، وقد يسيء البعض استخدام هذا الحق، فيعدد بدون ضوابط، حيث إن راتبه مائة جنيه مثلاً، ويدفع إيجاراً مقداره (150) جنيهاً، فهو يستلف (50) جنيهاً وفوق هذا يقول: أريد أن أعدد. إذا كان معه سعة في الرزق وعنده مكان إقامة آخر؛ فيجوز له أن يعدد طالما أنه يستطيع أن ينفق على بيتين. أما قول بعض الرجال: زوجتي الأولى لا ترضى، نقول: هذا شرع الله عز وجل، والشرع على رقابنا كالسيف، فطالما أن الزوج لا يفعل إلا ما يرضي الله تعالى فلا اعتبار لرضا الزوجة، والعجيب أننا نحرم التعدد على أنفسنا ونوافق على شعار: أوافق على عشيقة، وللأسف الشديد هذا الكلام رأيناه كثيراً، بل إن بعضهن يقلن: أنا لا أحب الشريك، وهذا الكلام فيه عدم انقياد للشرع، وإلا فأخبروني عن نبي تزوج بواحدة، إن سليمان عليه السلام قال: لأطوفن الليلة على مائة زوجة، وإبراهيم عليه السلام تزوج بـ سارة ومن بعدها بـ هاجر. اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا. اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا. آمين آمين آمين! وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

العدة شرح العمدة [21]

العدة شرح العمدة [21] شدد الإسلام على صلاة الجماعة، فلم يسقطها حتى في احتدام الحرب، ولكنه شرع صلاة الخوف، وصلاة الخوف لها هيئات متعددة معروفة في الكتاب والسنة.

باب صلاة الخوف

باب صلاة الخوف الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أيها الإخوة الكرام الأحباب! لا زلنا مع كتاب العدة شرح العمدة للإمام موفق الدين ابن قدامة المقدسي الحنبلي رحمه الله تعالى. الخوف عام، فقد يكون خوفاً في معركة، أو خوفاً من عدو، أو خوفاً وأنت في صحراء من عدو مفترس إلى غير ذلك. قال رحمه الله: [باب: صلاة الخوف. وتجوز صلاة الخوف على كل صفة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم]. والمعنى: أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى صلاة الخوف بأكثر من صفة، وهذا يسميه العلماء: اختلاف تنوع، أي: أنه فعل هذا وفعل هذا لبيان جواز هذا وجواز هذا، وهذا كثير فلننتبه إليه، فمثلاً: تارة كان يفتتح الصلاة بقوله: (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب)، وتارة يفتتح الصلاة بقوله: (سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك)، وتارة يفتتح الصلاة بقوله: (قل: إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين). إذاً: هذه حالات فعلها النبي عليه الصلاة والسلام، ونسمي هذا الاختلاف: اختلاف تنوع، ولابد أن تعرف هذا لأهميته، وهذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم. إذاً: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف بأكثر من طريقة. قال في الشرح: [قال أحمد رضي الله عنه: صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من خمسة أوجه أو ستة -أو قال: ستة أو سبعة يروى فيها كلها جائز- قال شيخنا: والمختار منها هو الذي اختاره أحمد، وهو ما روى صالح بن خوات عمن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف]. يعني: اختار الإمام أحمد صفة من صفات صلاة الخوف، ولها ستة أوجه أو خمسة أوجه تعددت عن النبي عليه الصلاة والسلام، والمختار منها: أن يجعلهم الإمام طائفتين: طائفة تحرس وطائفة تصلي، وهذا دليل على عظم صلاة الجماعة، حتى عند القتال لم يرخص لنا في ترك صلاة الجماعة، ولعل هذا من الأدلة عند من قال بوجوب الجماعة، أي: أن الجندي في المعركة يقاتل ويصلي إلى غير القبلة ويصلي في نعله، ويحمل السلاح ويتيمم لعجزه عن الوضوء، لكنه لا يرخص له في ترك صلاة الجماعة، فمن باب أولى الآمن، فإن لم يرخص للمقاتل في ترك الجماعة فما بالك بالآمن؟ فهذا دليل عند العلماء على وجوب صلاة الجماعة. الطائفة التي تحرس تكون في المقدمة في مواجهة العدو، والطائفة التي تصلي تكون خلف الطائفة التي تحرس وتصلي مع الإمام ركعة كاملة، أي: أن الإمام يكبر وطائفة خلفه تكبر وتصلي والأخرى تحرس ثم يظل الإمام في الركعة الثانية قائماً، والطائفة التي تصلي معه تأتي بركعة ثانية والإمام قائم يطيل في قراءة الفاتحة والقرآن، وهذه الصلاة الوحيدة التي فيها الركعة الثانية أطول من الأولى، فإن من السنة أن تكون الأولى أطول من الثانية إلا في صلاة الخوف بالنسبة للإمام، فعليه أن يطيل في الثانية، ويظل قائماً يقرأ حتى تنتهي الطائفة التي معه من الركعة الثانية وتسلم، ثم بعد أن تسلم تأخذ مكان الطائفة التي تحرس، فتأتي الطائفة التي كانت تحرس فتصلي معه ركعة وهو لا يزال قائماً، فتكبر وتأتي معه بركعة، فإذا جلس للتشهد، قامت هي للركعة الثانية، ويظل الإمام يقرأ التشهد على مهل، حتى تنتهي الطائفة الثانية من الركعة الثانية وتجلس معه للتشهد ثم تسلم معه، وهكذا يكون صلى الإمام ركعتين، وكل طائفة صلت ركعتين: ركعة مع الإمام وركعة بمفردها. هذه هي الصفة التي اختارها الإمام أحمد الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد يسأل سائل: أتقرأ التشهد مرتين في صلاة الخوف أم لا؟ A لا يجوز أن تقرأ التشهد مرتين أو الفاتحة مرتين، وإنما تقرأ على مهل، فتكون جهرية في الجهرية، وسرية في السرية، وكل الصلوات ركعتان إلا المغرب فإنه ثلاث ركعات. وصلاة الخوف ركعتان للرباعية، ومن العلماء من قال: صلاة الخوف بالنسبة للإمام أربع ركعات، حيث يصلي بكل طائفة ركعتين، وهذا استدلال من قال: إنه يجوز للمفترض أن يصلي خلف المتنفل؛ وذلك لأن الإمام يصلي بطائفة ركعتين وهي له فريضة، ويصلي بطائفة ركعتين وهي له نافلة، وهذا دليل من قال: إنه يجوز للمفترض أن يصلي خلف المتنفل. أما صلاة الخوف بالنسبة للمغرب فهي صلاة ثلاثية، يصلي الإمام بالطائفة الأولى ركعتين كاملتين، ثم تقوم الطائفة الأولى فتأتي بركعة بمفردها، ويظل الإمام قائماً في الركعة الثالثة حتى تنتهي الطائفة الأولى من الركعة الثالثة، ثم تأتي الطائفة التي لم تصل خلف الإمام وتصلي معه ركعة، ثم تأتي بركعتين وهو جالس للتشهد، حتى إذا ما انتهت من الركعتين جلست مع الإمام وسلمت معه. أما بالنسبة للاستفتاح للطائفة الثان

صفة الصلاة إذا حمي الوطيس واشتد القتال

صفة الصلاة إذا حمي الوطيس واشتد القتال لكن المصنف هنا فاته أن يذكر الصلاة إن حمي الوطيس واقترب الفتح، هل نصلي أم نفتح؟ فأنت الآن تقاتل العدو في حصن، واقترب فتح الحصن، والوقت سيخرج، فهل تؤجل فتح الحصن للصلاة، أم تفتح ثم تصلي بعد خروج الوقت؟ هذه نقطة مهمة جداً ذكرها البخاري في كتاب صلاة الخوف المجلد الثاني من فتح الباري، وقد أفرد لها الإمام البخاري كتاباً مستقلاً في المجلد الثاني. قال: باب: إذا اشتد القتال ودنا فتح الحصن، واستدل البخاري هنا بحديثين: الحديث الأول: حديث غزوة الأحزاب: أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب انشغل بحفر الخندق عن صلاة العصر حتى غربت الشمس، وصلى المغرب بعد غروب الشمس، وقال ابن حجر في الفتح معلقاً: من قال: إن غزوة الأحزاب كانت قبل صلاة الخوف ليس معه دليل، فغزوة الأحزاب كانت في العام السادس من الهجرة فهي متأخرة، في الحديث: قال عمر للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! يوم الأحزاب ما صليت العصر، فقال: أشعل الله في بيوتهم ناراً شغلونا عن الصلاة الوسطى -وهي صلاة العصر- وصلى العصر بعد غروب الشمس)، فـ البخاري يستدل هنا بفعل السلف على أنه إذا تعارض الفتح مع وقت الصلاة فإنه يمكن أن تؤخر الصلاة حتى وإن خرج الوقت؛ لتعذر التحصيل.

العدة شرح العمدة [22]

العدة شرح العمدة [22] الجمعة واجبة على كل من تجب عليه الجماعة، ولها شروط وآداب وسنن ينبغي للإنسان معرفتها، حتى لا يخل بشيء من أحكامها وشروطها، كما أن أهل الأعذار لهم أحكام خاصة بهم كالمرأة والعبد والمسافر والمريض.

باب صلاة الجمعة

باب صلاة الجمعة من فتاوى الشيخ عبد الرزاق عفيفي وكثير من العلماء: في حال وجود مساحة في المسجد الجامع تبطل الصلاة في أي مسجد آخر، فانظر إلى خطورة الأمر، طالما أن المسجد الجامع يتسع للمسلمين في الجمعة فإنه لا يجوز أن تصلي في مسجد آخر. قال رحمه الله: [باب: صلاة الجمعة. كل من لزمته المكتوبة لزمته الجمعة إن كان مستوطناً ببناء وبينه وبين الجامع فرسخ فما دون ذلك، إلا المرأة والعبد والمسافر والمعذور بمرض أو مطر أو خوف وإن حضروها أجزأتهم ولم تنعقد بهم، إلا لمعذور إذا حضرها وجبت عليه وانعقدت به، ومن شرط صحتها فعلها في وقتها في قرية، وأن يحضرها من المستوطنين بها أربعون من أهل وجوبها، وأن تتقدمها خطبتان في كل خطبة حمد الله تعالى والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم، وقراءة آية، والموعظة، ويستحب أن يخطب الخطيب على منبر، فإذا صعد أقبل على الناس فسلم عليهم، ثم يجلس إلى فراغ الأذان، ثم يقوم الإمام فيخطب بهم، ثم يجلس، ثم يخطب الخطبة الثانية، ثم تقام الصلاة فينزل، فيصلي بهم ركعتين يجهر فيهما بالقراءة، فمن أدرك معه منها ركعة أتمها جمعة، وإلا أتمها ظهراً، وكذلك إن نقص العدد أو خرج الوقت وقد صلوا ركعة أتموها جمعة، وإلا أتموها ظهراً، ولا يجوز أن يصلى في المصر أكثر من جمعة إلا أن تدعو الحاجة إلى أكثر منها]. والمصر: القطر. قال: [أكثر من جمعة إلا أن تدعو الحاجة أكثر منها، ويستحب لمن أتى الجمعة أن يغتسل، ويلبس ثوبين نظيفين ويتطيب، ويبكر إليها، فإن جاء والإمام يخطب لم يجلس حتى يصلي ركعتين يوجز فيهما، ولا يجوز الكلام والإمام يخطب إلا الإمام أو من كلمه الإمام]. انتهى. هذا الكلام الثمين يحتاج إلى شرح لا شك في هذا؛ لأنها أحكام تتعلق بعبادة نقوم بأدائها في كل أسبوع، فهناك أحكام مهمة فيها. قال: (من لزمته المكتوبة لزمته الجمعة) أي: أن الجمعة فرض على كل مسلم بالغ عاقل -نفس شروط الصلاة المكتوبة- فإذا وجبت الصلاة على الرجل وجبت عليه الجمعة، ومن لم يبلغ لا تجب عليه الصلاة، ولكن له أن يصلي، أي: أن الصبي يمكن أن يشهد الجمعة، والمرأة يمكن أن تشهد الجمعة، لكن إن صلت في البيت ليس عليها جمعة، فهي ليس لها جمعة وليس عليها جمعة؛ كذلك المسافر ليس عليه جمعة، لكن له أن يصلي، وكذلك الصبي والمرأة ليس عليهما جمعة، ولكن لهما أن يصليا، وإن صلى الصبي الجمعة لا يدخل في العدد؛ لأنه غير مكلف بها، وكذلك المرأة لا تنعقد بها جمعة؛ فالمذهب الحنبلي يرى أن الجمعة لا تنعقد إلا بأربعين، واختلف العلماء في عدد الحاضرين للجمعة اختلافاً شديداً، عده ابن حجر في الفتح أكثر من ثلاثين قولاً، منهم من قال: تنعقد بواحد مع الإمام، ومنهم من قال: تنعقد بأربعين، ومنهم من قال: تنعقد باثني عشر؛ لأن الذين تركوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم يخطب الجمعة في سورة الجمعة تركوه وبقي معه اثنا عشر، فقالوا: لا تنعقد إلا باثني عشر، ولكن الراجح: أن الجمعة تنعقد بما تنعقد به صلاة الجماعة، وهذا هو الراجح وهو الذي عليه التحقيق. قال: [فهي واجبة -فريضة- لقوله عليه السلام: (لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليطبعن الله على قلوبهم) البخاري واللفظ لـ مسلم. والآية واضحة في سورة الجمعة، قال تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة:9]، وطالما نحن في بلد مسلم ننادي بأعلى صوتنا: فلنصدر قانوناً بتحريم البيع والشراء عند الجمعة؛ لأنه من الأمور الواضحة تماماً، بل إن العلماء قد اختلفوا: هل ينعقد البيع أم يقع باطلاً؟ منهم من قال: العقد يبطل عند الجمعة، ومنهم من قال: العقد صحيح ومعه الإثم، لكن الذين قالوا ببطلان العقد لديهم أدلة؛ لأن الله قال: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة:9]، فتحزن حينما ترى البيع والشراء ينعقد عند صلاة الجمعة، وكأننا لسنا على الإسلام، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من صفات هذه الأمة التي ميزها الله تبارك وتعالى. قال: [عن جابر: (خطبنا رسول صلى الله عليه وسلم فقال: اعلموا أن الله قد افترض عليكم الجمعة في يومي هذا، في شهري هذا، في مقامي هذا، فمن تركها في حياتي أو بعدي وله إمام عادل أو جائر استخفافاً بها أو جحوداً لها فلا جمع الله شمله، ولا بارك له في أمره)]، وهو حديث ضعيف. من المعلوم أنه عند النداء للجمعة يقف البيع على كل بائع، وإذا كان البائع غير مسلم فلا ينبغي أبداً أن يفتح متجراً والجمعة منعقدة؛ لأن هذا فيه محادة ومحاربة ومعاندة لله ولرسوله، بل لنص القرآن الظاهر البين، فالأمر واضح لا جدال فيه.

شروط وجوب الجمعة

شروط وجوب الجمعة

الاستيطان والإقامة

الاستيطان والإقامة قال في الشرح: [تجب الجمعة بشروط: أحدها: أن يكون مستوطناً، وهو الإقامة في قرية مبنية بحجارة أو لبن أو قصب أو ما جرت به العادة بالبناء]. أي: أن الجمعة على المقيم في بناء، فهناك أناس رحالة في صحراء ليس لهم بيوت، فهؤلاء ليس عليهم جمعة؛ لأنهم لا يملكون بيتاً، وإنما يترحلون في الصحراء. قال: [لا يظعن عنها صيفاً ولا شتاء]، يظعن يعني: يسافر. [أما أهل الخيام وبيوت الشعر فلا جمعة عليهم؛ لأن قبائل العرب كانت حول المدينة فلم يقيموا جمعة ولا أمرهم بها النبي صلى الله عليه وسلم، ولو أمرهم لم يخف ذلك، ولم يترك نقله لكثرته وعموم البلوى به]. إذاً: الشرط الأول للجمعة: أن يكون مستوطناً.

القرب من المسجد الجامع بمقدار فرسخ فما دون

القرب من المسجد الجامع بمقدار فرسخ فما دون قال في الشرح: [الشرط الثاني: أن يكون بينه وبين الجامع فرسخ فما دون، وإن كان أبعد من فرسخ فلا جمعة عليه؛ لأن عثمان رضي الله عنه صلى صلاة العيد يوم جمعة، ثم قال لأهل العوالي: من أراد منكم أن ينصرف فلينصرف، ومن أراد أن يقيم حتى يصلي الجمعة فليقم، وروى عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الجمعة على من سمع النداء) رواه أبو داود؛ ولا يمكن اعتبار سماع حقيقة النداء؛ لأنه قد يكون ثقيل السمع، أو في مكان مستتر لا يسمع أو غير مصغٍ أو يكون النداء ضعيفاً، أو في حال هبوب الرياح، فينبغي أن يقدر بمقدار لا يختلف، والموضع الذي يسمع النداء في الغالب إذا كان المؤذن صيِّتاً في موضع عال، والرياح ساكنة، والمستمع سميعاً غير ساه هو الفرسخ أو ما قاربه فيحد به]. الشرط الثاني للجمعة: أن يكون قريباً من المسجد الجامع، فهب أن بينك وبين الجامع مسافة طويلة جداً، فإن قام المؤذن يؤذن فوق المسجد بصوته العادي فإنك لا تسمعه. فمن الممكن أن يصل ثلاثة أو اثنين كيلو أو كيلو إلى غير ذلك، فالمهم أن العلة هنا ليست المسافة، إنما العلة هنا المشقة، كأن تكون في صحراء وبينك وبين المسجد الذي فيه جمعة مسافة طويلة ويصعب عليك أن ترحل للصلاة، فإنها تسقط عنك. وقديماً كانوا يقيسون المسافة عن طريق النبال، فإن أهل العوالي سقطت عنهم الجمعة في المدينة؛ لأنهم يسكنون بعد العزيزية، فالمسجد النبوي يبعد عنه العوالي نحو (8) كيلو أو (10) كيلو، فمشقة عليهم أن يأتوا إلى المسجد، فشروط وجوب الجمعة أن يكون مستوطناً، وأن يكون قريباً من المسجد الذي تقام فيه الجمعة، ويستطيع أن يدرك الصلاة بدون مشقة. ثم قال: [إلا المرأة والعبد؛ لما روى طارق بن شهاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الجمعة حق واجب على كل مسلم إلا أربعة: مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض)]. فالذين ليس عليهم جمعة: أولاً: المملوك العبد. ثانياً: المرأة ليس عليها جمعة. ثالثاً: الصبي الذي لم يبلغ. رابعاً: المريض المعذور، فهؤلاء ليس عليهم جمعة، لكن من أراد منهم أن يصلي الجمعة فله ذلك. فالعبد المملوك ليس عليه جمعة؛ لأنه ليس حراً. والمسافر تسقط عنه الجمعة. قال: [والمسافر لا تجب عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصلها بعرفة حيث كان مسافراً، والمعذور بمطر أو مرض أو خوف، أما المعذور بمرض فلحديث طارق، وأما المعذور لمطر فلما روي عن ابن عمر قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي مناديه في الليلة المطيرة أو الباردة: صلوا في رحالكم) متفق عليه، والمطر الذي يعذر به هو الذي يبل الثياب؛ لأن في الخروج فيه مشقة]. أي: إذا كان هناك مطر شديد قبل الجمعة وحال بينك وبين الوصول إلى المسجد سقطت عنك الجمعة، كذلك إذا كان لمرض أو لسفر أو لخوف كما سنبين. فهؤلاء الذين تسقط عنهم الجمعة: الصبي، والمرأة، والمملوك، والمريض، والمسافر، وفي حالة المطر الشديد، وفي حالة الخوف الشديد. قال: [أما الخوف فلما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من سمع النداء فلم يمنعه من اتباعه عذر، قيل: وما العذر يا رسول الله؟ قال: خوف أو مرض لم يقبل الله الصلاة التي صلى). والخوف ثلاثة أنواع: أحدهما: الخوف على المال من سلطان أو لص، أو يكون له خبز في تنور، أو طبيخ على النار يخاف أن يحرق وما أشبه ذلك، فهذا كله عذر عن الجمعة]. هب أن رجلاً يعمل في مخبز، ولا يستطيع أن يمتنع عن إعداد الخبز في ساعة الجمعة، نقول له: تسقط عنك الجمعة، لكن الآن من الممكن أن يقفل البوتجاز ويذهب، أما في القديم فكانوا لا يستطيعون، وليست العلة هنا، وإنما العلة معناها: من كان له عذر لا يمكنه أن يؤجله، مثال ذلك: طالب في الجامعة معه امتحان في الساعة الثانية عشرة، وصلاة الجمعة في الساعة الواحدة، فمن المستحيل أن يقول: أوقفوا اللجنة حتى أصلي الجمعة. إذاً: تسقط عنه الجمعة. كذلك مريض يقوم بإجراء عملية جراحية عند صلاة الجمعة، فإن الجمعة تسقط عنه إلى غير ذلك من أعذار لا يملك المكلف معها شيئاً. قال: [مثل أن يخاف من سلطان يأخذه أو عدو أو سبع أو سيل لذلك، الثالث: الخوف على ولده وأهله أن يضيعوا، أو يكون ولده ضائعاً ويرجو وجوده في تلك الحال، فيعذر بذلك لأنه خوف]؛ ولذلك قالوا: المحبوس لا جمعة عليه؛ لأنه مقيد الإرادة. يقول: [وإن حضروها أجزأتهم]، أي: إن حضر الصبي والمرأة والخائف والمسافر والمريض والعبد الجمعة أجزأتهم؛ [لأن سقوطها عنهم كان رخصة، فإذا تكلفوا فعلها أجزأتهم، كالمريض يتكلف الصلاة قائماً، ولم تنعقد بهم؛ لأنهم من غير أهل الوجوب، فلم تنعقد بهم كالنساء، إلا المعذور إذا حضرها وجبت عليه وانعقدت به؛ لأن سقطوها كان لدفع المشقة، فإذا حضر زالت المشقة؛ فوجبت عليه وانعقدت به]. هناك فرق بين من سقطت عنهم الج

فعل صلاة الجمعة في وقتها كوقت صلاة الظهر

فعل صلاة الجمعة في وقتها كوقت صلاة الظهر قال في الشرح: [ومن شرط صحتها فعلها في وقتها، فلا تصح قبل وقتها ولا بعده إجماعاً]، فوقت الجمعة هو وقت الظهر، أي: أن وقت الجمعة يبدأ من أذان الظهر وينتهي مع العصر؛ فلذلك يمكن أن تؤخر النداء قليلاً عن وقت الظهر؛ لأن وقت الظهر يمتد، لكن السنة ألا تؤخر النداء بل تقدم، فإنه لم يؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخر نداء الجمعة، وإنما أثر عنه أنه بكر به؛ لحديث جابر الذي رواه مسلم: (أنه صلى الجمعة مع النبي صلى الله عليه وسلم. يقول جابر: وذهبنا إلى جمالنا وأنخناها في الظهيرة، ولم تزل الشمس عن كبد السماء)، يعني: صلوا وخرجوا ومازال وقت الظهر لم يأتِ. يقول العلماء: للإمام الراكب أن يبكر للجمعة في حال الأعذار، فلابد أن نلتزم السنة، وخير الهدي هو هدي محمد صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز لك أن تصلب الناس وتعرقل حركة المرور ثلاث ساعات، ثم تقول: هذه جمعة! ذكر البخاري في كتاب الجمعة (باب: القيلولة بعد الجمعة) فقد كانوا يصلون الجمعة ثم يذهبون للقيلولة، وبعد القيلولة يتناولون طعام الغداء، ولم يؤذن العصر بعد، هذا هو الهناء، فإن الله سبحانه إذا قال: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ} [الجمعة:10]، فإن علينا أن نصلي صلاة خفيفة. قال: [فلا تصح قبل وقتها ولا بعده إجماعاً، وآخر وقتها آخر وقت الظهر إجماعاً، فأما أوله فذكر القاضي أنها تجوز في وقت العيد]. يعني: بعد ارتفاع الشمس برمح أو رمحين. قال: [لأن أحمد رحمه الله قال: يجوز أن تصلى الجمعة قبل الزوال] يعني: قبل وقت الظهر. قال: [يذهب إلى أنها كصلاة العيد؛ لحديث وكيع عن جعفر بن برقان عن عبد الله بن سيدان قال: شهدت الجمعة مع أبي بكر فكانت صلاته وخطبته قبل انتصاف النهار، وشهدتها مع عمر بن الخطاب فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول: قد انتصف النهار، ثم صليتها مع عثمان فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول: قد زال النهار، فما رأيت أحداً عاب ذلك ولا أنكره، وهذا نقل للإجماع، وعن جابر: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة، ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها حتى تزول الشمس) أخرجه مسلم]. نصلي ونذهب إلى الجمال وما زال وقت الظهر لم يأت بعد، وهذا ليس على إطلاقه، وإنما للإمام الراتب في حال الأعذار أن يبكر بالجمعة عن وقتها، فالسنة التبكير عن الوقت وليس التأخير.

إقامة الجمعة في قرية يستوطنها أربعون رجلا من أهل وجوبها

إقامة الجمعة في قرية يستوطنها أربعون رجلاً من أهل وجوبها قال في الشرح: [ومن شرط صحتها أن يفعلها في قرية، يستوطنها أربعون رجلاً من أهل وجوبها سكنى إقامة لا يظعنون -يعني: لا يسافرون- فإذا اجتمعت هذه الشروط في قرية وجبت الجمعة على أهلها وصحت بها؛ لأن كعباً قال: أول من جمع بنا أسعد بن زرارة في هزم النبيت من حرة بني بياضة في نقيع يقال له: نقيع الخصمات. قلت: كم كنتم يومئذٍ؟ قال: أربعون]. فالمذهب يشترط لعدد الجمعة أربعين، وهذا موضوع خلافي، والراجح: أن الجمعة تنعقد بما تنعقد به الجماعة، والنقطة التي أريد أن أركز عليها هي أنه إذا كان لا يجوز أن يفتح مسجداً في قطر إلا للضرورة فمعنى هذا: أن تبحث عن المسجد الجامع وتصلي فيه، وإياك أن تصلي في زاوية، فأداء الفروض الخمس في الزوايا من باب الترخيص، أما الجمعة فإنها لم تسم جمعة إلا لأنها تجمع المسلمين في مكان واحد، لكن الذي نراه الآن أكثر من (1500) أو (3000) جمعة في بقعة واحدة، وهذا تمزيق لكلمة الأمة، وأمر لم يقل به أحد من العلماء. قال: [وأن يحضرها من المستوطنين أربعون من أهل وجوبها؛ لأن جابراً قال: مضت السنة أن في كل أربعين فما فوقها جمعة]. قال: [وأن تتقدمها خطبتان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يخطب خطبتين يقعد بينهما) متفق عليه، وقال عليه الصلاة والسلام: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، وقالت عائشة: (إنما أقرت الجمعة ركعتين من أجل الخطبة) وفي كل خطبة حمد الله تعالى -إن الحمد لله- لأن جابراً قال: (كان الرسول عليه الصلاة والسلام يخطب الناس يحمد الله ويثني عليه بما أهله، ثم يقول: من يهدِ الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له) ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ومن فروض الخطبة أربعة: الأول: حمد الله وقد سبق، والثاني: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن كل عبادة افتقرت إلى ذكر الله افتقرت إلى ذكر رسوله صلى الله عليه وسلم كالأذان. الثالث: قراءة آية -يعني: يقرأ آية في الخطبة- فصاعداً؛ لأن جابر بن سمرة قال: (كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قصداً وخطبته قصداً؛ يقرأ آيات من القرآن ويذكر الناس) رواه أبو داود؛ ولأن الخطبة فرض في الجمعة فوجبت فيها القراءة كالصلاة. الرابع في الخطبة: الموعظة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعظ، وهي القصد من الخطبة في حديث جابر بن سمرة: (يقرأ آيات ويذكر الناس)]. فمن فقه الإمام تقصير الخطبة وإطالة الصلاة، وكثرة الكلام ينسي بعضه بعضاً، فالمستمع جاء ليأخذ معلومة ويمضي، فلا تعطه قصصاً وأساطير لساعة ونصف، فإن الكلام الكثير لا داع له، فنحن في المساجد نعلم الناس أمور الدين، ومن أتى الجمعة لم يأت إلا ليتعلم ما هو المطلوب منه وما هو الواجب عليه أن يفعله في العقيدة أو العبادة أو الشريعة، وتهييج الناس في أمور سياسية ليس من الدين، والخطبة ليست نشرة أخبار، فيا عبد الله لابد أن تراعي المقام؛ لذلك نحن السبب فيما يحدث الآن وذلك بتجاوزنا كثيراً، وقد يقول قائل: إن الشيخ هز الملعب أو الشارع من أجل أن يفرض على الناس مقالته. لا يا أخي! هدئ نفسك، إن الجمعة شرعت لتعلم الناس ما هو المطلوب في العقيدة والشريعة، لا لتشحنه ليخرج فيكسر، وإلا فأنت لم تأتِ لجمعة، وإنما جئت مزايدة بأحداث، ونحن لا نريد أن نزايد على ديننا، نحن جئنا الجمعة لنتعلم الشرع، وقد يقول قائل: أليس من الشرع الولاء والبراء؟ نقول: نعم. وعلمه العقيدة بكامل معناها، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينتقد يقول: (ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا)، ولم يذكر أحداً باسمه على المنبر، فإذا كانت البلوى عمت، والكلام فيه مخالفة شرعية ككتاب حديث الشفاعة، أو كإنكار عذاب القبر إلى غيره -فهذه مسألة اعتقادية يجوز أن نتنبه لها، لكن تصعد المنبر وتقول نشرة أخبار: سقط من البوسنة خمسون، ومن الهرسك أربعون فهذا غير صحيح، فالمجتمع يريدك أن تقول له: رب أبناءك على حب الإسلام، وعلى التخلص من العدو، وعلى الاستقامة، وعلى مجاهدة النفس، وعلى التحرر الفكري. أيها الإخوة! إن الاحتلال أنواع: احتلال أرض واحتلال فكر، فنحن الآن محتلون فكرياً وشبابنا ضائع؛ ولذلك أقول: ينبغي أن يكون المقال على قدر المقام، فلا مزايدة للتلاعب بالجماهير، فالقرآن والسنة واضحان وبينان، وإنني بكلامي هذا لا أقصد أحداً بعينه، بل الكلام عام، ولسنا أعداء أحد، فإن كل من يعمل في حقل الدعوة فهو فوق الرءوس محمول حتى وإن جانب الصواب، ولسنا من أرباب الشتائم ولا البذاءات.

ذكر كيفية أداء خطبتي الجمعة وصلاة الجمعة

ذكر كيفية أداء خطبتي الجمعة وصلاة الجمعة قال في الشرح: [ويستحب أن يخطب على منبر أو موضع عال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب على منبره، ولأنه أبلغ في الإعلام]. والمنبر من ثلاث درجات، صنعه النبي صلى الله عليه وسلم حتى يقوم عليه، وبعض المساجد تعقد منبراً من خمسين، فيكون الخطيب في الدور التاسع، والمصلي في الدور الأرضي، حتى إذا قرأ آية فيها سجدة أراد أن ينزل للسجود يريد ساعة نزول وساعة صعود! وارتفاع المنبر يجعل المستمع بعيداً عن الخطيب، والخطيب لا يتفاعل مع الجمهور، فارتفاع المنبر ليس من السنة في شيء، والحديث في البخاري: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صُنع له منبر من ثلاث درجات). قال: [فإذا صعد أقبل على الناس فسلم عليهم]. قال: السلام عليكم ورحمة الله. قال: [لأن جابراً قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر سلم عليهم) رواه ابن ماجه]. ومن السنة: أن يستقبل الناس بوجهه، وأن يستقبله الناس بوجوههم، فلا يجوز أن تعطي ظهرك للإمام أو ظهرك للقبلة، وقد يقول قائل: نرى بعض الإخوة يضع ظهره على الجدار بحيث يكون في غير اتجاه القبلة؟ أقول: هذا مخالفة للسنة، لابد أن يستقبل المأموم الإمام بوجهه ولا يعطي ظهره للقبلة، بل يعطي وجهه للقبلة؛ لأن هذا فيه سنة وأدب في استقبال القبلة وعدم استدبارها. قال: [ثم يجلس إلى فراغ الأذان، ثم يقوم فيخطب بهم، ثم يجلس] شرعت للاستراحة وليست للدعاء. قال: [ثم يخطب الخطبة الثانية؛ لأن ابن عمر قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ المؤذن، ثم يقوم فيخطب، ثم يجلس فلا يتكلم، ثم يقوم فيخطب) رواه أبو داود؛ ولأن جابر بن سمرة قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائماً، ثم يجلس، ثم يقوم فيخطب، فمن حدثك أنه كان يخطب جالساً فقد كذب) رواه مسلم]. يعني: كان يخطب قائماً، والدليل من القرآن: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة:11]، فهذا دليل على أنه كان يخطب قائماً عليه الصلاة والسلام، إلا لمرض أو عذر فيجوز للخطيب أن يخطب جالساً. قال: [ثم تقام الصلاة، فينزل فيصلي بهم ركعتين، يجهر فيهما بالقراءة. إجماعاً نقل الخلف عن السلف. ويستحب أن يقرأ في الأولى بالجمعة وفي الثانية: المنافقين أو سبح والغاشية]. يقول هنا: يستحب؛ لأن بعض الإخوة يقول: يا شيخ! أنت تصلي الجمعة بقصار السور، فلماذا لا تقرأ بسبح والغاشية؟ أقول: يا عبد الله! أنا أرى أن المسجد مكتظاً والشوارع مقفلة؛ ولذلك أقرأ بسورة الإخلاص والنصر والعصر، كي أنتهي وأسهل الأمور؛ لأنه يستحب فقط، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وترك المستحبات لأجل تأليف القلوب أمر واجب. لكن بعض الناس قلب الهرم، فتراه يفعل المستحب قبل الواجب، ويقاتل على المستحب ويوالي ويعادي على المستحب، فلتعلم أن المستحبات مندوبات، من فعلها له الأجر، ومن لم يفعلها فليس عليه شيء. قال في الشرح: [فمن أدرك معه منها ركعة أتمها جمعة]. إذاً: من أدرك مع الإمام ركعة فقد أدرك الجمعة، وإدراك الركعة بإدراك الركوع. قال: [لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أدرك من الجمعة ركعة فقد أدرك الصلاة) ورواه ابن ماجه ولفظه: (فليصل إليها أخرى)، وفي حديث أبي هريرة المتفق عليه: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة)، وإن أدرك أقل من ركعة أتمها ظهراً]. فمن أتى وأدرك الإمام ساجداً في الركعة الثانية فعليه أن يصلي ظهراً؛ لأنه لم يدرك الجمعة، وفي هذا دليل على جواز اختلاف النية بين المأموم والإمام، فالإمام يصلي جمعة والمأموم يصلي ظهراً، فهذا فيه اختلاف النوايا وهو دليل عند الشافعي. قال رحمه الله: [قال الخرقي: إذا كان قد دخل بنية الظهر فظاهر هذا: أنه لو نوى جمعة لزمه الاستئناف؛ لأنهما صلاتان لا تتأدى إحداهما بنية الأخرى، فلم يجز بناؤها عليها كالظهر والعصر]. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا. جزاكم الله خيراً، وبارك فيكم.

العدة شرح العمدة [23]

العدة شرح العمدة [23] حث الإسلام على اجتماع المسلمين وتقوية أواصر المحبة بينهم، وجعل مواسم لتحقيق روح الأخوة والتآلف، ومن هذه المواسم يوم الجمعة ويوما الفطر والأضحى، كما شرعت صلاة العيد في هذين اليومين، ولها أحكام ينبغي للمسلم أن يفقهها.

تابع باب صلاة الجمعة

تابع باب صلاة الجمعة الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر:3]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: ذكرنا أيها الإخوة الكرام في الأسبوع الماضي أن الجمعة يجوز أن تقدم، وفهم البعض أن هذا أمر على الإطلاق، ونقول: لا، هذا أمر للإمام الراتب، إن رأى عذراً يدفع لتقديمها؛ لحديث جابر بن عبد الله في صحيح مسلم: (كنا نصلي الجمعة مع النبي صلى الله عليه وسلم ونذهب إلى جمالنا ولم تزل الشمس في كبد السماء)، يعني: وقت الظهر لم يؤذن بعد وكانوا قد صلوا الجمعة وانتهوا منها، يقول العلماء: وفي هذا جواز التبكير لوقت الجمعة للإمام الراتب إن كان هناك عذر يستدعي ذلك. قلت: والسنة في الجمعة التبكير وليس التأخير.

أحكام تتعلق بإدراك الجمعة أو ركعة أو جزء منها

أحكام تتعلق بإدراك الجمعة أو ركعة أو جزء منها يقول المصنف رحمه الله تعالى: [فمن أدرك منها ركعة أتمها جمعة]. إذاً: إدراك الجمعة بإدراك ركعة، وإدراك الركعة بإدراك الركوع، فمن أدرك الإمام راكعاً في الركعة الثانية فقد أدرك الجمعة طالما أدرك معه ركعة، ومعلوم أن مذهب الجمهور هو إدراك الركعة بإدراك الركوع فيها. قال: [وإلا أتمها ظهراً]. أي: أن من لم يدرك مع الإمام ركعة عليه أن يصلي ظهراً. قال: [وكذلك إن نقص العدد]. المذهب هنا يشترط للجمعة عدداً وهو أربعون مستوطناً من أهل التكليف الشرعي. قال: [وكذلك إن نقص العدد -يعني: عن الأربعين- وقد صلوا منها ركعة أتموها جمعة؛ لأنه شرط يختص بالجمعة، فلا يعتبر في أكثر من ركعة كالجماعة، وإن نقصوا قبل ركعة أتموها ظهراً كالمسبوق بركوع الثانية]. والمقصود: إذا كان عدد الجمعة قل عن الأربعين، وبينما نحن نصلي تم العدد في الركعة الثانية إلى الأربعين فإننا نصليها جمعة؛ لأن العدد تم قبل الانتهاء من الركعة الثانية إلى الأربعين، فإن تم العدد بعد ركعتين -يعني: ونحن في السجود الثاني- نصليها ظهراً؛ لأن شرط انعقاد الجمعة أربعون عند الحنابلة. قلت: وهذا رأي مرجوح، إذ إن الجمعة تنعقد بما ينعقد به الجماعة. قال رحمه الله: [وإن خرج الوقت وقد صلوا ركعة أتموها جمعة]. والمعنى: أنهم أخروا الجمعة إلى الساعة الرابعة والثلث، وصلى الإمام من الجمعة ركعة، واعتدل للثانية فأذن العصر، فإن إدراك الركعة إدراك للوقت، فمن صلى من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر، ومن صلى من الصبح ركعة قبل أن تشرق الشمس فقد أدرك الصبح، فإدراك الجمعة يكون بإدراك ركعة في وقتها، فلو أدرك ركعة في الوقت ثم جاء العصر فقد أدرك الجمعة. وهذا هو الذي أراده المصنف. قال: [وإن خرج الوقت وقد صلوا أقل من ركعة أتموها ظهراً لذلك]، بمعنى: أنه لم يدرك ركعة في الوقت، وإنما أدرك أقل من ركعة، يعني: كبر تكبيرة الإحرام ولم يركع، فأذن العصر، هنا نقول: عليه أن يصلي ظهراً؛ لأن وقت الجمعة قد خرج. يقول رحمه الله: [وقال عليه الصلاة والسلام: (من أدرك من الجمعة ركعة فقد أدرك الصلاة). مفهومه: أن من أدرك أقل لا يكون مدركاً لها]. فإدراك الجمعة يكون بركعة في وقتها مع الإمام.

حكم أداء أكثر من جمعة في مصر واحد

حكم أداء أكثر من جمعة في مصر واحد قال المصنف رحمه الله: [ولا يجوز أن يصلى في المصر أكثر من جمعة]. المصر: هو البلد الواحد، ولا بد أن ننبه إلى أن إطالة الجمعة في الخطبة إلى العصر مخالف للسنة، والمواظبة على درس بعد الجمعة مخالف للسنة؛ لأن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وكان لا يواظب على موعظة بعد الجمعة. قال تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ} [الجمعة:10] فمرة نعظ ومرة نترك ولا نواظب على الدوام، بل نحن نقيم السنة، والكلام عن أشخاص بأعينهم ليس من هديه عليه الصلاة والسلام؛ لأنه يجر علينا مفسدة أكبر من المصلحة، فنحن لا نريد بذلك إلا وجه الله عز وجل. قال: [ولا يجوز أن يصلى في المصر أكثر من جمعة]. يعني: طالما هي رقعة واحدة فإننا لا نقيم فيها أكثر من جمعة. قال: [لأن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه لم يقيموا إلا جمعة واحدة]. أي: أن الجمعة كانت تنعقد في المدينة في المسجد النبوي، فأهل قباء يأتون وبنو سلمة يأتون وأهل العوالي يأتون، فكل أهل يجتمعون في مسجد واحد، فكان المسجد يسمى جامعاً؛ لأنه يجمع المسلمين جميعاً، أما الآن لو حصرنا حياً مثل حي الزيتون فإننا سنجد فيه أربعة آلاف مسجد؛ وخمسة آلاف زاوية، وأربعة آلاف مصلى، وكل شخص يعمل له جمعة بنفرين أو ثلاثة، مسجد متران في متر وفيه جمعة، زاوية أربعة في أربعة وفيها جمعة وهكذا، فمن الذي قال لك: إن هذه الجمعة تجوز أصلاً يا عبد الله؟! انظر إلى قول العلماء. قال: [إلا أن تدعو الحاجة إلى أكثر منها فيجوز]. يعني: إذا ضاق المسجد الجامع برواده عند ذلك لنا أن نفتح مسجداً آخر بإذن ولي الأمر، فلا بد من تنظيم وجمع للكلمة، فإن تفتت الكلمة ترتب عليه الكثير من المفاسد. إن مسئولية الدعوة والدين مسئولية كبيرة، وهل هناك ما هو أغلى من الدين؟ وهل هناك ما يحتاج إلى ترتيب وضبط سوى الدين؟ فحصر المساجد وإعطاء الأماكن الكبيرة الأولوية في الجمعة هو الأولى، فإن ضاق المسجد عن رواده أٌمِرَ بفتح مسجد آخر. قال: [ولا يجوز أن يصلى في المصر أكثر من جمعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه لم يقيموا إلا جمعة واحدة، إلا أن تدعو الحاجة إلى أكثر منها فيجوز؛ لأنها تفعل في الأمصار العظيمة في جوامع من غير نكير، فكان إجماعاً؛ ولأنها صلاة عيد فجاز فعلها في موضعين مع الحاجة كغيرها]. والمعنى: أن الجمعة ما سميت جمعة إلا أنها تجمع المسلمين في مكان واحد، فنحن فرقنا كلمة الناس وفتتنا هذا الجمع بانتشار هذه الأماكن التي لا ينبغي أن تقام فيها الجمعة.

مستحبات يوم الجمعة

مستحبات يوم الجمعة قال الشارح: [ويستحب لمن أتى الجمعة أن يغتسل ويلبس ثوبين نظيفين ويتطيب؛ لما روى سلمان: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر بما استطاع من طهر، ويدهن من دهنه، ويمس من طيب بيته، ولا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر الله له ما بينه وبين الجمعة الأخرى)]. وقوله: (ولا يفرق بين اثنين)، هناك ظاهرة تخطي الرقاب، وهذه الظاهرة الخطيرة نتجاوز نحن فيها بسبب أننا لا نرتب الجلوس على الأسبقية، فالمفروض أن من جاء أولاً يجلس أولاً ولا يفرط؛ لأن هذا المجلس من حقه، والتبكير إلى الصف الأول له ثواب، فلا يجوز له أن يأتي مبكراً ويجلس متأخراً كي يسند ظهره على الحائط، أما ما يحدث من تخطي الرقاب فهناك نهي عنه، ولذلك قال: (ولا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له)، إذاً: المشروع قبل الجمعة الصلاة، وليس المشروع قبل الجمعة أن نأتي بمقرئ يقرأ سورة جهرية، فإن ذلك لم يؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقل لـ ابن مسعود: اجلس يا ابن مسعود! نسمع منك سورة الكهف يوم الجمعة. فهذا ما ثبت عنه، إنما الثابت أنه كان يصلي ما شاء الله له أن يصلي، فهذا يصلي وهذا يسبح وهذا يقرأ، وهذه السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: [وغسل الجمعة على كل محتلم وسواك وأن يمس طيباً]. غسل الجمعة فيه خلاف بين العلماء، فمنهم من قال: إنه واجب، وذهب إلى ذلك ابن حزم الظاهري، ودافع عنه في المحلى، وأتى بأدلة تدل على الوجوب، ومنهم من قال: إنه سنة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم، والراجح: أنه سنة وليس واجباً؛ لما ثبت أن عثمان رضي الله عنه جاء إلى الجمعة دون أن يغتسل، والحديث في البخاري، فسأله عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن سبب تأخيره، فأخبره أنه تأخر لحاجة ولم يغتسل، فعاتبه عمر رضي الله عنه لأنه لم يغتسل، فلو كان هذا الأمر واجباً لأمره عمر أن يغتسل؛ لأن تحصيل الواجب ضروري. ثانياً: لا يمكن أن نتصور أن عثمان رضي الله عنه يجهل واجباً عند عامة المسلمين، فالأدلة كثيرة على عدم الوجوب، فهو من آكد السنن، وقد يصبح غسل الجمعة واجباً في حق من له رائحة نفاذة، حتى لا يؤذي إخوانه في صلاة الجمعة، فالتطيب والغسل ولبس أجمل الثياب والتسوك والتبكير من سنن الجمعة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: [والمذهب الأول] يعني: المختار في مذهب الحنابلة أن غسل الجمعة ليس بواجب. [لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، وإن اغتسل فالغسل أفضل)، والمراد بالخبر الأول: تأكيد الاستحباب، وكذلك ذكر فيه السواك والطيب وليسا واجبين]. إذاً: غسل يوم الجمعة من آكد السنن، فتغسل يوم الجمعة وتتطيب وتلبس أجمل الثياب، ويمكن أن تجعل للجمعة ثياباً مخصوصة، كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم للجمعة والعيدين حلة خاصة، يلبسها في ذلك اليوم، ويتسوك ويبكر. قال: [ويبكر إليها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من غسل واغتسل)]. اختلف العلماء في معنى (غسل واغتسل)، فمنهم من قال: يعني: تسبب في غسل زوجته، وعندنا في بعض الأرياف مازال غسل الجمعة في حقهم واجباً، وهذا له أصل في الشرع؛ فإن الرجل حينما يجامع أهله في ليلة الجمعة يخرج وقد قضى وطره. قال: [(من غسل واغتسل يوم الجمعة وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام واستمع، ولم يلغ -يعني: يتحدث بلغو- كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها) رواه ابن ماجه]. وتخريج الحديث صحيح. وجاء في البخاري: (من جاء في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن جاء في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن جاء في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً، ومن جاء في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن جاء في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، ومن جاء والإمام يخطب فكأنه لم يقرب شيئاً)، لكننا نحن حتى البيضة زهدناها، كان أبو هريرة يبكي عند سماع حديث: (من صلى على جنازة ثم تبعها كتب له من الأجر قيراطان، كل قيراط كجبل أحد)، ويقول: كم ضيعنا والله من قراريط، ويروى أن ابن مسعود بكر للجمعة؛ لأنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الناس في الجنة يصفون على قدر تبكيرهم)، يعني: يوم القيامة تقف على حسب التبكير، فـ ابن مسعود صلى الفجر وذهب واغتسل ولبس أجمل الثياب، وتطيب وجاء مبكراً ليكون أول الداخلين، فوجد اثنين وفي رواية: ثلاثة، فأخذ يبكي ويقول: ثالث ثلاثة. يا عبد الله! وما ثالث ثلاثة من الله ببعيد، فالتبكير ليوم الجمعة فيه أجر عظيم ونحن نفرط فيه كثيراً، وهو سنة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد اختلف

باب صلاة العيدين

باب صلاة العيدين قال المصنف رحمه الله: [وهي فرض على الكفاية إذا قام بها أربعون من أهل المصر سقطت عن سائرهم، ووقتها من ارتفاع الشمس إلى الزوال، والسنة فعلها في المصلى، وتعجيل الأضحى وتأخير الفطر، والفطر في الفطر خاصة قبل الصلاة، ويسن أن يغتسل وأن يتنظف ويتطيب، فإذا حلت الصلاة تقدم الإمام فصلى بهم ركعتين بلا أذان ولا إقامة، يكبر في الأولى سبعاً بتكبيرة الإحرام، وفي الثانية خمساً سوى تكبيرة القيام. ويرفع يديه مع كل تكبيرة، ويحمد الله ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بين كل تكبيرتين، ثم يقرأ الفاتحة وسورة يجهر فيهما بالقراءة، فإذا سلم خطب بهم خطبتين، فإن كان فطراً حثهم على الصدقة وبين لهم حكمها، وإن كان أضحى بين لهم حكم الأضحية والتكبيرات الزوائد، والخطبتان سنة. ولا يتنفل قبل صلاة العيد ولا بعدها في موضعها، ومن أدرك الإمام قبل سلامه أتمها على صفتها، ومن فاتته فلا قضاء عليه، فإن أحب صلاها تطوعاً: إن شاء ركعتين وإن شاء أربعاً وإن شاء صلاها على صفتها، ويستحب التكبير في ليلتي العيدين، ويكبر في الأضحى عقيب الفرائض في الجماعة من صلاة الفجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق. وصفة التكبير شفعاً: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد]. قال: [وهي فرض على الكفاية] هذا اختيار المذهب، واختلف العلماء في حكمها، لكن الشوكاني له استنباط جيد في كتاب الروضة الندية، حيث قال: إن صلاة العيدين فرض على المكلف، وتاركها عاص؛ لأنه لو اجتمع العيد مع الجمعة في يوم واحد فإنه يجوز لمن صلى العيد ألا يصلي جمعة وأن يصليها ظهراً، فإن لم يكن العيد واجباً، فهل يستطيع غير الواجب أن يسقط واجبة؟ بمعنى: أن الجمعة واجب فأسقطها العيد وحولها إلى ظهر، فهل يقوى غير الواجب على أن يسقط الواجب؟ ثانياً: أن أم عطية قالت: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرج إلى العيد، وأن نخرج العواتق من النساء والحيض وذوات الخدور؛ ليشهدن الخير)، وقولها: (أمرنا) يفيد الوجوب. إذاًَ: أدلة وجوب العيدين على الأعيان من أقوى الأدلة، وقول المذهب: إنها فرض على الكفاية نرد عليه بهذه الأدلة. ثم قال: [إذا قام بها أربعون]، أيضاً يشترط للعيد عدد. قال: [من أهل المصر سقطت عن سائرهم، بدليل قوله سبحانه: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:2]]. وهذا استدلال في غاية الضعف؛ لأن قوله: ((فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)) ليس معناه: صل العيد، وإنما الراجح عند المفسرين: صل لربك وانحر لربك، فالصلاة ليست إلا إلى ربك، والنحر ليس إلا إلى ربك، وليس المقصود: فصل وانحصر كما هو معروف عند الناس، وإنما الراجح: الصلاة لربك والذبح لربك عز وجل. قال: [والمشهور في التفسير أن المراد بها: صلاة العيد، وهو أمر والأمر يقتضي الوجوب؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده كانوا يداومون عليها؛ ولأنها من شعائر الإسلام فأشبهت الجهاد].

بيان وقت صلاة العيدين

بيان وقت صلاة العيدين قال في الشرح: [مسألة: وأول وقتها من ارتفاع الشمس إلى الزوال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعلها في هذا الوقت]. يعني: بمجرد أن تشرق الشمس وترتفع بقدر رمحين تبدأ صلاة العيد، والسنة التأخير في الفطر والتبكير في الأضحى، أما التأخير في الفطر لإعطاء فرصة لمن لم يخرج زكاة الفطر، وعند الحديث في باب الزكاة سيتبين لنا أننا نخرج زكاة الفطر خطأً؛ نخرجها في أول رمضان: في عشرين، في ثلاثة وعشرين، والراجح من أقوال العلماء: أن تؤخر بعد غروب شمس اليوم الأخير من رمضان؛ لأن لها علة، والعلة هي: (اغنوهم عن المسألة في يوم العيد)، فكلما كانت أقرب للعيد كانت أفضل على وجه الاستحباب، فلو أن رجلاً أخرجها في يوم العشرين من رمضان وأنفقها الفقير، فهل ينتفع بها في يوم العيد؟ A لا. ثانياً: لو أن رجلاً مات في يوم عشرين من رمضان، فهل يلزم الورثة أن يخرجوا عنه زكاة الفطر؟ A لا، لابد أن يتم صيام الشهر كاملاً. وهذا بالنسبة للمكلف، أما الصغير فهذا يخرج عنه الولي. قال: [والسنة فعلها في المصلى] أي: أن صلاة العيد تصلى في المصلى. قال: [لأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده كانوا يفعلونها في الصحراء، فإن كان ثم عذر من مطر أو نحوه لم يكره فعلها في الجامع؛ لما روى أبو هريرة: (أصابنا مطر في يوم عيد فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد) رواه أبو داود]، وهذا الحديث ضعيف، لكن السنة أن تصلى في المصلى. ومعنى مصلى: مكان بعيد عن البنيان يجمع معظم الناس، فما هو الحاصل الآن؟ الحاصل أن كل حي يعمل مصلى، وفي كل شارع مصلى، ويخرجون السجاد من المسجد في الشارع المجاور، ويخرجون والميكرفون والشيخ يتوكل على الله، فهل هذا يا عبد الله هو المقصود من سنة النبي صلى الله عليه وسلم؟! حرفنا وبدلنا، فالمصلى الجامع الذي يجمع الناس من أطفال ونساء وكبار ويكون تعدادهم مائتي ألف ويكبرون تكبيراً واحداً؛ يجعل المنافقين يدخلون جحورهم مباشرة، لكننا نجد في كل شارعين مصلى، والأدهى من ذلك حمية الجاهلية، ونقول: هذا مصلى السلفية، وهذا مصلى الحزبيين المبتدعين، وهذا مصلى الخوارج، فيا لها من مصيبة كبرى! أيها الإخوة! هذه الجماعات الحزبية مزقت الأمة وضيعتها، ونحن أمة واحدة على منهج السلف، والسلف ليس جماعة وإنما هو منهج، فانتبه لمثل هذا، فالذي يدعوك للانضمام إلى جماعة يدعوك إلى بدعة ويدعوك إلى معصية؛ لأنه يفرق جمع الأمة ويضرب وحدتها. قال: [والسنة تعجيل الأضحى وتأخير الفطر؛ لأن السنة إخراج الفطرة قبل الصلاة، ففي تأخيرها توسيع لوقتها، ولا يجوز التضحية إلا بعد الصلاة ففي تعجيلها مبادرة إلى الأضحية]. وهذا من فقه الواقع فالناس مشغولون بالذبح، وأنت تجد الشخص الذي أتى المصلى يريد أن ينتهي من الصلاة ويذهب مباشرة ليذبح الأضحية، ثم بعد ذلك يذهب إلى أخته في الأرياف، فلا بد من تعجيل صلاة عيد الأضحى وتخفيف الخطبة، فلا يجوز يا أخي المسلم! أن تغفل الطرف عن واقع الأمة، فتكون أنت في واد والناس في واد آخر، فإن مراعاة ظروف الناس وفقه الواقع أمور مهمة جداً كثيراً ما نغفل عنها. قال: [ويسن أن يغتسل ويتنظف ويتطيب]. شأنه شأن الجمعة.

بيان صفة صلاة العيدين

بيان صفة صلاة العيدين قال المصنف رحمه الله: [فإذا حلت الصلاة تقدم الإمام وصلى بهم ركعتين بلا أذان ولا إقامة]. فقول: الصلاة جامعة بدعة. قال: [ولا خلاف بينهم أن صلاة العيد مع الإمام ركعتان، يكبر في الأولى بعد الاستفتاح وقبل التعوذ ستاً سوى تكبيرة الإحرام، وفي الثانية بعد القيام من السجود خمساً؛ لما روت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (التكبير في الفطر والأضحى سبع تكبيرات وفي الثانية خمس سوى تكبيرة القيام) رواه أبو داود]. ومن البدع إخراج المنبر في صلاة العيد، وهذا ما فعله مروان بن الحكم في عهد الدولة الأموية، فجذبه أبو سعيد الخدري وقال: كم غيرتم وبدلتم، والذي نفسي بيده ما أخرج النبي صلى الله عليه وسلم المنبر في صلاة العيد، إنما كان يخطب على الأرض، فقال: أما هذا فقد أدى الذي عليه، فمن البدع المحدثة إخراج المنبر في صلاة العيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب على الأرض. ثم قال: [ويرفع يديه مع كل تكبيرة]. قد تجد في صلاة الجنازة بعض الإخوة يقول: لا ترفع اليد إلا في تكبيرة الإحرام! لأن الرفع لم يثبت، بل اعلم أن الرفع هو الثابت، وهذا فعل عمر وفعل ابن عمر وعليه جمهور الصحابة. ففي الجنازة والعيد ترفع يديك مع كل تكبيرة. قال: [ويرفع يديه مع كل تكبيرة في العيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه مع التكبير، وروى الأثرم عن عمر: أنه كان يرفع يديه في كل تكبيرة في الجنازة والعيد ولا يعرف له مخالف]. فـ عمر بن الخطاب كان يرفع وهو خليفة أمام الناس جميعاً، وأقره الصحابة على فعله. والمأموم يكبر خلفه ويرفع، فما ينطبق على الإمام ينطبق على غيره: (إنما جعل الإمام ليؤتم به). قال في الجنائز: [ويرفع يديه مع كل تكبيرة؛ لأن عمر رضي الله عنه كان يرفع يديه في تكبيرة الجنازة والعيد، ولأنها تكبيرة لا يتصل طرفها بسجود ولا قعود فسن لها الرفع كتكبيرة الإحرام]. إن الخلاف السائغ الذي تعدد عن السلف، هو أنهم فعلوا هذا وفعلوا هذا، فقد ثبت عن ابن عمر الرفع، وثبت عن غيرهم عدم الرفع. إذاً: هذا من خلاف التعدد والتنوع، وليس من خلاف التناقض والتعارض، فلا تحجر على الناس واسعاً. قال: [ويسن الفطر في الفطر خاصة قبل الصلاة، ويمسك في الأضحى حتى يصلي]. يعني: من السنة أن تأكل في عيد الفطر قبل أن تخرج إلى المصلى تمرات، وفي الأضحى تؤخر الفطر حتى تعود وتأكل من الأضحية، وذكر البخاري أن هذا في شأن من كانت له أضحية، أما من ليس عنده أضحية في عيد الأضحى فإنه يأكل قبل الخروج إلى المصلى. قال: [ويسن أن يغتسل ويتنظف ويتطيب. وإذا حلت الصلاة تقدم الإمام وصلى بهم ركعتين بلا أذان ولا إقامة، يكبر في الأولى سبع تكبيرات يرفع يديه مع كل تكبيرة ويحمد الله ويثني عليه، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بين كل تكبيرتين]. هذا في الحقيقة كلام مذهبي لا دليل عليه؛ لأن الفصل بين التكبيرتين بتسبيح هذا فعل بعض السلف، وليس عندنا عليه دليل. قال: [لما روى الأثرم في سننه أن علقمة وعبد الله بن مسعود وأبا موسى وحذيفة خرج عليهم الوليد بن عقبة قبل العيد وقال: إن هذا العيد قد دنا فكيف التكبير؟ قال: تبدأ تكبر تكبيرة تفتتح بها الصلاة وتحمد ربك وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم تدعو وتكبر، وتفعل مثل ذلك إلى أن قال: وتركع]. يعني يقول: الله أكبر، ويفصل بين كل تكبيرتين بتسبيح وتحميد، لكن هذا القول نقف عنده؛ لأنه في الحقيقة ليس عندنا فيه دليل حتى ولو كان له حكم الرفع. والحقيقة أن تكبيرات صلاة العيدين وكذلك الجنازة قد تعددت، فقد ورد فيها خمس تكبيرات وست تكبيرات وسبع تكبيرات وثمان تكبيرات، وهذا اختلاف تعدد على حسب الحال، هذا ورد وهذا ورد. قال بعض العلماء: يمكن أن تزيد في عدد تكبيرات الجنازة إن كان الميت من أهل الفضل؛ للإكثار من الدعاء عليه. قال: [فيحمد الله ويثني عليه، ثم يقرأ الفاتحة وسورة يجهر بها بالقراءة]. الجهر وارد؛ لأنهم رووا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ سبح والغاشية، وهذا يعني: أنهم ما علموا أنه يقرأ سبح والغاشية إلا لأنه جهر بالصلاة، فصلاة العيد فيها جهر بدون أدنى شك. قال: [فإذا سلم خطب بهم خطبتين]. أو خطبة، فإن فيه خلافاً بين العلماء، ولم أقف على نص بين أنه خطب خطبة واحدة، وجاء نص بأنه خطب خطبتين كالجمعة. قال: [يجلس بينهما؛ لما روى ابن ماجه عن أبي الزبير]. وهذا الحديث منكر. قال: [فإن كان فطراً حثهم فيها على الصدقة، وبين لهم ما يخرجون فيذكر لهم قدرها ووجوبها ووقت إخراجها]. قلت: إن قال ذلك في الصلاة فقد انتهت الزكاة وما الفائدة حي

أحكام التكبير في العيدين

أحكام التكبير في العيدين قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويستحب التكبير في ليلتي العيدين؛ لقوله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة:185]]. والتكبير في الفطر آكد منه في الأضحى؛ لأن الآية في سورة البقرة: ((وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ))، فجاء التكبير في عيد الفطر في القرآن الكريم واضحاً، ونكبر في الفطر من ثبوت هلال شوال إلى الخروج إلى المصلى، وينقطع التكبير بخروج الإمام؛ ومن فقه الإمام أن يكون هو آخر الناس خروجاً إلى المصلى، حتى ينقطع بخروجه التكبير، ويكبرون فرادى؛ لأن التكبير الجماعي على إيقاع واحد ليس من السنة. قال: [وعن ابن عباس قال: حق على المسلمين إذا رأوا هلال شوال أن يكبروا. هذا في الفطر، وأما في الأضحى فالتكبير فيه على ضربين: مطلق ومقيد، فالمطلق التكبير في جميع الأوقات من أول الشهر إلى آخر أيام التشريق]. أي: من أول يوم في ذي الحجة تكبر إلى الثالث عشر من ذي الحجة، وهو آخر أيام التشريق، فهذا تكبير مطلق؛ لقوله سبحانه: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة:203]. قيل: هي أيام التشريق، وقيل: أيام النحر، وقيل: العشر، والتكبير في أول العشر إلى آخر أيام التشريق يجمع الأقوال الثلاثة. قال: [وأما المقيد: فهو التكبير في أدبار الصلوات من صلاة الصبح يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق بعد صلاة العصر]. قيل لـ أحمد: أي حديث تذهب إلى أن التكبير من صلاة الفجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق؟ قال: بالإجماع، علي وعمر وابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم]. والمعنى: أن التكبير قيد بالصلوات فقط، فقد كان أبو هريرة وابن عمر يدخلان السوق ويكبران، فيكبر الناس بتكبيرهما، فيرتج السوق من تكبيرهم في هذه الأيام المباركة، وتكبر حين تدخل إلى منزلك وحين تخرج. وصفة التكبير أرجح الروايات فيها ما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد. يعني: شفعاً وليس وتراً، ورواية الوتر: الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيراً وردت أيضاً، لكن الحديث الوارد في مصنف ابن أبي شيبة هو أرجح الأقوال فيها: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد. وعندما أقول: الراجح: الشفع أي: اثنتان فقط، فإننا لا نحدث خلافاً؛ لأن بعض الإخوة إن دخلوا مصلى يقول: الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، وأنجز وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. اللهم صل على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى ذرية سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً. الله أكبر الله أكبر أقول: نعم. هذه الصيغة وردت في كتب الشافعية، لكن إن أحدثت فتنة فاترك الناس على حالهم، فأحياناً درء المفسدة يقدم في بعض الأحوال، ولا داعٍ أبداً إلى أن نحدث خلافاً. اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، نسألك رضاك والجنة، نعوذ بك من سخطك والنار. اللهم ارزقنا علماً نافعاً، وقلباً خاشعاً، ولساناً ذاكراً، نعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن دعوة لا يستجاب لها، نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات، نسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عمل يقربنا إلى حبك. آمين آمين آمين. وآخر دعوانا: أن الحمد لله رب العالمين.

العدة شرح العمدة [24]

العدة شرح العمدة [24] أحكام الجنائز في الشريعة الإسلامية واضحة بينة، ابتداءً من احتضار الميت وانتهاءً بالتعزية، فعلى المسلم أن يلتزم المشروع ويبتعد عن محدثات الأمور، سيما وأن مثل هذه الأحكام قد تدخلها العاطفة والجهل فيحيد الناس عن اتباع السنة وموافقة الشرع.

ما يرتبط بفقه الجنائز

ما يرتبط بفقه الجنائز الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد: أيها الإخوة الكرام الأحباب! مع كتاب الجنائز من كتاب العدة شرح العمدة للإمام موفق الدين بن قدامة المقدسي الحنبلي رحمه الله تعالى. الحقيقة أيها الإخوة الكرام! سنقوم اليوم بالشرح النظري؛ حتى نرتب المسألة العملية أكثر؛ وحتى نربط بين النظري والتطبيق، فقه الجنائز من أهم أنواع الفقه؛ فقد كثرت البدع فيه، وغاب عن كثير من المسلمين. وفقه الجنائز يتعلق به عدة موضوعات: الموضوع الأول: ما يجب على الحي تجاه الميت عند احتضاره وبعد موته، ثم تغسيل الجنازة. وهناك فرق بين الجنازة -الجنازة بفتح الجيم وبكسره- فالجنازة بفتحها: هو الميت، والجنازة: هي النعش الذي يحمل فيه الميت. ويرتبط بفقه الجنائز: غسل الميت، وتكفينه والصلاة عليه، ومن أولى الناس بالصلاة عليه، وطريقة الصلاة وصفتها، ثم اللحد في القبر، ثم القربات التي تصل إلى الميت بعد موته ما يصل منها وما لا يصل. ومما يرتبط أيضاً بهذا الفقه الهام أولاً: البدع التي انتشرت بين المسلمين في مسائل الجنائز، وحدث ولا حرج عن هذه البدع المنتشرة بين الناس وهو يحسبون أنها سنة، مثل وضع الجريدة على القبر بزعم أن هذه ليست خاصية للنبي عليه الصلاة والسلام، وهي خاصة به كما سنبين ذلك بالأدلة. ثانياً: ارتفاع القبور عن حدها الشرعي، وتزيينها وزخرفتها، والكتابة على ألواح رخامية: هذا قبر فلان الفلاني، والقطع له بالجنة، والندب والنياحة عليه، ونعيه كنعي الجاهلية، وإقامة السرادقات واستجلاب القراء، وتوزيع الدخان والسجائر، وكل هذا من بدع الجنائز، والموسيقى العسكرية التي تصاحب بعض الجنائز، ورفع الأعلام الصوفية في جنائز الأقطاب والأوتاد، وحدث ولا حرج، وكذلك التابوت الذي يحملون فيه الميت ويضعون فوقه غطاءً مكتوباً عليه أسماء الخلفاء الراشدين، وهذا التابوت ليس من ديننا، وحمل الميت عندنا له طريقة شرعية، ومعظم الذي نفعله الآن بشأن الميت فيه كثير من البدع. وسنبدأ بدراسة فقه الجنائز بتدبر ثم نقوم بتنفيذ الغسل والتكفين عملياً، ونوضح الفرق بين غسل الرجل وغسل المرأة، وبين كفن الرجل وكفن المرأة، ومن أحق الناس بتغسيل الميت، ومن أحق الناس بالصلاة عليه، وهذه أمور مهمة جداً ينبغي أن نكون على علم بها.

ما يعرف به الموت

ما يعرف به الموت لا بد أولاً أن تتيقن أن الميت قد مات، ويتيقن من الموت بأمور عديدة، أولاً: عن طريق الأطباء أصحاب التخصص، أو بفتح العين والفم، وبرود الأطراف. ثانياً: أن مفاصل الميت تكون سهلة لينة، فمثلاً: إذا أغلقت فم الميت ثم عدت بعد ذلك وجذبت ما أغلقته به عاد مفتوحاً.

ما يفعل بالميت إذا مات

ما يفعل بالميت إذا مات فإذا تيقن موته فهناك أمور تفعل بالميت في الحال، وهي: أولاً: قوله: [إذا تيقن موته غمضت عيناه]. لأن (العين تتبع الروح) كما قال النبي عليه الصلاة والسلام، فأول أمر ينبغي على الحي أن يفعله أن يغمض عين الميت. ثانياً: [وشد لحياه]. وشد اللحيين يعني: أن يشد الفم بقطعة قماش يربطها من أعلى رأسه إلى أسفل ذقنه حتى يغلق الفم؛ لأنه إذا ترك الفم مفتوحاً ربما يدخل فيه أشياء لا ينبغي دخولها، ولأنه يصبح منظره قبيحاً وقد تخرج منه رائحة. ثالثاً: [وجعل على بطنه مرآة أو غيرها؛ لئلا ينتفخ البطن]. والمعنى: أن يجعل على بطنه شيئاً ثقيلاً حتى لا ينتفخ؛ لأنه إذا تأخر دفنه لأسباب شرعية فيمكن أن ينتفخ بطنه. رابعاً: تليين مفاصله، ويكون ذلك بالضم والبسط ليديه ورجليه؛ لأنه إذا ترك الميت بعد موته بدون تليين الأعصاب والعظام فستصبح جامدة في يد المغسل، فلا بد من تليينها حتى إذا جاء المغسل وجد أعضاءه لينة، فيستطيع أن يتعامل معها برفق وسهولة.

ما يجب على الأحياء تجاه الميت عند موته

ما يجب على الأحياء تجاه الميت عند موته ومما يجب على الأحياء تجاه الميت عند موته أولاً: تلقينه الشهادة، و (من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة)، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام. فإذا تلفظ بها فلا يعيدها عليه إلا إذا تكلم الميت بكلام آخر؛ حتى تكون آخر كلامه. ثانياً: تذكيره بسعة رحمة الله عز وجل، قال صلى الله عليه وسلم: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه). فيذكره بصلاته وبصيامه وبجهاده وبمحاسنه، ولا يذكر عنده عذاب أبداً، وبعض الناس يجلسون عند رأس الميت ويقرءون فوق رأسه: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا * لِلْطَّاغِينَ مَآبًا} [النبأ:21 - 22]، حتى يفزع الميت، والعياذ بالله. والذي ينبغي هو ذكر آيات الرحمة وتبشيره بسعة رحمة الله عز وجل، وقد قال العلماء: ينبغي للعبد عند الاحتضار أن يغلب جانب الرجاء والطمع في رحمة الله عز وجل على جانب الخوف، وفي حال الصحة يغلب جانب الخوف. فهذه من الأمور التي ينبغي على الحضور أن يتنبهوا لها، وحدث ولا حرج عن غياب هذا الفقه في المستشفيات، وكثير من النساء ليس لهن خبرة بهذا الصنيع. ثالثاً: توجيه الميت إلى القبلة، وفيه خلاف، والراجح أنه يوجه؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أمرنا عند النوم أن نضطجع على شقنا الأيمن وأن نستقبل القبلة، والنوم والموت صنوان؛ لأننا نقول بعد قيامنا من النوم: الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا، وقال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى: إن توجيه الميت إلى القبلة لم يصح فيه حديث، وأقول: لقد قال العلماء: إن توجيه الميت إلى القبلة عليه أدلة. ثم بعد موته يغطى مباشرة بغطاء كبير لا يكشف الوجه، وقد غطي النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته، ولما جاء الصديق رفع الغطاء وقبل جبهة النبي عليه الصلاة والسلام، وقال: طبت حياً وميتاً يا رسول الله! ويمكن أن نحصر ما يجب علينا تجاه الميت في الآتي: 1 - أفعال تجب قبل الغسل. 2 - وضوء الميت. 3 - غسل النظافة. 4 - غسل الميت.

ستر عورة الميت أثناء الغسل

ستر عورة الميت أثناء الغسل قال المصنف رحمه الله: [فإذا أخذ في غسله ستر عورته]. فإذا جاء المغسل رفع الغطاء وجرد الميت من ثيابه، وينبغي أن يكون معه شيء يستر به عورته من فوق السرة إلى تحت الركبة، ولا يجوز له أن ينظر إلى عورة الميت، والبعض عند تغسيل الميت ينظر إلى عورته، وهذا لا يجوز أبداً، فلا بد من ستر عورته حتى الانتهاء من تكفينه، ثم تخلع عنه.

من يغسل الميت

من يغسل الميت ولا بد من التعامل مع الميت برفق وليكن مع المغسل من يعينه على تغسيل الميت، ولا يدخل على الميت إلا من كان يحبه في حال الدنيا، ولا يدخل عليه الخصوم، فهذا لا يجوز، ولا يدخل عليه الرجل إلا إذا كان صالحاً. واليوم يغسل الميت من لا يصلي والساحر والمرأة المتبرجة، ولا يجوز للمرأة أن تغسل الرجل إلا إذا كانت زوجته، خلافاً للأحناف الذين قالوا: لا يجوز للزوج أن يغسل زوجته؛ لأن عقد الزواج قد انتهى، وهذا كلام باطل ولا دليل عليه، فقد صح: أن بعض الصحابة غسلوا زوجاتهم، حتى أن عائشة قالت: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل النبي صلى الله عليه وسلم إلا زوجاته. وهذا حديث صحيح. وأسماء بنت عميس غسلت زوجها الصديق، والبعض يضعف هذا الحديث، وعلي بن أبي طالب غسل زوجته فاطمة، والبعض ضعف هذا الحديث أيضاً، ولكن قول عائشة: لو استقبلت من أمري ما استدبرت لا شبهة فيه. فلا يجوز للمرأة أن تغسل الرجل، وليس للرجل أن يغسل المرأة أبداً بحال، إلا إذا كانت صغيرة لم تبلغ الحلم ولا تشتهي، ولم تبلغ الحيض حتى لا يفتن بها المغسل.

ما ينبغي للمغسل اصطحابه لغسل الميت

ما ينبغي للمغسل اصطحابه لغسل الميت يبدأ المغسل في إعداد الأشياء التي تساعده في الغسل، والتي تسمى عدة الغسل، وهي: 1 - كمامة يلبسها على فمه. 2 - خرقة؛ حتى لا يمس عورة الميت بيده؛ وحتى يزيل بها النجاسة عن الميت. 3 - حذاء كحذاء رجل المطافئ. ومن يساعد المغسل عليه إعداد هذه الأشياء أيضاً.

صفة ماء غسل الميت

صفة ماء غسل الميت ولا ينبغي أن يغسل الميت بماء يتأذى منه الحي، ففي الصيف لا بأس أن تغسل الميت بماء بارد، ولكن لا ينبغي أن تغسله في الشتاء بماء بارد، فهذا يتأذى منه الحي، بل تسخنه قليلاً. وليكن بجوارك إناء كبير وزيت كافور، فهو أصلح الأنواع لوقف نزيف الدم وتجليطه، ويخلط هذا الكافور بالمياه المعدة لغسل الميت.

حكم ملابس الميت

حكم ملابس الميت ثم ينقل الميت إلى المغسلة بين يدي المغسل، فيجرده من ملابسه ويدفعها لأهل بيت الميت، وفي بعض الأرياف ملابس الميت تبقى أربعين يوماً، لا يقترب منها أحد؛ لأنها ملابس شؤم؛ ولا بأس بالتصدق بها أو لبسها، وهي من الميراث، فلا ينبغي أن يستأثر بها أحد الورثة دون غيره، وفي بعض القرى إذا رأى أحد الورثة عباءة جميلة أو بدلة محترمة أخذها، وكذلك الساعة أو الخاتم، وكل ذلك يدخل في تركة الميت. وقد حكي أن امرأة من السلف كانت تعجن عجين البيت فجاءها الخبر أن زوجها قد مات، فقالت: لا أقربك الآن، فقد أصبح لنا الآن فيك شركاء.

صفة غسل الميت

صفة غسل الميت

عصر بطن الميت لإزالة الأذى

عصر بطن الميت لإزالة الأذى بعد تجريد المغسل للميت من ملابسه يغطيه بسترة، ثم يضغط على بطنه ضغطاً يسيراً لتخرج البقايا والفضلات، ويكون بجواره إناء فارع يلقي فيه هذه الفضلات، ثم يضغط مرة أخرى ضغطاً خفيفاً على بطنه عند السرة وتحتها وفوقها ليخرج بقية الفضلات، ويمكن أن يجلس الميت على المغسلة لإخراج الفضلات، ويفعل هكذا حتى تخرج اليد بيضاء لا شيء فيها، ويتأكد أن جوف الميت قد صفا من كل الفضلات. وهذا معنى قول المؤلف: [يعصر بطنه عصراً رقيقاً؛ ليخرج ما في جوفه من فضلة حتى لا يخرج بعد الغسل أو بعد التكفين فيفسد الكفن، ويلف على يده خرقة ثم ينجيه بها]. [ولا يحل مس عورته؛ لأن رؤيتها محرم فمسها أولى]. فلا يحل له أن يرى العورة ولا أن يمسها.

وضوء الميت

وضوء الميت قال المصنف رحمه الله: [ثم يوضئه وضوءه للصلاة]. والوضوء يكون قبل الغسل، وبعد تصفية ما في بطنه من فضلات يوضأ الميت كما يتوضأ الحي، إلا في المضمضة، فلا يدخل الماء داخل فمه وإنما يمسح مسحاً خفيفاً جداً خارج فمه، وكذلك لا يدفع الماء داخل الأنف وإنما من الخارج، ثم غسل الوجه واليدين مع المرافق ثم المسح على الرأس مع الأذنين، ثم غسل القدمين وتخليل الأصابع، وبهذا تكون قد وضأت الميت وضوءاً شرعياً صحيحاً. هذه السنة في غسل الميت، والغسل يجزئ عن الوضوء، وهناك فرق بين الكمال والإجزاء في الفقه، فلو أن رجلاً جنباً خلع ملابسه ونزل في الماء وتمضمض واستنشق وخرج فإنه يجزئه هذا، ولكنه لا يكون كاملاً إلا إذا غسل مذاكيره ثم توضأ ثم غسل رأسه ثم صب الماء على شقه الأيمن ثم على شقه الأيسر. قال المصنف رحمه الله: [لما روت أم عطية أنها قالت: لما غسلنا ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب قال صلى الله عليه وسلم: (ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها). متفق عليه]، يعني: ابدءوا بغسل الميامن ثم مواضع الوضوء. وحديث أم عطية عمدة في فقه الجنائز، كما أن حديث عمار عمدة في فقه التيمم. [ولأن الحي يتوضأ إذا أراد الغسل فكذلك الميت فافعل بالميت ما يفعل بالحي].

كيفية غسل الميت

كيفية غسل الميت قال المصنف رحمه الله: [ثم يبدأ بعد ذلك بغسل مقدم رأسه ولحيته بماء وسدر؛ لتذهب عنه الأوساخ والأدران] ولم يشر المصنف رحمه الله إلى غسل النظافة بعد الوضوء، فغسل النظافة مشروع في غسل الجنازة، فبعد أن توضئ الميت اغسل رأسه ثلاث مرات بالماء والصابون، ثم اسكب الماء على شقه الأيمن، وتتبع بالماء المغابن، وهي المفاصل والأماكن التي هي مظنة عدم وصول الماء، مثل: الإبطين، وبين الفخذين، فلا بد من تتبع المغابن بالماء عند الغسل؛ لأننا سنطيبها بعد الغسل. ثم بعد غسل النظافة نغسله الغسل الشرعي بالماء والسدر، والسدر ورق النبق، وهذا الورق يعطي رائحة طيبة للماء. قال المصنف رحمه الله: [ثم يغسل شقه الأيمن ثم الأيسر]. فبعد غسل النظافة نبدأ في الغسل الشرعي للميت، ونبدأ بغسل الشق الأيمن؛ لقوله عليه السلام: (ابدأن بميامنها). قال المصنف رحمه الله: [ثم يغسله أكثر من مرة] أي: مرتين أو ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً. قال المصنف رحمه الله: [يمرر في كل مرة يده على بطنه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً إن رأيتن ذلك)]. فإن كان هناك ضرورة للزيادة زاد، فإذا ضغط على بطنه وخرجت الفضلات مرة ثانية أزالها ووضأه مرة ثانية؛ لأن خروج الفضلات ناقض للوضوء، وكذلك يعيد الغسل إن كان قد غسله. ولو خرجت منه الفضلات كلما ضغط على بطنه فيضع قطناً في هذا الموضع ثم يغسله، فهناك بعض الموتى يكون عندهم نزيف داخلي متتابع، فلو مكثت مائة مرة فلن ينقطع. قال المصنف رحمه الله: [وإن خرج منه شيء غسّله وسده بقطن، فإن لم يستمسك فبطين حر]. وهذا إشارة إلى أنه يستخدم ما يوقف النزيف. وزيت الكافور يجعل هذه المواطن تتجلط إن شاء الله تعالى. قال المصنف رحمه الله: [ثم ينشفه بثوب، وذلك مستحب؛ لئلا تبل الأكفان، وفي حديث ابن عباس في غسل النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فجففوه بثوب)] فينشف بثوب بعد انتهاء الغسل.

تطييب الميت

تطييب الميت قال المصنف رحمه الله: [ثم يجعل الطيب في مغابنه]، أي: بعد أن ينتهي من الغسل والتنشيف يجعل الطيب في المغابن، وهي المفارق التي هي مظنة عدم وصول الماء. [في مغابنه ومواضع سجوده]، ومواضع السجود سبعة وهي: الجبهة مع الأنف، ثم اليدان، ثم الركبتان، ثم القدمان، وإن عمم الطيب لكل الجسد فلا بأس، وإن عممه بالطيب وبالمسك على كل جسده فلا بأس. قال المصنف رحمه الله: [لأن المغابن مواضع الأوساخ، وأماكن السجود تطيب لشرفها، وإن طيبه كله كان حسناً؛ لقوله عليه السلام: (واجعلن في الأخيرة كافوراً أو شيئاً من كافور)].

تجمير الكفن

تجمير الكفن قال المصنف رحمه الله: [ويجمّر أكفانه]. يعني: يبخرها كما يفعل الحي.

حكم الأخذ من شارب الميت وأظفاره أو تسريح شعره، وحكم ما يسقط منه

حكم الأخذ من شارب الميت وأظفاره أو تسريح شعره، وحكم ما يسقط منه قال المصنف رحمه الله: [وإن كان شاربه طويلاً أو أظفاره أخذ منه؛ لأن ذلك سنة في حياته]. وهذا مرجوح جداً، فلا ينبغي أن يأخذ من شعره شيئاً ولا من أظفاره، فهذا ضعيف في المذهب ولا دليل عليه. [ويترك في أكفانه؛ لأنه من أجزائه]، يعني: أنه يريد أن يقول: إذا أخذ من الأظفار والشارب فإنه يوضع في الكفن، وهذا كلام ضعيف. [وكذلك كل ما يسقط منه، ولا يسرح شعره؛ لأن عائشة رضي الله عنها قالت: لا تسرّحوا شعره بالمشط؛ لأنه يقطع الشعر وينتفه.

ظفر شعر المرأة والحكمة منه

ظفر شعر المرأة والحكمة منه قال المصنف رحمه الله: [والمرأة يظفر شعرها ثلاثة قرون ويسدل من ورائها]. والحكمة من ظفر شعر المرأة أنه قد يكون طويلاً فيخرج من تحت الكفن، فإذا ظفر فإنه يستر بذلك، ولذلك إذا اغتسلت المرأة غسل الجنابة، فإنها تنضح الظفيرة ولا تفكها؛ لأنه أدعى للتحجب والستر. والشعر لو كان مفروداً فقد يصيب المغسل أو يخرج من تحت الكفن إلى غير ذلك. ولما أمر ابن عباس النساء بفك الظفيرة في غسل الجنابة قالت عائشة رضي الله عنها: عجباً لـ ابن عباس يأمر النساء بفك ظفائرهن ألا يأمرهن بحلق رءوسهن، لقد اغتسلت عند النبي صلى الله عليه وسلم فلم يأمرني بفك الظفيرة. فتنضح الظفيرة شريطة أن يصل الماء إلى منابت الشعر في غسل الجنابة.

صفة الكفن

صفة الكفن قال المصنف رحمه الله: [ثم يكفن في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة، لقول عائشة رضي الله عنها: (كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية)]، يعني: طيبة من أجود الأنواع، (ليس فيها قميص ولا عمامة). متفق عليه. ولأن أكمل أحوال الحي حالة الإحرام، وهو لا يلبس فيها قميصاً ولا عمامة، فكذلك حال الموت، يدرج فيها إدراجاً، فيؤخذ أحسن اللفائف وأوسعها فتبسط على بساط ليكون الظاهر للناس أحسنها]. فتكون الأخيرة أطولها وأفضلها، ثم تبسط الثانية، ثم الثالثة كطبقات الرقاق، فيدرج في الأولى ثم تثنى عليه، ثم في الثانية وتثنى عليه، ثم في الثالثة يدرج إدراجاً. قال المصنف رحمه الله: [ثم تبسط الثانية فوقها، ثم الثالثة فوقها، ثم يحمل فيوضع عليها مستلقياً؛ ليكون أمكن لإدراجه فيها، ثم يثني طرف اللفافة العليا على شقه الأيمن، ثم يرد طرفها الآخر على شقه الأيسر فوق الطرف الآخر، وإنما استحب له ذلك؛ لئلا يسقط عنه الطرف الأيمن عند وضعه في القبر، ثم يفعل بالثانية والثالثة كذلك، ثم يجمع ذلك طرف العمامة فيرده على وجهه]. فلا بد أن تكون اللفافة أطول من جسم الميت، والزيادة التي فوق رأسه تجمع وترد على وجه الميت كأنها عمامة. قال المصنف رحمه الله: [إلا أن يخاف انتشارها فيعقدها، فإذا وضع في القبر حلها]. يعني: إذا وضعها على وجهه فيمكن أن تنتشر، فيربطها ثلاثة أربطة عند العمامة، وفي وسطه عند الفخذين، وعند الرجلين أو القدمين. قال المصنف رحمه الله: [وتكفن المرأة في خمسة أثواب]، ويجوز أن تكفن المرأة في المخيط؛ لأنه يجوز لها أن تلبس المخيط في حال الإحرام، وكذلك في حال الموت. قال المصنف رحمه الله: [وإن كفن في قميص ومئزر ولفافة فلا بأس]، يعني: إذا لم يجد كفناً من ثلاث قطع يكفن في قميص ومئزر ولفافة، يعني: قميص يلبسه، ومئزر كالإزار، ولفافة تلفه بها، وهذا في حال عدم وجود ثلاث قطع؛ لأن مصعب بن عمير كفن في نمرة كان إذا غطى بها أعلاه بدا أسفله، وإذا غطى أسفله بدا أعلاه، فغطوا بها رأسه، ووضعوا على رجليه ورقاً، وكان عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه إذا تذكر حال مصعب بكى، وقال: مات أخي مصعب، ولم نجد له شيئاً نكفه فيه. ويمكن أن يكفن الميت بثيابه التي كان يلبسها في حال الحياة، فإذا لم نجد له كفناً فلا بأس بقطع ثيابه وتكفينه فيها. فالأمور التي تفعل بالميت قبل الغسل: 1 - تغميض العينين. 2 - شد اللحيين. 3 - تليين المفاصل. 4 - وضع شيء ثقيل على بطنه. 5 - تغطيته. 6 - توجيهه إلى القبلة. والأمور التي تفعل بالميت عند الغسل: 1 - كشف الغطاء. 2 - تجريده من ثيابه. 3 - ستر عورته من السرة إلى الركبة. 4 - عصر بطنه عصراً رقيقاً وإخراج الفضلات حتى تخرج اليد بيضاء. 5 - الوضوء. 6 - غسل النظافة. 7 - الغسل الشرعي، ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً. 8 - تطييب المغابن ومواضع السجود.

أحق الناس بغسل الميت والصلاة عليه

أحق الناس بغسل الميت والصلاة عليه قال المصنف رحمه الله: [وأحق الناس بغسله والصلاة عليه ودفنه وصيه]. فإن أوصى أن فلاناً يغسلني، وفلاناً يصلي علي فلا يجوز ترك وصيته، ويقدم الوصي بلا خلاف، وإن لم يوص قدم في غسله أقرباؤه: الأب والجد والأخ؛ لأنهم أستر الناس عليه إن كان صالحاً. ويشترط أن يكون المغسل فقيهاً بالغسل. وإن لم يوص الميت بمن يصلي عليه صلى عليه إمام المسجد، ولا يقدم الأب أو الجد أو الأخ على إمام المسجد؛ لما ثبت أن إمام المدينة صلى على أم كلثوم بنت علي، وكان خلفه ثمانية من الصحابة فلم ينكر عليه أحد منهم، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي على الجنائز وخلفه الأب والأخ والعم والعصبات، ونحن اليوم نسأل عمن هو أقرب للميت ونقدمه يصلي عليه، وهو لا يعرف كيف يعمل، ولا يفهم شيئاً، فما دام الإمام الراتب موجوداً فيلغى كل الناس، والرجل لا يؤم الأمير في سلطانه، وإذا لم يكن الإمام الراتب موجوداً فإنه يستخلف، واليوم أصبحت هذه المسألة فوضى، فالمساجد ليس لها إمام راتب ولا من يستخلفه، بل كل واحد يقول لمن يريد: تقدم يا فلان! حتى أنهم ضربوا بعضهم بعضاً على الإمامة، وأصبحت المساجد الآن ليس لها نظام ولا ضبط ولا ربط، وإنما الذي يريد أن يصلي يصلي، حتى أنه في مرة من المرات صلى إمام بالناس وهو يلبس بنطلون جينز، وهو محشور فيه حشراً ولا يجيد قراءة الفاتحة، وقرأ تبت إيد أبو لهب وتب! وثلاثة أرباع أئمة المساجد يوقعون الثلاثين يوماً مقدماً، ودفاتر الحضور والانصراف تحت آباطهم، ويقول لك: أنا أريد وظيفة فقط، وبعد ذلك أبحث عن رزق ومشروع آخر، ويجلس إماماً على الورق، ولا يدخل المسجد إلا مرة في السنة، والله الذي لا إله غيره حتى الإمام إن عين لا يستطيع أن يقرأ الفاتحة، فكيف عين إماماً؟ وكيف يؤم بالناس؟ وفي مرة عين مؤذن أعرفه فقال لي: لو سمحت اكتب لي الأذان في ورقة؛ لأني لا أعرف أؤذن، فكتبته له، فأمسك الورقة وأذن من الورقة. والمساجد كثيرة، وربع المساجد الموجودة هي التي فيها أئمة، و 75% بلا أئمة، بل متروكة لمن هب ودب هكذا بدون ضابط ولا رابط. قال المصنف رحمه الله: [لأن أبا بكر رضي الله عنه أوصى أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس فقدمت لذلك، وأوصى أنس أن يغسله محمد بن سيرين ففعل، ولأنه حق للميت، فقدّم الوصي على غيره كتفريق ثلثه؛ ولأن الصحابة أجمعوا على أن الوصي في الصلاة مقدّم على غير الوصي. فإن أبا بكر أوصى أن يصلي عليه عمر، وأوصى عمر أن يصلي عليه صهيب وابنه حاضر]. فقد أوصى عمر أن يصلي عليه صهيب وابن عمر حاضر، فلم يقدم الابن على الوصي. قال المصنف رحمه الله: [وأوصى ابن مسعود أن يصلي عليه الزبير، وأوصى أبو بكرة أن يصلي عليه أبو برزة، وأوصت عائشة رضي الله عنها أن يصلي عليها أبو هريرة، ولم يعرف لهم مخالف مع كثرته وشهرته فكان إجماعاً؛ ولأن الغرض من الصلاة الدعاء والشفاعة إلى الله، فالظاهر أن الميت يختار لذلك من هو أظهر صلاحاً في نفسه وأقرب إلى الله وسيلة ليشفع له]. فالصلاة دعاء وشفاعة فيختار الأصلح والأقرب والأرجى إجابة عند الله. قال المصنف رحمه الله: [ثم الأب؛ لمكان شفقته، ثم جده كذلك، ثم ابنه وإن نزل كذلك، ثم الأقرب فالأقرب من عصباته، ثم الرجل من ذوي أرحامه ثم الأجانب. وأولى الناس بغسل المرأة الأقرب فالأقرب من نسائها، أمها ثم جدتها ثم ابنتها، ثم الأقرب فالأقرب، ثم الأجنبيات كالرجل. إلا أن الأمير يقدم في الصلاة على الأب ومن بعده -والأمير يعني: الإمام الراتب- لقوله عليه السلام: (لا يؤمن الرجل في سلطانه)، رواه مسلم. وروى أحمد بإسناده: أن عماراً مولى بني هاشم قال: شهدت جنازة أم كلثوم بنت علي فصلى عليها سعيد بن العاص وكان سعيد بن العاص أمير المدينة وخلفه يومئذ ثمانية من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم منهم ابن عمر والحسن والحسين وزيد بن ثابت وأبو هريرة، ولأنها صلاة شرع لها الاجتماع فأشبهت سائر الصلاة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على الجنائز مع حضور أقاربها والخلفاء، ولم ينقل أنهم استأذنوا ولي الميت في التقدم]. فالإمام الراتب يقدم، ولكن إن كان الإمام الراتب صاحب معصية أو كبيرة ويصر عليها فيقدم الولي؛ لأن الصلاة على الجنازة فيها شفاعة ودعاء فيتقدم الأصلح للميت، فلا يقدم الإمام الراتب إلا للظن أنه على علم وتقوى، ولا يحتل هذا المكان في الشرع إذا كان جاهلاً أو صاحب كبيرة. فيقدم في غسل الميت والصلاة عليه الوصي، فإن لم يوص قدم الأب،

كيفية الصلاة على الميت

كيفية الصلاة على الميت قال المصنف رحمه الله: [والصلاة عليه يكبر ويقرأ الفاتحة؛ (لأن النبي صلى الله عليه وسلم كبر على النجاشي أربعاً)، متفق عليه. ويقرأ الحمد في الأولى؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب). وصلى ابن عباس على جنازة فقرأ بأم القرآن وقال: لتعلموا أنها من السنة، أو قال: من تمام السنة. ] ولا يقرأ دعاء استفتاح في الجنازة، بل يقرأ الفاتحة بعد التكبير مباشرة، وكان ابن عباس أحياناً يجهر بها ليعلمهم، يعني: كأن يقول: الله أكبر، {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:2 - 4]. يعني: يعلم الذين خلفه. قال المصنف رحمه الله: [ثم يكبر الثانية ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لما روى ابن سهل عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم. ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات لا يقرأ في شيء منهن ثم يسلم سراً في نفسه]، يعني: لا يجهر بالتسليم. قال المصنف رحمه الله: [ثم يكبر ويدعو للميت في الثالثة؛ لقوله عليه السلام: (إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء)؛ ولأنه المقصود فلا يجوز الإخلال به، ويدعو بما روى أبو إبراهيم الأشهلي عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى على الجنازة قال: (اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا). وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه وزاد فيه: (اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام والسنة، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده). وعن عوف بن مالك قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظت من دعائه: اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقّه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله وزوجاً خيراً من زوجه، وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر وعذاب النار)، يقول عوف: حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت. رواه مسلم] فقد كان صلى الله عليه وسلم يجهر أحياناً ليسمع من خلفه للتعليم، كما كان يجهر بأذكار ما بعد الصلاة في أول البعثة، كما في البخاري، فما كانوا يعرفون انقضاء الصلاة إلا بالتسبيح. وهذا كان في أول البعثة كما قال ابن بطال في شرح البخاري. وفي الرجل تقول: ارزقه زوجاً، أي: من الحور العين أفضل من الزوجة، وأما الزوجة فهي لآخر أزواجها في الدنيا، ولذلك أم الدرداء أبت أن تتزوج بعد أبي الدرداء، ولما تقدم لخطبتها كثير من الصحابة قالت: ما مثلكم يردون، ولكني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (المرأة لآخر أزواجها في الدنيا)، فأريد أن أكون زوجة لـ أبي الدرداء في الجنة؛ وفاءً له، فلا يجوز أن تقول في الدعاء للمرأة: وارزقها زوجاً خيراً من زوجها، وإنما يجوز أن تقول ذلك للرجل. وفي الدعاء السابق: (اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا). وهذا للداعي وللميت. قال المصنف رحمه الله: [ثم يكبر ويسلم تسليمة واحدة عن يمينه]. ومذهب الحنابلة أنه يسلم تسليمة واحدة. والمختار: أن التسليمة أو التسليمتين جائزتان؛ وهذا خلاف سائغ كالرفع وعدم الرفع. قال المصنف رحمه الله: [ويرفع يديه مع كل تكبيرة؛ لأن عمر رضي الله عنه كان يرفع يديه في تكبيرة الجنازة والعيد؛ ولأنها تكبيرة لا يتصل طرفها بسجود ولا قعود فسن لها الرفع كتكبيرة الإحرام. ] ورفع اليدين في التكبير فعله عمر وابنه على مرأى كثير من الصحابة، ولم يعلم لهما مخالف، وإن علم لهما مخالف فهو تعدد فعل واختلاف تعدد، وليس اختلاف تضاد وتعارض، فهذا ثبت وهذا ثبت، فهذا من الخلاف السائغ الذي لا يجوز أن نتطاحن فيه وأن نتقاتل عليه. قال المصنف رحمه الله: [والواجب من ذلك التكبيرات والقراءة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأدنى دعاء للميت والسلام].

من يدخل الميت في قبره

من يدخل الميت في قبره ولا يجوز أن يلحد الميت في قبره إلا رجل لم يجامع زوجته، ففي البخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دفن أحد بناته سأل الحضور: (هل منكم أحد لم يجامع زوجته البارحة؟ فقال رجل: أنا يا رسول الله! قال: انزل معها فالحدها). قال ابن حجر مبيناً العلة: لا ينزل مع الميت من جامع زوجته بالأمس؛ لأنه يكون حديث عهد بشهوة وبدنيا وإلى غير ذلك من الأمور. وقد اختلف العلماء في العلة، وأقربها إلى الأفهام: أن الذي جامع زوجته بالأمس يكون حديث عهد بشهوة دنيا.

الصلاة على القبر

الصلاة على القبر قال المصنف رحمه الله: [ومن فاته الصلاة عليه صلى على القبر] فمن فاتته الصلاة على الميت صلى على قبره، وتوقيت مدة الصلاة على القبر بشهر مذهب مرجوح، والصواب: أن المدة مطلقة، وتقييد الصلاة على القبر بشهر قيد بغير دليل. والنبي عليه الصلاة والسلام لما سأل عن المرأة السوداء التي كانت تنظف المسجد، فقالوا له: يا رسول الله! ماتت بالليل فغسلناها وكفناها وصلينا عليها ثم دفناها وكرهنا أن نوقظك من نومك، قال: (دلوني على قبرها، ثم صلى عليها صلى الله عليه وسلم، وقال: إن هذه القبور تمتلئ ظلمة على أهلها، وإن الله منورها لأمتي بصلاتي عليهم). قال المصنف رحمه الله: [لما روى ابن عباس: (أنه مر مع النبي صلى الله عليه وسلم على قبر منبوذ فأمهم وصلوا خلفه). ولا يصلى على القبر بعد شهر إلا بقليل]. وهذا تحكم لا دليل عليه. قال المصنف رحمه الله: [لأن أكثر ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه صلى على أم سعد بن عبادة بعدما دفنت بشهر)]. وهذا ليس دليلاً على هذا الفعل. قال المصنف رحمه الله: [ولأنه لم يعلم بقاؤه أكثر من شهر فيقيد به] والصحيح: أنه يصلى عليه مهما طالت المدة.

حكم صلاة الولد على قبر أبيه

حكم صلاة الولد على قبر أبيه Q مات أبي ولم أصل عليه، فهل أذهب إلى قبره لأصلي عليه؟ A اذهب وصلِّ عليه؛ لأن الصلاة دعاء وتشفع للميت، فيجوز أن تصلي عليه في قبره ولا شك في هذا. قال المصنف رحمه الله: [وإن كان الميت غائباً عن البلد صلى عليه بالنية، لما روى أبو هريرة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي رحمه الله في اليوم الذي مات فيه، فصف بهم في المصلى وكبر أربعاً)]. فالنبي صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي صلاة الغائب، وصلاة الغائب فيها خلاف، فلا نصلها إلا إذا علمنا أنه لم يصل عليه، وأما إذا صلوا عليه في بلده فلا صلاة.

كيفية العمل بمن تعذر غسله

كيفية العمل بمن تعذر غسله قال المصنف رحمه الله: [ومن تعذر غسله لعدم الماء أو للخوف عليه من التقطع كالمجدور أو المحترق، أو لكون المرأة بين الرجال أو الرجل بين النساء فإنه ييمم]. فإذا ماتت امرأة ولم تجد من يغسلها إلا رجلاً فتيمم؛ لأنه لا يجوز أن يغسلها أجنبي، وكذلك الرجل إذا مات ولم نجد من يغسله إلا امرأة، وكذلك المحروق ومن مات تحت حائط، والغريق الذي يخاف تقطع جسده، فهؤلاء ييممون إذا تعذر غسلهم.

غسل أحد الزوجين للآخر

غسل أحد الزوجين للآخر قال المصنف رحمه الله: [إلا أن لكل واحد من الزوجين غسل صاحبه؛ لأن أبا بكر أوصى أن تغسله زوجته أسماء بنت عميس، وعائشة قالت: لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا ما غسّل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لـ عائشة: (لو مت قبلي لغسّلتك وكفنتك). وقد غسّل علي فاطمة رضي الله عنهما ولم ينكره منكر، فكان إجماعاً؛ ولأنه أحد الزوجين فأشبه الآخر، وكذلك للسيد مع أم ولده؛ لأنها محل استمتاعه فأشبهت الزوجة]. يعني: السيد مع أم الولد.

حكم الشهيد

حكم الشهيد قال المصنف رحمه الله: [والشهيد إذا مات في المعركة لم يغسّل ولم يصل عليه] فالشهيد لا يغسل ولا يصلى عليه ولا يوضع على جسده طيباً ولا يغطى رأسه، وهذه خاصة بالشهيد الذي مات في المعركة. قال المصنف رحمه الله: [لما روى جابر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بدفن شهداء أحد في دمائهم، ولم يغسلوا ولم يصل عليهم). رواه البخاري. وينحى عنه الحديد والجلود ثم يزمّل في ثيابه، لما روى ابن عباس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد وأن يدفنوا في ثيابهم بدمائهم). وإن كفن في غيرها فلا بأس]. يعني: يكفن في ملابسه أو في غيرها، والشهيد لا يغسل، وإنما يدفن بدمائه؛ لأنه يبعث يوم القيامة اللون لون الدم والريح ريح المسك، ولأنه ما مات، {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران:169]، فهو ينتقل من حياة إلى حياة. قال المصنف رحمه الله: [لأن صفية أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثوبين ليكفن حمزة فيهما، (فكفنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحدهما وكفن في الآخر رجلاً آخر). وعنه -يعني: رواية أخرى عن أحمد -: أنه يصلى على الميت وإن قتل في المعركة. ]. يعني: هناك رواية عن أحمد أنه يصلى على الشهيد، وهذه الرواية مرجوحة. قال المصنف رحمه الله: [لما روى عقبة بن عامر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوماً فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف)]. والمراد بالصلاة هنا الدعاء للميت؛ لأن الثابت أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل على شهداء. والله تعالى أعلم.

حكم المحرم

حكم المحرم قال المصنف رحمه الله: [والمحرم يغسل بماء وسدر، ولا يلبس مخيطاً، ولا يغطى رأسه، ولا يقرب طيباً]. فالمحرم هو: الذي مات محرماً، فيغسل بماء وسدر، ولا نلبسه مخيطاً ولا نغطي رأسه. قال المصنف رحمه الله: [لما روى ابن عباس قال: بينما رجل واقف بعرفة إذ وقع عن راحلته فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه، ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه؛ فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً)]، أي: يبعث على الحال الذي مات عليه. وهذا معناه: أن المحرم له حالة خاصة. قال المصنف رحمه الله: [ولا يقطع شعره ولا ظفره كحال حياته].

صفة القبر

صفة القبر وبعد أن تحدث المصنف عن الغسل والتكفين انتقل إلى القبر وكيفية إدخال الميت فيه، فقال: [ويستحب دفن الميت في لحد وينصب عليه اللبن نصباً] واللحد: الشق في بطن الأرض، وهو: أن يفتح في بطن الأرض فتحة جانبية بحيث يلحد فيها الميت ثم يوضع عليه لبنات طوب لم تحرق بالنار، هذا هو كلام أهل العلم بالنسبة لكيفية لحد الميت. قال المصنف رحمه الله: [لقول سعد بن مالك: (ألحدوا لي لحداً وانصبوا علي اللبن نصباً، كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم). ولا يدخل القبر آجراً ولا خشباً ولا شيئاً مسته النار؛ لما روي عن إبراهيم قال: كانوا يستحبون اللبن ويكرهون الخشب والآجر وكره ما مسته النار للتفاؤل بالنار]. أيها الإخوة الكرام! فقه الجنائز من أهم أنواع الفقه الغائب. اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، اللهم ارزقنا علماً نافعاً، اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع، وقلب لا يخشع، آمين آمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

العدة شرح العمدة [25]

العدة شرح العمدة [25] إذا مات الإنسان فإنه يشرع تغسيله وتطييبه وتكفينه والصلاة عليه وتجهيزه للدفن، وحين يوضع في القبر تفك الأربطة وتوضع عليه حجارة لم تمسها النار، ثم يهال عليه التراب، كما أنه ينبغي لمن يتولى تجهيز الميت ودفنه أن يكون أميناً عالماً بالأحكام الشرعية المتعلقة بذلك؛ حتى يتجنب المحدثات والبدع التي يقع فيها كثير من الناس.

من يدخل مع المغسل لغسل الميت

من يدخل مع المغسل لغسل الميت الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد: لا يدخل مع المغسل أكثر من اثنين، فيكون عند الميت ثلاثة فقط، المغسل واثنان من أقاربه، أحدهما من أهل الصلاح والتقوى؛ ليزداد عظة وعملاً صالحاً ويساعد في غسله ويعلم السنة، والرجل الآخر يكون من أهل المعاصي -ونعوذ بالله تعالى- ليرق قلبه ويتعظ ويستعد للموت. قال العلماء: يستحب أن يكون مع المغسل رجلان من أقارب الميت، أحدهما من أهل الطاعة والآخر من أهل المعصية.

ما يستعد به المغسل ومن يعاونه لتغسيل الميت

ما يستعد به المغسل ومن يعاونه لتغسيل الميت ثم قبل تغسيل الميت لا بد من استعداد المغسل لعملية الغسل بالآتي: أولاًً: واقي اليد الذي نسميه الجونتي، فيلبسه المغسل؛ لأنه سيباشر مسألة تنجية الميت واستخراج الفضلات، ولا يجوز أن يمس عورة الميت بيده، وكل هذه الأمور تلزمه أن يلبس واقياً على يده، وهذا الواقي يسمى في الفقه خرقة، وتسمى اليوم الجونتي. ثانياً: الكمامة حتى يدفع بها الروائح الكريهة. ثالثاً: ساتر بلاستيك يلبسه فوق ملابسه؛ حتى يقي نفسه من الأوساخ والأدران أثناء عملية الغسل. رابعاً: حذاء بوت بلاستيك. وكذلك يستعد المعاونان بهذه الأشياء.

ما يفعل بالميت إذا مات

ما يفعل بالميت إذا مات وأما التعامل مع الميت فبعد التحقق من موته نقوم بتغميض العينين بالأصبعين، ففي حديث أبي سلمة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم غمض عينيه، وقال: إن العين تتبع الروح). ثم شد اللحيين برباط شديدة تقفل الفم. ثم يؤتى بثقل يوضع على بطن الميت حتى لا ينتفخ. ثم يبدأ في تليين مفاصل الميت، فتلين مفاصل اليد اليمنى ثم اليسرى؛ لأن أعصاب الميت بعد موته تكون مفككة فتستجيب للتليين، ثم تلين قدماه، وإذا لم تلين المفاصل فستكون شديدة صعبة عند الغسل، فلا بد من التليين بين وقت وآخر حتى يأتي المغسل. وبعد تليين المفاصل يترك الميت ويؤتى بسترة أو بغطاء كبير يغطي جسد الميت ويفرش فوق جسده، وهذا ما تم فعله مع سيد البشر صلى الله عليه وسلم حيث غطوه بعد موته. وأما مسألة توجيه الميت إلى القبلة فهي مسألة خلافية، ولكن الشيخ ابن عثيمين يرى أن مجموع الأحاديث يرقى إلى درجة الحسن، وأنه يستحب أن يوجه الميت إلى القبلة.

بيان ما يفعله المغسل مع الميت قبل الغسل

بيان ما يفعله المغسل مع الميت قبل الغسل إذا جاء المغسل فإنه يبدأ في الاستعداد لعملية الغسل، وأول شيء يفعله رفع الغطاء الذي على الميت، ثم يدفعه للمساعد الذي بجواره، ثم يبدأ بتجريد الميت من ملابسه، ومسألة تجريد الميت من ملابسه مسألة مهمة، ولا بد أن تكون بحكمة؛ لأن الميت يتأذى كما يتأذى الحي، فيبدأ بفك أزرار الثياب ثم يرفع اليد اليمنى، وهكذا حتى ينتهي من تجريده من قميصه العام، وعندما يصل موضع ظهور العورة يستعين بالسترة. وعورة المرأة بين النساء من السرة إلى الركبة كعورة الرجل. ثم يأخذ الثقل ويدفعه للمعاون، ويضع السترة على الميت يستره بها، والميت مجرد من كل ملابسه بين يديه. ثم يأتي بماء وسدر وماء وكافور، ويكون قد استعد بإعداد هذا الماء قبل ذلك، والسدر ورق النبق، قال العلماء: لكل أربعة جوالين ماء مقدار فنجان كبير من السدر من فناجين القهوة، ويطحن ورق السدر طحناً، وأما الكافور فيباع عند العطارين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ أم عطية عند تغسيل ابنته زينب: (اغسلنها بماء وسدر ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو زدن على ذلك إن رأيتن ذلك، واجعلن في الأخيرة كافوراً أو شيئاً من كافور). فالغسلة الأخيرة يكون بها ماء وكافور. ويغني عن الماء والسدر الماء والمسك أو الماء والطيب. وقبل الغسل يقوم المغسل بتنجية الميت التي يسميها العوام: النحنحة.

غسل الميت

غسل الميت

كيفية غسل فرج الميت

كيفية غسل فرج الميت مسألة غسل الميت لها ثلاث خطوات متتالية. أولاً: تنجية الميت، إما بالضغط على بطن الميت بخفة، فيضغط باليد اليمنى ثم يدخل يده اليسرى إلى دبره لاستخراج الفضلات، ويكون بجواره إناء ثالث فارغ يضع فيه الفضلات ثم يغسل يده في إناء بعيد، ثم يعود للضغط واستخراج الفضلات حتى تخرج اليد بيضاء ليس فيها أي مخلفات أو رواسب، وبهذه الطريقة يضمن أن بطن الميت قد تفرغ تماماً مما فيه.

غسل النظافة

غسل النظافة ثم يفك الرباط الذي على اللحية عندما يبدأ في غسل النظافة، فيغسل الميت بالماء والصابون، ويبدأ أولاً برأس الميت، وليكن معه ليفة في غسل النظافة، ويقوم بغسل الميت كما يغتسل الحي، وأول شيء يغسله الرأس ثلاث مرات بالصابون والليفة، ثم ينتقل إلى الشق الأيمن، فيغسله تحت الإبط بالليفة، ويغسل الشق الأيمن من أعلى إلى أصابع القدمين من الأمام ومن الخلف، ثم يرفعه ويغسله من الناحية اليسرى بالصابون والليفة، والسترة كما هي، ثم يدخل يده إلى السرة، ولا يقترب من العورة، ولا ينظر إليها ولا يمسها، ثم يعمم جسده بالماء كغسل الحي. وبهذا يكون قد انتهى من غسل النظافة.

وضوء الميت

وضوء الميت ثم يبدأ بالوضوء، فيقول: باسم الله، كما لو كان يتوضأ وهو حي، فوضوء الميت كوضوء الحي تماماً إلا في المضمضة، فلا يدفع الماء إلى داخل فمه وإنما من الخارج، فقط على باب الأسنان، ولا يدخل إصبعه داخل الفم، وإنما على فتحة الشفتين يمسهما يميناً ويساراً ثلاث مرات، ثم الاستنشاق يتم بيسر. فتفعل ما بوسعك مع الميت، فتأخذ قطنة وتمررها على أسنانه يميناً ويساراً باليد اليمنى والاستنثار باليسرى ثلاث مرات، ثم تغسل وجه الميت ثلاث مرات، ثم اليد اليمنى حتى المرفقين ثلاث مرات، ثم اليد اليسرى ثلاثاً حتى المرفقين، ثم تمسح رأسه مقبلاً ومدبراً كوضوء الحي، ثم تمسح الأذنين مع الرأس مسحة واحدة كوضوء الحي، ثم تغسل قدميه، فتبدأ باليمنى وتخلل أصابعها، ثم اليسرى. ثم تغسل الميت غسل النظافة مستخدماً الماء والسدر في الغسلة الأولى، مبتدئاً بالرأس ثلاث مرات، ثم تغسل الشق الأيمن بالماء والسدر أيضاً وتحت السترة من الأمام والظهر، ثم تنتقل إلى الشق الأيسر، ثم ترفع الميت قليلاً حتى تغسل ظهره، ثم تنتقل إلى البطن وتعمم الجسد بالماء تماماً، ثم تفعل ذلك بالميت ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً، وتجعل في الأخيرة كافوراً أو شيئاً من كافور. وبعد أن تنتهي نشف الميت تنشيفاً عاماً، والسترة ما زالت موجودة.

تطييب الميت

تطييب الميت ثم تأتي بطيب وتطيب المغابن ومواضع السجود السبعة، وهي: الجبهة والأنف والكفين ثم الركبتين ثم أصابع القدمين. وكذلك تطيب بين الفخذين؛ لأنهما مظنة عدم وصول الماء إليهما، أو مظنة لحمل الأوساخ، فإن طيبت الميت كله فلا بأس.

كيفية التعامل مع الميت إذا لم ينقطع حدثه

كيفية التعامل مع الميت إذا لم ينقطع حدثه وإذا لم ينقطع خروج الفضلات من الميت، فإننا نأتي بقطن وندخله إلى دبر الميت ونغلق به فتحة الدبر بعد أن نطيب هذا القطن طويلاً، ثم نقوم بربط هذا القطن بشيء من القماش، حتى إذا خرج منه وجد هذا الشيء يحفظه.

تكفين الميت

تكفين الميت ثم بعد ذلك نبدأ في تكفين الميت، ويكفن الرجل ثلاث قطع، يدرج فيها إدراجاً، وتكون كل واحدة أطول من الأخرى، وتكون السترة ما تزال على الميت، ولا ترفع إلا بعد البدء في تكفينه؛ لأن الكفن يواري عورة الميت. وإذا كان الميت قد انتفخ فيغسل كهذا الغسل تماماً وهذا الانتفاخ بسبب بقائه مدة طويلة وعدم وجود ثقل، ويعصر بطنه برفق، ثم بعد ذلك يكفن الرجل ويكفن الرجل في ثلاث قطع، ليس فيها قميص ولا عمامة ولا سراويل، فكل ذلك محظور بالنسبة للميت، وتكون الثلاث القطع كل واحدة منها أطول من الأخرى، يدرج فيها الميت إدراجاً، ثم ترفع السترة، وتربط الأكفان من الناحية اليسرى؛ حتى يتمكن من فك الأربطة في القبر، فعند تكفين الميت ينتبه من أن الميت سيوضع في القبر على شقه الأيمن. وبالنسبة للقطع لا بد أن تكون أطول من جسد الميت من أعلى ومن أسفل، فالزيادة من أعلى ترد على رأسه وتربط، ومسألة التكفين سهلة جداً، كما لو أنك تلف طفلاً مرة واثنتين وثلاثاً، وتبدأ في الغطاء باليمين ثم اليسار ثلاث مرات، ثم تأتي بالأربطة، فتربط ما زاد من تحت الرجلين، وما زاد عن الرأس، ثم تربط رباطاً على الساقين، ورباطاً في منتصفه، ورباطاً على البطن، ورباطاً على الصدر حسب الحال. وفي الأرياف يفصل للميت قميص وسروال وعمامة، وكل هذا منهي عنه، وإنما يدرج في ثلاث قطع إدراجاً. ويختلف كفن المرأة عن كفن الرجل في أن كفن المرأة يكون خمس قطع: إزاراً وخماراً ومقنعة كاللبس الأفغاني ثم لفافتين.

صفة القبر

صفة القبر وأما القبر فإنه يحفر لحداً في بطن الأرض من أعلى ومن أسفل، ثم تحفر في وسطه بحيث تفتح في الأرض لحداً، ثم تدخل الميت فيه على شقه الأيمن، ثم تحل الأربطة، وكشف الوجه في القبر ليس عليه دليل، وتقول: باسم الله وعلى سنة رسول الله عندما تضع الميت، ولا بد أن يكون من ينزل مع الميت لم يجامع زوجته في ليلة الدفن.

ترتيب الجنائز في الصلاة إذا تعددت

ترتيب الجنائز في الصلاة إذا تعددت ولو تعددت الجنازات مثل أن تكون جنازة رجل وامرأة وصبي فيكون الرجل هو المقدم بين يدي الإمام ونعشه أقرب إلى الإمام، ثم نعش الصبي، ثم نعش المرأة، بحيث يقف الإمام عند رأس الرجل، ويكون رأس الطفل موازياً لرأس الرجل، ويكون وسط المرأة محاذياً لرأس الرجل. ولقد بوب الإمام البخاري على هذا: باب الإمام يقف إلى وسط المرأة وعند رأس الرجل.

الصلاة على الجنازة في المسجد

الصلاة على الجنازة في المسجد وأما الصلاة على الجنازة داخل المسجد فلقد ثبت أنهم صلوا على بعض الصحابة في المسجد الحرام، وأورد ذلك علماء الأمة، والأفضل أن يصلى عليه في مصلى الجنائز، يصلى عليه والناس قيام بالنعال طالما أن النعل ليس فيها شيء. ولا بأس بإدخال الميت إلى المسجد مطلقاً، فقد ثبت أن عائشة رضي الله عنها صلت على أحد الصحابة داخل المسجد، والمسألة فيها سعة، فلا نحجر واسعاً ونقيم معارك على أمور مستحبة. وهناك كتاب بعنوان: (الوجازة في تجهيز الجنازة) موضح بالصور الإيضاحية.

اقتراح إنشاء مغسلة للأموات

اقتراح إنشاء مغسلة للأموات ونقترح هنا إعداد مغسلة الأموات وتدريب أناس على أعلى مستوى، وإقامة دورة لهم يدرسون فيها ما يجب تجاه الميت من لحظة خروج الروح إلى دفنه وكل ما يتعلق بذلك، والأحاديث التي وردت في ذلك، مثل ما أخرجه الطبراني: (من غسل ميتاً فكتم عليه غفر الله له أربعين كبيرة)، وصححه العلامة الألباني في كتابه فقه الجنائز، وكذلك ما أخرجه الطبراني في فضل تكفين الميت وفي من قام بتكفينه: (ومن كفن ميتاً ألبسه الله من سندس الجنة)، ومثل حديث: (ولا يغسل موتاكم إلا المأمونون). فلا ينفع أن يكفن الميت إنسان تارك للصلاة أو ساحر، فلا يغسل الميت إلا المأمون، وأولى الناس بغسله الوصي ثم الأب وإن علا والابن وإن نزل. ومسألة إعداد مغسلة للأموات الآن في القاهرة الكبرى مسألة ملحة؛ لأن معظم الناس يسكنون في شقق فاخرة، فأين سيغسلون موتاهم، وهناك أناس غسلوا أباهم في دورة المياه وما وجدوا مكاناً في البيت لتغسيله، وقالوا: أنسب مكان هو الحمام حيث إن فيه متسعاً، وهذا لا يجوز، فهو إجرام بحق الميت؛ لأن الحمام بيت الخبث والخبائث. فلا بد من إعداد مغسلة للأموات، وسيارات لنقل الموتى حتى يغسلون في المغسلة ويكفنون، ثم يحملون ويشيعون. وأما مكان المغسلة فيمكن أن يقيمها أي مركز أو أي جمعية خيرية، ويؤهل أناس للتغسيل والتكفين، وتنشر أرقام تلفوناتها، ومن أراد أن يغسل ميتاً وأن يكفنه يتصل بهم، ثم يذهب المغسل والمكفن إلى المكان الذي فيه الميت ويتعاملان مع الميت معاملة صحيحة؛ لأننا في هذه الأيام نرى كثيراً من البدع. ونسأل الله تعالى أن يعافينا وإياكم. وبعد أن بينا كيف يتم تكفين الميت والصلاة عليه يبقى عندنا مسألة لحد الميت في قبره.

حمل الميت

حمل الميت ومن السنة أن يحمل الميت على خشبة، ولا يحمل على تابوت مغلق كما يفعله الكثير الآن، فإنهم يحملونه على صندوق ويغلقونه، ويضعون فوقه مفروشاً، وهذا كله ليس له أصل في السنة، وإنما السنة أن يحمل على خشبة ثم يغطى بغطاء؛ لأن الميت لا يجوز أن تبدو عورته. وقد روى البخاري في صحيحه في كتاب الإيمان: باب اتباع الجنائز من الإيمان، وهو يبين أن كل الأعمال الصالحة تدخل في مسمى الإيمان، قال صلى الله عليه وسلم: (من صلى على جنازة ثم تبعها حتى يفرغ من دفنها)، أي: أنه ينتظر حتى ينتهي الناس من الدفن، (كتب له قيراطان كل قيراط كجبل أحد)، قال ابن عمر عند سماع هذا الحديث: كم ضيعنا والله من قراريط.

كيفية إدخال الميت إلى قبره

كيفية إدخال الميت إلى قبره وعندما يصل الميت إلى قبره يدخل برأسه ويوجه إلى جهة القبلة بحيث إذا قام اعتدل نحو القبلة، فيوضع متوجهاً إلى القبلة بوجهه كحال النائم على شقه الأيمن ورجلاه في القبلة ورأسه إلى الجهة الخلفية بحيث إذا قام قام إلى القبلة كحال النائم، وفي الأمر متسع عند العلماء، فمنهم من قال: يوجه إلى القبلة، بمعنى: أن يستقبل القبلة بوجهه، أو ينام كحال النائم على فراشه على شقه الأيمن، وتكون رجلاه إلى القبلة، ويوضع تحت رأس الميت شيئاً يرفع رأسه قليلاً؛ لأن الميت يتأذى مما يتأذى منه الحي، فكما أن الحي لا يستطيع أن ينام ورأسه مساوياً لجسمه وإنما يرفع رأسه قليلاً فنضع تحت رأس الميت شيئاً يرفع رأسه. ثم يقوم من يلحد الميت بفك الأربطة عنه من عند القدمين ومن عند الرأس وفي الوسط وعند البطن وعلى الفخذين، وأما كشف الوجه فليس فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ما يشترط فيمن يلحد الميت

ما يشترط فيمن يلحد الميت ويشترط فيمن يلحد الميت أيضاً أن يكون أميناً، فلا يذكر إن رأى في قبره ما يشير إلى سوء خاتمة الميت، ولا يفضح سر الميت، وإن كان يريد أن يعظ الناس فليعظهم بكلام عام، مثل أن يقول: إن رجلاً كان لا يصلي فحدث له كذا وكذا، ولا يسمي الميت باسمه؛ لأن هذا فيه كشف لعورته أو لسوءته وفضيحته. ثم بعد ذلك أيضاً يسن لمن يلحد الميت أن يأخذ ثلاث حثيات من تراب ويلقيها على قبره ويقول: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه:55].

حكم الموعظة عند القبر بعد الدفن

حكم الموعظة عند القبر بعد الدفن ثم بعد أن يلحد الميت يغلق باب اللحد على الميت ويهال عليه التراب. وفي كثير من البلاد يقف بعد الدفن شخص يلقي موعظة على القبر، ويظن ذلك سنة راتبة بل آكدة، فبعد أن يدفن الميت يقف يقول للميت: اعلم يا عبد الله! ويا ابن عبده وأمته! أنك تركت الدار الفانية وانتقلت إلى الدار الباقية، وأنك الآن بين يدي ربك، وسيأتيك بعد قليل ملكان رحيمان على من أطاع الله، غليظان على من عصى الله، فإن سألاك وقالا لك: من ربك؟ فقل لهما بلسان ذلق طلق: الله ربي حقاً ومحمد نبيي صدقاً، ويظل هذا المسكين يملي كلامه على الميت، وما درى أن الذي يفعل هذا مبتدع، وأن هذه بدعة ما ثبتت عن نبينا صلى الله عليه وسلم، وإنما الثابت عنه قوله: (استغفروا لأخيكم؛ فإنه الآن يسأل). هذا والدعاء الجماعي أيضاً لا يجوز، وإنما يدعو للميت كل واحد في نفسه، ويدعو بما شاء للميت. وإذا قام رجل يذكر الحضور بالموت فلا بأس، شريطة ألا يكون ذلك راتباً، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما وعظ مرة واحدة كما في حديث البراء بن عازب، ولم يفعلها بعد ذلك، فعل ذلك مرة وتركها مرات. فإذا وجدت الناس أعرضوا عن الموت وعظته فيمكنك أن تذكرهم، فالموعظة للأحياء، والبعض ينتظر حتى ينتهي الناس من دفن الميت رغم أن الحديث في مسند أحمد: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قام يعظهم ولما يلحد)، يعني: لم ينتهوا من اللحد، فقد تكلم وهم يلحدون، فإن أردت أن تعظ فعظ الناس وهم يلحدون الميت، بحيث إذا انتهوا من إهالة التراب عليه لا يكون هناك شغل للحضور إلا الدعاء والاستغفار، ومن العجب أن الميت بعد أن يدفن يقف المتحدث ويعظ الأحياء، فما أشبه الميت بغريق يحتاج إلى من ينقذه ونحن نجادل في مسألة على شاطئ البحر، فالغريق يقول: أنقذوني، ونحن نجادل الذي سينزل هل سينزل بالملابس العادية أم القصيرة؟ فلا ينبغي أبداً أن ننشغل بعد موت الميت إلا بالاستغفار له، (استغفروا لأخيكم؛ فإنه الآن يسأل).

الأسئلة

الأسئلة

حكم دفن الرجل والمرأة في قبر واحد

حكم دفن الرجل والمرأة في قبر واحد Q هل يجوز دفن الرجل والمرأة في قبر واحد؟ A لا يجوز إلا في حال الضرورة وضيق الأماكن، وإلا فالسنة أن يكون للمرأة لحد، وللرجل لحد منفصل عنها. ويغلق اللحد بالطوب اللبن وليس بالطوب الذي دخلته النار.

حكم تكفين الميت في ثيابه

حكم تكفين الميت في ثيابه Q هل كفن أبو بكر الصديق في قميص؟ A صفة التكفين شرحناها وأما إن لم يوجد ما يكفن فيه الميت فشق ثيابه وكفنه فيها، فقد كفن مصعب بن عمير بنمرة، كان إذا غطي أعلاه بها بدا أسفله، وإذا غطي أسفله بدا أعلاه، فيجوز أن تكفن الميت في قميص إن لم تجد ما تكفنه فيه، ومصلحة الحي مقدمة على مصلحة الميت.

حكم تغسيل تارك الصلاة للميت

حكم تغسيل تارك الصلاة للميت Q القول بأنه يدخل مع المغسل رجل من أهل التقوى ورجل من أهل المعاصي، هل إذا كان الرجل الذي من أهل المعاصي لا يصلي أميناً أم لا، علماً بأنه قد خان خالقه أولاً فهل يؤتمن؟ A لا يقصد بالرجل العاصي تارك الصلاة، فتارك الصلاة رجل مجرم، {إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر41 - 43]. فالرجل العاصي مثل المدخن، والغير الملتزم بالشرع، والمفرط في بعض الواجبات، فمثل هؤلاء قال العلماء: يستحب أن يدخل؛ ليرتدع عن معاصيه.

حكم تعليم غسل الميت وتكفينه عمليا في المسجد

حكم تعليم غسل الميت وتكفينه عملياً في المسجد Q هل ثبت أن أحد الصحابة دخل إلى المسجد وغسل الميت فيه وكفنه؟ A الأصل موجود، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على المنبر وقال: (ما أريد أن أصلي ولكن أريد أن أبين لكم). ومالك بن حويرث وعثمان بن عفان دعا كل منهما بإناء فيه ماء وتوضأا وقالا: نريد أن نبين لكم كيف توضأ النبي صلى الله عليه وسلم. ووسائل الإيضاح توضح المعنى للمتحدث، والنبي صلى الله عليه وسلم كان أحياناً يستخدم الوسائل، فقد خط خطاً مستقيماً وخط خطوطاً متعرجة وأقام دائرة إلى غير ذلك، فأصل بيان هذه الطاعات موجود بدون أدنى شك في السنة، وأما كون هذا لم يفعله أحد من السلف فلأن الناس كانوا يعلمون ذلك. فنحن نوصل المعلومة بالعمل بالنظر بالفيديو بالسيدي، فهل نحرق السيديهات والفيديو لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن في زمنه فيديو ولا سيديهات ولا أشرطة كاسيت ولم يسجل لنا خطبة؟! فهناك أمور مستحدثة علينا أن نطوعها لخدمة العلم الشرعي.

حكم تغطية الميت وهو على النعش

حكم تغطية الميت وهو على النعش Q عندما يوضع الميت على النعش هل يغطى بغطاء أم يكتفى بالكفن؟ A يغطى بغطاء ذكراً أو أنثى، والأنثى أشد؛ لأن الأصل فيها التستر.

كيفية تكفين الميت

كيفية تكفين الميت Q هل أقوم برفع الميت ووضع الأكفان أم ماذا؟ A هذه المسألة تحتاج إلى تدريب، فلا بد أن تكون أولاً مساعد مغسل، وبعد ذلك مغسل، فالمحاضرة لن تجعلك مغسلاً، بل لا بد أن تتعلم التغسيل والتكفين، ولو جلست إلى الصبح أشرح لك كيف تكفن الميت فلن تستطيع تكفينه عندما تمارس التكفين عملياً. فالتطبيق العملي يكون أدق من التعليم النظري.

حكم صلاة المرأة على الميت

حكم صلاة المرأة على الميت Q هل يجوز للمرأة أن تصلي على الميت؟ A نعم، فـ عائشة صلت على بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وفي شهود المرأة للصلاة أحاديث كثيرة، لكن المرأة لا تتبع الميت إلى مقبرته. ولا داعٍ لكلمة مثواه الأخير، فهذه الكلمة ليست صحيحة، فمعنى مثواه الأخير أنه ليس هناك بعث، فلننتبه.

صفة السترة التي يستر بها الميت

صفة السترة التي يستر بها الميت Q هل تكون السترة التي يضعها المغسل على الميت من قماش الكفن أم لا؟ A السترة التي توضع على الميت لا بد أن تكون سميكة لا تصف ولا تشف، وإذا وضع عليها الماء لا تظهر ما تحتها، وهذا الكلام غني عن البيان، ولا ينبغي السؤال عنه.

حكم غسل الميت

حكم غسل الميت Q هل الغسل سنة أم فرض؟ A الغسل فرض، فغسل الميت واجب وليس سنة، ومن موجبات الغسل الموت.

حكم الصلاة في مسجد تحيط به المقابر

حكم الصلاة في مسجد تحيط به المقابر Q ما حكم الصلاة في مسجد تحيط به المقابر؟ A يجوز طالما أن القبر ليس بداخل المسجد، وأنت لا تقصد القبور، والنبي صلى الله عليه وسلم لما بنى مسجده نبش قبور الجاهلية، ولو أن القبر خارج المسجد ويحمل المسجد اسم صاحب القبر فلا يصلي فيه؛ لأنه في هذه الحالة ينسب المسجد إلى صاحب الضريح فلينتبه لمثل هذا.

حكم أخذ المغسل أجرة على غسل الميت

حكم أخذ المغسل أجرة على غسل الميت Q هل يأخذ المغسل أجراً على الغسل؟ A لا يأخذ المغسل أجراً على الغسل، وإن أخذ أجراً قل ذلك من ثوابه بدون أدنى شك، والأصل عدم أخذ أجرة على الغسل.

حكم تغسيل المدخن للميت

حكم تغسيل المدخن للميت Q هل يجوز أن يكون المغسل مدخناً؟ A المدخن رائحة فمه كريهة، فسيؤذي الميت والملائكة.

حكم استخدام القطن لتنظيف فم الميت

حكم استخدام القطن لتنظيف فم الميت Q هل يجوز استخدام القطن لاستخراج الفضلات من فم الميت؟ A نعم، يمكن إدخال قطنة في فم الميت ببساطة؛ لإخراج ما به من أذىً، وقال بعضهم: يستحب أن يوضع في فم الميت قطنة وفي أنفه إلى آخر الغسل؛ حتى لا يتأذى الميت كلما صببت عليه الماء.

عورة الزوجة بالنسبة للزوج

عورة الزوجة بالنسبة للزوج Q إذا غسل الرجل زوجته فما هي العورة التي تستر بالنسبة له؟ A لا سترة منه، فليس هناك عورة للمرأة أمام زوجها. وإذا احتاج الزوج إلى من يساعده فيدخل معه نساء من محارمه، وهنا لا بد أن تستر المرأة عن الأجانب حتى ولو كانوا محارم، فإن دخلت أختها فلا بد أن يضع عليها السترة، وكذلك إن دخلت أمها أو بنتها. الشيخ: ولا يجوز للزوج أن يمس العورة إلا بحائل. وأما القول بأنه لا يجوز للزوج أن يغسل زوجته فهذا كلام الأحناف وهو باطل.

حكم القعود على القبر مقدار نحر جزور وتوزيعه

حكم القعود على القبر مقدار نحر جزور وتوزيعه Q هل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا ننصرف من القبور بعد الموت إلا بمقدار ذبح بعير؟ A هذا أثر موقوف على عمرو بن العاص، وليس عليه عمل الصحابة. ويوم أن مات شيخنا الشيخ صفوت نور الدين رحمه الله، قال أحد الإخوة الحضور: قوموا على قبره بقدر ذبح جزور وتوزيعه، فقال الشيخ مصطفى العدوي حفظه الله: هذا أثر موقوف على عمرو بن العاص وليس عليه عمل الصحابة، فحمده الجميع لهذا البيان.

دعاء الميت

دعاء الميت Q أناشدك أن تدعو لموتانا وموتى المسلمين بالمغفرة والرحمة، وأن تخص أخاً لنا قد توفي قبل ليلة أمس. A اللهم اغفر له وارحمه، اللهم اغفر له وارحمه، اللهم اغفر له وارحمه. نكتفي بهذا القدر. اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا، آمين آمين آمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

العدة شرح العمدة [26]

العدة شرح العمدة [26] شرعت التعزية لأهل الميت مواساة لهم على ما أصابهم، وندب صناعة الطعام لهم، فقد أتاهم ما يشغلهم، كما أجيزت زيارة القبور، والبكاء على الميت من غير جزع، واليوم قد شاب كل هذه الأمور الكثير من مظاهر البدع، وانحرف بها عن نهج الإسلام وقصده، فعلى المسلم الحذر من ذلك.

التعزية وبعض البدع التي تفعل فيها

التعزية وبعض البدع التي تفعل فيها الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: قال المصنف رحمه الله تعالى: [ويستحب تعزية أهل الميت]، وهذا على وجه الاستحباب لا الوجوب، كما يستحب لمن غسل ميتاً أن يغتسل، ولمن حمله أن يتوضأ، وقد قال العلماء: هذا ليس على سبيل الوجوب، وإنما على سبيل الاستحباب. وأما التعزية فلما روى ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من عزى مصاباً فله مثل أجره). حديث غريب. ومن بدع التعزية ما يتردد على الناس من أنه: (لا عزاء بعد ثلاثة). وهذا لا أصل له، وهو غير صحيح. ومن بدع التعزية أيضاً: إقامة السرادقات والجلوس لقبول العزاء في دار المناسبات أو في بيت الميت، وهذا لم يؤثر عن السلف بحال؛ لأنهم كانوا يعتبرون الجلوس لتقبل العزاء من النياحة. والتعزية من واجبات المسلم على أخيه المسلم، وأفضل صيغة للتعزية ما ورد في صحيح مسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسلت له ابنته تخبره أن ابنتها قد ماتت -يعني: حفيدته- فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم مع الرسول قائلاً لها: مرها فلتصبر ولتحتسب)، يعني: قل لها: اصبري واحتسبي، فأفضل صيغة للعزاء أن تقول للمصاب: اصبر واحتسب. فهذه الصيغة وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهناك صيغ طيبة لا بأس بها، والباب فيها واسع، مثل قولك: البقية في حياتك، وقد أفتى الشيخ ابن عثيمين بجوازها إن أراد بها قائلها: البقية في الأعمال الصالحة، وفي بعض القرى يقولون هذه الكلمة معتقدين أن الميت مات وقد ترك جزءاً من عمره، وقد أعطى هذا الباقي لمن تبقى من العائلة، وهذا الكلام خرافات، ولا ينبغي أن يكون أبداً. وتكون التعزية بدون مصافحة؛ لأن المصافحة ما وردت في السنة، فكونك تجمع المصافحة مع التعزية فهذا يعني أنك جئت بشيء جديد، إنما قل: (اصبر واحتسب)، واربط على قلبه. ولا يجوز بحال أن يجتمع أهل الميت كما يجتمعون الآن في سرادق ويأتون بقارئ يقرأ القرآن، والناس طوابير للعزاء، أو ما يفعل في بعض القرى حيث يقف أهل الجنازة طابوراً مكوناً من نحو خمسين رجلاً من العائلة، والجنازة مزدحمة، ويأتي الناس وكلهم يريدون أن يصافحوا ويعانقوا، فهذا كله بدعة. فلا بد أن تكون التعزية وفقاً للسنة، وتكون في المسجد، وبالهاتف، وفي الطريق العام، وفي العمل، وحديث: (لا عزاء بعد ثلاثة) لا أصل له في السنة، وهذا مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم. والتعزية عندنا الآن فيها من البدع الكثير والكثير، ولاسيما مجتمعات النساء وما يحدث فيها، فإنهن يجلسن للعزاء أربعين يوماً والخميس الكبير، والسنوية، ويتكلمون في المكبر: يحيي عائلة فلان بن فلان السنوية الكبيرة، ويعتقدون أن الروح ترد إلى الميت في اليوم الأربعين؛ فيحيون الأربعين لذلك، وينعون الميت نعي الجاهلية في الصحف، وينشرون اسمه وصورته، وتحت ذلك ابن العم وابن الأخت والخال والجد والكبير والصغير. فهذه الأمور كلها من بدع الجنائز التي ما أنزل الله بها من سلطان، ونحن لا زلنا نصر عليها، وأفضل مقام تقيم فيه السنة إذا مات لك ميت، يعني: يوم أن يموت أبوك أو أخوك مثلاً، فأقم السنة في مأتمه؛ لأنه مأتم وليك، وليس لأحد دخل معك، فأنت حر، فاحمله على خشبة وانفي التابوت تماماً، وأقم الصلاة عليه في مصلى، وأعلمهم السنة، واجعل له لحداً، واغسله على السنة، فلا بد من تطبيق السنة وإن استغربها الناس، وليستغربوها أول الأمر، ثم بعد ذلك تسير الأمور على ما يرام. ولعلكم تذكرون أن صلاة العيد في العراء واجهها كبار السن يوم أن ذكرنا أنها سنة، قالوا: إن السنيين جاءوا ببدعة، وظلوا يحاربون هذه السنة إلى أن أصبحت الآن مسألة مقررة، وتقام لها الساحات وتقنن، وتعد إعداداً. فإقامة السنة تحتاج منا إلى صبر ومجالدة في أول الأمر، فإذا مات لك ميت فاحمله على خشبة، ولا تحمله على تابوت أو صندوق، هذا هو السنة، واغسله وكفنه على السنة، ومما يذكر في ترجمة ومناقب الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أنه مات أبوه في العصر، فدفنه وعاد إلى الدرس في المغرب، ولم يقل: أجلس لتقبل العزاء؛ لأن هذا الفعل غير شرعي. فالتعزية تكون في أي مكان، وأما الاجتماع والسرادقات وقراءة القرآن فليس من السنة في شيء، وعندنا الآن وسائل حديثة للتعزية، مثل: التلغراف، وهذه وسيلة طيبة، فاكتب مثلاً: اصبر واحتسب، أخوك فلان! ويمكن التعزية أيضاً بالهاتف وبالإيميل على الكمبيوتر. وهناك وسائل متعددة والحمد لله. ولذلك يقول العلماء: العالم ضاق، فيمكنك الآن أن تشاهد البرازيل وأنت في هذا المكان، فالعالم ضاق نظراً لثورة الاتصالات الهائلة في مجال المعلومات. فوسائل التعزية المتعددة عندنا الآن كثيرة، ولكنك تجد في العائلة من يعارضك كثيراً جداً، ويقولون لك: هل تريد أن يموت أبوك كالفقراء دون مأتم.

صناعة الطعام لأهل الميت

صناعة الطعام لأهل الميت وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يصنعوا طعاماً لآل جعفر، فقال عليه الصلاة والسلام: (اصنعوا لآل جعفر طعاماً). فنصنع لآل الميت طعاماً؛ لأنه نزل بهم أناس، واليوم أهل الميت يأتون بطباخ يصنع لهم الطعام، والمفروض العكس، فأهل الميت نزل بهم ما يشغلهم، فالمفروض أن نصنع نحن لهم طعاماً ونرسله إليهم، وهذه هي السنة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، لكن الذي يحدث الآن هو العكس. فنحن لا نحمل الشخص فوق طاقته، وإنما إن كان صاحب ولاية القرار في البيت فليقم السنة، ومع تكرار إقامتها سيتعلم السنة.

البكاء على الميت

البكاء على الميت قال المصنف رحمه الله: [والبكاء عليه غير مكروه إذا لم يكن معه ندب ولا نياحة]، فالبكاء على الميت لا بأس به، وفي الحديث: (إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وإنا على فراقك يا إبراهيم! لمحزونون)، و (إن الله لا يعذب بدمعة العين). وجمود العين من قسوة القلب فلا بأس بالبكاء، ولا يجوز النياحة، والنياحة أن تنادي على الميت بلفظة (يا) مثل قول الزوجة: يا زوجي! يا بعلي! يا كبيري! من لنا بعدك؟ وامصيبتاه! ونسمع في بعض الأحيان ألفاظاً كفرية وفي مآتم كثيرة جداً، ومن ذلك: أن رجلاً كان لا ينجب إلا إناثاً، فرزق بذكر واحد فمات، فقال: يا رب! مستكثر علي هذا الولد! فهو يحاسب ربه عز وجل، وهذا كفر يا عبد الله! وقال آخر: يقول: يا رب! لم يكن هو، بل كنت أنا مكانه، والله إنه كذاب. وفي جنازة في بور سعيد جاء ابن المتوفي يقول: أريد أن أدخل مع أبي، ولا بد أن أدخل معه، فقلت للحضور: دعوه يدخل، فرجع مباشرة.

حكم الندب والنياحة على الميت

حكم الندب والنياحة على الميت لا يكون الأجر على الصبر إلا عند الصدمة الأولى، وأما النياحة ولطم الخدود وشق الجيوب والملابس والألفاظ الجاهلية التي انتشرت في زماننا فكلها من الأفعال المنهي عنها شرعاً، وقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم على سعد بن عبادة فوجده في غاشية، فبكى وبكى معه أصحابه، فقال: (ألا تسمعون! إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا، وأشار إلى لسانه). متفق عليه. والنياحة: ذكر محاسن الميت على سبيل التسخط، وهذا لا يجوز أبداً، ولاسيما النساء، وقد جاءت الأحاديث الكثيرة في توعد المرأة النائحة إن لم تتب إلى الله عز وجل أنها تسربل سربالاً من نار يوم القيامة. ولا يجوز الندب، والندب: تعداد محاسن الميت، والنياحة رفع الصوت بذلك، كأن يقال مثلاً: يا من كنت تأتي لنا بالطعام! يا من كنت تؤنس البيت! فهذه نياحة، ولا يجوز ذلك أبداً، وبعض النساء يتبعن الجنائز في القرى، ويرفعن أصواتهن، فعليهن التوبة والاستغفار والندم والعزم على عدم العودة، مع التصدق والصيام، وأنت إن وجدت هذا الفعل فانصح، وإن وجدت إصراراً فعد، وقد كان ابن عمر إذا رآهن في الخلف خالفهن وعاد، وليس معنى ذلك أن نهجر الجنائز، ولكن لا بد أن نعلم السنة، فهذه الأمور مهمة جداً. وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الميت يعذب ببكاء أهله)، حديث صحيح، وقد اختلفت عائشة مع بعض الصحابة في معنى (إن الميت يعذب ببكاء أهله)، وهذا الكلام له معانٍ متعددة عند العلماء، فقال بعضهم: يعذب ببكاء أهله إن أقرهم على هذا الصنيع ولم يوص بعدم النياحة والندب، فإن فعلوا بهذه الأفعال عذب بها؛ لأنه لم يوص بتركها، فإن أوصى فهو بريء من فعلهم. وابن تيمية يقول: إن معنى إن الميت يعذب ببكاء أهله: أنه كالنائم الذي يعذب بصوت الحي، ومعنى العذاب: التأذي، وليس عذاباً فعلياً، بل إذا كان رجل نائماً وآخر يرفع صوته فوق رأسه فإنه يتأذى بذلك. قال المصنف رحمه الله: [ولا يجوز الندب ولا النياحة، لأن قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود: (ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية)] وليس معنى قوله: (ليس منا) أنه كافر، ليس منا، بل ليس على طريقتنا وهدينا وسنتنا، وليس المقصود أنه كافر كما يعتقد البعض، والبعض يفهم النصوص على فهمه الخاص، وإساءة الفهم تجلب لنا مصائب. فإذا صاحت امرأة وندبت فلا نقل لها: أنت كافرة ولست منا، فهذا ليس صحيحاً تماماً، وإنما نقول لها: أنت لست على السنة والطريقة والهدي، وأنت مخالفة وقد ارتكبت كبيرة. وقال المصنف رحمه الله: [وقال أحمد في قوله سبحانه: {وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} [الممتحنة:12]، هو النوح، فسماه معصية].

حكم زيارة القبور

حكم زيارة القبور قال المصنف رحمه الله: [ولا بأس بزيارة القبور للرجال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها؛ فإنها تذكركم الآخرة)]. فزيارة القبور مشروعة للرجال بدون أدنى شك، وأما النساء ففيها خلاف، ومن العلماء من منعها، ومن جوزها اشترط لها شروطاً كثيرة، منها: أولاً: أن تخرج المرأة غير متعطرة. ثانياًَ: أن تخرج بملابسها الشرعية. ثالثاً: ألا تأتي بفعل من أفعال الجاهلية. رابعاً: ألا تخالط الرجال. خامساً: ألا تكثر من الزيارة. سادساً: أن تخرج للعظة والعبرة.

الأدلة على جواز زيارة النساء للقبور

الأدلة على جواز زيارة النساء للقبور والأدلة على ذلك لا حصر لها، ومنها: أولاً: أن عائشة رضي الله عنها لما سألت النبي صلى الله عليه وسلم: ماذا أقول عندما أدخل المقبرة؟ قال لها: قولي: (السلام عليكم) ولم يقل لها: يا عائشة! لا تزوي القبور، وهذا غير مشروع لك، وإنما أقرها على السؤال وعلمها الدعاء. ثانياً: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى امرأة عند القبر صبرها فقالت: إليك عني؛ فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تكن تعرفه، فلما أخبرت المرأة أن ذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم قالت: فذهبت إلى داره فلم أجد على باب بيته بوابين، فدخلت مباشرة على النبي صلى الله عليه وسلم واعتذرت وتأسفت، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الصبر عن الصدمة الأولى). ولم ينهها أو يقل لها: هذا المقام ليس مقامك، وإنما أقرها على زيارتها، وعلمها الصبر عندها. ثالثاً: قوله صلى الله عليه وسلم: (ألا إني كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها) نص عام، ومن أراد أن يخصصه بالرجال فليأت بمخصص، فإن قال قائل: حديث: (لعن الله زوارات القبور)، قلنا: الحديث ضعيف، وإن صح الحديث فكلمة: (زوارات) يعني: مكثرات الزيارة. وبدع النساء في زيارة القبور كثيرة، فقد تذهب في يوم العيد، وتأخذ معها ما لذ وطاب من الطعام، وتأتي بقارئ يقرأ عند القبر، وقد تأتي بمن لا يعرف القراءة، وتجد بعض هؤلاء يلبس زي المقرئ ويجلس يتحدث بأي كلام والمرأة لا تعرف ما يقول. وهذه كلها بدع ما أنزل الله بها من سلطان، والأصل أن تدعو وتستغفر للميت وتقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، أنتم السابقون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم اغفر لهم وارحمهم، اللهم تجاوز عن سيئاتهم، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وتدعو للميت بما شاءت، وقراءة القرآن على القبور ليس لها أصل من السنة مطلقاً من قريب أو بعيد.

الحكمة من زيارة القبور

الحكمة من زيارة القبور القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد، وجلاؤها قراءة القرآن وذكر الموت، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يزور مقبرة البقيع ويسلم على أهلها، ويزور شهداء أحد، فلا بد أن تجعل لنفسك يوماً في الشهر أو في الأسبوع لزيارة القبور؛ حتى ترقق القلب، ولاسيما في هذا الزمن، زمن الماديات والجفاء، والانشغال الشديد، والتكالب على الحياة، حتى أنك لو أخبرت بعضهم أن فلاناً مريض قال: شفاه الله! لا أجد وقتاً لزيارته. ولو قيل له: أخوك فلان مات قال: البقاء لله، الحمد لله، لكن لا أجد وقتاً للعزاء، عندي مشاغل وارتباطات. فالانشغال بالدنيا في هذه الأيام أصبح خطيراً جداً. وقد رأيت في بور سعيد أنهم لا يحملون الجنازة على أكتافهم، وإنما على سيارة، والسيارة تسير في طريق والمشيعون في طريق آخر، واللقاء عند القبور، وهذا موجود وليس معنى هذا أننا نقدح في أهل بور سعيد، ولكن هذا ليس من السنة، فلا بد أن نعلم الناس أن يصلوا على الجنازة ثم يتبعوها، وأما أن تسير الجنازة في طريق، والمشيعون في طريق، وأهل الميت في طريق، ثم يسرعون في الدفن فهذا أمر خطير، والبعض إذا وصل إلى المقبرة عزى أهل الميت ثم ينصرف وسواء دفنوا ميتهم أم لم يدفنوه، فلا وقت لديه للانتظار، ولو كان الأمر بيده لألقاه ثم عاد مسرعاً. وأما مسألة الركوب فيجوز إذا كانت الجنازة بعيدة.

دفن الجنازة

دفن الجنازة وبعض الناس عندهم عادات جاهلية، فالأصل أن يدفن الميت في أقرب مقبرة من المكان الذي مات فيه، وبعض الناس ينقله إلى محل سكنه ويتعدى به إلى خامس أو سادس مقبرة، والسبب أنها مقبرة العائلة. فنقل الميت من المكان الذي مات فيه مكروه إلا لضرورة شرعية؛ لأن الله سبحانه جعل الأرض كفاتاً لسائر المسلمين، فاحفر ثم ضعه في أي قبر. وفي زماننا أصبحت المقابر تحجز، وأصبحت بعض المقابر مضاءة ومزينة، نسأل الله العافية، حتى ضاقت المقابر في القرى. والمفروض أن يخصص مكان للأموات، ويسور عليه، ثم إن امتلأ خصص مكان آخر لها، وهكذا.

ما يقول من مر على القبور وزارها

ما يقول من مر على القبور وزارها قال المصنف رحمه الله تعالى: [ويقول إذا مرَّ بها أو زارها ما رواه مسلم: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقول قائلهم: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله العظيم لنا ولكم العافية)]. ومن الدروس المستفادة من هذا الدعاء: أولاً: ينبغي أن يكون الدعاء لنفسك، كما في قوله: (نسأل الله لنا ولكم). فحينما تدعو فادع أولاً لنفسك. ثانياً: قوله: (السلام عليكم)، فيه دليل على أن الميت يسمع. والذين قالوا بعدم سماع الموتى قد يقصدون بالسماع غير ما نقصد؛ لأن السماع في القرآن الكريم ينقسم إلى ثلاثة أقسام: - سمع بمعنى استماع الصوت، كما في قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة:1]. فمعنى سمع هنا: سمع صوتها. - وسمع بمعنى الإجابة، مثل قول المصلي بعد الاعتدال من الركوع: سمع الله لمن حمده، أي: استجاب الله لمن حمده، وكقول الكفار كما في سورة الملك: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك:10]، والكفار الآن يسمعون عبر الأقمار الصناعية، وإنما نفوا عن أنفسهم سماع الإجابة، فهم سمعوا ولكن ما استجابوا، فكأنهم لم يسمعوا. - وسمع بمعنى الفهم، كقوله تعالى في سورة البقرة: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاءً وَنِدَاءً} [البقرة:171]. فالله يضرب مثلاً للكافر الذي لم يستجب لأمر الله بأن حاله كحال الحمار، فالحمار حينما تقول له أي كلمة فإنه لا يفهم الكلام، بل يدرك الصوت فقط، ولا يدرك المقصود من ذلك، ولا يقدر على ترجمة الكلام. فهو يسمع الصوت ولكن لا يفهم معناه، فربما سمع الإنسان الصوت، وربما استجاب له، ولكنه لم يفهم. وكمثل لو خاطبك رجل باللغة الألمانية وأنت لا تعرف اللغة الألمانية فإنك تدرك الصوت وتسمعه، ولكنك لا تفهم ما يقول. فقد يكون مقصود من قال بعدم سماع الميت: أن السمع المنفي عنه سمع الإجابة وليس سمع الإدراك؛ لأن الميت يسمع قرع نعال أصحابه بعد انصرافهم من دفنه، وهذا في البخاري. وبعض العلماء قال: لا يسمع إلا أصوات النعال فقط. ولكن مقصود الحديث الإشارة إلى أنه يسمع، ويدرك الصوت. وفي قوله: (السلام عليكم) الكاف هنا للخطاب، ولو كان الميت لا يسمع لكان من الأولى أن نقول لهم: السلام عليهم؛ لأنهم غائبون عنا ولا يدركون، فقول: (السلام عليكم) فيه إلقاء السلام على المخاطب، فالميت يسمع الصوت، ولكنه لا يملك الإجابة. وقال تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر:22]. معنى هذه الآية: أن حال الكفار حينما سمعوا دعوتك يا محمد ولم يستجيبوا لك كحال الأموات حينما يسمعون من يناديهم ولا يستجيبون. فالموتى يسمعون ويدركون الصوت. وأما القول بأن الموتى لا يسمعون ففيه تحجر ومراد قائله أن يسدوا ذريعة الذين يطوفون حول القبور وينادون أصحابها، فقالوا: الموتى لا يسمعون. فالأدلة على سماعهم واضحة، ونحن نقول بسماعهم، ولكنهم لا يملكون شيئاً لأنفسهم. ولما جمع النبي عليه الصلاة والسلام أهل بدر من المشركين في القليب نادى عليهم: (يا شيبة بن ربيعة! يا عتبة بن ربيعة! يا أبا جهل! هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقاً. فقال عمر: يا رسول الله! أتنادي على أجساد قد أرمت؟! قال: والله يا عمر! ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، غير أنهم لا يستجيبون). فأثبت لهم سماع الصوت، ونفى عنهم الإجابة. وهناك من العلماء من يقول بخصوص هذه القصة، ونحن نقول: الأصل العموم. وفي قوله: السلام عليكم، الكاف هنا للخطاب، والمخاطبون هم الموتى. وحينما آمرك أن تلقي السلام على من لا يسمع فهذا عبث، وإنما أقول لك: قل: السلام عليهم؛ باعتبار أنهم غائبون عنك. والحديث في البخاري: (الميت يسمع قرع نعال أصحابه إذا انصرفوا). ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذا كلام قال فيه بسماع الموتى. نسأل الله العظيم لنا ولكم العافية.

إهداء الثواب للميت

إهداء الثواب للميت قال المصنف رحمه الله: [وأي قربة فعلها وجعل ثوابها للميت المسلم نفعه ذلك، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} [الحشر:10]. وقال تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد:19]. وروى أبو داود أن رجلاً قال للرسول صلى الله عليه وسلم: (إن أمي توفيت، أفينفعها إن قضيت عنها؟ قال: نعم). وقال عليه الصلاة والسلام للمرأة التي قالت: (يا رسول الله! إن فريضة الله في الحج قد أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت قاضيته؟ قالت: نعم، قال: فدين الله أحق بالقضاء). وأما قراءة القرآن وإهداء ثوابه للميت فالإجماع واقع على فعله من غير نكير]. أي: المذهب على أن قراءة القرآن يصل ثوابها للميت من وليه أو من أحد الصالحين، لكن لا يعني ذلك القراءة على القبر، بل المقصود بذلك القربات التي تصل إلى الأموات، وهذا الأمر مهم جداً. وهذا الكلام في المذهب الحنبلي من كتاب ابن قدامة المقدسي، ولو أن هذه المسألة قد تواجه بالرفض من كثير من إخواننا؛ لأن المعتاد عندنا القول بأن قراءة القرآن لا تصل، ولا يفهم من كلام المصنف أن يستأجر قارئاً، أو أن يقرأ على القبور، فهاتان المسألتان لا تجوزان. ولكن يقرأ الإنسان بنفسه، ثم يهدي ثواب ما قرأ لأخيه المتوفى. فقراءة القرآن كسائر الأعمال، وكما أنه يعذب على الأشياء السيئة، فكذلك يؤجر على الأعمال الصالحة، وممن رجح هذا صاحب المغني، ومن العلماء من رأى أن هذا توسع في القياس؛ لأن ما يصل إلى الميت لا بد أن يكون عليه دليل، والحج جاء فيه. والنص الصريح، (أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت قاضيته؟ قالت: نعم، قال: فدين الله أحق بالقضاء). لكن بشرط أن يكون من يحج عنه قد حج عن نفسه. والمفروض أنه إذا مات الميت ولم يحج أن يقتطع من أصول تركته مبلغاً من المال ليحج أحد الورثة عنه؛ لأن هذا دين على التركة، والآن توزع التركة دون أن ينظر هل حج أو لم يحج، والأصل أنه ما دام أنه لم يحج فلا بد أن يحج عنه أحد الورثة. وإن لم يكن هناك ولي قادر على الحج فيستأجر أحد الناس الذين قد حجوا من غير الأولياء؛ ليحج عنه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة فقال: من شبرمة؟ قال: رجل أحج عنه يا رسول الله! فقال: أحججت عن نفسك؟ قال: لا، قال: حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة. فالحج عن الميت يجوز، والصيام عن الميت فيه خلاف، وأما صيام النذر فلا خلاف فيه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من مات وعليه صوم نذر صام عنه وليه) وأما صيام رمضان فأرجح الأقوال أن تطعم عن كل يوم مسكيناً إن مات وقد أفطر أياماً منه. هذا هو الوارد. وأعمال الصدقة الجارية كماء السبيل أو المصحف كل هذا يصل إلى الميت، وأما قراءة القرآن فالخلاف فيه شديد، والبحث مطلوب فيه.

الأسئلة

الأسئلة

حكم إهداء ثواب قراءة القرآن للميت

حكم إهداء ثواب قراءة القرآن للميت Q هل تصل قراءة القرآن إلى الميت من وليه أو من غيره أم لا تصل؟ A اجمع أقوال الحنابلة والشافعية والمالكية والأحناف وابن تيمية وكل علماء الأمة ثم رجح وانظر في المسألة، فـ ابن قدامة يقول هنا: (وأما قراءة القرآن وإهداء ثوابه للميت فالإجماع واقع على فعله من غير نكير). وفي قول ابن قدامة: (الإجماع واقع) تحتاج إلى تحقيق أيضاً، فينظر هل فيها إجماع فعلاً أم لا؟ لا أن نقرأ ونسلم بما نقرأ، وهو لا يقصد بقوله: (الإجماع واقع) إجماع علماء المذهب، وإنما إجماع الأمة. والدعاء يصل إلى الميت، والمذهب يقول: إن القرآن من جنس الدعاء، {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} [الحشر:10]. فحقق المسألة، ولا تنتصر لرأي، ومن القربات التي ينتفع بها الميت بعد موته الحج والصوم، ولو أن رجلاً يصلي ويواظب على الصلاة، فدخل في غيبوبة الموت يومين أو ثلاثة فلم يصل ومات جاز لوليه أن يقضي عنه تلك الصلوات، وأما إذا ترك الصلاة متعمداً فهذا لا يجوز الصلاة عنه قولاً واحداً. ومن الكتب التي اعتنت ببحث هذه المسألة: كتاب المغني، والمجموع للنووي، ونصب الراية للزيلعي، والقبس في شرح موطأ مالك بن أنس، فابحث في أمهات كتب الفقه هاتين المسألتين: المسألة الأولى: مسألة قراءة القرآن وإهداء ثوابها للميت. المسألة الثانية: رجل ترك صلوات لعذر مرضي مع أنه كان يحافظ عليها هل يصلي عنه الولي أم لا يصلي تلك الفروض؟ والإجماع بعد عصر الصحابة متعذر، قال أحمد بن حنبل: الإجماع بعد عصر الصحابة لا يوجد، ولكن قل: لا أعلم مخالفاً. وهذا من الدقة في الكلام، فعندما تدعي إجماع الأمة هل ذهبت إلى سنغافورة وآسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية حتى حصلت على إجماع الأمة، بل قل: لا أعلم مخالفاً، والصحابة لما كانوا في المدينة كان يمكن حصر الآراء، ولكن بعد اتساع الرقعة الإسلامية تعذر معرفة الآراء، فيقول: لا أعلم مخالفاً، وقد قال الإمام أحمد: تعذر الإجماع بعد عصر الصحابة.

عذاب القبر للروح والجسد

عذاب القبر للروح والجسد Q هل عذاب القبر للروح أم للجسد أم لهما معاً؟ A سئل ابن عباس هذا السؤال فقال: أرأيت لو أن رجلاً كسيحاً مع رجل أعمى دخلا إلى حديقة لسرقة ثمرتها، فالكسيح يرى لكنه لا يقدر، والأعمى يقدر لكنه لا يرى، فقال الكسيح للأعمى: لو أنك حملتني على رقبتك لقطفت وأعطيك وأكلنا جميعاً، فالعقوبة والإثم لكليهما معاً؛ لأنهما شركاء، قال ابن عباس رضي الله عنهما: فالجسد مطية الروح، والروح تركب الجسد، فإذا ارتكب الإنسان إثماً فإنما يرتكبه بالروح والجسد معاً، فعذاب القبر لهما معاً. هذا كلام ابن عباس وهو ما عليه جمهور الأمة.

حكم صلاة المرأة إذا غطت وجهها أو يديها

حكم صلاة المرأة إذا غطت وجهها أو يديها Q هل يجوز للمرأة أن تصلي وهي ساترة لوجهها أو ليديها؟ A لا يجوز، بل على المرأة أن تكشف الوجه والكفين في الصلاة، فهي مأمورة بكشف الوجه والكفين وهي تصلي.

الكلام الحسن وترك الكلام البذيء

الكلام الحسن وترك الكلام البذيء Q أنا وزوجي ملتزمان، وهو يشتمني بألفاظ بذيئة، حتى ولو غلط الأولاد بلا ذنب مني، فأرجو منك أن تسمعه هل هذا حلال أم حرام؟ A كيف يكون هذا ملتزماً وهو يتلفظ بألفاظ بذيئة هذا التزام صوري وهمي شكلي فقط، صناعة وتقليد؛ لأن الالتزام {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} [البقرة:83]. ولم يقل: وقولوا للمؤمنين، بل قال: وقولوا للناس، حتى الكافر حتى البذيء، وإن شتمك البذيء فـ {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ} [المؤمنون:96]. وكل إناء بما فيه ينضح. وقال رجل للأحنف بن قيس: إن قلت كلمة فستسمع سبعين، فقال الأحنف له: وأنت إن قلت سبعين فلن تسمع كلمة. فلا يجوز أن تنزل إلى هذا المستوى أيها الأخ في الله! واحفظ لسانك، (ليس المؤمن بالبذيء ولا السباب ولا اللعان).

معنى السائمة

معنى السائمة Q ما المقصود بالسائمة؟ A المقصود بالسائمة الأنعام، سواء كانت إبلاً أو بقراً أو غنماً، وهي: التي ترعى في الكلأ المباح أغلب الحول، وأما رجل اقتنى غنماً وعلفها فهذه لا تسمى سائمة، فالسائمة هي التي ترعى في الكلأ المباح أغلب الحول، يعني: ترعى بدون مقابل، بل تطلقها فتأكل بدون مقابل.

حكم خلع الحذاء لمن دخل المقابر

حكم خلع الحذاء لمن دخل المقابر Q ما حكم خلع الحذاء أثناء دخول المقابر؟ A أورد البخاري والحافظ ابن حجر في الفتح أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً عند دخول المقابر أن يخلع النعلين، وقد حمل بعض العلماء هذا على إطلاقه، وحمله بعضهم على أن هذا النعل كان مؤذياً نعلاً سبتياً. وفي البخاري: (إن الميت يسمع قرع نعال أصحابه)، وهذا يفيد أن الأصل لبس النعل، والراجح أنه إذا لم يكن النعل مؤذياً فإنه يلبس؛ لأن الميت يسمع قرع نعال أصحابه، فأثبت لباس النعل.

حكم قراءة القرآن على القبور

حكم قراءة القرآن على القبور Q ما قولك فيمن يستدل بحديث: (اقرءوا القرآن في بيوتكم ولا تجعلوا بيوتكم قبوراً) على أنه لا مانع من قراءة القرآن في القبور؟ A القرآن لا يقرأ في القبور قولاً واحداً، وإنما معنى قوله: (لا تجعلوا بيوتكم كالقبور) أن القبور لا يصلى فيها، فينبغي أن تصلوا في بيوتكم، وكذلك اقرءوا فيها القرآن؛ لأن القبور لا يقرأ فيها القرآن.

صلاة الغائب على من لم يصل عليه

صلاة الغائب على من لم يصل عليه Q لي صديق مسلم أسلم في مصر، ثم مات في بلد بعيد ولم يكفن ولم يصل عليه أحد، ودفن في المقبرة، فهل يجوز أن أصلي عليه؟ A نعم، يمكنك أن تصلي عليه الآن صلاة الغائب؛ لأنه لم يصل عليه هناك.

حكم صلاة الجمعة لمن لم يدرك منها إلا التشهد فقط

حكم صلاة الجمعة لمن لم يدرك منها إلا التشهد فقط Q ما حكم من أدرك التشهد في صلاة الجمعة، نرجو التفصيل؟ A من أدرك من الجمعة التشهد فقط فلا يصلي جمعة، وإنما يصلي ظهراًَ.

حكم دخول المسجد لمن شرب السجائر

حكم دخول المسجد لمن شرب السجائر Q هل شرب السجائر ينقض الوضوء؟ A لا، ولكن من شرب السجائر بعد الوضوء لا يجوز له أن يدخل المسجد؛ لأن في الحديث: (من أكل ثوماً أو بصلاً أو كراثاً فلا يقربن مسجدنا). والحديث في البخاري. فإذا كان قد نهى عن دخول المسجد لرائحة فم من أكل الثوم والبصل والكراث فرائحة السجائر أشد منها.

حكم صلاة من يحمل السجائر أثناء الصلاة، ونصيحة لمن ابتلي بشربها

حكم صلاة من يحمل السجائر أثناء الصلاة، ونصيحة لمن ابتلي بشربها Q نرجو النصح لمن ابتلوا بشرب الدخان، وما حكم صلاة من حمل السجائر في جيبه أثناء الصلاة؟ A صلاته صحيحة، لكن أقول: هل رأيتم رجلاً عاقلاً يخرج من جيبه عشر جنيهات ويشعل فيها ناراً، والذي ينفق الأموال على السجائر فإنما يحطم صحته، ويجلب الأمراض لنفسه، ويبذر فيما لا يرضي الله، وهناك من يدخن كل يوم علبتين (مالبورا) بأربعة عشر جنيهاً، أي: أنه يدخن في الشهر بأربعمائة وعشرين جنيهاً، وفي السنة بستة آلاف جنيه تقريباً، وكم ينفق على السجائر في العالم؟! والعجيب أنك تجد المصنع يكتب على العلبة: التدخين ضار بالصحة، ويسبب الموت، ثم يقول قائل: هي مكروهة، وإن كانت حراماً فنحن نحرقها، وإن كانت حلالاً فنحن نشربها. وهذا قد زين له الشيطان سوء عمله. فقلت له: إن كنت صادقاً فيما تقول فقل عند شربك للدخان: باسم الله، وبعد انتهائك قل: الحمد لله. فهي من الخبائث المحرمة.

حكم الصلاة في المقبرة

حكم الصلاة في المقبرة Q ما حكم الصلاة في المقبرة؟ A لا يجوز، الصلاة في المقبرة لا تجوز إلا صلاة الجنازة.

بعض مخالفات الصوفية

بعض مخالفات الصوفية Q هل تجوز الصلاة على المتصوف المتشدد في تصوفه وتشييع جنازته؟ A التصوف وباء على هذه الأمة، وهو صنو التشيع، وهو صناعة يهودية، أتى به عبد الله بن سبأ، وأرباب التصوف يرددون ما لا يعرفون كـ ابن عربي والحلاج والبسطامي والتلمساني الفاجر، ولهم ألفاظ كفرية، وهذا التصوف الفلسفي كفر وردة، وكثير من المتصوفة يردد عبارة: (العلم اللدني) و (العلم الباطن)؛ لدرجة أن هناك طبيباً وينتمي إلى الطريقة الدندراوية رحل إلى الصعيد وقال لزملائه: أحرقوا البخاري، لأن البخاري أورد حديثاً أن النبي صلى الله عليه وسلم سحر، وهل يصدق أحد أن النبي صلى الله عليه وسلم سحر؟ ومن البخاري أو مسلم أو ابن كثير أو غيرهم؟ فلا حاجة لنا إلى العلماء، فعندنا العلم اللدني، فهو مصدر العلم. ويقولون: إنما يؤخذ العلم من شيخ يتلقى العلم اللدني الذي هو علم الباطن، ويقولون: بأن الخضر عليه السلام يجلس معهم، ويعلمهم الأوراد والأذكار، حتى أن بعض الطرق ولعلها الطريقة البرهانية في السودان لها فيه ألفاظ سريانية، مثل (كدٍ كدٍ كدرد هيهات، نووا نووا عما نووا نو نو)، ويقولون: لا تعترض على هذا، فهذا الشيخ جاء به من شيخه وهذا مصيبة كبيرة للغاية. وفي موالدهم تجد المرأة بجوار الرجل، ويقول: أختي في الله! ويبيت معها بدون محرم. وأنا أعرف أحد هؤلاء أغلق على نفسه الحجرة ولا يخرج إلى جمعة ولا إلى جماعة، وإلى الآن لا زال في حجرته. فهؤلاء وباء على الأمة الإسلامية. ويوم أن دخلت فرنسا إلى الجزائر قام شيخ الطريقة التيجانية وقال: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً} [الأحزاب:38]. وقال: رأيت جنرال فرنسا يدخل البلاد، فسلموا له. فبسبب أنه رأى في المنام أن البلاد احتلت لم يجوز الجهاد. ولذلك تجد النفخ في هذه الطرق؛ لأنها تنزع من الإسلام روح الجهاد، فالجهاد عندهم مسبحة، وسبح ألف مرة فتكون من المجاهدين. ومن العجب العجاب أن كل شيخ له ورد، ولا يوجد عنهم أي ورد للنبي صلى الله عليه وسلم؟ وعندهم أنه لا يجوز للمريد أن يعترض على شيخه، وإذا دخلت إلى شيخك فاخلع عقلك عند الباب كما تخلع الحذاء، وكن بين يدي شيخك كالميت بين يدي المغسل، ولا تتكلم بشيء وإلا انطردت من الحضرة، ويقولون: لا تعترض فتنطرد، فعقول مريديهم في النعال، وهذا ما يريدونه، وهي مصيبة كبيرة. ولذلك تفتح لهم الإذاعات المقروءة والمسموعة والمرئية والاحتفالات؛ لأن الجهاد عندهم تمتمة بالأذكار فقط، فضلاً عن العلم الباطن والعلم اللدني، وابن عربي يقول في فصوص الحكم: والولي عندنا في منزلة أعلى من النبي، ثم يقول: مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولي وفويق الرسول يعني: النبي أعلى من الرسول، ودون الولي يعني: النبي في درجة أدنى من الولي، ودليله على ذلك: أن موسى نبي، والخضر ولي، والنبي قد تعلم من الولي، والولاية تخضع لنظرية الحقيقة المحمدية، وهي أن الله قبض قبضة من نور ذاته، ثم أودعها الملائكة، ثم انتقلت إلى الأنبياء، فكلما حلت في رجل صار نبياً، وبعد أن انتهت النبوة انتقلت من ظهر الأنبياء إلى ظهر الأولياء، فلا تحل إلا في ولي، إلى غير ذلك من الأمور العجيبة. حتى أن بعضهم أسقط الفرائض عن نفسه، {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99]، واليقين عندهم يعني: بلوغ كشف الحُجُب. والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم في مرض موته يصلي، وهم يقولون: رفعت عنا الصلاة؛ لأننا بلغنا منزلة اليقين. وللأسف الشديد عندنا الآن أكثر من ثلاثة آلاف طريقة، وكل طريقة لها شيخ ورمز وعلم ولهم أتباع. حتى أن بعض هؤلاء قال لي: إن زوجتي تعرفت على أحد هؤلاء وقال لها: عندي لك رسالة من حضرة النبي بأنك ولية من أولياء الله، فأعطته ذهبها، وذهبت معه يختلي بها دون زوجها وهو لا يحل لها، وكل ليلة يقول لها: سيدنا النبي جاء ويسلم عليك. ورجل تقاعد من القوات المسلحة وأعطي ستين ألف جنيه، ثم انتمى إلى إحدى هذه الطرق، فكانوا كل ليلة يأتون عنده ليسكروا وينتعشوا ويقيمون الحضرة، ثم بعد ذلك يأكلون ما لذ وطاب، ومع آخر جنيه من الستين ألفاً قال لهم: اخرجوا خربتم بيتي. وهم ليس عندهم علم، ولا يعرفون تحقيق الأحاديث، ولا أحكام القرآن، ولا التخريج من مظان الكتب، ولا البحث العلمي، ويقولون في طلبة العلم أو في أهل السنة: أنتم لكم علم الورق ونحن لنا علم الخرق. وقيل لرجل من كبار هؤلاء: ألا ترحل لتسمع الحديث من صاحب المصنف عبد الرزاق في أرض اليمن؟ قال: وما يصنع بالسماع من عبد الرزاق من يتلقى من الخلاق؟ وهذا هو طريق التخبط بعينه، فإياك إياك! وعليك بالكتاب والسنة! عض عليهما بالنواجذ، وعليك بمنهج السلف الصالح، وإياك وفرق الضلال! وإياك والحزبية! وإياك أن تنتمي لجماعة؛

حكم العمليات الاستشهادية

حكم العمليات الاستشهادية Q ما حكم العمليات التي تتم في فلسطين؟ A هي عمليات استشهادية، ويخطئ من يسميها انتحارية، فليتق الله في نفسه، وليجلس في بيته، ولينم قرير العين، وليترك هؤلاء يجاهدون عن عرض الأمة. والله تعالى أعلم.

العدة شرح العمدة [27]

العدة شرح العمدة [27] ندب الإسلام المسلم إلى إخراج الطيب من الصدقة، وكره له إخراج الخبيث منها، فلا يخرج العوراء والهرمة ونحوها، وقد بين الإسلام زكاة السائمة، وشروط الخلطة الصحيحة، وما الذي يخرج في زكاة الأنعام.

الأصناف التي لا تؤخذ في الصدقة

الأصناف التي لا تؤخذ في الصدقة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فلا زلنا مع كتاب العدة وفي كتاب الزكاة، قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولا يؤخذ في الصدقة تيس ولا ذات عوار ولا هرمة ولا الرَّبيُّ ولا الماخض ولا الأكولة، ولا يؤخذ شرار المال ولا كرائمه إلا أن يتبرع به أرباب المال]. وقبل بيان هذه الأصناف التي لا يجوز إخراج الزكاة منها، توعد الله عز وجل صاحب الإبل، أو صاحب البقر، أو صاحب الغنم، أو صاحب الذهب، أو صاحب الفضة بالعذاب إن قصر في إخراج زكاتها، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة:34 - 35]. وجاء في البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي زكاة ماله إلا بعث الله له يوم القيامة ثعباناً يأخذ بشدقية ويقول: أنا مالك أنا كنزك)، فإياك يا عبد الله أن تبخل على ربك عز وجل. وأما الأصناف التي لا يجوز إخراج الزكاة منها: أولاً: التيس، وهو فحل الغنم، كما أن فحل الضأن يسمى خروفاً، وفحل الإبل يسمى جملاً، وفحل البقر يسمى ثوراً، فلكل صنف من الأنعام فحل. ثانياً: الهرمة، أي: المسنة، فلا يأخذ صاحب الزكاة أجود وأفضل المال، ولا يأخذ أردى وأقبح المال، بل يأخذ من أوسطها. ثالثاً: العوراء، أي: المعيبة، لقوله سبحانه: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} [البقرة:267]]، أي: لا تقصدوا الخبيث من الزكاة، بل أنفق مما تحب، قال تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:92]، فلا بد أن تجعل لله ما تحب، وإياك أن تبحث عن الأنواع الرديئة، فتجعل لله ما تكره. قال الشارح: وروى أنس في كتاب الصدقات: (ولا يجزئ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس). رابعاً: الرَّبيُّ، وهي التي تربي ولدها، لأجل ولدها، كالأم التي تربي أولادها. خامساً: الماخض، وهي الحامل التي حان ولادها. سادساً: الأكولة، وهي السمينة. سابعاً: شرار المال وكرائمه، أي: أسوأه وأحسنه، لحديث معاذ: (إياك وكرائم أموالهم)، فإذا جاء جامع الزكاة إلى صاحب المال، قسم صاحب المال ماله إلى ثلاث: خيار، وشرار، ووسط، فيأخذ جامع الزكاة من الوسط، ويجتنب الأصناف الأولى التي ذكرناها. ثم قال رحمه الله تعالى: [إلا أن يتبرعوا به]، يعني: أن صاحب المال إذا تبرع بالخيار جاز أخذه، كأن يعطي (حقة)، والواجب في حقه (بنت مخاض)؛ لأن المنع من أخذه لحقّه فجاز برضاه، كما لو دفع فرضين مكان فرض، كأن يلزمه بنت مخاض فأخرج بنتين.

ما الذي يخرج من زكاة الأنعام

ما الذي يخرج من زكاة الأنعام قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولا يخرج إلا الأنثى الصحيحة]، أي: شاة، [إلا في ثلاثين من البقر]، أي: تبيعة أو تبيع، فيجوز في البقر أن تخرج ذكراً أو أنثى، لكن الأصل أن تخرج أنثى؛ لأنها تحمل لحمل أكثر من الذكر. ثم قال: [وابن لبون مكان بنت مخاض إذا عدمها]، يعني: إذا انعدمت بنت المخاض عنده جاز له أن يخرج ابن لبون عنها. قال: [إلا أن تكون ماشية كلها ذكور فيجزئ واحدة منها]، لأن الزكاة وجبت مواساة، والمواساة إنما تكون بجنس المال. قال: [ولا يخرج إلا جذعة من الضأن أو ثنية من المعز]، والثنية من المعز ما لها سنة، والجذعة من الضأن ما لها ستة أشهر، بخلاف جذعة المعز في الأضحية فلا تجزئ، ولذا قال الشارح: [ولأن جذعة الضأن تجزئ من الأضحية بخلاف جذعة المعز، بدليل قوله عليه الصلاة والسلام لـ أبي بردة: (تجزئك ولا تجزئ عن أحد بعدك). ثم قال المصنف رحمه الله تعالى: [إلا أن يختار رب المال إخراج سن أعلى من الواجب، فله ذلك؛ لما روى أبو داود عن أبي بن كعب: أن رجلاً قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله! أتاني رسولك ليأخذ مني صدقة مالي، فزعم أن مالي فيه بنت مخاض فعرضت عليه ناقةً فتية سمينة، فقال له صلى الله عليه وسلم: (ذلك الذي وجبت عليك، فإن تطوعت بخير آجرك الله فيه وقبلناه منك)، فقال: ها هي ذه يا رسول الله! فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقبضها ودعا له بالبركة. ثم قال: [أو تكون ماشيته كلها صغاراً فيخرج صغيرة]، يعني: ليس عنده إلا هذا السن فيجزئ عنه؛ لأن الزكاة من جنس المال فتجزئ. فال الشارح: [ويتصور ذلك إذا كان عنده نصاب كبار فأبدلها بصغار في أثناء الحول، أو تولدت الكبار ثم ماتت وحال الحول على الصغار فيجوز إخراج الصغيرة، لقول أبي بكر رضي الله عنه: لو منعوني عناقاً -وهو صغير السن- كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليها"، ولا تؤدى العناق إلا عن الصغار. ]. قال رحمه الله: [وإن كان فيها صحاح ومراض وذكور وإناث أخرج صحيحة كبيرة على قدر المالين]؛ لأن الزكاة مواساة فيجب أن تكون من رأس المال. ثم قال: [فإن كان فيها بخاتي وعراب، وبقر وجواميس، ومعز وضأن، وكرام ولئام، وسمان ومهازيل، أخذت الفريضة من أحدهما]، أي: من أوسطهما، فلا يأخذ من صنف ويترك صنفاً، بل يراعي أن يأخذ من كل الأصناف.

زكاة السائمة

زكاة السائمة ثم أخذ المصنف في بيان زكاة السائمة، ولأهميتها يسميها الفقهاء بـ (الخلطة)، فهل تؤثر الخلطة في زكاة غير السائمة؟ الجمهور: لا، فلو أن شريكاً دفع خمسين ألفاً، والشريك الآخر كذلك، ثم في نهاية السنة عملا جرداً لبضاعتهم، فخرج نصاب أحدهم كذا، ونصاب الآخر كذا، فهل يجزئ أن يخرج أحدهم الزكاة عنهم الاثنين؟ لا، بل لا بد أن يخرج كل واحد زكاة نصابه إذا حال عليه الحول، وهذا ما يسمى بـ (عدم اعتبار الخلطة). وأما في السائمة فالخلطة تؤثر، فلو أن رجلاً عنده عشرين شاة، والآخر كذلك، فإن قلنا: بعدم الاختلاط، فلا زكاة على أحدهما، ولو قلنا: بالخلطة، فتجب عليهما الزكاة، وهي شاة وهنا نشرع في شروط الخلطة الصحيحة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن اختلط جماعة في نصاب من السائمة حولاً كاملاً]، أي: لا بد أن تكون الخلطة في كل الحول، قال: (وكان مرعاهم وفحلهم ومبيتهم ومحلبهم ومشربهم واحداً)، أي: أن ترعى مع بعضها البعض، وفحلهم ومبيتهم ومحلبهم ومشربهم واحد، ثم قال: [فحكم زكاتها حكم زكاة الواحد]. قال الشارح: [سواءً كانت خلطة أعيان بأن تكون مشاعاً بينهما، أو خلطة أوصاف بأن يكون مال كل واحد منهما متميزاً فخلطاه واشتركا في المراح والمسرح والمحلب والمشرب والراعي والفحل، فإن اختل شرط منها أو ثبت لهما حكم الإنفراد في بعض الحول زكيا زكاة المنفردين فيه]. فلو أن فحل غنم شخص يختلف عن فحل غنم شخص آخر، فلا تجب الزكاة؛ لأن من شروط الزكاة أن يشترك في الفحل والمرعى والمبيت والمحلب والمشرب، أي: خلطة كاملة. ثم قال الشارح: [فإذا اختل شرط منها أو ثبت لهما حكم الإنفراد في بعض الحول زكيا زكاة المنفردين فيه، الأصل في الخلطة ما روى أنس في حديث الصدقات: (ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة) "]. مثال ذلك: لو أن رجلاً يملك أربعين من الغنم، ثم جاء في نصف الحول وقسمها إلى نصفين: نصف في الشرقية، وآخر في الدقهلية؛ حتى يهرب من الزكاة، فإنه لا عبرة أبداً بهذه الفرقة.

شروط الخلطة

شروط الخلطة قال الشارح: [ويعتبر للخلطة شروط أربعة: الأول: أن يكون الخليطان من أهل الزكاة]، أي: بين مسلم ومسلم، لا بين مسلم ونصراني مثلاً، ولذا قال: [فإن كان أحدهما مكاتباً أو ذمياً فلا أثر لخلطته؛ لأنه لا زكاة في ماله فلم يكمل النصاب به]. قوله: (مكاتباً)، المكاتب: هو العبد الذي كاتب سيده على مبلغ من المال مقابل أن يعتقه. [الثاني: أن يختلطا في نصاب]، أي: لا بد أن يبلغا النصاب سوياً، [فإن كان دونه مثل ثلاثين شاة لم تؤثر الخلطة، سواء كان لهما سواه أو لم يكن؛ لأن المجتمع دون النصاب]. [الشرط الثالث: أن تكون الخلطة في السائمة فلا تؤثر في غيرها؛ لأن النص اختص بها]، يعني: أن لا تعتبر الخلطة إلا في السائمة فقط، وما عدا ذلك فلا، فلو أن امرأة عندها مائتان جرام من الذهب، وأختها كذلك، فجمعتا الكل، فإنه لا عبرة بهذه الخلطة، وإنما تجب على كل واحدة منهن الزكاة منفردة إذا حال عليها الحول. وكذلك: إذا كانت إحداهن تملك خمسين جراماً من الذهب، والأخرى كذلك، ثم جمعتا الكل، فإنه لا زكاة على أي منهما؛ لأن كل واحدة منهن ملكن أقل من النصاب. [الرابع: أن يختلطا في ستة أشياء لا يتميز أحدهما عن صاحبه فيها وهي: المسرح، والمشرب، والمحلب، والمراح، والراعي، والفحل]؛ لما روى الدارقطني بإسناده عن سعد بن أبي وقاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة)، والخليطان: ما اجتمعا في الحوض والفحل والراعي، نص على هذه الثلاثة فنبه على سائرها، ولأنه إذا تميز كل مال بشيء مما ذكرنا لم يصيرا كمال الواحد في المؤنة]. [الخامس: أن يختلطا في جميع الحول، فإن ثبت لهما حكم الانفراد في بعضه زكيا زكاة المنفردين فيه؛ لأن الخلطة معنى يتعلق به إيجاب الزكاة فاعتبرت في جميع الحول كالنصاب]. قال: [وإذا أخرج الفرض من مال أحدهم رجع على خلطائه بحصصهم منه، لقوله صلى الله عليه وسلم: (وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية)، رواه أنس في حديث الصدقات]. قال: [ولا تؤثر الخلطة في غير السائمة، وعنه - عن أحمد - تؤثر في شركة الأعيان؛ لعموم الخبر، ولأنه تجب فيه الزكاة فأثرت فيه الخلطة كالسائمة، ودليل الأولى قوله: (الخليطان ما اجتمعا على الحوض والراعي والفحل) رواه الدارقطني، وهذا مفسر للخلطة شرعا فيجب تقديمه؛ ولأن الخلطة في السائمة أثرت في الضرر كتأثيرها في النفع، وفي غيرها لا تؤثر في النفع لعدم الوقص فيها، وقوله عليه السلام: (لا يجمع بين متفرق خشية الصدقة)، دليل على اختصاص ذلك بالسائمة التي تقل الصدقة بجمعها لأجل الأوقاص بخلاف غيرها].

الأسئلة

الأسئلة

حكم من مات في مرضه وعليه أيام لم يصلها

حكم من مات في مرضه وعليه أيام لم يصلها Q رجل مريض دخل في غيبوبة الموت، فترك الصلاة أياماً ثم مات، فهل يجوز لوليه أن يصلي عنه؟ A نعم، وهذا رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى؛ لأنه ما تمكن من أداء الصلاة، فيجوز لوليه أن يصلي عنه، وهذا من باب الإحسان، والله تعالى أعلم.

حكم افتتاح عقد الزواج بالقرآن

حكم افتتاح عقد الزواج بالقرآن Q هل من السنة أن يفتتح عقد الزواج وغيرها من الاحتفالات المشروعة بالقرآن الكريم؟ A ليس من السنة أن نبدأ عقد الزواج بقراءة القرآن، والله تعالى أعلم.

عدم وجود صيغة محددة لعقد الزواج

عدم وجود صيغة محددة لعقد الزواج Q هل يوجد صيغة محددة لعقد الزواج؟ A لم يحدد العلماء صيغة معينة لعقد الزواج، وإنما اشترطوا أن يكون فيها قبول وإيجاب، فيقول الموجب: زوجتك، أو أنكحتك ابنتي فلانة، والآخر يقول: قبلت.

حكم من حلف على امرأته بالطلاق قبل أن يبني بها

حكم من حلف على امرأته بالطلاق قبل أن يبني بها Q ما الحكم في رجل عقد على امرأة ولم يبنِ بها، ثم حلف على امرأته بالطلاق ولم تطعه، مع العلم أنه كان في ساعة غضب شديد، فهل يقع الطلاق؟ A يقع الطلاق، ولا تحل له إلا بعقد ومهر جديدين؛ لأنها غير مدخول بها، وليس لها عدة.

موعد أذان صلاة الفجر

موعد أذان صلاة الفجر Q بعض المساجد يؤذن فيها المؤذن لصلاة الفجر أذانين، ولكن بهذه الكيفية: يؤذن مع أذان الإذاعة، ثم بعد نحو ثلث ساعة يؤذن الأذان الثاني، فهل تطبيق هذه السنة بهذه الكيفية صحيحة؟ وهل معنى هذا أن التقويم المعمول به غير صحيح؟ A الذين يفعلون هذا عليهم أن يتقوا الله عز وجل، فبدلاً من أن يشككوا الناس في مواقيت الصلاة، عليهم أن يدعوا الناس في صلاة الفجر ويقوموا للصلاة هم، أما أن نزعزع الأوقات ونحدث فتنة فلا، ويكفي في دخول الوقت غلبة الظن، ثم لو كان الوقت خاطئاً فالإثم على من حدد لنا الوقت، ونحن غير خبراء في الأرصاد، فلماذا نكلف أنفسنا فوق طاقتها؟! ولماذا نحدث فتنة ونعمل مشكلة؟! الأمر الذي دفع الدكتور طه حبيش أن يكتب: شيطان الدعاة يتلاعب بوقت الصلاة، ثم لماذا نثير فتناً في المجتمع؟ اتركوا الكلام هذا حفظكم الله، وربع ساعة بعد الأذان الأول كافية، والإذاعة تبقى ربع ساعة ولا حرج، والتواشيح وقراءة القرآن والفاتحة لسيدنا فلان من البدع التي لا تجوز، ثم إنه ورد في الحديث عند البخاري: كنا نصلي بغلس، ونخرج ولا يعرفن النساء، أي: لم يزل الوقت ظلاماً، ولا ترى المرأة أختها من شدة الظلام. لذا فلا داع لمثل هذه الأمور التي تشغلنا عن أمور أهم، فنصير كالجدل البيزنطي الذي كان سبباً في احتلال مدينة من مدنهم، وهم يتجادلون في دم البعوضة، هل ينقض الوضوء أم لا؟! فتركوا العدو يحتل البلد وهم غارقون في إثارة أمور لا فائدة منها. ثم إنه قد اجتمع العلماء: الشيخ صفوت نور الدين والشيخ أبو إسحاق والشيخ محمد حسان ومجموعة من العلماء وأصدروا بياناً في مجلة التوحيد بأن وقت الفجر الحالي صادق ولا داع للتشكيك فيه. أيضاً الصحوة الإسلامية قد تأخرت مئات السنين بسبب سلوك بعض المنتسبين إليها، وأنا أقول هذا الكلام وأنا مسئول عنه، فسلوك البعض يؤخرنا سنوات، فيوم أن خرجت جماعة ترى تغيير المنكر باليد، ويوم أن ظهرت مسألة التكفير والقدح في الناس واتهام النيات، وتسفيه العلماء، ومسائل كثيرة أخرى، كلفت الأمة أموراً عظيمة. لذا أقول: يا عبد الله! عليك بأهل العلم، ولا تندفع بمفردك، فحماس الشباب يحتاج إلى ضبط، والله تعالى أعلم. وأنا بكلامي هذا لا أنتقد أحداً بعينه، ولا أقصد شيخاً معيناً، وإنما الكلام عام، ونحن نحب ونجل الجميع، والعلماء جميعاً فوق رؤوسنا. اللهم اغفر لنا ذنوبناً وإسرافنا في أمرنا، اللهم تقبل منا، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، آمين آمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

العدة شرح العمدة [28]

العدة شرح العمدة [28] الزكاة واجبة في كل حب وثمر يكال ويدخر ويبلغ نصاباً ويكون مملوكاً وقت إخراج الزكاة، والمعادن إذا بلغت النصاب وحال عليها الحول ففيها ربع العشر.

زكاة الخارج من الأرض

زكاة الخارج من الأرض الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنة، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر:3]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، والملأ الأعلى إلى يوم الدين. أما بعد: فلا زلنا مع كتاب الزكاة، وبعد أن انتهينا من زكاة الأنعام ببيان أقسامها الثلاثة: الإبل، والبقر، والغنم، وبينا الشروط الواجب توافرها، والأنصبة في كل قسم، شرعنا في زكاة الخارج من الأرض. وقد قسم المصنف الخارج من الأرض إلى قسمين: أحدهما: النبات، والآخر: المعدن.

زكاة النبات

زكاة النبات قال في القسم الأول رحمه الله تعالى: [فتجب الزكاة منه في كل حب وثمر يكال ويدخر] قد ذكرنا فيما مضى: أن الأحكام التكليفية خمسة: واجب، ومندوب، ومباح، ومحرم، ومكروه، والواجب هو الفرض عند جمهور العلماء، خلافاً للأحناف الذين فرقوا بين الفرض والواجب. لذا قال المصنف: (تجب الزكاة منه في كل حب وثمر يكال ويدخر)، وقد اشترط جمهور العلماء خمسة شروط -سأذكرها بعد قليل- لوجوب الزكاة في الزروع؛ لقوله سبحانه: {أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} [البقرة:267]، فقوله: ((ومما أخرجنا لكم من الأرض))، تبين أن الخارج من الأرض عليه زكاة، سواءً كان نباتاً أو كان معدناً، بينما الأحناف تمسكوا بظاهر الآية فقالوا: قوله: (ومما أخرجنا لكم من الأرض)، أي: كل ما خرج من الأرض فعليه زكاة، سواءً كان مما يدخر أو لا، وسواء كان مما يكال أو لا، وعليه فالقطن عليه زكاة عند الأحناف، وعند الجمهور ليس عليه زكاة؛ لأنه لا يكال ولا يدخر ولا يقتات، كذلك بالنسبة للفواكه، كالكمثرى والجوافة والمانجو وغيرها ليس عليها زكاة عند جمهور العلماء، وعند الأحناف تجب فيها الزكاة. وقال صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري: (فيما سقت السماء والعيون أو كان عثرياً العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر) أي: أن النبات الذي يسقى بماء السماء أو بالعيون ففيه العشر، لأنه لا يسبب لصاحب الزرع مشقة ولا جهد ولا عناء ولا نصب ولا تعب في السقيا، وكذلك النبات العثري، وهو: النبات الذي يمتص الماء من الأرض، فعنده قوة امتصاص. وأما النبات الذي يسقى بالنضح، أي: بجهد ومشقة، ففيه نصف العشر.

شروط زكاة النبات عند الجمهور

شروط زكاة النبات عند الجمهور وقبل أن نشرع في بيان هذه الشروط نضع سؤالاً فنقول: هل يشترط للزروع حول؟ و A لا، وإنما يؤدى حقها يوم حصادها، قال تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام:141]، بخلاف الأنعام السائمة، وعروض التجارة، والنقدين، فلابد فيها من الحول. قال الشارح: ولا تجب إلا بخمسة شروط: أحدها: أن يكون حباً أو ثمراً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا زكاة في ثمر ولا حب حتى يبلغ خمسة أوسق). الثاني: أن يكون مكيلاً -يعني: يكال- لتقديره بالأوسق، وهي مكاييل فيدل ذلك على اعتبارها، وللشيخ ابن باز رحمه الله تحقيق في ذلك، وزاد شيخ الإسلام ابن تيمية: ويوزن، أي: مما يكال أو يوزن. الثالث: أن يكون مما يدخر؛ لأن جميع ما اتفق على زكاته مدخر -وعليه فالفاكهة لا تدخر، والأرز والحنطة والقمح والذرة تدخر- ولأن غير المدخر لم تكمل ماليته لعدم التمكن من الانتفاع به في المال، أي: أن غير المدخر يؤكل في الحال، أما المدخر فينتفع به في المستقبل. الرابع: أن يبلغ نصاباً قدره بعد التصفية -أي: إزالة ما علق به من القشور- في الحبوب والجفاف في الثمار خمسة أوسق، وعليه فالعنب بعد جفافه فيه زكاة؛ لأنه تحول إلى زبيب، والزبيب مما يكال، وكذلك البلح بعد أن يتحول إلى تمر، فتستطيع أن تدخره وأن يكال، ثم قال: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة)، والوسق ستون صاعاً، حكاه ابن المنذر إجماعاً). أي: يعادل ما يقرب من ثمانية أقداح، وبالكيلو يعادل ما يقرب من اثنين وخمسين كيلو، والصاع أربعة أمداد. وعليه؛ فمن ملك هذا النصاب ففيه زكاة، فإن سقي بالسماء ففيه العشر، وإن سقي بالنضح ففيه نصف العشر، ويجب أن يتنبه إلى أن على المسلم أن يخرج الأحسن والأفضل من ماله؛ لقوله تعالى: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} [البقرة:267]، أي: لا تستبدلوا الرديء بالحسن، قال الشاعر: إن في القرآن آية ذكرها للقلب طب لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبوا لكن قضيتنا في الزكاة أننا استبدلناها بالمكوس. و (الضرائب) التي تسوي بين الغني والفقير، فلو أن رجلاً يملك الملايين، والآخر يملك القليل من المال، فإنهما يخضعان للضريبة بنفس الأعباء، وهذا هو قانون الضريبة الموحدة، فهذا يأخذ أعباء ثلاثة آلاف، والثاني كذلك! أيضاً: إن تأخر عن السداد فيلزمه هذا القانون بفائدة محرمة، عن تأخير شهر واحد 1%، بحيث تصبح في السنة 12%، فيكون معسراً وغير قادر على السداد، والأمر الذي دعا إلى الضحك والعجب: أن رجلاً اقترض من بنك الائتمان الزراعي مبلغ خمسين ألف جنيه، وتوقف عن السداد لمدة عشر سنوات، فوصلت الفائدة عليه إلى تسعين ألفاً، غير أصل المال الذي اقترضه! فقلت: يا قوم! إن الرجل عاجز عن سداد الأصل، وفوق ذلك أرهقتموه وكبلتموه بالفائدة، والله يقول: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280]، وبالتالي فأي قرض يزيد بمضي المدة يعتبر ربا، وأي عقد يقبل فيه صاحبه بالزيادة فهو ربا، كأن يشتري شقة من البنك، بشرط إن تأخر عن السداد في أول كل شهر يخضع للفائدة. ثم قال: (الشرط الخامس: أن يكون النصاب مملوكاً له وقت وجوب الزكاة، لقوله سبحانه: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} [المعارج:24]، فلا تجب فيما يكتسبه اللُّقاط، ولا ما يأخذه بحصاده، ولا ما يجتنيه من المباح كالبُطم والزعبل ونحوه). أي: لا بد أن يمتلك الزرع عند وجوب الزكاة، فلا تجب فيما يكتسبه اللقاط، لأنه امتلكها عند عدم وجوب الزكاة عليه، وكذلك النبات الذي يخرج دون سبب مباشر منه، والذي يسميه بعض الجهال بـ (النبات الشيطاني)، ولا ما يأخذه بحصاده، بمعنى: أنك إذا أعطيت رجلاً حباً أو ثمراً مقابل عمله، فلا تجب عليه الزكاة، وإنما تجب الزكاة على من يملك الثمرة على شجرتها. ثم قال: (ويجب العشر فيما سقي من السماء والسيوح، ونصف العشر فيما سقي بكلفة) -أي: بمشقة- للخبر في أول الباب).

وجوب الزكاة عند بدو الصلاح في الثمار واشتداد حبها

وجوب الزكاة عند بدو الصلاح في الثمار واشتداد حبها قال: (وإذا بدا الصلاح في الثمار واشتد الحب وجبت الزكاة، أي: إذا اشتد الحب وهو في سنبله، ثم قال: لأنه حينئذ يقصد للأكل والاقتيات فأشبه اليابس، وقبله لا يقصد لذلك فهو كالرطبة). قال: (ولا يخرج الحب إلا مصفى، ولا التمر إلا يابساً؛ لما روى عتاب بن أسيد قال: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرص العنب كما يخرص النخل، وتؤخذ زكاته زبيباً كما تؤخذ زكاة النخل تمراً)، رواه أبو داود. ولأنه أوان الكمال وحال الادخار، فلو أخرج الزكاة قبل الجفاف لم يجزه ولزمه الإخراج بعد التجفيف؛ لأنه أخرج غير الفرض فلم يجزه كما لو أخرج الصغير من الماشية عن الكبار، يعني: كما لو أخرج بنت المخاض بدلاً من ابنة اللبون، أو أخرج ابنة اللبون بدلاً من الحقة دون أن يدفع الفرق، فهذا لا يجوز؛ لأنه وجب في حقه نوع معين، فلزمه أن يخرجه.

ذكر أشياء لا زكاة فيها

ذكر أشياء لا زكاة فيها قال: (ولا زكاة فيما يكسبه من مباح الحب والثمر، ولا في اللقاط، ولا فيما يأخذه أجره لحصاده؛ لأن هذه الأشياء إنما تملك بحيازتها وأخذها، أي: أن الذي ملك هو الذي يملك الثمرة أو الحب وهي على سوقها، أما الذي أخذ بعد ذلك فهي حيازة وليست ملكية حقيقة)، ثم قال: (والزكاة إنما تجب في الحبوب والثمار إذا بدا صلاحها، وفي تلك الحال لم تكن ملكاً له فلا يتعلق به الوجوب ويصبر كما لو وهب نصاباً بعد بدو صلاحه أو اشتراه أو ملكه بجهة من الجهات لم تجب زكاته اتفاقاً. وهنا Q لو أن رجلاً زرع عند رجل آخر على أن يأخذ هذا النصف وهذا النصف، فإن الزكاة تجب على هذا بمقدار ما يملك، وعلى هذا بمقدار ما يملك.

حكم ضم صنف إلى غيره من غير جنسه لتكميل النصاب

حكم ضم صنف إلى غيره من غير جنسه لتكميل النصاب قال: ولا يضم صنف من الحب والثمر إلى غيره في تكميل النصاب، أي: لو أن رجلاً يملك خمسين كيلو من الأرز، فلا زكاة عليه، لأنه لم يبلغ النصاب بعد، وعنده كذلك سبعة كيلو من القمح، فلا زكاة عليه فيهما وإن خلطهما؛ لأنه لا اعتبار للخلطة إلا في السائمة بشروطها التي ذكرناها سابقاً. ثم قال: لأنهما جنسان مختلفان فلم يضم أحدهما إلى الآخر كالماشية. قال: فإن كان صنفاً واحداً مختلف الأنواع كالتمور ففيه الزكاة، فلو أن رجلاً يملك تمراً نوعه كذا، وتمراً آخر نوعه كذا، وتمراً آخر نوعه كذا، فالنوع واحد والصنف مختلف، فيجوز أن يضاف بعضه إلى بعض في تكميل النصاب كما تضم أنواع الحنطة، وليحذر المسلم من ربا الفضل في الأنواع الستة: الذهب والفضة والحنطة والشعير والتمر والملح، كما في حديث بلال حينما جاء بتمر جيد من خيبر، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (يا بلال أوكل تمر خيبر هكذا؟)، فقال: لا يا رسول الله، إنما هذا تمر جيد استبدلناه بتمر رديء -يعني: آخذ مثلاً اثنين كيلو جيد وأعطي خمسة كيلو رديء- فقال: (هو عين الربا يا بلال)؛ لأن التمر بالتمر والفضل ربا، وطالما أنه يخضع لربا الفضل فلا بد أن يكونا متساويين في القيمة، لكن إن اختلفت الأجناس فلا ربا، وربا الفضل عند جمهور العلماء لا يكون إلا في هذه الستة الأنواع فقط، فلو أن رجلاً أعطى جلابية ورداء لآخر، وأعطاه الآخر بدل ذلك قميصاً، فلا ربا، لأنه لم يقل: والقميص بالقميص والفضل ربا، وكذلك رجل يمتلك سيارة فاستبدلها بأخرى أحسن منها ودفع الفرق فليس هذا ربا؛ لأن ربا الفضل في هذه الأنواع الستة المبينة في الحديث. وعلى ذلك يحرم أن يشتري المسلم الذهب أو الفضة بالآجل، وإنما لابد أن يكون يداً بيد، ومثلاً بمثل في مجلس العقد، والشيخ ابن عثيمين له كتاب اسمه: (الفتاوى الذهبية)؛ لما في أسواق الذهب من مخالفات شرعية، إذ قد يبيع أحدهم ذهباً قديماً للبائع، فيزن البائع هذا الذهب ويقدره، ثم يأتي له بذهب جديد ويقول له: أعندك فرق مائة جنيه؟ فأعطاه، فهذا هو عين الربا، وكان المفروض أن يبيع القديم أولاً ويقبض ثمنه، ثم يشتري منه أو من غيره، فهذه مخالفة تحدث في سوق الذهب، وغيرها الكثير، حتى قال الشيخ رحمه الله في فتاويه: لو أنك اشتريت الذهب بشيك بنك غير مقبول الدفع فلا يجوز، لكن لو كان الشيك مقبول الدفع جاز؛ لأنه في حكم المال. الشيخ: وكل ما يقوم مقام النقدين (الذهب والفضة) فإنه يأخذ نفس الحكم، كالأوراق النقدية. قال: ويخرج من كل صنف على حدته؛ لأن الفقراء بمنزلة الشركاء، يعني: لو أن رجلاً عنده أرز وذرة وقمح، فيخرج من الأرز أرزاً، ومن القمح قمحاً، ومن الذرة ذرة، من كل صنف على حدته، ولا يخرج الرديء عن الجيد، لقوله سبحانه: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} [البقرة:267]، وإن أخرج الجيد عن الرديء جاز له وله أجره، يعني: رجل عنده الأنواع المتوسطة كلها رديء، فيخرج من الرديء، لكنه أراد أن يخرج الجيد فله ذلك، كمن وجبت عليه ابنة مخاض فأخرج بإرادته ابنة لبون، فهذا تُقبل منه على سبيل الفضل، لكن لا نلزمه بها.

زكاة المعدن

زكاة المعدن قال: النوع الثاني: المعدن، فمن استخرج من معدن نصاباً من الذهب أو الفضة أو ما قيمته نصاب من الجواهر أو الكحل والصُّفر والحديد أو غيره فعليه الزكاة في الحال ربع العشر من قيمته. أي: من استخرج من باطن الأرض حديداً أو نحاساً أو رصاصاً أو أي نوع آخر ففيه في الحال ربع العشر، لكن بشرط أن يكون المعدن قد بلغ نصاب أحد النقدين (الذهب أو الفضة)، فالذهب 85 جراماً عيار أربعة وعشرين وليس واحداً وعشرين كما يفهم البعض، والفضة 595 جراماً، والأصلح للفقير أن يقدر بنصاب الفضة؛ لأننا لو قدرناه بالذهب لخرج الكثير من الأغنياء عن هذا النطاق. ثم قال: لقوله تعالى: {وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} [البقرة:267]، وعليه فالبترول معدن، فيلزم فيه ربع العشر. قال: وروى الجوزجاني بإسناده عن بلال بن الحارث المزني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ من معادن القبيلة الصدقة وقدرها ربع العشر؛ ولأنها زكاة في الأثمان فأشبهت سائر الأثمان، أو تتعلق بالقيمة أشبهت زكاة التجارة، ولا يعتبر لها حول؛ لأنه يراد لتكامل النماء، أي: أن العلة في الحول هي: تكامل النماء، أما الخارج فقد نما يوم أن أخرجناه، قال: وبالوجود يصل إلى النماء فلا يعتبر له حول كالعشر، يعني: كالنبات يوم أن يخرج تجب فيه الزكاة. ثم قال: ولا يخرج إلا بعد السبك والتصفية، كالحب والثمرة. قال: ولا شيء في اللؤلؤ والمرجان والعنبر والسمك؛ لأن ابن عباس قال: لا شيء في العنبر إنما هو شيء ألقاه البحر؛ ولأنه كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه فلم تسبق فيه سنة، وعلى قياسه اللؤلؤ والمرجان، وعنه -أي: عن أحمد - فيه الزكاة قياساً على العنبر. لذلك فإن من ثراء المذهب الحنبلي أن فيه أكثر من رواية، وقلما تجد رواية من روايات الإمام أحمد إلا ويقابلها رأي عند المذهب الآخر، فتجد مثلاً في مذهب الشافعي أو مذهب أبي حنيفة رأياً يقابل رواية عند أحمد رحمه الله تعالى، وسبل ترجيح الروايات في المذهب قد فصلها صاحب الإنصاف في: (الراجح من مسائل الخلاف) داخل المذهب الواحد، وهناك رسالة ماجستير مكونة من مجلدين، تناول فيها صاحبها: المسائل التي لم يختلف فيها أحمد موافق مع باقي الفقهاء الثلاثة، ورسالة دكتوراه لـ أحمد موافق في دار العلوم، والمسماه بـ (الاختيارات العلمية) لشيخ الإسلام ابن تيمية، ابن تيمية الذي قد وافق المذاهب في بعض الأحكام، كما خالف ثلاثة واتفق مع واحد، وخالف الأربعة في بعض المسائل، وقد أتى الباحث بهذه الآراء الفقهية لشيخ الإسلام وأثبت أن لها أصلاً من أقوال السلف، ولم ينفرد في مسألة برأيه، وإنما لها أصل عن الصحابة أو عن التابعين، وقد بلغت هذه الرسالة ثلاثة مجلدات.

الأسئلة

الأسئلة

حكم وضع المصحف على الأرض

حكم وضع المصحف على الأرض Q كثير من الإخوة يضعون المصاحف على الأرض بحجة أن الأرض طاهرة، أو أن المصحف فوق الكتاب أو الكيس أو المنديل، وأثناء الزحام عندما يتخطى بعض الإخوة الرقاب منهم من يطأ المصحف بقدمه، فما حكم ذلك؟ A وضع المصحف على الأرض محاذياً للأقدام لا يمكن أن يقبل بأي حال من الأحوال، لأنه يعلو ولا يعلى عليه، ولأن فيه أيضاً امتهاناً للمصحف، وقد رأيت منذ سنتين في الحرم من يضع المصحف بجوار قدمه ثم قام يصلي، ورأيت رجلاً من موريتانيا أو غيرها يبكي بشدة ويشير إلى المصحف، لذا كان من سوء الأدب وعدم احترام المصحف أن تلقيه وتضعه محاذياً للقدم ثم تقوم تصلي، وربما جاء متخطٍ للرقاب فداس عليه، لذلك قال الفقهاء: لا يجوز أن تدخل المصحف إلى بلاد الكفر، ولا إلى دورة المياه؛ تعظيماً له ومعرفة لقدره، إلا إذا خاف عليه الضياع، وممكن قبل ذلك أن تستأمن أحد الناس فيه.

حكم الأخذ من اللحية

حكم الأخذ من اللحية Q هل يجوز الأخذ من اللحية؟ A لا يجوز الأخذ من اللحية قولاً واحداً، وحديث ابن عمر: أنه قبض القبضة وأخذ ما زاد عليها فعل، والرواية تقدم على الفعل، أي: عندما تتعارض رواية الصحابي مع فعله نقدم الرواية كما عند علماء الأصول، ومثله حديث: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً أولاهن بالتراب)، روى هذا الحديث أبو هريرة، وأبو هريرة كان يغسل ثلاثاً، فنقدم روايته على فعله، وهناك عدة أحاديث أمرت بإعفاء اللحية، ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: (أعفوا اللحى)، وقوله: (أرخوا اللحى)، وقوله: (وفروا اللحى)، كما جاء أيضاً في كتاب البخاري في كتاب الصلاة: أن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين كانوا يعرفون قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة العصر باضطراب لحيته عليه الصلاة والسلام، ومعنى ذلك: أنها كانت كثة تزيد عن القبضة بكثير، والله تعالى أعلم.

حكم الشرط بسداد غرامة في حالة التأخر عن دفع القسط في بيع التقسيط

حكم الشرط بسداد غرامة في حالة التأخر عن دفع القسط في بيع التقسيط Q أريد أن أشتري شقة ولا أملك لها المبلغ الكلي، فألجأ إلى التقسيط، ويوجد في العقد شرط بسداد غرامة في حالة التأخر عن دفع القسط، علماً بأن جميع الشركات تعمل بهذا النظام، فما حكم ذلك؟ A لا يجوز؛ لأن ذلك هو عين الربا، وسواء سموها فائدة أو غرامة أو أي اسم آخر، والله تعالى أعلم.

حكم البيع بالتقسيط مع الزيادة في ثمن السلعة

حكم البيع بالتقسيط مع الزيادة في ثمن السلعة Q اشتريت سلعة بالتقسيط مع الزيادة في ثمنها الأصلي، فما حكم ذلك؟ A جمهور العلماء على جواز البيع بالتقسيط مع ارتفاع السعر، ولا بأس بهذا البيع، لكن المشكلة الآن أنه يقول: ثمنه الآجل بنسبة الفائدة المعلنة في البنك، ثم يحسب بسعر الفائدة، وهذه مشكلة، وكان يمكنه أن يحدد للسلعة ثمناً فورياً عاجلاً وثمناً بالتقسيط، والمستهلك بعد ذلك بالخيار، أما أن يحسب الفائدة المعلنة باعتبار أنها في البنك كذا، فهذه هي الشبهة، والله تعالى أعلم.

حكم التنكيس في القراءة

حكم التنكيس في القراءة Q ما حكم التنكيس؟ A إذا كان المراد بالتنكيس أن يقرأ السورة من آخرها إلى أولها، فهذا حرام بإجماع العلماء، كأن يقرأ البقرة من قوله: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ} [البقرة:285]، إلى أن يصل إلى قوله: {الم} [البقرة:1]. وأما التنكيس المراد به أن يقرأ سورة قبل سورة فهذا خلاف بين العلماء، والراجح: الجواز، لكنه خلاف الأولى؛ لأن الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ في قيام الليل بسورة البقرة ثم النساء ثم آل عمران، وآل عمران كما هو معلوم قبل النساء، وأيضاً: عثمان رضي الله عنه قرأ من آخره ثم من أوله، وقال: كله قرآن، والنووي في كتابه القيم في علوم القرآن: (التبيان في آداب حملة القرآن) قال: لكنه خلاف الأولى، والأولى أن يقرأ على الترتيب الموجود في المصحف، والله تعالى أعلم.

حكم أخذ المال الزائد عن الأصل من البنك

حكم أخذ المال الزائد عن الأصل من البنك Q أنا شاب بلغت من العمر الواحد والعشرين عاماً، وقد توفي والدي وأنا صغير، وحول لي مبلغ خمسة آلاف، فقامت عائلتي بإيداع هذا المبلغ لدى البنك كوديعة حتى أكبر، فاستلمت خمسة وعشرين ألفاً، فهل هذا المال الزائد حرام؟ A من شروط التكليف عند علماء الأصول: أن يكون المكلف مختاراً للفعل، وهذا الولد كان صغيراً لم يختر هذا الفعل، فقول العلماء: يجوز له أن يأخذ المبلغ وما زاد عنه؛ لأنه لا اختيار له فيما تم، والله تعالى أعلم.

حكم تجارة العملة واستبدال نوع من العملة بأخرى

حكم تجارة العملة واستبدال نوع من العملة بأخرى Q ما قولكم في تجارة العملة واستبدال نوع من العملة بأخرى؟ A لا بأس بذلك طالما قد اختلفت العملة، أي: الجنيه بالدولار، والجنيه بالريال وهكذا، أما إن اتحد الجنس فلا تجوز الزيادة، كخمسة دولار بستة دولار، والله تعالى أعلم.

حكم الانتقال إلى مكان آخر بعد تأدية الفريضة لتأدية السنة

حكم الانتقال إلى مكان آخر بعد تأدية الفريضة لتأدية السنة Q بعض المصلين يغير مكان الصلاة بعد الفريضة لأداء السنة الراتبة، فهل هذا الفعل له أصل في السنة؟ A له أصل عند البخاري: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الفريضة انتقل من مكانه لأداء السنة)، يقول الحافظ ابن حجر: حتى يعلم الداخل أن الصلاة قد انقضت، ولأن الإمام لو صلى في مكانه لحصل التباس على الناس، أيضاً: أنه يتحرك في أكثر من مكان؛ ليشهد له أكثر من مكان، ويجوز أن تصلي في مكان واحد، والله تعالى أعلم.

الخوف من خلع النقاب بعد لبسه

الخوف من خلع النقاب بعد لبسه Q أنا أريد أن ألبس النقاب، لكني خائفة من خلعه بعد لبسه، فماذا تنصحونني؟ A أنا أخاف عليك أن تموتي قبل أن تلبسي الحجاب، لذا توكلي على الله ولا تؤجلي طاعة أبداً: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه:84]، {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} [الذاريات:50]، {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران:133]، والذي يعطلكِ عن هذه المنقبة وهذه المحمدة الشيطان، فالشيطان يقول لك: لا تلبس النقاب؛ لأنك لو لبستيه ربما قد تخلعيه، فيسوف لك هذا العمل. والإمام النووي له في كتاب: (رياض الصالحين) باب لا بد أن نقرأه، باب: (التعجيل بالطاعة والمسارعة إلى الخيرات) وهذه من سمة المتقين والصالحين، فيا أيتها الأخت الفاضلة بارك الله فيك أدع الله لك أن تخرجي من المسجد وقد ارتديتِ النقاب، فتكثّري جمع الموحدين في زمن الغربة، كما خرج ابن أم مكتوم -مع أنه أعمى- مع المجاهدين يوماً في سبيل الله، فقيل له: يا ابن أم مكتوم أنت أعمى فلماذا خرجت؟ قال: خرجت لأكثّر جمع المسلمين، فتكثير جمع المسلمين مهم جداً، ويوم أن تخرج في صلاة العيد جماعة ونكبر وتخرج النساء الحيض تدخل الرهبة في قلوب المنافقين، وكلما ازددنا نقاباً ولحية ازداد المرجفون والعلمانيون هلعاً وخوفاً، فيا أمة الله! عليكِ أن تلتزمي وأن تكوني أسوة حسنة، (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة)، أسأل الله أن يثبتكِ على الحق بإذن الله تعالى.

حكم تبديل عملة بعملة أخرى

حكم تبديل عملة بعملة أخرى Q هل ربا الفضل في المعاملات النقدية بأكملها يعني: تبديل الدولار الواحد بستة جنيهات؟ A لا، لأنه ما دام اختلفت العملة فيجوز ذلك.

نصيحة لمن أراد أن يسافر لطلب العلم والعمل

نصيحة لمن أراد أن يسافر لطلب العلم والعمل Q إذا يسَّر الله لي السفر إلى السعودية للعمل في مكة أو المدينة وطلب العلم، فهل من عالم تنصحونني بطلب العلم على يديه؟ وهل الأفضل الزواج قبل الذهاب أم طلب العلم قبل الزواج؟ A مكة والمدينة تمتلئ بالعلماء، وعليك بشيخنا المبارك الشيخ: محمد المختار الشنقيطي، فهذا رجل بأمة نحسبه كذلك، ولا نزكيه على الله، وهو في الفقه قدم راسخ، ثم الدكتور عبد المحسن العباد في السنة، يعني: شرح البخاري ومسلم والسنن، وهو يحفظ تراجم رجال الصحيح كما تحفظ أنت اسمي واسمك، فإذا قال له الطالب: حدثنا مكي بن إبراهيم، فهو من الذاكرة يعرف متى مات؟ وكم أخرج له البخاري رحمه الله تعالى، فهؤلاء رجال عليك بهم، ونسأل الله لك التوفيق بإذن الله عز وجل. وإن كنت قادراً على الزواج فبكر به في زمن الفتن، ثم ارحل إلى طلب العلم شهوراً -أربعة أشهر، ويجوز أكثر من ذلك برضا الزوجة عند العلماء- وعد إلى زوجتك ولا تتركها مدة طويلة، ولا نستطيع أن نقول: أجل الزواج لا سيّما في هذا الزمن.

العدة شرح العمدة [29]

العدة شرح العمدة [29] الركاز هو الخارج من الأرض من دفين الجاهلية، ويجب في قليله وكثيره الخمس، كما أن مصرفه مصرف الفيء، والأثمان من الذهب والفضة إذا بلغت النصاب وحال عليها الحول ففيها ربع العشر.

زكاة الركاز

زكاة الركاز الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه. أما بعد: فلا زلنا مع كتاب: (العدة شرح العمدة) للإمام موفق الدين بن قدامة المقدسي الحنبلي رحمه الله تعالى، وكنا قد توقفنا عند زكاة الركاز. قال رحمه الله: [وفي الركاز الخمس]، والركاز هو: الخارج من الأرض من نقود الجاهلية أو -إن صح التعبير- من مدافن الجاهلية، ويعرف الركاز أنه من أصول الجاهلية: بأن يكون عليه إشارة قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام؛ ويخرج الخمس منه كالغنيمة. قال رحمه الله تعالى: [وتجب في قليله وكثيره من أي نوع كان من غير حول لذلك، وتجب على كل واجد له من أهل الزكاة وغيرهم لذلك. ]

مصرف الركاز

مصرف الركاز ثم قال: [ومصرفه مصرف الفيء]، أي: أن مصرف الركاز هو مصرف الفيء، ورواية أخرى: أن مصرفه مصرف الزكاة كما سيأتي. ومصارف الفيء جاء ذكرها في سورة الحشر، فقال تعالى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} [الحشر:6]، ثم قال الله: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر:7]، فالفيء هو: المال الذي حصل عليه المسلمون من المشركين والكفار بدون قتال، كما حصل ذلك في بني النظير عندما أجلاهم النبي عليه الصلاة والسلام دون قتال، قال تعالى: ((يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ))، أي: من الداخل، ((وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ)) أي: من الخارج، {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} [الحشر:2]، ثم قال: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الحشر:7]، إذاً: يوزع الخمس بنص الآية على خمسة: الله ورسوله، وذي القربى، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل، فلكل واحد من هؤلاء واحد من خمسة. ثم قال: [ومصرفه مصرف الفيء لذلك، ولأنه روي عن عمر رضي الله عنه: أنه رد بعض خمس الركاز على واجده -باعتباره مسكيناً أو فقيراً- ولا يجوز ذلك في الزكاة]، وكونه يرد على واجد الركاز معناه أنه اعتبره فيئاً ولم يعتبره زكاة. قال: [وعنه]، أي: عن أحمد رواية أخرى: [أنه زكاة، فمصرفه مصرفها اختاره الخرقي، لأن علياً رضي الله عنه أمر واجد الركاز أن يتصدق به على المساكين؛ ولأنه حق تعلق بمستفاد من الأرض فأشبه صدقة المعدن]، والراجح أن مصرف الركاز هي مصارف الزكاة الثمانية المذكورة في سورة التوبة.

ملكية الركاز

ملكية الركاز قال رحمه الله تعالى: [وباقيه لواجده، إن وجده في موات أو أرض لا يُعلم مالكها]، ومعنى: موات: أي: أرض ميتة ليست لأحد، أو أرض صحراوية غير مزروعة. ثم قال: [لأن قوله صلى الله عليه وسلم: (في الركاز الخمس) دلالة على أن باقيه لواجده، وإنما اشترط ذلك؛ لأنه إذا وجده في أرض غير موات أو أرض يعلم مالكها آدمياً أو معصوماً أو كانت منتقلة إليه فيه روايتان]. بمعنى: لو أن رجلاً باع أرضه من آخر، ثم وجد هذا الآخر ركازاً في هذه الأرض، والمالك البائع معلوم، فهل الركاز في هذه الحالة يكون للمالك الأول باعتباره المالك الحقيقي، أم للمالك الثاني؟ وكذلك إذا وجد الركاز في أرض غير موات، أي: أنها مزروعة، أو أرض يُعلم مالكها آدمياً أو معصوماً، أو كانت منتقلة إليه، فما الحكم؟ روايتان عن أحمد: [إحداهما أنه يملكه أيضاً؛ لأنه لا يملكه بملك الأرض، لأنه ليس من أجزائها إنما هو مودع فيها فجرى مجرى الصيد والكلأ، يملكه من ظفر به كالمباحات كلها]، إذاً: الرواية الأولى عند أحمد رحمه الله تعالى: أن من عثر عليه يكون مالكاً له. قال رحمه الله تعالى: [وإذا ادعاه مالك الأرض فهو له مع يمينه لثبوت يده على محلِّه]، أي: أن من باع أرضاً لآخر، وهو يعلم أن بها ركازاً، ثم أتى بعد ذلك وقال لمشتريها: في الأرض التي بعتك ركاز، وهو ملكي، فهو له مع يمينه. قال: [والرواية الأخرى: هو لمالك الأرض أو لمن انتقلت عنه إن اعترف به، فإن لم يعترف به فهو لأول مالك، لأنه في ملكه فكان له كحيطانه]، أي: إن اختلفوا فهو للمالك الأول مع يمينه، فإذا لم يؤد اليمين ولم تكن له قرينة فهو لمالك الأرض التي انتقلت إليه باعتبار أنه من المباحات وجده ورزق ساقه الله إليه.

زكاة الأثمان

زكاة الأثمان

نصاب الفضة والذهب

نصاب الفضة والذهب قال رحمه الله: [باب زكاة الأثمان، وهي نوعان: ذهب، وفضة، ولا زكاة في الفضة حتى تبلغ مائتي درهم فيجب فيها خمسة دراهم]، أي: ما يعادل 595 جراماً، إذ الدرهم الواحد يساوي ثلاثة جرامات، والنصاب بالجنيه المصري تقريباً أكثر من 900 جنيه مصري، إذ سعر الجرام من الفضة جنيه ونصف، فنضرب جنيه ونصف في 595. ثم قال: [ولا في الذهب حتى يبلغ عشرين مثقالاً فيجب فيها نصف مثقال]، والعشرون المثقال 85 جراماً، وسعر المثقال الواحد عيار 24: 4. 25 جنيه مصري، والعشرون المثقال بسبعين جنيه مصري، والخمسة والثمانون الجرام بخمسة آلاف وستمائة جنيه، وعليه فمن ملك هذا النصاب من المال فعليه زكاة. قال: [لما روى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليس في أقل من عشرين مثقالاً من الذهب ولا أقل من مائتي درهم صدقة)]، أي: إن ملك أقل من 85 جراماً من الذهب، أو 595 جراماً من الفضة فلا زكاة عليه. ثم قال: والواجب ربع العشر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (في الرقة ربع العشر) رواه البخاري، وروى علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس عليك في ذهبك شيء حتى يبلغ عشرين مثقالاً، فإذا بلغ عشرين مثقالاً ففيها نصف مثقال)]، يعني: ربع العشر. قال: [والرقة الدراهم المضروبة وهي دراهم الإسلام التي وزن كل عشرة منها سبعة مثاقيل بغير خلاف].

حكم ما إذا وجد الغش في أحد النقدين

حكم ما إذا وجد الغش في أحد النقدين قال: [فإن كان فيها غش] أي: في الذهب أو الفضة، [فلا زكاة فيها حتى يبلغ قدر الذهب والفضة نصاباً]، أي: لا بد أن يكون ذهباً خالصاً وفضة خالصة، ثم قال: [فإن شك في ذلك خُيّر بين الإخراج وبين سبكهما ليعلم قدر ذلك]، قوله: (سبكهما)، أي: يدخلها النار حتى ينفى الخبث، ثم يزن الذهب الخالص أو الفضة الخالصة، [أو يستظهره يخرج ليسقط الفرض بيقين].

زكاة الحلي المباح المعد للاستعمال والعارية

زكاة الحلي المباح المعد للاستعمال والعارية ثم قال: [ولا زكاة في الحلي المباح المعد للاستعمال والعارية]، والحلي: هو الذهب أو الفضة الذي أُعد لزينة المرأة، ففي المذهب أنه لا زكاة فيه، وهو رأي مالك والشافعي رحمهما الله تعالى، وخالف في ذلك الأحناف وهو الراجح، فقالوا: بزكاة الحلي إذا بلغ نصاباً وحال عليه الحول، والشيخ محمد بن صالح في كتاب: (الشرح الممتع) قد أعد بحثاً ممتعاً في أكثر من عشر ورقات رجح فيه وجوب زكاة الحلي، وساق الأدلة على ذلك، رغم أنه حنبلي المذهب في الدراسة؛ لكن النصوص واضحة، فحينما دخلت امرأة على النبي صلى الله عليه وسلم وهي تلبس في يديها سبيكة من ذهب سألها: (أتؤدين زكاة هذه؟ فقالت: لا، فقال: أيسرك أن يسورك الله سوارين من نار يوم القيامة؟)، ولم يسألها: هل تلبسيه للزينة أم لا؟ فالنص كان عاماً، والحديث المطلق كما عند البخاري: (ما من صاحب ذهب ولا فضة)، ولم يبين أنه حلي أو غير حلي، وعليه فالراجح من أقوال العلماء أن الحلي فيه زكاة، وانتصر لهذا الرأي ابن باز رحمه الله تعالى، وكثير جداً من علمائنا المعاصرين انتصروا لهذا الرأي. قوله: (والعارية)، أي: الذهب المستعار التي تعيره المرأة، ثم قال: [في ظاهر المذهب؛ لما روى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليس في الحلي زكاة) -وهو حديث ضعيف- ولأنه مصروف عن جهة النماء]، أي: أنه لا نماء فيه، فهو لم يلبس للنماء، وإنما: [إلى استعمال مباح تجب فيه زكاة كثياب البدن، وحكى ابن أبي موسى عنه أن فيه الزكاة لعموم الأخبار]، وأقول: إن الذهب المستخدم كالثياب الذي أستخدمه، وقال من لم يوجب الزكاة في الحلي، وهم الجمهور: لو أن رجلاً اقتنى سيارة بمليون جنيه لاستعماله الشخصي، فهل عليه زكاة؟ لا، إذاً فكيف توجبون الزكاة على امرأة تلبس ذهباً قيمته بعض آلاف، وتعفون من الزكاة من اقتنى سيارة قيمتها المليون؟! فنقول لهم: إن النص قد جاء في الذهب دون غيره.

ما يباح من الذهب أو الفضة للرجال والنساء

ما يباح من الذهب أو الفضة للرجال والنساء ثم قال: [ويباح للنساء كل ما جرت عادتهن بلبسه من الذهب والفضة]، أي: أن بعض الآراء الفقهية ميّزت فقالت: إن كان الذهب الذي تتحلى به المرأة خارج عن مألوف بنات جنسها، ففيه الزكاة، وإلا فلا، كأن تضع المرأة في يدها نصف كيلو ذهب، فهذا خارج عن مألوف بنات جنسها، فنوجب عليها الزكاة، بينما أخرى لا تملك إلا مائة جرام من الذهب، فلا نوجب عليها الزكاة، لأنها لا تملك زيادة على بنات جنسها، وعليه فيباح للمرأة أن تلبس ما يباح لبنات جنسها من الذهب، وذلك قول الله: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف:18]، أي: البنت عندما تنشأ في الحلية، فتخرق أذناها وتوضع بها الذهب، بعكس الصبية الصغار فلا يجوز أن نأتي لهم بالذهب. قال: [ويباح للرجال من الفضة الخاتم]، أي: أن للرجل أن يلبس خاتماً من فضة، وهل هذا على سبيل الاستحباب أم الوجوب أم الإباحة؟ يقول الشيخ ابن عثيمين كلاماً بديعاً في ذلك: لو أنك في مجتمع لم يتعودوا على لبس الفضة فلا تلبسه؛ لأنه يعد في حقك لباس شهرة، لذا فبعض المباحات تترك حتى لا تكون شهرة بين الناس، والأمر المباح قد يُترك أحياناً، وهذا الكلام لا بد أن نقيم له اعتباراً؛ لأن البعض الآن قد يأتي بأمور مباحة ويوجبها على نفسه، فيشذ عن مجتمعه حتى يشار إليه بالبنان. يقول الشيخ ابن عثيمين: لو أنه لبس خاتم الفضة في مجتمع من مجتمعات المسلمين لم يتعودوا على لبسه، ولو لبسه لأصبح شاذاً بين بني جنسه، لزمه عدم اللبس، ثم تحدث عن لبس الساعة -لأن بعض الإخوة يقول: البس الساعة في اليمين- فقال: ولبس الساعة في اليد اليمين ليست من الأمور المشروعة؛ لأنها من أمور العادات وليست من العبادات، أيضاً: أن غير المسلمين لا يميزوا بها، وإنما في مجتمع المسلمين أن لبس الساعة في اليسرى، فحينما تقابل رجلاً يلبس ساعة في اليسرى فلا تقل: هذا غير مسلم، كذلك: العمل يكون باليد اليمنى، فإذا كان الذي يلبس الساعة في اليد اليمنى فإنه سوف يؤذي الساعة، لكن قد يقول البعض: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب التيمن. فنقول له: لكن جرت العادة على أمر ليس فيه تعبد، فلا تحجّر واسعاً. ثم قال: [وحلية السيف والمنطقة ونحوها]، أي: قد يحلَّى السيف، كأن يكون رأسه من فضة، والمنطقة تكون حول الخاصر، قال: [فأما المعد للكراء -أي: للاستئجار- أو للادخار ففيه الزكاة، إذا بلغ نصاباً، لأنه معد للنماء فهو كالمضروب]، أي: أن الذهب والفضة المعد للإيجار أو للادخار فيه زكاة، أما المعد للاستعمال فليس فيه زكاة، وهذا كلام المذهب. قال: [وأما المحرم: الذي يتخذه الرجل لنفسه من الطوق وخاتم الذهب ففيه الزكاة؛ لأنه فعل محرم فلم يخرج به عن أصله]، أي: أن الرجل إذا لبس ذهباً وزنه أكثر من 85 جراماً، ففيه زكاة، رغم أن لبس الذهب محرم عليه، وهنا ننبه على أنه لا يجوز للمسلم أن يلبس الدبلة من الفضة فضلاً عن الذهب، لما فيه من التشبه باليهود والنصارى، لكن يقول لي بعض الرجال: يا شيخ! أنا لا أستطيع أن أخلعها، لأن الزوجة ستغضب من ذلك وتقول: لماذا تخلع حبي من قلبك؟! فتربط بين الحب والدبلة، فقل لها: أأستجيب لأمرك أم لأمر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؟! فلا أريد أن أرى رجلاً مسلماً يلبس دبلة من فضة أو ذهب، ولذلك يحرم بيع الذهب للرجال، وكم أحزن من بعض المحلات الإسلامية التي تبيع الذهب للرجال، وتدّعي أنها إسلامية وتبيع الذهب للرجال! فالله إذا حرّم شيئاً حرّم بيعه وشرائه وثمنه، فلا يجوز أن تبيع الذهب للرجال بحال من الأحوال، وإن جاءك رجل شاب يريد أن يخطب امرأة ويريد منك أن تصنع لها دبلة، وتسجل عليهما اسمهما، فقل له: الذهب حرام عليك، وليس عندي ذهب للرجال، وعليه فلا بد أن يكون عملك مشروعاً يا عبد الله، واتق الله فيما تدخله في جوفك، ولا تقل: كل الناس هكذا، فهذا أمر لا نقبله بحال من الأحوال.

إخراج الزكاة عن المال بعد الحصول عليه

إخراج الزكاة عن المال بعد الحصول عليه قال رحمه الله: [باب حكم الدين ومن كان له دين على مليء أو مال يمكن خلاصه كالمجحود الذي له بينة والمغصوب الذي يتمكن من أخذه فعليه زكاته إذا قبضه لما مضى]، ومعنى ذلك: لو أن رجلاً له عند آخر مال من سنة، وهذا المال عند مليء، أي: صاحب مال كثير، أو له مال عند آخر يمكن الحصول عليه، كالمجحود الذي له بينة على دعواه في هذا المال، أو له مال عند آخر مغصوب يمكنه أن يحصل عليه، ففي هذه الحالة إذا قبض هذا المال فيلزمه أن يزكي عن السنوات الماضية كلها، وهذا إذا كان نصاباً، وبعض الفقهاء يقولون: يخرج الزكاة عن كل سنة، رغم أن المال غير موجود، لكن الراجح أن يخرج الزكاة متى ما قبض هذا المال، ومثل هذا: مؤخر الصداق بالنسبة للزوجة، فيجب المؤخر إما بموت الزوج، أو بالطلاق، أو بالمطالبة؛ لأنه دين، وعند حصول المرأة على هذا المؤخر يلزمها الزكاة عن كل السنوات الماضية، فهذا رأي بعض الفقهاء وهو المذهب، وبعضهم يقول: تؤدي الزكاة عن السنة التي قبضت فيها المال، وهذا مرجوح.

لا زكاة على الدين المعدوم

لا زكاة على الدين المعدوم قال: [وإن كان متعذراً كالدين على مفلس أو على جاحد ولا بينة به، والمغصوب والضال الذي لا يرجى وجوده فلا زكاة فيه؛ لأن ملكه فيه غير تام، لأنه غير مقدور عليه]. أي: لو أن رجلاً من الناس له عند فلان مبلغ من المال، وفلان هذا مفلس أو جاحد ولا بينة للطرف الآخر، أو المال مغصوب أو ضال لا يرجى وجوده، ففي هذه الحالة لا زكاة على صاحبه، لأنه ملكه فيه غير تام. قال رحمه الله تعالى: [وحكم الصداق حكم الدين كذلك]، أي: أنه يأخذ نفس الحكم، فلو أن امرأة سمى لها زوجها صداقاً مؤخراً، لكن لم يتم التوثيق، أو جحده، ولم تستطع الحصول عليه، ففي هذه الحالة لا زكاة عليها فيه.

لا زكاة على المدين إذا كان دينه يستغرق النصاب

لا زكاة على المدين إذا كان دينه يستغرق النصاب ثم قال: [ومن كان عليه دين يستغرق النصاب الذي معه فلا زكاة فيه]، أي: لو أن رجلاً يملك عشرة آلاف ريال وحال عليها الحول ففيها زكاة، لكن عليه (30. 000) ريال ديون، فلا زكاة عليه؛ لأن دينه استغرق النصاب، بل يعان من الزكاة.

الأسئلة

الأسئلة

حكم شراء الكتب من مال الزكاة

حكم شراء الكتب من مال الزكاة Q هل يجوز شراء الكتب من مال الزكاة؟ A هو أوجب المصارف في زمن البدعة وعدم العلم، وطالب العلم هو أولى من يعان.

حكم اللعب بالضمنة

حكم اللعب بالضمنة Q ما حكم الدين فيمن يلعب بالضمنة والكوتشينة، ويصر على أنها من اللهو المباح، علماً بأنها في هذه الحالة لم تكن تلعب قماراً أو ميسراً، فما الدليل؟ A لعب الضمنة والكوتشينة حرام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من لعب بالنرد شير كأنما غمس يده في لحم خنزير) والحديث في صحيح مسلم، وسواء كان اللعب بهما يحتوي على مقامرة أم لا، والله تعالى أعلم.

حكم الدروس الخصوصية

حكم الدروس الخصوصية Q ما حكم الدين في الدروس الخصوصية؟ A لا بأس بها، بشرط: أن تكون بغير إكراه، وأن لا يكون فيها اختلاط بين البنين والبنات، وأن يتقي المعلم الله فيبذل جهده في الشرح، وأن لا يدخل البيت في غياب المحرم، فكم من مصيبة قد حدثت بسبب هذا، وعليه فلا بأس بذلك طالما ليس فيه مخالفات شرعية، والله تعالى أعلم.

حكم التورك في تشهد الفجر

حكم التورك في تشهد الفجر Q الجلوس في تشهد الفجر تورك أم افتراش؟ A تورك، لأنه ليس في الصلاة الثنائية افتراش، وإنما الافتراش في الرباعية ذات التشهدين.

حرمة التلاعب بأوقات الصلاة

حرمة التلاعب بأوقات الصلاة Q هل وقت أذان الفجر حالياً صحيح أم لا، علماً بأن أحد المشايخ قال: إن وقت أذان الفجر يُرفع قبل موعده بثلث ساعة، ولا تصح الصلاة قبل الميعاد المحدد؟ A مع احترامي وتقديري لشيخنا الذي ذكرت، واتق الله في السؤال، فلا تكتب اسم الشيخ حتى لا نختلف مع علمائنا، فإن وقت الفجر الحالي صحيح، والصلاة فيه صحيحة، ولا شبهة فيه ألبتة، وما ثبت باليقين لا يزول بالشك، وأهل التخصص أولى بعملهم، ويكفي في دخول الوقت غلبة الظن، وقد نشرت مجلة التوحيد رأي اللجنة العلمية التي انعقدت في بيلبيس أن وقت الفجر صحيح، ولا داعٍ للتلاعب بأوقات الصلاة، وتشكيك المسلمين فيها، فاتقوا الله في دين الله، والذي يترتب على هذا أن الكثير قد ترك صلاة الفجر في المساجد حتى طلعت الشمس، بحجة أن الوقت غير صحيح، والحديث في البخاري يقول: (كانت النساء تخرج من الفجر لا يُعرفن بغلس)، والغلس: ظلمة في آخر الليل، أما أن تقول: إن مصر تصلي قبل الوقت بثلث ساعة! فإذا كنت تعتقد ما تقول فكل واشرب بعد الأذان الثاني في رمضان، لا يمكن أن تأكل وأن تشرب؛ لأنك تحتاط لصومك، إذاً أنت غير متيقن 100% أن هذا الوقت غير صحيح، ولو تيقنت لأكلت وشربت، فكيف تحتاط لصومك وفي نفس الوقت تشكك في موعد الصلاة؟! لقد رأيت بلداً يؤذن للفجر فيها أذان ثانٍ بعد الإذاعة، أي: يؤذن أذان في الموعد المحدد، ثم يؤذن أذان آخر بعد ثلث ساعة، ثم يمكث يقيم بعد ذلك ستين دقيقة، ليؤذن أذان آخر مخالفاً للناس! إن هذه أمور يندى لها الجبين، فاتقوا الله في دين الله، وهذا الأمر قد دفع الدكتور طه حبيشي أن يؤلف كتاباً اسمه: (شيطان المسلمين يلعب بمواقيت الصلاة) وعليه فلا داعٍ لمثل هذا الكلام؛ لأننا نحب إخواننا في الله عز وجل.

عدم الخوض فيما جرى بين الصحابة الكرام

عدم الخوض فيما جرى بين الصحابة الكرام Q أرجو منكم يا شيخ أن تحدثونا عن الفتنة بين سيدنا علي وسيدنا معاوية؟ A حينما أتحدث عن الفتنة سأقول: المخطئ هو فلان والمصيب هو فلان، وسأقحم نفسي في دائرة لا داعٍ لها، قال عمر بن عبد العزيز: تلك فتنة طهّر الله أيدينا منها، فيجب أن نطهّر ألسنتنا منها، فلماذا تدخل نفسك بين الصحابة فتخطئ هذا وتقول: أخطأ معاوية في كذا، وعلي كان ينبغي عليه أن يفعل كذا، فأنت بهذا قد تتكلم في الصحابة! والكف عما شجر بنيهم من خلاف أفضل وأسلم، وهذا ما وقع فيه الدكتور طارق السويدان في بعض أشرطته، مما دفع لجنة الفتوى العلمية في دار الإفتاء السعودية أن تحذر من أشرطته؛ لأنه في بعض أشرطته قد طعن في بعض الصحابة، فنقول: إياك إياك أن تدخل نفسك فيما جرى بين الصحابة، وتتحدث عن الخلاف بينهم، فهذا لا يجوز أبداً، وهناك حملة مسعورة على معاوية بالذات، فتجد من يسب معاوية ويكفره! ولم يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بشّره بالجنة، فقال: (أول جيش يغزو القسطنطينية يركب البحر مغفور له)، وكان أول جيش هو جيش معاوية، فلا داع لأن تطعن في مسلم هو من كتبة الوحي، فاعرف قدرك والزم غرزك، فخطؤهم مغفور واجتهادهم مشكور، والمجتهد فيهم له أجر إن أخطأ، والمصيب له أجران، فكلاهما له أجر، فاتق الله في نفسك ولا تسب أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد سمعت بأذني مَنْ كان يخطب -وقد تشيّع، وقلنا مراراً: منهم، إلا أنهم كانوا يعرضون له حديثاً على الشاشات- ويلعن أبا بكر وعمر بعدد رمال الأرض، هذا المجرم قد أذلّه الله فأخذ حكماً سبع سنوات، ثم عُفي عنه ورُحّل إلى دول الخليج، والآن يبث سمومه هناك، حتى أهداني أحد الإخوة على النت يقول: عمر كان لواطاً! هذا المجرم الذي ظل سنوات يخطب لآلاف الجماهير والناس تصفق له، وتؤمٍّن على دعائه، بل ويختلي بالنساء، إنها مصيبة كبيرة، فأقول لك: نحن الآن في محنة سب الصحابة، وهناك: مجلة حمراء تسمى: (الشيوعية) لا هم لها إلا سب الصحابة، فهؤلاء رمم لا قيمة لهم بإذن الله، ومن هم في ميزان أصحاب رسول الله {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح:29]؟ فهذا مدح لكل أصحاب رسول الله، لذا فأحذر كل من وقع في صحابي من صحابة رسول الله، ثم قل لي بالله: أتسمع على من عذّب ابن تيمية؟ لا، أتسمع على ابن تيمية؟ نعم، أتسمع على من جلد ابن حنبل؟ لا، فهؤلاء نكرات لا يُعرفون، وكذلك هؤلاء نكرات يريدون لأنفسهم ذكرى، والله سبحانه قال: (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب)، فهؤلاء يحاربون أولياء الله، وإن لم يكن الصحابة هم الأولياء فمن الأولياء؟ فأقول هذا الكلام حتى لا نقع فريسة لمثل هؤلاء، والله تعالى أعلم.

حكم أطفال الأنابيب

حكم أطفال الأنابيب Q ما حكم طفل الأنابيب لامرأة لم تنجب؟ A يجوز أن تؤخذ بويضة المرأة مع الحيوان المنوي للرجل ويلقّحا تلقيحاً طبيعياً خارج الرحم في ظروف معينة ثم يدفعا إلى الرحم، وهذا يسمى بالتلقيح الصناعي عن طريق طفل الأنابيب، فلا بأس به طالما أن الحيوان للزوج والبويضة للزوجة، لكني أنصح بعدم إجراء هذه العملية؛ لأن الكثير قد قام بإجرائها ونسبة نجاحها ضعيفة جداً، فقد دفع أحد الإخوة (15000) جنيه في العملية الأولى ففشلت، ثم (15000) جنيه في الثانية ففشلت، ثم (15000) في الثالثة ففشلت فأدعو الزوج والزوجة بأن يصليا بالسحر، وأن يستغفرا الله، وأن يسجدا لربهما عز وجل، كما قال ربنا: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ} [الأنبياء:89 - 90] فالله سبحانه يرزق من يشاء بغير حساب. اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، آمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

العدة شرح العمدة [30]

العدة شرح العمدة [30] زكاة العروض من الزكاة المفروضة، ويشترط في إخراجها حولان الحول وبلوغ النصاب، وأن تخرج بنصاب الذهب أو الفضة من قيمتها لا من أعيانها.

باب زكاة العروض

باب زكاة العروض الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد. قال المصنف رحمه الله: [باب زكاة العروض]: زكاة عروض التجارة من أهم أنواع الزكاة، وهي النوع الثالث من أنواع الزكاة. قال المصنف: [ولا زكاة فيها حتى ينوي بها التجارة وهي نصاب حول، ثم يقومها، فإذا بلغت أقل نصاب من الذهب والفضة أخرج الزكاة من قيمتها]. والمعنى: أن الذي يتاجر في سيارات، أو في قطع غيار، أو في ذهب وفضة، أو في ملابس، أو في أحذية، أو في عطور فإنه يحسب الزكاة بعد نهاية السنة الهجرية الكاملة، ثم يقوم بتقويم البضاعة التي يمتلكها بسعر السوق، فتقوّم البضاعة بالسعر الذي تباع به في يوم الجرد السنوي لحساب قيمة الزكاة. البضاعة على الأرصدة تقوّم بهذه القيمة، ثم أضيف إلى قيمة البضاعة القيمة النقدية التي في الصندوق أو الخزنة، ثم أضيف قيمة المبالغ التي هي مستحقة لي لدى الغير، وهي ما يسمونه في المحاسبة: بالمديونية، ثم أطرح الديون المستحقة علي كتاجر، يخرج ما يسمونه: بصافي قيمة الأصول، فتكون المعادلة هكذا: البضاعة في تاريخ الجرد بقيمتها في السوق + الأموال التي في الصندوق + قيمة الديون المستحقة لي الجيدة طرف الغير - قيمة الديون المستحقة علي للغير =صافي قيمة الأصول، ثم أنظر في هذا الناتج هل بلغ النصاب أم لم يبلغ؟ والنصاب 85 جراماً بسعر الذهب عيار 24، أو 595 جراماً من الفضة. يقول المصنف: [ولا زكاة فيها] أي: في عروض التجارة [حتى ينوي بها التجارة]. إذاً لا يخضع للزكاة أي سلعة يقتنيها وليس غرضه إعادة البيع، فعروض التجارة لا بد فيها من نية الاتجار. قال المصنف: [ثم يقومها] أي: يقوم هذه السلعة [فإذا بلغت أقل نصاب من الذهب والفضة أخرج الزكاة من قيمتها] نصاب الذهب كما قلنا يقدر بـ (85) جرام ذهب في سعر ذهب اليوم سيكون 5600، والفضة 900، إذاً: الفضة أقل، إذاً نقيّم بالفضة أم بالذهب؟ المذهب يرى الفضة لماذا؟ قال الشارح: [ثم يقومها، فإذا بلغت أقل نصاب من الذهب والفضة أخرج الزكاة من قيمتها، ولأنه مال تام فتعلقت به الزكاة كالسائمة، وإنما اعتبر أقل نصاب من الذهب أو الفضة؛ لأن التقويم لحظ الفقراء، فيعتبر ما لهم الحظ فيه] ولم قومنا بالفضة؟ لأنه لمصلحة الفقير، فلو أن تاجراً بعد جرده صار صافي قيمة الأصول عنده 3000 جنيه، فهنا بالذهب لا يخضع، ولكن بالفضة يخضع، فنحن نقيّم بالفضة، والمعتاد عند الناس التقويم بالذهب، ولكن لمصلحة الفقير تُقيّم بالفضة، وعلى هذا ستجد أن الكثيرين يدخلون في نصاب الزكاة. قال الشارح: [وتؤخذ الزكاة من قيمتها لا من أعيانها] فلو أن رجلاً يتاجر في قطع غيار السيارات، فإنه يخرج الزكاة من القيمة وليس من الأعيان؛ لأننا اعتبرنا العروض بالقيمة، وعروض التجارة مقاسة على القيمة، إذ لا زكاة في العروض لذاتها وإنما تقوّم إلى نقود، فتخرج الزكاة قيمة وليست عيناً. قال الشارح: [وتؤخذ الزكاة من قيمتها لا من أعيانها؛ لأن نصابها معتبر بالقيمة لا بالعين] نصاب زكاة عروض التجارة اعتبرنا فيه القيمة. قال الشارح: [وتؤخذ الزكاة من قيمتها لا من أعيانها؛ لأن نصابها معتبر بالقيمة، وما اعتبر النصاب فيه وجبت الزكاة فيه كسائر الأموال، وقدر زكاته ربع العشر؛ لأنها تتعلق بالقيمة أشبهت زكاة الأثمان]. ثم قال الشارح: [وإن كان عنده ذهب أو فضة ضمّها إلى قيمة العروض]. فلو أن رجلاً عنده عروض تجارة بلغت صافي قيمة الأصول عشرة آلاف، ويمتلك من الذهب (300) جرام، فيضم صافي قيمة الأصول إلى قيمة الذهب أو الفضة؛ لأن العروض مقومة بالذهب والفضة، فتعود إليها. قال الشارح: [إلى قيمة العروض في تكميل النصاب؛ لأنه معد للنماء، والزكاة تجب في القيمة، وهي إما ذهب وإما فضة، فوجبت الزكاة في الجميع كما لو كان الكل للتجارة]. ثم قال المصنف: [وإذا نوى بعروض التجارة القنية فلا زكاة فيها]. إذاً: الأمر يعود إلى النية، فإذا اشتريت قطعة أرض في مدينة مصر، وأقمت عليها سوراً وعرضتها للبيع، فعندما تبيع تجب عليك الزكاة لأنها الآن عروض تجارة، فإذا اشتريت قطعة أرض لبناء بيت لك ولأولادك، فلا زكاة عليها؛ لأن الغرض ليس إعادة البيع، فتعود الزكاة في عروض التجارة إلى النية، هل النية هي إعادة البيع وتحويلها إلى نقدية، أم النية هي أن تقتني هذه السلعة. قال الشارح: [وإذا نوى بعروض التجارة القنية فلا زكاة فيها؛ لأن القنية الأصل، ثم إن نوى بها بعد ذلك التجارة]. فلو أن رجلاً اشترى سيارة بمائة ألف، وكانت نيته عند الاقتناء الاستعمال، ثم بدا له أن يبيعها، فتغيرت النية من القنية إلى البيع، فما حكمه؟ قال: [روايتان للإمام أحمد: إحداهما: يصير للتجارة بمجرد النية] أي: بمجرد أن ينوي يصبح الأمر للتجارة، باع أو لم يبع بمجرد النية تنقلب إلى عروض تجارة بمجرد النية. قال: [اختارها أبو بكر] من علماء الحنابلة [للخبر ولأنه يصير للقنية بمجرد النية، فكذلك يصير للتج

الأسئلة

الأسئلة

معنى الأنعام السائمة

معنى الأنعام السائمة Q ما معنى السائمة، أو الأنعام السائمة؟ A هي الأنعام التي ترعى في الكلأ المباح بدون مشقة معظم الحول، وتنقسم الأنعام السائمة إلى ثلاثة أقسام: الإبل، والبقر، والغنم.

نصاب زكاة الإبل

نصاب زكاة الإبل Q ما هو حد نصاب الإبل؟ A في الخمسة الأولى شاة. فمثلاً: رجل يمتلك من الإبل السائمة أربعة فما الزكاة الواجبة عليه؟ A لا زكاة عليه حتى تبلغ خمسة. إذاً: لا زكاة في الإبل حتى تبلغ خمساً، فإذا بلغت خمساً فعليها شاة، ثم إذا بلغت عشراً ففيها شاتان، وإذا بلغت خمسة عشر ففيها ثلاث وهكذا

تعريف بنت المخاض

تعريف بنت المخاض Q ما هي بنت المخاض؟ A ما أتمت سنة ودخلت في الثانية. ولماذا سميت بنت مخاض؟ لأن أمها حامل، ودخلت على المخاض.

نصاب زكاة من يملك أربعين من الغنم

نصاب زكاة من يملك أربعين من الغنم Q رجل يمتلك من الغنم أربعين، فما الواجب عليه؟ A يجب عليها شاة واحدة. النوع الثاني من الزكاة: زكاة الخارج من الأرض. ينقسم الخارج من الأرض إلى قسمين، هما: النبات، والمعدن. النوع الثاني: الخارج من الأرض وينقسم إلى قسمين: النبات، والمعدن.

شروط زكاة الزروع

شروط زكاة الزروع Q ما الشروط الواجب توافرها في النبات حتى يخضع للزكاة؟ A هناك خمسة شروط هي: أن يكون مما يدّخر ومما يكال، وأن يبلغ النصاب، ونصاب الزروع هي خمسة أوسق، وإذا كان يسقى بماء المطر عليه العشر، إن كان يسقى بالكلفة وبالجهد عليه نصف العشر. أما ما يخرج من الأرض من المعادن، فينقسم إلى قسمين: إما معادن أو بترول، وإما ركاز، وفي الركاز الخمس كما بيّنا في الأسبوع قبل الماضي. القسم الثالث من الزكاة كانت: زكاة الأثمان. القسم الرابع: زكاة عروض التجارة. القسم الخامس والأخير: زكاة الفطر.

كيفية زكاة الأرض المستأجرة

كيفية زكاة الأرض المستأجرة Q زكاة الأرض المستأجرة على المؤجر أم المستأجر؟ A الزكاة على المستأجر ولا زكاة على المالك؛ لأن المالك يتقاضى مالاً، ولا يأخذ حباً أو ثمرة، والزكاة على من ملك الثمرة، والمالك عليه زكاة على المبلغ الذي أخذه إن بلغ النصاب وحال عليه الحول.

حكم الكنز في الأرض المستأجرة

حكم الكنز في الأرض المستأجرة Q إذا وجد المستأجر كنزاً في الأرض التي استأجرها فلمن يكون الكنز؟ A إذا وجد المستأجر شيئاً في الأرض من مدافن الجاهلية فهي لمالك الأرض الحقيقي.

العدة شرح العمدة [31]

العدة شرح العمدة [31] زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للفقير وغنية له عن السؤال في يوم العيد، وهي على كل مسلم ذكراً كان أو أنثى حراً أو عبداً صغيراً أو كبيراً، ويخرجها قبل صلاة العيد، كما أن صاحبها يحرص ألا يخرجها نقوداً وإنما من الأصناف التي حددها النبي صلى الله عليه وسلم.

باب زكاة الفطر

باب زكاة الفطر قال المصنف: [باب زكاة الفطر: وهي واجبة على كل مسلم، إذا ملك فضلاً عن قوته وقوت عياله ليلة العيد ويومه، وقدر الفطر صاع من البر أو الشعير أو دقيقهما أو سويقهما أو من التمر أو الزبيب، فإن لم يجد أخرج من قوته أي شيء كان صاعاً]. إذاً: زكاة الفطر على من تجب، وما هو وقت الوجوب، ومتى تخرج، وما هو أفضل وقت لإخراجها؟ زكاة الفطر لا تخرج إلا عيناً خلافاً للأحناف، فإنهم قالوا بإخراجها نقداً، قياساً على زكاة السائمة، فإن كان يجب عليه بنت لبون وليس عنده إلا بنت مخاض، فإنه يدفعها ويدفع الفرق عشرين درهماً، قالوا: فبما أنكم جوزتم إخراج القيمة في السائمة، فلماذا لا نقول في زكاة الفطر بجواز إخراج القيمة؟ ولكن هذا قياس مع الفارق، ولا قياس في وجود النص كما قالت الأحناف أنه لا يجوز للزوج أن يغسّل زوجته، لماذا؟ لأنه بمجرد الموت انفسخ عقد الزواج، قلنا: هذا باطل؛ لأنه ثبت أن كثيراً من الصحابة غسّلوا زوجاتهم، وقالت أمنا عائشة رضي الله عنها: لو استقبلت من أمري ما استدبرت، ما غسّل النبي صلى الله عليه وسلم إلا زوجاته، فأنتم قستم -أيها الإخوة الفقهاء من فقهاء الأحناف- في وجود النص، ولا قياس في وجوده. قال الشارح: [روى ابن عمر في البخاري قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم)] إذاً زكاة الفطر واجبة (زكاة الفطر من رمضان على الذكر والأنثى، والحر والمملوك من المسلمين صاعاً من تمر) -والصاع أربعة أمداد، والمد ملء كفي الرجل المعتاد، هذا هو المد- (أو صاعاً من شعير -فعدل الناس به نصف صاع من بر- على الصغير والكبير، وأمر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى صلاة العيد) متفق عليه. حديث ابن عمر يقول: النبي صلى الله عليه وسلم كان يستطيع أن يخرج زكاة الفطر نقداً أم لا يستطيع، كان في عهده دراهم ودنانير أم لا؟ لماذا لم يخرجها نقداً؟ فرضها صاعاً، إذاً نحن مع النص، ولا نلجأ إلى القياس إلا في حال عدم وجود النص، وقد يقول قائل: يا شيخ! الفقير يحتاج إلى المال ولا يحتاج إلى الصاع، و A أن الفقير الذي يحتاج إلى المال يأخذ من زكاة المال يأخذ من زكاة عروض التجارة. سيقول قائل آخر: الكل سيعطي الفقير أرزاً إذاً سيكون عند الفقير الكثير من الأرز؛ وسيأخذ الأرز ويبيعه لأنه يحتاج إلى المال. و A أنه يجوز له أن يبيع هذا الأرز للحصول على المال، فهذه شبهة لا وزن لها في ميزان الشرع، إذ أن الفقير فرضت له الزكاة من أعيان المال. فالأنفع للفقير هو ما قرره الشرع ولو أن رجلاً عليه كفارة يمين، هل يستطيع أن يخرج 30 جنيه، أم لا بد أن يطعم؟ يقول ربنا سبحانه وتعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة:89]. إذاً: كفارة اليمين إطعام عشرة مساكين، وإذا كنت لا أريد أن أُطعم هل يجوز أن أقدم بدلاً عن الطعام مالاً؟ والجواب: لا يجوز؛ لأن الشرع قال: إطعام، فالآية جاءت بإطعام ولم تأتِ بقيمة، إذاً: نحن نلتزم بالنص كما ورد. إذاً: الأنفع للفقير هو الذي يقرره الشرع، فقير أعطيناه ثلاثة جنيهات زكاة الفطر، أخذها وأتى بعلبة سوبر، هل هذا أنفع للفقير، فقد رأيت أن فقيراً بيته معرّش بالنخيل، والحوائط طين، والمبنى منهار تماماً، فنظرت إلى البيت فإذا بي أجد دشاً فوق البيت وسط عفش الرز، ينام على الأرض ويشتري دشاً، أهذا الفقير؟ عندنا عدم رشد اقتصادي في الاستهلاك، فالشرع له نصوص فرضها علينا، نحن نسكن في البندر نأتي برز طبعاً في الحرم تجد شيئاً طيباً عبوات أرز مثلاً بموازين مختلفة فتشتري ثم تنفق منه، وهذا هو الشرع فلا مانع مطلقاً في العزيز أن كل الإخوة التجار يعبوا شكاير 3كيلو أو 5كيلو أو 10كيلو ويكتبوا عليها زكاة فطر، فتشتري وتنفق، ما هي المشكلة؟ ليس عندنا مشكلة، بل نحن الذين نضيق على أنفسنا فيقول: أنا كذا وكذا لا يا عبد الله، ابن عمر رضي الله عنه يقول: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً) لم يقل: فرضها نقداً، وإنما قال: صاعاً، والنبي صلى الله عليه وسلم حينما يفرضها صاعاً فنحن لا نحيد عن العين إلى النقد أبداً. وقد قال بعض الحنابلة: وإن أخرجها نقداً لم تجزئ. ويمكن أن توكل غيرك لإخراج الزكاة وهذا يجوز. وإذا ولدت المرأة مولوداً قبل غروب شمس اليوم الأخير من رمضان هل تلزم والده الزكاة أم لا؟ تلزمه؛ لأن وقت الوجوب هو قبل غروب شمس اليوم الأخير، إذ وقت الوجوب هو غروب شمس اليوم الأخير من رمضان، ولو مات الابن أو الأب الذي يعيش مع ولده قبل غروب شمس اليوم الأخير من رمضان، فليس عليه زكاة وإن مات بعد الغروب وجبت الزكاة، وهي دين في الذمة لأن الشمس غابت وهو على قيد الحياة، أما بعد غروبها فلا تجب الزكاة عليه. قال الشارح: [وقدر الفطرة صاع من البر] والبر هو القمح [أو الشعير أو الدقيق أو السويق]. قال الشارح: [أو من التمر أو الزبيب لما روى

وقت زكاة الفطر

وقت زكاة الفطر قال المصنف: [ويستحب إخراج الفطرة يوم العيد قبل الصلاة]. زكاة الفطر لها أوقات: 1 - وقت استحباب. 2 - وقت وجوب. 3 - وقت لا يجوز أن تخرج فيه. أما وقت الاستحباب فهو أن تخرج يوم العيد قبل الصلاة. قال الشارح: [لأن المقصود إغناؤهم عن الطلب في يوم العيد؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم)، وفي إخراجها قبل الصلاة إغناؤهم في اليوم كله، ولا يجوز تأخيرها عن يوم العيد، فإن فعل أثم لتأخيره الحق الواجب عن وقته وعليه القضاء، لأنه حق مال وجب فلا يسقط بفوات وقته كالدين]. فأفضل وقت لإخراج صدقة الفطر هو قبل صلاة العيد، وبعد غروب شمس اليوم الأخير من رمضان، وربما يقول قائل: أنا سأتقدم بإخراجها قبل العيد بيومين هل يجوز هذا أم لا؟ و A نعم يجوز، لكن المعمول به الآن في بلادنا أن الجميع يخرجها في العشرة أيام الأواخر من رمضان قبل غروب الشمس، ويقول: أتخلص منها وفي هذا مخالفة لوقت الاستحباب، فوقت الاستحباب أن تؤخرها إلى آخر وقت تجب فيه، من غروب شمس اليوم الأخير إلى صلاة العيد، ولا يجوز تأخيرها عن يوم العيد، فإن أخرها عن يوم العيد يأثم مع وجوب إخراجها. فلو أن عليك ديناً لأخيك، وكان وقت قضاء الدين هو 1 / محرم / 1424هـ، وجاء وقت قضاء الدين ولم تقض، هل معنى ذلك أن الدين يسقط عنك؟ قد تأثم للتأخير والمخالفة، ولكن لا يزال في ذمتك. فإن أخر صدقة الفطر بعد صلاة العيد يأثم لتأخيرها، ويجب عليه أن يخرجها. قال الشارح: [ويجوز تقديمها عليه بيومين وثلاثة] أي: في 27 رمضان، 28 رمضان، 29 رمضان يجوز أن تُقدّم لكن المستحب هو أن تؤخر، هذا وقت الاستحباب؛ لأن لها علّة، ما علّتها؟ (أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم) كما قال النبي عليه الصلاة والسلام. قال الشارح: [لأن ابن عمر كان يؤديها قبل ذلك باليوم واليومين، ولأن الظاهر أنها تبقى أو بعضها فيحصل الغنى بها فيه]. بمعنى أنها ستبقى إلى يوم العيد. قال الشارح: [وإن عجلها لأكثر لم يجز؛ لأن الظاهر أنه ينفقها ولا يحصل بها الغنى المقصود يوم العيد]. فإن عجلها قبل العيد بيومين أو ثلاثة لم تجز؛ لأن العلة هي إغناؤهم عن السؤال في يوم العيد، فإن أخرجها قبل العيد بعشرة أيام، هل تحققت العلة أم لا؟ لم تتحقق؛ لأن الفقير سينفقها خلال هذه العشرة أيام، وفي يوم العيد لن يجد ما ينفقه، وصدقة الفطر هي أن نُغني الفقير عن السؤال في يوم العيد، فكلما اقترب وقت صدقة الفطر من يوم العيد كان أولى، وعلى هذا يرى المذهب أن من أخرجها قبل ثلاثة أيام من آخر رمضان لم تجزئه. ثم قال: [ويجوز أن يعطي الواحد ما يلزم الجماعة، كما يجوز دفع زكاة مالهم إليه]. أي: أن الفقير الواحد يمكنه أن يأخذ من أكثر من واحد زكاة فطره. قال الشارح: [ويجوز أن يعطي الجماعة ما يلزم الواحد، كما يجوز تفرقة زكاة ماله عليهم].

الأسئلة

الأسئلة

حكم إسقاط دين المعسر واعتباره من الزكاة

حكم إسقاط دين المعسر واعتباره من الزكاة Q عندي تجارة جملة وأبيع بالأجل للجمهور، وهناك بعض الزبائن متعسّر مادياً، ولا يستطيع دفع الديون المتأخرة عليه، هل يجوز أن أتنازل عن هذه الديون وأحتسبها من زكاة المال، وهذه الديون متأخرة منذ أربع سنوات؟ A لا يجوز إسقاط دين المعسر واعتباره من الزكاة باتفاق جمهور العلماء لأسباب كثيرة: قال الشيخ ابن عثيمين: السبب الأول: أن الزكاة ينبغي أن تكون من طيب المال وأفضله، وهذا خبيث المال؛ لأنه مفقود ومعدوم. السبب الثاني: أن الأصل في الزكاة الإعطاء {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة:60] فهو على سبيل التملك، فلا بد أن تعطي الفقير ((لِلْفُقَرَاءِ)) ثم ((وَالْمَسَاكِينِ)) فالإعطاء فيها لازم، أن تعطيه في يده وكلمة (لل) المقصود بها إعطاء وتملك: ((لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ)) ثم قال: ((وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ)). وسأوضح لك الفرق بين قوله تعالى: ((لِلْفُقَرَاءِ)) ((وَفِي)) والفرق بين هذا وهذا. بمعنى أنني لو أنفقت على المجاهد فأعددت له فرساً يحمله، هل تُحسب من الزكاة أم لا؟ تُحسب؛ لأن الله تعالى قال: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة:60] وتعني أن تنفق المال في سبيل الله بغرض تجهيز المجاهد، ليس شرطاً أن يتملك، فإن اشتريت مدفعاً لمسلم يقاتل في أرض المعركة من مال الزكاة فإنها تُحسب من الزكاة؛ لأن الله قال: ((وَفِي)) ولم يقل: ولسبيل الله، وإنما قال: وفي. فالقول هنا قول الجمهور باتفاقهم: أن إسقاط الدين من على المعسر لا يحسب من الزكاة قولاً واحداً.

حكم صندوق الزمالة

حكم صندوق الزمالة Q ما حكم الشرع في صندوق الزمالة، وماذا يجب علي أن أفعل إذا كان القائمون عليه يضعون المال في البنوك الربوية، مع العلم أنني إذا أردت أن أخرج فلن آخذ شيئاً، وشكراً لكم؟ A صناديق الزمالة التي ترتبط بالبنوك حرام، وهي صناديق معناها أنه يُجمع مبلغ من المال من كل موظف وزميل، ثم يوضع المبلغ في البنك بسعر فائدة محددة، وهذا هو عين الربا، فصندوق الزمالة بهذه الطريقة حرام لتوسيط البنك فيه. أما إن كان صندوق الزمالة مجموعة من الإخوة اشتركوا في وضع مبلغ بحيث إذا نزل مكروه بأحد منهم أخذوا هذا المبلغ، فيجوز كما أفتى العلماء.

حكم طباعة الكتب التي فيها مخالفة للسنة

حكم طباعة الكتب التي فيها مخالفة للسنة Q دفع لي أحد الإخوة الفضلاء كتاباً اسمه (المجموعة المباركة)، الرجاء من قارئ هذا الكتاب قراءة الفاتحة على روح المرحوم فلان والمرحومة الفلانية، وبعدها داخل المجموعة المباركة: صدقة جارية على روح المرحومين، ما الحكم في هذا؟ A الناس يطبعون هذه الكتب هم يظنون أنها تحسن صنعاً، المجموعة المباركة، والفاتحة على روح المرحومة، ومطبوع طبعة طيبة ومجلد جلدة طيبة، وهم الآن آثمون، فقد ابتدعوا في دين الله ما ليس منه، ولن تصل هذه الصدقة إلى الميت بحال، بل إن الميت لو وافق على هذا فسيتحمل أوزاراً على أوزاره. فأقول: حذار من هذه الكتب التي تؤلف وتطبع وهي غير محققة، وفيها الانحراف عن منهج أهل السنة.

حكم زكاة المديون المعسر

حكم زكاة المديون المعسر Q يقول السائل الكريم: أحد أقاربي مديون بما يقرب من ثلاثة مليون جنيه، ولا تصل حجم تعاملاته المالية في العام إلى هذا المبلغ، فهل عليه زكاة؟ A المديون المعسر ليس عليه زكاة، والعلماء اختلفوا لو أنه مدين في دين ربوي هل يجب علينا أن نخرج الزكاة إليه أم لا؟ فلو أن رجلاً ضُبط بمخدرات، فالكفالة بخمسين ألف جنيه ومحبوس من أجل خمسين ألف قيمة الكفالة، فهل يجوز أن نجمع له من الزكاة لتفريج كربه؟ وهذا كلام لا بد له من تحقيق، فالإجابة على هذا في الأسبوع القادم: هل إن كان الدين من مال حرام هل يجوز أن يقضى عن المدين وإن كان حراماً أم لا؟

حكم زكاة المحلات التجارية

حكم زكاة المحلات التجارية Q عندي مكتب كمبيوتر يقوم بأعمال مثل كتابة الرسائل والإنترنت، وأعمال مكتبية فما نوع الزكاة التي يخضع لها المكتب؟ A عروض التجارة في آخر السنة المالية تجرد التي في الخزنة فقط، أما الأجهزة الأساسيات فلا تخضع، أي: أن الأصول المتداولة هي التي تخضع، أي: البضاعة التي فيها البيع والشراء، أما الأصول الثابتة فلا تخضع، فما يلزمك أن تجرد النقدية التي في الدرج إن بلغت النصاب وحال عليها الحول وجب فيها الزكاة، أما الكمبيوتر الجهاز في نفسه فليس عليه زكاة لأنه سلعة، وإن كان عندك أجهزة كمبيوتر للبيع، فتجب عليك الزكاة، أما إن كان عندك كمبيوتر واحد أو اثنين للعمل عليه يدر دخلاً فالزكاة على الأصول المتداولة، ويعرف المحاسبون الأصول المتداولة بأنها: الأصول التي يسهل تحويلها إلى نقدية.

حكم زكاة التأمين

حكم زكاة التأمين Q ما حكم بيع محل مدفوع له تأمين؟ A التأمين هذا ليس في حوزتك، فحينما تسترده تخرج عنه زكاة طيلة السنوات التي كانت عند الرجل حينما تحصل عليه، فإذا دفعت تأمين خمسين ألف جنيه بمحل، فحينما أسترد المبلغ أخرج زكاة عن هذه المدة التي عند المالك، وهذا شأنه شأن الصداق، وإن كان التأمين مسترد فهذا ليس له فيه تصرّف، إذ يده مكفوفة عنه.

حكم العمل في محل ملابس الموضة

حكم العمل في محل ملابس الموضة Q أعمل في محل ملابس، ولكن على الموضة ملابس شباب وفيه موديلات، فما رأيكم في هذا؟ A إن كانت الملابس شرعية فيجوز، وإن كانت غير شرعية فلا يجوز.

حكم إكراه الرجل قريبته على لبس النقاب

حكم إكراه الرجل قريبته على لبس النقاب Q أختي لبست النقاب في مسجد العزيز بالله يوم الجمعة الماضية، وأحد الأخوات كلمتها في الله فاستجابت وظلت على لبسه يومين، وسمعت ما لا يسمعه أحد من أهلها، ثم خلعت النقاب، والمبرر لها أنها مخنوقة منه وليست الآن مقتنعة به، فقالت: سوف ألبسه في وقت آخر، فأنا قلت لها: أنكِ لن تنزلي الشارع من غير النقاب، فقالت لي: أتحبسني في الشقة؟ فقلت لها: نعم؟ A ما هذه المشكلة؟ الأخت التي تلبس النقاب وهي مكرهة الأفضل ألا تلبسه، فنحن نريد الالتزام الظاهر كالالتزام الباطن؛ لأن بعض من تقتني هذا الزي تسيء أكثر مما تحسن، فإن لم تكن عن عقيدة وعن يقين، وعندها من القواعد الأصولية ما تتمكن من الرد، فلا داعٍ لأن تجبري الأخت على لبس النقاب إجباراً إلا أن تكون عن عقيدة.

حكم الزكاة على معدات البناء

حكم الزكاة على معدات البناء Q رجل مقاول عنده معدات البناء كالونش والخشب، هل عليها زكاة؟ A ليس عليها زكاة؛ لأنها ليست أصولاً متداولة.

العدة شرح العمدة [32]

العدة شرح العمدة [32] الزكاة عبادة مؤقتة بزمن محدود، فلا تؤخر عن وقت وجوبها، لأنها شرعت طهرة للمزكي وسداً لحاجة الفقراء، ويجوز للمزكي أن يعجل إخراج الزكاة سيما إذا دعت الحاجة إلى ذلك، والأولى أن تخرج إلى أهل البلد الموجود فيه المال لا أن تنقل إلى بلد آخر.

باب إخراج الزكاة

باب إخراج الزكاة قال المصنف: [باب إخراج الزكاة] قال الشارح: [لا يجوز تأخير الزكاة عن وقت وجوبها مع إمكانه؛ لأنها عبادة مؤقتة بوقت فلا يجوز تأخيرها عنه كالصلاة، ولأن الأمر بها مطلق، والأمر المطلق يدل على الفور، وقد اقترن به ما يدل عليه، فإنه لو جاز له التأخير لأُخِّر بمقتضى طبعه ثقة منه بأنه لا يأثم حتى تموت فتسقط عنه عند من يسقطها أو يتلف ماله فيعجز عن الأداء فيتضرر الفقراء بذلك، ولأنها وجبت لدفع حاجة الفقراء وحاجتهم ناجزة، فيكون الوجوب ناجزاً]. والمعنى: أن الزكاة لا يجوز أن تؤخر عن وقت وجوبها، بمعنى أنه إذا كان عندك مال فحال عليه الحول ومضت عليه سنة، فلا ينبغي أن تؤخرها؛ لأن وقت الوجوب هو حولان الحول، فبمجرد أن حال الحول على المال يجب عليك أن تخرج زكاته؛ لأنك لو أخّرت الزكاة سيكون المتضرر هو الفقير، وربما قد تكون عزلت مال الزكاة عن مالك فجاء ما يتلفه، فإذا أُصبت بسرقة مال الزكاة، أو بعطب وتلف للمال، فهذا معناه أن حق الفقير قد يضيع، فبما أنها فُرضت لإنجاز حق الفقير، فوجوبها منجز في الحال؛ ولأنه أمر جاء مطلقاً، والأمر المطلق يفيد التنفيذ الفوري وليس على التراخي، كما يقول بعض الفقهاء. فتأخير الزكاة عن وقت وجوبها لا يجوز؛ لأن ذلك فيه ضرر بمصلحة الفقير، فهل يجوز تقديم وقت الزكاة؟ A نعم؛ لأنه تعجيل بطاعة وهذا موسى عليه السلام حينما وقّت له الله عز وجل ميقاتاً مع قومه فذهب موسى قبل الميقات، فقال له الله: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى} [طه:83] لماذا جئت قبل الميقات وقبل القوم؟ {قَالَ هُمْ أُوْلاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه:84]، فتعجيل الطاعة أمر مطلوب، قال تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [الحديد:21]. قال المصنف: [فإن فعل فتلف المال لم تسقط عنه الزكاة] أي: لو أنه أخّر الزكاة وترتب على التأخير أن تلف المال لم تسقط عنه الزكاة. قال الشارح: [لأنها وجبت في ذمته فلا تسقط بتلف المال كدين الآدمي]. أي: إن تلف المال بعد وجوب الزكاة لا يسقط الوجوب. قال الشارح: [وإن تلف قبله، يعني: قبل الوجوب سقطت؛ لأن المال تلف قبل أن تجب عليه فلم يكن في ذمته شيء أشبه ما لو لم يملك نصاباً ويجوز تعجيلها إذا كمل النصاب، ولا يجوز قبل ذلك] أي: إذا اكتمل النصاب واقترب الحول على المرور فيجوز أن تعجّل الزكاة. قال الشارح: [لأن النصاب سببها فلم يجز تقديمها عليه كالتكفير قبل الحلف]. ما هو سبب وجوب الزكاة؟ بلوغ النصاب، فإن لم تبلغ النصاب فلا زكاة، فمتى بلغ النصاب وجبت الزكاة، فإن بلغ النصاب يجوز له أن يعجّلها، لكن لا يجوز قبل بلوغ النصاب كرجل يريد أن يكفّر كفارة يمين قبل أن يحلف! فيكفر عن ماذا؟ فالكفارة لا تلزمه إلا بعد الحلف. قال الشارح: [ويجوز تعجيلها إذا كمل النصاب ولا يجوز قبل ذلك كالتكفير قبل الحلف، ويجوز بعد كمال النصاب لما روي عن علي رضي الله عنه: (أن العباس سأل رسول صلى الله عليه وسلم أن يرخّص له في تعجيل الصدقة قبل أن تحل فرخص له)، ولأنه حق مال أجّل للرفق فجاز تعجيله قبل أجله كالدين ودية الخطأ]. فلو أن رجلاً عليه دين موعده بعد شهر، فجاء قبل الشهر وقال: هذا الدين المستحق قبل موعده، فإنه يقبل منه، فيجوز تعجيل الدين، وكذلك الزكاة يجوز أن تعجّل قبل ميقاتها أو قبل وقت وجوبها، أو قبل وقت استحقاقها. قال المصنف: [فإن عجلها إلى غير مستحقها لم يجزئه] أي: أنه أخرجها قبل وقت الاستحقاق فإن عجلها إلى غير مستحقها لم يجزئه. والمعنى: عجّل الزكاة قبل وقت استحقاقها عليه، لكنه أعطاها لمن لا يستحق، فإنها لا تجزئه. قال الشارح: [وإن صار عند الوجوب من أهلها؛ لأنه لم يؤتها لمستحقها]. فلو أن رجلاً وجبت عليه زكاة، فأخرجها لرجل لا يستحقها، فإنها لا تجزئ حتى وإن تحول الذي أعطاه مستحقاً بعد إعطائه؛ لأنه عند العطاء كان لا يستحق، ولذلك قال الشارح: [فإن عجلها إلى غير مستحقها لم يجزئه، وإن صار عند الوجوب من أهلها؛ لأنه لم يؤتها لمستحقها، وإن دفعها إلى مستحقها فمات أو استغنى أو ارتد أجزأت عنه]. فإذا أعطيت الزكاة لمستحق الزكاة قبل استحقاقها، ثم بعد أن أخذها مات قبل تاريخ الاستحقاق، هل تخرج مرة أخرى؟ و A لا، فقد أخرجت، وإذا كان بعد أن أخذها ارتد، أيضاً لا تخرج مرة أخرى، فهي لا تجوز لكافر، ولكنه عند العطاء كان من أهل الاستحقاق، ولكنه بعد العطاء تحوّل الأمر، والعبرة بوقت العطاء، أو استغنى بعد أن أخذ الزكاة ففتح الله عليه فأصبح من أصحاب الملايين، ولكنه عند العطاء كان مستحقاً، وبعد العطاء تحوّل الحال، فهذا ليس معناه أنها لا تجزئ، ولكنها تجزئ. قال الشارح: [لأنه أداها إلى مستحقها فبرئ منها كما لو تلفت عند آخذها أو استغنى بها]. آخر الزكاة أخذها ثم تلفت عنده، إما أنه فقد المال أو سُرق المال أو ضاع المال، أو حرق من يد آخذ ا

الأسئلة

الأسئلة

عدد المرات التي تجوز للخاطب أن يرى المرأة التي يريد الزواج بها

عدد المرات التي تجوز للخاطب أن يرى المرأة التي يريد الزواج بها Q كم مرة يجوز للمتقدم للزواج أن يرى المرأة؟ A ثلاث مرات، واستنبطوا ذلك من حديث عائشة رضي الله عنها: (أريتك في المنام ثلاث ليال).

حكم تعليم الموسيقى

حكم تعليم الموسيقى Q لي ابنة حصلت على الثانوية العامة أدبي عام 1988م ولم توفق في المجموع، فالتحقت بكلية التربية الموسيقية جامعة حلوان دون رغبة منها، وبإيعاز من أمها التي كانت تعمل في نفس الجامعة؛ حتى تستطيع أن تعمل في الكويت بعد التخرج، وفعلاً تعاقدت مع الكويت وتعمل هناك مدرّسة تربية موسيقية في مدرسة أطفال يبلغون من العمر ما بين 3 - 5 سنوات، والمدارس التي تعمل فيها لا يدخلها أي رجل فالعمل للنساء المنتقبات المختمرات، هل عملها بهذا الوضع حرام أم حلال؟ A عملها حرام حرام؛ لأن الموسيقى حرام، وليس هناك مادة في الإسلام اسمها التربية الموسيقية. والتربية الموسيقية معناها أن تربي الأجيال على تعلم الموسيقى، النغمة العالية والواطية، والطبقات وغير ذلك، فهذا كله حرام، فدخلها حرام، وعملها حرام، حتى وإن كانت المدرسة كلها نساء، فهذا ليس له علاقة بدخلها، فأنصحك يا أخي الفاضل أن تخبرها أن هذا العمل حرام، ولا بد أن تنتهي عنه، وإن لم تعلم إلا في هذا الوقت، فدخلها التي حصلت عليه قبل ذلك لها إن شاء الله لا نطالبها بشيء إلا من تاريخ علمها بالفتوى.

حكم تأخير صلاة الظهر إلى بعد دخول وقت العصر في السفر

حكم تأخير صلاة الظهر إلى بعد دخول وقت العصر في السفر Q رجل سافر إلى القاهرة قبل أذان الظهر ووصل بعد العصر فمتى يصليهما؟ A يصلي هناك الظهر والعصر جمع تأخير، ولو وصل بعد العشاء يصلي المغرب والعشاء في القاهرة جمع تأخير أيضاً.

نصيحة لمن أراد الزواج

نصيحة لمن أراد الزواج Q الرجاء أن تتبنى مسألة زواج الإخوة، وتنصحهم أن يتقوا الله في الأخوات؟ A وردتني أكثر من رسالة من الأخوات يشكين من الإخوة، وأن بعض الإخوة ممن يريدون الزواج يدقق تماماً في الطول والعرض والجمال والارتفاع، والسمك والحجم، ويتجاهل مسألة التدين! وهذه نقطة خطيرة جداً يا أخي في الله: يكفيك أنها تكون حافظة للقرآن وعقيدتها صحيحة، وتقية وورعة، فهذا يكفي، أما الجمال فهو نسبي، فلا يجوز أن تترك الأخت الملتزمة من أجل متبرجة هابطة جميلة، فأقول للإخوة الأفاضل، وكذلك أنصح أولياء أمر الأخوات أن ييسروا في أمر الزواج، يسروا يسر الله عليكم، فسن النساء تعدى الثلاثين الآن ولا تجد من يطرق الباب، والإخوة أولياء الأمور يضعون شروطاً كشروط بقرة بني إسرائيل {صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ} [البقرة:69] لا طويلة ولا قصيرة، زرقاء العينين، صفراء الشعر، ممشوقة القوام، ومن أسرة طيبة إلى غير ذلك، أين نجد هذا في الكتلوج؟ نسأل الله العافية. فلا بد أن تيسر ولا تشدد فيشدد الله عليك. ونجد نقيض هذا أيضاً وهو أن من الشباب ممن يريد الزواج بدراهم بخس، وآخر يريد الزواج بامرأة لها بيت، فأين القوامة يا رجل؟ ينبغي أن تكون هذه الأخت الملتزمة الطاهرة المنتقبة تساوي أغلى من الذهب عندنا، فلا داعٍ أبداً أن نرخّص أسعارهن، وليس هذا دعوة إلى الغلو، وإنما لا بد من التيسير. وهناك أخ بالمنصورة زوج ولده بثلاثة آلاف جنيه، وسعد الولد سعادة تامة، فالمهم أن هذا فيه بساطة، ولكن أن تقول للخاطب: أريد غسالة أتوماتيك تغسل، وتنشف، وتنظف، وتشفط، وتلبّس! وأيضاً ثلاجة 24 قدم، وشيطان 24 بوصة، وتكييف وستائر وغير هذا فماذا يفعل الشاب الذي تخرج بعد عناء طويل بهذا المرتب الذي يتقاضاه أمام هذه الطلبات؟ فاتقوا الله في الشباب، يسروا يسر الله عليكم. ثانياً: على الشباب ألا يضيق على نفسه في الطلب، فإن كانت الأخت فاضلة تقية مصلية، تقوم الليل، وتحفظ القرآن، وعقيدتها صحيحة، وعندها ورع، فلا يهم ما عدا ذلك، وانظر إلى الحديث: (إن أمرها أطاعته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها حفظته، وإن نظر إليها سرته) ثلاثة في جانب الخُلُق وواحد في جانب الجمال والخَلْق، وهذا يعني: أن نهتم بمعايير الأخلاق والدين، لا أن تهتم بالجمال. فأقول للإخوة الأفاضل: لا تشددوا فيشدد الله عليكم، وأولياء الأمور أيضاً عليهم أن يتقوا الله عز وجل وييسروا على الشباب.

الرد على من أنكر أن عيسى رفع إلى السماء

الرد على من أنكر أن عيسى رفع إلى السماء Q هناك رجل يقول: إنه من أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم يحفّظ القرآن ولكنه يقول: إن سيدنا عيسى لم يرفع إلى السماء، ولكن رفع مكاناً فقط، ويقول: إن سيدنا عيسى هرب إلى الهند ومات في بلدة بمباي وله قبر هناك يزار، وينفي أحاديث المهدي والدجال، فما رأيكم في ذلك؟ A هذا رجل عنده لوثة، وهذا يذكرني بالرجل الذي ذهب إلى المأمون في عهد الخلافة العباسية قال له: من أنت؟ قال: موسى بن عمران، إذاً يا موسى ألق عصاك حتى تصبح ثعباناً، قال: قبل أن أفعل قل أنت أولاً: أنا ربكم الأعلى، فضحك المأمون، وعرف أن هذا الرجل مختل عقلياً. الثاني: ذهب إلى المعتصم وقال له: أنا نبي، قال: أبعد رسول الله؟ قال: بعد رسول الله، قال: ما علامة نبوتك؟ قال: إني أعلم ما في نفوسكم، قال: فما في نفوسنا؟ قال: في نفوسكم أنني كذاب، فضحك الخليفة هذا معناه أن هؤلاء يحتاجون إلى مصحة فمن يقول: إن عيسى لم يرفع ودفن في الهند في بمباي، ويطعن في خروج الدجال فهذا كلام لا ينبغي أن تقيم له اعتباراً. اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا، وجلاء همنا وغمنا، ونور أبصارنا. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

العدة شرح العمدة [33]

العدة شرح العمدة [33] مصارف الزكاة محددة في الشريعة الإسلامية، ومنها مصرف الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل، ولا يجوز صرف الزكاة لغني ولا لقوي مكتسب، ولا لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ولا للولد وإن سفل ولا للأب وإن علا؛ لأنه يجب أن ينفق عليهم.

باب من يجوز دفع الزكاة إليهم

باب من يجوز دفع الزكاة إليهم قال الشارح: [الخامس: وفي الرقاب وهم المكاتبون، يُعطون ما يؤدونه في كتابتهم ولا يُقبل قوله: إنه مكاتب إلا ببينة؛ لأن الأصل عدمها]. المكاتب هو العبد الذي اتفق مع سيده في كتاب على أن السيد يعتقه مقابل مبلغ من المال، فهذا كتاب بين العبد وبين سيده. فإن أدى العبد جزءاً من المبلغ وبقي عليه جزء، فيدفع من الزكاة للعبد كمكاتب، لكننا لا نقبل قوله بأنه مكاتب إلا ببينة أن هناك كتاباً بينه وبين سيده. قال شيخنا العلامة ابن عثيمين رحمه الله: هناك فرق بين قوله تعالى: ((إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ)) وبين قوله تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة:60] فكلمة للفقراء تعني التمليك، وأن الفقير لا بد أن يتملك بيده، وقد يقول قائل: أنا سأسقط الدين عن المدين وأجعله من الزكاة، وهذا لا يجوز، أو يقول قائل: أنا سأقضي الدين عنه وأجعله من الزكاة، وهذا لا يجوز، أو يقول قائل: أنا سأشتري له بالزكاة ملابس وهذا أيضاً لا يجوز، فلا بد من تمليكه المال فقوله: ((لِلْفُقَرَاءِ)) فيها إعطاء وتملك، أما كلمة: ((وَفِي الرِّقَابِ)) فإنها تعني أنه يجوز أن يدفع لسيده المبلغ دون أن يتملك هو، فهناك فرق بين (لل) وبين (في). قال الشارح: [ويجوز أن يفك منها أسيراً مسلماً كفك رقبة العبد من الرق، وهل يجوز أن يشتري منها رقبة يعتقها؟]. بمعنى: لو أن هناك أسيراً مسلماً عند العدو، والعدو يريد مبلغاً لفك أسره، هل يدفع من الزكاة لفك أسره؟ A نعم يدفع من الزكاة لفك أسره فشأنه شأن العبد الذي يدفع لفك رقبته، إنما هل يشتري منها رقبة ثم يعتقها؟ روايتان عن الإمام أحمد: قال الشارح: [الرواية الأولى: يجوز لأنها من الرقاب فعلى هذا يجوز أن يعين في ثمنها، وأن يشتريها كلها من زكاته ويعتقها]. أي: أن الرواية الأولى للإمام أحمد أنه يجوز أن أشتري رقبة من مال الزكاة وأن أعتقها. قال الشارح: [الرواية الثانية: لا يجوز الإعتاق منها؛ لأن الآية تقتضي دفع الزكاة إلى الرقاب، كقوله تعالى: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة:60]]. والرواية الأولى أرجح، وإن أردت أن ترجّح بين روايات مذهب الإمام أحمد فهناك كتاب يسمى: الإنصاف في الراجح من مسائل الخلاف على مذهب الإمام أحمد رحمه الله للمرداوي يرجّح الروايات. ثم قال المصنف: [السادس: الغارمون]. إذاً مصارف الزكاة: المصرف الأول: للفقراء، الثاني: المساكين، الثالث: العاملين عليها، الرابع: المؤلفة قلوبهم، الخامس: وفي الرقاب، السادس: والغارمين. قال المصنف: [الغارمون: هم المدينون] وقد يكون الدين لمصلحة نفسه، وقد يكون الدين لإصلاح ذات البين. مثال ذلك: شخص مدين لشخص آخر، فهذا دين يعان عليه من الزكاة بقدر ما يقضي عنه الدين. يقول الشارح: [الغارمون: هم المدينون، وهم ضربان] أي: قسمان [ضرب غرم لمصلحة نفسه]. أي: أن الدين أصابه لأكل وشرب ومسكن [فيعطى من الصدقة ما يقضي غرمه] يعني: يعطى من الزكاة بمقدار الدين الذي عليه. قال الشارح: [ولا يعطى مع الغنى لأنه يأخذ لحاجة نفسه، فلم يُدفع إليه مع الغنى كالفقير] يعني: إن كان مديناً وهو غني لا يأخذ من الزكاة، فلا بد أن يكون غير قادر على سداد الدين. الضرب الثاني من الغارمين قال الشارح: [غرم لإصلاح ذات البين]. إذاً النوع الأول: غرم لمصلحة نفسه، والثاني: غرم لإصلاح ذات البين. قال الشارح: [كمن يتحمل دية أو مالاً لتسكين فتنة أو إصلاح بين طائفتين]. والنبي صلى الله عليه وسلم بيّن في حديثه: أن المسألة لا تجوز إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع، والفقر المدقع الذي هو الفقر الشديد، أو غرم مفظع، أو دم موجع وذلك لما جاءه الرجل يسأل الناس، فأجلسه النبي صلى الله عليه وسلم وسأله: (هل في بيتك شيء؟ قال: نعم، إناء نشرب فيه الماء وحنث بالي) يعني: سجادة قديمة نجلس عليها قال: ائتني به، فأتاه بهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: من يشتري هذين؟ فقال رجل: أنا أشتريهما بدرهم يا رسول الله، قال: من يزيد على درهم؟ فأقام عليهم مزاداً، حتى قال صحابي: أنا أشتريهما بثلاثة، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم درهماً لأهله وأمره أن يذهب إلى السوق ليحتطب ويبيع يعني: يشتري حطباً ثم يعود فيبيعه، فذهب الرجل واحتطب ثم باع فتربّح وتكسب وجرت السيولة في يده، وجاء بعد ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: هذا أولى من أن تأتي المسألة في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تجوز إلا لذي فقر مدقع، أو غرم مفظع، أو دم موجع، وهذه حكمة نبينا عليه الصلاة والسلام، لقد حوّل يد الرجل من يد سؤال إلى يد منتجة، أما اليوم فإن ذل المسألة في الشوارع والطرقات آلاف مؤلفة يسألون الناس إلحافاً، بل يسألون الناس بدون حق. فيأتي رجل يسأل ويقول: يا شيخ! أنا مدير عام انفصلت من عملي ارحموا عزيز قوم ذل، وعندي بنت تعالج من الكلى

باب من لا يجوز دفع الزكاة إليه

باب من لا يجوز دفع الزكاة إليه قال المصنف: [باب من لا يجوز دفع الزكاة إليه: لا تحل الصدقة لغني ولا لقوي مكتسب] فقد يأتيك رجل يسألك وهو يستطيع أن يجر سيارة من الشارع وبقوة، هل هذا رجل يحتاج إلى صدقة؟ بل لا بد أن يعمل، فإن الصدقة لا تحل لغني ولا لقوي مكتسب يستطيع أن يكتسب الرزق، ولذلك لو أخذنا هذه القواعد وطبقناها الآن لما وجدنا من يتسول، ولكننا نحن الذين أوجدنا هذه الطائفة من المتسولين؛ لأننا ساعدناهم على ذلك، فعندما يخرج الواحد منهم في الصباح ويعود في آخر النهار ومعه 50 جنيهاً أو 100 جنيه، وبدون مشقة فهذا عمل سهل ولا يحتاج إلى جهد، ولو أننا قلنا له: أنت قوي مكتسب لا تحل لك الصدقة، لعاد وفكّر ألف مرة، لكن هذا الفقه الغائب هو الذي دفع البعض إلى هذه الوظيفة. قال الشارح: [لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب) رواه النسائي، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي)] يعني: لقوي سوي ليس به عيب، أو لا يستطيع التكسب. وبعض هؤلاء المتسولين يمثّل فتجده يربط على قدمه شاشاً حتى يأخذ منك، فإذا انفرد بنفسه مشى كالصاروخ وليس بقدمه شيء، فانتبه إلى هؤلاء، وقد أخبرني أحد الإخوة في المملكة العربية السعودية أن هناك عصابات تقطع أذرعة الصبية الصغار، والطفل ابن سنة أو سنتين، ويوضع في الطريق العام ليتسول، عصابات تُحصّل الإيراد آخر اليوم آلاف الجنيهات. والشاب الذي يريد أن يتزوج من الزكاة يعان من الزكاة، وهذا حدث في عهد عمر بن عبد العزيز حينما زوج الشباب من بيت المال، على اعتبار أنه من أحد مصارف الزكاة، إما أن يدخل تحت المسكين أو تحت الفقير، فإذا كانت حاجته للزواج عشرة آلاف ومعه خمسة آلاف يعان بالخمسة آلاف المتبقية؛ لأن ما معه أقل من حاجته. ثم قال الشارح: [(لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي). وضابط الغنى روايتان] ضابط الغنى عند الإمام أحمد يختلف عن ضابط الغنى في عصرنا؛ فضابط الغني في عهده من دخله خمسون ديناراً، فهذا كلام في عهده، أما في عهدنا فضابط الغنى عندنا هو متوسط دخل الرجل المعتاد، فمثلاً: ما يحتاج إليه الرجل في مصر للإنفاق على بيته من مسكن ومطعم ومشرب 500 جنيه، إذاً فضابط الغنى هو 500 جنيه. قال المصنف: [ولا تحل لآل محمد صلى الله عليه وسلم وهم بنو هاشم ومواليهم]. بنو هاشم وبنو عبد مناف، وخص بنو هاشم وبنو عبد مناف بالذكر دون غيرهم لأنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الحصار الاقتصادي، فهؤلاء لهم من الفيء الخمس، ولا يأخذوا من الزكاة، وكذلك لمواليهم. قال الشارح: [لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الصدقات أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد وآل محمد) وحكم مواليهم -وهم معتقوهم- حكمهم. ولا يجوز دفعها إلى الوالدين وإن علا]. قوله: وإن علا، يعني: الجد، وشيخ الإسلام له بحث نفيس في هذه المسألة، يقول: يجوز أن تدفع إلى الوالد، ولكن شريطة ألا يكون الولد ملتزماً بالنفقة عليه، قال العلماء: إذا كانت الزكاة تسقط عني حق النفقة فلا يجوز. فالضابط عند شيخ الإسلام: أن من تلزمك مؤنته والنفقة عليه لا يجوز أن تؤدي الزكاة إليه، وأما قولهم: إن الزكاة لا تدفع إلى الأب وإن علا، حتى وإن كان غير ملزم بالإنفاق عليه، فهذا كلام يحتاج إلى دليل. قال المصنف: [ولا إلى الولد وإن سفل] يعني: أب يعطي ولده أو يعطي الحفيد وهكذا، [ولا من تلزمه مؤنته كالزوجة] كذلك الزكاة من الزوج للزوجة لا تجوز، تجوز من الأخ لأخيه؛ لأن الأخ لا يلتزم بمؤنة أخيه، أما إذا كنت تنفق عليه لا يجوز أن تعطيه الزكاة، فكل من تلزمك نفقته ومؤنته لا تؤدي الزكاة إليه، لأنك لو أديت الزكاة أسقطت عنك النفقة. قال الشارح: [كالزوجة والعبد والقريب لأن نفقتهم عليه واجبة، وفي دفعها إليهم إغناء لهم عن نفسه فكأنه صرفها إلى نفسه، ولا يجوز أن تدفع الزكاة إلى كافر لغير تأليف القلب (تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم)]. فإن أداها إلى كافر لا تجزئ حتى وإن كان لا يعلم أنه كافر، ثم علم عليه أن يعيد إخراج الزكاة، فالزكاة لا تجوز لكافر. ويجوز أن يعطى أهل الكتاب من الأضحية إذا كانوا جيران. قال الشارح: [ولأنها مواساة تجب على المسلم فلم تجب للكافر كالنفقة. فأما صدقة التطوع فيجوز دفعها إلى هؤلاء وإلى غيرهم] صدقة التطوع تجوز من الأصل إلى الفرع، ومن الفرع إلى الأصل، وإلى الكافر لتأليف قلبه [لما روي عن جعفر بن محمد عن أبيه أنه كان يشرب من سقايات بين مكة والمدينة فقلت له: أتشرب من الصدقة؟ فقال: إنما حرمت علينا الصدقة المفروضة] رغم أنه من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه شرب من مال الصدقة، فتوضح أن الصدقة المقصود بها الزكاة الواجبة. قال الشارح: [ولا يجوز دفع الزكاة إلا بنيه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما

الأسئلة

الأسئلة

حكم شراء التلفاز وحكم إصلاحه

حكم شراء التلفاز وحكم إصلاحه Q الحمد لله الذي من عليّ بالالتزام، ولكن قبل الالتزام كان لدي تلفاز ولم أجلس أمامه ولكنه ملك لي، فحاولت تخريبه أكثر من ثلاث مرات، ووالدي يصلحه من جديد، فهل عليّ ذنب؟ A الذنب هنا على من اشتراه وليس على من أصلحه.

حكم الصلاة خلف إمام لا يستر عورته

حكم الصلاة خلف إمام لا يستر عورته Q رجل يصلي بالناس إماماً ويرتدي ملابس بيضاء شفافة ولا يرتدي سروال وتظهر منه الملابس الداخلية والعورة، ونهيناه ولم ينته، فما حكم الصلاة خلفه؟ A تكره الصلاة خلفه؛ لأن ستر العورة من شروط صحة الصلاة.

حكم شراء التلفاز من أجل معرفة الأخبار

حكم شراء التلفاز من أجل معرفة الأخبار Q هل يجوز أن أشتري تلفازاً بحجة التعرف على أحداث العالم، وما يحدث في العراق؟ A من الذي سينقل لك؟ يقول الله عز وجل: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة:219] فلا تحاول أن تقول هذا الكلام الخبيث، فلا يقوله إلا من في قلبه مرض، كالحزبيين يقولون: نحن نشتري الدش لنشاهد الجزيرة، الحزبيون الذين هم الجماعة الحزبية التي شتتت الأمة، أو الجماعة الأم، ونحن الجماعة الفرع.

مواطن رفع اليدين في الصلاة

مواطن رفع اليدين في الصلاة Q أدركت الإمام في الركعة الثانية أو الثالثة، فعندما أقضي هل أرفع يدي عند التكبير أو أكبر فقط دون رفع اليد؟ A ترفع في مواطن الرفع فقط، ومواطن الرفع أربعة: عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الاعتدال من الركوع، وعند القيام من التشهد الأوسط.

خطورة التحذير من الدعاة والعلماء

خطورة التحذير من الدعاة والعلماء Q اتصل بي أخ كريم من (إمبابه) يقول: إن هناك ورقة توزّع في التحذير من المشايخ: أبي إسحاق والشيخ محمد حسين يعقوب والشيخ محمد حسان، وغيرهم. فأقول: ومن للأمة إن حذرتم من هؤلاء؟ A إن التشهير بالعلماء في أوراق تطبع وتوزع، من أناس يظنون أنهم يحسنون صنعاً، في الحقيقة أن هذه الأمور لا ندري من وراءها ومن يقود هذه الحملة، فنحن يا إخواني يجب أن يحب بعضنا بعضاً، وأن يحترم بعضنا بعضاً، وألا نفضح عوارنا أمام العامة، وأن نواري على عورات بعضنا، فهذا أمر مهم، فإن كان فيه عور في فكره أو منهجه فاتصل على العالم وانصحه؛ فإن لم يرجع عن فكره فأنت صاحب حق، ولكن دون أن تهاجمه من أول وهلة، فهذا كلام مستهدف وكلام يفيد أعداء الأمة أكثر مما يصلح، فلنتقي الله عز وجل في أنفسنا. ليس هناك سوى عشرة علماء يتحركون في الساحة حينما تقدح في هؤلاء فمن سيكون للأمة، فاترك الأمة في همها وعطاءها واتق الله عز وجل. فهذه فتنة قادمة إلينا، وأنا أنصح إخواني بعدم الرد، وكل الذين يقدحون في علماء الأمة هم أحبابنا، فأفضل شيء هو عدم الرد، فإذا انشغلت بالرد لا تستطيع أن تتعلم، فهذه كلها معركة جانبية لا تلتفت إليها أبداً.

نصيحة لطالب علم الحديث

نصيحة لطالب علم الحديث Q أنا طالب أتعلم علم الحديث فأرجو منك أن تفيدني ببعض الكتب التي أطلب العلم منها، وعلى يد من أطلب علم الحديث؟ A أنصحك أن تتصل بالشيخ طارق عوض الله، أخ فاضل مهذّب له معرفة في علم الحديث، وله مكتب تحقيق، وهو من العلماء الأجلاء الذين يعرفهم الكثير؛ إلا أن الرجل خفي، فأنصحك أن تتصل به.

صحة نهر رجب في الجنة

صحة نهر رجب في الجنة Q هل هناك نهر في الجنة اسمه رجب؟ A ليس هناك في الجنة نهر يسمى رجب.

حكم النقاب

حكم النقاب Q هل النقاب فرض أم سنة، وما الدليل عليه من الكتاب والسنة؟ A هذا موضوع طويل قتل بحثاً ولا داعٍ لإثارته، وقد اختلف العلماء في ذلك كثيراً والراجح الوجوب في زمن الفتنة، لا شك في هذا.

حكم أخذ أجرة العمل ممن دخله حرام

حكم أخذ أجرة العمل ممن دَخْله حرام Q أنا سائق تاكسي، وفي مرة من المرات ركب معي رجل يعمل مصوراً، وأعطاني نقوداً وعصيراً، فهل أموال هذا الشخص حلال أم حرام؟ A اشرب وخذ المال ولا حرج، ففي يده حرام وفي يدك حلال؛ لأن عملك مشروع.

حكم الأخذ من المال الذي يعطى للشخص لإنفاقه للفقراء

حكم الأخذ من المال الذي يعطى للشخص لإنفاقه للفقراء Q أنا طالب علم وأقوم بمحاضرات دينية في بعض المساجد بترخيص من الأوقاف، وتأتيني أموال يسألني أصحابها إنفاقها في سبيل الله، فهل آخذ منها، علماً بأني أحتاج إليها وبشدة، خاصة لشراء الكتب؟ A خذ ولا حرج، فأنت أولى من غيرك، إن كنت تحتاج فخذ والعهدة إن شاء الله واضحة بيّنة، لكن تأخذ بالمعروف.

حكم الأخذ من التمر الذي يوزع في المساجد

حكم الأخذ من التمر الذي يوزع في المساجد Q لو أني دخلت مسجداً في رمضان ووجدت رجلاً يوزع تمراً تطوعاً، فهل يجوز لي أن آخذ؛ لأنها أوساخ الناس؟ A كل التمر ولا حرج، خذ تمرتين أو ثلاثاً ولماذا لا تريد أن تأخذها هل لأنها أوساخ الناس؟! فهذه ليست من الزكاة، ولكن هذه صدقة.

حكم زكاة الماس

حكم زكاة الماس Q قلت: إن في حلي الزوجة زكاة، فقد قدمت إلى زوجتي شبكة بتسعة آلاف وهي عبارة عن خاتم ألماس، فما مقدار الزكاة في هذه المسألة؟ A لا زكاة على الألماس عند العلماء؛ لأن الألماس ليس فيه زكاة، إنما الزكاة في الحلي؛ لأنه لا يُعرف عند الفقراء أبداً، وربما ينظر الفقير إلى الألماس فيظنه صفيحة. اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، اللهم ارزقنا علماً نافعاً، وقلباً خاشعاً، ونعوذ بك يا ربنا من علم لا ينفع.

العدة شرح العمدة [34]

العدة شرح العمدة [34] كتب الله علينا الصيام كما كتبه على الذين من قبلنا لهدف التقوى والخوف من الله والصبر على الطاعة، وقد جعل الإسلام للصيام واجبات وشروطاً وضوابط، فهو ركن من أركان الإسلام لا يتم إسلام المرء إلا به.

أحكام الصيام

أحكام الصيام الحمد لله رب العالمين. شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أيها الإخوة الكرام الأحباب! طبتم جميعاً وطاب ممشاكم إلى بيت الله عز وجل، وأسأل الله سبحانه أن يجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً.

موجبات الصيام وشروطه

موجبات الصيام وشروطه قال المؤلف رحمه الله تعالى: [يجب صيام رمضان على كل مسلم بالغ عاقل قادر على الصوم]. أما قوله: (يجب) فمعنى ذلك: أن صيام رمضان واجب، أي: فرض. وأنواع الصيام المفروضة على العبد ثلاثة: صيام رمضان، وصيام الكفارات، وصيام النذر، فمن نذر أن يصوم لله لا بد أن يصبح الصيام في حقه واجباً، وكفارة اليمين وكفارة الظهار وكفارة القتل الخطأ صيامها واجب، فالصيام الواجب: هو المفروض على العبد أن يصومه. قلت: رمضان واجب بحق الشرع، والنذر واجب بحق الشرط، فالواجب ينقسم إلى واجب بالشرع وواجب بالشرط، فالذي أشترط على نفسي أن أصومه لا بد من صومه. وشروط الصوم أربعة، ومعنى الشرط: ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته، والمعنى: أن هذه الشروط واجب توافرها ليصح الصيام، فبعضها شروط صحة وبعضها شروط وجوب، وهناك فرق بين شرط الصحة وشرط الوجوب، فالبلوغ شرط وجوب، يعني: يجب على الصبي أن يصوم إذا بلغ، فإن صام قبل البلوغ فإن صيامه صحيح. والإسلام شرط صحة، فإن صام الكافر فلا يصح صيامه. قال: [فشروط الصيام أربعة: الإسلام، فلا يجب على كافر أصلي ولا مرتد؛ لأنه عبادة لا تجب على الكافر كالصلاة]. إذاً: الشرط الأول هو الإسلام، فإذا صام نتنياهو فحكم صيامه لا يصح؛ لأنه كافر، وشرط قبول الأعمال هو التوحيد، وأول واجب على العبيد هو معرفة الرحمن بالتوحيد، ولو صام المشرك فإن صيامه باطل وغير مقبول: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر:65]. فالإسلام شرط صحة، فلا يجب على كافر أصلي ولا مرتد؛ لذلك لو كان مسلماً وصام رمضان، ثم في ظهيرة رمضان ارتد فحكم صيامه أنه باطل؛ لأن الردة تبطل الصيام، وسب الدين في رمضان وفي غير رمضان كفر، فإن سمعتم بصائم يسب الدين فإن سب الدين كفر، إذاً: صيامه يبطل؛ لذلك قال: الإسلام. قال: [والثاني: العقل، فلا يجب على مجنون]؛ لأن العقل مناط التكليف، يعني: إذا وجد العقل وجد التكليف، فلا تكليف، فالمجنون غير مكلف لا بصيام ولا بصلاة ولا بأحكام شرعية؛ لأنه رفع القلم عن المجنون حتى يفيق، يعني: حتى يعقل. قال: [والثالث: البلوغ، فلا يجب على صبي؛ لقوله عليه السلام: (رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يبلغ الحلم)]. والقلم المرفوع عن الصبي يختلف عن القلم المرفوع عن النائم؛ لأن قلم السيئات يرفع عن الصبي، وقلم الحسنات يجري في حقه، أما النائم فقلم السيئات والحسنات يرفعان عنه، إلا إذا ابتغى النائم بنومه وجه الله يؤجر على ذلك، فإن أتى بمعصية وهو نائم لا يؤاخذ عليها، أتى بطاعة وهو نائم، أو رأى في نومه أنه يصلي فلا أجر عليه؛ لأنه لا عبرة بالأعمال عند النوم، أما الصبي فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم حينما رفعت المرأة صبياً لها وقالت: (يا رسول الله! ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر)، إذاً: هو له حج وللولي أجر، ولا تسقط عنه حجة الإسلام إن بلغ، وحجه وهو صبي صحيح وله على ذلك أجر، فإن كان بيننا الآن صبي دون السابعة يصلي معنا، فإن قلم الحسنات يجري في حقه، وإذا لم يصل فقلم السيئات لا يجري. ثم قال: [ويؤمر به الصبي إذا أطاقه، ويضرب عليه ليعتاده، ولا يجب عليه للخبر]. فالصبي يؤمر بالصيام حتى يتعود على الطاعة: (علموا أولادكم الصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر)، فاصطحاب الولد إلى المسجد بعد السابعة يجوز؛ لأنه أصبح مميزاً؛ لذلك قال الفقهاء: وسن الختان للصبي ينبغي أن يكون قبل السابعة؛ لأن هناك علاقة بين الختان والطهارة، ومتى أمر بالصلاة أمر بالطهارة، ولا تتأتى الطهارة إلا بالختان للذكر والأنثى، وللأنثى حتى البلوغ؛ لأن هناك علاقة بين الطهارة وبين الصلاة، فمتى يجب عليهما الصلاة يجب عليهما الختان، والختان أصل الطهارة، فإن لم يختتن الذكر أو تختتن الأنثى لا تتحقق الطهارة؛ وذلك لأن الحشفة تمنع جزءاً من البول عن التطهر، كذلك عند الأنثى؛ ولذلك من لزوم الطهارة الختان. إذاً: شروط الصيام أربعة: الإسلام، العقل، البلوغ، القدرة. فمن عجز عن الصيام فلا صوم عليه، فإن الله لم يكلفنا إلا بما نستطيع، فإن كان مريضاً أو مسافراً أو عاجزاً عن الصيام فهو غير قادر، وذكر البخاري في كتاب الصيام: أن الصحابيات كن يعودن أبناءهن على الصيام: (أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بصيام عاشوراء، فصمنا وصومنا أبناءنا الصغار، حتى إذا بلغ من الولد الصبي الجهد -يعني: يريد أن يأكل ويشرب- صرف لهم العرائس من الصوف)؛ لينشغل الصبي حتى يؤذن المؤذن، فانظر إلى تعويد الصبي على الطاعة، لكن أنت ستأخذه لمباراة القمة والسوبر والمسرح وتصطحبه إلى المصيف حيث العري والإباحية والاختلاط، وتعلمه البذاءة من صغره. قال الشاعر: أرضعوا الأطفال في المهد الحرام علموهم فحشهم قبل الكلام فلا بد أن يتعود الصبي على الطاعة منذ صغره، الصدق الأمانة عدم الكذب الإخلاص ا

اعتبار رؤية هلال رمضان وهلال شوال

اعتبار رؤية هلال رمضان وهلال شوال إذا رأينا هلال رمضان وجب علينا الصوم، لكن هل يجب على كل بلد أهل أن يروا الهلال، أم أن رؤية البلد تعتبر رؤية للبلد الآخر؟ وهل اختلاف المطالع معتبر أم غير معتبر؟ شيخ الإسلام ابن تيمية له كلام جميل في هذه المسألة، فالهلال سمي هلالاً لأنه ظهر في السماء، ومن الممكن أن يبقى في السماء ولا يراه أهل الأرض، فنقول: استهل الغلام صارخاً، فيعلم من في المكان أن الغلام ولد باستهلاله؛ ولذلك فإن الهلال في السماء ولا يستهل عند أهل الأرض. يقول شيخ الإسلام: فالعبرة في رؤيا الهلال هو أن يراه واحد منهم، ثم يقره ولي الأمر على رؤيته، فيستهل به بين الناس، وإن لم يأخذ ولي الأمر برؤيته لا يستهل به، ففرق بين ظهور الهلال في السماء، ويلزم الذي رآه الصيام، يعني: هب أنني رأيت الهلال وذهبت إلى ولي الأمر لأقول له: أنا رأيت الهلال، لكنه لم يأخذ برؤيتي، فإنه يلزمني أنا الصيام، أما الجميع فلا يلزمهم؛ لأن ابن عمر لما رأى الهلال أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فصام وأمر بصيامه. وخلاصة أقوال العلماء المعتبرة: أنه لا يجوز لأحد أن يخالف قطره في الصيام، فلا يجوز لك أن تنفرد بصيام، بل صم مع بلدك وأفطر مع بلدك، وإن شئت أن تصوم لاتحاد المطالع مع بلد آخر فصم سراً، كما يفعل البعض سراً. لكن من الجهة الشرعية إذا رأت بلدي أن يكون لها رؤية مستقلة فلا يجوز لي أن أشق عصا الطاعة وأن أخالف الجماعة وأن أنشئ صياماً بمفردي، هذا هو قول أهل العلم المعتبر، فلا يجوز أن تخالف أهل بلدك، لكن إن شئت فصم سراً ولا يعلم أحد بصيامك، فإن كنت تريد أن تحدث فتنة وتخرج عن الجماعة وتريد للجميع أن ينزل على رأيك فإن هذا لا يجوز، لكن الراجح من أقوال العلماء: أنه إذا ثبت الهلال في بلد يجب على ولي الأمر أن يأخذ برؤيا الهلال في البلد المشتركة معه في جزء. وفي الحديث: (صوموا لرؤيته وأفطروا). علق النبي صلى الله عليه وسلم الصيام بالرؤية لا بميلاد الهلال، فقد ذكر في الأفلاك في جريدة الأهرام: أنه سيولد الهلال بعد غد، فنقول لهم: لا عبرة برؤيتكم، ولا عبرة بقولكم، ولا عبرة بحساباتكم؛ لأننا أمرنا بالصيام للرؤية ولم نؤمر بالصيام للميلاد، فقد يولد ولا نراه، إذاً: لا نصوم؛ لأنه حال بيننا وبين رؤيته حائل. والشيخ أحمد شاكر له رأي في هذه المسألة تفرد به. قال: والأجهزة العلمية الحديثة تبين الميلاد، كذلك نستطيع أن نرى الهلال بالأجهزة، يعني: هل الرؤية بالعين المجردة أصل، أم يمكن أن نرى الهلال بأي وسائل عصرية؟ فهو يرى هذا الرأي في أحد كتبه: أن الحسابات الفلكية يمكن أن يعتمد عليها في تحديد بدء الصوم. قال المؤلف رحمه الله: [يجب الصيام بكمال شعبان، أو برؤية هلال رمضان، أو وجود غيم أو قتر في مطلعه ليلة الثلاثين من شعبان يحول دونه؛ لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فاقدروا له) متفق عليه، يعني: ضيقوا له]. هذا قول مرجوح؛ لأنه يقصد أنه إذا غم علينا الهلال ولم نره فالواجب علينا أن نضيق عدة شعبان إلى تسعة وعشرين يوماً، مثل ذلك قوله تعالى: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} [الأنبياء:87]، لكنه عاد وقال: [وإن غم عليكم فأكملوا ثلاثين يوماً]. إن يوم الشك في بعض كتب الفقه: هو اليوم الذي فيه غمام ولا نستطيع أن نرى الهلال، فإذا استطلعنا الهلال في جو صحو ولم نر الهلال ولم يحل بيننا وبينه حائل، فإن شعبان ثلاثون يوماً يقيناً، فلا نسميه شكاً؛ لأن الهلال لم يولد يقيناً، كذلك إذا استطلعنا ووجدنا غداً رمضان فإن غداً رمضان يقيناً، فالشك معناه: احتمال أن يكون رمضان، واحتمال أن يكون المتمم لشعبان، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم الشك. قال: [وإن رأى الهلال وحده صام؛ لقوله عليه السلام: (صوموا لرؤيته)، فإن كان عدلاً صام الناس بقوله؛ لما روي أن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته، فصام وأمر الناس بالصيام)]. إذاً: في دخول رمضان يمكن أن يراه واحداً، أما في دخول شوال فلا بد من اثنين. مثال: رجل رأى الهلال ثم ذهب إلى ولي الأمر فأخبره، فنظر ولي الأمر في حاله فوجد أنه عدل، فعلى ذلك يلزمه أن يأخذ برؤيته، فإن لم يأخذ ولي الأمر برؤيته فهو آثم؛ لأن ابن عمر قال: (فأخبرت النبي بأنني رأيت الهلال فصام وأمر بصيامه). قال الشيخ ابن باز رحمه الله حتى واحد وثلاثين، قال: صمت ثلاثين يوماً -في مصدر سؤال في لجنة الفتوى في دار الإفتاء السعودي- ثم ذهبت إلى الكويت الشقيقة بعد أن أتممت الصيام هنا فوجدتهم على الصيام في اليوم فماذا أصنع في الكويت أفطر وأخالف أهل الكويت أم أصوم معهم ولا شيء علي؟ قال: صم؛ حتى لا تخالف أ

الأسئلة

الأسئلة

حد عورة المرأة أمام المرأة

حد عورة المرأة أمام المرأة Q ما حد عورة المرأة أمام المرأة المسلمة؟ A المرأة أمام المرأة عورة إلا الوجه والكفين، كما قال العلماء، ولا يجوز للمرأة أن تظهر مفاتنها على أختها؛ لأن في الحديث: (أن تنظر المرأة إلى عورة المرأة ثم تصفها إلى زوجها كأنه يراها)، لا سيما في زمن الفتن وعدم العدالة، فالأولى بالمرأة المسلمة أن تأخذ بالأحوط.

حكم جعل الكمبيوتر تلفازا بواسطة كروت تستخدم في الحاسب الآلي

حكم جعل الكمبيوتر تلفازاً بواسطة كروت تستخدم في الحاسب الآلي Q لدي مركز كمبيوتر ولدي به تجارة بيع وشراء، فهل يجوز لي بيع كروت التلفزيون التي تستعمل في الحاسب الآلي؟ A التلفزيون محرم لغيره وليس محرم لذاته، وعلى ذلك فإن غلب على ظنك أنه سيستخدمها في الحرام فالورع الترك، والله تعالى أعلم.

وجوب التأدب في طلب العلم

وجوب التأدب في طلب العلم Q هناك من الأخوات من يشربن الشاي في مصلى الناس والأطفال لا ينهاهم أحد عن الصراخ، وكأن الأمر لا يعني أحداً، مما يسبب ذلك إيذاء لطلبة العلم؟ A ما هذه المصيبة التي نحن فيها! إن المسجد له احترام، وطلب العلم له أدب، فيا أيتها الأخوات الفاضلات التقيات الطاهرات العفيفات اعلمن أن طلب العلم له آداب، لا ينبغي لطالبة العلم أبداً أن تعرض عن الدرس وتشرب الشاي أو أي مشروب آخر، أو أن تشتغل بطفلها، أو أن تشغل الحضور. أيتها الأخت الفاضلة! إن كان هذا هو حالك فالأولى أن تلزمي بيتك واشربي كما شئت.

حكم العمل في شركة رأس مالها أجنبي تقوم بتنظيف المدن

حكم العمل في شركة رأس مالها أجنبي تقوم بتنظيف المدن Q هل يجوز العمل في الشركة المصرية الأسبانية التي رأس مالها أجنبي وعمالها مصريون، وهي تعمل في مجال تنظيف القاهرة؟ A نعم، يجوز، عملها مشروع؛ لأنه منوط بالتنظيف.

حكم توزيع تركة المتوفى وعليه لزوجته صداق مؤخر

حكم توزيع تركة المتوفى وعليه لزوجته صداق مؤخر Q هل يجوز للزوجة أن تأخذ الصداق المؤخر بعد وفاة الزوج من الميراث؟ وهل هذا دين في عنق الزوج؟ A لا يجوز توزيع التركة على الورثة إلا بعد استقطاع مؤخر الصداق؛ لأن مؤخر الصداق من ديونها، قال تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء:11].

ما ينبغي أن يفعله الشخص تجاه والديه بعد وفاتهما

ما ينبغي أن يفعله الشخص تجاه والديه بعد وفاتهما Q ما الذي أفعله لأبي وأمي بعد موتهم؟ وهل يجوز قراءة القرآن لهما أم الدعاء؟ A الراجح: أن تدعو لهم، وأن تتصدق عنهم بصدقة جارية، أو أن تقيم لهم أي عمل خيري، يصل إليهم إن شاء الله تعالى.

حكم إفراد يوم الجمعة والسبت بصوم

حكم إفراد يوم الجمعة والسبت بصوم Q ما حكم صوم يوم الجمعة بمفرده، وحكم صوم يوم السبت بمفرده؟ A لا يجوز أن تفرد الجمعة أو أن تفرد السبت إلا إذا كان صيام عادة، أو كان عاشوراء أو عرفة، فهذا يجوز، والله تعالى أعلم، أو أن تصوم يوماً قبله؛ لحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على إحدى زوجاته فوجدها صامت الجمعة بمفرده، فقال لها: أصمت يوماً قبله؟ قالت: لا. قال: أتصومين يوماً بعده؟ قالت: لا، فأمرها بالفطر)، حديث صحيح.

معنى الكفت في الصلاة وحكمه

معنى الكفت في الصلاة وحكمه Q ما هو الكفت في الصلاة وما حكمه؟ A الكفت في الصلاة: تشمير الثياب، وهذا لا يجوز لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه، حتى يسجد كل الثوب، أو أن تتحزم في وسطك هكذا بحزام، فهذا منهي عنه، ويجوز أن تشمر البنطال للإسبال، والشعر لا يجوز أن تربطه، فإن كنت ذا شعر طويل فلا بد أن تفرده عند السجود.

حكم تسمية الأطفال بأسماء مشئومة

حكم تسمية الأطفال بأسماء مشئومة Q ابني اسمه شهاب فهل أغيره أم لا؟ A نعم. غيِّره؛ جاء رجل إلى عمر فقال: ما اسمك؟ قال: شهاب؟ قال: من أي القبائل؟ قال: من جمرة. قال: من أي العائلات؟ قال: من ذي لظى. قال: اذهب فبيتك قد احترق. وبالفعل الاسم له علاقة بالمسمى، فهناك رجل يسمي ولده خيشة بهلول، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم! فينبغي أن يختار الرجل لابنه الاسم الحسن، فمن الناس من يسمي ابنه كما في الأرياف: عاصفة الصحراء، إنا لله وإنا إليه راجعون، والثاني يسمي ابنه: مايكل جاكسون، فهل هذه أسماء يا إخواننا؟! يتشبهون بالأجانب والكافرين في أسمائهم، نسأل الله العافية!

حكم التسمية بإسلام

حكم التسمية بإسلام Q حكم التسمية بـ (إسلام)؟ A إسلام لا يجوز، فأنت تقول: أين إسلام؟ خرج إسلام، وتقول: (يخرب بيتك يا إسلام!) وهكذا خربت بيت الإسلام وأنت جالس، فلا يجوز لا إسلام ولا مؤمن ولا الأسماء التي فيها تعريض بشيء من الدين، غير ذلك، ورحم الله الشيخ كشك رحمة واسعة، كان يقول في أحد أشرطته: رجل يسمي ابنته (عين أبوها)، فقالوا: (أين عين أبوها)؟ قالوا: (عين أبوها) خرجت، نسأل الله العافية، فلا يجوز أبداً أن نعرض بهذه الأسماء.

حكم إعطاء الزكاة للصهر

حكم إعطاء الزكاة للصهر Q هل يمكن أن أعطي الزكاة لصهري؟ A أعطه ولا حرج؛ لأن الصهر ليس ممن لا يجوز أداء الزكاة إليه.

حكم مقاطعة منتجات الكفار الغذائية

حكم مقاطعة منتجات الكفار الغذائية Q ما حكم المقاطعة، مع العلم أن الشيخ ابن عثيمين قال: كل مما أحل الله؟ A المقاطعة تحتاج إلى ضوابط شرعية، فضلاً عن النظر في تأثيرها على العدو؛ لأنه ربما يكون التأثير على أبنائنا أكثر من التأثير على العدو.

معنى: (الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر)

معنى: (الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) Q قال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة:187]، ما معنى الخيط الأبيض من الخيط الأسود؟ A بياض النهار وسواد الليل، وهذا ما فعله عدي بن حاتم حينما أتى بعقالين ووضعهما تحت الوسادة، أحدهما أبيض والآخر أسود، وظل ينظر إلى العقالين فلم يرهما، وظل يأكل حتى ارتفع النهار، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إنك رجل عريض القفا، إنما المقصود بالخيط الأبيض من الخيط الأسود: بياض النهار وسواد الليل).

العدة شرح العمدة [35]

العدة شرح العمدة [35] كتب الله علينا صيام شهر رمضان كما كتبه على الذين من قبلنا، ومن رحمته سبحانه بنا أن كلفنا بما نستطيع، وجعل رخصاً يحب منا أن نأتيها كما يحب أن نأتي عزائمه، فأباح الفطر للمريض والمسافر والحامل والمرضع والعاجز بضوابط القضاء في أيام أخر أو إطعام عن كل يوم مسكيناً، وأوجب الفطر على الحائض والنفساء وعليهما القضاء.

باب أحكام المفطرين في رمضان

باب أحكام المفطرين في رمضان الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. قال رحمه الله: [ويباح الفطر في رمضان لأربعة أقسام] في الحقيقة قوله: يباح، يحتاج إلى مراجعة؛ لأن المباح: ما يستوي فعله مع تركه، فيقول: يباح للمريض الذي يتضرر به، فهذا يلزمه الفطر؛ لأنه لو صام وتضرر بالصيام فهو آثم؛ لأنه جلب على نفسه المرض وزاد المرض في حقه، والله سبحانه يقول: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78]، ويقول: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185]، ويقول: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء:29]. قال: [أحدها: المريض الذي يتضرر به، والمسافر الذي له القصر، فالفطر لهما أفضل وعليهما القضاء؛ لأن الله سبحانه قال: {وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [النساء:43]، وقال في سورة البقرة: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184]، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (ليس من البر الصوم في السفر) متفق عليه]. المريض الذي يتضرر بالصيام يجب عليه الفطر، والمسافر الذي يتضرر بالصيام أيضاً يجب عليه الفطر، والمسافر يجوز له أن يفطر ويجوز له أن يصوم؛ لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يسافرون فمنهم من يصوم ومنهم من يفطر، وأحياناً يصبح الفطر واجباً على المسافر، وواجباً على المجاهد. قال: [(وخرج النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح فأفطر، فبلغه أن ناساً صاموا فقال: أولئك العصاة) رواه مسلم] فوصفهم بأنهم عصاة لصومهم؛ لأنهم صاموا مع وجوب الإفطار في عام فتح مكة. قال: [وإن صاما أجزأهما لذلك] مثال ذلك: مريض صام ومسافر صام فما حكم صيامهما؟ هل عليهما قضاء؟ العجيب: أن ابن حزم الظاهري يرى أن المسافر لو صام يلزمه القضاء؛ لأن الله قال: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184]. إذاً: علة القضاء هي السفر وليس الصيام من عدمه، ونسي رحمه الله أن الآية فيها ما يسميه علماء علوم القرآن بدلالة الاقتضاء، فالمقام يقتضي كلمة يفهمها السامع والمتكلم: ((فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ)) فأفطر {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184] فكلمة (فأفطر) يقتضيها المقام، إذ ليس من المعقول ولا المنقول أنه إذا سافر وصام يلزمه القضاء، فـ ابن حزم جعل السفر هو سبب القضاء سواء صام أو أفطر، لكن جمهور العلماء يقولون بدلالة الاقتضاء؛ لأن أنواع الدلالات في القرآن مهمة جداً، وإن شاء الله تعالى عند الحديث عن علوم القرآن سنذكرها بالتفصيل.

حكم صوم الحائض والنفساء

حكم صوم الحائض والنفساء قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الحائض والنفساء تفطران وتقضيان]. المرأة الحائض إذا جاءها الحيض في نهار رمضان يلزمها الفطر، ولذلك أنا أضع ضابطاً على كلمة: (ويباح)؛ لأن الحائض والنفساء يجب عليهما الفطر، وليس يباح لهما الفطر، فالمرأة إذا حاضت قبل أذان المغرب بدقيقة وقبل غروب الشمس عليها القضاء لا بد، ولا ينبغي للمرأة أبداً أن تأخذ الحبوب التي تمنع الحيض لتصوم، فالنساء المؤمنات وزوجات خير الأنبياء صلى الله عليه وسلم كن يحضن ويقضين، وبعض العلماء يجوز ذلك في الحج؛ لأن الحج له فوج وله موعد بالرحيل، فيمكن أن تأخذ حبوباً تؤخر الحيض لتتمكن من الطواف والرحيل مع البعثة إلى غير ذلك، أما الصيام فلا شيء عليها، فإن حاضت وجب عليها أن تفطر وأن تقضي. قال: [والحائض والنفساء تفطران وتقضيان إجماعاً، وإن صامتا لم يجزئهما إجماعاً، وقالت عائشة رضي الله عنها: (كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة). تعني: في الحيض. والنفاس مثله]. فالمرأة إن أصابها دم النفاس أو دم الحيض يلزمها القضاء حتى وإن صامت، وإن صامت فهي آثمة عاصية، فينبغي عليها أن تفطر؛ لأن الذي أمرها بالصيام هو الذي أمرها بالفطر.

حكم صوم الحامل والمرضع

حكم صوم الحامل والمرضع قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الثالث: الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أفطرتا وقضتا، كالمريض وإن خافتا على ولديهما أفطرتا وقضتا وأطعمتا عن كل يوم مسكيناً]. إذاً: إن خافت على ولدها عليها الإفطار وعليها القضاء والفدية، وتقضي اليوم وتطعم عنه مسكيناً، لكن هذه التفرقة بعض العلماء لم يقف لها على دليل، فمنهم من قال: عليها القضاء فقط، وانتصر لهذا كثير من العلماء المعاصرين. قال: [وإن خافتا على ولديهما أفطرتا وقضتا وأطعمتا عن كل يوم مسكيناً؛ لقوله سبحانه: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة:184]] والحقيقة أن هذا الاستدلال ليس في محله؛ لأن هذه الآية نزلت في أول الشأن. قال ابن عباس: نسخت، وقال: هي في حق الشيخ الكبير والمرأة العجوز.

العاجز عن الصوم

العاجز عن الصوم قال المؤلف رحمه الله: [الرابع: العاجز عن الصوم لكبر أو مرض لا يرجى برؤه، فإنه يطعم عنه لكل يوم مسكيناً] ثم استدل بذات الآية التي استدل بها منذ قليل. قال: لقول الله سبحانه: [{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة:184]] أي: يطيقونه مع المشقة وعدم القدرة، أي: لو أن رجلاً بلغ من الكبر عتياً، ولا يستطيع الصيام فإننا نأمره بالفطر والإطعام؛ لأنه لا يستطيع القضاء، والمريض مرضاً لا يرجى برؤه كذلك، يعني: مرض مزمن لا يُرجى أن يبرأ منه إلا إذا أراد الله فإننا نأمره بالفطر وبالإطعام وليس بالقضاء. قال: [قال ابن عباس: كانت رخصة للشيخ والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصيام أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكيناً، والحبلى والمرضع إذا خافتا على أولادهما أفطرتا وأطعمتا. رواه أبو داود]. أي: أن ابن عباس يرى أن الحامل والمرضع تلحقان بالشيخ الكبير والمريض مرضاً لا يرجى برؤه، فالحامل والمرضع يفطران ويطعمان وليس عليهما القضاء. هذا رأي ابن عباس رضي الله عنه.

حكم من جامع امرأته في نهار رمضان

حكم من جامع امرأته في نهار رمضان قال المؤلف رحمه الله: [وعلى سائر من أفطر القضاء لا غير] كل من أفطر في رمضان يلزمه قضاء بدلاً من اليوم يوماً. قال: [إلا من أفطر بجماع في الفرج. فإنه يقضي ويعتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، فإن لم يجد سقطت عنه الكفارة]؛ لأن الكفارة تسقط مع عدم القدرة، وهذه يسميها العلماء الكفارة المغلّظة، وهي الإفطار بالجماع في نهار رمضان، ولا يقاس على الجماع غيره، فإن باشر الرجل زوجته في رمضان دون جماع ثم أمنى فحكم صيامه باطل، وعليه قضاء اليوم فقط؛ لأن ما الذي يلزمه بالكفارة المغلّظة هو الجماع، وهل يجب على المرأة أيضاً كفارة مغلّظة أم لا يجب؟ اختلف العلماء، فالحنابلة يرون أن الكفارة على الرجل فقط، ودليلهم أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما جاءه الرجل الذي جامع زوجته في نهار رمضان لم يسأله عن الزوجة، ولو كانت الزوجة يلزمها شيء لسأله: أراضية هي أم غير راضية؟ موافقة على هذا الفعل أم لا؟ لكن الشافعي يفصّل ويقول: إن كان برضاها فيلزمها الكفارة كالرجل تماماً، وإن كان بغير رضا فهي في حكم المكرهة. قال: [عن أبي هريرة: (بينما نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل، فقال: هلكت. قال: ما لك؟)]. وفي رواية أخرى: (يضرب صدره وينتف شعره) وليس شرطاً فيمن يجامع أن يضرب صدره وأن ينتف شعره، وهذا يسمى عند علماء الأصول: تنقيح المناط، وهو أن تخلص الحكم من الأشياء التي لا تؤثر فيه، فإن جاءك رجل جامع زوجته في نهار رمضان فلا تقل له: لا بد أن تضرب صدرك وأن تنتف شعرك حتى ينطبق عليك الحكم، إنما هذا وصف دائم وليس له علاقة بالحكم، وهذا يسميه العلماء تنقيح المناط. [(قال: هلكت، قال: ما لك؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم له: هل تجد رقبة تعتقها؟ قال: لا)] وفي رواية: (لا أملك إلا هذه الرقبة) أي: أنه ليس عندي رقاب، أنا فقير. [قال: هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟] أي: لا يفطر في يوم منهما، فإن أفطر في يوم فعليه أن يعيدها من جديد، لكن هب أنه أفطر في حكم الشرع كأن أفطر يوم عيد، فإنه يتم؛ ولماذا يتم؟ لأنه لم يفطر بإرادته، إنما الذي جعله يفطر هو الشرع، فهناك فرق بين أن يفطر بالإرادة وبين أن يفطر رغم إرادته. وفي رواية قال: (صم شهرين متتابعين، قال: يا رسول الله! وهل فعل بي ذلك إلا الصوم) لم أستطع أن أبتعد عن زوجتي يوماً أأصوم شهرين؟! [(قال: أطعم ستين مسكيناً! قال: لا أستطيع)]، وفي رواية: (ليس في المدينة من هو أفقر مني)، أي: لا رقبة ولا قدرة على الصيام ولا إطعام ستين مسكيناً. قال: [فقال له: (اجلس، فمكث، فبينما نحن على ذلك أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر) والعرق: المكتل] من تمر الصدقة، أي: أنه أجلسه بجواره حتى جاء تمر من مال الصدقة. قال: [فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أين السائل؟ قال: أنا. قال: خذ هذا فتصدق به، فقال الرجل: على أفقر مني يا رسول الله! فوالله ما بين لابتيها -يريد: الحرتين- أهل بيت أفقر مني ومن أهل بيتي، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال: أطعمه أهلك) متفق عليه]. وفي الحديث دروس وأحكام: الحكم الأول: أن الكفارة تسقط بالعجز عن الأداء، وأن صاحب الكفارة يعان من مال الصدقة، فإن قيل: أنا معي مال زكاة. هل أعطيه لمن عليه كفارة؟ A نعم. يعان من مال الصدقة؛ لأن هذا الرجل أعانه النبي صلى الله عليه وسلم، والكفارات تسقط بالعجز، فإن استطاع فلا بد من الوفاء بها، فهي دين في رقبة المكلّف. وجامع الزكاة لابد أن يعرف أنه يستحق، والمفروض أن صاحب الكفارة تسقط عنه الكفارة إن لم يستطع، فإن سأل من بيت المال فلا شيء في ذلك. قال: [فإن جامع ولم يكفر حتى جامع ثانية في يوم واحد فكفارة واحدة] بمعنى: جامع في أول النهار، ثم جامع في آخر النهار، إذاً: حدث الجماع مرتين في نفس اليوم، فيلزمه كفارة واحدة. قال: [ولا خلاف فيه بين أهل العلم، وإن كان في يومين فعلى وجهين: أحدهما: تلزمه كفارة واحدة؛ لأنه جزاء عن جناية تكرر سببها قبل استيفائها فتداخلا، كالحدود، وكما لو جامع في يوم مرتين ولم يكفر. والثاني: تلزمه كفارة ثانية] وهذا الراجح، لو جامع في يوم ثم جامع في يوم آخر تلزمه كفارتان. قال القاضي: لأنه أفسد صوم يومين فوجبت كفارتان كما لو كان هذان اليومان في رمضانين، وهذا هو الراجح من أقوال العلماء. قلت: والمسألة فيها تفصيل بالنسبة للزوج، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل الرجل عن زوجته، وهنا استدل الحنابلة على أن الكفارة على الزوج، هب أن الزوجة وافقت على هذا الفعل فإن العلة واحدة، وكونه لا يسأل لا يعني: أنه يسقط عنها الحكم، وهذا قول الشافعي، فالتفصيل: إن كانت موافقة ع

حكم صيام الست من شوال ممن عليها قضاء من رمضان

حكم صيام الست من شوال ممن عليها قضاء من رمضان فإن قيل: امرأة أصابها الحيض في رمضان ثم جاء شوال. هل تصوم ما عليها من أيام في رمضان، أم تصوم الأيام الست من شوال قبل قضاء رمضان؟ A اختلف العلماء في هذه المسألة، والراجح: قول الجمهور: أنه يجب عليها القضاء أولاً، ثم إن كانت تستطيع صيام شوال فلا بأس؛ لأن صيام شوال مندوب، والواجب ينبغي عليها أن تحصّله؛ لأن الأعمار غير مضمونة، فربما تموت في نهاية شوال، فتسأل عن الواجب الذي فرطت فيه. ثانياً: يقول علماؤنا أصحاب البصيرة: إن المتأمل في الحديث يجد فيه الإجابة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال) فالتي عليها القضاء لم تصم رمضان، فلا بد أن تستكمل الصيام أولاً، فإن قال قائل: هذا واجب موسّع، يجوز أن أقضيه متى شئت، وكانت عائشة رضي الله عنها تقضي ما عليها في شعبان، أقول: وما أدراك أن عائشة رضي الله عنها كانت تصوم أيام شوال؟ فيلزمك أن تدلل لنا أن عائشة كانت تصوم في شوال ولن تجد إن شاء الله تعالى؛ وذلك لأن الإمام مالك يرى أن صيام أيام شوال ليس عليه عمل أهل المدينة. قال: [إلا أن يكون الصوم منذوراً فيصام عنه]. إذا مات وعليه صوم نذر فإن الراجح: أن يصام عنه؛ لأن النذر واجب بالشرع وليس بالشرط. قال: [وكذلك كل نذر طاعة؛ لما روى البخاري عن ابن عباس: (قالت امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأقضيه عنها؟ قال: أرأيت لو كان على أمك دين فقضيتيه أكان يؤدى ذلك عنها؟ قالت: نعم. قال: فصومي عن أمك) رواه البخاري]. وهذا الحديث حجة عند الجمهور للقياس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب للمرأة مثلاً بالقياس فقال: (أرأيت لو كان على أمك دين) فأراد لها أن تقيس حق الله على حق الآدمي، فدين الله أحق بالقضاء، فهو يقرب لها المعنى عن طريق القياس، وهذا الحديث حجة من حجج الجمهور خلافاً لأهل الظاهر الذين قالوا: لا قياس. قال رجل من أهل السنة لرجل من أهل الظاهر: رب العالمين يقول: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه} [الزلزلة:7 - 8] فما تقول فيمن يعمل نصف مثقال ذرة؟ فهو يريد من الظاهري أن يعمل عقله في القياس، فإنه من يعمل نصف ذرة يجد نصف ذرة، ومن يعمل ذرة يجد ذرة، فقال الظاهري: أبلع ريقي حتى أجيب، قال: أبلعتك دجلة، قال: أمهلني ساعة، قال: أمهلتك إلى قيام الساعة، لن تستطيع الإجابة إلا بالقياس، فالذين أنكروا القياس في الحقيقة هم يتخبّطون؛ لأن الله قال: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء:23] فالله نهانا أن نقول لآبائنا: أف، وهذا يسمى قياس الأولى. والمعنى: أنه إذا نهاك عن الأف فمن باب أولى ينهاك عن الأعلى، فلا يُعقل أن يقول قائل: أنا لن أقول لأبي: أف إنما سأضربه؛ لأن الله نهاني عن الأف ولم ينهني عن الضرب، نقول: عقلك فيه خلل؛ لأن الله حينما ينهاك عن الأدنى فمن باب أولى ينهاك عن الأعلى، وهذا يسمى قياس الأولى، فالقياس حجة بدون أدنى شك.

الأسئلة

الأسئلة

حكم من ترك الصلوات عدة سنوات

حكم من ترك الصلوات عدة سنوات Q يوجد عدة صلوات في سنين ولم أصلها، والحمد لله بعد أن صليت أردت أن أقضي الصلوات التي لم أصلها، أرجو إفادتي في كيفية القضاء؟ A الراجح من أقوال العلماء أنه ليس عليك قضاء، وإنما عليك أن تكثر من صلاة النوافل.

كيفية صلاة النافلة

كيفية صلاة النافلة Q هل تجوز النافلة أربع ركعات بتشهدين؟ A لا، النافلة لا بد أن تختلف عن الفريضة، فإن صليتها، فصلها مثنى مثنى، وإن صليت أربعاً فبتشهد واحد، لا تشبه صلاة الظهر أو العصر أبداً، وإنما بتشهد واحد، والراجح: ما بوبه البخاري في كتاب التهجّد: صلاة التطوع مثنى مثنى، وأتى بأكثر من خمسة أحاديث في هذا الباب.

كيفية صلاة الشفع والوتر

كيفية صلاة الشفع والوتر Q نصلي الشفع والوتر بتشهد واحد أحياناً وبتشهدين أحياناً، فهل هذا يجوز؟ A هذا صحيح من فعل النبي صلى الله عليه وسلم.

حكم جماع الحبلى

حكم جماع الحبلى Q هل في جماع الحبلى من نهي؟ A لا أعلم نهياً عن جماعها.

حكم المعاملة مع البنوك وأخذ الرواتب منها

حكم المعاملة مع البنوك وأخذ الرواتب منها Q ما حكم المعاملة مع البنوك في جميع المعاملات وأخذ الرواتب منها؟ A إن كان معاشك تقبضه من البنك فلا حرج؛ لأن البنك الآن وسيلة للقبض، أما أن تضع في البنك أموالاً لتدعم موقفه فلا يجوز إلا إذا خفت على المال من الضياع، ويجوز أن تضع بدون فائدة، وهذا من اختيار أقل المفاسد، والأولى ألا يضع إن استطاع، لكن إن كان ينتج من عدم الوضع الضياع والهلاك جوّز العلماء الوضع بدون فائدة لحفظ المال لا أكثر.

حكم إطلاق شعر الرأس

حكم إطلاق شعر الرأس Q ما هي سنة إطلاق الشعر وكيفيتها؟ A إطلاق الشعر من الأمور المباحة.

التحذير من التكفير ومن الانتماء إلى الجماعات

التحذير من التكفير ومن الانتماء إلى الجماعات Q قابلت رجلاً من بقايا جماعة التكفير، فكلمني عن علم الشيخ الألباني وفضله، وأنه من المجددين ومدحه، وأخبرني أنه لو عاش بيننا هذا العالم الهمام لتبرأ منا وأبغضنا مما وقعنا نحن فيه من الإرجاء، فأرجو من فضيلتكم قولاً جلياً مبيناً؟ A جماعة التكفير جماعة عفا عليها الزمن، وهي خوارج العصر، ولا ينبغي أن تناقش هذا أبداً، وفي الحقيقة عندنا شواذ، أحياناً يشذّون ويخرجون بأفكار، ومن ترك لنفسه حرية سب العلماء فكبّروا عليه أربع تكبيرات؛ لأنه سيبتلى بموت القلب؛ لأن هذا هو الثمن لسب العلماء. هذه الجماعة بمصطلحات لبّسوها على الناس. قالوا: علم جرح وتعديل، وهو أن تأخذ المحاضرات والندوات وتطبع الورق وتوزّع لسب العلماء، هذا هو الجرح والتعديل! اتق الله في نفسك، في الحقيقة ساءني ما رأيت في منطقة إنبابا من ورقة توزّع أو ورقتين، والله الذي لا إله غيره لم يسلم عالم منها، كل علمائي الذين أجلهم وقعوا فيهم، هذا مخرّف، وهذا مرجئي، وهذا سروري، وهذا اتحادي، وهكذا أخرجوا الجميع ولم يبق إلا هم، نسأل الله العفو والعافية، فيا عبد الله! حتى ولو كان في أخيك خطأ استر وانصح، ولا تهتك وتفضح، ولا تجعل طويلب العلم يتجرأ على العلماء، فهذه مصيبة كبيرة ابتليت بها الأمة، وهي صادرة لنا من المملكة، والغريب أن وراءهم الآن انقلب عليهم ينتقدهم، حتى إن أحد المنتمين إلى جماعة التكفير كفّر أباه وكفّر أمه، وكفّر البلد التي يعيش فيها، ثم في آخر الأمر كفّر نفسه نسأل الله العافية، فيا أخي الفاضل الكريم! انشغل بالعلم، وانشغل بالقرآن، وانشغل بالسنة، ولا تتتبع عورات العلماء، هذا زل في كذا، والشيخ الفلاني شطّف الشيخ العلّاني، وينقل من هنا إلى هنا، ولا ينقل إلا زلات العلماء. والجماعات التي حازت عن منهج السلف نميّز فكرها ومنهجها، ونبين للناس الجماعات الحزبية الضالة، والتي ليست على منهج السلف، نبيّن عورها تماماً، وما ضاعت الأمة وما تأخرت إلا بسبب هذه الجماعات. وأقول لأخي المسلم: احذر أن تقع فريسة حتى لا يؤخروك إلى أبد الآبدين، فاتق الله عز وجل. هل كان أهل السنة يجرّح بعضهم البعض؟ هل حينما يعقد الإمام الشافعي لقاءً مع الإمام أبي حنيفة يقول: الجرح والتعديل في أبي حنيفة؟! من الذي قال هذا يا عبد الله! فاحذر أن تنتمي إلى أي جماعة، فالانتماء للجماعات بدعة عصرية وتفرقة للأمة، وقدح في وحدتها وحزبية بغيضة، فالذين يدعون إلى جماعات يطعنون الأمة دون أن يشعروا وهم خبثاء، ففي معظم المحاضرات لا يحضرون إلا لمشايخهم، ولا يأخذون العلم إلا ممن ينتمي إلى جماعتهم، والذي لا ينتمي إليهم لا يعرفونه وإن كان أعلم الناس، فهؤلاء يا أخي الفاضل العزيز! هم الذين فرّقوا الأمة، ويسمون أنفسهم بالجماعة الأم. ونحن في الحقيقة لا نريد أن نقع في أحد، وإنما نبيّن الحق، والله تعالى أعلم.

من شيم طالب علم عدم السبب

من شيم طالب علم عدم السبب Q ما رأيك فيمن سب الدكتور محمد السيد طنطاوي؟ A ليس من شيم طالب العلم السب، وليس المؤمن بالسباب ولا باللعّان، فاتق الله، المؤمن لا يعرف السب، عليك أن تقول: حاد عن الصواب في كذا، وخالف الحق في كذا، ورأيه مرجوح في كذا، هذا هو الأدب، قال تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة:83] ولم يقل: وقولوا للمؤمنين، فالمؤمن لا يسب هذا وهذا، ولا يتطاول على هذا. هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يسب أحداً من المشركين إلا إذا كان للقصاص ولبيان العور، فهل رأيتموه سب دون هذا؟ فإن كان الرأي خطأً نقول: خالف الإجماع في كذا وقال برأي مرجوح، ورأيه لا دليل عليه، ونسأل الله للجميع الهداية، هذا هو الحب، هذا هو الإسلام، أما السب فهو صنعة المفلسين. ويجوز أن تتكلم في المبتدعة لبيان بدعهم وعورهم، دون أن نتعرض لأسمائهم، تقول: الحق كذا والباطل كذا، ما بال أقوام يفعلون كذا، هذا هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم. وبعض الناس يوهم نفسه أن هؤلاء من المبتدعة، أي: من الناس من يقول: الشيخ أبو إسحاق مبتدع، فهذا الكلام مصيبة كبيرة، هل أهل السنة مبتدعة؟! يا عبد الله! هل راجعت الشيخ فيما قال؟ هل قلت له: أنت قلت كذا فماذا تقصد، أم أنك تأخذ ظاهر اللفظ وتبني عليه أحكاماً؟ إن كنت تحب الشيخ فراجعه في قوله وإن كان أخطأ، والعالم إن لم يصحح خطأه عند الملأ فلا يجوز له أن يجلس بين الناس؛ لأنه لا بد أن يصحح خطأه إن أخطأ، وهو أولى الناس بالتصحيح، فالأولى إذا رأيت خطأً أن تتصل به وتقول له: أخطأت في كذا والصواب كذا، ثم يأتي هو ويقول لمن يحضر دروسه: أنا أخطأت في كذا والصواب كذا، بدلاً من أن تقوم أنت على المنبر وتقول: أخطأ في كذا وتقيم الدنيا وتشهّر به، فيا عبد الله! هذا هو دأب السلف على الإطلاق، ونحن مع بيان عور المبتدعة لا شك في هذا. كذلك الشيخ عمرو خالد وقع في مخالفات لا حصر لها، وعلى ذلك نحن نبيّن فقط ولا نذكر اسمه، لكن عندما نقول: عمرو خالد أخطأ في كذا وكذا فإنهم سيقولون: عندكم غيرة منه؛ لأنه مشهور، كذلك من يقول: أنا أجل عادل إمام وأحترمه!! فإن هذا الكلام لا يقبل، فعندما نبيّن أنه خلل لا بأس مطلقاً.

حكم حضور المرأة الحائض دروس العلم في المسجد

حكم حضور المرأة الحائض دروس العلم في المسجد Q هل يجوز للمرأة الحائض أن تذهب لسماع درس العلم في المسجد؟ A لا يجوز.

حكم صيام الصبي شهر رمضان إذا أطاق صيامه

حكم صيام الصبي شهر رمضان إذا أطاق صيامه Q ما حكم صيام الغلام شهر رمضان إذا أطاق صيامه؟ A يعوّد على الصيام ويؤمر به.

حكم العمل مع شخص يسب الدين

حكم العمل مع شخص يسب الدين Q هل يجوز العمل مع شخص يسب الدين دائماً في الغضب؟ A يسب الدين وتعمل معه؟! يسب الدين دائماً؟ يا عبد الله! اتق الله في نفسك، فالنظر إلى وجهه معصية، فهو إقرار منك بما يصنع، فاتق الله، وانصحه، وإن لم ينته فاترك العمل معه.

حكم من مات وعليه دين وله أولاد لا يستطيعون قضاءه

حكم من مات وعليه دين وله أولاد لا يستطيعون قضاءه Q رجل مات وعليه دين لزوج ابنته، وله أولاد ولكنهم لا يستطيعون الآن السداد، هل يجوز لزوج ابنة الرجل إن أعطاه أحد من الناس المخرجين أموال الزكاة أن يأخذ هذا الرجل هذه النقود مقابل أن يبرئ الذمة؟ A إسقاط الدين من الزكاة لا يجوز، ويجب على الأولاد أن يقضوا دين أبيهم.

حكم من لديها مال يكفي لحجها أو لزواج أحد من أولادها

حكم من لديها مال يكفي لحجها أو لزواج أحد من أولادها Q امرأة لديها جزء من المال يكفي لحجها أو زواج أحد أولادها الذكور الثلاثة، تعدى أحدهم سن الثلاثين وهي: تخاف عليهم من الفتنة، فهل تحج أم تزوج ولدها؟ A تحج ثم تحج، ولقد أجاب شيخ الإسلام ابن تيمية بقصيدة في فتاوى على هذا Q هل يجوز الزواج أم الحج؟ قال: الحج على الفور ركن من أركان الإسلام، وتابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر كما تنفي النار خبث الحديد. وأنت حينما تطوفين بالبيت قولي: اللهم ارزقني مالاً أزوج به أبنائي، وتعودين إن شاء الله وقد يسّر الله له، ومن الناس من عندهم السيارات الفارهة والأموال الطائلة، ويؤجلون الحج بحجة أن الحج على التراخي، يركب سيارة بمائتين وخمسين ألف جنيه ويقول: أنا لا أستطيع أن أحج، نسأل الله العافية، فلذلك إن نظرت إلى البعثة المصرية في الحج فإنك تجد أعمارها فوق الثمانين والتسعين في ختام الحياة.

حكم استعمال الصائم معطرا لفمه

حكم استعمال الصائم معطراً لفمه Q هل نكهة السواك تبطل الصيام؟ A لا يجوز استعمال معطر للفم في الصيام، يكره الاستعمال.

حكم إقامة حلقة جماعية للجهر بالذكر

حكم إقامة حلقة جماعية للجهر بالذكر Q رأيت بعض أفراد جماعة التبليغ في بلدة الشروق في حلقة ذكر جماعي جهراً، يقودهم رجل منهم وهم يرددون خلفه، ويقول أحدهم: إن هذا ورد في السنة الشريفة. فما الصحيح؟ A الصحيح: أن هذا ورد للتعليم فقط، وليس للمداومة عليه، فليس من السنة الذكر الجماعي، فانصحهم وهم يقبلون النصح إن شاء الله تعالى، فإن قبلوا فالحمد لله، وإن لم يقبلوا قل: اللهم بلغت، اللهم فاشهد. الذكر الجماعي للتعليم فقط، فإن كان الجميع يعرف ذلك فإنه لا يجوز أن تعقد مجالس الذكر الجماعي.

حكم التثويب في أذان الفجر

حكم التثويب في أذان الفجر Q هل: (الصلاة خير من النوم) تقال في الأذان الأول أم الثاني؟ A فيه خلاف بين أهل العلم، فالسعودية يقولونها في الأذان الثاني، لكن الراجح: تحقيق أخينا مجدي عرفات أنها تقال في الأذان الأول، وله كتاب يحمل هذا العنوان: (التثويب في الفجر وموضعه). عموماً لن نختلف بالتثويب بقدر إقامة السنة.

أفضلية تجهيز الموظف نفسه للاعتكاف في رمضان

أفضلية تجهيز الموظف نفسه للاعتكاف في رمضان Q أنا أعمل مع رجل يقول: العمل أولى من الاعتكاف في رمضان في العشر الأواخر، والعمل عبادة، ويقول: أنا لا أُحاسب على الاعتكاف والأولى العمل؟ A في الحقيقة نحن نواجه انقلاباً في الأمور، فأنت قد تذهب إلى طبيب في عيادته فتجده قد ذهب إلى الإسكندرية ليقضي فصل الصيف فيها، وإذا سأل أحد عنه يقال: الطبيب يصيف، وإن شاء الله سيأتي بالسلامة، وإذا اعتكف الطبيب في العشر الأواخر من رمضان قالوا: العمل عبادة فلماذا يعتكف؟ ففي المصيف يأتي بالسلامة، وفي الاعتكاف نقد لاذع، وهذا هو وضعنا الآن، عندنا انقلاب في التقييم، فيا عبد الله! العمل عبادة، لكن الاعتكاف هي عشرة أيام فقط في السنة، واعتكف النبي صلى الله عليه وسلم، واعتكفت أزواجه من بعده، فهذه كلمة حق يراد بها باطل. نكتفي بهذا القدر. اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، اللهم ارزقنا علماً نافعاً، ونعوذ بك من علم لا ينفع.

العدة شرح العمدة [36]

العدة شرح العمدة [36] للصوم مفسدات، كالأكل والشرب عمداً، والقيء عمداً، والاستمناء والإمذاء والجماع، وأما ما صاحبه نسيان أو إكراه أو عدم اختيار فلا يفسد الصوم.

الرد على من ينكر سنية الحجامة في الشرع

الرد على من ينكر سنية الحجامة في الشرع الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: لا زالت الحملة المسعورة الجاهلية السفيهة تواصل كتاباتها ضد الحجامة، فكتب جاهلهم يقول: الحجامة عملية نصب ليس إلا. وكتب سفيه آخر يقول: إن شرائط فلان من المشايخ في الحجامة تنافس فلاناً وفلانة، ونسأل مفتي مصر: لماذا يسكت عن هذه الفتاوى التي تخلط الدين بالطب، وتصدر عما يسمى بدار الفتوى بوزارة العدل؟ الحقيقة إن هؤلاء يروجون لأنفسهم، والأخ الفاضل الذي دفع لي هذه المقالة كان من الممكن أن يطويها وأن يضعها في الحقيبة؛ لأن هؤلاء لا يعرفون من الدين شيئاً، لا يعرفون البخاري ولا مسلماً، فقد جاء في كتاب الطب عند البخاري: (احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو صائم)، (احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم)، وأمر بالتداوي بالحجامة، وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والبغوي كل ذلك لا يعرفونه، بل ربما لا يسمعون عن هذه الأسماء أصلاًَ، فلا تشغل نفسك بهؤلاء الصراصير حفظك الله، ولا تضيع أوقاتنا بهؤلاء. فنحن عندنا الكتاب والسنة نلتزم بهما، فإن الإمام البخاري في كتاب الطب بوب على الحجامة خمسة أبواب، وأخرج لها الأحاديث، وصاحب الأرياف أفقه من هذا الجاهل، فأصحاب الأرياف يعرفون أن صحيح البخاري كتاب تلقته الأمة بالقبول، حتى الفلاح الذي يحرث في الأرض يعلم أن البخاري له قبول عند علماء الأمة، وهذا الجاهل يقع في البخاري ولا يعرفه. الحجامة ثبتت في الشرع ولا ينكرها إلا جاهل أو سفيه، فهو يريد أن يروج لصحيفته فلا تقع فريسة له، فهو يطعن في ثوابت الدين ويكون مسروراً حين نشغل أنفسنا به. أذكر أن أخاً فاضلاً دفع لي مقالاً في الأهرام للدكتور مصطفى محمود وهو مقال طيب بعنوان: عاصمة الكراهية إسرائيل، نقل فيه خطاب الرئيس الأميركي من على شبكة الإنترنت وخطاب المترجم. قال: لن نستريح حتى نحقق الهدف من سياستنا، وهو عدم وجود مسلم يحمل اللحية في وجهه، أو امرأة تلبس البرقع أو النقاب على وجهها، إذاً: هي حملة مسعورة واضحة المعاني، وهذا هو هدفهم، ولكن: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:30]، والحمد لله تزداد الأعداد يوماً بعد يوم والذين كانوا في جحيم المعصية سرعان ما تحولوا إلى الطاعة، فهؤلاء إذا رأوا مسلماً ملتزماً بلحية أو منتقبة بنقاب أخذت قلوبهم تغلي؛ لأن في قلوبهم مرضاً فزادهم الله مرضاً، ونسأل الله سبحانه أن ينصر دينه بنا أو بغيرنا.

باب ما يفسد الصوم

باب ما يفسد الصوم [باب: ما يفسد الصوم]. يقولون: الفساد والبطلان، فهل هناك فرق بين الفاسد والباطل عند العلماء؟ A نعم. عند جمهورهم: الفاسد هو الباطل، فنقول: الصيام فاسد والصيام باطل ولا فرق، لكن الأحناف فرقوا بين الفاسد والباطل، والفرق بين الفاسد والباطل عند الأحناف: أن الفاسد ما لم يشرع بأصله، بمعنى: هو المحرم لذاته، فبيع لحم الخنزير فاسد؛ لأنه حرام بذاته، فعندهم إذا ثبت تحريم شيء بأصله فهو فاسد، والباطل: ما ثبتت حرمته لوصفه كالبيع عند نداء الجمعة، فإن أصل البيع مشروع، لكن ظهر عليه وصف وهو البيع عند نداء الجمعة، وهو وصف حوله من الحل إلى الحرام، فلو عقد رجل عقداً عند نداء الجمعة، كأن يكون باع سيارة منك عند نداء الجمعة، فعقد البيع باطل عند الأحناف؛ لأن البيع عندهم أصله مشروع. وعموماً فلا فرق بين الفاسد والباطل عند جمهور العلماء.

الأكل والشرب عمدا في نهار رمضان

الأكل والشرب عمداً في نهار رمضان قال المصنف رحمه الله تعالى: [من أكل أو شرب أو استعط أو أوصل إلى جوفه شيئاً من أي موضع كان أو استقاء أو استمنى أو قبل أو لمس أو أمذى أو حجم أو احتجم عامداً ذاكراً لصومه فسد]. فمفطرات الصائم أولاً: الأكل والشرب عمداً؛ لأن الله يقول: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة:187]، فمن أكل أو شرب متعمداً فقد بطل صومه، أو فسد صومه. كلاهما صحيح، والمرجع هنا إلى الإرادة، فقد يقول قائل: أنا أسير في الطريق، فدخلت في فمي بعوضة رغم إرادتي فابتلعتها فما حكم الصيام؟ A صيامك صحيح؛ لأنك لم تتعمد، وقد يقول قائل: تمضمضت لصلاة الظهر، فدخلت إلى جوفي قطرة ماء رغم إرادتي، فما حكم الصيام؟ A المرجع إلى الإرادة، فإن أخطأت فلا شيء عليك، ومعنى: ((وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ)): بيان النهار من سواد الليل. قال: [فإذا أكل أو شرب مختاراً ذاكراً لصومه أبطله؛ لأنه فعل ما ينافي الصوم بغير عذر، سواء كان غذاء أو غير غذاء كالحصاة والنواة؛ لأنه أكل] فأي طعام أو شراب يدخل إلى جوفه تعمداً يفسد به الصوم.

المبالغة في المضمضة والاستنشاق

المبالغة في المضمضة والاستنشاق قال المؤلف رحمه الله: [إن استعط فسد صومه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة: (بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)، وهذا يدل على أنه يفسد الصوم إذا بالغ فيه بحيث يصل إلى خياشيمه]. فالمفروض أن يبالغ في المضمضمة والاستنشاق إلا أن يكون صائماً، والمبالغة معناها: أن يمج الماء في فمه، وأن يغرغره في حلقه، أما في رمضان فإنه يتمضمض دون أن يبالغ. ثالثاً: قال: [وإن أوصل إلى جوفه شيئاً من أي موضع كان، مثل إن احتقن أو داوى جائفاً أو طعن نفسه أو طعنه غيره بإذنه، أو وصل إلى دماغه شيئاً مثل إن قطر في أذنيه]. يعني: من المنافذ المعتادة، فما يصل إلى الجوف يفطر الصائم، وهذا القول عليه ملاحظات عند بعض العلماء؛ لأنه لا يريده غذاءً، والقطرة المعتادة لا تفطر الصائم، سواء كانت في العين أو في الأنف أو في الأذن، لكن الأحوط: أن تترك القطرة في صيام رمضان إلا قطرة العين، فإنها لا تصل إلى الجوف. يطرأ سؤال في كل سنة: بخاخة الوزير هل تفطر الصائم أم لا؟ وبخاخة الوزير: هي التي توسع الشعب الهوائية، فلا هي طعام ولا في معنى الغذاء؛ لذلك يجوز أن تستخدم، وعلى الراجح من أقوال العلماء: أنها لا تبطل الصيام.

الاستقاء عمدا

الاستقاء عمداً قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن استقاء عمداً فعليه القضاء]. يعني: أدخل يده في فمه واستقاء عمداً. قال: [قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على إبطال صوم من استقاء عامداً؛ لما روى أبو هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمداً فليقض) حديث حسن]. إذاً: الاستقاء يبطل الصيام، والقيء رغم الإرادة ليس عليه شيء، وقوله: (من ذرعه)، يعني: غلبه القيء، ومن استقاء عليه القضاء؛ لأنه إذا استقاء متعمداً بطل الصوم.

الاستمناء والتقبيل واللمس والإمذاء والجماع

الاستمناء والتقبيل واللمس والإمذاء والجماع قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن استمنى بيده فأنزل أفطر]، يعني: نكح يده فأمنى بطل الصوم؛ [لأنه أنزل عن مباشرة أشبه القبلة]. وعليه توبة واستغفار وندم وإقلاع وعدم العودة إلى هذه المعصية لارتكابه حرمة مغلظة كبيرة في نهار رمضان، وعليه أن يمسك بقية اليوم لحرمة رمضان، ويقضي يوماً بدلاً عن هذا اليوم. قال: [ولو قبل أو لمس أو أمذى فسد صومه لذلك، أما إذا أمنى] المني معروف ينزل من الرجل لإثارة الجنس، قال تعالى: {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق:6]، والمني يصاحبه شهوة الفرج وقشعريرة في الجسد، أما المذي فليس منه إلا أن يغسل المذاكير؛ لحديث علي بن أبي طالب والحديث عند البخاري في كتاب العلم: باب: لا يتعلم العلم مستكبر ولا مستح، قال علي رضي الله عنه: (كنت رجلاً مذاء)، يعني: كثير المذي، والمذي: هو السائل الذي ينزل من الرجل نتيجة التكثير في الجماع أو أي إثارة، لكن لا يصاحبه شهوة لا في الفرج ولا في الجسد. قال: (فأمرت المقداد بن الأسود يسأل النبي صلى الله عليه وسلم لمنزلة فاطمة)؛ يعني: لأنه زوج ابنته، فلا أسأله عن هذا الأمر المحرج، فكلف المقداد، ولذلك بوب البخاري باباً يقول: من استحيا أن يسأل يكلف غيره وهو يسمع، لا يمنعه الحياء من التعلم بنفسه أو بغيره. قال: (فقال المقداد: يا رسول الله! ما حكم المذي؟ قال: يكفيك منه الوضوء وأن تغسل مذاكيرك)، إذاً: تغسل المذاكير وليس منه الغسل. فإن قيل: هل المذي يفسد الصوم؟ A هذه مسألة خلافية. قال الحنابلة: يفسد الصوم. يقول: [ولو قبل] يقبل الزوجة لا أنه يقبل الصديقة؛ لأن هناك تقبيلاً لصديقة، وتبادل الزوجات في زمن الحضارة، هذا يعطي زوجته لهذا وهذا يعطي زوجته لهذا كتبادل النعاج. أقول: لا ينبغي للرجل أن يقبل الزوجة في نهار رمضان إلا أن يكون مالكاً لإربه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل عائشة، والنبي صلى الله عليه وسلم أملكنا لإربه، فهل أنت مثل النبي عليه الصلاة والسلام؟ إذاً: من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه، فكن بعيداً واحترم نفسك في نهار رمضان، والعجيب أن الرجل في غير رمضان لا يقبل زوجته أبداً، أما في رمضان فالشيطان يزين له تقبيلها. قال: [ولو قبل أو لمس]، الملامسة غير الجماع. [أو أمذى]، الحنابلة يرون أن الإمذاء يفسد الصوم. قال: [فسد صومه لذلك، أما إذا أمنى فإنه يفطر بغير خلاف علمناه]. المني يفطر لكن في اليقظة وليس في النوم، كأن نام في ظهيرة رمضان فاحتلم، يعني: رأى في نومه ما يدعو لنزول المني فاستيقظ في نهار رمضان فوجد المني، فصيامه صحيح ولا شيء عليه؛ لأنه في حال النوم وليس في حال اليقظة. رأي الحنابلة: أنه إذا قبل فاشتهى فأنزل بطل صومه، فالحنابلة رأيهم أن المني وحده لا يفسد الصوم، وإنما مع التقبيل، ودليلهم: (يترك طعامه وشرابه وشهوته لأجلي)، فإذا قبل اشتهى، وإذا اشتهى أمذى، فعندهم وعند ابن تيمية أيضاً هذا الرأي، لكن قول الجمهور بأنه لا يفسد الصوم إلا المني، وما دون ذلك لا يفسد، فالحنابلة ومعهم ابن باز وابن تيمية من قبله رحمهم الله يرون أن المذي يفسد الصيام؛ لأنه يتنافى مع خلق الصائم، ويترتب عليه شهوة، لكن الراجح: أن المني يبطل الصوم. لا شك في هذا. قال: [وإن أمذى أفطر عند إمامنا]. يقصد الإمام أحمد. الشيخ: قال: [لأنه خارج تخلله الشهوة، فإذا انضم إلى المباشرة أفطر كالمني]. يعني: عند الحنابلة وعند الإمام أحمد: أن المذي إذا خرج يتخلله شهوة فإن الشهوة تنافي الصوم، لذلك يفطر. قال: [وإن لم ينزل لم يفسد الصوم] يعني: قبل أو لامس أو نظر دون إنزال لمني أو مذي فلا شيء عليه. قال: [لما روى ابن عمر: (قلت: يا رسول الله! صنعت أمراً عظيماً، قبلت وأنا صائم. قال: أرأيت لو تمضمضت من إناء وأنت صائم. قلت: لا بأس. قال: فمه) رواه أبو داود]. يعني: قبلتك كمضمضتك، فالمضمضمة مقدمة الشرب، والقبلة مقدمة الجماع، فطالما تتمضمض دون مبالغة فلا شيء عليك، والتقبيل دون شهوة لا شيء فيه، وكأنه يقبل صديقه، فإذا مس أو إذا قبل أو لمس أو نظر دون أن ينزل فليس عليه شيء، كذلك النظر إلى الحرام في رمضان لا يبطل الصوم، لكنه ينقص الأجر.

الحجامة عمدا

الحجامة عمداً قال المؤلف رحمه الله: [وإن حجم أو احتجم عامداً]. كل هذا مع العمد، أما النسيان فلا شيء عليه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه). قال: [إن حجم أو احتجم عامداً ذاكراً لصومه فسد صومه]. فإن قيل: هناك حديث صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم، وهناك حديث آخر يقول: (أفطر الحاجم والمحجوم)، فكيف يمكن الجمع بينهما؟ A المسألة خلافية، من العلماء من قال: إن حديث: (أفطر الحاجم والمحجوم) ناسخ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم: (احتجم وهو صائم)؛ لأنه احتجم أول الأمر ثم أوحي إليه أن الحجامة تفطر، فقال: (أفطر الحاجم والمحجوم)، فقوله: (أفطر الحاجم والمحجوم) ناسخ لفعله قبل ذلك، وهذا رأي الحنابلة، فهم يرون أن الحجامة تفطر الصائم، ومنهم من جمع بين النصين فقال: إذا ترتب على الحجامة دخول الدم إلى فم الحجام الذي يمص مباشرة لا عن طريق أداة يفطر الحجام، وكذلك المحجوم يترتب على خروج الدم من جسده إرهاق وتعب فيفطر أيضاً. وعند الحنابلة أن الحاجم والمحجوم يفطران، إذ إن الدليل القولي يقدم على الدليل الفعلي، هذا كلام الأصوليين، فحديث: (أفطر الحاجم والمحجوم) قول، وحديث: (احتجم وهو صائم)، فعل، فالقول يقدم على الفعل عند الأصوليين؛ لأنه ربما فعل ذلك لمرض، والمرض يجوز له أن يفطر، ففعله جاء لأمر. ثبت في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس وقد بدا جزء من فخذه، فدخل عمر ودخل الصديق وهو على حاله، ولما دخل عثمان جذب القميص على فخذه، فهذا فعل، وحديث: (غط فخذك فإن الفخذ عورة) قول. إذاً: القول يقدم على الفعل؛ لأنه ربما جلس لعلة كانت في قدمه أو لأمر طارئ. ومن العلماء من يقول: إن الحجامة العملية متأخرة عن قوله، والمسألة فيها خلاف. قال: [(أفطر الحاجم والمحجوم) رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أحد عشر نفساً، قال أحمد: حديث ثوبان وشداد صحيحان]. وحد التواتر عند العلماء مختلف فيه، فمنهم من قال: ما زاد عن أربعة رواة اعتبروه متواتراً.

النسيان والإكراه وعدم الاختيار لا يفسد الصوم

النسيان والإكراه وعدم الاختيار لا يفسد الصوم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن فعل شيئاً من هذا ناسياً لم يفسد صومه؛ لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا أكل أو شرب ناسياً فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه)، وفي لفظ: (فلا يفطر، فإنما هو رزق رزقه الله) فنص على الأكل والشرب وقسنا عليه سائر ما ذكرنا]. والمعنى: أن يكون ذاكراً، وأن يكون مريداً، وألا يكون مخطئاً في التقدير، هذه الأمور لابد أن يفعلها المكلف بقصد؛ لأن العبرة بالقصد والإرادة. قال: [وإن فعله مكرهاً]. يعني: رجل فتح فمه وصب فيه الماء وهو مكره، ما حكم صيامه؟ صحيح؛ لأنه أكره على الفعل، والمكره لا يؤاخذ بفعله، وهذا الإكراه هو الذي عرض الإمام مالك للجلد، وذلك لما جلس يدرس في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم قام شخص يسأله، فقال: يا إمام! ما تقول في طلاق المكره؟ فقال: طلاق المكره لا يقع، فأرسل إليه ولي الأمر وقال: يا مالك! أنت تعرف أن الناس بايعوني بالإكراه، إذاً: بيعة المكره لا تقع، وكأن السائل يقصد البيعة، لكنه عرض بالطلاق، فيا مالك! عد إلى مجلسك وقل: طلاق المكره يقع، فقال مالك لولي الأمر: إن زلة العالِم زلة عالَم، فأمر به ولي الأمر فجلد حتى شلت يداه. فانظر إلى العلماء الربانيين! انظر إلى الحال، نسأل الله أن يثبتنا على الحق. وفتنة الإمام أحمد كانت في قضية خلق القرآن، حتى إنهم جلدوه جلداً، وسن له المأمون سيفاً حاداً أعده لقتله، فقابله أحد الناس في الطريق. قال: يا أحمد! احذر أن تقولها فالناس تنظر إليك، فزلتك يا أحمد! اليوم يزل بها الكثير، وأخبرك أن المأمون قد حد لك سيفاً، وقد استعد لضرب عنقك به، فرفع أحمد يده إلى السماء قائلاً: اللهم لا تجمع بيني وبين المأمون في الدنيا بعد اليوم، فجاء الصارخ يقول: أبشر فإن المأمون قد مات. الله أكبر! هؤلاء هم العلماء الربانيون الذين لا يبيعون دينهم بدنيا غيرهم، لكن هناك من يبيع دينه بدنيا غيره. فإن قيل: وإن أكره على الزنا أو قتل النفس؟ A عند الأصوليين أن الإكراه في القول وليس في الفعل؛ لأن عماراً أكره في القول، فلو أكرهت على أن تسجد لغير الله فلا تسجد ومت شهيداً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دخل رجل النار في ذبابة ودخل رجل الجنة في ذبابة، مرا على صنم فقال الذين يعبدون الصنم: قربا إليه شيئاً، فقرب أحدهما ذبابة وأبى الآخر أن يقرب شيئاً، فقتل الأول فدخل النار، وقتل الثاني فكان شهيداً)، فهذا يبين أن الإكراه في الفعل لا يجوز. قال: [وإن فعله مكرهاً لم يفطر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من ذرعه القيء فليس عليه قضاء). وإن طار إلى حلقه ذباب أو غبار لم يفسد صومه؛ لأنه لا يمكن التحرز منه] ما لا يمكن التحرز منه كالريق الذي يبلغه وكالتراب في الطريق العام إلى غير ذلك، فهذا كله لا يمكن التحرز منه فلا يفطر. قال: [وإن تمضمض أو استنشق فوصل إلى حلقه ماء لم يبطل صومه؛ لأنه وصل بغير اختياره]. وهذا شخص سأل: كنت قاصراً وأمي وضعت المال في الحسب، وبعد أن مات أبي كان لي نصيب في الميراث بأمر النيابة الحسبية، فوضع المال في البنك، وربحت منه فوائد، فهل آخذ هذه الفوائد؟ A خذها وانتفع بها؛ لأنه لا اختيار له، إذا كان قاصراً لم يضع المال بإرادته. قال: [وإن فكر فأنزل لم يفسد صومه؛ لأنه يخرج من غير اختياره وإن قطر في إحليله شيئاً لم يفسد صومه؛ لأن ما يصل إلى المثانة لا يصل إلى الجوف ولا منفذ بينهما]. أي: أن المثانة لا ترتبط بالجوف. قال: [وإن احتلم لم يفسد صومه؛ لأنه يخرج من غير اختياره، وإن ذرعه القيء لم يفسد؛ لحديث أبي هريرة السابق، ومن أكل يظنه ليلاً فبان نهاراً فعليه القضاء؛ لما روي عن حنظلة قال: كنا بالمدينة في رمضان، فأفطر بعض الناس، ثم طلعت الشمس، فقال عمر: من أفطر فليقض يوماً مكانه]. والمعنى: أنه لو أفطر قبل غروب الشمس خاطئاً فعليه القضاء، ولو أكل بعد طلوع الفجر خاطئاً فليس عليه قضاء؛ لأن الأصل في الليل الفطر، والأصل في النهار الصيام، فينسحب الأصل هنا، وينسحب الأصل هنا، رغم أن هناك اختلافاً. قال: [ولأنه أكل ذاكراً مختاراً فأفطر، كما لو أكل يظنه من شعبان فبان من رمضان].

حكم من أكل شاكا في طلوع الفجر ومن أكل شاكا في غروب الشمس

حكم من أكل شاكاً في طلوع الفجر ومن أكل شاكاً في غروب الشمس قال المؤلف رحمه الله: [ومن أكل شاكاً في طلوع الفجر لم يفسد صومه؛ لأن الأصل بقاء الليل، وإن أكل شاكاً في غروب الشمس فعليه القضاء؛ لأن الأصل بقاء النهار]. والمسألة الثانية فيها خلاف، وقول ابن تيمية في الحالتين: أنه لا قضاء عليه. عموماً هذا ما يفسد الصوم، ذكرناه كما ذكره المصنف رحمه الله، وهناك مفسدات للصوم أخرى، كالحيض والنفاس، وكمن أخرج بلغماً من فمه ثم بلعه بإرادته، هذا أيضاً يدخل إلى الجوف على سبيل التغذية فلا يجوز.

الأسئلة

الأسئلة

الفرق بين المكره والمضطر

الفرق بين المكره والمضطر Q ما الفرق بين المكره والمضطر؟ A المضطر يختلف عن المكره، فالمضطر كمن يأكل الميتة في الصحراء، فهذا مضطر ولا اختيار له، والله سبحانه يقول: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة:173] وهناك فرق بين الاضطرار والرخصة، فالاضطرار يرفع عنه الحكم والإثم، والرخصة تخفيف الحكم مع بقاء الحكم الأصلي.

حكم رجل يؤمن بالأقطاب يقوم بولاية تزويج ابنته

حكم رجل يؤمن بالأقطاب يقوم بولاية تزويج ابنته Q أنا فتاة ملتزمة ومنتقبة تقدم لي شاب ملتزم، وتمت الخطبة، ولكن اكتشفت بعد ذلك أن والدي ينتسب إلى الطرق الصوفية ومقتنع بالأقطاب الأربعة، على أنهم مثل الأئمة الأربعة، فأخبرت خطيبي بذلك فرفض أن يكون أبي هو الولي في العقد، وطلب أن يكون عمي هو الولي وعمي شخص ملتزم ولكنه رفض، فما حكم ذلك في الشرع، خاصة أن عمي رفض هذا الفعل من خطيبي؟ A تخرج الفتاة من هذه المعضلة بأن يوكل الأب أحد أقربائه في إجراء العقد، يعني: الأب يكون موجوداً ويقول لأخيه: زوجه أنت حتى تخرج الفتاة هذه المعضلة.

حكم إعانة طلاب العلم بصدقات مخصصة للمسجد

حكم إعانة طلاب العلم بصدقات مخصصة للمسجد Q هل يجوز تخصيص جزء من صدقات المسجد لإعانة طلاب العلم، وإذا كان لا يجوز فما هي الشروط الشرعية، مع العلم بأن من سيأخذ النقود ليس له عائد مادي؟ A أفضل مصرف للزكاة هم طلبة العلم، ولعل الشيخ ابن عثيمين حقق ذلك في رسائله، قال: لأن الحاجة إلى منفعة طالب العلم تشتد في زمن البدعة، فنحن الآن في حاجة إلى طلاب علم أكثر من حاجتنا إلى المساجد، فأفضل صدقة وزكاة لطالب العلم.

الكتب التي تساعد في طلب العلم وتحصيله

الكتب التي تساعد في طلب العلم وتحصيله Q نرجو أن تدلنا على كتاب جامع في طلب العلم وطرق تحصيله؟ A من الكتب التي تساعد في طلب العلم وطرق تحصيل العلم: كتاب الدكتور بكر أبو زيد، وهو حلية طالب العلم، هذا الكتاب لابد أن يدرس قبل أي مجلس علم؛ لأن فيه آداباً غابت عن حياتنا، فيه آداب طالب العلم وآداب العالم وآداب المتلقي وآداب طالب العلم مع شيخه، كذلك الأدب مع الكتاب نفسه، فهذا الكتاب لابد من دراسته.

حكم صلاة المرأة النفساء إذا انقطع دمها قبل الأربعين يوما

حكم صلاة المرأة النفساء إذا انقطع دمها قبل الأربعين يوماً Q هل يجوز للمرأة النفساء أن تصلي إذا انقطع الدم قبل الأربعين يوماً؟ A نعم. إذا انقطع الدم قبل الأربعين يوماً تصلي، وإن زاد عن الأربعين يوماً فهو دم استحاضة، والدليل: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المرأة إذا زاد دمها عن الأربعين يوماً أن تتوضأ لكل صلاة وأن تعتبر ذلك دم استحاضة.

حكم الوقوف أثناء الأذان وترديده

حكم الوقوف أثناء الأذان وترديده Q دخلت المسجد أثناء الأذان، فهل أقف حتى ينتهي المؤذن، أم أجلس، وهل يوجد دليل على ذلك؟ A إن كان في غير الجمعة فقف حتى ينتهي المؤذن؛ لأنك مأمور إذا سمعت المؤذن أن تقول مثلما يقول، ثم صل بعد ذلك؛ لأنه لا تعارض بين الصلاة وبين ترديد الأذان، أما في وقت الجمعة إذا دخلت المسجد والمؤذن يؤذن للجمعة، فإنك إن انتظرت إكمال الأذان، ثم شرعت في صلاة تحية المسجد سيبدأ الخطيب، وسيضيع جزء من الخطبة بسبب إقامة سنة يمكن أن تحصلها قبل ذلك. قال العلماء: هذا يخضع لباب التزاحم، فأنت إما أن تردد الأذان، وإما أن تصلي تحية المسجد، وإما أن تجلس، وإما أن تستمع الخطبة من أولها، أو تسمع الخطبة بعد أن يفوت جزء منها، فالراجح من أقوال العلماء: أن تصلي في الحال، وأن تجلس لسماع الخطبة من أولها، ولا تضيع سماع الخطبة بسبب إقامة سنة.

عدم سقوط الكفارات بالعجز

عدم سقوط الكفارات بالعجز Q الكفارات لا تسقط بالعجز، ولكن تؤدى عند الاستطاعة، وفي أثناء الحديث عن الرجل الذي أفطر في رمضان، هل سقطت عنه الكفارة لعجز أم لا؟ A الكفارات تؤخذ من مال الصدقة، ويعان الإنسان في أدائها، وهي دين في الرقبة متى استطاع أداها، لأنه ثبت أن رجلاً جلس عند النبي صلى الله عليه وسلم، حتى جاء مال الصدقة فأعطاه وأمره بإطعام أهله، فهو رجل عاجز عن الكفارة، لكنها لم تسقط عنه، بل أجلسه حتى جاء مال الصدقة، ثم أعانه، فلو سقطت عنه الكفارة لقال له: لا شيء عليك لعدم الاستطاعة.

حكم صوم من يشم البخور

حكم صوم من يشم البخور Q ما صحة صوم المسلم وهو يشم البخور؟ A البخور يكره في الصوم؛ لأن له دخاناً يدخل إلى الأنف، وبعضهم قال: يفطر. فابتعد عنه في رمضان.

حكم استعمال الصائم الروائح الكحولية وقطرة العين لعينه

حكم استعمال الصائم الروائح الكحولية وقطرة العين لعينه Q ما حكم استعمال الصائم الروائح الكحولية؟ A يجوز أن تضع الروائح في رمضان، لكن الأولى الترك. Q واستعمال قطرة للعين؟ A يجوز قطرة العين.

حكم استخدام الصائم السواك الطبيعي

حكم استخدام الصائم السواك الطبيعي Q ما حكم استخدام الصائم السواك الطبيعي بدون نكهة؟ A طبعاً يجوز السواك في رمضان، ولكن أحذرك من السواك المعطر، والمعجون لا يجوز؛ لأنه ربما ينفذ إلى الحلق، والسواك بعد الزوال وقبل الزوال يجوز: (رأيت النبي ما لا أحصي يتسوك وهو صائم).

حكم العمل في وظيفة مخبر

حكم العمل في وظيفة مخبر Q حصلت على شهادة معهد الشئون القانونية وحزت على وظيفة مخبر فما حكم العمل فيها؟ A يجوز أن تعمل بهذه الوظيفة.

نصيحة لمن هو في الثانوية العامة ويريد طلب العلم الشرعي

نصيحة لمن هو في الثانوية العامة ويريد طلب العلم الشرعي Q أنا طالب في الثانوية العامة وأريد طلب العلم الشرعي، ولا أستطيع التفرغ كاملاً، فانصحني بشيء أفعله بجانب دراستي بالثانوية، وأسألك الدعاء؟ A أولاً: اهتم بما أنت فيه من دراسة، ثم اجعل طلب العلم يوماً في الأسبوع أو ساعة أو ساعتين أو ثلاث ساعات على الأكثر، ولا تنقطع عن طلب العلم، ولا تجعل طلب العلم يشغلك عن دراستك، فأنت الآن في واجب ضيق، وهي مرحلة دراسة عدة أشهر، وبعد ذلك عندك المتسع، لكن بعض الإخوة يقدم طلب العلم في أثناء الدراسة على دراسته، فيتأخر في الدراسة، فيقول ولي الأمر: إن السبب في تأخره هو الالتزام؛ لأنه يريد أن يهرب من المذاكرة بحجة طلب العلم. فنحن لا نمنعك عن طلب العلم، بل اطلب العلم، لكن هناك أيام صيفية كبيرة إن شاء الله في الدراسة، حاول أن تجعل لطلب العلم منها ساعات قليلة، ودراستك في هذه الفترة الوجيزة هي الأولى؛ كي نهنئك إن شاء الله بمجموع كبير تحتل به الصدارة، ونقول للرواد في مسجد العزيز الذين حصلوا على 99%: التزامك يدفعك إلى التفوق، فاتق الله ولا تخلط الأوراق، فإن الواحد منكم قد يقول: هل علم الثانوية سينفعنا في الآخرة؟ أقول: نعم، ينفعك إن كانت نيتك أن تكون مسئولاً حتى تنفع الأمة، كأن تكون طبيباً مسلماً نموذجاً طيباً.

حكم قتل المدنيين اليهود في فلسطين

حكم قتل المدنيين اليهود في فلسطين Q قال أحد العلماء: لا يجوز قتل المدنيين من اليهود في فلسطين، وغيرها من الدول الإسلامية، مع ما يفعله اليهود في المسلمين؟ A فليقل: هم يقتلون أبناءنا ونحن نقول: نشكركم، فالحربيون في جانب آخر، أقول: إذا قتل العدو أبناءنا المدنيين فإنه يجوز المعاملة بالمثل، وهم: {لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً} [التوبة:10]، وانظر إلى ما يفعل في أبنائنا ونسائنا وأطفالنا، هل بعد ذلك نقول: لا يجوز قتل المدني اليهودي، ولكن يجوز قتل المحارب؟! بل كلهم في حال حرب الآن. إذاً: يجوز أن يضرب اليهود كما يفعلون في أبنائنا، والمعاملة تكون بالمثل ويكون ذلك في بلدهم.

حكم الانضمام إلى حزب سياسي

حكم الانضمام إلى حزب سياسي Q هل يجوز أن أكون عضواً في حزب سياسي؟ A الله المستعان! يقول تعالى: {أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ} [المجادلة:19]، فحزب الله واحد على القرآن والسنة وبفهم السلف الصالح، واحذر من التحزب.

حكم لبس الرجل الدبلة بعد خطبته وحكم تحدثه مع مخطوبته

حكم لبس الرجل الدبلة بعد خطبته وحكم تحدثه مع مخطوبته Q ما حكم لبس الرجل الدبلة بعد أن يخطب المرأة؟ وهل يجوز أن يحدث خطيبته عبر التلفون؟ A لا يجوز لبس الدبلة؛ لأنها من عادات أهل الكتاب، فقد كانوا يعتقدون أن الدبلة ترتبط بعرق في القلب، باسم الأب والابن وروح القدس إله واحد! فالدبلة في هذه الأصبع ترتبط بعرق في القلب؛ لأن القلب في الشمال، فإذا خلع الدبلة خلع معها الحب؛ ولذلك حينما تغضب المخطوبة من خطيبها تقول: خذ دبلتك، ومعناه: أنها خلعت الحب. فإذا كان الإسلام يبيح للرجل أن يتزوج من أربع فأين يضع الدبلة الثانية والثالثة والرابعة؟ فهذا ليس من تقليد المسلمين أبداً. أما سؤالك عن حكم تحدثك مع المخطوبة في التلفون فالجواب أنه لا يجوز؛ لأن المخطوبة أجنبية عنك تماماً، شأنها كشأن أي امرأة، إلا في وجود محرم لضرورة شرعية فقط لا غير، أما أن يقال لها: اذهبي يا ابنتي مع خطيبك، وشمي هواء في النيل! ولكن لا تتأخرا إلى الساعة الثانية بالليل، فإننا سننام الساعة الثانية عشرة! الله المستعان! فماذا أقول؟!

حكم قراءة مريض بالقولون كتاب الله وهو غير متوضئ

حكم قراءة مريض بالقولون كتاب الله وهو غير متوضئ Q أنا مريض بالقولون ولا أحافظ على وضوئي، فهل يجوز لي أن أقرأ في المصحف بدون وضوء؟ A نعم، يجوز أن تقرأ للضرورة، فأنت من أصحاب الأعذار، أسأل الله لك الشفاء.

حكم صوم المرأة الحامل

حكم صوم المرأة الحامل Q ما حكم صوم الحامل؟ A المرأة إن كانت حاملاً فهناك تفصيل بين الفقهاء في صومها، قالوا: إذا خافت على نفسها فلها أن تفطر ولا تقضي، وإذا خافت على ولدها فلها الفطر والقضاء مع الكفارة، والذين قالوا بالكفارة ليس عندهم أدلة تقوي رأيهم.

حكم من تأخر عن الجماعة الأولى وأراد أن يصلي في جماعة ثانية

حكم من تأخر عن الجماعة الأولى وأراد أن يصلي في جماعة ثانية Q ما قولك في رجل يقول: إنه لا صلاة جماعة بعد الجماعة الأولى، ويستند إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم أن أحد الصحابة تأخر الحديث وهل هذا مذهب الشيخ الألباني؟ A نعم. هذا رأي بعض العلماء المستندين إلى مصنف ابن أبي شيبة: أن أحد الصحابة جاء فوجد الجماعة الأولى قد صلت، فعاد وصلى في بيته، لكن هذا النص يقيده نص آخر، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (من يتصدق على أخيكم؟)، والفقهاء الأربعة يقولون: إذا كان للمسجد إمام راتب فيجوز إقامة جماعة ثانية بإذن الإمام الراتب.

حكم انقلاب الإمام مأموما في الصلاة والمأموم إماما

حكم انقلاب الإمام مأموماً في الصلاة والمأموم إماماً Q كنت أصلي سنة الظهر القبلية، فأتى رجل فصلى خلفي الظهر، فهل يجوز لي بعد أن أنتهي من صلاتي أن أتخذه إماماً وأصلي خلفه؟ A الحنابلة والأحناف والمالكية على عدم الجواز، والشافعية أجازوا ذلك، والراجح: أنه يجوز للمتنفل أن يأتم بمفترض، لحديث معاذ بن جبل.

حكم تربية الشعر

حكم تربية الشعر Q ما حكم تربية الشعر؟ A تربية الشعر من الأمور المستحبة، وأحياناً يستحب ترك المستحبات إذا كان فعلها يجر إلى الشهرة، وهذا قول الشيخ ابن عثيمين، فإن كان المجتمع غير مألوف فيه هذا الفعل، فالأولى أن يترك. والله تعالى أعلم.

حكم من جامع امرأته وهي حائض

حكم من جامع امرأته وهي حائض Q رجل جامع امرأته وهي حائض، فما عليه من إثم؟ A هو آثم، والنووي يقول: من استحل جماع زوجته وهي حائض فقد كفر كفراً مخرجاً من الملة؛ لأنه استحل ما حرم الله، فإن اعتقد الحرمة فإن عليه التوبة والاستغفار والتصدق بربع دينار. والله تعالى أعلم. اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا.

العدة شرح العمدة [37]

العدة شرح العمدة [37] صيام التطوع من الأسباب الجالبة لمحبة الله تعالى، وقد ندبنا الشارع الحكيم إلى العديد من نوافل الصيام كصوم يوم وإفطار يوم وصوم شهر الله المحرم وصيام التسع من ذي الحجة وست من شوال ويومي عرفة وعاشوراء وأيام البيض من كل شهر والإثنين والخميس وغيرهما.

صيام نبي الله داود

صيام نبي الله داود الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد. لا زلنا مع كتاب الصيام باب صيام التطوع من كتاب العدة شرح العمدة للإمام موفق الدين بن قدامة المقدسي الحنبلي رحمه الله تعالى، ومع باب صيام التطوع. والعلماء يسمون هذا تعريف بالإضافة صيام التطوع. يقول المصنف رحمه الله: [أفضل الصيام] أي: أفضل صيام التطوع [صيام داود عليه السلام: كان يصوم يوماً ويفطر يوماً] والحديث في ذلك ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن الله سبحانه وتعالى يحب أن يتقرب إليه العبد بالواجبات والفروض، ثم إن شاء زاد وتطوع (وما تقرب إليّ عبدي بأحب إليّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به) والمعنى: فبي يسمع، أي: أن الله سبحانه وتعالى يُسخّر هذه الجوارح في طاعته، قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال:24]، وقال أيضاً: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف:24] فإذا أحب الله العبد سخّر الجوارح لطاعته، ولذلك قال: أفضل الصيام صيام داود عليه السلام، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً. قال رحمه الله: [لأن في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صم يوماً وأفطر يوماً فذلك صيام داود وهو أفضل الصيام. فقلت: إني أطيق أفضل من ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا أفضل من ذلك)] كان عبد الله بن عمرو بن العاص من أزهد الصحابة في العبادات، فقد كان يقوم الليل كله ويصوم الدهر كله، حتى قال: أنكحني أبي امرأة ذات حسب، ويبدو أنه لم يكن راغباً في الزواج، فلما أدخلوها عليه وهو في عبادته ظل أياماً متوالية لم يقترب من زوجته لأنه كان منشغلاً بعبادته، فلما جاء أبوه يسأل عن حاله بعد أيام، وهو يريد أن يطمئن هل ترك القيام في الليل وتفرّغ في بعض الوقت لزوجته؟ قالت له: نعم الرجل من رجل، لكننا منذ أن وطئنا بيته لم يفتّش لنا كنفاً ولم يقرب لنا فراشاً، فهي لا تزال بكر كما هي، وهذا ما يدل على انشغاله بالعبادة رحمه الله تعالى ورضي الله عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأفضل الصيام صيام نبي الله داود، والبعض يتباهى ويقول: أنا أصوم بفضل الله شهوراً متصلة رجب وشعبان ورمضان، فهذا لا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما صام شهراً كاملاً إلا رمضان، أما ما يرد في بعض الأحاديث: (أنه كان يصوم شعبان كله) فالمعنى غالبه، أي: غالب شعبان، (ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم الشك)، وقال: (لا تقدموا رمضان بصيام يوم) وقالت عائشة: (كان يصوم في شعبان حتى نقول: إنه لا يفطر، وكان يفطر حتى نقول: إنه لا يصوم) وهذا لا يتأتى إلا بصيام يوم وإفطار يوم، فأفضل الصيام صيام داود عليه السلام، فلما تقدم العمر بـ عبد الله بن عمرو بن العاص وعجز عن ذلك قال: ليتني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأفضل صيام التطوع أن تصوم يوماً وأن تفطر يوماً، لتجمع بين حالتي الشكر والصبر، ففي الصوم صابر، وفي الفطر شاكر، فيدور الحال بين الشكر والصبر.

أفضل الصيام بعد شهر رمضان

أفضل الصيام بعد شهر رمضان قال: [وأفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله الذي يدعونه المحرم]. هنا إشكال علمي يحتاج إلى أن نجيب عنه وهو: النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم في شعبان أكثر من المحرم، مع أنه كان يقول: أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، فكيف ذلك؟ وللإجابة على هذا الإشكال قال الإمام النووي في شرح مسلم معلقاً على هذا الإشكال العلمي: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم في شعبان يقضي بعض الأيام التي فاتته من النوافل في حال الجهاد والأعذار، فيجمعها في شعبان، فيترتب على ذلك أن شعبان يكون أكثر صياماً من شهر الله المحرم. كذلك أيضاً فإن صيام شعبان بمثابة نافلة التطوع للإقدام على الفريضة، فحال شعبان مع رمضان كحال سنة الظهر مع الظهر، للاستعداد لدخول الفريضة، فالنافلة سياج وحماية وحفظ للفريضة، لذلك حينما يصاب الإنسان بفتور أو بكسل ولم يكن يصلي النوافل فإن ذلك يجرح في الفريضة، لكن إذا كان يكثر من النوافل فإن الفتور أو الكسل يجرح النافلة ويحافظ على الفريضة، ولذلك كانت النافلة حفاظاً على الفريضة من الجرح، قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (لكل عمل شرة ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى). أي: أن النفس لها إقبال وإدبار، فلا يمكن أن تكون على مرتبة واحدة بحيث أنها في كل يوم تستطيع أن تقرأ عشرة أجزاء، وتقوم ثلث الليل أو أكثر، فهذا لن يكون، لذلك فإن ابن مسعود بكى في مرض موته، وقال: إن مرض الموت جائني في حال الفتور، وكنت أحب أن يأتيني في حال النشاط، فالنفس لها إقبال، فحينما تجد من نفسك نشاطاً فاستغل ذلك النشاط في عبادة الله، وحينما تجد فتوراً فلا يكن بحيث يجرح الفريضة، فإذا وجدت نشاطاً فاقرأ خمسة أجزاء مثلاً فإن كان في اليوم التالي فيه فتور فاقرأ ثلاثة، وإن كان في اليوم الثالث فيه فتور فاقرأ جزأين وهكذا، فإذا وجدت من نفسك نشاطاً فاغتنم فيه طاعة. يقول: [لما روي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم)]، والمحرم من الأشهر الحرم، قال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة:36] فهي ثلاثة أشهر متوالية ورجب الفرد، أما المتوالية فهي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم ولا بد أن نعرف هذه الأشهر لأنك تسمع العجب ولا الصيام في رجب. قال خطيب على المنبر ويؤسفني هذا، وهو يحمل مؤهلاً علمياً: إن رمضان من أشهر الله الحرم، فراجعه طالب علم فقال: شهر رمضان يقع بين شهرين من الأشهر الحرم، فأراد أن يصوّب فأخطأ.

فضل صيام العشر من ذي الحجة

فضل صيام العشر من ذي الحجة قال رحمه الله: [وقال صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله فيها من عشر ذي الحجة. قالوا: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء)]. والمعنى أن هذه الأيام العشر هي من الأيام التي يُشرع فيها التطوع، والتطوع منه صيام وصلاة، واليوم العاشر من ذي الحجة يحرم صيامه؛ لأنه يوم العيد فيحرم صيامه.

أقسام الصيام

أقسام الصيام والعلماء قسموا الصيام إلى خمسة أقسام: صيام واجب، وصيام محرم، وصيام مكروه، وصيام مباح، وصيام مندوب فالصيام يدور على الأحكام التكليفية الخمسة، فيكون واجباً مثل صيام رمضان، والنذر وقضاء صيام واجب. والصيام المندوب هو صيام التطوع كصيام أيام ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وكصيام يوم عرفة، وكصيام ثلاثة أيام من كل شهر عربي، وكصيام يوم وإفطار يوم، وكصيام الإثنين والخميس. أما الصيام المحرم كصيام العيدين: عيد الفطر وعيد الأضحى فإنه يحرم صيامهما، وصيام أيام التشريق لغير الحاج، وصيام المرأة بغير إذن زوجها، فهل رأيتم امرأة تقول لزوجها: هل تأذن لي في صيام الغد، فإن أذن لها صامت وإن لم يأذن لها لا تصوم؟ فلا يجوز للمرأة أن تصوم صيام التطوع إلا بإذن زوجها. سئل ابن القيم رحمه الله: أيهما أفضل عند الله سبحانه: ليلة القدر أم يوم عرفة؟ فقال: أفضل أيام الأسبوع الجمعة، وأفضل أيام السنة عرفة، وأفضل ليالي رمضان ليلة القدر، والله سبحانه يخلق ما يشاء ويختار. قال رحمه الله: [وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أيام أحب إلى الله أن يتعبد له فيها من عشر ذي الحجة)، حديث غريب، وروى أبو داود بإسناده عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء).

فضيلة صيام ست من شوال

فضيلة صيام ست من شوال ومن صام رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر كله. يشير هذا الحديث إلى مشروعية صيام الأيام الست من شوال، وهذا فيه حجة على المالكية القائلين بعدم استحباب صيامها، بزعمهم أن الحديث خبر آحاد يخالف عمل أهل المدينة، وهناك قاعدة أصولية عند المالكية: وهي إذا عارض عمل أهل المدينة خبر الآحاد رُد خبر الآحاد بعمل أهل المدينة، وهذه قاعدة أصولية، وخبر الآحاد هو الذي لا يرقى إلى التواتر، وهو الذي رواه راو أو راويان أو ثلاثة وهو الغريب والعزيز والمشهور، وهذه الثلاثة الأقسام من أقسام الآحاد. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ومن صام رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر) والنص واضح، فـ (من) هنا للتبعيض، أي: من أول شوال أو من وسطه أو من آخره، فلا يشترط التتابع، لكن الأولى والأفضل هو التتابع. قال رحمه الله: [لما روى أبو أيوب رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال فكأنما صام الدهر) رواه مسلم.

فضيلة صيام يوم عاشوراء ويوم عرفة

فضيلة صيام يوم عاشوراء ويوم عرفة صيام يوم عاشوراء كفارة سنة، وصيام يوم عرفة كفارة سنتين، لما روى أبو قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده)]. أي: أن صيام يوم عرفة يكفّر سنة ماضية وسنة قادمة، ومعلوم أن السنة القادمة لم يقع فيها ذنوب، فما معنى تكفير الذنوب في السنة القادمة؟ يقول الحافظ ابن حجر: إذا ارتكب المسلم صغيرة في السنة القادمة تصير مغفورة بسبب صيامه لعرفة، وليس معنى هذا أنه طالما صام عرفة تجرأ على الصغائر، وإنما إذا هفا وضعف في معصية وكان قد صام عرفة فالسنة القادمة تكفر الصغائر التي تقع، والكبائر ليس لها تكفير، إنما لا بد لها من توبة واستغفار وندم وعزم وإقلاع. ويوم عرفة هو اليوم التاسع من ذي الحجة، وهو أفضل أيام السنة كما هو معلوم، ولذلك يباهي الله عز وجل بحجاج بيته الملائكة، فيقول: (أشهدكم يا ملائكتي أني قد غفرت لهم)، ويوم عرفة هو يوم تسع ذي الحجة، ومن العجب في زمن الإحن والمحن أن اقترح بعض الناس لحل مشكلة زحام عرفة، فقال: أقترح أن نعدد أيام عرفة، فيكن في شوال يوم عرفة وفي ذي القعدة، وفي ذي الحجة، لأن هذه أشهر الحج {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة:197] شوال وذو القعدة والعشر الأوائل من ذي الحجة، ونقسّم الحجاج إلى ثلاثة أقسام: حجاج أفريقيا -مثلاً- يقفون في شوال، وحجاج آسيا في ذي القعدة، وحجاج أوروبا في ذي الحجة، فالعقل يضل حينما يعطي لنفسه حرية الاجتهاد بدون قيد شرعي، والمشكلة الغريبة والعجيبة أنه قد كتب كاتب فقال في ذلك: اقتراح جدير بالدراسة. وفي تسميته عرفة وردت الآثار التي لا نعرف صحتها أن حواء وآدم حينما أهبطا من الجنة، فإن آدم أُهبط في مكان وحواء أُهبطت في مكان وتعارفا على عرفة فسمي عرفة، وهذا من كلام أهل الكتاب وليس عندنا ما يصدق ولا يكذّب. قال رحمه الله: [وقال في صيام عاشوراء: (إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله)]. وعاشوراء هو اليوم العاشر من شهر الله المحرم، وهو اليوم الذي نجا الله فيه موسى من الغرق، وأغرق فيه فرعون، فصامه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه في أول الأمر، فلما فُرض رمضان أصبح صيام عاشوراء على الندب والتخيير، من شاء صام ومن شاء أفطر، وحينما فرض صيام عاشوراء صامه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر الناس بصيامه، فصامه الصحابة وصوّموا أطفالهم الصغار، وكانوا يصنعون لهم العرائس حتى ينشغلوا بها إلى أن يؤذن، وفي هذا مشروعية تعويد الصبي على الطاعة وعلى العبادة. وفي يوم عاشوراء ترى العجب العجاب من الروافض الذين يشقون الجيوب ويضربون رؤوسهم بالحجارة، وتسيل منهم الدماء إلى غير ذلك من خرافاتهم، وإني أحذّر فإن الرافضة الآن يكثّفون الجهود لنشر فكرهم الخبيث، فلا بد من تحصينات الشباب من دعاة التقريب أو من يقولون بالتقريب، وأنه لا فرق بين أهل السنة والشيعة فكلنا سواء! وهذا كلام خطير وخبيث، فالشيعة فرق متعددة وكفى أن تعلم أن الفرقة المعتدلة فيهم هي الإثنا عشرية، والتي قالت: بعقيدة البداء، ومعنى البدا هو أن الله بدا له أن يفعل بعد أن كان لا يعلم، وهذا اتهام لله بعدم العلم، وكذا عقيدة الرجعة والتقية، وحدّث ولا حرج عن منهجهم الفاسد وعن خللهم الاعتقادي، وعن طعنهم في أصحاب رسول الله لا سيما أبو بكر وعمر، والسيوطي له كتاب طيب اسمه: إلقام الحجر لمن زكى ساب أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- ويقصد بذلك الشيعة الروافض، وكذلك يسبون الصدّيقة بنت الصديق رضي الله عنها فضلاً عما يحرّفون في القرآن وفي الأحاديث ويطعنون في سنة النبي عليه الصلاة والسلام، فلنحذر ونحذّر من هذا أيها الإخوة الكرام. وأهل الكتاب لهم طعن وتشويش وشبهات، والروافض لهم طعن وتشويش وشبهات، ومن الفرق الضالة ليل نهار الخوارج والأشاعرة ونسأل الله العافية، والاستشراق فضلاً عن العلمانية وما أدراك ما العلمانية، فقد فُتحت لها الأبواب ليل نهار، فهي تهجم على السنة، وعلى القرآن، وعلى الثوابت الشرعية، فهي فتنة، فاثبت على الحق ولو كنت وحدك، وافهم القرآن والسنة بفهم سلف الأمة، فلا تحيد عن الطريق أبداً، وإياك أن تغتر بكثرة الناس، فإن الكثرة دائماً فيها الضلال، قال تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:116] فلا يكن همنا التجميع كبعض الجماعات الضالة، كالحزبية والصوفية والبوذية والشيعية، وكلها في سلة واحدة، والمهم عندهم الكثرة، فلنتعاون فيما اتفقنا عليه وليعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه! فإذا اختلفنا في العبادة هل يعذر بعضنا بعضاً؟ أو اختلفنا في الطواف حول القبور هل يعذر بعضنا بعضاً؟ فهذا كلام يحتاج إلى ضابط، فهناك أمور لا يجب أن أعذرك فيها كأمور العقيدة، فمثل

حكم صوم الحاج في يوم عرفة بعرفة

حكم صوم الحاج في يوم عرفة بعرفة قال رحمه الله: [ولا يستحب لمن كان بعرفة أن يصومه، ليتقوى على الدعاء]. المفروض في الفقيه أن يكون موزوناً في الألفاظ، فقوله: لا يستحب، معنى ذلك أنه لو صام يوم عرفة لا يحرم عليه. والحجاج لا يصومون ذلك اليوم، حتى يتقووا على العبادة والطاعة حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم ظل يدعو وهو على الدابة فسقط منه خطام الناقة، فأخذه أسامة بن زيد لأنه عرف أن يدي النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعتان عالياً يبتهل إلى الله بالدعاء في يوم عرفة، وهو أفضل يوم طلعت فيه شمس العام، ولذلك يسن للحاج فيه أن يبتهل بالدعاء والذكر والاستغفار والطاعة والبكاء والخشية، والإنابة وغسل الذنوب، وأن ينعزل مع نفسه، فإذا ذهبت إلى عرفة سترى ما لا يمكن أن يصدّق، فيا من قطعت المسافات وكلّفت نفسك آلاف الجنيهات، وعقدوا لك المؤتمرات قبل سفرك سيارة في رحيلك، وسيارات مع عودتك، وأعلام بيضاء وكتابة على الجدران الحاج ذهب الحاج جاء. نظر ابن عمر إلى الحجيج في زمنه فوجدهم كثر، فقال: الركب كثير والحاج قليل أي: عدد كبير جداً من كل أنحاء الدنيا، لكن من الذي يقبل الله منه؟ هل يقبل من جاهل لا يعرف العقيدة ولا الوضوء ولا يعرف كيف يطوف بالبيت؟! إني أجد أموراً غريبة، فمنذ نحو أسبوعين اتصل بي أحد الإخوة المعتمرين وقال: يا شيخ أنا الآن في المسجد الحرام لا أدري ماذا أفعل بجوار الكعبة، قل لي كيف أطوف وكيف أصنع؟ قلت: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أرأيتم إلى العبء الملقى على أعتاقكم، أن تعلموا الناس الشرع، فهذا الدين مسئولية وأمانة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)، وقال أيضاً: (نضّر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فبلغها كما سمعها، فرب مبلّغ أوعى من سامع) وديننا دين البلاغ، وأمتنا أمة الدعوة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة:67] وعندما نكون أمة دعوة لا نخشى على أحد، فلا نخشى على الشباب من الانحراف، فشبابنا اليوم عندهم فراغ فيدخل على شبكة النت وعلى موقع الرافضة، أو موقع التنصير ويسمع الشبهات، وهو لا يملك الحجج، وسلاحنا هو أن نحصّن الشباب الذي سيقع فريسة لمخطط خبيث رصد له بلايين الدولارات لأجل هذا العمل الخبيث، فلنحذر ولنكن على يقظة. وأطمئنكم أن الإسلام كلما ازدادت عليه المؤامرات علا وارتفع بإذن الله، والذي نفسي بيده لو أن هناك ديناً يتحمل هذه الضربات فليس إلا الإسلام، فكلما ازداد طعناً فيه ازداد رفعة وعلواً؛ لأنه دين الله سبحانه، يحفظه بنا أو بغيرنا، قال تعالى: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:38]. قال رحمه الله: [لما روي عن أم الفضل بنت الحارث: (أن أناساً تماروا بين يديها يوم عرفة في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم: صائم، وقال بعضهم: ليس بصائم، فأرسلت إليه بقدح من لبن وهو واقف على بعيره بعرفة فشربه النبي صلى الله عليه وسلم)]. والصحابة اختلفوا هل هو صائم هذا اليوم أم لا؟ فقطعاً للخلاف أرسلت إليه بقدح من لبن وهو واقف على بعيره بعرفة فرفع القدح وشرب صلى الله عليه وسلم، متفق عليه. قال رحمه الله: [وقال ابن عمر: (حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يصمه -يعني: يوم عرفة- ومع أبي بكر رضي الله عنه فلم يصمه، ومع عمر فلم يصمه، ومع عثمان فلم يصمه، وأنا لا أصومه ولا آمر به ولا أنهى عنه) أخرجه الترمذي]. عبارة (ولا أنهى عنه) يخرج الحكم من الحرمة إلى الكراهة، فالحكم هو كراهية الصيام في يوم عرفة للحاج، لأنه قال: لا أصمه ولا أنهى عن صيامه، وهذا قول ابن عمر وله حكم الرفع. قال رحمه الله: [وروى أبو داود (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يوم عرفة بعرفة)، ولأن الصوم يضعفه ويمنعه الدعاء في هذا اليوم العظيم الذي يستجاب فيه الدعاء]، وهذا ضعيف. وسيعدد المؤلف صيام التطوع، وفي حديث البخاري الذي أريد أن يكون وصية لنا جميعاً في كتاب التهجد.

فضيلة صيام أيام البيض

فضيلة صيام أيام البيض قال رحمه الله: [ويستحب صيام الأيام البيض، لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: (أوصاني خليلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام) رواه البخاري، وعن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صم من الشهر ثلاثة أيام فإن الحسنة بعشر أمثالها ذلك مثل صيام الدهر)]. هذا النص جاء مطلقاً وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (صم ثلاثة أيام)، وجاء القيد في نص آخر، والمطلق يحمل على المقيد. قال رحمه الله: [ويستحب أن يجعل هذه الثلاثة أيام البيض لما روى أبو ذر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا ذر إذا صمت من الشهر ثلاثة أيام فصم ثالث عشرة، ورابع عشرة، وخامس عشرة) أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن]. أي: أنك إذا صمت فصم هذه الأيام، ولو صام أياماً أخرى من الشهر فإنه يجزئه ذلك، لكن يستحب أن تكون أيام البيض فهي على وجه الندب والاستحباب. وشبابنا في زمن التبرج والاختلاط والقنوات المفتوحة وظهور الفتن لا يحصنه إلا الصيام، ولا سيما أن الصيام من أفضل العبادات عند الله سبحانه.

فضيلة صيام الإثنين والخميس

فضيلة صيام الإثنين والخميس قال: [ويستحب صيام الإثنين والخميس؛ لما روى أبو داود بإسناده عن أسامة (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم الإثنين والخميس، فسئل عن ذلك؟ فقال: إن أعمال الناس تعرض يوم الإثنين ويوم الخميس)، وفي لفظ: (فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم)، وفي رواية حينما سئل عن صيام يوم الإثنين قال: (ذاك يوم ولدت فيه)] صلى الله عليه وسلم. كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم اليوم الذي ولد فيه، واحتفى بذلك لا كما يحتفي الجهلة بدق الطبول وبرفع الأعلام وبالاختلاط بين النساء والرجال، وببيع الحلوى، وهذا لا يجوز.

التخيير للصائم المتطوع بين الصوم والفطر

التخيير للصائم المتطوع بين الصوم والفطر قال رحمه الله: [والصائم المتطوع أمير نفسه؛ إن شاء صام وإن شاء أفطر ولا قضاء عليه؛ لأنه مخير فيه قبل الشروع، فكان مخيراً بعده قياساً لما بعد الشروع على ما قبله، ولا يلزمه قضاؤه إذا أفطر لأنه غير واجب، (وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل على أهله فيقول: هل عندكم من شيء؟ فإن قالوا: نعم أفطر، وإن قالوا: لا، قال: فإني صائم)]، وذلك قبل الظهيرة. أي: أنه لم يبيت النية من الليل، وفي هذا جواز صيام التطوع دون تبييت النية بالليل؛ لأنه كان يأتي قبل الظهر، فيسأل أهله: هل عندكم طعام؟ فتقول عائشة: لا، فعدم تبييت النية نص مطلق، وهو قوله: هل عندكم طعام؟ فتقول: لا. والمتطوع مخير قبل أن يصوم، فبعد أن يصوم هو أيضاً مخير، وليس هناك تطوع ينبغي أن يتمه المتطوع إلا نافلة الحج، ونافلة الصلاة إذا شرع فيهما فلا بد أن يتمهما، وماعدا ذلك فالمتطوع أمير نفسه، والدليل على ذلك حديث سلمان حينما زار أبا الدرداء فوجده صائماً، وأفطر أبو الدرداء في ذلك اليوم، وبوب البخاري على ذلك باباً فقال: يجوز للصائم المتطوع أن يفطر إذا نزل به ضيف، وهذا دون أدنى شك. وقول النبي صلى الله عليه وسلم لنسائه: هل عندكم طعام؟ فقلن: لا، فقال: إني صائم، يدل على خلق النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله.

حكم من شرع في الحج أو العمرة في غير الفريضة

حكم من شرع في الحج أو العمرة في غير الفريضة قال رحمه الله: [وكذلك سائر التطوع -أي: المتطوع أمير نفسه- إلا الحج والعمرة، فإنه يجب إتمامهما وقضاء ما أفسد منهما] أي: أنه إذا شرع في الحج والعمرة فلا بد أن يتم حتى وإن كان تطوعاً؛ لأن الله عز وجل قال: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:196]، وأما صيام النذر فهو واجب، وشأنه شأن رمضان. ولو أن رجلاً حج حجاً متطوعاً، فجامع زوجته يوم تسعة من ذي الحجة، فقد فسد الحج؛ لأنه جامع قبل التحلل الأول، فالحج له تحللان: تحلل أصغر وتحلل أكبر، والتحلل الأصغر يكون في يوم النحر، بأن يأتي بفعلين من ثلاثة، وهي: رمي، فطواف، فحلق، فإذا رمى وذبح تحلل، أو طاف وذبح أو رمى وطاف فهنا أتى بفعلين من هذه الثلاثة، وتحلل تحللاً أصغر، ويجوز له كل محظورات الإحرام إلا الجماع، فإن جامع قبل التحلل الأول فسد حجه، ويمضي في حجه، أي: أنه يكمل المناسك ويقضي وجوباً من العام القادم، وإن جامع بعد التحلل الأول فعليه شاة أو بدنة، وإن أكمل الحج فحجه صحيح، إلا إذا جامع قبل الطواف بالبيت فيلزمه أن يذهب إلى التنعيم وأن يحرم ليطوف بالبيت، إلا إذا كان قد حصل الطواف فلا يلزمه أن يذهب إلى التنعيم، وهذا هو القول الراجح من أقوال العلماء. والفاسد هو الباطل عند جمهور العلماء إلا في الحج والزواج. ولا فرق بين الفساد والبطلان عند الجمهور خلافاً للأحناف، فقد فرقوا بين الفاسد والباطل كما فرّقوا بين الفرض والواجب، أما الجمهور فلم يفرقوا بين المصطلحين إلا في الحج والزواج، فالحج الفاسد يختلف عن الحج الباطل، والزواج الفاسد يختلف عن الزواج الباطل، فمن زوّج نفسه وهو محرم، فزواجه فاسد لأن المحرم نهي عن أن يزوج نفسه أو أن يزوج غيره، وإن غاب من أركان الزواج ركن كالولي فإن الزواج باطل، فغياب ركن يجعله باطلاً، إنما إن كان هناك نهي أصلي عن الزواج فهو فاسد.

حكم صيام يومي الفطر والأضحى

حكم صيام يومي الفطر والأضحى قال رحمه الله: [(ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام يومين: يوم الفطر والأضحى). لما روى أبو عبيدة مولى ابن أزهر قال: (شهدت العيد مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: هذان يومان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما: يوم فطركم من صيامكم، واليوم الآخر تأكلون فيه من نسككم)] أي: يوم الأضحى.

حكم صيام أيام التشريق

حكم صيام أيام التشريق قال رحمه الله: [ونهى عن صوم أيام التشريق]. وأيام التشريق هي: الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة. واليوم العاشر من ذي الحجة هو يوم النحر وهو يوم الحج الأكبر، واسمه عيد الأضحى، وبعض الناس لا يعرفون ما هي أيام التشريق؟ فهل يتوقع أن أيام التشريق لا يعرفها أحد؟ نعم، ولو سألت الكثير من الناس فلن تجد إلا القليل ممن يعرف أيام التشريق. قال رحمه الله: [وروى نبيشة الهذلي رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل) إلا أنه رخص في صومها للمتمتع إذا لم يجد الهدي]. والذي عليه الدم هو المتمتع والقارن، أما المفرد فليس عليه دم، قال تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة:196]، فيجوز للمتمتع أو القارن أن يصوم الثلاثة الأيام في الحج في أيام التشريق، إنما النهي لمن لم يكن حاجاً، فإن ترك الحاج واجباً ولم يستطع الفدية فله أن يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، فهذه عشرة كاملة. قال رحمه الله: [لما روي عن ابن عمر وعائشة أنهما قالا (لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لا يجد الهدي)، رواه البخاري. وليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (التمسوها في العشر الأواخر في كل وتر) متفق عليه]. وهذه الأيام والليالي التي ذكرت ينبغي أن نتحراها وأن نعمرها بالطاعات، لاسيما وقد جاءت فيها الوصية من نبينا صلى الله عليه وسلم. اللهم ارزقنا علماً نافعاً، ونعوذ بك يا رب من علم لا ينفع.

الأسئلة

الأسئلة

حكم وضع الجريدتين على القبر

حكم وضع الجريدتين على القبر Q النبي صلى الله عليه وسلم حينما عاد إلى بيته فلم يجد طعاماً فصام، وحينما وضع جريدتين على قبرين، فهل يجوز أن يفعل ذلك؟ A بالنسبة للصوم فنعم، أما وضع الجريدتين فإنه لم يفعلهما إلا مع هذين القبرين، فعُلم أنها خاصية بهذين القبرين، ولم يعاود الفعل، ثم لم يكن عليها عمل الصحابة ولا التابعين، ولذلك تقرأ: حجية أفعال النبي صلى الله عليه وسلم، فهناك أفعال تسمى سنة، وأفعال تسمى خصوصية، فلا بد أن تفرّق بين السنة والخصوصية. اللهم إنا نسألك علماً نافعاً، وقلباً خاشعاً، ونعوذ بك اللهم من علم لا ينفع.

العدة شرح العمدة [38]

العدة شرح العمدة [38] الاعتكاف هو لزوم المسجد لطاعة الله تعالى، وهو لا يجب إلا إن نذر الإنسان على نفسه ذلك، وكما يصح من الرجل فإنه يصح من المرأة، وهو مشروع في كل مسجد جامع، وله شروط وآداب وأحكام ينبغي على للمسلم معرفتها.

تعريف الاعتكاف لغة واصطلاحا

تعريف الاعتكاف لغة واصطلاحاً قال المصنف رحمه الله: [باب الاعتكاف: وهو لزوم المسجد لطاعة الله تعالى فيه، لأن الاعتكاف في اللغة: لزوم الشيء، وحبس النفس عليه براً كان أو غيره، قال تعالى: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الأنبياء:52]]. يعني: إن لزمت شيئاً براً كان أو معصية يسمى اعتكافاً، ولذلك لما سأل إبراهيم قومه: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الأنبياء:52]، {قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [الشعراء:74]، ولذلك فإن الله تبارك وتعالى أخبرنا أن إبراهيم عليه السلام حينما سألهم ما تعبدون: {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ} [الشعراء:70]، {قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ} [الشعراء:71]. والإمام السيوطي ضرب به مثلاً للجواب حينما يكون أطول من السؤال؛ وهذه هي الإجابة المطلوبة، لكنهم أرادوا أن يغيضوا إبراهيم، فلهذا كان الجواب أطول من السؤال. وكقول الله عز وجل لموسى عليه السلام: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [طه:17]، و A هي عصاي، لكنه زاد عن ذلك فقال: {أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} [طه:18]، فهذه الإجابة أطول من السؤال. وأحياناً يكون الجواب أقصر من السؤال، كقول الذين كفروا للنبي صلى الله عليه وسلم: {ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ} [يونس:15]، ومضمون السؤال أن يأتي بقرآن غيره أو أن يبدله، فكان A { قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي} [يونس:15]، فأجاب عن التبديل فقط، فكان الجواب أقصر من السؤال؛ لأنه إن كان عاجزاً عن التبديل فمن باب أولى أن يكون عاجزاً عن أن يأتي بغيره. وأحياناً يختلف الجواب عن السؤال، كقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ} [البقرة:189]، أي: فسؤالهم عن شكله، فقال الله له: {قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة:189]، فالجواب جاء بخلاف السؤال، أي: أنه كان من الأولى أن تسألوا عن علته لا عن شكله، فأحياناً يكون الجواب يختلف عن السؤال لإرشاد نظر السائل لما ينبغي أن يسأل عنه، السؤال في جهة والجواب في جهة، والأولى أن تسأل عن كذا. الاعتكاف لغة: لزوم الشيء وحبس النفس عليه براً كان أو غيره، لزوم الشيء وحبس النفس عليه يسمى اعتكافاً، هذا التعريف اللغوي، والكلمة قد يكون لها تعريف لغوي وتعريف شرعي يعني: اصطلاحاً، وتعريف بالضد، وتعريف بالثمرة، وتعريف بمثال، هذه أنواع التعاريف، يمكن أن تعرف نقول مثلاً: ما هو الواجب عند علماء أصول الفقه؟ نقول: الواجب ما يثاب فاعله وتاركه متوعد بالعقاب، فهذا تعريف بالثمرة، وقد يكون التعريف بالضد، وقد يكون التعريف بمثال، فالتعريف اللغوي أولاً ثم التعريف الشرعي. قال: [وهو في الشرع -أي: التعريف الشرعي للاعتكاف- الإقامة في المسجد على صفة نذكرها] الاعتكاف لغة: ملازمة المسجد على صفة مخصوصة. قال: [وهو سنة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وداوم عليه، واعتكف معه أزواجه، وهذا معنى السنة]. ومعنى السنة أنه مستحب، ومن الأحكام التكليفية الاستحباب والإباحة والتحريم والكراهية والوجوب، وكل حكم شرعي يدور بين هذه الأحكام. فحكم الصلاة واجب، وحكم الزنا حرام، وكل مسألة شرعية تأخذ حكماً من الأحكام، وقد تأخذ الأحكام الخمسة كالزواج، فقد يكون واجباً، أو مستحباً، أو مكروهاً، أو محرماً، أو مباحاً، وكل حال له وضع. وهناك فرق بين المحرم والمكروه، فالمحرم ما نهى عنه الشارع نهياً جازماً، والمكروه ما نهى عنه الشارع نهياً غير جازم، أو نهى عنه وأتى صارف صرفه إلى الكراهة، كقوله صلى الله عليه وسلم: (لا آكل وأنا متكئ) فالأكل متكئاً مكروه؛ لأن قوله: لا آكل وأنا متكئ تفيد الحرمة إلا أن هناك فعلاً صرفه إلى الكراهة، وأحياناً يستخدم الفقهاء كالإمام الشافعي لفظ المكروه ويقصد به الحرام، فقوله: أكرهه يعني: أحرمه، فمعرفة المصطلحات مهمة، واستدل على ذلك بقول الله في سورة الإسراء: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [الإسراء:38]، يعني: الزنا، سماه مكروهاً، فعبر عن الحرام بالمكروه، فانتبه لمثل هذه الفائدة فهي فائدة أصولية ذكرها العلامة ابن القيم في كتابه القيم: إعلام الموقعين عن رب العالمين، الذي لا يمكن أن يستغني عنه طالب علم أصولي أبداً بحال.

الأيام التي اعتكف فيها النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان

الأيام التي اعتكف فيها النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان قال: [وقالت عائشة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده)]. يعني: السنة الفعلية أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، وفي البخاري: (اعتكف العشر الأوائل، فقال له جبريل: إن الذي تطلب أمامك)، أي: ليلة القدر، (فاعتكف العشر الأواسط فقال له: إن الذي تطلب أمامك، فاعتكف العشر الأواخر صلى الله عليه وسلم)، وفي العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً وواظب على الاعتكاف صلى الله عليه وسلم، واعتكف أزواجه من بعده، وكان يضرب لهن الخيام خلف الرجال؛ لأن الأصل في الاعتكاف أن تنفرد في المسجد بخيمة أو بخباء تنعزل فيه وتترك حتى الأمور المباحة، وتنشغل بالطاعة: الذكر، القرآن، الصلاة، العبادة، حتى قال بعض العلماء: لا شأن للعلم في الاعتكاف، فقد كان السلف يتركون طلب العلم في الاعتكاف، أما نحن الآن فربما نقيم اعتكافاً جماعياً ونجلس الساعات للسمر والكلام، فمقصود الاعتكاف هو تفريغ القلب عن الدنيا للعبادة من تسبيح وذكر وقراءة القرآن وغير ذلك من أنواع العبادة، أما أن يجلس الناس في المسجد مع بعضهم البعض في قال وقيل فهذا لا ينبغي، حتى قال أخ فاضل لي في سنة من السنوات وكنا في حال اعتكاف: أنتم حولتم الاعتكاف إلى اعتلاف، لأنه في كل ساعة وجبة، وبعد الوجبة حلوى وبعد الحلوى عصير، المفروض أن نتعلم التقشف، فنفطر التمر والماء ثم نأكل قليلاً من الطعام، وتخرج عن مألوفك فتنام على الأرض، وتقيم الليل، وتسبح وتستغفر، وتراجع أعمال السنة مع نفسك. قال: [إلا أن يكون نذراً فيلزم الوفاء به] يعني: رجل نذر أن يعتكف، فيصبح الاعتكاف في حقه واجباً، أي: واجباً بالشرط، لأنه الذي اشترط على نفسه، فالذي ينذر يلزمه أن يوفي بنذره كما اشترط.

حكم من نذر الاعتكاف

حكم من نذر الاعتكاف قال: [قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الاعتكاف لا يجب على الناس فرضاً إلا أن يوجب المرء على نفسه الاعتكاف نذراً فيجب عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه)]. وإذا نذر الرجل معصية لا يجب عليه الوفاء؛ لحديث أبي إسرائيل أنه رآه النبي صلى الله عليه وسلم واقفاً في حر الشمس فقال: (من هذا؟ قالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس ولا يستظل، ولا يقعد، وأن يصوم، -أي: أنه نذر الصيام، والقيام في حر الشمس، وعدم القعود- فقال: مروه فليستظل وليجلس وليتم صومه)، فأقره على نذر الطاعة، ولم يقره على نذر المعصية. ومن نذر أن يعتكف وجب عليه ذلك، لكن إن نذر أن يعتكف في مسجد معين فله ذلك، وبعض العلماء يقولون: الاعتكاف لا يجوز إلا في المسجد الحرام، أو المسجد النبوي، أو المسجد الأقصى، أي: لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة، وهذا الكلام مردود عليهم بلا أدنى شك بتبويب البخاري في صحيحه: باب الاعتكاف في المساجد؛ لأن الله قال: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة:187]، أي: طالما أن المسجد تقام فيه جمعة وجماعة فيجوز الاعتكاف فيه بدون أدنى شك.

الفرق بين اعتكاف المرأة والرجل

الفرق بين اعتكاف المرأة والرجل قال: [ويصح من المرأة في كل مسجد غير مسجد بيتها؛ لأن صلاة الجماعة غير واجبة عليها، فلم يوجد المانع في حقها] أي: الاعتكاف بالنسبة للرجل لا ينبغي أن يكون إلا في مسجد جامع تقام فيه الجمعة والجماعة؛ لأنه إن لم تقم فيه الجمعة والجماعة سيضطر إلى الخروج. أما مسألة إنشاء الجمع في أكثر من مسجد فهذا من العبث الشرعي، وقد سئل الشيخ عبد الرزاق عفيفي: هل يجوز إقامة الجمعة في مسجد بخلاف المسجد الجامع؟ قال: تبطل الصلاة إن لم يكن هناك ضيق في المسجد، لأنه ما سميت الجمعة إلا لأنها تجمع الناس في مكان، والأولى أن يكون المسجد جامعاً وكلما زاد العدد زادت الفضيلة بدون أدنى شك. فالمرأة يصح منها الاعتكاف في أي مسجد إلا مسجد بيتها فلا يجوز أن تعتكف فيه، أما اعتكافها في مسجد ليس فيه جمعة ولا جماعة فإنه يصح؛ لأن الجمعة والجماعة ليستا في حقها واجبتين. قال: [ولا يصح من الرجل إلا في مسجد تقام فيه الجماعة] أي: لا يصح الاعتكاف من الرجل إلا في مسجد تقام فيه الجماعة، فلا يجوز له الاعتكاف في مسجد بيته، بل الاعتكاف في مسجد يؤذن فيه إمام راتب وتقام فيه الجمعة والجماعة. قال: [لقوله سبحانه: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة:187]؛ ولأنه مسجد بني للصلاة فيه فأشبه المتفق عليه، وإنما اشترط في مسجد تقام فيه الجماعة؛ لأن الجماعة واجبة على الرجل]، أي: صلاة الجماعة تجب على الرجال إلا من عذر، والأعذار في ترك صلاة الجماعة معروفة: مرض، خوف، مطر شديد، سفر، من كان في حضرة الطعام، أو يدافع الأخبثين إلى غير ذلك من الأعذار، أما من يسمع النداء ويصلي في بيته بدون أدنى عذر فقد ترك واجباً. ومعنى قوله: في حضرة الطعام يعني: أقام المؤذن الصلاة والطعام حاضر بين يديك، وليس المقصود أن تسمع الأذان وتقول: هاتوا لنا الطعام فإنه لا صلاة في حضرة الطعام، فهنا الطعام لم يحضر بعد، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يسمع النداء فيأخذ حاجته من الطعام ثم تركه وذهب إلى الصلاة. المقصود: ألا ينشغل المصلي بالطعام، فإن بعض النساء -حفظهن الله- تعد السفرة قبل أذان المغرب بدقائق فيريد الرجل أن يصلي المغرب جماعة والسفرة مرصوصة بين يديه ثم يذهب إلى المسجد ويدخل في الصلاة وهو يفكر بالطعام، وهذا معناه أنه انشغل بالطعام عن الصلاة، فمن فطن المرأة ومن فقهها وحكمتها ألا تضع الطعام إلا بعد أن يعود من المسجد. فإذا حضر الطعام وقت النداء يقدم الطعام، لأن الشارع الحكيم أراد بذلك أن يصلي المصلي وهو خالي الذهن تماماً ليس فيه ما يشغله، وليس كما يفعله البعض إذا حصلت عنده مباراة بين مصر والكاميرون -مثلاً- ولا يريد أن تفوته دقيقة واحدة من المباراة، فيأتي بالتلفاز ويجعله في القبلة، ويصلي وهو مشغول بالمباراة، فهذا عبث بالصلاة لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، قال تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [الأحزاب:4]، وهذا له قلوب في جوفه، نسأل الله العافية، فلا بد أن يصلي وهو خالي الذهن تماماً حتى يخشع في صلاته، فيأكل الطعام أولاً، حتى لو فاتته الجماعة؛ لأنه لا صلاة في حضرة الطعام. قال: [فاعتكافه في مسجد لا تقام فيه الجماعة يفضي إلى خروجه إلى الجماعة، فيتكرر ذلك منه مع إمكان التحرز منه، وذلك منافٍ للاعتكاف الذي هو لزوم المعتكف والإقامة على طاعة الله عز وجل فيه. واعتكافه في مسجد تقام فيه الجمعة أفضل؛ لئلا يحتاج إلى الخروج إليها؛ ولأن ثواب الجماعة في الجامع أكثر]. أي: أنه لا بد أن يعتكف في مسجد فيه جمعة وجماعة حتى لا يخرج. ولو صلى الرجل في بيته بعد أن سمع النداء، وليس عنده عذر فإن صلاته عند الأصوليين قد أجزأت وسقطت عنه، ولا نطالبه بأدائها ولا نعتبره تاركاً للصلاة، إنما هو -بدون أدنى شك- آثم على ترك هذا الواجب، فهذا جزاؤه والله أعلم به، فهذا هو الفرق بين الجزاء والإجزاء. والجماعة لا تكون إلا في المسجد، وليس هناك جماعة في البيت، وإنما البيت للنساء، طالما أنه ليس هناك عذر، والأعمى لم يرخص له النبي عليه الصلاة والسلام.

حكم من عين الاعتكاف في مسجد ما

حكم من عين الاعتكاف في مسجد ما قال: [ومن نذر الاعتكاف أو الصلاة في مسجد فله فعل ذلك في غيره؛ لأن المساجد كلها في الفضيلة سواء]. وهذا هو رأي الجمهور، فلا ميزة لمسجد على مسجد حتى ولو عين إلا أن يعين المسجد الحرام فلا يجزئه إلا المسجد الحرام، فإن نذر أن يعتكف في المسجد النبوي فيجزئه أن يعتكف في المسجد الحرام؛ لأنه أفضل المساجد حتى ولو حدد؛ ولأن المساجد بيوت الله وهي سواء، فمن نذر أن يعتكف في مسجد فمن جنس ما نذر، لا شبهة في ذلك. قال: [قال صلى الله عليه وسلم: (جعلت لي الأرض مسجداً وترابها طهوراً)، إلا المساجد الثلاثة: المسجد الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا)] وهذا الحديث له منطوق ومفهوم، والخلط بين المنطوق والمفهوم يترتب عليه ضياع كثير من المفاهيم، فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد)، أن الرحال لا تشد إلا إلى هذه المساجد، فهذا هو المنطوق، والمفهوم هو: أنه لا يسافر لمسجد يبتغي فيه الأجر الزائد إلا هذه المساجد، فإن الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، فيجوز أن أسافر لأصلي فيه خصيصاً، ولا يجوز أن أسافر إلى الشرقية لأجل أن أصلي في مسجد هناك، لأنه لا تشد الرحال إلا لهذه المساجد، فمن شد الرحال إلى البدوي في الشرقية فهو عاصٍ وآثمٍ وضال. قال: [فإذا نذر الاعتكاف في المسجد الحرام لزمه ولم يجز أن يعتكف في سواه؛ لأنه أفضلها] أي: إن نذر أن يعتكف في المسجد الحرام لا بد أن يعتكف فيه ولا يجزئه أي مسجد آخر؛ لأنه أفضل المساجد على الإطلاق. قال: [وإن نذر الاعتكاف في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم جاز له أن يعتكف في المسجد الحرام؛ لأنه أفضل منه، ولم يجز له أن يعتكف في المسجد الأقصى؛ لأن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أفضل منه، وإن نذر أن يعتكف في الأقصى جاز له أن يعتكف في أي المسجدين أحب؛ لأنهما أفضل منه، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام)، رواه مسلم.

ما يستحب للمعتكف

ما يستحب للمعتكف ويستحب للمعتكف الاشتغال بالقرب واجتنابه ما لا يعنيه من قول وفعل، ولا يكثر الكلام فإن كثرته لا تخلو من اللغو والسقط، وقد جاء في الحديث: (من كثر كلامه كثر سقطه)، ويجتنب الجدال والمراء والسباب والفحش فإن ذلك مكروه في غير الاعتكاف ففي الاعتكاف أولى. ولا يبطل الاعتكاف بشيء من ذلك] يعني: إن لغا أو اغتاب وهو معتكف فاعتكافه صحيح ولكن عليه الإثم، والإثم مغلظ في رمضان وفي الاعتكاف وفي بيت الله، وهذا فيه حرمة الزمان وحرمة المكان وحرمة الوقت، وهذا أيضاً يشير إلى جرم الفعل. قال: [ولا يبطل الاعتكاف بشيء من ذلك؛ لأنه لما لم يبطل بمباح الكلام لم يبطل بمحظوره، وإنما استحب ذلك ليكون مشتغلاً بما اعتكف لأجله من طاعة الله واجتناب معاصيه فيحقق ما اعتكف لأجله. ولا يخرج من المسجد إلا لما لا بد له منه] أي: يجوز للمعتكف أن يخرج من المسجد في حالات: قضاء الحاجة، إذا كانت دورة المياه منفصلة عن المسجد، وشراء طعام وشراب إن لم يجد من يأتيه به. فالسنة للمعتكف ألا يخرج إلا لما لا بد منه. قال: [وقالت أيضاً: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف يدني إلي رأسه فأرجله)] أي: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان في الاعتكاف يخرج رأسه لـ عائشة وهو في المسجد وهي في حجرتها ما يمنعها من دخول المسجد إلا الحيض، وهذا دليل عند الجمهور على عدم جواز دخول الحائض المسجد، وهذا استدلال البخاري وابن حجر في الفتح: (أنه كان يدني رأسه في المسجد يخرج رأسه إلى حجرة عائشة ترجله)، يعني: تمشط شعر النبي صلى الله عليه وسلم. قال: [(وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان)، ولا خلاف أن له الخروج لما لا بد له منه. قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن للمعتكف أن يخرج من معتكف للغائط والبول، ولو كان ذلك يبطل لم يصح لأحد اعتكاف، وفي معناه: الحاجة إلى الأكل والشرب إذا لم يكن له من يأتيه به يخرج إليه، إلا أن يشترط عيادة المريض، وصلاة الجنازة، وزيارة أهل، أو رجل صالح، أو قصد بعض أهل العلم، أو يتعشى في أهله أو يبيت في منزله؛ لأنه يجب بعقده، فكان الشرط فيه إليه كالوقف] بمعنى: أنه اعتكف واشترط على نفسه أنه يشيع الجنازة فاعتكافه يصح، لكن إذا اعتكف ولم يشترط فلا يجوز له؛ لأن تشييع الجنازة فرض كفاية إن قام به البعض سقط عن الآخرين، فلا يجوز للمعتكف أن يخرج ليشيع الجنازة أو ليغسل ميتاً إذا لم يكن إلا هو، فهناك فروض كفاية تجزئ إذا قام بها البعض، ولا يجوز له أن يباشر امرأته. والنبي صلى الله عليه وسلم وهو معتكف خرج مع صفية، يقلبها إلى حجرتها، وفي هذا بيان الضرورة الشرعية أن المرأة لا يجوز له أن تنقلب إلى البيت بمفردها ليلاً. يقول أحد الإخوة: إن بعض المنتقبات الفاضلات في حال تزينهن يجذبن انتباه المارة أكثر من بعض النساء الأخريات الغير ملتزمات باللباس الشرعي، حيث صار النقاب فتنة أكثر من فتنة المتبرجات، فنجد النقاب قد أظهر العينين مفتوحاً من الجانبين. ومن شروط اللباس الشرعي للمرأة ما يلي: ألا يكون لباس زينة يجذب النظر، وأن يكون فضفاضاً لا يصف، سميكاً لا يشف، وألا يكون لباس شهرة، فكل لباس أو نقاب أو إسدال يجعل المرأة مميزة بين النساء، فهذا يسمى لباس شهرة، أو لباس زينة كأن يكون مثلاً أصفر، أو بنفسجي أو أحمر، فهذا لا يجوز بحال، أو أن تغطي جزءاً من وجهها وتظهر العينين وفيهما الكحل والرموش فلا يجوز هذا فإن فيه فتنة، إلا أن تسدل المرأة وتظهر عيناً واحدة للرؤية أو ترى من وراء النقاب، وهناك هجمة على الحجاب والأمر لا يخفى عليك، فهذه نصيحة لأخواتنا من أخ فاضل جزاه الله خيراً. ولا يجوز للمعتكف أن يذهب إلى العمل ثم يعود، فهذا اسمه اعتكاف جزئي وليس اعتكافاً بالمعنى الشرعي، الذي هو ملازمة المسجد. ويجزئ أن يحدد في اعتكافه ليالي رمضان فقط، لأن ما لا يدرك جله لا يترك كله، فمن كان موظفاً ولا يستطيع الحصول على إجازة يعتكف الليالي، ومن أحيا ليالي رمضان له الفضل الكثير من الله سبحانه وتعالى.

حكم من باشر زوجته وهو معتكف

حكم من باشر زوجته وهو معتكف قال: [ولا يباشر امرأة فإن وطئ فسد اعتكافه] يعني: لا يجامع، ولا يتحدث في أمر الجماع إن انقلبت إليه الزوجة، ولما جاءت صفية انقلب معها النبي صلى الله عليه وسلم ليصل بها إلى المنزل، وهذا يدل على حرمة هذا الشأن وعظمته. قال: [لقوله تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة:187] ولأنها عبادة يحرم فيها الوطء فأفسدها كالوطء في الصوم، ولا قضاء عليه إلا أن يكون واجباً] يعني: إذا فسد الاعتكاف لا يقضي. قال: [والوطء محرم في الاعتكاف بالإجماع؛ لقول الله: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا} [البقرة:187]، وإن سأل عن المريض في طريقه أو عن غيره ولم يعرج إليه جاز؛ لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بالمريض وهو معتكف فيمر كما هو فلا يعرج يسأل عنه)] يعني: السؤال عن المريض لا حرج فيه. والحديث ضعيف.

الأسئلة

الأسئلة

الدليل على الاشتراط في الاعتكاف

الدليل على الاشتراط في الاعتكاف Q ما الدليل على الاشتراط في الاعتكاف؟ A إذا اشترط في الاعتكاف خرج من المحظور، والدليل عليه (إلا أن تشترط).

الرد على من قال: إن الاعتكاف لا يشرع إلا في المساجد الثلاثة

الرد على من قال: إن الاعتكاف لا يشرع إلا في المساجد الثلاثة Q ما الرد على من قال: إن الاعتكاف في المساجد الثلاثة فقط؟ A قوله صلى الله عليه وسلم: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة)، الحديث فيه ضعف واضح عند بعض العلماء، وله مفهوم عند البعض الآخر، وهو: لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة، قال بعضهم: من نذر أن يعتكف في أحد المساجد الثلاثة لا بد أن يعتكف فيها، أو: لا اعتكاف كامل الأجر إلا في هذه المساجد الثلاثة، إنما ما قال أحد من العلماء: إن الاعتكاف لا يجوز إلا في هذه المساجد.

حكم الاعتكاف في غير رمضان

حكم الاعتكاف في غير رمضان Q هل يجوز الاعتكاف في أي وقت من العام؟ A نعم، يجوز الاعتكاف مع النذر.

حكم الاعتكاف بدون صيام

حكم الاعتكاف بدون صيام Q هل يشترط للاعتكاف الصيام؟ A هذا كلام مختلف فيه بين العلماء، والراجح أنه لا يشترط الصيام.

حكم الاعتكاف لمدة أقل من يوم وليلة

حكم الاعتكاف لمدة أقل من يوم وليلة Q هل يجوز الاعتكاف لمدة يوم أو نصف يوم أو ساعة؟ A نعم يجوز، وهذا اعتكاف جزئي.

العدة شرح العمدة [39]

العدة شرح العمدة [39] يجب الحج والعمرة على كل مسلم بالغ عاقل إذا استطاع إلى ذلك سبيلاً، والاستطاعة أن يجد الإنسان زاداً وراحلة يتبلغ بهما إلى مكة ذهاباً وإياباً، ومن فرط في حج أو عمرة ومات فإنه يخرج عنه من ماله ويستناب عنه من يحج ويعتمر عنه.

حكم الحج والعمرة على المستطيع

حكم الحج والعمرة على المستطيع الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه. بعد أن انتهينا من كتاب الصيام، ننتقل إلى كتاب الحج والعمرة من كتاب العدة شرح العمدة للإمام موفق الدين ابن قدامة المقدسي الحنبلي رحمه الله تعالى. قال: [يجب الحج والعمرة مرة في العمر على المسلم العاقل البالغ الحر إذا استطاع إليه سبيلاً]. قوله: (يجب) أي: يفرض، فإن الوجوب هو الفرض عند جمهور العلماء. قوله: (والعمرة) هذا مذهب الحنابلة أن العمرة واجبة، شأنها شأن الحج؛ لأن الله قال: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:196]، وهناك قراءة: (وأتموا الحج والعمرةُ لله) بضم العمرة. وقوله: (في العمر مرة)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله قد كتب عليكم الحج فحجوا، قال الأقرع بن حابس: أوكل عام يا رسول الله؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، فعاد يكرر Q أوكل عام يا رسول الله؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الثالثة قال: لو قلت: نعم لوجبت، ولو وجبت لما استطعتم، ذروني ما تركتكم، إنما أهلك الذين من قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم)، والحديث بين أن الحج يفرض مرة في العمر على القادر.

شروط الحج

شروط الحج قال: [فيجب بخمسة شروط: الإسلام]. هذه الشروط يسميها العلماء: شروط الحج، بعضها شروط صحة وبعضها شروط كمال، وبعضها شروط الوجوب، فالإسلام شرط صحة ووجوب، والمعنى: أنه إذا حج الكافر لا يقبل منه حجه فإنه باطل، إذاً: شرط صحة، هو أن الحج لا يقع صحيحاً إلا من مسلم، وكذلك يجب عليه الحج؛ لأنه مسلم، فالإسلام عند بعض العلماء شرط وجوب وصحة في آن واحد، إنما الراجح أنه شرط صحة. قال: [والحرية]، شرط وجوب، لأن العبد إذا حج قبل ذلك منه، إذاً: هو شرط وجوب. قال: [والبلوغ]. شرط وجوب؛ لأن الصبي إذا حج فإن حجه صحيح، لكن لا يجب عليه الحج؛ لأن (امرأة رفعت ابنها الصغير من على صدرها وهي تؤدي المناسك، فقالت: يا رسول الله، ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر)، فقوله: (نعم) يفيد أن الصبي له أجر، وحجه صحيح، لكن لا تسقط عنه حجة الإسلام، إذ أنه مطالب بالحج منذ البلوغ، فالبلوغ شرط وجوب وليس شرط صحة. قال: [والعقل]. شرط صحة؛ فإنه المجنون فاقد العقل الذي هو مناط التكليف، ولا تكليف إلا مع العقل، فمادام أنه ليس هناك عقل فليس هناك تكليف، فإن قلم السيئات والحسنات لا يجري في حق المجنون. قال: [والاستطاعة]. شرط وجوب، فلا يجب الحج إلا على المستطيع. إذاً: هذه الشروط السابقة شروط وجوب، والاستطاعة هي الزاد والراحلة، فمن ملك زاداً وراحلة يبلغ بها بيت الله عز وجل فقد وجب عليه الحج، والله يقول: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران:97]. إذاً: يجب الحج على: المسلم، البالغ، العاقل، الحر، المستطيع. قال: [لا نعلم في هذا كله خلافاً]. وهذا من ضبط العبارة، فإن الإمام أحمد كان دائماً يقول: لا أعلم مخالفاً، ويقول: والذي يدعي الإجماع بعد عهد الصحابة كاذب، لأن الصحابة كانوا محصورين في المدينة فيمكن أن تتبع آراء الصحابة، أما بعد انتشار الفتوحات الإسلامية وتوسع بلاد المسلمين لا يمكن أن تتبع آراء كل العلماء في الدنيا. قال: [فأما الكافر فإنه غير مخاطب بفروع الدين -أي: الشريعة- وأما العبد فلا يجب عليه؛ لأنها عبادة تطول مدتها، وتتعلق بقطع مسافة، فتضيع حقوق السيد المتعلقة به، فلم يجب عليه كالجهاد، وأما الصبي والمجنون فغير مكلفين؛ بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يشب، وعن المعتوه حتى يعقل)، وغير المستطيع لا يجب عليه؛ لقوله سبحانه: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286]، وقال سبحانه: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران:97]، فخص المستطيع بالوجوب، فيدل على نفيه عن غيره. وهذه الشروط تنقسم ثلاثة أقسام: قسم منها ما هو شرط للوجوب والصحة، وهو الإسلام والعقل، فلا يصح الحج من كافر ولا مجنون، ومنها ما هو شرط للوجوب والإجزاء وهو البلوغ والحرية، وليس ذلك بشرط للصحة، ولو حج الصبي والعبد صح منهما الحج، ولم يجزهما عن حجة الإسلام، ومنها ما هو شرط للوجوب فقط كالاستطاعة، فلو تجشم غير المستطيع المشقة وسار بغير زاد ولا راحلة كان حجه صحيحاً مجزياً]. إذاً: هذه الشروط الخمسة، منها ما هو شرط صحة ووجوب، ومنها ما هو شرط وجوب، ومنها ما هو شرط صحة فقط. ويضاف إلى الشروط بالنسبة للمرأة المحرم، فلو أن امرأة معها استطاعة وتملك القدرة على السفر، ولكنها لا تجد المحرم ليسافر معها، لا نلزمها بالحج؛ فيسقط عنها فريضة الحج لعدم وجود المحرم؛ لأن الحديث حجة واضحة.

المراد بالاستطاعة في الحج

المراد بالاستطاعة في الحج قال: [والاستطاعة: أن يجد زاداً وراحلة بآلتهما، مما يصلح لمثله فاضلاً عما يحتاج إليه لقضاء دينه ومؤنة نفسه وعياله على الدوام]. والمعنى: أنه يملك الزاد والراحلة، ويترك لأهله ما يقتاتون به مدة الحج، ويقضي ديونه، فإذا كان هذا الدين قد حل أجله قبل أن يسافر إلى الحج فلا بد من قضاء هذا الدين؛ لأنه دين في الذمة وقد حل أجله، إلا أن يستحل المدين بالتأجيل، إذا كان عنده ما يفي بالاستقبال، فإن كان عنده ما يفي فلا بأس، وهذا يسمى مديناً مليئاً، يعني: عنده ممتلكات تفي بدينه إذا مات. إذاً: إذا كان مديناً ديناً حالاً فلا يجوز له الحج إلا أن يستحل صاحب الدين من تأجيل الدين أو يقضي الدين قبل أن يرحل. قال: [(لما أنزل الله: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران:97] قال رجل: يا رسول الله! ما السبيل؟ قال: الزاد والراحلة)، ولأنها عبادة تتعلق بقطع مسافة بعيدة فاشترط لوجوبها الزاد والراحلة كالجهاد، وتختص الراحلة بالبعيد الذي بينه وبين البيت مسافة القصر، فأما القريب الذي يمكنه المشي إليها وبينه وبينها مسافة دون القصر فيلزمه السعي إليها كالسعي إلى الجمعة]. يعني: الذي يبعد عن البيت الحرام مسافة القصر تلزمه راحلة، سواء سافر من جدة أو المدينة أو مصر أو العراق أو من أي البلاد الإسلامية. قال: [والزاد الذي يشترط القدرة عليه هو ما يحتاج إليه من مأكول ومشروب وكسوة في ذهابه ورجوعه، ويعتبر قدرته على الآلات التي يحتاج إليها من أوعية الماء والدقيق وما أشبههما مما لا يستغني عنه فهو كعلف البهائم. وأما الراحلة فيشترط أن يجد راحلة تصلح لمثله، إما بشراء أو كراء -يعني: الإيجار- ويجد ما يحتاج إليه من آلتها التي تصلح لمثله، وإن كان ممن لا يخدم نفسه اعتبر القدرة على خادم يخدمه؛ لأن هذا كله من سبيله]. والمعنى: رجل يملك القدرة المالية، ولكنه لا يستطيع السفر إلا برفيق أو بمعاون يحمله ويطوف به ويسعى به، ويذهب به إلى الجمرات، فهو لا يستطيع أن يؤدي المناسك إلا بمعاون، فإن استطاع أن يتحمل نفقة المعاون فيلزمه الحج، وإن لم يستطع فهو غير مكلف، ويمكن في هذه الحالة عند بعض العلماء أن ينيب؛ لأنه قادر مادياً، لكنه غير قادر صحياً وجسدياً، والدليل على ذلك: (لبيك عن شبرمة، قال: من شبرمة؟ قال: رجل أحج عنه يا رسول الله! قال: أحججت عن نفسك؟ قال: لا، قال: حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة)، وشبرمة رجل ما استطاع أن يصل إلى البيت لعذر مرضي فأناب غيره في الحج عنه لعدم القدرة على السفر. فحج النائب يجزئ عمن ناب عنه. قال: [ويعتبر أن يكون ذلك فاضلاً عما يحتاج إليه لنفقة أهله والذين تلزمه نفقتهم في مضيه ورجوعه؛ لأن النفقة متعلقة بحقوق الآدميين، وهم أحوج وحقهم آكد، وقد روى عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت)]. يعني: يعول، وهذا حديث ضعيف، والاستطاعة هي أن يترك ما يفي بحاجته وحاجة أولاده. أما من يقدم الزواج على الحج فهذا كلام باطل؛ فإن الحج فريضة لابد أن تعجل، كما جاء في الحديث: (حجوا قبل ألا تحجوا).

سبب تأخر حجة النبي صلى الله عليه وسلم رغم أن الحج فرض قبل ذلك

سبب تأخر حجة النبي صلى الله عليه وسلم رغم أن الحج فرض قبل ذلك تأجيل الحج ليس من هدي الإسلام، أما حج النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع متأخراً، رغم أن الحج فرض قبل ذلك، فإن هناك أموراً: أولاً: هناك خلاف بين العلماء، هل فرض الحج في العام التاسع أم في العام السادس؟ ثانياً: أنه أرسل أبا بكر وعلياً ليعلنا في الناس ألا يطوف بعد العام بالبيت مشرك ولا عريان؛ لأن المشركين كانوا يطوفون بالبيت عرايا، ويقولون: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إلا شريكاً هو لك تملكته وما ملك، قال تعالى: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} [الأنفال:35] يعني: تصفيراً وتصفيقاً، كحال المتصوفة اليوم، فإنهم يصفقون ويصفرون ويرقصون، ومعنى: ((وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ))، يعني: دعاؤهم، وهل يستقيم الذكر مع التصفيق والصفير والطبل؟! نسأل الله العافية، حتى إني سمعت أحدهم يغني أغنية لسيدة الغناء وبعض الناس يذكرون الله عليها، ويقولون: هذا هو الإسلام! نسأل الله العافية. قال: [ويعتبر للمرأة وجود محرمها وهو زوجها ومن تحرم عليه على التأبيد بنسب أو سبب مباح]. فلا يجوز للمرأة أن تحج مع زوج أختها، لأنه محرم على التوقيف، كما لا يجوز للرجل أن يجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها، فلا يجوز له أن يحج مع عمة زوجته أو مع خالتها، فهذه الحرمة ليست على التأبيد، وإنما بمجرد موت الزوجة أو الطلاق تحل له عمة زوجته أو خالتها أو أختها. إذاً: المحرم هو كل من يحرم عليها على التأبيد، كالأب والزوج وأبو الزوج، لأنه إذا نكح الولد امرأة لا تحل لأبيه أبداً من بعده. أما مسألة أيهما يقدم: الزواج أم الحج؟ فقد أجاب شيخ الإسلام عن ذلك بقصيدة ذكرها في الفتاوى، يقول فيها: إن الحج مقدم على الزواج؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر كما ينفي الكير خبث الحديد)، فمن أراد الغنى والزواج فعليه بالحج والعمرة، لا تكن حريصاً على هذا المال الذي تحتفظ به، فربما تأتيك المنية، فيا عبد الله! عليك أن تسارع، والحج يجب على الفور وليس على التراخي، وإذا نظرت إلى البعثة المصرية في موسم الحج لرأيت أن أعمار معظم الحجاج فوق التسعين سنة. أي: في سن الشيخوخة. أما قول القائل: الزواج نصف الدين أو يقدم الزواج ويعصم نفسه فهذا كلام صحيح، الزواج ينطبق عليه الأحكام التكليفية الخمسة، وابن تيمية لم يتزوج، والنووي لم يتزوج، وقد يكون الزواج واجباً في حق المكلف إن لم يستطع أن يتحمل البعد عن هذه الفتن، لكن أقول: الحج فريضة وركن من أركان الإسلام، ولا ينبغي أن تؤجله أبداً بدعوى أنك لا تملك سيارة أو بيتاً أو أنك لم تزوج الأبناء، فإذا بلغ عمرك السبعين أو الثمانين ذهبت إلى الحج فلا بد من تعجيل الحج كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم. قال: [لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل -يعني: يحرم- لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا ومعها ذو محرم) متفق عليه]. فالمرأة إذا سافرت بدون محرم فإن ذلك فتنة، سواء كانت كبيرة في السن أو مع صحبة آمنة، فإن قوله عليه الصلاة والسلام: (لا يحل لامرأة) جاء نكرة ليفيد العموم. ولا يجوز للمرأة في هذه الحالة أن تعطي مبلغاً من المال لمن يحج عنها؛ لأن الحج ليس واجباً في حقها، فلا يجوز أن تنيب غيرها ليحج عنها. أما قول الشافعي: يجوز مع الصحبة الآمنة، فلو عاصر الشافعي زماننا ما قال هذا القول، فلم توجد الصحبة الآمنة لوجود خفة الدين فضلاً عن الفتن التي نراها، فمهما كبر سن المرأة لا يحل لها أن تسافر بدون محرم، فإنه يسقط عنها الفريضة إن لم تجد المحرم.

حكم من فرط في الحج حتى مات

حكم من فرط في الحج حتى مات قال: [ومن فرط حتى مات أخرج عنه من ماله حجة وعمرة]. أي: من مات وترك ميراثاً فلا نورث الورثة إلا بعد سداد الديون، ثم يخرج من مال التركة مبلغ الحج ليحج عنه أحد الورثة بشرط أن يكون قد حج عن نفسه، لحديث: (يا رسول الله! إن أمي نذرت أن تحج وماتت قبل أن تفعل، قال: أرأيت لو كان على أمك دين أكنت تقضيه؟ قالت: نعم، قال: فدين الله أولى بالقضاء)، أي: دين الله أحق بالقضاء، فمن فرط أو أهمل أو تقاعس أو تكاسل عن الحج مع قدرته عليه حتى مات، يخرج من تركته ما يكفي لحجه شريطة أن يحج عنه أحد الورثة. وإذا رفض الزوج أن تحج امرأته الحجة الأولى، فلا طاعة للزوج أبداً؛ لأن الحج فريضة، فلا تطعه في معصية الخالق. قال: [وإذا ثبت هذا فمتى لم يحج حتى توفي وجب أن يخرج من ماله ما يحج به عنه ويعتمر؛ لما روى ابن عباس: (أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أبيها مات ولم يحج؟ قال: حجي عن أبيك)؛ ولأنه حق استقر عليه تدخله النيابة فلم يسقط بالموت كالدين]. النيابة تكون عند المشقة في الوصول إلى الحج. ومن توفي وعليه دين فإن صاحب الدين يلزم الورثة على القضاء، فكذلك الحج دين على المورث لابد أن يفي به الورثة لاستطاعته الحج ولم يفعل. قال: [والعمرة كالحج في القضاء فإنها واجبة، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا رزين فقال: (حج عن أبيك واعتمر)، ويكون ما يحج به ويعتمر من جميع ماله؛ لأنه دين مستقر عليه، فيكون من رأس ماله كدين الآدمي]. والعمرة دخلت في الحج إلى يوم القيامة، وشبك النبي صلى الله عليه وسلم بين أصابعه، وقال: (دخلت العمرة في الحج)، يعني: إذا أردت أن تذهب إلى الحج فإنك ستؤدي معه العمرة إن حججت متمتعاً أو قارناً.

بيان من أين تكون النيابة في الحج

بيان من أين تكون النيابة في الحج قال: [ويستناب من يحج عنه من حيث وجبت عليه الحجة، إما من بلده أو من الموضع الذي أيسر فيه لا من الموضع الذي مات فيه]. فمثلاً: رجل كان في مصر لم يملك القدرة على الحج ليس معه أموال، سافر إلى الكويت فملك القدرة، فإنه ينيب عنه من المكان الذي أيسر فيه، أي: من الكويت، هذا كلام المصنف. قال: [ولأن الحج واجب على الميت من بلده فوجب أن ينوب عنه منه؛ لأن القضاء يكون على وفق الأداء كقضاء الصلاة والصيام]. يعني: المكان الذي وجب فيه الحج عليه ينبغي أن ينيب منه من يحج عنه. قال: [فإن خرج حاجاً فمات في بعض الطريق، أخرج من حيث مات؛ لأنه أسقط بعض ما وجب عليه بفعله فلم يجب ثانياً]. بمعنى: رجل قطع التذكرة وذهب إلى جدة، وهو في جدة قبل أن يدخل مكة مات قبل أن يؤدي الفريضة، فإنه ينيب من جدة؛ أي: من المكان الذي مات فيه، وهذا أقل تكلفة لا شك في هذا. ولو أن امرأة خرجت تحج وجاءها خبر موت زوجها وهي في ميقات الإحرام، فإنها ترجع، فإن عمر أمر من هذا حالها بالرجوع لتعتد على زوجها، وهذا من عظم حق الزوج على زوجته، وهذا في البخاري سنتعرض إليه إن شاء الله تعالى.

حكم الحج من الكافر والمجنون

حكم الحج من الكافر والمجنون قال: [ولا يصح الحج من كافر ولا مجنون؛ لأنهما ليسا من أهل الوجوب، ويصح من الصبي؛ لما روى مسلم عن ابن عباس قال: (رفعت امرأة صبياً، فقالت: يا رسول الله! ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر)، ويصح من العبد أيضاً لأنه من أهل العبادات، ولا يجزئ عنهما]. يعني: رجل حج وهو مملوك، ثم أعتقه سيده، لا تجزئ عنه الحجة التي حجها وهو عبد، لابد أن يحج في حال الحرية، كذلك الصبي الذي حج وهو صغير. قال: [وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم إلا من شذ عنهم ممن لا يعد خلافه خلافاً على أن الصبي إذا حج في حال صغره والعبد إذا حج في حال رقه ثم بلغ الصبي وأعتق العبد أن عليهما حجة الإسلام إذا وجدا إليه سبيلاً. ويصح من غير المستطيع كما تصح الجمعة من المريض إذا حضرها]. المريض إذا صلى الجمعة يحسب من ضمن العدد، وهذا عند من اشترط للجمعة أربعين رجلاً كملوا به، بخلاف ما لو كمل العدد بصبي، فإنه لا يجزئ، لأن الصبي تسقط عنه الجمعة فلا تجب عليه، أما المريض فإنها تسقط عنه، مع أنها في الأصل واجبة. وقوله: (ويصح من غير المستطيع)، هناك قاعدة أصولية: ما لا يتم الواجب المشروط إلا به فهو غير واجب، ومعنى هذا أن الغير مستطيع على الحج لا يلزمه الادخار للحج؛ لأن الحج واجب مشروط بالاستطاعة، فليس واجباً عليك أن تدخر للحج، وتمنع نفسك من القوت، ومن كذا وكذا، وطالما أنك غير مستطيع فلا يلزمك الحج، والحج ساقط عنك لعدم الاستطاعة، ولن يسألك الله عنه يوم القيامة.

حكم الحج من المرأة بغير محرم

حكم الحج من المرأة بغير محرم قال: [ويصح من المرأة بغير محرم لأنها من أهل الوجوب]، يعني: امرأة حجت وليس معها محرم، فإن حجها صحيح مع الإثم، كما لو حج رجل من مال حرام أجزأت عنه الفريضة ويسأل عن المال.

حكم من حج عن غيره ولم يكن قد حج عن نفسه

حكم من حج عن غيره ولم يكن قد حج عن نفسه قال: [ومن حج عن غيره ولم يكن حج عن نفسه أو عن نذره أو عن نفله وفعله قبل حجة الإسلام وقع حجه عن فرض نفسه دون غيره]. بمعنى: أن من حج عن غيره ولم يكن قد حج عن نفسه تحسب الحجة لنفسه. قال: [لما روى ابن عباس (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة، فقال: هل حججت قط؟ قال: لا، قال: فاجعل هذه عن نفسك ثم حج عن شبرمة)؛ ولأنه حج عن غيره قبل أن يحج عن نفسه فلم يقع عن الغير كما لو كان صبياً]. ومن حج بمال حرام فحجه صحيح؛ فإن القبول شيء والإجزاء شيء آخر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً)؛ فقد سقطت عنه الفريضة لأنه ذهب وطاف وأدى المناسك، لكن يحاسب عن المال الحرام، كذلك إن صلى في الأرض المغصوبة فإن صلاته صحيحة مع الإثم؛ لأنه يحاسب عن اغتصاب الأرض، هذا كلام جمهور العلماء. ومن حج عن شخص وعند التلبية أخطأ في الاسم فلبى عن غيره فحجه صحيح، لأن العبرة بما نوى لا بما تلفظ. والذي لبى عن شبرمة نوى لـ شبرمة ولم ينو لنفسه، فأمره النبي أن يغير النية؛ لأنه لا يصح أن يحج حجتين في نفس الوقت أو يطوف طوافين ويسعى سعيين. والفلوس التي أخذها تلزمه، فتصير ديناً في رقبته، أما من يحج عن نفسه ويأخذ الفلوس باسم رجل آخر فهذا لا يصح، وهذا الحكم واضح، فإنه لا ينيب في الحج إلا من حج عن نفسه. قال: [فإن أحرم تطوعاً أو عن حجة منذورة وعليه حجة الإسلام وقع عن حجة الإسلام؛ لأنه أحرم بالحج وعليه فرضه فوجب أن يقع عن فرضه كالمطلق]. رجل ذهب ليحج وقد نوى أن هذا الحج تطوعاً، وهو لم يحج الفريضة تقع عنه الفريضة؛ لأن الفريضة تقدم على النافلة.

الأسئلة

الأسئلة

ما يترتب على الخطوبة

ما يترتب على الخطوبة Q أنا فتاة مرتبطة بشاب على الالتزام، ولم يحصل العقد بيننا، وهو يمنعها من العمل وهي تريد أن تعمل؟ A أولاً: الخاطب أجنبي عن مخطوبته، ليس له عليها حقوق، ولا له أن يأمرها بأمر، أما منعه إياها من العمل خارج المنزل فهذا صحيح؛ لأن العمل إن كان فيه اختلاط لا يجوز أبداً، فابحثي عن عمل ليس فيه اختلاط، ونسأل الله أن يفرج الكرب.

حكم المال الحرام إذا اختلط بحلال

حكم المال الحرام إذا اختلط بحلال Q لي ابني خالة أحدهما يعمل في السياحة والآخر يعمل أعمالاً حرة، لا أعلم أنا طبيعته، لكن أخي الصغير قال لي: إنه سمع صاحب العمل الحر يقول للذي يعمل بالسياحة: الرشوة حلال، فقال: لا، بل هي حرام، هل يجوز لي أن آكل عندهما وأن أقبل منهما الهدايا، علماً بأني لم أذهب إليهما منذ حين، وهما غاضبان من ذلك؟ A حقيقة الورع إن كان مالهما حرام ألا تأكل عندهما، أما إن اختلطت الأموال، لهما دخل حلال ودخل حرام فتبني على الحل ويجوز لك في هذه الحالة.

حكم الأكل بعد أذان الفجر في رمضان

حكم الأكل بعد أذان الفجر في رمضان Q هل يجوز الأكل بعد أذان الفجر بين الأذان والإقامة علماً بأنه قال لي بعض الإخوة: إنه يجوز الأكل بين الأذان والإقامة في صلاة الفجر؟ A انظروا إلى المصيبة، يريد أن يجعله يأكل بعد الأذان! كل واشرب حتى تسمع نداء الفجر، ولا تأكل أبداً بعد الأذان، فمن قال لك ذلك فقد أفتى بغير علم. أما إذا كان يشرب الماء والإناء في فمه، فسمع النداء فلا يضع الإناء حتى يقضي منه حاجته، وهذا كما جاء في الحديث الصحيح وكذا الطعام إن كان في فمه فإنه يبلعه، ولا يمجه أو يلفظه فإن في هذا تعذيب للنفس، وكذلك لا يشرع الشرب والأكل بعد سماع النداء، فهذا لا يجوز أبداً، بخلاف ما لو كان الإناء في فمه وبينما هو يشرب سمع النداء، فلا يضع الإناء حتى يقضي منه وطره. ولا ينطبق هذا على الكوب من الشاي لأنه حار ولأنه قد يتأخر، ومن فعل ذلك بدون علم يعفى عنه وصيامه صحيح، وقد فهم عدي بن حاتم من الآية: أن الخيط الأبيض والخيط الأسود خيطان أبيض وأسود، ووضعهما تحت مخدته، وظل ينظر إليهما، فلم ير الأبيض من الأسود فأكل وشرب حتى علت الشمس ووضح النهار وهو يأكل ويشرب، فلما وصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله، قال: (يا عدي إنك رجل عريض القفا، إن المقصود بالخيط الأبيض من الأسود بياض الفجر وسواد الليل) ولم يأمره بالقضاء، قال تعالى: {لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286].

الحكم فيما إذا أذن المؤذن للفجر في رمضان والطعام في الفم

الحكم فيما إذا أذن المؤذن للفجر في رمضان والطعام في الفم Q أخ كان يصوم صيام تطوع، فقام إلى السحور ولم يبق من الوقت إلا خمس دقائق على الفجر، فبدأ الأكل حتى أذن المؤذن وفي فمه ويده طعام، فجعل الذي في يده في فمه، ثم بعد ذلك شرب الماء، فما الحكم في ذلك؟ A ما في الفم امضغه وابلعه ولا حرج على ذلك، وما كان في اليد فلا.

الحكم فيما إذا توفي رجل ولم يحج وله تركة

الحكم فيما إذا توفي رجل ولم يحج وله تركة Q توفى والدي وترك قطعة أرض بخمسين ألف جنيه، وترك بنات ولم يحج، ما الحكم في ذلك؟ A لابد أن تستقطع من الأرض جزءاً يباع ثم تحج عنه شريطة أن تكون قد حججت عن نفسك، فإن لم تستطع فيمكنك أن تكلف من حج عن نفسه أن يحج عن والدك.

حكم الطلاق المعلق بقصد التهديد

حكم الطلاق المعلق بقصد التهديد Q أنا كنت لابسة النقاب، وحلف والدي وقال لي: أمك طالق إن خرجتي بالنقاب، وكانت أمي موجودة، وكانت نيته تهديد، فماذا أفعل، وأنا أريد أن ألبس النقاب، علماً بأني عرفت بكثرة الآراء من يقول لي: تلبسي النقاب ويدفع والدك كفارة إطعام ستين مسكيناً، والآخر يقول: يكلف والدك ويرد يمينه وتلبسي النقاب علماً بأنه قد وقع الطلاق؟ A خلاصة القول: البسي النقاب وهو يفعل ما بدا له، لا تقيمي لكلامه اعتباراً، أب يحلف بالطلاق على حق من حقوق الله هذا الكلام إجرام، وتعسف في استخدام الحق، ما دخل النقاب بالطلاق، وهذا طلاق معلق، والطلاق المعلق عند العلماء فيه اختلاف، جمهور العلماء يقولون: إذا وقع الشرط وقع الطلاق، وابن تيمية يقول: يرجع فيه إلى النية، إن كانت نيته التهديد يلزمه أن يكفر كفارة يمين بإطعام عشرة مساكين أو صيام ثلاثة أيام؛ لأنه طلاق غير منجز، وقد ذهبت لجنة الفتوى في المملكة إلى هذا، والله تعالى أعلم.

حكم ظهور المرأة أمام خاطب ابنتها

حكم ظهور المرأة أمام خاطب ابنتها Q أنا امرأة متزوجة وأبلغ من العمر ثلاثاً وخمسين سنة، ارتديت النقاب منذ أسبوعين، ولدي ابنة غير منتقبة ومخطوبة، ولا يوجد عقد زواج، فهل أظهر أمام خاطب ابنتي؟ A طالما ليس هناك عقد فهو أجنبي عن البيت كله، والخطوبة لا تعطي أي حق شرعي، ولا يترتب على الخطوبة أي حقوق شرعية للخاطب أبداً.

حكم الحج عن طريق تأشيرة عمل

حكم الحج عن طريق تأشيرة عمل Q ما حكم الحج عن طريق العمالة أو تأشيرة عمل؟ A يجوز أن تحج بتلك الطريقة.

دعوة أهل الكتاب إلى الإسلام

دعوة أهل الكتاب إلى الإسلام Q أنا طالبة بكلية آداب عين شمس، ومعي في القسم الذي أنا فيه أهل كتاب، وعلمت من صديق قديم غير ملتزم أن هناك فتاة من أهل الكتاب غير مقتنعة بدينها، وأنها تحب أن تدخل الإسلام، وسألت فلاناً وفلاناً عن بعض الأمور، ولم تحصل على الجواب، بل قيل لها: أنت مجرد مريضة، وسوف يذهب عنك هذا التفكير فماذا أفعل؟ A عليك أن تنصحي بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن تقيمي الأدلة على بطلان الشرك، وعلى بطلان القضايا العقائدية عند أهل الكتاب، ثم بعد ذلك: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف:29]، ولا تعرضي نفسك لأكثر من هذا.

حكم إسبال البنطال

حكم إسبال البنطال Q ما حكم إسبال البنطال؟ A حرام، الإسبال في البنطال كالإسبال في القميص.

بيان أيهما يقدم الزواج أم العمرة

بيان أيهما يقدم الزواج أم العمرة Q ذكرت أن الحج أولى من الزواج، فهل ينطبق ذلك على العمرة أيضاً، فأنا أملك مبلغاً من المال يكفي للعمرة ولا يكفي لعمل بعض الإضافات في شقة أنوي الزواج بها، فهل العمرة أولى؟ A نعم، اعتمر وأنت تطوف ادع الله أن يوسع عليك ونحن نضيق الأمر على أنفسنا، أعرف أخاً زوج ابنه بثلاثة آلاف جنيه، ما له إلا زير ماء، وكنبة جيدة صغيرة، وقطعة كرين من النوع المتواضع، والشيخ أبو ذر لما ذهبت إليه في بيته رأيت العجب، فهو رجل بسيط، علمنا الأدب في الزهد، فهو متزوج بثلاث، تجلس على الأرض وحينما يأتي بدورق واحد، وتشرب كفايتك وتعطي من بجوارك، الأمور عادية جداً وبسيطة وزهد في الملبس، ونحن ألفان جنيه في الشهر لا تكفي وثلاثة لا تكفي، وفاتورة تلفون وفاتورة كهرباء وفاتورة كذا. مصيبة أن نضيق على أنفسنا، نحن الذين نشدد على أنفسنا، العيشة البسيطة جنيه واحد، أو خمسة جنيه يكفي، إنما هذا رجل يريد أن يعيش عيشة الطبقة الأخرى، فأقول لك: اعتمر، فقد كان الصحابة والتابعون يحجون العام بعد العام، وحج أحمد بن حنبل خمس مرات وحدث ولا حرج عن حجة التابعين.

حكم كتابة الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في الرسائل الغرامية

حكم كتابة الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في الرسائل الغرامية Q أنا فتاة معقود علي، وزوجي مسافر، وعندما أبعث له جوابات أبدأ فيها بالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وأكتب في وسط الخطاب حديثاً أو آيات قرآنية، وأنهي خطابي بكفارة المجلس، فيقول لي زوجي: لا تكتبي التحميد أو الأحاديث مع كلام الخطاب؛ لأن هذا ليس من الأدب مع القرآن أو الحديث؟ A لا، زوجك مخطئ، وقد قال تعالى: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [النمل:30]، فخطاب الأنبياء والملوك كانت تبدأ بالبسملة والحمد، ولا شك في ذلك أبداً، فبعد أن تكتبي الآية والبسملة قولي ما شئت لزوجك، والكلام الذي بعد البسملة كلام طيب أيضاً، طالما أنه زوج.

حكم دراسة علم الكلام والفلسفة

حكم دراسة علم الكلام والفلسفة Q أنا طالب أزهري أدرس علم الكلام والفلسفة، مع علمي بأنهما ليسا علمين شرعيين، وأعلم أقوال السلف؟ A ادرس وقد درسنا من قبلك، ودراسة كلام أهل البدع ليس ببدعة، والتعرف على فرق الضلال واجب، قال تعالى: {وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام:55]، فدراسة الكفر ليست كفراً فـ ابن تيمية كتب كتباً في نقد الفلاسفة والمنطق ولم يعرف هذا إلا من كتبهم، فلا بأس أبداً أن تتعلم هذا لترد عليهم بالدليل.

حكم من تأخر عن الإمام بركعة فسلم معه ناسيا ثم تذكر بعد ذلك

حكم من تأخر عن الإمام بركعة فسلم معه ناسياً ثم تذكر بعد ذلك Q إذا ذهبت إلى المسجد متأخراً عن الجماعة بركعة وصليت معهم ونسيت وسلمت ثم تذكرت في نفس الوقت؟ A بعد أن تتذكر قم وأت بركعة.

حكم الدعاء لمن كان من أهل الكتاب بالهداية والإسلام

حكم الدعاء لمن كان من أهل الكتاب بالهداية والإسلام Q أمي من أهل الكتاب، فهل يجوز الدعاء لها بالهداية؟ A نعم، ادع لها بالهداية ولا شيء في هذا.

معنى الوطء

معنى الوطء Q ما معنى وطئ؟ A وطئ يعني جامع.

بيان المراد من اختلاف العلماء

بيان المراد من اختلاف العلماء Q هل اختلاف العلماء فيه خير أم شر؟ A اختلاف العلماء لا شك أنه يظهر الحقيقة ويجلي الأمر واضحاً، أما قول عامة الناس: (اختلاف أمتي رحمة) فليس بحديث، والخلاف شر كله.

حكم الصلاة على أرض فيها قبور ليست ظاهرة

حكم الصلاة على أرض فيها قبور ليست ظاهرة Q هل يوجد في مسجد الأزهر ضريح أم لا؟ A هل تعلم ماذا كان موجوداً منذ ثلاثة آلاف سنة؟ لا نسأل عما في باطن الأرض، يمكن أن تصلي الآن فوق خزان، أو تصلي وفي بطنك براز، فما ليس ظاهراً لا يترتب عليه أحكام، فإن كان ألف ضريح تحت الأرض فلا نسأل عنه، سو الأرض وصل. والظاهر أنه لا توجد تحت مسجد الأزهر أضرحة توكل على الله، أنا أعلم أنه لا يوجد بلا شك.

حكم من جامع امرأته وهو صائم صيام كفارة أو صيام تطوع

حكم من جامع امرأته وهو صائم صيام كفارة أو صيام تطوع Q ما حكم من جامع امرأته وهو صائم صيام كفارة أو صيام تطوع؟ A أما الذي جامع امرأته وهو متطوع فلا شيء عليه، والصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر؛ لأن الأصل فيه أنه مندوب فالندب هو الذي فعله، أما إذا كان صيام كفارة - ككفارة يمين - فاليوم باطل ولا شيء عليه وعليه أن يقضي بدلاً منه يوماً آخر، أما المجامع في رمضان والذي ينتهك حرمة رمضان نلزمه بصيام شهرين متتابعين أو بإطعام ستين مسكيناً. وإن كان يكفر كفارة ظهار يعود من أول الشهرين، أما من كفر كفارة يمين، ففي اليوم الذي جامع فيه امرأته وهو صائم، فإنه باطل ولا شيء عليه، إنما الحرمة فيمن جامع في رمضان، ويقضي يوماً بدلاً منه، أما ما سوى رمضان فلا يأخذ نفس الحكم. والحمد لله رب العالمين.

العدة شرح العمدة [40]

العدة شرح العمدة [40] للحج والعمرة ميقاتان: زماني ومكاني، أما الزماني للعمرة ففي أيام السنة كلها وأفضلها أيام رمضان، وأما الحج ففي أشهره المعلومة، وأما الميقات المكاني فكل قادم من بلاده له ميقات معلوم محدد؛ فأهل العراق يهلون من ذات عرق، وأهل اليمن من يلملم، وأهل نجد من قرن المنازل، وأهل المدينة من ذي الحليفة، وأهل الشام من الجحفة، وهذه المواقيت هي أيضاً لمن مر فيها من غير أهلها.

مواقيت الحج والعمرة

مواقيت الحج والعمرة الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله صلى الله عليه وعلى آله، وصحبه أجمعين. وبعد. لا زلنا مع كتاب الحج والعمرة، ومع باب المواقيت من كتاب العدة شرح العمدة للإمام موفق الدين بن قدامة المقدسي الحنبلي رحمه الله تعالى. وباب المواقيت باب هام؛ لأنه يترتب على عدم الإحرام من الميقات أن يعود الحاج أو المعتمر إلى الميقات مرة ثانية إن استطاع، أو يلزمه فدية لعدم إحرامه من الميقات، ويترتب على ذلك مشاكل كثيرة في النسك؛ لأن عدم العلم بهذا الواجب يدل على عدم معرفة بفقه أحكام الحج والعمرة عند الكثير، فتجد الرجل يحرم بعد الميقات أو يحرم من مكة، أو يحرم من بيته وكل هذه الأمور التي فيها مخالفات ينبغي أن نقف عندها. الحج والعمرة لهما ميقات زماني وميقات مكاني. أما الميقات الزماني للحج فيقول ربنا فيه: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة:197] أي: أن الحج لا يقع إلا في هذه الأشهر: شوال، وذي القعدة، والعشر الأوائل من ذي الحجة، وجزء الشهر سمي هنا شهراً، قال تعالى: ((الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ)) فمن أراد الحج فلابد أن يحرم بالحج في هذه الأشهر، فمن أحرم بالحج في رمضان فحجه باطل؛ لأن رمضان ليس من أشهر الحج، وعلى هذا أيضاً من اعتمر في رمضان ثم ظل هناك إلى أن أحرم بالحج لا يسمى متمتعاً؛ لأن التمتع أن تقع منه العمرة في أشهر الحج، فإذا اعتمر في شوال ثم ظل في مكة إلى أيام الحج وأحرم بالحج بعد أن أدى العمرة في شوال فهو الآن متمتع؛ لأنه أوقع العمرة في أشهر الحج، وهذا معنى قول الله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196]. أما الميقات الزماني للعمرة فكل السنة تصلح لأداء العمرة، وهناك في السعودية تنظم أوقات للعمرة فقط، لكن العمرة ميقاتها الزماني في كل أيام السنة. أما الميقات المكاني للحج والعمرة فقد بيّنه النبي صلى الله عليه وسلم، ومعنى كلمة (الميقات): أنه لا يجوز للحاج أو للمعتمر أن يمر على الميقات دون أن يحرم، ومعنى يحرم: يلبس ملابس الإحرام وينوي ويلبي، وله أن يلبسه من بيته، ولو أن رجلاً من مصر لبس الإحرام في المطار فلا نسميه محرماً إلا إذا عقد النية ولبى في الميقات، فليس معنى لبس الإحرام هو الإحرام، إنما معنى الإحرام عقد النية والتلبية، هذا هو الإحرام. ولذلك فهذه المواقيت المكانية ينبغي أن نكون على علم بها، وهي من معجزات نبوة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه وقّت لأهل العراق ذات عرق، وكانت العراق لم تفتح بعد، وإنما فُتحت بعد موته عليه الصلاة والسلام، وهكذا الشام، فكونه يوقّت لبلاد لم تفتح في عهده وفتحت من بعده فهذا من أدلة نبوة النبي عليه الصلاة والسلام. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وميقات أهل المدينة ذو الحليفة] وهي المشهورة عند الناس الآن بأبيار علي، لكن نلتزم التسمية الشرعية. [والشام ومصر والمغرب الجحفة] يعني: أن أهل الشام وأهل مصر وأهل المغرب يحرمون من الجحفة. والجحفة عُدّل اسمها الآن إلى رابغ، فميقات أهل مصر هو رابغ، ويبعد عن مكة بما يقرب من 250 كيلو متر تقريباً، وهو ميقات أهل مصر، وميقات أهل الشام، وميقات أهل المغرب. والشام يشمل الأردن، وسوريا، وفلسطين، ولبنان هذه كلها تسمى أرض الشام، وهي أرض مباركة، قال الله في حقها: {إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} [الأنبياء:71]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيها: (هي أرض المحشر والمنشر) فيُحشر الناس إليها، ويبعث الناس عليها، والأعين الآن تتجه إليها، فانتبه يا عبد الله! فهناك مخطط أثيم قديم للأعداء لكننا لا نقرأ، فقد لاموا بيغن يوماً على أنه أدلى بتصريحات خطيرة في مذكراته وفي أجوبته على الصحفيين، فقال: اطمئنوا؛ فإن العرب لا يقرءون، وإذا قرءوا لا يحسنون الفهم، وإذا فهموا لا يحسنون العمل! فالرجل على دراية ودراسة بنا، وهذا الكلام الذي يحدث اليوم في أرض الواقع مسجّل منذ قديم، وهو مخطط أثيم، ينفذ بخطة محكمة، والله من ورائهم محيط، فلا تحزن ولا تيأس فإن دين الله ظاهر بنا أو بغيرنا، قال عز وجل: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ} [محمد:38] لأن الله هو الذي يحفظ الدين، وانظر إلى حال الصحابة في يوم الأحزاب وفي يوم بدر، قال عز وجل: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الأنفال:26] فالإسلام هو دين رب العالمين سيظهره على الدين كله ولو كره المشركون. قال المصنف رحمه الله تعال

حكم دخول مكة من غير إحرام

حكم دخول مكة من غير إحرام قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولا يجوز لمن أراد دخول مكة تجاوز الميقات غير محرم]. أي: من أراد أن يدخل مكة ففي مذهب الحنابلة أن من أراد دخول مكة لابد أن يكون محرماً إلا لأسباب، ومكة ليست ككل البلاد، فمن خصائصها: أن من أراد دخولها لابد أن يدخلها وهو محرم. وفي هذا اختلاف بين المذاهب، وفي الحقيقة أن المذهب الحنبلي يرى -ومعه الأدلة- أن من أراد دخول مكة لابد أن يكون محرماً. قال الشارح: [لأن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم من الميقات، وقد قال: (خذوا عني مناسككم) فكان واجباً بالأمر، ولا يجوز ترك الواجب إلا لقتال مباح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعلى رأسه المغفر]. يعني: طاقية الحرب أو خوذة أو ما يستعد به للقتال، فدخل مكة وعلى رأسه المغفر، فالمحرم لا يضع شيئاً على رأسه؛ لأن ذلك من محظورات الإحرام، فحين رأوه وهو داخل إلى مكة وهو يغطي رأسه فمعنى ذلك أنه ليس محرماً، إنما دخلها لقتال مباح. قال: [أو لحاجة تتكرر كالحطاب]. وهو الذي يجمع الحطب، وهكذا الذي يعمل ساقياً لأهل مكة، أو الذي يعمل على سيارة أجرة من جدة إلى مكة، أو من الطائف إلى مكة، فليس من المعقول أنه كلما دخل يحرم، فالحطاب أو ساقي الماء أو الذي يركب الطائرات ونحو ذلك هذا له أن يدخلها غير محرم. قال: [لأنا لو ألزمناه الإحرام لأفضى إلى أنه لا يزال محرماً فيشق ذلك عليه]. يعني: لو قلنا له: لابد أن تحرم فسيظل على إحرامه لا يخلعه أبداً؛ لأنه في عمل؛ إما أنه ذاهب إلى مكة أو قادم من مكة، فلا يلزمه الإحرام هو ومن كان على شاكلته. قال المصنف: [ثم إذا أراد النسك أحرم من موضعه]. أي: أن الحطّاب والساقي يحرم من موضعه. قال الشارح: [لأن هذا لم يكن الإحرام من الميقات عليه واجباً، فكان ميقاته من حيث نوى العبادة؛ بدليل أن المكي يُحرم من مكة في الحج؛ لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عباس: (وكذلك أهل مكة يهلون منها) متفق عليه]. قال المصنف: [وإن جاوزه غير محرم رجع فأحرم من الميقات] وهذه نقطة مهمة يسأل عنها العلماء في المناسك دائماً. فكثيراً ما يجاوز الإنسان الميقات وهو لم يحرم، وهذا كثير في الباخرة، وفي الطائرة، وفي البر وبعض الناس يجهلون ذلك، فيدخلون مكة دون إحرام، ولا سيما كثير من النساء لا يخبرهن أحد أن هذا ميقات، أو يحدث أن الحاج أو المعتمر ينسى ملابس الإحرام في الحقيبة، والحقيبة في مخازن الطائرة، والطائرة لن تنزل إلا في جدة، ويقول: أنا نسيت ملابس الإحرام، فماذا أفعل؟ ومعنى ذلك أنه سيمر على الميقات دون إحرام، فما الحكم إذا مر على الميقات دون إحرام؟ سئل أحد الإخوة عن هذا السؤال فقال للسائل: عليه أن يعود إلى الميقات، وكنت جالساً فقلت: يا شيخ! كيف يعود إلى الميقات؟ فإذا كان الرجل من أهل مصر وجاء بطائرة ومع فوج ولن يستطيع أن يعود إلى رابغ مطلقاً، فأفته بما في قدرته، فكونه يعود إلى الميقات قد يعسر عليه. وهذا كلام نظري صحيح: أن من جاوز الميقات عليه أن يعود إلى الميقات فيحرم منه ولا شيء عليه، لكن إن عجز عن الإحرام من الميقات يحرم من مكانه ويلزمه فدية؛ لأنه ترك واجباً وهو الإحرام. فالإحرام ركن، والإحرام من الميقات واجب، وفرق بين الركن والواجب، وترك الواجب يُجبر بدم، فإن عجز فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، هذا في ترك الواجبات أما فعل المحظورات فله فدية أخرى، وهي صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، أو فدية، فانتبه إلى مثل هذه الأمور. إذاً: من ترك الواجب في الحج أو العمرة يجبره دم، فإن عجز فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، وهذه قاعدة مهمة. فمن ترك المبيت بمزدلفة فعليه دم، لأنه ترك واجباً، وكذلك إن ترك طواف الوداع، وسأذكر الواجبات والأركان، وكذلك إن ترك رمي الجمرات، أو أحرم بعد الميقات، فهذا يستلزم منك أن تعرف الواجب والركن، فمن ترك واجباً في الحج والعمرة فيلزمه فدية، فإن عجز فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع. قال المصنف: [وإن جاوزه غير محرم رجع فأحرم من الميقات ولا دم عليه؛ لأنه أحرم من الميقات، فإن أحرم من دونه فعليه دم سواء رجع إلى الميقات أو لم يرجع]. أي: أنه إذا لبس الإحرام ولبى بعد الميقات ثم رجع إلى الميقات يلزمه دم؛ لأنه أحرم بعد الميقات. وإذا نسي الرجل إحرامه في حقيبته وهو في الطائرة فيمكن أن يجعل قميصه رداء وقميصاً آخر يجعله إزاراً، ويكون هذا هو الإزار والرداء إلى أن ينزل في جدة فيأخذ الحقيبة ويغيّر الإحرام، ولا بأس عليه أن يأخذ قميص رجل آخر، وقد يقول قائل: إن القميص فيه خيط، فيجاب بأن المخيط هو ما فُصّل على هيئة الجسد، يعني: يأخذ شكل الجسد، أما لو خلعت القميص ثم جعلته إزاراً فلا يصبح مخيطاً، فيجوز أن يلبس القميص على هيئة إزار أو رداء. قال الشارح: [لما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من ترك نسكاً فعليه دم) روي موقوفاً

حكم الإحرام من قبل الميقات

حكم الإحرام من قبل الميقات قال المصنف: [والأفضل ألا يحرم قبل الميقات، فإذا فعل فهو محرم]. أي: لو أن رجلاً من مصر لبس الإحرام في المطار وقال: لبيك عمرة، لبيك اللهم لبيك، فهنا نوى ولبس الإحرام ولبى، فهذا أحرم قبل الميقات، وإذا أحرم قبل الميقات فهو يريد أن يضيّق على نفسه ويخالف السنة، ولكن إحرامه صحيح، والإحرام من الميقات واجب، فلو أنه أحرم قبل الميقات فسيمر على الميقات وهو محرم، وهذا ليس فيه شيء، إنما خالف السنة. جاء رجل إلى الإمام مالك وقال: يا إمام! إني أريد أن أحرم وأنا من أهل المدينة؟ قال: إحرامك من ذي الحليفة، قال: إني أريد أن أُحرم من الروضة، يعني: لما فيها من الفضل، ففي الحديث (ما بين بيتي -وفي رواية: قبري- ومنبري روضة من رياض الجنة) والبخاري بوّب على هذا الحديث فقال: باب فضل ما بين القبر والمنبر؛ لأن القبر في البيت، فهو إخبار على ما كان، والحديث الصحيح: (بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بهذا في حياته، ولم يكن يعلم أين سيكون القبر، فكونه يقول: (بين قبري) ولم يكن له قبر هذا معناه أنه يعلم الغيب، والله عز وجل يقول: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان:34] كذلك قوله للصحابة: (ما بين قبري ومنبري) في هذا يقول ابن حجر: يحدثهم بما لا يعرفونه؟! فالصحابة لم يكونوا يعرفون أين سيكون القبر، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يحدثهم بما لا يعرفونه، ويستحيل هذا، هذا كلام العلامة ابن حجر، فرواية القبر بدون أدنى شك رواية غير صحيحة؛ لأنها تخالف الأسس والقواعد وأمر العقيدة عندنا. قال الإمام مالك للرجل الذي أراد أن يحرم من الروضة: لا تفعل؛ فإني أخاف عليك الفتنة، قال: وأي فتنة يا إمام؟! ما هي إلا أميال أزيدها، قال: وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك أكمل هدياً من النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ثم تلا: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63]. فانظر إلى اتباع الإمام مالك رضي الله عنه لهدي النبي عليه الصلاة والسلام. وطبعاً نحن واقعون في هذه الأيام في المحدثات والبدع، فتجد في بعض الكتب دعاء الشوط الأول ودعاء الشوط الثاني، وكل شوط له دعاء، ودعاء عند الركن فكل هذه الأدعية ليست صحيحة، وكثير من الناس ينتدبون من يدعو لهم ويعطونه بعضاً من المال، وهذا لا يجوز، ففيه ضوضاء وصخب وشوشرة على الناس، قال عز وجل: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} [الأعراف:205] فكل واحد يدعو الله، وكل إنسان يدعو الله بما يحتاج إليه، والبعض لديه بعض الكتب التي يلتزم الدعاء منها! وهذا من البدع المحدثة؛ لأن فقه الحج فقه غائب عندنا، والجهل منتشر، فقد رأيت في الحج امرأة مصرية كبيرة في السن، وعند صلاة الفجر في جماعة في الحرم كانت تملأ الماء من بعض صنابير المياه في زمزم التي خارج الحرم، وظلت تملأ الماء، وبعد أن انتهت كان الشيخ في حالة قراءته للتشهد ليسلم فأسرعت لتجلس للتشهد ثم سلّمت معه! فأصبحت بهذا قد انتهت من صلاة الفجر! فأصبحت صلاتها هي إدراك التشهد، أرأيت جهلاً كهذا الجهل؟! وآخر جاء معنا في رحلة الحج وأول ما نزل من الباخرة ذهب إلى الحلاق مباشرة؛ لأنه يظن أن العمرة هي الحلق. وآخر يسأل عن الكعبة ويقول: ما هو هذا الصندوق الأسود؟ وأمثال هؤلاء كثير جداً ممن هم واقعون في الجهل الذي ينتشر في الأمة، وذلك بسبب تقصيرنا في المسئولية، فنحن نقصر في المسئولية، فإن مما ينبغي أنه قبل أن يذهب الحجاج نجمعهم في مسجد ونقوم بتنفيذ المناسك عملياً، ويكون فيهم مشرف ديني عالم؛ فإن هذه مسئولية كبيرة. وبالنسبة لدخول مكة الشافعي يرى أن من أراد دخول مكة لا يلزمه الإحرام إلا إذا كان ينوي العمرة، أما من دخل لعمل فلا يلزمه. وفي الحقيقة أن رأي الشافعي راجح في هذه المسألة، وهذا اختيار كثير من العلماء، وهذا كلام الشيخ محمد المختار الشنقيطي حفظه الله وشفاه الله، فقد سمعته يقول لطلبة العلم في الحرم المدني: إن طالب العلم لابد أن يبدأ بدراسة مذهب واحد يتخصص فيه في الأصول وفي الفقه، ويتوسع في الدراسة، ثم بعد ذلك ينتقل إلى الفقه المقارن بالمذاهب الأخرى، وهذا مهم جداً في بداية الدراسة، فنحن نلزم طالب العلم أن يدرس مذهباً لا أن يتمذهب، وفرق بين دراسة المذهب والتمذهب، فالتمذهب هو أن يعتنق المذهب ويدور معه حيث دار سواء كان راجحاً أو مرجوحاً، وهذا غير صحيح، لكن لابد أن يدرس مذهباً، وأنا أقول: هل تعلمون عالماً من السلف ليس له مذهب؟ فـ ابن رجب حنبلي، وابن عبد البر مالكي، و

الأسئلة

الأسئلة

حكم قول: (صدق الله العظيم) عند الانتهاء من قراءة القرآن

حكم قول: (صدق الله العظيم) عند الانتهاء من قراءة القرآن Q هل قول: (صدق الله العظيم) من السنة أم لا؟ وماذا أقول حين أنتهي من قراءة القرآن؟ A قال الشيخ ابن عثيمين لا بأس أن تقولها؛ لأن الله قال: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النساء:122] وأنت تصدّق، لكن ليست راتبة، أي: أنك لا تحافظ عليها بحيث إنك كلما قرأت القرآن تقولها، فتقولها أحياناً وتتركها أحياناً، هذا كلام الشيخ ابن عثيمين، وهو كلام معتبر لا شك.

حكم الجماعة الثانية

حكم الجماعة الثانية Q ما حكم الجماعة الثانية؟ A الجماعة الثانية فيها خلاف، والراجح جواز الجماعة الثانية بضوابط، منها: إن كان للمسجد إمام راتب فعلى من يصلي جماعة أن يستأذن الإمام الراتب، وإن لم يكن له إمام راتب كمسجد الطريق فيجوز أن تنشأ فيه جماعة ثانية.

حكم تعليق الإعلانات داخل المسجد

حكم تعليق الإعلانات داخل المسجد Q هل يجوز لصق الإعلانات داخل المسجد إذا كان الهدف هو التربّح المادي؟ A لا يجوز البيع في المسجد، وأما الإعلان عن أمر شرعي فيجوز، والبخاري بوب فقال: باب تقاضي الدين في المسجد، وقال: باب تحريم تجارة الخمر في المسجد. ولا يجوز الإعلان عن محرمات داخل المسجد، كالإعلان عن البنوك الربوية ونحو ذلك.

حكم من شرب الدخان بعد إحرامه

حكم من شرب الدخان بعد إحرامه Q رجل أحرم من أبيار علي في المدينة وبعد إحرامه شرب سيجارة، فماذا عليه من أحكام؟ وهل يجوز هذا في الإحرام؟ A لا شيء عليه، ولكنه عاصٍ آثم؛ لأنه فعل المحرم في حال الإحرام، فكثيراً ما تجد من يحرم والسيجارة في فمه، فهذا إحرامه صحيح، وعليه هذا الإثم العظيم؛ لحرمة المكان وحرمة الزمان.

فضل الحلق عند التحلل

فضل الحلق عند التحلل Q من أحرم وشعره طويل هل يحلقه كله أم يحلق منه قليلاً؟ A يحرم بشعره ثم يحلق بعد أن ينتهي من الإحرام.

حكم تكفير من جامع في نهار رمضان بالإطعام مع قدرته على الصيام

حكم تكفير من جامع في نهار رمضان بالإطعام مع قدرته على الصيام Q رجل عليه كفارة لأنه جامع زوجته في نهار رمضان ذاكراً غير ناسي، فهل يجزئ في الكفارة إطعام ستين مسكيناً مع أنه قادر على الصوم؟ A لا؛ لأن الكفارة هنا على الترتيب، وليست على التخيير.

حكم إطعام المرضعة بدلا من الصوم

حكم إطعام المرضعة بدلاً من الصوم Q هل يجوز للزوجة المرضعة أن تطعم بدلاً من الصوم؛ لأنها ستخرج من الرضاعة إلى الحمل؟ A لا، فالزوجة المرضعة عليها أن تقضي متى استطاعت ولو بعد عامين أو ثلاثة.

حكم تخصيص أيام البيض في شعبان بصيام دون سائر الأيام

حكم تخصيص أيام البيض في شعبان بصيام دون سائر الأيام Q هل تخصيص شهر شعبان دون سائر الأشهر في صيام 13، 14، 15 من الابتداع؟ A ليس من الابتداع؛ لأن هذه أيام فيها أمر، وكونه صام هذه الأيام في هذا الشهر الكريم لا شيء عليه.

حكم تخصيص النصف من شعبان بالصيام والقيام

حكم تخصيص النصف من شعبان بالصيام والقيام Q هل في تخصيص الخامس عشر من شعبان بالقيام والصيام شيء؟ A لم يثبت في فضل صيامه ولا قيامه حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكل ما فيه موضوع أو ضعيف.

تفسير قوله تعالى: (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا)

تفسير قوله تعالى: (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً) Q ما تفسير هذه الآية: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} [الكهف:103]؟ A المقصود بها اليهود.

بيان ما تفعل من خافت أن يؤخرها الحيض عن العمرة

بيان ما تفعل من خافت أن يؤخرها الحيض عن العمرة Q نويت أداء العمرة في رمضان بإذن الله وقد حددت الشركة السفر في 14 رمضان، ولكني سأكون حائضاً من يوم 12 رمضان، وسيظل الحيض عندي ثمانية أيام، فماذا أفعل؟ وكيف أقوم بأداء العمرة؟ A يمكنكِ أن تأخذي حبوباً تؤخر الحيض إن استطعت، أما إن لم تستطيعي أن تؤخري الحيض فاغتسلي عند الميقات وأحرمي ثم انتظري حتى تطهري لتؤدي العمرة بعد ذلك.

حكم عمل أشعة من أموال الزكاة

حكم عمل أشعة من أموال الزكاة Q ذهبت لعمل أشعة فأعطاني مركز الأشعة ورقة مكتوب فيها: مرحباً بكم في مركز المصطفى للأشعة، ويسعدنا أن نقدم الخدمة مجاناً مموّلة من زكاة مال المسلمين لخدمة مستحقي الزكاة، وأنا الآن لا أملك مالاً لعمل هذه الأشعة، ولكن أبي يملك أن يعطيني هذا المال، فهل إذا عملت الأشعة في المركز عليّ إثم؟ A اعمل ولا حرج، وليس عليك إثم إن شاء الله تعالى، وفي الحقيقة أنه يجب على الأغنياء في رمضان أن ينظروا إلى الفقراء ويساعدوهم.

حكم صوم من سب الدين

حكم صوم من سب الدين Q إذا سب الصائم الدين فما حكمه؟ A سب الدين في الصيام يبطله؛ لأنه ردة.

أهمية المبادرة بقضاء رمضان بعد رمضان

أهمية المبادرة بقضاء رمضان بعد رمضان Q عليّ قضاء أيام من رمضان وحتى الآن لم أقضها، فهل أبدأ من الغد أو أنتظر؟ A بل عليك أن تبدأ من الغد. نسأل الله عز وجل أن يثبتنا على الحق، وتقبل الله منا ومنكم.

العدة شرح العمدة [41]

العدة شرح العمدة [41] الإحرام هو ركن من أركان الحج والعمرة، فمن أراد حجاً أو عمرة فعليه أن يحرم من ميقات أهل بلده، ويحرم الرجل في إزار ورداء، وتحرم المرأة في أي ثوب على ألا يشابه لباس الرجل، ومن أراد الإحرام شرع له الغسل والتنظف والتطيب دون أن يمس الطيب إحرامه.

كلمة مختصرة عن الزواج في الإسلام

كلمة مختصرة عن الزواج في الإسلام الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنة. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيّه من خلقه وخليله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أيها الإخوة الكرام الأحباب! طبتم جميعاً وطاب ممشاكم، وأسأل الله عز وجل بفضله وكرمه وعفوه ورضاه أن يتقبل منا صيامنا وقيامنا، وأن يختم بالباقيات الصالحات أعمالنا، وأن يجمعنا سوياً مع سيد الأنبياء والمرسلين في الفردوس الأعلى؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه. وقبل أن نبدأ في رحلتنا مع دروس الفقه من كتاب العدة للإمام موفق الدين بن قدامة المقدسي الحنبلي، ومع كتاب الحج والعمرة، يسعدنا أن نبدأ هذا اللقاء بكلمة مختصرة عن الزواج في الإسلام: مما لا شك فيه أن الزواج من سنن الله عز وجل في خلقه، قال عز وجل: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21]، ولكن الحديث في عجالة سيدور حول أسس اختيار الزوجة، والمعايير التي ينبغي على الشاب المسلم أن يضعها نصب عينه وهو يختار الزوجة؛ لأن الزوجة سكن، وهي حسنة الدنيا على رأي بعض المفسرين في قوله تعالى: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً} [البقرة:201]، فحسنة الدنيا قال بعضهم: هي المرأة الصالحة؛ لأن المرأة إذا صلحت صلحت بها المجتمعات، وإذا فسدت المرأة تفسد بها المجتمعات؛ ولأن أعداءنا يعلمون تلك الحقيقة راحوا يخططون ويمكرون بالمرأة ليل نهار، وراحوا يفسدونها ويخرجونها عن حيائها وعن عفافها؛ ليعم الفساد والبلاء، فأول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء، كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام: (فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء). أسس اختيار المرأة في الإسلام يقوم على معايير وضعها سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم، فمن الشباب من يبحث عن الجمال ويضع له شروطاً يضيق بها على نفسه، فتراه يريدها طويلة بيضاء البشرة صفراء الشعر زرقاء العينين ممشوقة القوام إلى غير ذلك، يشدد فيشدد الله عليه، ومن الناس من يبحث عن ذات المال فيبحث عن مالها كم هو؟ وإن قدر الله لأبيها الموت فماذا سترث بعد موته، ومن الناس من يبحث عن الجاه والحسب فيخطب من عائلة فلان ويضع اسم العائلة نصب عينه، ومن الناس من يبحث عن الدين كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم، والفائز بين هؤلاء جميعاً هو الذي يبحث عن دينها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (فاظفر بذات الدين تربت يداك)، وخير ما ينال المرء بعد تقوى الله المرأة الصالحة، كما جاء في بعض الآثار. الزواج إيجاب وقبول، قال تعالى عن صاحب مدين أنه قال لموسى عليه السلام: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} [القصص:27]، هذا إيجاب؛ لأن ولي أمر المرأة هو الذي بدأ بالعرض، وموسى عليه السلام وافق، ولذلك الإمام البخاري يبوب في صحيحه باب: الرجل يعرض ابنته على الرجل الصالح، فيجوز لك أن تعرض ابنتك على رجل صالح تثق في دينه، فهذا كنز يا عبد الله! ولكن في عرفنا إن قال أحد لآخر: عندي أخت أو عندي بنت قالوا: يدلل عليها؛ لأنها سلعة راكدة، أما يستحي قائل هذا؟! فيا عبد الله! هذا هو الشرع، يجوز للرجل أن يعرض ابنته على الرجل الصالح، وقد فعل هذا عمر؛ فإنه لما مات زوج حفصة ذهب يعرضها على أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، فعرضها أول ما عرضها على أبي بكر، فأعرض الصديق ولم يجب بنعم أو بلا، ثم عرضها من بعد أبي بكر على عثمان ذي النورين رضي الله عنه وعن أصحاب رسول الله أجمعين. يقول صاحب مسلسل رجل الأقدار: أنا لا أحب عمرو بن العاص، فنقول له: من أنت حتى تحب أم تكره أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام؟! إن تلك الألسنة أو تلك الأسماء إذا ما ذكرناها نحتاج إلى أن نتمضمض سبع مرات من ذكرها، فهذا يقول: إنه لا يحب عمرو بن العاص! فهل تعلم أن بغض أصحاب رسول الله من النفاق وحبهم من الإيمان، فمن أنت يا عبد الله! حتى تعلن أمام كل الجمهور الحضور أن شخصية عمرو شخصية استبدادية وشخصية أثرت بكذا، وأنا لا أحبه بل أكرهه؟! فاتق الله! فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: (لا تسبوا أصحابي؛ فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)، وقال الله في حقهم: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة:119]، وقال الله في حقهم: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَا

باب الإحرام

باب الإحرام

استحباب الغسل عند الإحرام

استحباب الغسل عند الإحرام قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الإحرام: من أراد الإحرام استحب له أن يغتسل]. كلمة (استحب) تشير إلى أن غسل الإحرام مستحب، أي: أنه من فعله أثيب، ومن لم يفعله فلا شيء عليه، فإذا أراد أن يحرم يغتسل غسل الإحرام، والدليل على الغسل: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أسماء بنت عميس لما نفست -يعني: أصابها النفاس- أن تغتسل عند الإحرام)، رواه مسلم. وفي الحديث: (أنه دخل على عائشة في ذي الحليفة -وهو ميقات أهل المدينة- في حجة الوداع ووجدها تبكي، فقال: ما لكِ يا عائش! أنفست؟ قالت: نعم يا رسول الله! قال: ذلك أمر قدره الله على بنات آدم، افعلي كل ما يفعله الحاج غير ألا تطوفي بالبيت) وأمرها بالغسل. قال الشارح رحمه الله تعالى: [وأمر أسماء بنت عميس أن تغتسل عند الإهلال وهي حائض] أي: أن المرأة إذا حاضت عليها أن تغتسل غسل الإحرام لا غسل رفع الحيض، شأنها شأن سائر الحجاج قال: [وقد روى خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه: (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله واغتسل)، رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب]. أول أمر للمحرم: يستحب له أن يغتسل.

استحباب التنظف عند الإحرام

استحباب التنظف عند الإحرام ثانياً: ويستحب له أن يتنظف بإزالة الشعر، وقطع الرائحة، وحلق شعر العانة، ونتف الإبط، وتقليم الأظافر ونحو ذلك؛ لأنه أمر يسن له الاغتسال أشبه بالجمعة. ويسن له الطيب؛ لأنه مكان يجتمع الناس فيه أشبه بالجمعة، إذاً بعد الغسل يتنظف بإزالة شعر الإبط، وبإزالة شعر العانة، وبتقليم الأظافر، وبأن يتتبع بالماء والرائحة الطيبة المغابن؛ لأنه يقدم على ربه للطواف، فيتنظف ويتطيب، والعلة في الطيب متحدة مع الجمعة، فالجمعة يتطيب فيها؛ لأنها اجتماع، والحج كذلك اجتماع أكبر، فالغسل والتنظف والطيب له مطلوب، لكن لا يضع الطيب على ملابس الإحرام، إنما يضع الطيب في المفارق وعلى اللحية وعلى شعر الرأس. وكان النبي عليه الصلاة والسلام بعد إحرامه تفوح رائحة المسك من مفارقه صلى الله عليه وسلم، فالمحذور على المحرم أن يتطيب بعد الإحرام، أما قبل الإحرام فله أن يتطيب، لكن لا يضع الطيب على ملابس الإحرام.

صفة لباس المحرم

صفة لباس المحرم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ويتجرد عن المخيط في إزار ورداء أبيضين نظيفين]. المخيط هو: ما فصل على الجسد، وبعض الناس يعتقد أن المخيط: كل شيء فيه خيط، وهذا كلام لا ينتمي إلى العلم بصلة، فالإزار الذي يلبس للإحرام فيه خيط لكنه غير مخيط؛ لأن المخيط هو ما فصل على هيئة الجسد، فالمحرم يتجرد من المخيط، وبعض الناس يلبس (الشورت) تحت الإزار ويظن أنه لا بأس بذلك، فلابد أن الرجل يتجرد عارياً تماماً ثم يلبس الإزار ويلبس الرداء وليس تحتهما شيء على الإطلاق؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين)، والإزار هو الأسفل، والرداء هو الأعلى، والنعلان للقدمين، فإن لم يجد النعلين فبخف، لكنه يقطعهما بحيث يكونا تحت الكعبين، والكعبان هما النتوآن في جانب القدم، النتوء الذي في القدم يميناً ويساراً اسمه الكعب، إذاً: أي نعل أو خف تحت الكعب يجوز أن تحرم فيه ولا بأس. أما بالنسبة للمرأة فيجوز لها أن تحرم في كل شيء إلا ملابس تشابه ملابس الرجال، فتحرم في ملابسها، قال ابن عباس: إحرام الرجل في رأسه، وإحرام المرأة في وجهها، يريد بذلك: أن الرجل لا يجوز له أن يغطي رأسه وهو محرم، كما أن المرأة لا يجوز لها أن تغطي الوجه إلا إذا خالطت الرجال، والأصل الآن أنها تخالط الرجال، فنقول لها: غطي الوجه شريطة ألا يمس النقاب الوجه، هذا هو الذي قاله العلماء. والآن هناك ملابس إحرام جديدة يجعلون فيها من الداخل بطانة داخلية على شكل سروال داخلي، فإن كان الإحرام يفصل على الجسد فلا يجوز، لكن إن كان ما يوضع تحت عبارة عن بطانة للإحرام فلا بأس به، فما فصل على أعضاء الجسد فلا يجوز، فالأولى أن يترك هذا الإحرام الذي يكون بهذا الوصف ويباع في الأسواق. والخمار لا يمس وجه المرأة، وذلك بأن تلبس شيئاً تطرده عن وجهها، وإذا جاء الهواء ولامس الوجه فلا بأس، إنما الأصل أن تبعده عن الوجه في حال الإحرام. قال: [إذا لم يجد إزاراً لبس السراويل، وإذا لم يجد نعلين فليلبس الخفين]. يعني: أن السروال يجوز أن تحرم فيه، لكن السروال غير المفصل على هيئة الجسد. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ثم يصلي ركعتين]. بعض الناس يظن أنهما ركعتا الإحرام، وليس هناك ما يسمى بركعتي الإحرام.

استحباب صلاة ركعتين عند الإحرام وبيان وقت الإحرام

استحباب صلاة ركعتين عند الإحرام وبيان وقت الإحرام قال الشارح رحمه الله: [ثم يصلي ركعتين، ويستحب له أن يحرم عقيب الصلاة]. بمعنى: أنه إذا اغتسل وتنظف وتطيب ولبس ملابس الإحرام يصلي إما الفريضة إذا حان وقت الفريضة وإما أن يصلي ركعتين مسببتين كتحية المسجد، أو سنة الوضوء، لكن ليس هناك ما يسمى بركعتي الإحرام، وبعض الناس بعد الوضوء يقول: ماذا نصلي؟ فنقول: الأمر يسير، فطالما توضأت صل سنة الوضوء، لكن لا تقل: أصلي ركعتين سنة الإحرام، فليس هناك ما يسمى بسنة الإحرام. قال الشارح: [ويستحب له أن يحرم عقيب الصلاة، فإن حضرت مكتوبة صلاها وأحرم عقبها، وإلا صلى ركعتين تطوعاً، وأحرم عقيبها. قال الأثرم: قلت لـ أبي عبد الله: أيما أحب إليك الإحرام في دبر الصلاة أو إذا استوت به ناقتك؟ قال: كل قد جاء في دبر الصلاة وإذا علا البيداء أو إذا استوت به الناقة، فوسع فيه كله]. والمعنى: هناك فرق بين التهيؤ للإحرام وبين الإحرام، فالتنظف والاغتسال والتطيب ولبس ملابس الإحرام كل هذا تهيؤ للإحرام. فكل ما كان قبل أن تقدم على الميقات هذا تهيؤ للإحرام، وأما الإحرام الحقيقي فيكون في الميقات، فكونك تلبي بحج وعمرة أو بحج فقط أو بعمرة فقط هذا كله في الميقات، وتحاسب على محظورات الإحرام بعد الميقات. فبعد الميقات نحاسبك إذا ارتكبت محظوراً أما قبل ذلك فأنت في حل حتى وإن لبست ملابس الإحرام، فالعبرة بالميقات والتلبية فيه، وإذا كان سفر المحرم بطائرة فمعلوم أن الطائرة لن تقف، فيصلي ركعتين قبل أن يصعد الطائرة وبعد أن يلبس ملابس الإحرام. قال: [ويحرم عقيبهما وهو أن ينوي الإحرام بقلبه، ولا ينعقد الإحرام بغير نية؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (إنما الأعمال بالنيات)، ويكون عقيب الصلاة؛ لقول ابن مسعود: (أوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم الإحرام حين فرغ من صلاته)]. والإحرام ركن، فلو أن رجلاً مر على الميقات ولم يحرم فإما أن يعود ويحرم من الميقات، وإما أن ينوي الإحرام بعد الميقات ويلزمه فدية؛ لأنه أحرم بعد الميقات. فالإحرام ركن، والإحرام من الميقات واجب، وإذا ترك الإحرام فسد الحج أو فسدت العمرة، وإذا ترك الإحرام من الميقات يجوز له أن يحرم بعد ذلك ويلزمه فدية، فأصل الإحرام ركن، لكن الإحرام من الميقات واجب، لذلك إن مر على الميقات ولم يحرم نقول له: أحرم من مكانك ويلزمك دم؛ لأنك أحرمت بعد الميقات، وأصل الإحرام ركن، ولذلك هناك فرق بين أركان الحج وواجبات الحج، وفرق بين أركان العمرة وواجبات العمرة، وتجد البعض لم يفرق بين الاثنين، يقول: أركان العمرة: الإحرام من الميقات، وهذا خطأ، فإن الإحرام من الميقات واجب، والركن هو الإحرام نفسه، فكان يجب أن يفرق بين أصل الإحرام وبين الإحرام من الميقات، وهذا مما نبهنا إليه كثيراً.

استحباب النطق بنوع الإحرام

استحباب النطق بنوع الإحرام قال المصنف رحمه الله تعالى: [ويستحب أن ينطق بما أحرم به، ويشترط] يعني يقولها بلسانه حتى يسمع بها نفسه: لبيك عمرة أو لبيك حجاً أو لبيك حجاً وعمرة، يعني يقول: إن حج مفرداً: لبيك حجاً، وإن حج متمتعاً يقول: لبيك عمرة؛ لأنه سيؤدي العمرة ثم يتحلل ثم ينتظر إلى يوم الثامن من ذي الحجة يوم التروية فيحرم من جديد من مكانه بحج فيقول: لبيك حجاً، هذا هو التمتع، فإن حج قارناً يقول: لبيك حجاً وعمرة، فهنا قرن بين الاثنين. ولا بد أن يحدد النسك في حال إحرامه من الميقات، فيقول: اللهم إني أريد النسك الفلاني، فإن حج عن نفسه يقول: لبيك حجاً فاقبله مني، مثلاً، وإن حج عن غيره يقول: لبيك عن فلان، ويلبي عن الذي يحج عنه من الميقات، فلا بد أن يحدد. ثم يشترط ويقول: فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، وهذا يسميه العلماء: اشتراط، فيشترط عند إحرامه بحيث إذا حبسه حابس لا يلزمه فدية؛ لأنه اشترط عند إحرامه، فيقول: لبيك حجاً فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، أو: لبيك عمرة فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، ويفيد الاشتراط أنه إذا أعاقه عائق من عدو أو مرض أو ذهاب نفقة فله التحلل ولا دم عليه ولا صوم، فإذا أعاقه عائق في الطريق، أو عرض له عارض كأن تمنعه الشرطة من دخول مكة، وكنفاد نفقته، وكانتهاء صلاحية التأشيرة، كل ذلك وارد فإن اشترط عند الإحرام يتحلل ولا شيء عليه، أما إن لم يشترط فيلزمه فدية. قال: [لما روى ابن عباس: أن ضباعة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إني أريد الحج فكيف أقول؟ قال: (قولي: لبيك اللهم لبيك، ومحلي من الأرض حيث تحبسني، فإن لك على ربك ما استثنيت)، رواه مسلم. وروت عائشة قالت (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير وهي شاكية -تشكو من مرض- فقال: حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني)]. قال بعض الفقهاء: إن الاشتراط يكون في حال الخوف والمرض، أما رجل لا يخاف من عدو وآمن وليس به مرض فلماذا يشترط؟ فـ ضباعة كانت تشتكي، فأمرها بالاشتراط، ومن ثم الاشتراط يكون لعلة، وطالما أنت في طائرة فإنك لا تدري ربما تعوق الطائرة ظروف جوية فتهبط أو تعود، وربما في المطار يمنعونك؛ لفساد التأشيرة، أو لكذا أو كذا، فطالما أنت في طريق لا تضمن فاشترط؛ حتى تخرج من الخلاف، وقل: لبيك عمرة، فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني. ويشترط في الميقات، ولا عبرة بالاشتراط قبل الميقات، فحينما يقول قائد الطائرة: نحن على مقربة من الميقات، أو بقي على الميقات ربع ساعة، أو نحن الآن في الميقات، فعند محاذاة الميقات تقول: لبيك عمرة فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، ومن هذا الوقت يحاسب المحرم في ارتكاب المحظورات؛ لأنه أحرم من هذه اللحظة. ولا يحرم قبل الميقات، جاء رجل إلى الإمام مالك وقال: يا إمام! إني أريد أن أحرم من الروضة قال: من أي البلاد أنت؟ قال: من المدينة، قال: إحرامك من ذي الحليفة، قال: إني أريد أن أحرم من روضة النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لا تفعل؛ فإني أخاف عليك الفتنة، قال: وأي فتنة يا إمام! إن هي إلا أميال أزيدها؟ فتلا مالك: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63]، فالإحرام من الميقات سنة النبي عليه الصلاة والسلام. ولو أحرم قبل الميقات ولبى فإحرامه صحيح، لكنه خالف السنة.

أنواع النسك وذكر الفرق بينها

أنواع النسك وذكر الفرق بينها قال المصنف رحمه الله تعالى: [وهو مخير بين التمتع والإفراد والقران]. الحاج له أن يختار أحد النسك: التمتع أو الإفراد أو القران، ولكن أي النسك أفضل؟ هناك اختلاف بين العلماء، والراجح: أن التمتع هو أفضل النسك، والنبي عليه الصلاة والسلام حج قارناً، يعني: قرن بين الحج والعمرة، حيث اعتمر وبقي على إحرامه إلى أن أدى مناسك الحج؛ لأنه ساق الهدي، فالنبي عليه الصلاة والسلام حج قارناً بلا خلاف؛ لأنه أمر الصحابة أن يتمتعوا، أما هو فبقي على إحرامه وقال: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولتحللت)، فالذي منعه من التحلل: أنه ساق الهدي من المدينة، فحج قارناً عليه الصلاة والسلام، ومن العلماء من يرى أن أفضل النسك هو القران؛ باعتبار أن النبي قد حج قارناً وهو لا يفعل إلا الأفضل، وقد كان عمر بن الخطاب يقول بعدم التمتع، بل كان يضرب عليه، لكننا مع رأي الجمهور في أن أفضل النسك هو التمتع؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أمر به الصحابة، وبين لهم أنه كان يحب أن يتمتع لولا أنه ساق الهدي، والفرق بين الإفراد والقران والتمتع في أمور: أولاً: المتمتع يلبي بعمرة فقط في أول الأمر، وبعد أن يتحلل يبقى على تحلله إلى اليوم الثامن من ذي الحجة فيحرم مرة ثانية ويلبي بحج. ثانياً: الهدي، قال تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196]، فالحاج المتمتع عليه هدي، وكذلك الحاج القارن، أما الحاج المفرد فليس عليه هدي. قالت عائشة رضي الله عنها: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج وعمرة ومنا من أهل بحج)، والذي أهل بعمرة متمتع، والذي أهل بحج وعمرة قارن، والذي أهل بحج فقط مفرد. وقالت عائشة: (أهللت بعمرة، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان معه هدي فليهل بالحج والعمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعاً)، يعني: من ساق الهدي لا بد أن يحج قارناً، ولا يتحلل إلا أن ينتهي من مناسك العمرة ومناسك الحج.

أفضل أنواع النسك

أفضل أنواع النسك قال الشارح: [وأفضلها التمتع ثم الإفراد ثم القران عند إمامنا أحمد رحمه الله تعالى]. والإمام مالك يرى بخلاف الإمام أحمد: أن أفضل النسك هو القران؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حج قارناً، وأحمد يرى: أن أفضل النسك هو التمتع، وبعض الفقهاء يرون أن أفضل النسك هو الإفراد، وكان عمر لا يحرم بالحج إلا مفرداً، وكان ينهى عن التمتع كما تقدم. قال: [واختار المتعة جماعة من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم؛ لما روى جابر وابن عباس وأبو موسى وعائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه لما طافوا بالبيت أن يحلوا ويجعلوها عمرة)، ونقلهم من الإفراد والقران إلى المتعة، ولا ينقلهم إلا إلى الأفضل الأولى، ولم يختلف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما قدم مكة أمر أصحابه أن يحلوا إلا من ساق هدياً، وثبت على إحرامه، وقال: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة) -رواه البخاري - فهذا معلوم صحته يقيناً، والنبي صلى الله عليه وسلم نقلهم من الحج إلى المتعة، وتأسف كيف لم يمكنه ذلك، ولو كان الإفراد والقران أفضل لكان الأمر بالعكس؛ ولأن المتعة منصوص عليها في كتاب الله تعالى بقوله: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة:196]، من بين سائر الأنساك؛ ولأن التمتع يجتمع له الحج والعمرة في أشهر الحج كاملين غير متداخلين على وجه اليسر والسهولة مع زيادة نسك هو الدم فكان ذلك أولى]. إذاً: مذهب الإمام أحمد هو أن التمتع أفضل النسك، وفي كتاب أضواء البيان للشيخ الشنقيطي بيان مذهب المالكية في أن أفضل النسك هو القران وأتى بالأدلة على تفضيله. اللهم ارزقنا علماً نافعاً وقلباً خاشعاً، ونعوذ بك يا رب من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن دعوة لا يستجاب لها، إنك ولي ذلك والقادر عليه.

الأسئلة

الأسئلة

حكم القراءة من المصحف في الصلاة

حكم القراءة من المصحف في الصلاة Q في قيام الليل أمسك المصحف في يدي أثناء الصلاة وأنا أمية فهل يجوز ذلك أم لا؟ A يجوز للمنفرد والمنفردة أن يقرأ من المصحف، ويجوز للإمام أن يقرأ من المصحف؛ لما ثبت أن ذكوان مولى عائشة كان يصلي بها من المصحف في النافلة في قيام الليل فتصلي خلفه، لكن الأولى أن يقرأ من الذاكرة حتى يكثر الحفظة، هذا هو الأولى، ولا يجوز للمأموم أن يفتح المصحف ليتابع الإمام، هذا لا يجوز؛ لأن فتوى علمائنا أن المأموم مأمور بوضع اليمنى على اليسرى وإذا أمسك المصحف يخل بهذا الشرط. ثم أيضاً الإمام يقرأ من مصحف فلماذا تقرأ أنت خلفه؟ وقد جوّز الشيخ ابن باز رحمه الله أن مأموماً واحداً يمسك بمصحف إذا كان الإمام يقرأ من الذاكرة ليفتح عليه.

حكم كفارة الظهار إذا تخللها فطر لضرورة

حكم كفارة الظهار إذا تخللها فطر لضرورة Q رجل في كفارة الظهار أصابه مرض قبل أن ينتهي فما حكمه؟ A إذا كان في كفارة الظهار وانقطع الصيام بعلة أو عذر مرض عليه أن يتم وهذا هو الراجح؛ لأن المعمول به هو أن يفطر بإرادته، أما هذا ففطره الشارع، فإذا أفطر في يوم العيد فقد فطره الشارع، وإذا أفطر لمرض فكذلك؛ لأنه أفطر بغير إرادته، فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ولا تكليف إلا بمقدور، فمن الحرج أن نقول له: لأنك مرضت عد إلى الصيام من الأول، وإذا كان بإرادته يعيد من أول الصيام، والله تعالى أعلم.

حكم جماع الزوجة في دبرها

حكم جماع الزوجة في دبرها Q رجل جامع زوجته في دبرها فما حكم الإسلام في ذلك؟ A هذا إجرام أيما إجرام، ولا يقول قائل: الأحاديث في ذلك ضعيفة، فالآية واضحة: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة:223]، قال ابن كثير: والحرث هو موضع الإنبات، فمن أي مكان يخرج النبات وهو الولد؟ قال تعالى: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة:223]، أي: في أي وضع شئتم لكن في صمام واحد، فلا يجوز مجامعة المرأة في دبرها بحال، فهذا عمل مخالف للشرع، فعلى من فعل ذلك أن يتوب إلى الله، وأن يستغفر، وأن يتصدق، وأن يكثر من الصيام؛ ليكفر عن ذنبه؛ لأن هذا مخالف للشرع فضلاً عما ورد في ذلك، وأحيلك إلى الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة:223]، فقد أتى بالأحاديث والآثار عن الصحابة التي بينت حرمة ذلك.

حكم الدراسة في كلية الآثار

حكم الدراسة في كلية الآثار Q أنا طالب في كلية آثار فما حكمها؟ وماذا أفعل أرجو الإجابة؟ A لا شبهة في دراستك شريطة أن يكون عملك بعد التخرج حلالاً، فدراسة الكفر ليست كفراً، حينما أدرس الرياضيات البحتة وحساب سعر الفائدة هذا ليس بحرام، وحينما أدرس أسباب الردة لست بمرتد، وحينما أدرس أسباب الكفر لست بكافر، فدراسة الكفر ليست بكفر، إنما العبرة بالعمل، لكن إن درست الكفر ثم طبقت بعد ذلك فهذه مصيبة، وطلبة التجارة يدرسون الرياضيات البحتة، ويدرسون حساب سعر الفائدة: رجل أودع مبلغ ثلاثة آلاف جنيه في البنك ثم يحسب سعر الفائدة في مدة كذا، ويحسب معدل الربح، فهل هو يرابي؟ فدراسة الكفر ليست بكفر، وربنا يقول: {وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام:55]، فمعرفة سبل الحرام ومعرفة أبواب الحرام ليست حراماً، من هنا أقول لك: لا بأس بدراستك طالما ليس فيها حرام، والله تعالى أعلم.

حكم الجمع بين نية قضاء رمضان وصيام الست من شوال

حكم الجمع بين نية قضاء رمضان وصيام الست من شوال Q هل يجوز أن يجمع بين نية قضاء رمضان وصيام الست من شوال؟ A يا عبد الله! لا يجوز؛ فإن الجمع بين الفريضة والنافلة لا يجوز؛ لأن النافلة تختلف عن الفريضة في الصيام من وجوه عديدة: 1 - صيام الفريضة لابد أن تنويه بالليل، وصيام النافلة يجوز من الصباح. 2 - صيام الفريضة لا يجوز لك أن تفطر إذا شرعت فيه، وصيام النافلة أنت أمير نفسك إن شئت أكملت وإن شئت أفطرت، فهناك اختلاف من وجوه عديدة، فلا يجوز أن تجمع بين نيتي الفريضة والنافلة، إنما يجوز أن تجمع بين نيتين في النافلة، فلك أن تصوم إثنين وخميس مع صيام الست من شوال، يعني: أن يكون صيامك في شوال كل إثنين وخميس يجوز، وهكذا صيام ثلاثة عشر وأربعة عشر وخمسة عشر الثلاثة أيام القمرية، يجوز أن تجعلها من الست من شوال، ولا بأس بهذا. وأما هل يقدم القضاء أولاً أم صيام الست من شوال؟ فرأي الجمهور القضاء أولاً؛ إذ هل من المعقول أو من المنقول أن أكون علي دين لك ثم أتصدق أو أقرض؟! فوفاء الدين أولاً، وكما قال علماؤنا: الحديث يحمل الإجابة: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال)، والذي عليه قضاء أيام من رمضان ما صام رمضان، فيلزمه القضاء أولاً. 3 - الواجبات تقدم في الوفاء بها، قال تعالى: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه:84]، فالتعجيل بأداء الواجب هذا هو الأصل، والله تعالى أعلم.

العدة شرح العمدة [42]

العدة شرح العمدة [42] لكل نسك من الأنساك الثلاثة في الحج صفة معينة، فالمفرد يحرم بحج وحده، والقارن يحرم بحج وعمرة، والمتمتع يحرم بعمرة في أشهر الحج متمتعاً بها إلى الحج، فإذا بدأ الحاج والمعتمر في التلبية شرع له رفع الصوت بها، إلا المرأة فلا يشرع لها رفع الصوت، ويشرع أن يكثر منها خاصة إذا رقى مرتفعاً أو هبط وادياً أو لقي ركباً وبعد الصلوات المكتوبة، ويكون هذا حاله حتى يدخل مكة.

كيفية أنواع النسك

كيفية أنواع النسك الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد: لا زلنا مع كتاب الحج والعمرة من كتاب العدة شرح العمدة للإمام موفق الدين بن قدامة المقدسي الحنبلي رحمه الله تعالى. قال: [والتمتع: أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج]. الحاج المتمتع يحرم بالعمرة في أشهر الحج، وأشهر الحج هي: شوال، وذو القعدة، والعشر الأوائل من ذي الحجة، هذه هي أشهر الحج. وربنا يقول: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة:197]، فمن أدى العمرة في هذه الأشهر: في شوال أو ذي القعدة أو العشر الأوائل من ذي الحجة ثم بقي في مكة وأحرم بالحج يسمى: متمتعاً. وهنا Q رجل من مصر أدى العمرة في شهر رمضان وبقي في مكة إلى أن جاء الحج فأحرم بالحج، هل يعتبر متمتعاً؟ A لا؛ لأنه أدى العمرة في رمضان وليس في أشهر الحج، فالمتمتع هو من يؤدي العمرة في أشهر الحج. وهنا سؤال آخر: رجل أدى العمرة في شوال وهو من جدة ثم عاد إلى جدة وأحرم بالحج في ذي الحجة، فهل هو متمتع أم مفرد؟ A في هذا خلاف بين العلماء، فهو من جدة وأدى العمرة في شوال، وشوال من أشهر الحج، لكنه عاد إلى بلده ثم أتى من بلده محرماً بحج، فلا يعد متمتعاً؛ لأنه يشترط في المتمتع أن يبقى في مكة. أيضاً سؤال آخر: رجل من مصر أدى العمرة في شهر ذي القعدة ورجع إلى مصر ثم عاد إلى مكة لأداء مناسك الحج، هل هو متمتع؟ لا يسمى متمتعاً؛ لأنه عاد إلى وطنه. إذاً: المتمتع هو من يؤدي العمرة في الحج ويبقى في مكة، فإن أدى العمرة في أشهر الحج وبقي في مكة إلى أن جاء الحج ولبى بالحج يسمى متمتعاً، وإن عاد إلى بلده ثم لبى بحج بعد أن أتى موسم الحج أو في ذي الحجة فنقول: هو مفرد وليس بمتمتع. ولو أن رجلاً أدى العمرة في رمضان وبقي في مكة إلى أن جاء الحج، فلبى بحج في يوم الثامن من ذي الحجة فيسمى مفرداً؛ لأنه أدى العمرة في أشهر ليست هي أشهر الحج. قال المصنف رحمه الله تعالى: [والتمتع أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويفرغ منها، ثم يحرم بالحج في عامه، والإفراد: أن يحرم بالحج وحده، والقران: أن يحرم بهما معاً، أو يحرم بالعمرة ثم يدخل عليها الحج]. نسك الحج: تمتع، وإفراد، وقران. والنبي عليه الصلاة والسلام حج قارناً بلا خلاف، وتمنى أنه لو حج متمتعاً فقال: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي، ولجعلتها عمرة)، وهذا معناه: أنه يجوز لمن لبى بحج أن يدخل على الحج العمرة، وليس العكس عند الإمام أحمد، فعنده لا يجوز إدخال العمرة على الحج، وإنما يجوز إدخال الحج على العمرة؛ لأن الصحابة الذين حجوا مع النبي عليه الصلاة والسلام حجوا قارنين فلما أدوا العمرة أمرهم أن يتحللوا ويدخلوا الحج على العمرة. وهم في الميقات ما لبوا متمتعين وإنما لبوا قارنين، فأمرهم بالتحلل وأن يجعلوها عمرة، وأن يدخلوا عليها الحج. قال الشارح: [ويستحب أن ينطق بما أحرم به ليزول الالتباس، وتتأكد النية كما قلنا، ويشترط لما سبق من حديث عائشة وابن عباس]. يعني: هنا المذهب يرى جواز النطق بالنية، فيقول: لبيك عمرة، أو لبيك حجاً، أو لبيك حجاً وعمرة، هذا نطق بالنية عند الإحرام ليبين النسك الذي أراد، وبعض العلماء يرون أن التلفظ بالنية حتى في الحج لا يجوز؛ لأن النية من أعمال القلب ولا تنصرف إلى الجوارح، والتلفظ بالنية يخالف المنقول ويخالف المعقول، يعني: هل رأيتم رجلاً حينما يخرج من بيته يتلفظ بما يريد أن يفعل فحينما يذهب إلى عمله يقول: باسم الله نويت الذهاب إلى العمل، أو إذا وضعت المائدة بين يديه يقول: باسم الله، نويت طعام الغداء؟ لا يمكن ذلك. وكل الأعمال تحتاج إلى نية، والنية من أعمال القلب التي ينعقد عليها القلب فلا يصح لإنسان أن يتلفظ بالنية قبل عمله. فالنسك ثلاثة: تمتع، وإفراد، وقران، وإذا أردت أن أحج متمتعاً فألبي بعمرة في الميقات: لبيك عمرة، ثم أؤدي العمرة، وأنتظر إلى يوم الثامن من ذي الحجة فألبي بحج، فأؤدي العمرة منفردة والحج منفرداً، وهذا جاء في القرآن: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196]. إذاً: المتمتع يؤدي العمرة منفردة ثم يتحلل ويبقى على تحلله، ويجوز له كل شيء إلى أن يأتي الثامن من ذي الحجة فيلبي بحج. أما المفرد فيقول في الميقات: لبيك حجاً، فلا يلبي إلا بالحج ويأتي بمناسك الحج في موسم الحج، هذا حج مفرد. أما القارن ففي الميقات يقول: لبيك حجاً وعمرة، ويؤدي طواف القدوم، ثم السعي إن أراد ويبقى على إحرامه ولا يتحلل أبداً إلى أن يرمي جمرة العقبة في يوم العيد، يعني: القارن يظل لابساً لإحرامه طول النسك ولا يتحلل أبداً؛ لأنه قرن بين حج وعمرة. وكل من المتمتع والقارن عليهما هدي، وأما المفرد: فليس عليه هدي. قال المصنف رحمه الله: [ولو أحرم بالحج ثم أدخل عليه العمرة لم ينعقد

كيفية التلبية

كيفية التلبية ثم قال: [فإذا استوى على راحلته لبى فقال: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، والتلبية في الإحرام مسنونة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها وأمر برفع الصوت بها، وأقل أحوال ذلك الاستحباب. وروى سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يلبي إلا لبى ما عن يمينه من حجر أو شجر أو مدر حتى تنقطع الأرض من ههنا وههنا)، رواه ابن ماجه. ويستحب أن يبدأ بالتلبية إذا استوى على راحلته؛ لما روى أنس وابن عمر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ركب راحلته واستوت به قائمة أهل) أخرجه البخاري. وقال ابن عباس: (أوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم الإحرام حين فرغ من صلاته، فلما ركب راحلته واستوت به قائمة أهل)، يعني: لبى، ومعنى الإهلال: رفع الصوت من قولهم: استهل الصبي إذا صاح]. أهل يعني: رفع صوته بالتلبية؛ لأنهم كانوا إذا رأوا الهلال صاحوا بأعلى أصواتهم، ومنه استهلال الطفل صارخاً، نقول: استهل الغلام، يعني: رفع صوته؛ وهنا نقطة مهمة جداً يبينها ابن تيمية: أن الهلال لا نسميه هلالاً إلا إذا استهل به أهل الأرض وصرخوا به، يعني: عرفوه، وأخبر بعضهم بعضاً أن الهلال قد ظهر وبدا. فلو ولد الهلال ولم يستهل به لا يسمى هلالاً. إذاً: هنا نقول: العبرة في ثبوت الهلال هي استهلال الناس به وليس ميلاده. ولذلك إذا استهل الصبي صارخاً بعد مولده تثبت له الأحكام الشرعية، فإذا استهل صائحاً بعد ميلاده ثم مات يرث؛ لأنه ثبتت له الحياة باستهلاله صارخاً، فالاستهلال هذا يثبت له به أحكام شرعية، أما إن نزل من بطن أمه ميتاً فلا يثبت له الميراث؛ لأنه لم يستهل صارخاً. ثم قال: [والأصل فيها أنهم كانوا إذا رأوا الهلال صاحوا فيقال: استهل الهلال، ثم قيل لكل صائح: مستهل. وإنما يرفع صوته بالتلبية؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال والتلبية)]. رفع الصوت بالتلبية هذا بالنسبة للرجال، أما بالنسبة للنساء فتسمع المرأة نفسها ولا ترفع صوتها، وكان الصحابة إذا ما أحرموا عند الميقات بقوا يلبون حتى تذهب أصواتهم، أما نحن فأول ما نحرم من الميقات حتى نصل إلى الكعبة لا أحد يلبي إلا من رحم الله، وإذا لبى أحد الناس تعجب الناس منه وقالوا: ماذا يصنع هذا؟ فالمحرم يرفع الصوت بالتلبية إلى أن يبلغ الكعبة وحينئذ تنقطع التلبية إن كان معتمراً، وبعض الناس لا يلبي إلا إذا دخل مكة، وهذا غير صحيح، فالسنة: أنك بعد الإحرام من الميقات تستمر في تلبية، وانظر إلى فعل ابن عمر؛ فقد كان ابن عمر يرفع صوته بالتلبية فلا يأتي الروحاء حتى يضمحل صوته. وفي الحديث: (أفضل الحج العج والثج)، والعج هو رفع الصوت بالتلبية، والثج: إراقة الدماء. وقال ابن عباس: رفع الصوت زينة الحج، فزينة الحج أن يرفع صوته بالتلبية فيلبي بعد إحرامه. قال: [ولا يجهد نفسه في رفع الصوت زيادة عن الطاقة؛ لئلا ينقطع صوته فتنقطع تلبيته]. يعني: أن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى، فتجد بعضهم أول ما يأتي الميقات يحرم ويرفع صوته فوق الطاقة فلا يلبث إلا قليلاً حتى يذهب صوته، فلا رفع فوق الطاقة ولا خفض بحيث لا يسمع أحداً، وإنما تلبية بصوت معتدل. ثم قال: [وجاء في الصحيحين عن ابن عمر: (أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)]. والتلبية مأخوذة من قولهم: لب بالمكان إذا لزمه]. يعني: إذا لزم المرء مكاناً يسمى لب بالمكان، يعني: لزم المكان وأقام به ولم يفارقه، فتقول: أنا يا رب! ملازم لطاعتك، ومفارق للمعصية. ثم قال: [فكأنه قال: أنا مقيم على طاعتك وأمرك غير خارج عن ذلك ولا شارد عليك]. كرر لفظ (لبيك) لأنه أراد إقامة بعد إقامة، يعني: أنا أستجيب لأمرك إجابة تلو إجابة. (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، أن الحمد والنعمة لك) يعني: ألبي لأنك لك الحمد، ويجوز: (إن الحمد والنعمة لك) أي: الحمد لك، فتكون (إن) أعم و (أن) أخص؛ ولذلك ابن حجر يقول: (ربنا ولك الحمد) عند الاعتدال من الركوع أفضل من: (ربنا لك الحمد)؛ لأن فيها ثناءين على الله عز وجل: الثناء الأول: (ربنا) أثبت أن الله رب، الثناء الثاني: (ولك الحمد)، وأما (ربنا لك الحمد) فجملة واحدة، إذاً: الأولى أفضل، هذا كلام ابن حجر، وهذا صحيح.

استحباب الإكثار من التلبية

استحباب الإكثار من التلبية قال: [ويستحب الإكثار منها على كل حال؛ لما روى ابن ماجه عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يضحي لله ويلبي حتى تغيب الشمس إلا غابت بذنوبه فعاد كيوم ولدته أمه)، ويستحب رفع الصوت بها؛ لما سبق، ولا يستحب ذلك للنساء؛ لأنهن عورة، فالإخفاء في حقهن أستر لهن]. المرأة تلبي فلا تسمع إلا نفسها. وصوت المرأة ليس بعورة، لكن إن ارتفع الصوت عن الحد المطلوب فيعتبر فتنة، إنما قولنا: صوت المرأة عورة هذا الكلام غير صحيح من وجوه كثيرة شرعية، فإن الله عز وجل قال في سورة البقرة: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة:282]. فإذا كنت مديناً لك وكتبنا الدين واستشهدنا رجلاً وامرأتين على الورقة، فجحدت الدين وأنكرته، فرفع الأمر إلى القاضي، والقاضي طلب الشهود الرجل والمرأتين وسألهم: هل أقرض هذا الرجل هذا الرجل بهذه الورقة؟ فهل تجيب المرأة أم تتنحنح لأن صوتها عورة؟ هذا لا يمكن أبداً، فالقرآن أباح لها أن تشهد، إذاً: هنا نقول: صوتها ليس بعورة. ولننظر في حديث البخاري: (هل على المرأة غسل إذا هي احتلمت يا رسول الله؟! قال: نعم، إذا رأت الماء) وقالت النساء: (يا رسول الله! اجعل لنا يوماً كما للرجال أياماً). إذاً: تحدثن، وقد ثبت هذا من طرق عدة لكن المنهي عنه هو الخضوع بالقول، قال عز وجل: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:32]، إذاً: المنهي عنه هو الخضوع، وإنما المطلوب أن يكون صوتها على طبيعته، وبعض الإخوة يأمر زوجته -وهذا غير شرعي- أنها تخشن الصوت، وإذا تكلمت لا تعرف هل هي رجل أم امرأة، وهذا غير صحيح، بل اتركها على طبيعتها فلا تلين ولا تغلظ، فالمنهي عنه للمرأة الخضوع بالقول وليس النهي عن القول. فصوت المرأة ليس عورة إلا إذا كان في معصية الله، أما إذا كان في الطاعة فنأمرها أن تخفض الصوت، فما بالك بالمعصية بأن تقف وتغني وتهيج الدنيا؟! نسأل الله العافية. قال المصنف: [وهي آكد -يعني: التلبية- إذا علا نشزاً]. النشز: العلو والترفع، ومنه النشوز، قال تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} [النساء:34] النشوز هنا: العلو والترفع على الرجل، ومنه نشزت الأرض، أي: ارتفعت، وأرض ناشزة، يعني: مرتفعة. فنشوز المرأة: ترفعها على الزوج، فلا تسمع له كلاماً، ولا تطيع له أمراً. فتتأكد التلبية إذا علا مكاناً مرتفعاً. قال المصنف: [أو هبط وادياً أو سمع ملبياً أو فعل محظوراً ناسياً أو لقي ركباً وفي أدبار الصلوات المكتوبة وبالأسحار]. هذه أوقات يستحب فيها أن يكثر من التلبية؛ لحديث جابر، وحديث جابر بن عبد الله في مسلم هو العمدة في حجة الوداع؛ لأنه روى الحج كما رآه في صفحتين أو ثلاث في صحيح مسلم، فحديث جابر هو مرجعنا في حجة النبي عليه الصلاة والسلام، وفيه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي في حجته إذا لقي ركباً أو علا أكمة أو هبط وادياً وفي أدبار المكتوبة ومن آخر الليل). قال إبراهيم النخعي: كانوا يستحبون التلبية دبر الصلاة المكتوبة وإذا هبط وادياً، وإذا على نشزاً، وإذا لقي ركباً، وإذا استوت به راحلته.

العدة شرح العمدة [43]

العدة شرح العمدة [43] إذا أحرم المحرم لحج أو عمرة فإنه يلزمه عند ذلك ترك أمور تسمى محظورات الإحرام، كحلق الشعر وقص الأظفار ولبس المخيط ومس الطيب وإتيان النساء ونحوها، ومن هذه المحظورات ما لا يلزمه فدية ومنها ما يلزمه فدية، ومنها ما يلزمه فدية مغلظة.

باب محظورات الإحرام

باب محظورات الإحرام قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب محظورات الإحرام: وهي تسعة]. المحظور بمعنى: الممنوع، قال تعالى: {وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} [الإسراء:20] يعني: ممنوعاً. فيحظر على المحرم تسعة أشياء، والنساء تشترك مع الرجال في بعض هذه المحظورات وينفرد الرجال ببعضها. قال: [الأول والثاني: حلق الشعر وقلم الظفر. الثالث: لبس المخيط. الرابع: تغطية الرأس، والأذنان منه. الخامس: الطيب في بدنه وثيابه. السادس: قتل الصيد. السابع: عقد النكاح حرام، ولا فدية فيه. الثامن: المباشرة لشهوة فيما دون الفرج. التاسع: الوطء في الفرج]. وأذكرها بالتفصيل: المحظور الأول: حلق الرأس، يحظر على المحرم أن يحلق رأسه، أو أن يأخذ من شعره، وهذا في حق المرأة والرجل. المحظور الثاني: قلم الظفر، يعني: تقليم الأظافر. قال المصنف: [ففي ثلاثة منها دم]. والمذهب هنا مرجوح ضعيف؛ لأنه فرق بين الثلاث شعرات وما زاد عن ثلاث، لكنني سأقرأ ثم أبين الراجح إن شاء الله تعالى.

فدية ارتكاب محظور من محظورات الإحرام

فدية ارتكاب محظور من محظورات الإحرام قال المصنف: [ففي ثلاثة منها دم، وفي كل واحد مما دونها مد طعام وهو ربع الصاع]. بمعنى: لو أن رجلاً أخذ من رأسه وهو محرم ثلاث شعرات فأكثر فعليه دم، فإن أخذ شعرتين ففي كل شعرة مد، والمد ربع صاع، فكأنه قال: الشعرة الأولى عليها مد والشعرة الثانية مد والشعرة الثالثة مد، فإذا زاد عن هذا الحد يلزمه دم، ولكن هذا الكلام فيه تكلف، والشيخ ابن عثيمين يرى أن المحظور هو حلق كل الرأس، أما شعرة وشعرتان وثلاث فما سمعنا بهذا. فمثلاً: رجل محرم حك رأسه فنزلت أربع أو خمس شعرات مرة واحدة، فهل نقول له: عليك دم؟ هذا كلام ما ينبغي، فالمحظور على المحرم أن يحلق كل الرأس؛ لأن الله قال: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة:196]. والمذهب أيضاً قاس على شعر الرأس كل الشعور، فإن أخذ من شعر صدره أو قدمه أو أي مكان من جسده ثلاثاً أو أربعاً أوجبوا عليه الدم. فأقول: أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من أخذ شعره إلا من عذر، قال تعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:196]. وروى البخاري ومسلم عن كعب بن عجرة أنه قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (لعلك تؤذيك هوام رأسك؟) الحديث. فـ كعب بن عجرة كان فيه مرض جلدي في رأسه، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: (احلق رأسك يا كعب!)، يعني: أذن له أن يحلق وهو محرم، لكنه أمره بفدية، وفدية حلق الرأس للمحرم هي: (صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين أو اذبح شاة). إذاً: (أو) على التخيير وليس على الترتيب، فإذا جاءك رجل وقال: أنا عندي ألم في رأسي وأريد أن أحلق، فقل له: احلق لكن يلزمك فدية، والفدية هي صيام ثلاثة أيام، لكن هل يشترط أن يصوم هذه الثلاثة الأيام في الحج؟ أو يشترط أن يصوم جزءاً منها في الحرم وجزءاً إذا عاد؟ A يصومها متى شاء وأينما شاء، هذا طالما أنها فدية فعل محظور، وأما فدية ترك الواجب فكما قال تعالى: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة:196]. قال: (صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين أو اذبح شاة) كلمة: (أو) للتخيير، فأنت مخير، وسنأتي إلى الفدية في باب مستقل ونشرحها بالتفصيل إن شاء الله تعالى. قال: [وهذا يدل على أن الحلق قبل ذلك محرم، وشعر الرأس والجسد في ذلك سواء]. قولهم في المذهب: (وشعر الرأس والجسد في ذلك سواء) فيه تكلف؛ لأنهم ساووا بين شعر الرأس وشعر الصدر وشعر اليد وشعر القدم. فإذا أخذ رجل من قدمه شعرات يلزمونه بدم، وهذا كلام لا ينبغي، ولا نقبله؛ لأنه ليس عليه دليل، فنقول: حلق شعر الرأس فقط يلزمه الفدية. وأجمعوا على أن المحرم ممنوع من تقليم أظفاره إلا من عذر؛ لأن قطع الأظفار إزالة جزء أحرم به، فحرم كإزالة الشعر، إلا أن ينكسر فله إزالته من غير فدية، وقد قالوا عن الأظافر ما قالوا عن الشعر، يعني: الظفر الواحد فديته مد، الظفران مدان، الثلاثة ثلاثة أمداد، والأربعة دم، وهكذا إذا زاد عن ثلاثة فعليه دم. قال الشارح: [قال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن للمحرم أن يزيل ظفره بنفسه إذا انكسر؛ لأنه يؤذيه ويؤلمه أشبه الشعر يطلع في عينه، والصائل يصول عليه. والقدر الذي يجب فيه الدم: أن يحلق ثلاث شعرات فصاعداً. قال القاضي: هذا المذهب؛ لأنه شعر آدمي يقع عليه اسم الجمع المطلق، فجاز أن يتعلق به الدم كالربع. وعنه: أن القدر الذي يجب به الدم أربع شعرات، وهو اختيار الخرقي؛ لأنها كثير فوجب بها الدم كالربع فصاعداً]. هذا الكلام في الحقيقة أيضاً كما ذكرنا مرجوح، والراجح أن الفدية واجبة بحلق الشعر، وهي على التخيير. قال الشارح: [وفي كل واحدة فما دونها مد من طعام يكون ضماناً لها، يعني: ما دون الثلاث؛ لأن ما ضمنت جملته ضمنت أبعاضه كالصيد، وعنه: في كل شعرة قبضة من طعام، روي ذلك عن عطاء، وعنه في الشعرة درهم، وفي الشعرتين درهمان، والأول أولى، لما سبق، والأظفار كالشعر ومقيسة عليها]. والحقيقة: هنا تفصيله في هذا الكلام ليس عليه دليل، فإذا انكسر ظفر من الحاج أو المعتمر فأزاله فلا شيء عليه. وهكذا إن أخذ من أظفاره شيئاً ناسياً فلا شيء عليه؛ لأن الرجل الذي تطيب وهو محرم أمره النبي عليه الصلاة والسلام أن يضع الطيب عن نفسه، وما أمره بفدية؛ لأنه جاهل، فقد يرتكب المحظور جاهلاً وقد يرتكب المحظور ناسياً، وهناك محظورات يعفى عنها إن نسي ومحظورات لا يعفى عنها سنتحدث عنها إن شاء الله تعالى. وإن خرج في عينه شعر فقلعه أو نزل شعره فغطى عينيه أو انكسر ظفر فقصه فلا شيء عليه. فالمحظور أن يأخذ متعمداً، أما لو نسي رجل فأخذ من ظفره ناسي

حكم لبس المحرم للمخيط

حكم لبس المحرم للمخيط قال المصنف رحمه الله تعالى: [الثالث: لبس المخيط]. يحظر على المحرم أن يلبس المخيط، وهذا للرجل فقط، أما المرأة فتحرم في ملابسها، فهذا المحظور يخص الرجل. والمخيط عندنا هو ما يفصل على الجسد؛ لأن البعض يظن أن المخيط ما كان به خيط، وهذا جهل مركب، فإن في كل الثياب خيط، حتى في الإزار الذي يلبس، وفي الحزام الذي يربط، وفي الخف الذي يلبس، فهذا ليس معناه أن يخلعوا الساعات لأن حزامها جلد فيه خيط. فهي من المخيط؛ ففهموا أن المخيط هو كل ما فيه خيط، وليس كذلك فإن المخيط هو ما يفصل على الجسد. ثم قال: [إلا ألا يجد إزاراً فيلبس السراويل] والإزار للمكان الأسفل، والرداء للمكان الأعلى، فإذا لم تجد إزاراً فالبس السروال الذي ليس مخيطاً، وليس السروال المفصل على الجسد مثل (البيجامة) ونحوها. فالمحرم إن لم يجد الإزار يلبس السروال وإن لم يجد نعلين فيلبس خفين، لكن شريطة أن يجعل الخفين تحت الكعبين، والكعب: هو النتوء الذي يبرز من اليمين واليسار في القدم، يلبس بحيث يكون حائط الخف أسفل الكعب ولا يعلو ذلك. قال الشارح: [أو لا يجد نعلين فيلبس خفين ولا فدية عليه، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من لبس القميص والسراويل والخفاف والبرانس]. ننتبه من إجماعات ابن المنذر، قال علماؤنا: لا تعتد بإجماع ابن المنذر ولا تصحيح الحاكم ولا وضع ابن الجوزي، فـ ابن الجوزي متساهل ممكن يقول على حديث في مسلم: موضوع، فلا تعتد به. والحاكم يصحح بسهولة، وابن المنذر يتساهل في نقل الإجماع، فأحياناً يقول: أجمعوا ولا إجماع، فإجماعات ابن المنذر في كتابه تحتاج إلى استئناس من ناقل آخر، يعني: لا تقل: المسألة فيها إجماع ودليلي أن ابن المنذر نقل الإجماع؛ لأن ابن المنذر يحتاج إلى من يكون بجنبه يؤيد نقله. وكذلك أيضاً هنا ابن قدامة قال: وأجمع العلماء، وهذه المسألة ليس فيها إجماع، وكلمة إجماع قد تطلق ويراد بها إجماع أهل المذهب أو إجماع أهل المصر أو إجماع علماء معينين وهكذا. قال الشارح: [قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من لبس القمص والسراويل والخفاف والبرانس. والأصل في هذا ما روى ابن عمر أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما يلبس المحرم من الثياب؟)]. والحديث هذا متفق عليه. فهذا الرجل يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عما يلبس المحرم من ثياب، والأصل أن يلبس كل شيء، والمحظور لبس أشياء معينة، فعدد له ما لا يلبس وهذه إجابة حكيم صلى الله عليه وسلم، فالسؤال عما يلبس، فأجابه بما لا يلبس والباقي يلبسه، فقال: (لا تلبس القمص)، والقميص للرجل والجلباب للمرأة، قال تعالى: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} [الأحزاب:59]. قال: (لا تلبسوا القمص ولا العمائم)، فغطاء الرأس لا يجوز، وبعض المحرمين إذا ما نام وهو محرم يلتف بالبطانية ويدخل رأسه تحتها، وهذا لا يجوز؛ لأنه غطى الرأس. والبعض أيضاً يضع على أنفه الكمامة ثم يرفعها إلى أعلى رأسه ويضعها مثل الطاقية على رأسه ويمشي، وهذا أيضاً غطى جزء من الرأس لا يجوز. وفي مرة من المرات في مطار جدة كانوا يعطون حقن تطعيم للحاج الذي لم يطعم، فرأيت رجلاً يأتي بكالونيا ويمسح مكان الحقنة للمحرم، وهذا طيب، فانظروا إلى المحظورات التي ترتكب. ومحرم آخر أتى بصابونة (لوكس) ودخل يغتسل بها، وهذا طيب لا يجوز، وهكذا معجون أسنان برائحة هذا لا يجوز إلى غير ذلك من المحظورات التي تقع بغير عمد أو بغير دراية. قال: (لا تلبسوا القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس)، البرانس هي غطاء الرأس، فإن لم يجد قميصاً فيلبس سروالاً، والسراويلات المفصلة على الجسد لا تجوز، والسروال الفضفاض الواسع يلبسه في حالة عدم وجود الإزار أو الرداء. قال: (ولا الخفاف إلا أحد لا يجد نعلين فيلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا من الثياب شيئاً مسه الزعفران ولا الورس)، يعني: الطيب، متفق عليه. يعني: لا تلبس من الثياب شيئاً مسه الزعفران، ولذلك ذكرنا قبل ذلك: أن المحرم حينما يحرم يطيب المغابن والمفارق ولا يطيب الإحرام، فيضع عليه طيباً كما يفعل البعض. قال الشارح: [وروى ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بعرفات: (من لم يجد نعلين فليلبس الخفين، ومن لم يجد إزاراً فليلبس سروايل المحرم) متفق عليه، وهو ظاهر في إسقاط الفدية؛ لأنه لم يذكرها]. إذاً: محظورات الإحرام تسعة. ذكرنا منها ثلاثة، ويبقى ستة، ذكرنا منها حلق الرأس ثم تقليم الأظافر ثم لبس المخيط. وإن شاء الله نكمل بعد

الأسئلة

الأسئلة

حكم إجابة النساء على أسئلة المسابقة مع سماع الرجال

حكم إجابة النساء على أسئلة المسابقة مع سماع الرجال Q في أحد المساجد كانت هناك مسابقة دينية وكانت النساء ترد على الأسئلة ويسمعها الحضور، فهل هذا يجوز أم لا؟ لأني منعت من هذا الفعل فهاجمني الحضور، فهل أخطأت أم لا؟ وما هو الحكم الصحيح؟ A المرأة يجوز لها أن تجيب لكن دون أن تخضع بالقول، لكن لا ينبغي للحضور أن يهاجموك، وهذا مهم جداً أيها الإخوة الكرام. نحن بحت أصواتنا في عدم التكفير وفي عدم الخروج على ولي الأمر وفي عدم إحداث تفجيرات وقتل النفوس البريئة حتى وإن كانت كافرة، والكلام هذا نقوله منذ عشرين أو خمس وعشرين سنة. والآن أرباب الجماعات الإسلامية ألفوا خمسة كتب توزع وتباع يعودون فيها إلى ما ذكرنا بعد أن بحت الأصوات، فلا داعي لأن نختلف. وأما هل للمرأة أن ترد إذا سئلت؟ فالنساء الصحابيات فعلن ذلك، لو أني سألت الأخوات الحاضرات وقلت للأخت أم عبد الله أو الأخت أم محمد: هل فعلت كذا؟ فقالت: نعم، فعلت يا شيخ. فيجوز ذلك وليس فيه مخالفة.

حكم تنظيم الحمل

حكم تنظيم الحمل Q رجل يحب الأولاد، اختلف هذا الرجل مع زوجته بعد المولود الأول حول الفترة المناسبة للمولود الأول والمولود الثاني، فهل يجعل الفترة سنة؟ A يجوز للمرأة أن تأخذ فترة راحة بين المولود الأول والثاني مدة الرضاعة على الأقل، قال عز وجل: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة:233] وكونها تحمل وهي ترضع هذا يضعف المولود الجديد، وأما كونه يحب الأولاد فهل يريد في كل تسعة أشهر أن تأتي له بواحد؟ ما هذا الكلام؟ نسأل الله العافية، فلابد أن ترضع المدة الشرعية. قال العلماء: إن حملت المرأة وهي ترضع فإنه يؤثر ذلك على الجنين؛ لأنه لا يتغذى، فلا ترضع وهي حامل، فيجوز في الحولين أن تستريح المرأة في مدة الرضاعة.

حكم سفر المرأة مع نساء من غير محرم

حكم سفر المرأة مع نساء من غير محرم Q هل يجوز للمرأة أن تسافر للحج مع أخوات صالحات؟ A لا يجوز للمرأة أن تسافر مع غير محرم.

تقييم كتاب: تنبيه الغافلين لأبي الليث السمرقندي

تقييم كتاب: تنبيه الغافلين لأبي الليث السمرقندي Q ما قولكم في كتاب السمرقندي؟ A وجدنا عليه ملاحظات، وفيه أحاديث موضوعة وضعيفة كثيرة؟

الرد على من يتهمون علماء أهل السنة المعاصرين بأنهم على عقيدة اليهود

الرد على من يتهمون علماء أهل السنة المعاصرين بأنهم على عقيدة اليهود Q هناك على النت مجموعة من الصوفية يرسلون صورة الشيخ الألباني وابن باز وابن عثيمين ويقولون للناس: احذروا شياطين نجد الثلاثة، فهؤلاء الوهابيون على عقيدة اليهود؟ A الحقيقة دفع إلي أخ نيجيري كتاباً في الأسبوع الماضي أعد له رداً وهو العلاقة بين اليهودية والوهابية. يقولون: إن الشيخ ابن باز وابن عثيمين والألباني والدارمي وحافظ حكمي وبعض علماء السلف كلهم على عقيدة اليهود؛ لأنهم يشبهون الله بالمخلوق، والذي ألف الكتاب أبى أن يكتب الاسم وكتب على الكتاب: إعداد فريق باحثين. فلماذا لا تكتب الاسم؟ وهؤلاء الذين يقولون عن علماء أهل السنة: احذروا هؤلاء العلماء، هؤلاء يا أخي الفاضل لا وزن لهم عند الناس، هؤلاء يا أخي الفاضل! لا يعرفون شيئاً، لا يعرفون كيف يخرجون حديثاً، ولا يعرفون الفرق بين حلقة الذكر والرقص. ولهم في ذلك عجائب، منها أن امرأة قال لها أحدهم: أنا عينتك وصيفة لسيدنا الخضر، يعني: معاونة لسيدنا الخضر! فهؤلاء يا أخي في الله واهمون، وهؤلاء لا يعرفون أركان الصلاة ولا واجبات الصلاة، ويقولون: نحن أرباب العلم اللدني، العلم الباطن علم الإلهامات! قابلني أحدهم في الفجر يوماً فقال: لا زال اللبن في فمي، الرسول سقاني لبناً في المنام! وذهبت إلى بيته وقد علق صوراً للأقطاب والأوتاد والمشايخ، وكل واحد في وضع غريب، فيا أخي استحي أن تعلق الصور هذه. وهكذا تجد هؤلاء أصحاب مخدرات وحشيش ونحو ذلك، وتجد المرأة منهم في احتفال المولد بجانب الرجل، بل وتسافر معه، فما هذه المصيبة؟ وأين المحرم؟ يخرجون مختلطين ويظنون أنهم من أولياء الله الصالحين وهكذا، فأفهمونا أن الدين دروشة. فالدين علم بالدليل، والذي يقدح في هؤلاء العلماء يقدح في أبي بكر وعمر؛ لأن هؤلاء لم يأتوا بجديد، إنما أتوا بما أتى به الصحابة والتابعون، فلذلك اجعل المرجعية إلى سلفك، يعني: إن كان للشيخ ابن باز رأياً فله في السلف نظير في قوله، فيا عبد الله هل أتى الرجل بجديد في الدين لم يقله أحد من السلف؟ أم أنه على عقيدة الإمام مالك وعقيدة الإمام أحمد وعقيدة أبي حنيفة. لذلك هذا المجرم مؤلف الكتاب لما جاء إلى كتاب السنة لـ ابن حنبل والكتاب فيه إثبات صفات الله، وعدم تأويلها وإثباتها بلا كيف، وهذه عقيدة ابن حنبل في كتابه السنة، قال: وفي الكتاب المنسوب زوراً إلى ابن حنبل! فيريد أن يبطل هذا الكتاب، وإذا نفى هذا عن ابن حنبل ماذا يقول في عقيدة مالك رضي الله عنه وعقيدة أبي حنيفة وعقيدة الشافعي؟ فدائماً هم يسبون سلفهم دون أن يشعروا، وهذا حقد دفين. وهؤلاء للأسف الشديد هم الذين يرتقون المناصب وتفتح لهم الأبواب ويتحدثون إلى العوام، وتجد منهم من يأتي في إحدى القنوات التلفزيونية ويقول: البارحة جاءني سيدي في النوم وخبطني خبطة طيرني على الأرض، ويقول: ما كنت أستطيع الإنجاب فجاءني الرسول صلى الله عليه وسلم فجعل يدلك في ظهري وفي الآخر خبطني، والصبح وجدت امرأتي حاملاً. وآخر يقول: يا شيخ! وأنت ذاهب إلى العمرة لا تنس أن تسلم على سيدي، يعني النبي صلى الله عليه وسلم، وهو سيد الجميع عليه الصلاة والسلام رغم أنوفنا، فقلت: سمعاً وطاعة يا دكتور، فبعد أن أتيت قال لي: سلامك وصل، فقلت: كيف؟ قال: جاءني في المنام وأخبرني! فهؤلاء يعتمدون على المنامات والخزعبلات، حتى أنهم يعتقدون أن النبي صلى الله عليه وسلم يخرج من قبره فيصافحهم، ويذهب إلى عرفة ويأتي إلى ميدان الحسين في القاهرة، هذا ما كتبه أحدهم، وهم إلى الآن يعتقدون هذا، قال قائلهم: رأيت المصطفى كالبدر يأتي يزور حسينه حيناً وحيناً يخرج من القبر يزورهم ويعود مرة أخرى إلى المدينة، ولذلك هم يعتقدون أنهم يقابلون النبي في الحياة، يعني يجتمعون به صلى الله عليه وسلم ويجتمعون مع الأقطاب والأوتاد ونحو ذلك!

الرد على من يطعن في صحة حديث: ولوغ الكلب في الإناء

الرد على من يطعن في صحة حديث: ولوغ الكلب في الإناء Q استمعت إلى برنامج ديني في التلفزيون لشيخ ذكر حديث: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات إحداهن بالتراب)، ذكر الشيخ هذا الحديث وقال: الكلام هذا كلام فاضي؟ A هؤلاء يا أخي الفاضل معتزلة، يعرضون النص على عقولهم فما قبلت قبلوه وما لا فلا. وهذا الرجل علماني صرف يقدح في البخاري منذ زمن، فلا داعي أبداً أن تقف عند هؤلاء، وهذا الرجل يقدح في أحاديث في البخاري، وهو إما أن يكذب النبي صلى الله عليه وسلم وإما أن يكذب البخاري. وفي هذا الحديث: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً) في رواية: (أولاهن بالتراب) وفي رواية (إحداهن بالتراب)، وفي رواية (آخرهن بالتراب)، والراجح: (أولاهن)، كما حقق ذلك ابن حجر. وأثبت العلم أن الكلب يفرز في لعابه أشياء لا تموت إلا بالتراب، وسواء أثبت العلم أولم يثبت العلم نحن نصدق قول نبينا، ولا نعتبر بقول هؤلاء العلمانيين، فهؤلاء يا عبد الله لا قيمة لأقوالهم، وصدق القائل: لو كل كلب عوى ألقمته حجراً لأصبح الصخر مثقالاً بدينار فهؤلاء واهمون وهؤلاء موتى القلوب، نسأل الله لهم الهداية.

العدة شرح العمدة [44]

العدة شرح العمدة [44] الحاج أو المعتمر إذا دخل في النسك يحرم عليه إتيان أي محظور من محظورات الإحرام، وهي تتفاوت فيما بينها من حيث لزوم الفدية من عدمها، ومن حيث إفساد الحج والعمرة أو إبطالهما من عدمه، وهذه المحظورات يشترك فيها الرجل والمرأة إلا ما جاء الدليل باستثنائه كلبس المخيط للمرأة.

تابع محظورات الإحرام

تابع محظورات الإحرام الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد: طبتم وطاب ممشاكم، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجزيكم خيراً على سعيكم لطلب العلم، ولا زلنا مع كتاب الحج والعمرة، باب: محظورات الإحرام، ومع المحظور الرابع.

تغطية الرأس

تغطية الرأس قال المؤلف رحمه الله تعالى: [تغطية الرأس والأذنان منه]. أي: أنه يحظر على المحرم أن يغطي رأسه، والأذنان من الرأس؛ لذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يمسح رأسه في الوضوء مسحها مقبلاً ومدبراً، ثم مسح بفضل ماء رأسه أذنه، ولذلك تأخذ الأذنان حكم الرأس. ما الدليل على أن تغطية الرأس تحظر على المحرم؟ عمدتنا في هذا حديث الرجل الذي وقصته دابته وهو محرم -وقصته يعني: ضربته في بطنه بعد أن وقع من عليها- فمات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم في حقه -والحديث في البخاري -: (لا تخمروا رأسه)؛ لأنه محرم، لأنه لما كان حياً فإنه لا يخمر رأسه فيترك كذلك على حاله وهو ميت، ويفهم منه: أن غير المحرم يغطى رأسه. لذلك قال: [قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من تخمير رأسه، والأصل فيه نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن لبس العمائم والبرانس، وقوله في المحرم الذي وقصته راحلته: (لا تخمروا رأسه؛ فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً) -الحديث أخرجه البخاري - علل منع تغطية رأسه ببقائه على إحرامه، فعلم أن المحرم ممنوع من ذلك، وكان ابن عمر يقول: (إحرام الرجل في رأسه، وإحرام المرأة في وجهها)]. لماذا خص الرأس في الرجل والوجه في المرأة؟ لأن الأصل في الرجل أن يغطي الرأس، والأصل في المرأة أن تغطي الوجه، فكونه يكشف الرأس خرج عن مألوفه، وكونها تكشف وجهها خرجت عن مألوفها، ولكن حينما تخالط الرجال ينبغي لها أن تسدل الخمار على وجهها حتى لا تؤخذ هذه ذريعة في كشف الوجوه، وهذه حجة واضحة على أنهم كانوا يعلمون أن وجه المرأة لا يجوز أن يظهر. يقول: [وأنه عليه السلام نهى أن يشد المحرم رأسه بالسير، وفائدة قوله: (والأذنان من الرأس) أي: يحرم تغطيتهما، وقد قال عليه السلام: (الأذنان من الرأس)]. والحديث في السلسلة الصحيحة.

الطيب في البدن والثوب

الطيب في البدن والثوب قال: [المحظور الخامس: الطيب في بدنه وثيابه]. يحظر على المحرم أن يتطيب في بدنه وثيابه. [أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من الطيب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في المحرم الذي وقصته راحلته: (لا تحنطوه)]. ومعنى (لا تحنطوه) أي: لا تطيبوه، فهنا نقول: قوله: (لا تحنطوه)، يشير إلى عدم جواز تطييبه وهو ميت، فمن باب أولى وهو حي. [وفي لفظ مسلم: (لا تمسوه بطيب)، فلما منع الميت الطيب لإحرامه كان الحي أولى بذلك، وعليه الفدية لذلك، ومعنى الطيب: كل ما يعد للشم كالمسك والكافور والعنبر والغالية والزعفران وما أشبه ذلك مما تطيب رائحته]. ولذلك يحظر على المحرم أن يستخدم الصابونة ذات الرائحة، ومعجون الأسنان ذا الرائحة النفاذة، وكل الأشياء التي فيها طيب يحظر عليه أن يستخدمها، ومنها: ما تقدمه المضيفات على الطائرة للركاب من مناديل معطرة، فيستخدمها المحرم بعد الميقات وهذا لا يجوز، ولو كان الأمر بيدنا لقلنا: لا ينبغي أن توزع في موسم الحج والعمرة مناديل معطرة؛ لأن الناس لا تعرف الحكم، يطيبون عرقهم بهذه المناديل بعد الميقات وهذه مخالفة.

قتل الصيد

قتل الصيد [السادس: قتل الصيد، وهو ما كان وحشياً مباحاً]. قتل الصيد جاء في القرآن دليل منعه وهو قول ربنا سبحانه: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة:95]، وقال سبحانه: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة:96]. فلو أن رجلاً محرماً اصطاد صيداً من عرفة، ورجلاً غير محرم اصطاد صيداً من منى، ما حكم الأول وما حكم الآخر؟ عرفة من الحل، لكنه محرم، ويحظر عليه أن يصطاد من حرم أو من حل، وأما غير المحرم فقد اصطاد من منى وهي من الحرم؛ فيحظر صيد الحرم سواء لمحرم أو لغير محرم، إذاً: العبرة بالحكم الشرعي، إن اصطاد في حل وهو محرم لا ينبغي، وإن اصطاد في الحرم لا ينبغي؛ لأن من خصائص بلد الله الحرام أنه يمنع فيه الصيد. قوله: (قتل الصيد وهو ما كان وحشياً)، الوحشي هو ما لا يقتنى في البيت. فلو أن رجلاً محرماً اصطاد بطة فلا شيء عليه؛ لأن هذا لا يسمى صيداً، إنما الصيد هو الوحشي الذي لا يقتنى في الدار. ولو أن رجلاً محرماً اصطاد حمامة فعليه فدية؛ لأن الحمامة الأصل فيه الطير، ولذلك قال: (ما كان وحشياً مباحاً)، مباحاً يعني: حلالاً، فإن كان محرماً فلا يجوز. قال: [لا خلاف بين أهل العلم في تحريم قتل الصيد واصطياده على المحرم، وقد قال سبحانه: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة:95]]. ومن جانب آخر لو أن محرماً اصطاد من البحر سمكة فلا شيء عليه. [وقال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} [المائدة:96]]. فصيد البحر يجوز أما صيد البر فلا يجوز، وأما الأهلي فلا يحرم، والأهلي هو الذي يقتنى عند الأهل، يعني: يستأنس، تفتح الحظيرة ويبيت عندك وتقدم له الطعام والشراب. هذا لا يعد صيداً، إنما هذا يسمى أهلياً، أما الوحشي فهو الذي لا تتحكم فيه. [أما الأهلي فلا يحرم؛ لأنه ليس بصيد، وإنما حرم الصيد، والحرام ليس بصيد أيضاً لأنه محرم]. إذاً: الذي يحرم على المحرم من الصيد هو الوحشي المباح البري، وأما المحرم فالأصل فيه أنه يحرم؛ لأنه محرم، فلو أن رجلاً اصطاد خنزيراً وهو محرم فهذا لا يجوز؛ لأنه يحرم عليه، فالأصل فيه أنه حرام. قال: [وأما صيد البحر فإنه مباح، قال سبحانه: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} [المائدة:96]]. وسنتحدث عن باب الفدية عن كل محظور وفديته، وهي تسعة محظورات لكل محظور فدية. يستثنى للمحرم أشياء يقتلن في الحل والحرم، لحديث: (خمس يقتلن في الحل والحرم)، فلو قتل المحرم حية فلا شيء عليه؛ لأن هذا خاص يقيد العام، وسنتحدث عن هذا بالتفصيل في باب الفدية.

عقد النكاح

عقد النكاح هناك محظور ليس له فدية وهو عقد النكاح، فيحظر على المحرم أن يزوج نفسه أو يزوج غيره، قد يقول قائل: قد ورد حديث صحيح في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم عقد على ميمونة وهو محرم فما تقولون فيه؟ أقول: للعلماء فيه أقوال، فمنهم من قال محرم يعني: في الأشهر الحرم. وهو الصحيح، فليس معنى محرم أنه تلبس بالإحرام، وإنما عقد عليها وهو في الأشهر الحرم. هذا هو الجمع بين النصوص التي لا يمكن أن تتعارض مع بعضها البعض. قال: [السابع: عقد النكاح]. أي: عقد الزواج. [لقوله عليه السلام: (لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب)]. ومعنى: (لا ينكح) أي: يتزوج، (ولا ينكح) يعني: يزوج، (ولا يخطب) يعني: لا يخطب لنفسه أو لغيره، وهذا يحدث من المسلمين، تراه محرماً، وإذا به يقول لمن رأى أنه يزوجه ابنته: إن عندي ابنة فما رأيك أن تتزوجها. إنك محرم فلماذا تتكلم عن الزواج، ولكن المشكلة أنه لا يعرف أن هذا لا يجوز.

المباشرة لشهوة فيما دون الفرج

المباشرة لشهوة فيما دون الفرج قال: [المحظور الثامن: المباشرة لشهوة فيما دون الفرج]. رجل محرم باشر زوجته دون الفرج، يعني: قبل، مست بشرته بشرتها، لكنه لم يجامع. قال: [فإن أنزل]. يعني: إن باشر وأنزل وهو محرم [فعليه بدنة]، وحجه صحيح؛ لأنه لم يباشر بالجماع، [وإن لم ينزل فعليه شاة]. إذاً: إن باشر دون الجماع فأنزل فيلزمه بدنة، وإن لم ينزل يلزمه شاة. هذه الفدية. قال: [وحجه صحيح]. والبدنة هي الناقة التي تجزئ أن تكون أضحية، لا عوراء ولا تولاء ولا عضباء ولا عرجاء ولا هتماء وهي التي لا أسنان لها، والعضباء: التي ليس لها قرن، والتولاء التي تدور في المرعى تتخبط، لابد أن تكون صحيحة من العيوب، فقولنا تجزئ أضحية، يعني: أن لها نفس شروط الأضحية. قال: [وحجه صحيح لا نعلم أحداً قال بفساد حجه]. من باشر وأنزل أو لم ينزل طالما لم يجامع حجه صحيح وعليه فدية، إما بدنة وإما شاة. [ولأنها مباشرة فيما دون الفرج تعرت عن الإنزال فلم يفسد بها الحج كاللمس، والمباشرة لا توجب الاغتسال فأشبهت اللمس؛ وعليه الفدية؛ لأنه هتك الإحرام بذلك الفعل، كما لو تطيب أو لبس المخيط؛ والفدية شاة؛ لأنها ملامسة لم يقترن بها الإنزال، فأشبه لمس ما دون الفرج، فأما إن أنزل فعليه بدنة؛ لأنه جماع اقترن به الإنزال فأوجب بدنة، كما لو كان في الفرج، وهل يفسد حجه بذلك؟ روايتين: إحداهما: لا يفسد نص عليه أحمد؛ لأنه استمتاع لا يجب بنوعه الحد، فلا يفسد به الحج، كما لو لم ينزل، الثانية: يفسد نص عليه لأنها عبادة يفسدها الوطء، فأفسدها الإنزال عن مباشرة كالصائم، واختارها أبو بكر والخرقي ومن نصر الأولى قال: الأصل عدم الإفساد، والجماع: هو الوطء في الفرج، ولا يصح إلحاق غيره به فإنه أعظم، ولذلك يختلف الحال فيما بين الإنزال أو عدمه، ويجب بنوعه الحد، ويتعلق به اثنا عشر حكماً، فكيف يلحق به ما دونه مع أن شرط القياس التساوي، ولا يصح القياس على الصيام، فإن الصيام يخالف الحج في المفسدات]. إلى آخره. معنى هذا: أنه إن باشر ما دون الفرج فهناك احتمال أن ينزل أو لا ينزل، فإن أنزل فيلزمه بدنة، وإن لم ينزل فيلزمه شاة، لكن هل يفسد الحج؟ قال بعضهم: إن لم ينزل فلا فساد، وإن أنزل ففي المسألة روايتان عن الإمام: الرواية الأولى: أنه لا يفسد؛ لأنه لا يمكن أن يقاس على الجماع، والرواية الثانية: أنه يفسد، والرأي الراجح عدم الفساد.

الوطء في الفرج

الوطء في الفرج قال: [المحظور التاسع: الوطء في الفرج]. يعني: الجماع، هنا نفرق بين أمرين، جامع قبل التحلل الأكبر، أم قبل التحلل الأصغر؛ لأن الحج فيه تحللان، التحلل الأول: وهو بعد رمي الجمرات، ثم يذبح ويحلق، يفعل في يوم النحر ثلاثة أمور، أولاً: يرمي الجمرة، ثم يذبح، ثم يحلق، وقد يؤخر طواف الإفاضة إلى أيام التشريق، هذا يسمى التحلل الأصغر، فإن جامع بعد التحلل الأصغر فله حكم، وإن جامع قبله فله حكم، وإن جامع بعد التحلل الأكبر حكم. قال: [فإن كان قبل التحلل الأول فسد الحج، ووجب المضي في فاسده والحج من قابل]. يعني: إن جامع قبل أن يرمي جمرة العقبة وقبل أن يذبح وقبل أن يحلق فهو لم يتحلل التحلل الأول الأصغر، وإن جامع قبل هذا فسد حجه، يعني: بعد أن جاء من المزدلفة وقبل أن يرمي الجمرة، بعد أن وقف بعرفة وأدى النسك وفعل مناسك الحج، قبل أن يرمي الجمرة في يوم النحر جامع فحجه فاسد، ولكن يجب عليه أن يمضي في حجه حتى يتمه، ثم يلزمه وجوباً القضاء من العام القادم؛ لأن الحج فسد. هل هناك فرق بين الحج الفاسد والحج الباطل؟ نعم، هناك فرق، مصطلح الفاسد هو الباطل عند الجمهور إلا في الحج والزواج، والذين فرقوا بين الفاسد والباطل هم الأحناف، لكن الجمهور لم يفرقوا، والفاسد عندهم هو الباطل، أقول: الصلاة باطلة، أو الصلاة فاسدة كلاهما صحيح، إلا في الحج والزواج، فما الفرق؟ الباطل في الحج: ما غاب أحد أركانه، إن لم يقف بعرفة فحجه باطل؛ لأنه تخلف عنه ركن، إن لم يطف طواف الإفاضة فحجه باطل؛ لأنه تغيب عنه ركن من أركانه، إنما يفسد الحج إذا فعل الأركان كلها لكنه جامع قبل التحلل الأول، هنا نقول: حجه فاسد، رجل تزوج من أخته من الرضاعة مع استيفاء شروط النكاح من الولي والإشهار والشهود والصداق كل شروط النكاح وأركانه تمت إلا أن التي عقد عليها هي أخته من الرضاعة، هل هذا فاسد أم باطل؟ فاسد، إن غاب الولي فالزواج باطل، فهناك فرق بين الفساد والبطلان في الحج والزواج فقط، أما ما دون الحج والزواج فالفساد هو البطلان. قال: [أما فساد الحج في الجماع في الفرج فليس فيه خلاف]. ليس هناك خلاف بين العلماء أن الحج يفسد إذا جامع في الفرج. [قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الحج لا يفسد بإتيان شيء في حال الإحرام إلا الجماع، والأصل في ذلك ما روي عن ابن عمر أن رجلاً سأله فقال: إني وقعت على امرأتي ونحن محرمان، فقال: أفسدت حجك، انطلق أنت وامرأتك مع الناس، فاقض ما يقضون، وحل إذا حلوا، فإذا كان العام المقبل فحج أنت وامرأتك، واهديا هدياً، فإن لم تجدا هدياً فصوما ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتما]. يعني: ترتب على الجماع أربعة أشياء، أولاً: فساد الحج، ثانياً: المضي في النسك، ثالثاً: وجوب الحج من العام القابل، رابعاً: الفدية. لأنه لا ينبغي له إن بدأ في مناسك الحج أن يقطعها حتى وإن أفسدها؛ لأن الله قال: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:196]، معناه: أتموا الحج إذا بدأتم في مناسكه ولا تقطعوه حتى ولو فسد. قال: [ويجب على المجامع بدنة، روي ذلك عن ابن عباس لأنه جماع صادف إحراماً تاماً فوجبت به البدنة، كبعد الوقوف هذا إذا وطئ قبل التحلل الأول؛ لأنه يكون قد وطئ في إحرام تام، وإن كان بعد التحلل الأول ففيه شاة]. يعني: رجل جامع زوجته بعد أن رمى الجمرة وذبح وحلق، وتحلَل تحلُلاً أصغر، يجوز له كل شيء إلا النساء، الطيب والمخيط وكل المحظورات إلا النساء، لكن إن جامع بعد التحلل الأول فعليه شاة، وحجه صحيح؛ لأنه تحلل التحلل الأول. قال: [ويحرم من التنعيم ليطوف محرماً]. بمعنى: أنه بعد أن تحلل تحللاً أصغر ووقع على زوجته فنلزمه بشاة، ونلزمه أن يذهب إلى التنعيم ليحرم وليطوف محرماً، لو قال قائل: كيف يطوف محرماً وهو قد تحلل؟ قلنا: أبطل التحلل بالجماع، فيخرج إلى التنعيم ويحرم مرة ثانية وعليه شاة، إذاً: السؤال الآن: الذي جامع بعد التحلل الأول ما الواجب عليه؟ أولاً: شاة، ثانياً: أن يحرم من التنعيم ليطوف محرماً. قال: [ولا يفسد حجه وهو قول ابن عباس؛ وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً؛ فقد تم حجه وقضى تفثه) -يعني: نسكه- ولأن الحج عبادة لها تحللان، فوجود المفسد بعد تحللها الأول لا يفسدها، كما بعد التسليمة الأولى في الصلاة]. يعني: رجل سلم تسليمة واحدة من صلاة، ثم أحدث ما حكم الصلاة؟ صحيحة، هكذا الحج، تحلل التحلل الأول، كأنه سلم التسليمة الأولى، انتهى الحج، لكن بقي عليه طواف الإفاضة، وجامع قبله فنلزمه بشاة وحجه صحيح، لكن يحرم من التنعيم ليطوف محرماً؛ لأنه جامع قبل التحلل الأكبر. والتفث هو النسك: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} [الحج:29]، وتفثهم يعني: نسكهم. قال: [ولأن الحج عبادة لها تحللان، والواجب شاة لأنه وطء لم يفس

حكم الوطء في العمرة

حكم الوطء في العمرة قال: [وإن وطئ في العمرة أفسدها]. رجل ذهب للعمرة، ثم أحرم من الميقات -ميقات أهل مصر رابغ- بعد الميقات جامع زوجته وهو محرم بعمرة، عمرته فاسدة، ويستكمل النسك، وعليه هدي، ويقضي إذا استطاع من قابل، وتبقى في رقبته قضاء دين. [وإن وطئ في العمرة أفسدها، ولا يفسد النسك بغيره، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الحج لا يفسد بإتيان شيء في حال الإحرام إلا الجماع، والعمرة كالحج]. رجل أحرم بعمرة ومر على الميقات وهو محرم، ثم جامع قبل أن يطوف ويسعى ويتحلل، فما حكمه؟ أولاً: يؤدي النسك، ثانياً: يلزمه شاة، ثالثاً: القضاء من قابل. والشاة ليست إلا في حالتين، أولاً: بعد التحلل الأول إذا جامع في الفرج، ثانياً: إذا باشر، ولو باشر وأنزل دون الفرج فعليه بدنة؛ وإن لم ينزل فعليه شاة.

استواء المرأة والرجل في أحكام الحج

استواء المرأة والرجل في أحكام الحج قال: [والمرأة كالرجل إلا أن إحرامها في وجهها ولها لبس المخيط]. المرأة كالرجل تماماً، لكن إحرامها في وجهها، ولها لبس المخيط. [وذلك لأن أمر النبي صلى الله عليه وسلم المحرم باجتناب شيء يدخل فيه الرجال والنساء]. هذه قاعدة فقهية: أن ما ينطبق على الرجال ينطبق على النساء، إلا ما خص النساء بدليل، يعني: حينما يقول: الختان واجب للذكور، إذاً: هو واجب للنساء، إذا أردتم أن تخصصوه يلزمكم دليل، ما ينطبق على الرجال ينطبق على النساء، وفي كل الأحكام الشرعية هم سواء إلا ما خص النساء بدليل، مثل الميراث: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء:11]، إذاً: خصها بدليل أن لها نصف الرجل، كذلك الشهادة: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة:282]، إذاً: الشاهدة خصها بدليل، أيضاً العقيقة عن الذكر شاتان وعن الأنثى شاة، خصها بدليل، أما كل الأحكام الشرعية فهما فيها سواء إلا ما خصها دليل، إذاً: الذي يقول: إن ختان الأنثى ليس بواجب يلزمنا نحن الدليل أم يلزمه هو؟ يلزمه هو. قال: [فما ثبت في حق الرجل فمثله في حق المرأة، لكن استثنى منه لبس المخيط؛ والتظليل مبالغة في ستر المرأة لأنها عورة]. يعني: أن تستر نفسها وتحرم في ملابسها، ولا يحرم في الأبيض إلا الرجل، والمرأة لابد أن تخالف، وأفضل ملابس للمرأة السوداء، طبعاً كل النساء المصريات يلبسن أبيض في أبيض، الحذاء أبيض والجلابية بيضاء، والرجل يحرم في أبيض!! هذا لا يجوز، لابد أن تخالف المرأة الرجال. [إلا الوجه فتجردها يفضي إلى انكشافها فأبيح لها هذا، ولهذا أبحنا للمحرم عقد الإزار لئلا يسقط فتنكشف العورة، ولم يبح له عقد الرداء]. الإزار في المنطقة السفلى، قوله: (أبحنا للمحرم أن يعقده)، يعني: أن يربطه إما بحزام أو بدبوس أو نحوه، أما الرداء فلا يجوز له أن يعقده كأنه قميص ولو فعل فقد ارتكب محظوراً من محظورات الإحرام؛ لأنه مفصل على الجسم كأنه مخيط، ونحن نريد أن نجرده، وهو يريد أن يلبس رداء ويخيطه على نفسه، فصله بأزرار بكباسين وأغلقها، وبعضهم يضع له جيوباً، فأصبح مخيطاً، يعني: يمكن الآن أن يلبس بنطلوناً ويمشي بالرداء في القاهرة، لكننا لا نريد هذا للمحرم. [ولم يبح عقد الرداء، وهذا مما لا نعلم فيه خلافاً]. يعني: لم يختلف أحد من العلماء أنه لا يجوز عقد الرداء. [قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المرأة ممنوعة مما منع عنه الرجال إلا بعض اللباس، وأجمع أهل العلم على أن للمحرمة لبس القميص والدرع والسراويلات والخمر والخفاف -يعني: لها أن تلبس كل شيء- وفي حديث ابن عمر: (نهى النساء -صلى الله عليه وسلم- في إحرامهن عن لبس القفازين والنقاب)]، وتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب من معصفر أو خز أو حلي أو سراويل، فلا تلبس ملابس مزركشة تلفت النظر؛ لأن من شروط ملابس المرأة: ألا يكون لباس زينة، يعني: لا تحرم في لون فسفوري أو برتقالي أو بنفسجي أو أحمر، هذه ملابس لا تصلح أن تحرم فيها، لابد أن تحرم في ملابس لا تخالف بها الجميع، ولا تنفرد بها عن بني جنسها، وهذا يسمى لباس الشهرة، وقد نهينا بعض الإخوة عن لباس الشهرة، تجد مثلاً في حي الزيتون الناس كلهم يلبسون الجلابية الوردية أو المائية أو الأصيل، وهو يلبس بنغلادش، ويصير معروفاً بزيه البنغلاديشي. لا يجوز أن يشتهر بين الناس بلباس شهرة، وهذا ليس كلامنا وإنما هو كلام العلماء، حتى قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: لو أن المجتمع يستنكر تربية الشعر ولا يألفها، فترك الأمور المستحبة لأجل عدم الشهرة يجوز، يعني: رغم أن تربية الشعر مستحبة، إلا أنها في المجتمع شيء غير معروف، إذاً: نترك المستحب لئلا نشتهر به. وهذا الكلام في الممتع شرح زاد المستقنع إن أردت أن تعود إليه -يعني: ممكن أن تكون أنت الوحيد في مجتمعك الذي تفعل هذا الفعل المستحب فتعرف به، يقول القائل: وكيف ننشر السنة؟ لابد أن نمهد لها، لا تخالف بني جنسك حتى يشار إليك بالبنان، بل كن مثل بني جنسك ولا تتميز. ثبت في صحيح البخاري: (كان الرجل يدخل على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم يجلس في وسطهم، فينظر إليهم فيقول: أيكم محمد) لم يتميز عليهم بلباس ولا بجلسة، كان كواحد منهم لا يلبس زياً يميز به حتى يقال أنه رجل دين، ليس عندنا في الإسلام هذا، نحن في الإسلام طالما أن بني جنسك لا يرتكبون حراماً، فكن معهم، ولا تفهم كلامي خطأ، فأنا لا أقترب من دائرة الواجب ولا المحرم، كلامي في المستحب، قد يقول قائل: طالما أن بني جنسي كلهم يسبلون الإزار فأنا أيضاً أسبل من أجل ألا أخالفهم؟! فأقول: الإسبال حرام، خالف وخالف، وانتبه ألا تخالف في الحرام، إن كان الأمر واجباً فافعله ولا تنظر إلى المجتمع، إن كان محرماً فكف عنه، ل

العدة شرح العمدة [45]

العدة شرح العمدة [45] تنقسم الفدية في حق من أتى محظوراً من محظورات الإحرام إلى ضربين: ضرب للإنسان فيه التخيير، وآخر لا يجوز فيه إلا الترتيب، فالذي على التخيير هو إزالة الأذى ولبس المخيط والطيب والصيد، فهو مخير بين الصيام والإطعام والذبح، والذي على الترتيب هو فدية المتمتع ومن ترك واجباً من واجبات الحج؛ فإنه يذبح، فإن لم يجد فيصوم، فإن لم يجد فيطعم.

فدية ارتكاب محظورات الحج والعمرة

فدية ارتكاب محظورات الحج والعمرة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ثم أما بعد. فلا زلنا مع كتاب الحج والعمرة، من كتاب العدة شرح العمدة للإمام موفق الدين بن قدامة المقدسي الحنبلي رحمه الله تعالى، ومع باب الفدية. قال رحمه الله: [وهي على ضربين] أي على نوعين: [أحدهما على التخيير] الضرب الأول من الفدية أن المكلف يخير بين فعل وفعل، ففي علم الأصول فرق بين التخيير بين فعل وفعل، وبين الانتقال من فعل إلى فعل، أي: إن عجز عن الفعل الأول ينتقل إلى الفعل الثاني، مثال ذلك: كفارة اليمين، تجد أن الكثير من الناس يقولون لمن أراد أن يكفّر عن يمينه: صم ثلاثة أيام، وهذا خطأ؛ لأن الصيام لا يصار إليه إلا إذا عجز عن الإطعام أو الكسوة أو تحرير رقبة، يقول الله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة:89] وكلمة (فمن لم يجد) معناها: أنه لا يستطيع أن ينتقل إلى الصيام إلا إذا عجز عن الإطعام، لكنه مخير بين الإطعام والكسوة وتحرير رقبة، فإذا انتقل إلى الكسوة وهو قادر على الإطعام فكفارته صحيحة؛ لأنه مخيّر بين الثلاث.

فدية الأذى واللبس والطيب

فدية الأذى واللبس والطيب قال رحمه الله: [أحدهما على التخيير: وهي فدية الأذى واللبس والطيب]. ذكرنا أن محظورات الإحرام تسعة، وكل محظور من هذه المحظورات له حكم، فربما كانت له فدية، وربما لم تكن له كالنكاح، وما له فدية منها ما هو على سبيل التخيير، ومنها ما هو على الترتيب. قال: [وهي فدية الأذى] والأذى هو أذى الرأس {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة:196] الأذى يعني حلق الشعر للأذى، وليس كالمذهب شعر الصدر أو شعر القدم أو شعر اليد، إنما النص جاء بشعر الرأس، فالمذهب قاس الشعور الأخرى على شعر الرأس، وهذا كلام مرجوح. [واللبس] أي: لبس المخيط [والطيب] أي: التطيب [فله الخيار بين صيام ثلاثة أيام، أو إطعامه ثلاثة آصع من تمر لستة مساكين، أو ذبح شاة]. فلو أن رجلاً تطيب وهو محرم ذاكراً غير ناس، متعمداً غير مخطئ؛ لأن الناسي له حكم، والمخطئ له حكم، فإذا كان المحرم يعرف الحكم فجاء بالطيب وتطيب، أو لبس المخيط أو كان لا يستطيع أن يخلع الجوارب من قدمه لعذر طبي، فيلبس وعليه فدية، والفدية على التخيير بين ثلاثة: إما صيام ثلاثة أيام في أي وقت، أو الإطعام، أو ذبح شاة، وإن استطاع أن يذبح وانتقل إلى الصيام فلا شيء عليه، وإن استطاع أن يصوم وأطعم فلا شيء عليه، والإطعام هنا يكون ثلاثة آصع من تمر لستة مساكين، والصاع أربعة أمداد، والمد ملء كفي الرجل المعتدل من أرز أو تمر بحسب غالب قوت أهل البلد. قال: [ثلاثة آصع من تمر لستة مساكين، أو ذبح شاة. أما فدية الأذى فهي على التخيير لما سبق في محظورات الإحرام، وحديث كعب بن عجرة المتفق عليه، وأما فدية اللبس والطيب فهي مقيسة على فدية الأذى، لكونه ترفه بذلك في إحرامه، فلزمه الفدية كالمترفه بحلق شعره، ولا فرق بين قليل الطيب وكثيره، وقليل اللبس وكثيره؛ لأنه معنى حصل به الاستمتاع بالمحظور، فاعتبر مجرد الفعل كالوطء، وليس الحكم في كل دم وجب لترك واجب، يعني أن ذلك على التخيير لا على الترتيب]. فلو أن رجلاً لا يستطيع أن يخلع (الفنيلة الحمالة) لعذر في جسده، نقول له: أحرم واترك (الفنيلة) على جسدك وعليك الفدية، ويخير بين ثلاثة أشياء، لحديث كعب بن عجرة أنه كان به أذى من رأسه، فأباح له النبي صلى الله عليه وسلم أن يحلق الرأس وأن يفدي. ولو أن رجلاً تطيب وهو ناس فلا شيء عليه؛ لأن من فعل محظوراً من محظورات الإحرام وهو ناس فلا شيء عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً أثر الطيب يبدو من إحرامه، فأمره أن يزيل عن نفسه الطيب وأن يتم النسك، ولم يأمره بفدية؛ لأنه ناس أو مخطئ غير عالم بالحكم، والخطأ معناه: أنه ظن أن هذه الزجاجة ماء وهي طيب، فوضع الماء على وجهه فإذا به طيب، فهنا لا شيء عليه {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286]. قال رحمه الله: [وكذلك الحكم في كل دم وجب لترك واجب، يعني: أن ذلك على التخيير لا على الترتيب]. هذا الكلام يحتاج إلى استدراك؛ لأن ترك الواجب لا بد ألا ينتقل إلى الصيام إلا إذا كان عاجزاً عن الذبح، أي: أن قوله: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة:196] معناه: أنه لا يخير بين الذبح والصيام إلا حينما لا يستطيع الذبح.

فدية قتل الصيد

فدية قتل الصيد قال: [وجزاء الصيد مثل ما قتل من النعم، أجمع أهل العلم على وجوب الجزاء على المحرم بقتل الصيد، وقال الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة:95]]. والمقصود: أن من قتل صيداً فعليه مثله، ويشترط أن يكون وحشياً مباحاً، ومعنى وحشي: أنه لا يقتنى في البيوت، ومعنى مباح: أنه ليس بحرام، فقال: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة:95] أي أنه يحكم بالمشابه أو المماثل ذوا عدل. قال المصنف رحمه الله: [فمن قتل الصيد ابتداء من غير سبب يبيح قتله ففيه الجزاء، فأما إن اضطر إلى أكله فيباح له أكله بلا خلاف نعلمه، ويلزمه ضمانه؛ لأنه قتله لحاجة نفسه ودفع الأذى عنه من غير معنى حدث في الصيد يقتضي قتله فلزمه جزاؤه كحلق الرأس لدفع الأذى عنه]. فلو أن رجلاً اصطاد لسبب شرعي، كأن بلغ به الجوع مبلغه، وإن لم يصطد هلك، في هذه الحالة نقول له: يلزمك ضمان هذا الصيد لصاحبه إن كان له صاحب، ولذلك من أسباب نقصان عقود التأمين: أنها تجعل الضامن شريكاً في التأمين، والمفروض شرعاً أن الضامن هو المتسبب في التلف، فلو أن رجلاً صدم سيارة في الطريق العام، فيرفع القضية على شركة التأمين، وكان من المفترض أن من يلتزم بالضمان من أتلف، لكن هنا يدخل طرف ثالث يفسد العقد، فمن أسباب فساد عقود التأمين الأربعة التي ذكرها العلماء: أن من يلتزم بالضمان ليس هو المتسبب في التلف، وعندنا في الشريعة أن من أتلف شيئاً يلزمه الضمان، فالضمان على من أتلف لا على شركة التأمين التي تتاجر بعقود ضرر وربا. قال: [وإن صال عليه] يعني: صال عليه الصيد [فلم يقدر على دفعه إلا بقتله، فله قتله ولا ضمان عليه]. أي: أنه اعتدى عليه الطائر، ولا يستطيع أن يدفعه عن نفسه إلا بقتله، فله قتله ولا ضمان عليه. [لأنه ألجأه إلى قتله فلم يجب ضمانه كالآدمي الصائل] والصائل: هو المعتدي الذي يبدؤك بالقتال، فيلزمك أن تدافع عن نفسك وإلا أصبحت مقصراً، أي: أن رجلاً جاء إلى دارك واعتدى عليك، وأراد أن يدخل البيت وأن يأخذ مالك، أو أن يعتدي على عرضك، فهذا يسمى في الشرع صائل، ولا بد أن ندفعه، كابن آدم لما قال لأخيه: {لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ} [المائدة:28] أي: أن ابن آدم الأول هو الصائل، والآخر هو المعتدى عليه. ما معنى قوله: {لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ} [المائدة:28]؟ قال بعض العلماء: المعنى: لئن بسطت إلي يدك لتبدأني بالقتال فلن أبسط إليك يدي لأبدأك بقتال، فهو كف عن البدء، وليس معنى ذلك أنه كف عن الدفاع. وقال بعضهم: أي: لن أبدأ بقتلك إلا إذا بدأت بقتلي، هذا المعنى المقصود في الآية، ولا يؤخذ من الآية أن الصائل تسلّم له نفسك، وتقول: {لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ} [المائدة:28] فهذا الكلام غير صحيح، لكن شرعاً لا بد أن تدفع عن نفسك، (من مات دون ماله فهو شهيد، ومن مات دون عرضه فهو شهيد)، (قيل: يا رسول الله! أرأيت إن جاء رجل يريد أن يأخذ مالي؟ قال: لا تعطه مالك، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: فقاتله، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار)، وهذا هو الحكم الشرعي؛ لأنك هنا تدافع عن نفسك.

ما يضمن من الصيد

ما يضمن من الصيد قال: [ولو خلّص صيداً من سبع أو شبكة فتلف بذلك فلا ضمان عليه]. رأى المحرم صيداً في شبكة فأراد أن يخلّصه من الشبكة، أو من فم السبع، وهو يخلّصه مات وتلف، فلا ضمان عليه؛ لأن العبرة هنا بالنية، والنية عنده أن يخلّصه فلا ضمان عليه. قال: [لأنه فعل أبيح لحاجة الحيوان فلم يضمن ما تلف به، كما لو داوى ولي الصبي فمات بذلك. ولا فرق بين العامد والمخطئ في وجوب الجزاء]. هناك محظورات لا فدية على صاحبها إن ارتكبها ناسياً أو مخطئاً، ولو افترضنا أن رجلاً اصطاد صيداً وهو محرم خطأ، أي أنه وجه حجراً في أمر مشروع له أن يقذفه، فجاء في صيد فمات، فهنا تلزمه الفدية حتى وإن كان مخطئاً. [لما روى جابر قال: (جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضبع يصيده المحرم كبشاً)]. والضبع هو حيوان يشبه الكلب، فهذا إذا اصطاده المحرم فعليه كبش، أي أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى على من اصطاد ضبعاً بكبش. [وقال في بيض النعام يصيده المحرم ثمنه ولم يفرق، ولأنه ضمان إتلاف أشبه مال الآدمي، وعنه: لا كفارة في الخطأ]. أي أن الرواية الأخرى عن أحمد أنه لا كفارة في الخطأ، والرواية الأولى أنه يلزمه. [لأن الله سبحانه قال: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة:95] فدليل خطابه أنه لا جزاء على الخاطئ]. إنما هنا نلزمه بالضمان بحكم الوضع لا بحكم التكليف، فعندنا أحكام تكليفية وأحكام غير تكليفية، فلو أن ابنك الصغير قذف حجراً في زجاج جارك فأتلف الزجاج، فيلزمك أنت الضمان بخطاب الوضع؛ لأنه غير مكلف، فيلزم وليه الضمان، ولو أن مجنوناً أتلف شيئاً يلزم من يقوم على رعايته الضمان. والرواية الأولى عن أحمد هي الأرجح.

ضابط الصيد

ضابط الصيد قال: [والصيد ما جمع ثلاثة أشياء: أن يكون مباح الأكل، لا مالك له، ممتنعاً. قال بعض أهل اللغة: فيخرج منه ما لا يحل أكله كسباع البهائم] أي: أنه إذا اصطاد فيصطاد للأكل أو الطعام، فالصيد الغير مباح لا يعتبر. [والمستخبث من الحشرات] ولو أن محرماً اصطاد مثلاً صرصاراً، فنقول هذا مستخبث من الحيوانات ولا فدية عليه. قال: [وما عليه ملك فما ليس بوحشي يباح للمحرم]. أي أنه أليف ويقتنى في البيوت، ولو أن محرماً اصطاد دجاجة، فالدجاج هنا تربى في البيوت فهي ليست وحشية، وإنما أليفة وتربى في البيت. قال: [يباح للمحرم ذبحه وأكله كبهيمة الأنعام والخيل والدجاج] المحرم يذبح دجاجاً حتى وإن اصطاده [لا نعلم بين أهل العلم في هذا خلافاً، والاعتبار في ذلك بالأصل لا بالحال، فلو استأنس الوحشي وجب فيه الجزاء، ولو توحش الانسي لم يجب فيه جزاء؛ ولهذا وجب في الحمام اعتباراً بأصله]. فالأصل في الحمام أنه طائر لا يؤلف، ولكن الإنسان ألفه وأعد له مكاناً يعود إليه آخر النهار، والأصل فيه أنه طائر غير مألوف، فيلحق بأصله، فإن اصطاد المحرم حماماً يلزمه فدية؛ لأن الأصل في الحمام أنه وحشي، ولا يستلزم أن يكون مفترساً، وإنما هنا وحشي بمعنى أنه غير مألوف، فلو أن محرماً اصطاد ضباً، والضب قد ألفه صاحبه، فهنا أيضاً العبرة بالأصل لا بالتغير. [والواجب في صيد البر دون صيد البحر؛ لقوله سبحانه: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة:96] إذا ثبت هذا فجزاء الصيد مثله من بهيمة الأنعام: وهي الإبل والبقر والغنم؛ لقوله تعالى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة:95]]. لذلك الحمام والظبي قضي فيه بشاة، والنعامة قضي فيها ببدنة. الشاهد: أنه إذا اصطاد المحرم صيداً يحرم عليه، فلا بد أن يحكم فيه ذوا عدل في المقابل، فإن اصطاد حماماً يلزمه شاة، وإن اصطاد ظبياً يلزمه شاة، وإن اصطاد نعامة يلزمه بدنة وهكذا.

ما يضمن به الصيد

ما يضمن به الصيد بهيمة الأنعام ثلاثة أنواع هي: الإبل، والبقر، والغنم. لذلك في الأضحية يشترط أن تكون الأضحية من بهيمة الأنعام، كما قال ربنا سبحانه: {مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج:28]، {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [الحج:36]. [وهي الإبل والغنم لقوله تعالى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة:95]، وليس المراد حقيقة المماثلة؛ فإنها لا تتحقق بين النعم والصيود، لكن أريد المماثلة من حيث الصورة والمشابهة من وجه، وكونه أقرب بهيمة الأنعام به شبهاً؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على وجوب المثل، فقال عمر وعثمان وعلي وزيد بن ثابت وابن عباس ومعاوية: في النعامة بدنة]. وأقرب شبه للنعامة هي الجمل، فهذه المماثلة من حيث الشبه. [وحكم أبو عبيدة وابن عباس في حمار الوحش بدنة، وحكم عمر وعلي في الظبي بشاة، وحكموا في الحمام بشاة، إلا الطائر فإن فيه قيمته في موضعه]. والمعنى: أن هذه التي اصطادها المحرم جعلنا لها مثل ما قتل من النعم يحكم به رجلان منا. يقول السائل الكريم: الضبع لا يحل أكله، هل معنى ذلك أنه ليس فيه فدية؟ نحن نشترط في الصيد الذي يصطاده المحرم شروطاً: أن يكون مباحاً، أي: ليس محرماً، وإنما محرم أن تصطاده، وكذلك وحشي أي لا يؤلف، فإن تحقق هذان الشرطان جاز أن تصطاده. ثانياً: أن بعض البلاد تأكل الضبع، وأنا أخبرت أن هناك بلاداً أكثر وجبة لها هي الضبع. قال: [إلا الطائر فإن فيه قيمته في موضعه، وهذا هو الأصل في الضمان بدليل سائر المضمونات من الأموال، وتعتبر القيمة في موضع الإتلاف، كما لو أتلف مال آدمي قوم في موضع الإتلاف كذا هاهنا]. بمعنى الطائر إلا الحمامة، فلو أن محرماً اصطاد طائراً يقوّم بقيمته؛ لأنه ليس له مماثل في المعنى، فيقوم بالقيمة في موضع الإتلاف. [إلا الحمامة ففيها شاة والنعامة فيها بدنة، لما سبق من قضاء الصحابة رضي الله عنهم. ويتخير بين إخراج المثل وتقويمه بطعام، فيطعم كل مسكين مداً، أو يصوم عن كل مد يوماً]. فهو هنا أيضاً بالخيار بين أن يقوّم بإخراج المثل، أو أن يقوم بطعام، فيطعم عن كل مسكين مداً، أو يصوم عن كل مد يوماً. [وعن أحمد أنها على الترتيب] أي أن إحدى الروايتين عن أحمد أنها على التخيير، والأخرى أنها على الترتيب، أي أنه لا ينتقل إلى الإطعام أو الصيام إلا إذا عجز عن المثل. [فيجب المثل أولاً]. أولاً لو كان على الترتيب يجب المثل. [فإن لم يجد أطعم، فإن لم يجد صام، روي نحوه عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ لأن هدي المتعة على الترتيب وهذا آكد منه، فإنه يفعل محظوراً، وعنه: لا طعام في الكفارة، وإنما ذكر في الآية ليعدل به الصيام؛ لأن من قدر على الإطعام قدر على الذبح. كذا قال ابن عباس، ودليل الرواية الأولى قوله سبحانه: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة:95]]. فكلمة ((أوْ)) هنا للتخيير، إذاً إما أن يلزم بالمثل أو بالإطعام، أو بالصيام عن كل مد يوماً. [روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كل شيء أو فهو مخير، وأما ما كان فإن لم يجد فهو للأول الأول؛ ولأن هذه الفدية تجب بفعل محظور، فكان مخيراً بين ثلاثتها كفدية الأذى]. وهو الراجح أنه مخير بين واحدة من الثلاث. ولأقرب لك المفهوم: لو أن محرماً اصطاد حمامة وجاء يقول لك: ما الحكم؟ تقول له: أنت مخير بين ثلاثة أشياء: 1 - أن تذبح شاة؛ لأن الصحابة قضوا في الحمامة بشاة. 2 - أو تطعم بقيمة الشاة فقراء. 3 - أو أن تصوم عن كل مد يوماً. [فإذا اختار المثل ذبحه وتصدق به على مساكين الحرم؛ لأن الله سبحانه قال: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة:95]، وإن اختار الإطعام فإنه يقوم المثل بدراهم، والدراهم بالطعام، ويتصدق به على المساكين لكل مسكين مداً من البر كما يدفع إليهم كفارة اليمين، وإن اختار الصيام صام عن كل مد يوماً؛ لأنها كفارة دخلها الصيام والإطعام، فكان اليوم في مقابلة المد ككفارة الظهار، وعنه] يعني: رواية أخرى عن أحمد، والرأي الأول هو الراجح. هل هناك من الأشياء التي يصطادها المحرم شيء لا مثل له في المعنى؟ نعم. الجراد، فإنك لو نظرت إلى الجراد لتحقق فيه، فالجراد يؤكل للحديث: (أحل لكم ميتتان ودمان، فأما الميتتان فهما السمك والجراد، وأما الدمان فهما الكبد والطحال) وإن كان فيه ضعف، ولكن أنا أستأنس به هنا؛ لأنه في بعض البلدان الجراد يؤكل وكذلك الضبع يؤكل. فهناك من الأشياء التي تصطاد ما لا مثل له كالجراد، فكيف أقومه؟ بقيمة، لا أ

أنواع الفدية الواجبة على الترتيب

أنواع الفدية الواجبة على الترتيب [الضرب الثاني من الفدية على الترتيب وهو: التمتع يلزمه شاة، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع]. الشارح قبل ذلك ذكر الحكم في كل دم وجب لترك واجب، وأن ذلك على التخيير، والأصل أن ترك الواجب ليس على التخيير وإنما على الترتيب. فلو أن رجلاً حج متمتعاً، حيث أدى عمرة ثم تحلل، ثم ظل على حله إلى اليوم الثامن من ذي الحجة، ثم لبس الإحرام ولبى بالحج، فعليه دم؛ لأن المتمتع يشترط أن يظل في مكة ولا يعود إلى وطنه، وإن خرج خارج مكة وعاد إلى وطنه أو ذهب إلى المدينة ثم عاد فيكون مفرداً؛ لأن المدينة لها ميقات، ومصر لها ميقات، والمتمتع يلزمه بعد أداء النسك في يوم العيد أن يذبح، فالله سبحانه وتعالى قال: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196]. إذاً: يلزمه أن يذبح، ولو عجز عن الذبح فيصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، فتلك عشرة كاملة، كذلك الأمر في كل واجب، فأي واجب يتركه يُلزم بالذبح أو الصوم. فلو أن رجلاً حج وترك طواف الوداع، وطواف الوداع واجب، وأما طواف الإفاضة فركن، فالذي يترك طواف الوداع يلزمه هدي، أو صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع. ولو أن رجلاً حج وترك المبيت بمزدلفة، فهنا المبيت بمزدلفة على الراجح واجب، فيجبر بدم أو يصوم إن عجز عن الذبح، وهذا على الترتيب وليس على التخيير. [لقوله سبحانه: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة:196]]. فإذا لم يصم هناك ثلاثة أيام صام العشر كاملة هنا، وليس المقصود بقوله تعالى: {إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة:196] أي: أنه لا بد أن يرجع إلى وطنه، وإنما إذا رجعتم بعد انتهاء النسك، هذا هو المقصود. قال: [وفدية الجماع بدنة، فإن لم يجد فصيام كصيام المتمتع لما سبق من إجماع الصحابة، وكذلك الحكم في البدنة الواجبة بالمباشرة بالقياس على البدنة الواجبة بالوطء]. فإذا باشر فأنزل فعليه بدنة، وإن باشر ولم ينزل فعليه شاة. فإذا جامع وأنزل إما أن يكون قبل التحلل الأصغر أو بعد التحلل الأصغر، فإن كان قبل التحلل الأصغر فعليه أن يمضي في النسك، وأن يذبح بدنة، وأن يحج من قابل، فإن عجز عن البدنة يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، وهذا كلام المصنف. قال: [وكذلك الحكم في دم الفوات] دم الفوات: هو الإحصار، والفوات له أحكام سنتحدث عنها إن شاء الله تعالى في الدرس القادم، قبل أن ندخل في باب دخول مكة، وباب صفة الحج والعمرة. اللهم اكتب لنا حجاً مبروراً، وذنباً مغفوراً، وعملاً صالحاً متقبلا يا رب العالمين.

الأسئلة

الأسئلة

حكم طلاق غير المدخول بها

حكم طلاق غير المدخول بها Q أنا عاقد على امرأة، وكان من شروط العقد ألا تعمل، فكذبوا عليّ أنها لا تذهب إلى العمل، وكانت تذهب من ورائي، فعلمت بذلك فقلت لأبي، فقال لي: إنك ستتزوجها شئت أم أبيت. فقلت له: هي طالق طالق طالق، فما حكم ذلك الطلاق، وهل من نصيحة لهذه المرأة؟ A أنت الآن طلّقت ثلاثاً، فهي طالق لا شك لأنك طلّقت، فلا يشترط أن تكون موجودة، وأنت تقول: أنا عاقد، أي قبل البناء، والمعقود عليها دون بناء ليس لها عدة، لكن إن أردت أن ترجع إليها فيلزمك عقد ومهر جديدين. أما أهل البنت فأقول لهم: اتقوا الله في الصدق؛ فإن الصدق منجاة، قلتم له: إنها لا تعمل، ثم كذبتم عليه وهي تذهب إلى العمل، وهذا يبطل عقد الزواج؛ لأن المؤمنين على شروطهم، طالما أن الشرط لم يحل حراماً ولم يحرم حلالاً، فهو اشترط ألا تعمل، وأنتم وافقتم على شرطه، فأنتم كذبتم عليه وخدعتموه. وأقول لأبيه أيضاً: لا يجوز لك شرعاً أن تكره الابن على الزواج من امرأة كذبت عليه، أو كذب عليه أهلها. أما الحكم الشرعي: فهي طالق ولا تحل لك إلا بعد عقد ومهر جديدين.

حكم بدء الحج بالوقوف بعرفة

حكم بدء الحج بالوقوف بعرفة Q رجل والدته مريضة يريد أن يحج هذا العام هو وزوجته، ولكنه اقترح على زوجته أن يسافر هو وهي من محل عمله في الكويت في 9 ذي الحجة، أي يوم الوقوف بعرفة، فهل يجوز هذا، وهل للحج أركان؟ A نعم يجوز أن يذهب من الكويت إلى عرفة مباشرة؛ لأنه سيكون قد فاته منى، ومنى من المستحبات وليست من الواجبات، ومن أدرك عرفة فقد أدرك الحج.

حكم قبول الهدايا المأخوذة بالربا

حكم قبول الهدايا المأخوذة بالربا Q أهدي إلي ثلاجة وعلمت أنها اشتريت بالقسط بفائدة، فما حكم هذه الهدية؟ A لا شيء عليك، فالإثم على من أهداك وليس عليك.

حكم العمل المباح لدى تاجر مخدرات

حكم العمل المباح لدى تاجر مخدرات Q تاجر مخدرات عنده سباكة في بيته، وأنا سبّاك استدعاني لأصلح سباكته، فهل عملي مشروع أم غير مشروع، وهل أجري حلال أم حرام؟ A المال في يده هو حرام، أما في يدك أنت فحلال، وهذه القاعدة مهمة جداً؛ لأن البعض يخلط بينهما أحياناً، والله تعالى أعلم.

حكم تخصيص بعض الليالي بالقيام

حكم تخصيص بعض الليالي بالقيام Q في أحد المساجد بعض الناس يخصصون يومين في الأسبوع لصلاة القيام؟ A هذا غير صحيح وهذا ابتداع في دين الله عز وجل.

حكم دخول المدخن إلى المسجد

حكم دخول المدخن إلى المسجد Q هل التدخين ينقض الوضوء؟ A لا ينقض الوضوء، إنما المدخن لا يجوز له أن يدخل المسجد؛ لأنه أكثر ممن أكل ثوماً أو بصلاً أو كراثاً، وإنما العلة في عدم دخول من أكل البصل هو أن رائحة فمه تؤذي الملائكة وتؤذي المصلين، وإن لم يكن في المسجد مصلين.

حكم الجمع بين الأضحية والعقيقة

حكم الجمع بين الأضحية والعقيقة Q هل يجوز جمع الأضحية والعقيقة؟ A لا يجوز، فالأضحية نسك وهي مقدمة على العقيقة.

حكم جعل العصمة بيد الزوجة

حكم جعل العصمة بيد الزوجة Q هل يجوز شرعاً أن يتزوج رجل بامرأة وتكون العصمة في يدها؟ A نعم يجوز باتفاق جمهور العلماء أن تكون العصمة بيد الزوجة، وما معنى العصمة في يد الزوجة؟ معناها: أن الزوج وكّل الزوجة شرعاً في أن تطلب الطلاق متى شاءت، وليس أن تطلق نفسها، وأن تقول له: طلقني، فيقول لها: أنتِ طالق، ولا يجوز له أن يمتنع؛ لأنه يجوز له أن يوكّل غيره في طلاق زوجته، كما يجوز له أن يوكل غيره فيجوز له أن يوكّل الزوجة في أن تطلب الطلاق متى شاءت، وهذا كلام الجمهور وأدلتهم كثيرة، منها: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ} [الكهف:19] إذاً وكّلوا واحداً منهم في أن يأتي بطعام، فالوكالة هنا تجوز، وللزوج أن يفوض وهو يملك الحق. لكن السؤال الأهم: هل يسقط حق الزوج في الطلاق إن فوّض للزوجة في طلب الطلاق؟ لا يسقط، أي أنه يجوز له أن يطلق حتى وإن لم تطلب هي.

المنهجية في طلب العلم وفائدة مجالسة العلماء

المنهجية في طلب العلم وفائدة مجالسة العلماء Q من هم الشيوخ الذين تلقيت عندهم العلم؟ وكيف طلبت العلم؟ وبم تنصح طلاب العلم؟ A هذا موضوع طويل، ولكن طلبت العلم من منهجي الدراسي، إضافة إلى مقابلتي للعلماء والتي كان فيها الفوائد الكثيرة. أي أنك لا بد أن تجلس تحت أقدام العلماء سواء في المسجد الحرام أو المسجد النبوي فتقابل العلماء، وكان الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى يفتح بيته في بعض أيام الحج إن جاء إلى مكة لطلبة العلم، ولا يتناول الطعام إلا مع الفقراء والمساكين في هذا الوقت، فكان له دروس منهجية علمية فضلاً عن دروس بعض علمائنا، وممن أُقدّره وأسأل الله أن يشفيه رجل عالم فقيه وهو الشيخ محمد مختار الشنقيطي شفاه الله عز وجل، فهو رجل يحمل فقهاً لا يبارى فيه، ولذلك درس علمه في الحرم يحضره أكثر من عشرين ألف طالب علم؛ لأنه في الفقه ما شاء الله لا قوة إلا بالله. وفي علم الحديث الدكتور عبد المحسن العباد فهذا الرجل في علم الحديث أمة، فإذا شرح البخاري أو مسلماً أو النسائي أو أبا داود في الحرم المدني يقول لطالب عنده: اقرأ، فيقول الطالب: قال المصنف رحمه الله: حدثنا مكي بن إبراهيم فيقول الشيخ: مكي بن إبراهيم ثقة ثبت، روى له أصحاب الكتب الستة ووثقه ابن حبان يترجم لرجال الإسناد من ذاكرته، من أول السند إلى آخره، فهؤلاء هم العلماء، لا المتردية والنطيحة من الذين لا يعلمون شيئاً، رجل يترجم لرجال الإسناد من ذاكرته، ويوثق ويجرّح على حسب قراءته في كتب الأسانيد، وانظر إلى مدى الإحاطة بالعلم. ومن الشيوخ أيضاً الذين ينبغي أن تستمع إليهم في هذا المجال من علمائنا هناك في المملكة -لأن المدينة بها مجموعة من العلماء في العقيدة والحديث والفقه- الشيخ عطية محمد سالم رحمه الله، وكان من الشرقية من بلد تسمى المهدية، ثم رحل على قدميه إلى السعودية بعد أن اختلف مع أبيه، وظل يطلب العلم حتى حصل على الوسائل العلمية وأصبح قاضياً شرعياً في المدينة رحمه الله تعالى، قد شرح الموطأ ذهاباً وإياباً أكثر من مرة، وهو حجة في الفقه المالكي. عموماً لا بد لطالب العلم في هذا الزمن أن يجلس ليتعلم على أيديهم؛ لأنه كما قيل قديماً: من لم يرحل إلى بغداد يعتبر مذمة فيه؛ لأن بغداد كانت قبلة العلماء، فكانت تعج بعلماء الأمة كـ ابن حنبل وابن الجوزي وابن أبي الدنيا والخرائطي والحافظ البغدادي، وحدث ولا حرج عن المفسرين والمحدثين، فمن لم يكن يرحل إليها يعتبر مذمة في طلبه للعلم، كذلك من لم يرحل إلى المدينة أو مكة ليسمع العلم الحقيقي من أهلها والعلم الذي عليه نور العلم السلفي، فهؤلاء هم علماء الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، فضلاً عن الدراسة المنهجية، فالحمد لله رب العالمين، درسنا في جامعة الأزهر، ثم الآن في دار العلوم، ونسأل الله أن يوفقنا جميعاً لما يحب ويرضى، وأساتذتي في دار العلوم جزاهم الله خيراً، فإن فيهم العلماء كالدكتور عبد الحميد مدكور الذي هو في علمه أمة، وهكذا الدكتور مصطفى حلمي في العقيدة وغيرهم من نماذج يحتذى بها في طلبها للعلم. أسأل الله سبحانه أن يوفق الجميع، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا.

العدة شرح العمدة [46]

العدة شرح العمدة [46] من أتى محظوراً من محظورات الإحرام فعليه كفارة حسب المحظور الذي أتاه، ومن تكرر منه المحظور قبل الكفارة فكان من جنس واحد أجزأته كفارة واحدة غير قتل الصيد فإن في كل واحد كفارة، وقتل الصيد والجماع يستوي في وجوب كفارته العمد والسهو، أما سائر المحظورات فلا شيء عليه إذا سها.

أحكام الإحصار والفوات

أحكام الإحصار والفوات الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين، ثم أما بعد. فلا زلنا مع باب الفدية في كتاب الحج والعمرة من كتاب العدة شرح العمدة للإمام موفق الدين بن قدامة المقدسي الحنبلي رحمه الله تعالى. كنا قد تحدثنا عن محظورات الإحرام وعن الفدية، وذكرنا بأن محظورات الإحرام تسعة وهي: 1 - حلق الرأس. 2 - تقليم الأظافر. 3 - الطيب في بدنه أو ثوبه. 4 - لبس المخيط. 5 - تغطية الرأس والأذنان منه. 6 - قتل الصيد البري الوحشي المباح. 7 - الوطء والمباشرة بدون جماع. 8 - عقد النكاح لنفسه أو لغيره. 9 - الوطء في الفرج. هذه محظورات تسعة، وكل محظور له فديته، ونحن الآن نتحدث عن المسألة التي قال عنها المؤلف: (وفدية الجماع بدنة) فلو أن رجلاً جامع زوجته وهو محرم قبل التحلل الأصغر يلزمه أربعة أشياء: 1 - أن يتم النسك. 2 - أن يقضي من قادم. 3 - عليه بدنة، وحجه فاسد. 4 - إذا لم يستطع أن يذبح بدنة فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع. ثم قال المؤلف: [وكذلك الحكم في دم الفوات] الفوات هو: أن يفوته الحج ليس بسبب الإحصار، فكل إحصار فوات، وليس كل فوات إحصاراً، فما هو الإحصار وما هو الفوات؟ الإحصار شيء يمنعه من أداء النسك كعدو، أو يحول بينه وبين دخول مكة كشرطة ترحله {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196]، فالذي حال بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أداء العمرة المشركون في صلح الحديبية، وهذا إحصار؛ لأن الذي حال بينه وبين مكة عدو، أي: أن الإحصار هو أن أُمنع عن البيت رغم إرادتي. أما الفوات: فهو أن يفوتني الحج لمرض، فهنا فوات وليس إحصاراً، لأنه لم يمنعني أحد، وربما يفوتني الحج لنوم في منى ولم أستيقظ إلا في يوم النحر، أي: أن عرفة فاتتني، وربما يفوتني ركن من أركان الحج ولا أستطيع أن أحصّله، فهذا يسمى فواتاً، فكل إحصار فوات، وليس كل فوات إحصاراً. قال: [وكذلك الحكم في دم الفوات] بمعنى أن من فاته الحج فعليه دم، فإن لم يستطيع {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة:196] قال: [لأن عمر رضي الله عنه قال لـ هبار بن الأسود لما فاته الحج: إذا كان عام قابل فحج، فإن وجدت سعة فاهد، فإن لم تجد فصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعت إن شاء الله]. فلو أن رجلاً لبى بحج وأدى المناسك، ثم نام في منى في ليلة التاسع من ذي الحجة، وظل نائماً إلى يوم النحر، فهنا فاته الحج؛ لأنه فاته ركن، فنقول له: اهد -أي اذبح- وإن لم تستطع فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعت، وعليك القضاء من قادم. قال: [وعنه] أي رواية أخرى عن أحمد [لا هدي عليه] والصواب أن عليه الهدي [والأول أصح لأنه قول عمر وجماعة من الصحابة، وعنه: لا قضاء عليه إن كانت نفلاً] والراجح أن عليه القضاء؛ لأن الله قال: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:196] والمعنى: إذا بدأتم في نسكها فلا بد أن تتموها، فعليه القضاء من قابل. هذا الراجح من أقوال العلماء. إذاً: الفوات هو من فاته الحج أو ركن من أركان الحج لا بسبب الإحصار، إنما بسبب النوم أو بسبب عذر، فنقول له: عليك الهدي، والهدي هو أن يذبح شاة، ثم تتم النسك وتقضي من قابل. [والمحصر يلزمه دم] والمحصر هو الذي حبسه حابس عن دخول مكة، إلا إذا اشترط كما في حديث ضباعة بنت الزبير حيث قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (حجي واشترطي: فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني) فإن لم أشترط عند الإحرام فإن أحصرت فيلزمني دم في المكان الذي أحصرت فيه سواء في الحرم أو الحل؛ فإن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حينما توجهوا إلى مكة ومنعهم المشركون من دخولها، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يتحللوا وأن يذبحوا، وقال عمر: علام نقبل الدنية في ديننا؟ فتحلل النبي صلى الله عليه وسلم وذبح، يقول تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196]، فإن لم يجد المحصر دماً فعليه صيام عشرة أيام، ولا تقل: صيام ثلاثة أيام في الحج؛ لأنه لم يدخل مكة، فهو أحصر، فعليه صيام عشرة أيام. [وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه يوم حصروا في الحديبية أن ينحروا، ويحلقوا، ويحلوا؛ فإن لم يجد صام عشرة أيام. رواه البخاري؛ لأنه دم واجب للإحرام، فكان له بدل ينتقل إليه كدم المتمتع والطيب واللباس]. شأنه شأن أي دم. فلو أن رجلاً أحرم من جدة لأداء مناسك الحج، وبينما هو في الطريق إلى مكة تم القبض عليه لعدم الحصول على تصريح الحج، وتم ترحيله ورد إلى جدة مرة ثانية، فما هو الواجب عليه؟ إن اشت

حكم المحظور إن تكرر

حكم المحظور إن تكرر قال: [ومن كرر محظوراً من جنس غير قتل الصيد فكفارة واحدة] المعنى: أن محظورات الإحرام إما أن تكون متجانسة وإما أن تكون مختلفة، كأن يكون تطيب ثم تطيب ثم تطيب، المحظورات هنا ثلاثة من جنس واحد، أو لبس المخيط ثم لبس المخيط ثم لبس المخيط، إما أن يرتكب محظوراً من جنس واحد، وإما أن يرتكب محظوراً من أجناس مختلفة كأن تطيب ولبس المخيط وحلق رأسه، فهنا ارتكب ثلاثة محظورات مختلفة، فإما أن تكون المحظورات متجانسة وإما أن تكون مختلفة. قال: [ومن كرر محظوراً من جنس غير قتل الصيد فكفارة واحدة] اصطاد نعامة، ثم اصطاد نعامة، عليه فديتان؛ لأن الصيد يلزمه فيه الضمان؛ لأن هذه النعامة تختلف عن النعامة الأخرى. قال: [وذلك مثل من حلق ثم حلق] حلق رأسه وهو محرم، ثم حلق وهو محرم، ارتكب محظوراً واحداً مرتين، لكن المحظور من جنس واحد. [أو لبس ثم لبس، أو تطيب ثم تطيب، فالحكم فيه كما لو فعل ذلك دفعة واحدة -أي: مرة واحدة- وتجزئه كفارة واحدة؛ لأنها تتداخل، فهي كالحدود والأيمان]. أي: أن هذه الحالة تشبه من حلف يميناً على شيء، ثم حلف عليه مرة أخرى وكرر الأيمان ثلاث أو أربع مرات على شيء واحد، فإن حنث فكفارتها كفارة واحدة؛ لأن اليمين حتى وإن تكرر فهو يتعلق بشيء واحد. قال: [فإن كفّر عن الأول قبل فعل الثاني سقط حكم ما كفّر عنه فصار كأنه لم يفعله، وثبت لما بعده حكم المنفرد]. أي أنه تطيب فكفّر عن هذا بذبح شاة. فمن تطيب وهو محرم فالفدية في حقه إحدى ثلاث على التخيير: إما أن يذبح شاة، وإما أن يصوم ثلاثة أيام، وإما أن يُطعم ستة مساكين. فلو أنه تطيب وفعل الفدية، ثم تطيب بعد أن كفّر، فلا نقول هنا الكفارة الأولى تجزئ عن الثانية، فإن كفّر عن الأولى يلزمه أن يكفّر عن الثانية. قال: [فإن كفّر عن الأول قبل فعل الثاني سقط حكم ما كفّر عنه، فصار كأنه لم يفعله، وثبت لما بعده حكم المنفرد، وهكذا لو كرر شيئاً من محظورات الإحرام التي لا يزيد الواجب فيها بزيادتها ولا يتقدر بقدرها، فأما ما يتقدر الواجب بقدره -وهو إتلاف الصيد- فإن في كل واحد منها له جزاؤه سواء فعل مجتمعاً أو متفرقاً، ولا يتداخل بحال ما لم يكفر عن الأول قبل فعل الثاني لما سبق]. وهذا هو الراجح من روايات الإمام أحمد. إذاً: من فعل محظوراً من جنس واحد لزمه كفارة واحدة، طالما لم يكفر عن الأول، لكن إن كفّر عن الأول فيلزمه كفارة عن الثاني إن عاد إلا الصيد، فإنه إن اصطاد ولم يفد، ثم اصطاد ولم يفد، يلزمه للأول فدية وللآخر فدية؛ لأن الصيد ضمانه ضمان أعيان. [وإن فعل محظوراً من أجناس -أي: أجناس مختلفة- وذلك مثل إن حلق، وقلّم، ولبس، وتطيب، ووطئ فعليه لكل واحد كفارة، وعنه: إن مس طيباً، ولبس، وحلق فكفارة]. عن أحمد روايتان، لكن الراجح إن فعل محظورات مختلفة فعليه لكل محظور كفارة، فإن تطيب، ولبس المخيط، وحلق الشعر فعليه ثلاث كفارات، فإذا حلق وتطيب ولبس المخيط ووطئ عليه أربع كفارات، وهكذا إن تعددت المحظورات طالما كانت من أجناس مختلفة يلزمه عن كل محظور فدية. ثم قال: [والحلق، والتقليم، والوطء، وقتل الصيد يستوي عمده وسهوه]. وهذه مسألة مهمة في محظورات الإحرام، فمثلاً محرم نسي وجامع، أو لبس غطاء على رأسه، أو تطيب ما حكمه؟ انظر إلى المحظور، هل يستطيع رده أم لا يستطيع؟ الطاقية التي لبسها هل يستطيع أن يزيلها؟ شعر الرأس إن حلقه هل يستطيع أن يرده؟ أما العامد فلا فصال فيه وحكمه معروف، إنما الكلام في الناسي، فننظر إلى المحظور الذي ارتكبه؛ فإن استطاع أن يرده ويتخلص منه فلا شيء عليه، وإن لم يستطع فعليه الفدية، فهناك فرق بين المحظورين: إذا استطاع أن يرد، وإن لم يستطيع. فالطيب يستطيع إزالته بمسحه أو بغسله بالماء؛ لأن المحرم الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم وعليه أثر الطيب أمره أن يزيل الطيب ولا شيء عليه؛ لأنه أخطأ ولا يعرف الحكم. إذاً: من قتل صيداً وهو ساه هل يستطيع أن يرد الصيد وقد قتله؟ طالما لا يستطيع يكون الساهي كالعامد، فإن استطاع فلا شيء عليه. وهنا نقول: رجل قلّم أظافره وهو محرم ناس، ما حكمه؟ ليس عليه شيء، وإذا لبس المخيط وهو ساه فليس عليه شيء. إذاً: الساهي حكمه يختلف، إن استطاع أن يزيله فلا شيء عليه، وإن لم يستطع فعليه فدية سواء كان عامداً أو ساهياً.

ما يسقط من كفارات الحج والعمرة بالسهو وما لا يسقط

ما يسقط من كفارات الحج والعمرة بالسهو وما لا يسقط قال: [والوطء وقتل الصيد يستوي عمده وسهوه -يعني: في وجوب الضمان- لأنه ضمان إتلاف، فاستوى عمده وخطؤه كمال الآدمي]. كذلك قال: [وسائر المحظورات لا شيء في سهوه]. أي الطيب، لبس المخيط، تغطية الرأس، لا شيء في سهوه. [قال أحمد رحمه الله: قال سفيان: ثلاثة في الحج العمد والنسيان سواء: إذا أتى أهله، وإذا أصاب صيداً، وإذا حلق رأسه]. ويقاس على حلق الرأس تقليم الأظافر؛ لأنه لا يستطيع أن يرد الشعر ولا الأظافر. [قال أحمد: إذا جامع أهله بطل حجه؛ لأنه شيء لا يقدر على رده]، والشعر إذا حلقه فقد ذهب لا يقدر على رده، والصيد إذا قتله فقد ذهب لا يقدر على رده فهذه الثلاث: العمد، والخطأ، والنسيان فيها سواء، وكل شيء من النسيان بعد هذه الثلاث فهو يقدر على رده. مثلاً: إذا غطى المحرم رأسه، ثم ذكر فألقى الغطاء عن رأسه، فليس عليه شيء، أو لبس خفاً ثم نزعه، فليس عليه شيء. [وعنه: أن الفدية تلزم الجميع]. والراجح الأول؛ لقوله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286]. ما الفرق بين من يقدر ومن لا يقدر؟ نقول: طالما يقدر على أن يرد الشيء نلزمه بفعله، تماماً كرجل صلى صلاة الظهر ثم تبيّن بعد الصلاة أنه صلى بثوب نجس، فنقول له: طالما لم يخرج الوقت أعد الصلاة، وإن خرج الوقت فلا إعادة عليه، وطالما يستطيع أن يحصل في الوقت فنأمره بالتحصيل. ولذلك قال: [يستوي عمده وسهوه في ثلاثة أشياء].

مواضع الإتيان بالهدي والفدية ولمن تكون

مواضع الإتيان بالهدي والفدية ولمن تكون قال: [وكل هدي أو إطعام فهو لمساكين الحرم]. إذاً: فالهدي والفدية لمساكين الحرم، إلا المعسر الذي يذبح في مكانه سواء من حل أو حرم، إما لأنه أُحصر في عرفة، أو الحديبية، أو منى، فالمحصر يذبح في حله أو حرمه حيث أُحصر، أما الهدي فلا بد أن يذبحه في الحرم، وليس المقصود بالحرم هو المسجد الحرام وإنما حدود مكة، والفدية كذلك لا بد أن تذبح في الحرم، لكن هناك فرق بين الهدي والفدية، أولاً: الفدية لا يأكل منها، والهدي يأكل منه. ثانياً: الهدي آخره آخر أيام التشريق بعد غروب شمس اليوم الرابع، والفدية تمتد إلى حيث استطاع، وربما ارتكبت محظوراً من محظورات الإحرام وأستطيع الذبح، وأريد أن أذبح ولكن ليس معي نقود في الحرم، فيمكنني أن أرسلها وأنا في مصر لتذبح بعد ذي الحجة ولا شيء علي. ثالثاً: أن كلاهما يجزئ في الأضحية، وتنطبق عليها شروط الأضحية، فلا يكون الهدي ولا الفدية عوراء ولا عرجاء ولا غير ذلك؛ لأن هذا لا يجزئ في الأضاحي، ولا يجزئ من الضأن إلا ما له ستة أشهر، ومن الماعز ما له سنة، ومن البقر ما له سنتان، ومن الإبل ما له خمس سنوات، إنما الفرق بينهما أن الهدي يأكل منه والفدية لا يأكل منها. كذلك لو أن رجلاً عليه كفارة يمين فعليه إطعام عشرة مساكين، ولا يأكل منها، والهدي حكمه حكم الأضحية، وكذلك النذر لا يأكل منه؛ لأن النذر ينبغي أن يكون لله تعالى، وهذا ما سنتحدث عنه في الباب الأخير من النذر والأضحية. قال: [وكل هدي أو إطعام فهو لمساكين الحرم؛ لقوله تعالى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج:33] والطعام كالهدي في اختصاصه بمساكين الحرم؛ لقول ابن عباس: الهدي والطعام بمكة، والصوم حيث شاء، ولأنه طعام يتعلق بالإحرام فأشبه لحم الهدي]. فالإطعام هو لستة مساكين من مساكين الحرم، والذبح يكون في الحرم، أما الصيام فحيث شاء. أما الطيب فحكمه إن كان ناسياً أنه لا شيء عليه، ولكن عليه أن يزيل أثر الطيب؛ لأنه يقدر على رده، وإن كان عامداً فهو بالتخيير: إما أن يذبح شاة، وإما أن يصوم ثلاثة أيام، وإما أن يُطعم ستة مساكين. فإن اختار ذبح الشاة فيذبحها في الحرم، وليس لها موعد فيذبحها متى شاء؛ لأنها فدية، وليس له أن يأكل منها، وإن اختار الإطعام فيطعم ستة من مساكين الحرم، وإن اختار الصيام فيصوم حيث شاء؛ لقول ابن عباس: (الدم والطعام بمكة، والصوم حيث شاء). قال: [ومساكين الحرم من كان فيه سواء كان من أهله أو وارداً إليه كالحاج وغيره]. ومساكين الحرم هم كل من كان في الحرم سواء كان من أهله أو وارداً عليه، وينطبق عليه ما ينطبق على مصارف الزكاة الثمانية في سورة التوبة. قال: [وهم الذين يجوز دفع الزكاة إليهم]. أي: المساكين الذين يجوز دفع الزكاة إليهم. [إلا فدية الأذى فإنه يفرقها في الموضع الذي حلق فيه. نص عليه] فدية الأذى وفدية الإحصار. لماذا استثنينا أذى الرأس والإحصار؟ [لحديث كعب بن عجرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر كعب بن عجرة بالفدية في الحديبية ولم يأمره ببعثه إلى الحرم]. كعب بن عجرة كان يشكو من تساقط القمل من رأسه، والقمل مرض جلدي يصيب جلدة الرأس فيحتاج معه إلى إزالة الشعر، وكعب بن عجرة قال: (يا رسول الله! إني أشكو من وجع في رأسي، فأمره بإماطة الشعر وأن يفدي في مكانه) هل ذبح كعب بن عجرة في الحرم أم خارج الحرم؟ خارج الحرم. وعلى هذا يقول أحمد والدليل معه: استثنينا فدية الأذى وفدية الإحصار، أما فدية الأذى فمستثناة بحديث كعب بن عجرة، وأما فدية الإحصار فمستثناة بفعل النبي عليه الصلاة والسلام. قال: [وهدي المحصر ينحره في موضعه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه نحروا هداياهم بالحديبية] والحديبية خارج مكة من الحل وليست حرماً، وعلى هذا يستثنى من الذبح في الحرم الأذى والحصار. قال: [وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر هديه عند الشجرة التي كانت تحتها بيعة الرضوان] {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح:18] وعمر بن الخطاب هو الذي أزال هذه الشجرة من جذورها؛ لأنه رأى أن البعض ربما تبركوا بها؛ لأن تحتها تمت البيعة، فاجتزها من جذورها سداً لذريعة الشرك، وعندنا في الشرقية شجرة يرحل الناس إليها، وهناك (مضخة للماء) والتي تريد أن تحمل تشرب من مائها وتغتسل منه أسأل الله أن يزيلها، وهذا كله شرك نسأل الله العافية. ولو أن الأمر بيد أصحاب التوحيد لهدمت هذه الأماكن التي يشرك فيها مع الله عز وجل، واندثرت هذه القباب العالية التي يُذبح عندها، ويُطلب منها المدد. ومن اللطائف: أن رجلاً قال: إني نذرت للبدوي شاة إن شفيت ابنتي، فجاءتها حمى فماتت -إنا لله وإنا إليه راجعون- فنزل هذا الرجل يخ

الأسئلة

الأسئلة

حكم شعر اللحية المتساقط

حكم شعر اللحية المتساقط Q محرم يهذّب اللحية فوقع شيء من شعره، هل عليه شيء؟ A ليس عليه شيء، إذا لم يتعمد فعل ذلك.

حكم تكرار العمرة من التنعيم

حكم تكرار العمرة من التنعيم Q ما حكم تكرار العمرة من التنعيم؟ A بالنسبة لتكرار العمرة من التنعيم فمختلف فيها، والراجح فيها عدم الجواز.

حكم العمل في المقاهي

حكم العمل في المقاهي Q رجل يعمل في المقهى ما حكم عمله؟ A نقول: ما طبيعة المقهى؟ إن كانت القهوة تقدم شاياً وقهوة وغير ذلك فلا بأس، وإن كانت تقدم شيشة ولعب طاولة فعمله حرام، ينظر أولاً إلى طبيعة المقهى هل يعمل في الحلال أم في الحرام.

حكم التحلل بقص جزء صغير من الشعر

حكم التحلل بقص جزء صغير من الشعر Q هل يصح عند التحلل من الإحرام قص جزء صغير من شعر الرأس أم قص عموم الشعر؟ A الصواب أن تعم الشعر بالتقصير، حتى أن بعض العلماء قالوا: إن من قص بعض الشعر لم يتحلل، أي: أنه ارتكب محظوراً يحاسب عليه؛ لأن حلق بعض الرأس ليس من السنة أبداً.

العدة شرح العمدة [47]

العدة شرح العمدة [47] الطواف بالبيت العتيق ركن من أركان الحج والعمرة، إلا أنه يكون طواف قدوم في العمرة أما في الحج فطواف الركن هو الإفاضة، ويشرع للطائف بالبيت استلام الحجر الأسود، فإن لم يستطع اكتفى بالإشارة إليه مع التكبير، كما يشرع له أن يرمل في الثلاثة الأشواط الأول ويمشي في الأربعة الباقية.

استحباب دخول مكة من أعلاها

استحباب دخول مكة من أعلاها الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فلا زلنا مع كتاب: (العدة شرح العمدة) للإمام موفق الدين بن قدامة المقدسي الحنبلي رحمه الله تعالى، ومع شرح كتاب الحج والعمرة، باب: (دخول مكة). قال رحمه الله: [يستحب أن يدخل من أعلاها؛ لما روى ابن عمر: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة من الثنية العليا التي بالبطحاء، وخرج من الثنية السفلى)، وروت عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء مكة دخل من أعلاها، وخرج من أسفلها)، متفق عليه]. إن هذا الكلام يحتاج إلى تحقيق، بمعنى: هل دخول النبي صلى الله عليه وسلم مكة كان على سبيل السنة، أم أن دخوله كان من العادات، وهناك رسالة ماجستير للأخ الفاضل محمد سليمان الأشقر -على ما أذكر- تحمل هذا العنوان: (أفعال النبي صلى الله عليه وسلم وعلاقتها بالتشريع)، فمن أفعاله ما يعد تشريعاً، ومن أفعاله ما يعد عادة. وهب أنه ركب هنا دابة، فهل المستحب أن نركب في هذا المكان دابة؟ وهذه الرسالة موجودة، وإن شاء الله سبحانه وتعالى سنحاول أن نقف على بعض عناصرها.

دخول المسجد من باب بني شيبة

دخول المسجد من باب بني شيبة قال: [ويدخل المسجد من باب بني شيبة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل منه]، أي: هل يستحب لمن دخل المسجد الحرام أن يدخل من باب بني شيبة، لأن النبي عليه الصلاة والسلام دخل منه، ومعلوم أن المسجد الحرام له أكثر من باب: باب السلام، وباب العمرة، وباب الملك فهد، وباب الملك عبد العزيز، إلى غير ذلك من الأبواب. قال: [وفي حديث جابر الذي رواه مسلم وغيره: (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة عند ارتفاع الضحى، فأناخ راحلته عند باب بني شيبة ودخل المسجد)]. أيضاً هل نستطيع أن نقول: إن من أراد أن يدخل مكة فليدخلها في الضحى، أم أن النبي عليه الصلاة والسلام قد وافق الضحى عند دخوله مكة؟ إن من أفعال النبي صلى الله عليه وسلم ما يعد تشريعاً، ومنها ما يعد عادة، فإذا ندب النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه إلى فعل معين فهو للاستحباب، ثم هل الصحابة والسلف كانوا يدخلون مكة من أعلاها، ويدخلون المسجد الحرام من باب بني شيبة، تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم؟ إن الضابط أن يفعله الصحابة على أنه سنة؛ لأنهم يتأسون بالنبي عليه الصلاة والسلام، ثم يُنظر في هذا الفعل، هل كان هذا الفعل على سبيل الاستحباب فعلاً، أم لا؟ فإن كان على سبيل الاستحباب فهو مستحب، وإن كان عادة فهو العاديات التي لا يُستحب للإنسان الإتيان بها، كحادثة تأبير النخل لما نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ثم قال: (أنتم أعلم بأمور دنياكم)، أي أن هذا ليس على سبيل التشريع.

ما يفعله الحاج عند رؤيته للبيت

ما يفعله الحاج عند رؤيته للبيت قال: (فإذا رأى البيت رفع يديه وكبر الله وحمده ودعا، وروي رفع اليدين عند رؤية البيت عن ابن عمر وابن عباس)، أي: أن رفع اليدين، وقول: الله أكبر الحمد لله، ثم الدعاء، من فعل ابن عباس وابن عمر له حكم الرفع؛ لأنه لا يمكن أن نتصور أن الصحابي يأتي بعبادة من عند نفسه، بل قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ففعله، ولذا فأقوال الصحابة وأفعالهم في الأمور التعبدية لها حكم الرفع، وكذلك في الأمور العقدية المرتبطة بالعقيدة. قال: [وروى أبو بكر بن المنذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن: افتتاح الصلاة) يعني: عند تكبيرة الإحرام (واستقبال البيت، وعلى الصفا والمروة) فيستحب بعد أن يرتقي جبل الصفا أو المروة أن يرفع يديه ويدعو الله عز وجل (وعلى الموقفين، والجمرتين)]، والموقفان: عرفة، ومزدلفة؛ لحديث أسامة بن زيد: (رفع يده -يوم عرفة- حتى سقط خطام الدابة من يده)، وكذلك فعل عليه الصلاة والسلام في مزدلفة. والجمرتان: الجمرة الصغرى، والجمرة الوسطى، فيرمي الجمرة الصغرى بسبع حصيات، ويكبر بعد كل حصاة، ثم يقف مستقبل الكعبة ويدعو، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يدعو بمقدار قراءة سورة البقرة، وكذلك يفعل في الجمرة الوسطى والكبرى، لكن لا يقف يدعو بعد رمي الجمرة الكبرى، وهذا ما سنوضحه إن شاء الله في بيان صفة الحج والعمرة. قال: (ولأن الدعاء يستحب عند رؤية البيت؛ فقد أمر برفع اليدين عند الدعاء، ويستحب أن يدعو فيقول: (اللهم أنت السلام ومنك السلام، حينا ربنا بالسلام، اللهم زد هذا البيت تعظيماً وتشريفاً وتكريماً ومهابة وبراً، وزد من عظمه وشرفه ممن حجه واعتمره تعظيماً وتشريفاً وتكريماً ومهابة وبراً، الحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً كما هو أهله، وكما ينبغي لكريم وجهه وعز جلاله، الحمد لله الذي بلغني بيته، ورآني لذلك أهلاً، والحمد لله على كل حال، اللهم إنك دعوت إلى حج بيتك الحرام، وقد جئتك لذلك؛ اللهم تقبل مني واعف عني، وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت)، ذكر هذا الدعاء أبو بكر الأثرم، وبعضه مروي عن سعيد بن المسيب، وهو يليق بالمكان فذكرناه). وسعيد بن المسيب كما هو معروف من كبار التابعين، ومراسيله يؤخذ بها؛ لأنه أخذها عن الصحابة، ولذلك فمراسيل التابعين الكبار، كمراسيل سعيد بن المسيب حينما يأخذونها عن الصحابة لها حكم الرفع، وأصل الدعاء هنا مشروع، فيدعو المسلم بما شاء، وهذا الدعاء الذي أورده المصنف هو على سبيل الاستئناس.

الابتداء بطواف العمرة لمن كان معتمرا، وبطواف القدوم لمن كان مفردا أو قارنا

الابتداء بطواف العمرة لمن كان معتمراً، وبطواف القدوم لمن كان مفرداً أو قارناً قال: [ثم يبتدئ بطواف العمرة إن كان معتمراً]، وهذا بالنسبة للحاج المتمتع. [أو بطواف القدوم إن كان مفرداً أو قارناً]، والفرق بينهما: أن طواف القدوم سنة، لا حرج على من تركه، بينما طواف العمرة ركن من أركان العمرة، إن تركه بطلت العمرة. كذلك يسن في طواف القدوم وطواف العمرة الاضطباع والرمل، وليس هناك اضطباع ولا رمل إلا في طواف القدوم وطواف العمرة، والاضطباع: أن يكشف كتفه الأيمن في حال الطواف، والرمل: أن يقارب بين الخطا في الأشواط الثلاثة الأولى، ولذا قال المصنف رحمه الله تعالى: [فيضطبع بردائه فيجعل وسطه تحت عاتقه الأيمن، وطرفيه على الأيسر، وتبقى كتفه اليمنى مكشوفة، وهو مستحب في طواف القدوم؛ لما روى أبو داود وابن ماجه عن يعلى بن أمية: (أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة، فرملوا بالبيت، وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم، وقذفوها على عواتقهم اليسرى)]، قال بعض العلماء: إن الرمل كان لعلة، وهي: أن المشركين قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد أصابتهم حمى المدينة، فرملوا ليروهم القوة، هذا الكلام في الحقيقة محل نظر؛ لأن الصحابة بعد ذلك كانوا يرملون في العصور المتتابعة، والرمل والاضطباع للرجال دون النساء.

استلام الحجر الأسود وتقبيله

استلام الحجر الأسود وتقبيله قال: [ويبدأ بالحجر الأسود فيستلمه]، يعني: يستلم الحجر الأسود ويبدأ الطواف من عنده، [وهو أن يمسحه بيده ويقبله، قال أسلم: (رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل الحجر وقال: إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك)، متفق عليه. وروى ابن ماجه عن ابن عمر قال: (استقبل النبي صلى الله عليه وسلم الحجر، ثم وضع شفتيه عليه)]، أي: لم يضع يديه ثم قبله، وإنما قبله مباشرة عليه الصلاة والسلام. قال: (يبكي طويلاً، فإذا هو بـ عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا عمر! هاهنا تسكب العبرات)]، أي: الدموع، وإن تعسر عليه استلام الحجر الأسود، فله أن يشير إليه بيده اليمنى ويقول: باسم الله والله أكبر، ثم يطوف، وليس معنى ذلك: أن يؤذي الناس بغرض تقبيل الحجر، لا، فإن إيذاء المسلمين حرام، وتقبيل الحجر سنة؛ فلا يرتكب حراماً لأجل سنة. قال: [ويقول عند استلامه: باسم الله والله أكبر، اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم].

صفة الطواف بالبيت العتيق

صفة الطواف بالبيت العتيق قال: [ثم يأخذ عن يمينه ويجعل البيت عن يساره]، أي: يبدأ بالطواف من الحجر الأسود، ويجعل الكعبة عن يساره.

الرمل ثلاثا والمشي أربعا في الطواف

الرمل ثلاثاً والمشي أربعاً في الطواف قال: [فيطوف سبعاً يرمل في الثلاثة الأول من الحجر إلى الحجر، ويمشي في الأربعة الأخر، ومعنى الرمل: إسراع المشي مع مقاربة الخطا من غير وثب، وهو سنة في الأشواط الثلاثة الأول من طواف القدوم، لا نعلم في ذلك خلافاً بين أهل العلم]، وقد يقول قائل: لم يقل: من طواف القدوم وطواف العمرة أيضاً؛ لأن طواف العمرة أولاً طواف بالبيت، كذلك: أن قوله: (طواف القدوم)، يشمل طواف العمرة وطواف القدوم للقارن وللمفرد على السواء. ثم قال: [وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم رمل ثلاثاً ومشى أربعاً، رواه جابر وابن عباس وابن عمر في أحاديث متفق عليها، وحديث جابر من أفراد مسلم]، أي: أن حجة الوداع للنبي صلى الله عليه وسلم انفرد بها جابر بن عبد الله، وقد رواها الإمام مسلم في صحيحه، وهي أفضل ما روي في حجة الوداع؛ لأن جابراً قد تعقب حج النبي صلى الله عليه وسلم من لحظة خروجه إلى حين عودته.

سبب الرمل

سبب الرمل قال: [وسبب الرمل فيما روى ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم مكة فقال المشركون: إن محمداً وأصحابه لا يستطيعون أن يطوفوا بالبيت من الهزال، وكانوا يحسدونه -أي: هذا ادعاء- قال: فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرملوا ثلاثاً ويمشوا أربعاً) رواه مسلم]، لذا أراد بعض العلماء أن يجعل الرمل لعلة، وعندما تزول العلة يسقط الحكم؛ لأن الحكم يدور مع العلة وجوداً وعدماًَ، وهذا كلام غير صحيح؛ لأن الثابت من فعل الصحابة بعد ذلك أنهم حافظوا على مثل هذه السنة، ومثله: الالتفات يميناً ويساراً عند الأذان، سواء سمع من على يمينه أو لم يسمع، فلا يأت أحد فيقول: إن الالتفات يميناً ويساراً شرع حتى يسمع من في يمين ويسار المؤذن، لا، لأن الأمر بذلك سنة، ولأنه ربما قد تكون هناك علة أخرى لا نعرفها، ولذا قال المصنف: [فإن قيل: أليس الحكم إذا تعلق بعلة زال بزوالها؟ ف A أن النبي صلى الله عليه وسلم قد رمل واضطبع في حجة الوداع بعد الفتح، ثبت أنها سنة ثابتة. وقال ابن عباس: (رمل النبي في عمرته كلها وفي حجه، وأبو بكر وعمر وعثمان والخلفاء من بعدهم)]. وفي المقابل: سن عثمان لنداء الجمعة الأول، وذلك بعد اتساع الرقعة الإسلامية، لكن بعد معرفة الأوقات بأكثر من طريقة، ووجود مكبرات الصوت، فقد زالت العلة، وبزوالها زال فعل عثمان رضي الله عنه، ولذا إذا أراد المسلم أن يطبق سنة عثمان فلا بأس، لكن يؤذن قبل الجمعة بنصف ساعة تقريباً، لأن الأذان الأول إعلام باقتراب دخول الوقت، لا أن يؤذن الأذان الأول في وقت الصلاة، ثم يؤذن الأذان الثاني والإمام على المنبر، فهذه بدعة ومخالفة لسنة عثمان التي يحتذي بها، ومثله: الأذان الأول في الفجر؛ لينبه النائم وليغتسل الجنب قبل دخول الوقت الحقيقي للفجر. وكذلك: ما أورده البخاري رحمه الله تعالى في كتاب التيمم من حديث سيدنا عمر رضي الله عنه: لما نزل النبي صلى الله عليه وسلم وادياً مع أصحابه، فأرادوا أن يناموا، فقال: من يقوم على إيقاظنا في الفجر؟ فقال بلال: أنا يا رسول الله! فقام سيدنا بلال يحرسهم لأجل أن ينبههم لصلاة الفجر، فنام بلال -لأنهم نزلوا بواد بعد طول تعب وسهر وعناء- والنبي صلى الله عليه وسلم والصحابة حتى ارتفعت الشمس، فاستيقظ الصحابة على حرارتها، يقول عمر: فكنت ثالث القوم -وكان النبي صلى الله عليه وسلم ما زال نائماً- وكنا نكره أن نوقظه؛ لعله يوحى إليه، فأخذ عمر يكبر بصوت مرتفع فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم، فعاتب بلالاً، فقال: بلال: أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك يا رسول الله! وفي الحديث فوائد كثيرة جداً، منها: مشروعية إيقاظ النائم بالتكبير، ومشروعية النداء بعد خروج الوقت، وصلاة النافلة بعد خروج الوقت، وصلاة الجماعة بعد خروج الوقت، والصلاة الفائتة تقضى على صفتها، بمعنى: أنه إذا نام عن العشاء إلى الفجر، صلى الفجر أولاً، ثم صلى العشاء جهراً؛ لأن القضاء على صفة الفرض، وإن ضاق الوقت لقضاء الفائتة سقط الترتيب للمشقة والعجز، كمن قام من النوم والناس يصلون الفجر ولم يصل العشاء بعد، فليصل الفجر مع الجماعة أولاً، ثم يصلي العشاء، ويسقط الترتيب للعجز. ومثله: من فاته قيام الليل قضاه جهراً؛ لحديث مسلم: (من نام عن حزبه أو نسيه؛ فليصله من بعد طلوع الفجر إلى الظهر)، ولذلك يرى الشيخ ابن عثيمين: أن من فاته الوتر في الليل قضاه شفعاً، فإن كان يصلي الوتر ثلاث ركعات، قضاه بعد الفجر أربعاً، بزيادة ركعة عن ركعات الوتر المعتادة، والدليل ما روت عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نام عن صلاة الليل صلى بالنهار ثنتي عشرة ركعة).

ما يفعله الحاج عندما يحاذي الركن اليماني والحجر

ما يفعله الحاج عندما يحاذي الركن اليماني والحجر قال: [وكلما حاذى الركن اليماني والحجر استلمهما وكبر وهلل]، فالركن اليماني يستلم ولا يشار إليه، بينما الحجر الأسود يستلم ويشار إليه، بل ويقبل أيضاً إن استطاع، وهذه سنة لا ينبغي للإنسان الإصرار عليها مع الزحام الشديد، وبعض النساء قد تزاحم الرجال لأجل تقبيل الحجر، وهذا أمر لا ينبغي ولا يجوز. قال: [لأن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر الأسود في طوافه)، قال نافع: وكان ابن عمر يفعله، رواه أبو داود]، ونافع هو مولى ابن عمر، وعكرمة مولى ابن عباس، والسلسلة الذهبية هي مالك عن نافع عن ابن عمر. قال: [وروى البخاري عن ابن عباس قال: (طاف النبي صلى الله عليه وسلم على بعير، كلما أتى الركن أشار إليه وكبر)]، وفيه جواز أن يطوف المسلم على بعير، وأن يدخل المسلم ببعيره إلى المسجد، وقد بوب البخاري رحمه الله تعالى باباً سماه: باب: (دخول البعير إلى المسجد)، واستدل بهذا الحديث، لكن المسجد في تلك الأيام كان مفروشاً بالتراب أو بالحصباء، أما الآن فلا يمكن أن يدخل المسلم ببعيره إلى أي مسجد، ثم يستدل بحديث البخاري! ومثله: جواز الطواف بالعربة للحاجة، كأن يكون الإنسان عاجزاً عن الطواف راكباً، وبعض الناس استحب أن يطوف راكباً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكباً، لكن هل فعل النبي هنا للتشريع أم لأنه عجز عن الطواف راجلاً؟

ما يقوله الحاج بين الركنين

ما يقوله الحاج بين الركنين قال: [ويقول بين الركنين -الركن اليماني والحجر الأسود-: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201]؛ لما روى الإمام أحمد في المناسك عن عبد الله بن السائب: (أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول بين ركن بني جمح والركن الأسود: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201])]، والحديث وإن كان ضعيفاً إلا أن له شاهداً صحيحاً، فنذكره على سبيل الاستئناس، وقيل: الحديث حسن. قال: [وروى ابن ماجه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وكل به -يعني: الركن اليماني- سبعون ألف ملك، فمن قال: اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار؛ قالوا: آمين)]، هذا الحديث ضعيف، والمشروع أن يقول بين الركن اليماني وبين الحجر الأسود: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. قال: [ويدعو في سائره بما أحب]، أي: ليس هناك دعاء بصفة معينة حول الكعبة، لكن تجد أنه قد أُلِفت كتب كثيرة في الدعاء حول الكعبة، في الشوط الأول كذا، وفي الشوط الثاني كذا وهكذا، وتجد الناس يسيرون وهم يدعون دعاء جماعياً، ويرفعون أصواتهم بذلك، وهذا مخالف للسنة، والعجب أنهم يدعون دعاءً جماعياً باصطحاب المرشد الذي يقرأ لهم من الكتاب ويرددون خلفه، فتسمع العجائب من هذا المرشد، بل وأحياناً تسمعه يقرأ القرآن خطأً عند الطواف أو السعي بين الصفا والمروة، فلا ينبغي أبداً أن يكون هناك دعاء جماعي بهذه الطريقة، وكذلك النساء لا يجوز لهن رفع الصوت بالدعاء، وقد تجد بعض الناس يعقد الصفقات بالهاتف أثناء الطواف، وبعضهم يتحدثون في أمور الدنيا وشهواتها! وهذا إن دل فإنما يدل على أن الناس في غفلة، وأن القلوب لا زالت معلقة بالدنيا، وحدث ولا حرج عن المخالفات التي تحدث في الطواف والسعي. قال: [لما روي عن ابن عباس: أنه كان إذا جاء إلى الركن اليماني قال: اللهم قنعني بما رزقتني، واخلف لي على كل غائبة بخير ويستحب أن يقول: اللهم اجعله حجاً مبروراً، وسعياً مشكوراً، وذنباً مغفوراً، رب اغفر وارحم واعف عما تعلم، وأنت الأعز الأكرم، وكان عبد الرحمن بن عوف يقول: رب قني شح نفسي، وعن عروة قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون: لا إله إلا أنت، وأنت تحيينا بعد ما أمتنا، ويستحب الإكثار من ذلك. قالت عائشة رضي الله عنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله تعالى)، قال الترمذي: حديث حسن صحيح، رواه الأثرم وابن المنذر]، والحديث قد يكون ضعيفاً في نظر من حققه، بينما الترمذي هنا حسنه وصححه، وهذا كثير، فتجد من العلماء من يضعِّف الحديث، وتجد منهم من يصحح الحديث، فمثلاً: صلاة التسابيح صححها الشيخ الألباني رحمه الله تعالى، وابن الجوزي قال عنها: موضوعة، والراجح في صلاة التسابيح أن حديثها ضعيف لا شك في هذا، والشيخ ابن باز رحمه الله قال: حديثها منكر، وهي صلاة تشرع في العمر مرة واحدة، فمن العلماء من قال: إنها موضوعة، ومنهم من قال: هي صحيحة، وبعض الناس بارك الله فيهم يتمسكون برأي واحد في الحديث، فإذا ضعف الشيخ الألباني حديثاً رحمه الله يقولون: ضعيف، ولا يقرئون آراء حفاظ الأمة في الحديث، كـ ابن حجر وابن عساكر والسيوطي رحمهم الله تعالى، لذا ينبغي على المسلم أن يصغي إلى آراء العلماء وحكمهم على الحديث، ولا يكتفي بالحكم على الحديث من عالم واحد فقط، ثم له أن ينظر في الحكم عليه إن كان من أهل الصنعة، كما ينبغي على المسلم ألا يتسرع في الحكم على الحديث إذا رأى من ضعفه، لأنه ربما قد يكون صحيحاً من طرق أخرى، كـ الترمذي رحمه الله تعالى فهو يتساهل كثيراً في تصحيح الحديث.

حكم الطواف دون وضوء أو الإحداث أثناءه

حكم الطواف دون وضوء أو الإحداث أثناءه وهنا مسألة: ما حكم من أحدث وهو يطوف، هل يخرج ويتوضأ ثم يتم طوافه، أم يبدأ من جديد، أم ليس هناك وضوء على من طاف بالبيت؟ المسألة خلافية بين الفقهاء: جمهور الفقهاء الأربعة يرون أنه يشترط الوضوء للطواف بالبيت، ودليلهم: أن الطواف بالبيت صلاة، إلا أن الله أحل فيه الكلام؛ فجعلوا الطواف كالصلاة فيشترط فيه ما يشترط في الصلاة. وشيخ الإسلام ابن تيمية -بمفرده- يرى أنه لا يشترط الوضوء للطواف بالبيت، وقال: قياس الجمهور قياس مع الفارق من وجوه، ثم أخذ يسرد تلك الوجوه رحمه الله. والراجح هو قول جمهور الفقهاء الأربعة؛ لأن المسألة عليها أكثر من دليل. لكن لو أحدث وهو يطوف ثم توضأ، فهل يبني على ما سبق أم يبدأ الطواف من أوله؟ من العلماء من قال: يبني على ما سبق، واعتبر كل شوط عبادة مستقلة، ومنهم من قال: يبدأ من أوله؛ واعتبر السبعة الأشواط عبادة واحدة، وذلك كمن أحدث في الركعة الثالثة من الصلاة الرباعية فخرج وتوضأ، ثم عاد يصلي من أولها. والراجح: أنه يبني على ما سبق؛ لأن المشقة تجلب التيسير، ولا يمكن أن نقول له: استأنف، خاصة إذا كان قد أتى بخمسة أشواط أو ستة، فضلاً عن أن العلماء قالوا: إن من طاف شوطاً وأراد أن يستريح قليلاً لتعبه فله ذلك، ثم يطوف الشوط الثاني بعد قليل، بحيث لا يتسع الوقت بين الشوطين، فيكمل الطواف من حيث انتهى، لكن بإلغاء الشوط الذي كان فيه، والله تعالى أعلم.

العدة شرح العمدة [48]

العدة شرح العمدة [48] يسن لمن قضى الطواف حول البيت أن يصلي ركعتين خلف مقام إبراهيم، ثم يخرج إلى الصفا من بابه، والسعي سبعة أشواط يبدأ الشوط الأول بالصفا وينتهي السابع بالمروة وأثناء ذلك يهرول بين العلمين الأخضرين في كل شوط.

صلاة ركعتين خلف المقام

صلاة ركعتين خلف المقام الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فلا زلنا مع كتاب الحج والعمرة، باب: (دخول مكة). قال المصنف رحمه الله: [ثم يصلي ركعتين خلف المقام]، أي: بعد الانتهاء من طواف العمرة إن كان متمتعاً، أو طواف القدوم إن كان قارناً أو مفرداً، يصلي ركعتين خلف المقام؛ لقول ربنا سبحانه: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة:125]. وقصة مقام إبراهيم أخرجها الإمام البخاري في صحيحه من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن إبراهيم عليه السلام لما كلفه الله بأن يرفع قواعد البيت، وكلف ولده إسماعيل أن يعاونه، قام إبراهيم يبني وإسماعيل يساعده إلى أن بلغت الكعبة إلى طوله، فأتى له بحجر فقام عليه، وذلك ليرفع البناء، وفي هذا إشارة إلى أن العبد ينفذ أوامر الله ثم يزيد عليها فوق طاقته، كالنوافل والمستحبات، فلما قام إبراهيم عليه السلام على هذا الحجر أمرنا الله أن نتخذ هذا المقام مصلى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة:125]. وهذه من موافقات عمر للوحي، فقد قال رضي الله عنه: (يا رسول الله لو اتخدنا من مقام إبراهيم مصلى، فأنزل الله: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة:125]) ومعنى المقام: أن تصلي فتجعل المقام بينك وبين الكعبة. وشيخنا ابن باز له فتوى وهي: أن الحرم كله مقام في حال الزحام، فلا يشترط أن تصلي إلى المقام مباشرة، فلو صليت في الطابق الثاني عند الزحام جاز، ولو صليت فوق السطح جاز، طالما أنك تجعل المقام بينك وبين الكعبة في حال الزحام الشديد، بينما البعض يصر على أن يصلي بالقرب من المقام فيعرقل الطواف، والناس قد تدوسه وهو ساجد، وهو يظن أنه بذلك يحسن صنعاً.

تخفيف الركعتين

تخفيف الركعتين ثم من السنة أن يخفف الركعتين، فيقرأ في الأولى: بـ (الكافرون)، وفي الثانية بـ (الإخلاص). قال رحمه الله: [روى جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم: (حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً، ثم تقدم إلى مقام إبراهيم وقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة:125]، فجعل المقام بينه وبين البيت)، قال محمد بن علي: ولا أعلمه إلا ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يقرأ في الركعتين: ((قل هو الله أحد))، و: ((قل يا أيها الكافرون))، ومهما قرأ فيهما بعد الفاتحة جاز وحيث ركعهما جاز، فإن ابن عمر ركعهما بذي طوى، رواه البخاري وأحمد. ولا بأس أن يصليهما إلى غير سترة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم صلاهما والطواف بين يديه وليس بينهما شيء، وكذلك سائر الصلوات بمكة لا يعتبر لها سترة]، وخالف في ذلك الشيخ الألباني رحمه الله فقال: لا بد من اتخاذ السترة في المسجد الحرام. لكن اتخاذ السترة عند الطواف وبين المقام من المشقة البالغة، والمشقة تجلب التيسير، والواجبات -على القول بأن السترة واجبة- تسقط بالعجز، والطواف مقدم على الصلاة، قال تعالى: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة:125]، فقدم الطواف على الركوع والسجود، وعليه فلا يمكن أن نأمر المصلي بأن يتخذ سترة عند الصلاة إلى المقام؛ لأنه يترتب على ذلك تعطيل الطواف، وهذه من المشقة التي لا يمكن التحرز منها كما قال العلماء.

حكم الركعتين خلف المقام

حكم الركعتين خلف المقام وقد اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في الركعتين خلف المقام، هل هما واجبتان أم هما من السنن المؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ والراجح والله تعالى أعلم: أنهما من السنن المؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتصليان في أي وقت، حتى وإن كان وقت كراهة، كالصلاة بعد الفجر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة بعد الفجر حتى تشرق الشمس)، والصلاة بعد العصر، والصلاة عند شروق الشمس وعند غروبها، والصلاة عندما تكون الشمس في وسط السماء، يعني: قبل الظهر بقليل. فهذه الأوقات الخمسة ينهى فيها عن التنفل المطلق، والصلاة ذات السبب تصلى في أي وقت، كدخول الرجل المسجد بعد الصبح، وهذا هو مذهب الشافعي وهو الراجح، خلافاً للإمام مالك الذي كان ينهى عن الصلاة المسببة في هذه الأوقات، ويروى أن مالكاً دخل يوماً المسجد بعد الصبح فقال له شاب: صل ركعتين تحية المسجد. فصلى، فقيل له: يا إمام صليت وخالفت ما تقول! قال: خشيت من أن ينطبق علي قول الله عز وجل: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ} [المرسلات:48]، فالإمام مالك رغم أنه يرى عدم الصلاة المسببة في أوقات الكراهة إلا أنه صلاها مرة، وعلى كل فالصلاة المسببة ومنها هذه الصلاة، أي: صلاة ركعتين خلف المقام، جائزة في أي وقت من ليل أو نهار، ومتى ما انتهى المسلم من الطواف صلاهما في أي وقت.

العودة إلى الركن لاستلامه بعد الفراغ من ركعتي الطواف

العودة إلى الركن لاستلامه بعد الفراغ من ركعتي الطواف قال: [ويعود إلى الركن فيستلمه، يعني: إذا فرغ من ركعتي الطواف وأراد أن يخرج إلى الصفا فقال أحمد: يعود فيستلم الحجر، وكان ابن عمر يفعل ذلك ولا نعلم في ذلك خلافاً، والأصل فعل النبي صلى الله عليه وسلم له، ذكره جابر في صفة حجة النبي عليه الصلاة والسلام]، وجابر بن عبد الله هو الذي روى حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم.

ما يفعله الحاج عند خروجه إلى الصفا من بابه

ما يفعله الحاج عند خروجه إلى الصفا من بابه قال: [ثم يخرج إلى الصفا من بابه فيرقى عليه ويكبر الله عز وجل ويهلله ويدعوه]، أي: يخرج إلى جبل الصفا من بابه فيرقى عليه ويدعو الله عز وجل، وبين الصفا والمروة وادٍ كان منخفضاً، وهي اليوم ما بين المصباحين الأخضرين أو العلمين الأخضرين، وقد كانت تهرول فيها هاجر يوم أن بحثت عن الماء لابنها إسماعيل، والحديث عند الشيخين، وفيه أن سعيد بن جبير لما شعر باقتراب أجله برز لتلامذته ليسألوه، فأكثروا عليه في السؤال، فكان مما سألوه عنه أنهم سألوه عن مقام إبراهيم، فروى هذا الحديث الطويل وفيه: أنه لما كان بين إبراهيم وبين زوجه سارة ما كان، ومحاولة ملك مصر أن يفعل الفاحشة بزوجته فدعت عليه، ثم وهبها أو أعطاها هاجر عليها السلام، وكانت أمة مملوكة، ثم أعطتها سارة لإبراهيم عليه السلام فتسرى بها، أي: دخل بها لأنها كانت من الإماء، فحملت هاجر عليها السلام، فغارت سارة عند ذلك، والغيرة شيء معروف عند النساء لا يمكن أن تنكر بأي حال من الأحوال، عند ذلك أمر الله إبراهيم أن يفصل بين زوجتيه سارة وهاجر، لأن الحكمة لمن تزوج بامرأتين أن يفصل بينهما، ولا يدعهما في مكان واحد، فإن حدث ما لا يحمد عقباه فلا يلومن إلا نفسه، فكان من إبراهيم أن جعل سارة في الشام، وأخذ هاجر وولدها الرضيع إلى شبه الجزيرة، واتخذت هاجر ذيلاً لثوبها يربط بحزامه على وسطها لتمحو أثر أقدامها حتى لا تتبعها سارة، فتعرف مكانها فتلحق بها، فوضع إبراهيم عليه السلام زوجه وولدها الرضيع في واد غير ذي زرع، ووضع لهما جراباً من تمر وإناء من ماء، ثم تركهما وانصرف، قال تعالى: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم:37]، فنادت هاجر فلم يجبها، حتى إذا ذهب إلى طريق كدا بعد أن بلغ الثنية التفت إليها فقالت له: يا إبراهيم لمن تتركنا أنا وابنك الرضيع، أربك أمرك بهذا؟ فقال: نعم، فقالت: إذاً فلن يضيعنا الله، وهذا من صدق التوكل على الله عز وجل. ثم أخذت أمنا هاجر تبحث عن الماء -بعد أن نفد ماؤها- لتشرب هي ورضيعها، فأخذت تصعد إلى جبل الصفا، ثم تهبط إلى بطن الوادي فتهرول فيه، ثم تصعد إلى جبل المروة، وهكذا حتى أتمت سبعة أشواط وهي تنظر إلى ولدها إسماعيل لعله قد مات؛ لأنه كان يتقلب ظهراً على بطن من شدة الجوع والعطش، وبينما هي في الشوط السابع سمعت صوتاً فقالت لنفسها: صه، يعني: أنصتي، فإذا بجبريل عليه السلام يقوم بين يديها: من أنتِ؟ قالت: أنا أم ولد إبراهيم، ولم تقل: أنا زوجة إبراهيم، لأنه فرق بين أم الولد وبين الزوجة، فقال: لمن ترككما في هذا المكان القحط ولمن وكلكما؟ فقالت: وكلنا إلى الله، فقال: هو حسبكما، فضرب الأرض فانفجر ماء زمزم، فأخذت هاجر تحيط الماء حرصاً على عدم ضياعه، قال صلى الله عليه وسلم: (رحم الله هاجر لو تركت زمزم لأصبحت عيناً جارياً على سطح الأرض)، لكن حرص هاجر جعل الماء في هذه البقعة.

الدعاء عند الوقوف بجبل الصفا

الدعاء عند الوقوف بجبل الصفا قال: [قال جابر: ثم خرج من الباب إلى الصفا، فلما دنا قرأ قول الله سبحانه: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} [البقرة:158]، أبدأ بما بدأ الله به -أي: أبدأ بالصفا- فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت -يعني: رقى إلى الصفا حتى رأى الكعبة- فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده، ثم دعا بين ذلك وقال مثل هذا ثلاث مرات. وكان ابن عمر يقوم على الصفا فيكبر سبع مرات ثلاثاً ثلاثاً، ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم اعصمني بدينك وطاعتك وطاعة رسولك، اللهم جنبني حدودك، اللهم اجعلني ممن يحبك ويحب ملائكتك وأنبياءك ورسلك وعبادك الصالحين، اللهم حببني إليك وإلى ملائكتك وأنبيائك ورسلك وعبادك الصالحين، اللهم يسرني لليسرى وجنبي العسرى، واغفر لي في الآخرة والأولى، واجعلني من أئمة المتقين، واجعلني من ورثة جنة النعيم، واغفر لي خطيئتي يوم الدين، اللهم إنك قلت وقولك الحق: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60]، وإنك لا تخلف الميعاد، اللهم إذ هديتني للإسلام فلا تنزعني منه، ولا تنزعه مني حتى توفاني عليه، اللهم لا تقدمني للعذاب ولا تؤخرني لسوء الفتن، ويدعو دعاءً كثيراً حتى أنه ليملنا وإنا لشباب]، أي: أنه من طول دعائه لا يستطيع الشباب أن يحاكوه. ولا يشترط الوضوء للسعي بين الصفا والمروة، والذهاب من الصفا إلى المروة يعتبر شوطاً، ومن المروة إلى الصفا شوطاً آخر، لا كما يفعله بعض الناس، فيحسب الذهاب من الصفا إلى المروة والعودة من المروة إلى الصفا شوطاً واحداً، فيسعى أربعة عشر شوطاً! والبعض قد يعقد لكل شوط دعاء، والبعض الآخر قد يلحن في قراءة القرآن، حتى تجد البعض يقول: (فلا جناح عليه أن يتطوف بهما)، والناس تردد خلفه ولا تعلم الخطأ، فينبغي على العبد أن تعلوه السكينة والوقار، وأن يعيش هذه المناسك العظيمة. ومن اللطائف في هذا المقام: أن ابن عباس كان يرى أن ليلة القدر هي ليلة السابع والعشرين من رمضان، فلما سئل عن ذلك قال: الطواف حول البيت سبع، والسعي بين الصفا والمروة سبع، وعدد السموات سبع، وعدد الأرضين سبع، والمسلم يسجد على سبعة أعضاء، ويسمى الولد في يوم سابع ولادته، وقال تعالى: {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ} [الحاقة:7]، وقال في موضع آخر: {وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ} [لقمان:27].

الهرولة بين العلمين الأخضرين وكيفية احتساب الشوط في السعي

الهرولة بين العلمين الأخضرين وكيفية احتساب الشوط في السعي قال رحمه الله: [ثم ينزل فيمشي إلى العلم، ثم يسعى إلى العلم الآخر]، يعني: أنه يسعى بين العلمين الأخضرين، وهي منطقة الوادي التي كانت تهرول فيها أمنا هاجر عليها السلام. قال: [ثم يمشي حتى يأتي المروة فيفعل كفعله على الصفا، ثم ينزل فيمشي في موضع مشيه، ويسعى في موضع سعيه، حتى يكمل سبعة أشواط]، ولا يشترط التتابع بين السبعة الأشواط، فله أن يستريح ثم يكمل طالما أنه ليس هناك فرق زمني كبير بين الشوط والشوط، لكن ليس من المقبول أبداً أن يسعى شوطاً ثم يخرج إلى الفندق وينام ثلاث ساعات، ثم يغتسل ويعود فيكمل! نقول له: أن يستريح لكن بالحد المعقول الذي لا يخرج عن المألوف أو عن انقطاع التتابع، وله أن يشرب أثناء السعي، وأن يقضي حاجته إذا أراد. قال: [يحتسب بالذهاب سعيةً وبالرجوع سعيةً، يفتتح بالصفا ويختم بالمروة، هذا وصف السعي، قال جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم: (ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى حتى إذا صعدنا مشى)]. والهرولة لا تكون إلا للرجال دون النساء، فالمرأة تمشي بسكينة ووقار، والخطأ أن تهرول المرأة، لأنها بذلك تظهر مفاتنها فلا يجوز.

التحلل بحلق الشعر أو تقصيره للرجل والأخذ منه قدر أنملة للمرأة

التحلل بحلق الشعر أو تقصيره للرجل والأخذ منه قدر أنملة للمرأة ثم بعد أن يتم السبعة الأشواط يتحلل، فيحلق أو يقصر، والمرأة تأخذ من ظفيرتيها قدر أنملة الأصبع، ومن المخالفات أن بعض الناس عندما يقصر يأخذ جزءاً يسيراً من شعره، وهذا لا يجوز، حتى أن بعض العلماء قد أوجب عليه دماً؛ لأنه ما حلق أو قصر التقصير الصحيح، فيأخذ من جميع أجزاء رأسه، والمستحب لمن حج قارناً أن يؤخر الحلق إلى حجه، وإن كان سيؤدي عمرة فقط في رمضان ثم يعود إلى بلده، فالأولى أن يحلق.

حرمة الأخذ من اللحية

حرمة الأخذ من اللحية ولا يجوز للمسلم أن يأخذ من لحيته، فإن قال قائل: حديث أم سلمة عند مسلم: (إذا أهل بالحجة وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره)، فهل للمسلم بعد أن يضحي أن يأخذ من شعر لحيته؟! ف A لا يجوز، وأما فعل ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يأخذ ما زاد على القبضة فمخالف لروايته: (أعفوا اللحى)، فتقدم الرواية على الفعل، ومثل ذلك: حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً أولاهن بالتراب)، وكان أبو هريرة يغسله ثلاثاً، فنقدم روايته على فعله كما هو مقرر في علم الأصول. أيضاً: جاء في البخاري: أن الصحابة كانوا يعرفون قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة العصر من اضطراب لحيته، يعني: أن لحيته كانت تهتز، وهذا يدل على أن لحيته عليه الصلاة والسلام كانت كبيرة وكثيفة، وحالنا اليوم أننا نأخذ من اللحية كثيراً ونحتج بفعل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، ونقول: إن ابن عمر رضي الله عنهما قد حج ستين حجة وكان يأخذ من لحيته على مرأى ومسمع من الصحابة، ولم يثبت عن أحد أنه أنكر عليه، فكيف ذلك؟! ف A أولاً: غير صحيح أن ابن عمر رضي الله عنهما حج ستين حجة. ثانياً: أن فعل ابن عمر هذا ليس حجة على غيره من الصحابة، فقد كان بعض الصحابة من تبلغ لحيته إلى سرته، وليس فعل بعضهم حجة على بعض، وإنما الحجة الدليل، وهذا كلام الأصوليين. ومثل ذلك: أن الكل يُجمع على أن الحجاب من الفروض الإسلامية، والعجيب أنهم يشترطون على المذيعة أو المضيفة حتى تحصل على عمل: أن تظهر نحرها وشعرها، ولم نر مذيعة أو مضيفة محجبة، وإلا فالفصل ينتظرهما، فهم بذلك يناقضون أنفسهم، وإلا فما دام أنه فريضة من الفرائض فلماذا لا يعمل به؟! وكذلك اللحية فهي فرض، ومع ذلك يعبثون بها!!

البدء بالصفا والختم بالمروة في السعي

البدء بالصفا والختم بالمروة في السعي قال رحمه الله: [ويفتتح بالصفا ويختم بالمروة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بالصفا، وقال: (أبدأ بما بدأ الله به)، فيقتضي الترتيب؛ لأنه أمر يقتضي الوجوب، فلو بدأ بالمروة لم يعتد بذلك الشوط]، أي: لو أن حاجاً بدأ بالمروة فإنه لا يحسب له شوطاً، لأن الترتيب في الآية: {إِنَّ الصَّفَا} [البقرة:158]، يقتضي الوجوب، ومثله في الوضوء، خلافاً لبعضهم، قال الشافعي رحمه الله تعالى: إن إدخال العضو الممسوح بين المغسولين -في الآية- لا يفيد إلا الترتيب، حيث قال الله: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة:6]، فـ (أرجلكم) معطوفة على (وأيديكم إلى المرافق)، فكما أنه تغسل الذراعان فكذلك تغسل القدمان، وإدخال الممسوح بين المغسولين أفاد الترتيب، لأن الترتيب لو كان غير مقصود لجاء بالمغسول على حاله وجاء بالممسوح كذلك على حاله، وهذا الكلام معتبر وله حجته. قال: [ثم يقصر من شعره إن كان معتمراً وقد حل، إلا المتمتع إن كان معه هدي والقارن والمفرد فإنه لا يحل]، أي: بعد انتهائه من السعي بين الصفا والمروة يحلق أو يقصر إن كان متمتعاً، ويجوز له كل شيء من محظورات الإحرام حتى النساء، وأما إن كان قارناً أو مفرداً أو متمتعاً قد ساق الهدي، فإنه لا يحل له أن يتحلل، وإنما يظل على إحرامه، فالقارن قد قرن بين حج وعمرة، والمفرد سيؤدي حجاً فقط، والمتمتع الذي ساق الهدي من بلده يلزمه أن يقرن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولتحللت). قال: [لما روى ابن عمر قال: (تمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قال للناس: من كان معه هدي فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت والصفا والمروة وليقصر وليحلل)، متفق عليه. والأحاديث في ذلك كثيرة لا نعلم فيها خلافاً]. وقد جمع ووفق ابن عثيمين بين الروايات الثلاث التي تقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد حج متمتعاً، وحج قارناً، وحج مفرداً، وكلها صحيحة، فقال رحمه الله تعالى: حج النبي صلى الله عليه وسلم قارناً لأنه ساق الهدي، وحج مفرداً لأنه أتى بأعمال الحاج المفرد والتي هي نفس أعمال الحاج القارن، فكلاهما لهما طواف واحد وسعي واحد، ما عدا الدم، فالقارن يلزمه دم والمفرد لا يلزمه، وحج صلى الله عليه وسلم متمتعاً لأنه أدى العمرة مع الحج، أي: في سفرة الحج، ولا شك أن التمتع هو أفضلها.

من كان معه هدي بقي على إحرامه وأدخل إحرام الحج على العمرة

من كان معه هدي بقي على إحرامه وأدخل إحرام الحج على العمرة قال: [أما من كان معه هدي فإنه يقيم على إحرامه ويدخل إحرام الحج على العمرة، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعاً]، أي: يظل محرماً ويدخل الحج على العمرة، لكن لا يجوز له أن يدخل العمرة على الحج، وهذا مذهب أحمد وهو الصحيح. قال: [وفي حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان معه هدي فليهل بالحج مع عمرته، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعاً).

المعتمر غير المتمتع يحل سواء كان معه هدي أو لم يكن معه هدي

المعتمر غير المتمتع يحل سواء كان معه هدي أو لم يكن معه هدي قال: [وأما المعتمر غير المتمتع فإنه يحل سواء كان معه هدي أو لم يكن معه هدي، فإن كان معه هدي نحره عند المروة]، يعني: أنه يعتمر عمرة فقط، كمن يعتمر في رمضان ولم يؤد الحج، لكن هب أن إنساناً أحرم بالعمرة في رمضان وساق معه الهدي، فيجوز له أن يتحلل ويذبح الهدي، لأنه لم يسق الهدي في أشهر الحج. قال: [وحيث نحره من مكة جاز -يعني: أن المعتمر لا بد عليه أن ينحر هديه في مكة- لأن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاث عمر سوى العمرة التي مع حجته فكان يحل، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل فجاج مكة طريق ومنحر).

إذا طاف وسعى المفرد أو القارن استحب له أن يفسخ نية الحج وينوي عمرة مفردة

إذا طاف وسعى المفرد أو القارن استحب له أن يفسخ نية الحج وينوي عمرة مفردة قال: [وأما القارن والمفرد فيستحب له إذا طاف وسعى أن يفسخ نية الحج وينوي عمرة مفردة، فيقصر ويحل من إحرامه ليصير متمتعاً]، يعني: لو أن رجلاً نوى أن يحج قارناً، وأدى الطواف والسعي، فيجوز له أن يتحلل ويجعلها عمرة ثم يحج متمتعاً؛ لأن الصحابة فعلوا ذلك، فقد قلبوا الطواف والسعي إلى عمرة، والعمرة أركانها الآتي: الإحرام، والطواف، والسعي. وحتى لا يلتبس الأمر: فالإحرام ركن من أركان العمرة أو الحج، والإحرام من الميقات واجب، فلو أن رجلاً أراد أن يحج، ولا يستطيع أن يدخل السعودية إلا بمهنة جزار أو خدمة الحجيج، فله أن يدخل بملابسه ويحرم منها أو من جدة، ويلزمه فدية؛ لأنه جاوز الميقات دون إحرام، لكن أصل الإحرام ركن، يعني: يعقد النية عند الميقات ويلبي، وإن لم يستطع الفدية صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى بلده. وآخر: رجل اعتمر في رمضان، ولما جاءت أشهر الحج لبى بالحج مفرداً من مكانه، فله أن يحج مفرداً وليس عليه دم؛ لأنه أوقع العمرة في غير أشهر الحج، بينما المتمتع هو من أوقع العمرة في أشهر الحج، وأشهر الحج هي: شوال، وذو القعدة، والعشر الأوائل من ذي الحجة، فمن اعتمر فيها يعتبر متمتعاً ويلزمه دم، قال تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196]، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، قال تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة:196]. ثم قال: [وإنما يجوز ذلك بشرطين أحدهما: أن لا يكون معه هدي، فإن كان معه هدي بقي محرماً حتى يفرغ من أفعال الحج؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: (أمر أصحابه في حجة الوداع الذين أفردوا الحج وقرنوا أن يحلوا كلهم ويجعلوها عمرة إلا من ساق معه هدياً)، رواه جابر وابن عباس وعائشة متفق عليه، واحتج أحمد بقوله عليه السلام: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة)، والأحاديث في ذلك كثيرة صحاح تقرب من التواتر والقطع. الشرط الثاني: أن لا يكون قد وقف بعرفة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمرهم بالفسخ قبل الوقوف] يعني: من أراد أن يحول الطواف والسعي إلى عمرة مفردة فله ذلك بشرطين: الأول: أن لا يكون قد ساق الهدي، والثاني: أن لا يكون قد وقف بعرفة؛ لأن من وقف بعرفة فقد انتهى حجه. قال: [والمرأة كالرجل إلا أنها لا ترمل في طواف ولا سعي، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أنه لا رمل على النساء حول البيت، ولا بين الصفا والمروة، وليس عليهن اضطباع؛ لأن الأصل في الرمل والاضطباع أمر الجلد -يعني: القوة- ولا يقصد في ذلك النساء؛ ولأن النساء يقصد فيهن الستر وفي الرمل والاضطباع تعرُّض للانكشاف].

العدة شرح العمدة [49]

العدة شرح العمدة [49] يشرع للحاج المبيت بمنى يوم التروية وليلة التاسع من ذي الحجة، وإن كان متمتعاً أحرم من منى، فإذا أضحى يوم عرفة خرج إلى عرفة وبقي فيها حتى غروب شمس يوم التاسع، ثم يدفع إلى مزدلفة ويصلي فيها المغرب والعشاء جمع تأخير، ويبيت فيها استعداداً لأداء مناسك يوم النحر.

ما يفعله الحاج يوم التروية

ما يفعله الحاج يوم التروية الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فلا زلنا مع كتاب الحج والعمرة، باب (صفة الحج). قال المصنف رحمه الله: [وإذا كان يوم التروية، فمن كان حلالاً أحرم من مكة وخرج إلى عرفات، فإذا زالت الشمس يوم عرفة صلى الظهر والعصر يجمع بينهما]، ويوم التروية هو اليوم الثامن من شهر ذي الحجة، وسمي بيوم التروية، لأنهم كانوا يتروون فيه الماء، حتى إذا ما صعدوا إلى عرفة أو ذهبوا إلى منى يكون معهم الماء، والمتمتع في اليوم الثامن يُحرم من مكانه الذي هو فيه، فإن كان في الفندق فله أن يغتسل ويطيب المفارق ويلبس الإزار والرداء، ثم يصلي ركعتين، وليس هناك ركعتين تسمى بـ (ركعتي الإحرام)، فهذا خطأ وهو شائع، لكن إن كانت هناك فريضة صلاها، وإن كانت نافلة صلاها، أو سنة الوضوء أو تحية المسجد، أي: أنها صلاة مسببة، ثم يلبي من مكانه: لبيك حجاً، لأنه قد لبى بالعمرة من الميقات، ويقول: فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني. وهذا كله قبل الظهر يوم الثامن من ذي الحجة، ثم يتوجه إلى منى فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، فيقصر الصلاة دون أن يجمع، أي: أنه يصلي الظهر ركعتين والعصر ركعتين والمغرب ثلاثاً والعشاء ركعتين والفجر ركعتين، وكل فريضة في وقتها، وهناك صحابي جليل من الخلفاء الراشدين قد أتم الصلاة في منى، وهو عثمان بن عفان رضي الله عنه، وصلى خلفه عبد الله بن مسعود فقال: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم في منى فقصر، وصليت خلف أبي بكر فقصر، وصليت خلف عمر فقصر، فلما جاءت خلافة عثمان أتم عثمان، وقد اعتذر العلماء لفعل عثمان بأعذار عديدة، منها: أنه تأول، هل القصر في منى من النسك أم هو رخصة؟ من النسك، فلو أن رجلاً بيته في منى، فهل يصلي قصراً أم يتم؟ يصلي قصراً؛ لأن القصر من النسك وليست رخصة للمسافر دون غيره، ومن السنة أن يبيت في منى، وليس ذلك واجباً من واجبات الحج، ولا ركناً من أركانه، فإن بات في منى صلى الفجر فيها صبيحة اليوم التاسع من ذي الحجة وهو يوم عرفة، وهو خير يوم طلعت فيه شمس العام، ثم بعد أن يصلي الفجر في منى ينتظر حتى يسفر النهار، ثم يتوجه بعد ذلك إلى عرفة. قوله: [وخرج إلى عرفات] أي: خرج إلى عرفات في اليوم التاسع من ذي الحجة، وكما تعلمون أن بعض المعاصرين يقترح على الأمة أن تعدد أيام عرفة لأجل تخفيف الزحام! أي: أنه بدلاً من أن يكون يوم عرفة هو اليوم التاسع من ذي الحجة ممكن أن يكون التاسع من شوال، وممكن أن يكون التاسع من ذي القعدة، والغريب أن الصحفي الذي كتب هذا المقال في جريدة الأهرام أو الأخبار -على ما أذكر- قال: وهذا اقتراح جدير بالدراسة، عرفة يتعدد وهو يوم واحد في السنة! وليس هناك عرفة سواه، ولكن أحياناً العقول تضل. وقوله: [فإذا زالت الشمس يوم عرفة]، أي: انحرفت عن وسط السماء، [صلى الظهر والعصر يجمع بينهما]، أي: صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر مع العصر في عرفة يجمع بينهما.

ذكر جابر لأفعال النبي في يوم الثامن والتاسع والعاشر من ذي الحجة

ذكر جابر لأفعال النبي في يوم الثامن والتاسع والعاشر من ذي الحجة قال: [وروى جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم الحديث إلى أن قال: (فحل الناس كلهم وقصّروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم، ومن كان معه هدي، فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج، فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بها -أي: بمنى- الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس، وأمر بقبة من شعر فضُربت له بنمرة فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة، فوجد القبة قد ضربت بنمرة فنزل بها حتى إذا زالت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له، فأتى بطن الوادي صلى الله عليه وسلم)]، أي: أنه بعد الزوال أتى من نمرة إلى بطن الوادي إلى عرفة، وعرنة جزء منها من عرفة، وجزء منها خارج حدود عرفة، لذا فعرفة لها حدود معينة، ولا بد أن يقف الحاج على عرفة، فيقف عليها جزءاً من النهار مع جزء من الليل، وبذلك يكون قد أتى بالسنة، ولذلك لو أن حاجاً وقف على عرفة نهاراً، ثم ترك عرفة قبل غروب الشمس، فيكون بذلك قد ترك واجباً؛ لأن الوقوف في عرفة في جزء من الليل من واجبات الحج، فإن تركه يجبر بالدم. ولو أن رجلاً وقف على عرفة بعد غروب الشمس ولم يقف بالنهار، فحجه صحيح. ولو أن رجلاً ترك الوقوف على عرفة بالنهار، ولكنه وقف بالليل، فحجه صحيح ولا شيء عليه؛ لأن الوقوف بعرفة يكون ليلاً، فمن أدركها بالليل فقد أدرك الحج ولا شيء عليه؛ والجمع بين الوقوف في عرفة ليلاً ونهاراً سنة، ومن أدرك عرفة فقد أدرك الحج. ولو أن رجلاً خرج من بلده وتوجه مباشرة إلى عرفة، فأدرك عرفة قبل أن يؤذن الفجر، فحجه صحيح وعليه دم، لأنه ترك المبيت بمزدلفة ليلة العيد. قال: [فخطب الناس صلى الله عليه وسلم]، أي: أنه خطبهم خطبة الوداع قبل أن يصلي الظهر مع العصر، وخطب -كذلك- بعد زوال الشمس، أي: بعد أن دخل وقت الظهر، فقام فيهم خطيباً في خطبة جامعة لم يعرف التاريخ ولن يعرف مثلها في تمامها وكمالها. قال: (ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئاً)]، أي: أنه صلى الظهر والعصر جمعاً، وهذا من النسك. قال: [(ثم ركب حتى أتى الموقف واستقبل القبلة حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلاً حتى غاب القرص)]، أي: أنه لم يترك عرفة إلا بعد غروب الشمس، فجمع صلى الله عليه وسلم في الوقوف في عرفة بين الليل والنهار. قال: [(حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء)]، أي: جمع تأخير؛ لأن المغرب حان عليه في عرفة قبل أن يخرج منتصف الليل، لكن بعض الحجاج قد يركب السيارة فيكون هناك زحام، فيصل إلى مزدلفة في الساعة الثانية أو الثالثة فجراً، ويؤخر العشاء والمغرب إلى هذا الوقت! وهذا لا يجوز، يقول علماؤنا: إن خرج منتصف الليل نزل من سيارته وصلى في أي مكان، وليس شرطاً أن يصلي في مزدلفة؛ لأنه حبسه حابس عن الوصول إلى المزدلفة، لكن إن يسّر الله له فوصل إلى مزدلفة قبل منتصف الليل صلى بها المغرب والعشاء جمع تأخير. قال: [(فصلى بها المغرب والعشاء -أي بمزدلفة- بأذان واحد وإقامتين، ولم يسبّح بينهما شيئاً)]، أي: أنه لم يصل النافلة؛ لأن الذي يجمع الصلاة ليس له أن يصلي النافلة، ومن باب أولى الذي يجمع ويقصر، لكن لو أتم صلى نافلة، والفريضة جُبرت عنه، فمن باب أولى النافلة. قال: [(ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر)]، أي: أنه صلى المغرب والعشاء ثم اضطجع، ولم يصل قيام الليل، لأنه ليس من السنة قيام الليل في ليلة المبيت بمزدلفة، ولأنه يحتاج إلى جهد لأداء النسك. ثم قال: [(فصلى الصبح حين تبيّن له الصبح بأذان وإقامة)]، أي: أنه صلى الصبح في مزدلفة، ولذلك من واجبات الحج المبيت بالمزدلفة، لكن رُخّص لأهل الأعذار أن يدفعوا من مزدلفة بعد منتصف الليل، كالساقي أو الرجل معه النساء وغير ذلك. قال: [(ثم ركب حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة، فدعا الله وكبره وهلله ووحده، ولم يزل واقفاً حتى أسفر جداً)]، أي: أنه مكث واقفاً في مزدلفة حتى ظهر ضوء النهار، وأسفر بمعنى: بدا وظهر، قال تعالى: {وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ} [المدثر:34]، ومنه سفور المرأة، أي: ظهور مفاتنها، وسمي السفر سفراً؛ لأنه يسفر عن أخلاق الرجال، فلا تعرف الرجل إلا إذا سافرت معه، فتعرف أخلاقه الطيبة من معايبه. قال: [(فدفع قبل أن تطلع الشمس -أي: في يوم مزدلفة قبل طلوع الشمس- حتى أتى بطن محسر، فحرك قليلاً ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى)]، وهذا في صباح يوم العيد؛ لأنه بات في مزدلفة ليلة العيد، ثم توجه إلى منى ليسلك الطريق المؤدي إلى جمرة العقبة الكبرى أو العظمى، بحيث يرمي الحاج جمرة واحدة بسبع حصيات، وإجمالي ما يرميه الحاج في حجه 49 حصاة إذا تعجّل، وإذا تأخر 70 حصاة، ولذلك ربنا سبحانه وتعالى يقول: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْن

استحباب الإحرام للحاج المتمتع يوم التروية حين توجهه إلى منى

استحباب الإحرام للحاج المتمتع يوم التروية حين توجهه إلى منى قال رحمه الله تعالى: [ويوم التروية هو اليوم الثامن من ذي الحجة، سمي بذلك لأنهم كانوا يتروون من الماء فيما يعدونه ليوم عرفة، فالمستحب لمن كان بمكة حلالاً -من المتمتعين الذين حلوا من عمرتهم ومن كان مقيماً بها من أهلها وغيرهم- أن يحرموا يوم التروية حين يتوجهون إلى منى، لما تقدم من حديث جابر.

الوقوف بعرفة ركن لا يتم الحج إلا به

الوقوف بعرفة ركن لا يتم الحج إلا به ثم قال: [(وخرج إلى عرفات، فإذا زالت الشمس صلى بها الظهر والعصر يجمع بينهما)، لما سبق من حديث جابر، ثم يصير إلى الموقف، وعرفة كلها موقف إلا بطن عرنة، وذلك لأن الوقوف بعرفة ركن لا يتم الحج إلا به إجماعاً، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة، فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جمع فقد تم حجه) أخرجه أبو داود وابن ماجه]، وليلة الجمع هي ليلة مزدلفة، ومن جاء قبل الفجر وأدرك عرفة فقد أدرك الحج. قال: [وقال محمد بن يحيى: ما أرى للثوري حديثاً أشرف منه، وقال عليه الصلاة والسلام: (كل عرفة موقف، وارتفعوا عن بطن عرنة)]، أي: أنه صلى الله عليه وسلم وقف في عرفة وقال: (وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف)، ولذا فليس من المعقول أن يقف الناس في الموقف الذي وقف فيه النبي صلى الله عليه وسلم بالتحديد، ولكن لهم أن يتوزعوا في عرفة، وصعود جبل الرحمة في عرفة ليس من السنة؛ لأن البعض يقتتلون من أجل صعود جبل الرحمة، ويعتبرون ذلك من السنة، وهذه من المخالفات التي يقع فيها الحجيج، ولذا قال المصنف: [ولأنه لم يقف بعرفة فلم يجزه كما لو وقف بمزدلفة].

استحباب أن يقف الحاج بعرفة في موقف النبي عليه الصلاة والسلام

استحباب أن يقف الحاج بعرفة في موقف النبي عليه الصلاة والسلام قال: [ويستحب أن يقف في موقف النبي صلى الله عليه وسلم عند الجبل قريباً من الصخرات، لما في حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات وجعل جبل المشاة بين يديه. واستقبل القبلة، ويجعل جبل المشاة بين يديه ويستقبل القبلة لذلك]. ثم قال: [ويكون راكباً وهو أفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف راكباً]، أي: وقف في عرفة راكباً، وطاف بالبيت راكباً، حتى أن أسامة بن زيد قال: (وقع خطام دابته من يده وهو يدعو الله عز وجل في يوم عرفة).

الاجتهاد في الدعاء والثناء على الله في يوم عرفة

الاجتهاد في الدعاء والثناء على الله في يوم عرفة قال: [ويكثر من قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير، لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: (أكثر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير)]، فينبغي لمن وفقه الله ولمن اصطفاه الله ولمن اختاره الله أن يقف على عرفة أن يجتهد في الدعاء، ولا يقض يوم عرفة في النوم كما يفعل البعض، أو في معصية الله سبحانه كما يفعل البعض؛ لأنكم لو رأيتم ماذا يحدث في عرفة لعلمتم أن الأمة في غفلة، فالبعض يصطحب معه إلى عرفة لعبة الطاولة والضمنة! والبعض قد يصطحب معه موبقات، والبعض قد ينام في يوم عرفة ولا يستيقظ إلا بعد غروب الشمس، وغاب عنه أن هذا الوقت هو وقت مبارك وطيب، ونبيه صلى الله عليه وسلم كان يجتهد فيه بالدعاء، وهو الذي قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، لذا فإنه من بركة هذا اليوم المبارك أن ربنا سبحانه وتعالى يباهي بحجاج بيته الملائكة، فلا بد أن يراك ربك متضرعاً خائفاً وجلاً داعياً باكياً نادماً على فعل المعاصي السابقة. يقول: [ويجتهد في الدعاء والرغبة إلى الله عز وجل إلى غروب الشمس؛ لأنه يوم ترجى فيه الإجابة، ولذلك أحببنا له الفطر ليتقوى على الدعاء]، وأما غير الحاج فله أن يصوم التسع من ذي الحجة، وغالب علماء السنة على مشروعيتها، فلا داعي أن نبدّع من صامها، ونكون بذلك قد خالفنا ابن القيم وشيخ الإسلام وابن عثيمين والنووي وابن حجر وغيرهم من حفاظ الأمة، وذلك بدون أن نبحث في المسألة، يقول الشيخ ابن عثيمين: إن الأصل فيه موجود: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر)، والصيام من العمل الصالح، فلا داعي أن نبدّع الناس بذلك. قال: [قالت عائشة رضي الله عنها: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، فإنه ليدنو -عز وجل- ثم يباهي بكم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟)]. ثم قال: [ويستحب أن يدعو بالمأثور من الأدعية مثل ما روي عن علي رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (أكثر دعاء الأنبياء قبلي ودعائي عشية عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير، اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي سمعي نوراً، وفي بصري نوراً، ويسر لي أمري)، وكان ابن عمر يقول: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، لا إله إلا الله، الله أكبر ولله الحمد، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، اللهم اهدني بالهدى، وقني بالتقوى، واغفر لي في الآخرة والأولى، ثم يرد يده فيسكت قدر ما كان إنسان قارئاً بفاتحة الكتاب، ثم يعود فيرفع يديه ويقول مثل ذلك، ولم يزل يفعل ذلك حتى أفاض، وسئل ابن عيينة عن أفضل الدعاء يوم عرفة فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، فقيل له: هذا ثناء وليس بدعاء -أي: أنهم سألوه عن الدعاء فأجاب بالثناء- فقال: أما سمعتم قول الشاعر: أأذكر حاجتي أم قد كفاني حياؤك إن شيمتك الحياء إذا أثنى عليك المرء يوماً كفاه من تعرضه الثناء]. أي: هل أذكر حاجتي أم الثناء عليك يكفي؟ ومن أكرم من الله عز وجل؟ فإذا أثنى العبد على ربه سبحانه فإن هذا بمثابة الدعاء. قال: [وقوله: (إلى غروب الشمس)، معناه: أنه يجب عليه الوقوف إلى غروب الشمس، ليجمع بين الليل والنهار في الوقوف بعرفة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بعرفة حتى غربت الشمس. كذا في حديث جابر].

صفة دفع الحجيج ليلة النحر إلى مزدلفة ووقته

صفة دفع الحجيج ليلة النحر إلى مزدلفة ووقته قال: [ثم يدفع مع الإمام إلى مزدلفة على طريق المأزمين وعليه السكينة والوقار، وذلك أنه لا ينبغي للناس أن يدفعوا حتى يدفع الإمام]، وهذا حين يكون للأمة إمام، فيتحرك الإمام ويتحرك الناس من خلفه، أما الآن فقد سقطت الخلافة الإسلامية، وكل يدّعي أنه إمام أهل السنة، بل ونجح أعداؤنا في وضع الحدود الجغرافية بين كل بلد وآخر، حتى رؤية رمضان وذو الحجة لم تفلح الأمة في توحيدها إلى الآن، ولذلك يروى أن هارون الرشيد نظر إلى سحابة في السماء فقال لها: أمطري حيث شئت فإن خراجك سيأتيني. أي: في أي بقعة من الأرض أمطرت فسيأتيني خراجك إن شاء الله، ومعنى هذا: أن الإسلام قد شمل كل بقاع الأرض، وأن الأرض كلها كانت تخضع للإسلام ولولي أمر المسلمين، فتأملوا في هذا وانظروا إلى ما وصلنا إليه! وحذيفة بن اليمان رضي الله عنه حينما جاء من أرمينيا أو أذربيجان اقترح على ذي النورين أن يجمع المصحف على حرف واحد؛ لاختلاف القراء، فهذا يقرأ بلغة وهذا بلغة أخرى، والقرآن قد نزل على سبعة أحرف، فتأمل كيف أن حذيفة جاء من أقصى الدنيا، أي: أن الإسلام قد عم الأرض جميعاً، ولذا فلا أمان ولا اطمئنان في هذا العالم إلا إذا ساده الإسلام، فهو دين الله عز وجل الذي ارتضاه للخلق أجمعين. قال: [وهو الوالي الذي إليه أمر الحاج من قبل الإمام، فالمستحب أن يقف حتى يدفع الإمام، ثم يسير نحو المزدلفة على طريق المأزمين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سلكه وإن سلك الطريق الآخر جاز، ويكون عليه سكينة ووقار؛ لقوله عليه الصلاة والسلام حين دفع وقد شنق القصواء بالزمام حتى إن رأسها ليصيب موركة رحله ويقول بيده اليمنى: (أيها الناس السكينة السكينة)]. ويحضرني الآن قول عمر رضي الله عنه حينما نظر إلى الحجاج فوجد العدد كبير: الركب كثير والحاج قليل، أي: من ذهب طلباً لرضا ربه ومغفرته، وأتقن العمل، ويخاف ألا يتقبل الله منه، فهو حاج، وهؤلاء قليل، ومن ذهب ليقال: إنه قد ذهب ليحج، حتى أنك ترى السيارات والأعلام البيض، والطبل والمزامير في انتظاره، وبعد عودته من الحج لم يتغير سلوكه، فهؤلاء ركب وهم كثير. ثم قال: [وقال عروة: (سئل أسامة -وأنا جالس-: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في حجة الوداع؟ قال: كان يسير العنق، فإذا وجد فجوة نص)]، أي: أنه إذا وجد الطريق ميسورة للمشي مشى، وإذا وجد الزحام توقف، وفي هذا إشارة إلى أنه لا ينبغي أن تزاحم الناس وتؤذيهم.

استحباب الإكثار من التلبية والذكر في يوم عرفة

استحباب الإكثار من التلبية والذكر في يوم عرفة قال: [ويكون ملبياً ذاكراً لله عز وجل]، ولا يقطع الحاج التلبية إلا عند رمي جمرة العقبة، وعند الشروع في الطواف بالنسبة للمعتمر. قال: [فإن ذكره مستحب في جميع الأوقات وهو في هذا الوقت آكد؛ لقوله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} [البقرة:198]؛ ولأنه زمن الاستشعار بطاعة الله تعالى والتلبس بعبادته والسعي إلى شعائره، فيستحب الإكثار فيه من ذكره، ويستحب التلبية، قال الفضل بن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى رمى الجمرة)]، وقد أردف النبي صلى الله عليه وسلم خلفه ابن عباس ومعاذاً وأسامة بن زيد، وهنا في حجة الوداع أردف النبي صلى الله عليه وسلم خلفه الفضل بن عباس، فرأى امرأة محرمة لكنها كشفت وجهها، فجعل ينظر إليها فصرف النبي عليه الصلاة والسلام وجهه عنها وقال: (رأيت شاباً وشابة، فكيف آمن الشيطان عليهما؟)، وكلما عاد الفضل لينظر صرف النبي صلى الله عليه وسلم وجهه، وهذا دليل لمن قال بعدم وجوب غطاء الوجه للمرأة، فنقول له: هذا في الحج، والمرأة قد أُمرت ألا تغطي وجهها في الحج إذا أمنت مخالطة الرجال، فإن قال قائل: فكيف ينظر إليها الفضل وقد خالطت الرجال؟ نقول: المرأة كانت تأمن من عدم المخالطة، لكن الفضل نظر فرآها وليس على وجهها حجاب، فلما نظر إليها جذبه النبي صلى الله عليه وسلم، فمعنى ذلك: حرمة النظر إلى الوجه؛ لأن الوجه يجمع المحاسن، ولذلك فهذه مؤامرة خبيثة على هذا الزي الإسلامي الذي عرفته الأمة منذ قديم الزمان.

صلاة الحاج للمغرب والعشاء والفجر بمزدلفة

صلاة الحاج للمغرب والعشاء والفجر بمزدلفة قال: [فإذا وصل إلى مزدلفة صلى بها المغرب والعشاء قبل حط الرحال يجمع بينهما]، أي: قبل أن يحط الرحال يصلي المغرب والعشاء، [والسنة لمن دفع من عرفة أن لا يصلي المغرب حتى يصل إلى مزدلفة، فيجمع بين المغرب والعشاء قبل حط الرحال، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم لا اختلاف بينهم أن السنة أن يجمع الحاج بجمع -أي: بمزدلفة- بين المغرب والعشاء، والأصل في ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بينهما]. قال: [ثم يبيت بها -أي: بمزدلفة- والمبيت بمزدلفة واجب من تركه فعليه دم، وقال بعضهم: من فاته جمع فاته الحج]، أي: أن بعضهم قال: إن المبيت بمزدلفة ركن وليس واجباً، فانظر إلى خطورة المسألة، فمعظم الحجاج المصريين يدفعون من عرفة إلى الجمرة إلى منى ولا يبيتون بمزدلفة، بحجة أن المطوف قد فعل ذلك، فيا عبد الله! إن المبيت بمزدلفة واجب فلا ينبغي أبداً أن تتركه، وأقول لك: حتى يكون حجك صحيحاً خذ عنوان الفندق وأد النسك في اطمئنان وسكينة، ولا تخش على نفسك. قال: [ولنا قوله عليه السلام: (الحج عرفة، فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جمع فقد تم حجه)، يعني: من جاء من يوم عرفة]. ثم قال: [ثم يصلي الفجر بغلس] أي: بظلام. قال: [السنة أن يبيت بمزدلفة حتى يطلع الفجر فيصلي الصبح]، وهذا استدلال على أن وقت صلاة الفجر لا شبهة فيه، وقد نشرت مجلة التوحيد في عدد لها فتوى حول هذا الأمر؛ لأن البعض يؤخر الفجر عن الجماعة الأولى، ويظل يطعن في موعد الفجر حتى نام ولم يصل الفجر بعد، فيكفي في دخول الوقت غلبة الظن، وما ثبت بيقين لا يزول إلا بيقين، وإن قلت لأحد الإخوة: أنت الآن تشكك في موعد الفجر، فقال: نعم، قلت له: إذاً في رمضان كل واشرب بعد النداء، فقال: لا يجوز؛ احتياطاً للصيام، فإذاً هو غير متأكد وغير متيقن مما يقول، فلا داعي أبداً أن نثير هذه الشبهات والقلاقل في مواعيد استقرت، وأهل الخبرة أو أهل التخصص قد وضعوها في النتيجة، وإن كان هناك خطأ في التقدير فعليهم، وأنت الآن تصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء في موعد محدد، فلماذا تطعن في الفجر يا عبد الله؟! يقول: هناك أقوال كذا وكذا لبعض العلماء أو الدعاة! وأنا أعتقد أن هذه المسألة قد حسمت قديماً فلا داعي أبداً لهذا؛ لأن الفتنة لا زالت تذهب إلى بعض القرى، فبعض الناس لا يصلي الفجر مع الجماعة الأولى بحجة أنهم يصلون بليل، فيؤخر الجماعة فيخالف، أو يصلي مع الجماعة الأولى ثم يعود فيصلي مرة ثانية! ولا صلاة مرتين في اليوم، فيقع في المخالفات العديدة بسبب هذا الموضوع. قال: [والسنة أن يعجلها في أول وقتها ليتسع وقت الوقوف عند المشعر الحرام]، وهذا دليل آخر أيضاً، فيصلي الفجر في أول الوقت بغلس، أي: بظلام، وقد استدل علماؤنا على ذلك بأن نساء المؤمنين زمن النبي كن يخرجن من صلاة الفجر بغلس فلا يُعرفن، أي: أن الصلاة تنتهي والجو لا يزال مظلماً، فلا تعرف المرأة أختها، وفي البخاري: أن الرجل كان ينظر فلا يميز بين الرجل والأنثى من شدة الظلام، فلا داعي لمثل هذه الأمور، وهذا كلام مستقر، لذا فأقول: إن السنة أن يعجلها في أول وقتها. قال: [وفي حديث جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصبح حين تبين له الصبح، وفي حديث: أنه صلى الفجر حين طلع الفجر، وقائل يقول: قد طلع، وقائل يقول: لم يطلع]، أي: أن الصحابة اختلفوا، فمنهم من يقول: قد طلع الفجر، وقائل يقول: لم يطلع بعد، فصلى عليه الصلاة والسلام في هذا الوقت؛ حتى يتمكن من الدعاء عند المشعر الحرام.

الوقوف والدعاء عند المشعر الحرام

الوقوف والدعاء عند المشعر الحرام قال: [ويأتي المشعر الحرام فيقف عنده ويدعو، وفي حديث جابر: (إن النبي صلى الله عليه وسلم أتى المشعر الحرام فرقى عليه، وحمد الله وهلله وكبّره ووحده)]، أي: حمد الله فقال: الحمد لله، وهلله فقال: لا إله إلا الله، وكبّره فقال: الله أكبر، ووحّده سبحانه وتعالى. قال: [ويستحب أن يكون من دعائه: اللهم كما وقفتنا فيه وأريتنا إياه، فوفقنا فيه لذكرك كما هديتنا، واغفر لنا وارحمنا كما وعدتنا بقولك وقولك الحق: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ * ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:198 - 199].

دفع الحاج من المشعر الحرام قبل طلوع الشمس

دفع الحاج من المشعر الحرام قبل طلوع الشمس ثم قال: [ثم يدفع قبل طلوع الشمس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله، قال عمر: إن المشركين كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس فيقولوا: أشرق ثبير كيما نغير]، وهذا من أقوال المشركين، فالنغير: العصفور الصغير، بمعنى: أشرق الصباح والعصفور صاح؛ ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول لـ عمير الطفل الصغير: (يا أبا عمير ما صنع النغير؟)، والنغير هو العصفور، فكان لـ أبي عمير عصفور صغير يلعب به، وكان يسر به، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يمازحه فيقول له: ويقول: (يا أبا عمير ما صنع النغير؟ وهو يبكي ويقول: (مات النغير يا رسول الله).

استحباب الإسراع في وادي محسر والبدء برمي جمرة العقبة

استحباب الإسراع في وادي محسر والبدء برمي جمرة العقبة قال: [فإذا بلغ محسراً أسرع قدر رمية بحجر حتى يأتي منى، يستحب الإسراع في وادي محسر، وهو ما بين جمع منى، فإن كان ماشياً أسرع وإن كان راكباً حرك دابته، قال جابر: (إن النبي صلى الله عليه وسلم لما أتى بطن محسر حرك دابته قليلاً)]. ثم قال: [فيبدأ بجمرة العقبة فيرميها بسبع حصيات كحصى الخذف، ويقطع التلبية عند الرمي، وبعد رمي جمرة العقبة يحل له كل شيء إلا النساء، وبعد الرمي والذبح والحلق يكون قد تحلل تحللاً أصغر]، فيحل له كل شيء إلا النساء، وإن جامع بعد أن تحلل التحلل الأصغر فعليه دم، ويذهب إلى التنعيم فيحرم ويطوف بالبيت وهو محرم، وإن جامع قبل التحلل الأول، أي: قبل أن يرمي جمرة العقبة فقد فسد حجه ولزمه الإتمام وعليه بدنة، ويقضي من قابل، والبدنة يذبحها في الحرم في مكة.

نحر الهدي بعد الفراغ من رمي الجمرة

نحر الهدي بعد الفراغ من رمي الجمرة قال: [ثم ينحر هديه، وذلك أنه إذا فرغ من رمي الجمرة يوم النحر ثم يحلق رأسه أو يقصر، والحلق أفضل- لأنه قد قصّر بعد أداء العمرة إن كان متمتعاً- ثم قد حل له كل شيء إلا النساء ثم يذهب إلى مكة فيطوف طواف الإفاضة ثم يسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتعاً، أما إن كان قارناً قد سعى عند قدومه فلا يسعى]، لأن القارن والمفرد عليهما سعي واحد، أما المتمتع فعليه سعيان: سعي للعمرة وسعي للحج. إلى هنا نكون قد انتهينا من صفة الحج، ويبقى عندنا ثلاثة أبواب: باب: (ما يفعله في منى بعد الحل)، وباب: (أركان الحج والعمرة)، وباب: (الهدي والأضحية والعقيقة)، وهذا ما سنبينه إن شاء الله تعالى في وقت لاحق، ونكتفي بهذا القدر وجزاكم الله خيراً.

العدة شرح العمدة [50]

العدة شرح العمدة [50] من أعمال الحج يوم النحر أن يرجع الحاج إلى منى بعد الإفاضة فيمكث بها ليالي التشريق كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ويرمي الجمرات، ومن أراد التعجل في يومين من أيام التشريق فينفر بعد زوال يوم الثاني من أيام التشريق.

ما يفعله الحاج يوم النحر وأيام التشريق

ما يفعله الحاج يوم النحر وأيام التشريق الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أيها الإخوة الكرام الأحباب! لا زلنا مع كتاب الحج والعمرة، باب ما يفعله بعد الحل، والمعنى: بعد أن يتحلل الحاج برمي جمرة العقبة، وبالذبح والحلق يكون قد تحلل تحللاً أصغر، فإن طاف للإفاضة فقد تحلل تحللاً أكبر، سواء كان تحلل تحللاً أصغر أم أكبر هناك أفعال تلزم الحاج بعد الحل، يعني: ما يفعله بعد التحلل

حكم المبيت بمنى بعد الإفاضة يوم النحر وأيام التشريق

حكم المبيت بمنى بعد الإفاضة يوم النحر وأيام التشريق يقول المصنف: [ثم يرجع إلى منى ولا يبيت لياليها إلا بها]، أي: أن الحاج بعد أن يرمي جمرة العقبة، وبعد أن يذبح ويحلق يعود إلى منى، فيبيت بها. قال الشارح: [وذلك أن السنة لمن أفاض يوم النحر أن يرجع إلى منى، قالت عائشة رضي الله عنها: (أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر)]، يعني: صلى الظهر بالمسجد الحرام، ثم طاف للإفاضة ثم عاد إلى منى. قال الشارح: [(ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي التشريق)، رواه أبو داود. وروى أحمد عن عبد الرزاق عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى)]. وهنا ننبه إلى أنه لا يلزم الحاج أن يطوف طواف الإفاضة يوم النحر؛ لأن وقت طواف الإفاضة يمتد إلى آخر ذي الحجة، فبعد تحلله الأصغر برمي جمرة العقبة، وبالذبح ثم الحلق؛ يكون قد تحلل تحللاً أصغر، فيجوز له كل شيء إلا النساء، فالنساء لا تحل له إلا بعد التحلل الأكبر، هذا يسمى التحلل الأصغر، وهو أن يفعل أمرين من ثلاثة: الرمي، والذبح، والطواف. والحلق لا يحسب ولا يعد. فإن فعل من هذه الثلاثة اثنين؛ فقد تحلل تحللاً أصغر، ويلزمه أن يعود فيبيت في منى ليالي التشريق، وهي: ليلة الحادي عشر من شهر ذي الحجة، وليلة الثاني عشر، وليلة الثالث عشر لمن أراد أن يتأخر، يقول تعالى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة:203]، ونفي الإثم من صيغ الإباحة في علم أصول الفقه يعني: أنه يستوي الفعل مع الترك. قال الشارح: [(ثم رجع فصلى الظهر بمنى)، والمبيت في منى ليالي منى واجب]، يعني: ليالي التشريق المبيت بمنى واجب. قال الشارح: [وهي إحدى الروايتين عن أحمد]، أي: أن الحاج إذا ترك المبيت بمنى يلزمه دم؛ لأنه ترك واجباً، فالمبيت في منى واجب، ورمي الجمرات في أيام التشريق واجب مع جمرة العقبة. وقد سمعتم ما يحصل من زحام شديد عند الجمار فيسبب ضحايا، والأمر يحتاج إلى تأمل من فقهائنا، إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرمي جمرة العقبة ثم يقف فيدعو طويلاً بمقدار ما يقرأ سورة البقرة، فهل يتيسر للحاج هذا الأمر في هذه الأيام؟ لا يمكن. ثانياً: إن منى مساحتها ضيقة، لا يمكن أن تتسع لمليوني حاج في وقت واحد؛ فإن الواجبات تسقط بالعجز كما يقول العلماء، والمشقة تجلب التيسير: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78]. إن الجمود عند بعض النصوص وإن كان فيها تهلكة للأمة، لم يأمر به الله عز وجل. قال الشارح: [لما روى ابن عمر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للعباس بن عبد المطلب أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته)، متفق عليه]، وكونه يرخص للعباس مفهوم المخالفة أن من سوى العباس يجب عليه المبيت. والنبي صلى الله عليه وسلم رخص للعباس ليبيت بمكة من أجل السقاية، فمن عدا العباس ليس له رخصة، هذا مفهوم المخالفة، ومفهوم المخالفة في أصول الفقه لا يُعمل به إلا بشروط؛ لأن البعض قد يستنبط من الآيات مفهوم المخالفة، والآية ليس لها مفهوم مخالفة، كما في قوله تعالى: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً} [النور:33]، قال قائلهم: الإكراه لا يجوز، فمفهوم المخالفة أن الرضا يجوز، وكما قلنا: إن الآية ليس لها مفهوم مخالفة، وكما في قول الله عز وجل: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} [الإسراء:31]، غالب فعلهم أنهم كانوا يقتلون أولادهم خشية إملاق؛ فجاءت الآية بهذا فخرجت مخرج الغالب، فليس لها مفهوم مخالفة. فمن شروط مفهوم المخالفة: أن لا يخرج الكلام مخرج الغالب. قال الشارح: [وتخصيص العباس بالرخصة من أجل السقاية دليل على أنه لا رخصة لغيره. وروى ابن ماجه عن ابن عباس قال: (لم يرخص النبي صلى الله عليه وسلم لأحد أن يبيت بمكة إلا العباس من أجل سقايته). وروى الأثرم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر رضي الله عنه قال: لا يبيتن أحد من الحجاج إلا بمنى]، وكثير من الحجاج المصريين بعد أن يرموا جمرة العقبة لا يرجعون إلى منى، ولكنهم يجلسون عند الجمرات ثم يعودون إلى الفندق، فهم بهذا يتركون واجباً، والواجب أن يقضوا في منى أكثر من نصف الليل، فإذا دخلوا إلى منى بعد الغروب وبقوا فيها إلى الثانية بعد منتصف الليل، فيكونون قد قضوا غالب الليل وهذا جائز. وأما ألا يبيت ف

صفة رمي الجمرات يوم النحر وأيام التشريق

صفة رمي الجمرات يوم النحر وأيام التشريق ثم قال المصنف: [فيرمي بها الجمرات بعد الزوال]، يعني: يبيت بمنى ويرمي الجمرات، بعد الظهر، فيرمي جمرة العقبة قبل الزوال، والجمرتان يرميهما بعد الزوال، وهذا يحتاج إلى إعادة نظر، نعم قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم الرمي بعد الزوال، لكن ليس معنى هذا أن الرمي لا يمتد، بل يمتد لأهل الأعذار إلى غروب الشمس، بل إلى الليل؛ لأنه من الصعوبة بمكان أن يرمي الحجيج مرة واحدة بعد الزوال؛ فلا بد أيضاً من إعادة النظر في بعض مناسك الحج في ضوء الزحام الشديد: كالرمل، فلا يمكن أن ترمل حول البيت في حال الزحام الشديد. وكالدعاء بعد رمي الجمار، فلا يتصور أن تقف وتدعو بمقدار سورة البقرة. فهناك بعض الأمور الفقهية تحتاج من فقهاء الأمة إلى إعادة نظر، لكن ليس كما قال الدكتور القرضاوي: أنه يجوز أن تتصدق بثمن الأضحية لأجل فلسطين. وهذا الكلام يخالف الشرع؛ لأن الأضحية نسك، والغرض منها إسالة الدماء في يوم النحر، وهذه الفتوى توزع على النقابات المهنية ويقولون فيها: خذ الأجر مرتين، أجر الأضحية وأجر التصدق لإخوانك في فلسطين، ولم يقل بهذا الكلام أحد من أهل العلم أبداًَ، وليس له سلف، فإن الأضحية نسك، ونحن نجل العلماء ونقدرهم، لكن الحق أحب إلينا، فإسالة الدماء في يوم العيد مقصودة لذاتها، وأحب الأعمال إلى الله في يوم النحر: هي إسالة الدماء، لو أن الأمة جميعاً تصدقت بالمبالغ إلى فلسطين، إذاً لن تسال دماء في يوم العيد، إذاً ما فائدة يوم النحر، وما سمي بهذا الاسم إلا وفيه نحر، وقد صدروا الفتوى بحديث موضوع مكذوب وهو عند ابن ماجه، (ما بال الأضحية؟ قال: سنة أبيكم إبراهيم، لكم بكل شعرة حسنة)، وقد حققت هذه الأحاديث مجلة التوحيد في هذا الشهر. فلابد أن يراجع نفسه من قال هذا الكلام. قال الشارح: [فيرمي الجمرات بعد الزوال من أيامها كل جمرة بسبع حصيات، فيبتدئ بالجمرة الأولى فيستقبل القبلة ويرميها بسبع حصيات كما رمى جمرة العقبة؛ لأن جملة ما يرمي به الحاج سبعون حصاة]: يرمي في يوم النحر سبعاً. وفي اليوم الأول من أيام التشريق واحداً وعشرين. ثم في اليوم الثاني واحداً وعشرين. وإن تأخر في اليوم الثالث فيرمي واحداً وعشرين فيكون المجموع: سبعين حصاة. قال الشارح: [لأن جملة ما يرمي به الحاج سبعون حصاة: سبع منها يوم النحر بعد طلوع الشمس، وسائرها في أيام التشريق بعد زوال الشمس، كل يوم إحدى وعشرين حصاة لثلاث جمرات]، ويجوز التوكيل في الرمي لأهل الأعذار، فالمرأة بدلاً من أن ترمي الجمرة وتخالط الرجال في هذا الزحام الشديد؛ يجوز لها أن توكل غيرها في الرمي، ولا بأس بذلك، فهي معذورة. قال الشارح: [يبتدئ بالجمرة الأولى وهي أبعد الجمرات من مكة، وتلي مسجد الخيف، فيجعلها عن يساره ويستقبل القبلة، ويرميها بسبع حصيات كما وصفنا في جمرة العقبة، ثم يتقدم عنها إلى موضع لا يصيبه الحصا، فيقف طويلاً]، بعد رمي الجمرة الصغرى يقف طويلاً، أما الآن فهذا صعب جداً، وبعض الناس يريد أن يطبق هذه السنة فيعرقل الناس، والبعض يصر على تقبيل الحجر، ولو كان فيه إيذاء للمسلمين، وليس هذا من الفقه بحال. ثم قال الشارح: [يدعو الله عز وجل رافعاً يديه، ثم يتقدم إلى الوسطى فيجعلها عن يمينه ويستقبل القبلة، ويرميها بسبع حصيات، ويفعل من الوقوف والدعاء كما فعل في الأولى، ثم يرمي جمرة العقبة بسبع حصيات، ويستبطن الوادي ويستقبل القبلة ولا يقف عندها]، أي: أنه يقف بعد الجمرة الأولى وبعد الثانية. قال الشارح: [قالت عائشة رضي الله عنها: (أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر، ثم رجع إلى منى فمكث فيها ليالي أيام التشريق يرمي الجمرات إذا زالت الشمس، كل جمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة، يقف عند الأولى والثانية، ويطيل القيام ويتضرع، ويرمي الثالثة ولا يقف عندها) رواه أبو داود. وروى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أنه كان يرمي الجمرة الأولى بسبع حصيات، فيكبر على أثر كل حصاة، ثم يتقدم ويُسْهِل)]، ومعنى ذلك: أنه يمشي بسهولة ويسر. قال الشارح: [(ويقوم قياماً طويلاً ويرفع يديه، ثم يرمي الوسطى، ثم يأخذ بذات الشمال فيُسْهِل، ويقوم مستقبلاً القبلة قياماً طويلاً، ثم يرفع يديه ويقوم طويلاً، ثم يرمي جمرة العقبة من بطن الوادي ولا يقف عندها، ثم ينصرف، قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله)]، وابن عمر كان متمسكاً بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، لذلك فإنه في يوم مطر شديد -وهذا الحديث في البخاري في كتاب الأذان- كان المؤذن يؤذن فوق سطح المسجد والجو شتاء، فقال ابن عمر حينما بلغ المؤذن: حي على الصلاة، قال: قل: صلوا في رحالكم، يعني: أمره أن يستبدل: حي على الصلاة بقوله: صلوا في رحالكم، ثم قال للناس: فعلها من هـ

ما يفعله من أراد التعجل في يومين من أيام التشريق

ما يفعله من أراد التعجل في يومين من أيام التشريق قال الشارح: [أجمع أهل العلم أن لمن أراد الخروج من منى شاخصاً عن الحرم غير مقيم بمكة، أو ينفر بعد الزوال في اليوم الثاني من أيام التشريق إذا رمى فيه، فأما إن أحب أن يقيم بمكة؛ فقد قال أحمد: لا يعجبني لمن نفر النفر الأول أن يقيم بمكة]، يعني: أن مذهب الإمام أحمد فيمن تعجل أن يخرج من مكة ويسافر، فطالما أنك مقيم بمكة أياماً تأخر، إذ ما الفرق بين المبيت بمكة ومنى، التعجل لمن أراد أن يسافر من مكة، أما إن كنت باقياً في مكة فالأولى لك أن تتأخر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تأخر؛ لذلك فإنك حين تنظر إلى منى في يوم الثالث عشر تجدها خاوية إلا من القليل، وعندما تذهب إلى مكة تجد الحجاج في الفنادق لا زالوا يقيمون فيها، لماذا تقيمون في الفنادق؟ أقيموا في منى، فإن أراد أن يرحل تعجل، وإن أراد أن يقيم فيتأخر. قال الشارح: [وكان مالك يقول: من كان له عذر من أهل مكة؛ فله أن يتعجل في يومين، وإن أراد التخفيف عن نفسه من أمر الحج فلا، ويحتج من يذهب إلى هذا بقول عمر: من شاء من الناس كلهم أن ينفر في النفر الأول إلا آل خزيمة فلا ينفروا إلا في النفر الآخر، قال ابن المنذر: جعل أحمد وإسحاق معنى قول عمر: إلا آل خزيمة، أي: أنهم أهل حزم، وظاهر المذهب جواز النفر في النفر الأول لكل أحد]، يعني: يجوز أن يخرج من منى حتى وإن تأخر بمكة، لكن هذا على سبيل الاستحباب؛ لأن الآية جاءت واضحة قال تعالى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة:203]، وإن أدركه الغروب ولم يخرج من منى؛ يلزمه المبيت بها حتى يرمي في اليوم الثالث عشر من أيام ذي الحجة.

الفرق بين ختام عمل الحاج في الأنساك الثلاثة

الفرق بين ختام عمل الحاج في الأنساك الثلاثة قال الشارح: [فإن كان متمتعاً أو قارناً؛ فقد انقضى حجه وعمرته، وإن كان مفرداً خرج إلى التنعيم فأحرم بالعمرة منه، ثم أتى مكة فطاف وسعى وحلق أو قصر]، والمعنى: أن المتمتع والقارن ينتهي نسكهما في اليوم الثاني عشر من أيام ذي الحجة، والمفرد يجوز له أن يذهب إلى التنعيم ليحرم بالعمرة بعد أن أدى الحج. قال الشارح: [وإن كان مفرداً خرج إلى التنعيم فأحرم بالعمرة منه، ثم أتى مكة فطاف وسعى وحلق أو قصر، فإن لم يكن له شعر استحب أن يمرر الموسى على رأسه، وقد تم حجه وعمرته؛ لأنه قد فعل أفعال الحج والعمرة. وليس في عمل القارن زيادة على عمل المفرد، ولكن عليه وعلى المتمتع دم]، وهذا مقارنة بين المتمتع وبين القارن وبين المفرد، وإذا نظرنا إلى أعمال كل منهم فسوف نجد أن على المتمتع أن يطوف: طواف العمرة، وطواف الإفاضة، وطواف الوداع. وعلى القارن أن يطوف: طواف القدوم، وطواف الإفاضة، وطواف الوداع، لكن طواف القدوم بالنسبة للقارن سنة، إن لم يفعله فلا شيء عليه. أما المفرد فمثل القارن إلا أمر واحد وهو: أن القارن عليه دم، والمفرد ليس عليه دم، هذا الفرق الوحيد بين القارن وبين المفرد. قال الشارح: [وليس في عمل القارن زيادة على عمل المفرد، ولكن عليه وعلى المتمتع دم]، فالقارن عليه دم، والمتمتع عليه دم. وهنا مسألة مهمة فلو أن رجلاً دخل إلى مكة بثيابه لأن معه تأشيرة عمل، ولا يستطيع أن يحرم من الميقات، فماذا يلزمه؟ A إن كان مفرداً لزمه دم واحد، هو دم ترك الإحرام من الميقات، وإن كان متمتعاً فعليه دمان: الدم الأول دم ترك الواجب، والدم الثاني دم التمتع، لقوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ} [البقرة:196]. قال الشارح: [بل فعلهما سواء]، أي القارن والمفرد. قال الشارح: [ويجزيه طواف واحد وسعي واحد لحجه وعمرته، نص عليه أحمد في رواية جماعة من أصحابه]، أي: أن المفرد يلزمه طواف واحد، ويلزمه سعي واحد، والقارن كذلك، والمتمتع يلزمه طوافان وسعيان، طواف العمرة وطواف الحج، وسعي العمرة وسعي الحج، ولو قال قائل: أين طواف العمرة؟ قلنا: كحال الطهارة الصغرى حينما تدخل في الكبرى، والمعنى: أنك حينما تغتسل وتنوي بغسلك الوضوء؛ يدخل الوضوء في الغسل، تماماً كما قال الإمام أحمد، ودليله واضح في صحيح مسلم أن المفرد والقارن ليس عليهما إلا طواف وسعي واحد. قال الشارح: [وعنه]، يعني: عن أحمد في رواية أخرى. قال الشارح: [أن على القارن طوافين وسعيين، روي ذلك عن علي، ولم يصح عنه، واحتج من قال ذلك بقوله سبحانه: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:196]، وتمامهما أن يأتي بأفعالهما على الكمال، ولم يفرق بين القارن وغيره، قالوا: وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من جمع بين الحج والعمرة فعليه طوافان)]، حديث الدارقطني ضعيف، وبهذا يستدل من قال: إن على القارن طوافين وسعيين، وهذا مذهب أحمد في الرواية الأخرى. والراجح: أن عليه طواف واحد وسعي واحد، وسأذكر الأدلة بعد استعراض الرأي الثاني. يقول الشارح: [ولنا ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: وأما الذين كانوا جمعوا الحج والعمرة، فإنما طافوا لهما طوافاً واحداً، متفق عليه. وفي مسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ عائشة لما قرنت بين الحج والعمرة: يسعك طوافك لحجك وعمرتك) الحديث، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحرم بالحج والعمرة؛ أجزأه طواف واحد وسعي واحد حتى يحل منهما جميعاً)، وعن جابر: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن بين الحج والعمرة، وطاف لهما طوافاً واحداً)، رواهما الترمذي، وقال في كل واحد منهما: حديث حسن. وعنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يطف هو وأصحابه لعمرتهم وحجهم حين قدموا إلا طوافاً واحداً)، رواه الأثرم وابن ماجه، كل ذلك يستدل به الإمام أحمد في روايته الأولى على أن القارن والمفرد لهما طواف واحد وسعي واحد، وينتصر إلى هذا الرأي الذي فيه الحديث المتفق عليه، والذي رواه جابر أيضاً، لكن القارن عليه دم. قال الشارح: [لكن عليه دم، أكثر أهل العلم على القول بوجوب الدم عليه]، يعني: على القارن. قال الشارح: [ولا نعلم فيه اختلافاً، إلا ما حكي عن داود أنه قال: لا دم عليه، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قرن بين حجه وعمرته؛ فليهرق دماً)، ولأنه ترفه بسقوط أحد السفرين]. فالقارن هنا يؤدي العمر

حكم طواف الوداع للحاج والمعتمر

حكم طواف الوداع للحاج والمعتمر قال المصنف: [وإذا أراد القفول لم يخرج حتى يودع البيت]، فبعد أن بين الصوم لمن عجز عن الواجب، تحدث عن طواف الوداع، وليس على المعتمر طواف وداع، وقد أفتى شيخنا ابن عثيمين رحمه الله أن عليه طواف وداع، وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة؛ لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أدى العمرة في أكثر من مرة ولم يطف للوداع، ولكن شيخنا رحمه الله أخذ بمطلق النص، وقال: (فليكن آخر عهدك بالبيت)؛ فأراد أن يلزم المعتمر بطواف الوداع. لكن طواف الوداع يسقط عن المرأة إذا حاضت. وإذا ترك الحاج طواف الوداع ورحل إلى بلده فعليه دم؛ لأن طواف الوداع واجب، وطواف الإفاضة ركن، فإن ترك الإفاضة فقد بطل الحج، وإن ترك الوداع يلزمه فدية يذبحها في مكة، أو يرسل بدنانير إلى مكة تذبح عنه وتوزع بداخل مكة، فإن عجز عن هذه الفدية فعليه صيام عشرة أيام في بلده. قال الشارح: [وإذا أراد القفول لم يخرج حتى يودع البيت بطواف عند فراغه من جميع أموره حتى يكون آخر عهده بالبيت؛ لما روى ابن عباس قال: (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض)، متفق عليه. ولـ مسلم قال: (كان الناس ينصرفون كل وجه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ينصرفن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت). فإن اشتغل بعده بتجارة أعاد طواف الوداع]، فلو أن رجلاً طاف طواف الوداع، ثم توجه إلى الفندق لحمل حقائبه وهو في الطريق اشترى ماءً وغذاءً، فإنه لا يعيد الطواف لأنه تزود للسفر، فلا بأس بذلك، إنما المحظور بعد طواف الوداع أن يقيم في مكة للتجارة، أو أن يبقى بها، فلا بد أن يرحل منها؛ لأن هذا هو آخر عهده، فإذا اشتغل بالتجارة أعاد. قال الشارح: [وذلك أن الوداع إنما يكون عند خروجه؛ ليكون آخر عهده بالبيت، فإن طاف الوداع ثم اشتغل بتجارة أو إقامة؛ أعاد طواف الوداع للحديث. ويستحب له إذا طاف أن يقف في الملتزم بين الركن والباب فيلتزم البيت؛ لما روى أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال: (طفت مع عبد الله، فلما جئنا دبر الكعبة قلت: ألا نتعوذ؟ قال: نعوذ بالله من النار، ثم مضى حتى استلم الحجر، فقام بين الركن والباب فوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه هكذا، وبسطهما بسطاً، وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله). قال المصنف: [فمن خرج قبل الوداع رجع إن كان قريباً]، يعني: من خرج من مكة ولم يطف للوداع؛ فإن كان قريباً فعليه أن يعود ليطوف طواف الوداع. قال المصنف: [وإن أبعد بعث بدم]، يعني: إن خرج من مكة وبعد؛ بعث بدم. قال المصنف: [وذلك لأن طواف الوداع واجب يجب بتركه دم، وليس ركناً، فإذا خرج قبل فعله لزمه الرجوع إن كان قريباً، لأنه أمكنه الإتيان بالواجب من غير مشقة، فلزمه كما لو كان بمكة، وإن كان بعيداً لم يلزمه الرجوع؛ لأن فيه مشقة، فلم يلزمه، إلا المرأة الحائض والنفساء فلا وداع عليهما للخبر، والنفساء في معنى الحائض، ويستحب لهما الوقوف عند باب المسجد والدعاء]، أي: يستحب للحائض والنفساء أن يقفا عند المسجد؛ لأن المرأة الحائض لا تمنع من الذكر، وإنما تمنع من الطواف. فإذا حاضت المرأة ولم تطف للإفاضة وكان الركب يستعدون للرحيل، فإنها تتحفظ وتطوف للإفاضة ويلزمها فدية، ومسألة الفدية فيها خلاف: من العلماء من قال: تتحفظ وتطوف ولا شيء عليها؛ لأنها معذورة، وهذا الركن بالنسبة لها سقط بعجزها، أو لأن المشقة تجلب التيسير. وبعضهم قال: لابد لها من فدية بعد الطواف. وقد ذكرنا أحكام الحائض والنفساء قبل ذلك، وابن تيمية فرق بين الحائض والجنب، فالجنب بيده أن يرفع الجنابة، أما الحائض فليس في يدها شيء، فلا يجوز للحائض أن تدخل المسجد، لكن رخصنا لها لأن الركب سيرحل، ومن المستحيل أن نقول للركب: قفوا حتى تطهر؛ ولذلك (قال صلى الله عليه وسلم لـ صفية: أحابستنا هي؟! فأخبروه أنها طافت للإفاضة ولم تطف للوداع؛ فرحل صلى الله عليه وسلم). فقوله: أحابستنا هي؟! بمعنى أنه سيستمر معها حتى تطهر لتطوف للإفاضة؛ لذلك يستحب للنساء بعد رمي جمرة العقبة، وبعد الذبح والتحلل أن يطفن للإفاضة مسرعات؛ لأن المرأة الحائض تمنع الركب من الرحيل، فبما أنها تستطيع أن تطوف الإفاضة في يوم النحر فتطوف. وقد ذكرنا قبل ذلك أحكام الحيض والنفاس في عدة محاضرات وقلنا: إن الحيض يمنع عشرة أشياء، منها ما هو متفق عليها، ومنها ما هو مختلف فيها، ودم النفاس كدم الحيض تماماً، إلا أن النفساء أطول عدة لها أربعون يوماً، فإن زاد فهو استحاضة.

الأسئلة

الأسئلة

نصيحة لمن أراد الاستقامة

نصيحة لمن أراد الاستقامة Q نريد أن نستقيم على الدين، ولكن لا نملك الإرادة القوية والتضحية بمفاتن الحياة، ونحن طلاب جامعة أمامنا الكثير من الفتن، وكلما نقترب من الدين فسرعان ما نبعد عنه، ولكن نحاول الاقتراب من الدين، الرجاء أن تدلنا على الطريق السليم والأسلحة التي نتسلح بها؟ A الأسلحة هي: أن تصاحب الأتقياء، وأن تبتعد عن الشياطين، وأن تكون مع الصالحين في مجالس العلم، ليأخذوا بيدك إن شاء الله، فإن غفلت ذكروك، وإن نمت أيقظوك، وإن أردت أن تنحرف أقاموك على الجادة، فأول نصيحة أنصحك بها أيها الأخ الكريم: أن تكون مع المؤمنين الصالحين.

حكم لقطة الكتاب الثمين

حكم لقطة الكتاب الثمين Q وجدت كتاباً ثمنه اثنا عشر جنيهاً، هل يجوز لي أن آخذه أم ماذا أفعل؟ A هذا لقطة، عليك أن تعرِّف الكتاب، فإن لم تجد له صاحباً فانتفع به إلى أن يظهر صاحبه، فإن لم يظهر خلال العام فأنت وما وجدت.

من وسائل دفع الهم والغم

من وسائل دفع الهم والغم Q أصبت بمرض الضيق والسآمة من الدنيا وما فيها، وأؤدي الفروض والعبادات بملل شديد؛ مع أنه لا ينقصني شيء من لذات الحياة، فهل ذلك الضيق لأن الدنيا سجن المؤمن، أم ما سبب هذا الضيق؟ A وسائل دفع الهم متعددة، والدكتور ناصر العمر له كتاب اسمه: (دفع الهم) فراجعه، فأنصحك بأن تكرر هذا الدعاء: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن)، لكن عند قول هذا الدعاء لابد أن تقوله بيقين، وأنصحك بكثرة السجود، وقيام الليل، وقراءة القرآن، يقول تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل:97]، فالحياة الطيبة في القرآن والذكر والطاعة، فعليك بهذا، وإن شاء الله يفرج همك.

حكم كشف الرأس في الصلاة

حكم كشف الرأس في الصلاة Q هل ذكر الشيخ الألباني في كتاب تمام المنة في شروط صحة الصلاة أن كشف الرأس من مكروهات الصلاة؟ A أنا لم أقف على هذا الكلام، ولكن قال ابن عمر: غطاء الرأس في الصلاة من زينتها. لكن هذا يخضع لعرف المجتمع. قال أحد السلف لآخر: أتحب أن يراك الناس مكشوف الرأس؟ قال: لا. فقال: ربك أحق أن تتزين له. فإن كان كشف الرأس في مجتمع خارم من خوارم المروءة؛ فيلزم تغطية الرأس. ويحضرني أن صحفياً في المملكة جاء ليدخل على أحد علماء المملكة، ولم يكن عليه غطاء؛ فأبى أن يأذن له حتى يغطي رأسه، فاعتبر الدخول دون تغطية الرأس من عدم احترام العالم، فذهب الصحفي واشترى طاقية وغطى رأسه. والمجتمعات تختلف، فبعض الناس إن سار مكشوف الرأس كأن شيئاً ينقصه، وهذا موجود إلى الآن، لكن بعض الإخوة اعتاد أن يكشف الرأس، وعموماً المسألة تخضع للمجتمع الذي يعيش فيه.

الحكم إذا رضع الطفل من امرأة غير مسلمة

الحكم إذا رضع الطفل من امرأة غير مسلمة Q رجل حينما كان رضيعاً مرضت أمه وأرضعته جارة نصرانية لمدة حتى شفى الله أمه، وهذه النصرانية لها ابن في مثل سنه كان يرضع معه هل هذا الولد هو أخوه من الرضاعة؟ A كل ما في المسألة أنه يحرم عليه بنات هذه المرأة؛ لأنه رضع منها، حتى وإن كانت من أهل الكتاب؛ لأنه يحل له في شرعنا أن يتزوج من أهل الكتاب، وبمجرد الرضاعة يحرمن عليه. واختلاف الدين أيها الإخوة الكرام! يمنع الميراث، ويمنع أخوة الدين. ولكن هو هنا أخوه من الرضاعة؛ لأنه رضع معه، وكان لـ عمر أخ كافر، فأهدى النبي صلى الله عليه وسلم عمر ثوباً من حرير، فأهداه عمر لأخيه الكافر، فعلى هذا رأى بعض العلماء أن التعامل مع الكفار يكون بهذا المنطق، والحديث في البخاري.

حكم صيام يوم السبت إذا وافق يوم عرفة

حكم صيام يوم السبت إذا وافق يوم عرفة Q وافق يوم عرفة يوم السبت، وبعض الناس صامه منفرداً، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إفراد يوم السبت أو الأحد بصيام؟ A ( لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم) حديث موضوع متروك شاذ؛ لأنه عارض ما في الصحيح: (أفضل الصيام صيام نبي الله داود، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً) فإذا صام يوماً وأفطر يوماً فسيصوم السبت منفرداً حتماً. ثم حديث جويرية قالت: (دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة وأنا صائمة فقال: صمت أمس؟ قالت: لا، قال: تصومين غداً؟ قالت: لا، قال: فأفطري) فإذا صامت السبت بعده أيكون فيما افترض؟ هذا معنى قوله: (لا تصوموا السبت إلا فيما افترض)، فالمتن فيه نكارة كما قال العلماء، وجمهور أهل العلم على جواز إفراد السبت بصيام إن وافق عرفة، ولقد راجعنا الشيخ محمد حسان في هذا فقال: أنا لم أقل على المنبر بعدم الجواز، لكن الحضور فهموا هذا, فأرجو أن يصل صوتي إليهم وأنا سأعود إلى الشريط مرة ومرة؛ لأن عقيدتي أنه يجوز إفراد السبت بالصيام.

حكم سلس البول

حكم سلس البول Q عندما أنتهي من الاستنجاء وأقوم إلى الوضوء أشعر ببعض القطرات من البول وفي الصلاة أيضاً؟ A أنت الآن مريض بسلس البول، فعندما تتوضأ تربط على فرجك خرقة وتصلي حتى وإن نزل منك وقال لي أحدهم: طلقت امرأتي في نفسي فهل علي شيء؟ قلت: لا يقع. وبعد قليل قال: يا شيخ! تخيلت أني طلقتها فهل يقع أم لا؟ قلت: لا يقع. قال: يا شيخ! تصورت أني أطلقها، فقلت له: اتق الله في نفسك. وآخر يقول: عندي سلس بول! قلت: كيف؟ قال: بعد خروجي من الخلاء أظل أنظر إلى بشرتي وإلى ما بداخلها، ثم أنقب عما فيها وهذه وسوسة؛ فينبغي ألا يلتفت إلى هذا أبداً، وأن يتقي الله سبحانه وتعالى. فالوسواس القهري هذا مرض موجود، فأنت من أهل الأعذار ولا شك، حتى وإن صليت بنجاسة متلبس بها لا تعلمها ولا يمكنك أن تزيلها؛ فلا تلتفت. وبعض الإخوة يدخل الخلاء ساعتين، ويتوضأ ثلاث ساعات، فيكون قد ذهب وقت الصلاة ودخل وقت الأخرى، وهذا لا يمكن أن يقبل بحال، فاتق الله في نفسك.

حكم تهنئة الأم في عيد الأم

حكم تهنئة الأم في عيد الأم Q هل قولي لأمي في عيد الأم: كل سنة وأنت طيبة من البدع؛ لأن أمي تغضب مني إذا لم أقل لها ذلك في هذا اليوم؟ A هل يوجد عندنا عيد في الشرع يقال له: عيد الأم؟ إن الأولى أن تقبل يدها في كل يوم، وفي كل يوم تقول لها: حفظك الله! أما أن تجعل هذا اليوم فقط يوماً لتكريم الأم؛ فهذا ليس من الشرع في شيء، وهذه الأيام التي تسمى بالأعياد كثيرة جداً، والأعياد الشرعية عيد الفطر وعيد الأضحى.

حكم استئذان المرأة لزوجها عند قضائها للصوم

حكم استئذان المرأة لزوجها عند قضائها للصوم Q أفطرت في رمضان لعذر الاستحاضة، هل عندما أبدأ في تعويض هذه الأيام أستأذن زوجي؟ A لا ينبغي للمرأة أن تفطر بسبب الاستحاضة، إنما تفطر بسبب الحيض، أما الاستحاضة فلا تفطر من أجلها الصائمة، أما ما دام الأمر كما تقولين فلا يلزمك أن تستأذني الزوج.

حكم إخراج قيمة الأضحية للفقراء

حكم إخراج قيمة الأضحية للفقراء Q سمعت أحد المشايخ في التلفاز يفتي بأن مذهب أبي حنيفة يجوز إخراج قيمة الأضحية مالاً وتوزيعه على الفقراء إذا كان في ذلك الفعل مصلحة، فهل يفهم من ذلك أن الأضحية غير واجبة على القادر، أم للقادر حرية الاختيار في إخراجها أضحية أو مالاً؟ A هذا كلام غير صحيح، حتى وإن كان هذا مذهب أبي حنيفة فهذا قول باطل؛ لأنه عارض الأدلة، والأحناف أحياناً يقيسون قياساً فاسداً من وجوه، ولا يلتفت إلى أقوالهم أبداً، ورحم الله من قال: وليس كل خلاف جاء معتبراً إلا خلاف له حظ من النظر فلا داعي أن نقول: إن الأحناف قالوا: يجوز إخراج الأضحية نقداً، فزكاة الفطر يجوزون أن تخرج نقداً، والأضحية يجوزون أن تخرج نقداً، لا أدري ماذا سيصنعون بالفقه بعد ذلك. والنبي صلى الله عليه وسلم ضحى، ولم يأذن للصحابة إلا بالأضحية، والصحابي الذي ذبح قبل الصلاة أمره أن يعيد الذبح، فقال: ليس عندي إلا جذعة، قال: (تجزئ عنك ولا تجزئ عن أحد غيرك). ولم يقل له: أخرج دراهم أو دنانير. وهذا الكلام فيه خلل كبير يناقض الأدلة، وفي حد علمي أن الأحناف لم يقولوا هذا الكلام، وإنما قالوا بوجوب الأضحية، خلافاً لجمهور العلماء، فإنهم قالوا: إنها سنة مؤكدة، فأرى أن يعاد النظر في هذه المسألة.

العدة شرح العمدة [51]

العدة شرح العمدة [51] فرض الله حج البيت على الناس من استطاع السبيل إليه، ووضح النبي صلى الله عليه وسلم مناسك الحج والعمرة لأمته في حجة الوداع وبين لهم ما يجب عليهم فعله في الحج ابتداءً بالإحرام ومروراً بالوقوف في عرفة وانتهاءً بطواف الوداع، فبين لهم عليه الصلاة والسلام ما يجب فعله وما يحرم فعله، وما يستحب فعله وما يكره، فأخذ الصحابة الكرام مناسك الحج عن النبي صلى الله عليه وسلم ونقلوها للأمة بعدهم.

باب أركان الحج والعمرة

باب أركان الحج والعمرة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: قال المصنف رحمه الله: [باب أركان الحج والعمرة. أركان الحج يقصد بها: ما إذا تركه المكلف يقع الحج باطلاً]، أي: أن الحج يبطل بترك ركن من هذه الأركان، وفرقنا بين الركن والواجب والسنة، والحج له أركان، وله واجبات وله سنن. فالأركان لا بد من تحصيلها، والواجبات إن تركها تجبر بدم، والسنن لا شيء في تركها. قال المصنف رحمه الله تعالى: [أركان الحج: الوقوف بعرفة، وطواف الزيارة]، لكنه نسي أن يذكر الإحرام، فنضيف إليها: الإحرام، وأصل الإحرام ركن، والإحرام من الميقات واجب، فلو مر على الميقات دون أن يحرم وأحرم بعد الميقات يلزمه دم، لكن لا يجوز أبداً أن لا يحرم، فأصل الإحرام ركن، والإحرام من الميقات واجب، لذلك نضيف هنا: الإحرام، فقد نسي المصنف أن يذكره. قال الشارح: [الوقوف بعرفة: فلا يتم الحج إلا به إجماعاً، وروى عبد الرحمن بن يعمر قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة فجاءه نفر من أهل نجد فقالوا: يا رسول الله كيف الحج؟ قال: الحج عرفة)]، وقوله: (الحج عرفة)، تعريف للحج بأهم ركن من أركانه، وأمثال هذا في الكتاب والسنة كثير، يقول ربنا سبحانه: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران:43]، (اسجدي) أي: صلي، و (اركعي مع الراكعين) أي: صلي مع المصلين، فعبر عن الصلاة بأحد أركانها، فالتعبير عن الشيء بركن من أركانه معروف في لغة العرب. قال الشارح: [(الحج عرفة)، فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جمع فقد تم حجه أخرجه أبو داود وابن ماجه] وليلة جمع هي ليلة المبيت بالمزدلفة، فلو أن رجلاً انطلق من مصر في اليوم التاسع من ذي الحجة وهو يوم عرفة، وأدرك الوقوف بعرفة قبل فجر يوم العيد فقد أدرك الحج. قال الشارح: [قال محمد بن يحيى: ما أرى للثوري حديثاً أشرف منه]. ولا بد أن نفرق بين الوقوف بعرفة والوقوف بعرفة نهاراً، والسنة أن يجمع في الوقوف بعرفة بين النهار والليل، فإذا وقف بالليل ولم يقف بالنهار فحجه صحيح ولا شيء عليه، وإذا وقف بالنهار وترك عرفة قبل غروب الشمس، فقد ترك واجباً من واجبات الحج عند بعض الفقهاء وأنه يجبره بدم. قال الشارح: [وطواف الزيارة ركن لا يتم الحج إلا به]، ويسمى: طواف الإفاضة، وطواف الزيارة، وطواف الحج، وطواف الركن، فله أربعة أسماء: طواف الإفاضة، وطواف الزيارة، وطواف الحج، وطواف الركن، وكلها بمعنىً واحد. قال الشارح: [طواف الزيارة ركن لا يتم الحج إلا به، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم حين ذكر له أن صفية حاضت، قال: (أحابستنا هي؟، قيل: إنها قد أفاضت يوم النحر، قال: فلتنفر إذاً)]، بمعنى: أن صفية زوجة النبي صلى الله عليه وسلم أصابها الحيض فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (أحابستنا هي؟)، أي: أنها ستؤخرنا عن الرحيل؛ لأنها لا بد أن تطوف طواف الزيارة فلما أخبر أنها طافت طواف الإفاضة في يوم النحر قال: (فلتنفر إذاً)؛ لأن طواف الوداع يسقط عنها؛ لأنها حائض.

واجبات الحج

واجبات الحج قال الشارح: [فصل ثم ذكر الواجبات]، إذاً بعد أن ذكر الأركان ذكر الواجبات، إذاً فالأركان ثلاثة ذكر المصنف ركنين الوقوف بعرفة، وطواف الزيارة، أو الإفاضة، ونسي الإحرام.

الإحرام من الميقات

الإحرام من الميقات قال المصنف: [وواجباته: الإحرام من الميقات] كما قلنا: أن أصل الإحرام ركن، والإحرام من الميقات واجب، والوقوف بعرفة إلى الليل واجب، والمبيت بمزدلفة إلى نصف الليل واجب، والسعي بين الصفا والمروة، والمبيت بمنى والرمل، والحلق، وطواف الوداع، فهي ثمانية في المذهب، والسعي مختلف فيه، فمنهم من قال: أن السعي ركن، ودراسة المذهب تفيد طالب العلم في دراسة الفقه، فإذا درس مذهباً واحداً وأجاده، يدخل بعد ذلك إلى الفقه المقارن، أما أن يدخل إلى الفقه المقارن قبل أن يجيد مذهباً هذا لم يعرفه السلف، وليس معنى دراسة المذهب أن نتعصب له، بل هناك فرق بين الدراسة والمذهبية، فكل علماء السلف كان لهم مذهب، فـ ابن رجب كان حنبلياً، وابن العربي كان مالكياً، وابن حجر كان شافعياً، والنووي كذلك، لذلك لا تجد عالماً من علماء سلفنا إلا وله مذهب، وليس معنى ذلك أنه يتعصب للمذهب ولكنه تخصص في دراسة مذهب من المذاهب، والكثير من طلاب العلم اليوم يدرس الفقه بطرق عشوائية، فإن قلت له ما مذهبك في الدراسة؟ يقول: لا أدري؛ لأنه لا يدري فعلاً، فهو يقرأ بعض الوقت في كتاب فقه السنة، والبعض الآخر في كتاب نيل الأوطار، والبعض الآخر في كتاب العدة، والبعض الآخر في كتاب التمهيد لـ ابن عبد البر، فيجمع بين هذه الكتب ولا يعرف أصولها، ولا يعرف مشايخ هذا المذهب ولا مجتهدي هذا المذهب، ولا يعرف كتب المذهب ومصطلحات المذهب، وليس معنى هذا أننا ندعو إلى المذهبية؛ لأن البعض قد يظن خطأً أنني أدعو إلى المذهبية، إنما ندعو إلى التخصص في دراسة مذهب واحد ثم بعد ذلك تنفتح على كتب الفقه الأخرى. وعالمنا الجليل الشيخ ابن عثيمين كان حنبلي المذهب في الدراسة لكنه في كتابه: الشرح الممتع أحياناً يترك المذهب الحنبلي ويقول: أخطأ المذهب، والراجح مذهب الشافعي، ومن الأمثلة على ذلك قوله: في مذهب الحنابلة لا يجوز أن تستقبل القمر أو الشمس بغائط أو بول، وهذا كلام غير صحيح، هذا كلام لا ينبغي أن يقال أبداً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (شرقوا أو غربوا)، معنى ذلك أنه لا يتوجه إلى القبلة أو إلى بيت المقدس. إذاً واجبات الحج عند الحنابلة ثمانية: أولاً: الإحرام من الميقات. ثانياً: الوقوف بعرفة ليلاً. ثالثاً: المبيت بمزدلفة إلى نصف الليل. رابعاً: السعي. خامساً: المبيت بمنى. سادساً: رمي الجمرات. سابعاً: الحلق. ثامناً: طواف الوداع. قال الشارح: [أما الإحرام فهو أن ينوي الدخول في العبادة، قال ابن عباس: (أوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم الإحرام حين فرغ من صلاته)]، وهناك فرق بين الإحرام وملابس الإحرام، والبعض يعتقد أن لبس الإزار والرداء إحرام، هو الآن تهيأ للإحرام، والإحرام أن يستحضر النية وأن يقول: لبيك عمرة أو لبيك حجاً، ولكن إن تهيؤ للإحرام في المطار فهذا ليس إحراماً وإنما هذا تهيأ، وعلى هذا يسأل البعض ويقول: أنا ألبس الإحرام والجو بارد فهل يجوز أن أضع العباءة فوق الإحرام؟ و A لا بأس بما أنك لم تصل إلى الميقات، فالعبرة بالميقات. قال الشارح رحمه الله: [في حديث جابر: (أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم لما أحللنا أن نحرم إذا توجهنا إلى منى)، رواه مسلم. وفي حديث: (أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يهلوا بالحج إذا خرجوا إلى منى وأمرهم بالإحرام)، والأمر يقتضي الوجوب، يعني أمرهم بالإحرام بعد أن تحللوا من العمرة قبل أن يذهبوا إلى منى في يوم التروية، أحرموا من مكانهم قبل أن يتوجهوا إلى منى. ويستحب النطق بذلك كما في صلاة الفرض] وهذا خطأ، فإنه لا يستحب في صلاة الفرض النطق بالنية، وهذا الكلام لا نوافقهم عليه، وصدق من قال: من تتبع أقوال الرجال وقع في متاهات الضلال. بعض المتصوفة عندنا كتب ورقة: أن الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم لا يعد شركاً؛ لأن الله حلف به فقال: {لَعَمْرُكَ} [الحجر:72]، والإمام أحمد يرى جواز الحلف بالنبي، وهذا الكلام حتى وإن ورد في مذهب أحمد فإنه يعارض قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك). وقوله صلى الله عليه وسلم: (من كان حالفاً فليحلف بالله). إذاً نحن لا نعتد بأقوال الرجال إن خالفت النص، والإمام أحمد بن حنبل على ورعه قال الدارمي في مقدمة سننه: والإمام أحمد على ورعه قال بجواز مسح اليد، هل معنى هذا الكلام أن آخذ هذا القول وأجعله دليلاً، فربما كان للإمام أحمد شبهة أو أنه كان متأولاً، إنما الحق واضح أبلج وضوح الشمس، لا ينبغي أبداً أن نتمسك بزلة عالم أو بقول مرجوح ضعيف ونسير في ركبه وندندن حوله، فإن هذا الكلام من

الوقوف بعرفة إلى الليل

الوقوف بعرفة إلى الليل قال الشارح: [ويحرم من الميقات كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال: (خذوا عني مناسككم)، وأما الوقوف بعرفة إلى الليل فواجب ليجمع بين الليل والنهار في الوقوف في عرفة فإن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بعرفة حتى غابت الشمس وفي حديث عروة: (من شهد صلاتنا ووقف معنا حتى ندفع، ووقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه)]، التفث يعني: النسك، قال الشارح: [وإذا تركه فعليه دم]، ومن ترك الوقوف بعرفة ليلاً عليه دم، لكن لا بد أن يقف بالنهار، فإن ترك الوقوف ليلاً ونهاراً فإن حجه باطل؛ لأنه ترك ركناً، والفرق بين الفساد والبطلان في الحج: أنه إذا ترك ركناً يقال: حج باطل، ولكن إن جامع زوجته قبل التحلل الأصغر فيسمى: فاسداً. وإن ترك عرفة فهذا يسمى الفوات، وقد شرحناه قبل ذلك باسم الفوات. قال الشارح: [(من شهد صلاتنا ووقف معنا حتى ندفع ووقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه)، فإذا تركه فعليه دم لقول ابن عباس: من ترك نسكاً فعليه دم] عليه دم يعني: عليه فدية، وإن عجز عن الفدية يصوم عشرة أيام، ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع، وهذا الحكم أيضاً فيمن ترك واجباً.

المبيت بمزدلفة

المبيت بمزدلفة قال الشارح: [وأما المبيت بمزدلفة فواجب لما في حديث جابر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصبح حين تبين له الصبح)، يعني: بمزدلفة، وفي حديث ابن مسعود: (صلى الفجر حين طلع الفجر)، وهذا دليل على أنه بات بها، وقد قال: (خذوا عني مناسككم). فإن دفع قبل نصف الليل فعليه دم؛ لأنه لم يبت، وإن دفع بعد نصف الليل فلا شيء عليه؛ لأنه يكون قد بات؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للعباس في ترك المبيت بمزدلفة لأجل سقايته وللرعاة من أجل رعايتهم، وذلك دليل على وجوبه على غيرهم؛ لكونه سقط عن هؤلاء رخصة]. قال الشارح: [وعنه] يعني: رواية أخرى عن أحمد [أن المبيت غير واجب ولا شيء على تاركه]، ولكن المذهب الأول هو الراجح، وهذا الواجب يتركه غالب حجاج مصر للأسف، فيأتون من عرفة مباشرة إلى منى، ولا يبيتون في مزدلفة، الغالب يترك هذا الأمر وبذلك يكون قد ترك واجباً، ويقول: لي عذر فالمطوف هو الذي ذهب بنا إلى منى، فأقول: يا عبد الله! لا تجعل المطوف يقودك في ركن من أركان هذا الدين، اترك المطوف وانزل في المزدلفة وبت فيها ثم توجه إلى منى في المخيم، ويجوز أن يدفع من المزدلفة بعد نصف الليل أصحاب الأعذار إن كان معهم نساء، فهم في حكم الصحبة والمرافق لهم يأخذ نفس الحكم، إنما النبي صلى الله عليه وسلم بات في مزدلفة حتى أسفر جداً وصلى بها الفجر.

السعي بين الصفا والمروة

السعي بين الصفا والمروة قال الشارح: [وأما السعي فعن أحمد رحمه الله: أنه لا يتم الحج إلا به، ولا ينوب عنه دم بوجه، وهو قول عائشة وعروة وهذا معناه أنه ركن فلا يجبره دم]. يعني: هناك رواية عن أحمد، ومن ثراء المذهب الحنبلي أن فيه أكثر من رواية، وكل رواية متعددة في مذهب الإمام أحمد تقابل رأياً في المذهب الآخر، فستجد أن مذهب الشافعي فيه قول من أقوال أحمد، فتعدد الروايات عن الإمام أحمد يجعل لهذا المذهب ثراء، ولذلك اختلف العلماء في روايات الإمام وكيف نرجح بين الروايات، وهناك كتاب للمرداوي اسمه: الإنصاف في الراجح من مسائل الخلاف، يرجح رواية واحدة في المذهب، ومن الجدير بالذكر أن المستشرقين قد زرعوا في الأمة هذا التقليد الأعمى: فإذا كان الرجل حنبلياً فمعناه أنه متشدد، وما كان الإمام أحمد متشدداً، وما عرف التشدد في يوم من الأيام، بل هو أقرب المذاهب إلى السنة؛ لأن الإمام أحمد كان أكثر الأئمة حفظاً لحديث النبي صلى الله عليه وسلم. يقول الشارح: [وعنه أنه مستحب ولا يجب بتركه دم، وذلك عن ابن عباس وأنس وعبد الله بن الزبير فإن الله تعالى قال: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة:158]، وفي مصحف أبي وابن مسعود: ((فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما))، وهذا إن لم يكن قرآناً فلا ينحط عن درجة الخبر؛ لأنهما يرويانه عن النبي صلى الله عليه وسلم، واختار القاضي أن يكون حكمه حكم الرمي يكون واجباً ينوب عنه الدم]. إذاً الخلاف وقع في السعي، منهم من قال: ركن، ومنهم من قال: واجب، ومنهم من قال: مستحب سنة ولكن الراجح أنه واجب إن تركه يجبر بدم، والقراءة الشاذة لا يعتد بها، كقراءة ابن مسعود: ((فصيام ثلاثة أيام متتابعات))، كلمة (متتابعات) قراءة شاذة، في كفارة اليمين: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ} [المائدة:89]، وقراءة ((ثلاثة أيام متتابعات))، هذه قراءة ابن مسعود وهي قراءة شاذة، والأحناف أخذوا بالقراءة الشاذة فقالوا: يشترط التتابع، وجمهور العلماء قالوا لا يشترط التتابع؛ لأن القراءة الشاذة لا يعتد بها. ومعرفة القراءات السبع مهم جداً، ومن المهم أن تعرف الفرق بين القراءات السبع وبين الأحرف السبعة، ولذلك يقول بعضهم: سامح الله من جعل القراءات سبعاً فإنه قد اختلط على الكثير أن الأحرف السبعة هي القراءات السبع وما تشابهت إلا في العدد، لكن القراءات السبع تختلف عن الأحرف السبعة، فالقرآن نزل على سبعة أحرف، ومعنى أنه نزل على سبعة أحرف أن الكلمة مختلفة اللفظ لكن المعنى واحد، فهي لهجات عند العرف: تعال، أقبل، هلم، كلها بمعنىً واحد، ولذلك كتبوه بلغة قريش، والأحرف السبعة هناك اختلاف فيها إلى ستة أقوال، هل هي القراءات السبع؟ هل هي الأوجه المغايرة؟ هل العدد لا مفهوم له؟ فأحياناً يكون عدد لا مفهوم له، الله يقول: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} [التوبة:80]، فالعدد هنا ليس له مفهوم وإنما يشير إلى الكثرة؛ لأن نهاية الآحاد عند العرب كانت سبعة ونهاية العشرات سبعين، وحينما أقول لك: سبعة يعني نهاية كمال الآحاد، فالعدد ليس مقصوداً لذاته وإنما لا مفهوم للعدد وإنما يشير إلى الكمال والكثرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو أعلم أني لو زدت عن السبعين لغفر له لفعلت).

المبيت بمنى يوم النحر وأيام التشريق

المبيت بمنى يوم النحر وأيام التشريق ثم انتقل بعد أن تحدث عن السعي إلى المبيت بمنى قال الشارح: [والمبيت بمنى واجب وعنه أنه غير واجب، قال ابن عباس رضي الله عنه: إذا رميت فبت حيث شئت، ووجه الأول ما سبق من الترخيص للعباس للمبيت في المزدلفة]. والمبيت بمنى ليس فيه إنابة؛ لأن هذا لا يجوز، فلا بد أن يبيت الشخص بنفسه ثم يوكل في الرمي إن لم يستطع، فبعض الناس يفهم أنه يجوز أن يوكل من يبيت عنه في منى لاقتران المبيت بالرمي، هكذا يفهم الكثير، وهذا لا يجوز لا بد أن يبيت بنفسه في منى.

رمي الجمرات

رمي الجمرات قال الشارح: [والرمي واجب قالت عائشة: (ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمي الجمرات إذا زالت الشمس)]، يعني: بعد الظهر، [وقال جابر: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة ضحى يوم النحر ورمى بعد ذلك بعد زوال الشمس)]، في يوم العيد رمى قبل الزوال، وبعد العيد رمى بعد الزوال. قال الشارح: [الرمي واجب قالت عائشة: (ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمي الجمرات)].

حلق الرأس وطواف الوداع

حلق الرأس وطواف الوداع ثم قال الشارح: [والحلق واجب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله، قال أنس: (إن النبي صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة يوم النحر ثم رجع إلى منزله دفعاً بذبح ثم دعا بالحلاق فأخذ بشق رأسه الأيمن فحلقه فجعل يقسم بينه وبين من يليه الشعرة والشعرتين)]، يعني: بعد أن حلق الجزء الأيمن أخذ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الشعر الذي حلقه وأعطاه أصحابه ليتبركوا بشعر النبي صلى الله عليه وسلم، ثم حلق الشق الأيسر؛ لأنه جاء في البخاري: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب التيامن في كل شيء، في تنعله وترجله وطهوره)، وترجله يعني: ترجيل الشعر، تبدأ باليمين قبل اليسار، وكذلك الحلق تبدأ باليمين أولاً، [ثم أخذ شق رأسه الأيسر فحلقه، ثم قال: (هاهنا أبو طلحة؟ فدفعه إلى أبي طلحة)]، دفع الشق الأيسر كاملاً إلى أبي طلحة الأنصاري، [وقال: (خذوا عني مناسككم)]، ولقد أخطأ ابن حجر خطأً كبيراً حينما جوز التبرك بآثار الصالحين اقتداءً بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، لأن التبرك موقوف على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يؤثر في سلفنا أنهم تبركوا بشعر أبي بكر أو بشعر عمر فلا يجوز أن نتبرك بآثار أحد الصالحين بحجة أن الصحابة تبركوا بشعر النبي صلى الله عليه وسلم، وطبعاً التمسك بقول ابن حجر من صنيع مرضى القلوب؛ لأن هذه أقوال رجال نريد الدليل عليها، فلا داعي أبداً أن يأتي إلى كلام ابن حجر ويقول: قال ابن حجر في الفتح كذا فعلى هذا يجوز أن أتبرك بآثار سيدي الشيخ فلان؛ لأن هذا قول ابن حجر، كما فعل الحافظ ابن كثير في تفسيره حينما جاء بقصة العتبي الذي كان بجوار قبر النبي صلى الله عليه وسلم وجاء رجل ينادي على القبر ويقول: يا خير من دفنت في القاع أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم نفسي فداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم قال: ثم انطلق الأعرابي فغلبتني عيني فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال: أدرك الأعرابي وقل له: إن الله قد غفر له، أوردها ابن كثير بدون تعليق، والقصة واهية موضوعة حققها علماء الحديث، ما كان ينبغي لـ ابن كثير أن يورد القصة دون أن يعلق عليها؛ لأن هذه القصة فتحت باباً للدراويش ليذهبوا إلى الأعتاب والأوتاد وليقبلوا ويقولوا: ابن كثير قال، فنقول لهم: نحن مع الدليل، ما صنع ذلك أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من القرون الثلاثة الأول. إذاً فالحلق واجب، ولكن لا أن تأخذ شعرات كما يفعل البعض، فإما أن تحلق الكل وإما أن تقصر الكل، أما أن تأخذ شعرات فهذا لا يجوز، والمرأة تأخذ من ظفيرتها بقدر أنملة، هذا التحلل الحقيقي، أما التحلل الذي يفعله البعض الآن فيحافظ على شعره كما هو ويأخذ منه شعرة أو شعرتين فهذا لا يجوز أبداً، وقد ألزم بعض العلماء من يفعل ذلك بدم؛ لأنه ما حلق. قال الشارح: [وطواف الوداع واجب بدليل ما سبق من حديث ابن عباس].

أركان العمرة

أركان العمرة قال الشارح: [وأركان العمرة: الطواف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به، فروى ابن عمر: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من لم يكن معه هدي فليطف بالبيت وبين الصفا والمروة، وليقصر وليحلل)، وأمره يقتضي الوجوب، متفق عليه؛ ولأنه طواف في عبادة كان ركناً فيها كالحج]. نسي المصنف أن يذكر الإحرام، وهو من أركان العمرة. الإحرام من الميقات واجب، وأصل الإحرام ركن. إذاً أركان العمرة ما هي: الإحرام، والطواف، والسعي عند بعضهم، ولا بد أن نذكر النية، قال صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات)، فمدار الأعمال على النيات. فإن عزم بقلبه ولم يتلفظ بها فحجه صحيح، والتلفظ بها مستحب في الحج فقط، وبعض الفقهاء قالوا: لا يجوز التلفظ حتى في الحج والعمرة.

واجبات العمرة

واجبات العمرة قال الشارح: [وواجبات العمرة: الإحرام من الميقات ثم السعي والحلق، كما في الحج وفعل النبي صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني مناسككم)، فمن ترك ركناً لم يتم نسكه إلا به، ومن ترك واجباً جبره بدم، ومن ترك سنة فلا شيء عليه؛ لأنه ترك سنة في عبادة فلم يلزمه لها جبران كالصلاة، ومن لم يقف بعرفة حتى طلع الفجر من يوم النحر فقد فاته الحج، فيتحلل بطواف وسعي وينحر].

الحكم فيمن لم يدرك الوقوف بعرفة حتى طلع الفجر

الحكم فيمن لم يدرك الوقوف بعرفة حتى طلع الفجر قال الشارح: [في هذه المسألة أربعة فصول: الأول: أن آخر وقت للوقوف هو آخر ليلة النحر، فمن لم يدرك الوقوف حتى طلع الفجر فاته الحج، لا نعلم في ذلك خلافاً، قال جابر: (لا يفوت الحج حتى يطلع الفجر)، من ليلة جمع، قال أبو الزبير: أقلت له: أقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك؟ قال: نعم. الثاني: أن يتحلل بطواف وسعي وحلق وهذا الصحيح من المذهب، روي ذلك عن عمر وابن عمر وزيد وابن عباس وابن الزبير ولم يعرف له مخالف فكان إجماعاً، وروى الأثرم بإسناده أن هبار بن الأسود حج من الشام وقدم يوم النحر فقال له عمر: ما حبسك؟ قال: حسبت أن اليوم عرفة، قال: فانطلق إلى البيت]، وحديث هبار هذا حجة في الفوات، انتبه إليه! رجل جاء من الشام ولم يدرك الوقوف بعرفة وأخطأ في تحديد عرفة قال له عمر: [انطلق إلى البيت فطف به سبعاً وإن كان معك هدي فانحرها، ثم إذا كان من عام قابل فاحجج، وإن وجدت سعة فاهد فإن لم تجد فصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعت. وروى البخاري عن عطاء: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من فاته الحج فعليه دم وليجعلها عمرة وليحج من قابل)؛ ولأنه يجوز فسخ الحج إلى العمرة من غير فوات فمع الفوات أولى، إذا ثبت هذا فإنه يجعلها عمرة لحديث عطاء الثالث: أنه يلزمه القضاء من قابل سواءً كان الفائت واجباً أو تطوعاً] بمعنى: أن من فاته الوقوف بعرفة يترتب على ذلك أربعة أشياء: 1 - أن يطوف. 2 - أن يسعى. 3 - أن يتحلل. 4 - أن يذبح الهدي. قال الشارح: [الثالث: أنه يلزمه القضاء من قابل سواءً كان الفائت واجباً أو تطوعاً، روي ذلك عن جماعة من الصحابة، وعن أحمد أنه لا قضاء عليه بل إن كان فرضاً فعلها بالوجوب السابق، وإن كانت نفلاً سقطت؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الحج أكثر من مرة، قال: (بل مرة واحدة)، ولو أوجبنا القضاء كان أكثر من مرة؛ ولأنها عبادة تطوع بها، فإذا فاتت لم يلزمه قضاءها كسائر التطوعات. والرواية الأولى أولى؛ لما ذكرنا من الحديث وإجماع الصحابة]، يعني: من فاته الوقوف بعرفة، وكان حجه تطوعاً، هل يلزمه القضاء أم لا يلزمه؟ خلاف بين العلماء: والراجح أنه يلزمه، ومن قال بذلك انتصر بهذا الدليل، وأما الحديث فإنه أراد الواجب بأصل الشرع حجة وحجة واحدة وهذا إنما تجب بإيجابه لها بالشروع فيها، فتصير كالمنذور بمعنى: أنه لو شرع في حج النافلة يجب عليه أن يقضي، وأن يتم النسك، ليس معنى أن الحج مرة أنه سقط إتمام مناسك الحج حتى وإن كانت تطوعاً فإن الله قال: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:196]، لذلك لا ينبغي لمن بدأ في مناسك الحج حتى وإن كان تطوعاً أن يخرج منها، فمن فاته الوقوف بعرفة في التطوع وجب عليه القضاء من قابل وهذا إجماع الصحابة وهو الأولى. والله تعالى أعلم.

حكم الوقوف بعرفة في غير يوم التاسع نتيجة الخطأ في رؤية هلال الشهر

حكم الوقوف بعرفة في غير يوم التاسع نتيجة الخطأ في رؤية هلال الشهر قال: [وإن أخطأ الناس العدد فوقفوا في غير يوم عرفة أجزأهم ذلك] يعني: لو أن الناس أخطأت الهلال فوقفوا اليوم الثامن على اعتبار أنه اليوم التاسع، فحجهم صحيح ولا شيء عليهم؛ لأن الله عز وجل تعبدنا بما في وسعنا، فقد يولد الهلال ولا نراه، وقد يولد ويحول بيننا وبينه شيء إلى غير ذلك. قال: [وإن أخطأ الناس ووقفوا في غير يوم عرفة أجزأهم ذلك؛ لأنه لا يؤمر مثل ذلك بالقضاء فيشق وإن فعل ذلك نفر منهم فقد فاتهم الحج]، يعني: إن فعل ذلك البعض فاتهم الحج كـ هبار، أما إن أجمعت الأمة على أن هذا اليوم هو يوم عرفة ثم وقفوا بعرفة ثم تبين لهم أنه ما كان عرفة فحجهم صحيح ولا شيء عليهم.

حكم زيارة قبر النبي وصاحبيه للحاج

حكم زيارة قبر النبي وصاحبيه للحاج قال الشارح: [ويستحب لمن حج زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه رضي الله عنهما، قال أحمد في رواية عبد الله عن أبي هريرة: (ما من أحد يسلم علي عند قبري إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام)]، ليست زيارة المسجد النبوي من مناسك الحج، فإذا توجه إلى المدينة وشد الرحال، فإنه يشد الرحال إلى المسجد لا إلى القبر، وزيارة القبر تبع للمسجد، فتقصد المسجد لتصلي فيه لأن الصلاة فيه بألف صلاة، ولا ينبغي أن تكون في المسجد ولا تزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه، والبعض يقول لك إذا ذهبت إلى الحج: لا تنس الفاتحة عند القبر، فيجعل زيارة القبر من نسك الحج، وزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم من الأعمال المستحبة، ولا يجوز لمسلم أن يكون بجوار قبره صلى الله عليه وسلم ولا يزوره، وهناك آداب لزيارة القبر منها: أن لا تتمسح بأعتابه وأن لا تدعو إلى جهة القبر، وأن تدعو إلى جهة القبلة، وأن لا ترفع صوتك عند قبره صلى الله عليه وسلم فإن هذا محظور، وليس من الأدب مع نبينا صلى الله عليه وسلم.

الأسئلة

الأسئلة

حكم خدمة أم الزوج

حكم خدمة أم الزوج Q ما حكم الشرع في خدمة الزوجة لأم الزوج سواءً كانت مقيمة معها أم لا؟ A رعاية أم الزوج من البر، والله تبارك وتعالى قال للمكلف: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ} [الإسراء:23]، ومعنى: (عندك) يعني: في الإقامة معك، فلا ينبغي لزوجة الابن بحال أن تعق أم زوجها فهذا من باب العقوق للزوج بدون أدنى شك. وعلى الزوجة أن يكون قصدها أن ترضي ربها عز وجل وأن تكون أم زوجها بمثابة أمها، وهذا من باب بر الزوج، والله تعالى أعلم. وحتى لو كانت أم زوجها مؤذية فعليها أن تصبر قال تعالى: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [لقمان:17]، ولا ينبغي للزوجة أن تعاملها بالمثل، فإن هذا لا ينبغي أبداً لامرأة مسلمة.

كيفية التعامل مع أصحاب المعاصي

كيفية التعامل مع أصحاب المعاصي Q لي صديق يعمل كوافير حريمي ونصحته أكثر من مرة فلم يستجب فهل أقطع الصلة معه أم ماذا؟ A يقول تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:78 - 79]، صاحب المعصية لا بد أن تأخذ على يده بهجره حتى يعلم أنه على معصية وأنك غير راضٍ عن فعله، وليس معنى هذا أنا ندعو إلى الهجر المطلق، ولكن كما قال ابن حجر: الزجر بالهجر، فإن كان الهجر سيأتي بنتيجة فاهجره، ولكن الحقوق العامة التي في الحديث وهي: أن تلقي السلام، وأن ترد عليه السلام، وأن تجيبه إذا دعاك، وأن تعوده إذا مرض، وإذا عطس فحمد الله فشمته، هذه الحقوق العامة لا تسقط بحال حتى عن أصحاب المعاصي.

حكم من عليه قضاء في الحج ولم يستطع القضاء

حكم من عليه قضاء في الحج ولم يستطع القضاء Q من لزمه قضاء الحج من قابل كيف يقضي والقانون يلزم الحاج أن يوقع على إقرار أن لا يحج؟ A إن تعسر عليه أن يذهب لن يسأله الله لم لم تحج، لأن الحكومة منعته، وذلك بإلزامه بالتوقيع على الإقرار، والإقرار يقول: لا يحج إلا في كل خمس سنوات مرة فلا تكليف إلا بمستطاع، فالذي لا يستطيع أن يقضي لا شيء عليه، فإن القضاء للمستطيع.

حكم من نذر نذرا مشروطا فزاد عند الوفاء في المشروط

حكم من نذر نذراً مشروطاً فزاد عند الوفاء في المشروط Q نذرت نذراً بذبح خروفين فهل يجوز لي ذبح جديين بدلاً من الخروفين، أو أذبح أي شيء آخر بدلاً؟ A الوفاء بالنذر واجب بالشرط، لكن يجزئك أن تذبح جملين، يعني: أن تزيد لا أن تقل.

حكم الأكل من النذر

حكم الأكل من النذر Q هل يجوز الأكل من النذر؟ A لا يجوز الأكل من النذر.

توجيه لمن أراد اقتناء كتاب في علم الحديث

توجيه لمن أراد اقتناء كتاب في علم الحديث Q ما رأيك في كتاب: توجيه العناية لتعريف علم الحديث؟ A يا أخي الفاضل! الكتاب لم أره من قبل، وأفضل كتاب هو كتاب البيقونية، وقد شرح المنظومة البيقونية الشيخ: ابن عثيمين.

حكم قراءة الفاتحة على الأموات

حكم قراءة الفاتحة على الأموات Q يقول هل يجوز قراءة الفاتحة على الميت أم أنها دعاء للأحياء؟ A الدعاء للميت هو الذي يصل إن شاء الله، أما الفاتحة فلم يرد بها نص، وإنما هو قياس، ولا قياس مع وجود النص.

حكم التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم

حكم التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم Q هل يجوز التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم؟ A نعم يجوز، والدليل معنا في البخاري وغيره.

حكم السعي بعد طواف الوداع للقارن والمفرد

حكم السعي بعد طواف الوداع للقارن والمفرد Q طفت طواف القدوم وسعيت بين الصفا والمروة ثم أقمت مناسك الحج وطفت طواف الإفاضة وطواف الوداع ولم أسع بين الصفا والمروة مرة أخرى؟ A لا يلزمك شيء؛ لأن السعي مرة واحدة بالنسبة للقارن والمفرد، أما المتمتع فعليه سعي آخر. وبما أنك ذكرت طوافك للقدوم، إذاً أنت قارن أو مفرد.

أقرب المذاهب إلى السنة

أقرب المذاهب إلى السنة Q أي مذهب تقوم باتباعه ويكون أقرب للسنة؟ A لا شك أن مذهب الإمام أحمد هو أقرب المذاهب إلى السنة.

الحكم إذا ترك الحاج واجبا ولم يستطع الصوم

الحكم إذا ترك الحاج واجباً ولم يستطع الصوم Q إذا ترك الحاج واجباً ولم يستطع صوم عشرة أيام فماذا يفعل؟ A يسقط عنه بعدم الاستطاعة، وهذه قاعدة في أصول الفقه: أن الواجبات تسقط بالعجز.

حكم من جامع زوجته قبل غسلها من الحيض

حكم من جامع زوجته قبل غسلها من الحيض Q ما حكم من جامع زوجته وهي في الكدرة قبل الطهر هل عليهما كفارة؟ A لا يجوز أن يجامع إلا بعد الاغتسال، فإن جمهور العلماء على أن قول الله عز وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة:222]، أي يغتسلن فهناك قراءة: ((حتى يطّهرن))، بتشديد الطاء، يعني: يغتسلن، خلافاً للأحناف فقد ذهبوا إلى أنه يجوز جماع الزوجة قبل الغسل وهذا مرجوح، والصحيح قول جمهور الصحابة وسلف الأمة: أنه لا يجامع إلا بعد الغسل، وعلى هذا فعليك كفارة، فتتصدق بنصف دينار، يعني: ما يعادله من المال تخرجه لله عز وجل.

حكم من أدرك الإمام ساجدا في الركعة الأخيرة

حكم من أدرك الإمام ساجداً في الركعة الأخيرة Q إذا وجدت الإمام ساجداً في آخر ركعة هل أدخل في الصلاة أم أنتظر الجماعة الثانية؟ A تدخل في الصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول كما في البخاري: (فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا)، فإذا أدركت الإمام على أي هيئة فادخل معه ولا تنتظر جماعة أخرى.

كلمة عن سيد قطب

كلمة عن سيد قطب Q ما رأيك في الشيخ سيد قطب، وهل أقرأ كتبه أم لا؟ A عليه ملاحظات وقبل أن تقرأ ينبغي أن نحذر من بعض الكلمات التي توهم تأويلاً أو توهم حلولاً أو اتحاداً، ولعل بعض علماء المملكة له كتاب اسمه: المورد العذب الزلال فيما وقع في تفسير الظلال، من مخالفات لعقيدة السلف. وهذا الكلام قد لا يعجب البعض ولكن الرجل عليه ملاحظات ففي كتابه العدالة الاجتماعية في الإسلام يقول عندما تحدث عن عثمان بن عفان أنه كان يحابي أقرباءه ويقربهم، وهذا الكلام لا يقبل بحال في حق ذي النورين. فالرجل أفضى إلى ما قدم غفر الله له وجزاه الله خيراً عن الإسلام والمسلمين. ويقول في أحد كتبه: ومساجد المسلمين اليوم في مجتمعاتهم هي كمعابد الأصنام تماماً، هذا الكلام يرد عليه، ويقول: وليس غياب شخص النبي صلى الله عليه وسلم يمثل فرقاً بين جيلنا وجيل الصحابة. وهذا كلام غير صحيح، فإن غياب شخص النبي صلى الله عليه وسلم يمثل فرقاً بأدلة كثيرة. فالرجل عليه ملاحظات جزاه الله خيراً عما قدم لدين الله سبحانه. ولا ينبغي أن نقول فيه أنه: حلولي أو اتحادي أو زنديق، فقد أفضى إلى ما قدم غفر الله له.

معنى حديث: لا صلاة بحضرة طعام

معنى حديث: لا صلاة بحضرة طعام Q هل ورد حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا صلاة لكاتم، يعني: كاتم الريح؟ A الحديث الصحيح (لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان)، ولفظة كاتم ليست من الحديث، ومعنى الحديث لا صلاة كاملة في الأجر؛ لأنه ينشغل بالمدافعة.

الحكم فيمن أمره مديره في العمل بحلق لحيته

الحكم فيمن أمره مديره في العمل بحلق لحيته Q أنا أعمل بوزارة العدل بوظيفة رئيس نيابة وقمت بتربية لحيتي منذ ما يقرب من ستة أشهر إلا أن المسئولين طالبوني أكثر من مرة بحلقها، ووصل الأمر إلى التهديد والضغط لحلقها، وأنا أرفض تماماً اقتداءً بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فما الحكم في ذلك؟ A ثبتك الله! إعفاء اللحية واجب، قل لهم: طاعة النبي واجبة، وطاعتكم غير واجبة في معصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثبتك الله، فلا تفرط في واجب أبداً لأجل أن ترضي غير الله ولا غير رسوله صلى الله عليه وسلم.

حكم ارتداء البدلة

حكم ارتداء البدلة Q ما حكم ارتداء البدلة حيث أن عملي يتطلب ارتداء بدلة كاملة؟ A البس ولا حرج، لكن أنصحك أن تلبس البدلة بدون كرفتة، فالكرفتة ليست من زي المسلمين ولا من لباسهم، يعني: بدلة جاكت طويل فضفاض مع بنطول غير مسبل، فلا بد أن يكون الزي مطابقاً للشرع.

حكم إسبال العمامة

حكم إسبال العمامة Q هل يجوز إسبال العمامة وما حد الإسبال؟ A العمامة لا تزيد عن الكتفين ولا تصل إلى الظهر، هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم.

حض الدعاة إلى الله على الرفق بالمدعوين

حض الدعاة إلى الله على الرفق بالمدعوين Q هناك في قريتي رجل يحفظ القرآن الكريم ولكنه يميل إلى الصوفية ويبغض أهل السنة حتى إنه يقول: الذي ضيع الدين بوش وشارون والسنية؟ A يا ستير! وضعنا مع بوش وشارون يا رجل! نسأل الله العافية، رأيتم يا إخواننا! هذا أيضاً ربما يكون معذوراً بسبب ممارسات بعض الناس معه، لكني لا ألتمس له عذراً طالماً يستطيع أن يتعلم، وقد يكون قوله هذا ناتجاً عن مواجهة أحد من الشباب السلفي له بغلظة وجفاء، فأقول أيضاً للشباب: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]، وما دخل اللين في شيء إلا زانه، وما دخل العنف في شيء إلا شانه.

حكم الصلاة خلف المبتدع

حكم الصلاة خلف المبتدع Q هل يجوز الصلاة خلف المبتدع؟ A الصلاة خلف من عنده بدعة في العقيدة لا تجوز.

الحد الزمني للخطبة وعدد المرات التي يرى فيها الرجل مخطوبته

الحد الزمني للخِطبة وعدد المرات التي يرى فيها الرجل مخطوبته Q هل الخطبة لها زمن محدد، أو كم مرة يشرع للرجل أن يرى الخطيبة؟ A ينظر إلى مخطوبته ثلاث مرات، وليس للخطبة زمن محدد، والخاطب أجنبي عن مخطوبته.

حكم دبلة الخطوبة

حكم دبلة الخطوبة Q ما حكم لبس دبلة الخطوبة؟ A الدبلة تقليد غير إسلامي، والمحبس كذلك.

شمول عذاب القبر للروح والجسد

شمول عذاب القبر للروح والجسد Q هل عذاب القبر يكون للجسد أم للروح؟ A أجاب ابن عباس عن هذا بقوله: أرأيت لو أن رجلاً أعمى دخل إلى بستان مع رجل كسيح فقال: الكسيح للأعمى: أنا أرى ولا أستطيع المشي، وأنت تستطيع المشي ولا ترى، فلو نتعاون فأنت تحملني فوق كتفيك، فآخذ وأعطيك، فالإثم هنا عليهما، كذلك حال الروح مع الجسد، فالجسد مطية الروح، كما قال ابن تيمية.

العدة شرح العمدة [52]

العدة شرح العمدة [52] شرع الله لأمة الإسلام عيد الفطر وعيد الأضحى، وهما من شعائر الإسلام، وشرع سبحانه للمسلمين التقرب إليه في عيد الأضحى بالذبح وهو من أحب الأعمال إلى الله يوم النحر، فهو قربة يتقرب بها العبد إلى ربه سبحانه، وينبغي لمن أراد أن يضحي أن يعلم أن هذه الأضحية قربة إلى الله فلابد أن تكون خالصة لوجهه سبحانه، وأن تتحقق فيها الشروط التي وضحها المصطفى صلى الله عليه وسلم.

حكم إخراج قيمة الأضحية للمجاهدين

حكم إخراج قيمة الأضحية للمجاهدين الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد. أيها الإخوة الكرام الأحباب موضوعات هامة نتحدث عنها في عجالة قبل أن ننتقل إلى باب الهدي والأضحية والعقيقة، والثلاثة من النسك. والأضحية من النسك التي عرفت في شرع السابقين. وصدق ابن القيم حينما قال في كتابه تحفة الودود: لو تصدق بثمنها أضعافاً مضاعفة ما تُقبِّل منه على أنها أضحية؛ لأن الأضحية مقصودة لذاتها. أي أن الرجل لو جاء بثمن الأضحية مضاعفاً، لا تعتبر أضحية، وهناك فتوى نشرها البعض على لسان الدكتور القرضاوي لا أعرف مدى صحتها عنه، وسواء صدرت منه أو من غيره فهي باطلة، وهي جواز إخراج قيمة الأضحية نقداً للمجاهدين في فلسطين أو في أي بلد إسلامي، وهذا الكلام الباطل لا يقبل بحال؛ لأنه ما قال به أحد من العلماء إلا أصحاب الرأي وهم قلة. ولذلك يقول ابن القيم: لو تصدق بثمن الأضحية أضعافاً مضاعفة ما تُقبِّل منه على أنها أضحية؛ لأن الأضحية مقصودة بذاتها وهي إراقة الدماء. وهذا ما سنوضحه إن شاء الله سبحانه وتعالى في الحديث عن الهدي والأضحية والعقيقة.

لزوم الرفق في الدعوة إلى الله

لزوم الرفق في الدعوة إلى الله الأمر الثاني خاص بالنساء، فنقول: مرحباً بالأخوات الفاضلات اللاتي يحضرن لطلب العلم، لكن الدعوة إلى الله لها ضوابط ومعايير، فإذا دخلت المسجد إحدى الأخوات وهي تلبس لبساً فضفاضاً فلا ننفرها ونقول لها: أنتِ من أصحاب النار إن لم تنتقبي اخرجي انتقبي الآن! فهذه دعوة فظة، فيها غلظة وعدم فقه وتجن على الناس، وبهذه الطريقة ننفر الناس من المسجد ومن دروس العلم، فهذه الشكوى وصلتني من أكثر من جهة، ولا أعلم من هن المشكو في حقهن، لكن أياً كان فهذا الكلام عام سواء وقع أو لم يقع فهو عام، لنا ولهن فأي إنسان يدخل المسجد فنحن نستقبل الجميع ولا نقول لأخت فاضلة جاءت ببنطال وتلبس فوق البنطال شيئاً: اخرجي فأنتِ آثمة من أهل النار، ما الذي جاء بك إلى هنا؟ فهذا كلام فيه إجرام في حق الدعوة إلى الله عز وجل، فلا داعي أبداً لتنفير الناس من دين الله عز وجل، فإن الدين لا يُدعى إليه بهذه الكيفية. وهذا الكلام في الحقيقة يدمي القلب؛ فقد جاءني أكثر من اتصال أن بعض الأخوات وهي داخلة إلى المسجد، إذا لم يعجب زيها بعض الأخوات الملتزمات فإنها تجد النهر والزجر في الحال، والواجب دعوتها إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، فلا تحدث في نقاب أبداً؛ لأنها حين تحضر الدرس الأول والثاني والثالث والرابع وهكذا سوف تستر نفسها، وعلينا أن نحمد الله عز وجل على أنها تأتي المسجد. لكن في الحقيقة لا بد من تعلم أصول الدين والصغار قبل الكبار، والموعظة، والانتقال بغير الملتزم رويداً رويداً، {كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} [النساء:94]. فالله عز وجل من علينا، فعلينا أن نرحم غيرنا ونشفق عليهم. أسأل الله للجميع الهداية والتوفيق والسداد لما يحبه الله ويرضاه.

حكم الهدي والأضحية

حكم الهدي والأضحية قال المصنف: [باب الهدي والأضحية]. وهناك فرق بين الهدي والأضحية، فما هو الفرق بين الهدي والأضحية؟ فكل ما يهدى في الحرم هدي، حتى وإن كان طعاماً أو لباساً فهو هدي، فالهدي أشمل من الأضحية، والأضحية أخص؛ لأنها من بهيمة الأنعام، فكل أضحية هدي وليس كل هدي أضحية. قال المصنف: [والهدي والأضحية سنة] أي من سنن الله عز وجل في خلقه، وليس المعنى أن الهدي والأضحية سنة، فمن فعلهما يؤجر ومن لم يفعلها فلا إثم عليه، وهذا كلام فيه تدليس على الناس، وبعض المدلسين حينما يسأل: ما حكم اللحية؟ يقول: اللحية سنة من فعلها أثيب، ومن لم يفعلها لا شيء عليه، بهذه البساطة يدلّس على الناس ويتعمد الكذب؛ لأنه يعلم أن هناك فرقاً في مصطلح السنة عند المحدثين وعند الفقهاء، فالسنة معناها عند المحدثين: أفعال النبي صلى الله عليه وسلم وأقواله وتقريراته، فأقوال النبي صلى الله عليه وسلم سنة، وأفعاله سنة، وتقريراته سنة، وعند المحدثين تشمل الواجب، فمن السنة ما هو واجب، ومن السنة ما هو محرم، ومن السنة ما هو مستحب، ومن السنة ما هو مكروه، ومن السنة ما هو مباح. فلبس الذهب عرفنا أنه حرام من السنة، إذاً السنة حرّمت، وكذلك السنة فرضت فروضاً فهناك فروضاً في السنة، فحينما نقول: إن إعفاء اللحية سنة أي أنه عُرف فرضها بالسنة، وليس معنى أنها سنة بمعنى أن من يفعلها يأخذ أجراً، ومن لم يفعلها ليس عليه إثم، فهذا الكلام الذي فيه تدليس هو تعمد لتضييع معنى السنة، فالسنة عند الفقهاء في مقابل الواجب. قال المصنف: [الهدي والأضحية سنة لا تجب إلا بالنذر] أي لا تجب عليّ الهدي إلا أن أنذر أن أذبح لله، فإن نذرت فقد وجب الذبح، فكلمة (الأضحية لا تجب إلا بالنذر) نقف عندها؛ لأن العلماء اختلفوا في حكم الأضحية: فجمهور العلماء ذهبوا إلى استحبابها، وأبو حنيفة فقط ذهب إلى وجوبها، والراجح ما رآه أبو حنيفة؛ لأن من قدر على الأضحية ولم يضح فإنه آثم، وسنبين ذلك من النصوص التي أوردها المصنف. قال الشارح: [لأن النبي صلى الله عليه وسلم (أهدى في حجته مائة بدنة)]. بينما كان الواجب على النبي صلى الله عليه وسلم وقد حج قارناً أن يقدم هدياً، وقد ساقه من المدينة؛ لكنه ذبح مائة بدنة، وهذا للاستحباب وليس للوجوب. إذاً فهو ذبح مائة بدنة تقرباً إلى الله عز وجل. قال الشارح: [(أهدى في حجته مائة بدنة وضحى بكبشين أملحين موجوءين)] موجوءين: يعني مخصيين. إذاً فلا بأس بأن يضحي الإنسان بالمخصي، فالنبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين موجوءين. قال الشارح: [ذبحهما بيده، وقال: (اللهم هذا منك ولك، واضعاً قدمه على صفاحهما)].

حكم من نسي التسمية عند ذبح الهدي أو الأضحية

حكم من نسي التسمية عند ذبح الهدي أو الأضحية وهنا نقطة مهمة جداً تحتاج إلى بحث وهي: ما الحكم إذا نسي الذابح أن يذكر اسم الله؟ هناك أربعة آراء فقهية لهذه المسألة. واختيار ابن تيمية، وهو ما رجّحه الشيخ ابن عثيمين: أنه إذا نسي أن يذكر اسم الله على الذبيحة فلا تؤكل. وبعض الفقهاء يقولون: سم الله وكل، فقد رفع الإثم عن الناسي لقوله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا} [البقرة:286]. يقول الشيخ ابن عثيمين: هب أن مصلياً صلى بحدثه وهو ناس، ولم يذكر إلا بعد انتهائه من الصلاة هل تجزئه الصلاة أم لا تجزئ؟ لا تجزئ، كذلك في الأضحية إذا لم يسم على ما يذبح، فإن نسي أن يذكر اسم الله فلا يأكل منها وتلقى الذبيحة. فهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية خلافاً للمذاهب الأربعة. فإن قال قائل: أنتم الآن تضيقون على الناس، وتضيعون على الواحد ثمن الأضحية. قال بعض علمائنا: إن عزّرناه بهذا فلن ينسى التسمية أبداً، أي: أنه إن فعلها مرة فسيذكر اسم الله عز وجل في كل مرة. والتسمية شرط يلزم من عدمها العدم، وهناك خلاف بين الفقهاء في موضوع التسمية إن تركها عمداً أو نسيها سهواً.

الرد على من قال: إن الأضحية لا تجب إلا بالنذر

الرد على من قال: إن الأضحية لا تجب إلا بالنذر قال الشارح: [ولا يجب الهدي والأضحية إلا بالنذر، فيقول: لله عليّ أن أذبح هذا الهدي] لكن يسمي الله وجوباً، لقوله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام:121] ثم يكبّر استحباباً يقول: بسم الله، الله أكبر. قال الشارح: [ولا يجب الهدي والأضحية إلا بالنذر، فيقول: لله عليّ أن أذبح هذا الهدي أو هذه الأضحية وإن قال: هذا نذر لله وجب؛ لأن لفظه يقتضي الإيجاب، فأشبه لفظ الوقوف، ولا يجب بسوقه مع نيته]. أي: لو أن رجلاً ذهب إلى السوق واشترى أضحية، ودفع الثمن، لكنه لم يقل هذه الأضحية وقف لله عز وجل، أي أنه لم يتلفظ بأنه وقفها لله كأضحية، فإن تلفظ أصبحت واجبة، وإذا اشترى أضحية من السوق وفي الطريق قابل رجلاً فقال له: بكم اشتريت هذه الأضحية؟ فقال: بخمسمائة جنيه، قال: سأشتريها منك بخمسمائة وخمسين جنيهاً، فهنا يستطيع أن يبيعها؛ لأنها الآن لا تعد وقفاً، فإنه اشتراها وبنيته أنها أضحية، لكنه لم يتلفظ بالوقف، ولكن الشيخ ابن عثيمين وبعض العلماء يرى أن الوقف أحياناً يكون بالفعل ولا يكون باللفظ، مثل أن أفعل في البهيمة شيئاً يجعلها وقفاً كتقليد الهدي، فيمكن أيضاً أن أفعل فعلاً ما يوحي أنها أصبحت أضحية وقف، فهناك من الأفعال ما إذا فعلناه حوّل الشيء إلى وقف، وهذا ليس في زماننا، فقديماً كانوا يقلدون الهدي. قال الشارح: [والتضحية أفضل من الصدقة بثمنها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نحر بدنة، ولا يفعل إلا الأفضل]. فالأضحية تقدم على الصدقة بثمنها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان بإمكانه أن يتصدق لكنه ذبح. أي أن الأضحية تقدم على التصدق بثمنها، وليس معنى ذلك أنك لو تصدقت بثمنها تعتبر أضحية، فإنها لا تعد أضحية، ولا تسمى أنك ضحيت، فلو أن رجلاً في يوم النحر أنفق خمسمائة جنيه أو ألف جنيه بنية أنها أضحية، فلا يعد أنه قد ضحى، فالأضحية لا بد فيها من إراقة الدم في وقت معلوم، وبطريقة معلومة، وبسن معلوم، وبصفات معلومة.

أفضل الأضحية والهدي الإبل ثم البقر ثم الغنم

أفضل الأضحية والهدي الإبل ثم البقر ثم الغنم قال المصنف: [والأفضل فيهما الإبل، ثم البقر، ثم الغنم]. والمالكية ذهبوا إلى أن أفضل الأضحية هو الضأن أو الماعز باعتبار أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين، فهو لا يفعل إلا الأفضل. والجمهور قالوا: الأفضل الإبل بدليل حديث: (من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً، ومن راح في الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الخامسة فكأنما قرب بيضة) متفق عليه. إذاً فالأفضل في الأضحية باتفاق جمهور العلماء خلافاً للمالكية الإبل، لكن الإبل تجزئ عن سبعة، فإن ضحى بها الواحد فقد أجزأت، أي: لو أراد شخص أن يضحي بإبل بمفرده، هل نقول له لابد أن تضحي بشاة؟ لا؛ لأن التشريك في الأجر لا حدود له، والتشريك في العدد له حدود. بمعنى أني أضحي عن نفسي وعن زوجتي وعن أولادي بشاة في الأجر والثواب، أي أن ثوابها يصل ولو كنا اثني عشر، أما إن جئت في التشريك، فلا يجوز أن أشرِّك بين الاثني عشر في بعير، ويجزئ في العدد سبعة، أي أن كل واحد يجزئ السبع عن نفسه وعن أهل بيته. فالبدنة والبقرة تجزئ عن سبعة، والدليل حديث صلح الحديبية أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز لأصحابه أن يذبحوا البقرة عن سبعة.

ما يجزئ في الأضحية والهدي من بهيمة الأنعام

ما يجزئ في الأضحية والهدي من بهيمة الأنعام قال الشارح: [ويستحب استحسانها واستسمانها، لقوله سبحانه: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:32] ولا يجزئ إلا الجذع من الضأن، وهو الذي له ستة أشهر]. الضأن هو الخروف أو الغنم، ففي الأضحية لا يقل عن ستة أشهر. قال المصنف: [وثني المعز ما له سنة وثني الإبل]. ومعنى ثني الإبل أي الذي كسر اثنين من أسنانه، أي أنه أتم الخامسة. قال المصنف: [وثني الإبل ما كمل له خمس سنين ومن البقر ما له سنتان] هذه شروط. إذاً لماذا سميت الأضحية بهذا الاسم؟ نسبة إلى أنها تُذبح في ضحى يوم العيد، فسميت أضحية. والحديث الذي ساقه الشارح: [(يجوز الجذع من الضأن أضحية)، وعن عاصم بن كليب عن أبيه قال: (كنا مع رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر منادياً فنادى: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: الجذع يوفي بما توفي منه الثنية)]. قال الشارح: [إنما يجزئ الجذع من الضأن في الأضاحي؛ لأنه ينزو فيلقح، فإذا كان من المعز لم يلقح حتى يصير ثنياً وتجزئ الشاة عن واحد والبدنة والبقرة عن سبعة، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يُعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن) رواه ابن ماجة وعن جابر قال: كنا ننحر البدنة عن سبعة فقيل له: والبقر؟ فقال: وهل هي إلا من البدن؟ وأحكام الهدي والأضاحي سواء]. قوله: وأحكام الهدي والأضاحي سواء، يحتاج إلى بيان؛ لأن هناك اختلافاً بين الهدي والأضاحي في بعض النقاط، أما الأضحية فلها وقت في يوم النحر أو أيام التشريق، أما الهدي فيذبح إذا كان الشخص حاجاً متمتعاً فيذبحه في يوم النحر، بعد رمي الجمرة، فتختلف الأضحية عن الهدي في التوقيت. فهناك فروق بسيطة. قال المصنف: [ولا تجزئ العوراء البين عورها]. أحد الإخوة يقول: عندي من البقر سنها أقل من السن الشرعي، لكنها تنتج لحماً أكثر، فهل المقصود اللحم أم لا بد أن تستوفي السن الشرعية؟ قلت له كلام جمهور العلماء: أن مواصفات الشرع مقصودة لذاتها، وليس المقصود هو وفرة اللحم، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم حينما ضحى أبو بردة بن دينار قبل الصلاة في يوم العيد، ضحى بجذعة، أي أنه ضحى بشيء يطابق المواصفات من الضأن، لكنه ذبحها قبل الصلاة، فحينما سمع النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة العيد يقول: (من ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم والذبح بعد الصلاة)، قام وقال: يا رسول الله، ذبحت قبل الصلاة لأوسّع على جيراني في يوم العيد من فقراء المسلمين، وليس عندي إلا جذعة من الماعز -فهي لم تبلغ سنة ولكن لها ستة أشهر، وهي من الماعز وليست من الضأن، فماذا قال له النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: (تجزئ عنك ولا تجزئ عن أحد بعدك). إذاً السن هنا مقصود لذاته، فلو أنه جوزها له وكان هناك عدم تقييد بالسن لقال اذبحها ولا حرج، إنما قال: (لا تجزئ عن أحد بعدك) حتى لا يختلط الأمر فالسن مقصود لذاته. قال المصنف: [ولا تجزئ العوراء البيّن عورها] وجاء بقيد البيّن عورها؛ لأن هناك عوراء ليس بيناً عورها فهذه تجزئ ولا شيء على من يذبحها، والعوراء البيّن عورها هي التي لا يختلف عليها اثنان في وضوح عورها، فهذه لا تجزئ، وعلى هذا قاس العلماء العمياء، فإن كانت العوراء لا تجزئ فمن باب أولى العمياء. قال المصنف: [ولا العجفاء التي لا تنقي] عجفاء: أي هزيلة ولا مخ لها، أي: أنها هزيلة ولا مخ لها. قال المصنف: [ولا العرجاء البيّن ضلعها] البيّن عرجها أي أن عرجها ظاهر في أنها لا تواكب المسير مع أخواتها. قال المصنف: [ولا المريضة البيّن مرضها] أي الواضح مرضها فلا تجزئ. قال الشارح: [قال البراء بن عازب: (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء، والمريضة، والعرجاء، والكسيرة). ولا تجزئ العضباء التي ذهب أكثر قرنها أو أذنها لما روي عن علي رضي الله عنه قال: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يضحى بأعضب الأذن والقرن)]. أما إذا ولدت وليس لها قرون فتجزئ، ولو أنها ولدت ليس لها ذيل فتجزئ، والتي تجزئ في الأضاحي الواجب أن تكون سليمة من العيوب لأنك تقربها إلى الله عز وجل. قال الشارح: [وتجزئ الجماء والبتراء] المقطوع جنبها [والخصي -المخصية- وما شقت أذنها أو خرقت أو قطع أقل من نصفها، والأبتر المقطوع الذنب -أي الذيل- لأن ذلك ليس بمقصود، والجماء التي لم يخلق لها قرن، فتجزئ لأن القرن غير مقصود، ويجزئ الخصي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين أقرنين موجوءين، والموجوء الذي رضت خصيتاه أو قطعتا]. رضت خصيتاه: أي رفع الخصية إلى أعلى وربطها. قال الشارح: [ولا فرق بينهما لأن المرضوض كالمقطوع؛ ولأن ذلك العضو غير مستطاب وذهابه يؤثر في سمنها، وكث

صفة ذبح الأضحية والهدي

صفة ذبح الأضحية والهدي قال: [والسنة نحر الإبل قائمة]. بدأ بعد أن تحدث عن شروط الأضحية وعن مواصفاتها بدأ في كيفية الذبح، فقال: الإبل تُذبح وهي قائمة. ما الدليل من القرآن على أنها تذبح قائمة؟ قال تعالى: {فَإِذَا وَجَبَتْ} [الحج:36] وجبت بمعنى سقطت، إذاً تُذبح قائمة، فالسنة أن تُذبح الإبل وهي قائمة، وليس هذا شرطاً إنما على سبيل الاستحباب. أيهما أسرع موتاً الإبل، أم البقر، أم الغنم؟ الإبل؛ لأن قلب الإبل أقرب إلى عنقها من الغنم والبقر، فحينما تنحر الإبل تموت أسرع لقرب القلب من مكان النحر سيدخل القلب الدم مباشرة، أما الغنم فقلبها أبعد، ولذلك حرّم الله الميتة؛ لأنه لا يخرج منها دم، فالدم سيظل محبوساً. لذلك استحب العلماء أن تُذبح الأضحية بدون أن تقيد، لتجعلها تتحرك ويخرج جميع الدم الذي بها، لأنها إن قيدتها فستصبح حركتها محدودة فينحصر فيها جزء من الدم، ولذلك فلا يستحب هذا. قال الشارح: [والسنة نحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى -أي مربوطة- لقوله سبحانه وتعالى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج:36]. قال زياد بن جبير: رأيت ابن عمر أتى على رجل أناخ بدنته ينحرها فقال: ابعثها قياماً مقيدة سنة محمد صلى الله عليه وسلم. وذبح البقر والغنم؛ لأن عائشة رضي الله عنها قالت: (دخل علينا بلحم بقر، فقلت: ما هذا؟ فقيل: ذبح النبي صلى الله عليه وسلم عن أزواجه) رواه البخاري، وقال أنس: (ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين ذبحهما بيده وسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما) متفق عليه]. والصفحة هي الرقبة. قال الشارح: [ونحر النبي صلى الله عليه وسلم بيده ثلاثاً وستين بدنة، وأعطى علياً فنحر ما غبر منها] أي ما تبقى منها. قال الشارح: [ويستحب أن يقول عند الذبح: باسم الله والله أكبر، اللهم هذا منك ولك؛ لما روى أنس قال: (ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين ذبحهما بيده وسمى وكبّر)، وروى جابر أنه قال: (اللهم هذا منك ولك عن محمد وأمته، باسم الله والله أكبر ثم ذبح)]. قال الشارح: [ولا يستحب أن يذبحها إلا مسلم؛ لأنها قربة]. وهذا الأمر فيه خلاف لكن الأولى والأرجح والأقوى أدلة ألا يذبح الأضحية إلا مسلم لأنها نسك وقربى إلى الله عز وجل. قال الشارح: [وإن ذبحها صاحبها فهو أفضل لحديث أنس. ]

وقت ذبح الأضحية وكيفية تقسيمها

وقت ذبح الأضحية وكيفية تقسيمها قال: [ووقت الذبح يوم العيد بعد صلاة العيد أو قدرها]. بمعنى أن الذي لا يصلي العيد ينتظر حتى يمر قدر صلاة العيد، ثم يذبح في هذا الوقت. قال المصنف: [إلى آخر يومين من أيام الثشريق] أي إلى آخر أيام التشريق وهو الراجح. قال الشارح: [وتتعين الأضحية بقول هذه أضحية، ولا يعطى الجزار بأجرته شيئاً منها] لحديث علي الذي سبق أن أشرت إليه وهو: أنه لا يجوز أن يُعطى الجزار أو الجازر شيئاً من الأضحية على الإطلاق ولا حتى الجلد كثمن لذبحه، وإنما يتصدق به لأن هذه الأضحية لله عز وجل، فإن أخذه الجزار بمبلغ من المال واشتراه وتصدقت أنت بثمنه فلا بأس، والجلد إما أن تبيعه أو تتصدق بثمنه إن كنت عاجزاً عن أن تنفق، وإما أن تستخدمه كفراش وهذا يجوز أيضاً. قال المصنف: [والسنة أن يأكل من أضحيته ثلثها، ويهدي ثلثها، ويتصدق بثلثها]. وهذا ليس شرطاً عند العلماء، وإنما له أن يأكل وأن يتصدق، وله أن يتصدق بأكثر من الثلث، وليس شرطاً أن يتصدق بالثلث، لكن التشريك فقط هو المقصود، ولكن هذا القول معتبر، فإن تصدق بثلث وأكل الثلث فلا بأس. قال الشارح: [لما روى عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأضحية قال: (ويُطعم أهل بيته الثلث، ويُطعم فقراء جيرانه الثلث، ويتصدق على السؤال بالثلث). قال الحافظ: هذا حديث حسن، وقال ابن عمر: الضحايا والهدايا ثلث لك، وثلث لأهلك، وثلث للمساكين، وإن أكل أكثر جاز؛ لأنها سنة غير واجبة. وله أن ينتفع بجلدها ويصنع منه النعال والخفاف والفراء والأسقية ويدخر منها لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث فأمسكوها ما بدا لكم) ولا يجوز بيع شيء منها].

ما يمنع الأكل منه من الهدي

ما يمنع الأكل منه من الهدي فأما الهدي فينقسم إلى قسمين: هدي واجب وهدي تطوع، أما الهدي الواجب فهو هدي التمتع والقارن فهما هدي واجب، وأما هدي التطوع فهو ما سوى ذلك. قال المصنف: [ولا يأكل من واجب إلا من هدي التمتع والقران] بمعنى أنه لا يأكل من واجب، فالنذر لا يأكل منه لأنه واجب، والكفارات لا يأكل منها لأنها واجبة، فكل ما هو واجب عليه لا يأكل منه إلا هدي التمتع والقران، فإنه يجوز أن يأكل منهما.

العدة شرح العمدة [53]

العدة شرح العمدة [53] من رزقه الله بمولود فيستحب له أن يعق عنه يوم سابعه، وعقيقة المولود تكون بشاتين عن الغلام وشاة عن الجارية، ولابد من توافر شروط معينة في العقيقة؛ وهي تتفق في هذه الشروط مع الأضحية، فما يضحى به يجزئ أن يكون عقيقة.

أحكام العقيقة

أحكام العقيقة

باب العقيقة

باب العقيقة قال المصنف رحمه الله: [باب العقيقة. وهي سنة ثابتة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه عق عن الحسن والحسين. [تاركها مع القدرة لا يأثم]، وهذا هو الراجح من أقوال العلماء. العقيقة من عق، وعق أي قطع، ومنها عقوق الوالدين، ومعنى عقوق الوالدين أي مقاطعة الوالدين، فالعقيقة تُذبح عن الغلام تفاؤلاً بقدومه نفس بنفس، ولذلك في الحديث: (كل مولود مرهون بعقيقته) مرهون: أي محفوظ من أذى الشيطان بالعقيقة، ولذلك إن لم يعق أباك عنك عُق عن نفسك الآن مع كبر سنك. وهي الذبيحة عن المولود، وهي سنة. وقد اختلف العلماء فيما لو ولد الغلام أو الجارية بعد أربعة أشهر ميتاً، فمنهم من قال: لا يعق عنه باعتبار أنه ولد ميتاً، ومنهم من قال: يعق عنه باعتبار أنه اكتمل خلقه، والرأي الثاني هو الذي يميل إليه الشيخ ابن عثيمين: أنه يعق عنه طالما أنه اكتملت مراحل الخلق في بطن أمه. ولو نزل من بطن أمه حياً ثم مات بعد اليوم السابع فيعق عنه بإجماع العلماء؛ لأن العقيقة في اليوم السابع، وهو استمر إلى بعد السابع فيعق عنه. ولو نزل من بطن أمه حياً ثم مات في اليوم الرابع، هل يعق عنه أم لا؟ هذا فيه خلاف، والراجح أنه يعق عنه؛ لأنه نزل حياً من بطن أمه.

من مواطن اختلاف الذكر عن الأنثى في الأحكام

من مواطن اختلاف الذكر عن الأنثى في الأحكام ومن مواطن الخلاف بين الذكر والأنثى العقيقة، يقول ربنا سبحانه وتعالى: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى} [آل عمران:36] فعن الذكر يعق شاتان، وعن الأنثى شاة، أي: أن الذكر يضاعف له في العدد، فإذا افترضنا أنك غير قادر على ذبح شاتين عن ذكرك تذبح شاة؛ لأن الواجبات تحصّل على قدر الاستطاعة، فمن باب أولى السنن المؤكدة، فتحصل منها ما استطعت، ولا بد أن تكون العقيقة من بهيمة الأنعام، أي: غنماً، أو ضأناً، أو إبلاً، أو بقراً. فلو قال قائل: سأذبح ديكاً، فلا يجزئ، بل لا بد من أن تذبح من بهيمة الأنعام. قال: [ومواطن الخلاف بين الذكر والأنثى متعددة ففي الشهادة: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة:282]] معنى ذلك: أن شهادة الرجل على المثلين من شهادة المرأة، والعجيب أن الطبري في التفسير قال: ((فَتُذَكِّرَ)) أي: تجعلها ذكراً، وفي الأصل أن تذكّر بمعنى أنها تذكرها من نسيانها، وهذا من الأقوال التي أخذها العلماء على الطبري في تفسيره. كذلك من مواطن الخلاف بين الذكر والأنثى: أنه ليس على المرأة جمعة، وليس لها أن تؤذن، ولا أن تقيم، ولا أن تؤم الرجال، ولا أن تخطب الجمعة هذا كله يختص بالرجال، والنبوة لا تكون إلا للرجال {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ} [يوسف:109] فالأنبياء رجال؛ لأن الله قال: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا} [النساء:34] حتى بعد الميلاد إن بال الذكر على ثوبك قبل فطامه فينضح، وإن كانت أنثى يُغسل، فبول الجارية يُغسل وبول الذكر يُنضح، لحديث أم قيس في البخاري، وهذا قبل الفطام، أما بعد الفطام فكلاهما يُغسل. هذه بعض الفروق الشرعية بين الذكر والأنثى، وربنا يقول: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى} [آل عمران:36]، لكن في زماننا أرادوا للذكر أن يكون أنثى، نسأل الله العافية، ولا أدري أيريدون للرجال أن يحيضوا في زمن يحيض فيه البعض! نسأل الله العافية. فهم يقولون المساواة، ما معنى المساواة؟ الذي خلق الذكر هو الله، والذي خلق الأنثى هو الله، وقال: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى} [آل عمران:36] فهذا له صفات وهذه لها صفات، إنما المساواة دعوى كاذبة يتبناها بعض العلمانيين في هذا الزمن، حتى قالت إحداهن -وهي معروفة بأقوالها التي تناقض الشريعة-: إن الإسلام أعطى للأنثى النصف يوم أن كانت تقتل، أما الآن فهي تزاحم الرجال في الأعمال، فلا بد من إعادة النظر في أحكام المواريث. إذاً: هنا لابد من تعديل صورة النساء استجابة لرغبة العارفة بالله، نسأل الله العافية.

الحكمة من توقيت ذبح العقيقة في اليوم السابع

الحكمة من توقيت ذبح العقيقة في اليوم السابع قال: [لما روى سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل غلام رهينة بعقيقته تُذبح عنه يوم سابعه، ويسمى ويُحلق رأسه)]. ما هي العلة في اختيار اليوم السابع؟ القول الأول: أنه محبوس عن أذى الشيطان بعقيقته، فيحفظه الله من أذى الشيطان، هذا معنى. القول الثاني: تفاؤلاً بأن أيام السنة كلها مرت عليه، أي أنه إن ولد يوم السبت يُعق عنه يوم الجمعة، فقد مر عليه السبت والأحد وجميع أيام الأسبوع، وهل أيام السنة إلا هذه الأيام المعروفة؟ تفاؤلاً في أن يعيش هذا الغلام، وهذا قول بعض العلماء. القول الثالث: العدد سبعة هو نهاية الآحاد، والعدد سبعين هو نهاية العشرات، ولذلك قال الله سبحانه وتعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة:80] والعدد (سبعين) لا مفهوم له؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو أعلم أني لو زدت عن السبعين لغُفر لفعلت)، فيكون هذا كناية عن الكثرة، فالعرب قديماً كانوا يعتبرون العدد سبعة هو نهاية الآحاد، ولذلك جاء العدد سبعة في أكثر الأصول الشرعية ليبين أنه نهاية الأعداد ولا مفهوم له: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله) هل الحديث مقصور على هؤلاء السبعة؟ الشيخ العفاني حفظه الله له كتاب: ترطيب الأفواه بذكر من يظلهم الله، وقد وصلوا إلى السبعين، وابن حجر العسقلاني من قبله له كتاب من يظلهم الله تحت عرشه، فليس المقصود بهم هؤلاء السبعة فقط، كذلك الشيخ عطية سالم رحمه الله له كتاب أيضاً فيمن يظلهم الله تحت عرشه. إذاً العدد سبعة لا مفهوم له، وعلى هذا جاءت بعض النصوص، وفي بعض النصوص العدد سبعة مقصود لذاته، مثل قول ربنا سبحانه: {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ} [الحجر:44] فلا يقول أحد: إن هذا العدد لا مفهوم له، وإنما هي بالفعل لها سبعة أبواب، وللجنة ثمانية أبواب، فالعدد سبعة هنا قال عنه العلماء: لأنه كمال الآحاد. كما أقول لك حين تطلب مني مسألة: إن سألتني ألف مرة فلن ألتفت إليك، فهل هذا العدد كناية عن الكثرة أم أن العدد مقصود لذاته؟ العدد هنا أريد به الكثرة ولم يقصد لذاته. إذاً: قال بعضهم: العقيقة في اليوم السابع أولاً: تفاؤلاً بأن أيام العام مرت على المولود، ثانياً: أنه نهاية الآحاد. ولذلك ربنا يقول: {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا} [الحاقة:7]، {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ} [لقمان:27] فالسبعة هنا ليست مقصودة لذاتها، وإنما نهاية للآحاد، ولو أن البحر يمده من بعده مائة ألف بحر ما نفدت كلمات الله، فالسبعة ليست مقصودة لذاتها، وإنما العدد أحياناً يكون لا مفهوم له.

شروط العقيقة

شروط العقيقة قال المؤلف: [عن الغلام شاتان متكافئتان وعن الجارية شاة، لما روت أم كرز الكعبية]. ولو أن رجلاً أراد أن يعق عن ولده فاشترك في بعير بالسبع فإن ذلك لا يجزئ؛ لأنه لا بد من نفس مقابل نفس، وهنا حدث التشريك، فاذبح شاة بدلاً من أن تدخل شريكاً في بدنة. قال: [عن الغلام شاتان متكافئتان وعن الجارية شاة] في اليوم السابع، فلو ولد الغلام يوم السبت يعق عنه يوم الجمعة، ولو ولد يوم الجمعة يعق عنه يوم الخميس، ولو ولد يوم الخميس يعق عنه يوم الأربعاء وهكذا. قال: [قالت عائشة رضي الله عنها: السنة شاتان متكافئتان وعن الجارية شاة، تطبخ جدولاً، ولا يكسر عظمها، ويأكل ويطعم ويتصدق]. ومعنى لا يكسر عظمها، أي تطبخ كما هي تفاؤلاً بعدم كسر المولود. وهنا مسألة: لو قال قائل: هل يجوز أن أقترض لذبح العقيقة؟ فنقول: إن كنت مليئاً قادراً على الوفاء بالدين يجوز، ولا مانع أن تقترض ثمن العقيقة ثم توفي بعد ذلك، أما إذا كنت لا تمتلك ثمناً على الإطلاق لا الآن ولا فيما بعد فلا يجوز أن تقترض. قال: [ويأكل ويطعم ويتصدق] أي يأكل منها، ويتصدق، والعقيقة لا يشترط فيها أن يطعم الفقراء، إنما هي دعوى عامة للأغنياء والفقراء والأقارب والأرحام فالكل يأكل ولا حرج. قال: [وذلك في اليوم السابع، ويُحلق رأسه] هذا بالنسبة للذكر وليس للأنثى، فليس هناك دليل على حلق شعر الأنثى في اليوم السابع. [يُحلق رأسه، ويتصدق بوزنه ورقاً] أي فضة. ولو قرر الأطباء أنه لا يحلق يُقدّر ويتصدق بثمنه فضة. والشيخ ابن عثيمين يرى وهو رأي بعض العلماء: أن الحلق هو بالنسبة للذكر؛ لأن الأنثى لا تحلق، فالأصل فيها عدم الحلق. ثم قال: [لأن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين رضي الله عنهما بكبش كبش، وأنه تصدق بوزن شعرهما ورقاً، فإن فات ففي أربعة عشر، فإن فات ففي إحدى وعشرين، لما روى بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في العقيقة: (تُذبح لسبع، ولأربع عشرة، ولإحدى وعشرين). وينزعها أعضاء ولا يكسر لها عظماً؛ لحديث عائشة، وحكمها حكم الأضحية فيما سوى ذلك قياساً عليها]. أي أنه لا بد أن تجزئ أن تكون أضحية، أي العمر عمر أضحية، والمواصفات مواصفات أضحية، فالعوراء والتولاء والعرجاء لا تجزئ في العقيقة، ولابد أن تبلغ ستة أشهر إذا كانت من الضأن، وإذا كانت من الماعز فسنة، وإذا كانت من الإبل فخمس سنين، وإذا كانت من البقر فتبلغ سنتين. ومعنى تجزئ أضحية أي أن شروط الأضحية تنطبق على العقيقة، فالعوراء والعمياء والتولاء والعرجاء والعضباء والهتماء والجرباء كلها لا تجزئ، كذلك في العمر لا بد أن يكون عمرها كعمر الأضحية. إلى هنا انتهى مبحث العقيقة في عجالة سريعة.

الأسئلة

الأسئلة

حكم وضع المصحف على الأرض

حكم وضع المصحف على الأرض Q هل يجوز وضع المصحف على الأرض؟ الشيخ: لا يجوز، وهذا من سوء الأدب، فلا يجوز أن يوضع المصحف بين الأحذية ولا على الأرض، فبعض الناس يضع المصحف على الأرض عند الصلاة كما ترون، أو يضع المصحف على حاملة الأحذية، فهل هذا يجوز يا عباد الله؟ فلا بد لنا من أن نعظّم كتاب الله عز وجل.

حكم ذبح الشاة بنية الجمع بين الأضحية والعقيقة

حكم ذبح الشاة بنية الجمع بين الأضحية والعقيقة Q هل تجزئ العقيقة مع الأضحية؟ A هذا السؤال يأتي كثيراً في عيد الأضحى، فبعض الناس يريد أن يلبّس الأضحية بالعقيقة، هذا نسك وهذا نسك، ولا يجوز أن تذبح العقيقة بنية الأضحية، فتسد عن الأضحية والعقيقة معاً.

حكم جعل العقيقة كفارة لليمين

حكم جعل العقيقة كفارة لليمين Q أنا عندي عقيقة وعليّ كفارة إطعام عشرة مساكين، فهل آتي بالعشرة ليأكلوا من العقيقة ويجزئ هذا؟ A لا يجزئ هذا، فهذا تلفيق.

حكم تكافؤ الشياه في العقيقة

حكم تكافؤ الشياه في العقيقة Q هل يشترط أن تكون الشاتان في العقيقة متكافئتين؟ A هذا من السنة، وإن لم يكونا متكافئتين فلا حرج.

حكم تقديم العقيقة على الدين

حكم تقديم العقيقة على الدَّين Q إذا كان علي دين فهل أقضيه أولاً أم أبدأ بالعقيقة؟ A يقضى الدين أولاً قبل العقيقة، فالدين مقدم على العقيقة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي قتادة كان لا يصلي على جنازة إذا كان عليها دين، ولكن هذا في السابق وبعد هذا قال صلى الله عليه وسلم: (من ترك مالاً فلورثته، ومن ترك ديناً أو ضياعاً فإلي وعلي) وهذا بعد الفتوحات الإسلامية.

مكان ذبح العقيقة عن المولود

مكان ذبح العقيقة عن المولود Q إذا ولد المولود في مصر وأبوه في تونس فأين يعق عن المولود؟ A يعق عنه في مصر فيرسل ثمن العقيقة، وفتوى الدكتور القرضاوي أنه يجوز أن يوزع ثمن العقيقة لفلسطين، وهذه فتوى لم نسمع بها في الملة الأولى إن هذا إلا اختلاق، فلا يجزئ إلا الذبح.

حكم ذبح شاة عن كل مولود ذكر

حكم ذبح شاة عن كل مولود ذكر Q هل يجزئ عن المولودين كبشين؟ A لا، إنما عن كل مولود كبشين إن كانا ذكرين، أي أربعة عن الذكرين.

حكم الأضحية بالإبل

حكم الأضحية بالإبل Q أنت قلت: إنه يجوز أن يعق عنه بالإبل، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم أنه عق بكبشين. A النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين، وأفضل الأضحية هي الإبل؛ لأن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم تخرج بالتيسير على الأمة، فلو أنه ضحى بإبل للزمنا أن نضحي بإبل، فهو يفعل الأيسر للأمة. أفعال النبي صلى الله عليه وسلم لا بد أن نفهمها، فقد يفعل لبيان الجواز، وقد يفعل الأيسر، رغم أنه أوصى بالأعلى، وجمهور العلماء على أن أفضل الأضحية هي الإبل؛ لأن الحديث: (من جاء في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة) ثم جعل الساعة قبل الأخيرة للكبش، فالإبل مقدمة على الكبش، لكن الخلاف بين العلماء قائم في العقيقة: هل الأفضل الشاة أم الإبل؟ ولكن جمهور العلماء على أن الأفضل في العقيقة الشاة.

حكم النضح من بول صبي يرضع لبنا صناعيا

حكم النضح من بول صبي يرضع لبناً صناعياً Q ولدي لا يرضع من ثدي أمه طبيعياً، إنما يرضع لبناً صناعياً وبال، هل ينضح؟ A نعم ينضح؛ لأن هذا لا يُشترط فيه اللبن الطبيعي.

حكم كسر عظم العقيقة

حكم كسر عظم العقيقة Q هل ترك العقيقة على حالها دون كسر عظمها واجب؟ A لا، وإنما من باب الاستحباب، والشيخ ابن عثيمين يرى أن عدم كسر العظم من باب التوسع في التفاؤل فقط. نكتفي بهذا القدر، وجزاكم الله خيراً.

العدة شرح العمدة [54]

العدة شرح العمدة [54] فقه البيوع من أهم أنواع الفقه، فالبيع متكرر بكثرة في الحياة اليومية، وما لم يتفقه فيه الإنسان فإنه يقع في بعض البيوع المحرمة والمنهي عنها في الشرع. وقد فصلت الشريعة البيوع المنهي عنها أوضح تفصيل؛ ليكون الإنسان على بينة من أمره في بيعه وشرائه.

بعض البيوع المخالفة للشرع

بعض البيوع المخالفة للشرع الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فقه المعاملات من الفقه الغائب عن حياتنا، فقد أصبحت العناية الكبرى بفقه العبادات، وأما فقه المعاملات ففقه غائب في تدريسه وغائب عن واقعنا. وكثير من معاملاتنا تقع مخالفة للشرع لعدم علمنا به، فمثلاً: بيع علبة السمن المغلقة بيع غرر، ونحن جميعاً نشتري السمن بهذه الطريقة، وهذا بيع جهالة؛ لأنه لا بد من رؤية المشترى قبل أن تشتريه، والبعض إذا اشترى علبة سمن مغلقة وذهب بها إلى البيت وفتحها وجد بها ما لذ وطاب ولا يجد بها سمناً فيعود بها إلى البائع فيقول له البائع: لا تعاد البضاعة بعد مفارقة المحل. وهذا بيع غرر. وسأضرب من واقعنا بعض الأمثلة قبل أن أبدأ: - بعض الشركات تضع جوائز للمستهلكين، كأن تضع سيارة وتقول: الذي يجمع صورة السيارة كاملة يحصل على سيارة، ثم تضع ربع السيارة في سلعة والربع الثاني في سلعة أخرى، والربع الثالث في سلعة، والرابع في سلعة، فإذا اشترى شخص سلعة ووجد فيها ربع سيارة، فإذا أراد أن يحصل على السيارة ولا سيما إن كانت جيدة فإنه يذهب يشتري السلعة بكثرة حتى يستطيع إكمال صورة السيارة، فهذا اشترى السلعة لغرض السيارة وهذا حرام، وهو موجود في حياتنا. ومثل ما يحدث في الطريق العام، فتجد رجلاً يبيع سلعاً ويقول: اشتر سلعة وخذ معها الكوبون، وفي الكوبون جائزة تحصل عليها، إما أن يكون جهاز تسجيل أو مروحة أو مكواة أو جهاز كاميرا أو غير ذلك، وهذا البيع حرام؛ لأن فيه غرراً وجهالة. فإذا حددت الجائزة كأن يقول: من يشتري مني بألف فله جائزة بمقدار كذا فهذا معلوم وجائز، وأما الأول فمجهول، وكل بيع فيه جهالة حرام. وأيضاً (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع حبل الحبلة)، وهو الجنين في بطن أمه، مثل أن يذهب التاجر إلى السوق ويشتري بهيمة فيقال له: هذه بثلاثة آلاف وما في بطنها بألف، فيدفع الأربعة آلاف، فيكون قد اشترى الجنين في بطن أمه، وهذا البيع حرام؛ لأننا لا ندري هل ينزل الجنين أم لا ينزل. وكذلك بيع المصراة، كأن يربط على ضرع الجاموسة كيساً ليحبس اللبن في ضرعها، ثم يذهب بها إلى السوق وهي منتفخة الضرع، وهذا بيع حرام. ومثل أن يفتح محلاً لبيع الخضروات والبطيخ مثلاً، ويأتي بثلاثة أشخاص لا هم لهم في البيع والشراء وإنما ليزيدوا على المشتري، فيقول أحدهم: سأشتريها بمائتين، وكل هدفه أن يرفع السعر على المشتري الحقيقي، وهذا يسمى عند العلماء بيع النجْش أو النجَش -على خلاف بينهم هل هو بالتسكين أو الفتح- وبيع النجش حرام. وهذا الذي يحدث. ومثل من احتاج إلى اقتراض المال ولم يجد أحداً يعطيه، فإنه يذهب إلى تاجر آخر ويشتري منه سلعة بالتقسيط ثم يبيعها له مباشرة بسعر أقل، وهذا يسمى عند الفقهاء بيع العينة، وهو حرام؛ لأنه من الحيل التي لا ينبغي أن تكون. وكذلك بيع الملامسة، وبيع المنابذة، وبيع الحصاة، وغيرها من أنواع البيوع كالمزابنة، والمحاقلة، والمخابرة. وكذلك بيع الذهب بالذهب مع أخذ الفرق، وهذا يحدث في سوق الذهب والمجوهرات ولا سيما من النساء، فتجد المرأة تخلع ذهبها القديم وتعطيه لتاجر الذهب فيزنه، ثم تقول له: أريد ذهباً جديداً، فيزن لها الذهب الجديد وتدفع الفارق بين القديم والجديد، وهذا حرام، بل عليها أن تبيع القديم أولاً وتقبض ثمنه، ثم تشتري جديداً من المشتري أو من غيره، ولا يجوز أن يُباع الذهب بالذهب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث عبادة في باب الربا: (الذهب بالذهب والفضل ربا، والفضة بالفضة والفضل ربا، والشعير بالشعير والفضل ربا، والتمر بالتمر والفضل ربا، والبر بالبر والفضل ربا، والملح بالملح والفضل ربا). وقد اختلف الحنابلة هل علة تحريم هذه الأصناف الكيل والوزن أم الثمنية والكيل، أم الطعم والوزن. والربا ليس مقتصراً على هذه الأصناف الستة في ربا الفضل، بل لو جاء رجل بكيلة ذرة واستبدلها بكيلتين من الذرة أيضاً فهذا ربا، مع أنه ليس في الحديث الذرة بالذرة، ولكن قياساً على المذكور في الحديث، وعلة الحرمة هي الكيل، والعلة في الأصناف الأربعة الكيل، وفي الذهب والفضة الثمنية وليست الوزن؛ والحنابلة يرون أن العلة في تحريم الذهب والفضة الوزن، وعلى هذا فلو أن رجلاً باع طناً من الحديد بطنين فعند الحنابلة أن هذا ربا؛ لأن العلة في تحريم الذهب والفضة عندهم هو الوزن، والحديد موزون، والذهب والفضة موزونان، ونحن نقول: لا، ليس ربا؛ لأن العلة من تحريم الذهب والفضة هي الثمنية، فأي شيء له ثمن فيه ربا، وعلى هذا فهذه النقود الورقية التي نحملها فيها ربا؛ لوجود علة التحريم فيها، وهي الثمنية. وكذلك من البيوع المخالفة للشرع بيع الثمرة قبل نضجها، وهذا يسمى بيع المزابنة عند العلماء. وكذلك بيع الثمرة وهي على غصنها قبل أن تنضج. وكذلك بيع النخل المؤبر، أي: الملقح. وتلقيح النخل هو: أخذ طلع الذكر ويأتي إلى الأنثى و

كتاب البيوع

كتاب البيوع قال المصنف رحمه الله: [كتاب البيوع] قال الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة:275]]. والبيع معاوضة المال بالمال، ويجوز بيع كل مملوك فيه نفع مباح، إلا الكلب فإنه لا يجوز بيعه، ولا غُرم على متلفه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب، وقال: (من اقتنى كلباً إلا كلب ماشية أو صيد نقص من عمله كل يوم قيراطان). ولا يجوز بيع ما ليس بمملوك لبائعه إلا بإذن مالكه أو ولاية عليه، ولا بيع ما لا نفع فيه كالحشرات، ولا ما نفعه محرم كالخمر والميتة، ولا بيع معدوم كالذي تحمل أمته أو شجرته، أو مجهول كالحمل، والغائب الذي لم يوصف، ولم تتقدم رؤيته، ولا معجوز عن تسليمه كالآبق والشارد، والطير في الهواء، والسمك في الماء، ولا بيع المغصوب إلا لغاصبه، أو من يقدر على أخذه منه، ولا بيع غير معيّن كعبد من عبيده أو شاة من قطيعه، إلا فيما تتساوى أجزاؤه كقفيز من صبرة. فصل ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الملامسة وعن المنابذة، وعن بيع الحصاة، وعن بيع الرجل على بيع أخيه، وعن بيع حاضر لباد، وهو أن يكون له سمساراً وعن النجش: وهو أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها، وعن بيعتين في بيعة، وأن يقول: بعتك هذا بعشرة صحاح أو عشرين مكسّرة، أو يقول: بعتك هذا على أن تبيعني هذا أو تشتري مني هذا، وقال: (لا تلقوا السلع حتى يُهبط بها الأسواق)، وقال: (من اشترى طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه)].

الأصل في البيع الحلية إلا ما جاء الدليل على تحريمه

الأصل في البيع الحلية إلا ما جاء الدليل على تحريمه قال المصنف رحمه الله في الشرح: [قال الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة:275]. فقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة:275] يدل على أن الأصل في البيوع الحل، فإذا جاءك رجل وقال: هذا البيع حرام فعليه الدليل؛ لأن الأصل في البيع الحل، قال تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة:275]. والأصل عند الفقهاء براءة الذمة، فلو قال شخص: لي ألف جنيه عند فلان لزمه الدليل؛ لأن الأصل براءة الذمة، فالأصل أن الثاني ليس مديناً، فمن ادعى أن فلاناً مدين له فعليه أن يقيم الدليل، فاستصحاب البراءة الأصلية مهم. وكذلك الأصل في المرأة أنها بكر، فإن تزوجها أحد وادعى أنها ليست بكراً، فعليه الدليل؛ لأن الأصل فيها البكارة وهكذا. وكذلك الأصل أن ما في حوزتي ملك لي، فالأصل في الحيازة الملكية. والأصل في الماء أنه طهور، ومن قال: إن هذا الماء غير طهور لزمه الدليل. وهذا الأمر مهم في البيوع، فالأصل في البيوع الحل، قال تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة:275].

تعريف البيع

تعريف البيع قال المصنف رحمه الله: [والبيع: معاوضة المال بالمال لغرض التملك]. فإذا اشترى لا لغرض التملك فهو حرام؛ لأنه اشترى لا ليتملك، والأصل في البيع أنه يشتري لغرض التملك، ومن هنا حرمنا البيوع التي هي لأجل الجوائز وليست لأجل التملك، فمن اشترى لا ليتملك وإنما ليحصل على المكسب المالي، كمواقع الإنترنت في التسويق الهرمي، وشراء خدمة النت لا لغرض التملك وإنما لغرض الحصول على المكسب المالي. وهذه شركات يهودية وقعنا فريسة لها. فالبيع هو معاوضة المال بالمال لغرض التملك، فإذا اشتريت منك كوباً ودفعت لك ثمنه وأعطيتني الكوب فهنا تنتقل الملكية لي، فأنا الآن متملك لهذه السلعة، وإذا اشتريت منك الكوب لا لأجل نقل الملكية، وإنما لأن بداخله جائزة، وأنا لا أريد أن أتملك السلعة وإنما أريد الجائزة فهذا البيع لا يجوز.

ما يجوز بيعه

ما يجوز بيعه قال المصنف رحمه الله: [ويجوز بيع كل مملوك فيه نفع مباح]، أي: فلا تبع إلا ما تملك، ويحرم عليك بيع ما لا تملك. وبيع ما لا نملك موجود بكثرة في حياتنا. وذلك كأن يريد شخص شراء ثلاجة وليس معه ثمنها نقداً فيأتي إلى آخر فيقول له: أنا أشتريها وأقسطها لك، فيذهبان سوياً إلى التاجر ويشتري صاحبه السلعة دون أن يتملكها، وإنما يشتريها لحساب أخيه، ثم يقسّطها له، فهذا حرام وهو ربا؛ لأنه لم يتملك السلعة. فهذا هو عين الربا. وإذا أردت أن يكون البيع حلالاً فعليه أن يشتري الثلاجة أولاً ويتملكها، ثم يعيد البيع لك أو لغيرك، ولا تتفقان على الثمن قبل أن يتملك السلعة. فالعبرة أن تبيع ما تملك، فلا تتفق مع المشتري على سعر السلعة وهي ليست ملكك، قال صلى الله عليه وسلم لـ حكيم بن حزام: (لا تبع ما ليس عندك). فيشترط لصحة البيع أن يكون المبيع مملوكاً لبائعه، فلا تبع السمك في الماء؛ لأنه ليس مملوكاً لك، وكذلك لا تبع ناقة في الصحراء. قال المصنف رحمه الله: [أو مأذوناً له فيه]، أي: كأن آذن لك في بيع ما أملكه.

حكم بيع الإنسان ما لا يملك بغير إذن صاحبه

حكم بيع الإنسان ما لا يملك بغير إذن صاحبه قال المصنف رحمه الله: [فإن باع ملك غيره بغير إذنه لم يصح؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ حكيم بن حزام: (لا تبع ما ليس عندك). رواه ابن ماجه والترمذي وقال: حديث صحيح، يعني: (ما لا تملك)؛ لأنه ذكره جواباً له حين سأله أن يبيع الشيء، ثم يمضي ويشتريه ويسلمه، ولأنه عقد على ما لا يقدر على تسليمه أشبه ببيع الطير في الهواء، وعنه -أي رواية أخرى عن أحمد - يصح ويقف على إجازة المالك]. ولكن المذهب والراجح هو ألا يبيع إلا ما يملك. قال المصنف رحمه الله: [وقوله: فيه نفع مباح احترازاً عما فيه نفع محرم كآلات اللهو]، كآلة الجيتار بيعها حرام؛ لأن فيها نفعاً حراماً، فلا بد أن يكون النفع حلالاً، (إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه) فيحرم بيعه وشراؤه، فالسلعة حرام لذاتها. ومن فقه البخاري أنه أخرج حديثاً عن ابن عمر رضي الله عنه قال: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج علينا وهو يأكل جمّاراً -والجمّار هو قلب النخلة الأبيض- ثم سأل أصحابه إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها حدثوني ما هي؟) وفي رواية: (أخبروني ما هي؟) وفي رواية: (أنبئوني ما هي؟ فوقع الصحابة في شجر البوادي، فقال ابن عمر: وكنت أصغر القوم، فمنعني الحياء، فحدثتني نفسي أنها النخلة، فلما عجزوا عن الإجابة قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنها النخلة، فقال ابن عمر لأبيه عمر: يا أبي! والله لقد حدثتني نفسي أنها النخلة، لكني استحيت أن أتحدث في وجودكم، قال: يا بني! لقد كان أحب إلي من الدنيا وما فيها أن تخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا الحديث قد أخرجه البخاري في كتاب العلم، وأخرجه أيضاً في كتاب البيوع، وعلة ذلك: أن الجمّار يؤكل، فيجوز بيعه؛ لأن ما يجوز أكله يجوز بيعه. فيشترط في المبيع: أن يكون مملوكاً، ثانياً: أن يكون فيه نفع مباح.

حكم بيع الكلب

حكم بيع الكلب قال المصنف رحمه الله: [إلا الكلب فإنه لا يجوز بيعه، وإن كان معلماً؛ لما روى أبو مسعود الأنصاري: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب) وقال: (ثمن الكلب خبيث) متفق عليه]. حتى وإن كان معلماً أو للحراسة؛ لما روى أبو مسعود الأنصاري: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب). وقال: (ثمن الكلب خبيث). فيحرم فتح المحلات التي تبيع الكلاب. قال المصنف رحمه الله: [ولا غرم على متلفه لذلك] فلو أن رجلاً أمسك بكلب فأتلفه لم يلزمه الضمان، ولا غرم عليه]. قال المصنف رحمه الله: [ولأنه لا قيمة له].

حكم بيع الإنسان ما لا يملك

حكم بيع الإنسان ما لا يملك قال المصنف رحمه الله: [ولا يجوز بيع ما ليس بمملوك لبائعه إلا بإذن مالكه أو ولاية عليه].

حكم بيع ما لا نفع فيه

حكم بيع ما لا نفع فيه قال المصنف رحمه الله: [ولا يجوز بيع ما لا نفع فيه كالحشرات؛ لأنها لا قيمة لها، وهي محرمة، أشبهت الميتة ما لا نفع فيه]. فلا يجوز لرجل أن يفتح متجراً لبيع الصراصير أو لبيع الذباب حتى وإن ملكهما؛ لأنه لا نفع فيهما، والنفع يختلف من فرد إلى آخر. فيشترط فيهما الملكية والنفع.

حكم بيع ما نفعه محرم

حكم بيع ما نفعه محرم قال المصنف رحمه الله: [ولا يجوز بيع ما نفعه محرم كالخمر والميتة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه)، وفي حديث جابر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام)]. فما نفعه محرم لا يجوز أن يباع، فكل ما حرمه الله -كبيع الذهب للرجال- حرام؛ لأنه محرم وهكذا.

حكم بيع المعدوم

حكم بيع المعدوم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولا يجوز بيع معدوم كالذي تحمل أمته أو شجرته]. فلو أن أمة مملوكة حملت من سيدها فلا يجوز بيع ما في بطنها، وكذلك لا يجوز بيع الثمرة في الشجرة قبل نضجها، إلا أن يشترط البائع على المشتري أن يقطعها في الحال، فلو أن رجلاً اشترى من بائع بلحاً لم يتحول إلى رُطب فلا يجوز إلا بشرط القطع الآن، وأما بيعه باعتبار أنه سيصبح رطباً فهذا بيع للثمرة قبل نضجها باعتبار أنها ناضجة، وهذا بيع حرام. قال المصنف رحمه الله: [لأنه مجهول غير مقدور على تسليمه]. ومن شروط صحة البيع أن يكون المبيع مقدوراً على تسليمه، فأنا أبيع ما أملك حتى أقدر على تسليمه، وإذا بعتك ما لا أملك فلن أستطيع أن أسلمه لك، فمن شروط صحة البيع أن يكون المبيع مقدوراً على تسليمه.

حكم بيع الغائب

حكم بيع الغائب قال المصنف رحمه الله: [ولا يجوز بيع الغائب الذي لم يوصف ولم تتقدم رؤيته]. فلا يجوز بيع الغائب إلا إذا وصف أو تقدمت رؤيته فيجوز بيعه، وهذا موجود في البيع الذي يسمى الآن الاستيراد من الخارج، فإنهم يرسلون لك عيّنة تنظر إليها ثم ترسل العقد على الفاكس وتحول لهم بالقيمة ويرسلون لك السلعة، فهذا الشراء شرعي؛ لأنه موصوف في الذمة، وقد تقدمت رؤيته. قال المصنف رحمه الله: [لجهالته]، فأي مبيع يجهل المشتري صفته فشراؤه له حرام حتى يعلم صفته.

حكم بيع ما لا يقدر على تسليمه

حكم بيع ما لا يقدر على تسليمه قال المصنف رحمه الله: [ولا بيع معجوز عن تسليمه كالآبق]. والآبق: العبد الهارب، فلا يجوز أن تبيع عبداً هرب إلى الصحراء، وهو بيع حرام؛ لأنه غير مقدور على تسليمه، فضلاً عن أنه بيع جهالة. قال المصنف رحمه الله: [ولا يجوز بيع الغائب كالآبق والطير في الهواء والسمك في الماء؛ لأن القدرة على التسليم شرط في صحة البيع ولم يوجد].

حكم بيع المغصوب

حكم بيع المغصوب قال المصنف رحمه الله: [ولا يجوز بيع المغصوب] فلو أن رجلاً اغتصبت أرضه فلا يجوز لصاحب الأرض بيعها؛ لأنه لا يستطيع تسليمها. قال المصنف الله: [ولا يجوز بيع المغصوب لذلك إلا لغاصبه]. فلو بيعت الأرض المغصوبة لمن غصبها بسعر السوق جاز ذلك؛ لأن الغاصب قادر على استلامها. قال المصنف رحمه الله: [أو لمن يقدر على أخذه منه؛ لأنه يقدر على تسليمه].

حكم بيع غير المعين

حكم بيع غير المعين قال المصنف رحمه الله: [ولا يجوز بيع غير معين كعبد من عبيده]. كما لو أن عندي عشرة من العبيد وبعتك أحدهم دون تحديد له فيحرم هذا البيع؛ لأنه بيع جهالة، وبيع الجهالة حرام؛ لأن المشتري لم يعاين المبيع ولم يعرف ماذا سيشتري. قال المصنف رحمه الله: [أو شاة من قطيعه]، فلو كان لشخص قطيع من الغنم وقال لك: بعتك شاة من هذا القطيع، ولم يحددها فهذا البيع بيع جهالة. قال المصنف رحمه الله: [فإن تساوت أجزاؤه كقفيز من صبرة معينة صح]. فلو أن شخصاً عنده كومة من أرز أبيض فيجوز أن يبيع 2 كيلو؛ لأن أجزاءها متجانسة، وهذا يسمى بيع قفيز من صبرة. قال المصنف رحمه الله: [لأنه يصير معلوماً].

حكم بيع الملامسة والمنابذة والمزابنة

حكم بيع الملامسة والمنابذة والمزابنة قال المصنف رحمه الله: [ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الملامسة والمنابذة]. هنا بدأ المصنف رحمه الله يتكلم عن البيوع المنهي عنها، والبيوع المنهي عنها تصل إلى الخمسين بل أكثر، وليست على سبيل الحصر، وكتاب العدة في الفقه الحنبلي للمبتدئين فقط، وهو لمحو الأمية في الفقه، وأنا لن أتوسع هنا، وإنما سنتوسع في المغني بعد ذلك، وفي فقه أكبر. والملامسة هي: أنك إذا لمست السلعة وجب عليك الشراء بمجرد اللمس، وهي: أن يقول البائع للمشتري: أي ثوب تلمسه فهو لك بكذا، أو يقول المشتري: أي ثوب ألمسه فهو لي بكذا. فالعبرة هنا باللمس، وهو لا يدري أي الأثواب سيلمس، فأصبح بيع غرر وجهالة. وأيضاً نهى عن بيع المنابذة. قال المصنف رحمه الله: [لا نعلم خلافاً بين أهل العلم في فساد هذين البيعين]. ونهي كذلك عن المزابنة، وهي بيع الثمرة على الأرض بالثمرة على الشجرة؛ لأنها ما دامت على الشجرة فإنها لم تستو، إذ لو استوت لسقطت على الأرض. قال المصنف رحمه الله: [المنابذة أن يقول: أي ثوب نبذته إليّ فقد اشتريته، وفي البخاري: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المنابذة، وهي طرح الرجل ثوبه بالبيع إلى الرجل قبل أن يقلّبه أو ينظر إليه، ونهى عن الملامسة)]. فالمنابذة هي أن يقول البائع: أي ثوب نبذته إليك وجب عليك شراؤه قبل أن تعاينه أو تنظر إليه، وهذا معناه: أنه لا بد للمشتري أن يعاين قبل الشراء. واليوم إذا ذهبت تشتري جلابية كبيرة فيعطيك البائع جلابية غيباً ويبيعها لك دون أن ترى حجمها، وهذا محرم، فلا بد من معاينتها، والاطلاع عليها، فإن كانت سليمة سألت عن الثمن ودفعته. وإنما الذي يحدث اليوم هو العكس، فتجد الشخص يشتري ثوباً ولم يفتحه ولم يعاينه، ويذهب به إلى البيت بعد الشراء فإذا وجد في الثوب عيباً، عاد إلى البائع فيقول له: به عيب، فيقول: العيب حدث عندك أنت، ويحدث الخلاف. وأما الإسلام فيريد من المشتري أن يعاين السلعة معاينة نافية للجهالة. فالإسلام يعلمنا كيف نبيع وكيف نشتري، ولو أننا أقمنا الإسلام في حياتنا لما حدث خلاف بين البائع والمشتري. فلا بد من تحديد الثمن قبل الانفصال، وتحديد مدة السداد إن كان البيع بالأجل، وسنتحدث عن البيع بالأجل وجوازه عند جمهور العلماء في دروس قادمة إن شاء الله. فإذا قال لك البائع: خذ هذا الكتاب بثمن عشرين جنيهاً إلى أجل فقل له: إلى حين الميسرة، فإذا قابلك وقال: أين العشرون جنيهاً فقل له: قلت لك: إلى حين الميسرة، الميسرة لم تأت. فلا بد أن يكون الشراء بثمن معلوم إلى أجل معلوم، وأما الفوضى التي نعيش فيها فليست من الشرع في شيء.

حكم بيع الحصاة

حكم بيع الحصاة قال المصنف رحمه الله: [ونهى عن بيع الحصاة، فروى مسلم عن أبي هريرة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحصاة). واختلف في تفسيره فقيل: هو أن يقول ارم هذه الحصاة فعلى أي ثوب وقعت فهو لك بكذا]. ولو أراد أن يشتري أرضاً فيقال له: المتر بألف أو ألفي جنيه، أو ارم الحصاة فأينما بلغت الحصاة بُعداً فهو لك بعشرين ألف جنيه. وبعض الناس يحتفلون بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، ويقومون بفعل ما يسمى بالسرك القومي، أو بلعب القمار والميسر، ويكون فيه بيوعاً محرمة وغير ذلك، وليس منهم رجل رشيد يقول: هذا حرام. نكتفي بهذا القدر. وجزاكم الله خيراً.

العدة شرح العمدة [55]

العدة شرح العمدة [55] شرع الله البيع والشراء لينتفع الناس به، والأصل في البيع الحل ما لم يأت الدليل بتحريمه، وقد نهى الشرع الحنيف عن عدد من البيوع كبيع الرجل على بيع غيره وبيع الحاضر للبادي وبيع النجش، ونهى عن بيعتين في بيعة وعن غير ذلك من البيوع التي يترتب عليها الضرر أو الغرر.

اشتراط الخيار للبائع والمشتري هروبا من بيع الجهالة والغرر

اشتراط الخيار للبائع والمشتري هروباً من بيع الجهالة والغرر الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: كثير من الإخوة اتصلوا يستفسرون حول ما قلنا من أن بيع علبة السمن بيع غرر، فنقول: إن العلماء وضعوا أسساً ومعايير وشروطاً للبيع الصحيح، وبيع الغرر بلا خلاف يحرم، وكذلك بيع الجهالة، وحتى تخرج من هذين البيعين فلك أن تشتري بالخيار، فتقول للبائع: أنا بالخيار، فإن ظهر بها عيب رددتها إليك. وهذا ليس مشكلة. والبائع والمشتري بالخيار ما لم يتفرقا بأبدانهما، وللمشتري أن يشترط فيقول: إذا وجدت فيها عيباً رددتها، وهذا لا يحدث، بل إنك إذا اشتريت علبة ثم وجدت فيها عيباً فإنه لا يمكن أن يأخذها منك، وهذا كثير، فيمكنك أن تشترط عليه؛ حتى تخرج بهذه الطريقة من المحذور الشرعي، فيكون البيع والشراء بالخيار.

النهي عن البيع على بيع الغير

النهي عن البيع على بيع الغير قال المصنف رحمه الله: [ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الرجل على بيع أخيه؛ لقوله عليه السلام: (لا يبع بعضكم على بيع بعض)]. وكلمة (نهى) تفيد التحريم، فالنهي يفيد التحريم، قال تعالى: {وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7]، ونهاكم؛ أي: حرم عليكم. وقد نهى عن بيع الرجل على بيع أخيه، فالبيع لا بد أن يكتمل، والبيع بدون اكتمال لا يعد بيعاً، فإذا عاين السلعة واتفقا على الثمن ودفع الثمن فقد انتقلت الملكية إلى المشتري، ثم لا بد أن يتفرقا حتى يتم البيع، والفرقة تكون بالأبدان، ولذلك يقول الشيخ ابن عثيمين: لو أنك اشتريت سلعة في طائرة، ثم أقلعت الطائرة من المطار الساعة الثامنة مساءً، ووصلت إلى المطار الآخر صباحاً فإنك لم تفارق البائع، ولم تتم الفرقة بالأبدان. وكذلك الخطبة، كما في حديث: (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه). وقاس العلماء عليهما الإيجار، أي: لا يستأجر أحدكم على إيجار أخيه؛ لأن العلة واحدة. والقياس: اشتراك شيئين في حكم شرعي؛ لاشتراكهما في العلة. والعلة في النهي عن البيع على البيع أن فيه إيغار الصدور، وحقد المسلم على أخيه، وحمل شيء في قلبه لأخيه. وهذا موجود في الإيجار على الإيجار، فإذا كنت مستأجراً لمتجر وجئت أنت تخبب المؤجر عليّ فإنك تغير بذلك صدري وتجعلني أحقد عليك ومعناه: أن الرجلين إذا تبايعا فجاء آخر إلى المشتري فقال: أنا أبيعك مثل هذه السلعة بأقل من الثمن الذي اشتريت به. فلو أني اشتريت مسجلاً من تاجر الأدوات الكهربائية بمائة وخمسين جنيهاً، وقبض الثمن وأخذت السلعة، وبعد ذلك قابلني بائع آخر وسألني بكم اشتريته، فقلت: اشتريته بكذا، فقال: هو عندي بأقل من هذا السعر، فهذا معناه أنه يخبب على البائع الأول، وهذا منهي عنه شرعاً. قال المصنف رحمه الله: [أو قال: أبيعك خيراً منها بثمنها أو عرض عليه سلعة أخرى حسب ما ذكره، فهذا غير جائز؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه، لما فيه من الإضرار بالمسلم والإفساد عليه، فيكون حراماً، فإن خالف وعقد البيع فالبيع باطل؛ لأنه نهي عنه، والنهي يقتضي الفساد]. وهناك كتيب بهذا العنوان (النهي يقتضي الفساد)، وطالما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الشيء فهو فاسد، وهذا هو الراجح، ولذلك إن باعه بعد ذلك فالبيع باطل، يعني: لا ينعقد، أي: أن العقد ولد باطلاً. وقد سألت أخت تقول: تقدم لخطبتي رجل فاضل فلم أعطه كلمة ولم أعده، فهل يجوز أن أقابل رجلاً آخر؟ أي: أنه تقدم إليها اثنان في وقت واحد، فلم تعد الأول وإنما رأته، فهل لها أن ترى الآخر؟ فقلت: نعم؛ لأن العبرة بأن توافق ويحدث القبول والإيجاب، وهنا لم يحدث قبول ولا إيجاب، وإنما الذي حدث رؤية، فلا مانع مطلقاً في هذا.

النهي عن بيع الحاضر للبادي

النهي عن بيع الحاضر للبادي قال المصنف رحمه الله: [ونهى أن يبيع حاضر لباد]. هنا بدأ المصنف يعدد أنواع البيوع المنهي عنها. و (ابن حزم الأندلسي له كتاب طبعته دار الحرمين بعنوان البيوع المنهي عنها، وقد عد منها أكثر من مائة بيع، ونحن هنا نأخذ عينات من البيوع المنهي عنها التي انتشرت في حياتنا، والموسوعة الفقهية الكويتية أوردت أيضاً أكثر من مائة نوع من البيوع المنهي عنها. ونكتفي هنا بما أورده المصنف. والحاضر هو من كان من أهل البلدة أو المدينة أو القطر، والبادي: القادم من البدو أو من خارجها، فهو لا يعلم حال المدينة ولا حال سوقها ولا حال العرض والطلب بها، فيلقاه الحاضر ويقول له: أنا أكفيك مؤنة البيع فاجلس أنت وأنا أتولى البيع، ويكون له سمساراً. وقد نهي أن يبيع الحاضر للباد؛ لأن البادي إذا أتى إلى السوق فإنه لا يعلم حال السوق، فيبيع بالسعر الذي يناسبه، فإذا كان عنده مثلاً غنمة أنفق عليها 200 جنيه فإنه يأتي السوق وهو يأمل في أن بيعها بـ250 جنيهاً، وقد تكون نظيرتها في السوق بـ300 جنيه عند الحاضر، فإذا دخل البادي السوق وعرضها بـ250 جنيهاً فإنه يترتب على هذا أن ينزل الحاضر بالسعر، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض). وهذا من تشريع الإسلام لأحوال السوق ودفع الغلاء في بعض الأسواق. قال المصنف رحمه الله: [والبادي هاهنا هو من يدخل البلدة من غير أهلها، سواء كان بدوياً، أو من قرية، أو بلدة أخرى. قال ابن عباس: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتلقى الركبان، وأن يبيع حاضر لباد، فقلت لـ ابن عباس: ما قوله حاضر لباد؟ قال: لا يكون له سمساراً). متفق عليه. وروى مسلم عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يبع حاضر لباد، دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض). والمعنى في ذلك: أنه متى ترك البدوي يبيع سلعته اشتراها الناس برخص وتوسع عليهم السعر، فإذا تولى الحاضر بيعها وامتنع أن يبيعها إلا بسعر البلد ضاق على أهل البلد فيضر بهم، فنهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم]. فلو أن الحاضر هو الذي تولى البيع لضبط السعر وحافظ عليه عند مستوى معين، فيضر بذلك الناس، فدخول البادي إلى السوق يتسبب في نزول السعر، فلذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الحاضر للبادي بشروط خمسة ذكرها المصنف. قال المصنف رحمه الله: [وعنه يصح -أي: رواية عن أحمد أنه يجوز- والنهى اختص بأول الإسلام؛ لما عليهم من الضيق في ذلك، والأول المذهب لعموم النهي]. أي: أن الراجح هو الرواية الأولى.

شروط النهي عن أن يبيع حاضر لباد

شروط النهي عن أن يبيع حاضر لبادٍ قال المصنف رحمه الله: [ويشترط لعدم الصحة خمسة شروط: أن يحضر البدوي لبيع سلعته بسعر يومها، جاهلاً سعرها، ويقصده الحاضر، وبالناس حاجة إليها. وإنما اشترط ذلك لأن النهي معلل بالضرر الحاصل من الضيق على أهل المصر، وإغلاء أسعارها، ولهذا قال عليه السلام: (دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض). ولا يحصل الضرر إلا باجتماع الشروط الخمسة أحدها: أن يحضر البادي لبيع سلعته]، أي: أنه جاء ليبيعها لا ليهديها. قال المصنف رحمه الله: [فأما إن جاء بها ليأكلها أو يخزنها أو يهديها فليس في بيع الحاضر له تضييق بل فيه توسعة]، أي: أنه إن جاء بها ليخزّنها ثم أخذها الحاضر وتولى بيعها بدلاً منه فهاهنا توسعة ولا يوجد تضييق، فالسلعة لم تكن في النية أن تباع فحوّلها إلى بيع. قال المصنف رحمه الله: [الثاني: أن يحضر ليبيعها بسعر يومها، فإن أحضرها وفي نفسه ألا يبيعها رخيصة فليس في بيعه له تضييق]. فإن نوى البادي أن يبيعها بسعر أعلى من سعر يومها فلا تضييق. قال المصنف رحمه الله: [الثالث: أن يقصده الحاضر، فإن كان هو القاصد للحاضر جاز؛ لأن التضييق حصل منه لا من الحاضر، فأشبه ما لو امتنع هو من بيعها إلا بسعر غال الرابع: أن يكون جاهلاً بسعرها، فإن كان عالماً بسعرها لم تحصل التوسعة بتركه بيعها؛ لأن الظاهر أنه لا يبيعها إلا بسعرها]. أي: أنه إن كان عالماً بالسعر فالحاصل أنه لن يبيع إلا بالسعر، وأما إن كان جاهلاً فسيدخل السوق وهو جاهل، فيترتب على ذلك أن يخفض السعر، فإن خفض السعر عادت الأسعار إلى الانخفاض. قال المصنف رحمه الله: [الخامس: أن يكون بالناس حاجة إلى سلعته كالأقوات ونحوها؛ لأن ذلك هو الذي يعم الضرر بغلو سعره]. أي: أن تكون السلعة من القوت، لا أن تكون سيارة، أو ثلاجة، أو مكيفاً، فهذه ليست من القوت، فلا بد أن تكون السلعة مما يقتاته الناس، والنهي عام لمصلحة المسلمين، فالنهي عن أن يبيع حاضر لباد ليتحقق انخفاض السلعة، فكل ما يدعو إلى الانخفاض فنحن معه، فإن ترتب على ذلك الارتفاع فلا يجوز.

النهي عن النجش

النهي عن النجش قال المصنف رحمه الله: [ونهى عن النجْش]. والنجش بعد التحقيق بالسكون، وليس في كتب القاموس العربية النجش بالفتح. قال المصنف رحمه الله: [وهو أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها]. وذلك مثل صاحب الخضار يأتي بخمسة أشخاص لا ينوون بيعاً ولا شراء، وإنما هدفهم أن يرفعوا السعر على المشتري، فيقول الأول: أنا أشتري بـ200، ثم يقول الثاني: بـ250، وهكذا حتى يأتي المشتري فيقول: أنا أشتري بـ500، فيستدرجونه إلى سعر عال، وبعد ينتهي صاحب السلعة من البيع يعطي المتسبب في رفع سعر السلعة نسبة من الثمن. وهذا هو بيع النجْش. قال المصنف رحمه الله: [ليقتدي به من يريد شراءها، يظن أنه لم يزد فيها هذا القدر إلا وهي تساويه، فيغتر لذلك]. وهذا موجود كثير جداً في المزادات وفي المناقصات. قال المصنف رحمه الله: [وهو حرام، وقد روى ابن عمر (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النجْش). وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تلقوا الركبان)]. وتلقي الركبان مثل أن يأتي رجل من خارج البلد ليبيع السلعة في السوق، وقبل أن يدخل بها السوق يقابله آخر خارج البلد ويشتريها منه بمائة جنيه، ثم يدخل بها السوق ويبيعها بخمسمائة. قال المصنف رحمه الله: (ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا، ولا يبع حاضر لباد)]. والنجش لا يجوز أبداً، حتى لو عرض سعراً أقل من قيمته، فلا بد أن يدخل وينوي الشراء، لا أن يغرر بالمشتري.

النهي عن بيعتين في بيعة

النهي عن بيعتين في بيعة قال المصنف رحمه الله: [ونهى عن بيعتين في بيعة]. وإذا كانت السلعة سعرها نقداً بعشرة، وسعرها بالتقسيط بخمسة عشر، فلا يعد هذا من باب بيعتين في بيعة، وهذا إخبار فقط، وإنما معنى البيعتين في البيعة عند العلماء ألا يحدد البائع ولا المشتري بيعاً واحداً في عقد البيع، كأن يبيع نقداً بعشرة جنيهات وبخمسة عشر تقسيطاً، ولم يتفق مع المشتري على أي نوع منهما. هذا هو الراجح من أقوال العلماء في معنى البيعتين في بيعة. قال المصنف رحمه الله: [وهو أن يقول: بعتك هذا بعشرة صحاح أو عشرين مكسرة، أو بعشرة نقداً أو عشرين نسيئة]. ولم يستقر المشتري على بيع، وإنما انصرفت الإرادة إلى النقدي والنسيئة. قال المصنف رحمه الله: [فهذا لا يصح؛ لأن: (النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة) حديث صحيح]. وفي رواية أخرى عن أحمد أنه يجوز، ولكن الراجح أنه لا يجوز. والنسيئة أي: القسط، ومنه ربا النسيئة، وقال تعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} [التوبة:37] فالنسيء هو التأخير، فقد كانوا في الجاهلية يقدمون شهراً ويؤخرون شهراً على حسب أهوائهم، فالنسيء هو التأخير، وأما بيع النسيئة فهو بيع الأجل، أي: البيع بالتقسيط، ولذلك يسمى ربا النسيئة. والبيع بالتقسيط جائز عند جمهور العلماء، وقد اختلف فيه العلماء بين الحل والحرمة، وكتب بعض العلماء رسالة خاصة في جواز البيع بالتقسيط، وبعضهم ردوا على الشيخ الألباني في هذه المسألة، ولا يجوز لنا أن نقلل من شأنه؛ لأنه مجتهد، فإن اجتهد فله أجران، وإن أخطأ فله أجر، وقد كان الشيخ يقول: رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب، والتشهير بالعلماء لا يجوز.

النهي عن تلقي السلع

النهي عن تلقي السلع قال المصنف رحمه الله: [وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تلقوا السلع حتى يهبط بها الأسواق). رواه البخاري. وروي أنهم كانوا يتلقون الأجلاب -أي: الركبان- فيشترون منهم الأمتعة قبل أن يهبط بها الأسواق، فربما غبنوهم غبناً بيناً فيضروا بهم، وربما أضروا بأهل البلد؛ لأن الركبان إذا وصلوا باعوا أمتعتهم]، أي: أنه إذا دخل الركبان السوق أثروا في سعره، فعندما تلقوا الركبان في خارج البلدة يحقق لهم الغرض فيمنع انخفاض السعر، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (لا تلقوا الركبان). قال المصنف رحمه الله: [وهؤلاء الذين يتلقونهم لا يبيعون سريعاً ويتربصون به السعر، فهو في معنى بيع الحاضر للبادي، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال في حديث ابن عباس: (ولا تلقوا الركبان، ولا يبيع حاضر لباد)، وعن أبي هريرة مثله متفق عليهما، فإن خالف وتلقى الركبان واشترى منهم فالبيع صحيح]. لأنه ليس هناك في هذا فساد، وتلقي الركبان في بيعه صحيح. قال المصنف رحمه الله: [لأن في حديث أبي هريرة: (لا تلقوا الجلب، فمن تلقاه واشترى منه فإذا أتى السوق فهو بالخيار). هكذا رواه مسلم. والخيار لا يكون إلا في عقد صحيح، ولأن النهي لا لمعنى في البيع بل يعود إلى ضرب من الخديعة يمكن استدراكها بإثبات الخيار فأشبه بيع المصراة].

معنى المصراة وحكم بيعها

معنى المصراة وحكم بيعها والمصراة: حبس اللبن في ضرع البهيمة؛ لأجل أن ينتفخ الضرع، فلا يحلبها لمدة أسبوع، فتدخل إلى السوق منتفخة الضرع، فيأتي المشتري ويظن أنها حامل فيشتريها، فإن اشتراها ثم حلب ما في ضرعها تبين له أنها مصراة، وحكم المصراة كما في الرأي الراجح أن المشتري إما أن يردها إلى البائع وإما أن يمضي البيع، فإن ردها رد معها صاعاً من تمر؛ مقابل اللبن الذي أخذه منها، كما في البخاري، فيرد معها صاعاً من تمر، وليس من أرز ولا من بر ولا من أي نوع آخر.

النهي عن بيع الطعام بعد شرائه حتى يكال

النهي عن بيع الطعام بعد شرائه حتى يكال قال المصنف رحمه الله: [وقال عليه الصلاة والسلام: (من اشترى طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه)]. وهذا هو ما يسميه العلماء بالبيع الجزافي، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن البيع الجزافي إلا في أنواع سأبينها، (من اشترى طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه). فلو اشتريت مثلاً ثلاثة أرطال من الحليب فلا بد أن أستوفي هذه الثلاثة الأرطال. هذا هو المقصود. قال المصنف رحمه الله: [وروى ابن عمر قال: رأيت الذين يشترون الطعام جزافاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يضربون حتى يؤوه إلى رحالهم، وفي الحديث: (من اشترى طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه). متفق عليهما. ولـ مسلم عن ابن عمر قال: (كنا نشتري من الركبان جزافاً، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى ننقله من مكانه)]. أي: حتى نستوفيه في رحالنا، وحتى ننقل السلعة معلومة المقدار إلينا. قال المصنف رحمه الله: [وأجمع أهل العلم على أن من اشترى طعاماً فليس له أن يبيعه حتى يستوفيه]. فإذا كان هناك سيارة محملة مائة بطيخة والمشتري لا يعلم، فهذا هو البيع الجزافي، وهو حرام، لأنه علم به طرف ولم يعلم الآخر.

الأسئلة

الأسئلة

حكم بيع ما ليس ملكا للبائع

حكم بيع ما ليس ملكاً للبائع Q رجل أراد أن يشتري غسالة وليس معه ثمنها الفوري، فاتفق مع آخر على أن يدفع له الثمن ثم يقسطه له كل شهر مبلغاً معيناً، مع العلم أن كلاهما يعرف مواصفات الغسالة؟ A لا يجوز، وهذا البيع حرام؛ لأنه باع ما لا يملك، وقد ذكرناه قبل ذلك.

حكم القرض بالفائدة

حكم القرض بالفائدة Q هل القرض من النقابة أو الجامعة لعمل مشروع حلال أم حرام؟ A القرض من النقابة حرام؛ لأنه بفائدة.

حكم تخفيف اللحية

حكم تخفيف اللحية Q هل يجوز تخفيف اللحية؟ A لا يجوز حتى وإن أمرك الأب.

حكم رفع السعر زيادة عن سعر السوق

حكم رفع السعر زيادة عن سعر السوق Q عندي محل لبيع المياه الغازية، وسعر المحل مرتفع، وأنا أزيد في السعر عشرة قروش عن سعر السوق، فما الحكم في ذلك؟ A يجوز أن ترفع في السعر ولا شبهة في ذلك. نكتفي بهذا القدر، وجزاكم الله خيراً.

العدة شرح العمدة [56]

العدة شرح العمدة [56] الربا باب شر عظيم إذا ما انفتح في مجتمع من المجتمعات آذن بخرابه، وقد توعد الله أهل الربا بالحرب، وما ذاك إلا لما ينطوي عليه هذا الفعل من أكل للأموال بالباطل واستغلال لحاجة المضطرين، وإفساد لاقتصاد الأمة.

تعريف الربا

تعريف الربا قال المصنف رحمه الله: [باب الربا. وهو في اللغة: الزيادة، قال الله سبحانه وتعالى: {فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} [الحج:5]. وقال سبحانه وتعالى: {أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} [النحل:92]، أي: أكثر عدداً. ويقال: أربى فلان على فلان إذا زاد عليه. وهو في الشرع: الزيادة في أشياء مخصوصة]. فليس كل زيادة ربا، وليس كل ربا زيادة، فلو بعتك سيارة بسيارتين فليس هذا ربا، رغم أنه زيادة، ولمعرفة ما يجري فيه الربا لابد أن نحدد صنف السلعة، وهل هي مكيل أو موزون أو مطعوم، والخلاف بين العلماء في باب الربا كان لتحديد العلة.

حكم الربا

حكم الربا قال المصنف رحمه الله: [وقال صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات). وقال صلى الله عليه وسلم: (لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه). متفق عليه]. فهم فيه سواء آكل الربا، وكاتب عقده، وشاهديه، وموكله. قال المصنف رحمه الله: [وأجمعت الأمة على أن الربا محرم]. فالربا محرم بالقرآن والسنة والإجماع.

ما يجري فيه الربا

ما يجري فيه الربا قال المصنف رحمه الله: [والأعيان المنصوص على الربا فيها ستة، وهي في حديث عبادة بن الصامت قال صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، سواء بسواء، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى)]. فالنبي عليه الصلاة والسلام يبين في هذا الحديث نوعاً من الربا، وهو ربا الفضل، وقد قسم العلماء الربا إلى قسمين: ربا الفضل وربا النسيئة، وكان ربا الجاهلية في النسيئة، فقد كانوا يقرضون المال ويقولون للمقترض: موعد السداد في يوم كذا، فإن تأخرت عن الموعد المحدد فكل يوم تتأخر فيه عليك زيادة، أي: أنه ينظرك مقابل الزيادة، وكلما مر يوم تحمل فيه زيادة. هذا هو ربا النسيئة، وهو ربا واضح بيّن.

علة الربا

علة الربا الظاهرية كـ ابن حزم ومن معه، وبعض علماء السلف تمسكوا بهذا النص، فقالوا: إن الربا في الأنواع المذكورة في الحديث فقط. وهذا القول رده جمهور العلماء، وهو يخالف روح الشريعة؛ لأن الشريعة لا تغاير بين متماثلين ولا تجمع بين متناقضين، وهذه قاعدة مهمة جداً، قال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ} [الأنعام:50]. فالأعمى والبصير متناقضان، ولا تفرق بين متماثلين، فإذا كان هذا مثل هذا فلا بد أن يكون له حكمه؛ لأنهما سواء. وعلى هذا فالذهب والفضة لهما علة في التحريم، والأربعة الباقية لها علة. فأما علة تحريم الذهب والفضة فقال الأحناف والحنابلة: الوزن، وقال غيرهم: الثمنية، وأما العلة في الأصناف الأخرى فقال بعضهم: إنها مكيلة، وقال بعضهم: إنها مطعومة. ولو حققنا موضع العلة لعرفنا الخلاف. فلو أن رجلاً باع طناً من الحديد بطنين من الحديد فإنا قلنا: الحديد موزون، فلو أن العلة في تحريم الذهب والفضة هي الوزن، لقلنا: هذا التعامل ربوي، لأن العلة هي الوزن. ولو أن رجلاً باع كتاباً بكتابين لكان جائزاً؛ لأن هذا التعامل ليس مطعوماً ولا مأكولاً ولا موزوناً. والراجح: أن العلة في الذهب والفضة الثمنية، وقول الأحناف والحنابلة بأن العلة هي الوزن قول ضعيف ومرجوح، وعلى هذا فلو أنني استبدلت طناً من النحاس بطنين منه فهذا عند الحنابلة والأحناف ربا، والراجح أنه ليس بربا؛ لأن العلة في الذهب والفضة هي الثمنية، وقيمتها في كونها لها قيمة ثمنية، ومعنى ذلك أن هذه النقود فيها ربا؛ لأن لها قيمة، فلو أننا اليوم تعارفنا على شراء السلع بالحديد لدخله الربا؛ لأن العلة في الذهب والفضة الثمنية، فأي سلعة لها ثمنية التعامل جرى فيها الربا، ولذلك يجري الربا في الأوراق النقدية والعملة الفضية؛ لأن الثمنية هي علة التحريم في الذهب والفضة. وأما علة التحريم في الأصناف الأربعة الأخرى فقال بعضهم: الكيل، وقال بعضهم: الطعم، والراجح ما حققه ابن تيمية من كونها مطعومة ومكيلة، فلو أني أعطيتك برتقالة فأعطيتني برتقالتين فهذا ليس بربا؛ لأن البرتقال مطعوم ولكنه غير مكيل، ونحن نشترط في التعامل الربوي أن يكون مطعوماً ومكيلاً. فلو أعطيتك إردباً من القمح، وأخذت منك إردبين فهذا ربا؛ لأنه مكيل ومطعوم. ولو أعطيتك كيلوين من التمر وأخذت منك كيلو واحد رطباً فهذا ربا؛ لأنه مكيل ومطعوم. وكذلك لو أعطيتك كيلوين ذرة وأخذت منك كيلو واحد. وأما لو أعطيتك بطيخة ببطيختين فهذا مطعوم وليس مكيلاً، فليس فيه ربا. ولو كان معك كيلو أرز من الدرجة الأولى وأردت استبداله بكيلوين من الدرجة الثانية فهذا عين الربا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (البر بالبر، والقمح بالقمح، والشعير بالشعير). والأرز من هذا الجنس، فهو مطعوم ومكيل، وقد أتى بلال بتمر من خيبر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا بلال! أوكل تمر خيبر هكذا؟ قال: يا رسول الله! هذا تمر طيب نستبدله بتمر رديء قال: هو عين الربا يا بلال!). واليوم إذا أرادت المرأة أن تستبدل الذهب القديم بذهب جديد فإنها تدفع الفارق بينهما وهذا ربا، فلا بد أن تبيع القديم أولاً وتحصل على ثمنه، ثم تشتري منه أو من غيره؛ لأنه لا يجوز في الذهب والفضة إلا بالمثل.

بعض قواعد الربا

بعض قواعد الربا ومن قواعد الربا: القاعدة الأولى: إن اتحدت الأجناس وكانت ربوية فلا بد فيها من شرطين: 1 - التقابض في مجلس العقد. 2 - المماثلة. القاعدة الثانية: إذا اتحدت الأجناس وكانت غير ربوية، فلا يشترط التقابض ولا المماثلة. القاعدة الثالثة: إذا بيع جنس ربوي بجنس آخر غير ربوي، فلا يشترط التقابض في مجلس العقد، ولا تشترط المماثلة، فالمماثلة لا تشترط إلا إذا كانت الأجناس متحدة.

حكم التفاضل في الجنس الواحد

حكم التفاضل في الجنس الواحد قال المصنف رحمه الله: [ولا يجوز بيع مطعوم مكيل أو موزون بجنسه إلا مثلاً بمثل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى عن بيع الطعام بالطعام إلا مثلاً بمثل). رواه مسلم من حديث معمر بن عبد الله، والمماثلة المعتبرة في الشرع هي المماثلة في الكيل والوزن، فدل على أنه لا يحرم إلا في مطعوم يكال أو يوزن، ولا يحرم فيما لا يُطعم كالأشنان والحديد، ولا فيما لا يكال كالبطيخ والرمان، وهي إحدى الروايات]. ومن ثراء مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعدد الروايات، فله أكثر من رواية في تحديد العلة، والرواية الثالثة هي: أن العلة في تحريم الذهب والفضة هي الثمنية، وفي تحريم الأصناف الأربعة الكيل وكونها مطعومة.

حكم بيع المكيل بجنسه موزونا أو العكس

حكم بيع المكيل بجنسه موزوناً أو العكس قال المصنف رحمه الله: [ولا يجوز بيع مكيل من ذلك بجنسه وزناً، ولا موزون كيلاً]. ومعنى ذلك: أن المكيل لا بد أن يقابله مكيلاً، والموزون لا بد أن يقابله موزوناً فلا آخذ مثلاً مقابل الصبرة من البر 20 كيلو جراماً من بر؛ لأن هذه مكيلة وهذا موزون، ولا بد من معادلة الكيل بالكيل. ولو أعطيتك كيلة من التمر فلا يجوز أن تعطيني بدلاً منها 20 كيلو جراماً من التمر؛ لأن هذا موزون مقابل مكيل، وهذا لا يجوز في الأوصاف الربوية، فلا بد أن يقابل المكيل مكيلاً، والموزون موزوناً، وأما المكيل بالموزون فلا يجوز. قال المصنف رحمه الله: [وقد سبق أن قضية البيع المساواة، والمساواة المرعية في الشرع هي المساواة في المكيل كيلاً، وفي الموزون وزناً، فإذا تحققت المساواة في ذلك لم يضر اختلافها فيما سواه]. فلو أعطيتني 20 كيلو جراماً تمراً مقابل 20 كيلو تمراً جيداً فلا يضر، فالمهم التماثل في الميزان، وألا يكون هذا مكيلاً وهذا موزوناً. قال المصنف رحمه الله: [وإن لم توجد المساواة في ذلك لم يصح البيع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب وزناً بوزن، والبر بالبر كيلاً بكيل). (البر بالبر مداً بمد، والشعير بالشعير مداً بمد)]، أي: اتحاد وحدة القياس، ولو أعطيتني بالوزن وأعطيتك بالكيل لاختلفت الأوزان، فلا بد من المساواة في الوزن. قال المصنف رحمه الله: [(فمن زاد أو اسزاد فقد أربى). فأمر بالمساواة في الموزونات المذكورة في الوزن، وأمر بالمساواة في المكيلات في الكيل، ولأن حقيقة الفضل مبطلة للبيع، والمساواة مشترطة، فيجب العلم بوجود الشرط، فلا يجوز بيع المكيل بالمكيل وزناً؛ لأن تماثلهما في الكيل شرط].

عدم اشتراط التماثل عند اختلاف الجنسين

عدم اشتراط التماثل عند اختلاف الجنسين قال المصنف رحمه الله: [وإن اختلف الجنسان جاز بيعه كيف شاء يداً بيد]، أي: أنه إذا اختلف الجنسان كقمح بتمر، أو قمح بملح. فلا بد هنا من شرط واحد وهو التقابض في مجلس العقد، ولا تشترط المماثلة إذا اختلفت الأجناس. قال المصنف رحمه الله: [ولم يجز النسأ فيه لذلك] أي: التأخير، فالمقابضة ليست شرطاً؛ لأنها اختلفت الأجناس. قال المصنف رحمه الله: [وفي لفظ أبي داود: (لا بأس ببيع الذهب بالفضة والفضة أكثرهما يداً بيد، وأما نسيئة فلا)]. فلو أن معي 20 جراماً من الذهب لجاز أن أشتري بها 100 جرام من الفضة بشرط التقابض في مجلس العقد، ولا يشترط التماثل؛ لأن كلا الصنفين ربوي -الذهب والفضة-. قال المصنف رحمه الله: [ولا بأس ببيع البر بالشعير والشعير أكثرهما يداً بيد، وأما نسيئة فلا]. فلو أني أعطيتك كيلة من الشعير مقابل كيلتين من البر شريطة أن تعطيني إياهما بعد أسبوع فهذا ربا؛ لأنه لا بد من التقابض في مجلس العقد، وإن اختلف الجنسان فيجوز لانتفاء المماثلة ولكن لا بد من التقابض في مجلس العقد، فالنسيئة تعني التأخير، وهذا هو الذي أراده المصنف. قال المصنف رحمه الله: [فما اتحدت علة ربا الفضل فيهما كالمكيل بالمكيل والموزون بالموزون عند من يعلل بهما، والمطعوم عند من يعلل به فهذا لا خلاف بين أهل العلم في تحريم النسأ فيه]، أي: لا اختلاف بين أهل العلم في أن الأجناس إذا اختلفت تجوز الزيادة، ولكن بشرط التقابض في مجلس العقد. قال المصنف رحمه الله: [وما اختلفت علتاهما كالمكيل بالموزون ففيه روايتان عن أحمد. إحداهما: لا يجوز النسأ فيه بالقياس على ما اتفقت علتهما]. أي: لأن هذا صنف ربوي مكيل وهذا موزون، كالبرتقال بالقمح، فالبرتقال موزون والقمح مكيل، والقمح ربوي والبرتقال ليس ربوياً عند من قال: إن العلة هي المطعوم والمكيل، وأما من قال: العلة الطعم صار فيه الربا. قال المصنف رحمه الله: [ولا يجوز النسأ فيه ولا التفرق قبل القبض؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (يداً بيد). فيحتمل أنه أراد به القبض، وعبّر باليد عن القبض]. والقبض بمعنى: التقابض في مجلس العقد، وهذا هو الشرط، والقبض يغني عن الحلول كما قال بعض العلماء.

تلخيص باب الربا

تلخيص باب الربا وهذا الباب مهم جداً، فأعيد ما قلت في اختصار شديد. الربا: لغة: هو الزيادة، واصطلاحاً: هو الزيادة في أشياء مخصوصة. وهو من الكبائر بالكتاب والسنة والإجماع، وينقسم إلى قسمين: ربا الفضل وربا النسيئة. أما ربا الفضل فقد جاء في حديث عبادة بن الصامت قال صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والملح بالملح، والتمر بالتمر، فمن زاد أو استزاد فقد أربى). وفي الحديث الآخر: (يداً بيد ومثلاً بمثل). وهذا الحديث هو العمدة في كتاب الربا. والعلة في تحريم الذهب والفضة الثمنية، والعلة في تحريم الأصناف الأربعة أنها مكيلة ومطعومة، فكل مطعوم متى تحقق فيه هذا الشرط فهو ربا. وعلى هذا اشترط العلماء للسلع الربوية شرطان، وهما: التقابض والمماثلة. التقابض: بمعنى يداً بيد، والمماثلة: مثلاً بمثل، وحتى الرديء بالجيد لا بد من المماثلة فيهما. نكتفي بهذا القدر، وجزاكم الله خيراً، وبارك الله فيكم. والسلام عليكم ورحمة الله.

العدة شرح العمدة [57]

العدة شرح العمدة [57] الربا نوعان: ربا نسيئة وربا فضل، وربا النسيئة هو الذي كان رائجاً ومعروفاً عند مشركي العرب، وهو محرم لذاته، أما ربا الفضل فتحريمه جاء من باب تحريم الوسائل، وهو يقع في ستة أصناف ويقاس عليها غيرها، ولاجتناب الوقوع فيه يجب أن يتحقق في هذا البيع شرطان: التماثل والتقابض.

تابع باب الربا

تابع باب الربا

تعريف الربا لغة وشرعا

تعريف الربا لغة وشرعاً الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد: الربا لغة: الزيادة، يقول ربنا عز وجل: {فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} [الحج:5]، ويقول عز وجل: {أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} [النحل:92]. وشرعاً: الزيادة في أشياء مخصوصة، أو الزيادة في جنسين نص عليهما الشرع.

أنواع الربا وحكمه

أنواع الربا وحكمه وقسم العلماء الربا إلى قسمين، وكان بعض السلف يرى أن الربا قسم واحد، وهو ربا النسيئة. والنسيئة هي: التأخير، فلو أعطيتك ألفاً من الجنيهات على أن تردها لي في (1 محرم 1405) هذا الأجل وهذا القرض، فإن جاء شهر المحرم وعجزت أنت عن السداد، أقول لك: اقضني. فتقول: ليس معي أنا معسر، فأقول: إن تأخرت بعد ذلك فكل يوم يمر ففيه زيادة مقابل التأخير، هذا هو ربا النسيئة. يقول ربنا: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280]، يعني: المعسر أمهله وأعطيه أجلاً للسداد، وصورة ربا الجاهلية أن الواحد منهم كان يقرض أخاه مبلغاً من المال فإن تأخر عن السداد زاد، وهذا فعل البنوك الربوية اليوم، تعطيك (2000) من الجنيهات وتأخذها (2200) مثلاً، تعطيك (1000) وتأخذها (1200) هذا يسمى ربا النسيئة. وله صورة أخرى: أعطيك أيضاً مبلغاً من الجنيهات لا لأجل، وإنما على أن تقضيني إياه بمبلغ أعلى، يعني: أنت محتاج 1000، خذ 1000 وردها لي 1500، وهذا هو عين الربا. ولذلك الربا محرم بالكتاب والسنة والإجماع، يقول ربنا عز وجل: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة:275]، وتعاملاتنا الآن -إلا القليل منها- يشوبها الربا، صندوق التكافل الاجتماعي الذي تدفع فيه مبلغاً من المال ثم يوضع في البنك بسعر فائدة، وهذا عين الربا. وهناك ما يسمى بالتأمين التعاوني وهو جائز عند العلماء، لكن التأمين التعاوني معناه: أنا وأنت وهذا وهذا أصحاب حرفة واحدة نشترك في صندوق، نضع فيه اشتراكاً شهرياً بشرط أنه إذا حل بأحدنا ملمة أخذ من الصندوق المبلغ بشروط: أولاً: ألا نوسط البنك. ثانياً: أن الصندوق يدار بمعرفة أصحابه. ثالثاً: أن المبلغ الذي أريده أنا إذا كان أكبر من القسط نزيده، وإذا كان أقل نأخذ الزيادة، هذا التأمين التعاوني الذي تحدث عنه العلماء، أما توسيط البنك بسعر فائدة في أي تعامل فهو ربا. يعني: أنا مثلاً حدثت لي مشكلة تستحق مبلغ (20000)، وفي الصندوق 15000، إذاً: كل واحد منا يدفع (5000) حتى نستكمل (20000)، إن كان المبلغ الذي أستحق (10000) إذاً: 5000 ترد إلى أصحابها، هذا هو التأمين التعاوني الذي تحدث عنه الدكتور بكر أبو زيد وتحدث العلماء في مشروعيته. أما ربا الفضل فهو من التفاضل، والتفاضل: أن سلعة تفضل سلعة، ومعنى تفضلها: تزيد عنها، وهذا يجوز إلا في أصناف عينها الشارع سداً للذريعة، فتحريم ربا الفضل من تحريم الوسائل وليس من تحريم الذوات، بعكس ربا النسيئة فهو محرم لذاته، وربا الفضل محرم لوصفه. مثال: الخمر محرمة لذاتها، البيع عند نداء الجمعة محرم لوصفه؛ لأن الله تعالى يقول في هذا الوقت: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة:9]، أصل البيع حلال، لكن البيع في هذه الساعة حرام، وبيع العنب حرام، وإن كان البيع لأجل أن يصنع منه خمر حرام، فهو حرام لوصفه. فالحرام قسمان: حرام لذاته وحرام لوصفه، رجل يبني برجاً سكنياً، وأتاه رجل وقال: أجرني هذا المحل لأقيم فيه سينما، فهل الإيجار حلال أم حرام؟ أصل الإيجار حلال، ولكن أتت صفة وقلبته إلى حرام، وهي أنه يريد أن يستغله في سينما والسينما حرام، فهذا حرام لوصفه، فالحرام قسمان: حرام لذاته، وهو ما حرمه الشارع سواء بالكتاب أو بالسنة، فالخمر محرم لذاته، والربا محرم لذاته، والسرقة محرمة لذاتها، القتل محرم لذاته وهكذا كل ما جاء في الكتاب والسنة أنه حرام فهو حرام لذاته، وأما الحرام لوصفه فهو في الأصل حلال، ثم جاءت صفة فجعلته حراماً فهو حرام، وربا الفضل من هذا القسم، وقد علمتم ربا النسيئة بأنه ربا الزيادة، وربا الفضل هو التفاضل بين أنواع معينة حددها الشارع بعينها، وهي ستة أصناف. يقول: [قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة بن الصامت: (لعن الله آكل الربا وكاتبه وموكله وشاهديه)]. يعني: الذي يشارك في عملية الربا ويوافق عليها أيضاً تصيبه اللعنة، ومن هنا كاتب العقد ملعون، والذي يعطي المال ملعون، والذي يشهد على هذا التعامل ملعون.

الأصناف الربوية وشروط التبايع بها

الأصناف الربوية وشروط التبايع بها ربا الفضل يوجد في ستة أصناف، ولتجنبه لابد من شرطين: التماثل والتقابض. وحديث عبادة بن الصامت حدد ستة أنواع يكون فيها الربا: الذهب بالذهب والفضة بالفضة، يعني: حينما أبيع الذهب لابد من شرطين هما: التقابض والتماثل، يعني: أعطيت صاحب الذهب 20 جراماً من الذهب، لابد أن آخذ منه 20 جراماً في مجلس واحد يداً بيد مثلاً بمثل. وهذه الأنواع الستة حددها الشارع سداً لذريعة الربا، لذلك إن أردت أن أبيع الذهب القديم بذهب جديد، التعامل الصحيح هو أن أبيع القديم أولاً، وأحصل على ثمنه، ثم أشتري الجديد منه أو من غيره، هذه بيعة وهذه بيعة. ومعنى التقابض: يداً بيد في مجلس واحد. هذين الشرطين في: الذهب بالذهب والفضة بالفضة، والشعير بالشعير، والبر بالبر، والتمر بالتمر والملح بالملح، وهذه الأصناف تسمى عندنا الأصناف الربوية، إذا بادلت جنساً ربوياً بجنس آخر ربوي إما أن أبدله بجنسه أو بغير جنسه، لو أني أبدلت شعيراً بشعير اتفق الجنسان، فلابد من شرطين التقابض والمماثلة، ومعنى المماثلة بأني أعطيتك كيلو شعير فلابد أن تعطيني كيلو في مجلس واحد، يداً بيد، فلو أعطيتك كيلو من التمر مقابل اثنين كيلو من الأرز يجوز لاختلاف الجنسين، في هذه الحالة لابد من شرط واحد، وهو التقابض في مجلس واحد، أيضاً: أنا معي 300 جرام فضة، استبدلتها بـ: 20 جراماً من الذهب في مجلس واحد، فهذا حلال؛ لأن التماثل ليس شرطاً لاختلاف الجنسين، وإنما الشرط هو التقابض. إذاً: نستطيع أن نضع قاعدة أولى: إن اتفق الجنسان وكانا ربويين فلابد من شرطين وهما التماثل والتقابض، إن اختلفت الأجناس وكانت ربوية، لابد من شرط واحد هو التقابض، ولا تشترط المماثلة. فلو أن معي 2 كيلو قمح -بر- واستبدلتها بـ3 كيلو من التمر في مجلس واحد، فما حكم التعامل؟ جائز. ولو أن رجلاً أعطاني 3 تمر وأخذ 2 قمح فاختلفت الكميات، لكن الجنسين مختلفين، كل ما نشترطه هنا التقابض فقط لاختلاف الجنسين، إن اتحدت الأجناس لابد من شرطين: المماثلة والتقابض. ولو ذهبت امرأة إلى تاجر المجوهرات ومعها ذهب عيار 24 فأعطته إياه لتبيعه، فوزن الذهب فوجده 100 جرام، قالت: أعطني بذهبي ذهباً، لابد أن يعطيها 100 جرام ولا يأخذ منها الفرق، والمصنعية هذه ربا، لابد أن تبيع القديم وتحصل على ثمنه وتشتري الجديد؛ لأن المقايضة يشترط فيها مثلاً بمثل، يداً بيد، طالما الجنس واحد.

ما يقاس على الأصناف الربوية

ما يقاس على الأصناف الربوية قال العلماء: هل الربا قاصر على الأصناف الستة، أم يقاس عليها غيرها؟ قالت الظاهرية: كـ ابن حزم وغيره: ربا الفضل قاصر على الستة، وغيرهم قالوا: إن الشريعة الإسلامية لا تفرق بين متماثلين، ولا تجمع بين متناقضين: لا يستوي الأعمى والبصير {وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ * وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ} [فاطر:19 - 21] هذه أمور متناقضة يستحيل أن تتوافق، ولذلك يقول الله: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} [القلم:35]، الذي يريد أن يساوي بين الموحد والمشرك رجل عنده خبل في ذهنه: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الملك:22]، هل يمكن أن نسوي بين المنتقبة الملتزمة التي تلبس ملابس فضفاضة لا تصف وبين امرأة عارية؟ كيف نوفق بين هؤلاء؟ لا يمكن أن يجتمعا، ولذلك الشريعة تسوي بين المتماثلين، وعلى هذا: لماذا حرم الشرع هذه الأصناف الستة؟ ما هي العلة، قالت الأحناف والحنابلة: العلة في الذهب والفضة الوزن، وقالت المالكية: العلة في الذهب والفضة الثمن، وقال ابن تيمية: العلة في الذهب والفضة؛ لأنها ذهب وفضة، أي: الثمنية، والعلة في الأنواع الأربعة قال بعضهم: الكيل، وقال بعضهم: الوزن، وقال بعضهم: لأنها مطعومة. لو كانت العلة في الذهب والفضة هي الوزن إذاً: فالعلة في الذهب والفضة تختلف عن العلة في الأنواع الأربعة، ولو كانت الوزن لكان كل ما يوزن فيه ربا، فالحديد يوزن، ومعنى ذلك أني لو أعطيتك طناً من الحديد وأخذت منك طنين فهذا ربا. وهذا كلام ضعيف جداً؛ لأن العلة الراجحة هي الثمنية، وما ينطبق عليه الثمنية لابد فيه من التماثل. مثلاً: في مجتمع كمصر جعلنا الحديد للبيع والشراء، تشتري كيلو لحمة بسيخ حديد، تشحن بترول بربع سيخ حديد، تركب ميترو الأنفاق بربع سيخ حديد، تشتري سلعاً بسيخ حديد، إذاً: الحديد هنا أصبح ثمناً للأشياء، إذاً: الربا يسري فيه، الأوراق النقدية -مثلاً- لو أعطيتك 20 جنيهاً وأخذت منك 30 في الحال، فهذا ربا في الورقة لأن لها ثمناً، فعلة تحريم الذهب والفضة هي الثمن، فكل ما يصبح قيمة للأشياء يصبح فيه ربا، وفي حال التعامل به لابد من التقابض والمماثلة. بالنسبة للأصناف الأربعة العلة فيها ما قاله ابن تيمية وهو الراجح: العلة فيها أنها مطعومة -ومعنى مطعومة: أنها تؤكل ولها طعم- ومكيلة أو موزونة، وطالما أنها مطعومة تكال أو توزن يجرى فيها الربا.

أمثلة للأصناف الربوية وما يقاس عليها

أمثلة للأصناف الربوية وما يقاس عليها مثال: البرتقال، معي 3 كيلو من البرتقال أعطيتك إياها بـ4 كيلو، فهذا التعامل ربوي؛ لأن البرتقال مطعوم -أي له طعم يعني: يؤكل- وموزون، إذاً: مطعوم موزون، وكذلك كل مطعوم يكال، الذرة لم تذكر في الستة التي وردت في الحديث، فلو أعطيتك 2 كيلو ذرة وأخذت منك 3 فهو ربا؛ لأن الذرة مكيلة ومطعومة، إذاً: أنظر إلى جنس السلعة، إن كانت ثمنية ففيها ربا عند التعامل مع جنسها، وإن كانت مطعومة ومكيلة فيشترط فيها التماثل والتقابض إذا تعاملت فيها بجنسها. مثال: أعطيتك 3 كيلو من اللحم وأخذت منك 2 كيلو، فهذا لحم بلحم وهو ربا؛ لأن اللحم مطعوم وموزون، فلابد فيه من التماثل والتقابض. مثال آخر: (جاء بلال بتمر رديء واستبدله بتمر جيد من تمر المدينة وجاء به إلى النبي، فقال له: يا بلال! أوكل تمر خيبر هكذا؟ -يعني: تمر خيبر في جودته- فقال: يا رسول الله! إنما هو تمر رديء نستبدله بتمر جيد، قال: أوه عين الربا يا بلال)؛ لأن التمر لابد فيه من التماثل والتقابض في مجلس العقد، القاعدة الثانية: إن كان من جنس ربوي بجنس آخر غير ربوي لا يشترط التماثل ولا التقابض، مثال ذلك: الأرز، أعطيتك كيلو من الأرز وأخذت منك تسجيلاً أو تسجيلين أو ثلاثة، هذا جنس غير ربوي، دخل في التعامل مع جنس ربوي، إذاً: لا يشترط التقابض ولا التماثل. هذه هي القاعدة الثالثة. القاعدة الأولى: جنس ربوي بمثله لابد فيه من التماثل والتقابض، يعني: الوزن يداً بيد في مجلس العقد، جنس ربوي بآخر ربوي، لكنه ليس من جنسه فيه شرط واحد، وهو البر مع التمر، البر ربوي والتمر ربوي، لكن الجنسين مختلفين هنا المماثلة غائبة، فيلزم التقابض فقط، وهذا يجوز طالما الجنس مختلف. مثال: أنت معك 2 كيلو أرز، وأنا معي 3 كيلو شعير، فهل الأرز ربوي أم غير ربوي؟ الأرز بالقياس ربوي، مطعوم وموزون وهو مكيل، فهو مطعوم والقمح الذي هو البر أيضاً ربوي، إذاً: ربوي دخل مع ربوي، لكن الأجناس مختلفة، فهنا اختلفت المماثلة ولزم التقابض. مثال آخر: معك ملح ومعي تمر، الملح والتمر ذكرا في الحديث، معك 3 كيلو من الملح وأنا معي 20 كيلو من التمر، واستبدلت التمر بالملح 3 بـ20، يجوز؛ لأن الأجناس مختلفة، فلا يشترط التماثل، لكن يشترط التقابض في مجلس. إذاً: إذا كانت الأجناس ربوية -بالقياس أو بالحديث- لابد من التقابض، والربوي: كل مطعوم مكيل أو موزون. مثال: سمك بلحم، اللحم مطعوم وموزون، والسمك مطعوم وموزون، السمك واللحم ليسا في الحديث، لكن بالقياس هما أجناس مختلفة. إذاًً: بقي شرط واحد وهو التقابض في مجلس واحد يداً بيد. قال: [ولا يجوز بيع مطعوم -مكيل أو موزون- بجنسه إلا مثلاً بمثل]. مطعوم مكيل أو موزون، إلا مثلاً بمثل بجنسه: يعني: بنوعه، خذ هذا المثال الصعب: أعطيتك تسجيلين وأخذت منك ساعة، فما حكم هذا التعامل؟ جائز؛ لأن هذا جنس غير ربوي، وهذا جنس غير ربوي لا مطعوم ولا موزون، لا التسجيل ولا الساعة، إذاً: لا يشترط التماثل ولا التقابض. أولاً: أنظر إلى السلعة التي أقايضها، هل هي من أجناس الربا أم ليست من أجناس الربا؟ أعطيتك 2 كيلو من الملح مقابل سيارة، ليس بربا؛ لأنه جنس ربوي دخل مع جنس غير ربوي، وطالما الجنس الربوي دخل مع جنس غير ربوي لا يشترط شيئاً. اكتب هذه القاعدة: الجنس الأول ربوي وهو الملح، دخل مع السيارة وهي غير ربوية؛ لأنها لا مطعومة ولا مأكولة، إذاً: لا يشترط لا التماثل ولا التقابض. مثال: الذهب قيمة ثمنية لابد معها من التقابض في مجلس العقد، لكن لا تشترط المماثلة، مثال ذلك: ذهبت أشتري 40 جراماً من الذهب، ومعي لأجل هذا الشراء 50 كيلو من الأرز، دخلت إلى صاحب الذهب، قلت له: أعطني 20 جراماً ذهب بـ 50 كيلو أرز، يجوز، لكن لابد من التقابض، الذهب جنس ربوي، والأرز جنس ربوي، إذاً: اختلف الجنسان، فلابد من شرط واحد وهو التقابض في مجلس العقد. قال المصنف رحمه الله: [لأن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى عن بيع الطعام بالطعام إلا مثلاً بمثل) في الأجناس المتفقة من حديث معمر بن عبد الله، والمماثلة المعتبرة في الشرع: هي المماثلة في الكيل والوزن، فدل على أنه لا يحرم إلا في مطعوم يكال أو يوزن، ولا يحرم فيما لا يطعم كالأشنان والحديد، ولا فيما لا يكال كالبطيخ والرمان، وهي إحدى الروايات في علة الربا].

بيع العرايا

بيع العرايا هناك مسألة ذكرها المصنف وهي العرايا، فما هي العرايا؟ أنا رجل فقير من الفلاحين عندي تمر من العام الماضي -بلح ناشف- اشتاقت نفسي في هذا العام لأكل الرطب، التمر بالرطب لابد فيه من التماثل؛ لأن هذا تمر وهذا تمر، الرطب عندما يجف يتحول إلى بلح، استثنينا من هذه القاعدة شيئاً اسمه العرايا، بيع التمر على الأرض بالرطب في النخل، شريطة الخرص: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} [الذاريات:10]، الخراصون هم الكذابون، والخراص يقول: ما على النخلة من رطب عندما ينشف سيساوي 10 كيلو من التمر على الأرض، وأنت عندك 10 كيلو تعطيها لصاحب النخلة مقابل أخذ الرطب التي على النخلة ليتفكه بها، وهذا ليس فيه مماثلة؛ لأنه ربما يكون الرطب قبل أن يجف أكثر من التمر، فهذه تسمى العرايا.

حكم بيع المكيل بالموزون والعكس

حكم بيع المكيل بالموزون والعكس قال: [ولا يجوز بيع مكيل من ذلك بجنسه وزناً، ولا موزون كيلاً]. والمعنى: البر مكيل، أعطيتك صاع بر، وأعطيتني كيلو من البر، أنت أعطيتني الآن مكيلاً وأنا أعطيتك إياه موزوناً، إذاً: هنا أنا استبدلت المكيل بالموزون وهذا لا يجوز، لابد من كيل بكيل أو وزن بوزن، مثال ذلك: أعطيتك 2 كيلو من التمر مقابل 50 مد من التمر، أنا قومت التمر بالوزن وأنت قومت التمر بالكيل، يجوز أم لا يجوز؟ لا يجوز، فلابد من المكيل أن يدخل في المكيل، والموزون يدخل في الموزون، إلا أن ابن تيمية قال: إذا كان لا يختلف الكيل عن الوزن فيجوز، يعني: إذا كان بالكيل هو نفسه بالوزن، وهذا من اختيارات شيخ الإسلام أنه يجوز التوازن بين المكيل والموزون إذا تماثلا. قال: [وإن اختلف الجنسان جاز بيعه كيف شاء يداً بيد]، الجنس هذا ربوي والجنس هذا ربوي، لكنهما مختلفان، هذه سلعة وهذه سلعة أخرى، يشترط فيها التقابض فقط ولا يشترط التماثل، يعني: يجوز بيعه كيلاً ووزناً وجزافاً، مثاله: أعطيتك 2 كيلو من التمر مقابل كيلو من البر جاز؛ لأن هذا بر وهذا تمر اختلفت الأجناس، ويجوز أن أعطيك 2 كيلو من البر مقابل 30 صاعاً من التمر، هذا موزون وهذا مكيل يجوز؛ لأن الأجناس قد اختلفت، إن اختلفت الأجناس فبيعوا كيفما شئتم يداً بيد، الشرط الوحيد التقابض، لكن بيعوا كيفما شئتم، يعني: كيلاً أو وزناً أو جزافاً. [ولم يجز النسأ فيه لذلك] النسأ: يعني: التأخير، فكل ما ثبت فيه ربا الفضل ثبت فيه ربا النسيئة وهو التأخير. قال: [إلا في الثمن بالمثمن]، يعني: البيع بالتقسيط، مثاله: عندي قمح تشتريه مني بالأجل فهذا يجوز، هذا ثمن وهذا مثمن، لما توسط الثمن تلاشى الربا.

جريان الربا فيما له أصل واحد

جريان الربا فيما له أصل واحد قال: [وكل شيئين جمعهما اسم خاص من أصل الخلقة فهما جنس واحد يشمل أنواعاً كالذهب والفضة، والبر والشعير، والتمر والملح، فإذا اتفق شيئان في الاسم الخاص من أصل الخلقة فهما جنس واحد كأنواع التمر والبر]. هذا جاء بنوع تمر، ثم جاء بنوع آخر من التمر، كلها من جنس واحد ففيها الربا؛ لأن الأجناس هنا متفقة. [إلا أن يكونا من أصلين مختلفين، فإن فروع الأجناس أجناس إلا أن يكونا من أصلين مختلفين لحم ضأن بلحم بقر، هذا جنس وهذا جنس، أعطيتك كيلو من لحم الضأن، وأخذت منك 3 كيلو من لحم البقر، يجوز أم لا يجوز؟ يجوز لأن الجنس هنا مختلف، هذا لحم ضأن وهذا لحم بقر، ولذلك يقول هنا: [إلا أن يكونا من أصلين مختلفين؛ فإن فروع الأجناس أجناس كالأدقة]. والأدقة هو الدقيق، هذا دقيق البر وهذا دقيق الأرز، اختلفت الأجناس، يعني: هذا دقيق من نوع، وهذا دقيق من نوع آخر، اختلفت الأجناس لكنها تتبع أصلاً واحداً، هنا لابد فيها من التماثل والتقابض في مجلس العقد. قال: [ولا يجوز بيع الرطب منها بيابس من جنسه]. يتحدث عن الأصناف الربوية، مثال ذلك: الرطب تزن أكثر من اليابس فلا يجوز أن يباع الرطب باليابس في الأصناف الربوية، يعني: أعطيتك رطباً وأخذت منك نفس الكيلو يابساً لا يجوز؛ لأن الأجناس الربوية لابد فيها من التماثل، والتماثل لم يتحقق؛ لأن الجنس الأول يزن أكثر من الجنس الثاني. قال: [ولا يجوز بيع خالصه بمشوبه]. الخالص يعني: ذهب خالص بذهب مشوب، لا يجوز أن يباع هذا بهذا ولو تماثلا؛ لأنهما يستحيل أن يتفقا. يعني: هذا ذهب خالص وهذا ذهب مطعم، في الشكل لا يمكن أن يتماثلا في الوزن، وحتى إن تماثلا في الوزن فلا يمكن أن يكونا متماثلين، فلو أن وزنها عشرون جراماً، وهذه وزنها عشرون جراماً، لكن هذه خالصة وهذه مشوبة، فهذا لا يجوز. يقول: [ولا يجوز بيع نيئه بمطبوخه]. أعطيتك كيلو من اللحم نيئاً، وأخذت منك كيلو مطبوخاً، هذا لا يجوز؛ لأن المطبوخ يزن أقل، هذا معناه أن النيء يزيد في الوزن، كيف أعادل، لا يجوز أن يباع النيء بالمطبوخ، ولا المشوب بغير المشوب، ولا الرطب باليابس من الأجناس الربوية.

بيع المزابنة والمحاقلة

بيع المزابنة والمحاقلة يقول: [ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المزابنة: وهو اشتراء التمر بالتمر في رءوس النخل]. هذه تسمى المزابنة: اشتراء التمر بالتمر في رءوس النخل، يعني: أشتري منك تمراً على الأرض بتمر على النخل، لكن هذا يستثنى منه العرايا، مثلاً: على النخل حوالي 5 كيلو من التمر، وعلى الأرض 5 كيلو أيضاً، هل أشتري ما على الأرض بما على النخل؟ لا يجوز؛ لأن ما على النخل لا أضمنه، ربما يفسد وربما يصيبه العطب إلى غير ذلك. [ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المزابنة، وهو اشتراء التمر بالتمر في رءوس النخل، فروى جابر قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة وعن المزابنة)، والمحاقلة: بيع الحب في سنبله بجنسه]. يعني: معي أرز أبيض الآن في بيتي أبيعه لك مقابل أرز آخر مازال في السنبل لم ينضج بعد هذا لا يجوز، وهذه تسمى المحاقلة، ولا تجوز المحاقلة ولا المزابنة. قال: [وروى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمخابرة، وهو بيع الزرع الأخضر والثمرة قبل بدو صلاحها من غير شرط القطع)]. مثال ذلك: عندي في البيت ثمرة ناضجة مكتملة أبيعك إياها مقابل ما هي في الأرض، هل يجوز هذا؟ يجوز بشرط واحد، وهو القطع، أن تقطعها الآن، يعني: مثلاً بعتك ثمرة قبل النضج على أن تقطعها الآن كعلف للحيوان يجوز؛ لأن هذا شرط القطع، أما باعتبار ما سيكون كمن يبيع الجاموسة في بطنها الجنين، يقول: هي بثلاثة آلاف وما في بطنها بألف، هل هذا يجوز؟ لا يجوز؛ لأن ما في بطنها لا أضمنه، وهذا بيع الغرر وبيع المجهول.

شروط بيع العرايا

شروط بيع العرايا يقول: [ورخص النبي صلى الله عليه وسلم في بيع العرايا]. بدأ يشرح شروط بيع العرايا، فلابد أن تكون العرايا فيما دون خمسة أوسق، فإن زادت عن خمسة أوسق لا تجوز، والوسق 60 صاعاً، والصاع 4 أمداد، 5 أوسق في 60 يساوي300 صاع، يعني: أول شرط العرايا ألا تزيد عن 300 صاع. قال: [أن تباع بخرصها يأكلها أهلها رطباً، فروى أبو هريرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في العرايا في خمسة أوسق أو دون)، وإنما يجوز بشروط خمسة]. إذاً: العرايا تجوز بخمسة شروط. [الشرط الأول: أن يكون دون خمسة أوسق]. يعني: إن زادت عن هذا فلا تجوز. [لأن الأصل تحريم بيع الرطب بالتمر خولف فيما دون الخمسة بالخبر. الثاني: أن يكون مشتريها محتاجاً إلى أكلها رطباً]. يعني: يكون فقيراً ويشتهي الرطب لا يشتريها ليخزنها، وإنما ليأكلها، الشرط الثاني الأكل. [الثالث: ألا يكون له نقد يشتري به]. فإن كان معه نقود أو أثواب أو لحم ووافق البائع، على هذا لا يكون معه ما يشتري به إلا التمر. [الرابع: أن يشتريها بخرصها للخبر]. ما معنى الخرص: أن يقدرها الحاذق لما تجف تساوي كذا من الآصع. [الخامس: أن يتقابضا قبل تفرقهما؛ لأنه بيع تمر بتمر فاعتبرت أحكامه]. هذه الخمسة شروط الخاصة ببيع العرايا. إلى هنا انتهى باب الربا، حتى ننتقل إلى ما سواه في باب بيع الأصول والثمار في الأسبوع القادم إن شاء الله تعالى. نكتفي بهذا القدر، والله تعالى أعلم.

العدة شرح العمدة [58]

العدة شرح العمدة [58] للثمار علامات لبدو الصلاح، ويمنع بيعها حتى تبدو عليها علامات الصلاح، ومما يفض النزاع بين المتبايعين في الأصول قاعدة: أن النخل المؤبر ثمرته للبائع إلا أن يشترط المشتري، وقد قسم الفقهاء الشجر إلى ستة أنواع لكل نوع حكم ثمرته قبل وبعد البيع.

مسائل في القرض

مسائل في القرض الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد. هناك ثلاث مسائل أريد أن أنبه عليها لحدوث الالتباس فيها عند البعض، سواء بوهم مني أو بسبق لسان أو بفهم خاطئ من بعض طلبة العلم، فأريد أن أوضحها توضيحاً شافياً سريعاً. المسألة الأولى: سألني سائل عن مسألة في القرض، وأجبت بأنه لا يجوز أن تقترض بالدولار وترده بالجنيه المصري؛ لأن الدولار جنس والجنيه المصري جنس آخر، فينبغي إن اتفقتم على الرد بالجنيه المصري أن يكون التقابض في مجلس العقد، أما أن يكون الدولار بدولار فيجوز أن تقرض لأجل. وعلى هذا أرسل أحد الإخوة يقول: أنا اقترضت ألفاً من الدولارات، وجاء موعد السداد، فهل يجوز أن أسددها بالجنيه المصري؟ أقول: لا يجوز؛ لأن هذا جنس وهذا جنس، ولا بد من التقابض في مجلس العقد. المسألة الثانية: سأل أحد الإخوة: هل يجوز أن أشتري الذهب بالقمح مؤجلاً؟ قلت: نعم يجوز؛ لأن اختلاف العلة مدعاة للجواز، فإن الذهب العلة في تحريمه الثمنية، والقمح العلة في تحريمه أنه مطعوم ومكيل، فاختلفت العلة ومن هنا جاز أن أشتري الذهب مؤجلاً بقمح وليس بنقد، فالنقد يحرم أما القمح فيجوز. المسألة الثالثة: أن البعض حدث له التباس في حالة شراء أو بيع أو مقايضة جنس ربوي بغير ربوي كساعة بقمح، هل يشترط التقابض؟ قلنا: لا يشترط التقابض، والله تعالى أعلم.

باب بيع الأصول والثمار

باب بيع الأصول والثمار قال المصنف رحمه الله: [باب بيع الأصول والثمار] الأصول جمع أصل، والأصل إما أن يكون ثابتاً أو متداولاً -في لغة المحاسبين- والأصل الثابت كنخلة أو دار أو عقار. هناك فرق بين الثمرة وبين الأصل، فأن أبيعك النخل هذا بيع أصل، وأن أبيعك ثمرة النخل هذا بيع ثمرة، وهناك فرق بين بيع الأصل وبين بيع الثمرة، فإن بعتك الأصل فالثمرة تابعة له، وإن بعتك الثمرة فالأصل لا يتبعها، فالفرع تابع للأصل، وليس الأصل تابعاً للفرع، فإن اشتريت منك داراً فكل ما فيها تبع لها سواء من شبابيك وأبواب وسلالم إلى غير ذلك ولا تقل: أنا بعتك الدار ولم أبعك الباب، أقول لك: الباب تبع للدار، والسلم تبع للدار، وكل ما في الدار تبع له إلا ما في بطن الأرض من كنوز، فهذه مسألة أخرى سنأتي على ذكرها. قال: [من باع نخلاً مؤبراً فالثمر للبائع]. لو افترضنا أني بعتك ثمرة في نخلة، لكني بعد أن أبرتها أي لقحتها، والتلقيح هو نقل اللقاح من طلع النخل الذكر إلى الأنثى، فأنا لقّحت ثم بعت، فالثمرة التي في طلع النخل لي أنا البائع؛ فمن باع نخلاً مؤبراً فالثمر للبائع. قال: [فالثمرة للبائع متروكاً في النخل إلى الجذاذ]. الحصاد للزرع، والجذاذ للنخل، واللقاط للقثاء وما على شاكلتها، والجز للباذنجان وما على شاكلته، أي هذه مصطلحات قطع الثمرة. قال: [متروكاً في النخل إلى الجذاذ إلا أن يشترطه المبتاع]. أي: المشتري. جئت أشتري منك نخلاً مؤبراً ثمرها، فقلت لك: أشتريها بثمرها؛ فالمؤمنون عند شروطهم، فإن وافقت فلا بأس، وطالما أبرت النخلة قبل بيعها فثمرتها للبائع. قال: [قال ابن عبد البر: الإبار عند أهل العلم التلقيح، وقيل: التأبير ظهور الثمرة من جف الطلع. ] ولكن الأول هو الأرجح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حينما نزل المدينة وجدهم يؤبرون النخل، فلما نهاهم عن التأبير فسد النخل، فقالوا: (يا رسول الله نهيتنا عن التأبير ففسد النخل، وقال: أنتم أعلم بشئون دنياكم)، وتأبير النخل من شئون الدنيا والصناعة. قال: [لأن الحكم متعلق بنفس الظهور دون نفس التلقيح بغير اختلاف بين العلماء، فمتى ظهرت الثمرة فهي للبائع، وإن لم تظهر فهي للمشتري] أي: لو أني اشتريت منك نخلة قبل ظهور الثمرة، ثم بدت الثمرة بعد شرائها فالثمرة للمشتري، وإن بدت الثمرة بعد تلقيحها فهي للبائع. قال: [لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من ابتاع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للذي باعها إلا أن يشترطها المبتاع) رواه البخاري. وكذلك بيع الشجر إذا كان ثمره بادياً]. أي: أن الثمرة بدت على الشجرة، أيضاً ثمرة الشجرة للبائع إن باعها طالما أن الثمرة قد بدت.

أنواع الثمر والشجر

أنواع الثمر والشجر [والشجر على ستة أضرب: الأول: ما تكون ثمرته في أكمامها، ثم يفتح الكمام فتظهر كالنخل، وقد سبق بيان حكمه، وهو الأصل الذي وردت السنة ببيان حكمه، وما عداه يقاس عليه، ومن هذا الضرب القطن]. اشتريت منك قطناً وقد فتحت اللوزة فالثمرة للبائع. قال: [ومن هذا الضرب القطن، وما يقصد نوره كالورد والياسمين والنرجس والبنفسج، فإنه يظهر في أكمامه ثم يفتح كمامه فيظهر، فهو كالطلع إن يفتح جنبذه فيظهر نوره فهو للبائع، وإن لم يظهر فهو للمشتري قياساً على النخل]. قاسوا على النخل الورد والقطن والبنفسج والياسمين، وكل ما كان في أكمامه، ثم ظهر وبدا، فإن ظهر وبدا فهو للبائع وليس للمشتري، وهذا يسد باب إشكالات كثيرة. قال: [الضرب الثاني: ما له ثمرة بارزة -كالجميز والتوت والتين- فما كان منه ظاهراً فهو للبائع؛ لأنها ثمرة ظاهرة فهي كالطلع المؤبر، وما ظهر بعد العقد فهو للمشتري؛ لأنه حدث في ملكه]. هذا النوع ثمرته تبرز، فإن برزت الثمرة فهي للبائع، وإن لم تبرز فهي للمشتري. قال: [الضرب الثالث: ما له قشر لا يزول إلا عند الأكل كالرمان والموز، فهو للبائع إن كان ظهر؛ لأن قشره في مصلحته فهو كأجزاء الثمرة]. فإن بدا القشر فهذا دليل على أن الثمرة للبائع. قال: [الضرب الرابع: ما له قشران -كاللوز والجوز- فهذا للبائع بنفس الظهور؛ لأن قشره لا يزال في الغالب إلا بعد جذاذه فهو كالرمان]. وهذا هو الرأي الراجح. قال: [الضرب الخامس: ما تظهر ثمرته في نوره ثم يتناثر نوره -كالعنب والمشمش والتفاح- فكان كتأبير النخل. الضرب السادس: ما يقصد ورقه كالتوت فيحتمل أنه للمشتري بكل حال قياساً على سائر الورق، ويحتمل أنه إن تفتح فهو للبائع وإلا فهو للمشتري لأنه هاهنا كالثمر]. إذاً: هنا الآن يفرق بين أنواع ستة من أنواع الأشجار، خلاصتها أن الثمرة إذا بدت فهي للبائع، وبدو الثمرة يختلف من شجرة إلى أخرى، ففي النخل له طريقة، وفي التوت والتين له طريقة، وفي الموز والجوز له طريقة، إما بالقشر وإما بأن يتفتح. ومتى تظهر ثمرة العنب؟ حينما يحمرّ أو يصفرّ، فإن احمرّ أو اصفرّ فقد بدا، وهذا من حق البائع. قال: [فإن باع الأرض وفيها زرع لا يحصد إلا مرة كالبر والشعير فهو للبائع]. فهناك ما يحصد مرة، وهناك ما يحصد مرتين أو أكثر. فإذا باع البرسيم في الأرض والبرسيم قد بدا فوق الأرض، فهو للبائع، قطع البائع البطن الأول، وإذا جاء البطن الثاني فهو من حق المشتري؛ لأن أصول الثمرة للمشتري أي الجذور، أي أن البائع لا يأتي يجز فيقطع من جذرها، ويقضي على أمل المشتري في البطن الثاني والثالث، فهناك أشجار تعطي أكثر من مرة، وهناك أشجار تعطي مرة واحدة. قال: [فإن باع الأرض وفيها زرع لا يحصد إلا مرة كالبر والشعير فهو للبائع ما لم يشترطه المشتري؛ لأنه ظاهر، فكان للبائع أشبه الثمرة المؤبرة. وإن كان يجز مرة بعد أخرى، كالرطبة -البرسيم- والبقول، فالأصول للمشتري والجزة الظاهرة للبائع، إلا أن يشترطه المبتاع لذلك]. فإذا اشترط المشتري فهنا نقول المؤمنون عند شروطهم. رجل اشترى من آخر قيراطاً من الأرض الزراعية، وفيها برسيم وقد ظهر وعلا، فهي من حق البائع، وبعد ذلك للمشتري إذا لم يشترط.

أحكام بدو صلاح الثمار

أحكام بدو صلاح الثمار ثم قال: [ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها، فلو باعها قبل بدو صلاحها لم يجز إلا بشرط القطع]. جئت أشتري منك عنباً فوجدت العنب لم يبد صلاحه، فقلت: بعتك مقدار كذا عنباً بسعر كذا، فهذا البيع حرام؛ لأن الثمرة لم يبد صلاحها، فلا يجوز إلا بشرط واحد، وهو: أن أقطع العنب الآن لأستخدمه علفاً للحيوان أو غير ذلك، أما أن أبيع الثمرة قبل أن تنضج فلا يجوز؛ فإن نضجت منها واحدة فهذه إشارة إلى نضجها جميعاً. قال: [لما روى ابن عمر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تزهو، وعن بيع السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة)، ولأن في بيعه غرراً من غير حاجة، فلم يجز كما لو اشترط التبقية، وإن باعها بشرط القطع جاز بالإجماع]. والمعنى: أنه لا يجوز لك أن تشتري الثمرة قبل صلاحها، وإن اشتريت بشرط القطع، أو بشرط التبقية جاز. ومعنى التبقية: بقاء الثمرة في الأرض حتى تنضج، فإن جاءت آفة وأصابتها قبل أن تنضج فلا حق له في ثمن هذه الثمرة؛ لأن الأصل أن أحصل على الثمرة بعد نضجها. [ولو باع الثمرة بعد بدو صلاحها على الترك إلى الجذاذ جاز. قال أبو حنيفة: لا يجوز بشرط التبقية؛ لأنه شرط الانتفاع بملك البائع على وجه لا يقتضيه العقد، فلم يجز كما لو شرط تبقية الطعام في بيته]. أي أن المذهب على أن له أن يشتري بشرط التبقية، وأبو حنيفة على المنع. [ولنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها، فمفهومه أنه أجاز بيعها بعد بدو صلاحها، وثبت أنه إنما نهى عن بيع يتضمن التبقية؛ لأنه يجوز بشرط القطع، وعنده مطلقاً ثبت أن الذي نهى عنه هو الذي أجازه، ولأن النقل والتحويل يجب في المبيع بحكم العرف، فإذا اشترطه جاز كما لو اشترط نقل الطعام من ملك البائع حسب الإمكان، وفي هذا انفصال عما قال]. والمعنى: أن الحنابلة يرون جواز الشراء بشرط التبقية. قال: [فإن أصابتها جائحة رجع بها على البائع]. معنى ذلك: أنني اشتريت منك الثمرة قبل بدو الصلاح، لكن بشرط التبقية إلى الصلاح، فإن أصابتها عاهة قبل بدو الصلاح أعود بثمنها البائع عليك. قال: [لما روى جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن بعت من أخيك ثمراً فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ من ثمنه شيئاً، لم تأخذ مال أخيك بغير حق) رواه مسلم. وصلاح ثمر النخل أن يحمر أو يصفر، وصلاح العنب أن يتموه]. أي: عندما تمسك الحبة تتموه طرية في يدك، أما إن كانت جافة أو صلبة فلم تتموه بعده. قال: [وسائر الثمر أن يبدو فيه النضج ويطيب أكله، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: (نهى عن بيع الثمرة حتى تطيب) متفق عليه، و (نهى عن بيع الثمرة حتى تزهو، قيل: وما تزهو؟ قال: تحمار أو تصفار، ونهى عن بيع الحب حتى يشتد، ونهى عن بيع العنب حتى يسود) رواه الترمذي]. إلى هنا نكون قد انتهينا من باب بيع الأصول والثمار.

خلاصة باب بيع الأصول والثمار

خلاصة باب بيع الأصول والثمار خلاصة القول في بيع الأصول والثمار: أن النبي صلى الله عليه وسلم بيّن لنا أن من اشترى ثمراً بعد بدو صلاحه فالثمرة للبائع إلا أن يشترط، والمؤمنون عند شروطهم، والأولى أن أشترط، فإذا بعت النخلة للمشتري والمشتري أخذها مني وعليها الثمرة فسيأتيني المشتري ويسألني عن الثمرة، ثم يدخل في نفس المشتري أنه ليس مالكاً، فالأفضل أن تشترط أن الثمرة التي أبرت لك، فهذا لا شيء فيه على الإطلاق، فإن لم يشترط فالقاعدة: أن من باع نخلاً مؤبراً فهو له، وهناك فرق بين باع وابتاع، وشرى واشترى، كما في قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ} [البقرة:207] فهنا يشري بمعنى يبيع {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة:111]. قال: (من ابتاع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للذي باعها إلا أن يشترطها المبتاع) وبعض الأمور هنا لم يذكرها المصنف في بيع الأصول اختصاراً. فإن اشتريت داراً بما فيها، وكنت أحفر في الدار فوجدت كنزاً، ما حكم هذا الكنز هل هو للبائع أم للمشتري؟ فنقول: إن أقام البائع البيّنة على أن الكنز ملك له فهو له، أما إن لم يقم فهي للمشتري؛ لأن الأرض لمالكها وما فيها حتى الأرض السابعة، وحتى السماء السابعة للذي اشترى، والظاهر أنه اشترى الدار بأبوابها وبسلمها وبما فيها من أشياء ثابتة، وشاء الله أن يرزقه بكنز تحت الدار.

الأسئلة

الأسئلة

الفرق بين بيع العرايا والمزابنة

الفرق بين بيع العرايا والمزابنة Q ما الفرق بين بيع العرايا والمزابنة؟ A العرايا لها شروط خمسة، فإن تحققت هذه الشروط جازت، أما المزابنة فليس لها شروط، فالمزابنة أعم والعرايا أخص، فإن توافرت الشروط يسمى عرايا، وإن لم تتوافر يسمى مزابنة.

حكم شراء الثمرة لعشر سنوات قادمة

حكم شراء الثمرة لعشر سنوات قادمة Q رجل عنده ثمار من العنب فجاء رجل يشتري منه الثمر لهذا العام، وقال: أشتري ثمار البستان لمدة 10 سنوات قياساً على ما رأى هذا العام من الثمر الجيد، فما حكم البيع، هل يدخل تحت بيع المعدوم كالذي يبيع ما تحمل دابته أو شجرته لجهالته أم غير ذلك؟ A المشتري هنا اشترى المعدوم، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شراء الثمرة قبل بدو صلاحها، وما أدراك أن تكون الثمرة في العام القادم نفس هذا العام، فأنت تنجم الغيب، لعله تأتي عاهة أو آفة وتحرق الشجرة، لا تشتر الثمرة قبل بدو صلاحها.

حكم الشراء بالدين

حكم الشراء بالدين Q هل شراء السلع الغذائية كالأرز والحلوى من البقال بالدين يكون ربا؟ A هذا ثمن ولا يشترط تقابض طالما دخل المثمن كوسط في العملية، إنما هذا في المقايضة، أما إذا دخل المثمن في الوسط فيجوز التأجيل.

حكم منع الخاطب لمخطوبته من الخروج من البيت

حكم منع الخاطب لمخطوبته من الخروج من البيت Q خطيبي يمنعني من النزول من البيت تماماً لأي سبب، وهو لم يعقد عليّ فهل له الحق في هذا؟ A الخطيب أجنبي عن مخطوبته، وليس له أي حق عليها بحال، والله تعالى أعلم.

حكم الخل الموجود في الأسواق

حكم الخل الموجود في الأسواق Q ما حكم الخل الموجود في الأسواق؟ A الأصل في الأطعمة الحل، إن أردت أن تحرم فيلزمك الدليل، ولا أعرف عن الخل شيئاً مشبوهاً. جزاكم الله خيراً، وبارك الله فيكم.

العدة شرح العمدة [59]

العدة شرح العمدة [59] المقصود بالخيار أن لكل من المتبايعين حق الرجوع في البيع إذا رأيا ذلك أو أحدهما، والخيار يكون قائماً ما لم يتفرق البيعان، فإن تفرقا فلا خيار؛ إلا أن يكون الخيار خيار عيب لم يكن قد علمه المشتري، فله حق الرد عند اكتشاف العيب.

باب الخيار

باب الخيار الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فما زلنا مع كتاب البيوع في فقه المعاملات، وهو من أنواع الفقه الغائبة عن حياتنا؛ لانشغالنا بفقه العبادات عن فقه المعاملات، رغم أن المعاملات لا يخلو منها إنسان. المقصود بالخيار: أن لكل طرف حقاً في الخيار؛ إما إمضاء العقد، وإما الفسخ، وبالمعنى البلدي: رد البضاعة. مثال ذلك: اشتريت سلعة من تاجر، ثم جئت لترد إليه السلعة التي اشتريتها، هل لك حق في ردها، أم ليس لك ذلك؟ إذاً: باب الخيار من أهم الأبواب في فقه البيوع؛ لأنه لا يخلو منه التعامل اليومي. يقسم العلماء الخيار إلى ثمانية أقسام، وكلامنا لا ينسحب إلا إذا كان هناك خيار. مثال ذلك: ذهبت لشراء كتاب، فقلت للبائع: أنا بالخيار لمدة أسبوع، وأنت أيضاً بالخيار، ومعنى الخيار: أن للبائع حقاً وللمشتري حقاً في فسخ العقد أو إمضائه. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [البيعان بالخيار] يعني: البائع والمشتري، سميا بالبيعين تغليباً كما نقول عن الشمس والقمر: القمرين، ونقول عن التمر والماء: الأسودين، ونقول عن عمر وأبي بكر: العمرين، ونقول عن عائشة: أم المؤمنين تغليباً فهذا يسميه العلماء: التغليب. فالبيعان هما: البائع والمشتري، يقول الله تعالى في سورة الكهف: {وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً} [الكهف:80]، (أبواه): أبوه وأمه، أطلق عليهما الأب تغليباً؛ لأن الأب يقدم على الأم، كذلك يغلب العاقل على غير العاقل، والجمع على المفرد.

الفراق بين البائع والمشتري يحدث بالأبدان وجوب البيع يكون بالتفرق

الفراق بين البائع والمشتري يحدث بالأبدان وجوب البيع يكون بالتفرق قال المؤلف رحمه الله: [البيعان بالخيار ما لم يتفرقا بأبدانهما]، يبين المصنف أن الفراق بين البائع والمشتري يحدث بالأبدان وليس بالأقوال. مثال ذلك: اشتريت من مكتبة سلعة، وظللت فيها ساعة بعد الشراء وإعطاء البائع المال، فهل تفرقت الأبدان في هذه الحالة أم لم تتفرق بعد؟ A لم تتفرق بعد، فلي أن أرجع الكتاب طالما لم نتفرق، وإن تفرقنا ولم نتفق على الخيار؛ فليس لي حق الإرجاع إلا أن يقبل هو. مثال آخر: رجل اشترى سلعة وأخذها إلى البيت، ثم عاد إلى البائع يريد أن يردها لا لعيب فيها، فإما أنه اشترى بالخيار أو اشترى بغير خيار، فإن كان بغير الخيار فليس له حق، وإن كان بالخيار فله حق. قال: [البيعان بالخيار ما لم يتفرقا بأبدانهما؛ لما روى ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، وكانا جميعاً أو يخير أحدهما الآخر؛ فيتبايعا على ذلك فقد وجب البيع)، متفق عليه]. ومثال على ذلك: لو أني كنت أنا في طائرة متوجهة من مصر إلى ألمانيا تأخذ ست ساعات أو سبع ساعات في الطريق، واشتريت من تاجر في الطائرة سلعة، وأعطيته الثمن، فتم البيع واتفقنا، فهل تفرقت الأبدان أم لم تتفرق؟ لم تتفرق؛ فلي حق الرد إلى أن أصل إلى ألمانيا. فعند ذلك يقول البائع: أنت لست بالخيار؛ لكي يقطع في البيعة، لأنه ما لم تتفرق الأبدان فلا زال للمشتري حق الرد، وقد يكون الخيار لأحدهما، كأن يقول البائع للمشتري: لك الخيار، أما أنا فلا، اتفقنا، أو يقول: لي الخيار وليس لك، اتفقنا، والمؤمنون عند شروطهم، فإن كان الخيار لأحدهما فلا بأس. والخيار يكون في عقد البيع، ولا يكون في الرهن، ولا في القرض، ولا في المساقاة، ومعنى المساقاة: رجل أعطى رجلاً زرعه ليسقيه له مقابل جزء من الزرع؛ هذه هي المساقاة، ولا خيار فيها، كذلك لا خيار في القرض. مثال ذلك: أعطيتك مبلغاً من المال قرضاً على أن تعطيني رهناً مقابل هذا القرض، فأحدهما يلزمه أن يقدم الرهن، والآخر الذي أقرض الرهن عنده، فهنا يمكن أن يتنازل بمحض إرادته عن الرهن، فالخيار لا يكون إلا في عقد البيع. قال: (فإن تفرقا ولم يترك أحدهما البيع؛ فقد وجب البيع). مثال ذلك: ذهبت لشراء مسجل، واشتريته بخمسين جنيهاً، ودفعت المبلغ، واتفقنا على الثمن، وعاينت السلعة معاينة نافية للجهالة، وقلبتها يميناً ويساراً، وضعت فيه شريطاً، وجربت الشريط تقديماًً وتأخيراً، فاتفقنا وأخذت المسجل وتفرقنا؛ فأصبح البيع ملزماً لي وله، وبعد ساعتين لم يعجبني المسجل، فأردت أن أرده، فهل لي حق في هذه الحالة؟ A لا، إلا إذا اشترطت. كذلك السمن وأمثاله مما قد يكون مغشوشاً، فلو قلت أثناء الشراء: أنا بالخيار، فإن كان السمن جيداً لا فساد فيه لن أرجعه، وإن كان فيه فساد أرجعته لك، فالأصل في السلع المغلقة الخيار أثناء الشراء. كذلك البطيخ بالخيار، فعندما تشتري بطيخة قل له: أنا بالخيار بعد أربع ساعات، إن وجدتها بيضاء فهي لك وتعطيني مالي، وإن كانت حمراء فهي لي. وعلى ذلك إذا فتحتها فوجدتها بيضاء يحق لك أن تعيدها إلى البائع وتأخذ نقودك؛ لأنك قد اشترطت عليه بالخيار. إذاً: الخيار يحل مشاكل عديدة، وإن لم تشترط الخيار فقد نفذ البيع وتم، ولا حق لك في أن ترد السلعة إلا إذا أقالك، والإقالة: أن يقبل البائع أن يرد السلعة. قال: [والتفرق يكون بالأبدان، فإن ابن عمر كان يمشي خطوات حتى يلزمه البيع إذا أراد لزومه، ولا خلاف في لزومه بعد التفرق، والمرجع فيه إلى عرف الناس وعاداتهم]. طالما أن الشرع لم يضع حداً للتفرق فالعرف يحكم، مثال ذلك: كنت في هذه المكتبة، فأخذت كتاباً ثم انطلقت به بعد أن عاينت ودفعت السعر إلى البائع، فهنا تفرقنا، فإن كنت ما زلت أتنقل بين المكتبات القريبة من المكتبة التي اشتريت منها الكتاب ففي هذه الحالة لم نتفرق بعد، والعرف هو الذي يحكم، كما أن التفرق في الطائرة يختلف عن التفرق في الأسواق؛ لأن العرف هو الذي يحكم. ولذلك يقول: [ولا خلاف في لزومه بعد التفرق]، يعني: بعد التفرق يلزم البيع البائع والمشتري، إلا أن يكون البائع قد تفرق لحيلة، كأن يكون باعك السلعة وقبض الثمن، وقبل أن تشترط عليه قال: أستأذنك لحظات سأذهب ثم آتي، وتفرق عنك وأنت ما زلت في المحل؛ لينفي شرط الخيار، ففي هذه الحالة يعامله الشرع بضد مقصوده؛ لأنه أراد أن يحرم المشتري من شرط الخيار بسرعة التفرق، وهذه حيلة غير مشروعة، وهنا يعامل بضد مقصوده. قال: [لأن الشارع علق عليه حكماً ولم يبينه؛ فدل على أنه أبقاه على ما يعرفه الناس كالقبض والإحراز، فالتفرق العرفي هو التفرق بالأبدان، كذلك فسره ابن عمر، وتفسيره أولى؛ لأنه راوي الحديث]، إذاً: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا بأبدانهما.

أحكام خيار الشرط

أحكام خيار الشرط قال المؤلف رحمه الله: [إلا أن يشترط الخيار لهما أو لأحدهما مدة معلومة؛ فيكونان على شرطهما وإن طالت المدة إلا أن يقطعاه]. من أنواع الخيار: خيار المجلس، وخيار الشرط، وخيار العيب -الغبن- وخيار التدليس، وخيار في بيع بتخيير الثمن، وخيار لاختلاف المتبايعين. قال: [إلا أن يشترط الخيار لهما أو لأحدهما مدة معلومة؛ فيكونان على شرطهما وإن طالت المدة، إلا أن يقطعاه؛ لأنه حق]. ما معنى: إلا أن يقطعاه؟ اشتريت منك سلعة بالخيار لمدة شهر، وفي يوم عشرين جئت وقلت لك: أنا لا أريد السلعة، فما زالت في مدة الخيار، ولي الحق في قطع هذا البيع، كذلك قبل أن ينقضي الشهر قلت لك: أعطني شهراً آخر، هل يجوز ذلك أم لا؟ يجوز ذلك مادام في مدة الخيار عند جمهور العلماء. أما لو جئت بعد مضي الشهر بيوم وقلت لك: لا أريد السلعة فهذا لا يجوز؛ لأن مدة الخيار نفذت وانتهت، والمؤمنون عند شروطهم، هذا هو معناه؛ لذلك قال: [إلا أن يقطعاه]، ومدة الخيار لا بد أن تكون مدة معلومة، مثال ذلك: بعتك مسجلاً وقلت لك: لي بالخيار إلى أن يعود ابني من السعودية، متى سيعود؟ ربما يعود هذا العام، أو العام القادم، وربما بعد عشر سنوات، فهذه مدة غير معلومة، فالخيار فيها لا يتم؛ لأنه لا بد أن تكون المدة معلومة؛ ولذلك اختلف العلماء. مثال آخر: بعتك هذه السلعة إلى حصاد زرعي. قال بعض العلماء: المدة معلومة، وقال بعضهم: مجهولة؛ لأن حصاد الزرع إما أن يتم في زمن معين لا يؤخر عنه، وإما أن تأتيه ريح فتعصف به فلا يكون معلوماً. قال المؤلف رحمه الله: [لأنه حق يعتمد الشرط؛ فجاز ذلك فيه كالأجل، ولا يجوز مجهولاً؛ لأنها مدة ملحقة بالعقد، فلم يصح مجهولاً كالتأجيل، وهل يفسد به العقد؟]. يعني: باع بالخيار لمدة مجهولة، هل يفسد العقد أو لا يفسد؟ قال: [على روايتين: إحداهما: لا يفسد؛ لحديث بريدة. والثانية: يفسد؛ لأنه عقد قارنه شرط فأفسده أشبه نكاح الشغار، وعنه يصح مجهولاً؛ لقوله عليه السلام: (المؤمنون على شروطهم)، رواه الترمذي وقال: حديث صحيح، فعلى هذا إذا كان الخيار مطلقاً مثل أن يقول: لك الخيار متى شئت، أو إلى الأبد؛ فهما على خيارهما أبداً أو يقطعاه، وإن قال: إلى أن يقوم زيد، أو ينزل المطر؛ ثبت الخيار إلى زمن اشتراطه، أو يقطعاه قبله]، والراجح: عند عدم تحديد المدة في الخيار البيع صحيح، لكن لا بد من تحديد المدة وعليه إثم عدم التحديد. مثال ذلك: تقول: بعتك هذه السلعة ولك الخيار إلى أن ينزل المطر، متى ينزل المطر؟ الله أعلم، فإن قبل البائع هذا الشرط وقبل المشتري؛ فالمؤمنون عند شروطهم، فهذا شرط لكنه مجهول، وهذا محرم لأنه مجهول، والبيع بالخيار مشروع، لكن لابد أن يحدد أجلاً، فالقول الراجح: أن البيع صحيح لا شك في ذلك، لكن عليه إثم عدم تحديد المدة.

أحكام خيار العيب

أحكام خيار العيب قال المؤلف رحمه الله: [وإن وجد أحدهما بما اشترى عيباً لم يكن علمه؛ فله رده أو أخذ أرش العيب]. وأرش العيب هو الفرق. مثال: اشتريت مسجلاً بخمسين جنيهاً، ولا خيار لي في الرد، فوجدت فيه عيباً بعد أن اشتريت، فعدت إلى البائع وقلت له: المسجل معيب، حتى لو لم يكن هناك خيار. فقال البائع: لك أحد أمرين: الرد وتأخذ الثمن، أو تأخذ الفرق بين السليم والمعيب أو المضروب، وهو أرش العيب. قال: [والعيب كالمرض أو ذهاب جارحة أو سن، وفي الرقيق: من فعله كالزنا والسرقة والإباق]. والآبق هو: غير المطيع لسيده، وهذا يعد عيباً. روى الذهبي في الكبائر: أن رجلاً خرج بعبده إلى السوق يقول: من يشتري هذا العبد إلا أنه نمام، فقال أحمق: النميمة ليست بعيب، أنا آخذه، فأخذه على عيبه، فجاء العبد إلى زوجة سيده وقال لها: سيدي يريد أن يتزوج عليكِ، فإن أردت ألا يفعل فائتيني بشعرة من لحيته، وسأفعل له أمراً لا أجعله يتزوج، وجاء لسيده وقال: سيدتي تريد أن تقتلك وأنت نائم، وإن أردت أن تعرف صدقي من كذبي فلا تنم الليلة وتبين من صدق كلامي، فدخل سيده إلى فراشه وهو يتناوم، فجاءت الزوجة وانكبت عليه تريد أخذ شعرة من شعرات لحيته بموس، فنظر الرجل إليها، فوجدها تهوي عليه، فطعنها فقتلها، فاجتمعت قبيلتها عليه فقتلوه؛ فقامت الحرب بين القبيلتين بفعل هذا النمام. قال: [وإن وجد أحدهما بما اشترى عيباً لم يكن علمه؛ فله رده أو أخذ أرش العيب، فمن اشترى معيباً لم يعلمه؛ فله الخيار]، طالما أنه معيب لم أعلمه، لي الخيار سواء اشترطت الخيار أو لم أشترط. قال: [فله الخيار بين الرد وأخذ الثمن؛ لأنه بذل الثمن ليسلم له مبيع سليم، ولم يسلم له؛ فثبت له الرجوع في الثمن: كما في المصراة]، والمصرَّاة: أن يحبس اللبن في ضرع البهيمة أياماً حتى تنتفخ، ويذهبون بها إلى السوق حتى تباع بمبلغ مرتفع، ففي هذه الحالة له أن يردها، وإن حلبها يردها ويعطي البائع صاعاً من تمر. قال: [كما في المصراة، وبين الإمساك وأخذ الأرش؛ لأن الجزء الفائت بالعيب يقابله جزء من الثمن، فإذا لم يسلم له؛ كان له ما يقابله كما لو تلف في يده. ومعنى الأرش: أن ينظر ما بين قيمته سليماً ومعيباً؛ فيأخذ قدره من الثمن، فإذا نقصه العيب عشر قيمته فأرشه عشر ثمنه؛ لأن ذلك هو المقابل للجزء الفائت. مثاله: أن يكون قد اشترى منه سلعة بخمسة عشر، فيظهر فيها عيب، فتقوم صحيحة بعشرة ومعيبة بتسعة؛ فقد نقصها العيب عشر قيمتها، فيرجع المشتري على البائع بعشر الثمن دينار ونصف، وحكمة ذلك: أن المبيع مضمون على المشتري بالثمن، ففوات جزء من المبيع يسقط عنه ضمان ما قابله من الثمن أيضاً]، والمعنى: أن المشتري دفع الثمن مقابل الانتفاع بسلعة سليمة، والعيب يفوت عليه ذلك، فلا بد أن يعوض بقدر هذا العيب، هذا يسمى عند العلماء أرش العيب. قال: [وما كسبه المبيع -يعني المشتري- أو حدث فيه نماء منفصل قبل علمه بالعيب فهو له]. هب أنني اشتريت عبداً، وانتفعت به لمدة شهر، وبعد الشهر تبين لي أنه نمام، ولم يبين لي البائع هذا العيب، إذاً: إما أن أنتفع به وإما أن يحدث فيه نماء، كأن أشتري مثلاً شاة أنثى وهي حامل في شهرها الأول بألف جنيه، وبعد أن وضعت اكتشفت أنها جرباء، وكان قد دلس علي البائع وأوهمني أنها سليمة، فحدث نماء بوجود أم ابنها معها. فما حكم هذا النماء في السلعة: هل هو من حق المشتري أم من حق البائع؟ قال: [وما كسبه المبيع أو حدث فيه نماء منفصل قبل علمه بالعيب فهو له؛ لما روت عائشة: (أن رجلاً ابتاع -اشترى- غلاماً، فاستعمله ما شاء الله، ثم وجد به عيباً فرده، فقال: يا رسول الله! إنه استعمل غلامي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الخراج بالضمان)، رواه أبو داود]، والمعنى: أنك تضمن سلامة العبد من العيوب؛ لأنك لم توضح له العيب. قال: [وعنه -يعني: رواية أخرى عن أحمد - ليس له رده دون نمائه؛ لأنه تبع له أشبه النماء المتصل كالسمن واللبن، والتعلم والحمل، والثمرة قبل الظهور؛ فإنه إذا أراد الرد رده بزيادته إجماعاً؛ لأنها لا تنفرد عن الأصل في الملك، فلم يجز رده دونها]. وهو الصحيح: أنه يرد مع النماء، وإذا أنفق عليها شيئاً يأخذ ما أنفقه.

حكم تلف السلعة المعيبة

حكم تلف السلعة المعيبة قال المؤلف رحمه الله: [وإن تلفت السلعة، أو أعتق العبد، أو تعذر رده؛ فله أرش العيب، أما إذا أعتق العبد ثم ظهر على عيب قديم؛ فله الأرش بغير خلاف نعلمه، وإن تلف المبيع، أو تعذر الرد، وكذا إن باعه أو وهبه وهو غير عالم بعيبه نص عليه؛ لأن البائع لم يوفه ما أوجبه له العقد، فكان له الرجوع عليه كما لو أعتقه، وإن فعل ذلك مع علمه بالعيب فلا أرش له؛ لرضاه به معيباً، حيث تصرف فيه مع علمه بعيبه؛ ذكره القاضي].

النهي عن تصرية الإبل

النهي عن تصرية الإبل قال المؤلف رحمه الله: [وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تصروا الإبل) الحديث. التصرية في اللغة: الجمع]، يعني: لا تصروا الإبل، وهذا نهي عن المصراة؛ ولذلك قال: (من غشنا فليس منا،) متفق عليه. قال: [فمن اشترى مصراة وهو لا يعلم فهو بالخيار، إما أن يقبلها، وبين أن يردها وصاعاً من تمر] فهذا حكم فقهي مهم. مثال ذلك: اشتريت مصرَّاة دون أن أعلم العيب، وبعد أن اشتريت تبين لي العيب، فما حكم هذا البيع؟ A أنا بالخيار: إما أن أردها إلى صاحبها مع صاع من تمر، وليس صاعاً من أرز، وقياس الأحناف على أن زكاة الفطر تجوز نقداً، وهذا قياس فاسد، قاسوه على المصرَّاة، أنه يرد المصرَّاة ومعها صاع من تمر؛ مقابل اللبن الذي أخذه منها عندما كانت السلعة عنده. قال: [وهو قول جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تصروا الإبل والغنم، فمن اشتراها فإنه بخير النظرين بعد أن يحلبها: إن شاء أمسكها، وإن شاء ردها وصاعاً من تمر)؛ ولأن هذا تدليس بما يختلف الثمن باختلافه؛ فوجب منه الرد، كما لو كانت شمطاء فسود شعرها]. مثال ذلك ذهب رجل ليتزوج امرأة شمطاء -أي: لون شعرها أبيض- ولها من العمر ستون سنة، فصبغ شعرها بالسواد فذهب إلى البيت ليكشف عنها، فوجد أنها عجوز، ليست هي التي رأى، وهذا معنى قوله: شمطاء فسود شعرها، يعني: غير في ملامحها. كذلك إذا كان عندها عيب في العين كأن تكون بلا عين، فصنعوا لها عيناً صناعية، فلما كشف العريس عنها في البيت وجد أنها بلا عين، فهنا له حق في الرد. هذه أمور مهمة. صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (تجنبوا السواد)، لكن نحن هنا نبين الأمر المشروع في البيع والشراء، فلو كان معي أمة أريد بيعها، وقد صبغت شعرها باللون الأصفر؛ فهنا لا بد أن أقول للمشتري: ليس هذا اللون لون شعرها الحقيقي، حتى لا يتفاجأ عندما يراها في البيت على حقيقته. قال صلى الله عليه وسلم: (فإن بينا بورك لهما في بيعهما)، وهذا هو الأصل: لا بد من التبيين عند التعامل، والله تعالى أعلم. قال: [فإذا ردها رد بدل اللبن صاعاً من تمر كما جاء في الحديث، وفي لفظ: (ردها ورد صاعاً من تمر لا سمراء) يعني: لا يرد قمحاً] أي: لا بد أن يكون الصاع من تمر. قال: [فإن علم بتصريتها قبل حلبها ردها ولا شيء معها]. يعني: قبل أن يحلب علم أنها مصراة ردها دون شيء فلا يستعيض بصاع التمر إلا إذا حلبها مقابل الانتفاع بالمصراة هذه المدة. قال: [ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (من اشترى غنماً مصرَّاة فاحتلبها فإن رضيها أمسكها، وإن سخطها ففي حلبتها صاع من تمر)، رواه البخاري، وهذا لم يأخذ بها لبناً؛ فلا يلزمه رد شيء. قال ابن عبد البر: هذا ما لا اختلاف فيه]. قال المؤلف رحمه الله: [وكذلك كل مدلس لا يعلم بتدليسه له رده، كجارية حمر وجهها، أو سود شعرها، أو جعده، أو رحى ضم الماء وأرسله عليها عند عرضها على المشتري؛ لأنه تدليس بما يختلف به الثمن، فأثبت الخيار في الرد كالتصرية]. مثال ذلك: كأن تكون هناك سيارة منتهية أدخلها الفرن ولمَّعها، ومن الداخل مشوهة، فهذا فيه تدليس أم لا؟ فلا بد أن أبين العيب للمشتري. قال: [وكذلك لو وصف المبيع بصفة يزيد بها في ثمنه، فلم يجدها فيه كصناعة في العبد أو كتابة، أو أن الدابة هملاجة -سريعة- أو الفهد صيود أو معلم، أو أن الطير مصوت ونحو هذا؛ فله الرد لذلك]. يعني: اشتريت منك عبداً على أنه يجيد الكتابة، وذهبت فوجدته أمياً لا يعرف الكتابة ولا القراءة، هذا عيب أم لا؟ أو اشتريت سيارة على أنها (3) سلندر أو (5) سلندر، واتفقت مع البائع على ذلك، فذهبت فوجدتها (8) سلندر، فهل لي حق الرد أم لا؟ A نعم. طالما أنه لم يظهر لي عيب السلعة. قال المؤلف رحمه الله: [ولو أخبره بثمن المبيع فزاد عليه؛ رجع عليه بالزيادة، وحظها من الربح إن كان مرابحة، يثبت الخيار في بيع المرابحة]. إن المرابحة والمضاربة والمشاركة أنظمة إسلامية معمول بها في الفقه الإسلامي؛ ولذلك بنك فيصل الإسلامي بنى تعاملاته على المرابحة والمشاركة والمضاربة. نكتفي بهذا القدر، والله تعالى نسأل أن يتقبل منا ومنكم، وجزاكم الله خيراً!

العدة شرح العمدة [60]

العدة شرح العمدة [60] من مسائل الخيار أن المتبايعين قد يختلفان، والاختلاف بينهما قد يكون في الثمن، وقد يكون في الصفة، وقد يكون في الشرط أو غير ذلك. وفي الأحوال التي يقع فيها غرر أو تدليس أو كذب من البائع فللمشتري الرجوع عن البيع إن شاء.

تابع باب الخيار

تابع باب الخيار

من الأحوال التي يجوز فيها للمشتري الرجوع عن البيع

من الأحوال التي يجوز فيها للمشتري الرجوع عن البيع الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولو أخبره بثمن المبيع فزاد عليه رجع عليه بالزيادة، وحظها من الربح إن كان مرابحة]. قسم العلماء الخيار إلى سبعة أقسام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا بأبدانهما)، والمعنى: أن البيع بالخيار للبائع وللمشتري، أو بالخيار للمشتري، أو بالخيار للبائع، كل هذا يجوز، ومعنى الخيار أن ترد السلعة إن لم يكن لك رغبة فيها وهناك خيار المجلس وخيار الشرط وخيار الغبن -أي: الظلم- والخيار لاختلاف المتبايعين. يقول المصنف: (ولو أخبره بثمن المبيع) أنا أبيع لك سلعة، فأحدد لك ثمن السلعة، وأطلب منك ربحاً مقداره جنيهان، هذه هي المرابحة، وهو مشروع. قال: [ولو أخبره بثمن المبيع]. معناه: البائع أخبر المشتري بثمن السلعة، فزاد عليه، أي: أنه قال له: هذه السلعة أصل ثمنها مائة، وكان أصل ثمنها تسعين فزاد عليه عشرة. قال: [رجع عليه بالزيادة وحظها من الربح إن كان مرابحة]. قال في الشرح: [يثبت الخيار في بيع المرابحة للمشتري إذا أخبره البائع بزيادة في الثمن كاذباً، كما لو أخبره بأنه كاتب أو صانع، فاشتراه بثمن كثير وبان بخلافه، فثبت للمشتري الخيار بين الرد والإمساك مع الحظ نص عليه؛ لأنه لا يأمن الخيانة في الثمن أيضاً، ولابد من معرفة المشتري رأس المال؛ لأن العلم بالثمن شرط، ولا يحصل إلا بمعرفة رأس المال، والمرابحة: أن يخبر برأس المال، ثم يبيعه بربح معلوم، فيقول: رأس مالي مائة. بعتك بها وربح عشرة، فهو جائز غير مكروه؛ لأن الثمن معلوم، ثم إذا بان ببينة أو إقرار أن رأس المال تسعون فالبيع صحيح؛ لأنه زيادة في الثمن، فلم يمنع صحة البيع كالمعيب، وللمشتري أن يرجع على البائع بما زاد -وهو عشرة- وحظها من الربح -وهو درهم- فيبقى على المشتري تسعة وتسعون درهماً]. المشتري اشترى سلعة ببيع المرابحة من البائع، واشترط عليه أن يربح فيها عشرة، وله الخيار إن تبين أن سعرها أقل من مائة فله أن يردها، فذهب المشتري إلى بيته، فوجد ببينة أو بإقرار أن البائع زاد عليه في رأس مالها فهو بالخيار إما أن يرد السلعة ويأخذ الثمن، وإما أن يمسك السلعة ويأخذ الفرق مع حظه من الربح، نضرب مثلاً: السلعة ثمنها مائة، اشترى منه سلعة بمائة وعشرة مرابحة، ثم تبين له ببينة أو إقرار، أن السلعة ثمنها تسعون، إذاً: زاد عليه عشرة، فعلى ذلك يدفع المشتري تسعة وتسعين، فيكون الفرق إحدى عشر: العشرة الزيادة، والواحد فرق الربح. إذاً: له أن يعود عليه بالزيادة مع فرق الربح. إذاً: المشتري بالخيار إما أن يرد السلعة ويحصل على الثمن كاملاً؛ لأنه أثبت ببينة وإقرار أن البائع قد زاد عليه في ثمنها، أو أن يمسك السلعة مع أن يرد الفرق مع حظه من الربح. يقول: [وإن بان أنه غلط على نفسه]. يعني: البائع قال: أصلها تسعون وربحها عشرة، فباعها من المشتري بمائة، ثم تبين للبائع غلطه فقال: أصلها مائة. قال: [خير المشتري بين رده وإعطائه ما غلط له، فإذا قال في المرابحة: رأس مالي فيها مائة والربح عشرة ثم عاد، فقال: غلطت. رأس مالي فيه مائة وعشرة لم يقبل قوله في الغلط إلا ببينة تشهد أن رأس ماله عليه ما قاله. ذكره ابن المنذر]. والمعنى: أن البائع إذا غلط في السعر لا يقبل قوله إلا ببينة تبين أنه أخطأ، وفيه ثلاث روايات للإمام أحمد أحدها مذهب الشافعي. قال: [وعنه رواية ثالثة: أنه لا يقبل قول البائع وإن أقام بينة حتى يصدقه المشتري، وهو قول الشافعي رحمه الله]. الرأي الأول: أن يقبل قول البائع وله الخيار، الرأي الثاني: أن يقبل قول البائع ببينة ويمين، القول الثالث: أن يقبل قول البائع ببينة مع تصديق المشتري، فالمشتري يقول: حتى لو حلفت أو بينت أنا لن أصدق، وهذا قول الشافعي أنه لا اختيار للبائع في الرد؛ لأن الغلط يلتزم به هو ولا ذنب للمشتري، وهذا الراجح من أقواله، وإلا ستنقلب البيوع إلى فوضى، كلما أخطأ يقول: أخطأت والله أخطأت، فلابد من بينة، ولابد أن يقبل المشتري قول البائع في هذا. قال: [وإن بان أنه مؤجل ولم يخبره بتأجيله فله الخيار بين رده وإمساكه]. يعني: اشتريت منك سلعة على أنك اشتريتها نقداً، وشراء النقد معلوم أنه أقل، فقلت لي: هذه السلعة سأبيعها لك، لكنني أخبرك أنني اشتريتها بالأجل، ومعنى شرائها بالأجل أن سعرها أعلى، إذاً: باعها على أنه اشتراها مؤجلة، ثم بعد أن اشتراها المشتري منه بهذا الوصف وهذا التبيين تبين له أنه اشتراها نقداً، إذاً: اشترى مؤجلاً وباع له نقداً. إن فقه البيوع أمانة: (فإن بينا بورك لهما في بيعهما)، فلو أنني اشتريت سلعة من أخ لي، وهو عنده لي مائة جنيه منذ سنتين كلما أقول له: أعطني المائة جنيه يقول: بعد أسبوع بعد أسبوع، فوجدت عنده مسجلة

أحكام في اختلاف البيعين

أحكام في اختلاف البيعين قال المؤلف رحمه الله: [وإن اختلف البيعان]. مثال ذلك: اشتريت منك خروفاً بشرط أنه بالخيار، وأنت قد اشتريت هذا الخروف مؤجلاً وقلت: إنك اشتريته نقداً فزاد ثمنه، فأخذت منك الخروف وذبحته، وبعد أن ذبحت وأكلت تبين لي أن صاحب الخروف اشتراه مؤجلاً ولم يشتره نقداً، والسلعة قد تلفت، فنعود على البائع بقيمة المثل، يعني: هذا الخروف مثله نقداً بكذا ونقول للمشتري: أنت بالخيار، إما أن البائع يرد القيمة، وإما أن نقيم هذا الخروف بثمنه نقداً، والبائع يرد الفرق للمشتري. مثال آخر: أنا آخذ سلعة من شخص بالخيار، فقال لي هذا الشخص: أنا اشتريت هذه السلعة بالأجل -الذي يبيعها هو الذي اشتراها بالأجل فسعرها ارتفع عنده- فعاملني بهذا السعر المرتفع، وتبين لي بعد أن اشتريت أنه كذب علي وأنه قد حصل عليها نقداً، وأصبح السعر علي مرتفعاً، إذاً: طالما أنني اشتريت منه بالخيار فلي أن أقول: أنت الآن كذبت علي، قلت لي: أنك حصلت على السلعة مؤجلة، وأنت حصلت عليها نقداً، فأنا بالخيار: إما أن أرد السلعة وتعطيني مالي، وإما أن أحصل على الفرق. قال: [وإن اختلف البيعان في قدر الثمن تحالفا]. أي: تحالف البائع والمشتري، وقد يعترض معترض ممن عنده فقه فيقول: البينة على من ادعى واليمين على من أنكر، فهو الآن يلزم البائع والمشتري بالحلف وقد اختلفا في الثمن. قال البائع: بعتك بمائة، وقال المشتري: لا، بعتني بثمانين، فبما أن البيع بالخيار فالقول قول البائع إلا أن يأتي المشتري ببينة، والمذهب فيه رأيان: الرأي الأول: أن يتحالفا، ومعناه: أن كليهما يحلف، والذي يبدأ بالحلف البائع؛ لأنه تنازل عن الملكية؛ ولأنه الغارم في تنازله عن الملكية، فيحلف البائع أولاً ويقول: والله ما بعتك بثمانين -يقدم النفي على الإثبات- والله بعتك بمائة. ثانياً: يحلف المشتري ويقول: والله ما اشتريت منك بمائة -يقدم النفي على الإثبات- والله إني اشتريت منك بثمانين، وهكذا تحالف البائع والمشتري؛ لأن كليهما مدع ومنكر، فالبائع يدعي أنه باع بمائة، ومنكر أنه باع بثمانين، والمشتري أيضاً يدعي أنه اشترى بثمانين وينكر أنه اشترى بمائة، والبيع بالخيار، أي: أن البائع والمشتري اشترطا قبل أن يتفرقا أن البيع بالخيار. قال: [وإن اختلف البيعان في قدر الثمن تحالفا ولكل واحد منهما الفسخ]. بعد الحلف نقول للبائع وللمشتري الآن لكما الفسخ، فإن تراضيا وقع البيع، وإن لم يتراضيا فسخ البيع وعادت السلعة إلى البائع والثمن إلى المشتري. عند اختلاف البائع والمشتري يصبح القول قول البائع؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا اختلف المتبايعان وليس بينهما بينة والمبيع قائم بعينه فالقول ما قال البائع أو يترادان البيع)، إذاً: القول الأول في المذهب: أنه إن لم يكن عند المشتري بينة فالقول قول البائع، وإن كان عنده بينة فإنهما يتحالفان، وإن تحالفا ترد السلعة إلى البائع على أن القول قوله. قال: [فإذا تحالفا لم ينفسخ العقد بنفس التحالف؛ لأنه عقد وقع صحيحاً، فتنازعهما وتعارضهما في الحجة لا يوجب الفسخ، كما لو أقام كل واحد منهما بينة بما ادعاه، لكن يقال للمشتري: أترضى بما قال البائع؟ فإن رضيه أجبر البائع على قبول ذلك؛ لأنه حصل له ما ادعاه]. كأن يقال: أترضى أيها المشتري بما قال البائع؟ فإن رضي فلا اختيار للبائع؛ لأنه حصل ما ادعاه، وأجبر على القبول. قال: [وإن لم يرضيا فسخ العقد]. وظاهر كلام أحمد: أن لكل واحد منهما الفسخ؛ لقوله عليه السلام: (أو يترادان البيع)، وهذا الاختلاف يسمى عند العلماء بالخيار لاختلاف المتبايعين، وهو القسم السابع من أنواع الخيار. ذكره العلامة ابن عثيمين في كتاب الممتع على شرح زاد المستقنع، وهذا الاختلاف قد يكون في قدر الثمن، وقد يكون في الصفة وقد يكون في الشرط أو غيره. قال: [وإن كانت السلعة تالفة تحالفا ورجعا إلى قيمة مثلها كما لو كانت باقية، وعنه -يعني: رواية أخرى عن أحمد - القول قول المشتري مع يمينه، اختارها أبو بكر؛ لقوله عليه السلام: (إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة تحالفا)، فمفهومه: أنه لا يشرع التحالف عند عدمها؛ ولأنهما اتفقا على نقل السلعة إلى المشتري واختلفا في عدة زائدة يدعيها البائع والمشتري ينكرها، والقول قول المنكر]. وهذه قاعدة: القول قول المنكر. ثم قال: [وتركنا هذا القياس حال قيام السلعة للحديث، ففيما عداه تبقى على مقتضى القياس، ووجه الأولى: أن كل واحد منهما مدع ومنكر، فتشرع اليمين كحال قيام السلعة]. خلاصة القول في معنى الخيار: أن لكل طرف أن يختار؛ إما أن يمضي العقد، وإما أن يفسخه، طالما أنه اشترى بالخيار فإنه يجوز له أن يرد السلعة في مدة الخيار دون عيب فيها، والخيار سبعة أنواع كما ذكرنا وهي: خيار المجلس، وخيار التدليس، وخيار الغبن، وخيار الشرط، وخيار العيب، وخيار في البيع بتخيير الثمن، وخيار لاختلاف المتبايعين.

الأسئلة

الأسئلة

احترام العلماء وعدم سبهم والتعرض لأخطائهم

احترام العلماء وعدم سبهم والتعرض لأخطائهم Q ما هو الرأي البليغ في جماعة التبليغ؟ A نحن عاهدنا الله سبحانه وتعالى هنا ألا نجرح أحداً، والإخوة من جماعة التبليغ على خير إن شاء الله، وهم يحضرون مجالس العلم، اتصل بي أخ في الأسبوع الماضي. يقول: أنت عرضت بالشيخ أسامة القوصي في محاضرتك. قلت: الجميع حضر. هل أنا ذكرت الشيخ أسامة بالاسم هنا؟ وهل أنا أذكر الذين يسبون العلماء؟ إن هذا الذي استنبط وذهب وحلل وقيم وادعى هو رجل مفتر، فلا داعي أبداً للوقيعة بين الناس بهذا الكلام حفظكم الله تبارك وتعالى، فالأمة مجروحة، وليست بحاجة إلى طالب علم يجلس هنا وينقل كلاماً من هنا، وكل عمله الوقيعة بين العلماء، فهذا التصرف لا يليق، إذا أردنا أن نبين الحق فنبينه دون تجريح، هذا منهج النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن حينما نقول: لا يسب العلماء إلا أهل النفاق والله ما أخطأنا؛ لأن الذين يسبون العلماء ويعرضون بهم وينهشون في أجسادهم هم أهل النفاق لا شك في هذا، فالشيخ أسامة عالم لا شك في هذا، وكذلك الشيخ حسان عالم وأخ فاضل عزيز، والشيخ أبو إسحاق رجل فاضل عزيز، لكنهم يريدون منا أن نتبعهم ولا تبعية لأحد؛ لأن القرآن والسنة بفهم السلف الصالح فإن أخطأ أحدهم نقول: الصواب كذا دون أن نجرح، هذا هو المنهج الصحيح، وأمامنا مائة سنة حتى نتعلم هذا الأدب، ولقد ذكرنا في جمعة الأسبوع الماضي آداب طلب العلم وحلية طالب العلم، وأنه ينبغي أن نتعلمها، وأن خلاف الأقران يطوى ولا يروى؛ لأن الأقران دائماً من عادتهم الحسد إلا من رحم الله، يقول هذا الشيخ: فلان يحضر لدروسه مائة وعشرون ألفاً، ولماذا أنا لا يحضر لي إلا خمسمائة؟ فتبدأ الوساوس في قلبه؛ لأن النفوس جبلت على هذا. عموماً كفوا الألسنة عن الخلاف بين العلماء فكلهم مجتهدون إن شاء الله تعالى، وكلهم إن شاء الله عز وجل على طريق نجاة. فاتقوا الله في أنفسكم.

حكم تأجير شقة تمليك قبل تسديد باقي الأقساط

حكم تأجير شقة تمليك قبل تسديد باقي الأقساط Q اشترى رجل شقة تمليك بالأجل، وأراد أن يؤجرها قبل أن يسدد باقي الأقساط، فهل يجوز ذلك؟ A نعم، يجوز؛ لأنه انتقلت الملكية له بمجرد الاتفاق، أما الأقساط الواجبة عليه فهي في الذمة، ولكن له أن ينتفع بالسلعة؛ لأن البيع قد تحقق بالفعل.

المسلمون عند شروطهم

المسلمون عند شروطهم Q إذا كان شخص يتفق مع آخر على شيء، ثم يرجع بعد فترة ويعدل عما قال له، وهكذا يغير الاتفاق مع الآخرين، ويقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يغيره إذا بدا له رأي آخر، مع العلم بأن هذه صفة ملازمة لهذا الشخص، فأين الوفاء بالعهد؟ A ضع نصب عينيك أن: (المؤمنون عند شروطهم، ما لم يكن شرطاً يحرم حلالاً أو يحل حراماً) فإذا كنت قد اتفقت معك على الشراء بالخيار فليس هناك مشكلة، وليس له علاقة بالوفاء بالعهد؛ لأنني أشتري بشرط.

نصيحة لكل من يعق والديه

نصيحة لكل من يعق والديه Q ماذا تقول لشخص ملتحٍ يصلي وينهر والديه، وامرأة تعمل كل خير لكنها لا تبر بوالديها ولو بالكلمة، أستحلفك بالله أن توجه رسالة إلى الإخوة والأخوات في هذا الشأن؟ A في الحقيقة هذا انفصام في الشخصية، أبوك وأمك جنتك أو نارك ولا شك في هذا، فطريق الجنة هو البر، وطريق النار هو العقوق؛ ولذلك صلاتك والتزامك وسمتك وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر لا قيمة له إن صاحبه العقوق، ولقد جاء الشكر واضحاً في قوله تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان:14]، فمن لم يشكر لوالديه لم يشكر لله عز وجل، وقد جاء في بعض الآثار: (يفعل العاق ما يفعل فلن يدخل الجنة) هذا للتهويل من أمر العقوق، كذلك يقول قائل: (ويفعل البار ما يفعل فلن يدخل النار) وهذا خطأ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من صلى البردين دخل الجنة) فهذا القول المأثور على سبيل الزجر والوعيد، وليس على سبيل الحرفية في النص. عموماً أيها الإخوة الكرام! رب العالمين قد نهانا عن التأفف: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء:23]، نهى عن الأدنى فمن باب أولى نهى عن الأعلى، وهذا يسمى عند العلماء قياس الأولى، ولا يمكن أن يقول قائل: أنا لن أقول لأبي: أف، وإنما سأضربه؛ لأن الله نهاني عن قولي له: أف ولم ينهني عن الضرب. أقول له: يا عبد الله! أدنى الأمور أن تقول لهما: أف، فالله عز وجل نهاك عنها، فلابد أن تنتهي، بل الأبوان المشركان أمر الله بمصاحبتهما بالمعروف، قال تعالى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان:15]، واستأذنت أسماء أن تبر أمها الكافرة فأذن لها النبي صلى الله عليه وسلم، والأم أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بصحبتها ثلاث مرات، لكن الواحد يتزوج ويقدم أمر زوجته على أمر أمه، وإن جاء بفاكهة يتلصص من أمه ويحرمها. حتى رأينا العجب؛ أستاذ في الجامعة رباه أبوه أحسن تربية، حتى دخل الابن الجامعة، وكان أبوه فلاحاً وجاء مرة ليزوره، فقيل له: رجل بالخارج يقول: إنه أبوك، فنظر إليه فقال: هذا ليس بأبي! تبرأ من أبيه، فماذا نقول لهذا الابن؟! والله إنه ملعون؛ لأنه ينفي نسبه إلى أبيه؛ ولأنه يظن أن الجاه والعز في السمت الخارجي، ومن المؤسف أن هذه الشكاوى تأتي من بعض أمهات الملتزمين والملتزمات، تقول: ابني يصلي الفجر، يقوم الليل، لكنه عاق، فيا عبد الله! قبِّل يدها ليل صباح وقبل رأسها وكن باراً بها، وتلطف لها؛ لأنه بعد الموت ستندم على كل يوم مضى عليك دون أن تكون باراً بأبيك أو أمك.

التحرز من اتهام الناس بمذاهب أهل الأهواء وخاصة العلماء

التحرز من اتهام الناس بمذاهب أهل الأهواء وخاصة العلماء Q لي صديق ملتزم بالإسلام، ولكني قاطعته؛ لأنه على بدعة الإرجاء، وليس على عقيدة أهل السنة والجماعة السلفية في مسائل الإيمان، وهو ليس من طلبة العلم، لكنه وقع في الإرجاء بسبب سماعه لبعض الأشرطة العلمية التي سجلت لأكابر من العلماء الذين زلوا بأقدامهم عن درب أهل السنة في هذه المسألة، فهل أنا آثم، وهل يجب علي أن أعيد صداقتي به؟ A الحقيقة لابد أن تبين له منهج الإرجاء، فوصف الرجل بالإرجاء ليس بالسهل، ولعله لا يفهم معنى الإرجاء، ويوجد في عصرنا من اتهم الشيخ الألباني بالإرجاء، والشيخ بريء منه والله الذي لا إله غيره، فهؤلاء واهمون مبتدعون لا يعلمون إرجاءً، ولا يعلمون من هو الشيخ الألباني، كما قال الشيخ ابن عثيمين: الذي يرمي الشيخ الألباني بالإرجاء لا يعلم الإرجاء ولا يعلم الشيخ، وهذه هي المصيبة، وهذا هو الذي نقع فيه، فبسبب الخلاف الفقهي السائغ نصادر الرأي الآخر، وهذا مما عمت به البلوى، فترى الشخص يقرأ رأياً فقهياً واحداً ويتحجر له، ويعادي من رأى غير هذا الرأي، ويوالي من كان على رأيه، فيا أخي الفاضل! لابد أن تبين لأخيك معنى الإرجاء، والمرجئة فرقة من الفرق الضالة لا شك، ليس منا أحد يقول: الإيمان قول بغير عمل، فمن لم يكفر تارك الصلاة معه أدلة على عدم كفره، ومن كفره معه أدلة على تكفيره، فليس هذا مرجئي يا عبد الله! فإن ختم الإرجاء وختم الخوارج وختم المكفرين ليس بالسهل، فتراه ممسكاً بالختم قائماً على ختم الناس: مرجئي معتزلي أشعري خارجي وهلم جراً، وهذا من التسرع في الأحكام. فأقول: لابد أن تبين له الإرجاء ومعناه، ولا تتهم علماء الأمة زوراً وبهتاناً، فمن اتهم الشيخ الألباني بالإرجاء جاهل لا يعرف معنى الإرجاء، ولا يعرف من هو الشيخ الألباني؛ لأن هذا إجحاف في حق الشيخ الألباني؛ لأنه على منهج أهل السنة، فلنتق الله عز وجل في علمائنا، كذلك تكفير الحكام والخروج عليهم من فعل الخوارج، وتكوين الجماعات والحزبيات والبيعة لأمير من فعل المبتدعة، وهذا هو منهج السلف لا أقول غيره إن شاء الله سبحانه وتعالى.

حكم العمل في البنوك الربوية وشركات التأمين

حكم العمل في البنوك الربوية وشركات التأمين Q ما حكم العمل في البنوك الربوية وشركات التأمين؟ A حرام حرام حرام.

حكم إزالة الشعر الذي بين الحاجبين بالفتل أو المقص

حكم إزالة الشعر الذي بين الحاجبين بالفتل أو المقص Q هل يجوز إزالة شعر الحاجبين بالفتل أو المقص؟ A الشعر الذي بين الحاجبين ليس من الحاجبين، فحدود الحاجب معروفة عند السامع والمتكلم، فما زاد على ذلك يجوز أن يزال، وبأي وسيلة طالما ليس فيها مخالفة، قال لي قائل: سمعت الشيخ فلان يقول: الفتل حرام ولا دليل على حرمته، فإن كانت المرأة مثلاً عندها شارب فإنها إذا حلقته بالموس سيخرج بدلاً منه شوارب، فطالما أن الوسيلة شرعية فلا مشكلة، وبعض الإخوة منشغلون طبعاً بالفتل والعطور والكالونيا تماماً ويتركون باب الخيار وباب الربا والأمور الضليعة، وهذا مما عمت به البلوى.

بيان مفهوم الجهاد

بيان مفهوم الجهاد Q ما هو الجهاد في سبيل الله في هذه الأيام، حيث إن القرآن الكريم بين فضل الجهاد وأهميته، وهل الجيش يجب عليه الجهاد؟ A الجهاد: هو أن تلتزم بعقيدة السلف وأن تجاهد نفسك، والجهاد ليس بالمظاهرات، والعجيب أن بعض الناس يقول: الذي لا يخرج للمظاهرة آثم، فيا له من حكم فقهي من الملتزمين، نسأل الله العافية، ماذا صنعت المظاهرات للأمة وماذا قدمت؟ لا شيء. كنت جالساً بالأمس أفكر كيف تخرج الأمة من المأزق الذي هي فيه، فقد قتلوا الشيخ أحمد ياسين، ثم قتلوا من بعده الرنتيسي والدور على خالد مشعل، وليس من الغريب على اليهود أن يفعلوا ذلك، فقد قتلوا الأنبياء، وخططوا لقتل النبي صلى الله عليه وسلم، وخططوا لقتل عيسى وصلبه: {فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} [البقرة:87]، فهم قتلة الأنبياء لا شك في هذا، لكن كيف المخرج؟ ضع في ذهنك هذه الصورة: لو أن البلاد الإسلامية كلها كونت جيشاً واحداً هو الجيش الإسلامي، وسوقاً إسلامية واحدة تسمى السوق الإسلامية المشتركة، وكونت عملة واحدة، وألغي الريال والجنيه والدينار وكل العملات، وجميعاً ائتمروا بأمر رئيس واحد فمن الهين عليهم أن يواجهوا هذا العدو، فهذه حلول في غاية الأهمية، وإن كنا نريد حلاً فهذا هو الطريق، أما أن نحل المشكلة عن طريق المظاهرات وبعد أسبوع سيهدأ الدم، وبعد شهر يظهر شهيد آخر وتقوم المظاهرة، ثم شهيد ثالث وتقوم المظاهرة، فهل حررت المظاهرة البلاد؟ فلنفهم أن الأعداء يفهموننا أكثر من أنفسنا، فقد درسوا هذه الشخصية العربية الإسلامية دراسة متأنية؛ وأن الشعوب العربية والإسلامية عندهم عاطفة تحركهم مؤقتاً، حينما يموت منهم شهيد يخرجون بالهتافات، واليوم التالي مباشرة ينام من كان يهتف إلى المغرب! لأنه لا يصلي فجراً ولا يصلي قياماً، المهم أنه فرغ الشحنة، فيا عبد الله! ليس هذا هو الطريق، ما رأينا النبي صلى الله عليه وسلم خرج في مظاهرة كالتي نقوم بها، ونسأل الله سبحانه وتعالى العافية.

العدة شرح العمدة [61]

العدة شرح العمدة [61] من أنواع البيوع المشروعة بيع السلم، وصفته أن يسلم المشتري للبائع قيمة سلعة غير متوفرة في السوق على أن يعطيه إياها في أجل محدد، ويشترط في المسلم فيه ضبط صفاته، ووصفه بما لا يختلف به الثمن ظاهراً، وذكر قدره، وأن يكون أجله معلوماً، وأن يكون مقدوراً على تسليمه عند الأجل وغير ذلك من الشروط التي ينبغي توافرها في هذا النوع من البيوع.

باب السلم

باب السلم الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: السلم: هو السلف، يسميه العلماء بيع السلم أو بيع السلف، والمعنيان صحيحان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم إلى المدينة وهم يسلفون فقال صلى الله عليه وسلم: (من أسلف في ثمر فليسلف في كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم). وبيع السلم هو أن أحتاج إلى سلعة معينة غير موجودة الآن، وستوجد بعد فترة زمنية عند فلان، وصاحبها يحتاج إلى ثمنها الآن بسعر سوقها، فأعطيه أنا الأموال ونتفق على السعر والأجل والكيل، على أن يسلمني السلعة في الوقت المحدد بيننا، فأعطيه المال لينتفع به هذه المدة، وأنا آخذ السلعة في الأجل المحدد فيما بعد؛ لذلك سماه العلماء بيع السلف. ومن الأمثلة على بيع السلم: رجل يحتاج إلى إردب من الأرز؛ لكنه يحتاج إليه بعد ستة أشهر من موسم الأرز ولا يحتاجه الآن، فيأتي إلى تاجر الأرز -الأرز غير موجود الآن، ولو وجد الأرز لا يصح السلم- يقول له: أحتاج إلى إردب أرز قال: متى تحتاج؟ قال: في أول شهر (7) هجرية، قال: سعره كم؟ قال: الإردب سعره ألف جنيه، فأخذ منه الألف، وحدد موعد الاستلام في أول شهر (7) هجرية، ومقداره إردب، إذاً: في كيل معلوم إلى أجل معلوم، ففي الأول من شهر (7) هجرية لا بد أن يسلمني السلعة بمواصفاتها المتفق عليها. هذا يسمى بيع السلف أو السلم. والشريعة الإسلامية أباحت هذا البيع لأسباب عديدة: البائع يحتاج إلى المال الآن، والمشتري يكون قد تخلص من المال، فربما لا يوجد المال في حين وجود السلعة، فكلاهما مستفيد. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهو نوع من أنواع البيع]، أي: أن بيع السلم هو نوع من أنواع البيوع. قال: [يصح بألفاظه، وبلفظ السلم والسلف، ويعتبر فيه شروط البيع، ويزيد عليه بشروط]، يعني: السلم لا بد له من شروط.

يشترط في المسلم فيه ضبط صفاته

يشترط في المسلم فيه ضبط صفاته أول شرط: [أن يكون مما يمكن ضبط صفاته التي يختلف الثمن باختلافها ظاهراً كالمكيل أو الموزون أو المذروع أو المعدود]. أول شرط: أن يكون مما يمكن ضبطه بالصفة. أما الثلاجات والتسجيلات يمكن ضبط صفاتها؛ فيجوز فيها بيع السلم. فإن قال قائل: هل يجوز بيع السلم في الشقق؟ A نعم. يجوز بشروط، إذا أمكن الضبط يجوز السلم، وإذا لم يمكن الضبط لا يجوز السلم. ومن المواصفات: المكيل: كالبر، البر يعني: القمح. يكال ويوزن، والغالب عليه هو الكيل. الموزون: كاللحم والسكر. المذروع: كالأقمشة والحبال، أي: الذي يقاس بالذراع. أو المعدود: كالبرتقال أو البطيخ، هل يمكن أن أبيع البرتقال بالسلم؟ أنظر أولاً: هل يمكن الضبط أو لا يمكن الضبط، طلبت عدداً من البرتقال مواصفاتها: البرتقالة لا تقل عن كذا وزنها كذا، من النوع السكري، على أن أستلمها في تاريخ 1/ 8 هجرية، جئت في التاريخ المحدد ولم يكن البرتقال بالمواصفات المطلوبة، إذاً البرتقال لا يمكن ضبطه، والبيض لا يمكن ضبطه؛ لأن البيضة قد تكون فاسدة. إذاً الشرط الأول لبيع السلم هو: إمكانية الضبط في العقد بالمواصفات، بحيث لا يحدث خلاف بين البائع والمشتري. قال: [لأنه بيع بصفة، فيشترط للكل إمكان ضبطها؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه قدم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين والثلاث)]. يعني: النبي صلى الله عليه وسلم حين قدومه إلى المدينة وجد أنهم يسلفون في الثمار، وبيع السلم عندنا في الأرياف كثير. قال: [فقال صلى الله عليه وسلم: (من أسلف فليسلف في كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم)، فثبت جواز السلم في ذلك بالخبر، وقسنا عليه ما يضبط بالصفة؛ لأنه في معناه، فأما المعدود المختلف كالحيوان والفواكه والبقول والجلود والرؤوس. ففي الحيوان روايتان:]. بيع السلم في الحيوان فيه روايتان عن الإمام أحمد، أقول: من الصعوبة بمكان أن أضبط الصفة في الحيوان. ولذلك قال: [إحداهما: لا يصح السلم فيه؛ لما روي عن ابن عمر أنه قال: إن من الربا أبواباً لا تخفى وإن منها السلم في السن. رواه الجوزجاني؛ ولأن الحيوان يختلف اختلافاً متبايناً فلا يمكن ضبطه، وإن استقصى صفاته التي يختلف فيها الثمن تعذر تسليمه، مثل أزج الحاجبين، أكحل العينين، أقنى الأنف، أشم العرنين، أهدب الأشفار، فأشبه السلم في الحوامل من الحيوان]. يعني: أكتب مثلاً في العقد: بعتك بقرة بالسلم زرقاء العينين أنفها كذا، وأذنها كذا، فإنه لا يمكن الضبط، فطالما أنه لا يمكن الضبط فلا يمكن بيع السلم. قال: [وعنه -رواية أخرى عن أحمد - صحة السلم فيه وهو ظاهر المذهب؛ لأن أبا رافع قال: (استسلف النبي صلى الله عليه وسلم من رجل بكراً)، رواه مسلم. وروى عبد الله بن عمرو بن العاص قال: (أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أبتاع له البعير بالبعيرين وبالأبعرة إلى مجيء الصدقة)؛ ولأنه ثبت في الذمة صداقاً فثبت في السلم كالثياب. أما حديث ابن عمر فهو محمول على أنهم كانوا يشترطون من ضراب فحل بني فلان، كذلك قال الشعبي: إنما كره ابن مسعود السلم في الحيوان؛ لأنهم اشترطوا لقاح فحل معلوم. رواه سعيد]. إذاً: هناك روايتان عن الإمام أحمد في بيع السلم في الحيوان، والفصل في الروايتين الضبط.

يشترط في المسلم فيه وصفه بما يختلف به الثمن ظاهرا

يشترط في المسلم فيه وصفه بما يختلف به الثمن ظاهراً قال المؤلف رحمه الله: [الشرط الثاني: أن يصفه بما يختلف به الثمن ظاهراً فيذكر جنسه]. يصف السلعة المشتراة بالسلم، كمن يشتري تسجيلاً بالسلم، والتسجيل غير موجود الآن؛ لأنه يشترط في بيع السلم عدم وجود العين، بل يكون موصوفاً في الذمة، فيصفه المشتري للبائع، فيقول البائع مثلاً: بألف جنيه، قال المشتري: خذ الألف على أن تسلمني إياه في الموعد المحدد. قال: [الشرط الثاني: أن يصفه بما يختلف به الثمن، فيذكر في العقد جنسه ونوعه وقدره وبلده وحداثته وقدمه وجودته ورداءته؛ لأن السلم عوض يثبت في الذمة، فلا بد من كونه معلوماً بالوصف كالثمن؛ ولأن العلم شرط في البيع وطريقه إما الرؤية أو الوصف، والرؤية ممتنعة في المسلم فيه فيتعين الوصف، فيذكر الجنس والنوع والجودة والرداءة، فهذه مجمع عليها، وما سوى ذلك فيه خلاف، وما لا يختلف به الثمن لا يحتاج إلى ذكره؛ لأن العوض لا يختلف باختلافها ولا يضر جهالتها]. إذاً الشرط الثاني في بيع السلم: أن يصفه بما يختلف به الثمن، وكل ما يؤثر في الثمن يكتب في العقد، ويصفه وصفاً دقيقاً، وإن كان وصفاً لا يؤثر في الثمن لا يكتب في العقد، كمن يشتري تسجيلاً مثلاً لونه أحمر أو لونه أسود؛ لأن هذا لا يؤثر في الثمن. إذاً: الشرط الأول في بيع السلم: أن يكون مما يمكن ضبط صفته، فأي سلعة لا يمكن ضبطها لا يجوز فيه السلم، فالكمبيوتر يجوز فيه السلم إذا أمكن الضبط.

يشترط في المسلم فيه ذكر قدر الكيل في المكيل والوزن في الموزون

يشترط في المسلم فيه ذكر قدر الكيل في المكيل والوزن في الموزون قال المؤلف رحمه الله: [الشرط الثالث: أن يذكر قدره بالكيل في المكيل، والوزن في الموزون، والذرع في المذروع]. فالقمح يكال وأحياناً يوزن، والحكم على الشيء يخرج مخرج الغالب. مثال ذلك: قوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ} [الأنعام:151]، فقال رجل: أنا لن أقتل ولدي من إملاق إنما سأقتله من غنى، فهذا قول لا يجوز؛ لأن الكلام خرج مخرج الغالب. كذلك قال الله تعالى: {لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آل عمران:130]، فقال رجل: سآكل الربا قطعة قطعة، فنقول: لا يا عبد الله! إن الكلام خرج مخرج الغالب، فقد كان يغلب على فعلهم أنهم كانوا يأكلون الربا أضعافاً، فالتحجر عند النصوص لا يجوز. فإن قيل: هل هناك فرق بين بيع السلم وبين ما ليس عندي؟ A الشريعة السمحاء على أن السلعة التي ليست عندك أبيح فيها السلم لتسهيل التعامل، لكن بيع ما ليس عندك أن تبيع ما لا تملك. قال رحمه الله: [الشرط الثالث: أن يذكر قدره بالكيل في المكيل، والوزن في الموزون، والذرع في المذروع؛ لحديث ابن عباس في أول الباب؛ ولأنه عوض غير مشاهد ثبت في الذمة، فاشترط معرفة قدره كالثمن، فلو أسلم في المكيل وزناً، أو في الموزون كيلاً، لم يصح]. وهذا القول ليس على إطلاقه؛ لأن ابن تيمية يقول: يجوز بيع السلم إن لم يختلف المكيل عن الموزون، أي: إن اتفقا في الوزن والكيل يجوز؛ ولذلك في الاختيارات الفقهية لـ ابن تيمية: أنه يجوز خلافاً للمذهب. عموماً قال: [لأنه مبيع اشترط معرفة قدره فلم يجز بغير ما هو مقدر به كالربويات، وعنه: ما يدل على الجواز]. وهذه الرواية الراجحة التي رجحها ابن تيمية. قال: [ولا بد أن يكون المكيال معلوماً عند العامة]. يعني مثلاً: أبيعك كيلة من القمح بالسلم بعد ستة أشهر بمقدار كذا، ومواصفات القمح كذا، والمكيال الذي اتفقنا عليه معلوم عندي وعندك وهو موجود، لكن مثلاً هذا المكيال لا يوجد في مصر إلا عند بائع واحد فقط، فالمكيال غير معروف عند الناس، ولو فقد هذا المكيال لم يمكن البيع، فلا بد أن يكون المكيال معروفاً عند الناس، ولا نلجأ إلى غيره في حال عدم وجوده. قال: [ولا بد أن يكون المكيال معلوماً عند العامة، فإن قدره بإناء أو صنجة بعينها غير معلومة لم يصح؛ لأنه قد يهلك فيجهل قدره، وهذا غرر لاحتياج العقد إليه]. إذاً الشرط الثالث: أن يذكر قدره بالكيل في المكيل، وبالوزن في الموزون، بالذرع في المذروع.

يشترط في المسلم فيه أجلا معلوما له وقع في الثمن

يشترط في المسلم فيه أجلاً معلوماً له وقع في الثمن قال: [الشرط الرابع: أن يشترط أجلاً معلوماً له وقع في الثمن كالشهر ونحوه، فإن أسلم حالاً لم يصح؛ لحديث ابن عباس؛ ولأن السلم إنما جاز رخصة للرفق، ولا يحصل الرفق إلا بالأجل، فلا يصح بدونه كالكتابة]. فإن جاءك شخص وقال لك: بعني بالسلم إلى المغرب إن شاء الله لم يصح؛ لأن السلم إنما شرع لأجل الرفق بالبائع والمشتري. إذاً: الشرط الرابع: أن يشترط أجلاً معلوماً، هذا الأجل له وقع في الثمن، فإن كان بيع السلم لساعتين؛ لأن السلم شرعاً رفقاً بالبائع ورفقاً بالمشتري. قال: [ولا بد أن يكون الأجل مقدراً بزمن معلوم للخبر، فإن أسلم إلى الحصاد لم يجز]. فلو قلت لك: اشتريت منك قمحاً على أن تعطيني القمح عندما يأتي ولدي من المملكة، فهذا البيع لا يجوز؛ لأنه لا يعلم متى سيأتي ولده، هل بعد سنة أم بعد سنتين، فبيع السلم معلق بأجل غير معلوم أو يقول: إلى أن تلد هذه الشاة فعلقها بأجل مجهول، والله أعلم هل ستلد أم لا؟ إذاً: لا بد أن يكون الأجل معلوماً، وإن قال: إلى الحصاد؟ اختلف العلماء، بعضهم قال: يجوز؛ لأن الحصاد معلوم وقته، وبعضهم قال: قد تأتي على الزرع آفة قبل الحصاد، فإن الحصاد أجل مجهول.

يشترط في المسلم فيه القدرة على أن يكون عام الوجود في محله

يشترط في المسلم فيه القدرة على أن يكون عام الوجود في محله قال المؤلف رحمه الله: [الشرط الخامس: أن يكون المسلّم فيه عام الوجود في محله، مأمون الانقطاع فيه؛ لأن القدرة على التسليم شرط لا تتحقق إلا بذلك، فإن كان لا يوجد فيه لم يصح لذلك]. إن القدرة على التسليم شرط في المبيع بصفة عامة، وقوله: [أن يكون المسلّم فيه] يعني: السلعة، فلا بد أن تكون السلعة التي أسلفك موجودة، وعامة الوجود، والمكان مأمون في التسليم فيه، فلو قلت: أسلفتك أردبّاً من القمح في رام الله، وهل ستأخذني هناك في الحرب لتسلّمني في رام الله! نسأل الله أن يحررها، فأنت بذلك تجرني للهلاك، إذاً: هذا المكان غير مأمون. مثال آخر: أسلفتك كيلاً من الأرز بألف جنيه في أول شهر (8) هجرية في عرض البحر المتوسط، فأنا الآن أحدد مكاناً غير مأمون، فلا بد أن أحدد مكاناً مأموناً لأسلمك فيه السلعة. مثال آخر: أسلفتك في سلعة لا تنتج في مصر أصلاً، فهذا لا يصح؛ لأنه لا بد أن تكون السلعة عامة الوجود، أو مثلاً يسلفني في شهرٍ مخصص في الأرز، والأرز غير موجود في هذا الشهر، إذاً: هذا لا يصح.

يشترط في المسلم فيه أن يقبض البائع رأس المال في مجلس العقد

يشترط في المسلم فيه أن يقبض البائع رأس المال في مجلس العقد قال: [أن يقبض رأس مال السلم في مجلس العقد قبل تفرقهما؛ لقوله عليه السلام: (من أسلف فليسلف في كيل معلوم)، والإسلاف: التقديم، سمي سلفاً لما فيه من تقديم رأس المال، فإذا تأخر لم يكن سلماً فلم يصح؛ ولأنه يصير بيع دين بدين]. لا يجوز أن يؤخر الثمن؛ لأنه لو اشترى لأجل فإنه شراء دين بدين، كأن يقول: اشتريت منك هذا الثوب لأجل، والثوب غير موجود، إذاً: الثوب غير موجود والثمن غير موجود، فهذا شراء دين بدين، وهذا لا يجوز، وهذا موجود في التعاملات التجارية.

يشترط في المسلم فيه أن يكون في الذمة

يشترط في المسلم فيه أن يكون في الذمة قال الملف رحمه الله تعالى: [الشرط السابع: أن يسلم في الذمة فإن أسلم في عين لم يصح]. في الذمة يعني: السلعة موصوفة لكنها غير موجودة، فعلى هذا يسلف في الذمة، وهذا أيضاً محل خلاف بين العلماء، قوله: (فإن أسلم في عين)، يعني: رآها بالعين، والسلعة إذا كانت موجودة بالعين لا يجوز السلف فيها، فلا بد أن تكون موصوفة في الذمة. ولذلك قال: [لم يصح؛ لأنه ربما تلف قبل وجوب تسليمه فلم يصح، كما لو أسلم في مكيال معين غير معلوم القدر؛ ولأنه يمكن بيعه في الحال فلا حاجة إلى السلم فيه]. وهذه النقطة موضوع خلاف بين العلماء. وهذه الشروط منها ما كان ينطبق قديماً، فالعنب موجود في الصيف، فإذا كنت أسلفتك في العنب في شهر يناير، هل هذا يجوز أم لا يجوز؟ A وفقاً لهذه الشروط لا يجوز، لكن بتقدم الثلاجات وبسبب التقدم العلمي يمكن ذلك؛ لأن العنب في هذه الحالة يوجد في كل أيام السنة، لكن هذا يتكلم عن وضع قديم قبل التقدم العلمي في حفظ السلع وفي إنتاجها، فهناك سلعة تنتج في الصيف لا يجوز السلم فيها في الشتاء، أما الآن فلا فرق بين الصيف والشتاء في بعض السلع فانتبه.

حكم السلم في شيء يقبضه أجزاء متفرقة في أوقات معلومة

حكم السلم في شيء يقبضه أجزاء متفرقة في أوقات معلومة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويجوز السلم في شيء يقبضه أجزاء متفرقة في أوقات معلومة؛ لأن كل بيع جاز في أجل واحد جاز في أجلين وآجال كبيوع الأعيان]. مثال ذلك: السلم في السيارة. رجل يريد سيارة مواصفاتها معلومة وهي لا تزال غير موجودة بخمسين ألف جنيه، مواصفاتها بالتفصيل: مكينتها بثلاثة آلاف جنيه، فرشها بألفين، زجاجها بخمسمائة، بطاريتها بثلاثمائة، وهكذا أسلف في أجزاء متفرقة، وهذا يجوز؛ لأنه قال: (يجوز السلم في شيء يقبضه أجزاء متفرقة في أوقات معلومة)، فالبطارية تستلمها في الشهر الآتي، والمكينة بعدها بشهرين، و (الدركسون) بعدها بثلاثة أشهر، إذاً: أسلفت هنا في أجزاء متفرقة؛ لأن كل سلعة فيها سلم.

حكم إسلاف ثمن واحد في شيئين

حكم إسلاف ثمن واحد في شيئين قال المؤلف رحمه الله: [وإن أسلم ثمناً واحداً في شيئين لم يجز حتى يبيّن ثمن كل جنس]. مثلاً: اشترى بالسلم إردباً من القمح، واشترى بالسلم كيلاً من الذرة، وأسلم مائة جنيه في سلعتين دون تحديد قيمة كل سلعة، فهذا لا يجوز؛ لأنه لا بد أن يذكر ثمن كل سلعة على انفصال. قال: [مثل: أن يسلم ديناراً في قفيز حنطة وقفيز شعير]. قفيز: وحدة قياس كالكيلو وهكذا. قال: [ولا يبين ثمن الحنطة من الدينار ولا ثمن الشعير؛ لأن ما يقابل كل واحد من الجنسين مجهول؛ فلم يصح كما لو عقد عليه عقداً مفرداً بثمن مجهول؛ ولأن فيه غرراً لا نأمن الفسخ بتعذر أحدهما].

حكم الإسلاف في شيء والصرف إلى غيره

حكم الإسلاف في شيء والصرف إلى غيره قال المؤلف رحمه الله: [ومن أسلف في شيء لم يصرفه إلى غيره]. أي: أسلفتك في البر لا تصرفه إلى الذرة؛ لأنني اتفقت معك على السلعة، فلا تصرفني إلى سلعة أخرى. قال: [كمن أسلف في حنطة لا يجوز أن يأخذ شعيراً، ومن أسلف في عسل لا يجوز أن يأخذ زيتاً؛ لقوله عليه السلام: (من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره) رواه أبو داود]. أي: لا يجوز صرفه إلى غيره إلا إذا وافق صاحب السلعة، وهذه نقطة خلاف، فإذا جئت في الموعد المحدد وأنت أحضرت السلعة بمواصفاتها، فقلت: لا أريد هذه السلعة، بل أريد هذه، فهذا يجوز، لكن المذهب على هذا الرأي.

حكم بيع المسلم فيه قبل قبضه وحكم الحوالة به

حكم بيع المسلم فيه قبل قبضه وحكم الحوالة به قال المؤلف رحمه الله: [ولا يصح بيع المسلم فيه قبل قبضه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى عن بيع الطعام قبل قبضه، وعن ربح ما لم يضمن) رواه الترمذي وقال: صحيح، ولفظه: (لا يحل) ولأنه مبيع لم يدخل في ضمانه، فلم يجز بيعه كالطعام قبل قبضه]. قوله: (لا يصح بيع المسلم قبل قبضه) يعني: السلعة لا تباع قبل قبضها. قوله: [ولا يجوز الحوالة به]. هناك عقود تسمى: عقود الرهن والحوالة والضمان والكفالة. والفرق بين الكفالة والضمان يوضحه هذا المثال: أنا أمر في شارع فوجدت رجلين يشتبكان. قال أحدهما: عليه دين لي منذ سنة ولم يقضني إلى الآن، فقلت له: أنا ضامن له، والضامن غارم كما في سنن أبي داود، ولقد ضمنته إلى أجل كذا، فعلى الدائن أن يطالب بحقه من المدين الأصل ومن الضامن، والضامن لا بد أن يفي، فإن مات المدين الأصلي طولب الضامن بالمبلغ. وإن قلت له: متى ستسدد الدين أيها المدين؟! قال: الخميس القادم إن شاء الله، فقلت للدائن: أنا كفيله، ومعنى الكفالة: أن يأتي به يوم الخميس ببدنه والمدين يتصرف معه بما شاء، إذاً: الكفالة بالأبدان والضمان بالأموال، فإن مات قبل يوم الخميس البقاء لله؛ لأنني كفيل ولست ضامناً، فالضمان للديون، والكفالة للأبدان، والكفيل يحضر من كفل في اليوم المحدد. قال: [لا يجوز الحوالة به؛ لأنها إنما تجوز بدين مستقر، والسلم يعرض للفسخ]. الحوالة من عقود الضمان، مثال ذلك: محمد له مبلغ عند إبراهيم مقداره ألف جنيه، ولإبراهيم ألف جنيه عند علي، فإبراهيم مدين ودائن، ولا علاقة بين علي ومحمد إلى الآن. قال إبراهيم: أنا لي ألف جنيه عند علي، فيحيل محمداً إلى علي ليأخذ الألف منه. هذه هي الحوالة، وهي لا تجوز في السلم؛ لأن السلم دين غير مستقر، والحوالة لا تجوز إلا بدين مستقر.

حكم الإقالة في بيع السلم

حكم الإقالة في بيع السلم قال المؤلف رحمه الله: [وتجوز الإقالة فيه؛ لأنه فسخ، قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ]. إن إجماع ابن المنذر فيه كلام، وكذلك تصحيح الحاكم، ووضع ابن الجوزي، فـ ابن الجوزي في الموضوعات يقول: الحديث موضوع وهو في أعلى درجات الصحة أو هو حسن، والحاكم يتساهل في التصحيح، وابن المنذر يتساهل في الإجماع. قال: [يقول ابن المنذر: أجمع العلماء من أهل العلم على أن الإقالة في جميع ما أسلم فيه جائزة؛ ولأن الإقالة فسخ للعقد ورفع له من أصله فلم يكن بيعاً. وتجوز الإقالة في بعضها]. يعني: فسخ عقد السلم والإقالة فيه لا بأس، والإقالة معناها: أن أقيلك في السلعة، يعني: أن أرضى أنا وأن ترضى أنت بإنفاذ عقد السلم في جزء وعدم إنفاذه في جزء آخر، أو نفسخ عقد السلم من أصله، مثال ذلك: اشتريت سلعة من عند شخص دون أن يكون لي شرط الخيار في إرجاع السلعة فرأيتها وجربتها، فجئت إلى البائع وقلت له: خذ هذه السلعة لا أريدها، فالبائع لا يلزمه أخذها، لكن يجوز له أن يقيله فضلاً منه فيقول: أقلتك لوجه الله عز وجل، فعقد السلم تجوز فيه الإقالة، يعني: إنهاء العلاقة. قال: [وتجوز الإقالة في بعضه في إحدى الروايتين؛ لأنها مندوب إليها، وكل معروف جاز في الجميع جاز في البعض كالإبراء والإنظار، وفي الأخرى: لا يجوز]. أي: أن الإقالة في السلم في بعضه تجوز وهذا هو القول الراجح.

الأسئلة

الأسئلة

حكم السلم في الذهب

حكم السلم في الذهب Q هل يجوز السلم في الذهب؟ A السلم في الذهب لا يجوز؛ لأنه لا بد من التقابض في مجلس العقد، فلا يجوز بيع الذهب بالقسط؛ لأن هذا ثمن وهذا ثمن.

عدة المرأة التي مات عنها زوجها

عدة المرأة التي مات عنها زوجها Q كم عدة المرأة التي مات عنها زوجها قبل أن يدخل بها؟ A أربعة أشهر وعشرة أيام.

حكم شراء حلاوة للمولد

حكم شراء حلاوة للمولد Q هل يجوز شراء حلاوة للمولد؟ A حلاوة المولد من البدع، والمساعدة في البدعة لا تجوز.

حكم تزين المرأة لزوجها

حكم تزين المرأة لزوجها Q هل يجوز لي أن أضع المكياج في وجهي يوم فرحي وأنا منتقبة ولا يراني أحد غير النساء؟ A يجوز أن تتزين المرأة لزوجها في ليلة عرسها لا شيء في ذلك أبداً.

حكم مقابلة المرأة للرجل في مكان مشهور بوجود المنكرات فيه لغرض أن يراها ويخطبها

حكم مقابلة المرأة للرجل في مكان مشهور بوجود المنكرات فيه لغرض أن يراها ويخطبها Q ذهبت مع ابني لرؤية إحدى الفتيات المسلمات في بيت عائلتها من أجل تزويجه بها، ولكنها لم تعجبه، ثم تعرفنا على فتاة أخرى عن طريق ابنة أختي، ولكنه رفض رؤيتها في بيت عائلتها بحجة أنها قد لا تعجبه، وهو لا يريد أن يحرج العائلة، ولذلك ذهب مع ابنة أختي والفتاة وجلسوا في كفتيريا الميرلاند وقتاً قصيراً؛ لكي يتعرف عليها؟ A دخول الميرلاند لا يجوز يا عبد الله! من أصله، نسأل الله العافية، الحقيقة بعض الإخوة يستحلون لأنفسهم ما حرم الله، ويضيقون ويحجرون على أنفسهم، يعني: لا يجوز أن تراها في البيت ويجوز أن تراها في الميرلاند!! نسأل الله العافية، هذه أماكن لا ينبغي لمسلم أن يكون فيها، فاتق الله في نفسك ولا تستحل أموراً محرمة.

حكم دفع مبلغ إضافي على مبلغ التقسيط في حال التأخر عن الدفع

حكم دفع مبلغ إضافي على مبلغ التقسيط في حال التأخر عن الدفع Q ابني اشترى شقة بالتقسيط بمبلغ: مائتين وستين ألف جنيه على عشرين سنة، وفي حالة التأخير عن سداد الأقساط يدفع فائدة معينة من المبلغ المتأخر؟ A إن كان في حالة التأخير يدفع فائدة فهو عين الربا.

الالتزام بنظافة المسجد من شعائر الدين

الالتزام بنظافة المسجد من شعائر الدين Q في المسجد أولاد وأطفال وطعام وورق وكل شيء من الإهمال والقذارة وكلام وضحك وحكايات نساء، أستحلفك بالله إنقاذي من ذلك؟ A والله إنه لمشهد عجيب، حتى الالتزام بالنظافة لا نقدر عليه، وكأنه لا يوجد أخلاق: لا حلم، ولا شجاعة، ولا حياء ولا ولا إلى آخره، فالإسلام يدعونا إلى النظافة، فعندما يدخل المسلم المسجد يكون نظيفاً خاشعاً، وفي الطريق العام يسير بحياء وخجل، لكن بعض الناس نساء ورجالاً لا يوجد عندهم التزام بالشرع أبداً، لا في المظهر العام ولا في التعامل مع الناس ولا في الحياء إلى غير ذلك. وبعض الإخوة والأخوات يستجيرون، يقول أحدهم: عندما أسجد وأركع أقوم بعد الصلاة وفي ثوبي بقع بنِّية من الوساخة التي في الأرض، وبعض الأخوات تحضر (كشري) معها وبراد الشاي فهل هذا التزام؟! وأيضاً جاءتني شكوى مراراً أن المرأة تأتي إلى المسجد وهي تلبس لبساً ضيقاً وتقول: دعوة إلى الله! أقول: الدعوة إلى الله تحتاج إلى حكمة. ومن الأشياء العجيبة أن فنانة تائبة تتحدث في الفضائية عن توبتها وصلاح نفسها ثم تفتي! فهل من حقها الإفتاء؟! جاءني بالأمس طبيب يستغيث، أن زوجته تحضر عندها مدرِّسة تقول: المدارس الحكومية مدارس طواغيت، خذي ابنك وأقعديه في البيت، وتحية العلم طواغيت، والمدرسون طواغيت، وأصبحت الدنيا كلها طواغيت، أليس هذا تكفيراً؟ فهذه المرأة لها علاقة بالمدارس وتدرس، فيا لها من مصيبة كبيرة! أن يوسد الأمر إلى غير أهله، وهل أي شخص يظهر على الفضائية يفتي؟ هؤلاء الذين هم في الإعلام تجار يروجون للسلعة بالمشاهير، هل هو ينتج لأجل الله أو لأجل العلم أو لأجل أن يعلم الناس؟ A لا، هو يريد الترويج لقناته، يقول: ترقبوا اللقاء الكبير مع الفنانة التائبة فلانة الساعة السابعة، والناس جميعاً منتظرون، لكن لو قال: ترقبوا اللقاء مع العالم الجليل فلان لن يقعد لسماعه أحد. فهذه ظواهر مهمة في زمننا، من هذه الظواهر كثرة الزوايا في القرى والمدن، فلماذا لا تغلق الزوايا يوم الجمعة بأمر وزير الأوقاف؟ للشيخ عبد الرزاق عفيفي فتوى: أن الصلاة في المساجد غير الجامعة في حالة وجود مكان بالمسجد الجامع باطلة، وهناك أكثر من عشرة آلاف زاوية في مصر تحت عمارة، وبجوارها المسجد الجامع مفتوح، فلماذا لا نغلق الزوايا ونحدد لجنة، ويكون الخطباء على كفاءة، ولهم اختبارات علمية مدروسة؟ أم أنكم تريدون خطيباً يلبس (ترنك) وأقيموا الصلاة، استقيموا يرحمكم الله، وهو لا يعرف شيئاً، وليس مؤهلاً علمياً. 80% من مساجد الجمهورية ليس لها خطباء، الأوقاف لا تغطي إلا 20% فقط من المساجد بالخطباء، و 10% من هؤلاء الخطباء المعينين ليس له شأن في الدعوة، إنما يستلم مرتباً آخر كل شهر. وعندما يترك الخطيب مكانه يصعد أي شخص ويخطب. كنت أصلي مرة في (المقطم) فرأيت رجلاً يلبس بنطلوناً يصلي بالناس ويقرأ: تبت إيد أبو لهب وتب!! وهكذا وسد الأمر إلى غير أهله. وهناك بعض من ينتسب إلى العلم يسيئون إلى العلم وأهله، يظهر في قناة فتقول المستضيفة: ونحن الآن في برنامجنا نستضيف الأستاذ الدكتور العالم الجليل فلان بن فلان، وهي كاشفة عن صدرها وتلبس بنطلوناً، فيقول لها: مرحباً يا ابنتي. تقول: ما الذي أحضرك إلى هنا أيها العالم؟! متبرجة عاهرة تستضيفك بهذه الطريقة؟ ألا تعلم أن الناس سيقولون: لباسها حلال، ولو كان حراماً لما حضر هذا العالم، فالفضائيات لها بريق، فهو يريد أن يظهر على الشاشة بأي ثمن؛ لأنه سيقبض ستة آلاف دولار للحلقة الواحدة، فهذه ظواهر كلها ليس لها أصل ولن تدوم طويلاً. قبل حوالي أربع سنوات ظهر فنان، وأظهر أغنية في السوق تقول: (لولاكِ) وكل الشعب كان يقول: (لولاكِ)، والآن لا أحد يحس به؛ لأنه ليس له قدم راسخة في العلم. فنصيحة لإخواني وطلبة العلم والملتزمات أن نبدأ في طلب العلم كحال السلف، وأن نحفظ المتون وندرس على أيدي شيوخ، وأن ندرس الكتب من مراجعها، ولا تكن وظيفة الواحد منا التهييج والإثارة حتى ينفض الناس. رحم الله الشيخ كشك، لقد أثر تأثيراً بالغاً لكنه لم يخرج أحداً من طلبة العلم ليؤدوا الرسالة بدلاً عنه، فالأصل أن نخرج طلبة علم؛ ليحملوا الرسالة، فإن كف هذا الصوت أصبحت هناك أصوات، فالتبليغ بإثارة الجماهير فقط تأثير مؤقت. أيضاً بعض قراء القرآن إذا وصل إلى الآية التي تهيج المسجد يبقى عليها، فيقول: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا} [النبأ:21] ولا يبرحها، فهذا الأمر ليس فيه الخشوع ولا التقوى ولا الورع إطلاقاً. مسائل مهمة جداً يا إخواني! أنا لا أريد أحداً بذاته، وإنما أريد النصيحة لله، من ثبت نبت، فاثبتوا على طلب العلم الشرعي، وإياكم والظواهر الخادعة. اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا. آمين آمين آمين. وآخر دعوانا: أن الحمد لله رب العالمين.

العدة شرح العمدة [62]

العدة شرح العمدة [62] القرض من الأمور التي فيها رفق بالناس، وعلى ذلك فلا يجوز فيه أن يشترط المقرض على المقترض منفعة كأن يسكنه داره، أو يقضيه خيراً منه، أو أن يبيعه أو يشتري منه، أو يؤجره أو يستأجر منه، أو يهدي إليه، أو يعمل له عملاً ونحو ذلك.

أحكام القرض

أحكام القرض

إجماع المسلمين على جواز القروض واستحبابه

إجماع المسلمين على جواز القروض واستحبابه الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد. فلا زلنا مع كتاب: (العدة شرح العمدة)، باب: (القروض وغيره). قال: [أجمع المسلمون على جوازه واستحبابه للمقرض]، أي: أن المسلمين قد أجمعوا على جواز القرض وعلى استحبابه للمقرض. قال: [وهو من المرافق المندوب إليها، وروى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من مسلم يقرض قرضاً مرتين إلا كان كصدقة مرة) رواه ابن ماجه، وعن أبي رافع: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكراً؛ فقدمت إبل الصدقة فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره، فرجع إليه أبو رافع فقال: لم أجد فيها إلا خياراً رباعياً، فقال: أعطوه، فإن خير الناس أحسنهم قضاء)]. في هذا الحديث دلالة على أنه يجوز للمقترض أن يرد للمقرض أكثر مما استقرض منه، بشرط أن لا يكون المقرض قد اشترط ذلك، فلو أن رجلاً استلف من آخر (10000) ريال لموعد محدد، ولم يشترط عليه أي زيادة، فجاء وقت السداد وأعطاه المبلغ مع الزيادة، جاز ذلك، وإن اشترط عليه الزيادة فذلك ربا لا يجوز؛ للحديث السابق.

وجوب رد المثل على من اقترض شيئا

وجوب رد المثل على من اقترض شيئاً قال: [ومن اقترض شيئاً فعليه رد مثله، فيجب رد المثل في المكيل والموزون؛ لأنه يجب مثله في الإتلاف ففي القرض أولى]. والمعنى: إذا اقترض رجل من آخر إردباً من الأرز مثلاً لزمه رد المثل، وإن أتلف لرجل شيئاً معيناً فعليه أن يلتزم بمثله. قال: [فإن أعوزه المثل -أي: أعجزه- فعليه قيمته حين أعوزه؛ لأنها حينئذ ثبتت في الذمة، وفي الجواهر ونحوها ترد القيمة؛ لأنها من ذوات القيمة؛ وفي ما سوى ذلك وجهان: أحدهما: ترد القيمة؛ لأن ما أوجب المثل في المثلي أوجب قيمته في غير كالإتلاف. والثاني: يرد المثل]؛ لحديث أبي رافع السابق، وفيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم اقترض ناقة بكراً من رجل، فلما جاءت إبل الصدقة أمر أن يقضي الرجل بكره)، بخلاف الإتلاف فإنه عدوان.

جواز رد القرض بأفضل منه

جواز رد القرض بأفضل منه قال: [ويجوز أن يرد خيراً منها، يعني: خيراً مما أخذ لخبر أبي رافع]. أي: أنه يجوز أن يرد خيراً مما أخذ، فإذا اقترض من رجل -مثلاً- تمراً رديئاً جاز رده جيداً، وهذا في التعامل الربوي لا يجوز.

جواز اقتراض التفاريق وردها جملة إذا لم يشترط المقرض

جواز اقتراض التفاريق وردها جملة إذا لم يشترط المقرض قال: [ويجوز أن يقترض تفاريق ويرد جملة إذا لم يشترط]. أي: إذا أخذ رجل من آخر (1000) جنيه قرضاً على دفعات متفرقة، كأن أعطاه 200 ثم 200 ثم 300 ثم 200 وهكذا، وشرط القرض على المستقرض أن يرده دفعة واحدة فلا يجوز ذلك، إنما لو أقرض ولم يشترط جاز؛ لأنه لا يأتي بأي نفع للمقرض، ولذلك يقول: [لأنه إذا اقترض متفرقاً صار عليه جملة، فإذا رد جملة فقد أدى ما عليه من غير زيادة ولا نقصان، ويصير كما لو اقترض جملة ورده بالتفاريق فإنه يجوز لذلك، ولا يجوز ذلك بشرط؛ لأن فيه نفعاً للمقرض].

حكم تأجيل المقترض الدين إذا حان أجله

حكم تأجيل المقترض الدينَ إذا حان أجله قال: [وإن أجله لم يتأجل؛ لأنه يثبت في الذمة حالاً، والتأجيل في الحال عدة وتبرع فلا يلزمه كتأجيل العارية]. أي: إن جاء موعد سداد الدين وأراد المقترض أن يؤجل السداد فلا يجوز له؛ لأن الله تعالى يقول: {إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [البقرة:282]، فالذي يؤجل سداد الدين هو المقرض من باب الفضل والإحسان، لكن لا يجوز للمدين أن يؤجل؛ لأنه ليس له الحق في ذلك.

النهي عن قرض جر منفعة للمقرض

النهي عن قرض جر منفعة للمقرض قال: [ولا يجوز شرط شيء ينتفع به المقرض نحو أن يسكنه داره، أو يقضيه خيراً منه، أو أن يبيعه، أو يشتري منه، أو يؤجره، أو يستأجر منه، أو يهدي إليه، أو يعمل له عملاً ونحو ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى عن بيع وسلف)]. أي: إن اشترط المقرض على المقترض شيئاً ما، كأن يسكنه داره، أو يشتري منه، أو يؤجره، أو يستأجر منه، فلا يجوز ذلك؛ لأن أي قرض جر منفعة فهو ربا، ولذلك قال المصنف: [وعن أبي بن كعب وابن مسعود وابن عباس: أنهم نهوا عن قرض جر منفعة، ولأنه عقد إرفاق وشرط ذلك فيه يخرجه عن موضوعه].

جواز القرض بشرط الرهن أو الكفيل

جواز القرض بشرط الرهن أو الكفيل ثم قال: [إلا أن يشترط رهناً أو كفيلاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رهن درعه على شعير أخذه لأهله]. أي: إلا إذا اشترط الدائن على المدين أن يرهن شيئاً عنده، كأن يقترض أحدهم (1000) جنيه من آخر، وطلب هذا الآخر رهناً بقيمة الدين، جاز ذلك، أو طلب كفيلاً يضمن على الإتيان به في الوقت المحدد، والفرق بين الكفيل والضامن: أن الكفيل يضمن البدن، والضامن يضمن الدين.

النهي للمقرض عن قبول هدية المقترض إلا أن يكون بينهما عادة

النهي للمقرض عن قبول هدية المقترض إلا أن يكون بينهما عادة قال: [ولا يقبل هدية المقترض إلا أن يكون بينهما عادة بها قبل القرض]. بمعنى: أن المقترض إذا أعطى المقرض هدية فلا يقبلها، طالما أنه ليس بينهما عادة، إنما لو كانت بينهما عادة فيقبلها، أي: كأن اعتاد فلان على أن يعطي فلاناً هدية في كل عيد فطر، ثم احتاج قرضاً فأخذ منه، وفي يوم العيد أعطاه هدية، فإن ذلك لا يضر طالما أنها عادة، لكن لو أنه اشترط عليه ذلك فهذا لا يجوز؛ لأن رد القرض بمنفعة لا يجوز. يقول: [لما روى ابن ماجة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أقرض أحدكم قرضاً فأهدى إليه أو حمله على الدابة فلا يركبها ولا يقبله إلا أن يكون قد جرى بينه وبينه قبل ذلك)]. وخلاصة الكلام: أنه لا يجوز أن يجر القرض نفعاً إلا أن يكون عن طيب نفس من صاحبه، عند ذلك يجوز أن يؤدى القرض وزيادة طالما أنه لم يشترط، وعليه فالعبرة بالاشتراط من عدمه.

العدة شرح العمدة [63]

العدة شرح العمدة [63] من أحكام الدين المؤجل ألا يطالب به الدائن قبل أجله، وإذا مات المدين قبل حلول الأجل لم يلزم ورثته بأدائه قبل الأجل، وإذا كان المدين معسراً وجب إنظاره، وإن كان موسراً تباع ممتلكاته ويوفى دينه، والمفلس ينفق عليه من ماله زمن الحجر إن لم يكن له كسب، ويدخل في نفقته من تجب نفقتهم عليه.

باب أحكام الدين

باب أحكام الدين

عدم جواز المطالبة بالدين قبل حلول أجله

عدم جواز المطالبة بالدين قبل حلول أجله قال المصنف: [باب أحكام الدين. من لزمه دين مؤجل]. يقول شخص: أنا لي عندك (10000) أستحقها في شهر 12/ 2005م فإذا كنت أحتاج المال فجئتك وقلت: أنا أحتاج المبلغ قبل موعده، وأنا أضع لك من المبلغ (3000)، أي: أعطني الآن (7000) هل يجوز هذا؟ بنص حديث البخاري يجوز، إذ إن كعب بن مالك كان له دين على أحد الصحابة لعله يسمى أبو حدرد فطلب كعب بن مالك الدين من الرجل في المسجد فعلت أصواتهما، فكشف النبي صلى الله عليه وسلم الغطاء من حجرته وخرج إليهما، فقال: ما الأمر يا كعب؟ فقال: عنده دين يماطل في السداد، قال: يا كعب ضع الشطر، أي: اترك النصف، فوضع كعب الشطر، بإرادته، لأنه مكروب ويحتاج إلى مبلغ في ذلك الوقت. لكن أن يستغل المقترض حاجة المقرض ويقول له: ضع كذا من المال وأنا أعطيك الباقي الآن، فهذا لا يجوز، لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقضه الآن، طالما أنه قد وضع عنك الشطر، ولا يستطيع أن يقول المقترض عند ذلك: أعطني مهلة. وقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ كعب بن مالك كان على سبيل الندب والاستحباب لا على سبيل الوجوب والإلزام، لكن إن كان الدائن يحتاج إلى مبلغ من المال فقال للمدين: أعطني المبلغ قبل أوانه، فهنا نقول: ليس للدائن أن يطالب بحقه قبل الموعد؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [البقرة:282]، ولذلك قال المصنف رحمه الله تعالى: [من لزمه دين مؤجل لم يطالب به قبل أجله]، كأن يقترض رجل من آخر مبلغ (1000) جنيه، على أن السداد يكون في 1/ 12، فهل له أن يطالبه في شهر 5؟ لا؛ لأن من لزمه دين مؤجل لم يطالب به قبل أجله. قال: [لأنه لا يلزمه أداؤه قبل أجله، ولم يحجر عليه من أجله؛ لأنه لا يستحق المطالبة به قبل أجله فلم يملك منعه من ماله بسببه]. والحجر هو: المنع من التصرف بالمال، فلو أن رجلاً مديناً لآخر بمائة ألف من الجنيهات يستحقها في 1/ 1/2005م، وكل ما يملكه الآن هو خمسة آلاف، فهل نستطيع أن نحجر عليه؟ لا، لأن وقت الدين لم يحن بعد. قال: [ولم يحل تفليسه؛ لأن الأجل حق له فلا يسقط بفلسه كسائر حقوقه]. إي: إذا حان أجل تسديد الدين للمقرض أو الدائن المطالبة عند ذلك، أما قبل ذلك فلا يجوز له أن يشهر إفلاس المقترض.

عدم حلول الدين بموت المدين إذا وثقه الورثة

عدم حلول الدين بموت المدين إذا وثقه الورثة قال: [ولا يحل بموته إذا وثقه الورثة]. بمعنى: لو أن رجلاً مات وعليه دين، ولم يأت موعد التسديد بعد، فإنه لا يحل أجل الدين بموت المدين إذا وثقه الورثة، أي: إذا اعترفوا بالدين وأقروا به، وعليه فكون الورثة قد وثقوه، إذاً لا تركة إلا بعد سداد الدين، ويؤجل توزيع التركة إلى قضاء الدين، ويظل المدين في قبره مرهوناً بهذا الدين، وعليه فالأولى القضاء، وإن لم يوثق الورثة دين مورثهم حل الدين. قال: [اختاره الخرقي؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من ترك حقاً فلورثته)، والتأجيل حق له فينتقل إلى ورثته، ولأنه لا يحل به ماله فلا يحل به ما عليه كالجنون]. أي: إذا مات المدين وحقه أن يقضي في الوقت الفلاني، فإن هذا الحق ينتقل إلى الورثة؛ لأنه حق. قال: [وعنه أنه يحل -يعني: يحل الأجل بالموت- لأن بقاءه ضرر على الميت لبقاء ذمته مرتهنة به، وعلى الوارث ضرر أيضاً لمنعه التصرف في التركة، وعلى الغريم بتأخير حقه وربما تلفت التركة، وعلى الروايتين يتعلق الحق بالتركة كتعلق الأرش بالجاني، ويمنع الوارث التصرف فيها إلا برضا الغريم أو يوثق الحق بضمين مليء أو رهن يفي بالحق إن كان مؤجلاً فإنهم قد لا يكونوا أملياء فيؤدي تصرفهم إلى فوات الحق، وإن تلفت التركة قبل التصرف فيها والتوثيق منها سقط الحق كما لو تلف الجاني]. بمعنى: لو أن رجلاً عليه دين (5000) جنيه لرجل آخر، ثم مات المدين والدين يستحقه الآخر بعد ستة أشهر من موت المدين، فهل يحل سداد هذا الدين بمجرد موت المدين أم لا؟ روايتان عن أحمد: الرواية الأولى: أنه لا يحل إذا وثقه الورثة، والثانية: أنه يحل بموته، وهذا هو الراجح؛ لأن تأخير سداد الدين فيه ضرر على الميت؛ لكونه سيسأل عنه في قبره، وضرر على الدائن، لتأخير حقه، وربما تلفت التركة، وضرر على الورثة، لأنهم سيمنعون من التصرف في التركة حتى يقضى الدين، ولذا فالواجب على الورثة أن يقضوا الدين قبل أن يوزعوا التركة إلا في حالة واحدة، وهي: إذا تقدم ضامن مليء وقال: الدين علي إن لم يقضوا، فهنا الضامن غارم كما في حديث أبي داود: (الضامن غارم).

للغريم أن يمنع المدين من السفر أو الغزو تطوعا إلا أن يوثق الدين

للغريم أن يمنع المدين من السفر أو الغزو تطوعاً إلا أن يوثق الدين قال: [فإن أراد سفراً يحل الدين قبل مدته، أو الغزو تطوعاً فلغريمه منعه إلا أن يوثقه]. بمعنى: لو أن رجلاً عليه دين يستحقه الآخر في الوقت الفلاني، وأراد المدين أن يسافر سفراً بعيداً، بحيث أن موعد سداد الدين سيأتي وهو مسافر، عند ذلك يحل الدين قبل مدته، وللدائن المطالبة بحقه قبل سفر المدين، لكن إن سافر المدين وسيعود في موعد السداد للدين، فلا يستطيع الدائن أن يمنعه من السفر؛ لأنه سيكون موجوداً وقت سداد الدين. قوله: [أو الغزو تطوعاً فلغريمه منعه إلا أن يوثقه]، أي: إلا أن يضمن الدين أحد الضامنين، فهنا يكون قد وثق الدين، ولذلك الضمان والحوالة والكفالة والرهن نسميها عقود التوثيق، واختار هنا المصنف: (الغزو تطوعاً)؛ لأن الغزو إذا كان فرض عين فلا يحق له أن يمنعه؛ لأنه سيمنعه عن فرض في هذه الحالة، وإنما الواجب عليه أن يذهب ويترك وصية بدينه في موعده، بل فأي أحد عليه دين يلزمه أن يترك وصية عند رأسه بذلك؛ لأن هذه حقوق يجب أن يؤديها. قال: [برهن أو كفيل مليء لأنه ليس له تأخير الحق عن محله، وفي السفر تأخيره عن محله، وإن كان لا يحل قبله ففي منعه روايتان: إحداهما: له منعه، لأن قدومه عند المحل غير متيقن ولا ظاهر، فملك منعه منه كالأول، والأخرى: ليس له أن يمنع؛ لأنه لا يملك المطالبة به في الحال، ولا يعلم أن السفر مانع منه عند الحلول فأشبه السفر القصير]. بمعنى: إذا كان لفلان على آخر دين وسيستحقه بعد سنتين، وأراد المدين أن يسافر إلى السعودية لستة أشهر، إذاً فالدين سيحل بعد السفر، فهل يحق له أن يمنعه من السفر أم لا؟ روايتان عن أحمد: الرواية الأولى: أنه يحق له؛ لأن المسافر لا يدري متى يرجع؟ وقد يموت هناك، أو أنه بعد أن ذهب رأى أن يجدد المدة، فمنعته السلطات أن يعود في الموعد المحدد، وهذا كله وارد. الرواية الثانية: ليس له أن يمنعه؛ لأن الموعد سيأتي في الحال. والراجح: المنع؛ لأن المسافر لا يملك العودة، ولا يعرف متى سيعود؟ حتى وإن حدد الموعد فموعده في علم الله سبحانه وتعالى، أما أنه لو وثق بضامن أو كفيل فهذه مسألة أخرى.

وجوب إنظار المعسر

وجوب إنظار المعسر قال: [وإن كان الدين حالاً على معسر وجب إنظاره]. أي: لو أن لفلان على فلان (5000) في شهر 6، ثم جاء شهر 6 فقال: إنه معسر، فالواجب أن يمهل الدائن المدين؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280]، وليس الإمهال معناه: أن يكون مليئاً ويقول: أنا معسر، ولابد أن تكون المهلة دون زيادة في المبلغ، وإلا فذلك هو عين الربا. قال: [يعني: ولا يحبس؛ لأن مفهوم قوله صلى الله عليه وسلم: (لي الواجد -مماطلة المليء- يحل عقوبته)]، أي: مماطلة الغني ظلم، [أما غير الواجد فلا تحل عقوبته، ولأن حبسه لا يفيد صاحب الدين، وإنما هو محض ضرر في حق المدين، وقد قال عليه السلام: (لا ضرر ولا ضرار)]. أي: أنه إن جاء الأجل المحدد لسداد الدين والمدين معسر، فما الذي يستفيده الدائن من حبس المدين؟ لاشك أن ذلك ضرر محض في حق المدين. وهنا مسألة فقهية وهي: أن وزارة الداخلية بفتوى الشيخ فريد واصل سمحت للمساجين بأن يعاشروا زوجاتهم في السجن، فهل يجوز هذا أم لا؟ هذه مسألة يجري فيها البحث، أي: أن المعتقل تذهب إليه زوجته فيعاشرها معاشرة الأزواج داخل السجن في مكان مخصص، والسجن هو عليه لا على زوجته، وبالتالي فما ذنب الزوجة أن تعيش سنوات بدون زوج؟ إن هذا يعرضها للفتنة، لكن فتوى الشيخ فريد واصل قد أخذت بها وزارة الداخلية الآن.

حكم ادعاء المدين الإعسار وإقسامه على ذلك

حكم ادعاء المدين الإعسار وإقسامه على ذلك قال: [وإن ادعى الإعسار حلف وخلى سبيله]. أي: أنه إن شك الدائن في عسر المدين من عدمه، فله أن يحلفه ثم يخلي سبيله. قال: [لأن الأصل الإعسار إلا أن يعرف له مال قبل ذلك فلا يُقبل قوله إلا ببينة]، أي: أن الأصل في حق المدين الإعسار، إلا أن يعرف له مال قبل ذلك، ففي هذه الحالة لا يقبل قوله بالإعسار إلا ببينة، وأن المال الذي في حوزته -مثلاً- ليس ملكاً له. قال: [لأن الأصل بقاء المال، ويُحبس حتى يقيم البينة على نفاد ماله وإعساره، وعليه اليمين مع البينة أنه معسر؛ لأنه صار بهذه البينة كمن لم يُعرف له مال].

حبس المدين الموسر وبيع ممتلكاته حتى يوفي بدينه

حبس المدين الموسر وبيع ممتلكاته حتى يوفي بدينه قال: [وإن كان موسراً لزمه وفاؤه، لقوله عليه الصلاة والسلام في البخاري: (مطل الغني ظلم)]، أي: إذا كان لفلان على فلان (1000) جنيه، وأخذ المدين يماطل وهو غني، فهذا ظلم. قال: [فإن أبى حُبس حتى يوفيه]، أي: إن أبى المدين أن يوفي بالدين فإنه يُحبس حتى يوفي بدينه، فإن وفى خرج. قال: [لقوله عليه الصلاة والسلام: (لي الواجد يحل عقوبته وعرضه) من المسند، فإن أصر]، أي: على عدم السداد وهو موسر، فللحاكم أن يبيع عقاراته أو ممتلكاته ويقضي دينه، ولذلك قال المصنف: [فإن أصر باع الحاكم ما له وقضى دينه؛ لما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: ألا إن أسيفع جهينة] رجل كان يعمل أجيراً، [رضي من دينه أن يقال: سبق الحاج، فادان مغرماً، فمن له مال فليحضر، فإنا بائعوا ماله وقاسموه بين غرمائه]. لكن إن باع الحاكم ماله فلا يبيعه كله، وإنما يبيع ما يفي بالدين فقط، وألا يبيعها بثمن بخس، بل بثمن المثل، ثم بعد ذلك يترك الرجل.

الحجر على المدين إن كان ماله لا يفي بدينه وسأل ذلك الغرماء

الحجر على المدين إن كان ماله لا يفي بدينه وسأل ذلك الغرماء قال: [وإن كان ماله لا يفي بدينه كله فسأل غرماؤه الحجر عليه لزمه إجابتهم]. أي: إن كان ماله لا يفي بالدين، كأن يكون مديناً بخمسين ألف جنيه، وكل ممتلكاته تساوي فقط عشرة آلاف جنيه، وطلب الغرماء الدائنون الحجر عليه، فلولي الأمر أن يحجر عليه. قال: [لما روى كعب بن مالك: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ وباع ماله) رواه الخلال، ولأن فيه دفعاً للضرر عن الغرماء فلزم ذلك لقضائهم].

عدم جواز تصرف المدين وقبول إقراره في ماله بعد الحجر

عدم جواز تصرف المدين وقبول إقراره في ماله بعد الحجر قال: [وإذا حجر عليه لم يجز تصرفه في ماله، لا بيع ولا هبة ولا وقف ولا غير ذلك؛ لأنه حجر ثبت بالحكم فمنع تصرفه كالحجر للسفه]. قال: [ولا يقبل إقراره على ماله لذلك]، أي: طالما أنه محجور عليه فلا نأخذ منه كلاماً بالنسبة لماله، وإنما نحن الذين نتتبع المال، فنبيع ونحصر الممتلكات.

تولي الحاكم بيع مال المدين وقسمته بين الغرماء

تولي الحاكم بيع مال المدين وقسمته بين الغرماء قال: [ويتولى الحاكم قضاء دينه، فيبيع ما يمكن بيعه، ويقسّم بين غرمائه؛ لأن ذلك هو المقصود بالحجر]. الغرماء في المحاسبة نسميها: قسمة الغرماء، ومعناها أن هذا الأخ وهذا وهذا، لهم عشرة آلاف جنيه عند رجل كل ماله خمسة آلاف، إذاً نشاركهم في الخمسة آلاف نوزعها بينهم على حسب نسب دينهم، فكل يأخذ بقدر ماله، وتسمى قسمة الغرماء.

البدء بالأخذ من مال المدين لمن له أرش جناية عليه

البدء بالأخذ من مال المدين لمن له أرش جناية عليه قال: [ويبدأ بمن له أرش جناية]، أي: دية، فمثلاً: لو أن رجلاً مديناً فقأ عين رجل آخر، فهنا لا بد أن نبدأ بالديات في الحقوق، ثم الديون بعد ذلك. قال: [من رقيقه فيدفع إلى المجني عليه أقل الأمرين من ثمنه أو أرش جنايته، وما فضل رد إلى الغرماء]. بمعنى: لو أن رجلاً مديناً وعنده عبد جنى عليه، كأن جدع أنفه، أو أسقط له ضرساً، ثم قُدّر هذا الضرس مثلاً في الفقه بخمسين ألف جنيه، فإن وضع في السجن وكان موسراً، ثم بيعت ممتلكاته، وكان ثمن العبد -مثلاً- عشرين ألفاً، فإننا نعطيه أقل الأمرين: إما سعره، أو أرش الجناية، ولا نعطيه أكثر من سعره. قال: [ثم بمن له رهن فيدفع إليه أقل الأمرين من دينه أو ثمن رهنه]. بمعنى: لو أن هناك رجلاً دائناً، والمدين موسر، ومع الدائن رهن، والرهن بألف جنيه وله ألفا جنيه، فنعطيه ألف جنيه وهو أقل الأمرين: ماله أو قيمة الرهن، فأنا الآن بعت الممتلكات وأوفي الديون أنا ولي الأمر لموسر في السجن، فأقول: نفترض أن هذا الرهن بألفي جنيه، وأنا عليّ ألف، فنعطي ولي الأمر الألف وهو الأقل، إذاً: يعطيه إما قيمة الرهن وإما قيمة الدين أيهما أقل؛ لأن هذه قسمة غرماء فلا يجوز أن أُعطى أكثر من حقي. قال: [لأن ذلك مقدم على حق الغرماء]، يعني: أن الرهن مقدم على حق الغرماء، [لأن حقه تعين في الرهن، وإن بقي منه بقية ردها إلى الغرماء، وله أسوة الغرماء في بقية دينه، يعني: صاحب الرهن، وإن لم يف ثمن الرهن بدينه شارك الغرماء في بقية دينه]، أي: أن الذي له رهن يأخذ القيمة الأقل، والباقي هو شريك مع الغرماء، كأن يأخذ ألف جنيه من قيمة الرهن، وهو شريك مع الغرماء في الألف الجنيه الأخرى، وذلك إن كانت قيمة الرهن أقل من قيمة الدين.

حكم من وجد متاعه بعينه عند إنسان قد أفلس

حكم من وجد متاعه بعينه عند إنسان قد أفلس قال رحمه الله تعالى: [ثم من وجد متاعه الذي باعه بعينه فهو أحق به]. والمعنى: لو أن رجلاً مديناً لك ولغيرك بمبلغ من المال ثم أفلس، فللحاكم -إذا ماطل الرجل في السداد- أن يحبسه ويبيع ممتلكاته، ثم يوفي الديون بقسمة الغرماء وحسب سعر الممتلكات. ثم هب أن رجلاً أعطى آخر حقيبة بألف جنيه، والحقيبة هذه لا تزال عنده كما هي، إذاً فهو صاحب الحق، فإذا أراد الحاكم أن يبيع ممتلكات هذا المفلس فللرجل أن يسترد حقيبته هذه، ولذا قال المصنف: [من وجد متاعه الذي باعه بعينه فهو أحق به]، أي: أنه يسترد متاعه الذي عند المفلس، لأنه أحق به. لكن؛ متى يسترد الدائن المتاع؟ أي: متى يسترد الدائن السلعة التي باعها للمدين، مع العلم أنها لا زالت عنده كما هي لم تتغير، وهو قد أفلس؟ A قال المصنف رحمه الله تعالى: [لما روى أبو هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من وجد متاعه بعينه عند إنسان قد أفلس فهو أحق به)، متفق عليه، ولا يكون أحق به إلا بشروط: أحدها: أن تكون بحالها سالمة لم يتلف بعضها، فإن تلف بعضها أو باعه المفلس أو وهبه أو وقفه فله أسوة الغرماء، لقوله عليه السلام: (من أدرك متاعه بعينه فهو أحق به)، والذي تلف بعضه لم يوجد بعينه]، أي: أن يوجد المتاع كما هو بعينه لم يتصرف فيه المدين، كأن وقفه أو وهبه أو باع بعضه أو قطع بعضه أو أتلف بعضه أو استخدم بعضه، فلابد أن يوجد المتاع كما هو لم يتصرف فيه بأي تصرف على الإطلاق. قال: [الشرط الثاني: أن لا يزيد زيادة متصلة -هذه مسألة خلافية- كالسِّمن، والكبر، وتعلم صنعة، فإن وجد ذلك منع الرجوع؛ لأنه فسخ بسبب حادث فمنعته الزيادة المتصلة كالرجوع في الصداق للطلاق قبل الدخول]، أي: لو أن رجلاً أعطى آخر خروفاً بتسعمائة جنيه بالآجل، ثم أفلس هذا المشتري أو المدين والخروف لازال عنده، لكنه قد أعلف هذا الخروف حتى كبر وسمن، فما حكم رد المتاع في هذه الحالة؟ فيه روايتان عن الإمام أحمد: الرواية الأولى: الرد، والفرق للمفلس، أي: أن الخروف يوم أن اشتراه كان بتسعمائة جنيه، والآن سعره 1500 جنيه، فيرد المتاع (الخروف) مع ستمائة جنيه للمفلس؛ لأن هذه الزيادة من حقه، والخراج بالضمان، والمشتري ضامن للسلعة بالثمن الذي اشتراها به، وهذا في حال الزيادة المتصلة، وأما الزيادة المنفصلة فلا مشكلة فيها، كأن ينتج عن هذا الخروف خروفاً آخر، وإنما المشكلة هي الزيادة المتصلة؛ لأنها ترتبط بذات المتاع، كأن يعطيه رجل آخر عبداً أمياً لا يجيد القراءة ولا الكتابة، ثم تعلم عند هذا المفلس القراءة فحينما يسترد هذا الدائن متاعه يسترده والفرق للمفلس، وهذه هي الرواية الأولى عن أحمد والرواية الثانية: عدم الرد في حالة الزيادة المتصلة. قال: [وعنه: أن الزيادة لا تمنع الرجوع للخبر؛ ولأنه فسخ فلم تمنعه الزيادة كالرد بالعيب، فأما الزيادة المتصلة فلا تمنع الرجوع؛ لأنه يملك الرجوع في العين دونها، والزيادة للمفلس في ظاهر المذهب]. قال: [الشرط الثالث: أن لا يكون البائع أخذ من ثمنها شيئاً، فإن قبض بعضه فلا رجوع له؛ لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أيما رجل باع سلعته فأدرك سلعته بعينها عند رجل قد أفلس ولم يكن قد قبض من ثمنها شيئاً فهي له، وإن كان قد قبض من ثمنها شيئاً فهو أسوة الغرماء)]، أي: إن قبض الدائن أو البائع بعض الثمن فلا حق له في استرداد متاعه عند بيع الحاكم لمال المفلس، كأن يأخذ مقدماً مائتين من الجنيهات عند بيعه للمتاع، والباقي في وقت آخر، فلا يجوز له أن يسترد عين المتاع، وإنما يسترد القيمة أسوة الغرماء. قال: [الشرط الرابع: أن لا يتعلق بها حق غير حق المفلس، فإن خرجت عن ملكه ببيع أو غيره لم يرجع؛ لأنه تعلق به حق غيره أشبه ما لو أعتقها]، أي: أن لا يتعلق بها حق غير حق المفلس، بمعنى: بعد أن انتقلت ملكية السلعة إلى المدين تصرف فيها، مثلاً: شارك فيها، أو قال لآخر: الحقيبة هذه ملكي اشتريتها بالأجل هل تأخذ نصفها؟ فاشترى نصفها، فأصبحت الآن الحقيبة فيها شركاء متشاكسون، أو وهبها أي شخص آخر، أو أوقفها أو تصرف فيها أي تصرف يترتب عليه حقوق أخرى، هذه الحقوق الأخرى لا يجوز معها رد هذه الحقيبة بعد ذلك. قال: [الشرط الخامس: أن يكون المفلس حياً، فإن مات فله أسوة الغرماء، رواه أبو داود، ولأن الملك انتقل عن المفلس فأشبه ما لو باعه]، أي: إن المفلس صاحب الدين يشترك مع الغرماء في توزيع الدين، وليس له حق رد المتاع.

قسمة المال الباقي بين الغرماء على قدر ديونهم

قسمة المال الباقي بين الغرماء على قدر ديونهم قال: [ويقسم الباقي بين الغرماء]، أي: يقسم الباقي بين الغرماء (الدائنون) قسمة غرماء، فلو أن رجلاً اسمه (زيد) استدان من عمرو (25. 000)، ومن علي (10. 000)، ومن بكر (15. 000)، ومن خالد (50. 000) فيكون مجموع ما على زيد لهؤلاء الدائنين (100. 000)، فأفلس زيد وباع الحاكم ماله فبلغ (50. 000)، فيعطي خالداً النصف، أي: (25. 000)، ويعطي عمراً نصف الباقي، أي (12. 500)، ويعطي بكراً (7. 500)، ويعطى علياً الباقي، أي (5. 000)، وهذه تسمى قسمة غرماء، بحيث ننظر كم نسبة المبلغ الأصلي من نسبة المال الذي باعه الحاكم ثم نضربه في ما لكل واحد من الدائنين.

النفقة على المفلس ومن تلزمه نفقته حتى يفرغ من تقسيم ماله

النفقة على المفلس ومن تلزمه نفقته حتى يفرغ من تقسيم ماله قال: [وينفق على المفلس وعلى من تلزمه مؤنته من ماله إلى أن يفرغ من القسمة]، أي: لو أن ولي الأمر جاء إلى رجل مفلس وباع ممتلكاته -ومعلوم أن بيع الممتلكات لن يتم بين عشية وضحاها، وإنما سيتم في زمن لا بأس به، والمفلس هذا له زوجة وأولاد يحتاج إلى من ينفق عليهم- فينفق عليه ولي الأمر وعلى من تلزمه مؤنته من ماله إلى أن يفرغ من القسمة. قال: [وذلك أنه إذا حجر عليه]، والحجر هو: منع التصرف في الملك؛ لأنه ربما قد يكون سفيهاً أو مديوناً للآخرين. ثم قال: [فإن كان ذا كسب يفي بنفقته ونفقة من تلزمه نفقته فنفقته في كسبه]، والمعنى: هب أن هذا الرجل المديون المفلس يعمل بأجر يومي أربعين جنيهاً، إذاً فعمله يفي بنفقته ونفقة من يعول، ولذا فلا ينفق عليه الحاكم، لأن له عمل يتكسب منه. قال: [لأنه لا حاجة إلى إخراج ماله وهو يكسب ما ينفقه؛ ولأنه مستغن بكسبه عن ماله، فلم يجز أخذ ماله كما لم يجز أخذ زيادة عن النفقة، وإن كان كسبه دون نفقته كملناها من ماله]، أي: إن كان أجره في اليوم عشرين جنيهاً وينفق في اليوم أربعين جنيهاً، فنكمل نفقته من ماله ونعطيه عشرين أخرى من ماله؛ حتى ينفق على نفسه وعلى من يعول. قال: [وإن لم يكن ذا كسب أنفق عليه من ماله في مدة الحجر وإن طالت؛ لأن ملكه قبل القسمة باقٍ وقد قال عليه السلام: (ابدأ بنفسك ثم بمن تعول)]، فتأمل الشريعة الإسلامية وهي تدعو إلى أن ننفق على المديون المفلس إلى أن ننتهي من بيع ماله، لذا كان لابد على ولي الأمر أن يضمن حد الكفاف لكل فرد في المجتمع، فيوفر لكل واحد في المجتمع مسكناً ودابة ومأكلاً ومشرباً، لأنه مسئول أمام الله عز وجل عن ذلك، فهذا عمر بن عبد العزيز جمع الزكاة ثم زوج الشباب، لأنه عرف أنه مسئول أمام الله عز وجل، وعليه فحينما يحكم الإسلام يعم الخير ويسود الرخاء، حتى المديون المفلس -كما ذكرنا- حينما أبيع ما يتملكه لا بد من أن أنفق عليه طيلة مدة البيع وإن طالت. وحديث: (ابدأ بنفسك ثم بمن تعول) حديث عظيم جداً؛ لأن بعض الناس هداهم الله قد يأكل المشوي ويأتي إلى بيته بالفول والطعمية للزوجة وللأبناء! فهذا رجل لا يعرف كيف يوفي الحقوق أو حق الله عز وجل في زوجته وأولاده، والآخر قد يسافر إلى مكان آخر ويأتي بذهب يساوي ستة آلاف جنيه، وزوجته ربما قد تأخذ ملابس من جيرانها وهو يلبس أحسن الملابس! وهذا موجود يا عبد الله في كثير من البيوت، لذا خير الدراهم درهم ينفقه الرجل على أهله، والصدقة على الأقارب صدقة وصلة رحم. قال: [ومعلوم أن فيمن يعوله من تجب عليه نفقته وتكون ديناً عليه وهي الزوجة، فإذا قدم نفقة نفسه على نفقة الزوجة فكذلك على حق الغرماء] ولأن الحي آكد حرمة من الميت؛ لأنه مضمون بالإتلاف، [وتقديم تجهيز الميت ومؤنته على دينه]، يعني: إن مات المديون أو المفلس فتجهيزه وتكفينه يكون على دينه، باعتباره نفقة تجب للميت، وهذا تعليل عند المصنف في قوله هذا.

وجوب الحق من عدمه للمفلس بشاهد

وجوب الحق من عدمه للمفلس بشاهد قال: [وإن وجب له حق -أي: للمفلس حق عند فلان- بشاهد فأبى أن يحلف لم يكن لغرمائه أن يحلفوا] كالزوجة إذا طلقها زوجها وتريد أن نحدد لها نفقة، ففي هذه الحالة ننظر إلى دخل الزوج، فإن قالت الزوجة: أقسم بالله أنه يحصل على ألفين من الجنيهات شهرياً. فلا نأخذ بيمينها؛ لأنها صاحبة مصلحة، وصاحب المصلحة لا يؤخذ برأيه ولا بيمينه، ولذا قال المصنف رحمه الله تعالى: [وذلك أن المفلس في الدعوى كغيره، فإذا ادعى حقاً له شاهد عدل وحلف مع شاهده ثبت المال وتعلقت به حقوق الغرماء]، أي: أن المفلس هو الذي يقول: معي ألف جنيه وعندي شاهد على ذلك، ويحلف المفلس والشاهد، عند ذلك يثبت المال وتتعلق به حقوق الغرماء. قال: [وإن امتنع -أي: المدين عن الحلف- لم يجبر، لأنه قد لا يعلم صدق الشاهد، وقد يعلم كذبه، ولا يملك الغرماء أن يحلفوا مع الشاهد؛ لأنهم يثبتون ملكاً لغيرهم تتعلق حقوقهم به بعد ثبوته فلم يجز كما لم يجز لزوجته أن تحلف لإثبات ملك زوجها لتتعلق نفقتها به، وفارق الورثة؛ لأنهم يثبتون ملكاً لأنفسهم إذا حلفوا بعد موت مورثهم].

الأسئلة

الأسئلة

حكم الزيادة على أصل الدين

حكم الزيادة على أصل الدين Q والدي أخذ من المصلحة التي يعمل بها قرضاً مقداره (3000) جنيه وسددها (3500) جنيه، فما حكم هذا؟ A هذا هو الربا بعينه، والله تعالى أعلم.

حكم الضمان على من أراد قرضا من البنك

حكم الضمان على من أراد قرضاً من البنك Q هل يجوز أن أكون ضامناً لزميل يريد أن يأخذ قرضاً من البنك؟ A هذه مصيبة؛ لأنه أولاً: يضمن على معسر، ثانياً: أنه يضمن رباً، ثالثاً: أنه يجازف بدخله لأجل رباً. وقد جاءني أخ كريم منذ شهر عنده شلل في قدميه وفي يديه وهو يبكي، مع أنه يعمل في مصلحة حكومية، فقلت له: ما يبكيك؟ فقال: أنا ضامن على رجل قد هرب من البلاد، وكذلك الضامن الذي معي أيضاً قد هرب وفُصل من عمله، ولم يبق إلا أنا، ومرتبي بالكامل محجوز عليه منذ خمس سنوات، وأنا متزوج وأعول أربعة، ولا أقدر على العمل فماذا أفعل؟ فقلت له: ما الذي جعلك تضمن رباً في بنك؟ فيا عبد الله! اتق الله، فإن هذه مساعدة على الإثم والعدوان، ومعاونة على الربا وأكل الحرام، فلا تضمن في قرض ربوي أبداً.

بيان متى تستحق الزوجة مؤخر الصداق

بيان متى تستحق الزوجة مؤخر الصداق Q متى تستحق الزوجة مؤخر الصداق؟ A تستحق الزوجة مؤخر الصداق بأحد هذه الآجال الثلاثة: الأول: مطالبة الزوجة. الثاني: الطلاق. الثالث: الموت، أي: عند موت الزوج يصبح مؤخر الصداق ديناً في التركة.

العدة شرح العمدة [64]

العدة شرح العمدة [64] الضمان هو عقد من عقود التوثيق، وهو عبارة عن ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه، ولصاحب الحق مطالبة أحدهما، أما الحوالة فهي عقد من عقود الإرفاق وبها يتحول الدين من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، ولكل صفة من هاتين الصفتين شروط لصحتها بينها الفقهاء.

أحكام الحوالة والضمان

أحكام الحوالة والضمان قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: الحوالة والضمان] والحوالة هي: تحويل الحق من ذمة إلى ذمة، والضمان: ضم ذمة إلى ذمة، أي: ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه، وهي عقد توثيق، والفرق بين الضمان والحوالة: أن الحوالة تعني: تحويل الدين الذي علي لشخص آخر لي عنده مبلغ من المال، كأن أقول للدائن: أنت لك علي كذا من المال، وفلان عليه كذا من المال لي، وسأقبضها منه في يوم 1/ 4، فأحيل الدائن الذي وعدته بأن أسدده في 1/ 4 على فلان الذي عنده لي كذا من المال. وعليه، فأركان الحوالة خمسة: محيل ومحال ومحال عليه ومحال به وصيغة. فأما المحيل، والذي أحلته على آخر يسمى محالاً، والذي أحيل عليه يسمى محالاً عليه، والمحال به هو المال، والصيغة معروفة.

براءة المحيل إذا رضي من أحيل بدينه على من عليه مثله

براءة المحيل إذا رضي من أحيل بدينه على من عليه مثله قال: [ومن أحيل بدينه على من عليه مثله فرضي فقد برئ المحيل] يعني: من رضي أن يحال على آخر فقد برئت ذمة المحيل، لأن الدين هو نفس الدين وفي الموعد المحدد يكون قبضه.

شروط صحة الحوالة

شروط صحة الحوالة قال: [ولصحة الحوالة شروط: أحدها: تماثل الحقين] أي: لا بد أن يكون هذا الحق متماثلاً أو أعلى، لكن لا يكون أدنى كما يرى ذلك الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى؛ لأن سداد بعض الدين أولى من تركه كله. قال: [لأن الحوالة تحويل الحق ونقله فيعتبر نقله عن صفته، ويعتبر التماثل في الجنس والصفة والحلول والتأجيل فلو أحال من عليه أحد النقدين بالآخر لم يصح، ولو أحال عن المصرية بمنصورية أو عن الصحاح بمكسرة لم يصح؛ ولئن كان دين أحدهما حالاً والآخر مؤجلاً أو أوجل أحدهما مخالفاً لأجل الآخر لم يصح لما سبق]. فلو أن زيداً اقترض من عمرو كيلو من الأرز، واستقر هذا الدين عنده على أن يسدده في التاريخ الفلاني، ثم جاء بكر الذي له عند عمرو كيلو من الأرز، فأحاله عمرو على زيد، فأعطاه زيد مروحة، فهنا لا يجوز؛ لأنه لابد من التماثل في الجنس، وكذلك التماثل في الصفة والحلول والتأجيل. قال: [الشرط الثاني: أن يحيل برضاه، لأن الحق عليه فلا يلزمه أداؤه من جهة بعينها ولا يعتبر رضا المحال عليه؛ لأن للمحيل أن يستوفي الحق بنفسه وبوكيله، وقد أقام المحال مقام نفسه في القبض فلزم المحال عليه الأداء كما لو وكله في الاستيفاء منه]، أي: لابد أن يعتبر رضى المحيل، أما المحال عليه فلا، لأنه سيدفع المال الذي عليه إما لصاحبه أو وكيله أو لمن يرسله إليه. قال: [الشرط الثالث: أن يحيل على دين مستقر؛ لأن مقتضاها إلزام المحال عليه الدين مطلقاً، ولا يثبت ذلك فيما هو معرض للسقوط، فلو أحال على مال الكتابة أو دين السلم لم يصح؛ لأنه تعرض للسقوط بالفسخ لأجل انقطاع المسلم فيه لقوله عليه السلام: (من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره)، ومال الكتابة معرض للسقوط بالعجز]، أي: أن يحيل على دين استقر في الذمة وليس متنازعاً فيه، أو معرضاً للفسخ كدين المسلم. قال: [الشرط الرابع: أن يحيل بمال معلوم؛ لأنها إن كانت بيعاً فلا يصح في المجهول، وإن كانت تحول الحق فيعتبر فيها التسليم، والجهالة تمنع منه]، يعني: أن يحيل بدين معلوم، فيأخذ المحال حقه كذا من المال، ولا يكون المحال به مجهولاً، بل لابد أن يكون ديناً معلوماً.

من أحيل على مليء لزمه أن يحتال

من أحيل على مليء لزمه أن يحتال قال: [ومن أحيل على مليء لزمه أن يحتال -والمليء الذي عنده فلوس، وليس للمحال الحق أن يقول: أعطني حقي أنت لا غيرك، فله أن يعطيه وكيلاً أو من يحيله عليه طالما أنه مليء- والمليء الموسر، وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام (إذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع) -والحديث عند أبي داود - ولأن للمحيل إيفاء الحق بنفسه وبوكيله، وقد أقام المحال عليه مقامه في الإيفاء فلم يكن للمحال الامتناع].

عدم براءة المدين الأصلي إن ضمنه آخر

عدم براءة المدين الأصلي إن ضمنه آخر قال رحمه الله تعالى: [وإن ضمنه عنه ضامن لم يبرأ وصار الدين عليهما، ولصاحبه مطالبة من شاء منهما]، أي: إن ضمن الدين شخص آخر لم يبرأ المدين الأصلي، وصار الدين عليهما، وللدائن مطالبة أي واحد منهما، وعليه فلدينا أصل وفرع، فالأصل هو المدين، والفرع هو الضامن، فإذا أبرأ الدائن الفرع لم يبرأ الأصل، وإن أبرأ الدائن الأصل برئ الفرع. ثم قال: [لأن الضمان ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق، فثبت في ذمتهما جميعاً، ولصاحب الحق مطالبة من شاء منهما في الحياة والموت؛ لقوله عليه السلام: (الزعيم غارم)]. -أي الضامن غارم- رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح].

براءة الضامن إن استوفى الدين من المدين الأصلي

براءة الضامن إن استوفى الدين من المدين الأصلي قال: [فإن استوفى من المضمون عنه أو أبرأه برئ ضامنه]، والمعنى: إن استوفى الدين من المدين الأصلي فقد برئ الضامن؛ لأنه وفى الدين من المدين الأصلي، أو أبرأ الدائن المدين، كأن قال له: أبرأتك من الدين. سقط ما على الضامن. قال: [لأن الضامن تبع للمضمون عنه، فزال بزوال أصله كالرهن]، أي: أن الدائن إذا أبرأ المدين المضمون عنه سقط ما عليه ولحقه أيضاً الضامن، وذلك كالرهن، والرهن مشروع؛ للحديث الذي في البخاري: (مات النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي)، وقوله تعالى: {وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة:283]، يعني: لو أن رجلاً اقترض من نصراني أو يهودي، وطلب منه رهناً على ذلك جاز، وهذا هو ما يسمى بالرهن، وهو: ضمان دين بعين، وهو وعقد الضمان وعقد الكفالة من عقود التوثيق، بينما الحوالة ليست من عقود التوثيق، وإنما هي: تحويل دين من ذمة إلى ذمة أخرى.

عدم براءة المضمون عنه إن أبرأ الدائن الضامن

عدم براءة المضمون عنه إن أبرأ الدائن الضامن قال: [وإن أبرأ الضامن لم يبرأ الأصيل]، يعني: إن أبرأ الفرع (الضامن) لم يبرأ الأصل (المضمون عنه). ثم قال: [لأن التوثقة -عقود التوثيق تعني: توثيق للديون- انحلت من غير استيفاء فلم يسقط الدين كالرهن إذا انفسخ من غير استيفاء]، أي: إذا سدد الفرع (الضامن) عن الأصل (المضمون عنه) عاد الضامن على المضمون عنه؛ لأن الأصل ما زال مديناً، وتبقى المشكلة بين الضامن والمضمون عنه.

رجوع الضامن على المضمون عنه

رجوع الضامن على المضمون عنه ولذلك قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن استوفى الضامن رجع عليه، يعني: رجع الضامن على المضمون عليه]، وهنا مشكلة في البنوك الربوية؛ لأن البعض قد ضمن في البنوك الربوية وارتكب بذلك الآثام والمعاصي العظيمة، فأقول: يمكن للضامن أن يأتي بكشف حساب من البنك بالمبالغ التي استقطعت منه لسداد دين المدين الأصلي، ويرفع عليه دعوى بذلك؛ لأن هذا الضمان قد خرب بيوتاً كثيرة، حتى أن أحد الناس لديه عاهة وهو قعيد، وكان موظفاً في وزارة الشباب والرياضة، فذهب هو واثنين آخرين ليضمنوا عن أحد الناس في البنك، ففصل الاثنان من عملهما وولوا خارج البلاد، وبقي أمر البنك إلى هذا القعيد، والآن يهددونه بدفع عشرة آلاف جنيه وإلا سيفصل من عمله، أما المدين الأصلي فقد أفلس وولى، فقلت له: ما الذي وضعك في هذه المصيبة؟! رغم أن القانون الوضعي ينص على أنه لا يجوز أن يؤخذ المرتب كاملاً؛ حتى يترك للضامن أن يأكل ويشرب، وحدث ولا حرج، فهذا جزاء من عصى الله، وهذا جزاء من ضمن ربا، وهذا جزاء من دخل إلى مؤسسة ربوية يحاد الله ورسوله. قال: [أما إذا قضاه متبرعاً لم يرجع بشيء كما لو بنى داره بغير إذنه، وإن نوى الرجوع وكان الضمان والقضاء بغير إذن المضمون عنه فهل يرجع؟ على روايتين]، يعني: لو أن رجلاً قضى عن المضمون عنه دينه، وذلك باختيار منه دون إلزام من أحد، فهذا وفاء بدون معرفة المدين الأصلي، فما حكم ذلك؟ روايتان عن الإمام أحمد: له أن يرجع، وله ألا يرجع، فعلى رواية: له ألا يرجع، كمثل رجل بنى لآخر داره بغير إذنه، فيستحيل أن يقول الضامن أو الذي بنى الدار: أعطني التكاليف؛ لأن الإجابة من المضمون عنه أو صاحب الدار بدهياً: ومن الذي كلفك بالبناء لي؟! والراجح: عدم الرجوع؛ لأنه وفاه بطيب نفس منه دون التزام من المضمون عنه أمامه.

حكم من كفل بإحضار من عليه دين فلم يحضره

حكم من كفل بإحضار من عليه دين فلم يحضره قال: [ومن كفل بإحضار من عليه دين]، انتقل بعد الضمان إلى الكفالة، وهي كفالة إحضار جسد، فلو وجدت رجلين يختصمان ويقول أحدهما للآخر: أعطني، فيقول الآخر: ليس معي شيء، فيقول الآخر: يا رجل أوفني حقي واتق الله، وارتفعت أصواتهما، فقلت أنت: ماذا تريد منه؟ فقال: عنده ألف جنيه منذ عشر سنين، فقلت للمدين: متى تقضي يا رجل؟ فقال: الخميس القادم إن شاء الله، فقلت للدائن: اتركه وأنا آتيك به يوم الخميس. فهنا تعهد بإحضار جسده، لكن إن مات المدين لا يلزم إحضار الجثة. قال: [ومن كفل بإحضار من عليه دين فلم يحضره لزمه ما عليه؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم (الزعيم غارم)]، أي: إن لم يحضر الكفيل المدين في الوقت المحدد لزمه ما عليه؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (الزعيم غارم) أي: ضامن. ثم قال: [ولأنها أحد نوعي الكفالة فوجب بها الغرم كالكفارة بالمال]، أي: إن مات المدين برئ الكفيل، ولا شيء عليه، بينما في الضمان إن مات المضمون عنه فيلزم الضامن الدين. قال: [فإن مات برئ كفيله؛ لأن الحضور سقط عن المكفول به، فيبرأ كفيله كما برئ الضامن ببراءة المضمون عنه]، يعني: إن أبرأ هذا برئ هذا، كذلك إن مات هذا سقط هذا. ثم قال: [ويحتمل ألا يسقط ويطالب بما عليه؛ لأن الدين لم يسقط عن المكفول به، فأشبه المضمون عنه إذا لم يبرأ من الدين]، والصواب: أنه يبرأ؛ لأنها كفالة بالبدن وليس بالدين، فإذا انعدم البدن ومات فلا شيء على الكفيل.

الأسئلة

الأسئلة

حكم تعزير من حلق شاربه

حكم تعزير من حلق شاربه Q هل يعزر حالق الشارب على قول الإمام أبي حنيفة؟ A هذا قول الإمام مالك، والخلاف إنما هو في المصطلحات الموجودة في الحديث: (حفوا الشارب)، (أنهكوا الشارب)، فبعض العلماء رأى أن الحف هو القص، وبعضهم رأى أن الحف هو الحلق، والمهم أن هناك خلافاً بين العلماء في فهم المصطلح، والله تعالى أعلم.

حكم العمل مع اشتراط حلق اللحية معه

حكم العمل مع اشتراط حلق اللحية معه Q ما حكم الدين في العمل الذي يتطلب حلق اللحية؟ A حرام، وإياك إياك أن تطلب الرزق في معصية الله، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، فاترك اللحية لله لاسيما أن اللحية لا خلاف في وجوبها عند المذاهب الأربعة، ولم نعرف حلق اللحية إلا بعد دخول الاستعمار، تقول أمنا عائشة: سبحان من زين الرجال باللحى، وقال هارون لموسى: {قَالَ يَبْنَؤُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي} [طه:94]، وكانت لحية النبي صلى الله عليه وسلم كثة، وكانوا يعرفون قراءته في صلاة العصر باضطرابها واهتزازها عليه الصلاة والسلام. واللحية هي الرجولة والفحولة، بل إن علماء الفقه قد وضعوا دية لمن أخذ من لحيته جبراً عنه، كأن يعذب رجل آخر فيحلق لحيته، فوضعوا لذلك دية في كتب الفقه، لأن اللحية من ملامح الرجال. وطالما أن الله زينك باللحية فلا تقل: إن عملي يتطلب مني حلق اللحية، نعم قد يكون هناك استثناءات شرعية، لكن احذر أن تقع فريسة لهؤلاء المخرفين الذين يقولون: يجوز حلق اللحية لمصلحة الدعوة! إن الدعوة بريئة منهم، فالنبي عليه الصلاة والسلام لم يأمر أصحابه في مكة في الحصار الاقتصادي أن يحلقوا لحاهم؛ لأجل أنهم في مرحلة استضعاف، بل ثبتهم على ذلك، واللحية سمت إسلامي يميز المسلم، والظاهر يدل على الباطن، فإياك إياك أن تسمع لهؤلاء فتقول: إن لم أحلق اللحية فسأفصل من عملي وربما قد أتأذى! إن ترك عمله هذا لله عوضه الله خيراً منه. واسمع ما قال الخنزير بوش: إني أريد أن لا يكون في مجتمع المسلمين ملتح ولا منتقبة؛ لأن الملتحي والمنتقبة يقلق مضجعه، وما حدث في العراق يترجم ما نقول على المنابر، فقد أتوا بأئمة المساجد من أهل السنة -الأئمة العلماء الخطباء الذين يعظون الناس- وألبسوهم ملابس داخلية نسائية ثم دفعوا بهم إلى زنزانة انفرادية مع نساء هابطات، إنه إمعان في الفتنة، فمتى كان لهؤلاء القردة والخنازير شأن؟! ولم استضعف المسلمون وتفككوا إلى أحزاب وجماعات؟ ولم ضاعت الأمة وتركت الكتاب والسنة؟ إن هذا الذي يعلو ويتربع الآن على عرش العالم لن يطول به الأمد كثيراً: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} [الشعراء:227]، فيا عباد الله! ماذا يحدث؟ يترجم لنا ذلك الله عز وجل في قوله: {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران:118]، فيا عبد الله! أقول لك: توكل على الله.

شرح حديث: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة)

شرح حديث: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة) Q أرجو شرح حديث: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة)، فمتى يكون ربا؟ وهل عند اختلاف الأجناس يسمح بالزيادة والنقص أم لا؟ A إن الأصناف الربوية الستة وما يقاس عليها، من موزون مطعوم أو مكيل مطعوم سواء، فعند مقايضة الذهب بذهب لا بد من شرطين: التماثل، والتقابض، يعني: لا تبع ذهباً بذهب إلا أن يكون مثلاً بمثل، يداً بيد، وكذلك الفضة بالفضة، لكن إن كان الذهب بالفضة جاز، لأن الأجناس قد اختلفت، بشرط التقابض ولا يشترط التماثل، والله تعالى أعلم.

صبر الشاب الملتزم على ما يحدث له من الفتنة في بيته

صبر الشاب الملتزم على ما يحدث له من الفتنة في بيته Q بعد أن هداني الله وأطلقت لحيتي تركت المنزل بسبب فتنة الأهل، فقالت لي أمي: أنا بريئة منك لو تركت المنزل، فهل أرجع للمنزل حالياً؟ وماذا أفعل؟ A الحقيقة أن الشكاوى تأتينا كثيرة من إخواننا الملتزمين، ولكن أطمئنهم أن هذا معتاد في كثير من البيوت، فالولد حينما يلتزم ويعفي اللحية يطرده أبوه ويقطع عنه المصروف؛ لأنه يخشى عليه من كذا وكذا، لذا لا بد عليه أن يصبر، وأن يستخدم الحكمة في مثل هذه المواقف، ولا يستقبل الغضب بغضب مثله، بل بالهدوء أو الابتعاد عن البيت مدة قصيرة ثم العودة. وقد رأيت امرأة في المركز عندنا قد انتقبت فقامت الدنيا في بيتها ولم تقعد، بل وطلبوني في الساعة الثانية في الليل، أي: الأب والأم، وأخبروني عن حزنهم الأليم؛ لأن البنت قد لبست النقاب، وقالوا: لا يمكن أن تجلس في البيت! بل قال أبوها: على رقبتي لو جلست في البيت، وكذلك أمها قالت: أنا بريئة منها إلى يوم الدين، والبنت تبكي، وبعد أسبوع قلت للبنت: اصبري واحتسبي الأجر من الله، فتحول الأمر إلى الأفضل والأحسن، إنه الصبر، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا} [السجدة:24]، فاصبر يا عبد الله! لأنه ما من أحد إلا أوذي، ولا يوجد أحد إلا قال له أبوه: اخرج من بيتي، بل ومنعه المصروف وشغله مكنيكياً، حتى إن بعض الإخوة أخذه أبوه وذهب به إلى المكنيكي فعلاً، وقال له: اجعله ينام تحت السيارة، وأقنعه أن يترك الطب ويشتغل مكنيكي سيارات؛ لأنه ملتح، وأبوه يقول له: تحلق لحيتك أو تبقى مكنيكياً، فقال: أبقى مكنيكياً، فاشتغل يومين أو ثلاثة، ثم طلب منه أبوه أن يعود إلى البيت، إذاً فالأمر يحتاج إلى صبر، والآباء لا تفهم وإنما يحركها العواطف، فتخاف فقط على ولدها من الاختلاط مع الفرق الضالة، كالخوارج والحزبيين ومن على شاكلتهم، ونحن لا ننادي بالجماعات أو بالعمل السري أو بالعمل التنظيمي، أو بالخروج على ولي الأمر أو بتكفير المعين، لا، لأن هؤلاء الذين يكفرون الناس قد جعلوا الأمة في أزمة، فخرجوا على الحكام، وقتلوا السياح، وسرقوا محلات المجوهرات، وتفلوا في وجوه المتبرجات، وهذا ليس من الدين، وليس هذا تغييراً للمنكر، بل لابد من الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، كتعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود في المدينة، ومثله إن أراد المسلم أن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم: فلو أن رجلاً نصح أباه بإخراج الدش من بيته، وأتى له بالموعظة والحكمة الحسنة، ولم يسرع إلى تكسير هذا الدش، لأنه يعلم قوله تعالى: {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ} [الشورى:48]، فيكفي الرفق في القول، فإن استجاب فالحمد لله، وإن لم يستجب فلن يسألك الله يوم القيامة، وإنما سيسأل من له الولاية، وكذلك: المرأة المتبرجة، فالأب مسئول عنها أمام الله تعالى، وليس لأخيها أن يضربها ويعتدي عليها، لكن له ذلك على من له ولاية عليه، كزوجته وأولاده، أما الآن فليس له ولاية، وإنما ولايته أن ينصح وأن يبلغ: {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ} [الشورى:48]، وأن يصبر ويعتزل الفواحش والمعاصي والمنكرات، فهذا هو المنهج السليم، وما ضعنا إلا بسبب عدم فهم هذا المنهج، وعدم فهم المنهج، مشكلة كبيرة جداً، وهذا الكلام ممكن أن يغضب البعض، لذا لابد من الرفق واللين في الدعوة إلى الله تعالى، قال تعالى: {فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ} [طه:44]، وهذا عبد الله بن المبارك رأى رجلاً كبيراً في السن قد عطس ولم يحمد الله، حالنا سيقول له: احمد الله يا جاهل، طول عمرك جاهل وستعيش جاهلاً، وأنا أعلمك من عشرين سنة وأنت جاهل، بل قال له: ماذا يقول الرجل بعد أن يعطس؟! فقال: يقول: الحمد الله، قال: إذاً يرحمك الله، فهذا هو يا عبد الله الأسلوب الأمثل في الدعوة إلى الله، بينما بعض الإخوة يدعو إلى الله بفظاظة وغلظة، وهذا لا يمكن أن يقبل بحال، قال تعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]، والدعوة إلى الله ينبغي أن تكون على علم، فلا تدع على جهل، والذي سبب لنا أن عدنا إلى الوراء هو أننا دعونا على جهل، لذا فلابد أن ندعو على علم. (دخل شاب على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فقال له: يا رسول الله إئذن لي في الزنا! يريد رخصة في الزنا، فأجلسه النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: أترضاه لأمك؟ قال: لا، قال: أترضاه لعمتك؟ قال: لا، قال: أترضاه لخالتك؟ قال: لا، -وظل يعدد له محارمه وهو يقول: لا- ثم مسح على صدره ودعا له، يقول: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وأحب شيء إلى قلبي الزنا، وخرجت من عنده وأبغض شيء إلى قلبي الزنا). إنها الحكمة والرفق في الدعوة، وتأمل حالنا لو دخل علينا شاب يقول: يا شيخ أريد أن تأذن لي بالزنا! لقيل له: اخرج يا داعر! يا هابط! أسلوب غليظ وفظ، لا بد من الحكمة في

العدة شرح العمدة [65]

العدة شرح العمدة [65] الرهن هو عقد من عقود التوثيق، وهو عبارة عن عين يضعها المدين عند الدائن مقابل حقه الذي عنده، ويكون الرهن فيما يجوز بيعه، وما لا يجوز بيعه فلا، وعلى المرتهن أن يحفظ الرهن قدر استطاعته، فإن تلف أو ضاع دون تفريط لم يضمن.

أحكام الرهن

أحكام الرهن قال رحمه الله: [باب: الرهن]. الرهن لغة: الحبس، قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر:38]، أي: محبوسة بعملها، قال: {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور:21]، أي: محبوس بعمله، ويأتي الرهن بمعنى: الثبوت، يقال: ماء راهن، أي: ثابت. وهنا نقطة مهمة جداً، وهي أن يد المرتهن يد أمينة، فلو أعطى أحدهم لآخر أمانة أو رهناً لزمه أن يحافظ عليه قدر استطاعته، فإن فسد أو أتلف بدون إهمال أو تقصير منه لم يضمنه؛ يد الأمين ليست ضامنة، وكذلك يد المودع يد أمانة وليست يد ضمان.

كل ما جاز بيعه جاز رهنه

كل ما جاز بيعه جاز رهنه قال: [كل ما جاز بيعه جاز رهنه، وما لا فلا]. أي: ما لا يجوز أن يباع لا يجوز رهنه، كأن يرهن أحدهم ولده توثيقاً للدين، ولا يعقل إن جاء الموعد المحدد للسداد فيقول الذي عنده الرهن (الولد): من يشتري هذا الولد مني؟! وكذلك الكلاب لا يجوز بيعها؛ لأن ثمنها حرام حرمه النبي صلى الله عليه وسلم، وبالتالي لا يجوز رهنها. قال: [لأن المقصود من الرهن الاستيثاق بالدين باستيفائه من ثمنه عند تعذر استيفائه من الراهن]، أي: إذا تعذر السداد في الوقت المحدد، فللدائن أن يبيع الرهن ويستوفي حقه منه، ويجوز رهن الثمرة قبل نضجها؛ لأنه لدينا قاعدة تقول: ما جاز أكله جاز رهنه، ولهذا قال المصنف رحمه الله تعالى: [وهذا يحصل مما يجوز بيعه]، إذاً: لابد أن يكون مما يجوز بيعه. قال: [فأما ما لا يصح بيعه فلا يصح رهنه كالحر وأم الولد]، أي: ما لا يصح أن يباع لا يصح رهنه، كالحر وأم الولد، وما جاز بيعه جاز رهنه والعكس، وما يجوز أكله يجوز بيعه، لذلك من فقه الإمام البخاري أنه في كتاب البيوع جاء بحديث ابن عمر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهو يأكل جماراً)، والجمار: قلب النخلة الأبيض، فأتى به البخاري لبيان جواز بيع الجمار؛ لأنه جاز أكله، والقاعدة الأصولية تقول: ما جاز أكله جاز بيعه. قال: [لأن مقصود الرهن لا يحصل منه]، يعني: إن كان الشيء لا يباع لم يحصل المقصود منه؛ لأن الغرض من الرهن هو إيفاء الدين، وهنا نقطة مهمة جداً وهي: هل يشترط في الرهن أن يكون كالدين أو أعلى من الدين أو أقل من الدين في القيمة؟ وهل عقد الرهن ملزم للطرفين أم لطرف واحد؟ هناك عقود ملزمة للطرفين، وعقود ملزمة لأحدهما، وعقود غير ملزمة للطرفين، بينما عقد الرهن ملزم للراهن فقط، والرهن إما أن يكون كالدين فبها ونعمت، وإما أن يكون أعلى من الدين، كأن يكون على رجل خمسمائة جنيه، وأعطى رهناً بقيمة ثلاثة آلاف جنيه، وإما أن يكون أقل من الدين، ففي المذهب لا يجوز، لكن الصواب أنه يجوز، ولذلك أخطأ المذهب في قوله: إن قيمة الرهن إن كانت أقل من الدين فلا يجوز؛ لأن الوفاء ببعض الدين أولى من عدم الوفاء كلية.

عدم صحة الرهن إلا بالقبض

عدم صحة الرهن إلا بالقبض قال: [ولا يصح إلا بالقبض]، يعني: أن الرهن لا يصح إلا بالقبض، يعني: لو أن شخصاً رهن عند آخر شيئاً، فلابد أن يقبضه، أي: المرتهن، ولذلك قال المصنف: [لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة:283]]، يعني: لو كنت مسافراً ولم تجد كاتباً يكتب الدين فرهان مقبوضة. قال: [ولأنه عقد إرفاق فافتقر إلى القبض كالقرض، وعنه في غير المكيل والموزون أنه يلزم بمجرد العقد قياساً على البيع، والمذهب الأول لأن البيع معاوضة وهذا إرفاق فهو أشبه بالقرض]، يعني: من شروط الرهن: أن يكون مقبوضاً، لكن كيف يتم القبض؟ يختلف المنقول عن العقار، فلو أن رجلاً اقترض مائة ألف ريال، وأعطى الدائن العمارة رهناً على ذلك، فهنا لابد أن يمكنه من العمارة ويسلمها له فارغة ويعطيه مفاتيحها، لأن هذه رهان مقبوضة، ولابد أن تشل يد المالك عن التصرف في العقار.

كيفية القبض في المنقول وغيره

كيفية القبض في المنقول وغيره لذلك قال هنا: [وقبض المنقول بالنقل وبالتخلية فيما سواه]، يعني: أن الشيء المنقول ينقل إلى الدائن، والتخلية فيما سوى المنقول. ثم قال: [وذلك لأن القبض في الرهن كالقبض في البيع والهبة، فإن كان منقولاً فقبضه نقله أو تناوله كالثوب والعبد والكتاب ونحو ذلك، والمكيل رهنه بالكيل فقبضه اكتياله؛ لقوله عليه السلام: (إذا سميت فكل) وإن كان موزوناً فقبضه بالوزن، وقال ابن عمر: (كنا نشتري الطعام من الركبان جزافاً فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى ننقله من مكانه)، وأما العقار والثمار على الشجر فقبض ذلك بالتخلية بين مرتهنه وبينه من غير حائل بأن يفتح له باب الدار ويسلم إليه مفاتيحها]. إذاً: إن كان الشيء المرهون منقولاً قبضه بنقله، كالمروحة والمسجلة والكتاب وغير ذلك، وإن كان لا ينقل كالعقار، خلى بينه وبين العقار، ومكنه من التصرف فيه، وإذا جاء وقت سداد الدين فله أن يبيعه، ويلزم صاحب العقار أن يمكنه من ذلك.

قبض أمين المرتهن يقوم مقام قبضه

قبض أمين المرتهن يقوم مقام قبضه قال: [وقبض أمين المرتهن يقوم مقام قبضه؛ لأنه وكيله ونائبه، واستدامة القبض شرط في اللزوم كحالة الابتداء للآية، وعنه: أن القبض واستدامته في المتعين ليس بشرط في البيع فلم يشترط في الرهن]، مثال ذلك: لو أن رجلاً عليه ألف جنيه لآخر مقابل رهن معين، فهل يشترط في الرهن الملازمة، أي: أن يكون في حوزة الدائن طوال مدة القرض؟ المذهب لابد من الملازمة، لكن الراجح: أنه إن وافق الدائن على عدم الملازمة فهذا حقه، وهذا هو المذهب، وعلى نقيض المذهب لا يشترط الملازمة في الرهن.

ضمان الرهن بالتعدي

ضمان الرهن بالتعدي قال: [والرهن أمانة عند المرتهن لا يضمنه]، أي: أن الرهن أمانة عند الدائن (المرتهن)، ولا يضمنه إلا إذا تعدى، شأنه شأن الأمانة، فلو أن رجلاً وضع عنده رهن أو مال أمانة، ثم سرق منه بدون إهمال أو تقصير منه، فإنه لا يضمنه، لكن إن حصل التقصير أو التفريط فهو ضامن، وكذلك إن فسد الرهن أو أتلف، ولذا قال المصنف رحمه الله: [فإن تلف بغير تعد منه فلا شيء عليه؛ لأنه أمين فأشبه المودع].

عدم جواز الانتفاع بالرهن

عدم جواز الانتفاع بالرهن قال: [ولا ينتفع المرتهن بشيء من الرهن]، أي: أن المرتهن لا يجوز له أن يستخدم الرهن، كالمسجلة -مثلاً- يستمع بها طيلة الأسبوع. ثم قال: [إلا ما كان مركوباً أو محلوباً، فيحلب ويركب بقدر العلف]، كالحمار إذا رهنه صاحبه في مائتي جنيه، فللدائن أن يركبه ويستنفع به، لكن بشرط أن يعلفه، ومثله الدواب الحلوب، فلا مشكلة أن يحلبها ويعلفها. وبالقياس السيارة، فله أن يستخدمها مع وضع البنزين والزيت لها. قال: [متحرياً للعدل في ذلك، سواء تعذر الإنفاق من المالك أم لم يتعذر؛ لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الرهن يركب بنفقته، ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهوناً، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة) رواه البخاري، وفي لفظ: (فعلى المرتهن علفها ولبن الدر يشرب، وعلى الذي يشرب نفقته ويركب)].

غنم الرهن للراهن

غنم الرهن للراهن قال: [وللراهن غنمه من غلته وكسبه ونمائه؛ لأنه نماء ملكه فأشبه غير المرهون، لكنه يكون رهناً معه؛ لأنه عقد وارد في الأصل فثبت حكمه في نمائه كالبيع، وقال عليه السلام: (الرهن من راهنه له غنمه وعليه غرمه)]. والمعنى: أن الرهن إن زاد سعره، أو زاد زيادة منفصلة كأن يلد، فكل ذلك للراهن، والمرتهن عليه فقط أن يحرس الرهن.

غرم الرهن على الراهن

غرم الرهن على الراهن ثم قال: [وعليه غرمه -أي: على الراهن- من مؤنته ومخزنه وكفنه إن مات]. مثال ذلك: أعطيتك عبداً رهناً في ألف جنيه حتى يأتي وقت السداد، وثمن هذا العبد ألف وخمسمائة، ثم مات العبد قبل أن يأتي موعد الدين، فغسل هذا العبد وكفنه على الراهن وليس على الدائن. مثال آخر: أعطيتك أرزاً رهناً في ألف جنيه، فتخزينها علي لأنني أنا المالك، ولا يصح أن أعطيك الأرز ثم أقول لك: خذ هذا الأرز وخزنه بمائتي جنيه، إنما كل التكاليف لابد أن تكون على الراهن طالما أن الدائن لم ينتفع به، أما أن يكون الأمر كما حصل في بلدنا: أن رجلاً أتى بنقلة تراب صفراء بأربعين جنيهاً، فخشي أن تسرق فأوقف عليها حارساً بخمسين جنيها! ألا توجد عقول يا عباد الله؟! نسأل الله العافية، وهنا لابد أن نقول: إن الراهن يتكلف المؤنة. قال: [ويلزمه جميع نفقته من كسوة وعلف وحرز وحائط وسقي وتسوية وجذاذ وتجفيف -كل ذلك على الراهن- وهذا من غرمه؛ لأنه ملكه فكانت عليه نفقته كالذي في يده ويلزمه كفنه إن مات كما يلزمه في الذي في يده]، يعني: أنه يلتزم بكل شيء يتطلبه.

حكم الرهن إن أتلفه مالكه

حكم الرهن إن أتلفه مالكه [وإن أتلفه أو أخرجه من الرهن بعتق أو استيلاء فعليه قيمته تكون رهناً، فلا يجوز للراهن عتق المرهون؛ لأن فيه إضراراً بالمرتهن وإسقاط حقه اللازم له، فإن فعل نفذ عتقه. نص عليه؛ لأنه محبوس لاستيفاء حق فنفذ فيه عتق المالك، كالمحبوس على ثمنه، وتؤخذ منه قيمته تكون رهناً مكانه لأنه أبطل حق الوثيقة بغير إذن المرتهن، فلزمه قيمته كما لو قتله]. يتحدث المصنف عما إذا رهن الراهن عبداً مملوكاً أو جارية مملوكة، وهناك فرق بين الجارية المملوكة الأمة وبين أم الولد، فأم الولد حرة إن أنجبت من سيدها، لذلك هاجر كانت فقيهة، فحينما سألها جبريل عليه السلام في حديث البخاري: (من أنتِ؟ قالت: أنا أم ولد إبراهيم) ولم تقل: أنا زوجة إبراهيم، فقولها: أم الولد إشارة إلى أنها كانت مملوكة، ثم حملت من سيدها فأنجبت، فأصبحت حرة، ولذلك يتحدث المصنف هنا عن قضية إذا ما كان الرهن عبداً. يقول: [وإن أتلفه أو أخرجه من الرهن] أي: أن السيد أتلف العبد، أو أخرجه من الرهن [بعتق] فإذا رهنتك عبداً ثم أعتقت هذا العبد وهو في حوزتك أصبح العبد حراً [أو استيلاء] أو أخذت منك العبد رغم إرادتك، أو أتلفته عليك، فما الذي يلزم الراهن في هذه الحالة؟ [فعليه قيمته تكون رهناً] أي: نلزم الراهن بالقيمة [فلا يجوز للراهن عتق المرهون؛ لأن فيه إضراراً بالمرتهن] لو أخذت منك ألفاً من الجنيهات ديناً، واشترطت أنت علي أن أعطيك رهناً، فأعطيتك عبداً مملوكاً، ثم أعتقت هذا العبد أو أتلفته، أو استوليت عليه عنوة لزمك قيمته تكون عندك رهناً. قال: [وأما إذا وطئ جاريته المرهونة فأولدها خرجت من الرهن] أي: أني رهنت عندك جارية، ولا يمنع ذلك أن أعاشرها بإذنك فأنا سيدها ومالكها الحقيقي، فهي عندك أمانة، فلما عاشرتها حملت. [وأما إذا وطئ جاريته المرهونة فأولدها خرجت من الرهن، وأخذت منه قيمتها فجعلت رهناً]؛ لأنها بمجرد أن تلد تصبح حرة، فلا يجوز أن تُرهن؛ لأنه لا يرهن إلا ما يجوز بيعه، فلا يجوز أن أرهن ولدي؛ لأن ولدي لا يباع، أما الجارية المملوكة فتباع، فإن جامعها وعاشرها ووطئها فحملت منه لزمه قيمتها؛ لأنها أصبحت حرة. [وذلك أن الراهن ليس له وطء جاريته المرهونة؛ لأنه يفضي بذلك إلى أن يخرجها من الرهن، فيفوّت حق المرتهن، فإن وطئها فلا حد عليه؛ لأنها ملكه] لكن لا يطأها خلسة في غياب المرتهن، وهذا من باب الحيل.

الحيل في الشرع

الحيل في الشرع ابن القيم في كتاب إعلام الموقعين في المجلد الثالث أبدع في باب الحيل؛ لأن هناك من الحيل ما يشرع ومن الحيل ما لا يُشرع، فبنو إسرائيل أساتذة في الحيل، كرجل قال لزوجته وهي في الطابق السادس: إن نزلت فأنتِ طالق، وإن صعدت فأنتِ طالق، فقالوا من باب الحيل: تلقي بنفسها عليه، لعلها تتخلص منه. وسئل أحد العلماء عن زوج قال لزوجته وهي تأكل التمر: إن بلعتها فأنتِ طالق، وإن قذفتها فأنتِ طالق، قال بعضهم: تأكل نصفها وتقذف نصفها، وهذا من باب الحيل. وهناك حيل غير مشروعة: كرجل أراد أن يجامع زوجته في رمضان فأنشأ سفراً إلى الصعيد مع الزوجة، فأفطرا بسبب السفر ثم جامعها، فهذا السفر فيه حيلة. والمحلل تيس مستعار، وهذا نراه ونشاهده. ومن الحيل إن أردت أن أبيع أرضاً وجاري له حق الشفعة، فآتي بالمشتري وأكتب في العقد عشرة أمثال قيمة الأرض، وأتعامل معه سراً بالثمن الحقيقي وهذه حيلة لأحرم جاري من حق الشفعة؛ لأنه ينبغي أن يوضع المبلغ الموجود في العقد لينفذ حق الشفعة. ومن الحيل التي أوردها ابن القيم: رجل طلق امرأته طلقتان، فهنا يقول لها: اخلعي نفسكِ مني، والخلع فسخ وليس طلاقاً عند جمهور العلماء، فتخلع نفسها منه وترد عليه المهر، ثم يراجعها بعقد جديد حتى لا يقع في الطلقة الثالثة، يأمرها بالخلع ليحلل لنفسه ثلاث طلقات جديدة، وهذه حيلة. فبنو إسرائيل تحايلوا حينما نصبوا الشباك للسمك في يوم السبت، وكانوا في يوم السبت تأتيهم حيتانهم شُرّعاً ويوم لا يسبتون لا تأتيهم، وهذه هي قصة أصحاب السبت الواردة في سورة الأعراف اشتاقوا لأكل السمك فنصبوا الشباك في يوم السبت فدخلها السمك، فجذبوها في يوم الأحد، وقالوا: هكذا لم نصطد في يوم السبت. ثم انقسموا بعد هذه الحيلة إلى ثلاث فرق: فرقة انتهكت الأمر وتحايلت على الشرع، وفرقة اعتزلت ونصحت وأخذت على يد المجرمين المخالفين، والفرقة الثالثة ثبّطت الناصحين {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأعراف:164]. يقول المفسرون: الفرقة التي انتهكت الأمر بالليل كانت من جنس بني آدم فوجدوهم في الصباح قد مسخوا قردة. والفرقة الثالثة التي ثبّطت مختلف فيها هل مُسخت هي الأخرى أم لم تُمسخ؟ قال تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة:65] ولذلك اليهود عندهم عقدة من القرود. ويدرس أبناؤنا في الثانوية نظرية تسمى بنظرية النشوء والارتقاء، وهي نظرية داروين، وأن الإنسان في أصله قرد، ثم تطور حتى أصبح إنساناً، فالسبب الرئيسي في هذه النظرية أن داروين يعلم أن أجداده كانوا قروداً، فأراد للبشرية أن تكون قروداً كحال أجداده، ولذلك مسخوا فلم يأكلوا ولم يتناكحوا وماتوا بعد ذلك بثلاثة أيام.

حكم الرهن إن أتلف مالكه جزءا منه

حكم الرهن إن أتلف مالكه جزءاً منه قال: [فإن كانت بكراً فعليه ما نقصها إن شاء جعله رهناً، وإن شاء جعله قضاء من الحق]. أي: أن السيد جامع جارية كانت بكراً، فالبكر لها ثمن غال، وهو حولها إلى ثيب دون أن تحمل، فهنا من المتضرر المرتهن أو الدائن؟ فثمنها كان 5000 ثم تحولت إلى ثيب ثمنها 1000، فأنقص ثمنها، فهنا نلزم الراهن بأن يدفع الفرق للمرتهن، وهي 4000. قال: [فإن لم تحمل منه فهي رهن بحالها كما لو استخدمها] أي: لو أنها ثيب ولم تحمل فلا شيء عليه؛ لأن سعرها كما هو. [وإن ولدت فولده حر، وتصير أم ولد له؛ لأنه أحبلها في ملكه، وتخرج من الرهن موسراً كان أو معسراً كما لو أعتقها، وعليه قيمتها يوم أحبلها؛ لأنها وقت إتلافها تُجعل رهناً، وكذلك إن تلفت بسبب الحمل]. أي: إن حملت من سيدها وولدت تصبح حرة، إذاً نلزم السيد بقيمتها؛ لأنه أتلف الرهن، وحوّل الجارية إلى حرة.

حكم الرهن إن جنى عليه غيره

حكم الرهن إن جنى عليه غيره قال: [وإن جنى عليه غيره فهو الخصم فيه، وما قبض بسببه فهو رهن]. أي: لو أن رجلاً ضرب عبدي فجنى عليه وهو عند المرتهن، فالخصم أنا سيده؛ لأن العبد ملكي أنا الراهن ولم يخرج عن ملكي، فأنا الذي أُحاج الجاني، [وإن أماته فإما القصاص وإما الدية، أو قيمة الجاني الأقل منهما] فإن كانت الدية أعلى من قيمة الدين فأعطيه الأقل، وإن كانت الدية أقل من الدين فأعطيه الدية، [ولو أن المرتهن جامع الجارية، يجلد خمسين جلدة] لأن حد الجارية على النصف من حد الحرة. [وإن عفا السيد عن القصاص إلى غير مال انبنى على موجب العمد] المعنى: أنه إن عفا فيلزمه قيمة الدين أو ما يساوي الدية للقتل العمد، وبعد ذلك يضعها عند المرتهن.

حكم الرهن إن جنى على غيره

حكم الرهن إن جنى على غيره قال: [وإن جنى الرهن فالمجني عليه أحق برقبته]. لو قتل العبد شخصاً، فالمجني عليه أحق برقبته، ونلزم الراهن بوضع قيمته عند المدين؛ لأن الدائن تحلل من الراهن.

حكم الرهن إذا حضر وقت سداد الدين

حكم الرهن إذا حضر وقت سداد الدين قال: [وإذا حل الدين فلم يوفه الراهن بيع ووفي الحق من ثمنه وباقيه للراهن]. لو أنك وضعت عندي رهناً ثم جاء موعد الدين، فلم تقض الدين، فماذا أصنع؟ هل أبيع الرهن بإرادتي؟ لا بد أن يوافق صاحب الرهن على البيع، فإن لم يوافق رُفع الأمر إلى الحاكم ليفصل بين الخصمين في المسألة. قال: [وإذا حل الدين فلم يوفه الراهن بيع ووفي الحق من ثمنه وباقيه للراهن، وذلك أن الراهن إذا امتنع من وفاء الدين عند حلوله، فإن كان أذن المرتهن في بيعه، أو للعدل الذي هو في يده، باعه ووفى الدين]. والعدل هو رجل بين الدائن والمدين، وهو فقط من يبيع الرهن. [لأن هذا هو المقصود من الرهن، وقد باعه بإذن صاحبه في قضاء دينه، فيصح كما في غير رهن، وإلا رفع الأمر إلى الحاكم فيجبره على وفاء الدين أو بيع الرهن، فإن لم يفعل باعه الحاكم وقضى دينه؛ لأن ولاية الحاكم على ذلك نافذة، ولأن مقتضى الرهن الإيفاء من ثمنه فجاز للحاكم ذلك كما لو أذن فيه]. أي: أن الغرض من الرهن توثيق الدين برهن، فإذا جاء الموعد المحدد للسداد ولم يدفع المدين ينقلب الرهن إلى حفظ الدين، وينقلب الأمر إلى الحاكم فيبيع الرهن ويوفي الدائن حقه، والزيادة يردها إلى الراهن.

حكم اشتراط الرهن في البيع

حكم اشتراط الرهن في البيع قال: [وإذا شرط المرتهن أو الضمين في بيع فأبى الراهن أن يسلمه أو أبى الضمين أن يضمن خُير البائع بين الفسخ أو إقامته بلا رهن ولا ضمين]. هذا بيع وشراء مشروط، فأنا أشتري منك وأنت تبيع، لكن أشتري منك بشرط: إما الرهن وإما الضمين، أي من يضمن، فيضمن السداد في حال عدم سدادك، والمؤمنون عند شروطهم. فيجوز أن أشترط في البيع فأقول لك: إذا أردت أن تشتري هذه الحقيبة يلزمك أن تأتي برهن أو ضمين، فإن جئت برهن أو ضمين فقد تم البيع، وإن لم تأت برهن ولا ضمين فأنا بالخيار: إما أن أفسخ العقد لأنني صاحب المصلحة البائع. قال: [خُير البائع بين الفسخ أو إقامته بلا رهن ولا ضمين] يعني: أنا البائع، إما أن أفسخ العقد وإما أن أتم العقد بلا رهن ولا ضمين.

الأسئلة

الأسئلة

انتشار المعاصي في الصيف

انتشار المعاصي في الصيف Q يسأل عن انتشار المعاصي في الصيف. A نحن في فصل الصيف، وفصل الصيف يجيء بمعاصيه الكثيرة، نسأل الله العافية، ومن أول معاصيه: ظهور بعض السيدات في بلكونات البيوت بملابس لا ترضي الله عز وجل، فتخرج من بيتها وقد خلعت ملابسها -مثلاً- لتنشر الغسيل أو لتشم الهواء، أسأل الله سبحانه وتعالى أن تشم رائحة الجنة إن طبقت شرع ربها عز وجل، وبعض الشباب لا خلق له ولا دين يتتبع عورات البيوت بالمناظير، ولذا فلابد أن نراعي هذه النقطة؛ لأنه قد حصل من جراء ذلك مصائب كثيرة، فقد اتصل بي أخ فاضل وقال لي: زوجتي تعرفت على شاب من خلال البلكونة، فخرجت إلى البلكونة والشاب يخرج أمامها، وهكذا هي تخرج وهو يخرج أمامها، لذا فالمرأة المسلمة والبيت المسلم لابد أن يراعي السلوك، فتخرج المرأة ليلاً لابسة لزيها الشرعي؛ لأن هناك ذئاباً بشرية تنتهك الأعراض، وهذا أمر يقع في الصيف كثيراً، فلابد من مراعاته. كذلك: ما يقع فيه من تخفيض للملابس في الشوارع والطرقات، وما يقع فيه من ذهاب إلى المصايف وما أدراك ما المصايف؟! وإن شئت فقل: المصائب، لأنه يحصل فيها الاختلاط وكشف للعورات والفواحش والغناء وغيرها من المنكرات التي لا ترضي الله عز وجل، والأمة جميعاً مطالبة بأن تواجه هذه المعاصي، لكن لابد من بديل إسلامي أيضاً، وهناك موضوعات مهمة جداً للبحث لا ينبغي أن نغض عنها الطرف، بل ينبغي الإشارة والتحذير من مثل هذه الظواهر التي لا ترضي الله سبحانه وتعالى.

حكم تجريح الدعاة

حكم تجريح الدعاة Q أخي يحضر معي إلى الدرس، وهو يستمع لمشايخ التجريح الذين يتكلمون في الدعاة، وأنا أريد أن يترك هذا الفعل وألا يتكلم على أحد، سواء كان عالماً أو غيره، فماذا أصنع؟ A مصيبة الأمة أنها تركت نقد أعدائها وتفرغت لبعضها البعض، فيوم أن يقدح الدعاة في بعضهم تجد البعض ينقل كلامهم، بل ويجرح في بعضهم، وكان المفروض إذا أخطأ العالم أن يعالج الخطأ بينه وبين العالم الآخر، فيقول: والله أنت أخطأت في كذا والصواب كذا حفظك الله، فيصحح ويبين له الخطأ برفق ولين، أما على الملأ فينشر مدحه، لا أن يفضحه على الملأ فيقول: لا تسمعوا لهذا فإنه قطبي مبتدع، مرجئ اعتزالي، فإذا كان كل علماء الأمة أصحاب اعتزال ومرجئة فلمن نسمع يا عبد الله؟! إن خطأ العالم يصحح له سراً لا علانية، وصراع الأقران أو نزاع الأقران يطوى ولا يروى، لكن بعض الطلبة قد يذهب إلى هذا المسجد، ويذهب إلى مسجد آخر فينقل كلام الشيخ من واحد إلى آخر، وهذا خطأ عظيم، وكان الأفضل والأحسن لطالب العلم أن ينشغل بالعلم، وبمسائل الفقه، كالرهن والضمان والحوالة، لا أن ينشغل بالجرح والتعديل في المسلمين، والأدهى أن تجد منهم من يتهم غيره تهماً كبيرة، كأن يقول أحدهم: هو من الخوارج! أو هو اعتزالي! نسأل الله العافية، قل: عنده بعض الأخطاء نسأل الله لنا وله العافية، ولا مانع أن نصحح الأخطاء لبعضنا البعض، ويقيل بعضنا عثرات البعض، ويعفو بعضنا عن البعض، ونتجاوز لبعضنا عن الأخطاء، أما كما قال ابن تيمية: من الناس من هو كالذباب لا يقع إلا على مواطن العطب. يعني: كالذباب يترك الشيء الحسن ولا يقع إلا على القبيح، فهذا لا يجوز أبداً، لذا فأنصح نفسي وإخواني ألا ننشغل بالكلام عن الدعاة، وإنما هؤلاء أعلى منا، ويمكن أن ينصح العالم صنوه أو قرينه، أما أنا وأنت فلا ننشغل بهذا الموضوع أبداً؛ لأن فيه تضييعاً وإهداراً للوقت، وفيه من الأمور ما لا يحمد عقباها على الأمة.

حكم الانتفاع بالرهن

حكم الانتفاع بالرهن Q إذا كان الرهن لأرض زراعية بها محصول قائم، فهل يجوز للدائن الانتفاع بها مع العلم أنه إذا ترك الأرض دون رعايتها وسقايتها مات الزرع؟ A المدين هو وحده الذي يسقي ويحصد ويأخذ زرعه إلى بيته؛ لأن الأرض أرضه والزرع زرعه، ولا يجوز للدائن أن ينتفع بالأرض، والله تعالى أعلم.

حكم طلاق المرأة ثلاثا بنية التهديد

حكم طلاق المرأة ثلاثاً بنية التهديد Q رجل طلق امرأته ثلاثاً، وعندما سئل في الثالثة قال: إنما نويت التهديد؟ A الطلاق الصريح يقع حتى وإن لم ينو الطلاق، فلو قال الرجل لزوجته: أنت طالق، يقع الطلاق سواء نوى أو لم ينو.

أرش الجناية

أرش الجناية Q ما هو أرش الجناية؟ A أرش الجناية هو في حكم الدين، ومثاله: لو ضربت واحداً في وجهه -وهذا منهي عنه- فكسرت له ضرساً، فالضرس هذا يسمى: (أرش جناية)، فلو قومته -مثلاً- بألف جنيه، والدين عليه خمسمائة جنيه، فنعطيه خمسمائة جنيه، وهذا يسمى: أرش جناية. ومثله: ضربت عبدي فأصبته في وجهه إصابة قدرت شرعاً بثلاثة آلاف والعبد بألفين، فأعطيه ألف جنيه.

حكم بيع بول الإبل

حكم بيع بول الإبل Q هل يجوز بيع بول الإبل لما فيه من علاج لبعض الأمراض؟ A نعم؛ لحديث العرنيين عند البخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم وصف بول الإبل كعلاج، وألبان الإبل كعلاج.

حكم تنظيم النسل من أجل إتمام الرضاعة

حكم تنظيم النسل من أجل إتمام الرضاعة Q ما حكم تنظيم النسل في حالة وجود طفل رضيع من أجل حقه في الرعاية؟ A يجوز أن ينظم النسل، فيترك فترة بين الولد والولد الآخر؛ لأجل أن تسترد الأم قوتها وأن ترضع رضيعها، وأن تقوى على حمل جديد.

حكم الدعاء على الكاسيات العاريات

حكم الدعاء على الكاسيات العاريات Q هل يصح الدعاء على الكاسيات العاريات فيقول: اللهم العن الكاسية العارية؟ A يجوز ذلك، لكن لا تلعن المعينة، لا تقل: اللهم العن فلانة بنت فلان، وإنما تلعن الصفة، ولا يكن هذا ديدن الناس، وإنما الواجب أن يهتموا بالدعوة، والحقيقة أن هناك أموراً عجيبة تحدث في هذه الأيام، فقد اتصلت بي فتاة في السنة الثالثة في كلية الحقوق، وتقريباً قبل ساعة أو ساعتين تركت الكلية، فقلنا لها: لماذا تركت الكلية أيتها الأخت؟ فقالت: فيها فساد واختلاط، مع أن خالها عميد الجامعة أو كلية الحقوق، وقد قال لها: إنك تختلطين بالجماعات الإسلامية! واعلموا أن هناك أربعين أختاً من الزقازيق قد تركن الجامعات في تخصصات عديدة، كالطب والصيدلة وغيرهما، وهذا الكلام كلام خطير جداً، ولو عمم هذا الأمر لحدث بالبلاد مصيبة، لذا فللمرأة أن تخرج من بيتها لكن بضوابط: الأول: أن تخرج ملتزمة بالزي الشرعي، والثاني: ألا تختلط بالرجال، والثالث: ألا تجر مفاسد على نفسها، فهذه ضوابط شرعية لخروجها، لكن تريد إخراجها من الجامعة نهائياً فهذا خطأ؛ لأننا بذلك سنصدر العصاة إلى المناصب فيعم الفساد في المجتمع، وقد يقول قائل: يا شيخ! الشيخ الألباني قد أفتى بكذا، والشيخ أبو إسحاق قال على هذا المنبر: إن الجامعة حرام بسبب ما فيها من الاختلاط والتبرج، إن كلام العلماء هذا على إطلاقه له ضوابط، وقد استوقفني بعض الإخوة في هذا الأمر، والأخت التي اتصلت بي قبل ساعتين قلت لها: أتوسل إليك بالله أن تعودي إلى الجامعة، وكفى عاراً وإثماً فأنت الآن تسيئين إلى المجموعة، اخرجي منتقبة محتشمة وادفعي المفسدة بقدر استطاعتك، إنما أن نعمم الحكم فهذه مصيبة كبيرة، وهذا كما كان بعض الإخوة أطباء فخرجوا من السنة الخامسة في الطب واشتغلوا بأعمال في الحارة! ما هذه المصيبة التي أصبنا بها؟! ما هذا التفكير السلبي؟! كذلك الآن أخ دكتور اتصل بي يقول لي: بأن زوجته تقول له: سنخرج الأولاد من المدرسة؛ لأنها مدرسة سيئة، أرأيتم المصيبة التي نحن فيها، أرأيت إلى الفكر الإسلامي ماذا يعاني؟ وهؤلاء الأقزام يكتبون عنا ليل نهار في الجرائد الصفراء العلمانية التي يقودها الشيوعيون في الأصل ومعروفون بشيوعيتهم، فيأخذون هذه النقاط على المسلمين ويقولون: انظروا إلى أهل السنة يريدون أن يخربوا المدارس! فيا مسلم! اتق الله في نفسك وفي دينك وفي الصورة العامة لمظهر الأمة، وتأمل ماذا يترتب على هذه القرارات؟ لا شك أنه يترتب على ذلك المصائب الكبيرة، فنعاني منها بسبب سوء الفهم وعدم وضع الضوابط الشرعية، والبعض يفتئت على الشرع، وهذه مصيبة ما بعدها مصيبة، نسأل الله العافية.

حكم تغطية الرأس

حكم تغطية الرأس Q بعض الناس يقولون: إن تغطية الرأس واجب يعاقب تاركه، ويقولون: إن عاري الرأس لا تقبل له شهادة؟ A تغطية الرأس ترجع إلى عادة المجتمع الذي تعيش فيه، فمثلاً في السعودية يعتبر كشف الرأس مذمة، بينما في مصر لا يعتبر كذلك، قال ابن عمر لمولاه: أتحب أن يراك الناس عاري الرأس؟ قال: لا، قال: فربك أحق أن تتجمل له، وقد رأيت أخاً قبل أسبوعين دخل كلية التجارة يلبس قميصاً وعمامة ويمسك عصا، فدخل على الأمن هكذا! يا رجل اتق الله في نفسك، أتريد أن يقولوا لك: تفضل، لا، البس بنطالاً فضفاضاً غير مسبل، وجاكتاً طويلاً إلى الركبة، وادخل من غير كرفتة، ولا تأخذ معك منديلاً وتضعه هنا في الشمال، وذلك مثل حال بعض الدعاة، فيربي شاربه ويحلق لحيته ويعمل كرفتة ويضع منديلاً ويتكلم! أيصح هذا؟! أنا لا أقصد أحداً بعينه، إنما المسلم له سمت وسمته غير استفزازي، والمسلم يراعي حال المجتمع، ثم ما رأيك في الشيخ ابن عثيمين عندما قال في شرح الممتع: ولبس الخاتم إن خالف المجتمع فلا تلبسه؛ لأن لبسه قد يكون من الشهرة، وكذلك لبس الساعة في اليد اليسرى، فقد دافع عنها وقال: البسها في اليسرى؛ لأن اليمنى تستعمل في الأعمال الشاقة، ولا ينافي ذلك لبسها في اليمنى، وهي ليست من سنن العبادات وإنما من العادات، لكن أعرف بعض أخاً يلبس الساعة في يده اليمنى، فاستدعي ذات مرة إلى قسم الشرطة، فنقل الساعة من اليمنى إلى اليسرى! والساعة عليها علامة تدل على أنها في اليمنى، فرآه الضابط فضربه ضرباً شديداً، نسأل الله أن يجازيه بما عمل، لكن هو الذي عمل بنفسه هكذا، وهو الذي استفز الضابط، وما كان ينبغي أن يعمل ذلك الفعل، فالبسها في اليمنى ولتكن في اليمنى باستمرار، إنما أن تنقل الساعة إلى اليسرى عند دخولك إلى قسم الشرطة ثم بعد أن تخرج تعيدها إلى اليسرى فهذا عمل الجهال، نسأل الله العافية.

حكم إنشاد الضالة في المسجد

حكم إنشاد الضالة في المسجد Q ما حكم إنشاد الضالة في المسجد؟ A يفهم بعض الإخوة أن الضالة هي أي شيء، كالساعة أو النظارة أو الفلوس، وهذا خطأ، وإنما الضالة هي الدابة التي تضل الطريق، فلا يجوز إنشادها في المسجد، ويجوز إنشاد غيرها، كأن يقول: من وجد لي مبلغاً من المال، أو نظارة، أو طاقية؟ فهذا لا حرج فيه، والله تعالى أعلم.

حكم صلاة التسابيح

حكم صلاة التسابيح Q ما حكم صلاة التسابيح؟ A القول الراجح فيها: أنها ضعيفة، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: موضوعة.

إزالة إشكال من حديث

إزالة إشكال من حديث Q مات النبي عليه الصلاة والسلام ودرعه مرهونة عند يهودي، فهل كان يوجد يهود بالمدينة وقد أخرجوا منها في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ A لعل هذا اليهودي مسالم لم يحارب المسلمين فبقي في المدينة، والحديث هذا عند البخاري ولا يجوز الطعن فيه، والواجب أن نقول: سمعنا وأطعنا، والله تعالى أعلم.

حكم فتح حساب في البنوك التجارية

حكم فتح حساب في البنوك التجارية Q هل يجوز فتح حساب في البنوك التجارية؟ A البنوك التجارية ربوية لا يجوز وضع المال فيها، لكن لو كان البنك يحفظ الأموال فلا بأس إن لم تكن هناك وسيلة أخرى لحفظ المال دون فوائد.

حكم قبول الهدية والاقتراض من شخص كل ماله من البنك

حكم قبول الهدية والاقتراض من شخص كل ماله من البنك Q هل يجوز الاقتراض من شخص كل أمواله من البنك، وهل أقبل الهدية منه؟ A نعم، يجوز الاقتراض منه وقبول هديته، والإثم عليه هو.

حكم الاحتفال بالمولد النبوي

حكم الاحتفال بالمولد النبوي Q ما حكم الاحتفال بالمولد النبوي في المسجد؟ هل هو بدعة أم لا؟ A الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم بدعة ما أنزل الله بها من سلطان ولم تكن في عهد الصحابة، وأول من أتى بها الفاطميون في مصر، وهي بدعة من أهل الكتاب، والاحتفال بموالد الصالحين ليس عليه دليل أبداً من الكتاب أو السنة.

حكم جعل بعض الأشياء على شكل لفظ الجلالة

حكم جعل بعض الأشياء على شكل لفظ الجلالة Q ما حكم القفص الذي مكتوب عليه لفظ الجلالة؟ وكذلك الجرائد التي ينقل فيها الفاكهة مكتوب فيها لفظ الجلالة؟ A لابد أن تحرق الأوراق التي كتب عليها لفظ الجلالة، وهناك أخ قد أتعبني فيه وسوسة ليس في الجرائد فحسب، بل إنه يمشي ويقول: هذه الساعة فيها لفظ الجلالة، والمنبر على شكل لفظ الجلالة، والنافذة كذلك، وكل شيء يقول فيه: هو على شكل لفظ الجلالة! مثل: البيبسي المكتوب عليها لا محمد لا مكة، يا أخي اترك هذه الأمور فإنها لا تنبغي، والله تعالى أعلم.

حكم وضع معاش التقاعد في البنك

حكم وضع معاش التقاعد في البنك Q سيدة حصلت على معاش فكيف تتصرف فيه، حيث إن كل البنوك ربوية، وليس عندها خبرة وتجارة فماذا تفعل؟ A ضعيه في بنك فيصل والأمر إلى الله عز وجل.

حكم إقامة جماعتين في وقت واحد

حكم إقامة جماعتين في وقت واحد Q ما حكم الجماعتين في المسجد في وقت واحد؟ A الجماعة الأولى تلغي الجماعة الثانية.

حكم الزواج من مال الوالد الذي يضع أمواله في البنك

حكم الزواج من مال الوالد الذي يضع أمواله في البنك Q الحمد لله أنا قادم على الزواج، ولكن أبي يضع الأموال في البنك، فهل يجوز أن أتزوج على نفقته؟ مع العلم أن راتبي يتعدى مائتي جنيه؟ A تزوج ولا حرج، والإثم عليه هو.

حكم أخذ الصديق من مال صديقه دون معرفته

حكم أخذ الصديق من مال صديقه دون معرفته Q قبل التزامي أخذت من صديقي بعض المال دون أن يعرف، فكيف أرده؟ A رد المال إليه بطريقة غير مباشرة، كأن تقول له: كانت لك أمانة عند شخص فخذها، أو أرسل له حوالة على البريد باسمه، وغيرها من الوسائل التي يمكن من خلالها توصيل المال إلى صاحبها، أما إن كان صاحب الدين غير معروف فيمكن أن تتصدق به، والأجر سيصل إليه إن شاء الله.

مخططات الأعداء ضد الإسلام

مخططات الأعداء ضد الإسلام Q كتب أخ سؤالاً طويلاً مضمونه: أنه يريد لفت أنظارنا إلى مسألة مهمة جداً، ألا وهي: مخططات أهل الكتاب، ويقول بأن عنده دراسات سابقة في ذلك، ولكن: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:30]، {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} [التوبة:32]، إلى آخر ما كتب. A إن أي إنسان عنده مسكة عقل يفكر به سيعلم بأن هذا الدين يوافق الفطرة السليمة، وكفى أن تعلم قبل ذلك أن الآثار السبعة عند النصارى فيها ما يدعو للضحك، فإن أذنبت فهناك سر الاعتراف، وسر الاعتراف معناه: أن يذهب العاصي إلى من يعترف له بمعصيته، فيطلب منه أن يغفر له! ونحن نقول: اعترف بينك وبين خالقك ولا تكشف ستر الله عليك، ثم أيهما أولى: الذي يستر نفسه ويتوب إلى الله أم الذي يفضح نفسه وينكس رأسه عند مخلوق ويطلب منه أن يغفر له! إن هذه من الترهات، فماذا لو عصى ذلك الرجل الذي اعترف له؟ فلمن يعترف بعد ذلك؟ إلى من هو أعلى حتى يصل القمة! الاعتراف والإقرار بالذنب لا يكون إلا لله عز وجل، ولا وسائط ولا محسوبيات في ديننا، فضلاً عن الآثار الأخرى التي يعرفها المسلم الذي شرح الله صدره للإسلام، والإسلام هو دين الأنبياء: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران:19]، {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران:85]، ولذلك كل الأنبياء جاءوا بدين الإسلام، والله سبحانه وتعالى يقول: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران:52]، وقوله: {يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة:132]، فدين الأنبياء واحد والشرائع تختلف، ولكن يا عبد الله ما كتبته يخفى علينا، فهذه مخططات قديمة، لكن لن يفلحوا فيها إن شاء الله سبحانه وتعالى. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لطاعته. اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا. وجزاكم الله خيراً.

العدة شرح العمدة [66]

العدة شرح العمدة [66] من أبواب فقه المعاملات باب الصلح وباب الوكالة، والصلح هو عقد يحصل به فض النزاع، ولابد فيمن يتصدر للإصلاح بين الناس أن يكون ملماً بالأحكام الشرعية، أما الوكالة فهي الاستنابة، ولا تكون إلا من جائز التصرف لآخر جائز التصرف، ويكون وكيلاً عنه فيما تجوز فيه النيابة.

باب الصلح

باب الصلح

تعريف الصلح وفيما يكون

تعريف الصلح وفيما يكون قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الصلح]. الصلح: هو عقد يحصل به فض النزاع. والصلح يكون في الأمور المالية وفي غيرها، يقول الله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا} [النساء:128] أي: الزوجة إذا خافت من زوجها نشوزاً وترفعاً عليها، وعدم إنفاق عليها واستهتاراً بها، وتطاولاً عليها {نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء:128] فمطلق الصلح هنا خير، وقال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} [النساء:35] أي: بين الزوج وزوجته {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء:35]. وقال: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات:9]. وقال: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء:114] فهذا كله في الصلح. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إياكم وفساد ذات البين فإنها الحالقة، لا أقول تحلق الشعر وإنما تحلق الدين) والإصلاح بين الناس مهم في خلق المسلم.

الصلح بإسقاط بعض الدين

الصلح بإسقاط بعض الدين قال: [باب الصلح. ومن أسقط بعض دينه، أو وهب غريمه بعض العين التي له في يده جاز]. فلو أنك مدين لي بألف جنيه، وقلت لك: أسقطت عنك خمسمائة لوجه الله، فأنا لي الحرية في إسقاط ما أشاء من مالي، أما إن قال المدين: لن أعطيك الألف حتى تسقط النصف، فهذا ليس له ولا يجوز. قال: [ما لم يجعل وفاء الباقي شرطاً في الهبة والإبراء، أو يمنعه حقه إلا بذلك]. أي إن كنت أنت مديناً لي بعمارة، فقلت لك: نصف العمارة لك والنصف الآخر لي فهذا يجوز، إلا أن أشترط أن يكون ذلك شرطاً في الإبراء أو الهبة. قال: [وذلك لأن الإنسان لا يُمنع من إسقاط حقه ولا من استيفائه]. فليس هناك أحد يمنعني من استيفاء حقي كاملاً، إلا أن يشفع أحد الناس وأنا أقبل الشفاعة، والنبي صلى الله عليه وسلم شفع في حالتين: شفع في دين جابر بن عبد الله بن حرام -بعد موت أبيه- عند الدائنين أن يسقطوا حقه، أو أن يستوفوه من أصل معين. وشفع عند كعب بن مالك لـ ابن أبي حدرد -والحديث في البخاري في كتاب الصلاة- عندما ارتفعت أصواتهما في المسجد، فـ كعب بن مالك يقول: وفني حقي، قال: ليس معي الآن، قال: جاء الوقت وأنت مدين، وارتفعت أصواتهما، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر كعباً أن يضع الشطر، ثم قال: يا ابن أبي حدرد قم وفه. قال: [ولو شفع فيه شافع لم يأثم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كلم غرماء جابر فوضعوا عنه الشطر، وكلم كعب بن مالك فوضع عن غريمه الشطر، ويجوز للقاضي فعل ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله، ولو قال للغريم: أبرأتك من بعضه بشرط أن توفيني بقيته لم يصح]. أي: أنت عليك لي ألف جنيه، فقلت لك: أنا سأضع لك خمسمائة ولكن أعطني خمسمائة الآن، ففي المذهب لا يجوز، لكن الراجح أنه يجوز. قال: [ولا تصح بلفظ الصلح؛ لأن معنى: صالحني عن المائة بخمسين أي بعني، وذلك غير جائز لما ذكرناه، ولأنه ربا]. كأن المدين يقول: بعني الألف بخمسمائة، وهذا هو عين الربا، فالمدين لا يحق له أن يشترط للوفاء أن يعطيه أقل من حقه، لكن الدائن حر في ماله. قال: [أو يضع له بعض المؤجل ليعجل له الباقي، يعني: لو صالح عن المؤجل ببعضه حالاً، مثل أن يصالح عن المائة المؤجلة بخمسين، لم يجز لأنه ربا، وهو بيع بعض ماله بماله؛ ولأن بيع الحلول غير جائز]. هذا الكلام أيضاً مرجوح، فالتصالح على دين مؤجل بمبلغ معجّل في المذهب لا يجوز، لكن الراجح إن طلبها الدائن جاز؛ لأن هذا ملك الدائن، فلا نصادر حريته في ذلك. قال: [ويجوز اقتضاء الذهب عن الورق -أي: الفضة- بالورق عن الذهب إذا أخذها بسعر يومها وتقابضا في المجلس، وذلك أنه إذا صالحه عن أثمان بأثمان، فهذا صرف يعتبر له شروط الصرف من القبض في المجلس وسائر الشروط]. أي أنك لو أخذت مني الآن (100) جرام ذهباً فلا بد أن تعطيني إما (100) جرام ذهباً، أو ما يعادلها فضة، ويشترط التقابض لكن لا يشترط المماثلة لاختلاف الجنس، طالما اختلف الجنس فهنا نشترط التقابض في مجلس العقد ولا نشترط التماثل.

الصلح في الإقرار والإنكار

الصلح في الإقرار والإنكار قال: [ومن كان له على غيره حق لا يعلمه المدّعى عليه فصالحه على شيء جاز]. أي عندما تأتي تتقاضى من بعض خصومك قد تجد منهم من ينكر، ففي هذه الحالة أنتما مدع ومدّعى عليه، فالمدّعي هو الدائن، والمدّعى عليه المدين، فإن صالحه عليه جاز، وإذا صالح على البعض لم يجز البعض الآخر. [فإن كان أحدهما يعلم كذبه في نفسه فالصلح باطل]. أي: أن الصلح هنا في شكله الظاهر يسري، لكنه بالنسبة لأحدهما باطل؛ لأنه يعلم أنه كذّاب. قال: [وهذا هو الصلح على الإنكار]. فالصلح ينقسم إلى قسمين: صلح على إقرار وصلح على إنكار. [وهو أن يدعي على إنسان عيناً في يده أو ديناً في ذمته لمعاملة، أو جناية، أو إتلاف، أو غصب، أو تفريط في وديعة، أو مضاربة ونحو ذلك، فينكره ويصالحه بمال، فيصح إذا كان المنكر معتقداً بطلان الدعوى، فيدفع إليه المال افتداء ليمينه ودفعاً للخصومة عن نفسه، والمدعي يعتقد صحتها، فيأخذه عوضاً عن حقه الثابت له؛ لأنه صلح يصح مع الأجنبي فيصح بين الخصمين كالصلح في الإقرار]. والمعنى: أنه يجوز الصلح مع الإنكار لو أقره أحد الخصمين ويسري في حقهما، إلا أن يكون أحدهما كاذباً، فيكون الصلح في حقه باطلاً مع سريانه ظاهراً. ثم قال: [ومن كان له حق على رجل لا يعلمان قدره فاصطلحا عليه جاز؛ لأن الحق لهما لا يخرج عنهما]. والمعنى: أنت مدين لي وأنا دائن لك، فلا المدين يعرف ولا الدائن يعرف. الطرفان يعترفان بأن لأحدهما حق، لكنهما اختلفا في قيمته، فاصطلحا على مبلغ معيّن، فأحدهما قال: أنا أقر بما تقول واتفقا على المبلغ جاز ذلك. قال: [ومن كان له حق على رجل لا يعلمان قدره فاصطلحا عليه جاز؛ لأن الحق لهما لا يخرج عنهما، فإذا اتفقا عليه جاز كما لو اتفقا على أن يتبارأا]. أي: هذا يبرئ هذا، وهذا يبرئه يجوز.

صفة عقد الصلح وشروط المصلح

صفة عقد الصلح وشروط المصلح وأما عقد الصلح في الفقه فهو عقد يقطع الخصومة بين الخصمين، والإصلاح فيه خير كثير كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، ولقد أصلح النبي صلى الله عليه وسلم بين بني عمرو بن عوف لما اختلفوا وتراشقوا بالحجارة وأصلح بين زوج وزوجته، والإصلاح بين الناس أفضل من التهجد، وأفضل من الاعتكاف، وأفضل من السنن؛ لما فيه من خير عظيم. ويشترط فيمن يصلح بين الناس أن يكون عالماً بالأصول الشرعية، فلا يصلح في المحرمات والمخالفات الشرعية. فمثلاً إن أعطيتك 100 جرام ذهباً وأخذت منك 1000 جرام فضة، فطالما كان التقابض في مجلس العقد فهذا جائز؛ لأنك قبلت وأنا قبلت فتقابضنا فضة بذهب أو ذهباً بفضة: (فإذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم) حسب الاتفاق.

باب الوكالة

باب الوكالة قال رحمه الله: [باب الوكالة]. وهو باب خاص بالمحامين والمحاسبين.

ما تجوز فيه الوكالة

ما تجوز فيه الوكالة باب الوكالة فيه من الفوائد الفقهية الكثير، والقاعدة فيه: لا تجوز الوكالة إلا فيما يجوز فيه النيابة. ما معنى النيابة؟ مثلاً تقول لصديقك أن يتوضأ مكانك لصلاة ما، فهنا لا تجوز الإنابة في الوضوء، أو أن تقول له: صل مكاني المغرب، أو تحية المسجد، أو صم بدلاً مني رمضان وأنا سأفطر، فهنا لا تجوز الوكالة إلا فيما تجوز فيه النيابة. إذاً ما الذي يجوز فيه النيابة؟ البيع {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا} [الكهف:19] فهذا وكيل ذهب ليشتري بالنيابة عنهم. أيضاً آخر وكلك في طلاق زوجته فهذا يجوز، أو وكلتك في زواج امرأة فهذا أيضاً يجوز؛ لأن الزواج يجوز فيه النيابة. رجل وكّل زوجته في طلب الطلاق متى شاءت، فهنا العصمة بيد الزوجة، وهي بمعنى أن تقول: طلقني لا أن تقول: أنت طالق كما يفعل البعض في الأفلام الهابطة، ولا يحق له أن يمتنع؛ لأنه قد جعل لها الوكالة في طلب الطلاق متى شاءت، فكما أني أعطي الوكالة في الطلاق لشخص ما فمن باب أولى أعطيها للزوجة، وهذا هو معنى أن تكون العصمة بيد الزوجة، فليست العصمة أن تقول الزوجة لزوجها: أنت طالق، هذا جهل، ولا أدري من أين استقوا هذا الجهل. طالما اشترطت المرأة في عقد الزواج ذلك، فلها شرطها متى شاءت، وتكون أنت من تنازل عن حقه لها فلا تمتنع. والخلع أيضاً يجوز فيه الوكالة، والإيجار يجوز فيه الوكالة، فكل ما جاز فيه النيابة جاز فيه الوكالة. والحج تجوز فيه الوكالة بشرطين: الشرط الأول: أن يكون الوكيل قد حج عن نفسه. الشرط الثاني: أن يكون الذي أنابه لا يستطيع أن يصل إلى مكة مع القدرة المادية لمرض.

شروط الموكل والوكيل

شروط الموكل والوكيل قال: [باب الوكالة]. والوكالة هي: استنابة جائز التصرف مثله فيما تدخله النيابة. جائز التصرف: بمعنى أنه لا بد أن يكون الموكل حراً، بالغاً، عاقلاً، رشيداً، فإذا كان الموكِّل عبداً أو مجنوناً أو سفيهاً أو صبياً فلا يجوز، فلا بد أن يكون الموكِّل جائز التصرف. أيضاً يوكِّل جائز التصرف، فلا يوكل المجنون ولا الصبي ولا السفيه. إذاً: استنابة جائز التصرف يوكِّل جائز التصرف، فيما تجوز فيه النيابة.

أمثلة للوكالة

أمثلة للوكالة مسألة: وكل رجل آخر بطلاق زوجته، فطلقها له، هل يجوز له أن يزوجها؟ أي: الوكيل طلّق المرأة بتوكيل، فإذا جاء المرأة رجل آخر يريد أن يتزوجها فوكّل نفسه لزواجها، فهل فعله يجوز أم لا؟ الوكيل يجوز له أن يطلق، ويجوز له أن يزوج على حسب مرات الوكالة، أما هنا فلا يجوز؛ لأنه طلق بصفته وكيلاً لا ولي أمر، فليس له علاقة بها على الإطلاق. مثال ذلك: وكّلت أنا الموقع أدناه فلان بن فلان أخي فلان بن فلان في تطليق زوجتي فلانه بنت فلان على أن يسدد لها مؤخر الصداق، وقدره خمسة آلاف جنيه، وأن يعطيها نفقة المتعة والعدة ثلاثة آلاف جنيه، وليس له حق التصرف في أكثر من ذلك، وله الحق في التوقيع نيابة عني أمام المأذون وفي كل ما من شأنه إجراء الطلاق. فأخذ الوكيل التوكيل وذهب إلى المأذون، وجاءت الزوجة، هل يقول لها: أنتِ طالق؟ لا، وإنما يقول: أنتِ طالق من الذي وكلني، بعد هذا جاءت الزوجة فاطمة نفسها، وآخر وكله بالزواج منها، فقال: قبلت الزواج منها لموكلي، فهو يجري الطلاق ويجري الزواج بصفته موكلاً. فلا بد أن أوكله في الطلاق، ولا بد أن أنص على الطلاق في الوكالة، وأن الوكالة قائمة، وأن يتحقق منها المأذون. قال: [تجوز الوكالة بإجماع الأمة في الجملة، وتجوز في الشراء والبيع والنكاح؛ لأن النيابة تدخلها، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى عروة بن الجعد ديناراً، وأمره أن يشتري به شاة]. عروة بن الجعد هل كان يشتري لنفسه أم لوكيله؟ لوكيله، من هو وكيله؟ أشرف الخلق صلى الله عليه وسلم، فذهب عروة بن الجعد إلى السوق فوجد رجلاً يبيع شاتين بدينار، والنبي صلى الله عليه وسلم وكله بشراء شاة واحدة، فاشترى شاتين وباع في طريقه شاة، وأتى بشاة ودينار، فالدينار كما هو والشاة معه وقال: يا رسول الله اشتريت بالدينار شاتين فبعت شاة، فهذه الشاة وهذا الدينار، فقال: (اللهم بارك له في بيعه، فكان الرجل لا يبيع ولا يشتري إلا أن يبارك الله له بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم). وهنا نقول الشاهد من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم وكّل عروة بن الجعد في الشراء. قال: [وقال تعالى: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ} [الكهف:19]]. فهل إذا بعثني أحد لأشتري له سلعة وأعطاني 100 جنيه فاشتريتها بـ50 جنيه، آخذ الزيادة لي؟ A لا. فهذا لا يجوز، فأنت أمين على مال الوكيل. قال: [وقال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة:60]]. فالعامل عليها وكيل، والنبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع دفع لـ علي رضي الله عنه الهدي ليذبحه بدلاً منه، فهو هنا وكيل، فذبح بيده الطاهرة ثلاثاً وستين، ودفع الباقي لـ علي كوكيل ليذبح الباقي، فالتوكيل في الذبح يجوز. قال: [فجوّز العمل عليها. وقال جابر بن عبد الله للنبي صلى الله عليه وسلم: (إني أريد الخروج إلى خيبر، فقال: ائت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقاً، فإذا ابتغى منك آية، فضع يدك على ترقوته)، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم وكل عمرو بن أمية في قبول نكاح أم حبيبة، وأبا رافع في قبول نكاح ميمونة. وتجوز الوكالة بشرط أن تكون فيما تدخله النيابة كالبيع، والشراء، والنكاح، وتجوز في الرهن، والحوالة، والضمان، والكفالة، والشركة، والوديعة، والمضاربة، والجعالة -الجعل هو المقابل- والمساقاة، والإجارة، والقرض، والوصية، والصلح، والهبة، والوقف، والصدقة، والفسخ، والإبراء، والقسمة -كل هذه تجوز فيها الوكالة؛ لأنها تجوز فيها النيابة- وهي في معنى البيع في الحاجة إلى التوكيل فيها فيثبت فيها حكمه، ولا نعلم في شي من ذلك خلافاً].

ما تصح وتبطل به الوكالة

ما تصح وتبطل به الوكالة قال: [ويشترط أن يكون الموكل والوكيل ممن يصح ذلك منه بنفسه، وليس معنى الوكالة أن يسقط حق الأصل]. زوج وكّل زوجته في طلب الطلاق متى شاءت، هل معنى ذلك أنه فقد حق الطلاق؟ لا. فهي لم تقل له: طلقني، وعندما يقول لها: أنتِ طالق يقع، فلو وكّل فلاناً من الناس ثم ذهب بنفسه مباشرة يجوز، فالتوكيل لا يلغي الأصل. قال: [وهي عقد جائز تبطل بموت كل واحد منهما] إن مات الموكل أو الوكيل بطلت الوكالة. [وجنونه] فإن وكلك ثم جُن، فإن التوكيل يبطل. [والحجر عليه لسفه؛ لأنه يخرج بذلك عن أهلية التصرف، ويبطل بفسخ كل واحد منهما]. فإذا أراد أحدهما أن يلغي التوكيل فله ذلك، ولكل واحد منهما أن يفسخ التوكيل طالما لم يشترطا، فإن اتفقا على غير ذلك جاز، ويجوز أن أعطي حق الفسخ لطرف، ويجوز إلغاء توكيل الطرف الأول دون الطرف الثاني، كل هذا جائز طالما اتفق عليه الطرفان. قال: [وكذلك الحكم في كل عقد جائز كالشركة، والمساقاة، والمزارعة، والجعالة، والمسابقة] أي: أنها تصلح للفسخ. والوكالة تكون بالقول أو الكتابة أو الفعل، فلو أخذت بضاعتي ووضعتها عند فلان في مكتبته، فهنا كأني وكلته في بيعها، فعندما أقول له: وكلت أنا فلان في بيع السلعة، فهذه وكالة بالفعل، أيضاً تجوز بالقول، فتقول مثلاً: يا فلان أنا وكلتك في شراء السيارة، لكن الأولى ألا تفعل إلا بالكتابة الموثقة، وما أقاموا الشهر العقاري إلا ليوثق، لأنه قد يأتي ويقول: وكلتك في طلاق زوجتي، ثم بعد ذلك ينكر ذلك كله، فهذا لا يجوز، فالوكالة تجوز بالكتابة وتجوز بالفعل وتجوز بالقول.

ما يجوز للوكيل أن يتصرف فيه

ما يجوز للوكيل أن يتصرف فيه قال: [وليس للوكيل أن يفعل إلا ما تناوله الإذن لفظاً أو عرفاً]. أي: ما نص عليه في التوكيل؛ لأن الإنسان ممنوع من التصرف في حق غيره، وإنما أبيح له التصرف في ملك موكله بإذنه، فيجب اقتصار تصرفه فيما تناوله إذنه، إما لفظاً كقوله: بع ثوبي بعشرة، وإما عرفاً كبيعه الثوب بعشرة وزيادة، وإما من جنس العشرة كبيعه بأحد عشرة وما زاد عليها، أو من غير جنسها كعشرة وثوب؛ لأن الزيادة تنفعه ولا تضره. أي: أني وكلتك في بيع ثوبي هذا بعشرة، فأنت وفقك الله وبعت الثوب بخمسة، فلا بد أن أقول لك: وكلتك في بيعه بعشرة ولا تبعه بتسعة؛ لأن الوكالة منصوص عليها، إن باعه بزيادة جاز، ولكن ليس له أن يبيعه بأقل، طالما قبلت الوكالة فلترجع له بسلعته. قال: [وليس للوكيل توكيل غيره، وذلك أن الوكيل لا يخلو من ثلاثة أحوال]. ليس للوكيل أن يوكل غيره إلا بإذن الموكل، وأن يكتب بأن له الحق بتوكيل غيره. [وذلك أن الوكيل لا يخلو من ثلاثة أحوال]. ليس له أن يوكل غيره إلا بنص في التوكيل إلا في أحوال ثلاثة، وهذا ما سنذكره في الدرس القادم حتى نجيب عن بعض التساؤلات، وننطلق إلى باب الشركة، ثم بعد ذلك إلى الجعالة واللقطة والإجارة، ثم إلى الفروض لنشرح المنظومة الرحبية في علم المواريث بعنوان الهدية في شرح المنظومة الرحبية في علم المواريث.

الأسئلة

الأسئلة

حكم العمل في إصلاح أجهزة الكاسيت

حكم العمل في إصلاح أجهزة الكاسيت Q أنا أعمل بتصليح أجهزة الكاسيت، وربما يأتي كثير من الناس لإصلاح أجهزتهم التي قد تستخدم في سماع ما لا يجوز، فما حكم عملي؟ A يجوز أن يصلح الكاسيت؛ لأن الكاسيت له استخدامات عديدة ومنها سماع القرآن والمحاضرات وكذلك الأغاني، ولكن الإثم على المستخدم، فالعمل أصله مباح؛ لأن هذه الصنعة غير مخصصة في الأعمال المحرمة، بل هي للمباحة أيضاً، فهو لا يشترط قبل تصليحه فيما إذا كان استخدامه له في الخير أو الشر، فهذا فيه تحقيق وإثبات حالة، فعندما يأتي الذي يريد الموس مثلاً هل ستسأله: تحلق شعر الرأس أم اللحية أم العانة أم الإبط أم غير ذلك، فهذا تنطع. ففي الأشياء التي الأصل فيها الإباحة جائز بيعها وتصليحها؛ لأن الله يقول: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة:275] طالما أن السلعة تستخدم في الحلال، أما إن استخدمها في الحرام فالإثم عليه.

جهاد المرأة

جهاد المرأة Q هل يوجد أجر للمرأة يعدل أجر الرجل في الجهاد في سبيل الله؟ A نعم، لكن جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة.

حكم قضاء الفوائت من الفروض

حكم قضاء الفوائت من الفروض Q عندما أريد أن أصلي فرضاً لم أصله من قبل، هل عليّ أن أصليه قبل الفرض الحاضر أم بعده إذا كان بعده؟ A لا، فـ ابن تيمية يقول: ننازع في أصل القضاء، فالقضاء لا يجوز للفائتة وإنما تكثر من النوافل، والفائتة بنوم أو نسيان يقضيها عندما يذكرها في الحال ولا يشترط الترتيب.

حكم الإقراض من الأمانة والتصرف فيها

حكم الإقراض من الأمانة والتصرف فيها Q المال الأمانة هل يجوز أن أقرض أحداً منه؟ A لا يجوز؛ لأنها أمانة، هب أن الأمانة ضاعت عند الآخر، أو تظن بأنك قادر على السداد فأفلست فجأة، هب أنه حدث لك حادث، فالأمانة يشترط فيها عدم التصرف إلا بإذن صاحبها. وقال لي بعضهم: أن رجلاً وضع أمانة من المال عند أخته المتزوجة، فأعطت أمها جزءاً منه دون علمه، ثم ردت له المال ناقصاً فهل يجوز هذا؟ فنقول: هذا لا يجوز. اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

العدة شرح العمدة [67]

العدة شرح العمدة [67] الوكالة هي الاستنابة من جائز التصرف لمثله فيما تجوز فيه النيابة، وتبطل الوكالة عند موت أحدهما أو جنونه أو سفهه؛ لأنه يخرج بذلك عن أهلية التصرف، ويلزم الوكيل أن يفعل ما تناولته الوكالة وأذن له فيه لفظاً أو عرفاً.

تابع باب الوكالة

تابع باب الوكالة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: قال المصنف رحمه الله: [وهو عقد جائز]. يعني: عقد الوكالة عقد جائز شرعاً، جائز يعني: غير ملزم للطرفين، فهناك عقود ملزمة لطرف وغير ملزمة لطرف آخر، وهناك عقود ملزمة للطرفين، وهناك عقود جائزة للطرفيين. والعقود الملزمة للطرفين مثل: الزواج والبيع. ومثال الملزم لطرف وجائز لطرف آخر: الرهن، ملزم للراهن، وجائز للمرتهن، إذا قلت لك: لن أعطيك ديناً إلا برهن، فجئت بالرهن ثم قلت لك: لا أريده. فهذا لي، لكن أنت ملزم بالرهن. كذلك الوصية ملزمة لمن يسمعها، غير ملزمة لمن يوصي، إذ له أن يوصي وألا يوصي.

ما تبطل به الوكالة

ما تبطل به الوكالة قال: [وهو عقد جائز، تبطل بموت كل واحد منهما، وجنونه، والحجر عليه لسفه]. بمعنى: لو مات الموكل تبطل الوكالة، أو مات الوكيل تبطل الوكالة، أو أصيب الوكيل بسفه، أو جنون؛ فإن وكالته لا تسري، فبمجرد أن جُن تسقط الوكالة. رجل وكلك ثم حجر عليه، تسقط الوكالة بالحجر. قال: [لأنه يخرج بذلك عن أهلية التصرف، ويبطل بفسخ كل واحد منهما]. يعني: إذا فسخ الوكيل عقد الوكالة بطلت الوكالة، وللموكل أيضاً أن يفسخ، إلا إذا تشارطا على غير ذلك، يعني: أنت وكلتني، ثم ذهبت إلى الشهر العقاري وألغيت التوكيل، والوكيل أيضاً له حق الإلغاء. مسألة: لو أن زوجاً يقيم في السعودية أرسل توكيلاً لموكله بطلاق زوجته: وكلت أنا فلان بن فلان في تطليق زوجتي بشروط كذا وكذا، وبينما التوكيل في الطريق توفى الله الزوج، هل يقع الطلاق أم لا يقع؟ يعني: في الطريق مات أحدهما إما الموكل وإما الوكيل هل يقع الطلاق أم لا يقع؟ لا يقع؛ لأنه نوى الطلاق أو وكل بالطلاق لكنه ما وقع الطلاق، كرجل قال لزوجته: سأطلقك، وعد بالطلاق لكنه ما طلق، والطلاق لا بد أن يقع باللفظ والنية، فحينما وكل هذا يعتبر نية طلاق لكنه ما تلفظ لا هو ولا وكيله، فالتوكيل أمر مستقبلي، لكنه ما وقع، فإذا مات أحدهما لا تطلق، ولها سائر الحقوق. قال: [وكذلك الحكم في كل عقد جائز كالشركة والمساقاة والمزارعة والجعالة والمسابقة]. أي أنه في كل هذه العقود يجوز لكل طرف فسخ العقد. المساقاة هو: أن أعطيك شجرة وأقول لك: ارعها بجزء من ثمرتها محدد. وعقد المزارعة هو: ازرع هذه الأرض على أن تأخذ نصفها أو ربعها، ولا يجوز أن أقول لك: ازرع هذه الأرض على أن تأخذ نتاج هذا الجزء، لا بد أن يكون مشاعاً. في عقد الشركة شروط الربح لا بد أن تكون واضحة، الربح لا بد أن يكون مشاعاً، وأن يكون معلوماً، ومشاع أي مختلط بين الطرفين، كلاهما شريك فيه. مسألة: لو قال أحد الطرفين للآخر: أنا شريك معك بربح ألف جنيه شهرياً. لم يصح فقد تربح الشركة تسعمائة فقط. مسألة: لو قلت لك: شاركتك على أن تعطيني بعض الربح هل يجوز أم لا؟ لا يجوز؛ لأن بعض الربح غير معلوم، ولا بد أن يكون الربح معلوماً أو: شاركتك على أنه لك ربح الأطعمة وأنا لي ربح السيارة، لا يجوز، فربما تربح الأطعمة وتخسر السيارة، فأنا أربح وأنت تخسر هذا لا يجوز، وبعض الناس الآن يأكلون الربا ويتجرعونه حينما يعطي شخصاً مبلغاً ويشترط عليه أن يدفع له مبلغاً شهرياً ثابتاً، لا بد أن تكون شريكاً في الربح والخسارة، فالشريكان شريكان في المغنم والمغرم، هذه شروط عقد الشركة.

ما يجوز للوكيل التصرف فيه

ما يجوز للوكيل التصرف فيه قال: [وليس للوكيل أن يفعل إلا ما تناوله الإذن لفظاً أو عرفاً]. يعني: ليس للوكيل أن يتصرف إلا فيما يتناوله عقد الوكالة إما باللفظ وإما بالعرف. مثال ذلك: أخذت هذا التسجيل ووضعته عند تاجر أدوات كهربائية، لما وضعته أصبح وكيلي لبيع هذا الجهاز، والعرف يقول: إن هذا يباع بمائة جنيه. أيضاً لو كتبت في التوكيل: وكلت أنا الموقع أدناه الأستاذ فلان الفلاني في بيع العقار الكائن بشارع كذا خمسة طوابق بمبلغ ثلاثمائة ألف جنيه لا تقل عن ذلك، وللوكيل أن يوقع نيابة عني في البيع والشراء. إذاً: المهمة هنا محدودة بوظيفة بيع هذا العقار؟ فهل يجوز للوكيل أن يأخذ هذا التوكيل يوزوج به الموكل؟ لا؛ لأن التوكيل في البيع فلا يجوز له أن يستخدمه إلا في البيع فقط، وهل يجوز له أن يبيع سيارتي بتوكيل العقار؟ لا؛ لأن التوكيل هنا محدد، ولذلك قال: [وليس للوكيل أن يفعل إلا ما تناوله الإذن لفظاً أو عرفاً]. ثم قال: [وليس للوكيل توكيل غيره]، الأصل ألا يوكل غيره إلا إذا نُص في التوكيل على ذلك، كقوله: وله حق توكيل غيره في كل ما ذكر. وإذا لم يذكر فليس له حق التوكيل إلا في حالات آتية.

أحكام توكيل الوكيل لغيره

أحكام توكيل الوكيل لغيره قال: [وليس للوكيل توكيل غيره، وذلك أن الوكيل لا يخلو من ثلاثة أحوال: أحدها: أن ينهاه الموكل عن التوكيل، فلا يجوز له ذلك رواية واحدة]، يعني: إذا نهاني الموكل عن التوكيل وكتبت في التوكيل: وليس له الحق في أن يوكل غيره في كل ما ذكر، فلا يجوز له أن يوكل؛ لأنه نهاني عن توكيل غيري. قال: [وإن أذن له في التوكيل فيجوز له رواية واحدة؛ لأنه عقد أذن له فيه فكان له ذلك، كما لو أذن له في البيع، ولا نعلم في هذين خلافاً]، إما أن ينهاه وإما أن يأذن له. هذه الروايات لا خلاف فيها بين العلماء. لكن الخلاف في النوع الثالث: لو أطلق الوكالة، لم يأمر ولم ينه، ففي هذه الحالة قال: [فلا يخلو من ثلاثة أحوال: أحدها: أن يكون العمل مما يرتفع الوكيل عن مثله، كالأعمال الدنيئة في حق أشراف الناس المرتفعين عن فعلها، فإنه يجوز له التوكيل فيها؛ لأنها إذا كانت مما لا يفعله الوكيل لنفسه عادة انصرف الإذن إلى ما جرت به العادة من الاستنابة فيه]، بمعنى: وكلتك في بيع سيارة بطيخ، وأنت عالم تصعد المنابر هل يليق بالعالم أن يبيع البطيخ؟ لا. فطبيعة هذا العمل تتنافى مع عمل العالم، العرف يقول: ليس من عمله بيع البطيخ، فإذاً في هذه الحالة له أن يوكل غيره حتى ولو لم ينص، طالما أن الأعمال الدنيئة لا تليق بصاحب التوكيل، إذاً: طالما أن العرف يتنافى مع طبيعة العمل فيجوز له أن يوكل غيره. الحال الثاني: [أن يكون عمل لا يرتفع عن مثله إلا أنه عمل كثير لا يقدر الوكيل على فعله جميعه؛ فإنه يجوز له التوكيل]. مثلاً: وكلني في هدم عمارة مكونة من عشرة طوابق وإزالتها حتى سطح الأرض، فهنا لا بد أن أوكل غيري؛ لأن هذا العمل أنا لا أطيقه، ولا بد أن أوكل غيري؛ لأن الوكالة هنا انصبت على عمل ليس في طاقتي. الحال الثالث: [أن يكون مما لا يرتفع عنه الوكيل ويمكنه عمله بنفسه فليس له أن يوكل فيه؛ لأنه لم يأذن في التوكيل ولا تضمنه إذنه، فلم يجز كما لو نهاه عنه]. بمعنى: أن التوكيل مطلق، والعمل في طاقتي، والعمل في عرف الناس يناسبني، في هذه الحالة ليس لي أن أوكل. إذاً: نحن أمام ثلاثة أحوال: إذا أذن له بتوكيل غيره فيجوز باتفاق، وإذا نهاه عن توكيل غيره فيمتنع باتفاق، وإذا أطلق الوكالة فنحن أمام ثلاثة احتمالات: الاحتمال الأول: أن يكون العمل من الأعمال الدنيئة التي لا تناسب الموكل، كأن أقول: وكلتك في بيع هذا اللبن صباحاً، على أن تحمله وتمشي وتقول: من يشتري اللبن؟ فله أن يوكل من يبيع اللبن؛ لأن هذا لا يناسب طبيعته، والله سبحانه وتعالى يريد منا أن ننزل الناس منازلهم. الاحتمال الثاني: ألا يكون في طاقته. الاحتمال الثالث: أن يكون في طاقته وليس من الأعمال الدنيئة، فليس له أن يوكل غيره.

بيع الوكيل لنفسه وشراء ما لم يأذن به الموكل

بيع الوكيل لنفسه وشراء ما لم يأذن به الموكل قال: [وليس للوكيل الشراء من نفسه ولا البيع لها إلا بإذن]. يعني: أنا وكلتك في بيع السيارة الخاصة بي، هل يجوز أن تبيعها لنفسك؟ المذهب يقول: لا، لكن الراجح نعم، طالما أن هذا البيع ليس فيه ظلم للموكل، ولكن المذهب لا يجوز أن يشتري الوكيل أو أن يبيع لنفسه إلا بإذن الموكل، طالما أن الموكل أذن له في البيع والشراء فيبيع لنفسه أو لغيره، طالما كان ذلك في مصلحة الموكل. نفترض أنك ذهبت بالسلعة إلى السوق فسعرت بخمسين ألف جنيه، وأنت كغيرك لم أصادر حقك، إذا كان غيرك سوف يشتريها بنفس السعر، وليس هناك ظلم على الموكل؟ ولذلك في بيع السيارات دائماً يكتبون هذه الصيغة: وله حق البيع لنفسه أو لغيره. قال: [وإن اشترى لإنسان ما لم يأذن له فيه فأجازه جاز]. المعنى: إن اشتريت لك مروحة دون أن تكلفني؛ لأني رأيت أنك بحاجة لها، فأجزت ذلك وأخذتها صح، وإن رديتها لزمت من اشتراها لك.

ما يضمن فيه الوكيل

ما يضمن فيه الوكيل قال: [والوكيل أمين لا ضمان عليه فيما أتلف إذا لم يتعد]. يد الوكيل يد أمين وليست يد ضامن، والوديعة كذلك لو وضعت عندك مبلغاً من النقود -مائة ألف جنيه أمانة- فوضعته في الخزنة وأغلقت الخزنة، وأخذت بالأسباب التي في عرف الناس، ورغم ذلك سرق، المذهب أنه لا يلزمك الضمان؛ لأنك الآن أمين، وأخذت بالأسباب ويدك يد أمانة، وكذلك لو أعطيتك السيارة لبيعها ثم صدمت من الخلف، هل يلزم الوكيل تلف السيارة؟ لا؛ لأنه حافظ عليها ورعاها ولم يفرط فيها، ولم يتعد الحدود، والتلف جاء بغير إرادة منه، ولذلك قال: والوكيل أمين لا ضمان عليه فيما يتلف إذا لم يتعد. مداخلة: إذا معرض السيارات فتح أبوابه وأجر السيارات؟ الشيخ: هذه مشكلة؛ لأنه يعطيه سيارة ويوقع المستأجر على وصف أن يده يد أمانة، مع أن إيجار السيارة للمعرض، وإن أتلف السيارة ينظر هل تعدى أم لم يتعد؟ طالما لم يتعد فلا ضمان عليه؛ لأن يد السائق يد أمين وليست يد ضمان، ولو كانت يد أمين فلا شيء عليه، أما إن كانت يد ضمان فيلزمه. قال: [وإن قضى الدين بغير بينة وأنكره الغريم المدين ضمن؛ لأن الموكل لا يقبل قوله على الغريم وكذلك وكيله]. بمعنى: أن وكيلك أرسلك لسداد دين عليه فقضيته، ثم ذهبت إلى الموكل وقلت له: قضيت عنك ألفاً من الجنيهات لفلان، فقال: هل معك بينة؟ قلت: لا، قال: هل أشهدت على هذا القضاء؟ قلت: لا، لا بد أن تقيم بينة على هذا القضاء، وتقيم دليلاً على أنك وفيت هذا الدين، وإلا ضمنته في حال أنكره الدائن. قال: [إلا أن يكون قضاه بحضرة الموكل]. يعني: إذا حضر الموكل فلا بينة، ولا ضمان عليه؛ لأن التفريط من الموكل حيث لم يشهد ومعنى هذا أنه قبل أن يقضيه. وهنا نقول: هل يصح التوكيل بجعل؟ الجعل هو المقابل، يعني: يجوز أن أوكل غيري بمقابل، وهذا توكيل المحامين، فالوكيل له حق في أخذ مقابل، ويجوز التوكيل بغير جعل. قال: [لأنه تصرف لغيره لا يلزمه فجاز أخذ العوض عنه]. المعنى: ممكن يكون بمقابل ويمكن ألا يكون بمقابل. قال: [لأنه تصرف لغيره لا يلزمه أخذ العوض عنه، كرد الآبق، فإذا قال: بعه بعشرة، فما زاد فهو لك. صح، وله الزيادة؛ لأن ابن عباس رضي الله عنهما ما كان يرى بذلك بأساً]. وهذا شرط الموكل على نفسه إذا باعه بزيادة جاز. أما لو قال له: بع هذا بمائة فباعه بمائة وعشرة لا بد أن يعطيه الباقي، وليست الزيادة من حقه؛ لأنه الآن وكيل، فلا بد أن يبين للموكل ما باع به وما اشترى. والقول في الرد والتلف ونفي التعدي قول الوكيل، إلا إذا جاء الموكل ببينة.

العدة شرح العمدة [68]

العدة شرح العمدة [68] من أبواب المعاملات المالية في الإسلام الشركة، وتكون الشركة بين اثنين وأكثر في مال أو بدن أو وجاهة، فإن كانت الشركة بالمال والبدن فهي شركة عنان، وإن كانت بالوجاهة فهي شركة وجوه، وإن كانت بمال أحدهما وجهد الآخر والربح بينهما فهي مضاربة، وإن كانت ببدنيهما فهي شركة أبدان.

باب الشركة

باب الشركة قال: [باب الشركة]. تعريف الشركة هي: اجتماع في استحقاق أو تصرف. مثال الاجتماع في الاستحقاق قوله تعالى: {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء:12]، يعني: إن كانوا أكثر من اثنين فهم شركاء في ثلث التركة توزع عليهم. أيضاً: لو توفي زوج وترك أربع زوجات، وأنجب من كل واحدة أولاداً، فإن الزوجات الأربع شركاء في الثمن يوزع عليهن بالتساوي. هذه شركة استحقاق. النوع الثاني من الشركات: التصرف، قال: [وهي على أربعة أضرب]، يعني: الشركات عنده أربعة أنواع، وهي خمس على الراجح.

شركة العنان

شركة العنان أولاً: شركة العنان: لماذا سميت بذلك لأننا حينما نطلق فرسين متساويين في الرهان والسباق وأحدهما يكون موازياً للآخر يقال: عنان هذا مساوٍ لهذا، كذلك الشركاء كلهم له نفس الحقوق والواجبات، شركة العنان يشترك فيها كل الأطراف بالمال والأبدان، فلو أعطيتني المال ولم تعمل ببدنك فليس عناناً؛ لأن العنان يشترط فيها أن تكون بالأموال والأبدان معاً. إذاً: يشترط في شركة العنان أن تكون بالأموال والأبدان، والربح بين المشتركين بالتساوي على حسب الأسهم. فأنا أتصرف في حدود سهمي باعتبار أنني مالك له، وأتصرف في سهم غيري باعتباري وكيلاً له، كذلك شريكي يتصرف في سهمه باعتباره ماله، ويتصرف في سهمي باعتباره وكيلاً لي، إذاً: لكل من الطرفين أن يتصرف في حقه باعتباره مالكاً، وفي حق شريكه باعتباره وكيلاً له. وليس معنى التساوي أن يكون رأس مال هذا كرأس مال هذا، وربح هذا كربح هذا لا، بل المراد التساوي في الحقوق والواجبات. قال: [وهي جائزة بالإجماع. ذكره ابن المنذر]. ابن المنذر يتساهل في مسائل الإجماع؛ لذا قالوا: لا يعتد بإجماع ابن المنذر ولا بتصحيح الحاكم، ولا بوضع ابن الجوزي، يعني: أنه للاستئناس ولا يعتبر به.

شروط شركة العنان

شروط شركة العنان قال: [وإنما اختلف في بعض شروطها، وسميت شركة العنان؛ لأنهما يتساويان في المال والتصرف، كالفارسين إذا سويا بين فرسيهما وتساويا في السير فإن عنانيهما يكونان سواء، ولا تصح إلا بشرطين: أن يكون رأس المال دراهم أو دنانير]. إذاً الشرط الأول: أن يكون رأس مال الشركة دراهم أو دنانير، وهذه هي العملة التي كانت في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، ويحل محلها اليوم أي عملة الجنيه أو الدولار. وهل تجوز بالعروض؟ خلاف بين العلماء، والراجح أنها تجوز، ومعنى بالعروض: أنك معك عشرة آلاف جنيه، وأنا معي سيارة بعشرين ألف جنيه، دخلنا شركاء أنت برأس مالك النقدي وأنا بسيارتي، هل يجوز أم لا يجوز؟ قول المذهب: أنه لا يجوز، ولا بد أن تكون بالأموال، لكن الراجح أن تقوم العروض بالمال، فتدخل بقيمة السيارة شريكاً. الشرط الثاني: [أن يشترط لكل واحد منهما جزءاً من الربح مشاعاً معلوماً]. شرطان لأي ربح: أن يكون مشاعاً أي: غير محدد بل متفرقاً في كل الشركة، ومعلوماً: ربحي وخسارتي أنا 40%، لكن الربح غير محدد، ومن هنا جاءت ربوية البنوك التجارية؛ لأنهم يحددون الربح سلفاً، يقولون لك: الربح كذا في المائة دون دراسة أو تحقيق لأرباح أو خسائر، أما العنان فأنت شريك في الربح والخسارة بنسبة كذا. قال: [الشرط الثاني: أن يشترط لكل واحد منهما جزءاً من الربح مشاعاً معلوماً، ولا خلاف في ذلك في المضاربة المحضة]. المضاربة هي النوع الثاني من الشركات، فالعامل يشترط على رب المال ثلث الربح أو نصفه أو ما يتفقان عليه بعد أن يكون ذلك معلوماً، والمعنى: الاتفاق على نسبة ربح. لكن ينتبه إلى أنه في شركات الشرع لا يجوز أن أتحمل خسارة أكثر من نصيبي في رأس المال، يعني: أنا دفعت عشرة وأنت دفعت خمسة، الربح على حسب ما نتفق، والخسارة ليست على حسب الاتفاق، لا. بل ينبغي ألا تزيد عن نصيبي في رأس المال. حتى إذا اشترط علي شريكي أن أتحمل خسارة بمقدار أكبر لم يجز.

شركة الوجوه

شركة الوجوه القسم الثاني من الشركات: شركة الوجوه. يعني: أنا وأنت لا نمتلك شيئاً من المال، ونريد أن نفتح معرضاً للسيارات، دخلنا على تجار السيارات، وأنت رجل وجيه أخذت عشر سيارات بالوجاهة، وأنا وجيه ذهبت إلى معرض آخر وأتيت بخمسة، وفتح المعرض بالوجاهة، ولذلك قال: [وهو أن يشتركا فيما يشتريان بجاههما، وثقة التجار بهما، فما ربحا فهو بينهما؛ لأن مبناها على الوكالة والكفالة، لأن كل واحد منهما وكيل صاحبه فيما يشتريه ويبيعه كفيل عنه بذلك، والملك بينهما على ما شرطاه نصفين أو أثلاثاً أو أرباعاً، والوضيعة على قدر ملكيهما فيه، ويبيعان فما رزق الله تعالى فهو بينهما على ما شرطاه، فهو جائز، ويحتمل أن يكون على قدر ملكيهما. وهما في جميع تصرفاتهما وما يجب لهما وعليهما في إقرارهما وخصومتهما بمنزلة شريكي العنان على ما سبق]. يعني: شركة الوجوه هي شركة يشترك فيها أكثر من واحد بجاههما على أن يتفقا على الأرباح والخسائر بحيث لا تزيد الخسائر عن ملك أحدهما في الشركة.

شركة المضاربة

شركة المضاربة النوع الثالث من الشركات: المضاربة. مثال المضاربة: أنت صاحب معرض سيارات، وأنا معي مائة ألف، فقلت لك: خذ المائة ألف ضارب بها، وشغلها في السوق، فأنا لست شريكاً معك لكني أعطيك رأس المال تستثمره وتعطيني ربحاً على حسب الاتفاق. والبنوك الإسلامية فيها نظام المضاربة والمشاركة والمرابحة. قال: [المضاربة: وهو أن يدفع أحدهما ماله إلى آخر يتجر فيه والربح بينهما، ويسمى مضاربة وقراضاً، وينعقد بلفظهما، وكل ما يؤدي معناهما -لأن القصد المعنى- فجاز لما دل عليه كالوكالة]. يعني: أي لفظ يفهم منه المضاربة. قال: [وأجمع أهل العلم على جواز المضاربة في الجملة. ذكره ابن المنذر، ويروى ذلك عن جماعة من الصحابة، ولا مخالف لهم في عصرهم -فيكون إجماعاً- ولأن بالناس حاجة إليها، فإن الدراهم والدنانير لا تنمو إلا بالتقليب والتجارة]. تنبيه: من الاعتقادات الخاطئة أن المضارب لا يقبل بالخسارة، ولكنه شرعاً مفروض عليه أن يقبل بها، لكن البعض يقول: بدلاً من وضعها في البنك بنسبة كذا في المائة أعطيها لفلان وآخذ منه 20% أو 15%! يحسبها بهذه الطريقة، وعند الخسارة لا يقبل، وعند الربح ما شاء الله، يحبك إذا ربحت، ويكرهك إذا خسرت.

شركة الأبدان

شركة الأبدان قال: [شركة الأبدان]. آخر قسم ذكره المصنف شركة الأبدان، ومن اسمها يتضح معناها، وأنها شركة بالأبدان وليست بالأموال، والمعنى: أن يشتركا فيما يكسبان بأبدانهما، يعني: أشترك أنا وأنت بصناعة أو اصطياد وما نأتي به شركة ونتفق على الربح، أنت عشرة وأنا تسعين، يعني: واحد ذهب يصطاد معي شركة وإمكانياته في الصيد ضعيفة، فالربح من العدل أن يوزع على حسب الجهد المبذول، مثلاً: اشتركنا في شركة أبدان لحصد هذه المساحة من الأرض، أنا أحصد في الفدان 12 قيراطاً وأنت 12 قيراطاً إذاً النصف، أنا في يومين انتهيت وأنت لم تنته إلا في شهر إذاً: لا يستويان، المفروض ربحي يزيد على حسب العمل والجهد والكفاءة والمهارة والطاقة. هذه هي شركة الأبدان. كالاحتطاب والتلصص على دار الحرب، وفي المعادن، وسائر المباحات، يقول ابن مسعود: اشتركت أنا وسعد بن أبي وقاص وعمار بن ياسر في التلصص على دار الحرب على المشركين وأن يأتوا بأسارى، يقول ابن مسعود: فلم آت أنا وعمار بشيء وجاء سعد بأسيرين، سيدنا سعد جاء بأسيرين. قال: [والربح في جميع ذلك على ما شرطاه]، يعني: الربح في سائر الشركات على ما اشترطا ليس هناك حدود للربح، وما اتفقا عليه جاز؛ [لأن الحق لا يخرج عنهما]. والوضيعة يعني: الخسارة على كل واحد منهما بقدر ماله إن كانا متساويين تساويا في الخسران، قال: [ولا نعلم في ذلك خلافاً]، إذاً: الخسارة على قدر رأس المال.

شروط الأرباح في الشركات

شروط الأرباح في الشركات قال المصنف رحمه الله: [ولا يجوز أن يجعل لأحدهما دراهم معينة ولا ربح بشيء معين]. المعنى: أن الربح في الشركات الشرعية لا بد له من شرطين، سواء كانت شركة وجوه، أو عنان، أو أبدان، أو مضاربة الربح في أي عقد شركة لا بد له من شرطين حتى يكون شرعياً. الشرط الأول: أن يكون الربح معلوماً، أي: ليس مجهولاً. أي: أنت لك نسبة (50 %) وأنا (50 %)، وليس من الإسلام ولا من الشرع في شيء تعيين مبلغ من الدراهم، فالمعلوم المقدار كأن يكون 20 أو 30 أو 40 أو 50 أو 80 % من الأرباح المحققة. فإن قال: لي بعض الأرباح ولك البعض الآخر لم يجز؛ لأنه ليس معلوماً. أو قال: لك ربح السيارات ولي ربح الأقمشة، لا يجوز؛ فربما تربح السيارات وتخسر الأقمشة، فلا بد أن يكون الربح في عقود الشركات الشرعية معلوماً. الشرط الثاني: أن يكون مشاعاً. أي لا يكون بين الشريكين تحديد مبلغ من المال معيّن، إنما يكون معلوم النسبة، كأن تملك مساحة 10 أمتار في عقار 50 متر مشاع، فأين العشرة أمتار؟ الله أعلم، فأنت لا تدري هل هي في الأمام أم في الوسط، فأنت كذلك ربحك مشاع في الربح المحقق. حققنا أرباحاً في الشركة (3000)، في آخر السنة أنت لك (60 %) وأنا (40 %) إذاً فأنت لك (1800) وأنا لي الباقي وهي (1200) هذا هو الربح. لذلك يقول المصنف: [ولا يجوز أن يجعل لأحدهما دراهم معينة ولا ربح بشيء معين؛ لأن ذلك يفضي إلى جهل حق كل واحد منهما في الربح، ومن شرط المضاربة كون ذلك معلوماً فيفسد بها العقد؛ لأن الفساد لمعنى في العوض المعقود عليه، فأفسد العقد]. والمعنى: أنه لو حدد الربح لأحدهما بمبلغ معين لكان من احتمال ذلك ألا يأخذ الثاني ربحاً على الإطلاق، قال أحدهما للآخر: أنا لي (1000) من الربح، فهنا حدد المبلغ، وحققت الشركة (999)، فمن يأخذ الربح هنا؟ الذي حدد الألف، والآخر لا يأخذ شيئاً، وهذا ظلم.

حكم مقولة: العقد شريعة المتعاقدين

حكم مقولة: العقد شريعة المتعاقدين هناك كلمة تسري على الألسنة وهي خطأ شرعاً، وهي: العقد شريعة المتعاقدين، وهذا ينتشر عند المحامين، وهو خطأ شرعي، والأصل: أن العقد شريعة الله؛ لأن المتعاقد قد يتعاقد مع أخيه على أمر غير شرعي، فأنا وأنت متعاقدان اتفقنا على شركة لبيع لحم الخنازير، فهذا لا يجوز، فهنا انصرفت الإرادة لتكوين الشركة بهذه الشروط، فلو أن العقد شريعة المتعاقدين لكان معنى ذلك أن من حقهما أن يتفقا على أي شيء حتى ولو خالف الشرع، وإنما العقد شريعة الله، فما أباحه الله جاز، وما لم يبحه لم يجز. وهذا خطأ نراه في واقعنا، فقد يعطي الرجل الرجل مائة ألف، ويقول له: سآخذ منك أرباحاً كل شهر بمقدار ألف جنيه وهذا أمر غير شرعي، فالشرع -وليس الهوى أو العرف المخالف- هو الذي يحكم المعاملات، ولذلك تقرأ العجب العجاب، فالمجلس القومي للمرأة كان يناقش الاقتراح الأول وهو: أن يُعاقب الرجل الذي يتزوج بأخرى معاقبة مالية، أو بمعاقبة تصل به إلى السجن. الاقتراح الثاني: أن تساوى المرأة مع الرجل في الشهادة، مع أن الله يقول: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة:282] وهم يريدون للمرأة أن تكون كالرجل. فهذه معاندة ومكابرة لشرع الله لأناس رضعوا من الغرب، وتربوا على مائدته، ولا يعرفون من الإسلام شيئاً، يحملون اسم الإسلام والإسلام منهم براء، فالله سبحانه هو الذي أباح التعدد، بل هو من محاسن شريعتنا، فنحن نتباهى به ونفتخر أمام الناس جميعاً أن الإسلام أباح للرجل أن يعدد بشرط أن يعدل، فكوننا نناقش: أن من تزوج بأخرى يعاقب عقوبة تصل إلى السجن هذا أمر بالغ الخطورة. إن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم قال: [والحكم في المساقاة والمزارعة كذلك] أي: أن عقود المساقاة والمزارعة لا بد أن يكون فيها الربح معلوماً مشاعاً.

جبران الخسائر في الشركات

جبران الخسائر في الشركات قال: [وتجبر الوضيعة من الربح] والوضيعة هي الخسارة، وإذا حققت الشركة خسارة، جبرت الخسارة من الربح. [وتجبر الوضيعة من الربح؛ لأن الربح الفاضل عن رأس المال] أي: الزائد عن رأس المال. وربما تطال الوضيعة رأس المال إن لم يكثر الربح، أي أننا حققنا أرباحاً هذا العام مقدارها (3000)، ففي السنة القادمة حققنا خسارة قدرها (1000)، فهنا الألف تخصم من الثلاثة آلاف؛ لأن الربح هو الزيادة على رأس المال، فهي تجبر من الربح أولاً ولو لم يغط الربح لتناول رأس المال.

حكم بيع النسيئة في الشركات

حكم بيع النسيئة في الشركات قال: [وليس لأحدهما البيع نسيئة]. المعنى: إذا فتحنا شركة لبيع السيارات، فليس لأحدنا أن يبيع بالتقسيط إلا بموافقة الآخر، لكن الشيخ ابن عثيمين يستدرك على هذه المسألة ومعه الحق، يقول: العرف في هذه الحالة هو الذي يحكم التعامل، فلو أن بيع السيارات في عرفنا يجري بالقسط، وباع أحد الشريكين بالقسط لم يخالف ما تعارف عليه الناس في البيع والشراء، إلا إن أراد أحد الشريكين أن يخالف الواقع المعمول به طالما لم يخالف الشرع فله ذلك، فيقول لشريكه: أنا أشاركك بشرط ألا نبيع بالتقسيط؛ لأن الواقع أن الناس جميعاً تبيع قسطاً، فواقع الناس هو الذي يحكم العلاقة في البيع بالقسط والبيع بالنقد، وهذا من حقوق الشريكين أحدهما على الآخر. قال: [وليس لأحدهما البيع نسيئة؛ لأن فيه تغريراً بالمال، وفيه وجه آخر يجوز؛ لأن عادة التجار البيع نسأ والربح فيه أكثر] أي: أن الوجه الآخر هو الأرجح عند الإمام أحمد -كما قال المصنف- على حسب حال التجارة.

حكم الأخذ من الأرباح بدون إذن الشريك

حكم الأخذ من الأرباح بدون إذن الشريك قال: [وليس له أن يأخذ من الربح شيئاً إلا بإذن الآخر؛ لأنه إذا أخذ من الربح شيئاً يكون قرضاً في ذمته، فلا يجوز إلا بإذن كما في الوديعة]. في الشركات يشارك الرجل الرجل على مقدار من الأرباح المعلومة المشاعة، ثم يأخذ من الأموال في جيبه ويقول هذا من ربحي إلى حين تحقيق الربح، وهذه تسمى في المحاسبة مسحوبات الشركاء، وتعامل معاملة المسحوبات، أو تسمى في الشركات جاري الشريك (أ)، وجاري الشريك (ب)، وهذا قرض؛ لأن الأرباح لم تحدد بعد، فلا ينبغي لأحد الشركاء أن يسحب من الشركة إلا بإذن الآخر. وهذا مما عمت به البلوى، فتجد أحد الشركاء يأخذ ما لذ وطاب من الشركة، وإن سألته: لم تفعل ذلك؟ قال لك: هذا من أرباحي، وأرباحه ليست معلومة، وربما قد تخسر الشركة، حتى أن البعض يأخذ من متاع الشركة من عروضها ومن أموالها لبيته، وينفق على البيت من الخضروات واللحم ما لذ وطاب، فنقول له: بأي حق تأخذ؟ يقول: من أرباحي، قلت: هذا لا يجوز شرعاً، فلا بد لك أن تخبر الشريك الآخر، ويعتبر ذلك قرضاً، ولا يعتبر ربحاً موزعاً إلا بعد تحقيقه. فالشرع مريح لكن الناس تبتعد عنه، فيحدث العجب العجاب والخلافات لا سيما أنه يزيد الطين بلة إذا كان بين اثنين ملتزمين، ولا يحتكمان إلى الشرع؛ لأنهما يجهلان الشرع، وهذه مصيبة كبيرة بل هي طامة.

الأسئلة

الأسئلة

حكم من أخذ الصدقات لتأثيث بيت ابنته المقبلة على الزواج

حكم من أخذ الصدقات لتأثيث بيت ابنته المقبلة على الزواج Q هل يجوز أخذ الصدقات لشراء أثاث ابنتي المقبلة على الزواج؟ A جهاز المرأة ليس على الأب، شرعاً ليس على الأب، فلا يستحق أن يأخذ مساعدة؛ لأجل أن يعد جهاز الزوجة لابنته، يحضر ثلاجة وأشياء أخرى.

حكم إدخال شريك بالمال بخمس الأرباح

حكم إدخال شريك بالمال بخمس الأرباح Q رجل أسس مشروعاً بمبلغ مائتين وخمسين ألف جنيه، ثم أراد هذا المشروع مبلغ خمسين ألف سنة لكي يتم، فهل له أن يُدخل شريكاً مقابل خمس الأرباح؟ A نعم يجوز، وهل الأصل الشركات أم الفرادى: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [ص:24]؟ من النادر أن تجد شركة تستمر، الأفضل أن تستثمر أموالك بنفسك. حدث أمام عيني أن أخاً مع أخيه حول له مائتين وخمسين ألف جنيه لبناء بيتٍ له، فقام الأخ ورخص البيت باسمه وبنى لنفسه، وسكن وما زالت القضية في المحاكم، وليس معنى ذلك أن تفقد الثقة في الناس، ولكن: لست خباً ولا الخب يخدعني. اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار.

العدة شرح العمدة [69]

العدة شرح العمدة [69] للمساقاة في الزراعة عدة أحوال، وهي أن يساقي على شجر قائم، أو يساقي على ثمر على شجره، أو يساقي على شجر لم يغرس بعد، أما المزارعة فصفتها أن يدفع مالك الأرض أرضه لمن يزرعها ويقوم عليها بجزء من زرعها.

باب المساقاة والمزارعة

باب المساقاة والمزارعة قال المصنف: [باب المساقاة والمزارعة]. المساقاة هي: أن يدفع شجراً لمن يقوم عليه بجزء من ثمره. ما الفرق بين الشجر والزرع؟ أولاً: الشجرة لها ساق وفروع وثمرة، أما الزرع فليس له ساق، ويمكن أن يكون له ثمرة. ثانياً: أن الزرع له الحصاد، والشجر له الجذاذ {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام:141]، وفي سورة القلم: {إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ} [القلم:17].

أنواع المساقاة

أنواع المساقاة قال: [أن يدفع شجراً لمن يقوم عليه بجزء من ثمره، ولها ثلاثة أحوال: الحالة الأولى: شجر قائم يساقي عليه. الحالة الثانية: ثمر على شجر يساقي عليه. الحالة الثالثة: شجر لم يغرس بعد]. الحالة الأولى: شجر قائم يساقي عليه: عندي مثلاً نخلة، جريد وساق وجذع والثمر غير موجود على الإطلاق، وأساقي عليها بمعنى أن أقول لك: اسقها وراعها حتى تنبت الثمرة، وعند جذاذ الثمرة لك الربع. هذه تسمى مساقاة على شجرة قائمة لم تنبت بعد. الحالة الثانية: إذا طرحت النخلة خميماً -وهو بلح صغير أخضر لم يلقّح بعد- فقلت لك: الشجرة في طريقها للنمو خذها واسقها وراعها إلى أن تكتمل الثمرة ولك النصف ولي النصف، جاز ذلك، وهذه تسمى: مساقاة على ثمر على شجر. الحالة الثالثة: مساقاة على شجر لم يغرس بعد: أردت أن أزرع نخلة، فجئت بك وقلت لك: أريد أن أغرس نخلة هنا وأنت تراعيها بالسقيا والمتابعة حتى تنمو وتضع الثمرة، وثمرتها بيني وبينك مناصفة، وهذه مساقاة على شجرة لم تزرع، وهذا يجوز أيضاً.

ما تصح فيه المزارعة

ما تصح فيه المزارعة قال: [وتجوز المزارعة في الأرض بجزء من زرعها سواء كان البذر منهما أو من أحدهما؛ لحديث ابن عمر]. انتقل المصنف إلى المزارعة، ويقصد بالمزارعة: أن يدفع المالك الأرض لمن يزرعها ويقوم عليها بشرط أن يقول له: لك ربع الإيراد ولي الثلاثة أرباع، وينهى عن المزارعة إن حدد له مساحة، يقول: لك هذا القيراط ولي الباقي، أي أنه حدد له جزءاً من الأرض، قال: ناتج هذا الجزء لك، والباقي لي، فهذا منهي عنه؛ لأن ناتج هذا الجزء لا أعرفه، وربما لا ينتج أصلاً وينتج الباقي، ففي هذه الحالة يكون المظلوم المزارع، بل لابد أن يكون مشاعاً بيننا، فالحلو والمر لا بد أن يكون بيننا، أما أن تعطيني المنطقة السوداء الجرداء التي لا تنتج وتأخذ أنت الصفراء التي تنتج، وتقول: لك هذا القيراط ولي الباقي؟ فهذا لا يجوز شرعاً. قال: [المزارعة: دفع الأرض لمن يزرعها]. لو قلت لك: ازرع هذه الأرض -وبذرها على المالك- قطناً، فأنت الآن تبذرها وتسقيها، وتقوم على رعايتها إلى أن نحصد الزرع وبالنصف، وربما نقول: البذر مناصفة بين المالك وبين المزارع، فهذا جائز أيضاً، وربما يقول: أنا مالك وليست عليّ البذور، وإنما هي على المزارع، فكله جائز حسب الاتفاق. والزكاة كل على حسب نصيبه، فإذا أخذتُ النصف وأنت أخذت النصف إذاً زكاتك تلزمك وزكاتي تلزمني إن بلغ النصيب النصاب، وهذه مسألة أخرى في الزكاة. قال: [لحديث ابن عمر، وفي لفظ: (على أن يعمروه من أموالهم)]. أهل خيبر عاملهم النبي صلى الله عليه وسلم بشطر ما يخرج من الأرض من ثمر أو زرع -متفق عليه- ثم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، أي أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الأرض ليهود خيبر على أن يزرعوها ويسقوها، وعاملهم النبي صلى الله عليه وسلم على نصفها، فهم يزرعون ويسقون ونحن نأخذ النصف، وهكذا عاملهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي.

ما يجب على العامل في المزارعة

ما يجب على العامل في المزارعة قال: [وعلى العامل ما جرت العادة بعمله في المساقاة والمزارعة من الحرث، والإبار، والتلقيح، وإصلاح طرق الماء، والحصاد والدراس، والذري؛ لأن لفظهما يقتضي ذلك]. أي أن العامل يقوم بما جرت به العادة، وعلى ما هو واجب عليه؛ فيسقي الزرع، يحصد، يلقّح، يؤبر، يخزّن، يسقي فكل ما من شأنه عمل العامل يقوم به. حتى بعد أن يحصد الزرع يدرسه، ثم يعبئه، وبعد التعبئة يخزنه في الأكياس، ثم يحملها إلى المخازن، فكل ما من شأنه حفظ الزرع حتى يصل إلى المخازن هو من صميم عمل العامل. قال: [ولو دفع إلى رجل دابة يعمل عليها وما حصل بينهما جاز على قياس ذلك؛ لأنه يشبه ما لو دفع ماله إلى من يتجر فيه والربح بينهما، ويشترط أن يكون ما بينهما معلوماً كالمضاربة]. لو كان عندي حمار ولكني لا أجيد العمل عليه، فقلت لك: شغل الحمار بيني وبينك مناصفة، سخّره ليحمل أي شيء بمقابل والمال مناصفة بيني وبينك، أو على حسب الاتفاق، فالدابة قد تشمل السيارة والأنعام وكل ما يحمل، وهذا معمول به في القرى، فبعض الناس يقتني البعير ويدفع به إلى الجمّال، والجمّال يقوم بنقل الحطب، والقطن ويأخذ أجرته.

باب إحياء الموات

باب إحياء الموات قال المصنف رحمه الله: [باب إحياء الموات]. ويقصد بإيحاء الموات: إحياء الأرض الميتة.

ذكر الخلاف في إحياء الموات وتملكه

ذكر الخلاف في إحياء الموات وتملكه مذهب الحنابلة أن من أحيا أرضاً فهي له، لكن الراجح وهو قول جمهور العلماء: أن ولي الأمر لو نظّم إحياء الأرض فهذا من المصالح المرسلة التي ينبغي فيها طاعة ولي الأمر، والمعنى أن تمليك الأرض الموات لا يتم إلا عن طريق ولي الأمر، إذاً الخلاف بينهم: هل هذا على التشريع أم التنظيم؟ والأمر في حديث الترمذي: (من أحيا أرضاً ميتة فهي له)، هل هذا من سبيل التنظيم أم التشريع؟ فعند الحنابلة أنه على التشريع، وأن من أحيا أرضاً ميتة سواء بإذن أو بغير إذن من ولي الأمر فهي له، لكن الراجح من أقوال العلماء: أن ذلك بإذن ولي الأمر؛ لأن ولي الأمر إذا أصدر قراراً يصبح في حكم الشرع طالما لم يخالف؛ لأن المصالح المرسلة التي ليس فيها معارضة للشرع ينبغي أن تطيع فيها ولي الأمر، وولي الأمر في النظام الملكي هم الملوك، وفي النظام الجمهوري رئيس الجمهورية أو من ينيبه. ولا يجوز الخروج على ولي الأمر، هذا منهج السلف قاطبة؛ لحديث عبادة بن الصامت: (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره، وفي العسر واليسر، وألا ننازع الأمر أهله إلا أن نرى كفراً بواحاً عندنا من الله فيه برهان)، قال علماء السلف: حتى لو رأيت كفراً بواحاً ولم تستطع الخروج لاستضعاف ولعدم قوة فالمختار هو عدم الخروج، ولذلك لم يخرجوا على الحجاج بن يوسف الثقفي رغم ما صنع بالتابعين، فقد قتل سعيد بن جبير واستباح الدماء، ومع ذلك لم يخرجوا عليه، وصلوا خلفه.

حكم تملك الأرض

حكم تملك الأرض قال رحمه الله: [باب إحياء الموات. وهي الأرض الدائرة التي لا يعرف لها مالك]. الأرض الدائرة يقاس عليها كل ما لا يعرف له مالك. حين تنزل إلى مكان موجود فيه ماء، وتريد أن تغتسل، فوجدت في القاع شيئاً ثميناً صاحبه ألقاه، إما ساعة ذهب أو غير ذلك ألقاها لأنه لا يريدها، وأنت وجدتها هل هي من حقك أم من حق صاحبها؟ طالما أنه استغنى عن ملكه وألقاه فهي لمن وجدها، وهذا أصل في كل ما يلقى؛ لأن المالك تخلص من ملكه وألقاه بإرادته، ولا يريد أن يتملك هذا الملك، وهذا يختلف عن اللقطة، فلا بد أن نفرق بين الأمرين. قال: [لما روى جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحيا أرضاً ميتة فهي له)]. والأرض الميتة هي التي لا يعرف لها مالك، ولو أن هناك أرضاً مخصصة، أو يجتمع فيها الناس في كل سنة، أو يوضع فيها الحطب، أو تجري فيها السيول فهي مخصصة، فلا يجوز أن تحييها وتقول أنا مالك لها؛ لأنها أصبحت مخصصة، وتعارف الناس على أنها مخصصة.

حكم تملك ما لم يعلم مالكه

حكم تملك ما لم يعلم مالكه قال: [النوع الثاني: ما كان فيها من آثار الملك، ولا يعلم لها مالك ففيها روايتان]. مثاله: لو أنني ذهبت إلى صحراء سيناء فوجدت أرضاً ميتة، ولكن هذه الأرض فيها آثار استراحة أو ساقية أو بئر، إذاً فهي آثار استصلاح ملك قبل ذلك. ففيها روايتان: فإن عُرف لها مالك فلا يجوز؛ لأنها لمالكها الأول، وإن لم يعرف لها مالك ففيها روايتان، والراجح: أنها لمن استصلحها؛ لأن الأرض تأخذ حكم الميتة؛ لأن المالك تركها. ولذلك قال: [إن رأى فيها آثار الملك ففيها روايتان] عن الإمام أحمد.

هيئة إحياء الأرض

هيئة إحياء الأرض وكيف أحكم على أنه أحيا الأرض؟ قال: [عمارتها بما تتهيأ لما يراد منها، والمرجع في ذلك إلى العرف، فما تعارفه الناس أنه إحياء فهو إحياء؛ لأن الشرع ورد به ولم يثبته فيرجع فيه إلى العرف كما رجعنا إلى ذلك في القبض والإحراز، فإذا ثبت هذا فإن الأرض تحيا داراً للسكنى، أو حظيرة، أو مزرعة، فأما الدار فأن يبني حيطانها وسقفها، وإن أرادها حظيرة فإحياؤها بحائط جرت به عادة مثلها، وإن أرادها للزراعة فأن يحوط عليها بتراب أو غيره مما تتميز به عن غيرها، ويسوق إليها ماء من نهر أو بئر، يعمل فيها ما تتهيأ به للزراعة من قلع أحجارها وأشجارها، وتمهيدها]. والمعنى: كيف أحكم أن هذا الرجل أحيا هذه الأرض؟ بإحيائها بالعرف. إن أجرى لها المياه، وحفر البئر، وأقام القنوات، وخطط الأرض، فبهذا يكون قد أحياها؛ لأن إحياء الأرض للزراعة هو بتدبير مصدر المياه لها أولاً، ثم العناية بها، وأما إحياء البيت فبإقامة الحيطان والسقف، وإحياء الحظيرة بإقامة الحيطان كعادة مثلها.

من حفر بئرا فأخرجت الماء فله حريمها من الأرض

من حفر بئراً فأخرجت الماء فله حريمها من الأرض قال [وإن حفر بئراً فوصل إلى الماء ملك حريمه]. قلنا: إحياء الأرض الموات يكون بزراعتها وبوصول الماء إليها، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من أحيا أرضاً ميتة فهي له)، وهذا الحديث فيه خلاف بين العلماء: هل هو إخبار بتشريع أم إخبار بتنظيم، وقلنا: لولي الأمر أن ينظم إحياء الأرض الموات، وهذا هو الراجح طالما أن ذلك من المصالح المرسلة. ثم بين كيفية الإحياء فقال: [وإن حفر بئراً فوصل إلى الماء ملك حريمه]. إن كل شيء له حرم؛ ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه)، فمحارم البئر يعني: ما يحيط به من مساحة يملكها من حفر البئر. قال: [وهو خمسون ذراعاً من كل جانب إن كانت عادية]. عادية: نسبة إلى قوم عاد، يعني: إن لم تحفر قبل ذلك يملك خمسين ذراعاً. قال: [وحريم البئر البديء خمسة وعشرون ذراعاً]. يعني: البئر الذي حفر قبل ذلك وأعاد هو حفره مرة أخرى. يقول الشيخ ابن عثيمين: خمسون ذراعاً باعتبار أنه لم يحفر قبل ذلك، وخمسة وعشرون ذراعاً باعتبار أنه أعاد الحفر. قال: [لما روى الدارقطني بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (حريم البئر البديء خمسة وعشرون ذراعاً، وحريم العادي خمسون ذراعاً)]. والمعنى: أنه إذا حفر بئراً لإحياء الأرض الميتة ووصل إلى الماء فإن البئر وما يحيط به من حريمه ملك له، والمسافة التي يملكها خمسون ذراعاً إن كان هو البادئ لحفر البئر، وخمسة وعشرون ذراعاً إن أعاد حفرها مرة أخرى.

باب الجعالة

باب الجعالة الجعالة تعني: الجعل، وهو أن أجعل لك مقابلاً، ولذلك في الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجعلوا لي جعلاً). قال المؤلف رحمه الله: [وهي أن يقول: من رد لقطتي أو ضالتي أو بنى لي هذا الحائط فله كذا، فمن فعل ذلك استحق الجعل، ونحن نقرأ في سورة يوسف: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف:72]]. والمعنى: أن صواع الملك لما سرق نادى مناد: لمن جاء بصواع الملك حمل بعير، يعني: جعل مقابل لمن جاء به. قوله: ((زَعِيمٌ))، يعني: ضامن كفيل، والزعيم غارم، فالجعل: هو أن تقول: (من رد لقطتي أو ضالتي أو بنى لي هذا الحائط فله كذا)، وهناك يعم بين الناس في العرف أن من وجد لقطة فله نسبة مئوية من قيمتها 10%، وهذا الأمر غير صحيح على إطلاقه، لكن إن قال صاحب اللقطة مثلاً: يا قوم! ضاع مني كمبيوتر، ومن وجده أو رده علي له مائتا جنيه، فهو الآن جعل جعلاً لمن وجد الضالة التي ضاعت منه، فإن كنت أسير في شارع العزيز فوجدت لقطة، ثم ظهر صاحبها فقلت له: اجعل لي جعلاً لا يجوز؛ لأنه لم يجعل جعلاً من البداية، فالجعل هو: أن يجعل صاحب اللقطة أو صاحب الضالة مقابلاً لمن وجد لقطته، وهذا معناه: أنه لا يجوز أن أجد لقطة ثم أقول لصاحبها: أنا لي فيها نسبة؛ لأننا الآن يؤمن الكثير منا أن من وجد مثلاً مبلغاً مقداره عشرة آلاف جنيه في محطة رمسيس، ثم وجد صاحبها يقول له: لي 10% حقي! ومن الذي أعطاه لك؟ يا عبد الله! هذا لا يجوز إلا إذا أعلن صاحب اللقطة أن من وجد اللقطة فله كذا قبل وجودها، أما بعد الوجود فلا يجوز أن أشترط أنا عليه إلا أن يعطيني بطيب نفس منه. يعني: أنا وجدت مثلاً لقطة في الطريق العام وجئت إلى صاحبها فعرفها فأعطيته إياها، فقال لي: هذا لك بطيب نفس، فهذه ليس فيها شيء، طالما أني لم أشترط. ولذلك قال هنا: [وهي أن يقول: من رد لقطتي أو ضالتي أو بنى لي هذا الحائط فله كذا، فمن فعل ذلك استحق الجعل، ويقول ربنا: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} [يوسف:72]، وروى أبو سعيد: (أن ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أتوا حياً من أحياء العرب، فلم يقروهم)]. يعني: أن نفراً من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام نزلوا إلى حي من أحياء العرب، فوجدوا سيد الحي قد لدغه ثعبان، وأصحاب هذا الحي عندهم بخل شديد؛ لقوله في الحديث: (فلم يقروهم)، وإقراء الضيف واجب.

مقتطفات في الكرم وأهله

مقتطفات في الكرم وأهله وأول من أكرم الضيف إبراهيم عليه السلام. يقول ابن حجر: ماله للضيفان وجسده للنيران وولده للقربان، فاستحق أن يكسى عند الواحد الديان، ولما دخلت عليه الملائكة أراد ضيافتهم، قال تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنكَرُونَ} [الذاريات:24 - 25]، يعني: لا يعرفهم: {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ} [الذاريات:26] يعني: مال إلى زوجته: {فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ} [الذاريات:26]، انظر إلى كرم إبراهيم، ملائكة في صورة بشر يأتي لهم بعجل، قال تعالى: {فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ} [الذاريات:26 - 27] يقول ابن مفلح: ومن باب إكرام الضيف أن تقرب له الطعام وألا تستخدمه في خدمة الطعام، ومعناه: أنك تقرب الطعام حيث يجلس، كما قال تعالى: ((فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ)) من الآية، ومن باب إهانة الضيف أن تقول له: اغسل الملعقة لو سمحت! ناولني هذا الطبق وتستخدم الضيف، وليس من أدب الضيافة أن تستخدم الضيف في الخدمة. قال تعالى: {فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ} [الذاريات:27] حينما ينزل بي رجل الساعة الثالثة ظهراً فربما يكون تغدى وربما لم يتغد؟ وقد يكون أتى من سفر، سافر صباحاً وأتى إلي عصراً، فأغلب الظن أنه لم يتغد، فمباشرة أدخل إلى الزوجة، وأحضر الطعام المتاح عندي وأقربه لهذا الضيف، أما أن أسأله: أيريد غداء أو شراباً فهذا من باب البخل، وفي سورة الكهف قال تعالى: {فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا} [الكهف:77]، ضيف مسافر متعب يطلب الطعام: ((فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا))، يعني: رفضوا رفضاً قاطعاً، وعلى ما يبدو أن المرأة منهم كانت ترضع الولد البخل كما ترضعه اللبن، قال تعالى: {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الكهف:77]. أقول: هؤلاء القوم لم يقروا الصحابة، وليس هذا دأب العرب، فقد كان العرب قبل البعثة يوصفون بالكرم وأي كرم، حتى إن حاتماً الطائي كان يشعل ناراً في الصحراء، فيراها عابر السبيل فيأتي إليها ويقدم له الطعام، فمعنى هذا: أنه كان يحب إكرام الضيف، فقد جاء في ترجمته: أنه أراد أن يختبر خلق رجل من العرب، فجاء الرجل إلى حاتم الطائي وقال له: يا حاتم! أطعمني -فـ حاتم يعرفه، وهو يعرف حاتماً - فقال: انصرف فليس عندي طعام، فانصرف الرجل بعد أن نهره حاتم، ثم تلثم حاتم، وقابل الرجل من طريق آخر، قال: من أين أنت قادم يا أخا العرب؟! قال: من عند حاتم الطائي. قال: أأكرمك؟ قال: أكرمني وقدم لي الطعام وأفاض علي من الخير، فرفع اللثام وقال: يا رجل! أنا حاتم ولم أقدم لك شيئاً فلم تكذب؟ قال: يا حاتم! إن قلت للناس: إنك لم تكرمني لن يصدقني أحد. فـ حاتم الطائي وغيره من العرب كانوا يوصفون بالكرم، لكن هذا الحي كان على غير هذه العادة، ولذلك في الحديث: (فلم يقروهم) والحافظ ابن أبي الدنيا له كتاب في قرى الضيف، يعني: إكرام الضيف.

أحكام في الرقية

أحكام في الرقية قال المؤلف رحمه الله: [(فبينما هم كذلك إذ لدغ سيد أولئك، فقالوا: هل فيكم من راق؟ فقالوا: لم تقرونا فلا نفعل، أو تجعلوا لنا جعلاً، فجعلوا لهم قطيع شياه، فجعل رجل منهم يقرأ بأم القرآن، ويجمع ريقه ويتفل)]. إن أصحاب هذا الحي يسألون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (هل فيكم من راق)، يعني: استخدام الرقية كان معروفاً عند العرب، وطالما أن الرقية ليس فيها شرك جازت، والبعض يستدل بهذا الحديث على جواز أخذ المقابل في الرقية، لكن الحديث له مناسبة، وهي: أن هؤلاء لم يضيفوهم فافترضوا لهم جعلاً من باب عدم الإقراء؛ ونحن نؤمن بوجود الرقية لا شك في هذا، لكن البعض أخذ المسألة وتوسع فيها حتى حدد مبلغاً معيناً للعلاج، الكشف بعشرة جنيهات، والكشف من السحر بخمسة عشر جنيهاً، والمس بسبعة جنيهات، والحسد بثمانية جنيهات، وتعليق السماعات بخمسة جنيهات، والمسك الإنجليزي بخمسين جنيهاً، وورق السدر بكذا وهذا كله من الدجل، فاحذر أن تقع فريسة لهؤلاء، فالأصل أن تنفع أخاك بغير مقابل، فالرقية الشرعية تجوز، ولكن من دون مقابل وبضوابط. قال: [(فجعلوا لهم قطيعاً من الشياه، فجعل رجل منهم يقرأ بأم القرآن)]. يعني: بالفاتحة على اللديغ، فالقرآن شفاء من كل داء من الأمراض الجسدية ومن الأمراض القلبية والمعنوية، ولدغ الثعبان معناه: أنه يحتاج عندنا في الطب إلى مصل وحقنة لإبطال مفعول السم، فالفاتحة تبطل هذا المفعول، وهكذا تفل الصحابي في موضع الجرح ثم قرأ الفاتحة، ويستحيل أن يصل أحد إلى درجة الصحابي، فالسيف بضاربه لا بحده والمعنى: إذا كنت تجيد إصابة الهدف تحقق الإصابة من أول وهلة، فالفاتحة هي الفاتحة، لكن أين عمر؟. والبعض يثق في الراقي ولا يثق في الرقية، فيقول: أنا أريد شخصاً يعالج، فهذا شرك يا عبد الله! أو يقول: ابعثني إلى رجل متمكن! هل أنت تثق فيه أم تثق في الرقية؟ الثقة في الرقية وفي القرآن: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء:82]؛ لذلك ابن القيم يقول في الجواب الكافي: وأمكث في مكة وتعتريني بعض الأمراض ولا أذهب إلى طبيب، وكنت أرقي نفسي بالفاتحة، فأجد لها أثراً عجيباً. فالمهم التوكل وحسن الثقة بالله عز وجل. قال: [(فبرئ الرجل فأتوهم بالشاة، فقالوا: لا نأخذها حتى نسأل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألوا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: وما يدريك أنها رقية، خذوها واضربوا لي فيها بسهم)]. والمعنى: أن النبي عليه الصلاة والسلام أقرهم على الجعل الذي أخذوه، فلم يرق ذلك الصحابي إلا أن يجعلوا له جعلاً، ولم يأخذوا الجعل إلا بعد أن استفتوا النبي عليه الصلاة والسلام، فأقرهم على قبوله وقال: (اضربوا لي بسهم). قال: [ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك في رد الضالة ونحوها فجاز كالأجرة. ولو التقط اللقطة قبل أن يبلغه الجعل لم يستحقه؛ لأنه يجب عليه ردها إذا وجدها، فلا يجوز له الأخذ على الواجب]. يعني: المفروض علي شرعاً أن أرد اللقطة فلا أطلب لها مقابلاً؛ لأن هذا من باب الواجب، فلا أستحق على أداء الواجب مقابلاً شرعياً.

الأسئلة

الأسئلة

منهج السلف في الحاكمية

منهج السلف في الحاكمية Q ما هو منهج السلف في الحاكمية؟ A أحيلك على شرح لرياض الصالحين للشيخ ابن عثيمين ناقلاً عن منهج السلف: هل يجوز الخروج على ولي الأمر حتى وإن ابتدع بدعة كفرية أم لا؟ ولا داعي أن نشغل أنفسنا بقضايا لو ألزمتك فيها بقولك أنا أعلم علم يقين أن النتائج المترتبة على قولك هذا أنت نفسك لن تقيم لها اعتباراً، فلا داعي أن ندخل في مثل هذا الحوار، فدعاة الحاكمية ودعاة التكفير ليس لهم مجال عندنا في هذا المسجد، وأنا أعتذر لهذا القول، فتنظيف الأفكار وظيفة، وأين نشأ فكر التكفير؟ في المعتقلات، لما زادوهم في التعذيب رموهم بالكفر، وكفّروا من ولّاهم حتى عم فكر التكفير والخروج، وما تفجيرات الخبر والرياض ببعيد علينا، وتفجيرات المغرب، واستحلال الدماء! وأنا أقول هذا هنا لأني أعرف أن هناك من يدافع عن هذه القضية، فإن كنت تريد الحق فعد إلى كتب دعاة السلفية في العصر الحاضر، الشيخ الألباني والشيخ ابن عثيمين والشيخ ابن باز ومن سبقهم من علماء السلف، قد تقول: إن مجاهداً خرج على الحجاج، فاخرج أنت أما أنا فلن أخرج اخرج أنت ولا تلزمني بالخروج. فأقول لا بد أن نقرأ قبل أن نحكم على الناس بأنهم مبتدعة، من هو المبتدع؟ فالذي يخرج على الحاكم مبتدع، والذي يكفّر ولاة الأمور مبتدع وضال، يضلل الأمة ويفرق وحدتها، لا يدعونا ظلم الآخرين لنا إلى أن نثبت حب الفرقعة الإعلامية. هذا منهجي الذي أدين الله به، فأما منهجك فأنت وشأنك.

المنهج السلفي هو منهج الصحابة والتابعين

المنهج السلفي هو منهج الصحابة والتابعين Q جلست مع رجل من الحزبيين فقال لي: إن الشيخ الغزالي ناظر كلاً من الشيخ الألباني والشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين في المسجد الحرام وبيّن لهم فساد المنهج السلفي؟ A فساد المنهج السلفي! إذاً فقل: فساد منهج الصحابة، فالسلف هم الصحابة والتابعون. نكتفي بهذا القدر. اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، ونسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

العدة شرح العمدة [70]

العدة شرح العمدة [70] اللقطة على ثلاثة أضرب: فإما أن تكون مما يقل ثمنه فيجوز أخذها والانتفاع بها، وإما أن تكون حيواناً يمتنع بنفسه عن صغار السباع فلا يؤخذ، وإما أن تكون مما تكثر قيمته كالأثمان والمتاع والحيوان الذي لا يمتنع بنفسه من صغار السباع فتؤخذ وتعرف حولاً.

باب اللقطة

باب اللقطة قال المؤلف رحمه الله: [باب: اللقطة. وهي على ثلاثة أضرب]. أي: أن اللقطة على ثلاثة أنواع -طبعاً أيها الإخوة كتاب العدة بسيط في العرض، وهذا هو الذي دفعنا لدراسته، فقد رأيت دراسة دكتوراه بلغت صفحاتها تسعمائة صفحة في أحكام اللقطة في الفقه الإسلامي، يعني: هذه اللقطة التي تدرسها الآن في صفحتين أو ثلاث جمعها بعض الباحثين في تسعمائة.

لقطة ما تقل قيمته

لقطة ما تقل قيمته قال المؤلف رحمه الله: [أحدها: ما تقل قيمته فيجوز أخذه والانتفاع به، كالسوط والشسع والرغيف، فيملك بلا تعريف؛ لما روى جابر قال: (رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العصا والسوط والحبل وأشباهه، يلتقطه الرجل ينتفع به) رواه أبو داود]. أول ضرب من أضرب اللقطة: ما تقل قيمته، فيجوز أن تأخذه وأن تنتفع به. مثال ذلك: بينما أنا أسير في الطريق وجدت رغيف خبز، هل آخذه أم لا آخذه، أم أنني أسير به في القاهرة الكبرى وأقول: من أضاع رغيفاً؟! فهذا تنطع، فإذا وجدت عصاً أو وجدت سوطاً أو تمرة فإنني آخذها ولا حرج، فإن النبي صلى الله عليه وسلم وجد تمرة، لكن منعه من أكلها خشية أن تكون من الصدقة، والصدقة محرمة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أهل بيته، أما أنا فالصدقة جائزة لي، ومن الناس من يجد على الأرض خمسة قروش فضية، فإذا به يعرف بها مع أن قيمتها يؤخذ به دبوس إبرة، إذاً: ما تقل قيمته جاز أخذه والانتفاع به دون تعريف، ويعود تحديد القيمة إلى العرف، فما يعرف عند الناس أنه قليل القيمة أخذ دون تعريف.

لقطة الحيوان الذي يمتنع بنفسه من صغار السباع

لقطة الحيوان الذي يمتنع بنفسه من صغار السباع قال المؤلف رحمه الله: [الثاني: الحيوان الذي يمتنع بنفسه من صغار السباع كالإبل والخيل والبقر والبغال]. يعني: الحيوان الذي يدافع عن نفسه ويعرف طريقه، قديماً كانوا عندنا في الأرياف -وإلى وقتنا الحاضر- يأتون بالحمار ثم يحملونه بالتراب أو بأي شيء ويضعون عليه العصا، ثم يقولون له: خذ طريقك إلى الحقل، والحمار يعرف الطريق ويصل إلى الحقل، فيقابله من يقابله ويفرغ التراب، ثم يعود مرة أخرى إلى المكان الأول وهكذا ذهاباً وإياباً دون راع يقوده، كذلك الإبل والخيل تعرف طريقها، والمعنى: أنك إذا قابلت خيلاً أو بعيراً في شارع فلا تقل: إنها لقطة، لأنها تعرف طريقها؛ لما روى البخاري عن زيد بن مالك: (أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن لقطة الإبل، فقال: ما لك ولها؟ دعها فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها)، يعني: ترد الماء وتأكل الشجر وتعود إلى صاحبها، أو يأتي إليها صاحبها، فلا يجوز أبداً لقطة الحيوان الممتنع بنفسه من صغار السباع كالإبل والخيل والبقر والبغال. قال: [ومن أخذ هذا لم يملكه ولزمه ضمانه؛ لأنه أخذ ملك غيره بغير إذنه ولا إذن الشارع له فهو كالغاصب]. يعني: لو وجدت بعيراً يسير في الطريق، وعليه سقياه ومتاعه، فأخذته لك باعتبار أنه لقطة، فأنت الآن غاصب يلزمك الضمان، إما ضمان المثل أو ضمان القيمة؛ لأن هذه غير مأمور بأخذها، ولا أحد يجهل معنى اللقطة، فهو الشيء الذي يلتقط من على الأرض، أي: الشيء الضائع.

لقطة ما تكثر قيمته كالأثمان والمتاع والحيوان

لقطة ما تكثر قيمته كالأثمان والمتاع والحيوان قال المؤلف رحمه الله: [الثالث: ما تكثر قيمته كالأثمان والمتاع والحيوان الذي لا يمتنع بنفسه من صغار السباع، فيجوز أخذه ويجب تعريفه حولاً]. المقصود بلقطة الأثمان: الذهب، يعني: وجدت ذهباً خالصاً يصل إلى ألف جرام، فقيمته سبعون ألف جنيه، فعليك تعريفها في أماكن وجود أصحابها وفي مجامع الناس وأمام المساجد والأماكن العامة وفي الجرائد الحكومية وهكذا، والحيوان الذي لا يمتنع بنفسه -كالشاة مثلاً- من صغار السباع يعرف حولاً. قال: [في مجامع الناس كالأسواق وأبواب المساجد، فمتى جاء طالبه فوصفه دفع إليه بغير بينة]. يعني: جاء صاحب اللقطة وعرفها ووصفها بصفاتها، فعند ذلك يدفع له دون قيد ولا شرط. قال: [لما روى زيد بن خالد الجهني قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لقطة الذهب والورق -الفضة-، فقال: اعرف وكاءها وعفاصها، ثم عرفها سنة، فإن لم تعرف فاستنفقها، ولتكن وديعة عندك، فإن جاء طالبها يوماً من الدهر فادفعها إليه) الحديث متفق عليه]. والمعنى: لابد من تعريفها سنة فإن لم تجد صاحبها تستنفقها: تنتفع بها، فإن ظهر صاحبها بعد ذلك عليك المثل إن تلفت أو استخدمت، لكن هناك حالات استثنائية، منها: إذا وجدت لقطة لها قيمة في صحراء سيناء، فإن هذا المكان لا يمر فيه أحد إلا أنها وقعت من عابر سبيل، فيغلب على الظن أن هذا المكان لن يعود إليه أحد؛ لذلك قال بعض العلماء وهو الراجح: أن تعريف اللقطة حولاً لعلة وجود صاحبها، فإن تيقنت من عدم وجود صاحبها انتفع بها ولا حرج، وإن كنت غنياً أنفقها بنية الأجر لصاحبها. قال: [وإن لم يعرف فهو كسائر ماله لا يتصرف فيه حتى يعرف وعاءه ووكاءه وصفته، فمتى جاء طالبه فوصفه دفعه إليه أو مثله إن كان قد هلك؛ لحديث زيد]. يعني: إن مضت المدة وجاء صاحبها بعد مدة وعرف وعاءها ووكاءها وصفتها فمتى جاء ووصفها دفعها له، فإن هلك عنده لزمه الضمان، والفرق بين وجودها في السنة ووجودها بعد السنة: أنه في السنة يلزمه عين اللقطة؛ لأنه ليس حراً في استغلالها خلال سنة، وبعد السنة له استغلالها؛ لذلك الشرع أعطاه أن يرد المثل؛ لأنه بعد العام يسقط حق العين، لكن لا يسقط حق المثل. قال: [وإن كان حيواناً يحتاج إلى مؤنة أو يخشى تلفه فله أكله قبل التعريف]. مثال ذلك: وجد حمامة توشك أن تموت ويأكلها إلى أن يظهر صاحبها. إذاً: إن وجد حيواناً يحتاج إلى مؤنة، أو يخشى تلفه فله أكله قبل التعريف أو بيعه ثم يعرفه، فإن ظهر صاحبه فله المثل؛ لأن في حديث زيد: (وسأله عن الشاة، فقال: خذها. فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب)، وإن سرقت منه اللقطة فليس عليه الضمان؛ لأنه لم يتعد. قال: [وإن هلكت اللقطة في حول التعريف من غير تعد]. يعني: وجدت شاة لقطة، ثم قمت برعايتها في الصباح وبعد أن قدمت لها العلف والماء ماتت بدون تعدٍ، إذاً: لا شيء عليك؛ لأنك لا تضمن قيمة اللقطة طالما لم تتعد. ولذلك قال: [وإن هلكت اللقطة في حول التعريف من غير تعد فلا ضمان فيها؛ لأنها عنده أمانة فهي كالمودع].

فصل في اللقيط

فصل في اللقيط قال المؤلف رحمه الله: [فصل في اللقيط]. عندنا مؤسسات في مصر لإيواء الأطفال اللقطاء، والطفل اللقيط: هو الطفل المنبوذ، وقد يكون ابن زنا، وقد تكون أمه تخلصت منه فألقته في القمامة، حيث نزع الله الرحمة من قلبها. قال: [وهو الطفل المنبوذ ومحكوم بحريته]. الأصل فيه أمران: الحرية والإسلام إن وجد في مجتمع مسلم، فإن وجدت في مصر طفلاً في مكان عام فالأصل أنه حر ومسلم، وإن وجدته في مجتمعات الكفر فالأصل فيه الكفر. قال: [لما روى سعيد عن سفيان عن الزهري: أنه سمع شبيباً أبا جميلة قال: وجدت ملقوطاً فأتيت به عمر فقال عريفي: يا أمير المؤمنين! إنه رجل صالح. فقال عمر: أكذلك هو؟ قال: نعم. قال: اذهب فهو حر ولك ولاؤه وعلينا نفقته]. إذاً: ينفق على الطفل اللقيط من بيت مال المسلمين. فالطفل المنبوذ يختلف عن اللقطة، فإن الطفل لا يعرف، فلا تعتقد أن طفلاً يلقى في الطريق يكون لقطة؛ لأنه قد يكون ضاع من أمه. وعلى الطفل اللقيط زكاة، وزكاته على الذي يعيش عنده. قال: [ويحكم بإسلامه في دار الإسلام إذا كان فيها مسلم؛ لأنه اجتمع الدار وإسلام من فيها]. دار الإسلام: هي الدار التي يسكنها مسلمون وتعلن فيها الشعائر، ولا يضطهد المرء فيها عن أمور دينه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه أن يأتوا قرية، فينتظروا حتى يسمعوا الأذان، فإن سمعوه وإلا غزوهم، فالمعيار الذي يميز الديار هو الشعائر، ومن العجيب أن هناك فكراً يقول: إن بلاد المسلمين اليوم مجتمعات جاهلية، لكن أقول: المعيار أن تأمن على شعائر الدين، فالمرأة تصلي وتصوم وتزكي وتحج وتلبس الخمار وتلبس الحجاب الشرعي، وفي كل الأمور الشرعية لا تضطهد، فهي الآن في دار إسلام يعلن فيها النداء بدون مشقة، والأصل فيها بناء المساجد والناس فيها تأمن على دينها، ونحن الآن والحمد لله رب العالمين في دار إسلام فيها معاصٍ، فهناك فرق؛ لأن الذي يقول: إن ديار الإسلام ديار كفر فهذا مصيبته كبيرة؛ لأنه في دار الكفر تسقط الحدود وتسقط حرمة الأموال وغيرها. قال: [ويحكم بإسلامه في دار الإسلام إذا كان فيها مسلم؛ لأنه اجتمع الدار وإسلام من فيها. وما يوجد عنده من المال فهو له]. وجدت طفلاً ومعه مال أو ذهب، فهذا المال هو ملك الطفل. قال: [وكذلك ما يوجد عليه من الثياب والحلي، أو تحته من فراش أو سرير أو غيره؛ لأنه آدمي حر فأشبه البالغ. وولايته لملتقطه إذا كان مسلماً عدلاً]. فلا ينسب إليه، إنما يقوم على رعايته من وجده. [لحديث أبي جميلة، يعني: ولاية حفظه والإنفاق عليه ونفقته في بيت المال إن لم يكن معه ما ينفق عليه، وما خلفه فهو فيء]. يعني: ما خلفه الطفل اللقيط هو فيء، اقرأ في سورة الحشر: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} [الحشر:6]. والفرق بين الغنيمة والفيء: أن الغنيمة ما أخذ بعد القتال، معركة نتج عنها غنائم، أما الفيء: ما أخذ من أموال المشركين دون قتال، ففي غزوة بني النضير أجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن حصونهم دون قتال فما تركه بنو النضير له حكم الفيء، قال تعالى في سورة الحشر: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر:7] سبحان الله! هذه الآية معيار اقتصادي نموذجي للمجتمعات التي فيها فقراء، ومعنى الآية: ((مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ))، يعني: ما خلفه بنو النضير من فيء ((فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ)) أي: الخمس كما قال تعالى: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال:41]، ثم بعد ذلك يوزع الأربعة أخماس على ذي القربى واليتامى والمساكين، كل واحد له الخمس، وخص الله هذه الأصناف دون غيرها حتى لا يصبح المال متداولاً بين الأغنياء، لكن في مجتمعات الضلال تصبح الملايين في يد القلة والباقي للفقراء، ففي كتاب الله عدالة توزيع الدخل، فقد أعطى الله الفقراء من المهاجرين هذا الحق، قال تعالى: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال:41] أي: من قربى النبي صلى الله عليه وسلم الذين هاجروا معه، وتركوا أموالهم وتركوا ديارهم. قال: {وَالْيَتَامَى} [الأنفال:41] واليتيم: الذي لا يجد عائلاً، قال: {وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال:41] كلهم فقراء. قال: [وما خلفه فهو فيء؛ وذلك أن ميراث اللقيط وديته إن قتل لبيت المال]. هب أن اللقيط قتله رجل بسيارته فعلى الرجل دية قتل الخطأ، وتكون هذه الدية لبيت المال؛ لأن اللقيط لا وارث له ولا أب ولا أم ولا عصبة ولا محارم. قال: [إن لم يخلف وارثاً معروفاً كغيره من المسلمين، وأ

ابن الملاعنة وما يترتب عليه من أحكام

ابن الملاعنة وما يترتب عليه من أحكام قال المؤلف رحمه الله: [وحديث واثلة: (تحوز المرأة ثلاث مواريث: عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عليه)]، يعني: ابن الملاعنة، أي: الولد ينسب إلى أمه. قال: [لا يثبت أيضاً، فيكون حكمه في الميراث حكم من ثبت نسبه وانقرض أهله يدفع ميراثه إلى بيت المال]. ابن الملاعنة معناه واضح في سورة النور، لو أن زوجاً دخل على زوجته، فوجد معها رجلاً أجنبياً في حالة تلبس، فأتى إلى ولي الأمر واتهم زوجته بالزنا، فالواجب عليه أن يحلف أربع مرات بالله إنه لصادق، والخامسة يقول: لعنة الله علي إن كنت كاذباً. قال تعالى: {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [النور:7]، ويأتي بعد ذلك دور الزوجة فتدفع عن نفسها العذاب -إقامة حد الزنا- أن تحلف بالله أربع مرات إنه لكاذب. وفي الخامسة تقول: غضب الله علي إن كان صادقاً، ولعلك تلاحظ أن اللعن في الخامسة للزوج، وللزوجة الغضب، والغضب أشد من اللعن؛ لأن جريمة الزنا تقوم على المرأة. قال الله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور:2] فقدم الزانية. أقول: إن لاعن الزوج زوجته ثم حلفت الزوجة يفرق بينهما ولي الأمر تفريقاً أبدياً لا يجتمعان بعده أبداً، ولو نكحت ألف زوج بعده؛ لأن الزواج يقوم على الثقة وقد فقدت الثقة بين الطرفين. وتعتد المرأة، وتأخذ كل شيء من الحقوق المترتبة على هذا، والولد ابن الملاعنة ينسب إلى أمه، فيقال: محمد بن مريم، عبد الله بن فاطمة، ولا ينسب إلى أبيه؛ لأن الأب تبرأ منه ولاعن عليه. وثبت في صحيح البخاري: أن هلال بن أمية -من الثلاثة الذين خلفوا- دخل بيته، فوجد شريك بن سحماء على بطن زوجته، فلما رأى المنظر أسرع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! إني وجدت شريك بن سحماء على بطن زوجتي، قال: يا هلال! إما البينة وإما الحد)، والبينة أن تأتي بأربعة شهود، ولم تنزل آيات الملاعنة بعد، فقال هلال: (يا رسول الله! إني لصادق، والله يعلم إني لصادق، قال: يا هلال! إما البينة وإما الحد) واشتد الكرب بـ هلال؛ لأن الأمر جد لا هزل فيه، عند ذلك نزل جبريل بقرآن يتلى على النبي صلى الله عليه وسلم بحكم خاص بين الزوجين. قال هلال: (يا رسول الله! أترك زوجتي مع رجل لا يحل لها وأبحث عن أربعة شهود؟) لا يمكن، فأنا في حالة نفسية متوترة وحالة غضب وعدم تملك للنفس، فأنزل الله سبحانه: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور:6 - 9]، ولما لاعن النبي صلى الله عليه وسلم هلالاً من زوجته أتى بالزوجة فحلفت وظل يهددها بوعيد الله سبحانه في الخامسة حتى تلعثمت وقالت: قومي قومي -يعني: أفضح قومي! - ثم قالت: غضب الله علي إن كان صادقاً، ففرق بينهما وقال لأصحابه: (انظروا إلى ما تلد، فإن وضعت ولداً شبيه شريك فهو له، وإن وضعت ولداً شبيه هلال فهو له، فجاء الولد شبيه شريك، فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: لولا الأيمان لكان لي معها شأن آخر)، يعني: الذي منعني من إقامة الحد عليها هو اليمين. ولذلك حكم الملاعنة في الفقه أن الولد ينسب إلى أمه، وكذلك المرأة إذا وجدت الطفل اللقيط ينسب إليها، والعتق أيضاً لهذا الأثر. قال المؤلف رحمه الله: [ومن ادعى نسبه ألحق به مسلماً كان أو كافراً]. مثال ذلك: وجدت طفلاً لقيطاً على الطريق العام ثم قلت: هذا ولدي فإنه ينسب إلي؛ لأنه لا يمكن أن أدعي أن هذا ولدي بغير حق؛ لأنه سيكون له نصيب في الميراث، وسيكون من محارمي، وسيترتب على ادعاء البنوة أشياء كثيرة، ومن المصائب التي تحدث في أماكن اللقطاء، أن الشخص قد يلتقط طفلاً وطفلة، ويجمع بينهما الأخوة حتى إذا كبرا تزوج كل منهما الآخر، فلابد أن تكون البنت معلومة النسب، فلا أزوج اللقيط باللقيطة؛ لأنه من المحتمل أن يكون أخاها؛ مثال ذلك: لو أن أختي ولدت وبعد ولادتها ضاعت في الزيتون وأنا لا أعرفها، فمن الأفضل والأحوط: أن أبتعد عن بنات الزيتون؛ لأنه يحتمل أن تكون البنت أختي. ولا بد أن نعلم أنه غير متبنى، والإسلام نهى عن التبني، لكن إن أردت أن توسع دائرة ا

الأسئلة

الأسئلة

التعريف باللقطة تعريفا جامعا

التعريف باللقطة تعريفاً جامعاً Q لو وجد شخص لقطة ثم عرفها، فجاء شخص وقال: أنا كان معي نقود، ولكن لا أدري: أفقدت مني أم لا -اختلط عليه الأمر- فما الحكم؟ A لابد أن يعرف اللقطة بتعريف جامع، أما أن يضيع منه نقود فهذا موجود، فلابد أن يعرف اللقطة تعريفاً جامعاً لها حتى يميزها عن غيرها.

نسبة اللقيط إلى من ادعاه لا من كفله

نسبة اللقيط إلى من ادعاه لا من كفله Q باسم من يكتب اللقيط، وخاصة نحن في مجتمع يرتبط بالأوراق: البطاقة، وشهادة الميلاد، وقسيمة الزواج؟ A اللقيط لا ينسب إلى من أخذه، وإن ادعاه أحد نسب إليه.

حكم المقامرة

حكم المقامرة Q ما حكم المقامرة؟ A هناك ورقة مقامرة واضحة، وأخونا الدكتور علي السالوس له دراسة فيها حفظه الله فهذه التي يسمونها (بزناس) وأنظمة كلها فيها ميسر ومقامرة، ولا تجوز أبداً، وهي من الشركات اليهودية التي تأكل أموال المسلمين المساكين، يقولون: اجمع خمسة وخذ مليوناً، فأنت الآن تسعى وراء السراب، حتى وإن أخذت المليون غيرك لا يأخذ شيئاً وهكذا.

حكم عقود التأمين

حكم عقود التأمين Q ما حكم عقود التأمين؟ A هناك قاعدة تقول: إن كانت الجهالة تنتاب أي عقد فالعقد حرام، وعقود التأمين عقود جهالة، وأي عقد فيه جهالة لا يجوز شرعاً.

حكم من وجد ساعة قيمتها عشرون جنيها

حكم من وجد ساعة قيمتها عشرون جنيهاً Q رجل وجد ساعة قيمتها عشرون جنيهاً، هل يعرفها أم لا؟ A الساعة لها قيمة عند صاحبها طالما أن قيمتها عشرون جنيهاً، فالموظف معاشه مائة وعشرون جنيهاً، والعشرون جنيهاً سدس المرتب، فلا تنظر إلى نفسك يا من تسكن في القاهرة الكبرى وتنفق الملايين، فإن عندنا في القرى تنفق العائلة عشرين جنيهاً في شهر كامل معاشاً، نسأل الله العافية.

حكم ملاعنة الزوجة زوجها إذا رأته يزني

حكم ملاعنة الزوجة زوجها إذا رأته يزني Q هل تقام الملاعنة على زوج رأته زوجته وهو يزني؟ A نعم. يجوز الملاعنة بالعكس، لكن الغالب أن تكون الملاعنة من الزوج.

حكم تربية سمك الزينة

حكم تربية سمك الزينة Q هل تربية سمك الزينة حلال؟ A نعم. حلال طالما أنت تطعمه وتقدم له الشراب، وفتوى العلماء على ذلك.

حكم من وجد لقطة ولم يجد أحدا حولها

حكم من وجد لقطة ولم يجد أحداً حولها Q رجل وجد خمسين جنيهاً في محطة ولم يجد أحداً حولها، فماذا يجب عليه أن يفعل؟ A يتصدق بها بنية أجر صاحبها، أو يستفيد بها هو إذا كان فقيراً ولا شيء عليه، ويعرفها في حدود إمكانياته وطاقته. اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا. اللهم علمنا من ديننا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا. آمين آمين آمين.

العدة شرح العمدة [71]

العدة شرح العمدة [71] تجوز المسابقة من غير جائزة في الأشياء المباحة كلها، أما إذا كانت المسابقة بجائزة فلا تكون إلا في نصل أو خف أو حافر، على أن تكون الجائزة من طرف خارجي من غير المتسابقين، وإن كانت الجائزة من المتسابقين فلا تكون من جميعهم، وإن ساهم جميعهم في الجائزة لزمهم أن يأتوا بمحلل مكافئ لهم.

باب المسابقة

باب المسابقة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: المسابقة. تجوز المسابقة بغير جعل في الأشياء كلها]. الأصل في المسابقة الجواز، وقوله: (في الأشياء كلها)، يقصد الأشياء المباحة، أما السباق في الأشياء المحرمة فلا يجوز بجعل أو بغير جعل؛ لذلك قسم العلامة ابن عثيمين رحمه الله السباق إلى ثلاثة أقسام: أولاً: سباق لا يجوز بعوض ولا بغير عوض، يعني: لا يجوز بجعل ولا بغير جعل وهو السباق المحرم، كأن ندخل في سباق في لعب الكتشينة بجعل أو بغير جعل فهذا حرام؛ لأن أصل السباق حرام. ثانياً: يجوز بعوض وغيره. ثالثاً: يجوز بلا جعل ولا يجوز بجعل. أي: أن الشارع الحكيم أجاز السباق، لكن بغير عوض، ومن هنا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا سبق إلا في ثلاث) والمقصود: لا سبق بجعل (إلا في ثلاث: حافر وخف ونصل) والمعنى: لا سبق بجعل إلا في هذه الأشياء الثلاثة، أما ما سواها فيجوز فيها السباق بغير جعل كأن يسابق الرجل زوجته، والنبي صلى الله عليه وسلم سابق عائشة، فسبقها مرة وسبقته مرة عليه الصلاة والسلام. والجعل: هو المقابل لا كما يفعل البعض في المقاهي العامة، يلعبون الطاولة، والمغلوب يحاسب على الغالب، فهذه المسابقة حرام بجعل، وحتى ولو كانت بغير جعل فهي حرام. قال: [الدواب والأقدام والسفن والمزاريق وغيرها]. فهذه فيها مسابقة، ومعنى مسابقة الدواب: بعيري وبعيرك يتسابقان، وخروفي وخروفك يتسابقان، فكل ما يدب على الأرض من بهيمة الأنعام يجوز أن يتسابقا. الأقدام: مسابقة المشي والجري يجوز أيضاً، لكن مسابقة الجري لم يرد في الحديث جعل لها، يعني: يتسابقان بغير جعل من أحد المتسابقين، وإذا كان الجعل من غير المتسابقين جاز، فإن قلت: أنت يا فلان! وأنت يا فلان! تسابقا جرياً، والسابق منكما له عندي جائزة، فالمتسابق لم يدخل في طرف؛ لأن الجائزة جاءت في طرف محايد، والسباق على الأقدام يجوز شريطة ألا يخالف الشرع، فنحن نرى البعض يلبس الشورت القصير جداً ويظهر الفخذ وهذا لا يجوز، أو مسابقة جري للنساء، فتجد المرأة عريانة وتجري! ويصرخون: العداءة المغربية! فهذه المسابقة في أصلها حلال، لكنها حرام لغيرها. فصفة اللباس التي تلبسه جعلت السباق حراماً، والسباق على الأقدام لا بد أن يكون بغير جعل، إلا إذا كان الجعل من طرف محايد؛ لأن المنهي عنه هو المقامرة، وهو أن يكون أحدهما له مغرم ومغنم، وهذا لا يجوز. قال: [والسفن -فيها مسابقة- والمزاليق -فيها مسابقة- لما روى ابن عمر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل من الحفياء إلى ثنية الوداع، وبين التي لم تضمر من ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق) متفق عليه]. يعني: النبي عليه الصلاة والسلام سابق بين خيول الصدقة من الحفياء إلى ثنية الوداع، والحفياء: مكان في المدينة، وثنية الوداع أيضاً: مكان في المدينة. وأخرج البخاري هذا الحديث في باب: أن يقال: مسجد بني فلان، مسجد بني زريق، فإنه يجوز أن يحمل المسجد اسم حي أو اسم عائلة. قال: [وسابق النبي صلى الله عليه وسلم عائشة على قدميه]. يعني: سابق زوجته، فمرة سبقها ومرة سبقته. قال: [وسابق سلمة بن الأكوع رجلاً من الأنصار، بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومر النبي صلى الله عليه وسلم على قوم يربعون حجراً -أي: يرفعونه ليعلم الشديد منهم- فلم ينكر عليهم]. فمسابقة رفع الأثقال جائزة، لكن بغير جعل من المتسابقين وبالزي الشرعي.

الأشياء التي يجوز المسابقة فيها بعوض

الأشياء التي يجوز المسابقة فيها بعوض قال المصنف رحمه الله: [ولا تجوز بعوض]. أي: المسابقة لا تجوز بعوض -مقابل- إلا في ثلاث. قال: [ولا تجوز بعوض إلا في الخيل والإبل والسهام؛ لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر) رواه أبو داود]. يشير بالنصل إلى السهام، ويشير بالخف إلى الإبل، ويشير بالحافر إلى الخيل، إذاً: لا سبق بجعل إلا في هذه الثلاث: السهام والخيل والإبل، لكن هذه الثلاث ليست مقصودة لذاتها، وإنما باعتبارها أدوات حرب، فعلى ذلك يجوز السباق بين دبابتين، والسباق بين طائرة وطائرة بجعل يجوز، وبين بندقية وبندقية بجعل يجوز، أنت تمسك بندقية وأنا أمسك بندقية، فأينا يصيب الهدف له جعل. إذاً: لا سبق بجعل -بمقابل- إلا في ثلاث: نصل وخف وحافر، والثلاثة ليست مقصودة لذاتها، إنما مقصودة باعتبارها أدوات حرب. قال: [فتعين حمله على المسابقة بعوض جمعاً بينه وبين ما سبق من الأحاديث، والمراد بالحافر: الخيل خاصة، وبالخف: الإبل، وبالنصل: السهام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس من اللهو ثلاث: تأديب الرجل فرسه، وملاعبته أهله، ورميه بقوسه ونبله)؛ ولأن غير الخيل والإبل لا تصلح للكر ولا للفر في القتال، وغير السهام لا يعتاد الرمي بها؛ فلم تجز المسابقة بها كالبقر]. يعني: علة هذه الأشياء الثلاثة هي الكر والفر بالنسبة للقتال، وعلى هذا قاس العلماء كل ما يشترك في الحرب وتستطيع أن تقاتل به العدو فإنه تجوز المسابقة فيه.

أحكام المسابقة بالجعل

أحكام المسابقة بالجعل قال: [فإن كان الجعل من غير المستبقين جاز]. يعني: الحالة الأولى أن يكون الجعل من غير المتسابقين جاز ذلك. قال: [وهو للسابق منهما؛ لأنه إخراج مال لمصلحة، فجاز أن يكون من غيرهما، كارتباط الخيل في سبيل الله عز وجل ويكون للسابق منهما؛ لأنه ليس بقمار، وإن كان العوض من أحدهما فسبق المخرج أو جاءا معاً أحرز سبقه ولا شيء له سواه]. الحالة الثانية: أن يكون الجعل من أحد المتسابقين فقط والثاني لا يدفع، فهذا جائز؛ لأن الطرف الثاني لا غرم عليه فإن فاز الذي أخرج يأخذ ما أخرجه. قال: [أما إذا جاءا معاً فلا شيء لهما؛ لأنه لم يسبق واحد منهما، وإن سبق المخرج أحرز سبقه ولم يأخذ من الآخر شيئاً؛ لأنه لو أخذ شيئاً كان قماراً، وإن سبق الآخر أحرز سبق صاحبه؛ لأنه ليس بقمار]. القمار هو أن يكون المغرم والمغنم في الطرفين. قال: [وإن أخرجا جميعاً لم يجز]. هذا هو القصد، والشيخ ابن عثيمين يخالف، لكن هذا رأي جمهور العلماء، إن أخرجا جميعاً لم يجز، يعني: أنت أخرجت ألفاً وأنا أخرجت ألفاً، وتسابقنا، وأينا يسبق يأخذ الألفين فهذا محرم؛ لأنه قمار؛ لأنني إما أن أصيب مغرماً وإما أن أغنم، والآخر إما أن يغرم وإما أن يغنم، فالأمر فيه مقامرة للطرفين. قال: [وإن أخرجا جميعاً لم يجز؛ لأنه يكون قماراً، إلا أن يدخلا بينهما محللاً]. هذا رأي جمهور العلماء. مثال ذلك: أحمد يسابق إبراهيم، كل على جواده، وجعل أحمد جعلاً ألف جنيه، وجعل إبراهيم جعلاً ألف جنيه، فلو تسابقا هما فقط فهذا قمار ولا يجوز إلا إذا حلل السباق بأن يدخل بينهما ثالث ونسميه محللاً، وليكن في ذهنك أن المحلل تيس مستعار في الزواج لا يجوز؛ لأن البعض في بلادنا يمضي على قسيمة زواج باعتباره محللاً، ويمضي على قسيمة طلاق في آن واحد، فيتزوج ويطلق على اعتبار أن يحللها لزوجها الأول فقط، هذا هو النية، وهذا زواج باطل لا يجوز: (ولعن الله المحلل والمحلل له) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. لكن المحلل في سباق الخيل يجوز بشروط: أولاً: أن يدخل بفرس يكافئ فرسيهما، والمعنى: أنا يكون معي فرس سرعته سبعون كيلو متراً في الساعة، وأحمد معه فرس سرعته سبعون كيلو متراً في الساعة، فعندها لا يدخل المحلل بفرس سرعته عشرة كيلو مترات في الساعة، فإنه يكون قد دخل بفرس هزيل، ويعرف أنه في هذه المسابقة فاشل فاشل، ولكنه أراد بدخوله التحليل، فهذا لا يجوز، إن دخل للتحليل فقط لا يجوز، لابد أن يدخل وهو يكافئهما في السرعة، ويمكن له أن يفوز ولا يدفع شيئاً. الشرط الثاني: ألا يدفع فهو قمار. إذاً: عندي ثلاثة أطراف: اثنان هما اللذان دفعا، والثالث (المحلل) لم يدفع. قال المصنف: [وإن أخرجا جميعاً لم يجز؛ لأنه يكون قماراً إلا أن يدخلا بينهما محللاً وهو ثالث لم يخرج، يكافئ فرسه فرسيهما أو بعيره بعيريهما أو رميه رميهما؛ لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أدخل فرساً بين فرسين وهو لا يأمن أن يسبق فليس بقمار، ومن أدخل فرساً بين فرسين وهو آمن أن يسبق فهو قمار)]. يعني: هو داخل في السباق ويعرف أنه خاسر، فهذا قمار؛ لأن العبرة بالمقاصد، ومقصد المحلل هنا أن يحلل السباق، وليس مقصده أن يدخل في السباق. يقول الشيخ ابن عثيمين: المحلل ليس من الشرع، وإنما يوهم المتسابقين أن يتسابقا على جعل من كل واحد منهما؛ لأن المحلل يناقض الأصول الشرعية، فإن فاز المحلل أخذ من الاثنين، وهو إذا خسر لم يخسر شيئاً، إذاً: هو غير متكافئ معهما لا في الإخراج ولا في الخسارة. قال: [فإن سبق المحلل أحرز سبقيهما بالاتفاق، وإن سبق أحد المتسابقين وحده أحرز سبق نفسه وأخذ سبق صاحبه، ولم يأخذ من المحلل شيئاً]. يعني: إن سبق الأول يأخذ ألفي جنيه: الألف التي هي له، والألف الأخرى التي هي للآخر، والمحلل لا يخسر شيئاً. [وإن سبق أحد المتسابقين والمحلل]. يعني: وصل الأول والمحلل في وقت واحد. قال: [أحرز السابق مال نفسه، ويكون سبق المسبوق بين السابق والمحلل نصفين]. والمعنى: أن المحلل وصل مع السابق الأول في وقت واحد، إذاً السابق يأخذ الألف جنيه التي هي له، والألف جنيه التي هي للمسبوق تقسم بين المحلل وبين الذي سبق.

تحديد المسافة والغاية في السباق

تحديد المسافة والغاية في السباق قال المؤلف رحمه الله: [ولابد من تحديد المسافة -في السباق- والغاية]. مثال ذلك: تسابق الأخ من مدينة مصر إلى بلبيس الصحراوي، إذاً: أنا حددت لك المسافة، ولكن إذا قلت لك: تسابق الأخ من مدينة مصر إلى ما شاء الله، وأصل السباق يقوم على الذكاء، فهذا لا يجوز؛ لأن تحديد المسافة يعطي المتسابق الفرصة في أن يقسم الجهد على المسابقة؛ ولذلك في الحديث الصحيح: (ألا إن هذا الدين متين، فأوغل فيه برفق، فإن المنبت لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع)، يعني: يدخل مباشرة في المعاصي، واليوم الثاني يتشدد، كرجل يركب حماراً يسير عليه من مصر إلى المنصورة، فما إن بدأ من الطريق الصحراوي إذا به يضربه، فإذا به يجري بسرعة مائة كيلو في الساعة، وبعد ثلاثين كيلو وقع الحمار، فلا هو بلغ إلى المنصورة ولا هو أبقى الحمار، وجميع المتنطعين -وأعرف بعضهم- يدخل فيضيق على الناس ويضيق على نفسه ويشدد على الناس ويشدد على نفسه، وبعد شهرين ينكص ويعود إلى طبيعته الأولى؛ لأن الغلو مرفوض: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} [النساء:171]، والغلو في الدين مرفوض بنص حديث النبي صلى الله عليه وسلم، ومعنى الغلو: أقوم الليل كله، وأصوم الدهر كله، ولا أتزوج النساء، وأظل مع القرآن طوال اليوم من الساعة الخامسة فجراً إلى الساعة عشرة ليلاً، فإن للنفس إقبالاً وإدباراً، فروحوا على النفوس بكتاب الله لا بالموسيقى، روِّح على نفسك يا عبد الله! بمداعبة الزوجة والولد، والقيام بألعاب مباحة كاللهو مع الأهل، فهذا يجوز، ونم تحت المروحة والتكييف، ولا تذهب إلى المصيف، خذ زوجتك إلى مكان آمن، ولا تحبس نفسك وأهلك. اشغل أهلك بمحاضرات إسلامية، واجعل أطفالك يستمتعون بكراتين إسلامية ليس فيها تبرج ولا محاذير، بل تحتوي على قصص إسلامية وقرآنية ومسابقات إسلامية، أو وسائل تربوية كأرجوحة تصنعها لولدك في البيت، فيا عبد الله! طالما تنهى عن شيء أعط البديل، وزوجتك كذلك لابد أن تعطيها مقابل الممنوعات أموراً جائزة. قال المؤلف رحمه الله: [ولابد من تحديد المسافة والغاية بما جرت به العادة]. الغاية: الهدف. [لأن الغرض معرفة أسبقهما وأرماهما]. مثال ذلك: هذه الساعة سنتسابق أنا وأنت على إصابة هذا الهدف، فأنت تضرب وأنا أضرب من بعد واحد نتفق عليه، ولكل من الطرفين أن يعود إلى الخلف أبعد من الآخر؛ لأن الغرض: هو إصابة الهدف، فإن أصابه فقد فاز. قال: [ولا يعلم ذلك إلا بتساويهما في الغاية؛ ولأن أحدهما قد يكون مقصراً في أول عدوه سريعاً في انتهائه، وقد يكون بالضد فيحتاج إلى غاية تجمع حاليه].

شروط المسابقة في الرمي

شروط المسابقة في الرمي قال المؤلف رحمه الله: [ويشترط معرفة عدد الإصابة وصفتها وعدد الرشق -الرِّشق بكسر الراء: عبارة عن عدد الرمي الذي يتفقان عليه، والرَّشق بفتح الراء: الرمي نفسه؛ اشترط معرفة عدده؛ لأن الحذق في الرمي- المهارة في الرمي- لا يعلم إلا بذلك، وعدد الإصابة ينبغي أن يكون معلوماً، فيكون الرشق مثلاً عشرين والإصابة خمسة، فيقولان: أينا سبق إلى خمس إصابات من عشرين رمية فهو السابق، اشترط ذلك ليبين أحذقهما]. يعني: الماهر بالسباق، ولابد أن أحدد الهدف، إما في بطنه أو في خصريه أو في جنبه، ولا بد من تحقيق الإصابات الخمس من العشرين، إذاً: تحديد المسافة وتحديد الغاية. [وإنما تكون المسابقة في الرمي على الإصابة لا على البعد؛ لأن المقصود منه: الإصابة، وليس البعد مقصوداً].

العدة شرح العمدة [72]

العدة شرح العمدة [72] الوديعة هي أمانة عند المودع عنده ولا ضمان عليه فيها إلا أن يفرط، وإن لم يميزها فعليه ضمانها كاملة حتى لو ذهب معها جزء من ماله، وعلى المودع عنده أن يحفظها في حرز مثلها وإلا كان مفرطاً.

باب الوديعة

باب الوديعة قال المؤلف رحمه الله: [باب: الوديعة. وهي أمانة عند المودع لا ضمان عليه فيها إلا أن يتعدى]. كأن أقول لك: خذ هذه الساعة وديعة عندك في بيتك، فأخذت أنت الساعة ووضعتها في حرز أمين، لكن سرقت، ففي هذه الحالة لا يلزمك القيمة؛ لأنها أمانة، وأنت قمت بحفظها. مثال آخر: قلت لك: هذه ألف جنيه، خذها أمانة عندك لمدة أسبوع، فجاء لص وسطا على الخزنة وكسرها وأخذ الألف جنيه، ففي هذه الحالة لا يلزمك، لكن إن أخذت المبلغ ووضعته على الباب أو في الشباك، فمر لص ووجد الألف وأخذها، ففي هذه الحالة يلزمك؛ لأنك لم تحفظها بالطريقة المعتادة، وهذا معنى قول المصنف: (وهي أمانة عند المودع لا ضمان عليه فيها إلا أن يتعدى). قال: [سواء ذهب معها شيء من مال المودع أو لم يذهب]. مثال ذلك: وضعت في الخزنة عشرين ألف جنيه (10000) جنيه أمانة و (10000) جنيه أخرى ملكي، فأتى السارق وأخذ (10000) الأمانة، (5000) من ملكي، والأمانة تكون مميزة، بأن أكتب عليها (10000) جنيه في ورقة ملفوفة أمانة للأخ فلان، و (10000) الأخرى ملكي، ففي هذه الحالة إن أخذ السارق الأمانة فلا يلزمني شيء، وإن كانت العشرون ألف جنيه مختلطة بدون تمييز، ففي هذه الحالة تحسب العشرة المسروقة من ملكي؛ لأن المال الآن مختلط، لكن لابد أن تميز الأمانة في حفظها. قال: [وعنه: إن ذهبت من بين ماله غرمها]. يعني: رواية عن أحمد: إن ذهبت من بين ماله، بمعنى: ذهبت ومعها جزء من ماله. قال: [لما روي عن عمر بن الخطاب أنه ضمن أنس بن مالك وديعة ذهبت من بين ماله، ودليل الأولى -وهو الأرجح والأقوى والمختار- أن الله سبحانه سماها أمانة، والضمان ينافي الأمانة، ويروى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس على المودع ضمان)، ويروى ذلك عن جماعة من الصحابة؛ ولأن المستودع يحفظها لصاحبها متبرعاً، فلو ضمن لامتنع الناس من قبول الودائع، فيضرُّ بهم لحاجتهم إليها، وما روي عن عمر محمول على التفريط من أنس في حفظها فلا ينافي ما ذكرناه، فأما إن تعدى فيها أو فرط في حفظها فتلفت ضمنها بغير خلاف نعلمه]. الوديعة أمانة، فإن اشترط فيها الضمان لن تكون عندي أمانات، فإنني لا أريد أن أقحم نفسي في المتاعب، وفي هذه الحالة لا أحد سيضع عند أحد ودائع، فالأصل: أن تكون الوديعة أمانة، ولا يلزمك الضمان إلا إذا قصرت، فإن لم تقصر لا شيء عليك.

حفظ الوديعة في حرز مثلها والأحكام المترتبة على ذلك

حفظ الوديعة في حرز مثلها والأحكام المترتبة على ذلك قال المؤلف رحمه الله: [ويلزمه حفظها في حرز مثلها]. ومعنى حرز المثل: حرز مال المثل، فالتسجيل يكون في مكان في البيت، والمال في الخزنة، والملابس في الدولاب، فإن أعطيتك قميصاً أمانة عندك من الجمعة إلى الجمعة القادمة، فأخذت أنت القميص ووضعته فوق السطح، وأتى السارق وأخذه؛ فإنك في هذه الحالة لم تحفظ الوديعة؛ لأن وضعه العادي في الدولاب وأن تغلق عليه الدولاب. قال: [فإن تركها في دون حرز مثلها ضمن]. يعني: يلزمه الضمان إن حفظها في حرز ليس هو حرزها. قال: [لأن الإيداع يقتضي الحفظ، فإن أطلق حمل على المتعارف وهو حرز المثل، وهو ما جرت العادة بحفظ مثلها فيه، والدراهم والدنانير في الصناديق من وراء الأقفال، والثياب في البيوت والمخازن من وراء السكاكر والأغلاق، والخشب في الحظائر، والغنم في الصُّبَر]. يعني: كل شيء له حرز، مثال ذلك: أعطيتك خروفاً وديعة عندك، فوضعت أنت الخروف في السيارة، فجاء اللص وأخذ الخروف من السيارة، فإنه يلزمك في هذه الحالة الضمان؛ لأن الخروف مكانه في الحظيرة وليس في السيارة، فكان يجب عليك أن تضع الخروف في الحظيرة مع رفاقه -هذا الحرز- وأن تغلق باب الحظيرة عليه، وهكذا إن فرط المودع يعاقب بالضمان. قال: [فإن أمره صاحبها بإحرازها في حرز فجعلها في دونه ضمن؛ لأن صاحبها لم يرضه]. يعني: إن أمرتك أن تضع المال في خزنتك شرطاً مني عليك، فإذا بك تضع المال تحت المخدة، وجاء اللص وأخذ المال من تحت المخدة، فأنت في هذه الحالة وضعته في حرز أدنى ويلزمك الضمان؛ لأنك لم توف. قال: [فإن أمره صاحبها بإحرازها في حرز فجعله في دونه ضمن؛ لأن صاحبه لم يرضه، وإن أحرزها في مثله أو فوقه لم يضمن]. كأن أقول لك: خذ الألف جنيه أمانة عندك على أن تضعها تحت وسادتك، فوضعتها في الخزنة وسرقت، ففي هذه الحالة لا أضمن؛ لأنني وضعتها في حرز أعلى. قال: [وقيل: يضمن؛ لأنه خالف أمره]. لكن الصواب: أنه لا يضمن. قال: [وإن تصرف فيها لنفسه فركب الدابة بغير نفعها أو لبس الثوب فتلف ضمن]. قلت لك: خذ هذه السيارة ضعها في جراشك وديعة أمانة لمدة أسبوع حتى أسافر وآتي، رأيت السيارة وأعجبتك، قلت: آخذها في مشوار، وعندما تحركت بها إذا بك تضربها في عمود، يلزمك الضمان؛ لأنك استخدمت الوديعة بغير إذن صاحبها، وهذه أمانة لا يجوز أن تركبها إلا بإذن صاحبها، فإن أذن لك ثم صدمت فلا شيء عليك، طالما أنك لم تفرط. قال: [وإن تصرف فيها لنفسه فركب الدابة بغير نفعها، أو لبس الثوب فتلف ضمن؛ لأنه تعدى فيها فبطل استئمانه، وإن خلطها بما لا تتميز منه فقد فوت على نفسه إمكان ردها بعينها فوجب أن يضمنها، كما لو ألقاها في مهلكة]. مثال ذلك: لو وضع العشرة آلاف جنيه مع نقوده ولم يميز، وسرقت من الخزنة عشرة آلاف جنيه يلزمه الضمان؛ لأنه لم يميز الوديعة عن غير الوديعة. قال: [وإن أخرجها لينفقها ثم ردها ضمن؛ لأنه هتك الحرز بغير عذر]. مثال ذلك: وضع شخص عندي ألف جنيه أمانة، فأتى إلي شخص وقال: أريد ألف جنيه قرضاً، فإن أعطيته الألف التي هي أمانة عندي ولم يردها لي ضمنت، طالما أنها أمانة فمن الأولى ألا أتصرف فيها. قال: [وإن كسر ختم كيسها ضمن]. مثال ذلك: أعطيتك نقوداً في حرز وعليها شمع أحمر، فجئت أنت وأزلت الشمع وفضضت الحرز وضاع المبلغ، ففي هذه الحالة تضمن؛ لأنك فككت الحرز. قال: [وإن جحدها ثم أقر بها ضمنها]. مثال ذلك: أعطيت شخصاً ألف جنيه، وبعد أيام قلت له: أين الأمانة؟ قال: ما أعطيتني شيئاً، فجحدها، فأصررت عليه حتى أقر بها، وذهب إلى الخزنة ولم يجد الألف جنيه فهنا ضمن؛ لأنه فقد الأمانة؛ ولأنه جحدها فلم يعد عندنا أميناً. قال: [وإن جحدها ثم أقرها ضمن]. يعني: إن ضاعت ضمن قيمتها؛ [لأنه بجحده بطل استئمانه عليها] أما إذا نسي فهذه مسألة أخرى. قال: [وإن امتنع من ردها عند طلبها مع إمكانه ضمنها؛ لأنه تعدى]. أعطيتك ألف جنيه في هذا الأسبوع، وفي الجمعة القادمة أتيتك فقلت لك: أين الألف جنيه؟ قلت لي: آسف اليوم لا أستطيع أن آتيك بها، فقد أنفقتها في شيء، غداً إن شاء الله أسلمها لك، ففي هذه الحالة يلزمه الضمان؛ لأنه صرفها بغير إذن صاحبها ففقد الأمانة. قال: [لأنه تعدى بالامتناع من ردها فصار كالغاصب]. أرأيتم حكم الوديعة أيها الإخوة! استخلف النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب ليرد ودائع المشركين، وبعض الناس يستحل أموال غير المسلمين، ويقول: لأنهم كفار، أو يستحل أموال النصارى وهذا لا يجوز أبداً؛ لأنه معاهد أو مستأمن، حتى وإن كان كافراً لا يجوز أن تأخذ ماله، فطالما أنه أعطاك الوديعة بطيب نفس لابد أن تحفظها. قال: [وإن قال: ما أودعتني ثم ادعى تلفها أو ردها لم يقبل منه؛ لأنه مكذب لإنكاره الأول، معترف على نفسه بالكذب المنافي للأمانة. وإن قال: ما لك عندي شيء، ثم ادعى ردها أو تلفها قبل]. يعني: قال: ما لك عندي شيء، ثم ادعى أنه ردها، أو تلفها قبل؛ لأن القول هو قول المودع الأمين.

حكم العارية

حكم العارية قال المؤلف رحمه الله: [والعارية مضمونة وإن لم يتعد فيها المستعير؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في خطبته عام حجة الوداع: (العارية مؤداة، والمنحة مردودة، والدين مقضي، والزعيم غارم) وروى صفوان بن أمية: (أن النبي صلى الله عليه وسلم استعار منه يوم حنين أدراعاً فقال: أغصباً يا محمد؟! قال: بل عارية مضمونة)]. والمعنى: أن العارية تضمن، فلو أخذت مني أي شيء عارية تضمنها سواء تلفت بإرادتك أو بغير إرادتك.

الأسئلة

الأسئلة

معنى المسابقة

معنى المسابقة Q ما معنى المسابقة؟ A المسابقة معناها: أن يتسابق اثنان، كسباق الخيل، وسباق العدو، وسباق رفع الأثقال، وسباق السباحة.

حكم تخطي الصفوف أثناء الصلاة

حكم تخطي الصفوف أثناء الصلاة Q هل يجوز بأي حال من الأحوال تخطي الصفوف أثناء الصلاة والذهاب إلى الصف الأول بحجة الصلاة؟ A لا، ليس بأي حال من الأحوال لا تتخطى الرقاب إلا في الضرورة، ولا تخطى الصفوف إلا للضرورة.

دعوى خروج المهدي

دعوى خروج المهدي Q علمت من أحد الإخوة الذين أثق فيهم أن المهدي المنتظر قد ظهر، وأنه في أول رمضان المقبل؟ A إننا في زمن الفتن.

دعوى كسوف الشمس واصطدام الأرض بكوكب آخر أو نجم

دعوى كسوف الشمس واصطدام الأرض بكوكب آخر أو نجم Q سيكون هناك كسوف للشمس، وسوف يصدم الأرض كوكب آخر أو نجم، فيصعق سبعون ألفاً، ثم تظل الأرض أربعة أشهر وعشرة أيام جرداء، وسيكون في آخر رمضان كسوف آخر للشمس، فهل هذا الكلام صحيح؟ A اتق الله في نفسك، هذه خزعبلات كخزعبلات كتاب هرمجدون.

حكم صلاة حامل النجاسة

حكم صلاة حامل النجاسة Q بعض النساء يحملن أطفالهن وهم يلبسون الحفاظات، وهؤلاء الأطفال يحملون نجاسة في تلك الحفاظات، فهل يجوز حملهم أثناء الصلاة؟ A نعم. يجوز، أنت تصلي وفي جوفك براز، فالنجاسة إن لم تنفصل ولم تتميز لا حكم لها، فكل منا يصلي وفي جوفه بول وبراز، فطالما أن النجاسة لم تخرج ولم تتعين ففي هذه الحالة جائزة.

حكم إرضاع المرأة طفلها وهي تصلي

حكم إرضاع المرأة طفلها وهي تصلي Q ما حكم إرضاع المرأة طفلها وهي تصلي؟ A الإرضاع في الصلاة يعني: ظهور عورة، فإخراج الثدي يبطل الصلاة، فتبطل صلاة المرأة إذا أرضعت في الصلاة؛ لأنها تظهر ثديها، حتى ولو لم يكن عندها أحد.

حكم الوضوء على الملابس دون عذر

حكم الوضوء على الملابس دون عذر Q هل يجوز الوضوء على الملابس دون عذر؟ A لا، الصلاة باطلة.

نصيحة لمن يطلب منه شهادة الزور إرغاما

نصيحة لمن يطلب منه شهادة الزور إرغاماً Q رجل عليه ضغوط في شهادة الزور، وجاء إلى المسجد هارباً من هذه الضغوط، نرجو النصيحة؟ A اثبت، فإن شهادة الزور قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلكم على أكبر الكبائر: الشرك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس ثم قال: ألا وشهادة الزور، ألا وقول الزور، فما زال يرددها حتى قال الصحابة: ليته سكت)، فالذي يكتم الشهادة آثم قلبه، كما قال ربنا عز وجل؛ لأنها تغير الواقع، فاتق الله يا أخي الفاضل! واثبت على دينك، ومن ثبت على هذا عوضه الله خيراً إن شاء الله.

حكم من كبر على جنازة خمس تكبيرات

حكم من كبر على جنازة خمس تكبيرات Q صلى على الجنازة إمام، وسها وكبر خمس تكبيرات، ما حكم ذلك؟ A يجوز أن يكبر خمساً.

حكم تعليق الآيات القرآنية في البيت

حكم تعليق الآيات القرآنية في البيت Q هل يجوز تعليق الآيات القرآنية في البيت؟ A لا يجوز، وهذا اختيار النووي في كتابه التبيان.

معنى الغيبة وبيان خطورتها

معنى الغيبة وبيان خطورتها Q إذا ذكرت مساوئ شخص غير موجود في المجلس لأشخاص لا يعرفون اسمه ولا وصفه، فهل يؤدي ذلك للغيبة؟ A نعم. المصيبة الكبرى أننا نتمضمض بأعراض إخواننا ليل نهار، والكثير منا يقع في هذا الذنب المهلك الغيبة، لاسيما غيبة العلماء والطعن فيهم وتتبع العورات والحكم عليهم بسوء الظن.

حكم قاطع الرحم

حكم قاطع الرحم Q ما حكم من يقطع رحمه؟ A لابد أن تعلم أن من قطعها قطعه الله ومن وصلها وصله الله، فقطيعة الرحم من الكبائر.

حكم إخبار صاحب الشركة عن تصرفات الموظفين

حكم إخبار صاحب الشركة عن تصرفات الموظفين Q طلب مني صاحب الشركة أن أبلغه ما يحدث في الشركة من مكالمات تلفونية يقوم بها بعض الموظفين، فهل علي شيء؟ A لا، ليس عليك شيء؛ لأنك تقوم بعمل، ولكن لابد أن تخبر بذلك من يعمل معك. تقول له: أنا سأخبر صاحب الشركة بكل شيء حتى بالتلفونات، لا تكن جاسوساً، ولا تكن عيناً على إخوانك يطمئنون إليك، لابد أن يعلم الجميع أن وظيفتك أن تبلغ صاحب الشركة بأي تصرف حتى ولو كان اتصالاً تلفونياً، هذا معناه: أن الكل يعلم أنك تقوم بهذا العمل فهذه وظيفة لا شك فيها.

حكم الجعل من غير المتسابقين

حكم الجعل من غير المتسابقين Q ما هو الدليل على جواز أخذ الجعل في المسابقات غير الخف والحافر والنصل؟ A طالما أن الجعل من غير المتسابقين جاز، والأصل الجواز.

أفضل تفسير لكتاب الله

أفضل تفسير لكتاب الله Q ما هو أفضل تفسير لكتاب الله؟ A تفسير الكريم الرحمن للشيخ السعدي من التفاسير الطيبة، ومختصر ابن كثير المحقق لا شك في ذلك أيضاً، وتفسير الطبري -المحقق- شيخ المفسرين رحمه الله تعالى.

حكم بيع الصنف الواحد بأسعار مختلفة

حكم بيع الصنف الواحد بأسعار مختلفة Q ما حكم من يبيع صنفاً واحداً بأكثر من سعر كبائع العطور والسواك؟ A يجوز طالما أن المشتري على علم بحال السوق، وليس هناك احتكار ولا تزييف ولا كذب، ويعلم سعر السلعة في الأسواق المجاورة، كل ذلك يضمن الجواز بإذن الله سبحانه وتعالى. اللهم اغفر لنا ذنوبنا.

العدة شرح العمدة [73]

العدة شرح العمدة [73] الإجارة هي عقد على المنافع ملزم للمؤجر والمستأجر لا ينفسخ بموت أحد الطرفين أو جنونه، وإنما ينفسخ عقد الإجارة بتلف العين المعقود عليها أو انقطاع منفعتها، ويشترط في الإجارة أن تكون المنفعة معلومة والأجرة كذلك.

باب الإجارات

باب الإجارات الحمد لله. والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد: قال المصنف رحمه الله: [باب: الإجارات]. انتقل المصنف بعد أن انتهى من كتاب البيوع إلى كتاب الإجارة، وعقد الإجارة عقد على المنافع، وعقد البيع عقد على الأعيان، فبعد أن انتهى من بيان عقد البيوع على الأعيان انتقل إلى عقد الإجارات على المنافع. قال: [وهو عقد على المنافع]. والعقود أنواع، وعقد الإجارة ملزم للطرفين، وأما العقد الملزم لطرف والجائز لطرف فهو عقد الرهن، مثال ذلك: قلت لك: أريد ألفاً من الجنيهات. قلت لي: لن أعطيك الألف إلا برهن، فجئت لك بالرهن، لأن العقد يلزمني بذلك، فقلت أنت: خذ الألف ولا أريد منك رهناً، فهذا جائز منك، أما أنا فلا أستطيع أن أقول: أعطني الألف بدون رهن، فعقد الرهن ملزم لطرف وجائز لطرف آخر، وعقد البيع ملزم للطرفين، فاحفظوا ذلك، وقيدوا العلم بالكتاب: العلم صيد والكتابة قيده قيد صيودك بالحبال الواثقة إن آفة العلم النسيان، وقد ذكر البخاري حديثاً في كتاب العلم هذا: أن أبا هريرة كان يقول: لم يكن أحد أكثر بلاغاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مني سوى عبد الله بن عمرو؛ لأنه كان يكتب وكنت لا أكتب. أي: أن عبد الله بن عمرو كان يكتب الحديث، فازداد بلاغاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من أبي هريرة الذي كان يعتمد على الذاكرة. فلابد لطالب العلم من الثبات والتحقيق وعدم التنقل. يقول الدكتور بكر أبو زيد: من ثبت نبت، فالشجرة كثيرة التنقل لا تثمر، ولو ثبت على منهج واحد أثمر، (وكان صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملاً أثبته)، أي: أمضاه، يعني: إذا دخل في عمل لابد أن يكمله، فمصيبة طالب العلم في هذا الزمن أنه يبدأ بكتاب الطهارة ولا يكمل، ويبدأ بتفسير الفاتحة ولا يكمل. قال: [الإجار: عقد على المنافع كسكنى الدار]. يعني: أجرتك داراً لتسكنها بالإيجار، وليس في الشرع ما يسمى بالمشاهرة، أي: لا إيجار مدى الحياة، والقانون المصري القديم ليس من شرع الله، لابد أن يكون الإيجار لزمن محدد بمبلغ محدد، فإن انتهى عقد الإيجار عاد الملك إلى المالك، أما أن يكون المالك ليس هو المالك، وينقلب المستأجر إلى مالك! هذا ليس في شرعنا. قال: [والحمل إلى مكان معين]. كأن أستأجر منك سيارة على أن تحملني إلى مكان معين، مثال ذلك: شخص يريد أن يركب إلى الجيزة فلابد من تحديد الأجرة وتحديد المنفعة، فتبادره أنت وتقول له: كم تريد أن تأخذ على هذا المشوار، فيقول لك مثلاً: خمسة جنيهات، فتقول له: لا. لا أملك إلا ثلاثة جنيهات، فاتفقتما على ذلك، حتى إذا وصلتما إلى الجيزة أعطيت السائق المبلغ المتفق عليه دون نزاع أو مخاصمة. مثال آخر: استأجرت من يحمل لك طوباً إلى الدور الرابع فقلت له: ارفع هذا الطوب من الدور الأرضي إلى الرابع، فيقول لك: كم طوبة؟ فتقول له: ألف طوبة. كم تريد عليهن أجرة؟ فيقول لك: آخذ على المائة عشرين جنيهاً، فيكون الألف بمائة جنيه، فاتفقتما على هذا المبلغ. لكن نحن نقول: توكل على الله! كلك بركة، سأرضيك إن شاء الله، وبعد أن يحمل له الطوب وينتهي من حملها يقول له: كم أجرتك؟ فيقول: مائة، فيقول له الآخر: لن أعطيك إلا ثلاثين جنيهاً، فيقول له: اجعلها ديناً عندك، وتحدث المشاحنات بسبب عدم تحديد أجرة المنفعة. قال: [وخدمة الإنسان. قال الله سبحانه: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق:6]]. طلق رجل امرأته وهي حامل وبانت منه ثم وضعت الحمل، فالأم ترضع الطفل، ولابد للأب أن ينفق على الأم وهي ترضع في مدة الرضاعة. وهناك مسألة أخرى، وهي قول الله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:6]. فإن طلق الرجل زوجته وهي حامل في الشهر السابع، وقد بانت منه طلاقاً غير رجعي، فالمطلوب من الرجل أن ينفق عليها في مدة الحمل؛ لأن الولد الذي في بطنها يحتاج إلى غذاء، فإن وضعت أنفق عليها مدة الرضاعة، يقول ربنا سبحانه: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق:6] أي: أجورهن على الرضاعة، ففي باب الإجارة يدلل المصنف على جواز الإجارة من القرآن. وقال تعالى: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} [القصص:26]. فشعيب استأجر موسى عليه السلام لعمل محدد. قال: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} [القصص:27]، فانظر أولاً إلى عدل شعيب بين البنتين، إذ ترك الخيار لموسى. ثانياً: قال: ((إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ))، فالذي يزوج البنت هو الأب؛ لأنه الولي الطبيعي عليها. ثالثاً: في الآية جواز أن يعرض الرجل ابنته على الرجل الص

بيان ما تنفسخ به الإجارة

بيان ما تنفسخ به الإجارة قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وتنفسخ بتلف العين المعقود عليها أو انقطاع نفعها]. استأجرت منك محلاً، وبعد أن وقعنا العقد وقع المحل على الأرض، ففي هذه الحالة ينفسخ العقد؛ لأن المنفعة زالت. مثال آخر: استأجرت منك حماراً لتوصيل التراب إلى مزرعتي على أن أعطيك في الشهر خمسين جنيهاً مدة إيجار الحمار لحمل التراب من بيتي إلى المزرعة، فإذا مات الحمار انفسخ العقد؛ لأن المنفعة زالت، فينفسخ عقد الإيجار بزوال المنفعة. قال: [أو انقطاع نفعها]. فانقطاع النفع أيضاً ينفسخ به عقد الإجارة. قال: [كما لو تلف المكيل قبل قبضه، وكذلك إذا تعيبت، كدار استأجرها فانهدمت، أو أرض انقطع ماؤها]. يعني: أنا استأجرت منك فداناً لزراعته على أن الماء يخرج إليها من سبيل كذا، فانقطع الماء من هذا السبيل، فانعدمت المنفعة؛ لأن الأرض بدون ماء لا قيمة لزراعتها، فانعدام المنفعة أو انقطاعها يفسخ عقد الإيجار. قال: [لأن المنفعة المقصود منها تعذرت، فأشبه تلف العبد. وفيه وجه آخر: لا تنفسخ]. لكن الراجح: أنها تنفسخ.

بيان ما تصح به الإجارة

بيان ما تصح به الإجارة قال المؤلف رحمه الله: [ولا تصح الإجارة إلا على نفع معلوم، إما بالعرف كسكنى الدار، أو بالوصف كخياطة ثوب معين وبناء حائط وحمل شيء إلى موضع معين]. مثال لذلك: أنت تريد أن تحيك ثوباً، فذهبت إلى تاجر القماش، وقطعت ثوباً طوله ثلاثة أمتار، وقلت له: اعمل لي هذا قميصاً، وأخذ المقاس وقاس، وأول ما أخذ المقص قص جزءاً من القميص فأتلفه، فإنه يلزمه الضمان، لكن إذا سرق الثوب من حرزه الذي وضعه فيه لا يلزمه الضمان؛ لأن سرقة الثوب بعد إتمام صنعه يختلف عن إتلافه؛ لأنك تستأجره. ومثال المنفعة: ذهبت إلى الحلاق وقلت له: احلق لي شعري لو سمحت. فشوه بشعري وقال لي: آسف لا أستطيع أن أفعل أكثر من ذلك، فهو الآن يلزمه التعويض والضمان؛ لأنه لم يقم بالوظيفة المتفق عليها بين الطرفين، فلابد أن تكون على نفع معلوم. قال: [وضبط ذلك بصفاته، فيشترط أن يكون النفع معلوماً؛ لأنه المعقود عليه فأشبه المبيع]. بيع الجهالة لا يجوز، وكذلك إجارة الجهالة، ونحن جميعاً نقع في هذا، نستأجر دون اتفاق على منفعة ولا على أجرة، فمثلاً: تأتي شخصاً وتقول له: أريد أن أستأجر منك هذه الشقة (صالة وأربع غرف) فيقول المؤجر: طيب، فيقول له المستأجر: كم تأخذ؟ فيقول المؤجر: على البركة! فهذا لا يجوز، لابد أن تحدد الأجرة، فالنفع معلوم والأجرة معلومة بمواصفات معلومة حتى لا يحدث النزاع هذا هو الشرع؛ لأنه أشبه بيع المعلوم.

حكم استئجار العين

حكم استئجار العين قال المؤلف رحمه الله: [ويشترط معرفة الأجرة كما يشترط معرفة الثمن في المبيع، وإن وقعت الإجارة على عين فلابد من معرفتها]. أنا سأستأجر منك عيناً، لابد أن أعرف أين هذه العين؟ فمثلاً: أجر فلان لفلان شقة في الدور العشرين في جهة الشمال، فيها ثلاث غرف وصالة ودورة مياه مقابل ثلاثمائة جنيه دون أن يعاين، فخرج إلى الشقة وصعد في الدور العشرين، فوجدها أقل من ثلاث غرف وعلى خلاف ما اتفقا، فلابد أن يعاين قبل توقيع عقد الإيجار، فإن هذا مدعاة لخلق المنازعات بين الناس. قال: [وإجارة العين تنقسم قسمين: أحدهما: أن يكون على مدة، كإجارة الدار شهراً، أو العبد للخدمة أو للرعي مدة معلومة، فيشترط معرفتها؛ لأن الأعيان تختلف فتختلف أجرتها، كما أن المبيعات تختلف فتختلف أثمانها. القسم الثاني: إجارتها لعمل معلوم]. فالإجارة نوعان: إما إجارة لمدة وإما إجارة لعمل، ومعنى الإجارة لمدة: استأجرت منك هذه الدار لمدة شهر أو لمدة سنة، أو استأجرت خادماً ليعمل عندي ثلاثة أشهر، أو استأجرته ليعمل في داري مدة ثلاثة شهور، ومعنى الإجارة لعمل: ارفع هذا الطوب من الدور الأرضي إلى الرابع، فهذا إجارة عمل، فظل يرفع الطوب من الصبح إلى المغرب أو من الصبح إلى الظهر؛ لأن الاتفاق على أن الألف طوبة ترفع إلى الدور الرابع، فيرفعها في ساعة أو في ساعتين أو في ثلاث ساعات، الاتفاق هنا على عمل وليس على مدة. قال: [كإجارة الدابة للركوب إلى موضع معين أو بقر لحرث مكان معين]. استأجرت منك سيارة على أني أركبها من القاهرة إلى بلبيس، إذاً: هذه إجارة لعمل، فيحظر علي أن أصل بها إلى الصالحية القديمة؛ لأنني اتفقت معك إلى بلبيس. طيب لو أنني استأجرت منك السيارة على أن أصل بها إلى بلبيس، فوصلت بها إلى أقل من ذلك جاز؛ لأنني استخدمت السيارة في أقل من المسافة المحددة بيني وبينك، وهذا لمصلحتك أنت، بدلاً من أن أسير بها خمسين كيلو سرت بها عشرين كيلو. الحمد لله رب العالمين، فهذه المصلحة للمالك. فلذلك يقول هنا: [ومن استأجر شيئاً فله أن يقيم مقامه من يستوفيه بإجارته أو غيرها إذا كان مثله أو دونه]. مثلاً: اتفقت معك على أن ترفع ألف طوبة حمراء من الدور الأرضي إلى الدور الرابع مقابل خمسين جنيهاً، فتأخر الطوب، وجاري عنده ألف طوبة مثلي، فقلت لك: ارفع هذا الطوب من الأرض إلى الدور الرابع لجاري محمد. فهذا جائز؛ لأنك الآن تتفق على عمل، بغض النظر عن صاحبه. قال: [ومن استأجر شيئاً له أن يقيم مقامه من يستوفيه بإجارته أو غيرها إذا كان مثله أو دونه]. فإن اتفقت معك على أن تنقل لي الحجارة إلى الدور الرابع، ثم بدا لي أن أحول العمل إلى أخي في الدور الثاني فهذا أدنى من العمل المتفق عليه، وهو لصالح المستأجر ولا بأس به. قال: [فإذا اكترى داراً فله أن يسكنها مثله ومن هو دونه في الضرر؛ لأنه لم يزد على استيفاء حقه، ولا يجوز أن يسكنها من هو أكثر ضرراً منه؛ لأنه يأخذ فوق حقه]. استأجرت منك شقة بغرض استعمالها سكناً لمدة سنة، فبدا لي أن انتقل إلى مكان آخر وأن أعطي الشقة لأخي بنفس القيمة الإيجارية، فأنت لن تتضرر طالما أنها تستخدم في السكن بنفس الأجرة، لكن إن استأجرت منك محلاً لبيع الكتب الإسلامية، فإذا بي أريد أن أحول المحل إلى مقهى للعب الضمنة! فهذا لا يجوز؛ لأنني أضرُّ بك.

أحكام استئجار أرض لزرعها

أحكام استئجار أرض لزرعها قال المؤلف رحمه الله: [وإن استأجر أرضاً لزرع فله زرع ما هو أقل ضرراً منه]. كأن أستأجر منك فداناً لأزرعه حنطة (القمح) فبدلاً من أن أزرعه قمحاً زرعته شعيراً. قال: [فإذا استأجر أرضاً لزرع حنطة فله أن يزرع شعيراً أو باقلاء، وليس له أن يزرع ما هو أكثر ضرراً منه كالدخن والذرة والقطن]. يعني: لو استأجرت منك فداناً لزراعة قمح فزرعته قطناً، فإن هذا لا يجوز؛ لأن القطن أكثر ضرراً بالأرض. قال: [لأن ضررها أكثر، ولا يملك الغرس ولا البناء؛ لأنه أضر من الزرع]. كذلك لو استأجرت منك فداناً لزراعته قطناً، فبنيت عليه لم يجز؛ لأنني استأجرت للزراعة وليس للبناء. قال: [ولا يجوز له أن يخالف ضرره ضرره، مثل: القطن والحديد، إذا اكترى -استأجر- لأحدهما لم يملك حمل الآخر؛ لأن ضررهما يختلف]. حمل الحديد يختلف عن حمل القطن، فالحديد محكوم على ظهري والهواء لا ينثره، بينما القطن لابد أن يحكم، ولابد أن أحوط عليه وأمسكه بيديَّ، فإذا استأجرتك على حمل حديد فلا يجوز أن أحمل قطناً بدلاً من الحديد؛ لأن الضرر هنا يختلف. قال: [فإن الحديد يجتمع في مكان واحد بثقله، والقطن يتجافى وتهب فيه الريح؛ فينصب الظهر]. يعني: يتعب الظهر. قال: [فإن فعل شيئاً من ذلك فعليه أجرة المثل؛ لأنه استوفى منفعة غير التي عقد عليها؛ فلزمه أجرة المثل كما لو استأجر أرضاً لزرع شعير فزرعها قمحاً، أو كما لو حمل عليها من غير استئجار]. ومعنى هذا: استأجرت منك أرضاً لأزرعها حنطة -يعني: قمحاً- فزرعتها قطناً، وبعد أن زرعتها قطناً اختلف المالك مع المستأجر، فجاء آخر ليفصل بينهما فحكم على المستأجر أن يدفع أجرة المثل.

حكم من اكترى إلى موضع فجاوزه

حكم من اكترى إلى موضع فجاوزه قال المؤلف رحمه الله: [وإن اكترى إلى موضع فجاوزه]. مثال ذلك: استأجر سيارة إلى بلبيس فجاوزه إلى (العباسة) ودخل على (القوين)، ودخل على (أبو خبير فاقوس) وأبو حماد من قبلها، فجاوز المكان المتفق عليه، فما المطلوب من المستأجر في هذه الحالة؟ المذهب فيه روايتان، الراجح: أن الأجرة تكون حسب الاتفاق، والزيادة تكون فيها أجرة المثل. أي: أن المسافة المحددة تعود إلى الاتفاق، وما زاد يعود إلى أجرة المثل.

حكم تلف العين المستأجرة

حكم تلف العين المستأجرة قال: [ويلزمه ضمان العين إن تلفت بقيمتها سواء كان صاحبها معها أو لم يكن؛ لأنها تلفت بالجناية عليها، وسكوت صاحبها لا يسقط الضمان، كمن جلس إلى جنب إنسان فخرق ثيابه، وهو ساكت فإن الضمان يلزمه. وإن تلفت من غير تعد فلا ضمان عليه؛ لأنه غير متعد]. أمثلة ذلك: استأجرت منك سيارة بمائة جنيه، وأنا أمشي بسرعة ستين وهي سرعة اعتيادية، وفجأة صدمني شخص، فهل يلزمني الضمان؟ لا يلزمني، وإن كنت أمشي بسرعة مائة وأربعين فإنه يلزمني، فالضمان يلزم المستأجر إن تعدى، وإن لم يتعد فلا ضمان عليه. مثال آخر: زبون في مشكلة مع الحلاق، فبدلاً من أن يحلق ضرب بالموس رأسه فوصل إلى المخيخ وسال الدم من الرأس، فهنا يعتبر متعدياً، فإن تعدى يلزمه الضمان، وأي مستأجر تعدى يلزمه الضمان، كأن استأجر منك سكناً ففصل هذا السكن كما يحب ويهوى، فعمل حائطاً هنا، وعمل بلاطاً هنا، وقاطعاً هنا، وقسم البيت كما يريد! فهو تصرف في ملك غيره، وعندما كان يضرب على الجدار سقطت العمارة، فهنا يلزمه الضمان، لكن لو علق ستارة على النافذة فلا يلزمه الضمان؛ لأنه لا يضر بمصلحة البناء. قال: [ولا ضمان على الأجير الذي يؤجر نفسه مدة بعينها فيما يتلف في يده من غير تفريط، والإجارة على ضربين: خاص ومشترك، فهذا هو الأجير الخاص الذي يؤجر نفسه مدة معلومة لخدمة أو خياطة أو رعاية، شهراً أو سنة أو أكثر؛ سمي خاصاً لاختصاص المستأجر بمنفعته في تلك المدة دون سائر الناس، لا ضمان عليه فيما يتلف في يده مثل: أن تهلك الماشية معه، أو تنكسر آلة الحرث وما أشبه ذلك إذا لم يتعد؛ لأنه أمين، فلم يضمن من غير تعد كالمودع]. إن كان المستأجر خاصاً ولم يتعد فلا ضمان عليه، فإن تعدى فعليه الضمان. والمستأجر نوعان: مستأجر خاص؛ ومستأجر مشترك، فالمستأجر المشترك الذي فيه شركاء متشاكسون، كما قال الله عز وجل: {فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا} [الزمر:29]، فإن استأجرت طباخاً ليطبخ الطعام لي في البيت فهو مستأجر خاص. قلت له: أتجيد الطباخة. قال: نعم. فأحضرت له المواد وأنتج الطبيخ فأفسده، فهل يلزمه الضمان؟ طبعاً يلزمه؛ لأنه تعدى هنا، ولم يبذل عناية الرجل المعتاد، فهنا تعدى. كان الشعبي فقيهاً من الفقهاء، فجاءه رجل فقال له: إن هذا الرجل ترك غنمه ينزل الزرع فأفسده، وكان بجوار الشعبي فقيه فهمس الفقيه لمن بجواره: انظر إلى الشعبي سيسأله: بالليل أم بالنهار؟ فقال الشعبي للرجل: بالليل أم بالنهار؟ قال: بالليل. قال: يلزمه الضمان؛ لأنه بالنهار صاحب الزرع في زرعه، وصاحب الغنم يقوم على غنمه، فإن نزل الغنم إلى الزرع لا يلزمه الضمان؛ لأن صاحب الزرع يحرس زرعه، ويفترض أنه قائم على رعاية زرعه فإن وقع ذلك في آخر النهار فإن صاحب الزرع يعود إلى بيته، وصاحب الغنم يعود بغنمه إلى الحظيرة، فإن ترك صاحب الغنم غنمه تنزل الزرع بالليل لزمه الضمان؛ لأن صاحب الزرع ترك الزرع وعاد إلى بيته، وليس مطلوباً من صاحب الزرع أن يحرس الزرع بالليل؛ ولذلك ربنا يقول في حق سليمان وداود عليهما السلام: {إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} [الأنبياء:78]، قال العلماء: النفش: هو النزول بالليل وليس بالنهار {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} [الأنبياء:78]، جاء صاحب الزرع إلى داود عليه السلام، وقال: يا نبي الله داود! هذا الرجل ترك غنمه فنزلت في زرعي فأفسدت الزرع، فقضى لصاحب الزرع بالغنم؛ لأنه يلزمه الضمان بقيمة التلف الذي أتلفه غنمه، فقدر التلف فوجده يساوي قيمة الغنم، فقال سليمان: يا أبي! إني أرى في هذا رأياً. قال: ما ترى يا ولدي؟! قال: أرى أن ندفع الغنم لصاحب الزرع، وأن ندفع الزرع لصاحب الغنم لمدة سنة، أما صاحب الزرع فينتفع بالغنم من أسمانها وألبانها وأصوافها وأوبارها مدة هذه السنة، وأما صاحب الغنم فيقوم على رعاية الزرع حتى يعود إلى شأنه، فإن عاد ردت الغنم إلى صاحبها، وعاد الزرع إلى صاحبه، فقال الله: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبياء:79].

حكم إفساد الزوجة طعام زوجها

حكم إفساد الزوجة طعام زوجها فإن قال قائل: الزوجة أفسدت طعام زوجها هل يلزمها الضمان أم لا؟ A تعطى فرصة أخرى، فهي ليست مستأجرة، بل هي زوجة، لكن يلزمها أن تكون طاهية فعندنا في الأرياف الأم تعلم ابنتها الطهي وهي ما زالت صغيرة، فتسلم المهنة لها في البيت كله. عموماً لا يلزمها الضمان. فالأجير الخاص لا يلزمه الضمان إن لم يتعد، ويلزمه الضمان إن تعدى، فإن أجرت راعياً للغنم على أن يرعاها وأن يسقيها وأن يحلبها، فنام عنها فأكل الذئب واحدة منها، ففي هذه الحالة لزمه الضمان، لكن إن جاء الذئب وأخذ واحدة وهو مستيقظ دون إرادته لا يلزمه الضمان. قال: [والضرب الثاني: الأجير المشترك: هو الذي يقع العقد معه على عمل معين، كخياطة ثوب أو بناء حائط؛ سمي مشتركاً لأنه يعمل للمستأجر ولغيره]. يعني: يفصل ثياباً للبلدة كلها. قال: [لأنه يعمل للمستأجر وغيره، ويتقبل أعمالاً كثيرة في وقت واحد، فيشتركون في منفعته، فيضمن ما جنت يده، مثل: أن يدفع إلى حائك عملاً فيفسد حياكته، أو القصار -الغسال- يخرق الثوب بدقه أو عصره]. يعني: أخذت قميصاً وأودعته المغسلة، فصاحب المغسلة أخذ القميص وأدخله الفرن فلم يخرج قميصاً، بل خرج قطعة فحم! فإنه يلزمه الضمان، وإن أدخله بلون معين وخرج أسود لزمه الضمان؛ لأن هذا العمل مشترك. فقوله: [فيضمن ما جنت يده]. أي: يضمن الذي تسببت يده في تلفه، لكن إن جاء التيار ستين فولتاً، فارتفعت الكهرباء من الشركة فزادت مائة وعشرين فولتاً، واحترق كل شيء في الفرن، فهو لم يقصر ولم تجن يده، فالشريعة لا تأتي إلا بالعدل، ولا تعرف الظلم أبداً، فليس عليه الضمان. قال: [والطباخ ضامن لما فسد من طبيخه، والخباز في خبزه؛ لما روى جلاس بن عمرو: أن علياً رضي الله عنه كان يضمن الأجير؛ ولأنه قبض العين لمنفعة من غير استحقاق، وكان ضامناً لها كالمستعير].

ضمان الحجام والختان والطبيب

ضمان الحجام والختان والطبيب قال المؤلف رحمه الله: [ولا ضمان على حجام ولا ختان أو طبيب إذا عرف منهم حذق الصنعة]. يعني: مهارة، مثال ذلك جئت بطبيب ماهر وقلت له: اختن ولدي، فختن الولد، فأصيب الولد بشيء ليس من تقصير الطبيب، فإنه لا يضمن. مثال آخر: جئت بحلاق لختان ولدك، فأتى على الحشفة وما بعدها فقضى على مستقبله، فإنه يلزمه الضمان. مثال آخر: جئت بختانة -يعني: مطهرة للإناث- لتختن ابنتي فقطعت البظر فيلزمها الضمان؛ لأنها أفسدت. قال: [إذا فعل هؤلاء ما أمروا به لم يضمنوا، بشرطين أحدهما: أن يكونوا ذوي حذق -يعني: مهارة- وبصارة في صنعتهم]. فهل صنعة الحلاق الختانة؟ لذلك ضمن مباشرة؛ لأنه ليس من اختصاصه، فالطب صنعة والختان صنعة، فلابد أن نحترم التخصصات، والإسلام حظنا على ذلك فقال: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43]. قال: [والثاني: ألا تجني أيديهم فيتجاوزوا ما أمروا به؛ لأنهم إذا كانوا كذلك فقد فعلوا فعلاً مأذوناً فيه، فلم يضمنوا سرايته، كقطع الإمام يد السارق]. سارق سرق، فجيء بإمام ليقطع يده، ومعلوم أن اليد تقطع من المفصل، فإن قطع يده وشلت لا يضمن؛ لأنه يمارس العمل بالضوابط الشرعية فلم يلزمه الضمان، وجاء رغم إرادته وبدون تعد. قال: [فلم يضمن سرايته كقطع الإمام يد السارق أو فعلاً مباحاً مأموراً به أشبه ما ذكرنا. أما إذا لم يعرف منهم حذق الصنعة فلا يحل لهم مباشرة القطع، فإن قطعوا مع هذا كان فعلاً محرماً فيضمن سرايته كالقطع ابتداء، وإن كانوا حذاقاً إلا أن أيديهم جنت مثل: أن يتجاوز قطع الختان إلى الحشفة أو بعضها، أو يقطع في غير محل القطع، أو في وقت لا يصلح القطع فيه فإنه يضمن؛ لأن الإتلاف لا يختلف ضمانه بالعمد والخطأ؛ ولأن هذا فعل محرم فيضمن سرايته كالقطع ابتداء].

تضمين الرعاة

تضمين الرعاة قال المصنف رحمه الله: [ولا ضمان على الراعي إذا لم يتعد]. فلو أعطيت غنمك لراع يرعاها وبينما هو يرعاها جاء ذئب وأخذ منها واحدة مع حراسته ورعايته وعدم غفلته واستيقاظه فلا يلزمه الضمان؛ لأنك لو كنت أنت الراعي لأخذها منك الذئب، فهذا قدر الله. وأما لو نام وتركها ترعى وجاء ذئب فأخذ منها واحدة فيلزمه الضمان هنا؛ لأنه أهملها. فيد الراعي يد أمين وليست يد ضمان، وهناك فرق بين يد الأمين ويد الضامن، وهذه نقطة مهمة جداً، فالأمين لا يلزمه الضمان، والضامن يلزمه الضمان. قال المصنف رحمه الله: [لأنه مؤتمن على حفظها، فلم يضمن من غير تعد كالمودع، والتعدي أن ينام عنها أو أن يتركها حتى تبعد عنه كثيراً وشبه ذلك، إذا فعل هذا ضمن؛ لأنه تلف بعدوانه].

تضمين القصار والخياط

تضمين القصار والخياط قال المصنف رحمه الله: [ويضمن القصار]. وهو الغسّال، فلو دفعت ملابسك إلى المغسل وكانت من الملابس الغالية الثمن ليغسلها ثم يكويها فوضعها صاحب المغسلة وفتح عليها التيار الكهربائي أكثر مما هو معتاد -وهي حرير أو قطن- فاحترقت لزمه قيمة الملابس؛ لأنه أهمل في عمله، ولو ارتفع التيار رغم إرادته فلا يلزمه الضمان. قال المصنف رحمه الله: [ويضمن القصار والخياط ونحوهما ممن يتقبل العمل ما تلف بعمله دون ما تلف من حرزه]. فالخياط يضمن إن تلف بالعمل، فإن سُرق الثوب من خزنته فلا يضمن. قال المصنف رحمه الله: [وذلك أن القصار إذا أتلف الثوب بقوة الدق والعصر] يلزمه الضمان بقيمة الثوب. قال المصنف رحمه الله: [والخياط بخياطته فإنه يضمن؛ لأنه قبض العين لمنفعته فأشبه المستعير، فأما إن تلفت من حرزه فلا يضمن؛ لأنه أمين فأشبه المودع]. فالمستعير ضامن والمودع لا يضمن، فإذا أردت أن تقضي بين الناس في أمر الضمان فكيّف المودع أو الشيء، هل هو مستعار أم هو أمانة مودعة. فلو أن شخصاً استعار سيارتك لغرض ما ثم أخذها وفي الطريق اصطدم بسيارة أخرى لزمه الضمان؛ لأنه مستعير. ولو ترك السيارة وديعة عندك وقال لك: اركبها إلى مسافة كذا فركبتها وبعد ذلك أصيبت بحادث فلا ضمان عليك؛ لأنه أذن لك بأن تركبها، وهي وديعة، والوديعة لا ضمان على صاحبها إلا إذا تعدى من أودعت عنده.

العدة شرح العمدة [74]

العدة شرح العمدة [74] الغصب هو الاستيلاء على مال الغير بغير حق قهراً، وهو ليس كالسرقة، فالسرقة إذا بلغت النصاب قطع السارق، أما الغاصب فلا يقطع وإنما يضمن العين المغصوبة سواء كانت مالاً أو عبداً أو أرضاً أو غير ذلك.

تعريف الغصب والفرق بينه وبين السرقة

تعريف الغصب والفرق بينه وبين السرقة قال المصنف رحمه الله: [باب الغصب]. الاستيلاء على مال غيره بغير حق قهراً وهذا القيد للتفريق بين الغصب وبين السرقة والاختلاس والانتهاب. فالغصب هو: أخذ المال بغير حق قهراً. أي: أنك تراه بين يديك ولا تستطيع أن تحافظ عليه. فالغصب أخذ المال قهراً عن صاحبه، أي: رغم أنف صاحبه، وأما السرقة فقد يكون صاحب المال نائماً أو خارجاً فلا أحد يقاوم السارق، فهو يسرق دون مقاومة، فهناك فرق بين الغصب وبين السرقة والاختلاس والانتهاب. فالغصب: أخذ المال بغير حق قهراً. والسرقة: أخذ المال بغير حق وبغير قهر، وبغير نصابها المعروف شرعاً. فالفرق بين الغصب وغيره أن الغصب يتم قهراً. والاستيلاء على المال قد يكون بحق وقد يكون بغير حق. فاستيلاء ولي أمر اليتيم الذي يقوم على رعاية مال اليتيم استيلاء بحق، وهنا الاستيلاء بغير حق.

حكم الغصب

حكم الغصب وحكم الغصب في الشرع حرام، قال تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ} [البقرة:188]. ويقول صلى الله عليه وسلم: (كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه) والمال قد يكون عقاراً أو منقولاً، فالعقارات هنا هي الأراضي والمباني، والمنقولات هي التي يسهل نقلها وتحويلها إلى نقد. والعقار أصل ثابت يصعب تحويله إلى نقد أو حمله، فالعقارات ثابتة، والمنقولات متنقلة. وسواء كان الغصب لعقارات أو لمنقولات فهي سواء، فالغصب يستوي فيه هذا وهذا.

ما يتحمله الغاصب

ما يتحمله الغاصب والغاصب يتحمل كل شيء وزيادة، فلو اغتصب أرضاً وطرد صاحبها منها وزرعها فعليه في الشرع قلع الزرع، ومؤنة الخلع، وتسوية الأرض على نفقته، وغرامة ما أحدث في الأرض من ضرر، وأرش نقصها في مدة زراعتها، وإيجارها في هذه المدة. فنحن في الشرع نؤدب الغاصب. هذه قاعدة. وهناك غصب لشيء مشروع وغصب لشيء غير مشروع. فلو تملك رجل كلباً ليس للحراسة فقام شخص وأتلفه فلا يلزمه الضمان؛ لأن الكلب مهدر، ولو كان كلب حراسة للزمه الضمان، فهناك فرق بين كلب الحراسة والكلب العام، فالكلب العام لا يجوز اقتناؤه. ولو أن رجلاً ذمياً شرب كأس خمر فجاء رجل مسلم وكسر الكأس بما فيه -لأن الخمر حرام- للزمه الضمان؛ لأن الخمر ليست حراماً في شرع الذمي، وإنما هي حرام في شرعنا، والخمر لم تحرّم إلا على المسلمين. وإذا أتلف خمر المحارب فلا يلزمه الضمان؛ لأن دم المحارب مهدر. والذي يتلف هذا المال هو الذي بيده التغيير، فلا يذهب أحد إلى محارب يراه يشرب الخمر ويكسر عليه كأس الخمر؛ لأنه لا يستطيع ذلك. ولو لبس رجل من أهل الكتاب صليباً وأظهره على صدره وسار به في الطرقات فإذا جذبه ولي الأمر وأتلف الصليب لزمه الضمان إن كان الصليب داخل الملابس، فإذا أظهره وأتلفه ولي الأمر فليس عليه الضمان. قال المصنف رحمه الله: [ومن غصب شيئاً فعليه رده]، أي: أنك إذا أخذت المال بالغصب لزمك الرد. قال المصنف رحمه الله: [لقوله عليه الصلاة والسلام: (على اليد ما أخذت حتى تؤدي). أبو داود. وعليه أجرة مثله مدة مقامه في يده؛ لأنه فوت عليه منفعته، والمنافع لها قيمة، فيضمنها كالأعيان]. فإذا غصبك أحد جهاز التسجيل وظل عنده شهراً فيلزمه رده وإيجار الشهر. ثانياً: لو كان قيمة جهاز التسجيل يوم أخذ بخمسمائة جنيه واليوم بثلاثمائة فيلزم الغاصب الفرق، فالزيادة لصاحب الحق وليست للغاصب. وإذا غصبك شاة وكانت حاملاً فوضعت حملها عند الغاصب فعليه أن يرجعها بزيادتها، وإذا أنفق عليها الغاصب فإنها تعود بلحمها وشحمها ولا حق للغاصب. فأي غاصب يأخذ المال بغير وجه حق يلزم برده، وليس له فيه أي حق. قال المؤلف رحمه الله: [وإن نقص فعليه أرش نقصه؛ لأنه يلزمه ضمان جميع المغصوب لو تلف، فيلزمه ضمان بعضه بقيمته قياساً للبعض على الكل]. أي: أنه إن نقص المال المغصوب عند الغاصب فيلزم الغاصب رد النقص أو أرشه. فإذا أخذ شخص كتاباً غصباً وظل عنده شهراً كاملاً فقُطعت منه ورقة ثم رفع الأمر إلى ولي الأمر فإن الواجب على الغاصب تجاه المغصوب أن يرد الكتاب، وأن يلتزم بالنقص الذي طرأ على الكتاب، ويثمّن بعد القطع والنقص ويدفع الغاصب الفرق. فالأرش: هو الفرق بين قيمته جديداً وقيمته مستعملاً. ثم يدفع إيجاره في الشهر. فيلتزم الغاصب بثلاثة أمور: أولاً: رد الكتاب. ثانياً: أرش النقص أو أرش الفرق. ثالثاً: الإيجار كما لو كان قد أُجِّر. وأرش الفرق أي: الفرق بين قيمته يوم الغصب ويوم الرد.

حكم الجناية على المغصوب

حكم الجناية على المغصوب قال المصنف رحمه الله: [وإن جنى المغصوب فأرش جنايته عليه -يعني على: الغاصب- سواء جنى على سيده أو أجنبي]. يتحدث المصنف هنا عن العبد، فلو أن الغاصب أخذ مني عبداً قهراً ثم قام بضربه فجناية العبد على الغاصب. قال المصنف رحمه الله: [لأنه نقص في حق العبد لكونه يتعلق برقبته، فكان مضموناً على الغاصب كسائر نقصه. وإن جنى عليه أجنبي]، أي: إن غصب عبداً فضَربه أجنبي. قال المصنف رحمه الله: [فلسيده تضمين من شاء منهما]، أي: أن السيد يطلب قيمة العبد من الجاني أو من الغاصب. قال المصنف رحمه الله: [الجاني لأنه أتلف، والغاصب لأن نقص العبد حصل وهو في يده]. ولو أنه أخذ عبداً مني غصباً وبعد هذا أصبح العبد أعور فيلزمه الأرش، فمثلاً لو كان العبد السليم بمائة ألف والعبد الأعور بخمسين لزمه خمسون ألفاً؛ لأنه اعتور عند الغاصب، فيرد العبد، ويرد الفرق، ويرد الأجرة. والحر لا يُغتصب.

حكم غصب الجارية

حكم غصب الجارية قال المصنف رحمه الله: [ويجب أرش نقصها إن نقصت بالولادة]. فإن غصب جارية ثم ولدت ونقصت بالولادة -أي: نقص سعرها- فيجب على الغاصب الفرق، أي: الفرق بين ثمنها قبل أن تلد وبعد أن ولدت. فلو أن قيمة الجارية عشرة آلاف جنيه قبل ولادتها، وبعد الولادة أصبح سعرها ثمانية آلاف فإنه يلزم الغاصب أن يدفع له ألفي جنيه، وهي أرش نقص الجارية نتيجة الولادة. قال المصنف رحمه الله: [كما يلزمه أرش نقص الأرض إذا زرعها]. فإذا اغتصب أرضاً وزرعها لزمه أرش نقص الأرض، أي: نقص القيمة. قال المصنف رحمه الله: [ويجب عليه أجرة مثلها؛ لكونه شغل ملك الغير بغير إذنه]، أي: أنه لو غصب أرضاً فيلزمه أجرة المثل كما لو استأجر الأرض، فيدفع الإيجار فضلاً عن أرش الأرض؛ لأنه شغل أرض غيره بغير إذنه. قال المصنف رحمه الله: [ويجب عليه أجرة مثلها]. والكلام هنا على الجارية أيضاً، أي: أنه يجب عليه مثل أجرة الجارية، كأنه استأجرها، فيدفع أجرة مدة غصبها]. قال المصنف رحمه الله: [وإن كانت بكراً لزمه أرش بكارتها مع المهر؛ لأنه بدل آخر منها]، أي: أنه لو غصب جارية بكراً ثم دخل بها فيلزمه مثل مهر الجارية. قال المصنف رحمه الله: [وإنما اجتمعا؛ لأن كل واحد منهما يضمن منفرداً، بدليل أنه لو وطئها ثيباً وجب مهرها، ولو افتضها بإصبعه وجب أرش بكارتها، وعنه: لا يلزمه مهر الثيب]. والصواب: أنه يلزم. وهذه المسألة لا توجد في الواقع، ولكنها لتفتيح الأبواب في الغصب.

حكم بيع الغاصب للجارية المغصوبة

حكم بيع الغاصب للجارية المغصوبة قال المصنف رحمه الله: [وإن باعها فوطئها المشتري وهو لا يعلم فعليه مهرها]. فلو غصب الغاصب جارية ثم باعها ووطئها المشتري وهو لا يعلم أنها مغصوبة فعليه مهرها، أي: على المشتري؛ لأنه لا يعلم أنها مغصوبة. والضمير يعود إلى أقرب مذكور. قال المصنف رحمه الله: [لأنه وطئ جارية غيره بغير نكاح، وإن ولدت منه فهو حر؛ لأن اعتقاده أنه يطأ مملوكته منع انخلاق الولد رقيقاً أو يلحقه نسبه، وعليه فداؤه؛ لأنه فوت رقه على سيده باعتقاده حل الوطء، ويفديه ببدله يوم الوضع، قال الخرقي: يفديه بمثله، يعني: في السن والجنس والصفات]. ثم ختم المصنف كتاب الغصب بقوله: [ويلزمه أجرة مثلها كما لو غصب بهيمة، ويرجع بذلك على الغاصب؛ لأن المشتري دخل على أن يتمكن من الوطء بغير عوض، وأن يسلّم له الأولاد، فإذا لم يسلم له ذلك فقد غره فيرجع إليه كالمغرور بتزويج الأمة]، أي: أن المشتري يعود على الغاصب بما غرر به عليه. هنا ينتهي كتاب الغصب وهو مهم جداً في واقعنا وفي أحكامه.

العدة شرح العمدة [75]

العدة شرح العمدة [75] الشفعة لا تكون إلا في الشركات، وفيها يحق للشريك انتزاع حصة شريكه إذا أراد بيعها؛ لأن الشريك لا يحق له التصرف في نصيبه من الشركة إلا بإذن شريكه، وحتى تتحقق الشفعة يجب أن تتوفر فيها شروط بينها الفقهاء.

تعريف الشفعة

تعريف الشفعة قال المصنف رحمه الله: [كتاب الشفعة]. وهذا الباب مهم جداً أيضاً في أحكامه. والشفعة نسمع كثيراً عنها، فتجد شخصاً يقول: سآخذ الأرض بالشفعة، وآخر يقول: سآخذ العمارة بالشفعة. وقد سميت شفعة لأن الشريك يضم نصيب شريكه الآخر إليه، فكأن الشريك الأول كان نصيبه وتراً، فلما ضم نصيب الشريك الثاني أصبح شفعاً، وربنا يقول: {وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} [الفجر:3]. قال المصنف رحمه الله: [هي استحقاق الإنسان انتزاع حصة شريكه من يد مشتريها]. وهذا التعريف عليه ملاحظات، وكان الأفضل أن يقول المصنف: هو انتزاع وليس استحقاقاً؛ لأن هناك فرقاً بين الاستحقاق وبين الانتزاع، فالاستحقاق يكون بشروط، فالصواب أن يقال: هو انتزاع حصة شريكه، أي: أن الشفعة لا تكون إلا بين الشريكين، ولا تكون بين جار وجار، وإنما بين الشريكين، فإذا ملكت أنا وأنت فداناً من الأرض مسقاه واحد، وحده واحد، وكان بيننا نصفين فلو بعت نصيبي إلى ثالث، وكتبنا العقد وانتقلت إليه الأرض فيحق لشريكي أن ينتزع هذه الأرض من الذي اشتراها بحق الشفعة، وينتزعها قهراً رغم إرادتي بحق الشفعة من يد مشتريها. فالشفعة إجبار على البيع، فهي بيع قهري؛ لأن الإسلام أراد للشريك ألا يتصرف في حصته إلا برضا الشريك الآخر. والشفعة لا تكون إلا في شركة، كأن أشترك أنا وأنت في أرض مسقاها واحد، وحدها واحد، فهنا لا يجوز لي أن أبيع لأجنبي قبل أن أعرضها عليك، فإن بعت لأجنبي فإنه يحق للطرف الآخر أن يأخذها بحق الشفعة، ولو لم يشفع الآخر ويطالب بحق الشفعة فالبيع صحيح، وقد مضى. يقول الشيخ ابن عثيمين: كلمة استحقاق في التعريف خطأ؛ لأن هناك فرقاً بين الاستحقاق وبين الانتزاع، فقد أستحق ولا أنتزع، وقد أنتزع دون أن أستحق.

شروط صحة الشفعة

شروط صحة الشفعة قال المصنف رحمه الله: [ولا تجب إلا بشروط سبعة:

البيع

البيع أحدها: البيع] فلا شفعة في الإيجار، فلو أجّرت نصيبي من غيري فلا شفعة فيها؛ لأن الشفعة في البيع ولا شفعة في الإيجار؛ لأنني أجّرت المنفعة ولم أبع الأرض، ولو أجرت الأرض مئات السنين فليس فيها شفعة، فلا تنصرف الشفعة إلا للبيع. قال المصنف رحمه الله: [فلا تجب في موهوب] فلو وهبت نصيبي لشخص آخر بدون مقابل فلا شفعة فيه؛ لأن الهبة تصرف بغير مقابل حال الحياة، فعلى المذهب أنه لا شفعة في الموهوب، ولكن الراجح أنه فيه شفعة. قال المصنف رحمه الله: [ولا موقوف]. فلو أوقفت نصيبي فلا يجوز لشريكي أن ينتزعه، هذا في المذهب، والراجح أنه فيه شفعة. قال المصنف رحمه الله: [ولا عوض خلع]. فالمذهب يرى أن الشفعة لا تكون إلا في المبيع، فلا شفعة في الموهوب، ولا الموقوف، ولا عوض خلع. فلو أن امرأة تملك نصف فدان معك فأرادت أن تخلع نفسها من زوجها، وقالت لزوجها: سأعطيك نصف الفدان هذا الذي أملك مقابل أن أخلع نفسي -والخلع مقرر شرعاً- فلزوجها أخذ نصف فدان مقابل الخلع ولا شفعة للآخر على المذهب طالما أن الأرض أُخذت مقابل عوض خلع، ولكن الراجح أن فيه شفعة، وهذا اختيار الشيخ ابن عثيمين. قال المصنف رحمه الله: [ولا صداق]. فلو تزوجت امرأة وقلت لها: إن مهركِ نصف الفدان هذا، وأنت شريك في الفدان مع آخر فعلى المذهب لا يجوز للآخر الشفعة، والراجح أن فيه شفعة. قال المصنف رحمه الله: [بشرط أن تكون الشفعة في مبيع؛ لما روى جابر قال: (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شرك لم يقسّم ربعة أو حائط، لا يحل له أن يبيع حتى يستأذن شريكه، فإن شاء أخذ وإن شاء ترك، فإن باع ولم يستأذنه فهو أحق به)]. أي: أنه لا بد قبل البيع أن يعرضه على شريكه. قال المصنف رحمه الله: [فجعله أحق به إذا باع، أما إذا انتقل بغير عوض كالموهوب والموصى به والموقوف فلا شفعة فيه؛ لأنه انتقل بغير بدل، أشبه الموروث]. والموروث لا شفعة فيه، وهو الوحيد الذي ليس فيه شفعة. فلو ملك شخص نصف فدان وملك رجل آخر النصف الآخر فإذا توفي أحدهما وزع نصيبه على ورثته ولا يحق لشريكه في الأرض أن يعود بحق الشفعة على الورثة؛ لأن الميراث يدخل في ملك الإنسان رغم إرادته طالما ليس هناك مانع أو حاجب من الميراث، وبعد أن يرث الإنسان فهو حر في نصيبه يبيعه أو يتنازل عنه. والشيخ ابن عثيمين وبعض العلماء يرون أن الشفعة تجوز في كل شيء إلا ما يدخل في ملك الإنسان رغم إرادته، والموهوب والموقوف ومقابل الخلع والصداق يدخل بالإرادة، وما دخل بالإرادة ففيه شفعة، وما دخل بغير الإرادة فليس فيه شفعة.

أن يكون المشفوع فيه عقارا أو ما يتصل به

أن يكون المشفوع فيه عقاراً أو ما يتصل به قال المصنف رحمه الله: [الشرط الثاني: أن يكون عقاراً أو ما يتصل به من البناء والغراس]. والراجح: أن غير العقار فيه شفعة، فقد أمتلك أنا وأنت ما ليس عقاراً ثم أريد أن أبيع فلا بد أن أعرض ذلك على الشريك، ففيه شفعة. والمذهب يرى أن الشفعة لا تكون إلا في العقار أو ما يتصل به من البناء. قال المصنف رحمه الله: [لحديث جابر: (الشفعة فيما لم يقسّم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة)]. وهذا الحديث مهم جداً في هذا الباب، وهذا يختص بالعقار. والشفعة لا يكون إلا فيما لم يقسّم، فإذا قُسِّم فلا شفعة فيه، فالأمر الذي يستحيل معه التقسيم ففيه شفعة، وأما ما لا يستحيل فيه التقسيم فلا يكون فيه شفعة. والحنابلة قالوا: الشفعة فيما لم يقسّم، فإذا ضربت الحدود، وصار لهذه حدود ولهذه حدود ولكل منهما سقيا مختلفة عن الأخرى فلا شفعة، وتستطيع أن تبيع وأنت حر طالما لا يوجد شركة في أمر واحد، فالشفعة تكون فيما لا يقسّم، أي: يستحيل القسمة.

أن يكون المشفوع فيه شقصا مشاعا

أن يكون المشفوع فيه شقصاً مشاعاً قال المصنف رحمه الله: [الشرط الثالث: أن يكون شقصاً مشاعاً -أي: ملكاً مشاعاً- فأما المقسوم المحدود فلا شفعة فيه]. فيكون ملكاً مشاعاً بحيث لا يتميز ملك أحدهما عن الآخر، فإذا عُرف نصيب كل واحد وحدد النصيب فلا شفعة.

أن يكون المشفوع فيه مما ينقسم

أن يكون المشفوع فيه مما ينقسم قال المصنف رحمه الله: [الشرط الرابع: أن يكون مما ينقسم، فأما ما لا ينقسم فلا شفعة فيه كالحمام الصغير والبئر والطرق والعراض الضيقة فعن أحمد فيها روايتان: لا شفعة فيها، والأخرى فيها الشفعة؛ لعموم الحديث في ذلك]. قال المصنف رحمه الله: [والرواية الأولى ظاهر المذهب، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا شفعة في فناء ولا طريق ولا منقبة) وهو الطريق الضيق]. ولا شفعة في الإيجار.

أن يأخذ الشفيع المبيع كاملا

أن يأخذ الشفيع المبيع كاملاً قال المصنف رحمه الله: [الشرط الخامس: أن يأخذ الشقص كله]. يعني: ألا يأخذ مثلاً نصف المبيع، بل لابد أن يأخذه كله بحق الشفعة أو يتركه كله، فلا يجوز لمن يأخذ الأرض أو أي شيء بحق الشفعة أن يأخذ جزءاً، بل لا بد أن يأخذ الكل أو يترك الكل. قال المصنف رحمه الله: [فإن طلب بعضه بطلت شفعته؛ لأن أخذه لبعضها ترك للبعض الآخر، فتسقط الشفعة فيه، فإذا سقط بعضها سقط جميعها]. فلا بد أن تطلب الشفعة في المبيع كاملاً، ولا تطلب البعض. وهناك أشياء قابلة للقسمة وأخرى لا تقبل القسمة. قال المصنف رحمه الله: [فإن كان له شفيعان فالشفعة بينهما على قدر سهامهما]. فإذا كان ثلاثة إخوة يملكون فداناً -أي لكل واحد 8 قراريط- فإذا باع أحدهم نصيبه لأجنبي فالشفعة للاثنين الباقيين، كل واحد منهما بقدر نصيبه في الأرض، وبما أن لكل منهما 8 قراريط، إذاً فلكل منهما أن يأخذ 4 قراريط، فيشفعوا بقدر سهامهما ونصيبهما في حق الشفعة. ولو أن شخصاً يملك 18 قيراطاً وآخر 3 قراريط وثالث 3 قراريط فلو أحد اللذين يملكان 3 قراريط أراد البيع لأجنبي ولم يعلم شريكاه فلهما الشفعة بقدر سميهما، أي: بنسبة 1 - 6، فالذي له 3 قراريط يأخذ سهماً واحداً، والذي له 18 قيراطاً يأخذ 6 أسهم. قال المؤلف رحمه الله: [فإن ترك أحدهما شفعته لم يكن للآخر أن يأخذ إلا الكل أو الترك؛ لأن في أخذ البعض تفريق صفقة للمشتري، فيتضرر بذلك. قال ابن المنذر: أجمع من أحفظ عنه من أهل العلم على ذلك].

إمكان أداء الثمن

إمكان أداء الثمن قال المصنف رحمه الله: [الشرط السادس: إمكان أداء الثمن]. فإن أراد الشفعة فليدفع الثمن كاملاً، لا كما يقول بعض الجهلة: لا يرحم ولا يترك رحمة ربنا تنزل، وهذا مثل كفري، قال تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا} [فاطر:2]. فلا يملك أحد في الوجود أن يمنع رحمة الله عن النزول، وهذا من الأمثال الكفرية الشائعة بين الناس، فإن اعتقد أنه يستطيع أن يمنع رحمة الله عن النزول فقد كفر، {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا} [فاطر:2]. وهذا مثل الذي يقول: يعطي الحلق للذي بلا آذان. وهذا كفر، فهو اتهام لله بالجهل وبعدم الحكمة. فهذه الأمثال الكفرية لا ينبغي أن ترد على ألسنتنا ولا تُذكر أو تقال. قال المصنف رحمه الله: [لقوله عليه الصلاة والسلام: (فهو أحق به بالثمن) فإن عجز عنه أو عن بعضه سقطت شفعته؛ لأن أخذه المبيع من غير دفع الثمن أو بعضه إضرار بالمشتري، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا ضرر ولا ضرار)]. إلا إذا قبل ذلك البائع فلا بأس بالاتفاق؛ لأنه حقه وهو حر فيه. قال المصنف رحمه الله: [وإن كان الثمن مثلياً كالأثمان والحبوب والأدهان أعطاه مثله، وإن لم يكن مثلياً أعطاه قيمته]. والثمن: هو المبلغ المشترى به الشيء، والقيمة: هو قيمة الشيء في السوق. فالثمن هو المدفوع فعلاً، وأما القيمة فهي القيمة السوقية بلغة المحاسبين. فإعطاء القيمة يختلف عن إعطاء الثمن، أي: يعطيه القيمة إن كانت له قيمة سوقية -أي كان له مثل- وإن لم يكن له مثل يعطيه الثمن. فلو اضطر شخص فباع أرضه بثمن بخس لرجل أجنبي وأراد شريكه الشفعة فإنه يدفع القيمة ولا يدفع الثمن. قال المصنف رحمه الله: [وإن اختلفا في قدره ولا بينة لهما فالقول قول المشتري مع يمينه؛ لأنه علم بالثمن، ولأن المبيع ملكه، فلا ينزع منه بدعوى مختلف فيها إلا ببينة، وعلى المشتري اليمين؛ لأن دعوى البائع محتملة]. فمثلاً لو قال المشتري: اشتريت بعشرة، وقال البائع: بعت بخمسة، ولم يكن العقد مكتوباً بينهما ففي هذه الحالة القول قول المشتري بيمينه.

مطالبة الشفيع بها على الفور

مطالبة الشفيع بها على الفور قال المصنف رحمه الله: [الشرط السابع: المطالبة بها على الفور ساعة يعلم، فإن أخرها بطلت شفعته]. فالمطالبة بالشفعة تكون بمجرد علمه بالبيع، فالعلم مناط التكليف، ولا بد من إقامة الأدلة على عدم العلم، والبائع يقيم البينة على أنه أعلمه وأنه اعتذر عن الشراء؛ حتى يسقط حق الطرف الآخر في الشفعة. قال المصنف رحمه الله: [في الصحيح من المذهب، لقول عمر رضي الله عنه: الشفعة كحل العقال]. قال المصنف رحمه الله: [إلا أن يكون عاجزاً عنها لغيبة أو حبس أو مرض أو صغر فيكون على شفعته متى قدر عليها]. أي: كأن لم يعلم لغيبة -أي كان مسافراً- أو حبس أو مرض أو صغر. وفي الحدود لو أن رجلاً قتل رجلاً وعفا أهل القتيل بالإجماع إلا طفلاً صغيراً -وكان ابناً للمقتول- عمره سنتان فالصواب: أن ننتظر حتى يبلغ ويقول: عفوت. هذا هو المعتبر وهو الراجح، أن ننتظر حتى يبلغ سن الرشد ويقول: عفوت، وإن أراد القصاص فيقتل في الحال. فلو كان محبوساً وعلم أن الرجل باع نصيبه ولكنه عاجز عن الشراء فكأنه لم يعلم، والعجز عن التصرف كعدم العلم. وأما الغائب فيمكنه أن يرسل محامياً أو يرسل ولده أو يتصل بالهاتف. فإذا علم وهو غائب وأقر فلا شفعة له. قال المصنف رحمه الله: [فيكون على شفعته متى قدر عليها، إلا أنه إن أمكنه الإشهاد على الطلب بها فلم يشهد بطلت شفعته، كما لو ترك الطلب مع حضوره]. فلو أرسلت له ولم يأت أو لم يرد بنفي أو إيجاب فقد بطلت الشفعة.

حكم ما لو باع المشتري من الشريك قبل أن يعلم الشريك الآخر

حكم ما لو باع المشتري من الشريك قبل أن يعلم الشريك الآخر قال المصنف رحمه الله: [فإن لم يعلم حتى تبايع ذلك ثلاثة أو أكثر فله مطالبة من شاء منهم، فإن أخذ من الأول رجع على الثاني بما أخذ منه، والثالث على الثاني]. أي: إذا باع الشريك للمشتري الأول دون أن يعلم الشفيع ثم باع المشتري الأول لمشترٍ ثانٍ بثمن آخر، ثم باع المشتري الثاني إلى مشترٍ ثالث بثمن ثالث، وبعد أن باع الثاني إلى الثالث علم الشفيع بالبيع. فهو بالخيار أن يعود إلى أحدهم، فإن عاد إلى الأول عاد عليه بعقد البيع المحرر بينه وبين الثاني، والثاني يعود على الأول، والثالث يعود على الثاني، وإن عاد على الثالث عاد بسعره، ويعود الثالث على الثاني، والثاني على الأول، وهكذا، فحق الشفعة لا يسقط وإن ترتبت عليها بيوع، لكن هو بالخيار.

حكم تصرف المشتري في المبيع قبل أخذ الشفيع له

حكم تصرف المشتري في المبيع قبل أخذ الشفيع له يقول المصنف رحمه الله: [فمتى تصرف المشتري في المبيع قبل أخذ الشفيع فتصرفه صحيح]، يعني: إذا تصرف فيه المشتري قبل أن يأخذه الشفيع، ثم تصرف فيه إلى مشترٍ آخر فذلك لا يمنع من تصرفه، كما لو كان الثمن معيناً، فتصرف المشتري في المبيع صحيح، وذلك كأن يشتري الأول بعشرة، ثم يشتري الثاني بعشرين، ثم الثالث بثلاثين، فهو بالخيار، وله أن يعود إلى من أراد.

حكم ما أحدثه المشتري في العين قبل أخذ الشفيع لها

حكم ما أحدثه المشتري في العين قبل أخذ الشفيع لها قال المصنف رحمه الله: [ومتى أخذه]، يعني: أخذ الأرض وفيها الغرس أو البناء. قال المصنف رحمه الله: [أعطاه الشفيع قيمته]. فلو أخذ أرضاً بحق الشفعة وفيها غرس فالواجب عليه أن يعطي المشتري حق الغرس إن رغب في بقائه كما هو؛ لأن هذا الغرس ملك المشتري، فلا ضرر ولا ضرار، فإن أخذ الأرض بزرعها فالضرر يعود على المشتري، فحق الشفعة لا يعطي الشفيع الحق بأن يأخذ الثمرة التي زرعها المشتري في الأرض؛ لأن هذه الأرض انتقلت إلى المشتري بطريق الملكية. قال المصنف رحمه الله: [إلا أن يشاء المشتري قلعه]. فالمشتري هو الذي اشترى الأرض، فلو أراد أن يقلع الزرع فله ذلك؛ لأنه ملكه، إلا أن يكون ذلك مضراً بالأرض فيلزمه استبقاءه بقيمته، ويأخذها من الشفيع. فلو اشترك رجلان في أرض لكل منهما فدان وباع أحدهما نصيبه ولم يخبر شريكه فقام المشتري بزرع ما اشتراه، فجاء الشفيع بعد أن علم وأراد أن ينزع ملكية الأرض فله نزعها، ولو أراد استبقاء الزرع في الأرض فيعطي المشتري ثمنه. فلا ضرر ولا ضرار، ولو أراد المشتري أخذه فله ذلك إلا أن يضر بالأرض، فلا ضرر ولا ضرار، فإن ضر قلعه الأرض استبقاه الشفيع وألزم المشتري بأخذ القيمة. قال المصنف رحمه الله: [وإن كان فيها زرع أو ثمر باد فهو للمشتري، يبقى إلى الحصاد والجذاذ]. يعني: إذا كان الزرع قد بدا ونما فلا يجوز في هذه الحالة إلا أن يشتريه الشفيع، أو يبقى في الأرض إلى أن يحصده المشتري، وإلزام المشتري بقلعه فيه ضرر عليه، فقد تكلف في زرعه ورعايته ونموه، فهو أحق بزرعه إذا بدا.

حكم ما لو اشترى شيئين في عقد واحد ثم انتزع منه أحدهما بالشفعة

حكم ما لو اشترى شيئين في عقد واحد ثم انتزع منه أحدهما بالشفعة قال المصنف رحمه الله: [إن اشترى شقصاً وسيفاً في عقد واحد]. وهذه مسألة مهمة جداً، فلو اشتريت منك فداناً من الأرض وجهاز تسجيل في عقد واحد فالفدان فيه شفعة، وجهاز التسجيل ليس فيه شفعة؛ لأنه غير قابل للتقسيم. فلو اشترى شخص شيئين: شيء فيه شفعة والآخر ليس فيه شفعة في عقد واحد فالراجح أنه يعود على ما فيه شفعة فقط، وأما الثاني فلا شفعة فيه، وهذا ما يسميه العلماء: اشترى شقصاً وسيفاً. قال المصنف: [فللشفيع أخذ الشقص بحصته من الثمن]. يعني: يحدد الثمن الذي فيه الشفعة ويأخذ الشقص ويترك السيف. قال المصنف رحمه الله: [ويحتمل أن لا يجوز لما فيه من تبعيض الصفقة على المشتري، وعن مالك: تثبت الشفعة فيهما؛ لئلا تتبعض]. يعني: أن مالكاً يرى أن الشفعة تثبت في الشقص والسيف، يعني: تثبت الشفعة في الملك العقاري وفي الجزء الآخر المتمم في العقد. ولكن الراجح أن الشفعة تثبت فيما يجوز فيه الشفعة، ولا تثبت فيما ليس فيه شفعة، ويعود بثمنه على ما فيه شفعة. والله تعالى أعلم.

الأسئلة

الأسئلة

مراعاة أحوال الناس في الصلاة والخطبة

مراعاة أحوال الناس في الصلاة والخطبة Q نرجو من إدارة المسجد أن ترشد الإمام الجديد بعدم تأخير إقامة الصلاة، وخاصة في أيام الدروس؛ لأن هذا يشق علينا، ويسيء إلى مساجد السنة، حيث يقول الناس: هذه المساجد قطاع خاص، ينتظر بعضهم بعضاً؟ A لقد اتفقت مع الإمام على أن يكون الوقت بين الأذان والإقامة في العشاء ثلث ساعة من أجل الدرس، وأن يقرأ الإمام بأواسط المفصّل في المغرب والعشاء. ولا بد أن نراعي فقه الواقع وأحوال الناس، فلا ينبغي أن يؤخذ عن المسجد فكرة أنه يؤخر الصلاة إلى ما لا نهاية، وفي أحد المساجد يخطب الخطيب مدة ساعتين ونصف إلى العصر، حتى أنه من المضحكات أن رجلاً لا ينزل لصلاة الجمعة إلا بعد الأذان بساعة ونصف، فيقوم من النوم الساعة الواحدة والنصف ويغتسل غسل الجمعة، ثم ينزل ليصلي الجمعة، وهذا لا ينبغي من مساجد السنة، فالواجب عليها أن تيسر على الناس لا أن تنفرهم، فلا تطويل مخل ولا تقصير يضيع الواجبات.

ما يدفعه الشفيع لو باع شريكه بأقل من القيمة أو بأكثر منها

ما يدفعه الشفيع لو باع شريكه بأقل من القيمة أو بأكثر منها Q إذا باع الشريك نصيبه لأجنبي بأقل من السعر فكم يدفع من له الشفعة لأخذها؟ A إذا باع الشريك نصيبه بأقل من قيمة السوق أو أعلى من قيمته فتقدر بالقيمة.

حكم استعانة الخطيب بالكلام العامي لإفهام المصلين

حكم استعانة الخطيب بالكلام العامي لإفهام المصلين Q نطلب من فضيلتك التحدث باللغة العربية الفصحى، ولفضيلتك جزيل الشكر؟ A ليس على الإطلاق، وإنما أحياناً، فأحياناً نترك العربية حتى تفهم المعلومة.

حكم المنفرد إذا صار إماما في الصلاة الجهرية

حكم المنفرد إذا صار إماماً في الصلاة الجهرية Q ما هو الدليل على أن المصلي المتنفل إذا أصبح إماماً يجهر إذا كانت الصلاة جهرية، ويسر إذا كانت الصلاة سرية؟ A الدليل: أن الصلاة تصلى بحالتها، فإذا كنت تصلي العشاء منفرداً ودخل معك مؤتم فلا بد أن تجهر؛ لأن صلاة العشاء الأصل فيها الجهر، فإذا كنت إماماً فاجهر.

حكم الاعتداد بالطلاق الأول إذا انتهت عدة الزوجة ثم تزوجها ثم طلقها

حكم الاعتداد بالطلاق الأول إذا انتهت عدة الزوجة ثم تزوجها ثم طلقها Q امرأة طلقت من زوجها طلقة واحدة، ثم مكثت في بيت أبيها سنة ثم رجعت إلى الزوج بعقد جديد وبمهر جديد، ثم بعد ذلك طلقها زوجها طلقتين فهل تحتسب ثلاث طلقات، أم تحتسب طلقتين؟ A تعود بطلقتين على ما تبقى له، والخلاف بين العلماء هو في مسألة ما لو طلقها زوجها طلقتين وبقي له طلقة واحدة، ثم بعد أن بانت منه تزوجت غيره فطلقها الثاني فلو تزوجها الأول هل ترجع بطلقة أم بثلاث؟ وهذه المسألة يسميها العلماء مسألة الهدم. فالأحناف ومعهم ابن عباس وابن عمر ورواية عن الإمام أحمد: أنها تعود بثلاث، وكبار الصحابة ومعهم الشافعي ومالك ورواية عن أحمد أنها تعود بواحدة، وقد انتصر لهذا الرأي ابن تيمية.

حكم حمل الولد في الصلاة، وحكم جلوسه في حجر المصلي

حكم حمل الولد في الصلاة، وحكم جلوسه في حجر المصلي Q ما الحكم لو جلس الولد على حجر أمه في الصلاة؟ وما الحكم لو مر من أمامها؟ A كان صلى الله عليه وسلم يحمل أمامة بن زينب في صلاته، ويحمل الحسن والحسين، فلا بأس أن يمكث على حجر أمه في الصلاة، ولا بأس أن يركب على ظهرها في الصلاة وهي ساجدة، ولا بأس أن يتعلق برقبتها في الصلاة وكل ذلك أخرجه البخاري في كتاب العمل في الصلاة. وبعض الأعمال إذا عملت في الصلاة لا شيء فيها، فالنبي صلى الله عليه وسلم نزل وحمل الحسن والحسين.

ما يقطع الصلاة

ما يقطع الصلاة Q ما الذي يقطع الصلاة؟ A يقطع الصلاة ثلاثة: الحمار، والكلب الأسود، والمرأة، وقد اختلف العلماء هل هؤلاء يقطعون الصلاة نهائياً أم ينقصون أجرها؟ فقالت أمنا عائشة رضي الله عنها: بئس ما ساويتمونا بالكلب والحمار، كنت أجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فإذا أراد السجود غمزني. فالخلاف في المرأة هل تدخل فيما يقطع الصلاة أو لا تدخل.

تفسير قوله تعالى: (وللكافرين أمثالها)

تفسير قوله تعالى: (وللكافرين أمثالها) Q قال في تفسير الصف الثالث الثانوي الأزهري في تفسير سورة محمد صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا} [محمد:10] بعد قول الله تعالى: {دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [محمد:10]: أنه وعيد وتهديد لهؤلاء الكافرين المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم، فهل هذا القول أنه وعيد وتهديد لهؤلاء الكافرين المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم صحيح؟ A نعم، هذا كلام صحيح.

أسباب انتشار الصوفية

أسباب انتشار الصوفية Q لقد انتشرت يا شيخ! الآن في قناتنا الصوفية بطريقة كبيرة جداً؟ A انتشار الصوفية دليل على ضعف السلفية، فكلما انتشر الجهل كان هذا دليلاً على وجود تقصير من العلماء، فلا توجد حزبية ولا صوفية في البلاد التي يكون فيها نور السلفية ساطعاً، فحيثما حل نور السلفية ضعفت الفرق الأخرى؛ لأن السلفية كالسكين التي تذبح البدع. فأين أهل السنة وجهدهم؟ فلا بد أن يجاهدوا ويظهروا الحق، ويجمعوا حولهم الشباب، ويحببوا العلم للناس، وأن يتحدثوا بقال الله، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليثبتوا على الحق، وعندها ستنخمد الصوفية بعد إن شاء الله تعالى.

حكم أكل اللحوم المجمدة التي تأتي من الخارج

حكم أكل اللحوم المجمدة التي تأتي من الخارج Q ما حكم التجارة في اللحوم المجمدة الآتية من الخارج؟ A اللحوم التي تأتي من بلد أهل الكتاب سم الله وكل، فالأصل فيها الحل.

حكم دراسة مذهبين فقهيين في وقت واحد

حكم دراسة مذهبين فقهيين في وقت واحد Q ما رأي فضيلتكم في طلب الفقه الشافعي مع الحنبلي في وقت واحد؟ A لا بد أن يكون الطلب لمذهب واحد، ثم بعد ذلك انتقل إلى غيره.

حكم إسقاط الدين عن المعسر وجعله من الزكاة

حكم إسقاط الدين عن المعسر وجعله من الزكاة Q هل يجوز إسقاط الدين عن المعسر ويحسب من الزكاة؟ A لا؛ لأنه يقول تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ} [النحل:62]. قال الشيخ ابن عثيمين: وأجمع أهل العلم على أن إسقاط الدين عن المعسر لا يعد من الزكاة.

حكم من استأجر دابة لحمل شيء معين ثم زاد في حمولتها على المتفق عليه

حكم من استأجر دابة لحمل شيء معين ثم زاد في حمولتها على المتفق عليه Q استأجر شخص دابة بعشرين جنيهاً لحمل قنطار، فحمل قنطاراً ونصفاً، فماذا عليه من الأجرة في هذه الحالة؟ A يلزمه أجرة القنطار باتفاق وأجرة النصف الزائد بإيجار المثل.

عيوب الملتزمين

عيوب الملتزمين Q أنا شاب قضيت في الجيش عاماً واحداً ولم أكمل، ثم هداني الله للالتزام ولا أود الرجوع إلى الجيش ثانية، فهل هذا حرام أم حلال؟ A عد إلى الجيش بارك الله فيك، ولا تهرب وتقول: ملتزم، فاتق الله في نفسك، ولا تعلق على جماعة الالتزام هذا الفشل، وهذا كمثل من فشل في الطب بسبب الالتزام وحضور دروس العلم في المسجد، فأكمل المدة، وكن قدوة حسنة لا سيئة، فعد إلى رشدك، ولا تجعل الالتزام شمّاعة تعلّق عليها فشلك، فهذا لا نقبله بحال. وأنا أقول هذا الكلام لأني أحبك؛ وستعلم أني أحبك بعد ذلك.

سبب عدم الشفعة في الإيجار

سبب عدم الشفعة في الإيجار Q قلتم: إنه لا شفعة في الإيجار، ثم قلتم: إن ما كان بغير إرادة فلا شفعة فيه، أفليس الإيجار انتفاعاً بإرادة؟ A هذا في البيع، وأما الإيجار فهو بيع منفعة وليس بيع عين.

الدليل على كون الدعاء في الركوع مطلقا

الدليل على كون الدعاء في الركوع مطلقاً Q هل يجوز لي أن أدعو بما شئت في الركوع أم لا؟ وما هو الدليل؟ A نعم، الدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتأول في الركوع ويقول: (سبحانك اللهم وبحمدك رب اغفر لي).

حكم وضع الخاطب الخاتم في يد خطيبته

حكم وضع الخاطب الخاتم في يد خطيبته Q في يوم خطبة أختي جاء أهل الخاطب بخاتم، وعندما أراد الخاطب أن يلبسها هذا الخاتم أبيت ونهيتهم عن هذا، فقالوا لي: يا أخي! يسّر ولا تعسّر، فما رأيك؟ A هذا لا يرضى به إلا ديّوث، فكيف يسمح الأخ للخاطب أن يمسك يد أخته، وقد اتصل بي منذ أيام والد خطيب وقال: لما أحضر ابني شبك مخطوبته أصر أهل البنت على أن يلبسها هو بنفسه، فهم يريدون أن يمسك يدها وهم فرحون بذلك، ورفضوا رفضاً قاطعاً أن تُلبس أمه العروسة الشبكة! وقالوا: بأن هذا عيب على العائلة. فلم يعد الشرع هو الذي يحكم على رقاب هؤلاء الناس. فلا بد أن نمتثل للشرع ونثبت عليه.

دعاء بالهداية

دعاء بالهداية Q نسألكم الدعاء لأبي وأخي بالهداية إلى الطريق المستقيم؟ A اللهم اهدهم يا رب العالمين!

حكم المدير الذي يمنع موظفيه من الصلاة في جماعة

حكم المدير الذي يمنع موظفيه من الصلاة في جماعة Q المدير في العمل ينهانا عن الصلاة في جماعة، ويأمرنا بأن يصلي كل اثنين معاً في غرفة، فما حكم الدين في هذا؟ A هذا المدير آثم، وعليكم ألا تستجيبوا لأمره؛ لأن هذا الأمر يخالف الشرع ولا يوافقه، وكان من الواجب عليه أن يخصص مصلى في مكان العمل ويجمع الناس ويصلي بهم إماماً، ويؤذن ويعلن الصلاة، وأما أن يقول لهم: لا تصلوا إلا مفرقين اثنين اثنين فهذا تشرذم وعمل شيطاني، فهو آثم، ولا بد أن ينصح.

حكم صلاة المأموم المسبوق يقوم يقضي صلاته ثم يتذكر الإمام فيقوم لإتمام ما فاته

حكم صلاة المأموم المسبوق يقوم يقضي صلاته ثم يتذكر الإمام فيقوم لإتمام ما فاته Q إذا صلى الإمام صلاة الظهر ثلاث ركعات ناسياً ثم سلّم ثم ذكّره المأمومون فقام وأتى بالركعة الرابعة فما حكم المأموم إذا كان قد دخل في الصلاة في الركعة الثالثة وعند سلام الإمام فارقه؛ هل يكمل الصلاة؟ A نعم، يكملها بمفرده ولا شيء عليه. اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، اللهم اغفر لنا ذنوبنا واستر عوراتنا.

العدة شرح العمدة [76]

العدة شرح العمدة [76] الوقف في الشريعة هو حبس أصل العين وتسبيل منفعتها، ويجوز في كل عين يجوز بيعها، وينفذ بالقول سواء كان صريحاً أو كناية، ويصح بالفعل الدال عليه كما لو بنى مسجداً وأذن فيه للصلوات الخمس.

تعريف الوقف

تعريف الوقف قال المصنف رحمه الله: [كتاب الوقف]. كتاب الوقف مهم جداً؛ لأننا نعاصره في حياتنا، فلو جاء رجل إلى المسجد بكرسي وقال: هذا الكرسي وقف على المسجد فلا يجوز لأحد أن ينتفع به إلا المسجد، ولو جاء آخر بمصحف وكتب عليه وقف لمسجد كذا فقد أصبح وقفاً على المسجد، ولو أوقف آخر فداناً من أرضه على المسجد فإن إيراد الأرض لا ينفق إلا على المسجد، وهذا معمول به في الأوقاف الآن، وهناك وقف الأوقاف، وذلك مثل أن يوقف رجل أرضه لمسجد الأوقاف، فالأوقاف تتصرف فيها، وعندنا أرض موقوفة على الأوقاف، يعني: إيراد الأرض ينفق على الأوقاف. والوقف لغة: هو الحبس. قال المصنف رحمه الله: [وهو تحبيس الأصل]، أي: أحبس الأصل عن كل ما ينقل الملك فيه، فلو قال شخص قبل أن يموت: هذا الفدان للمسجد فلا يجوز نقل ملكية الفدان بعده بالميراث ولا الهبة ولا الوصية، فقد أصبح وقفاً أبدياً على المسجد، فقد حبس هذا الأصل عن التصرف فيه، وأصبح محبوساً على شيء معين. فالوقف: هو حبس الأصل عن كل ما ينقل الملك فيه، فلا يجوز بيعه ولا هبته ولا الوصية به وتوريثه. فالوقف: تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة، وتحبيس الأصل: منعه من التصرف في الأصل، فلو جئت بسيارة وكتبت عليها وقف لنقل الموتى فحكم هذه السيارة شرعاً أنها موقوفة، لا يجوز التصرف فيها بنقل ملكيتها؛ لأنها أصبحت وقفاً، والقاعدة في الوقف أن شرط الواقف كحكم الشارع ما لم يخالف إلا أن ينعدم نفعها، والوقف يكون بالقول أو بالفعل. فلا يجوز لإدارة المسجد أن تقول: أفرغنا المسجد وسنبيعه غداً، فبمجرد أن بني المسجد وفتحت أبوابه وأذن فيه للصلاة فقد أصبح وقفاً لا يجوز التصرف فيه بالبيع أو الشراء إلا أن تنعدم منفعته، كما فعل عمر ببيت المال في خيبر. قال المصنف رحمه الله: [وتسبيل الثمرة]، يعني: إطلاقها في سبيل الله، فالثمرة ليست ملكاً لأحد. فالوقف لغة: هو الحبس، واصطلاحاً: حبس الأصل عما ينقل الملك فيه، أو هو تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة.

شروط صحة الوقف

شروط صحة الوقف قال المصنف رحمه الله: [يجوز في كل عين يجوز بيعها]. فكل عين يجوز أن تباع يجوز فيها الوقف. قال المصنف رحمه الله: [وينتفع بها دائماً مع بقائها]، كالعقار، فالعقار يجوز بيعه وينتفع به. فشروط الموقوف: أولاً: أنه يجوز بيعه. ثانياً: أن يمتد نفعه، بأن يكون له أصل ثابت وعمر طويل. فلو أوقف رجل كلباً لحراسة مسجد لم يجز؛ لأنه لا يجوز بيعه، ففي الحديث: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب). وهناك محلات في مصر لبيع الكلاب، وأصبحت الكلاب تربى في بيوتنا، وخير دليل على الرقي والحضارة أن تربي كلباً. وأما الهرة فهي من الزائرين كما في الحديث (إنها من الطوافين عليكم والطوافات). ولا يجوز بيعها، وإنما هي طوافة. والوقف لا يجوز فيه الشفعة، وكذلك لا يجوز وقف الولد على خدمة المسجد؛ لأنه لا يجوز بيعه.

ما يصح الوقف عليه

ما يصح الوقف عليه قال المصنف رحمه الله: [ولا يصح إلا على بر أو معروف، مثلما روى عبد الله بن عمر قال: (أصاب عمر أرضاً بخيبر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره، فقال: يا رسول الله! إني أصبت أرضاً بخيبر لم أصب مالاً قط أنفس عندي منه، فما تأمرني فيها؟ قال: إن شئت يا عمر! حبست أصلها، وتصدقت بها، غير أنه لا يباع أصلها ولا يبتاع، ولا يوهب ولا يورث، قال: فتصدق بها عمر على الفقراء وذوي القربى والرقاب وابن السبيل والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها أو يطعم صديقاً بالمعروف غير متمول فيه). متفق عليه]. ومعنى حبست يعني: وقفت. وقوله: (إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها)، يعني: تصدقت بها في سبيل الله عز وجل، فأوقف عمر هذه الأرض على الفقراء وذوي القربى والرقاب وابن السبيل والضيف، فكل ما يخرج من الأرض لهؤلاء، وتوزع هذه الأنصبة حسب شرط الواقف. ثم قال عمر في قرار الوقف: والذي يزرعها يأكل منها، وكذلك يأكل منها ضيفه. فإذا أوقفت أرضاً وأحضرت من يزرعها وقلت له: هذه الأرض وقف لمسجد كذا، فكل منها ما شئت، وليأكل صديقك الذي يأتيك بالمعروف، ومعنى بالمعروف: في حدود الطاقة، فلا يكون طماعاً، يأكل ثلث الزرع ويقول: قد أذن لي بالأكل، بل يأكل على حسب الطاقة البشرية، كالرجل الذي عنده يتيم في حجره، ويقوم على رعاية ماله ويستثمره له، فإن كان فقيراً فقد قال الله عز وجل: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:6]. ومعنى يأكل بالمعروف: يأكل في حدود الطاقة والعرف. فليس إذن عمر بالأكل لمن زرعها أنه يأكل بإسراف، هذا غير صحيح، بل يأكل بالمعروف، كما قال صلى الله عليه وسلم لـ هند بن عتبة لما قالت: (إن أبا سفيان رجل شحيح -أي: لا ينفق علي- قال: كلي أنت وولدك بالمعروف). فإذا كان الرجل لا ينفق على بيته فيجوز للزوجة أن تأخذ من ماله ما تشتري به أكلاً، أو كان ابنها يريد مصاريف المدرسة فتأخذها له من غير أن يشعر الزوج؛ لأن هذا حق، أو يريد لباساً للمدرسة فتأخذ له كذلك بالمعروف، ولابد أن يكون من متوسط الاستهلاك، كما قال صلى الله عليه وسلم: (كلي أنت وولدك بالمعروف). قال المصنف رحمه الله: [وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية)]. وما أوقفه في حال حياته لله عز وجل فهو صدقة جارية.

الوقف يكون بالقول والفعل الدال عليه

الوقف يكون بالقول والفعل الدال عليه قال المصنف رحمه الله: [يصح الوقف بالقول والفعل الدال عليه]. فإذا بنيت مسجداً ووضعت عليه المكبر، وفتحت بابه، وأذنت فيه للخمسة الفروض فهذا معناه أنني أوقفته بالفعل، فلا أقف وأقول: هذا المسجد أوقفته لله، فاحضروا صلوا فيه. قال المصنف رحمه الله: [مثل: أن يبني مسجداً ويؤذن في الصلاة فيه، أو سقاية ويشرعها للناس؛ لأن العرف جارٍ به، وفيه دلالة على الوقف، فجاز أن يثبت به كالقول]. فيجوز الوقف بالقول أو بالفعل. قال المصنف رحمه الله: [وجرى مجرى من قدم طعاماً لضيافة أو نثر نثراً أو صب في خوابي السبيل ماء]. فلو جاءك في البيت ضيف فأحضرت الأكل وقربته بين يديه فهذا الفعل ينبئ عن إذنك له بالأكل، ولا يشترط أن تقول له: كل. وبعض الإخوة يقول: ينتظر حتى يقول: كل، بل كل مباشرة ولا حرج. ومعنى نثر نثراً يعني: المال، فما نثره إلا ليأخذه الناس، كنثر أهل نيسابور على البخاري، فـ محمد بن إسماعيل البخاري لما أتى نيسابور استقبلوه على بعد مراحل، ونثروا عليه الدراهم والدنانير؛ ابتهاجاً بقدومه إلى بلدهم. فقالت أم لولدها: من هذا الذي ينثرون على رأسه الدنانير؟ قال: هذا محمد بن إسماعيل البخاري أبو عبد الله، قالت: يا ولدي! ذاك هو الملك لا ملك هارون، يعني: هذا هو الملك الحقيقي ملك العلم، فالناس يقابلون العالم بالفرح ويسعدون بقدومه. ولذلك قال الإمام أحمد لأهل الظلم والطغيان: بيننا وبينكم الجنائز، وهذه الكلمة يفهمها بعض الإخوان خطأً، والمقصود: أنه عندما ترى جنازة مطرب أو مغن أو موسيقار الأجيال تجد في الصف الأول عازف الأوركسترا، وفي الصف الثاني: أصحاب الأورج، وفي الصف الثالث: المطربون الشبان، فلا يتبع المطرب إلا أهل الغناء، وأما العالم فإنه يتبعه حفظة القرآن والعلماء، فالعلماء في الصف الأول، وحفظة القرآن بجوارهم، ثم واعظوا المساجد وطلبة العلم. والطيور على أشكالها تقع. وعندما مات الشيخ ابن عثيمين جاءت له الوفود من كل الدنيا، من الإمارات ومصر والخليج وغيرها لتتبع جنازته. قال المصنف رحمه الله: [وعنه: لا يصح إلا بالقول]، يعني: للإمام أحمد رواية أخرى: وهي أن الوقف لا يصح إلا بالقول، ولكن الراجح أنه يصح بالقول والفعل، وقول الإمام أحمد: لا يصح الوقف إلا بالقول هو مذهب الشافعي رحمه الله، حيث يرى أن الوقف لا يصح إلا بالقول. ومن ثراء المذهب الحنبلي أن فيه أكثر من رواية، وكل رواية فيه تقابل مذهباً، فـ الشافعي يرى أن الوقف لا يجوز إلا بالقول، والراجح أنه يجوز بالقول والفعل، وقول الشافعي هذا يقابل رواية عند أحمد.

ألفاظ الوقف

ألفاظ الوقف قال المصنف رحمه الله: [وألفاظه ست، ثلاث صريحة وثلاث كناية]. فلفظ الوقف إما أن يكون صريحاً أو كناية، والألفاظ الصريحة كالطلاق الصريح، مثل أن يقول رجل لزوجته: أنت طالق، فهذا لفظ صريح لا يحتاج إلى نية، فلا يمكن لأحد أن يقول لامرأته: أنت طالق ثم يقول: أنا لم أنو الطلاق؛ لأن اللفظ صريح فيقع الطلاق بغض النظر عن النية، والذي يحتاج إلى نية هو الكناية، كأن يقول الزوج لزوجته: لا أريدك، الزمي بيت أهلك، لا أريدك زوجة، فهذا الكلام يحتمل الطلاق وغيره، فلا أريدك مثلاً لأسباب كذا أو لا أريدك زوجة لإعداد الطعام، أو لا أريدك زوجة لكذا، فلابد أن يسأل فيه عن نيته، فما يحتمل يسأل فيه عن النية.

ألفاظ الوقف الصريحة

ألفاظ الوقف الصريحة قال المصنف رحمه الله: [فالصريح: وقفت وحبست وسبّلت، متى أتى بواحدة من هذه الثلاثة صار وقفاً من غير انضمام أمر زائد]. فلو قال: حبست الفدان لله، فقد سبل الثمرة وانتهى. قال المصنف رحمه الله: [لأن هذه الألفاظ ثبت لها حكم الاستعمال بين الناس، يفهم الوقف منها عند الإطلاق، وانضم إلى ذلك الشرع بقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ عمر: (إن شئت حبست أصلها وسبّلت ثمرتها). فصارت هذه الألفاظ في الوقف كلفظ الطلاق في التصديق].

ألفاظ الوقف الكنائية

ألفاظ الوقف الكنائية قال المصنف رحمه الله: [وأما الكناية فهي تصدقت، وحرمت، وأبدت]. فتصدقت هذه تحتمل الوقف وتحتمل غيره، فلابد من ذكر القيد، فممكن أن تقول: تصدقت بدينار من زكاة مالي، وهذا ليس وقفاً وإنما هو زكاة، فتصدقت كناية يحتمل الوقف ويحتمل غيره، وكذلك لفظ حرمت، فقولك: حرمت زوجتي على نفسي، أو حرمت على نفسي أكل الحمام هذا ليس وقفاً، وهو حرام، وكذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ} [التحريم:1]. فالتحريم يحتمل الوقف وغيره، وكذلك أبدت فلابد في هذه الألفاظ الثلاثة من النية ومن أمر زائد يوضح معناها. قال المصنف رحمه الله: [فليست صريحة؛ لأن لفظة الصدقة والتحريم مشتركة، فإن الصدقة تستعمل في الزكاة والهبات، والتحريم يستعمل في الظهار والأيمان، ويكون تحريماً على نفسه أو على غيره، والتأبيد يحتمل تأبيد التحريم وتأبيد الوقف، ولم يثبت في هذه الألفاظ عرف الاستعمال، فلم يحصل الوقف بمجردها، فإن ضم إليها أحد ثلاثة أشياء حصل الوقف بها: أحدها: أن ينضم إليها أخرى تخلصها من الألفاظ الخمسة، فيقول: صدقة موقوفة، أو محبسة، أو مسبلة، أو محرمة، أو مؤبدة]. فالأول: تقييدها بأحد هذه الألفاظ، وهذه تسمى عند العلماء الاشتراك اللفظي، وهذا في القرآن كثير جداً.

الاشتراك اللفظي

الاشتراك اللفظي والاشتراك اللفظي هو أن يكون للكلمة الواحدة أكثر من معنى، كلفظ أمة في قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} [يوسف:45]، معناها هنا فترة زمنية، وفي قوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} [النحل:120] معناها إمام، وفي قوله تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً} [القصص:23] معناها: جماعة من الرجال، وفي قوله تعالى: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف:22] معناها ملة ودين. فلفظ أمة من الألفاظ المشتركة، وهناك رسالة ماجستير في هذا بعنوان: المشترك اللفظي في الحقل القرآني. فالمشترك اللفظي هو: أن يكون للكلمة الواحدة أكثر من معنى، ويعرف ذلك بتتبع المعاني في القرآن، وعدم فهم معنى الكلمة يسبب مشاكل. والدكتور مصطفى محمود لعدم علمه بالاشتراك اللفظي وقع في الفخ فقال: لا رجم في القرآن، بل إن القرآن لا يعترف بالرجم، واستدل على ذلك بقول الله تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء:25]. ففهم أن الإحصان هو الزواج، ولكن الإحصان هنا يقصد به الحرة، ((فَإِذَا أُحْصِنَّ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ))، يعني: ما على الحرائر، فقوله: ((فَإِذَا أُحْصِنَّ)) المقصود: الأمة المملوكة. وبعض الناس يقول: لا شفاعة في الآخرة؛ لأن ربنا يقول: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر:18]. ونقول: قال تعالى في موضع آخر: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء:28]، ففي موضع أثبت الشفاعة، وفي موضع نفاها، فالشفاعة المثبتة تختلف عن الشفاعة المنفية. ونحن في زمن الإحن والمحن، فقد قرأت مقالاً في صحيفة الجمهورية تقول فيه الكاتبة الكريمة الجهبذة عالمة العلماء: إن الأصوليين لا يفهمون القرآن، فإن الشرع نهى عن تعدد الزوجات، فربنا قال في سورة النساء: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء:3]، ثم قال في موضع آخر: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [النساء:129]. ففي موضع نفى العدل، وفي موضع قال: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا} [النساء:3]. فعدم فهمها للنصوص القرآنية جعلها تخرج بقاعدة: أن الأصل هو الواحدة، ولا يجوز التعدد، ونقول لها: إن العدل الأول هو العدل المادي، فإذا أعطى الزوج لهذه شقة فليعط الثانية أيضاً شقة، وإذا أحضر للأولى جلباباً فليحضر للثانية جلباباً. وأما المقصود في قوله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا} [النساء:129] فهو الميل القلبي، فالجهة منفكة، وهذا هو التخبط الذي نراه على الساحة، وهذا الأمر هو الذي دفع الدكتور عبد الله بدر إلى أن يقول في أحد أشرطته: سأترك الخطابة والوعظ؛ لأن المسألة أصبحت فوضى، فالناس الآن في مصر خمسة وسبعون مليوناً، وثلاثة أرباع الشعب يحب الفضائيات، ويسمع ما يطلبه المستمعون، ويقول لك: هذا الداعية داعية على الموضة، داعية خمسة نجوم، يعني: كل حاجة عنده جائزة، فتأتي إليه المرأة وهي تلبس البنطلون وتقول له: ما رأيك في منظري، فيقول: لا بأس به، والناس يقولون عن هذا الداعية: إنه منفتح، وهوايتهم في هذا النوع. وهذه الظاهرة ستنقرض؛ لأنها لا جذور لها وستنقضي بعد فترة، فلابد أن يؤصل العلم، ولا نريد تهييج ومخاطبة المشاعر. فلو ألقيت خطبة عن الموت فستجد مائتي ألف يبكون، وإذا ألقيت درساً عن أصول الفقه فلن تجد إلا خمسة أشخاص حاضرين تقريباً، فالناس أصبح عندها رفض للعلم الشرعي؛ لأننا تعودنا على العواطف، وإثارة الجماهير، وعدم التأصيل العلمي، وكان الشيخ صفوت نور الدين رحمه الله دائماً يقول: هناك دعاة يقدمون ما يطلبه المستمعون، فلا تكن داعية لما يطلبه المستمعون، والمستمعون الآن عندهم فساد في الذوق العام، بل حتى في الباطل عندهم فساد، ففي الحق عندهم فساد وفي الباطل عندهم فساد. فقد تجد شريطاً لمطرب هابط وهو جديد على الساحة فيباع منه عشرة ملايين نسخة، وكلهم يسمعونه، فهذا فساد في الذوق العام. والأمور لا تقاس بكثرة الأتباع، ففي مولد البدوي يجتمع ثلاثة ملايين من الشرقية والدقهلية والمنوفية وغيرها، وبعضهم يحضر عجلاً، ومنهم من يحضر الماعز، ومنهم من يحضر عائلته، ومنهم من يحضر امرأته، ومنهم من يحضر عياله، ومنهم من يحضر الشاي، ومنهم من يحضر القرفة، وفي يوم الجمعة الماضية صلى أحد طلبة الجامعة في الأزهر مع أساتذة في الأزهر يعتنقون التصوف، فصعد الخطيب على المنبر وإذا به يقول: قال الله تعالى: {وَأَلَّوِ ا

§1/1