التعليق على الرحيق المختوم

محمود الملاح

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مقدمة فضيلة الشيخ: عبد الله بن مانع الروقي - حفظه الله -

مقدمة فضيلة الشيخ: عبد الله بن مانع الروقي - حفظه الله - الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد: فإن الله - جل في علاه - قص على نبيه بعض ماكان من الحوادث التي سلى بها نبيه وصبره، حتى بلغ دعوة ربه. وهذا القصص القرآني هو أحسن القصص وأكمله وأجمله كما قال جل وعلا: (نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين) (يوسف: 3) وفي آخر السورة قال جل وعلا: (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء هدى ورحمة لقوم يؤمنون) (يوسف: 111) قال ابن سعدي - رحمه الله - في تفسيره: ((أحسن القصص) وذلك؛ لصدقها وسلامة عباراتها ورونق معانيها ... - إلى أن قال -: وأنها أحسن القصص على الإطلاق، فلا يوجد من القصص في شيء من الكتب مثل هذا القرآن). اهـ ومن القصص الحسنة قصص خاتم النبيين - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأخباره في تبليغ رسالة ربه وما حصل له إزاء ذلك من قومه، وهو ما اصطلح عليه بالسيرة النبوية له - عليه الصلاة والسلام -.

ولما كان الله - تبارك وتقدس - قد تكفل بحفظ كتابه كما في قوله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) (الحجر: 9) وكان هذا متضمناً (¬1) 1 - لحفظه عند إنزاله. 2 - وحفظه بعد إنزاله، فالأول حفظه من مسترقي السمع من كل شيطان رجيم، وبعد إنزاله إيداعه في قلب نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبعد ذلك في قلوب أمته. 3 - ويتضمن حفظ ألفاظه من التغيير، أو التبديل، أو النقص. 4 - ومتضمناً لحفظ معانيه؛ وكان هذا مستلزماً لحفظ السنة النبوية وما يحصل به حفظ الكتاب، فهذا القدر محفوظ، إذ السنة تكمل القرآن وتشرحه وتفسره وتبينه، والسيرة النبوية داخلة في هذا الالتزام، والله يتولى حفطه، وما كان خارجاً عن ذلك حيث يقوم الدين وتثبت الملة بدونه فهذا قدر يسير ... وقد قام علماء الإسلام بالتنقيب والبحث في أسانيد الحديث والأخبار النبوية، وضربوا أروع الأمثلة في التثبت، وبيان صحيح الأخبار من سقيمها، وقعدوا قواعد محكمة، وأسسوا أصولاً ثابتة حفظت - بفضل الله - ما حفظت من دواوين الحديث والسنة وأخبار النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأخبار أصحابه - رضي الله عنهم -. ولما كانت الأخبار التي لا تتضمن أحكاماً يحتاج لها المرء في دينه ككثير من أخبار السيرة وحوادثها رواها الإخباريون وتناقلوها وألفوا فيها المؤلفات، وقد حرص كثير من محبي السنة وحملتها على الفحص والتدقيق لجملة الأخبار وتطبيق قواعد المحدثين عليها؛ نصحاً للمسلمين، وذباً عن أخباره - عليه الصلاة والسلام -. ¬

(¬1) انظر تفسير السعدي لسورة الحجر آية (9).

وأقول: إن الأئمة المتقدمين لهم نظر في الأحكام والسنن، ونظر آخر في الأخبار المحضة التي هي من مكملات السيرة، وسادة لما فقد من حلقاتها، فشددوا في الأول، وتسامحوا في الثاني. (¬1) وإتماما وإفادة لقراء السيرة، والمتلذذين بسماعها؛ قام جماعة من حملة العلم من الفضلاء بالفحص والتنقيب لكل أخبار السيرة وهم كثركالألباني والطرهوني والعمري والعوشن ... ومنهم صاحب الفضيلة الشيخ: محمود الملاح أحد طلاب العلم وحملته، فنقب على كتاب الرحيق المختوم لفضيلة الشيخ: صفي الرحمن المباركفوري - رحمه الله - وكشف عن أخباره، وعلق عليه؛ فصار الكتاب - بعد هذا البحث - مرجعاً سليماً، وبحراً آمناً لمرتاديه والغائصين فيه، فجزاه الله خير الجزاء وأوفاه على ما نصح به .. وسدد قلمه وفكره .. والحمد لله رب العالمين. وكتب أبو محمد: عبد الله بن مانع الروقي عشية الخميس غرة شعبان 1430هـ ¬

(¬1) وهذا التسامح في الرواية والنقل شريطة ألا تكون الحادثة تتضمن نكارة يحيلها العقل، أو تردها الأخبار الصحيحة الأخرى، أو تتضمن شيناً أو عيباً على مسلم، أو مخالفة لقاعدة من قواعد الدين أو آدابه.

مقدمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مقدمة الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فإن قراءة السيرة النبوية ومدارستها تساعد المسلم على معرفة الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن قرب؛ مما يؤدي إلى زيادة محبته واتباعه، وبخاصة حينما يطالع الأخبار والقصص عن بداية الدعوة، وما لاقاه الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من: مصاعب وأهوال وتكذيب وعناد من كفار قريش والطائف وغيرهم، وكيف صبر على أذاهم؛ حتى اضطروه للهجرة للمدينة، واستطاع أن يبني دولة جديدة، ويرفع قواعدها بالرغم من كثرة الأعداء والمنافقين، واستطاع في ثمانية أعوام أن يعود لمكة فاتحاً منتصراً في عشرة آلاف مجاهد، حيث تحقق النصر، وجاء الفتح، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، ورفعت راية التوحيد في أرجاء الجزيرة، ... كل هذه الأحداث العظيمة وغيرها حين تطالعها من كتاب الرحيق المختوم لصفي الرحمن المباركفوري - رحمه الله - تشعر وكأنك تعيشها بنفسك، وتحس بمشاعر الحزن تارة، والفرح تارة أخرى؛ لما تميز به الكتاب من أسلوب رائع في عرض أحداث السيرة وتسلسلها مع سهولة في الألفاظ وجمال في العبارات. ولكن المتأمل في الكتاب يجد بعض الملحوظات التي تحتاج إلى تعليق وإيضاح ومن هنا كان هذا الكتاب. لماذا كتاب الرحيق المختوم؟ اختياري لكتاب الرحيق المختوم لدراسته والتعليق عليه لعدة أسباب منها ما يلي:

1 - يعد كتاب الرحيق المختوم من أشهر كتب السيرة حالياً، وقد انتشر بصورة كبيرة جدا، بل لو عمل له إحصاء في عدد طبعاته لحاز المركز الأول على مستوى العالم الإسلامي. 2 - صار كتاب الرحيق المختوم مرجعاً لكثير ممن يدرس السيرة النبوية، بل صار الكتاب المعتمد تدريسه في مقرر السيرة لكثير من المعاهد العلمية، والجامعات الإسلامية، والدورات الشرعية. 3 - فوز الكتاب بالمركز الأول في مسابقة السيرة النبوية العالمية التي نظمتها رابطة العالم الإسلامي، وأعلنت عنها عقب أول مؤتمر للسيرة النبوية الذي عقدته دولة باكستان في شهر ربيع الأول عام 1396هـ، وهذا مما زاد الثقة بالكتاب، وأن ما جاء به لا اعتراض عليه. 4 - وجود كثير من الملحوظات على كتاب الرحيق المختوم - وهذا ما ستراه في هذا الكتاب -؛ مما يجعلنا نحرص على صفاء السيرة النبوية، وصحة ما يذكر فيها، وكذلك بيان الأحاديث الضعيفة التي ذكرها المؤلف - رحمه الله -. 5 - أسوة بعلمائنا فيما كتبوه من تعليقات على الكتب وبخاصة المشهورة منها، وذات الأثر في واقع الناس، كما فعل العلامة الألباني - رحمه الله - مع كتاب فقه السيرة للغزالي وكذلك للبوطي أيضاً؛ وبخاصة أن المباركفوري قد استفاد من الغزالي بصورة كبيرة كما استفدت من كتب الألباني - رحم الله الجميع -. 6 - صلتي القوية بكتاب الرحيق المختوم؛ فقد قمت بتدريسه بتكليف من شيخي الفاضل: إبراهيم بن محمد عبدالعزيز - رحمه الله - وذلك في عام 1413هـ، وسجلت حينها الملحوظات على نسختي الخاصة، وقد انتظرت أن يقوم بالتعليق على كتاب الرحيق المختوم غيري طوال هذه الفترة، أو أن يقوم المؤلف - رحمه الله - بإصلاح

ذلك في الطبعة الجديدة، ولكن لم يكن شيء من ذلك، ومع إلحاح بعض من يظن فينا خيراً على إخراج هذه الملحوظات؛ استعنت بالله وحده على جمع مادة هذا الكتاب. عملي في هذا الكتاب 1 - قرأت الكتاب مرة أخرى، وسجلت ما رأيته من ملحوظات تحتاج إلى تعليق. 2 - قارنت بين الطبعة القديمة والجديدة، وأثبتت ما بينهما من فروق، وبخاصة فيما يتعلق بالملحوظات. 3 - ذكرت ترجمة مختصرة لمؤلف الرحيق المختوم الشيخ: صفي الرحمن المباركفوري - رحمه الله - في أول الكتاب؛ حتى يعرفه القراء عن قرب، ويعلم الله - عز وجل - مدى حبي له، وتقديري لكتابه الرحيق المختوم، وأسأل الله أن يسقيه من الرحيق المختوم يوم القيامة؛ لتقريبه سيرة الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للمسلمين. 4 - ذكرت كلام المؤلف من الرحيق المختوم بنصه، والتزمت بذكر العنوان الذي جاء تحته؛ حتى يسهل الرجوع إليه بغض النظر عن اختلاف الطبعة، وصدرت كلام المؤلف بلفظ: (قوله:)، ثم ذكرت كلام أهل العلم على كلام المؤلف، موضحاً الخطأ والصواب حتى يكون القارئ على بينة. 5 - جعلت التعليق مختصراً ومطولاً؛ حتى يتناسب مع الجميع: من أراد الاختصار يكفيه الحكم المصدر به التعليق، ومن أراد التفصيل فليواصل البيان. 6 - خرجت الآيات القرآنية بذكر اسم السورة ورقم الآية بعدها مباشرة. 7 - بينت أحكام الأحاديث الواردة في الكتاب من حيث الصحة والضعف معتمداً على كلام أهل العلم من السابقين والمعاصرين ناسباً القول لقائله، وستجد في الكتاب أقوالاً لابن القيم، والذهبي، وابن كثير، وابن حجر، والشنقيطي، والألباني، وغيرهم،

وحرصت على ذكر معلومات الكتاب كاملة مثل: دار النشر، والطبعة، والعام ... وذلك عند ذكره لأول مرة مكتفياً بذلك عن ذكر المراجع في آخر الكتاب. 8 - التعليق على كتاب الرحيق المختوم على ثلاثة أقسام: الأول: عبارات للمؤلف، الأولى استعمال غيرها. الثاني: أحاديث ضعيفة. الثالث: حوادث وقصص في السيرة لم تثبت. وحرصت على تعقبها، والتعليق عليها وفق تسلسل الكتاب؛ حتى يكون أسهل للقارئ. 9 - وقد جعلت الكتاب من مقدمة وبابين وخاتمة على النحو التالي: مقدمة: وضحت فيها سبب تأليف الكتاب وخطة البحث. الباب الأول: وفيه فصلان: الفصل الأول: ترجمة المؤلف. الفصل الثاني: أخطاء عدلها المؤلف في الطبعة الجديدة. الباب الثاني: التعليق على كتاب الرحيق المختوم. الخاتمة: وقد سميت الكتاب (التعليق على كتاب الرحيق المختوم) 10 - قد عرضت بعض مباحث الكتاب على شيخنا الأستاذ الدكتور: ناصر بن عبدالكريم العقل - حفظه الله -،وأثبت تعليقاته منسوبة إليه، وقد تفضل شيخنا الفاضل: عبد الله بن مانع الروقي - حفظه الله - بمراجعة الكتاب كاملاً، وعلق عليه، وقد أثبت تعليقاته منسوبة إليه، وقد كتب مقدمة للكتاب؛ وقد راجع الكتاب أيضاً أخونا الفاضل الشيخ:

محمد بن عبد الله العوشن - حفظه الله - مؤلف كتاب (ما شاع ولم يثبت في السيرة النبوية)، وأبدى بعض الملحوظات قمت بتنفيذها، فجزاهم الله خيراً عن العلم وأهله. ولا يظنن أحد أني بهذا أحذر من قراءة كتاب الرحيق المختوم، أو أني أنتقص من قدر المؤلف - رحمه الله - وكتابه، وإنما كتبت ذلك؛ لعلمي بقيمة الكتاب وحرصي على كماله؛ ولأنه من أفضل ما كتب في السيرة في العصر الحاضر، أسأل الله أن يجزي مؤلفه خير الجزاء. وهذا وما كان من خطأ، أو نسيان، أو زلل فأسال الله أن يعفو عنا، وأن يعاملنا بلطفه، وجزى الله خيراً من دلنا عليه، وما كان من صواب فأسأله سبحانه ألا يحرمنا الأجر، وأن يجعله من العلم النافع، ويكتب له القبول، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. كتبه أبو عبد الرحمن محمود بن محمد الملاح السعودية، مدينة الرياض شهر رجب 1430هـ [email protected] هاتف (0508457570)

الباب الأول

الباب الأول وفيه فصلان: الأول: ترجمة المؤلف. الثاني: أخطاء عدلها المؤلف في الطبعة الجديدة.

الفصل الأول ترجمة الشيخ صفي الرحمن المباركفوري - رحمه الله -

الفصل الأول ترجمة الشيخ صفي الرحمن المباركفوري - رحمه الله - (فهذه جوانب موجزة من ترجمة علمٍ من أعلام أهل الحديث بالهند، الشيخ العلامة المحدث الفقيه صفي الرحمن المباركفوري - رحمه الله - وأسكنه فسيح جناته. نسبه: هو صفي الرحمن بن عبد الله بن محمد أكبر بن محمد علي بن عبد المؤمن بن فقيرالله المباركفوري الأعظمي. ولادته: ولد الشيخ في 6 من يونيو 1943م حسب ما دون في شهادته الصادرة بقرية من ضواحي مباركفور وهي معروفة الآن بقرية حسين آباد، الواقعة في مقاطعة أعظم كده. أسرته: تنتسب أسرة الشيخ إلى الأنصار وتعرف بهذا، ومن ينتسب إلى الأنصار كثيرون في الهند، ويزعم عامة هؤلاء ممن ينتمي إلى الأنصار هناك أنهم من ولد الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - والله أعلم. تعليمه ودراسته: تعلم في صباه القرآن الكريم، ثم التحق بمدرسة دار التعليم في مباركفور سنة 1948م وقضى هناك ست سنوات دراسية أكمل فيها دراسة المرحلة الابتدائية. ثم انتقل إلى مدرسة إحياء العلوم بمباركفور في شهر يونيو سنة 1954م، حيث بقي هناك خمس سنوات يتعلم اللغة العربية وقواعدها والعلوم الشرعية من التفسير والحديث

جوانب من سيرة الشيخ العلمية والدعوية

والفقه وأصوله وغير ذلك من العلوم، حتى تخرج منها في شهر يناير سنة 1961م، ونال شهادة التخرج بتقدير ممتاز. كما حصل على الشهادة المعروفة بشهادة «مولوي» في فبراير سنة 1959م. ثم حصل على شهادة (عالم) في فبراير سنة 1960م من هيئة الاختبارات للعلوم الشرقية في مدينة الله أباد بالهند. ثم حصل على شهادة الفضيلة في الأدب العربي في فبراير سنة 1976م. جوانب من سيرة الشيخ العلمية والدعوية: بعد تخرجه من كلية (فيض عام) اشتغل بالتدريس والخطابة وإلقاء المحاضرات والدعوة إلى الله في مقاطعة (الله آباد) وناغبور. ثم دعي إلى مدرسة فيض عام بمئو وقضى فيها عامين. ثم درس سنة واحدة بجامعة الرشاد في أعظم كده. ثم دعي إلى مدرسة دار الحديث ببلدة مؤ في فبراير سنة 1966م، وبقى هناك ثلاث سنوات يدرس فيها، ويدير شؤونها الدراسية والداخلية نيابة عن رئيس المدرسين. ثم نزل ببلدة سيوني في يناير سنة 1969م يدرس في مدرسة فيض العلوم، ويدبر جميع شؤونها الداخلية والخارجية نيابة عن الأمين العام ويشرف على المدرسين، إضافة إلى الخطابة في جامع سيوني، كما كان يقوم بجولات في أطرافها وضواحيها لإلقاء المحاضرات بين المسلمين ودعوتهم إلى تعاليم الإسلام وفق الكتاب والسنة ونهج السلف الصالح، ومحذراً من الشرك والمحدثات في الدين، وقضى هناك أربعة أعوام دراسية. ولما رجع إلى وطنه في أواخر سنة 1972م، قام بالتدريس في مدرسة دار التعليم، كما تولى إدارة شؤونها التعليمية، وقضى فيها سنتين دراسيتين. ثم انتقل إلى الجامعة السلفية ببنارس بطلب من الأمين العام للجامعة سنة 1974م، واستمر بالقيام بالمسؤوليات التعليمية والتدريسية والدعوية فيها، لمدة عشر

من أهم مناصبه

سنوات. وفي تلك الفترة أعلنت رابطة العالم الإسلام بمكة المكرمة عقد مسابقة عالمية حول السيرة النبوية الشريفة، وذلك في المؤتمر الإسلامي الأول للسيرة النبوية الذي عقد بباكستان سنة 1976م, فقام الشيخ على إثر ذلك بتأليف كتاب (الرحيق المختوم) وقدمه للجائزة، ونال به الجائزة الأولى من رابطة العالم الإسلامي. ثم انتقل إلى الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية ليعمل باحثاً في مركز خدمة السنة والسيرة النبوية عام 1409هـ. وعمل فيه إلى نهاية شهر شعبان 1418هـ ويقول الدكتور عاصم القريوتي: وكان دور الشيخ المباركفوري - رحمه الله - في مجال السيرة النبوية متميزاً خلال عمله في مركز خدمة السنة والسيرة النبوية، وكان ذلك جلياً في الخطط التي وضعت من قسم السيرة الذي كان ركنه الأساس، ومن خلال نقده وتقاريره للكتب والبحوث التي كانت تحال إليه في السيرة النبوية للتحكيم، كما كان له التقدير والاحترام من الباحثين في المركز المذكور ومن أهل العلم والمسؤولين في الجامعة الإسلامية بالمدينة. ثم انتقل إلى مكتبة دار السلام بالرياض، وعمل فيها مشرفاً على قسم البحث والتحقيق العلمي إلى أن توفاه الله - عز وجل -. من أهم مناصبه: تولى الشيخ في حياته مناصب عدة أبرزها: 1 - تدريسه في الجامعة السلفية ببنارس الهند. 2 - عين أميناً عاماً لجمعية أهل الحديث بالمركزية بالهند فترة من الزمن. 3 - عين باحثاً في مركز خدمة السنة والسيرة النبوية بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية. 4 - تولى الإشراف على قسم البحث والتحقيق العلمي في مكتبة دار السلام بالرياض. 5 - كان رئيساً لتحرير مجلة (محدث) الشهرية باللغة الأردية بالهند.

مؤلفاته

مؤلفاته: للشيخ مؤلفات عديدة في التفسير والحديث النبوي والمصطلح والسيرة النبوية، والدعوة، وهي تربو على ثلاثين كتاباً باللغتين العربية والأردية، ومن أشهرها وأهمها باللغة العربية: 1 - الرحيق المختوم: (وقد ترجم هذا الكتاب لأكثر من خمس عشرة لغة مختلفة). 2 - روضة الأنوار في سيرة النبي المختار. 3 - منة المنعم في شرح صحيح مسلم. 4 - إتحاف الكرام في شرح بلوغ المرام. 5 - بهجة النظر في مصطلح أهل الأثر. 6 - إبراز الحق والصواب في مسألة السفور والحجاب. 7 - الأحزاب السياسية في الإسلام، وقد طبع من قبل رابطة الجامعات الإسلامية. 8 - تطور الشعوب والديانات في الهند ومجال الدعوة الإسلامية فيها. 9 - الفرقة الناجية خصائصها وميزاتها في ضوء الكتاب والسنة ومقارنتها مع الفرق الأخرى. 10 - البشارات بمحمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في كتب الهند والبوذيين. 11 - المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير. وأما مؤلفاته باللغة الأردية فمن أهمها ما يلي: 12 - ترجمة كتاب الرحيق المختوم. 13 - علامات النبوة. 14 - سيرة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب. 15 - نظرة إلى القاديانية.

المقالات

16 - فتنة القاديانية والشيخ ثناء الله الأمرتسرى. 17 - لماذا إنكار حجية الحديث؟ 18 - إنكار الحديث حق أم باطل. 19 - المعركة بين الحق والباطل. 20 - الإسلام وعدم العنف. المقالات: وقد كتب الشيخ - رحمه الله - العديد من المقالات في موضوعات إسلامية مختلفة تبلغ المئات، وقد نشرت في مجلات وصحف مختلفة في بلاد متعددة. تلاميذه: للشيخ تلاميذ كثيرون من خلال تدريسه في مدارس الهند ومدارسها والجامعة السلفية ببنارس. كما قرأ عليه عدد من طلبة العلم بالمملكة العربية السعودية كتباً عدة، إبان عمله بمركز خدمة السنة والسيرة النبوية بالمدينة النبوية. عنايته بالأسانيد: امتاز علماء الهند بالعناية بالأسانيد والإجازات فيها، وكان للشيح عناية بذلك إقراءً وإجازةً، وممن قرأ عليه بالمدينة الشيخ المقرىء حامد بن أكرم البخاري، والدكتور عبد الله الزهراني إذ قرأ أطرافاً من صحيح الإمام البخاري مع أطراف الكتب الستة. وأما من استجازه في الحديث الشريف وعلومه فكثيرون. كما حصل للشيخ ما يعرف في مصطلح الحديث بالتدبيج مع الدكتور عاصم بن عبد الله القريوتي، وذلك بإجازة كل منهما للآخر، وحصول الرواية لهما بذلك.

وفاته

وفاته: توفي الشيخ عقب صلاة الجمعة10/ 11/1427 هـ الموافق 1/ 12/2006م، في موطنه مباركفور أعظم كر - بالهند، بعد مرض ألَمَّ به، جعل الله ذلك كفارة له ورفعاً لدرجته. تغمد الله الشيخ بالرحمة الواسعة، وأدخله فسيح جناته كتبها: طارق بن صفي الرحمن المباركفوري، وهذبها وأضاف إليها بعض الإضافات د. عاصم بن عبد الله القريوتي.

الفصل الثاني الأخطاء الموجودة في الطبعة القديمة وعدلها المؤلف في الطبعة الجديدة

الفصل الثاني الأخطاء الموجودة في الطبعة القديمة وعدلها المؤلف في الطبعة الجديدة توجد بعض الأخطاء في الطبعة القديمة (¬1) للرحيق المختوم قام المؤلف - رحمه الله - بتعديلها في الطبعة الجديدة (¬2)، سأذكرها هنا مع توضيح التعديل؛ حتى لا ينسب للمؤلف ما تراجع عنه بنفسه، وحتى يعدلها القراء الذين لديهم الطبعات القديمة، وسأقتصر في التعليق هنا - غالباً - على كلام المؤلف. ملحوظة: طبعات الكتاب التي تأخذ إذناً بالطباعة من رابطة العالم الإسلامي مازالت هذه الأخطاء موجودة فيها؛ لأنها تطبع الكتاب على النسخة الأولى التي تقدم بها المؤلف لمسابقة السيرة النبوية، وذلك مثل طبعة دار أولي النهى بالرياض عام 1426هـ والتي تقوم دار الإفتاء بالسعودية بتوزيعها على طلبة العلم. جبريل ينزل بالوحي قوله: (ولنستمع إلى عائشة الصديقة - رضي الله عنها - تروي لنا قصة هذه الوقعة التي كانت شعلة من نور اللاهوت، أخذت تفتح دياجير ظلمات الكفر والضلال حتى غيرت مجرى الحياة، وعدلت خط التاريخ). ص (77) التعديل: قال: (ولنستمع إلى عائشة الصديقة - رضي الله عنها - تروي لنا قصة هذه الوقعة التي كانت نقطة بداية النبوة، وأخذت تفتح دياجير ظلمات الكفر والضلال حتى غيرت مجرى الحياة، وعدلت خط التاريخ). ص (75) عدل (شعلة من نور اللاهوت) إلى (نقطة بداية النبوة). ¬

(¬1) أعتمدت في البحث على الطبعة القديمة طبعة دار الوفاء ودار الحديث، عام 1411هـ،1991م. (¬2) أعتمدت في البحث على الطبعة الجديدة طبعة دار الوفاء، الطبعة السابعة عشرة، عام 1426 هـ،2005م.

جبريل ينزل بالوحي مرة ثانية

جبريل ينزل بالوحي مرة ثانية قوله: (قال ابن حجر: وكان ذلك (أي انقطاع الوحي أيامًا)، ليذهب ما كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجده من الروع، وليحصل له التشوف إلى العود، فلما تقلصت ظلال الحيرة، وثبتت أعلام الحقيقة وعرف - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معرفة اليقين أنه أضحى نبياً لله الكبير المتعال ...). ص (80) التعديل: قال: (قال ابن حجر: وكان ذلك (أي انقطاع الوحي أيامًا)؛ ليذهب ما كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجده من الروع، وليحصل له التشوف إلى العود، فلما حصل له ذلك وأخذ يرتقب مجيء الوحي أكرمه الله بالوحي مرة ثانية). ص (77) ملحوظة: حذف عبارة (فلما تقلصت ظلال الحيرة، وثبتت أعلام الحقيقة) هنا، لكن المؤلف أشار مرة أخرى إلى أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تعتريه الحيرة والدهشة، وذلك تحت عنوان (فترة الوحي) وسيأتي التعليق عليه في موطنه. أمر القيام بالدعوة إلى الله، وموادها قوله: (تلقى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أوامر عديدة في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) (المدثر: 1 - 7) أوامر بسيطة ساذجة في الظاهر، بعيدة المدى والغاية، قوية الأثر والفعل في الحقيقة ونفس الأمر). ص (83) التعديل: قلت: لقد أحسن المؤلف بحذف هذه العبارات (أوامر بسيطة ساذجة في الظاهر) في طبعته الجديدة، بل حذف العنوان السابق وقدم وأخر. انظر: ص (77) وما بعدها.

عام الحزن

عام الحزن وذكر تحته: وفاة أبي طالب، خديجة إلى رحمة الله، تراكم الأحزان ثم قال: (ولأجل توالى مثل هذه الآلام في هذا العام سماه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عام الحزن، وبهذا اللقب صار معروفاً في التاريخ). ص (139) التعديل: (ولأجل توالى مثل هذه الآلام في هذا العام سمي بعام الحزن، وعرف به في السيرة والتاريخ). ص (118) قلت: لقد أحسن المؤلف - رحمه الله - إذ حذف ما ذكره في الطبعة السابقة أن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو الذي سماه بعام الحزن ,وأسند التسمية هنا للمجهول؛ لأنه لا تثبت هذه التسمية عن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ ولأن الخبر ضعيف لا يصح لكونه معلقاً بدون إسناد. انظر: كتاب دفاع عن الحديث النبوي والسيرة للألباني - رحمه الله - ص (18). الراية إلى سيف من سيوف الله قوله: (وحينئذ تقدم رجل من بني عَجْلان - اسمه ثابت بن أرقم - فأخذ الراية وقال: يا معشر المسلمين، اصطلحوا على رجل منكم، قالوا: أنت. قال: ما أنا بفاعل، فاصطلح الناس على خالد بن الوليد، فلما أخذ الراية قاتل قتالاً مريراً). ص (463) التعديل: (وحينئذ تقدم رجل من بني عَجْلان - اسمه ثابت بن أقرم - فأخذ الراية وقال: يا معشر المسلمين، اصطلحوا على رجل منكم، قالوا: أنت. قال: ما أنا بفاعل، فاصطلح الناس على خالد بن الوليد، فلما أخذ الراية قاتل قتالاً مريراً).

الصفات والأخلاق

قلت: عدل المؤلف الاسم من (ثابت بن أرقم) إلى (ثابت بن أقرم) وهو الصحيح كما في الإصابة (1/ 190) ط. دار العلوم، وفتح الباري (7/ 584) لكن إسناد الحادثة ضعيف كما قال الحافظ ابن حجر. الصفات والأخلاق قوله: (... وما أحبوه كذلك إلا لأن أنصبته من الكمال الذي يعشق عادة لم يرزق بمثلها بشر). ص (566) التعديل: (... وما أحبوه كذلك إلا لأن أنصبته من الكمال الذي يحبب عادة لم يرزق بمثلها بشر). ص (412) قلت: عدل (يعشق) إلى (يحبب) وذلك لأن الحب لفظ شرعي وارد في الكتاب والسنة، وعبادة أمرنا بها، أما العشق فهو حب مع شهوة ومن ألفاظ الصوفية، وشتان ما بينهما.

الباب الثاني

الباب الثاني التعليق على كتاب الرحيق المختوم

تعليقات على الأخطاء الموجودة في كتاب الرحيق المختوم

الباب الثاني التعليق على كتاب الرحيق المختوم هذه تعليقات على الأخطاء الموجودة في كتاب الرحيق المختوم في جميع طبعاته القديمة والجديدة على حد سواء، ولم يتعرض لها المؤلف - رحمه الله - بالتعليق عليها في طبعته الجديدة، وقد عرضتها وفق تسلسل الكتاب، ملتزما ذكر العنوان الذي جاءت تحته؛ حتى يسهل على القارئ متابعتها وتصحيحها من نسخته من كتاب الرحيق المختوم، وإليك البيان: من المقدمة قوله: (... وكان من حديث هذا الكتاب أني لم أطلع على إعلان الرابطة عن المسابقة في وقته، ولما أخبرت به بعد حين لم أمِلْ إلى الإسهام فيها، بل رفضت هذا الاقتراح رفضًا كليًا إلا أن القدر ساقني إلى ذلك ...). وقال أيضاً تحت عنوان: السيرة الإجمالية قبل النبوة قوله: (... ولاشك أن القدر حاطه بالحفظ، فعندما تتحرك نوازع النفس لاستطلاع بعض متع الدنيا، وعندما يرضى باتباع بعض التقاليد غير المحمودة تتدخل العناية الربانية للحيلولة بينه وبينها). التعليق: ألفاظ لا تصح. قوله: (إلا أن القدر ساقني إلى ذلك ...)، (ولاشك أن القدر حاطه بالحفظ ...) الأولى ترك ذلك اللفظ لأن القدر لا يسند إليه الأفعال أو المشيئة وغيرها، وقد سألت شيخنا الأستاذ الدكتور/ناصر بن عبدالكريم العقل - حفظه الله - عن هذا؟ فقال: (هذا تساهل من المؤلف - رحمه الله -، وإن كان الأولى ترك استعماله حتى لا يوهم الخطأ). وقد سئل الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ - حفظه الله - في شرحه للطحاوية:

س: (ما حكم قول البعض شاءت الأقدار، ساقته الأقدار، اقتضته حكمة الله، شاءت إرادة الله، ونحو هذه العبارات؟ فأجاب - حفظه الله -: ج: شاءت الأقدار، الأقدار جمع قدر، والقدر تبع المقدِّر وهو الله - عز وجل -، والذي يشاء القدر هو الله - سبحانه وتعالى -، فقول القائل: شاءت الأقدار وأشباه ذلك، فإنّ هذا غلط؛ لأن الأقدار ليس لها مشيئة، المشيئة لله - عز وجل - هو الذي شاء القدر وشاء القضاء - سبحانه وتعالى -. وساقته الأقدار هذه محتملة، محتملة لهذا وهذا، وتجنبها أولى. اقتضت حكمة الله، هذه صحيحة لا بأس بها استعملها أهل العلم؛ لأن الاقتضاء خارج عن الشيء؛ يعني حكمة الله نشأ عنها شيء هو مقتضاها، اقتضت حكمة الله أن يكون كذا وكذا؛ يعني من القضاء الذي حصل؛ يعني أن ما حصل موافق لحكمة الله - عز وجل -. شاءت إرادة الله، هذا أيضا مثل ما سبق فإنّ الإرادة الكونية هي المشيئة، فقول القائل: شاءت إرادة الله كقوله: شاءت مشيئة الله، وهو تكرار لا وجه له). وأضاف شيخنا عبد الله بن مانع الروقي - حفظه الله - قائلا: (الألفاظ في الشرع على أقسام منها: 1 - لفظ وارد في الشرع له معنى واحد صحيح، فهذ أمره جلي في إطلاقه؛ لوروده ولأن معناه صحيح. 2 - لفظ وارد في الشرع له معنى واحد صحيح وآخر موهم أو مشكل، فهذا لا بأس بإطلاقه؛ لوروده ولا يلتفت إلى المعنى المتوهم. 3 - لفظ غير وارد في الشرع وهو محتمل لمعنى صحيح وآخر غير صحيح.

أقوام العرب

4 - لفظ غير وارد في الشرع ومعناه فاسد. فهذا والذي قبله لا يطلقان، والذي ذكره المؤلف من القسمين الأخيرين). انظر: مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين - رحمه الله - (المناهي اللفظية). أقوام العرب قوله: (وقد ورد أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا انتسب فبلغ عدنان يمسك ويقول: (كذب النسابون)، فلا يتجاوزه، وذهب جمع من العلماء إلى جواز رفع النسب فوق عدنان؛ مضعفين للحديث المشار إليه، ولكنهم اختلفوا في هذا الجزء من النسب اختلافاً لا يمكن الجمع بين أقوالهم، وقد مال المحقق الكبير العلامة القاضى محمد سليمان المنصورفورى - رحمه الله - إلى ترجيح ما ذكره ابن سعد - والذي ذكره الطبرى والمسعودى وغيرهما في جملة الأقوال - وهو أن بين عدنان وبين إبراهيم - عليه السلام - أربعين أباً بالتحقيق الدقيق). التعليق: الحديث موضوع. أشار المؤلف - رحمه الله - إلى ضعف الحديث وزيادة في الإيضاح نقول: إن الحديث موضوع وإليك البيان: قال العلامة الألباني - رحمه الله - في سلسلة الأحاديث الضعيفة (1/ 228) حديث رقم (111): (كذب النسابون، قال الله تعالى: وقروناً بين ذلك كثيراً). موضوع. أورده السيوطي في (الجامع) من رواية ابن سعد، وابن عساكر عن ابن عباس ، وأورده فيما بعد بلفظ: (كان إذا انتسب لم يجاوز في نسبته معد بن عدنان بن أد ثم يمسك ويقول: كذب النسابون ...) وقال: رواه ابن سعد عن ابن عباس. ، وسكت عليه شارحه المناوي في الموضعين، وكأنه لم يطلع على سنده، وإلا لما جاز له ذلك، وقد أخرجه

أقوام العرب

ابن سعد في (الطبقات) (1/ 1/ 28) قال: أخبرنا هشام قال: أخبرني أبي عن أبي صالح، عن ابن عباس مرفوعاً بتمامه. قلت: وهشام هذا هو ابن محمد بن السائب الكلبي النسابة المفسر، وهو متروك كما قال الدارقطني وغيره، وولده محمد بن السائب شر منه، قال الجوزجاني وغيره: كذاب، وقد اعترف هو نفسه بأنه يكذب، فروى البخاري بسند صحيح عن سفيان الثوري قال: قال لي الكلبي: كل ما حدثتك عن أبي صالح فهو كذب!. قلت: كذا في (الميزان) وفيه سقط أو اختصار يمنع نسبة الاعتراف بالكذب إلى الكلبي، كما سيأتي بيانه في الحديث (5449). وقال ابن حبان: مذهبه في الدين ووضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه يروي عن أبي صالح، عن ابن عباس التفسير، وأبو صالح لم ير ابن عباس، ولا سمع الكلبي من أبي صالح إلا الحرف بعد الحرف، لا يحل ذكره في الكتب فكيف الاحتجاج به؟!، ومن هذه الطريق أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق" (1/ 197/ 1، 198/ 2) من مخطوطة ظاهرية دمشق). أقوام العرب قوله: (وعن العباس بن عبد المطلب قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن الله خلق الخلق فجعلني من خير فرقهم وخير الفريقين، ثم تخير القبائل، فجعلني من خير القبيلة، ثم تخير البيوت، فجعلني من خير بيوتهم، فأنا خيرهم نفسًا وخيرهم بيتًا). رواه الترمذي، كتاب المناقب، باب ما جاء في فضل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ح (3607، 3608). التعليق: حديث ضعيف.

رواه الترمذي، كتاب المناقب عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، باب ما جاء في فضل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حديث رقم (3607) عن العباس بن عبد المطلب قال: قلت: يا رسول الله! إن قريشاً جلسوا فتذاكروا أحسابهم بينهم فجعلوا مثلك كمثل نخلة في كبوة من الأرض. فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إن الله خلق الخلق فجعلني من خيرهم: من خير فرقهم، وخير الفريقين، ثم تخير القبائل فجعلني من خير قبيلة، ثم تخير البيوت فجعلني من خير بيوتهم، فأنا خيرهم نفساً، وخيرهم بيتاً ". قال أبو عيسى: (هذا حديث حسن، وعبد الله بن الحارث هو أبو نوفل). ورواه الترمذي أيضا برقم (3608) قريباً منه. ورواه الإمام أحمد في مسنده، مسند العباس بن عبدالمطلب، حديث رقم (1788). وقال شعيب الأرناؤوط: حسن لغيره. وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (1472) ثم تراجع عن ذلك وضعفه في ضعيف الترمذي، والسلسلة الضعيفة حديث رقم (3073) حيث قال متعقباً الترمذي: (كذا قال! ويزيد بن أبي زياد وهو الهاشمي مولاهم قال الحافظ: "ضعيف، كبر فتغير، صار يتلقن". قلت: وقد اضطرب في إسناده، فرواه هكذا، وقال مرة: عن عبد الله بن الحارث عن العباس بن عبد المطلب قال: قلت: يا رسول الله ... الحديث نحوه. أخرجه الترمذي أيضاً. ومرة قال: عن عبد الله بن الحارث بن عبد المطلب عن ربيعة قال: ... فذكره نحوه. أخرجه الحاكم (3/ 247) وسكت عليه هو والذهبي!).

الصابئية

قلت: لاحظ متن الحديث الذي ذكره المؤلف - رحمه الله - تجد ما يلي: - لم يذكركلمة (من خيرهم). - ذكر كلمة (... فجعلني من خير القبيلة) كذا بالتعريف ومعناه تفضيل الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على قبيلته، وهذا المعنى يدل عليه ما بعده، والموجود في الحديث (... فجعلني من خير قبيلة) ومعناه تفضيل القبيلة كاملة على سائر القبائل، والفرق واضح. الصابئية قوله: (أما الصابئية - وهي ديانة تمتاز بعبادة الكواكب وبالاعتقاد في أنواء المنازل وتأثير النجوم وأنها هي المدبرة للكون - فقد دلت الحفريات والتنقيبات في بلاد العراق وغيرها أنها كانت ديانة قوم إبراهيم الكلدانيين، وقد دان بها كثير من أهل الشام وأهل اليمن في غابر الزمان، وبعد تتابع الديانات الجديدة من اليهودية والنصرانية، تضعضع بنيان الصابئية وخمد نشاطها، ولكن لم يزل في الناس بقايا من أهل هذه الديانة مختلطين مع المجوس أو مجاورين لهم في عراق العرب وعلى شواطئ الخليج العربي. التعليق: حقيقة الصابئة قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في التفسير - بعد أن ذكر الخلاف الوارد في حقيقة الصابئة - (1/ 290) ط. دار طيبة، الإصدار الثاني تحقيق سامي السلامة: (... وأظهر الأقوال - والله أعلم - قول مجاهد ومتابعيه، ووهب بن منبه: أنهم قوم ليسوا على دين اليهود ولا النصارى ولا المجوس ولا المشركين، وإنما هم قوم باقون على فطرتهم ولا دين مقرر لهم يتبعونه ويقتفونه؛ ولهذا كان المشركون ينبزون من أسلم بالصابئي، أي: أنه قد خرج عن سائر أديان أهل الأرض إذ ذاك.

وقال بعض العلماء: الصابئون الذين لم تبلغهم دعوة نبي، والله أعلم). فقد جاء في تفسير القرطبي في تفسير سورة البقرة الآية (62): اختلف السلف في الصابئين، فقال قوم: هم من أهل الكتاب، ولا بأس بذبائحهم ومناكحة نسائهم. وقال آخرون: هم قوم يشبه دينهم دين النصارى؛ إلا أن قبلتهم نحو مهب الجنوب يزعمون أنهم على دين نوح عليه السلام. وقال آخرون: هم قوم تركب دينهم من اليهودية والمجوسية لا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم. وقيل: هم قوم يعبدون الملائكة، ويصلون إلى القبلة، ويقرؤون الزبور، ويصلون الخمس، ثم قال: والذي تحصل من مذهبهم أنهم موحدون معتقدون تأثير النجوم ...... ولهذا أفتى أهل العلم بكفرهم. وفي الموسوعة الميسرة: أن طائفة الصابئة الوحيدة الباقية إلى اليوم، والتي تعتبر يحيى نبياً لها هي طائفة المندائية، ويقدسون الكواكب والنجوم. ومن معالم دينهم الاتجاه نحو القطب الشمالي، وكذلك التعميد في المياه الجارية. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الرد على المنطقيين ط6 (ص454 وما بعدها): (إن الصابئة نوعان: صابئة حنفاء، وصابئة مشركون، فالحنفاء بمنزلة من كان متبعاً لشريعة التوراة والانجيل قبل النسخ والتحريف والتبديل، وهؤلاء حمدهم الله تعالى وأثنى عليهم. وأما الصابئة المشركون: فهم قوم يعبدون الملائكة، ويقرؤون الزبور، ويصلون، فهم يعبدون الروحانيات العلوية). قال ابن القيم في كتاب أحكام أهل الذمة الناشر: دار الكتب العلمية بيروت - لبنان الطبعة الثانية 1423 هـ - 2002م (الصابئة أمة كبيرة فيهم السعيد والشقي وهي إحدى الأمم المنقسمة إلى مؤمن وكافر فإن الأمم قبل مبعث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نوعان:

نوع كفار أشقياء كلهم ليس فيهم سعيد كعبدة الأوثان والمجوس، ونوع منقسمون إلى سعيد وشقي وهم اليهود والنصارى والصابئة. وقد ذكر الله سبحانه النوعين في كتابه فقال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} (البقرة: 62) وقال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} (المائدة: 69). وقال في سورة الحج: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (الحج: 17) فلم يقل ها هنا: من آمن منهم بالله واليوم الآخر لأنه ذكر معهم المجوس والذين أشركوا فذكر ست أمم منهم اثنتان شقيتان وأربع منهم منقسمة إلى شقي وسعيد وحيث وعد أهل الإيمان والعمل الصالح منهم بالأجر ذكرهم أربع أمم ليس إلا. ففي آية الفصل بين الأمم أدخل معهم الأمتين وفي آية الوعد بالجزاء لم يدخلها معهم فعلم أن الصابئين فيهم المؤمن والكافر والشقي والسعيد وهذه أمة قديمة قبل اليهود والنصارى وهم أنواع: صابئة حنفاء وصابئة مشركون. وكانت حران دار مملكة هؤلاء قبل المسيح ولهم كتب وتآليف وعلوم وكان في بغداد منهم طائفة كبيرة منهم إبراهيم بن هلال الصابئ صاحب الرسائل وكان على دينهم ويصوم رمضان مع المسلمين وأكثرهم فلاسفة ولهم مقالات مشهورة ذكرها أصحاب المقالات ....) وبهذا يتحصل عندنا أن الصابئة عدة مذاهب وفرق - فمنهم من يعتبرون أنفسهم أتباعاً لنوح عليه السلام، - ومنهم من يزعم أنه يتبع يحيى بن زكريا،

الأسرة النبوية

- ومنهم من لفق له مذهبا من بين اليهودية والنصرانية، - ومنهم من لفق له مذهبا من بين اليهودية والمجوسية ..) قال الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان في موقعه الإلكتروني: (فالخلاصة أن الصابئة فرقة موجودة الآن وهي كافرة مرتدة، ومنها فرقة موحدة في أصولها. والموجودة الآن وثنية، ولا تعامل معاملة أهل الكتاب من حيث جواز الزواج من نسائهم المحصنات، أو أكل ذبائحهم. والله أعلم). انظر: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة. الأسرة النبوية قوله: (وروى عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: (أنا ابن الذبيحين) يعنى إسماعيل، وأباه عبد الله). التعليق: هذا الحديث لا أصل له بهذا اللفظ. قال الألباني - رحمه الله - في السلسلة الضعيفة حديث رقم (331): (لا أصل له بهذا اللفظ. وفي (الكشف) (1/ 199): قال الزيلعي وابن حجر في (تخريج الكشاف): لم نجده بهذا اللفظ. قلت: الحديث في التخريج (4/ 141) ونص ابن حجر فيه. قلت: بيض له - يعني الزيلعي - وقد أخرجه. قلت: كذا قال، والظاهر أنه ترك بياضا في الأصل بعد قوله: أخرجه، لإملائه فيما بعد فلم يتمكن، وكأنه كان يظن أن له أصلا فلم يجده، والله أعلم. وقد وجدت الحاكم قد علق هذا الحديث مجزوما بنسبته إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال في (المستدرك) (2/ 559) بعد أن روى أثرين عن ابن عباس وابن مسعود أن الذبيح هو إسحاق: وقد كنت أرى مشايخ الحديث قبلنا وفي سائر المدن التي طلبنا الحديث فيه

وهم لا يختلفون أن الذبيح إسماعيل، وقاعدتهم فيه قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أنا ابن الذبيحين) إذ لا خلاف أنه من ولد إسماعيل وأن الذبيح الآخر أبوه الأدنى عبد الله بن عبد المطلب، والآن فإني أجد مصنفي هذه الأدلة يختارون قول من قال: إنه إسحاق. قلت: فلعل الحاكم يشير بالحديث المذكور إلى ما أخرجه قبل صفحات (2/ 551) من طريق عبد الله بن محمد العتبي، حدثنا عبد الله بن سعيد (عن) الصنابحي قال: حضرنا مجلس معاوية بن أبي سفيان فتذاكر القوم إسماعيل وإسحاق ابني إبراهيم، فقال بعضهم: الذبيح إسماعيل، وقال بعضهم: بل إسحاق الذبيح، فقال معاوية: سقطتم على الخبير، كنا عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأتاه الأعرابي فقال: يا رسول الله! خلفت البلاد يابسة، والماء يابساً، هلك المال وضاع العيال، فعد علي بما أفاء الله عليك يا ابن الذبيحين، فتبسم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم ينكر عليه، فقلنا: يا أمير المؤمنين وما الذبيحان؟ قال: إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم نذر لله إن سهل الله أمرها أن ينحر بعض ولده، فأخرجهم فأسهم بينهم فخرج السهم لعبد الله، فأراد ذبحه، فمنعه أخواله من بني مخزوم وقالوا: أرض ربك وافد ابنك، قال: ففداه بمئة ناقة، قال: فهو الذبيح، وإسماعيل الثاني. وسكت عليه الحاكم، لكن تعقبه الذهبي بقوله: قلت: إسناده واه. وقال الحافظ ابن كثير في (تفسيره) (4/ 18) بعد أن ذكره من هذا الوجه من رواية ابن جرير: وهذا حديث غريب جدا. (¬1) وأما ما في (الكشف) نقلاً عن (شرح الزرقاني) على (المواهب): والحديث حسن بل صححه الحاكم والذهبي لتقويه بتعدد طرقه، فوهم فاحش، فإنما قال الزرقاني: هذا في حديث (الذبيح إسحاق) وفيه مع ذلك نظر كما سيأتي بيانه - إن شاء الله تعالى -. ¬

(¬1) انظر كتابي: الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي حكم عليها الحافظ ابن كثير في تفسيره.

المولد

ثم إن صاحب (الكشف) عقب على ما سبق بقوله: وأقول: فحينئذ لا ينافيه ما نقله الحلبي في سيرته عن السيوطي أن هذا الحديث غريب وفي إسناده من لا يعرف. قلت: وقد عرفت أن الطرق المشار إليها في كلام الزرقاني ليست لهذا الحديث، فقد اتفق قول الذهبي والسيوطي على تضعيفه). انظر: - تخريج أحاديث الكشاف للزيلعي (3/ 177) ط. دار ابن خزيمة بالرياض حديث رقم (1089) تحقيق الشيخ عبد الله السعد. - السلسلة الضعيفة للألباني حديث رقم (1677). - كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس حديث رقم (606)، إسماعيل بن محمد العجلوني، ط. دار إحياء التراث العربي. المولد قوله: (ولما ولدته أمه أرسلت إلى جده عبد المطلب تبشره بحفيده، فجاء مستبشرًا ودخل به الكعبة، ودعا الله وشكر له. واختار له اسم محمد - وهذا الاسم لم يكن معروفًا في العرب - وخَتَنَه يوم سابعه كما كان العرب يفعلون). التعليق: (...... وخَتَنَه يوم سابعه كما كان العرب يفعلون). قال الألباني - رحمه الله - في السلسلة الضعيفة حديث رقم (6270): (من طريق يحيى بن أيوب العلاف قال: نا محمد بن أبي السري العسقلاني: نا الوليد بن مسلم، عن شعيب بن أبي حمزة، عن عطاء الخراساني، عن عكرمة، عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ: أن عبدالمطلب ختن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم سابعه، وجعل له مأدبة، وسماه محمداً. قال يحيى بن أيوب: ما وجدنا هذا الحديث عند أحد؛ إلا عند ابن أبي السري.

قلت: قال الحافظ في (التقريب): (صدوق عارف، له أوهام كثيرة). وقال في (التهذيب): (أورد ابن عدي من مناكيره حديثه عن معتمر عن أبيه عن عطاء عن أبي هريرة مرفوعاً: من سئل عن علم ...). وذكره الذهبي أيضاً في (الميزان) وقال هو والحافظ: (وقال ابن عدي: كثير الغلط). وأقول: لقد سقطت ترجمة محمد بن أبي السري هذا وحديثه في العلم من النسخة المطبوعة من كتابه (الكامل)؛ فقد راجعت منه باب من اسمه (محمد)، وفهرسه في الأسماء والأحاديث؛ فلم أجد لذلك كله ذكراً. فلتراجع مخطوطاته. ثم إن في إسناد الحديث علتين أخريين: إحداهما: تدليس الوليد بن مسلم؛ فإنه كان يدلس تدليس التسوية. والأخرى: عطاء الخراساني - وهو: ابن أبي مسلم - قال الحافظ: (صدوق يهم كثيراً، ويرسل ويدلس)). ا. هـ وإليك هذا البيان من ابن القيم - رحمه الله - من كتابه تحفة المولود: (الفصل الثالث عشر: في ختان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد اختلف فيه على أقوال: أحدها: أنه ولد مختوناً. والثاني: أن جبريل ختنه حين شق صدره. الثالث: أن جده عبد المطلب ختنه على عادة العرب في ختان أولادهم. ونحن نذكر قائلي هذه الأقوال وحججهم فأما من قال: ولد مختوناً؛ فاحتجوا بأحاديث: أحدها: ما رواه أبو عمر بن عبد البر فقال: وقد روي أن النبي ولد مختوناً من حديث عبد الله بن عباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب قال: ولد رسول الله مختوناً

مسروراً - يعني مقطوع السرة - فأعجب ذلك جده عبد المطلب، وقال: ليكونن لابني هذا شأن عظيم. ثم قال ابن عبد البر: ليس إسناد حديث العباس هذا بالقائم، قال: وقد روي موقوفاً على ابن عمر ولا يثبت أيضاً. قلت: حديث ابن عمر رويناه من طريق أبي نعيم حدثنا أبو الحسن أحمد ابن محمد بن خالد الخطيب، حدثنا محمد بن محمد بن سليمان، حدثنا عبد الرحمن بن أيوب الحمصي، حدثنا موسى بن أبي موسى المقدسي، حدثنا خالد بن سلمة، عن نافع، عن ابن عمر قال: ولد النبي مسروراً مختوناً. ولكن محمد بن سليمان هذا هو الباغندي وقد ضعفوه، وقال الدارقطني: كان كثير التدليس يحدث بما لم يسمع، وربما سرق الحديث. ومنها: ما رواه الخطيب بإسناده من حديث سفيان بن محمد المصيصي حدثنا هشيم، عن يونس بن عبيد، عن الحسن، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله: (من كرامتي على الله أني ولدت مختوناً، ولم ير سوءتي أحد). قال الخطيب: لم يروه فيما يقال غير يونس عن هشيم، وتفرد به سفيان بن محمد المصيصي، وهو منكر الحديث. قال الخطيب: أخبرني الأزهري قال: سئل الدارقطني عن سفيان بن محمد المصيصي، وأخبرني أبو الطيب الطبري قال: قال لنا الدارقطني: شيخ لأهل المصيصة يقال له: سفيان بن محمد الفزاري كان ضعيفاً، سيء الحال. وقال صالح بن محمد الحافظ: سفيان بن محمد المصيصي لا شيء. وقد رواه أبو القاسم بن عساكر من طريق الحسن بن عرفة حدثنا هشيم، عن يونس، عن الحسن، عن أنس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : (من كرامتي على

ربي - عز وجل - أني ولدت مختوناً لم ير أحد سوءتي). وفي إسناده إلى الحسن بن عرفة عدة مجاهيل. قال أبو القاسم بن عساكر: وقد سرقه ابن الجارود وهو كذاب. فرواه عن الحسن بن عرفة. ومما احتج به أرباب هذا القول: ما ذكره محمد بن علي الترمذي في معجزات النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: ومنها أن صفية بنت عبد المطلب قالت: أردت أن أعرف أذكر هو أم أنثى؟ فرأيته مختوناً. وهذا الحديث لا يثبت، وليس له إسناد يعرف به .... وما حكاه عن صفية بقولها: (فرأيته مختوناً) يناقض الأحاديث الأخرى وهو قوله: (لم ير سوءتي أحد) فكل حديث في هذا الباب يناقض الآخر، ولا يثبت واحد منها، ولو ولد مختوناً فليس من خصائصه فإن كثيراً من الناس يولد غير محتاج إلى الختان. قال: وذكر أبو الغنائم النسابة الزيدي أن أباه القاضي أبا محمد الحسن بن محمد بن الحسن الزيدي ولد غير محتاج إلى الختان، قال: ولهذا لقب بالمطهر. قال: وقال فيما قرأته بخطه: خلق أبو محمد الحسن مطهراً لم يختن، وتوفي كما خلق .... قال: وقد ورد في حديث رواه سيف بن محمد ابن أخت سفيان الثوري، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (ابن صياد ولد مسروراً مختوناً). وسيف مطعون في حديثه ... وقيل: إن الختان من الكلمات التي ابتلى الله بها خليله فأتمهن وأكملهن، وأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، وقد عد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الختان من الفطرة، ومن المعلوم أن الابتلاء به مع الصبر مما يضاعف ثواب المبتلى به وأجره، والأليق بحال

النبي أن لا يسلب هذه الفضيلة، وأن يكرمه الله بها كما أكرم خليله؛ فإن خصائصه أعظم من خصائص غيره من النبيين وأعلى. وختن الملك إياه - كما رويناه - أجدر من أن يكون من خصائصه، وأولى هذا كله كلام ابن العديم، ويريد بختن الملك ما رواه من طريق الخطيب عن أبي بكرة (أن جبريل ختن النبي حين طهر قلبه) وهو - مع كونه موقوفاً على أبي بكرة - لا يصح إسناده؛ فإن الخطيب قال فيه: أنبأنا أبو القاسم عبد الواحد بن عثمان بن محمد البجلي، أنبأنا جعفر بن محمد بن نصير، حدثنا محمد بن عبد الله بن سليمان، حدثنا عبد الرحمن بن عيينة البصري، حدثنا علي بن محمد المدائني، حدثنا مسلمة بن محارب بن سليم بن زياد، عن أبيه، عن أبي بكرة وليس هذا الإسناد مما يحتج به. وحديث شق الملك قلبه قد روي من وجوه متعددة مرفوعاً إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وليس في شيء منها (أن جبريل ختنه) إلا في هذا الحديث فهو شاذ غريب. قال ابن العديم: وقد جاء في بعض الروايات أن جده عبد المطلب ختنه في اليوم السابع. قال: وهو على ما فيه أشبه بالصواب وأقرب إلى الواقع ثم ساق من طريق ابن عبد البر حدثنا أبو عمرو أحمد بن محمد بن أحمد - قراءة مني عليه - أن محمد بن عيسى حدثه قال: حدثنا يحيى بن أيوب بن زياد العلاف، حدثنا محمد بن أبي السري العسقلاني، حدثنا الوليد بن مسلم، عن شعيب بن أبي حمزة، عن عطاء الخراساني، عن عكرمة، عن ابن عباس (أن عبد المطلب ختن النبي يوم سابعه وجعل له مأدبة وسماه محمداً). قال يحيى بن أيوب: ما وجدنا هذا الحديث عند أحد إلا عند ابن أبي السري، وهو محمد بن المتوكل بن أبي السري، والله أعلم).

في بني سعد

وقال الألباني - رحمه الله -: (وهذا الذي ذهب إليه الكمال بن العديم - رحمه الله - هو الذي تطمئن إليه النفس، وينشرح له الصدر، وهو الذي يبدو أنه مال إليه ابن عبدالبر؛ فإنه قال عقب الحديث المشار إليه: (وفي حديث ابن عباس عن أبي سفيان في قصته مع هرقل - وهو حديث ثابت من جهة الإسناد - دليل على أن العرب كانت تختتن، وأظن ذلك من جهة مجاورتهم في الحجاز اليهود). قلت: وحديث أبي سفيان في أول (صحيح البخاري) رقم (7 - فتح)، وفيه أن هرقل سأل أبا سفيان عن العرب؟ فقال: (هم يختتنون)). انظر: - السلسلة الضعيفة للألباني حديث رقم (6270). - السيرة النبوية الصحيحة للعمري (1/ 100). - العلل المتناهية في الأحاديث الواهية (1/ 171)، عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1403هـ، تحقيق: خليل الميس. - سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، وذكر فضائله وأعلام نبوته وأفعاله وأحواله في المبدأ والمعاد (1/ 347)، محمد بن يوسف الصالحي الشامي. - زاد المعاد لابن القيم (1/ 80) فَصْلٌ فِي خِتَانِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. في بني سعد قوله: (قال ابن إسحاق: كانت حليمة تحدث: أنها خرجت من بلدها مع زوجها وابن لها صغير ترضعه في نسوة من بني سعد بن بكر، تلتمس الرضعاء. قالت: وذلك في سنة شهباء لم تبق لنا شيئًا، قالت: فخرجت على أتان لي قمراء، ومعنا شارف لنا، والله ما تَبِض بقطرة، وما ننام ليلنا أجمع من صبينا الذي معنا، من بكائه من الجوع، ما في ثديى ما يغنيه، وما في شارفنا ما يغذيه، ولكن كنا نرجو الغيث والفرج، فخرجت على

أتاني تلك، فلقد أذَمَّتْ بالركب حتى شق ذلك عليهم، ضعفًا وعجفًا، حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء، فما منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فتأباه، إذا قيل لها: إنه يتيم، وذلك أنا كنا نرجو المعروف من أبي الصبي، فكنا نقول: يتيم! وما عسى أن تصنع أمه وجده، فكنا نكرهه لذلك، فما بقيت امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعًا غيري، فلما أجمعنا الانطلاق قلت لصاحبي: والله، إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي ولم آخذ رضيعًا، والله لأذهبن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه. قال: لا عليك أن تفعلي، عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة. قالت: فذهبت إليه وأخذته، وما حملني على أخذه إلا أني لم أجد غيره، قالت: فلما أخذته رجعت به إلى رحلي، فلما وضعته في حجري أقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن، فشرب حتى روي، وشرب معه أخوه حتى روي، ثم ناما، وما كنا ننام معه قبل ذلك، وقام زوجي إلى شارفنا تلك، فإذا هي حافل، فحلب منها ما شرب وشربت معه حتى انتهينا رياً وشبعاً، فبتنا بخير ليلة، قالت: يقول صاحبي حين أصبحنا: تعلمي والله يا حليمة، لقد أخذت نسمة مباركة، قالت: فقلت: والله إني لأرجو ذلك. قالت: ثم خرجنا وركبت أنا أتاني، وحملته عليها معي، فوالله لقطعت بالركب ما لا يقدر عليه شىء من حمرهم، حتى إن صواحبي ليقلن لي: يا ابنة أبي ذؤيب، ويحك! أرْبِعي علينا، أليست هذه أتانك التي كنت خرجت عليها؟ فأقول لهن: بلى والله، إنها لهي هي، فيقلن: والله إن لها شأنًا، قالت: ثم قدمنا منازلنا من بلاد بني سعد، وما أعلم أرضًا من أرض الله أجدب منها، فكانت غنمى تروح علي حين قدمنا به معنا شباعًا لبنًا، فنحلب ونشرب، وما يحلب إنسان قطرة لبن، ولا يجدها في ضرع، حتى كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانهم: ويلكم، اسرحوا حيث يسرح راعي بنت أبي ذؤيب، فتروح أغنامهم جياعًا ما تبض بقطرة لبن، وتروح غنمي شباعًا لبنًا.

فلم نزل نتعرف من الله الزيادة والخير حتى مضت سنتاه وفصلته، وكان يشب شبابًا لا يشبه الغلمان، فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلامًا جفرًا. قالت: فقدمنا به على أمه ونحن أحرص على مكثه فينا؛ لما كنا نرى من بركته، فكلمنا أمه، وقلت لها: لو تركت ابني عندي حتى يغلظ، فإني أخشى عليه وباء مكة، قالت: فلم نزل بها حتى ردته معنا. التعليق: القصة ضعيفة. قال الألباني - رحمه الله - في كتابه دفاع عن الحديث النبوي والسيرة ص (39 - 40): (إن القصة لم تأت بإسناد تقوم به الحجة، وأشهر طرقها ما رواه محمد بن إسحاق عن جهم بن أبي جهم، عن عبد الله بن جعفر، عن حليمة بنت الحارث السعدية أخرجه أبو يعلى (ق 128/ 1)، وعنه ابن حبان (2094 - موارد)، وأبو نعيم في (دلائل النبوة) (1/ 47)، عن ابن إسحاق به، وأخرجه البيهقي في (دلائل النبوة) (1/ 108) عنه أيضاً إلا أنه قال: حدثنا جهم بن أبي الجهم - مولى لامرأة من بني تميم كانت عند الحارث بن حاطب، وكان يقال: مولى الحارث بن حاطب - قال: حدثنا من سمع عبد الله بن جعفر بن أبي طالب يقول: حدثت عن حليمة بنت الحارث قلت: وهذا إسناد ضعيف فيه علتان: الأولى: الاضطراب في إسناده - كما هو ظاهر - ففي الرواية الأولى عنعنة ابن إسحاق من جميع رواته، وفي الأخرى تصريحه بالتحديث مع تصريح الجهم بأنه لم يسمعه من عبد الله بن جعفر، وتصريح هذا بأنه لم يسمعه من حليمة فعلى الرواية الأولى فيه انقطاع بين ابن إسحاق والجهم؛ لأن الأول مشهور بالتدليس، وعلى الرواية الأخرى الانقطاع في موضعين منه، ومنه تعلم وهم الحافظ في (الإصابة) حيث قال (4/ 266):

(وصرح ابن حبان في (صحيحه) بالتحديث بين عبد الله وحليمة) فإنه لا أصل لهذا التحديث عند ابن حبان ولا عند غيره ممن ذكرنا، ويستبعد جداً أن يدرك عبد الله بن جعفر حليمة مرضعة الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإنه لما توفي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان عبد الله ابن عشر سنين وهي - وإن لم يذكروا لها وفاة - فمن المفروض عادة أنها توفيت قبل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والله أعلم. وسواء كان الراجح الرواية الأولى أو الأخرى فالإسناد منقطع لا محالة. والعلة الأخرى: أن مداره على جهم بن أبي الجهم، وهو مجهول الحال، قال الذهبي في (الميزان): (لا يعرف، له قصة حليمة السعدية). وأما ابن حبان فذكره في (الثقات) (1/ 31) على قاعدته في توثيق المجهولين وللقصة عند أبي نعيم طريقان آخران مدارهما على الواقدي وهو كذاب: أحدهما: عن شيخه موسى بن شيبة وهو لين الحديث كما قال الحافظ في (التقريب). والأخرى: عن عبد الصمد بن محمد السعدي، عن أبيه، عن جده قال: حدثني بعض من كان يرعى غنم حليمة. . . وهؤلاء مجهولون). وقال الدكتور/ أكرم ضياء العمري في السيرة النبوية الصحيحة (1/ 102): (وقد تساهل النقاد في تحسين الخبر على الرغم من العلل في سنده فقال الذهبي: (هذا حديث جيد الإسناد)، وقال ابن كثير: (هذا الحديث قد روي من طرق أخر!!) وهو من الأحاديث المشهورة المتداولة بين أهل السيرة والمغازي، وقد وردت له شواهد واهية من حديث ابن عباس كما في دلائل البيهقي. وابن عساكر قال: (هذا حديث غريب جدا وفيه ألفاظ ركيكة لا تشبه الصواب).

إلى أمه الحنون

انظر: - سيرة ابن هشام (1/ 211) تحقيق مجدي فتحي السيد. طبعة دار الصحابة طنطا. - تحذير الداعية من القصص الواهية للشيخ علي بن إبراهيم حشيش ص (42 - 48). إلى أمه الحنون 1 - قوله: (وخشيت عليه حليمة بعد هذه الوقعة حتى ردته إلى أمه، فكان عند أمه إلى أن بلغ ست سنين). التعليق: قال الدكتور أكرم العمري في السيرة الصحيحة (1/ 105): (رواه أحمد والدارمي والحاكم ومدار الحديث على بقية بن الوليد، وهو مدلس ولم يصرح بالسماع في سائر طبقات الإسناد، بل عنعن في سائرها بين بحير بن سعد وخالد بن معدان، ولو فعل لحسن الإسناد، ويؤيده مرسل الزهري في مصنف عبد الرزاق). 2 - قوله: (ورأت آمنة - وفاء لذكرى زوجها الراحل - أن تزور قبره بيثرب، فخرجت من مكة قاطعة رحلة تبلغ نحو خمسمائة كيلو متر ومعها ولدها اليتيم - محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وخادمتها أم أيمن، وقيمها عبد المطلب، فمكثت شهرًا ثم قفلت، وبينما هي راجعة إذ لحقها المرض في أوائل الطريق، ثم اشتد حتى ماتت بالأبْوَاء بين مكة والمدينة). التعليق: لم يثبت. قال الدكتور أكرم العمري في السيرة الصحيحة (1/ 105): (لم تثبت هذه الأخبار برواية صحيحة، ولكنها مما يتساهل فيه عادة). قلت: (قوله: وفاء لذكرى زوجها الراحل؟) أين الدليل على تاريخ ذهابها لزيارة قبر زوجها؟ وأنه كان في نفس اليوم الذي توفي فيه؟ فضلا هل هذه التقاليد من إحياء ذكرى زوجها الراحل كانت معروفة لديهم؟!

إلى جده العطوف

إلى جده العطوف 1 - قوله: (قال ابن هشام: كان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة، فكان بنوه يجلسون حول فراشه ذلك حتى يخرج إليه، لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالًا له، فكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأتي وهو غلام جفر حتى يجلس عليه، فيأخذه أعمامه ليؤخروه عنه، فيقول عبد المطلب إذا رأى ذلك منهم: دعوا ابني هذا، فوالله إن له لشأنًا، ثم يجلس معه على فراشه، ويمسح ظهره بيده، ويسره ما يراه يصنع). التعليق: سنده منقطع. قال أخونا الفاضل الشيخ: محمد بن عبد الله العوشن - حفظه الله - في كتابه (ما شاع ولم يثبت في السيرة) ص (10): (روى ابن إسحاق قال: حدثني العباس بن عبد الله بن معبد عن بعض أهله قال: فذكره ...) والعباس بن عبد الله بن معبد بن العباس بن عبدالمطلب ثقة من السادسة كما في التقريب، وهو يروي الخبر عن بعض أهله ولا يمكن أن يكون هؤلاء - فضلاً عن جهالتهم - من الصحابة، فالسند فيه انقطاع. ومن طريق ابن إسحاق ذكرها البيهقي في الدلائل (2/ 21)، ورواه ابن سعد في الطبقات (1/ 117) بنحوه عن شيخه الواقدي، وهو متروك. وقال الذهبي في السيرة من تاريخ الإسلام ص (53): (وقال عبد الله بن شبيب - وهو ضعيف - ثنا أحمد بن محمد الأزرقي سمعت ابن عباس يقول: سمعت أبي يقول: ... وذكر القصة). وابن شبيب قال عنه الذهبي: (إخباري علامة لكنه واه). لسان الميزان (3/ 299) وكذا في السيرة (64).

حرب الفجار

وذكرها ابن كثير (البداية والنهاية (2/ 281) عن ابن إسحاق، وسكت عنها). 2 - قوله: (ولثماني سنوات وشهرين وعشرة أيام من عمره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توفي جده عبد المطلب بمكة، ورأى قبل وفاته أن يعهد بكفالة حفيده إلى عمه أبي طالب شقيق أبيه). التعليق: إسناد ضعيف. قال الدكتور أكرم العمري - حفظه الله - في السيرة الصحيحة (1/ 105 - 106): (ابن إسحق بسند منقطع، والسيرة للذهبي بإسناد ضعيف جدا، طبقات ابن سعد (1/ 117 - 119)، والواقدي متروك). وقال محقق سيرة ابن هشام (1/ 220) طبعة دار الصحابة. طنطا: (إسناد ضعيف). حرب الفجار قوله: (وسميت بحرب الفجار؛ لانتهاك حرمة الشهر الحرام فيها، وقد حضر هذه الحرب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان ينبل على عمومته؛ أي يجهز لهم النبل للرمي). التعليق: إسناد ضعيف. قال الدكتور أكرم العمري - حفظه الله - في السيرة الصحيحة (1/ 111): (ولم يثبت أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شهدها). قال محقق السيرة النبوية لابن هشام ط. دار الصحابة (1/ 240): (إسناده معضل: أورده ابن كثير في البداية (2/ 189) نقلا عن ابن إسحاق، وابن هشام بسند ضعيف، وأخرجه ابن سعد (1/ 126 - 128) بأسانيد كلها ضعيفة من رواية الواقدي وهو متروك).

زواجه بخديجة

زواجه بخديجة قوله: (... وكانت سنها إذ ذاك أربعين سنة ...). وقوله: تحت عنوان: البيت النبوي (كان البيت النبوي في مكة قبل الهجرة يتألف منه - عليه الصلاة والسلام -، ومن زوجته خديجة بنت خويلد، تزوجها وهو في خمس وعشرين من سنه، وهي في الأربعين). التعليق: الخلاف في عمر خديجة - رضي الله عنها - قال أخونا الفاضل الشيخ: محمد بن عبد الله العوشن - حفظه الله - في كتابه (ما شاع ولم يثبت في السيرة) ص (18): (وقال البيهقي في الدلائل (2/ 70): (قال أبو عبد الله - الحاكم - قرأت بخط أبي بكر بن أبي خيثمة، قال: حدثنا مصعب بن عبد الله الزبيري قال: ... ثم بلغت خديجة خمسا وستين سنة، ويقال: خمسين سنة. وهو أصح). وقال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في البداية والنهاية (2/ 295): (... وهكذا نقل البيهقي عن الحاكم أنه كان عمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين تزوج خديجة خمساً وعشرين سنة، وكان عمرها إذ ذاك خمساً وثلاثين، وقيل: خمساً وعشرين). وقال - رحمه الله - عند الحديث عن زوجاته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - البداية والنهاية (5/ 293): (وعن حكيم بن حزام قال: كان عمرها أربعين سنة. وعن ابن عباس: كان عمرها ثماني وعشرين سنة. رواهما ابن عساكر). قال الدكتور أكرم العمري - حفظه الله - في السيرة الصحيحة (1/ 111): (وقد أنجبت خديجة - رضي الله عنها - من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذكرين وأربع إناث مما يرجح رواية ابن إسحاق (أي أنها في الثامنة والعشرين)، فالغالب أن المرأة تبلغ سن اليأس من الإنجاب قبل الخمسين).

السيرة الإجمالية قبل النبوة

السيرة الإجمالية قبل النبوة قوله: (قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ما هممت بشيء مما كان أهل الجاهلية يعملون غير مرتين، كل ذلك يحول الله بيني وبينه، ثم ما هممت به حتى أكرمني برسالته، قلت ليلة للغلام الذي يرعى معي الغنم بأعلى مكة: لو أبصرت لي غنمي حتى أدخل مكة وأسمر بها كما يسمر الشباب، فقال: أفعل، فخرجت حتى إذا كنت عند أول دار بمكة سمعت عزفًا، فقلت: ما هذا؟ فقالوا: عرس فلان بفلانة، فجلست أسمع، فضرب الله على أذني فنمت، فما أيقظني إلا حر الشمس. فعدت إلى صاحبي فسألني، فأخبرته، ثم قلت ليلة أخرى مثل ذلك، ودخلت بمكة فأصابني مثل أول ليلة ... ثم ما هممت بسوء). اختلفوا في صحة هذا الحديث فصححه الحاكم والذهبي وضعفه ابن كثير في البداية والنهاية 2/ 287. التعليق: ضعيف. قال الألباني - رحمه الله - في كتابه دفاع عن الحديث النبوي والسيرة ص (14): (رواه ابن الأثير ورواه الحاكم عن علي بن أبي طالب، وقال عنه: صحيح على شرط مسلم. ورواه الطبراني من حديث عمار بن ياسر) قلت: هذا الحديث ضعيف واغترار الدكتور (¬1) بتصحيح الحاكم له على شرط مسلم مما يدل على أنه لا علم عنده بتساهل الحاكم في التصحيح في كتابه (المستدرك) كما هو معلوم لدى المشتغلين بهذا العلم الشريف وكتب المصطلح طافحة بالتنبيه على ذلك قال السيوطي في ألفيته: ¬

(¬1) المراد بالدكتور في كلام الألباني في كتابه دفاع عن الحديث النبوي والسيرة (محمد سعيد رمضان البوطي).

فترة الوحي

(وكم به تساهل حتى ورد ... فيه مناكر وموضوع يرد) ولذلك وضع عليه الحافظ الذهبي كتابه (التلخيص) وتعقبه في مئات الأحاديث الموضوعة التي رواها الحاكم في (المستدرك) على أنه يشايعه أحيانا على تصحيح بعض الأحاديث ويكون قد نص في بعض كتبه الأخرى على ضعفها ولهذا الإسناد علتان شرحتهما في (تخريج فقه السيرة للغزالي) (ص 32 - 33) ونقلت هناك عن الحافظ ابن كثير أنه قال: (وهذا حديث غريب جداً وقد يكون عن علي نفسه يعني موقوفاً عليه) وأما حديث الطبراني عن عمار ففيه جماعة لا يعرفون كما قال الهيثمي في (المجمع) وذكرته في (التخريج) المذكور (¬1) والدكتور - عافانا الله تعالى - وإياه قد وقف عليه ومنه لخص تخريجه للحديث إلا قوله: (رواه ابن الأثير) فهو من عنده ويعني من تاريخه وأنا أترفع عن مثل هذا العزو لأنه ليس من شيمة المحققين الاعتماد على الأخبار المرسلة والمعضلة التي ترسل إرسالاً بدون إسناد لاسيما إذا كان مثل هذا الحديث الذي لا يتفق مع كماله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعصمته على الرغم مما وجهه به حضرة الدكتور (ص 39 - 40) وتأوله به فإن التأويل فرع التصحيح ونحن بحاجة أن نسد بعض الثغرات التي ينفذ منها المغرضون على اختلاف مذاهبهم بالنقد العلمي الحديثي الصحيح فإذا لم يصح الحديث فلا مبرر حينئذ للتأويل اتفاقاً). فترة الوحي 1 - قوله: (أقول: فهذا يفيد أن الوحي الذي نزل عليه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد الفترة إنما نزل في أول يوم من شهر شوال بعد نهاية شهر رمضان الذي تشرف فيه بالنبوة والوحي؛ لأنه كان آخر مجاورة له بحراء، وإذا ثبت أن أول نزول الوحي كان في ليلة الاثنين الحادية عشرة من شهر رمضان فإن هذا يعنى أن فترة الوحي كانت لعشرة أيام فقط. وأن الوحي ¬

(¬1) وأزيد هنا فأقول: إن حديث عمار مخالف لحديث علي فإن فيه: (. . . على معاديه أما أحدهما فغلبتني عيني وأما الآخر فحال بيني وبينه سامر قومي).

نزل بعدها صبيحة يوم الخميس لأول شوال من السنة الأولى من النبوة. ولعل هذا هو السر في تخصيص العشر الأواخر من رمضان بالمجاورة والاعتكاف، وفي تخصيص أول شهر شوال بالعيد السعيد، والله أعلم). التعليق: خطأ في التاريخ. لا يخفى التناقض الموجود في كلام المؤلف، كيف ينزل القرآن في ليلة الاثنين الحادية عشرة من شهر رمضان ثم ينقطع لعشرة أيام، وينزل صبيحة يوم الخميس لأول شوال من السنة الأولى من النبوة؛ مما يدل أنه حصل خطأ في تاريخ نزول القرآن، والصواب أنه في الحادي والعشرين من رمضان على حسب كلام المؤلف وحساباته. ثم وجدت في كتاب روضة الأنوار في سيرة النبي المختار للمؤلف ص (28).الطبعة الخامسة. من مطبوعات وزارة الشؤون الإسلامية بالسعودية. أنه يقول: (وحيث إن ليلة القدر تقع في وتر من ليالي العشر الأواخر من رمضان، وقد ثبت علمياً أن يوم الاثنين في رمضان من تلك السنة إنما وقع في اليوم الحادي والعشرين من رمضان سنة إحدى وأربعين من مولده - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -). وبهذا يتضح الخطأ الموجود في الرحيق المختوم، وأن الصواب ما ذكره المؤلف في كتابه روضة الأزهار؛ فليصحح. 2 - قوله: (وقد بقى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أيام الفترة كئيبًا محزونًا تعتريه الحيرة والدهشة، فقد روى البخاري في كتاب التعبير ما نصه: وفتر الوحي فترة حزن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما بلغنا حزنًا عدا منه مرارًا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوْفى بذِرْوَة جبل لكي يلقي نفسه منه تَبدَّى له جبريل فقال: يا محمد، إنك رسول الله حقًا، فيسكن لذلك جأشه، وتَقَرّ نفسه، فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة الجبل تبدى له جبريل فقال له مثل ذلك).

التعليق: لا يصح. قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في فتح الباري (12/ 359 - 360): (وقوله هنا: (فترة حتى حزن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما بلغنا) هذا وما بعده من زيادة معمر على رواية عقيل ويونس. وصنيع المؤلف يوهم أنه داخل في رواية عقيل، وقد جرى على ذلك الحميدي في جمعه فساق الحديث إلى قوله: "وفتر الوحي" ثم قال: انتهى حديث عقيل المفرد عن ابن شهاب إلى حيث ذكرنا، وزاد عنه البخاري في حديثه المقترن بمعمر عن الزهري فقال: (وفتر الوحي فترة حتى حزن) فساقه إلى آخره، والذي عندي أن هذه الزيادة خاصة برواية معمر، فقد أخرج طريق عقيل أبو نعيم في مستخرجه من طريق أبي زرعة الرازي عن يحيى بن بكير شيخ البخاري فيه في أول الكتاب بدونها، وأخرجه مقروناً هنا برواية معمر وبين أن اللفظ لمعمر وكذلك صرح الإسماعيلي أن الزيادة في رواية معمر، وأخرجه أحمد ومسلم والإسماعيلي وغيرهم وأبو نعيم أيضاً من طريق جمع من أصحاب الليث عن الليث بدونها، ثم إن القائل فيما بلغنا هو الزهري، ومعنى الكلام أن في جملة ما وصل إلينا من خبر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذه القصة وهو من بلاغات الزهري وليس موصولا. وقال الكرماني: هذا هو الظاهر ويحتمل أن يكون بلغه بالإسناد المذكور، ووقع عند ابن مردويه في التفسير من طريق محمد بن كثير عن معمر بإسقاط قوله: (فيما بلغنا) ولفظه: (فترة حزن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منها حزناً غدا منه) إلى آخره، فصار كله مدرجاً على رواية الزهري وعن عروة عن عائشة، والأول هو المعتمد ...). قال الألباني - رحمه الله - في كتابه دفاع عن الحديث النبوي والسيرة ص (40 - 41): (قلت: هذا العزو للبخاري خطأ فاحش ذلك لأنه يوهم أن قصة التردي هذه صحيحة على شرط البخاري وليس كذلك وبيانه أن البخاري أخرجها في آخر حديث عائشة في بدء الوحي الذي ساقه الدكتور (1/ 51 - 53) وهو عند البخاري

في أول (التعبير) (12/ 297 - 304 فتح) من طريق معمر: قال الزهري: فأخبرني عروة عن عائشة. . . فساق الحديث إلى قوله: (وفتر الوحي) وزاد الزهري: (حتى حزن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما بلغنا - حزناً غدا منه مرارا، كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل؛ لكي يلقى منه نفسه تبدى له جبريل فقال: يا محمد! إنك رسول الله حقاً؛ فيسكن لذلك جأشه، وتقر نفسه فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي، غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل فقال له مثل ذلك) وهكذا أخرجه بهذه الزيادة أحمد (6/ 232 - 233)، وأبو نعيم في (الدلائل) (ص 68 - 69)، والبيهقي في (الدلائل) (1/ 393 - 395) من طريق عبد الرزاق عن معمر به. ومن هذه الطريق أخرجه مسلم (1/ 98) لكنه لم يسق لفظه، وإنما أحال به على لفظ رواية يونس عن ابن شهاب، وليس فيه الزيادة، وكذلك أخرجه مسلم، وأحمد (6/ 223) من طريق عقيل بن خالد: قال ابن شهاب به دون الزيادة، وكذلك أخرجه البخاري في أول الصحيح عن عقيل به. قلت: ونستنتج مما سبق أن لهذه الزيادة علتين: الأولى: تفرد معمر بها دون يونس وعقيل؛ فهي شاذة. الأخرى: أنها مرسلة معضلة؛ فإن القائل: (فيما بلغنا) إنما هو الزهري كما هو ظاهر من السياق وبذلك جزم الحافظ في (الفتح) (12/ 302) وقال: (وهو من بلاغات الزهري وليس موصولا) قلت: وهذا مما غفل عنه الدكتور، أوجهله فظن أن كل حرف في (صحيح البخاري) هو على شرطه في الصحة، ولعله لا يفرق بين الحديث المسند فيه والمعلق، كما لم يفرق بين

الرعيل الأول

الحديث الموصول فيه والحديث المرسل الذي جاء فيه عرضا كحديث عائشة هذا الذي جاءت في آخره هذه الزيادة المرسلة، واعلم أن هذه الزيادة لم تأت من طريق موصولة يحتج بها). قال الألباني - رحمه الله - أيضا في كتابه السلسلة الضعيفة (3/ 163) حديث رقم (1053): (وخلاصة القول: أن هذا الحديث ضعيف لا يصح، لا عن ابن عباس، ولا عن عائشة، ولذلك نبهت في تعليقي على كتابي (مختصر صحيح البخاري) (1/ 5) على أن بلاغ الزهري هذا ليس على شرط البخاري كي لا يغتر أحد من القراء بصحته لكونه في (الصحيح). والله الموفق). انظر: - السلسلة الضعيفة والموضوعة للألباني حديث رقم (4858). - السيرة النبوية الصحيحة للعمري (1/ 127). - رد شبهات حول عصمة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ضوء السنة النبوية الشريفة رسالة دكتواره لعماد السيد محمد إسماعيل الشربيني ط. دار اليقين. الرعيل الأول قوله: (جَمْعٌ عُرِفوا في التاريخ الإسلامي بالسابقين الأولين، وفي مقدمتهم زوجة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، ومولاه زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي (1) وابن عمه علي بن أبي طالب - وكان صبيًا يعيش في كفالة الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصديقه الحميم أبو بكر الصديق. أسلم هؤلاء في أول يوم الدعوة). 1 - قال في الهامش: كان قد أسر ورق، فملكته خديجة، ووهبته لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وجاءه أبوه وعمه ليذهبا به إلى قومه وعشيرته، فاختار عليهما رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فتبناه حسب قواعد العرب، وكان لذلك يقال: زيد بن محمد، حتى جاء الإسلام فأبطل التبني. قتل شهيداً يوم مؤتة في جمادى الأولى سنة 8 هـ وهو أمير جيش المسلمين.

التعليق: ينقسم إلى ثلاثة أنواع: الأول: قصة وقوع زيد بن حارثة في الأسر والرق ..... ومجيء أهله لأخذه. فالحديث ضعيف كما قال الحافظ ابن حجر في التهذيب (11/ 79)، ومحقق سيرة ابن هشام (1/ 318 - 319) حيث قال: أخرجه الطبراني (4651) بسنده عن ابن إسحاق من قوله، ولم يسنده ابن إسحاق بل أورده معلقاً، وساقه الكلبي، وحميد بن مرثد وغيرهما من غير أسانيد كما في الإصابة (3/ 25)، وأورده ابن الأثير (2/ 282) في أسد الغابة، ولم يسنده، وأخرجه ابن عبدالبر (2/ 543) في الاستيعاب، وسنده ضعيف جداً. ففي سنده ابن الكلبي، قال الدارقطني وغيره: متروك. وقال أحمد بن حنبل: ما ظننت أن أحداً يحدث عنه، وجميل بن يزيد في عداد المجهولين. الثاني: أن الذي جاء لأخذ زيد أخوه وليس أباه وعمه كما ذكر المؤلف ويتضح ذلك بمراجعة سنن الترمذي حديث رقم (3815) عن أبي عمرو الشيباني قال: أخبرني جبلة بن حارثة أخو زيد قال: قدمت على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: يا رسول الله! ابعث معي أخي زيداً. قال: هو ذا. قال: فإن انطلق معك لم أمنعه. قال زيد: يا رسول الله! والله لا أختار عليك أحداً. قال: فرأيت رأي أخي أفضل من رأيي. قال الترمذي: (هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن الرومي، عن علي بن مسهر). حسنه الألباني والعمري. الثالث: تبني الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لزيد بن حارثة فهذه ثابتة في القرآن الكريم وصحيح السنة. قال تعالى: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما) (الأحزاب: 40)

الصلاة

روى البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله) عن ابن عمر - رضي الله عنه - أن زيد بن حارثة مولى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد، حتى نزل القرآن: (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله). رواه مسلم أيضاً، والترمذي، والنسائي. الصلاة 1 - قوله: (وروى الحارث بن أبي أسامة من طريق ابن لَهِيعَة موصولًا عن زيد بن حارثة: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أول ما أوحي إليه أتاه جبريل، فعلمه الوضوء، فلما فرغ من الوضوء أخذ غرفة من ماء فنضح بها فرجه، وقد رواه ابن ماجه بمعناه، وروي نحوه عن البراء بن عازب وابن عباس، وفي حديث ابن عباس: وكان ذلك من أول الفريضة. التعليق: الحديث ضعيف. قال أبو الحسن ابن القطان في كتابه بيان الوهم والإيهام في كتاب الأحكام (2/ 81) ط. دار طيبة، الرياض: (وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار حَدِيث زيد بن حَارِثَة أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - فِي أول مَا أُوحِي إِلَيْهِ أَتَاهُ جِبْرِيل - عَلَيْهِ السَّلَام - فَعلمه الْوضُوء، فَلَمَّا فرغ أَخذ حفْنَة من مَاء فنضح بهَا فرجه. ثمَّ قَالَ: هَذَا يرويهِ عبد الله بن لَهِيعَة، وَهُوَ ضَعِيف عِنْدهم، وَقد رُوِيَ أَيْضاً من طَرِيق رشدين بْن سعد بِسَنَدِهِ إِلَى زيد بن حَارِثَة، وَهُوَ ضَعِيف). ورواه الإمام أحمد في مسنده حديث رقم (17515). وقال شعيب الأرناؤوط: (حديث ضعيف، في إسناده ابن لهيعة وهو سيئ الحفظ). وقال الإمام ابن الجوزي في كتابه العلل المتناهية (1/ 354) ط. دارالكتب العلمية: (ابن لهيعة، ورشدين ضعيفان).

وقال الحافظ ابن عبد الهادي المقدسي في كتابه تعليقة على علل ابن أبى حاتم (34) ط. أضواء السلف: (وقال أبو أحمد بن عدي في الكامل: حدثنا أحمد بن محمد بن خالد البراثي، ثنا كامل بن طلحة، ثنا ابن لهيعة، عن عقيل، عن الزهري، عن عروة، عن أسامة بن زيد، عن أبيه قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما أراني جبريل وضوء الصلاة أخذ كفاً من ماء فنضح به فرجه. قال ابن عدي: (وهذا الحديث بهذا الإسناد لا أعلم يرويه غير ابن لهيعة، عن عقيل، عن الزهري). وقال ابن أبي حاتم: (سألت أبي عن حديث رواه ابن لهيعة، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة، عن أسامة بن زيد، عن أبيه، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن جبريل - عليه السلام - أتاه فأراه الوضوء فلما فرغ نضح فرجه. فقال أبي: (هذا حديث كذب باطل). قلت: وقد كان أبو زرعة أخرج هذا الحديث في كتاب المختصر عن ابن أبي شيبة، عن الأشيب، عن ابن لهيعة فظننت أنه أخرجه قديماً للمعرفة. انتهى ما ذكره). 2 - قوله: (وقد ذكر ابن هشام أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه كانوا إذا حضرت الصلاة ذهبوا في الشعاب فاستخفوا بصلاتهم من قومهم، وقد رأي أبو طالب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعليّا يصليان مرة، فكلمهما في ذلك، ولما عرف جلية الأمر أمرهما بالثبات). التعليق: ضعيف. قال محقق سيرة ابن هشام (1/ 317): (ضعيف. أورده تعليقاً، وأخرجه الطبري (2/ 313) بسنده عن ابن إسحق).

الدعوة في الأقربين

الدعوة في الأقربين قوله: (ودعا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عشيرته بني هاشم بعد نزول هذه الآية، فجاءوا ومعهم نفر من بني المطلب بن عبد مناف، فكانوا نحو خمسة وأربعين رجلًا. فلما أراد أن يتكلم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بادره أبو لهب وقال: هؤلاء عمومتك وبنو عمك فتكلم، ودع الصباة، واعلم أنه ليس لقومك بالعرب قاطبة طاقة، وأنا أحق من أخذك، فحسبك بنو أبيك، وإن أقمت على ما أنت عليه فهو أيسر عليهم من أن يثب بك بطون قريش، وتمدهم العرب، فما رأيت أحدًا جاء على بني أبيه بشر مما جئت به، فسكت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يتكلم في ذلك المجلس. ثم دعاهم ثانية وقال: (الحمد لله، أحمده وأستعينه، وأومن به، وأتوكل عليه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له). ثم قال: (إن الرائد لا يكذب أهله، والله الذي لا إله إلا هو، إنى رسول الله إليكم خاصة وإلى الناس عامة، والله لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ولتحاسبن بما تعملون، وإنها الجنة أبدًا أو النار أبدًا). فقال أبو طالب: ما أحب إلينا معاونتك، وأقبلنا لنصيحتك، وأشد تصديقًا لحديثك. وهؤلاء بنو أبيك مجتمعون، وإنما أنا أحدهم، غير أني أسرعهم إلى ما تحب، فامض لما أمرت به. فوالله، لا أزال أحوطك وأمنعك، غير أن نفسي لا تطاوعني على فراق دين عبد المطلب. فقال أبو لهب: هذه والله السوأة، خذوا على يديه قبل أن يأخذ غيركم، فقال أبو طالب: والله لنمنعه ما بقينا). التعليق: مرسل ضعيف.

المجلس الاستشاري لكف الحجاج عن استماع الدعوة

قال العلامة الألباني في تخريجه لفقه السيرة للغزالي - رحمهما الله - ص (97) ط. دارالقلم. دمشق. الطبعة الثالثة: (لم أجد في الرواة هذا الراوي وإنما فيهم (جعفر بن عبد الله بن الحكم) وهو أنصاري أوسي تابعي صغير يروي عن أنس والتابعين فإذا كان هو هذا، فالإسناد مرسل ضعيف، ولم أقف على إسناده إليه، وإن كان غيره فلم أعرفه). وضعفه الدكتور أكرم العمري في السيرة الصحيحة (1/ 142). المجلس الاستشاري لكف الحجاج عن استماع الدعوة قوله: (... وتفيد بعض الروايات أن الوليد لما رد عليهم كل ما عرضوا له، قالوا: أرنا رأيك الذي لا غضاضة فيه، فقال لهم: أمهلوني حتى أفكر في ذلك، فظل الوليد يفكر ويفكر حتى أبدى لهم رأيه الذي ذكر آنفًا. وفي الوليد أنزل الله تعالى ست عشرة آية من سورة المدثر {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا وَبَنِينَ شُهُودًا وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَفَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِسَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [من 11إلى 26] وفي خلالها صور كيفية تفكيره، فقال: {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر: 18: 25] التعليق: الحديث ضعيف. قال العلامة مقبل بن هادي الوادعي - رحمه الله - في الصحيح المسند من أسباب النزول ص (251) ط. مكتبة ابن تيمية:

قريش يهددون أبا طالب

(هكذا رواه البيهقي عن الحاكم أبي عبد الله (¬1) عن محمد بن علي الصنعاني بمكة عن إسحاق به وقد رواه حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة مرسلا) ا. هـ. قال أبو عبد الرحمن: (والظاهر ترجيح المرسل؛ لأن حماد بن زيد أثبت الناس في أيوب، وأيضا معمر قد اختلف عليه في كما في دلائل النبوة للبيهقي ج2 ص199 فالحديث ضعيف، والله أعلم). قريش يهددون أبا طالب قوله: (وجاءت سادات قريش إلى أبي طالب فقالوا له: يا أبا طالب، إن لك سنًا وشرفًا ومنزلة فينا، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا، وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وعيب آلهتنا، حتى تكفه عنا، أو ننازله وإياك في ذلك، حتى يهلك أحد الفريقين. عَظُم على أبي طالب هذا الوعيد والتهديد الشديد، فبعث إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال له: يا ابن أخي، إن قومك قد جاءوني فقالوا لي كذا وكذا، فأبق عليَّ وعلى نفسك، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق، فظن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن عمه خاذله، وأنه ضعُف عن نصرته، فقال: (يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر - حتى يظهره الله أو أهلك فيه - ما تركته)، ثم استعبر وبكى، وقام، فلما ولى ناداه أبو طالب، فلما أقبل قال له: اذهب يا ابن أخي، فقل ما أحببت، فو الله لا أُسْلِمُك لشيء أبدًا وأنشد: والله لن يصلوا إليك بجَمْعِهِم ... حتى أُوَسَّدَ في التراب دفينًا فاصدع بأمرك ما عليك غَضَاضَة ... وابْشِرْ وقَرَّ بذاك منك عيونًا وذلك في أبيات). ¬

(¬1) الذي في البداية والنهاية عن عبد الله بن محمد الصنعاني، والذي في المستدرك هو ما أثبتناه، وكذا في الدلائل للبيهقي. وهذا الحديث رواه الحاكم ج2 ص507، وقال صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه، وأقره الذهبي، ورواه البيهقي ج1 ص56 من دلائل النبوة. (قاله الوادعي).

قريش بين يدي أبي طالب مرة أخرى

التعليق: إسناده ضعيف. قال الألباني - رحمه الله - في كتابه السلسلة الضعيفة (2/ 311) ح رقم (909): (وهذا إسناد ضعيف معضل، يعقوب بن عتبة هذا من ثقات أتباع التابعين، مات سنة ثمان وعشرين ومائة. وقد وجدت للحديث طريقاً أخرى بسند حسن لكن بلفظ: (ما أنا بأقدر على أن أدع لكم ذلك، على أن تستشعلوا لي منها شعلة يعني الشمس). وقد خرجته في (الأحاديث الصحيحة) رقم (92). قريش بين يدي أبي طالب مرة أخرى قوله: (ولما رأت قريش أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ماض في عمله عرفت أن أبا طالب قد أبى خذلان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأنه مجمع لفراقهم وعداوتهم في ذلك، فذهبوا إليه بعمارة بن الوليد بن المغيرة وقالوا له: يا أبا طالب!، إن هذا الفتى أنْهَدَ فتى في قريش وأجمله، فخذه فلك عقله ونصره، واتخذه ولدًا فهو لك، وأسْلِمْ إلينا ابن أخيك هذا الذي خالف دينك ودين آبائك، وفرق جماعة قومك، وسفه أحلامهم، فنقتله، فإنما هو رجل برجل، فقال: والله لبئس ما تسومونني، أتعطوني ابنكم أغذوه لكم، وأعطيكم ابني تقتلونه؟ هذا والله ما لا يكون أبدًا. فقال المطعم بن عدى بن نوفل ابن عبد مناف: والله يا أبا طالب! لقد أنصفك قومك، وجهدوا على التخلص مما تكره، فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئًا، فقال: والله ما أنصفتموني، ولكنك قد أجمعت خذلاني ومظاهرة القوم علىّ، فاصنع ما بدا لك). التعليق: مرسل بلا إسناد. قال أخونا الفاضل الشيخ: محمد بن عبد الله العوشن - حفظه الله - في كتابه (ما شاع ولم يثبت في السيرة) ص (32):

اعتداءات على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

(هذا مرسل ساقه ابن إسحاق بدون إسناد. ورواه ابن سعد في الطبقات عن شيخه محمد بن عمر الواقدي. ذكرها الذهبي في السيرة عن ابن إسحاق). اعتداءات على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قوله: (قال ابن إسحاق: كان النفر الذين يؤذون رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بيته أبا لهب، والحكم بن أبي العاص بن أمية، وعقبة بن أبي معيط، وعدى بن حمراء الثقفي، وابن الأصداء الهذلي - وكانوا جيرانه - لم يسلم منهم أحد إلا الحكم بن أبي العاص، فكان أحدهم يطرح عليه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رحم الشاة وهو يصلي، وكان أحدهم يطرحها في برمته إذا نصبت له، حتى اتخذ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حجرًا ليستتر به منهم إذا صلى فكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا طرحوا عليه ذلك الأذى يخرج به على العود، فيقف به على بابه، ثم يقول: (يا بني عبد مناف، أي جوار هذا؟) ثم يلقيه في الطريق). التعليق: الحديث موضوع. قال الألباني - رحمه الله - في كتابه السلسلة الضعيفة (9/ 175) ح رقم (4151): (كنت بين شر جارين، بين أبي لهب وعقبة بن أبي معيط، إن كانا ليأتيان بالفروث فيطرحانها على بابي؛ حتى إنهم ليأتون ببعض ما يطرحونه من الأذى فيطرحونه على بابي). موضوع: أخرجه ابن سعد في (الطبقات) (1/ 201) قال: أخبرنا محمد بن عمر: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة مرفوعاً، وزاد: (فيخرج به رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيقول: يا بني عبد مناف! أي جوار هذا! ثم يلقيه بالطريق). قلت: وهذا إسناد موضوع؛ آفته محمد بن عمر - وهو الواقدي -؛ كذبه الإمام أحمد وغيره).

الهجرة الأولى إلى الحبشة

الهجرة الأولى إلى الحبشة 1 - قوله: (وفي رجب سنة خمس من النبوة هاجر أول فوج من الصحابة إلى الحبشة. كان مكونًا من اثنى عشر رجلًا وأربع نسوة، رئيسهم عثمان بن عفان، ومعه زوجته رقية بنت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيهما: (إنهما أول بيت هاجر في سبيل الله بعد إبراهيم ولوط عليهما السلام). التعليق: الحديث منكر. قال الشيخ أبو إسحاق الحويني - حفظه الله - في كتابه النافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلة، ط. دار الصحابة للتراث، حديث رقم (33): (إن عثمان أول من هاجر إلى الله بأهله بعد لوط). منكر. أخرجه يعقوب بن سفيان في (المعرفة) (3/ 255)، وابن أبي عاصم في (السنة) (2/ 596)، وفي (الأوائل) (ق 15/ 1)، والطبراني في (الكبير) (143/ 1/ 47)، والبيهقي في (الدلائل) - كما في (البداية والنهاية) (3/ 66) - وكذا أبو يعلى في (مسنده)، وابن مردويه - كما في (الدر المنثور) (5/ 144) - من طريق بشار بن موسى الحفاف، ثنا الحسن بن زياد، إمام مسجد محمد بن واسع، قال: سمعت قتادة يقول: ثنا النضر بن أنس، عن أنس قال: خرج عثمان مهاجراً إلى أرض الحبشة ومعه ابنة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فلما احتبس عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - خبرهم فكان يخرج فيتوكف عنهم الخبر، فجاءته امرأة فأخبرته، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (صحبهما الله، إن عثمان ... فذكره. قلت: وسنده ضعيف جداً. فأما بشار بن موسى فضعفه الأكثرون. قال ابن معين، والنسائي: (ليس بثقة). وزاد ابن معين (من الدجالين)! وضعفه أبو زرعة، وأبو داود، وابن المديني، وعمرو بن علي وقال البخاري: (منكر الحديث، قد رأيته، وكتبت عنه، وتركت حديثه). وأما أحمد فكان حسن الرأي فيهِ، هذا لا يقدم إِلى قول الجارحين وإن

جنح إليه ابن عدي. والحسن بن زياد ليس هو اللؤلؤي الكذاب، صاحب أبي حنيفة، وإنما هو البرجمي، قال الهيثمي في (المجمع) (9/ 81): (لم أعرفه). وله شاهد من حديث أسماء بنت أبي بكر، قالت: (كنت أحمل الطعام إلى أبي وهو مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بالغار، فاستأذنه عثمان في الهجرة، فأذن له في الهجرة إلى الحبشة، فحملت الطعام فقال لي: ما فعل عثمان ورقية؟ قلْتُ: قدْ سار، فالتفت إلى أبي بكر وقال: (والذي نفسي بيده، إنه أول من هاجر بعد إبراهيم ولوط). (أخرجه ابن منده في (الصحابة) عن هشام بن عروة، عن أبيه، عنها قالَ الحافظ في (الإصابة) (7/ 649 - 650): (سنده واه، وفي هذا السياق من النكارة أن هجرة عثمان إِلى الحبشة كانت حين هجرة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ وهذا باطل؛ إلا أن كان المراد بالغار غير الذي كانا فيه لما هاجرا إلى المدينة!!، والذي عليه أهل السير أن عثمان رجع إلى مكة من الحبشة مع من رجع، ثم هاجر بأهله إلى المدينة، ومرضت بالمدينة لما خرج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى بدر، فتخلف عثمان عليها عن بدر، فماتت يوم وصول زيد بن حارثة مبشراً بوقعة بدر ...). أهـ‍. قلت: وهذا تحقيق بديع من الحافظ - رحمه الله -، غير قوله: (إلا أن كان المراد بالغار ...). فهذا احتمال فيه تعسف وتكلف، لأنه يخالف الحقائق الثابتة في السيرة. والله أعلم. وبالجملة: فالحديث منكر. ولا يغتر بإيراد الحافظ له في (الفتح) (7/ 188) ساكتاً عليه، بل كأنه احتج به!! فإنه خلاف التحقيق. والذي تحرر عندي أنه ليس كل حديث يسكت عليه الحافظ في (الفتح) يكون حسناً أو نحوه كما صرح هو بذلك، فقد أخل بشرطه هذا في مواضع كثيرة ... وعذره: أن الشارح قد يشترط على نفسه شرطاً فيوفى به زمناً، ثم لا ينشط لتحقيق كل حديث لاسيما في مثل (فتح الباري) فإن فيه جمهرة كثيرة من الأحاديث، وتحري إيراد الثابت منها أمر لعله يصعب حتى على مثل الحافظ ابن حجر مع سعة دائرة حفظه، وجودة علمه، والإحاطة لله تعالى وحده. ولعله يكون عذراً مقبولاً. والله تعالى أعلم).

سجود المشركين مع المسلمين وعودة المهاجرين

سجود المشركين مع المسلمين وعودة المهاجرين قوله: (وسَقَطَ في أيديهم لما أحسوا أن جلال كلام الله لَوَّى زمامهم، فارتكبوا عين ما كانوا يبذلون قصارى جهدهم في محوه وإفنائه، وقد توالى عليهم اللوم والعتاب من كل جانب، ممن لم يحضر هذا المشهد من المشركين، وعند ذلك كذبوا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وافتروا عليه أنه عطف على أصنامهم بكلمة تقدير، وأنه قال عنها ما كانوا يرددونه هم دائما من قولهم: (تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهم لترتجى)، جاءوا بهذا الإفك المبين ليعتذروا عن سجودهم مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وليس يستغرب هذا من قوم كانوا يألفون الكذب، ويطيلون الدس والافتراء. وبلغ هذا الخبر إلى مهاجري الحبشة، ولكن في صورة تختلف تمامًا عن صورته الحقيقية، بلغهم أن قريشًا أسلمت، فرجعوا إلى مكة في شوال من نفس السنة، فلما كانوا دون مكة ساعة من نهار وعرفوا جلية الأمر رجع منهم من رجع إلى الحبشة، ولم يدخل في مكة من سائرهم أحد إلا مستخفيًا، أو في جوار رجل من قريش). التعليق: القصة باطلة. قال العلامة المفسر محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله - في أضواء البيان (5/ 286 - 288) ط. دار الفكر. بيروت: (اعلم: أن مسألة الغرانيق مع استحالتها شرعاً، ودلالة القرآن على بطلانها لم تثبت من طريق صالح للاحتجاج، وصرح بعدم ثبوتها خلق كثير من علماء الحديث كما هو الصواب، والمفسرون يروون هذه القصة عن ابن عباس من طريق الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس. ومعلوم أن الكلبي متروك، وقد بين البزار - رحمه الله -: أنها لا تعرف من طريق يجوز ذكره إلا طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير، مع الشك الذي وقع في وصله، وقد اعترف الحافظ ابن حجر مع انتصاره، لثبوت هذه القصة بأن طرقها كلها إما منقطعة أو ضعيفة إلا طريق سعيد بن جبير.

وإذا علمت ذلك فاعلم أن طريق سعيد بن جبير، لم يروها بها أحد متصلة إلا أمية بن خالد، وهو وإن كان ثقة فقد شك في وصلها. فقد أخرج البزار وابن مردويه من طريق أمية بن خالد عن شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس فيما أحسب، ثم ساق حديث القصة المذكورة، وقال البزار: لا يروى متصلاً إلا بهذا الإسناد، تفرد بوصله أمية بن خالد، وهو ثقة مشهور، وقال البزار: وإنما يروى من طريق الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس. والكلبي متروك. فتحصل أن قصة الغرانيق، لم ترد متصلة إلا من هذا الوجه الذي شك راويه في الوصل، ومعلوم أن ما كان كذلك لا يحتج به لظهور ضعفه، ولذا قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: إنه لم يرها مسندة من وجه صحيح. وقال الشوكاني في هذه القصة: ولم يصح شيء من هذا، ولا يثبت بوجه من الوجوه، ومع عدم صحته، بل بطلانه فقد دفعه المحققون بكتاب الله كقوله: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ} [الحاقة: 44] وقوله: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3]. وقوله: {وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً} [الإسراء: 74] فنفي المقاربة للركون فضلاً عن الركون، ثم ذكر الشوكاني عن البزار أنها لا تروى بإسناد متصل، وعن البيهقي أنه قال: هي غير ثابتة من جهة النقل، وذكر عن إمام الأئمة ابن خزيمة: أن هذه القصة من وضع الزنادقة وأبطلها ابن العربي المالكي، والفخر الرازي وجماعات كثيرة، وقراءته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سورة النجم وسجود المشركين ثابت في الصحيح، ولم يذكر فيه شيء من قصة الغرانيق. وعلى هذا القول الصحيح وهو أنها باطلة فلا إشكال. وأما على ثبوت القصة كما هو رأي الحافظ ابن حجر فإنه قال في فتح الباري: إن هذه القصة ثابتة بثلاثة أسانيد كلها على شرط الصحيح، وهي مراسيل يحتج بمثلها من

يحتج بالمرسل، وكذلك من لا يحتج به لاعتضاد بعضها ببعض، لأن الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها، دل ذلك على أن لها أصلاً. فللعلماء عن ذلك أجوبة كثيرة أحسنها، وأقربها: أن النَّبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يرتل السورة ترتيلاً تتخلله سكتات، فلما قرأ {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} [النجم: 20] قال الشيطان - لعنه الله - محاكياً لصوته: تلك الغرانيق العلى ... إلخ فظن المشركون أن الصوت صوته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو بريء من ذلك براءة الشمس من اللمس، وقد أوضحنا هذه المسألة في رحلتنا إيضاحاً وافياً، واختصرناها هنا، وفي كتابنا: دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب. والحاصل: أن القرآن دل على بطلانها، ولم تثبت من جهة النقل، مع استحالة الإلقاء على لسانه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما ذكر شرعاً، ومن أثبتها نسب التلفظ بذلك الكفر للشيطان. فتبين أن نطق النَّبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذلك الكفر، ولو سهواً مستحيل شرعاً، وقد دل القرآن على بطلانه، وهو باطل قطعاً على كل حال، والغرانيق: الطير البيض المعروفة واحدها: غرنوق كزنبور وفردوس، وفيه لغات غير ذلك، يزعمون أن الأصنام ترتفع إلى الله كالطير البيض، فتشفع عنده لعابديها قبحهم الله ما أكفرهم). قال العلامة المفسر محمد الطاهر بن عاشور التونسي في التحرير والتنوير من التفسير سورة الحج: الآية (52) وما بعدها: (وكذلك تركيب تلك القصة على آية سورة الحج. وكم بين نزول سورة النجم التي هي من أوائل السور النازلة بمكة وبين نزول سورة الحج التي بعضها من أول ما نزل بالمدينة وبعضها من آخر ما نزل بمكة. وكذلك ربط تلك القصة بقصة رجوع من رَجع من مهاجرة الحبشة. وكم بين مدّة نزول سورة النجم وبين سنة رجوع من رجع من مهاجرة الحبشة.

إسلام حمزة - رضي الله عنه -

فالوجه: أن هذه الشائعة التي أشيعت بين المشركين في أول الإسلام، إنما هي من اختلاقات المستهزئين من سفهاء الأحلام بمكة مثل ابن الزبعرى، وأنهم عمدوا إلى آية ذُكرت فيها اللات والعُزّى ومناةَ فركّبوا عليها كلمات أخرى لإلقاء الفتنة في الناس وإنما خَصُّوا سورة النجم بهذه المرجَفة لأنهم حَضروا قراءتها في المسجد الحرام وتعلقت بأذهانهم وتطلباً لإيجاد المعذرة لهم بين قومهم على سجودهم فيها الذي جعله الله معجزة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد سرى هذا التعسف إلى إثبات معنى في اللغة ...) قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في تفسيرالقرآن العظيم، سورة الحج، الآية: ... 52وما بعدها: (قد ذكر كثير من المفسرين ههنا قصة الغرانيق, وما كان من رجوع كثير من المهاجرة إلى أرض الحبشة ظناً منهم أن مشركي قريش قد أسلموا, ولكنها من طرق كلها مرسلة, ولم أرها مسندة من وجه صحيح, والله أعلم). انظر: - نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق للعلامة الألباني - رحمه الله -. - مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز - رحمه الله - (8/ 301)، (24/ 282). إسلام حمزة - رضي الله عنه - قوله: (خلال هذا الجو الملبد بغيوم الظلم والعدوان ظهر برق أضاء الطريق، وهو إسلام حمزة بن عبد المطلب - رضي الله عنه - أسلم في أواخر السنة السادسة من النبوة، والأغلب أنه أسلم في شهر ذي الحجة. وسبب إسلامه: أن أبا جهل مر برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يومًا عند الصفا فآذاه ونال منه، ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ساكت لا يكلمه، ثم ضربه أبو جهل بحجر في رأسه فَشَجَّهُ حتى نزف منه الدم، ثم انصرف عنه إلى نادي قريش عند الكعبة، فجلس معهم، وكانت مولاة لعبد الله بن جُدْعَان في مسكن لها على الصفا ترى ذلك، وأقبل حمزة من القَنَص مُتَوَشِّحًا قوسه، فأخبرته المولاة بما رأت من أبي جهل، فغضب حمزة - وكان أعز

إسلام عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -

فتى في قريش وأشده شكيمة - فخرج يسعى، لم يقف لأحد؛ معدًا لأبي جهل إذا لقيه أن يوقع به، فلما دخل المسجد قام على رأسه، وقال له: يا مُصَفِّرَ اسْتَه، تشتم ابن أخي وأنا على دينه؟ ثم ضربه بالقوس فشجه شجة منكرة، فثار رجال من بني مخزوم - حي أبي جهل - وثار بنو هاشم - حي حمزة - فقال أبو جهل: دعوا أبا عمارة، فإني سببت ابن أخيه سبًا قبيحًا. وكان إسلام حمزة أول الأمر أنفة رجل، أبى أن يهان مولاه، ثم شرح الله صدره فاستمسك بالعروة الوثقى، واعتز به المسلمون أيما اعتزاز). التعليق: مرسل. قال الحافظ الهيثمي - رحمه الله - في مجمع الزوائد، ط. دار الفكر. بيروت. حديث رقم (15460) عن محمد بن كعب القرظي فذكره ... (رواه الطبراني مرسلاً ورجاله رجال الصحيح)، وذكر بعده حديث رقم (15461) عن يعقوب بن عتبة بن المغيرة فذكره ... (رواه الطبراني مرسلاً ورجاله ثقات). قصة إسلام حمزة مرسلة؛ والمرسل من أقسام الضعيف؛ لذا قال الدكتور العمري - حفظه الله - في السيرة الصحيحة (1/ 146): (... ولكن تفصيل قصة إسلامه لم تثبت من طريق صحيحة). إسلام عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - 1 - قوله: (وخلاصة الروايات - مع الجمع بينها - في إسلامه - رضي الله عنه -: أنه التجأ ليلة إلى المبيت خارج بيته، فجاء إلى الحرم، ودخل في ستر الكعبة، والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قائم يصلي، وقد استفتح سورة {الْحَاقَّةُ}، فجعل عمر يستمع إلى القرآن، ويعجب من تأليفه، قال: فقلت - أي في نفسي -: هذا والله شاعر، كما قالت قريش، قال: فقرأ {إِنَّهُ

لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ} [الحاقة: 40، 41] قال: قلت: كاهن. قال: {وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ} إلى آخر السورة [الحاقة: 42، 43]. قال: فوقع الإسلام في قلبي. التعليق: ضعيف. أخرجه الإمام أحمد (1/ 17) حديث رقم (107)، وضعفه العلامة أحمد شاكر - رحمه الله -. وقال الهيثمي - رحمه الله - في مجمع الزوائد (9/ 62): (رواه أحمد ورجاله ثقات إلا أن شريح بن عبيد لم يدرك عمر). وقال الدكتور أكرم العمري - حفظه الله - في السيرة الصحيحة (1/ 180): (ومسند أحمد بسند صحيح إلى شريح بن عبيد لكنه مرسل ضعيف؛ لأن شريحاً لم يدرك عمر). وضعفه الألباني - رحمه الله - في الضعيفة تحت حديث رقم (6531). وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط - حفظه الله -: (إسناده ضعيف لانقطاعه). 2 - قوله: (كان من حدة طبعه وفرط عداوته لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه خرج يومًا متوشحًا سيفه يريد القضاء على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلقيه نعيم بن عبد الله النحام العدوي، أو رجل من بني زهرة، أو رجل من بني مخزوم فقال: أين تعمد يا عمر؟ قال: أريد أن أقتل محمدًا. قال: كيف تأمن من بني هاشم ومن بني زهرة وقد قتلت محمدًا؟ فقال له عمر: ما أراك إلا قد صبوت، وتركت دينك الذي كنت عليه، قال: أفلا أدلك على العجب يا عمر! إن أختك وخَتَنَكَ قد صبوا، وتركا دينك الذي أنت عليه، فمشى عمر دامرًا حتى أتاهما، وعندهما خباب بن الأرت، معه صحيفة فيها: [طه] يقرئهما إياها - وكان يختلف إليهما ويقرئهما القرآن - فلما سمع خباب حس عمر توارى في البيت، وسترت فاطمة - أخت عمر - الصحيفة. وكان قد سمع عمر حين دنا من البيت قراءة خباب إليهما، فلما دخل عليهما قال: ما هذه الهينمة التي سمعتها عندكم؟ فقالا: ما عدا

حديثًا تحدثناه بيننا. قال: فلعلكما قد صبوتما. فقال له ختنه: يا عمر، أرأيت إن كان الحق في غير دينك؟ فوثب عمر على ختنه فوطئه وطأ شديدًا. فجاءت أخته فرفعته عن زوجها، فنفحها نفحة بيده، فدمى وجهها ـ وفي رواية ابن إسحاق أنه ضربها فشجها ـ فقالت، وهي غضبى: يا عمر، إن كان الحق في غير دينك، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله. فلما يئس عمر، ورأى ما بأخته من الدم ندم واستحيا، وقال: أعطوني هذا الكتاب الذي عندكم فأقرؤه، فقالت أخته: إنك رجس، ولا يمسه إلا المطهرون، فقم فاغتسل، فقام فاغتسل، ثم أخذ الكتاب، فقرأ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فقال: أسماء طيبة طاهرة. ثم قرأ [طه] حتى انتهي إلى قوله: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] فقال: ما أحسن هذا الكلام وأكرمه؟ دلوني على محمد. فلما سمع خباب قول عمر خرج من البيت، فقال: أبشر يا عمر، فإني أرجو أن تكون دعوة الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لك ليلة الخميس: (اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام)، ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الدار التي في أصل الصفا. فأخذ عمر سيفه، فتوشحه، ثم انطلق حتى أتى الدار، فضرب الباب، فقام رجل ينظر من خلل الباب، فرآه متوشحًا السيف، فأخبر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، واستجمع القوم، فقال لهم حمزة: ما لكم؟ قالوا: عمر؟ فقال: وعمر؟ افتحوا له الباب، فإن كان جاء يريد خيرًا بذلناه له، وإن كان جاء يريد شرًا قتلناه بسيفه، ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - داخل يوحى إليه، فخرج إلى عمر حتى لقيه في الحجرة، فأخذ بمجامع ثوبه وحمائل السيف، ثم جبذه جبذة شديدة فقال: (أما أنت منتهيًا يا عمر حتى ينزل الله بك من الخزى والنكال ما نزل بالوليد بن المغيرة؟ اللهم، هذا عمر بن الخطاب، اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب)، فقال عمر: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله. وأسلم، فكبر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد.

كان عمر - رضي الله عنه - ذا شكيمة لا يرام، وقد أثار إسلامه ضجة بين المشركين، وشعورا لهم بالذلة والهوان، وكسا المسلمين عزة وشرفًا وسرورًا ... فروى مجاهد عن ابن عباس قال: سألت عمر بن الخطاب لأي شيء سميت الفاروق؟ قال: أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام - ثم قص عليه قصة إسلامه. وقال في آخره: قلت - أي حين أسلمت -: يا رسول الله، ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا؟ قال: (بلى، والذي نفسي بيده، إنكم على الحق وإن متم وإن حييتم)، قال: قلت: ففيم الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لنخرجن، فأخرجناه في صفين، حمزة في أحدهما، وأنا في الآخر، له كديد ككديد الطحين، حتى دخلنا المسجد، قال: فنظرت إلي قريش وإلي حمزة، فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها، فسماني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (الفاروق) يومئذ. التعليق: قصة إسلام عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ضعيفة، ومتنها منكر بالرغم من شهرتها. قال الألباني - رحمه الله - في السلسلة الضعيفة (14/ 74) حديث رقم (6531): (منكر: أخرجه أبو نعيم في (الحلية) (1/ 40) من طريق إسحاق بن عبد الله، عن أبان بن صالح، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: سألت عمر - رضي الله عنه -: لأي شيء سميت (الفاروق)؟ (¬1) قال: أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام ثم شرح الله صدري للإسلام فقلت: الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى، فما في الأرض نسمة هي أحب إلي من نسمة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قلت: أين رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قالت أختي: هو في دار الأرقم بن [أبي] (¬2) الأرقم عند الصفا، فأتيت الدار وحمزة في أصحابه جلوس في الدار ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ¬

(¬1) أما حديث: (إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه، وهو الفاروق، فرق به بين الحق والباطل).ضعفه الألباني، لكن الشطر الأول من الحديث صحيح مخرج في "المشكاة" (6042). انظر الضعيفة حديث رقم (3063). (¬2) مابين المعقوفتين ليست في أصل الشيخ - رحمه الله -، تبعاً لـ "الحلية".

البيت فضربت الباب فاستجمع القوم، فقال لهم حمزة ما لكم؟ قالوا عمر بن الخطاب، قال: فخرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخذ بمجامع ثيابه ثم نتره نترة فما تمالك أن وقع على ركبتيه، فقال: (ما أنت بمنته يا عمر؟) قال: قلت: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنك محمداً عبده ورسوله. قال: فكبر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد، قالك فقلت: يا رسول الله! ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا؟ قال: (بلى! والذي نفسي بيده إنكم على الحق إن متم وإن حييتم) قلت: ففيم الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لتخرجن! فأخرجناه في صفين، حمزة في أحدهما، وأنا في الآخر ولي كديد (¬1) ككديد الطحين حتى دخلنا المسجد، قال فنظرت إلي قريش وإلي حمزة فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها، فسماني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يومئذ (الفاروق)، وفرق الله بي بين الحق والباطل) (¬2). قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً، إسحاق بن عبد الله - وهو: ابن أبي فروة -، قال البخاري: (تركوه). وقال أحمد: (لا تحل - عندي - الرواية عنه). وكذبه بعضهم. ثم أخرجه أبو نعيم، وكذا البزار (3/ 169 - 171) من طريق إسحاق بن إبراهيم الحنيني: ثنا أسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه، عن جده قال: قال لنا عمر - رضي الله عنه -: أتحبون أن أعلمكم أول إسلامي؟ قلنا: نعم. قال: ... فذكر قصة إسلامه مطولة جداً، وليس فيها سبب تسميته بـ (الفاروق)، ولا ذكر لـ (الصفين)، واختصر منها أبو نعيم قصته قبل إسلامه مع أخته وزوجها، وقال البزار عقبه: (لا نعلم رواه بهذا السند إلا (الحنيني)، ولا نعلم في إسلام عمر أحسن من هذا الإسناد، على أن (الحنيني) خرج من المدينة، فكف واضطرب حديثه). ¬

(¬1) الكديد: التراب الناعم فإذا وطيء ثار غباره أراد أنهم كانوا جماعة وأن الغبار كان يثور من مشيهم. النهاية (4/ 155) (¬2) (وفيه أبان بن صالح ليس بالقوى، وعنه إسحاق بن عبد الله الدمشقي متروك) كما في كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للمتقي الهندي حديث رقم (35742) ط. مؤسسة الرسالة.

قلت: هو نحو ابن أبي فروة - أو قريب منه -، قال البخاري: (في حديثه نظر). وقال النسائي: (ليس بثقة). وقال ابن عدي: (ضعيف، ومع ضعفه يكتب حديثه). ومن طريقه أخرجه عبد الله بن أحمد في (فضائل الصحابة) (1/ 285)، وذكر في إسلام عمر - رضي الله عنه - عدة روايات لا يصح شيء من أسانيدها - مع وضوح التعارض بينها -، ومن أحسنها إسناداً مع الاختصار ما أخرجه أحمد (1/ 17)، ومن طريقه ابن الأثير في (أسد الغابة) (3/ 644) من طريق شريح بن عبيد قال: قال عمر - رضي الله عنه -: خرَجْتُ أَتَعَرَّضُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ أَنْ أُسْلِمَ فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي إِلَى الْمَسْجِدِ فَقُمْتُ خَلْفَهُ فَاسْتَفْتَحَ سُورَةَ الْحَاقَّةِ فَجَعَلْتُ أَعْجَبُ مِنْ تَالِيفِ الْقُرْآنِ قَالَ فَقُلْتُ: هَذَا وَاللَّهِ شَاعِرٌ كَمَا قَالَتْ قُرَيْشٌ. قَالَ: فَقَرَأَ {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ} قَالَ: قُلْتُ: كَاهِنٌ. قَالَ: {وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. قَالَ: فَوَقَعَ الْإِسْلَامُ فِي قَلْبِي كُلَّ مَوْقِعٍ. ورجال إسناده ثقات، فالإسناد صحيح، لولا أن شريح بن عبيد لم يدرك عمر بن الخطاب. ونحوه في (المجمع) (9/ 65)، إلا أنه وقع فيه معزواً للطبراني في (الأوسط)، وهو وهم لعله من غيره. (تنبيه): عزا الحافظ حديث ابن عباس لأبي جعفر بن أبي شيبة، وحديث عمر للبزار، وسكت عنهما في "الفتح" (7/ 48) فما أحسن، لأنه يوهم - حسب اصطلاحه - أن كلاً منهما حسن، وليس كذلك - كما رأيت -، ولعل ذلك كان السبب أو من أسباب استدلال بعض إخواننا الدعاة على شرعية (المظاهرات) المعروفة اليوم، وأنها كانت من

أساليب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الدعوة! ولا تزال بعض الجماعات الإسلامية تتظاهر بها، غافلين عن كونها من عادات الكفار وأساليبهم) (¬1). قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية في كتاب أبحاث هيئة كبار العلماء (6/ 70): قال الدارقطني: (تفرد به القاسم بن عثمان ليس بالقوي، وقال البخاري: له أحاديث لا يتابع عليها). قال الذهبي - رحمه الله - في لسان الميزان (4/ 463) عن القاسم بن عثمان البصري: (حدث عن إسحاق الأزرق بمتن محفوظ، وبقصة إسلام عمر، وهي منكرة جدا). قال العمري - حفظه الله - في السيرة الصحيحة (1/ 180): (إسناد البيهقي وابن سعد فيه القاسم بن عثمان البصري ضعيف، ومتنه منكر جداً). وقال أيضا (1/ 180): (أما قصة استماعه القرآن يتلوه الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في صلاته قرب الكعبة وعمر مستخف بأستارها، وكذلك قصته مع أخته فاطمة حين لطمها لإسلامها وضرب زوجها سعيد بن زيد، ثم اطلاعه على صحيفة فيها آيات، وإسلامه، فلم يثبت شيء من هذه القصص من طريق صحيحة). وقد توسع الشيخ الفاضل محمد بن رزق الطرهوني - حفظه الله - في السيرة الذهبية (2/ 319 - 329) في ذكر الطرق والروايات الواردة في قصة إسلام عمر وبين ما فيها من ضعف، فليراجع. (وفضلا عن ضعف سند القصة، ففي المتن اضطراب: - مرة أن قريشاً بعثته. - وفي أخرى أنه خرج ابتداء. ¬

(¬1) انظر تحقيق الشيخ علي حشيش - حفظه الله - لقصة إسلام عمر وبيان ضعفها، وحكم المظاهرات في الشريعة فإنه جيد. مجلة التوحيد. العدد (260).

عزم أبي جهل على قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

- وفي بعضها أنه قرأ وكان كاتباً (عن أنس عند ابن سعد والدارقطني). - وفي أخرى (حتى دعا قارئاً فقرأ عليه وكان عمر لا يكتب) مرسل الزهري) (¬1) النكارة في المتن: وهي أن فاطمة أخت عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - رفضت إعطاء الصحيفة التي فيها سورة (طه) حتى يغتسل عمر؟ وهل إذا اغتسل المشرك قبل إسلامه يغير من الواقع شيئاً، ويبيح إعطاءه الصحيفة؟! عزم أبي جهل على قتل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قوله: (ولما انصرف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنهم خاطبهم أبو جهل في كبريائه وقال: يا معشر قريش، إن محمدًا قد أبى إلا ما ترون من عيب ديننا، وشتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وشتم آلهتنا، وأني أعاهد الله لأجلسن له بحجر ما أطيق حمله، فإذا سجد في صلاته فضخت به رأسه، فأسلموني عند ذلك أو امنعوني، فليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم، قالوا: والله لا نسلمك لشيء أبدًا، فامض لما تريد. فلما أصبح أبو جهل، أخذ حجرًا كما وصف، ثم جلس لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينتظره، وغدا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما كان يغدو، فقام يصلي، وقد غدت قريش فجلسوا في أنديتهم ينتظرون ما أبو جهل فاعل، فلما سجد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احتمل أبو جهل الحجر، ثم أقبل نحوه، حتى إذا دنا منه رجع منهزمًا ممتقعًا لونه، مرعوبًا قد يبست يداه على حجره، حتى قذف الحجر من يده، وقامت إليه رجال قريش فقالوا له: ما لك يا أبا الحكم؟ قال: قمت إليه لأفعل به ما قلت لكم البارحة، فلما دنوت منه عرض لى دونه فَحْلٌ من الإبل، لا والله ما رأيت مثل هَامَتِه، ولا مثل قَصَرَتِه ولا أنيابه لفحل قط، فَهَمَّ بى أن يأكلنى. ¬

(¬1) كتاب ما شاع ولم يثبت في السيرة النبوية للعوشن ص (57).

قال ابن إسحاق: فذكر لى أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (ذلك جبريل عليه السلام لو دنا لأخذه). التعليق: منكر بهذا اللفظ. قال أخونا الفاضل الشيخ: محمد بن عبد الله العوشن - حفظه الله - في كتابه (ما شاع ولم يثبت في السيرة) ص (49): قال البيهقي - رحمه الله -: (ابن إسحاق إذا لم يذكر من حدث عنه لم يفرح به). ومن النكارة في هذه الرواية قول أبي جهل: وإني أعاهد الله! في حين تجد في رواية مسلم الآتية أنه أقسم باللات والعزى. وقد أخرج الحاكم نحواً من هذه القصة من طريق عبد الله بن صالح قال: حدثني الليث بن سعد بن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، عن أبان بن صالح، عن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه العباس بن عبدالمطلب، ثم قال الحاكم: صحيح. وتعقبه الذهبي بقوله: (قلت: فيه عبد الله بن صالح وليس بعمدة، وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة متروك). وقد روى مسلم - رحمه الله - في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قال: فقيل: نعم، فقال: واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته أو لأعفرن وجهه في التراب، قال: فأتى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يصلي زعم ليطأ على رقبته قال: فما فجئهم منه إلا هو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه، قال: فقيل له: مالك؟ قال: إن بيني وبينه لخندقاً من نار وهولاً وأجنحة، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ودنا مني لاختطفته الملائكة عضواً عضواً) ورواه البخاري في صحيحه مختصراً عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: قال أبو جهل: لئن رأيت محمدا يصلي عند الكعبة لأطأن على عنقه، فبلغ النبي - صلى الله علبه وسلم - فقال: (لو فعل لأخذته الملائكة). (¬1) ¬

(¬1) كتاب التفسير، باب (كلا لئن لم ينته لننسفعن بالناصية، ناصية كاذبة خاطئة) (8/ 724 فتح).

مساومات وتنازلات

مساومات وتنازلات قوله: (روى ابن إسحاق بسنده، قال: اعترض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يطوف بالكعبة - الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى والوليد بن المغيرة وأمية بن خلف والعاص بن وائل السهمي - وكانوا ذوي أسنان في قومهم ـ فقالوا: يا محمد، هلم فلنعبد ما تعبد، وتعبد ما نعبد، فنشترك نحن وأنت في الأمر، فإن كان الذي تعبد خيرًا مما نعبد كنا قد أخذنا بحظنا منه، وإن كان ما نعبد خيرًا مما تعبد كنت قد أخذت بحظك منه، فأنزل الله تعالى فيهم: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} السورة كلها. وأخرج عَبْدُ بن حُمَيْد وغيره عن ابن عباس أن قريشًا قالت: لو استلمت آلهتنا لعبدنا إلهك. فأنزل الله: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} السورة كلها. وأخرج ابن جرير وغيره عنه أن قريشًا قالوا لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: تعبد آلهتنا سنة، ونعبد إلهك سنة، فأنزل الله: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَامُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} [الزمر: 64]. التعليق: لا يصح. قال الدكتور: عبدالحكيم بن عبد الله القاسم، عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين بالرياض في موقع الإسلام اليوم: (وأورد ابن جرير في سبب نزول سورة الكافرون روايتين: الأولى: قال في تفسيره (30/ 331) حدثني محمد بن موسى الحرشي قال: حدثنا أبو خلف قال: حدثنا داود، عن عكرمة، عن ابن عباس، - رضي الله عنهم -: إن قريشًا وعدوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يعطوه مالاً فيكون أغنى رجل بمكة، ويزوجوه ما أراد من النساء، ويطأوا عقبه، فقالوا له: هذا لك عندنا يا محمد، وكف عن شتم آلهتنا فلا تذكرها بسوء، فإن لم تفعل، فإنا نعرض عليك خصلة واحدة فهي لك ولنا فيها صلاح. قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَا هِيَ؟ قالوا: تعبد آلهتنا سنة - اللات والعزى - ونعبد إلهك سنة. قال: "حَتَّى أَنْظُرَ مَا يَأتي مِن عندِ رَبِّي". فجاء الوحي من اللوح

المحفوظ: (قل يا أيها الكافرون) السورة. وأنزل الله: (قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَامُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ ...) إلى قوله: (بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ) (الزمر64 - 66) وضعف الطبراني في معجمه الصغير (ج: 2 ص: 44 ح751) ما رواه بإسناد الطبري نفسه فقال: لم يروه عن داود بن هند إلا عبد الله بن عيسى، تفرد به محمد بن موسى، وخالف ما عليه الثقات، وأحاديثه أفراد كلها، وضعفه الحافظ في الفتح (8/ 733). والثانية: قال الطبري: حدثني يعقوب قال: حدثنا ابن علية عن محمد بن إسحاق قال: حدثني سعيد بن ميناء مولى البختري قال: لقي الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسود بن المطلب وأمية بن خلف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالوا: يا محمد، هلم فلنعبد ما تعبد وتعبد ما نعبد ونشركك في أمرنا كله، فإن كان الذي جئت به خيرًا مما بأيدينا كنا قد شركناك فيه وأخذنا بحظنا منه، وإن كان الذي بأيدينا خيرًا مما في يديك كنت قد شركتنا في أمرنا وأخذت منه بحظك. فأنزل الله: (قل يا أيها الكافرون) حتى انقضت السورة. قلت: سعيد بن ميناء تابعي ولم ينسب سبب النزول عن الصحابي - رضي الله عنه - ولم يعتضد برواية أخرى عن تابعي مثله فيكون سبب النزول مرسلًا ضعيفًا. ولم أقف على سبب نزول صحيح في سورة الكافرون. فالله أعلم. وأما أن حصار النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الشعب كان بعده نزول سورة الكافرون فلم أقف عليه مطلقًا. والذي ينبغي على طالب العلم في التعامل مع أسباب النزول أن يكون بتوثق وتحرّ كبيرين؛ لأن سبب النزول له حكم الرفع، ولا يعتبر سبب النزول عن الصحابي إلا إذا كان بإسناد صحيح، وبصيغة صريحة، ولا يعتبر سبب النزول عن التابعي إلا بأربعة شروط: صحة الإسناد، والصراحة في السببية، وأن يعرف التابعي بالأخذ عن الصحابي، وأن يعتضد برواية تابعي آخر. وينظر في تقرير ذلك كتب علوم القرآن. والله أعلم). ولم يذكره العلامة الوادعي - رحمه الله - في كتابه الصحيح المسند من أسباب النزول مما يدل على عدم صحته لديه.

تراكم الأحزان

تراكم الأحزان قوله: (قال ابن إسحاق: لما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الأذى ما لم تطمع به في حياة أبي طالب، حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش فنثر على رأسه ترابًا، ودخل بيته والتراب على رأسه، فقامت إليه إحدى بناته فجعلت تغسل عنه التراب وهي تبكى، ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول لها: (لا تبكى يا بنية، فإن الله مانع أباك). قال: ويقول بين ذلك: (ما نالت منى قريش شيئًا أكرهه حتى مات أبو طالب). ص (118) التعليق: ضعيف. قال الألباني في تخريج لفقه السيرة للغزالي - رحمهم الله تعالى - ص (123): (حديث ضعيف، أخرجه ابن إسحاق (1/ 258) بسند صحيح عن عروة بن الزبير مرسلاً). قال الشيخ علوي السقاف - حفظه الله - في تخريج أحاديث الظلال حديث رقم (577): (مرسل. رواه: ابن إسحاق، ومن طريقه الطبري في (التاريخ)، والبيهقي في (الدلائل)؛ من مرسل عروة بن الزبير). انظر: (تاريخ الطبري) (2/ 344)، (الدلائل) (2/ 350)، (السيرة النبوية) (2/ 67). عوامل الصبر والثبات قيادة تهوي إليها النفوس قوله: (وكان أبو جهل يقول: يا محمد، إنا لا نكذبك ولكن نكذب بما جئت به، فأنزل الله: {فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام: 33] قال في الهامش: رواه الترمذي في تفسير سورة الأنعام 5/ 243ح (3064). التعليق: ضعيف.

البشارات بالنجاح

رواه الترمذي، كتاب تفسير القرآن عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، باب (ومن سورة الأنعام) حديث رقم (3064) حدثنا أبو كريب، حدثنا معاوية بن هشام، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن ناجية بن كعب، عن علي. وقال: (حدثنا إسحاق بن منصور أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن أبي إسحاق عن ناجية أن أبا جهل قال للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكر نحوه ولم يذكر فيه عن علي وهذا أصح). وقال الترمذي في العلل حديث رقم (430): (سألت مُحمدًا (البخاري) عن هذا الحديث؟ فقال: الصحيح عن أبي إسحاق، عن ناجية، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرسل). قال الألباني في ضعيف الترمذي: ضعيف الإسناد. ورواه الحاكم في المستدرك (2/ 315) وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه وتعقبه الذهبي بقوله: ناجية بن كعب لم يخرجا له شيئاً. قال العلامة المفسر محمد الطاهر بن عاشور التونسي في التحرير والتنوير من التفسير سورة الأنعام: الآية 33: (ولا أحسب هذا هو سبب نزول الآية؛ لأنّ أبا جهل إن كان قد قال ذلك فقد أراد الاستهزاء، كما قال ابن العربي في «العارضة»: ذلك أنّه التكذيب بما جاء به تكذيب له لا محالة، فقوله: لا نكذّبك، استهزاء بإطماع التصديق). البشارات بالنجاح قوله: (وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نفسه يقوم بمثل هذه البشارات بين آونة وأخرى، فكان إذا وافي الموسم، وقام بين الناس في عُكاظ، ومَجَنَّة، وذى المَجَاز لتبليغ الرسالة، لم يكن يبشرهم بالجنة فحسب، بل يقول لهم بكل صراحة: (يا أيها الناس، قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا، وتملكوا بها العرب، وتدين لكم بها العجم، فإذا متم كنتم ملوكًا في الجنة).

قال في الهامش: ابن سعد 1/ 216. التعليق: رواية ابن سعد ضعيفة، لكنه ورد بإسناد صحيح عند أحمد وغيره. قال الألباني - رحمه الله - في كتابه دفاع عن الحديث والسيرة ص (20) متعقباً البوطي: (أن الحديث عند ابن سعد من طريق شيخه محمد بن عمر فقال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني أيوب بن النعمان. . . فذكر له عدة أسانيد وكلها مرسلة ومع إرسالها فشيخه المذكور متهم بالكذب وهو الواقدي المشهور صاحب كتاب (المغازي) المطبوع في الهند، ثم في مصر. وظني أن الدكتور لا يعلم أن محمد بن عمر هذا هو الواقدي وإن كان يعلم ذلك فظني أنه لا يعرف شيئاً من ترجمته عند أهل الحديث؛ ولذلك أنقل شهادة حافظين من حفاظ المحدثين المشهورين، فقال الإمام الذهبي في كتابه (الضعفاء والمتروكين): (محمد بن عمر بن واقد الواقدي قال النسائي: يضع الحديث، وقال ابن عدي: أحاديثه غير محفوظة والبلاء منه) وقال الحافظ ابن حجر في (التقريب): (متروك مع سعة علمه) يعني أنه شديد الضعف في الرواية (¬1). وإنما ظننت أن الدكتور لا يعلم ذلك للأمر بحسن الظن بالمسلم وإلا فهل يعقل أن يعرف الدكتور حال الواقدي هذه وسقوط روايته و ... ويشهد لما أقول: أن هذا الحديث قد أخرجه الإمام أحمد (¬2) في (المسند) (3/ 492 و 4/ 63 و341 و 5/ 376) والبيهقي بأسانيد عن غير واحد من الصحابة وأحدهما ¬

(¬1) قال الألباني: (ولذلك لا ينبغي أن يغتر أحد بما ذهب إليه ابن سيد الناس في مقدمة كتابه (عيون الأثر) من توثيق الواقدي فإنه خالف ما عليه المحققون من الأئمة قديماً وحديثاً ولمنافاته علم المصطلح على وجوب تقديم الجرح المفسر على التعديل وأي جرح أقوى من الوضع؟ وقد اتهمه به أيضاً الإمام الشافعي الذي يزعم البوطي أنه يقلده وأبو داود وأبو حاتم وقال أحمد: كذاب). (¬2) قال شعيب الأرناؤوط في تحقيقه للمسند (3/ 492): (صحيح لغيره وهذا إسناد حسن عبد الرحمن بن أبي الزناد ينزل عن رتبة الصحيح وباقي رجاله ثقات رجال الصحيح).

الرسول صلى الله عليه وسلم في الطائف

عند ابن إسحاق في (السيرة) (2/ 64 - 65) بنحوه وأحد إسنادي أحمد صحيح وأخرجه البيهقي أيضاً كما في (البداية) (3/ 139) وطرفه الأول له شاهد في (المستدرك) (2/ 624) من حديث جابر مطولاً وصححه ووافقه الذهبي. قلت: فلو أن الدكتور كان يعلم هذه الطرق ويعلم ذلك الضعف الشديد الذي في طريق ابن سعد بسبب الواقدي المتهم أفتظن أيها القاريء أنه يؤثر هذا الطريق على تلك الطرق وهو يعلم؟ أما أنا فلا أظن إلا خيراً). الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الطائف قوله: (... دعا بالدعاء المشهور الذي يدل على امتلاء قلبه كآبة وحزنًا مما لقى من الشدة، وأسفًا على أنه لم يؤمن به أحد، قال: (اللهم إليك أشكو ضَعْف قُوَّتِي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تَكِلُني؟ إلى بعيد يَتَجَهَّمُنِي؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك، أو يحل علي سَخَطُك، لك العُتْبَى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك). فلما رآه ابنا ربيعة تحركت له رحمهما، فدعوا غلامًا لهما نصرانيًا يقال له: عَدَّاس، وقالا له: خذ قطفًا من هذا العنب، واذهب به إلى هذا الرجل. فلما وضعه بين يدى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مد يده إليه قائلًا: (باسم الله) ثم أكل ...). التعليق: ضعيف. قال الألباني - رحمه الله - في السلسلة الضعيفة (6/ 488) حديث رقم (2934):

(ضعيف. رواه الطبراني في (المعجم الكبير) (13/ 73/181)، وعنه الضياء في (المختارة) (56/ 128/1 - 2)، وابن عدي (284/ 2)، وعنه ابن عساكر (14/ 178/2): حدثنا القاسم بن الليث الراسبي - أملاه علينا حفظاً - قال: أخبرنا محمد بن أبي صفوان الثقفي إملاء قال: حدثنا وهب بن جرير بن حازم قال: حدثنا أبي عن محمد بن إسحاق، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن جعفر قال: لما توفي أبو طالب خرج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى الطائف ماشياً على قدميه، قال: فدعاهم إلى الإسلام، قال: فلم يجيبوه، قال فانصرف، فأتى ظل شجرة، فصلى ركعتين ثم قال: فذكره. وقال ابن عدي: (هذا حديث أبي صالح الراسبي، لم نسمع أن أحدا حدث بهذا الحديث غيره، ولم نكتبه إلا عنه). قلت: كذا في نسختنا من ابن عدي (الراسبي)، وفي (التاريخ) (الراسني)، وفي (التهذيب) وغيره (الرسعني، وكذا في الطبراني) ولعله الصواب. ومن طريق القاسم هذا رواه - بل روى بعضه - ابن منده في (التوحيد) (79/ 1) وقال: محمد بن عثمان ابن أبي صفوان. قلت: وهذا إسناد ضعيف رجاله ثقات، وعلته عنعنة ابن إسحاق عند الجميع؛ وهو مدلس، ولم يسق إسناده في (السيرة) وإنما قال (2/ 61): (فلما اطمأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال - فيما ذكر لي -: اللهم إليك أشكو ...). والحديث قال في (المجمع) (6/ 35): (رواه الطبراني، وفيه ابن إسحاق وهو مدلس ثقة، وبقية رجاله ثقات). من طريق ابن إسحاق معنعناً أخرجه أيضاً الأصبهاني في (الحجة) (ق 166/ 2)، والرافعي في (تاريخ قزوين) (2/ 82). ا. هـ وضعفه الألباني أيضا في تخريجه فقه السيرة للغزالي ص (126). وضعفه شعيب وعبدالقادر الأرناؤوط في تخريجهما لزاد المعاد (1/ 99).

الرسول صلى الله عليه وسلم في الطائف

وضعفه العمري في السيرة النبوية الصحيحة (1/ 186 - 187) وقال: (وأما دعاؤه على ثقيف بقوله: (اللهم إليك أشكو ...) ولقاؤه بعداس لم يثبت من طريق صحيحة فقد ساقها ابن إسحاق بدون إسناد. وقال بعد ما ذكر أسانيد قصة عداس: وهذه المراسيل لا تقوى ببعضها إذ الظاهر أن مخرجها واحد لأن ابن اسحاق وموسى بن عقبة تلميذان للزهري). الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الطائف قوله: (وخلال إقامته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هناك بعث الله إليه نفرًا من الجن ذكرهم الله في موضعين من القرآن: في سورة الأحقاف: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأحقاف: 29: 31]. وفي سورة الجن: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ...} إلى تمام الآية الخامسة عشرة [الجن: 1: 15]. ومن سياق هذه الآيات - وكذا من سياق الروايات التي وردت في تفسير هذا الحادث - يتبين أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يعلم حضور ذلك النفر من الجن حين حضروا وسمعوا، وإنما علم بعد ذلك حين أطلعه الله عليه بهذه الآيات، وأن حضورهم هذا كان لأول مرة، ويقتضى سياق الروايات أنهم وفدوا بعد ذلك مرارًا). التعليق: قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في فتح الباري ط. دار الفكر (7/ 172): (وذكر ابن إسحاق أن استماع الجن كان بعد رجوع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الطائف لما خرج إليها

يدعو ثقيفاً إلى نصره، وذلك بعد موت أبي طالب، وكان ذلك في سنة عشر من المبعث، كما جزم ابن سعد بأن خروجه إلى الطائف كان في شوال، وسوق عكاظ التي أشار إليها ابن عباس كانت تقام في ذي القعدة. وقول ابن عباس في حديثه "وهو يصلي بأصحابه" لم يضبط ممن كان معه في تلك السفرة غير زيد بن حارثة، فلعل بعض الصحابة تلقاه لما رجع، والله أعلم. وقول من قال: إن وفود الجن كان بعد رجوعه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الطائف ليس صريحاً في أولية قدوم بعضهم. والذي يظهر من سياق الحديث الذي فيه المبالغة في رمي الشهب لحراسة السماء من استراق الجن السمع دال على أن ذلك كان قبل المبعث النبوي وإنزال الوحي إلى الأرض، فكشفوا ذلك إلى أن وقفوا على السبب، ولذلك لم يقيد الترجمة بقدوم ولا وفادة، ثم لما انتشرت الدعوة وأسلم من أسلم قدموا فسمعوا فأسلموا وكان ذلك بين الهجرتين، ثم تعدد مجيئهم حتى في المدينة). قال الحافظ ابن كثير في تفسيره لسورة الأحقاف الآية: 29: (... قال: فلما انصرف عنهم بات بنخلة فقرأ تلك الليلة من القرآن فاستمعه الجن من أهل نصيبين، وهذا صحيح، ولكن قوله إن الجن كان استماعهم تلك الليلة فيه نظر، فإن الجن كان استماعهم في ابتداء الإيحاء كما دل عليه حديث ابن عباس رضي الله عنهما المذكور، وخروجه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى الطائف كان بعد موت عمه، وذلك قبل الهجرة بسنة أو سنتين كما قرره ابن إسحاق وغيره، والله أعلم ... فهذه الطرق كلها تدل على أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذهب إلى الجن قصداً فتلا عليهم القرآن ودعاهم إلى الله - عز وجل - وشرع الله - تعالى - لهم على لسانه ما هم محتاجون إليه في ذلك الوقت وقد يحتمل أن أول مرة سمعوه يقرأ القرآن لم يشعر بهم، كما قال ابن عباس - رضي الله عنهما -. ثم بعد ذلك وفدوا إليه كما رواه ابن مسعود - رضي الله عنه -، وأما ابن مسعود

القبائل التي عرض عليها الإسلام

- رضي الله عنه - فإنه لم يكن مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حال مخاطبته للجن ودعائه إياهم، وإنما كان بعيداً منه ولم يخرج مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحد سواه ومع هذا لم يشهد حال المخاطبة، هذه طريقة البيهقي، وقد يحتمل أن يكون أول مرة خرج إليهم لم يكن معه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابن مسعود - رضي الله عنه - ولا غيره، كما هو ظاهر سياق الرواية الأولى من طريق الإِمام أحمد، وهي عند مسلم، ثم بعد ذلك خرج معه ليلة أخرى، والله أعلم، كما روى ابن أبي حاتم في تفسير {قل أوحي إِلي} من حديث ابن جريج قال: قال عبد العزيز بن عمر: أما الجن الذي لقوه بنخلة فجن نينوى، وأما الجن الذين لقوه بمكة فجن نصيبين، وتأوله البيهقي على أنه يقول: فبتنا بشر ليلة بات بها قوم على غير ابن مسعود - رضي الله عنه - ممن لم يعلم بخروجه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى الجن، وهو محتمل على بعد، والله أعلم). قال شعيب وعبدالقادر الأرناؤوط في تخريجهما لزاد المعاد (3/ 33): (تابع ابن القيم ابن إسحق في كون استماع الجن للقرآن كان تلك الليلة، مرجعه من الطائف، وفيه نظر، فإن استماعهم كان في ابتداء المبعث قبل خروجه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى الطائف بسنتين، نبه على ذلك الحافظ ابن كثير في تفسيره (4/ 162)، وقد روى البخاري ومسلم من حديث ابن عباس ما يؤيد ذلك). القبائل التي عرض عليها الإسلام قوله: (قال الزهرى: وكان ممن يسمى لنا من القبائل الذين أتاهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ودعاهم وعرض نفسه عليهم: بنو عامر بن صَعْصَعَة، ومُحَارِب بن خَصَفَة، وفزارة، وغسان، ومرة، وحنيفة، وسليم، وعَبْس، وبنو نصر، وبنو البَكَّاء، وكندة، وكلب، والحارث بن كعب، وعُذْرَة، والحضارمة، فلم يستجب منهم أحد). قال في الهامش: ابن سعد 1/ 216. التعليق: ضعيف.

المؤمنون من غير أهل مكة

قال الأرناؤوط في تعليقهما على زاد المعاد (3/ 43): (أخرجه ابن سعد في الطبقات من طريق الواقدي وهو مجمع على ضعفه). المؤمنون من غير أهل مكة سويد بن الصامت: قوله: (كان شاعرًا لبيبًا، من سكان يثرب، يسميه قومه [الكامل] لجلده وشعره وشرفه ونسبه، جاء مكة حاجًا أو معتمرًا، فدعاه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى الإسلام، فقال: لعل الذي معك مثل الذي معى. فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (وما الذي معك؟) قال: حكمة لقمان. قال: (اعرضها عليَّ). فعرضها، فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن هذا لكلام حسن، والذي معي أفضل من هذا؛ قرآن أنزله الله تعالى عليّ، هو هدى ونور)، فتلا عليه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - القرآن، ودعاه إلى الإسلام، فأسلم، وقال: إن هذا لقول حسن. فلما قدم المدينة لم يلبث أن قتل في وقعة بين الأوس والخزرج قبل يوم بعاث. والأغلب أنه أسلم في أوائل السنة الحادية عشرة من النبوة). التعليق: يوجد خلاف في صحبة سويد. قال الحافظ ابن حجر في الإصابة في تمييز الصحابة (3/ 305) ط. دار الجيل، بيروت: (سويد بن الصامت بن خالد بن عقبة الأوسي ذكره ابن شاهين وقال: شك في إسلامه. وقال أبو عمر: أنا أشك فيه كما شك غيري. ذكره بعضهم معتمدا على ما روى ابن إسحاق ... قلت: فإن صح ما قالوا لم يعد في الصحابة؛ لأنه لم يلق النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مؤمنا). طُفَيْل بن عمرو الدَّوْسي قوله: (كان رجلًا شريفًا، شاعرًا لبيبًا، رئيس قبيلة دوس، وكانت لقبيلته إمارة أو شبه إمارة في بعض نواحي اليمن، قدم مكة في عام 11 من النبوة، فاستقبله أهلها قبل

وصوله إليها، وبذلوا له أجل تحية وأكرم تقدير، وقالوا له: يا طفيل، إنك قدمت بلادنا، وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا، وقد فرق جماعتنا، وشتت أمرنا، وإنما قوله كالسحر، يفرق بين الرجل وأبيه، وبين الرجل وأخيه، وبين الرجل وزوجه، وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا، فلا تكلمه ولا تسمعن منه شيئًا. حشوت أذني حين غدوت إلى المسجد كُرْسُفًا؛ فرقًا من أن يبلغني شيء من قوله، قال: فغدوت إلى المسجد فإذا هو قائم يصلى عند الكعبة، فقمت قريبًا منه، فأبي الله إلا أن يسمعني بعض قوله، فسمعت كلامًا حسنًا، فقلت في نفسي: واثكل أمي، والله إني رجل لبيب شاعر؛ ما يخفي عليّ الحسن من القبيح، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول؟ فإن كان حسنًا قبلته، وإن كان قبيحًا تركته، فمكثت حتى انصرف إلى بيته فاتبعته، حتى إذا دخل بيته دخلت عليه، فعرضت عليه قصة مقدمي، وتخويف الناس إياي، وسد الأذن بالكرسف، ثم سماع بعض كلامه، وقلت له: اعرض عليّ أمرك، فعرض عليّ الإسلام، وتلا عليّ القرآن. فوالله ما سمعت قولًا قط أحسن منه، ولا أمرًا أعدل منه، فأسلمت وشهدت شهادة الحق، وقلت له: إني مطاع في قومي، وراجع إليهم، وداعيهم إلى الإسلام، فادع الله أن يجعل لي آية، فدعا. وكانت آيته أنه لما دنا من قومه جعل الله نورًا في وجهه مثل المصباح، فقال: اللهم في غير وجهي. أخشى أن يقولوا: هذه مثلة، فتحول النور إلى سوطه، فدعا أباه وزوجته إلى الإسلام فأسلما، وأبطأ عليه قومه في الإسلام، لكن لم يزل بهم حتى هاجر بعد الخندق، ومعه سبعون أو ثمانون بيتًا من قومه، وقد أبلى في الإسلام بلاء حسنًا، وقتل شهيدًا يوم اليمامة). التعليق: ضعيف.

الإسراء والمعراج

قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (3/ 100) ط. مكتبة المعارف: (....... هكذا ذكر محمد بن إسحاق قصة الطفيل بن عمرو مرسلة بلا إسناد، ولخبره شاهد في الحديث الصحيح). وقال الحافظ ابن حجر في الإصابة في تمييز الصحابة (3/ 522) ط. دار الجيل: (...... وذكرها ابن إسحاق في سائر النسخ بلا إسناد، وأخرجه ابن سعد أيضا مطولاً من وجه آخر، وكذلك الأموي عن ابن الكلبي بإسناد آخر ...). قال مجدي فتحي السيد في تحقيقه لسيرة ابن هشام رقم (371) ط. دار الصحابة: (خبر ضعيف). الإسراء والمعراج قوله: (ثم عرج به إلى الجبّار جل جلاله، فدنا منه حتى كان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما أوحى، وفرض عليه خمسين صلاة، فرجع حتى مرّ على موسى فقال له: بم أمرك ربك؟ قال: (بخمسين صلاة). قال: إن أمتك لا تطيق ذلك، ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فالتفت إلى جبريل، كأنه يستشيره في ذلك، فأشار: أن نعم إن شئت، فعلا به جبريل حتى أتى به الجبار - تبارك وتعالى -، وهو في مكانه - هذا لفظ البخاري في بعض الطرق - فوضع عنه عشرًا، ثم أنزل حتى مر بموسى، فأخبره، فقال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فلم يزل يتردد بين موسى وبين الله - عز وجل -، حتى جعلها خمسًا، فأمره موسى بالرجوع وسؤال التخفيف، فقال: (قد استحييت من ربي، ولكني أرضى وأسلم)، فلما بعد نادى مناد: قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي. انتهي. ثم ذكر ابن القيم خلافًا في رؤيته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ربه تبارك وتعالى، ثم ذكر كلامًا لابن تيمية بهذا الصدد، وحاصل البحث أن الرؤية بالعين لم تثبت أصلًا، وهو قول لم يقله

أحد من الصحابة. وما نقل عن ابن عباس من رؤيته مطلقًا ورؤيته بالفؤاد فالأول لا ينافي الثاني. ثم قال: وأما قوله تعالى في سورة النجم: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} [النجم: 8] فهو غير الدنو الذي في قصة الإسراء، فإن الذي في سورة النجم هو دنو جبريل وتدليه، كما قالت عائشة وابن مسعود، والسياق يدل عليه، وأما الدنو والتدلي في حديث الإسراء فذلك صريح في أنه دنو الرب تبارك وتعالى وتدليه، ولا تعرض في سورة النجم لذلك، بل فيه أنه رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى. وهذا هو جبريل، رآه محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على صورته مرتين: مرة في الأرض، ومرة عند سدرة المنتهى، والله أعلم. التعليق: قال الأرناؤوط في تحقيقه لزاد المعاد (3/ 35): (هذه الجملة، التي أخرجها البخاري في صحيحة (13/ 399،406) من طريق شريك بن عبد الله وهي من أوهامه التي تفرد بها فكان على المؤلف - رحمه الله - أن ينبه على ذلك. فقد قال الخطابي: (إن الذي وقع في هذه الرواية بالنسبة للتدلي للجبار - عز وجل - مخالف لعامة السلف والعلماء وأهل التفسير من تقدم منهم ومن تأخر وقد روي هذا الحديث عن أنس من غير طريق شريك فلم يذكر فيه هذه الألفاظ الشنيعة وذلك مما يقوي الظن أنها صادرة من جهة شريك. وقال عبدالحق الإشبيلي في الجمع بين الصحيحين: (زاد فيه شريك زيادة مجهولة وأتى فيه بألفاظ غير معروفة، وقد روى الإسراء جماعة من الحفاظ فلم يأت أحد منهم بما أتى به شريك وهو ليس بالحافظ). وقال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في تفسيره (5/ 7 - 8) ط. دار طيبة: (هكذا ساقه البخاري في كتاب التوحيد, ورواه في صفة النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - عن إسماعيل بن أبي أويس، عن أخيه أبي بكر عبد الحميد، عن سليمان بن بلال. ورواه مسلم عن هارون

اثنا عشر نقيبا

بن سعيد، عن ابن وهب، عن سليمان قال: فزاد ونقص وقدم وأخر, وهو كما قال مسلم فإن شريك بن عبد الله بن أبي نمر اضطرب في هذا الحديث وساء حفظه ولم يضبطه كما سيأتي بيانه - إن شاء الله - في الأحاديث الأخر, ومنهم من يجعل هذا مناماً توطئة لما وقع بعد ذلك والله أعلم. وقد قال الحافظ أبو بكر البيهقي: في حديث شريك زيادة تفرد بها, على مذهب من زعم أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى الله - عز وجل - يعني قوله, {ثُمَّ دَنَا} الجبار رب العزة {فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى}. قال: وقول عائشة، وابن مسعود، وأبي هريرة في حملهم هذه الآيات على رؤيته جبريل أصح. وهذا الذي قاله البيهقي - رحمه الله - في هذه المسألة هو الحق, فإن أبا ذر قال: يا رسوله الله هل رأيت ربك؟ قال: (نور أنى أراه) وفي رواية: (رأيت نوراً) أخرجه مسلم, وقوله: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} إنما هو جبريل - عليه السلام - , كما ثبت ذلك في الصحيحين عن عائشة أم المؤمنين, وعن ابن مسعود, وكذلك هو في صحيح مسلم عن أبي هريرة, ولا يعرف لهم مخالف من الصحابة في تفسير هذه الآية بهذا). انظر: - تفسير ابن كثير في مطلع سورة الإسراء فإنه قد أجاد وأفاد بما لا يوجد في مكان آخر. - الإسراء والمعراج وذكر أحاديثهما وتخريجها وبيان صحيحها من سقيمها للألباني. اثنا عشر نقيبًا قوله: (ولما تم اختيار هؤلاء النقباء أخذ عليهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ميثاقًا آخر بصفتهم رؤساء مسئولين. قال لهم: (أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء، ككفالة الحواريين لعيسى ابن مريم، وأنا كفيل على قومي) - يعنى المسلمين - قالوا: نعم). التعليق: مرسل ضعيف.

في دار الندوة [برلمان قريش]

قال الألباني في تخريجه لفقه السيرة للغزالي ص (150): (... وأما قوله في آخر القصة: (فقال لهم الرسول أنتم ...) فأخرجه ابن إسحاق (1/ 277) عن عبد الله بن أبي بكر مرسلا فهو ضعيف، ورواه ابن جرير (2/ 93) من طريق ابن إسحاق). في دار الندوة [برلمان (¬1) قريش] قوله: (ولما جاءوا إلى دار الندوة حسب الميعاد، اعترضهم إبليس في هيئة شيخ جليل، عليه بتلة، ووقف على الباب، فقالوا: من الشيخ؟ قال: شيخ من أهل نجد سمع بالذي اتعدتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون، وعسى ألا يعدمكم منه رأيًا ونصحًا. قالوا: أجل، فادخل، فدخل معهم. وبعد أن تكامل الاجتماع بدأ عرض الاقتراحات والحلول، ودار النقاش طويلًا. قال أبو الأسود: نخرجه من بين أظهرنا وننفيه من بلادنا، ولا نبالي أين ذهب، ولا حيث وقع، فقد أصلحنا أمرنا وألفتنا كما كانت. قال الشيخ النجدي: لا والله ما هذا لكم برأي، ألم تروا حسن حديثه، وحلاوة منطقه، وغلبته على قلوب الرجال بما يأتي به؟ والله لو فعلتم ذلك ما أمنتم أن يحل على حي من العرب، ثم يسير بهم إليكم ـ بعد أن يتابعوه ـ حتى يطأكم بهم في بلادكم، ثم يفعل بكم ما أراد، دبروا فيه رأيًا غير هذا. قال أبو البختري: احبسوه في الحديد وأغلقوا عليه بابًا، ثم تربصوا به ما أصاب أمثاله من الشعراء الذين كانوا قبله ـ زهيرًا والنابغة ـ ومن مضى منهم، من هذا الموت، حتى يصيبه ما أصابهم. قال الشيخ النجدي: لا والله ما هذا لكم برأي، والله لئن حبستموه - كما تقولون - ليخرجن أمره من وراء الباب الذي أغلقتم دونه إلى أصحابه، فلأوشكوا أن ¬

(¬1) كلمة برلمان: تعني مجلس الشعب، وهي كلمة أجنبية وقد تكررت هذه الكلمة في الكتاب ثلاث مرات، والأولى تجنبها.

يثبوا عليكم، فينزعوه من أيديكم، ثم يكاثروكم به حتى يغلبوكم على أمركم، ما هذا لكم برأي، فانظروا في غيره. وبعد أن رفض البرلمان هذين الاقتراحين، قدم إليه اقتراح آثم وافق عليه جميع أعضائه، تقدم به كبير مجرمي مكة أبو جهل بن هشام. قال أبو جهل: والله إن لى فيه رأيًا ما أراكم وقعتم عليه بعد. قالوا: وما هو يا أبا الحكم؟ قال: أرى أن نأخذ من كل قبيلة فتى شابًا جليدًا نَسِيبا وَسِيطًا فينا، ثم نعطى كل فتى منهم سيفًا صارمًا، ثم يعمدوا إليه، فيضربوه بها ضربة رجل واحد، فيقتلوه، فنستريح منه، فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعًا، فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعًا، فرضوا منا بالعَقْل، فعقلناه لهم. قال الشيخ النجدي: القول ما قال الرجل، هذا الرأي الذي لا رأي غيره. ووافق برلمان مكة على هذا الاقتراح الآثم بالإجماع، ورجع النواب إلى بيوتهم وقد صمموا على تنفيذ هذا القرار فورًا. التعليق: القصة واهية، وأسانيدها لا تصح. قال الشيخ: علي بن إبراهيم حشيش - حفظه الله - في العدد (409) من مجلة (التوحيد) (ص 53): (الحديث الذي جاءت به هذه القصة أخرجه أبو نعيم في (دلائل النبوة) (ص63 - 64)، والطبري في (تفسيره) (6/ 251، 252 ح: 15979)، والبيهقي في (دلائل النبوة) (2/ 466 - 468)، وابن أبي حاتم في (التفسير) (5/ 1686) (ح1994)، وابن سعد في (الطبقات) (1/ 109). التحقيق: القصة واهية، وأسانيدها لا تصح، تزداد بها وهنًا على وهن.

1 - قال ابن سعد في (الطبقات): أخبرنا محمد بن عمر. أ - قال: حدثني معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة. ب - قال: وحدثني ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين بن أبي غطفان، عن ابن عباس. جـ - قال: وحدثني قدامة بن موسى، عن عائشة بنت قدامة. د - قال: وحدثني عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي. هـ - قال: وحدثني معمر، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن مالك بن جُعْشم، عن سراقة بن جعشم. قلت: بهذا يتبين أن ابن سعد أخرج القصة في طبقاته عن: عائشة، وابن عباس وعائشة بنت قدامة، وعلي، وسراقه بن جعشم، ولكن من رواية محمد بن عمر وهو الواقدي. قال الإمام ابن حبان في (المجروحين) (2/ 290): (محمد بن عمر بن واقد الواقدي الأسلمي المدني، كان ممن يحفظ أيام الناس وسيرهم، وكان يروي عن الثقات المقلوبات وعن الأثبات المعضلات حتى ربما سبق إلى القلب أنه كان المتعمد لذلك، كان أحمد بن حنبل يكذبه. ثم قال: سمعت محمد بن المنذر، سمعت عباس بن محمد: سمعت يحيى بن معين يقول: الواقدي ليس بشيء. ثم قال: أخبرني محمد بن عبد الرحمن: سمعت أبا غالب بن بنت معاوية بن عمرو: سمعت علي بن المديني يقول: الواقدي يضع الحديث. اهـ. قلت: وأورده (¬1) الإمام البخاري في (الضعفاء الصغير) ترجمة (334) وقال: (محمد بن عمر الواقدي متروك الحديث). اهـ. ¬

(¬1) قال الشيخ عبد الله بن مانع - حفظه الله -: (الأولى أن نقول: ترجمه الإمام البخاري، وكذا النسائي في الضعفاء والمتروكين).

وأورده الإمام النسائي في (الضعفاء والمتروكين) ترجمة (531) وقال: (محمد بن عمر الواقدي، متروك الحديث). قلت: وهذا المصطلح عند النسائي له معناه حيث قال الحافظ ابن حجر في (شرح النخبة) باب (68) مراتب الجرح: (كان مذهب النسائي أن لا يترك حديث الرجل حتى يجتمع الجميع على تركه). 2 - قال أبو نعيم في (دلائل النبوة): حدثنا حبيب بن الحسن، قال: حدثنا محمد بن يحيى المروزي، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب، قال: حدثنا إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق، عمن لا يتهم من أصحابنا، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد أبي الحجاج، عن ابن عباس - رضي الله عنهما -. وحدثنا سليمان بن أحمد، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن البراء، قال: حدثنا الفضل بن غانم، قال: حدثنا سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق قال: حدثني عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد بن جبر المكي، عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -. قال: وحدثنا محمد بن إسحاق، حدثنا الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس - رضي الله عنهما -. قلت: بهذا يتبين أن أبا نعيم أخرج القصة في (دلائل النبوة) من ثلاثة طرق عن ابن عباس - رضي الله عنهما -. الطريق الأول: فيه علتان: الأولى: تدليس محمد بن إسحاق.

فقد أورده الحافظ ابن حجر في (طبقات المدلسين) في الطبقة الرابعة رقم (9) وقال: (محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي المدني صاحب المغازي مشهور بالتدليس عن الضعفاء والمجهولين وعن شر منهم، وصفه بالتدليس ابن حبان). اهـ. قلت: حكم رواية أصحاب هذه الطبقة: قال الحافظ ابن حجر في مقدمة كتاب (طبقات المدلسين): (الرابعة: من اتفق على أنه لا يُحتج بشيء من حديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع لكثرة تدليسهم على الضعفاء والمجاهيل). قلت: وابن إسحاق في هذا الطريق عنعن ولم يصرح بالسماع. الثانية: جهالة شيخ ابن إسحاق. يتبين ذلك من السند: (عن محمد بن إسحاق عن من لا يتهم من أصحابنا)، وهذا النوع من أنواع المجهول يسمى (المبهم) وهو من لم يصرح باسمه (ومبهم ما فيه راوٍ لم يُسم)، ومن أبهم اسمه، جهلت عينه وجهلت عدالته من باب أولى، فلا تقبل روايته. وكما بينا آنفًا من أقوال أئمة الجرح والتعديل: أن ابن إسحاق مشهور بالتدليس عن الضعفاء والمجهولين وعن شر منهم. قلت: ولذلك نقل الحافظ ابن حجر في (التهذيب) (9/ 36) عن يعقوب بن شيبة قال: سمعت ابن نمير يقول: (إنما أُتِيَ - يعني ابن إسحاق - من أنه يحدث عن المجهولين أحاديث باطلة). اهـ. قلت: وهذه القصة منها حيث حَدَّثَ فيها عن مجهولين فهي باطلة كما بينا آنفًا. الطريق الثاني: وفيه علتان أيضًا: العلة الأولى: سلمة بن الفضل:

أ - قال الإمام البخاري في كتاب (الضعفاء الصغير) رقم (149): (سلمة بن الفضل بن الأبرش سمع ابن إسحاق، عنده مناكير وفيه نظر). اهـ. قلت: وهذا المصطلح عند البخاري له معناه، يظهر هذا من قول السيوطي في «تدريب الراوي» (1/ 349): (البخاري يطلق: فيه نظر، وسكتوا عنه فيمن تركوا حديثه، ويطلق منكر الحديث على من لا تحل الرواية عنه) (¬1). قلت: وبهذا يتبين أن سلمة بن الفضل متروك الحديث فلا يصلح حديثه للاحتجاج ولا المتابعات ولا الشواهد. ب - قال الإمام النسائي في (الضعفاء والمتروكين) رقم (241): (سلمة بن الفضل بن الأبرش: أبو عبد الله ضعيف، يروي عن ابن إسحاق المغازي). جـ - أورده الحافظ ابن حجر في (التهذيب) (4/ 135) وقال: (سلمة بن الفضل بن الأبرش الأنصاري مولاهم أبو عبد الله الأزرق، قال البخاري: عنده مناكير وهَّنه علي بن المديني قال علي: ما خرجنا من الري حتى رمينا بحديثه، قال البرذعي عن أبي زرعة: كان أهل الري لا يرغبون فيه لمعان فيه من سوء رأيه وظلم فيه، وأما إبراهيم بن موسى فسمعته غير مرة وأشار أبو زرعة إلى لسانه يريد الكذب). اهـ. قلت: ولذلك أشار الحافظ ابن حجر إلى سوء حفظه في (التقريب) (1/ 318): فقال: (كثير الخطأ). اهـ. قلت: لذلك قال الحافظ العراقي في (فتح المغيث) (ص7): (من كثر الخطأ في حديثه وفحش استحق الترك وإن كان عدلاً). ¬

(¬1) قال الشيخ عبد الله بن مانع - حفظه الله -: (فيه نظر عند البخاري تطلق على من عنده مناكير، ولم يصل إلى حد الترك. قال ابن حجر في بذل الماعون: إن البخاري يطلقها على من يكون وسطا. هذا ما تحرر لي).

فانظر إلى الترابط الشديد بين قول الإمام البخاري: «فيه نظر» ومعناه وبين قول الحافظ العراقي وتلميذه ابن حجر. العلة الثانية: الفضل بن غانم: أورده الإمام الذهبي في «الميزان» (3/ 357) وقال: (الفضل بن غانم الخزاعي قال يحيى: ليس بشيء، وقال الدارقطني: ليس بالقوي، وقال الخطيب: ضعيف). قلت: ومصطلح (ليس بشيء) يقوله يحيى بن معين في الكذابين والمتروكين، كذلك في أهل الغفلة والاضطراب الذين يُرد حديثهم، وفي المبتدعة والمقلين. كذا في (التهذيب) (1/ 509). الطريق الثالث: وفيه أيضًا علتان: العلة الأولى: الكلبي: أورده الإمام الذهبي في (الميزان) ترجمة (7574) وقال: (محمد بن السائب الكلبي، أبو النضر الكوفي المفسر النَّسَّابَة الأخباري، قال ابن معين: (الكلبي ليس بثقة)، وقال الجوزجاني وغيره: كذاب. وقال الدارقطني وجماعة: متروك). قال النسائي في (الضعفاء والمتروكين) ترجمة (514): (أبو النضر الكلبي: متروك الحديث). وقال البخاري في (الضعفاء الصغير) ترجمة (322): (أبو النضر الكلبي تركه يحيى بن سعيد). العلة الثانية: أبو صالح. قال الإمام ابن حبان في (المجروحين) (2/ 255): (محمد بن السائب الكلبي يروي عن أبي صالح عن ابن عباس التفسير، وأبو صالح لم ير ابن عباس ولا سمع منه شيئًا، ولا سمع الكلبي من أبي صالح، لا يحل ذكره في الكتب فكيف الاحتجاج به؟). اهـ.

قلت: بهذا يتبين أن الطرق الثلاثة التي أخرجها أبو نعيم تزيد القصة وهنًا على وهن لما فيها من كذابين ومتروكين ومجهولين ومدلسين. 3 - ابن جرير الطبري في (التاريخ) (1/ 566) أخرج القصة من ثلاثة طرق: الأول: نفس طريق سلمة بن الفضل بن الأبرش الذي أخرجه أبو نعيم وبينا أنه طريق تالف. والثاني: من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس. قلت: ولقد بينا آنفًا أن هذا الطريق أوهى من سابقه. والثالث: من طريق سلمة عن محمد بن إسحاق قال: حدثني الحسن بن عمارة عن الحكم بن عتيبة عن مقسم عن ابن عباس. قلت: وهذا الطريق تالف فيه سلمة بن الفضل وهو متروك كما بينا آنفًا، والحكم بن عتيبة مدلس كما في (التقريب) (1/ 192) وقد عنعن. 4 - وأخرج القصة ابن جريج الطبري في (التفسير) (6/ 251 - 252 ح15979) من طريقين: الأول: هو نفس الطريق الأول الذي أخرجه أبو نعيم والذي بينا ضعفه آنفًا. الثاني: من طريق الكلبي عن باذام مولى أم هانئ عن ابن عباس. قلت: وباذام مولى أم هانئ هو أبو صالح كما في (التقريب) (1/ 93). وهذا هو الطريق الثالث الذي أخرجه أبو نعيم وهو طريق تالف كما بينا آنفًا. ملحوظة: وقع تصحيف في السند في تفسير ابن جرير حيث جاء اسم أبي صالح (زاذان مولى أم هانئ)، ويجب أن يصحح إلى (باذام مولى أم هانئ) كما في (التقريب) (1/ 93) وقال الحافظ ابن حجر: (ضعيف مدلس)، وقد عنعن فيزداد الطريق ضعفًا على ضعفه.

إذ هما في الغار

5 - وأخرج القصة ابن أبي حاتم في (التفسير) (5/ 1686) (ح1994) من نفس الطريق الواهي (¬1) الذي أخرجه أبو نعيم من طريق ابن إسحاق من حديث مجاهد عن ابن عباس ويظهر فيه التدليس والاضطراب. 6 - وأخرجه البيهقي في (الدلائل) عن محمد بن إسحاق من نفس الطرق التي بينا ضعفها من مدلسين ومجهولين وكذابين ومتروكين ...). انتهى كلام الشيخ علي حشيش - حفظه الله - وحرصت على نقله كاملا؛ لأهميته ونفاسته. انظر: - ما شاع ولم يثبت في السيرة للعوشن ص (72 - 77) فإنه أجاد وأفاد. - محمد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منهج ورسالة لمحمد الصادق عرجون (2/ 498) وما بعدها. إذ هما في الغار قوله: (ولما انتهيا إلى الغار قال أبو بكر: والله لا تدخله حتى أدخل قبلك، فإن كان فيه شيء أصابني دونك، فدخل فكسحه، ووجد في جانبه ثقبًا فشق إزاره وسدها به، وبقى منها اثنان فألقمهما رجليه، ثم قال لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ادخل، فدخل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ووضع رأسه في حجره ونام، فلدغ أبو بكر في رجله من الجحر، ولم يتحرك مخافة أن ينتبه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فسقطت دموعه على وجه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: (ما لك يا أبا بكر؟) قال: لدغت، فداك أبي وأمي، فتفل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فذهب ما يجده). التعليق: موضوع. قال الشيخ: علي بن إبراهيم حشيش - حفظه الله - في كتابه تحذير الداعية من القصص الواهية ص (7 - 9) ط. دار العقيدة: ¬

(¬1) قال الشيخ عبد الله بن مانع - حفظه الله -: (الأصح: من الطريق الواهي نفسه).

(وقد أورد هذه القصة التبريزى فى (مشكاة المصابيح) (3/ 1700) ح (6034) مناقب أبى بكر ح (16) تحقيق الشيخ الألبانى رحمه الله. قلت: بالنظر إلى حاشية الكتاب لم نجد لهذه القصة تخريجاً ولا تحقيقاً. المسالة الثانية: تخريج القصة. الحديث أورده البيهقي في (دلائل النبوة) (2/ 476، 477) قال: " أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران العدل ببغداد، قال: حدثنا أحمد بن سلمان النجار الفقيه إملاء قال: قرئ على يحيى بن جعفر وأنا أسمع، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن إبراهيم الراسبي، قال: حدثني فرات بن السائب، عن ميمون بن مهران، عن ضبة بن محصن العنزي، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فذكر القصة. المسألة الثالثة: تحقيق القصة: القصة (موضوعة. والموضوع هو الكذب المختلق المصنوع المنسوب إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأجمع العلماء على أنه لا تحل روايته لأحد علم حاله في أي معنى كان إلا مع بيان سبب وضعه (كذا في التدريب) (1/ 274). وآفات القصة: 1 - عبد الرحمن بن إبراهيم الراسبي. أورده الإمام الذهبي في " الميزان " (2/ 545) ترجمة (4804) ثم قال: (عبد الرحمن بن إبراهيم الراسبي عن مالك أتى بخبر باطل طويل، وهو المتهم به، وأتى عن فرات بن السائب، عن ميمون بن مهران، عن ضبة بن محصن، عن أبي موسى بقصة الغار - وهو يشبه وضع الطرقية). قلت: وأقر الحافظ ابن حجر في (لسان الميزان) (3/ 491) ترجمة (602/ 4953) قول الإمام الحافظ الذهبي في قصة الغار بأنه شبه وضع الطرقية.

2 - فرات بن السائب أورده الإمام الذهبي في (الميزان) (3/ 341) ترجمة (6689) ثم قال: (فرات بن السائب عن ميمون بن مهران). قال البخاري: منكر الحديث. وقال ابن معين: ليس بشيء. وقال الدارقطنى وغيره: متروك. وقال أحمد بن حنبل: قريب من محمد بن زياد الطحان فى ميمون يتهم بما يتهم به ذلك)، قلت: وأقر الحافظ ابن حجر في (لسان الميزان) (4/ 503، 504) ترجمة (11/ 6522) قول الإمام الذهبي ثم قال: (وقال أبو حاتم الرازي: ضعيف الحديث، منكر الحديث. وقال الساجي: تركوه. وقال النسائي: متروك الحديث). قلت: وقول النسائي فى فرات: (متروك الحديث) أورده في (الضعفاء والمتروكين) ترجمة (488) وحسبك قول الحافظ ابن حجر في (شرح النخبة) ص (69): (كان مذهب النسائي أن لا يترك حديث الرجل حتى يجتمع الجميع على تركه) قلت: وما نقله الذهبي عن البخاري فى فرات أنه منكر الحديث وإقرار الحافظ ابن حجر له في " اللسان " حققناه فوجدناه فى التاريخ الكبير " (7/ 130) حيث قال البخاري: "فرات بن السائب أبو سليمان عن ميمون بن مهران تركوه منكر الحديث". قلت: وهذا التحقيق يحسبه القارئ الكريم أنه هين، ولكنه عند علماء هذا الفن العظيم، خاصة في علم الحديث التطبيقي في مثل هذه المسائل.

حيث يظهر هذا من تنبيهات السيوطي في " التدريب " (1/ 349) حيث قال: " البخاري يطلق منكر الحديث على من لا تحل الرواية عنه ". قلت: وزيادة للفائدة لطالب هذا الفن نبين ما نقله الذهبي عن ابن معين فى فرات أنه " ليس بشيء ". قال ابن أبى حاتم فى كتابه " الجرح والتعديل " (3/ 321) ترجمة (1439): " عن يحيى بن معين أنه قال: لا شيء يعني - ليس بثقة ". قلت: بهذا التحقيق في فرات يتضح ما أورده الإمام ابن حبان فى" المجروحين " (2/ 207) حيث قال: " الفرات بن السائب الجزرى، يروي عن ميمون بن مهران، كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات، ويأتي بالمعضلات عن الثقات، لا يجوز الاحتجاج به، ولا الرواية عنه، ولا كتابة حديثه إلا على سبيل الاختبار ". قلت: وهذا التحقيق له فائدة عظيمة لطالب هذا الفن، وعندما يقارن بين قول ابن حبان الذي ذكرناه آنفاً في فرات بن السائب، وبين ما قاله الحافظ ابن حجر في: " التقريب " (1/ 292) في ميمون بن مهران حيث قال: " ميمون بن مهران الجزرى، أبو أيوب - أصله كوفي، نزل الرقة، ثقة فقيه، ولي الجزيرة لعمر بن عبد العزيز ". ا. هـ فائدة: قصة العنكبوت والحمامتين عند الغار لم تثبت فقد حكم عليها بالضعف كل من: - العلامة أحمد شاكر في تحقيقه للمسند (4/ 193، 5/ 87). - العلامة الألباني في الضعيفة حديث رقم (1128). - العلامة ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين (2/ 525). - الدكتور أكرم العمري في " السيرة النبوية الصحيحة " (1/ 208).

إذ هما في الغار

- الشيخ علي حشيش في تحذير الداعية ص (70 - 77). إذ هما في الغار قوله: (ولما لم يحصلوا من عليّ على جدوى جاءوا إلى بيت أبي بكر وقرعوا بابه، فخرجت إليهم أسماء بنت أبي بكر، فقالوا لها: أين أبوك؟ قالت: لا أدري والله أين أبي؟ فرفع أبو جهل يده ـ وكان فاحشًا خبيثًا ـ فلطم خدها لطمة طرح منها قرطها ... وأصبح صوت بمكة عاليًا يسمعونه ولا يرون القائل: جزى الله رب العرش خير جزائه ... رفيقين حَلاَّ خيمتي أم مَعْبَدِ هما نزلا بالبِرِّ وارتحلا به ... وأفلح من أمسى رفيق محمد فيا لقُصَىّ ما زَوَى الله عنكم ... به من فعال لا يُحَاذى وسُؤْدُد لِيَهْنِ بني كعب مكان فَتاتِهم ... ومقعدُها للمؤمنين بَمْرصَد سَلُوا أختكم عن شاتها وإنائها ... فإنكم إن تسألوا الشاة تَشْهَد قالت أسماء: ما درينا أين توجه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذ أقبل رجل من الجن من أسفل مكة فأنشد هذه الأبيات، والناس يتبعونه ويسمعون صوته ولا يرونه حتى خرج من أعلاها. قالت: فلما سمعنا قوله عرفنا حيث توجه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأن وجهه إلى المدينة). التعليق: القصة ليست صحيحة. قال الشيخ: علي بن إبراهيم حشيش - حفظه الله - في كتابه تحذير الداعية من القصص الواهية ص (306 - 313) ط. دار العقيدة: (القصة ليست صحيحة. رواها ابن إسحاق كما في "السيرة" (2 - ... 109) لابن هشام. حيث أوردها في "سيرة النبي" (2 - 109) (ح513) فذكر أن ابن إسحاق قال: "فَحُدِّثْتُ عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت: لما خرج رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... " القصة.

طريق آخر للقصة

قلت: فسند القصة منقطع، يشهد لذلك صيغة الرواية في قول ابن إسحاق: "فَحُدّثتُ" التي جاءت بصيغة المبني للمجهول، التي تدل على أن هناك سقطًا في الإسناد. ويشهد لانقطاع السند أيضًا قول الحافظ ابن حجر في "التقريب" (2 - 144): "محمد بن إسحاق بن يسار، أبو بكر، المطلبي، مولاهم المدني، نزيل العراق، إمام المغازي صدوق يدلس". قلت: ورواية السند بصيغة المبني للمجهول فيها إسقاط في السند، وهذا أشد من تدليس الشيوخ، حيث يتسبب في تضييع المروي عنه، وتوعير طريق معرفته على السامع. قال الإمام الذهبي في "الميزان" (3 - 468 - 7197): "محمد بن إسحاق بن يسار، أبو بكر، المخرمي، مولاهم المدني. ما له عندي ذنب إلا قد حشا في السيرة من الأشياء المنكرة المنقطعة والأشعار المكذوبة". قلت: وذكر الإمام المزي في "تهذيب الكمال" (16 - 78 - 5644): أن يعقوب بن شيبة قال: سمعت محمد بن عبد الله بن نمير، وذكُر ابن إسحاق فقال: إذا حدث عمن سمع منه من المعروفين فهو حسن الحديث صدوق، وإنما أُتي من أنه يحدّث عن المجهولين أحاديث باطلة. قلت: وبهذا التحيقيق تصبح هذه القصة باطلة؛ حيث يُحدّث فيها ابن إسحاق عن المجهولين. طريق آخر للقصة هذا الطريق ذُكر فيه الرجل من الجن الذي أقبل من أسفل مكة يتغنى بأبيات من شعر غناء العرب، ولم يُذكر فيه لطم أبي جهل لأسماء بنت أبي بكر.

والقصة من هذا الطريق جاءت من حديث زيد بن أرقم، وأنس بن مالك، والمغيرة بن شعبة يتحدثون أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة الغار أمر الله شجرة فنبتت في وجه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسترته، وأمر الله العنكبوت فنسجت على وجهه فسترته، وأمر الله حمامتين وحشيتين فوقفتا بفم الغار، وأقبل فتيان قريش، من كل بطن رجل، بأسيافهم وعصيهم وهراواتهم حتى إذا كانوا من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قدر أربعين ذراعًا، نظر أولهم فرأى الحمامتين فرجع فقال له أصحابه: ما لك لم تنظر في الغار؟ قال: رأيت حمامتين وحشيتين بفم الغار فعرفت أن ليس فيه أحد. قال: فسمع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قوله، فعرف أن الله قد درأ عنه بهما، ...... قالوا: وكانت لأبي بكر منيحة غنم يرعاها عامر بن فهيرة، وكان يأتيهم بها ليلاً فيحتلبون، فإذا كان سَحَر سرح مع الناس، قالت عائشة: وجهزناهما أحب الجهاز، وصنعنا لهما سفرة في جراب، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فأوكت به الجراب، وقطعت أخرى فصيرته عصامًا لفم القربة، فبذلك سميت ذات النطاقين، ومكث رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأبو بكر في الغار ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر، واستأجر أبو بكر رجلاً من بني الديل هاديًا خريتًا يقال له: عبد الله بن أريقط، وهو على دين الكفر، ولكنهما أمناه فارتحلا ومعهما عامر بن فهيرة، فأخذ بهم ابن أريقط يرتجز، فما شعرت قريش أين وجّه رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حتى سمعوا صوتًا من جني من أسفل مكة ولا يرى شخصه يقول: جزى الله رب الناس خير جزائه ... رفيقين حلا خيمتي أم معبد هما نزلا بالبر ثم تروَّحا ... فأفلح من أمسى رفيق محمد التخريج القصة من هذا الطريق وبهذا اللفظ، أخرجها ابن سعد في "الطبقات" (1 - 110)، حيث قال: "أخبرنا مسلم بن إبراهيم، أخبرنا عون بن عمرو القيسي أخو رياح القيسي،

أخبرنا أبو مصعب المكي قال: أدركت زيد بن أرقم، وأنس بن مالك، والمغيرة بن شعبة فسمعتهم يتحدثون أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... " فذكر القصة. التحقيق القصة من هذا الطريق ليست صحيحة، وسندها لا يصلح للمتابعات والشواهد، وفي السند علتان: الأولى: عون بن عمرو القيسي. أورده الذهبي في "الميزان" (3 - 306 - 6535) حيث قال: "عون بن عمرو، أخو رياح بن عمرو، بصري، قال ابن معين: لا شيء، وقال البخاري: عون بن عمرو القيسي جليس لمعتمر، منكر الحديث مجهول". قلت: 1 - من أشد صيغ الجرح عند البخاري قوله: "فلان منكر الحديث". يظهر ذلك من قول السيوطي في "التدريب" (1 - 349): "البخاري يطلق (فيه نظر)، و (سكتوا عنه) فيمن تركوا حديثه، ويطلق (منكر الحديث) على من لا تحل الرواية عنه". 2 - قول ابن معين: (لا شيء)، فسره الإمام ابن أبي حاتم في كتابه "الجرح والتعديل" (3 - 321) حيث قال: "معنى قول ابن معين: "لا شيء": ليس بثقة". قلت: ولقد أورد الإمام الذهبي في "الميزان" (3 - 307) هذه القصة وبهذا الطريق وجعلها من مناكير عون بن عمرو، حيث قال: "مسلم بن إبراهيم، حدثنا عون بن عمرو، سمعت أبا مصعب المكي يقول: أدركت زيد بن أرقم وأنسًا والمغيرة بن شعبة وسمعتهم يتحدثون أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة الغار قال: أمر الله شجرة نبتت في وجه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسترته، وأمر الله حمامتين وحشيتين فوقفتا بفم الغار ... " الحديث. وأبو مصعب لا يعرف.

قلت: وهذه هي العلة الثانية. فمتن القصة يدور حول ثلاث جمل: الأولى: لطم أبي جهل لأسماء، وقد أثبتنا أن هذه الجملة "واهية" كما بيّنا في التحقيق آنفًا. الثانية: عدم دراية بنت أبي بكر بمكان رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد أثبتنا أن هذه الجملة غير صحيحة، ومنكرة، كما هو مبيّن في التحقيق، وسنبين البديل الصحيح دراية بنت أبي بكر بمكان الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقيامهم بالإمداد والتمويه والإخبار. الثالثة: إقبال رجل من الجن من أسفل مكة يتغنى بأبيات من الشعر من غناء العرب. وهذه الجملة أثبتنا أنها باطلة، وأن الطريق الآخر الذي جاءت فيه باطل، لا يصلح للمتابعات والشواهد، لما فيه من متروكين ومجهولين. قلت: وهناك روايات أخرى يذكر فيها هذا الشعر دون ذكر لجملة لطم أبي جهل لأسماء، ودون ذكر للرجل من الجن أقبل والناس يتبعونه، كما في الرواية التي أخرجها الطبراني في "الكبير" (4 - 48) (ح3605). وهذه أيضًا رواية (غير صحيحة)، حيث أوردها الهيثمي في "مجمع الزوائد" (5 - 58) وقال: "وفي إسناده جماعة لم أعرفهم").انتهى كلامه. فائدة: قصة مرور النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر الصديق - رضي الله عنه - بأم معبد في طريق الهجرة. - قال عنها ابن كثير - رحمه الله - في البداية والنهاية (3/ 190): (وقصتها مشهورة مروية من طرق يشد بعضها بعضاً).

في الطريق إلى المدينة قصة إسلام بريدة الأسلمي

- وقال ابن حجر في الإصابة (5/ 605): (أخرجها الطبراني من حديث قيس بن النعمان بسند صحيح وسياق أتم). - قال الألباني في تخريج المشكاة حديث رقم (5943): (ضعيف وقد يرتقي إلى درجة الحسن بتعدد طرقه). وقال أيضاً في تخريج فقه السيرة للغزالي: (فالحديث بهذه الطرق لا ينزل عن رتبة الحسن). - وحسنه الأرناؤوط في تخريجهما لزاد المعاد (3/ 57). - وقال الدكتور العمري في كتابه السيرة النبوية الصحيحة (1/ 212 - 215): (وكذا لا يخلو من طريق من طرقها من العلل القادحة، وهي بمجموع طرقها لا تصلح للاحتجاج بها في موضوعات المعجزات. ولكن حديثي التابعي الكبير عبد الرحمن بن أبي ليلى والصحابي جابر بن عبد الله هما أمثل طرق قصة أم معبد يعتضدان إلى الحسن لغيره. لكنهما لا يقويان على مناهضة حديث قيس بن النعمان من طريق الطيالسي فإنه حسن لذاته بل يرى ابن حجر أنه صحيح). في الطريق إلى المدينة قصة إسلام بريدة الأسلمي قوله: (وعن عبد الله بن بريدة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يتفاءل ولا يتطير، فركب بريدة في سبعين راكبًا من أهل بيته من بني سهم، فلقى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال له: (ممن أنت؟) قال: من أسلم، فقال لأبي بكر: سلمنا، ثم قال: (مِنْ بني مَنْ؟) قال: من بني سهم. قال: (خرج سهمك). قال في الهامش: أسد الغابة 1/ 209.

التعليق: ضعيف جداً قال الألباني - رحمه الله - في السلسلة الضعيفة (11/ 711 - 776) حديث رقم (5450): (ضعيف جداً. رواه ابن أبي خيثمة في "التاريخ" (ص 21 - مصورة الجامعة الإسلامية) (¬1)، وابن عبدالبر في "التمهيد" (24/ 73)، وابن عدي في "الكامل" (ق 28/ 2)، والخطابي في "غريب الحديث" (ق 33/ 1 - ظاهرية و 1/ 180 - 181 - جامعة أو القرى) عن الحسين بن حريث: حدثنا أوس ابن عبد الله بن بريدة: حدثني الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه: فذكره ... قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ أوس هذا متروك؛ كما قال الدارقطني. ونحوه قول البخاري: "فيه نظر". وله طريق أخرى، ولكنها واهية أيضاً؛ لأنها من رواية عبد العزيز بن عمران: حدثنا أفلح بن سعيد عن سليمان بن فروة، عن أبيه، عن بريدة الأسلمي به مختصراً؛ أخرجه البزار في "مسنده" (2/ 301 - 302 - كشف الأستار)، وقال: "لا نعلم رواه إلا بريدة، ولا نعلم له إلا هذا الطريق"! كذا قال! والطريق الأولى ترد عليه. وقد أعل هذه الهيثمي في "المجمع" (6/ 55) بقوله: "وعبد العزيز بن عمران الزهري متروك". (تنبيه): كان الداعي إلى تخريج الحديث: أنني شرعت قريباً في أواسط شهر الله المحرم سنة (1404) في اختصار كتاب ابن قيم الجوزية: "تحفة المودود في أحكام المولود"، فمر بي هذا الحديث، وقد عزاه في موضع لابن أبي خيثمة، وفي آخر لأبي عمر بن عبدالبر في "الاستذكار"؛ ساكتاً عليه فيهما، فتذكرت أن شيخه ابن تيمية كان قد ذكر طرفاً منه في كتابه "الكلم الطيب" الذي كنت حققته وخرجت أحاديثه، ثم طبعته سنة (1385) في ¬

(¬1) طبع قبل سنتين. قاله ابن مانع.

المكتب الإسلامي، ذكره مع أحاديث أخرى (ص 125 - 127) قائلاً: "هذه الأحاديث في (الصحاح) ". فعلقت عليه يومئذ بأنني لم أعثر عليه، وأبديت شكي في كونه في "الصحاح"! والآن تأكدت من خطأ عزوه إليها، وتبينت أن إسناد الحديث ضعيف جداً: والله تعالى هو الموفق الهادي. واعلم أن ابن أبي خيثمة: هو الحافظ أحمد بن زهير بن حرب النسائي البغدادي صاحب "التاريخ الكبير"، فالظاهر أن ابن القيم منه نقله، ومن طريقه: أخرجه ابن عبدالبر في "الاستذكار"؛ فقد رأيته أخرجه في "الاستيعاب" أيضاً في ترجمة بريدة بن الحصيب - رضي الله عنه - من رواية قاسم بن أصبغ قال: أخبرنا أحمد بن زهير: قال: أخبرنا حسين بن حريث، عن الحسين بن واقد به، وزاد في أوله: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يتطير، ولكن يتفاءل، فركب بريدة في سبعين راكباً ... وهكذا أورده ابن القيم أيضاً في "مفتاح دار السعادة" - من رواية "الاستذكار" -: "الحسين بن حريث عن الحسين بن واقد"؛ ليس بينهما (أوس بن عبد الله) المتروك! وكأنه سقط من بعض النساخ، بدليل أنه زاد فيه - أعني: "الاستذكار" - عقب الحديث: "قال أحمد بن زهير: قال لنا أبو عمار [قلت: هو الحسين بن حريث]: سمعت أوساً يحدث هذا الحديث بعد ذلك عن أخيه سهل بن عبد الله، عن أبيه عبد الله بن بريدة، فأعدت ثلاثاً: من حدثك؟ قال: سهل أخي". قلت: فهذا صريح في أن ابن حريث سمع الحديث أولاً من أوس يحدث به عن ابن واقد، ثم سمعه بعد منه عن أخيه سهل بن عبد الله، وهو متروك أيضاً.

فهذا يدلنا على أمرين: الأول: أن مدار الحديث عند ابن عبدالبر في كتابيه على أوس. والآخر: أن أوساً كان يضطرب في إسناده: فمرة يرويه عن ابن واقد - وهو صدوق -، وأخرى عن أخيه سهل المتروك. ويؤيد الأول: أن السيوطي أورد الزيادة التي عند ابن عبدالبر في كتابه "الجامع الصغير" من رواية الحكيم، والبغوي عن بريدة. فقال المناوي في "شرحه" عليه: "ورواه عنه قاسم بن أصبغ، وسكت عليه عبدالحق مصححاً له. قال ابن القطان: وما مثله يصحح؛ فإن فيه أوس بن عبد الله بن بريدة، منكر الحديث". وقد عرفت أن الحديث عند ابن عبد البر من طريق قاسم بن أصبغ؛ ففيه إذن أوس بن عبد الله؛ وهو متروك ... ثم إن مما يؤكد ضعف هذا الحديث: أن أوس بن عبد الله قد خالفه في متنه قتادة - الإمام الثقة - فرواه عن عبد الله بن بريدة عن أبيه مرفوعاً بلفظ آخر، تراه مخرجاً في الكتاب الآخر: "الصحيحة" (762)، فليراجعه من شاء) (¬1). ¬

(¬1) قلت (الملاح): (الموجود في الصحيحة (2/ 400) حديث رقم (762): " كان لا يتطير من شيء وكان إذا بعث عاملا سأل عن اسمه، فإذا أعجبه اسمه فرح به ورؤي بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسمه رؤي كراهية ذلك في وجهه، وإذا دخل قرية سأل عن اسمها، فإن أعجبه اسمها، فرح بها ورؤي بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسمها رؤي كراهية ذلك في وجهه ". أخرجه أبو داود (2/ 859) وابن حبان (1430) وتمام في " الفوائد " (109/ 2) وأحمد (5/ 347 - 348) وابن عساكر (2/ 136 / 1) عن هشام عن قتادة عن عبد الله بن بريدة عن أبيه مرفوعا. وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين).

الدخول في المدينة

الدخول في المدينة قوله: (ثم سار النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد الجمعة حتى دخل المدينة - ومن ذلك اليوم سميت بلدة يثرب بمدينة الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويعبر عنها بالمدينة مختصرًا - وكان يومًا مشهودًا أغر، فقد ارتجت البيوت والسكك بأصوات الحمد والتسبيح، وتغنت بنات الأنصار بغاية الفرح والسرور: طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ... ما دعا لله داع أيها المبعوث فينا ... جئت بالأمر المطاع) التعليق: ضعيف. قال الألباني - رحمه الله - في السلسلة الضعيفة (2/ 63) حديث رقم (598): (ضعيف. رواه أبو الحسن الخلعي في " الفوائد " (59/ 2) وكذا البيهقي في " دلائل النبوة " (2/ 233 - ط) عن الفضل بن الحباب قال: سمعت عبد الله (¬1) بن محمد بن عائشة يقول فذكره. وهذا إسناد ضعيف رجاله ثقات، لكنه معضل سقط من إسناده ثلاثة رواة أو أكثر، فإن ابن عائشة هذا من شيوخ أحمد وقد أرسله. وبذلك أعله الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (2/ 244). ثم قال البيهقي كما في تاريخ ابن كثير (5/ 23): " وهذا يذكره علماؤنا عند مقدمه المدينة من مكة لا أنه لما قدم المدينة من ثنيات الوداع عند مقدمه من تبوك ". وهذا الذي حكاه البيهقي عن العلماء جزم به ابن الجوزي في " تلبيس إبليس " (ص 251 تحقيق صاحبي الأستاذ خير الدين وانلي)، لكن رده المحقق ابن القيم فقال في " الزاد " (3/ 13): وهو وهم ظاهر ¬

(¬1) قلت (الملاح): (لعله خطأ مطبعي فإن صوابه (عبيدالله) كما ذكر الألباني في حديث رقم (6510) حيث قال: (واسمه: عبيد الله بن محمد بن حفص .. القرشي التيمي، يعرف بـ (العيشي) وبـ (العائشي) وبـ (ابن عائشة)، لأنه ولد عائشة بنت طلحة بن عبيد الله، وهو راوي قصة "طلع البدر علينا ... "، ومضت) (2/ 63).

لأن " ثنيات الوداع " إنما هي ناحية الشام لا يراها القادم من مكة إلى المدينة ولا يمر بها إلا إذا توجه إلى الشام ". ومع هذا فلا يزال الناس يرون خلاف هذا التحقيق، على أن القصة برمتها غير ثابتة كما رأيت! (تنبيه): أورد الغزالي هذه القصة بزيادة: " بالدف والألحان " ولا أصل لها كما أشار لذلك الحافظ العراقي بقوله: " وليس فيه ذكر للدف والألحان ". وقد اغتر بهذه الزيادة بعضهم فأورد القصة بها، مستدلا على جواز الأناشيد النبوية المعروفة اليوم! فيقال له: " أثبت العرش ثم انقش "! على أنه لوصحت القصة لما كان فيها حجة على ما ذهبوا إليه كما سبقت الإشارة لهذا عند الحديث (579) فأغنى عن الإعادة). قال الألباني - رحمه الله - في السلسلة الضعيفة (14/ 19) حديث رقم (6508): (قدم المدينة، فلما قدم المدينة، جاءت الأنصار برجالها ونسائها، فقالوا: إلينا يا رسول الله! فقال: دعوا الناقة؛ فإنها مأمورة، فبركت على باب أبي أيوب، قال: فخرجت جوار من بني النجار يضربن بالدفوف وهن يقلن: نحن جوار من بني النجار ... يا حبذا محمد من جار فخرج إليهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: أتحبوني؟ فقالوا: إي والله يا رسول الله قال: وأنا والله أحبكم، وأنا والله أحبكم، وأنا والله أحبكم) منكر بهذا التمام. أخرجه البيهقي في "دلائل النبوة" (2/ 508) من طريق أبي عبد الله الحاكم بسنده عن محمد بن سليمان بن إسماعيل بن أبي الورد قال: حدثنا إبراهيم بن صِرمة قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس قال: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد واهٍ، آفته إبراهيم بن صِرمة - وهو: الأنصاري -، قال ابن عدي في "الكامل" (1/ 252 - 253): "حدث عن يحيى بن سعيد الأنصاري بنسخ لا يحدّث بها غيره، ولا يتابعه على حديث منها". ثم قال: "وعامة أحاديثه، إما أن تكون مناكير المتن، أو تنقلب عليه الأسانيد، وبيّنّ على أحاديثه ضَعفُه". وفي "اللسان": "وقال ابن معين: كذاب خبيث" والرواي عنه محمد بن سليمان بن إسماعيل بن أبي الورد، لم أجد له ترجمة. وفي "الجرح والتعديل" (3/ 269) ما نصه: "محمد بن سليمان الأنصاري، روى عن ... (كذا الأصل، يشير إلى أنه لا يُقرأ) سمعت أبي يقول: وهو مجهول". فيحتمل أن يكون هو هذا. والله أعلم. ولقصة الجواري، والضرب بالدف شاهد من حديث أنس، ولكن ليس فيه أن ذلك كان عند قدومه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، بل في رواية أن ذلك كان في عرس، وهو الراجح - كما تقدم بيانه في تخريج حديث أنس برقم (3154)، من المجلد السابع من "الصحيحة" -. والله سبحانه وتعالى أعلم. وأما ماذكره الغزالي في "الإحياء" (2/ 277) من إنشاد النساء على السطوح بالدف والألحان، عند قدوم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: طلع البدر علينا من ثنيات الوداع ... وجب الشكر علينا مادعا لله داع فهو مما لا أصل له، وإنما رواه البيهقي وغيره من طريق إبن عائشة، قال ... فذكره مختصراً، دون ذكر السطوح والدف والألحان، ثم هو تضعيف معضل - كما تقدم بيانه في المجلد الثاني برقم (598) -، وأزيد هنا فأقولك: قال الحافظ في "الفتح" (4/ 262): "وهو سند معضل، ولعل ذلك كان في قدومه من غزوة تبوك".

وإن مما يؤكد نكارة ذكر الدفوف في قصة استقباله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قول البراء بن عازب - رضي الله عنه -: ثم قدم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة، فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حتى جعل الإماء يقُلن: قدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رواه البخاري (3925) وغيره، وهو مخرج في "تخريج فقه السيرة" (ص 169 - دار القلم). ومثله حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: إِنِّي لَأَسْعَى فِي الْغِلْمَانِ يَقُولُون: جَاءَ مُحَمَّدٌ فَأَسْعَى فَلَا أَرَى شَيْئًا ثُمَّ يَقُولُونَ جَاءَ مُحَمَّدٌ فَأَسْعَى فَلَا أَرَى شَيْئًا قَالَ حَتَّى جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَاحِبُهُ أَبُو بَكْرٍ فَكُنَّا فِي بَعْضِ حِرَارِ الْمَدِينَةِ ثُمَّ بَعَثَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لِيُؤْذِنَ بِهِمَا الْأَنْصَارَ فَاسْتَقْبَلَهُمَا زُهَاءَ خَمْسِ مئة مِنْ الْأَنْصَارِ حَتَّى انْتَهَوْا إِلَيْهِمَا فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ انْطَلِقَا آمِنَيْنِ مُطَاعَيْنِ فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَاحِبُهُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ فَخَرَجَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ حَتَّى إِنَّ الْعَوَاتِقَ لَفَوْقَ الْبُيُوتِ يَتَرَاءَيْنَهُ يَقُلْنَ أَيُّهُمْ هُوَ أَيُّهُمْ هُوَ قَالَ فَمَا رَأَيْنَا مَنْظَرًا مُشْبِهًا بِهِ يَوْمَئِذٍ. قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَوْمَ دَخَلَ عَلَيْنَا وَيَوْمَ قُبِضَ فَلَمْ أَرَ يَوْمَيْنِ شبيهاً بِهِمَا. أخرجه البخاري في "التاريخ الصغير" (ص 6 - هندية)، والبيهقي في "الدلائل" (2/ 507)، وأحمد (3/ 222) من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس. وأخرجه أحمد (3/ 122) من طريق آخر عن ثابت مختصراً. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وسكت عنه الحافظ في "الفتح" (7/ 251) رضى به - كما في قاعدته -. وتابعه عبد العزيز بن صهيب عن أنس به نحوه مطولاً. أخرجه البخاري (3911)، وأحمد (3/ 211).

والمقصود أن هذه الأحاديث الصحيحة تؤكد نكارة ذكر الدفوف والغناء في حديث الترجمة ونحوه. ويمكن أن يقال مثل ذلك في قصة الناقة، وبخاصة في بروكها على باب أبي أيوب، فإن المعروف في كتب السيرة، أنها بركت حين أتت دار بني مالك بن النجار على باب مسجده - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو يومئذ مربد لغلامين يتيمين من بني النجار، هكذا ساقه ابن هشام في "السيرة" (2/ 112 - 113) عن ابن اسحاق معضلاً بدون إسناد مطولاً، وفيها تكرار جملة: "خلوا سبيلها، فإنها مأمورة" كلما مر - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدارٍ من دور الأنصار، وقالوا له: أقم عندنا في العدد والعُدّة والمنعة. ومن رواية ابن إسحاق هذه ساقها بطولها ابن كثير في "البداية" (3/ 198 - 199) ولم يسندها. (تنبيه): عزا الحافظ في "الفتح" حديث الترجمة في موضعين منه (7/ 245، 261) إلى الحاكم، وسبقه إلى ذلك الحافظ ابن كثير، ولكنه قرنه بتحفظ غريب غير معتاد، فقال بعدما ساقه من رواية البيهقي بإسناده (3/ 200): "هذا حديث غريب من هذا الوجه، لم يروه أحد من أصحاب "السنن" وقد أخرجه الحاكم - كما يروى - "! فقوله: "كما يروى" لعله يعني رواية البيهقي عنه، وحينئذ فلا فائدة تذكر منه. وعلى كل حال، فهذا القول - أو القيد - منه خير من إطلاق الحافظ عزوه للحاكم، لأنه يوهم أنه في "مستدركه" وليس فيه، ثم إنه سكت عنه، فأوهم حسنه على الأقل عنده، وليس كذلك - كما تقدم -. ولقد كان هذا من الدواعي على إخراجه، والكشف عن علته، واقترن مع ذلك الاستطراد لذكر أحاديث صحيحة تدل على نكارته. والله ولي التوفيق). انظر: - تحذير الداعية من القصص الواهية لعلي حشيش ص (192 - 199).

سكان المدينة وأحوالهم عند الهجرة

سكان المدينة وأحوالهم عند الهجرة قوله: (ويظهر ذلك جليًا بما رواه ابن إسحاق عن أم المؤمنين صفية - رضي الله عنها - قال ابن إسحاق: حدثت عن صفية بنت حيي بن أخطب أنها قالت: كنت أحَبَّ ولد أبي إليه، وإلى عمي أبي ياسر، لم ألقهما قط مع ولد لهما إلا أخذاني دونه. قالت: فلما قدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة ونزل قباء في بني عمرو بن عوف غدا عليه أبي؛ حيى بن أخطب، وعمى أبو ياسر بن أخطب مُغَلِّسِين، قالت: فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس، قالت: فأتيا كَالَّيْن كسلانين ساقطين يمشيان الهُوَيْنَى. قالت: فهششت إليهما كما كنت أصنع، فوالله ما التفت إلىَّ واحد منهما، مع ما بهما من الغم. قالت: وسمعت عمى أبا ياسر، وهو يقول لأبي حيي بن أخطب: أهو هو؟ قال: نعم والله، قال: أتعرفه وتثبته؟ قال: نعم، قال: فما في نفسك منه؟ قال: عداوته والله ما بقيت). قال في الهامش: ابن هشام 1/ 518، 519 التعليق: ضعيف منقطع. والحديث بهذا الإسناد - منقطع - لأن عبد الله بن أبي بكر بن حزم روى عن مجهول - الواسطة بينه وبين صفية -. قال الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء (4/ 1843): (وهو منقطع). وانظر: - مرويات غزوة الخندق ص (89) للدكتور/ إبراهيم بن محمد المدخلي. أثر المعنويات في المجتمع قوله: (ويقول: (أيما مسلم كسا مسلماً ثوباً على عُري كساه الله من خُضر الجنة، وأيما مسلم أطعم مسلماً على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، وأيما مسلم سقى مسلماً على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم).

معاهدة مع اليهود

قال في الهامش: سنن أبي داود، مشكاة المصابيح 1/ 169، وجامع الترمذي 4/ 546 ح (2449). التعليق: إسناده ضعيف. قال العلامة الألباني - رحمه الله - في ضعيف أبي داود - الأم (2/ 135) حديث رقم (300): (إسناده ضعيف؛ أبو خالد الدالاني صدوق يخطئ كثيراً ويدلس. واستغربه الترمذي من طريق أخرى). إسناده: حدثنا علي بن الحسين [بن إبراهيم بن إشْكاب] (¬1): ثنا أبو بدر: ثنا أبو خالد - الذي ... قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ وعلته أبو خالد هذا - واسمه: يزيد بن عبد الرحمن الدّالاني -، وهو مختلف فيه، والراجح ما قاله الحافظ؛ وهو الذي ذكرته آنفاً. ولكونه مدلساً لا يتقوى برواية عطية العوفي عن أبي سعيد ... به. أخرجه أحمد (3/ 13 - 14)، والترمذي (2451) وقال: " حديث غريب، وقد روي عن عطية عن أبي سعيد موقوفاً؛ وهو أصح ". قلت: والعوفي أيضاً ضعيف ومدلس، وأبو بدر: هو شجاع بن الوليد السكوني الكوفي). وضعفه الألباني أيضا في الضعيفة حديث رقم (4554)، وضعيف الترغيب حديث رقم (1279). معاهدة مع اليهود قوله: (بنود المعاهدة ¬

(¬1) زيادة من نسخة الدعاس وغيرها.

مشكلة قبائل بني بكر

1 - إن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم، وكذلك لغير بني عوف من اليهود. 2 - وإن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم. 3 - وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة. 4 - وإن بينهم النصح والنصيحة، والبر دون الإثم. 5 - وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه. 6 - وإن النصر للمظلوم. 7 - وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين. 8 - وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة. 9 - وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله عز وجل، وإلى محمد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. 10 - وإنه لا تجار قريش ولا من نصرها. 11 - وإن بينهم النصر على من دَهَم يثرب ... على كل أناس حصتهم من جابنهم الذي قبلهم. 12 - وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم). التعليق: قال الألباني في تخريجه لفقه السيرة للغزالي - رحمهما الله - ص (185): (روى هذه الوثيقة ابن إسحاق (2/ 16 - 18) بدون إسناد). وانظر: تحقيق القول فيها مفصلاً في كتاب ما شاع ولم يثبت للعوشن. مشكلة قبائل بني بكر قوله: (ولما أجمع هذا الجيش على المسير ذكرت قريش ما كان بينها وبين بني بكر من العداوة والحرب، فخافوا أن تضربهم هذه القبائل من الخلف، فيكونوا بين نارين، فكاد ذلك يثنيهم، ولكن حينئذ تبدى لهم إبليس في صورة سُرَاقة بن مالك بن جُعْشُم

إبليس ينسحب عن ميدان القتال

المدلجي - سيد بني كنانة - فقال لهم: أنا لكم جار من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه. إبليس ينسحب عن ميدان القتال ولما رأى إبليس - وكان قد جاء في صورة سراقة بن مالك بن جُعْشُم المدلجي كما ذكرنا، ولم يكن فارقهم منذ ذلك الوقت - فلما رأى ما يفعل الملائكة بالمشركين فر ونكص على عقبيه، وتشبث به الحارث بن هشام - وهو يظنه سراقة - فوكز في صدر الحارث فألقاه، ثم خرج هاربًا، وقال له المشركون: إلى أين يا سراقة؟ ألم تكن قلت: إنك جار لنا، لا تفارقنا؟ فقال: {إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 48]، ثم فر حتى ألقى نفسه في البحر). التعليق: إسناد مرسل. قال الأرناؤوط في تحقيقهما لزاد المعاد (3/ 184): (أورده الهيثمي في المجمع: رواه الطبراني وفيه عبدالعزيز بن عمران وهو ضعيف ووصفه الحافظ في التقريب بقوله: (متروك) احترقت كتبه فحدث من حفظه فاشتد غلطه). وقال عنه السقاف في تخريج الظلال حديث (475): (قابل للتحسين رواه الطبري في (التفسير) من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وقد تقدم الكلام عن هذا الإسناد عند الرقم (209). ورواه أيضاً في (التاريخ) من مرسل عروة. ورواه الطبراني في (الكبير) بسياق مختلف من رواية رفاعة بن رافع، وفي إسناده عبد العزيز بن عمران؛ ضعفه الهيثمي. انظر: (تفسير الطبري) (14/ 7ـ شاكر)، (المعجم الكبير) (5/ 41)، (السيرة النبوية) (2/ 375).

الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقوم بعملية الاستكشاف

الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقوم بعملية الاستكشاف قوله: (وهناك قام - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بنفسه بعملية الاستكشاف مع رفيقه في الغار أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - وبينما هما يتجولان حول معسكر مكة إذا هما بشيخ من العرب، فسأله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن قريش وعن محمد وأصحابه - سأل عن الجيشين زيادة في التكتم - ولكن الشيخ قال: لا أخبركما حتى تخبراني ممن أنتما؟ فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إذا أخبرتنا أخبرناك)، قال: أو ذاك بذاك؟ قال: (نعم). قال الشيخ: فإنه بلغني أن محمدًا وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا وكذا - للمكان الذي به جيش المدينة. وبلغني أن قريشًا خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا وكذا - للمكان الذي به جيش مكة. ولما فرغ من خبره قال: ممن أنتما؟ فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (نحن من ماء)، ثم انصرف عنه، وبقى الشيخ يتفوه: ما من ماء؟ أمن ماء العراق؟ التعليق: القصة فيها انقطاع؛ لأن الراوي لها هو محمد بن يحيى بن حبان، وقد توفي (121) هـ. قال الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان - حفظه الله - في تحقيقه للموافقات للشاطبي (4/ 442) ط. ابن عفان: (القصة المذكورة أخرجها ابن إسحاق, كما في "سيرة ابن هشام" (2/ 194 - 195): حدثني محمد بن يحيى بن حبان به، وهي معضلة، وعنه ابن كثير في "البداية والنهاية" (3/ 263)، وابن الجوزي في الأذكياء (140 - 141)، وذكرها ابن القيم في "الطرق الحكمية" (ص41)).

الحصول على أهم المعلومات عن الجيش المكي

الحصول على أهم المعلومات عن الجيش المكي قوله: (... فأقبل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الناس فقال: (هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها). التعليق: مرسل. قال العلامة الألباني في تخريجه لفقه السيرة للغزالي - رحمهما الله - ص (222): (أخرجه ابن هشام (2/ 65) عن ابن إسحاق حدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير بهذه القصة. وهذا إسناد صحيح لكنه مرسل. وقد رواه أحمد رقم (948) من حديث علي بن أبي طالب دون قوله: (ثم قال لهما ...) وسنده صحيح، ورواه مسلم (5/ 170) مختصرا من حديث أنس). الجيش الإسلامي يسبق إلى أهم المراكز العسكرية قوله: (وتحرك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بجيشه ليسبق المشركين إلى ماء بدر، ويحول بينهم وبين الاستيلاء عليه، فنزل عشاء أدنى ماء من مياه بدر، وهنا قام الحُبَاب بن المنذر كخبير عسكري وقال: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل، أمنزلًا أنزلكه الله، ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: (بل هو الرأي والحرب والمكيدة). قال: يا رسول الله، إن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم - قريش - فننزله ونغوّر - أي نُخَرِّب - ما وراءه من القُلُب، ثم نبني عليه حوضًا، فنملأه ماء، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لقد أشرت بالرأي). التعليق: سنده ضعيف وقال الحافظ ابن حجر في الإصابة في تمييز الصحابة (2/ 10) ط. دارالجيل:

مصرع أبي جهل

(... وروى ابن شاهين بإسناد ضعيف من طريق أبي الطفيل قال: أخبرني الحباب بن المنذر قال: فذكر القصة). قال العلامة الألباني في تخريجه لفقه السيرة للغزالي - رحمهما الله - ص (224): (رواه ابن هشام (2/ 66) عن ابن إسحاق قال: فحدثت عن رجال من بني سلمة أنهم ذكروا أن الحباب ...)، وهذا سند ضعيف؛ لجهالة الواسطة بين ابن إسحاق والرجال من بني سلمة. وقد وصله الحاكم (3/ 126 - 127) من حديث الحباب وفي سنده من لم أعرفه. وقال الذهبي في تلخيصه: (قلت: حديث منكر وسنده) كذا بالأصل ولعله سقط منه (واه) أو نحوه، ورواه الأموي من حديث ابن عباس كما في البداية (3/ 267) وفيه الكلبي وهو كذاب). مصرع أبي جهل قوله: (ولما انتهت المعركة قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من ينظر ما صنع أبو جهل؟) فتفرق الناس في طلبه، فوجده عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وبه آخر رمق، فوضع رجله على عنقه وأخذ لحيته ليحتز رأسه، وقال: هل أخزاك الله يا عدو الله؟ قال: وبماذا أخزاني؟ أأعمد من رجل قتلتموه؟ أو هل فوق رجل قتلتموه؟ وقال: فلو غير أكَّار قتلني، ثم قال: أخبرني لمن الدائرة اليوم؟ قال: لله ورسوله، ثم قال لابن مسعود - وكان قد وضع رجله على عنقه -: لقد ارتقيت مرتقى صعبًا يا رُوَيْعِي الغنم، وكان ابن مسعود من رعاة الغنم في مكة. وبعد أن دار بينهما هذا الكلام احتز ابن مسعود رأسه، وجاء به إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: يا رسول الله، هذا رأس عدو الله أبي جهل، فقال: (الله الذي لا إله إلا هو؟) فرددها ثلاثًا، ثم قال: (الله أكبر، الحمد لله الذي صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، انطلق أرنيه)، فانطلقنا فأريته إياه، فقال: (هذا فرعون هذه الأمة).

التعليق: سنده منقطع. قال الألباني في تخريجه لفقه السيرة للغزالي ص (230): (رواه بنحوه ابن هشام (2/ 72) عن ابن إسحاق بدون إسناد، وبعضه في المسند (رقم4246)، والبيهقي (9/ 62) عن ابن مسعود بسند منقطع، وقصة قتل ابن مسعود لأبي جهل صحيحة رواها البخاري (7/ 235)، ومسلم (5/ 183 - 184)، وأحمد من حديث أنس (3/ 236،129،115)). وقال شعيب الأرناؤوط في تحقيقه للمسند (7/ 278) حديث رقم (4246): (إسناده ضعيف؛ لانقطاعه). قلت (الملاح): والانقطاع الذي أشارا إليه هو أن أبا عبيدة عامر بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه - رضي الله عنه -. وهذا أمر مشهور ومعلوم بين أهل العلم؛ وعليه فالحديث منقطع، بالرغم من ذلك ورد عن بعض أهل العلم قبول رواية أبي عبيدة عن أبيه مع إقرارهم بأنه لم يسمع منه، قال الحافظ ابن رجب في فتح الباري (5/ 60): (وخرَّج الإمام أحمد من رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه، قال: لمَّا نزلت على رسول الله (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) [النصر: 1] كان يكثر إذا قرأها وركع أن يقول: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، إنك أنت التواب الرحيم) - ثلاثا -. وأبو عبيدة، لم يسمع من أبيه، لكن رواياته عنه صحيحة) (¬1). وقال في موطن آخر من الفتح (6/ 14): (وأبو عبيدة، لم يسمع من أبيه، لكن رواياته عنه أخذها عن أهل بيته، فهي صحيحة عندهم). ¬

(¬1) قال الشيخ عبد الله بن مانع - حفظه الله -: (وقرر نحوه في شرح العلل ونقل عن الأئمة ما يدل على ذلك وقد قال الدارقطني في سننه في كتاب الديات (لما رواه أبو عبيدة عن أبيه بالسند الصحيح الذي لا مطعن فيه ولا تأويل، وأبو عبيدة أعلم بحديث أبيه وبمذهبه من خشف بن مالك ونظرائه). والأصل في رواية أبي عبيدة عن أبيه القبول إذا استقام الإسناد والمتن).

من روائع الإيمان في هذه المعركة

وكثيراً ما قال الترمذي في سننه: (وهذا حديث حسن، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه) انظر حديث رقم (1714) كتاب الجهاد، باب: (ما جاء في المشورة). الخلاصة: أن قصة مقتل ابن مسعود لأبي جهل صحيحة فقد وردت في البخاري (رقم3141،3964،3963،3962،3961) وصحيح مسلم (رقم 1800). دون هذه اللفظة (هذا فرعون هذه الأمة)، وقد عرفت الخلاف الوارد فيها. ولمزيد من البحث انظر: - النافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلة للشيخ أبي إسحاق الحويني (1/ 26 - 31) حديث رقم (6). - رسالة ماجستير نوقشت بجامعة أم القرى للباحث عبد الله بن عبد الرحيم البخاري عنوانها: (مروايات أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود جمع ودراسة وتخريج). من روائع الإيمان في هذه المعركة قوله: 1 - روى ابن إسحاق عن ابن عباس أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لأصحابه: (إني قد عرفت أن رجالًا من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرهًا، لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقى أحدًا من بني هاشم فلا يقتله، ومن لقى أبا البَخْتَرِيّ بن هشام فلا يقتله، ومن لقى العباس بن عبد المطلب فلا يقتله، فإنه إنما أخرج مستكرهًا)، فقال أبو حذيفة بن عتبة: أنقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وعشيرتنا ونترك العباس، والله لئن لقيته لألحمنه - أو لألجمنه - بالسيف، فبلغت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال لعمر بن الخطاب: (يا أبا حفص، أيضرب وجه عم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالسيف)، فقال عمر: يا رسول الله، دعني فلأضرب عنقه بالسيف، فوالله لقد نافق.

فكان أبو حذيفة يقول: ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ، ولا أزال منها خائفًا إلا أن تكفرها عنى الشهادة. فقتل يوم اليمامة شهيدًا). التعليق: إسناده ضعيف قال عبد السلام بن محسن آل عيسى في كتابه دراسة نقدية في المرويات الواردة في شخصية عمر بن الخطاب وسياسته الإدارية - رضي الله عنه -، (1/ 76) الأولى1423 هـ/2002م: (رواه ابن إسحاق/ سيرة ابن هشام (1/ 224)، قال: حدّثني العباس بن عبد الله بن معبد عن بعض أهله عن ابن عباس. وهذا السند رجاله ثقات، ولكن فيه إبهامُ بالبعض الذين يروي عنهم العباس بن عبد الله بن معبد، ورواه جميع من رواه من طريق العباس بن عبد الله بن معبد وهم: ابن سعد/ الطبقات (4/ 11)، الطبري/ تاريخ الرسل والملوك (2/ 34)، البيهقي/ دلائل النبوة (3/ 140، 141). ورواه الحاكم في المستدرك (3/ 223) أيضاً من طريق محمّد بن إسحاق عن العباس بن معبد غير أنه قال فيه: عن أبيه عن ابن عباس فيكون السند متصلاً لكن الحاكم خالف في ذلك جميع من روى الخبر، ورجال سنده هم رجال السند عند البيهقي وغيره بل رواه البيهقي من طريق الحاكم وهو شيخه، فإن ثبت ما في سند الحاكم كان السند متصلاً والأثر حسناً، وإلا فإن السند ضعيف لإبهام الراوي عن ابن عباس. وأمّا ما وقع في سند الحاكم من تسمية شيخ محمّد بن إسحاق بالعباس بن معبد فقد خالف فيه أيضاً جميع من روى الأثر، حيث إنهم قالوا: (العباس بن عبد الله بن معبد). والذي اتضح لدي بعد الرجوع إلى كتب التراجم وكتب المؤتلف والمختلف في الأسماء أنه رجلٌ واحدٌ وقد نسبه الحاكم لجده، لأن العباس بن عبد الله بن معبد يروي عن أبيه

سيف عكاشة بن محصن

كما في رواية الحاكم، ويروي عن بعض أهله كما نصّ على ذلك المزي في تهذيب الكمال. والله أعلم). انظر: - تخريج أحاديث وآثار كتاب في ظلال القرآن للسقاف، حديث رقم (431). - ماشاع ولم يثبت في السيرة للعوشن ص (112). قوله: 6 - (ولما وضع القوم أيديهم يأسرون، ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في العريش، وسعد بن معاذ قائم على بابه يحرسه متوشحًا سيفه، رأى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في وجه سعد بن معاذ الكراهية لما يصنع الناس، فقال له: والله لكأنك يا سعد تكره ما يصنع القوم؟ قال: أجل والله يا رسول الله، كانت أول وقعة أوقعها الله بأهل الشرك، فكان الإثخان في القتل بأهل الشرك أحب إلىّ من استبقاء الرجال). التعليق: إسناده ضعيف. قال السقاف في تخريج أحاديث وآثار كتاب في ظلال القرآن، حديث رقم (430): (إسناده ضعيف. رواه ابن إسحاق معلقاً، ومن طريقه الطبري. انظر: (تفسير الطبري) (14/ 471ـ شاكر)، (السيرة النبوية) (2/ 324)). قوله: (وانقطع يومئذ سيف عُكَّاشَة بن مِحْصَن الأسدي، فأتى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأعطاه جِذْلًا من حطب، فقال: (قاتل بهذا يا عكاشة)، فلما أخذه من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هزه، فعاد سيفًا في يده طويل القامة، شديد المتن، أبيض الحديدة، فقاتل به حتى فتح الله تعالى للمسلمين، وكان ذلك السيف يسمى العَوْن، ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد، حتى قتل في حروب الردة وهو عنده). التعليق: ليس له إسناد. قال الأرناؤوط في تحقيقه لزاد المعاد (3/ 186): (انظر سيرة ابن هشام بغير سند).

قال العوشن في كتابه ماشاع ولم يثبت في السيرة ص (116): (قال الإمام الذهبي - رحمه الله -: (هكذا رواه ابن إسحاق بلا سند، وقد رواه الواقدي قال: ...) (¬1). والواقدي متروك. ومن طريقه أيضاً رواه البيهقي في (الدلائل) (¬2). قوله: 8 - وبعد انتهاء المعركة مر مصعب بن عمير العبدري بأخيه أبي عزيز بن عمير الذي خاض المعركة ضد المسلمين، مر به وأحد الأنصار يشد يده، فقال مصعب للأنصاري: شد يديك به، فإن أمه ذات متاع، لعلها تفديه منك، فقال أبو عزيز لأخيه مصعب: أهذه وصاتك بي؟ فقال مصعب: إنه - أي الأنصاري - أخي دونك. التعليق: الخبر مرسل عن شيخ ابن إسحاق (نبيه بن وهب). قوله: 9 - (ولما أمر بإلقاء جيف المشركين في القَلِيب، وأخذ عتبة بن ربيعة فسحب إلى القليب، نظر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في وجه ابنه أبي حذيفة، فإذا هو كئيب قد تغير، فقال: (يا أبا حذيفة، لعلك قد دخلك من شأن أبيك شيء؟) فقال: لا والله، يا رسول الله، ما شككت في أبي ولا مصرعه، ولكنني كنت أعرف من أبي رأيًا وحلمًا وفضلًا، فكنت أرجو أن يهديه ذلك إلى الإسلام، فلما رأيت ما أصابه، وذكرت ما مات عليه من الكفر بعد الذي كنت أرجو له أحزنني ذلك. فدعا له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بخير، وقال له خيرًا). التعليق: حديث ضعيف. قال الألباني في تخريجه لفقه السيرة للغزالي ص (231): (حديث ضعيف. رواه ابن هشام (2/ 75) عن ابن إسحاق بلاغاً). ¬

(¬1) المغازي ص (101). (¬2) دلائل النبوة (3/ 99).

قتلى الفريقين

قتلى الفريقين قوله: (ولما انقضت الحرب أقبل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى وقف على القتلى فقال: (بئس العشيرة كنتم لنبيكم؛ كذبتموني وصدقني الناس، وخذلتموني ونصرني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس). التعليق: ضعيف. قال العلامة الألباني في تخريجه لفقه السيرة للغزالي ص (232): (حديث ضعيف. رواه ابن هشام (2/ 74) عن ابن إسحاق قال: حدثني بعض أهل العلم وهذا إسناد متصل وقد رواه أحمد (6/ 170) من طريق إبراهيم عن عائشة مرفوعاً بلفظ: (جزاكم الله شراً من قوم نبي، ما كان أسوأ الطرد، وأشد التكذيب) رجاله ثقات لكنه منقطع بين إبراهيم - وهو النخعي - وبين عائشة) (¬1). الجيش النبوي يتحرك نحو المدينة قوله: (ولما وصل إلى عِرْق الظُّبْيَةِ أمر بقتل عُقْبَة بن أبي مُعَيْط - وقد أسلفنا بعض ما كان عليه من إيذاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فهو الذي كان ألقى سَلا جَزُور على ظهر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو في الصلاة، وهو الذي خنقه بردائه وكاد يقتله، لولا اعتراض أبي بكر - رضي الله عنه - فلما أمر بقتله قال: من للصِّبْيَةِ يا محمد؟ قال: (النار).فقتله عاصم بن ثابت الأنصاري، ويقال: علي بن أبي طالب). التعليق: ضعيف. قال العلامة الألباني في إرواء العليل حديث رقم (1214): ¬

(¬1) قال الشيخ عبد الله بن مانع - حفظه الله -: (إبراهيم النخعي رأى عائشة ولم يسمع منها ... قال أبو حاتم: لم يلق أحداً من الصحابة إلا عائشة ولم يسمع منها).

(ضعيف. رواه البيهقي (9/ 64) عن الشافعي: أنبأ عدد من أهل العلم من قريش وغيرهم من أهل العلم بالمغازي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أسر النضر بن الحارث العبدي يوم بدر وقتله بالبادية أو الأثيل صبراً، وأسر عقبة بن أبي معيط فقتله صبراً ". قلت: وهذا معضل كما ترى. وقال ابن إسحاق في سياق قصة بدر: ثم أقبل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قافلاً إلى المدينة ومعه الأسرى من المشركين وفيهم عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث. . . حتى إذا كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالصفراء قتل النضر بن الحارث قتله علي بن أبي طالب كما أخبرني بعض أهل العلم من أهل مكة. ثم خرج حتى إذا كان عرق الظبية قتل عقبة بن أبي معيط. فقال عقبة حين أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقتله: فمن للصبية يا محمد! قال: النار. فقتله عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأنصاري أخو بني عمرو بن عوف كما حدثني أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر. ذكره ابن هشام في " السيرة " (2/ 297 - 298) ثم قال: " ويقال قتله علي بن أبي طالب فيما ذكر لي ابن شهاب الزهري وغيره من أهل العلم ". وفي " البداية " للحافظ ابن كثير (3/ 305 - 306): " وقال حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن الشعبي قال: " لما أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقتل عقبة قال: أتقتلني يا محمد من بين قريش؟ قال: نعم أتدرون ما صنع هذا بي؟ جاء وأنا ساجد خلف المقام فوضع رجله على عنقي وغمزها فما رفعها حتى ظننت أن عيني ستندران وجاء مرة أخرى بسلا شاة فألقاه على رأسي وأنا ساجد فجاءت فاطمة فغسلته عن رأسي ". قلت: وهذا مرسل. وجملة القول إني لم أجد لهذه القصة إسناداً تقوم به الحجة على شهرتها في كتب السيرة وما كل ما يذكر فيها ويساق مساق المسلمات يكون على نهج أهل الحديث من الأمور الثابتات. نعم قد وجدت لقصة عقبة خاصة أصلاً فيما رواه عمرو بن مرة عن إبراهيم قال: أراد الضحاك بن قيس أن يستعمل مسروقاً. فقال له عمارة بن عقبة: أتستعمل رجلاً من

النشاط العسكري بين بدر وأحد

بقايا قتلة عثمان؟! فقال له مسروق: حدثنا عبد الله بن مسعود - وكان في أنفسنا موثوق الحديث - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما أراد قتل أبيك قال: من للصبية؟ قال: النار. فقد رضيت لك ما رضي لك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. أخرجه أبو داود (2686) والبيهقي (9/ 65) من طريق عبد الله بن جعفر الرقي قال: أخبرني عبد الله بن عمرو بن زيد بن أبي أنيسة عن عمرو ابن مرة. قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات كلهم رجال الشيخين). النشاط العسكري بين بدر وأحد قوله: (وقد لعب المسلمون دوراً هاماً للقضاء على هذه الأخطار، تظهر فيه عبقرية قيادة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وما كان عليه من غاية التيقظ حول هذه الأخطار، وما كان عليه من حسن التخطيط للقضاء عليها). التعليق: من ناحيتين: الأولى: قوله: (وقد لعب المسلمون دوراً ..) لو استخدم المؤلف كلمة أخرى بدلاً من (لعب المسلمون دوراً) لكان أولى فهي غير لائقة لمكانة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمسلمين وما فعلوه كما ذكر. وهذه الكلمة كثر استعمالها الآن وبخاصة من قبل أهل الفساد من الممثلين في أعمالهم الساقطة كالمسرحيات وغيرها، وبالرجوع إلى معاجم اللغة تجد أن اللعب ضد الجد، قال ابن منظور في لسان العرب (1/ 739) ط. دار صادر: (لعب: اللَّعِبُ واللَّعْبُ ضدُّ الجِدِّ، ... ويقال: لكل من عَمِلَ عملاً لا يُجْدي عليه نَفْعاً إِنما أَنتَ لاعِبٌ ...). وهذا لا يتناسب مع ما قام به المسلمون من الجهاد في سبيل الله؛ فالأولى أن يقول: (ولقد جاهد المسلمون جهاداً كبيراً ...).

الثانية: وصف الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالعبقرية

الثانية: وصف الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالعبقرية قد تكرر من قبل المؤلف أكثر من مرة: هنا في هذا المثال، وقوله ص (378) تحت عنوان (نظرة على الغزوات): (وأشدهم وأعمقهم فراسة وتيقظاً، إنه صاحب عبقرية فذة في هذا الوصف ... وقد تجلت عبقريته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هاتين الغزوتين (أحد وحنين) عند هزيمة المسلمين ...) التعليق: العبقري والعبقرية نسبة إلى "عبقر"، وقال الزبيدي "تاج العروس" (12/ 514): (... نَسَبُوا إليه كلَّ شيْءٍ تَعَجَّبُوا من حِذْقِه أَو جَوْدَةِ صَنْعَتِه وقُوَّتِه). وقد ورد الوصف بالعبقرية في السنة النبوية؛ روى البخاري في صحيحه (3676، وغيره)، ومسلم (2393) من حديث عبد اللَّهِ بن عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَنَّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: أُرِيتُ في الْمَنَامِ أَنِّي أَنْزِعُ بِدَلْوِ بَكْرَةٍ على قَلِيبٍ فَجَاءَ أبو بَكْرٍ فَنَزَعَ ذَنُوبًا أو ذَنُوبَيْنِ نَزْعًا ضَعِيفًا وَاللَّهُ يَغْفِرُ له، ثُمَّ جاء عُمَرُ بن الْخَطَّابِ فَاسْتَحَالَتْ غَرْبًا، فلم أَرَ عَبْقَرِيًّا يَفْرِي فَرِيَّهُ حتى رَوِيَ الناسُ وَضَرَبُوا بِعَطَنٍ. والحديث مروي عن غير ابن عمر في الصحيحين وغيرهما. قال ابن الأثير في "النهاية في غريب الأثر" (ج3/ص173): (عبقري القوم سيدهم وكبيرهم وقويهم، والأصل في العبقري - فيما قيل - أن عبقر قرية يسكنها الجن، فيما يزعمون، فكلما رأوا شيئًا فائقًا غريبًا مما يصعب عمله ويدق، أو شيئًا عظيمًا في نفسه نسبوه إليها فقالوا: عبقريٌّ). وعلى ذلك فاستعمال وصف العبقريِّ، بمعنى كبير القوم وسيدهم وقويهم في حق النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لا شيء فيه، ولم يرد في الشرع ما يمنع من وصف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - به. لكن هناك أمر مهم ولطيف أشار إليه شيخنا الأستاذ الدكتور: ناصر بن عبد الكريم العقل - حفظه الله - في كتابه "الاتجاهات العقلانية الحديثة" في فصل مزاعم المدرسة العقلية في نبينا محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " (ص 224 - 225) - وإن كان المؤلف هنا لا يقصد

مؤامرة لاغتيال النبي - صلى الله عليه وسلم -

ذلك، وإنما نبهت عليه لانتشار استعمال هذا اللفظ من قبلهم -: (وأكثر ما اهتمت به المدرسة العقلية من شخص النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، جانب العبقرية، فهي تريد أن تضيف كل ما قاله، أو فعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى عبقريته الفردية الفذة، بدعوى أن جانب الوحي والنبوة والرسالة أمور غيبية روحية، لا تثبت أمام البحث العلمي، والموضوعية، ولا قيمة لها في نظر العلم الحديث الذي قذف بها في عالم الأساطير والخرافات. أما العبقرية - على حد زعمهم - فهي صفة إنسانية يقرها العلم ويحترمها ويقدسها ويمكن للمسلمين أن يثبتوها علميًا حسب مقررات العلم الحديث (كذا يزعمون). وكل ذلك انهزامية وضعف إيمان بالله ورسالاته، وجهل بكتاب الله وسنة رسوله. وأكبر دليل على ذلك أن غالب مؤلفات العقلية الحديثة تحمل في عناوينها اسم الرسول (محمد) مجردة دون اعتبار للنبوة والرسالة ويحيدون عن وصفه بالنبوة والرسالة التي هي أهم خصائصه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (بأبي هو وأمي). وذلك مثل: "عبقرية محمد" للعقاد، و"إنسانيات محمد" لخالد محمد خالد، و"حياة محمد" لهيكل، و"محمد والقوى المضادة" لمحمد أحمد خلف الله، و"محمد" لمصطفى محمود، و"محمد" لتوفيق الحكيم، وهم يفعلون ذلك باسم العلمية ومسايرة الرقي العقلي الذي وصلت إليه الإنسانية، ذلك الرقي الذي يكبر العبقرية ويعظمها، أما النبوة فلم تعد تهمه بل وصل ببعضهم الانهزام الفكري والعقدي إلى أن جعل العبقرية مساوية للنبوة ولها نفس الخصائص التي في النبوة). وعلى ذلك فلابد من النظر إلى الوصف بالعبقرية في سياقه، ومراعاة ممن صدر، وما هو هدفه من ذلك؟. مؤامرة لاغتيال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قوله: (جلس عمير بن وهب الجمحي مع صفوان بن أمية في الحِجْر بعد وقعة بدر بيسير - وكان عمير من شياطين قريش ممن كان يؤذي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه وهم

بمكة - وكان ابنه وهب بن عمير في أساري بدر، فذكر أصحاب القَلِيب ومصابهم، فقال صفوان: والله إن في العيش بعدهم خير. قال له عمير: صدقت والله، أما والله لولا دَيْن على ليس له عندي قضاء، وعيال أخشي عليهم الضَّيْعةَ بعدي لركبتُ إلى محمد حتى أقتله، فإن لي قِبَلَهُمْ عِلَّةً، ابني أسير في أيديهم. فاغتنمها صفوان وقال: علي دينك، أنا أقضيه عنك، وعيالك مع عيالي، أواسيهم ما بقوا، لا يسعني شيء ويعجز عنهم. فقال له عمير: فاكتم عني شأني وشأنك. قال: أفعل. ثم أمر عمير بسيفه فشُحِذَ له وسُمَّ، ثم انطلق حتى قدم به المدينة، فبينما هو على باب المسجد ينيخ راحلته رآه عمر بن الخطاب - وهو في نفر من المسلمين يتحدثون ما أكرمهم الله به يوم بدر - فقال عمر: هذا الكلب عدو الله عمير ما جاء إلا لشر. ثم دخل على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: يا نبي الله، هذا عدو الله عمير قد جاء متوشحاً سيفه، قال: (فأدخله علي)، فأقبل إلى عمير فلَبَّبَهُ بحَمَالة سيفه، وقال لرجال من الأنصار: ادخلوا على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فاجلسوا عنده واحذروا عليه من هذا الخبيث، فإنه غير مأمون، ثم دخل به، فلما رآه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعمر آخذ بحمالة سيفه في عنقه - قال: (أرسله يا عمر، ادن يا عمير)، فدنا وقال: أنْعِمُوا صباحاً، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير، بالسلام تحية أهل الجنة). ثم قال: (ما جاء بك يا عمير؟) قال: جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم، فأحسنوا فيه. قال: (فما بال السيف في عنقك؟) قال: قبحها الله من سيوف، وهل أغنت عنا شيئاً؟

نموذج من مكيدة اليهود

قال: (اصدقني، ما الذي جئت له؟) قال: ما جئت إلا لذلك. قال: (بل قعدتَ أنت وصفوان بن أمية في الحِجْر، فذكرتما أصحاب القليب من قريش، ثم قلت: لولا دين علي وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمداً، فتحمل صفوان بدينك وعيالك على أن تقتلني، والله حائل بينك وبين ذلك). قال عمير: أشهد أنك رسول الله، قد كنا يا رسول الله نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء، وما ينزل عليك من الوحي، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان، فوالله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله، فالحمد لله الذي هداني للإسلام، وساقني هذا المساق، ثم تشهد شهادة الحق. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (فقهوا أخاكم في دينه، وأقرئوه القرآن، وأطلقوا له أسيره). وأما صفوان فكان يقول: أبشروا بوقعة تأتيكم الآن في أيام تنسيكم وقعة بدر. وكان يسأل الركبان عن عمير، حتى أخبره راكب عن إسلامه فحلف صفوان ألا يكلمه أبدًا، ولا ينفعه بنفع أبدا. ورجع عمير إلى مكة وأقام بها يدعو إلى الإسلام، فأسلم على يديه ناس كثير). التعليق: مرسل جيد عن عروة. رواه الطبراني في الكبير حديث رقم (13587) عن عروة بن الزبير. قال الهيثمي في مجمع الزوائد حديث رقم (14063): (رواه الطبراني مرسلاً وإسناده جيد). انظر: السيرة النبوية الصحيحة للعمري (2/ 373). نموذج من مكيدة اليهود قوله: (قال ابن إسحاق: مر شاس بن قيس - وكان شيخاً [يهودياً] قد عسا، عظيم الكفر، شديد الضغن على المسلمين، شديد الحسد لهم - على نفر من أصحاب

رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم، يتحدثون فيه، فغاظه ما رأي من ألفتهم وجماعتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام، بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية، فقال: قد اجتمع ملأ بني قَيْلَةَ بهذه البلاد، لا والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار، فأمر فتى شاباً من يهود كان معه، فقال: اعمد إليهم، فاجلس معهم، ثم اذكر يوم بُعَاث وما كان من قبله، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار، ففعل، فتكلم القوم عند ذلك، وتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب فتقاولا، ثم قال أحدهما لصاحبه: إن شئتم رددناها الآن جَذَعَة - يعني الاستعداد لإحياء الحرب الأهلية التي كانت بينهم - وغضب الفريقان جميعاً، وقالوا: قد فعلنا، موعدكم الظاهرة - والظاهرة: الحَرَّة - السلاح السلاح، فخرجوا إليها [وكادت تنشب الحرب].فبلغ ذلك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فخرج إليهم فيمن معه من أصحابه المهاجرين حتى جاءهم فقال: (يا معشر المسلمين، الله الله، أبدعوي الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله للإسلام، وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر وألف بين قلوبكم) فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان، وكيد من عدوهم، فبكوا، وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضاً، ثم انصرفوا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سامعين مطيعين، قد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله شاس بن قيس). التعليق: ضعيف. رواه: الطبري من طريق ابن إسحاق عن شيخ مبهم لم يسمه، والواحدي من مرسل عكرمة. وروى القصة الطبراني عن ابن عباس - رضي الله عنهما - من طريق إبراهيم بن أبي الليث؛ قال عنه الهيثمي: (متروك).

بنو قينقاع ينقضون العهد

ولكن صحَّ قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ما بال دعوى الجاهلية؟ دعوها؛ فإنها منتنة)، لما ضرب رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار! وقال المهاجري: يا للمهاجرين! وذلك من حديث جابر - رضي الله عنه - المتفق عليه. انظر: (تفسير الطبري) (7/ 55 - شاكر)، (مجمع الزوائد) (6/ 326)، (أسباب النزول) للواحدي (ص149)، (الفتح السماوي) (1/ 390)، (اللؤلؤ والمرجان) (3/ 194) (تخريج الكشاف) (29/ 243). انظر: تخريج أحاديث وآثار كتاب في ظلال القرآن للسقاف، حديث رقم (144). بنو قَينُقَاع ينقضون العهد قوله: (روي أبو داود وغيره، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لما أصاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قريشاً يوم بدر، وقدم المدينة جمع اليهود في سوق بني قينقاع. فقال: (يا معشر يهود، أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشاً). قالوا: يا محمد، لا يغرنك من نفسك أنك قتلت نفراً من قريش كانوا أغماراً لا يعرفون القتال، إنك لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس، وأنك لم تلق مثلنا، فأنزل الله تعالى: {قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَايَ الْعَيْنِ وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ} [آل عمران 12، 13]. التعليق: إسناده ضعيف. رواه أبو داود، كتاب الخراج والإمارة والفيْءِ، باب كيف كان إخراج اليهود من المدينة؟ حديث رقم (3001) عن ابن عباس - رضي الله عنهما -. قال العلامة الألباني في كتابه ضعيف أبي داود - الأم، مؤسسة غراس للنشر والتوزيع، الكويت، الطبعة الأولى، 1423 هـ:

امرأة من العرب قدمت بجلب لها

(قلت: إسناده ضعيف؛ محمد بن أبي محمد مجهول لا يعرف). إسناده: حدثنا مصرف بن عمرو الإيامي: ثنا يونس - يعني: ابن بكير - قال: ثنا محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ... قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ محمد بن أبي محمد مجهول؛ كما قال الحافظ. وفي " الميزان ": " لا يعرف ". ومع ذلك ذكره ابن حبان في "الثقات " (7/ 392)! وأشار الذهبي في "الكاشف " إلى تليين توثيقه. وأعله المنذري بمحمد بن إسحاق! فما أصاب؛ لأنه قد صرح بالتحديث. وشيخه مجهول - كما عرفت -، فالعجب من الحافظ كيف حسن إسناده في "الفتح " (7/ 332)! والحديث أخرجه ابن جرير في "تفسيره " (3/ 128)، والبيهقي فى "السنن " (9/ 183) من طريقين آخرين عن يونس بن بكير ... به ..).اهـ قوله: (روى ابن هشام عن أبي عون: أن امرأة من العرب قدمت بجَلَبٍ لها، فباعته في سوق بني قينقاع، وجلست إلى صائغ، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها، فأبت، فَعَمَد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها - وهي غافلة - فلما قامت انكشفت سوأتها فضحكوا بها فصاحت، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله - وكان يهودياً - فشدت اليهود على المسلم فقتلوه، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود، فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع). التعليق: إسناده ضعيف. قال العلامة الألباني في كتابه دفاع عن الحديث النبوي والسيرة ص (26 - 27): (إسناده مرسل معلق فإن ابن هشام قال (3/ 51): (وذكر عبد الله بن جعفر بن المسور بن مخرمة عن أبي عون قال. . .) فذكره.

تكتيب الجيش الإسلامي وخروجه إلى ساحة القتال

وأبو عون اسمه: محمد بن عبد الله الثقفي الكوفي الأعور، مات سنة (116هـ) فهو تابعي صغير فلم يدرك الحادثة، وعبد الله بن جعفر المخرمي من شيوخ الإمام أحمد، مات سنة (170هـ) فبينه وبين ابن هشام مفاوز، فهو إسناد ضعيف ظاهر الضعف ...). وضعفه في تخريج فقه السيرة ص (241). انظر: السيرة النبوية الصحيحة للعمري (1/ 301). تكتيب الجيش الإسلامي وخروجه إلى ساحة القتال قوله: (وقسم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جيشه إلى ثلاث كتائب: 1 - كتيبة المهاجرين، وأعطي لواءها مصعب بن عمير العبدري. 2 - كتيبة الأوس من الأنصار، وأعطي لواءها أسيد بن حضير. 3 - كتيبة الخزرج من الأنصار، وأعطي لواءها الحُبَاب بن المنذر). التعليق: لم تصح رواية في موضوع الألوية. انظر: مغازي الواقدي (1/ 33)، الاستيعاب لابن عبدالبر (3/ 450)، السيرة النبوية الصحيحة للعمري (2/ 381). الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينفث روح البسالة في الجيش قوله: (وأخذ ينفث روح الحماسة والبسالة في أصحابه حتى جرد سيفاً باتراً ونادي أصحابه: (من يأخذ هذا السيف بحقه؟)، فقام إليه رجال ليأخذوه - منهم على بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وعمر بن الخطاب - حتى قام إليه أبو دُجَانة سِمَاك بن خَرَشَة، فقال: وما حقه يا رسول الله؟ قال: (أن تضرب به وجوه العدو حتى ينحني). قال: أنا آخذه بحقه يا رسول الله، فأعطاه إياه. وكان أبو دجانة رجلاً شجاعاً يختال عند الحرب، وكانت له عصابة حمراء إذا اعتصب بها علم الناس أنه سيقاتل حتى الموت. فلما أخذ السيف عصب رأسه بتلك

العصابة، وجعل يتبختر بين الصفين، وحينئذ قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن). التعليق: إسناده فيه جهالة وانقطاع. (رواه محمد بن إسحاق (انظر مختصر السيرة لابن هشام: 3/ 16)، ومن طريقه: الطبري في التاريخ (2/ 511)، والبيهقي في دلائل النبوة (3/ 233) بسندٍ فيه جهالة وانقطاع. وله شاهد رواه البخاري في التاريخ الكبير (3/ 54). والطبراني في المعجم الكبير (7/رقم 6508) عن خالد بن سليمان بن عبد الله بن خالد بن سماك، عن أبيه، عن جده: أن سماك فذكره ... قال الهيثمي في المجمع (6/ 109): (فيه مَنْ لم أعرفه) (¬1). أما عرض السيف على الصحابة فقد ثبت في صحيح مسلم حديث رقم (2470) ولكن دون قوله: (إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن). وإن كان يصح مثل ذلك في الحرب لإغاظة الكفار كما ورد في الحديث: (... وأما الخيلاء التي يحبها الله فاختيال الرجل في القتال، واختياله عند الصدقة، وأما الخيلاء التي يبغض الله فاختيال الرجل في البغي والفخر). رواه أحمد وأبو داوود والترمذي والنسائي. وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم (2217). انظر: ما شاع ولم يثبت في السيرة للعوشن ص (153 - 154). ¬

(¬1) مستفاد من هامش الشرح الممتع لابن عثيمين (2/ 217).

تبدد المسلمين في الموقف

تبدد المسلمين في الموقف قوله: (ومر رجل من المهاجرين برجل من الأنصار، وهو يتَشَحَّطُ في دمه، فقال: يا فلان، أشعرت أن محمداً قد قتل؟ فقال الأنصاري: إن كان محمد قد قتل فقد بَلَّغ، فقاتلوا عن دينكم) التعليق: مرسل. أورد هذه القصة البيهقي في الدلائل (3/ 248) من مرسل أبي نجيح يسار المكي والد عبد الله، وهو تابعي ثقة. انظر: تخريج أحاديث وآثار كتاب في ظلال القرآن للسقاف، حديث رقم (171). أحرج ساعة في حياة الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قوله: (... وجاء فارس عنيد هو عبد الله بن قَمِئَة، فضرب على عاتقه بالسيف ضربة عنيفة شكا لأجلها أكثر من شهر إلا أنه لم يتمكن من هتك الدرعين، ثم ضرب على وجنته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضربة أخري عنيفة كالأولى حتى دخلت حلقتان من حلق المِغْفَر في وجْنَتِه، وقال: خذها وأنا ابن قمئة. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يمسح الدم عن وجهة: (أقمأك الله). قال في الهامش: وقد سمع الله دعاء رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فعن ابن عائذ أن ابن قمئة (انصرف إلى أهله، فخرج إلى غنمه، فوافانا على ذروة جبل، فدخل فيها، فشد عليه تيسها فنطحه نطحة أرداه من شاهق الجبل فتقطع) فتح الباري (7/ 373) وعند الطبراني: فسلط الله عليه تيس جبل، فلم يزل ينطحه حتى قطعه قطعة قطعة. فتح الباري (7/ 366). التعليق: ضعيف.

بداية تجمع الصحابة حول الرسول - صلى الله عليه وسلم -

رواه الطبراني في المعجم الكبير حديث رقم (7596)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: (رواه الطبراني، وفيه حفص بن عمر العدني، وهو ضعيف). قال الألباني في الضعيفة (2/ 385) حديث رقم (963): (... حفص بن عمر العدني، ضعيف جدا، قال ابن معين والنسائي: (ليس بثقة). وقال العقيلي: (يحدث بالأباطيل). وقال الدارقطني: (متروك). بداية تجمع الصحابة حول الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قوله: (روى ابن حبان في صحيحه عن عائشة قالت: قال أبو بكر الصديق: لما كان يوم أحد انصرف الناس كلهم عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكنت أول من فاء إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فرأيت بين يديه رجلاً يقاتل عنه ويحميه، قلت: كن طلحة، فداك أبي وأمي، كن طلحة، فداك أبي وأمي، [حيث فاتني ما فاتني، فقلت: يكون رجل من قومي أحب إلي] فلم أنشب أن أدركني أبو عبيدة بن الجراح، وإذا هو يشتد كأنه طير حتى لحقني، فدفعنا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإذا طلحة بين يديه صريعاً، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (دونكم أخاكم فقد أوجب)، وقد رمي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في وَجْنَتِهِ حتى غابت حلقتان من حلق المِغْفَر في وجنته، فذهبت لأنزعهما عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال أبو عبيدة: نشدتك بالله يا أبا بكر، إلا تركتني، قال: فأخذ بفيه فجعل ينَضِّضه كراهية أن يؤذي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم استل السهم بفيه، فنَدَرَت ثنية أبي عبيدة، قال أبو بكر: ثم ذهبت لآخذ الآخر، فقال أبو عبيدة: نشدتك بالله يا أبا بكر، إلا تركتني، قال: فأخذه فجعل ينضضه حتى اسْتَلَّه، فندرت ثنية أبي عبيدة الأخرى، ثم قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (دونكم أخاكم، فقد أوجب)، قال: فأقبلنا على طلحة نعالجه، وقد أصابته بضع عشرة ضربة. وفي تهذيب تاريخ دمشق: فأتيناه في بعض تلك الحفار فإذا به بضع وستون أو أقل أو أكثر، بين طعنة ورمية وضربة، وإذا قد قطعت إصبعه، فأصلحنا من شأنه).

البطولات النادرة

التعليق: ضعيف. رواه: ابن حبان في صحيحه حديث رقم (6980)، والحاكم حديث رقم (5610)، والبزار في مسنده (63)، وغيرهم من طريق إسحاق بن يحيى بن طلحة. وقال البزار: (وهذا الحديث لا نعلم أن أحداً رواه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا أبو بكر الصديق، ولا نعلم له إسناداً غير هذا الإسناد، وإسحاق بن يحيى قد روى عنه عبد الله بن المبارك وجماعة، واحتمل حديثه وإن كان فيه ولا نعلم شاركه في هذا الحديث غيره). وقال الحاكم: (صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه)، وتعقبه الذهبي في التلخيص: (لا والله). وعلق الذهبي في التلخيص متعقباً للحاكم في الحديث رقم (3557): (بل إسحاق بن يحيى بن طلحة متروك. قاله أحمد). وضعفه الأرناؤوط في تحقيقه لابن حبان، ولزاد المعاد. وضعفه الألباني في فقه السيرة ص (263). أما لفظ (أوجب طلحة) فقد صححها الألباني في الصحيحة حديث رقم (945) رواه الترمذي (1/ 316) وفي " الشمائل " (ص 85) وابن حبان (2212) والحاكم (3/ 374) وأحمد (1/ 165) وابن هشام في " السيرة " (3/ 91 - 92). البطولات النادرة 1 - قوله: (فعن قتادة بن النعمان: أن رسول الله رمي عن قوسه حتى اندقت سِيتُها، فأخذها قتادة بن النعمان، فكانت عنده، وأصيبت يومئذ عينه حتى وقعت على وَجْنَتِه، فردها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيده، فكانت أحسن عينيه وأحَدَّهُما). التعليق: ضعيف.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 245): (رواه الطبراني وأبو يعلى ولفظه: عن قتادة بن النعمان أنه أصيبت عينه يوم بدر، فسالت حدقته على وجنته، فأرادوا أن يقطعوها، فسألوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "لا". فدعا به فغمز حدقته براحته، فكان لا يدري أي عينيه أصيبت. وفي إسناد الطبراني من لم أعرفهم، وفي إسناد أبي يعلى يحيى بن عبد الحميد الحماني وهو ضعيف). 2 - قوله: (وامتص مالك بن سنان والد أبي سعيد الخدري الدم من وجنته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى أنقاه، فقال: (مُجَّه)، فقال: والله لا أمجه، ثم أدبر يقاتل، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا)، فقتل شهيداً). التعليق: حَدِيثٌ مُرْسَلٌ. رواه سعيد بن منصور في سننه حديث رقم (2573) قال: حدثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرنا عمرو بن الحارث أن عمر بن السائب حدثه: (أنه بلغه فذكره ...). وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (1/ 170) حديث رقم (19): (وَفِي الْبَابِ حَدِيثٌ مُرْسَلٌ أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ السَّائِبِ أَنَّهُ بَلَغَهُ ...). 3 - قوله: (وقاتلت أم عمارة فاعترضت لابن قَمِئَة في أناس من المسلمين، فضربها ابن قمئة على عاتقها ضربة تركت جرحاً أجوف، وضربت هي ابن قمئة عدة ضربات بسيفها، لكن كانت عليه درعان فنجا، وبقيت أم عمارة تقاتل حتى أصابها اثنا عشر جرحاً). التعليق: ضعيف جداً.

مقتل أبي بن خلف

أوردها ابن سعد في الطبقات (8/ 412) عن شيخه الواقدي، ورواها ابن هشام (3/ 118) بسند منقطع. وضعفه العمري في السيرة الصحيحة (2/ 390). انظر: تخريج أحاديث وآثار كتاب في ظلال القرآن للسقاف، حديث رقم (161). مقتل أبي بن خلف قوله: (قال ابن إسحاق: فلما أسند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الشعب أدركه أبي بن خلف وهو يقول: أين محمد؟ لا نجوتُ إن نجا. فقال القوم: يا رسول الله، أيعطف عليه رجل منا؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (دعوه)، فلما دنا منه تناول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحربة من الحارث بن الصمة، فلما أخذها منه انتفض انتفاضة تطايروا عنه تطاير الشعر عن ظهر البعير إذا انتفض، ثم استقبله وأبصر تَرْقُوَتَه من فرجة بين سابغة الدرع والبيضة، فطعنه فيها طعنة تدأدأ - تدحرج - منها عن فرسه مراراً. فلما رجع إلى قريش وقد خدشه في عنقه خدشاً غير كبير، فاحتقن الدم، قال: قتلني والله محمد، قالوا له: ذهب والله فؤادك، والله إن بك من بأس، قال: إنه قد كان قال لي بمكة: (أنا أقتلك)، فو الله لو بصق علي لقتلني. فمات عدو الله بسَرِف وهم قافلون به إلى مكة. وفي رواية أبي الأسود عن عروة، وكذا في رواية سعيد بن المسيب عن أبيه: أنه كان يخور خوار الثور، ويقول: والذي نفسي بيده، لو كان الذي بي بأهل ذي المجاز لماتوا جميعاً). آخر هجوم قام به المشركون ولما تمكن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من مقر قيادته في الشعب قام المشركون بآخر هجوم حاولوا به النيل من المسلمين. قال ابن إسحاق: بينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الشعب إذ علت عالية من قريش الجبل - يقودهم أبو سفيان وخالد بن الوليد - فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (اللهم إنه لا ينبغي لهم أن يعلونا)، فقاتل عمر بن الخطاب ورهط معه من المهاجرين حتى أهبطوهم من الجبل).

التعليق: مرسل. قال الأرناؤوط في تحقيقه لزاد المعاد (3/ 199): (رواه ابن هشام بلا سند، وأورده ابن كثير (2/ 63) عن عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وكلاهما مرسل. وأخرجه ابن جرير من طريق السدي كما في ابن كثير (2/ 44)). قال ابن كثير في التفسير - عند قوله تعالى - (وما رميت إذ رميت): (روى ابن جرير أيضاً والحاكم في مستدركه بإسناد صحيح إلى سعيد بن المسيب والزهري أنهما قالا: أنزلت في رمية النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم أحد أبي بن خلف بالحربة وهو في لأمته فخدشه في ترقوته فجعل يتدأدأ عن فرسه مراراً حتى كانت وفاته بعد أيام قاسى فيها العذاب الأليم موصولاً بعذاب البرزخ المتصل بعذاب الاَخرة. وأخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وعبد بن حميد كلهم عن سعيد بن المسيب والزهري, وكلاهما مرسل، كما أفاده الشيخ الألباني - رحمه الله - في فقه السيرة ص (256). وساق ابن كثير هذه الحادثة في البداية والنهاية من رواية السدي الكبير، إسماعيل بن عبدالرحمن بن أبي كريمة، ثم قال: غريب جداً وفيه نكارة (4/ 24). وقد تلقى كثير من العلماء هذه القصة بالقبول منهم شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال في منهاج السنة: (والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان أكمل الناس في هذه الشجاعة التي هي المقصودة في أئمة الحرب، ولم يقتل بيده إلا أبي بن خلف قتله يوم أحد ولم يقتل بيده أحداً لا قبلها ولا بعدها ...). قال العمري في السيرة الصحيحة (2/ 92): (ووصله الواحدي في أسباب النزول ص (56) والخبر تواردته كتب السيرة).

تشويه الشهداء

تشويه الشهداء قوله: (وكان هذا آخر هجوم قام به المشركون ضد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولما لم يكونوا يعرفون من مصيره شيئاً - بل كانوا على شبه اليقين من قتله - رجعوا إلى مقرهم، وأخذوا يتهيأون للرجوع إلى مكة، واشتغل من اشتغل منهم - وكذا اشتغلت نساؤهم - بقتلي المسلمين، يمثلون بهم، ويقطعون الآذان والأنوف والفروج، ويبقرون البطون. وبقرت هند بنت عتبة كبد حمزة فلاكتها، فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها، واتخذت من الآذان والأنوف خَدَماً - خلاخيل - وقلائد). التعليق: قصة تمثيل هند بنت عتبة لجسد حمزة لا تصح. قال عبد الله بن خميس - حفظه الله - في ملتقى أهل الحديث الموقع الإلكتروني المعروف: (ذكر المرويات الضعيفة في الموضوع: 1 - روى موسى بن عقبة، أن وحشياً بقر عن كبد حمزة وحملها إلى هند بنت عتبة فلاكتها فلم تستطع أن تستسيغها. ذكره ابن كثير في البداية والنهاية (158) دون إسناد، فهو ضعيف. 2 - وروى ابن إسحاق أن هنداً هي التي بقرت عن كبد حمزة، وزاد أن هنداً اتخذت من آذان الرجال وأنفهم خدماً (أي خلاخل) وقلائد، وأعطت خدمها وقلائدها وقرطيها وحشياً. ابن هشام (159) بإسناد منقطع موقوف على شيخه ابن كيسان، فهي ضعيفة. 3 - وروى الواقدي أن وحشياً عندما قتل حمزة حمل كبده إلى مكة ليراها سيده جبير بن مطعم. المغازي (160)، والواقدي متروك، فروايته ضعيفة جداً. وذكر الشامي أن الواقدي والمقريزي - في الإمتاع - رويا أن وحشياً شق بطن حمزة وأخرج كبده وجاء بها إلى هند فمضغتها ثم لفظتها، ثم جاءت معه إلى حيث جثة حمزة، فقطعت من كبده وجدعت أنفه وقطعت أذنيه، ثم جعلت مَسَكَتين ومعضدين وخدمتين حتى قدمت بذلك مكة. سبل الهدى والرشاد (161).

التثبت من موقف المشركين

ولعل رواية الواقدي والمقريزي التي أشار إليها الشامي تفيد الجمع بين روايتي ابن عقبة وابن إسحاق، وتوافقهما في المضمون. وهي ضعيفة. وختاماً نستطيع أن نقول: أنه من خلال الجمع بين الروايات الصحيحة والضعيفة، نخرج بملاحظتين: - الأولى: أن التمثيل بجثة حمزة فقد ثبت بطرق صحيحة كما ذكرنا، مما يدل على أن قصة بقر بطن حمزة - التي ذكرها أهل المغازي والسير - لها أصل. الثانية: أن هنداً بريئة من هذا الفعل المشين، وذلك لضعف جميع الطرق التي جاءت تفيد بأن هنداً هي التي قامت ببقر كبد حمزة والتمثيل بجثته) (¬1). انظر: ما شاع ولم يثبت من السيرة للعوشن ص (147 - 152). التثبت من موقف المشركين قوله: (ثم بعث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على بن أبي طالب، فقال: (اخرج في آثار القوم فانظر ماذا يصنعون؟ وما يريدون؟ فإن كانوا قد جَنَبُوا الخيل، وامْتَطُوا الإبل، فإنهم يريدون مكة، وإن كانوا قد ركبوا الخيل وساقوا الإبل فإنهم يريدون المدينة. والذي نفسي بيده، لئن أرادوها لأسيرن إليهم فيها، ثم لأناجزنهم). قال على: فخرجت في آثارهم أنظر ماذا يصنعون، فجنبوا الخيل وامتطوا الإبل، ووَجَّهُوا إلى مكة). التعليق: ضعيف سنده معضل. ¬

(¬1) قال الشيخ عبد الله بن مانع - حفظه الله -: (وأيضا عادة النساء الضعف والقصور عن مثل هذا، فلا السند صحيح، ولا القدرة صالحة، ولم يكن من عادة العرب فعل هذا في التشفي، ولم يكن موتورهم يفعل ذلك فكيف بنسائهم).

الرجوع إلى المدينة، ونوادر الحب والتفاني

قال الألباني في فقه السيرة ص (269): (أخرجه (ابن إسحاق) من طريق محمد بن عبد الله بن عبدالرحمن بن أبي صعصعة المازني مصرحاً بسماعه منه مرفوعاً به، كما في سيرة ابن هشام (2/ 140 - 141) وهذا إسناد معضل، وقد رواه الحاكم (3/ 201) من طريق محمد بن إسحاق أن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة حدثه عن أبيه أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: فذكره. وأنا أخشى أن يكون سقط من السند (محمد) بن عبد الله بن عبدالرحمن بن إسحاق، وعبد الله بن عبدالرحمن، فإنهم لم يذكروا ابن إسحاق في الرواة عن عبد الله بن عبدالرحمن، وعليه يكون الحديث مرسلاً وبه أعله الذهبي؛ لأن عبد الله هذا تابعي، وأما أبوه عبدالرحمن بن أبي صعصعة فصحابي، فلو أن سند الحاكم سلم من السقط لكان الحديث متصلاً ولما أعله الذهبي بالإرسال، والله أعلم. والحديث رواه مالك في الموطأ (2/ 21) عن يحيى بن سعيد معضلاً، ونقل السيوطي في تنوير الحوالك عن ابن عبدالبر قال: (هذا الحديث لا أحفظه ولا أعرفه إلا عند أهل السير فهو عندهم مشهور معروف). قلت: قد رواه الحاكم أيضاً من حديث زيد بن ثابت قال: بعثني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم أحد لطلب سعد بن الربيع ... وقال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي، وفي سنده أبو صالح عبدالرحمن بن عبد الله الطويل، ولم أجد الآن ترجمته). انظر: - تخريج أحاديث وآثار كتاب في ظلال القرآن حديث رقم (170): - ما شاع ولم يثبت في السيرة، العوشن ص (137). الرجوع إلى المدينة، ونوادر الحب والتفاني قوله: (ولما فرغ رسول الله من دفن الشهداء والثناء على الله والتضرع إليه، انصرف راجعاً إلى المدينة، وقد ظهرت له نوادر الحب والتفاني من المؤمنات الصادقات، كما ظهرت من المؤمنين في أثناء المعركة.

غزوة حمراء الأسد

لقيته في الطريق حَمْنَة بنت جحش، فَنُعِي إليها أخوها عبد الله بن جحش فاسترجعت واستغفرت له، ثم نعي لها خالها حمزة بن عبد المطلب، فاسترجعت واستغفرت، ثم نعي لها زوجها مصعب بن عمير، فصاحت وولوت، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن زوج المرأة منها لبِمَكان). التعليق: ضعيف. رواه ابن ماجه في سننه حديث رقم (1590) بلفظ: (إن للزوج من المرأة لشعبة (¬1) ما هي لشيء)،والحاكم في المستدرك حديث رقم (6906)، وكذا ابن سعد في الطبقات (8/ 175)، وابن إسحاق في السيرة بلفظ: (إن زوج المرأة منها لبمكان)، وضعفه البوصيري في الزوائد (1/ 120)، والألباني في ضعيف ابن ماجه حديث رقم (347)، والضعيفة حديث رقم (3233).والعمري في السيرة الصحيحة (2/ 395). غزوة حمراء الأسد 1 - قوله: (قال أهل المغازي ما حاصله: إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نادي في الناس، وندبهم إلى المسير إلى لقاء العدو - وذلك صباح الغد من معركة أحد، أي يوم الأحد الثامن من شهر شوال سنة 3 هـ - وقال: (لا يخرج معنا إلا من شهد القتال)، فقال له عبد الله بن أبي: أركب معك؟ قال: (لا)، واستجاب له المسلمون على ما بهم من الجرح الشديد، والخوف المزيد، وقالوا: سمعاً وطاعة. واستأذنه جابر بن عبد الله، وقال: يا رسول الله، إني أحب ألا تشهد مشهداً إلا كنت معك، وإنما خلفني أبي على بناته فائذن لي أسير معك، فأذن له). التعليق: مرسل. ¬

(¬1) (لشعبة): الشعبة بالضم غصن الشجرة وقطعة من الشيء، والمراد النوع من المحبة والتعلق.

قال الألباني في تخريجه لفقه السيرة للغزالي ص (272): (رواه ابن لهيعة عن أبي الأسود، عن عروة بن الزبير مرسلا كما في البداية، وذكره ابن هشام عن ابن إسحاق بدون سند). 2 - قوله: (أقام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بحمراء الأسد - بعد مقدمه يوم الأحد - الاثنين والثلاثاء والأربعاء - 9، 10، 11 شوال سنة 3 هـ - ثم رجع إلى المدينة، وأخذ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل الرجوع إلى المدينة أبا عَزَّة الجمحي - وهو الذي كان قد منّ عليه من أساري بدر؛ لفقره وكثرة بناته، على ألا يظاهر عليه أحداً، ولكنه نكث وغدر فحرض الناس بشعره على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمسلمين، كما أسلفنا، وخرج لمقاتلتهم في أحد - فلما أخذه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: يا محمد، أقلني، وامنن على، ودعني لبناتي، وأعطيك عهداً ألا أعود لمثل ما فعلت، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا تمسح عارضيك بمكة بعدها وتقول: خدعت محمداً مرتين، لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين)، ثم أمر الزبير أو عاصم بن ثابت فضرب عنقه). التعليق: ضعيف. قال العلامة الألباني في إرواء الغليل حديث رقم (1215): (ضعيف. ذكره ابن إسحاق بدون إسناد قال: " وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أسره ببدر ثم من عليه فقال: يا رسول الله أقلني. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " والله لا تمسح عارضيك بمكة بعدها وتقول: خدعت محمدا مرتين، اضرب عنقه يا زبير فضرب عنقه " ذكره ابن هشام في " السيرة " (3/ 110) ثم قال: " وبلغني عن سعيد بن المسيب أنه قال: قال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين اضرب عنقه يا عاصم بن ثابت فضرب عنقه). قلت: وهذا مع بلاغه مرسل وقد وصله البيهقي (9/ 65) من طريق محمد بن عمر حدثني محمد بن عبد الله عن الزهري عن سعيد بن المسيب به مطولاً. قلت: وإسناده واه جداً من أجل محمد بن عمر وهو الواقدي وهو متروك.

سرية أبي سلمة

وأما حديث: " لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين " فصحيح اتفق الشيخان على إخراجه وأما سببه المذكور فلا يصح وإن جزم به العسكري ونقله عنه المناوي في " فيض القدير " ساكتاً عليه غير مبين لعلة! وتبع العسكري آخرون كابن بطال والتوربشني كما نقله الحافظ في " الفتح " (10/ 440) وأشار إلى ضعفه فراجعه إن شئت). سرية أبي سلمة قوله: (أول من قام ضد المسلمين بعد نكسة أحد هم بنو أسد بن خزيمة، فقد نقلت استخبارات المدينة أن طلحة وسلمة ابني خويلد قد سارا في قومهما ومن أطاعهما يدعون بني أسد بن خزيمة إلى حرب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسارع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى بعث سرية قوامها مائة وخمسون مقاتلاً من المهاجرين والأنصار، وأمر عليهم أبا سلمة، وعقد له لواء. وباغت أبو سلمة بني أسد بن خزيمة في ديارهم قبل أن يقوموا بغارتهم، فتشتتوا في الأمر، وأصاب المسلمون إبلا وشاء لهم فاستاقوها، وعادوا إلى المدينة سالمين غانمين لم يلقوا حرباً. كان مبعث هذه السرية حين استهل هلال المحرم سنة 4 هـ. وعاد أبو سلمة وقد نفر عليه جرح كان قد أصابه في أحد، فلم يلبث حتى مات). التعليق: ضعيف. قال الألباني في تخريجه لفقه السيرة للغزالي ص (274): (ذكر هذه السرية ابن كثير في البداية (4/ 61 - 62) من طريق الواقدي بإسناد له معضل، والواقدي متروك). قلت (الملاح): تعبير المؤلف عن غزوة أحد بقوله: (نكسة أحد) أجده غير لائق نهائياً في وصف ما حدث للمسلمين يوم أحد، وكذلك قوله تحت عنوان مأساة بئر معونة: (تذكر نكبتهم الكبيرة بنكبة أحد).

غزوة الأحزاب

وارجع إلى كلام المؤلف نفسه عن غزوة أحد، وهل تعد هزيمة أم لا؟ والدروس المستفادة منها فإنه قد أفاد وأجاد - رحمه الله - وذلك تحت عنوان (غزوة حمراء الأسد)، وما بعدها. غزوة الأحزاب قوله: (وسارع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى عقد مجلس استشاري أعلى، تناول فيه موضوع خطة الدفاع عن كيان المدينة، وبعد مناقشات جرت بين القادة وأهل الشورى اتفقوا على قرار قدمه الصحابي النبيل سلمان الفارسي - رضي الله عنه -. قال سلمان: يا رسول الله، إنا كنا بأرض فارس إذا حوصرنا خَنْدَقْنَا علينا. وكانت خطة حكيمة لم تكن تعرفها العرب قبل ذلك). التعليق: القصة بلا إسناد. أقدم من أشار إلى ذلك أبو معشر السندي ت (171) هـ بدون إسناد كما في فتح الباري (7/ 393)، وذكرها الواقدي بدون إسناد. انظر: السيرة النبوية الصحيحة للعمري (2/ 420). فائدة: قال الطبري والسهيلي: (أول من حفر الخنادق منوشهر بن أيرج بن أفريدون وكان في زمن موسى عليه السلام). البداية والنهاية لابن كثير (4/ 97). قوله: (ثم إن الله عز وجل - وله الحمد - صنع أمراً من عنده خذل به العدو وهزم جموعهم، وفَلَّ حدهم، فكان مما هيأ من ذلك أن رجلاً من غطفان يقال له: نعيم بن مسعود بن عامر الأشجعي رضي الله عنه جاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله، إني قد أسلمت، وإن قومي لم يعلموا بإسلامي، فمرني ما شئت، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إنما أنت رجل واحد، فَخذِّلْ عنا ما استطعت، فإن الحرب خدعة)، فذهب من فوره إلى بني قريظة - وكان عشيراً لهم في الجاهلية - فدخل عليهم وقال: قد عرفتم ودي إياكم،

وخاصة ما بيني وبينكم، قالوا: صدقت. قال: فإن قريشاً ليسوا مثلكم، البلد بلدكم، فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم، لا تقدرون أن تتحولوا منه إلى غيره، وإن قريشاً وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه، وقد ظاهرتموهم عليه، وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره، فإن أصابوا فرصة انتهزوها، وإلا لحقوا ببلادهم وتركوكم ومحمداً فانتقم منكم، قالوا: فما العمل يا نعيم؟ قال: لا تقاتلوا معهم حتى يعطوكم رهائن. قالوا: لقد أشرت بالرأي. ثم مضى نعيم على وجهه إلى قريش وقال لهم: تعلمون ودي لكم ونصحي لكم؟ قالوا: نعم، قال: إن يهود قد ندموا على ما كان منهم من نقض عهد محمد وأصحابه، وإنهم قد راسلوه أنهم يأخذون منكم رهائن يدفعونها إليه، ثم يوالونه عليكم، فإن سألوكم رهائن فلا تعطوهم، ثم ذهب إلى غطفان، فقال لهم مثل ذلك). التعليق: ضعيف جداً قال العلامة الألباني في الضعيفة حديث رقم (3777): (ضعيف جداً. أخرجه الطبري في "تهذيب الآثار" (1/ 109/ 226)، وأبو عوانة (4/ 82)، والديلمي (2/ 111 - 112) عن يعقوب بن محمد: حدثنا عبد العزيز بن عمران: حدثنا إبراهيم بن صابر الأشجعي، عن أبيه، عن أمه بنت نعيم بن مسعود الأشجعي، عن أبيها قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ عبد العزيز بن عمران هو المعروف بابن أبي ثابت الزهري المدني، وهو متروك. ومن فوقه لم أعرفهم، وبنت نعيم اسمها زينب، ونعيم صحابي مشهور قالوا: وهو الذي أوقع الخلاف بين الحيين (قريظة وغطفان) في وقعة الخندق، فخالف بعضهم بعضاً ورحلوا عن المدينة، والقصة رواها ابن إسحاق بغير إسناد؛ وفيها أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له: "فخذل عنا إن استطعت؛ فإن الحرب خدعة". انظر "تاريخ ابن كثير" (4/ 111)، ورواها الطبري (1/ 114/ 236) عن الزهري مرسلاً؛ دون حديث الترجمة.

الحرب خدعة

(تنبيه): "إبراهيم بن صابر" هكذا وقع في "تهذيب الطبري"، ووقع في "مسند أبي عوانة": " .. هانىء" مكان "صابر"، وفي "الديلمي": "جابر". وهذا تحريف شديد، أضاع علينا معرفة هوية إبراهيم هذا، وقد ذكر الحافظ المزي في شيوخ عبد العزيز بن عمران ثلاثة باسم إبراهيم: الأول: إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة. الثاني: إبراهيم بن حويصة. الثالث: إبراهيم بن أبي الصقر. ولم أعرف من هؤلاء إلا الأول؛ وهو أشهلي أنصاري مولاهم، ولم يذكروا له رواية عن أبيه، ثم هو ضعيف. والله أعلم. واعلم أنني إنما خرجت الحديث هنا من أجل طرفه الأول: "خذل عنا"، وإلا؛ فبقيته صحيح، بل متواتر، أخرجه ابن جرير عن عشرة من الصحابة، وبعضها في "الصحيحين"، وخرجه السيوطي في "الجامع الصغير" عن أربعة عشر صحابياً، ليس فيهم أبو الطفيل وأسماء بنت يزيد، وقد أخرجهما الطبري، فيصير العدد (16). وقد أخرجته عن بعضهم في "الروض النضير" (770)، وغيره، فانظر "صحيح الجامع الصغير" (3171). وقال العمري في السيرة الصحيحة (2/ 430): (قصة نعيم بن مسعود الأشجعي لا تثبت من الناحية الحديثية، ولكنها اشتهرت في كتب السيرة). فائدة: قال النووي في شرح مسلم: (قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْحَرْب خُدْعَة) فِيهَا ثَلَاث لُغَات مَشْهُورَات اِتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أَفْصَحهنَّ (خَدْعَة) بِفَتْحِ الْخَاء وَإِسْكَان الدَّال، قَالَ ثَعْلَب وَغَيْره: وَهِيَ لُغَة النَّبِيّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

غزوة بني قريظة

الثَّانِيَة: بِضَمِّ الْخَاء وَإِسْكَان الدَّال. وَالثَّالِثَة: بِضَمِّ الْخَاء وَفَتْح الدَّال). انظر: تهذيب الآثار للطبري في ذكر روايات حديث (الحرب خدعة) فإنه أفاد وأجاد. غزوة بني قريظة قوله: (فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سموات). التعليق: قوله: (من فوق سبع سموات) هذا ضعيف. أما قصة تحكيم سعد بن معاذ - رضي الله عنه - في يهود بني قريظة صحيحة وردت في البخاري ومسلم ولكن بلفظ: (لقد حكمت فيهم بحكم الله - عزوجل - وربما قال: بحكم الملك). انظر: تخريج فقه السيرة للألباني ص (337). قوله: (واستوهب ثابت بن قيس، الزبير بن باطا وأهله وماله - وكانت للزبير يد عند ثابت - فوهبهم له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال له ثابت بن قيس: قد وهبك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلي، ووهب لي مالك وأهلك فهم لك. فقال الزبير بعد أن علم بمقتل قومه: سألتك بيدي عندك يا ثابت إلا ألحقتني بالأحبة، فضرب عنقه، وألحقه بالأحبة من اليهود، واستحيا ثابت من ولد الزبير بن باطا عبد الرحمن بن الزبير، فأسلم وله صحبة). التعليق: مرسل ضعيف. قال أخونا الفاضل العوشن في (ما شاع ولم يثبت في السيرة) ص (174 - 175): (وعن ابن إسحاق أخرجه البيهقي في الدلائل (4/ 23)، ومرسل الزهري لا يفرح به. وأخرجه في السنن الكبرى (9/ 66) من مرسل عروة، وفي سنده ابن لهيعة. وعزاه الهيثمي (6/ 141 - 142) إلى الطبراني في الأوسط وقال: (فيه موسى بن عبيدة وهو ضعيف) ....

غزوة بني المصطلق

وسؤال الزبير أن يلحقه ثابت بمن قتل من زعماء يهود، يخالف ما عرف عنهم من حب الدنيا، وكراهية الموت، واستمع قول الله عنهم: (ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون) (البقرة: 96). غزوة بني المصطلق قوله: (وذلك في ساعة لم يكن يرتحل فيها، فارتحل الناس، فلقيه أسيد بن حضير فحياه، وقال: لقد رحت في ساعة منكرة؟ فقال له: (أو ما بلغك ما قال صاحبكم؟) يريد ابن أبي، فقال: وما قال؟ قال: (زعم أنه إن رجع إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل)، قال: فأنت يا رسول الله، تخرجه منها إن شئت، هو والله الذليل وأنت العزيز، ثم قال: يا رسول الله، ارفق به، فوالله لقد جاءنا الله بك، وإن قومه لينظمون له الخَرَز ليتوجوه، فإنه يرى أنك استلبته ملكاً). ثم مشى بالناس يومهم ذلك حتى أمسى، وليلتهم حتى أصبح، وصَدْر يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس، ثم نزل بالناس، فلم يلبثوا أن وجدوا مَسَّ الأرض فوقعوا نياماً. فعل ذلك ليشغل الناس عن الحديث). التعليق: إسناده ضعيف. (رواه: ابن إسحاق مرسلاً، ومن طريقه الطبري، والبيهقي في (الدلائل). انظر: (السيرة النبوية) (3/ 404)، (مرويات غزوة بني المصطلق) (ص187 - 190). تخريج أحاديث وآثار في ظلال القرآن للسقاف، حديث رقم (757). فوائد: 1 - قصة زيد بن أرقم مع عبد الله بن أبي صحيحة وردت في البخاري ومسلم. 2 - قصة عبد الله بن أبي بن سلول مع ابنه عبد الله حيث منعه ابنه من دخول المدينة حتى يقر أنه الذليل ورسول الله هو العزيز صحيحة. انظر: (صحيح سنن الترمذي) (3/ 120)، (مرويات غزوة بني المصطلق) (ص193).

حديث الإفك

3 - أما رواية ابن إسحاق التي فيها قوله: (يا رسول الله! إنه بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي فيما بلغك عنه، فإن كنت لابد فاعلاً؛ فمرني به؛ فأنا أحمل إليك رأسه؛ فوالله؛ لقد علمت الخزرج ما كان لها من رجل أبر بوالده مني، وإني أخشى أن تأمر غيري فيقتله، فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل عبد الله بن أبي يمشي في الناس، فأقتله، فأقتل مؤمناً بكافر، فأدخل النار. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا). إسنادها ضعيف. حديث الإفك قوله: (فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعمر: (كيف ترى يا عمر؟ أما والله لوقتلته يوم قلت لي: اقتله، لأرعدت له آنف، ولو أمرتها اليوم بقتله لقتلته). قال عمر: قد والله علمتُ، لأمْر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعظم بركة من أمري). التعليق: مرسل. قال إبراهيم بن إبراهيم قريبي في كتابه مرويات غزوة بني المصطلق: "الحديث رجاله ثقات، ولكنه مرسل". وأورده ابن جرير الطبري من هذه الطريق نفسها (¬1). وله شاهد عند ابن أبي حاتم من مرسل عروة بن الزبير، وعمر بن ثابت الأنصاري. وهو مرسل جيد كما قال ابن حجر (¬2). وهو أيضا عند ابن أبي شيبة من مرسل عروة وحده (¬3). ¬

(¬1) تاريخ الطبري2/ 605. (¬2) فتح الباري 8/ 649، وانظر تفسير ابن كثير 4/ 371. (¬3) الدر المنثور للسيوطي 6/ 225.

إشاعة مقتل عثمان وبيعة الرضوان

وأصله في الصحيحين من حديث زيد بن أرقم وجابر بن عبد الله. وبهذا يكون الحديث حسناً لغيره. انظر: (السيرة النبوية) (3/ 404)، (مرويات غزوة بني المصطلق) (ص187 - 190). ، تخريج أحاديث وآثار في ظلال القرآن للسقاف، حديث رقم (759). إشاعة مقتل عثمان وبيعة الرضوان قوله: (واحتبسته قريش عندها - ولعلهم أرادوا أن يتشاوروا فيما بينهم في الوضع الراهن، ويبرموا أمرهم، ثم يردوا عثمان بجواب ما جاء به من الرسالة - وطال الاحتباس، فشاع بين المسلمين أن عثمان قتل، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما بلغته الإشاعة: (لا نبرح حتى نناجز القوم)، ثم دعا أصحابه إلى البيعة ...). التعليق: ضعيف. قال الألباني في تخريجه لفقه السيرة (329): (ضعيف. أخرجه ابن إسحاق وعنه ابن هشام (2/ 229) عبد الله بن أبي بكر مرسلاً). مكاتبة الملوك والأمراء قوله: (الكتاب إلى المقوقس ملك مصر. الكتاب إلى كسرى ملك فارس. الكتاب إلى المنذر بن سَاوِي. الكتاب إلى هَوْذَة بن على صاحب اليمامة. الكتاب إلى الحارث بن أبي شَمِر الغساني صاحب دمشق ...).

بدء المعركة وفتح حصن ناعم

التعليق: نصوص الكتب من الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى هؤلاء لم تثبت من الناحية الحديثية، أما مكاتبة الملوك وغيرهم فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أنس أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتب إلى كسرى وإلى قيصر وإلى النجاشي وإلى كل جبار يدعوهم إلى الله تعالى وليس بالنجاشي الذي صلى عليه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بخلاف نص الكتاب الذي كتبه لهرقل عظيم الروم فقد ورد في البخاري ومسلم. وكذلك نص الكتاب إلى كسرى فحديثه حسن. انظر: - السيرة النبوية الصحيحة للعمري (2/ 258) وما بعدها. - تخريج فقه السيرة للألباني (354 - 362). بدء المعركة وفتح حصن ناعم قوله: (ثم خرج ياسر أخو مرحب، وهو يقول: من يبارز؟ فبرز إليه الزبير، فقالت صفية أمه: يا رسول الله، يقتل ابني، قال: (بل ابنك يقتله)، فقتله الزبير). التعليق: ضعيف. أخرجه ابن هشام (2/ 239) من طريق ابن إسحاق عن هشام بن عروة معضلاً. انظر: تخريج فقه السيرة للألباني ص (343). فتح حصن الصعب بن معاذ قوله: (روي ابن إسحاق أن بني سهم من أسلم أتوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقالوا: لقد جهدنا، وما بأيدينا من شيء، فقال: (اللهم إنك قد عرفت حالهم، وأن ليست بهم قوة، وأن ليس بيدي شيء أعطيهم إياه، فافتح عليهم أعظم حصونها عنهم غَنَاء، وأكثرها طعامًا ووَدَكًا). فغدا الناس ففتح الله - عز وجل - حصن الصعب بن معاذ، وما بخيبر حصن كان أكثر طعامًا وودكًا منه) ....

قتل ابني أبي الحقيق لنقض العهد

التعليق: لا يصح. رواه الواقدي معضلاً كما في البداية (4/ 198) والواقدي متروك. انظر: تخريج فقه السيرة للألباني ص (344). قتل ابني أبي الحقيق لنقض العهد قوله: (وعلى رغم هذه المعاهدة غيب ابنا أبي الحقيق مالاً كثيراً، غيبا مَسْكًا فيه مال وحُلي لحيي بن أخطب، كان احتمله معه إلى خيبر حين أجليت النضير. قال ابن إسحاق: وأتي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بكِنَانة الربيع، وكان عنده كنز بني النضير، فسأله عنه، فجحد أن يكون يعرف مكانه، فأتي رجل من اليهود فقال: إني رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة كل غداة، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لكنانة: (أرأيت إن وجدناه عندك أأقتلك؟) قال: نعم، فأمر بالخربة، فحفرت، فأخرج منها بعض كنزهم، ثم سأله عما بقي، فأبى أن يؤديه. فدفعه إلى الزبير، وقال: عذبه حتى نستأصل ما عنده، فكان الزبير يقدح بزند في صدره حتى أشرف على نفسه، ثم دفعه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى محمد بن مسلمة، فضرب عنقه بمحمود بن مسلمة - وكان محمود قتل تحت جدار حصن ناعم، ألقي عليه الرحي، وهو يستظل بالجدار فمات -). التعليق: ضعيف أخرجه ابن إسحاق عن هشام بن عروة معضلاً. انظر: تخريج فقه السيرة للألباني. عمرة القضاء قوله: (قال الحاكم: تواترت الأخبار أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما هَلَّ ذو القعدة أمر أصحابه أن يعتمروا قضاء عمرتهم، وألا يتخلف منهم أحد شهد الحديبية، فخرجوا إلا من استشهد، وخرج معه آخرون معتمرين، فكانت عدتهم ألفين سوى النساء والصبيان). اهـ.

التعليق: قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (7/ 500): (وهذا الخلاف مبني على الاختلاف في وجوب القضاء على من اعتمر فصد عن البيت: فقال الجمهور: يجب عليه الهدي ولا قضاء عليه. وعن أبي حنيفة عكسه. وعن أحمد رواية: أنه لا يلزمه هدي ولا قضاء، وأخرى: يلزمه الهدي والقضاء. فحجة الجمهور قوله تعالى: (فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي)، وحجة أبي حنيفة: أن العمرة تلزم بالشروع فإذا أحصر جاز له تأخيرها، فإذا زال الحصر أتى بها، ولا يلزم من التحلل بين الإحرامين سقوط القضاء. وحجة من أوجبها: ما وقع للصحابة فإنهم نحروا الهدي حيث صدوا، واعتمروا من قابل وساقوا الهدي، وقد روى أبو داود من طريق أبي حاضر قال: (اعتمرت فأحصرت فنحرت الهدي وتحللت ثم رجعت العام المقبل) فقال لي ابن عباس: ابذل الهدي؛ فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر أصحابه بذلك. وحجة من لم يوجبها: أن تحللهم بالحصر لم يتوقف على نحر الهدي بل أمر من معه هدي أن ينحره ومن ليس معه هدي أن يحلق. واستدل الكل بظاهر أحاديث من أوجبهما، قال ابن إسحاق خرج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذي القعدة مثل الشهر الذي صد فيه المشركون معتمراً عمرة القضاء مكان عمرته التي صدوه عنها، وكذلك ذكر موسى بن عقبة عن ابن شهاب وأبو الأسود عن عروة وسليمان التيمي جميعا في مغازيهم أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج إلى عمرة القضاء في ذي القعدة، وروى يعقوب بن سفيان في تاريخه بسند حسن عن ابن عمر قال: كانت عمرة القضية في ذي القعدة سنة سبع. وفي مغازي سليمان التيمي: لما رجع من خيبر بث سراياه وأقام بالمدينة حتى استهل ذو القعدة فنادى في الناس أن تجهزوا إلى العمرة. وقال ابن إسحاق خرج معه من كان صد في تلك العمرة إلا من مات أو استشهد. وقال الحاكم في الإكليل: تواترت الأخبار أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما هل

سبب المعركة (مؤتة)

ذو القعدة أمر أصحابه أن يعتمروا قضاء عمرتهم وأن لا يتخلف منهم أحد شهد الحديبية فخرجوا إلا من استشهد وخرج معه آخرون معتمرين فكانت عدتهم ألفين سوى النساء والصبيان. قال: وتسمى أيضا عمرة الصلح. قلت: فتحصل من أسمائها أربعة القضاء والقضية والقصاص والصلح). سبب المعركة (مؤتة) قوله: (وسبب هذه المعركة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث الحارث بن عمير الأزدي بكتابه إلى عظيم بُصْرَى. فعرض له شُرَحْبِيل بن عمرو الغساني - وكان عاملاً على البلقاء من أرض الشام من قبل قيصر - فأوثقه رباطاً، ثم قدمه، فضرب عنقه) التعليق: انفرد به الواقدي وهو لا يعتمد عليه خاصة إذا انفرد بالخبر. انظر: السيرة النبوية الصحيحة للعمري (2/ 467). الراية إلى سيف من سيوف الله قوله: (وحينئذ تقدم رجل من بني عَجْلان - اسمه ثابت بن أقرم - فأخذ الراية وقال: يا معشر المسلمين، اصطلحوا على رجل منكم، قالوا: أنت. قال: ما أنا بفاعل، فاصطلح الناس على خالد بن الوليد، فلما أخذ الراية قاتل قتالاً مريراً). التعليق: قال الحافظ ابن حجر في الإصابة في تمييز الصحابة (1/ 190) ط. دار العلوم الحديثة: (الحادثة رواها ابن منده من حديث أبي اليسر بإسناد ضعيف). فائدة: رواية ابن إسحاق عن عروة أن الناس قد صاحوا في وجوههم لما عادوا إلى المدينة (يا فرار فررتم في سبيل الله فقال الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار إن شاء الله).

سبب الغزوة

قال ابن كثير في البداية (4/ 248): (وهذا مرسل من هذا الوجه، وفيه غرابة ...) قال الألباني في دفاع عن الحديث والسيرة ص (31): (هذا منكر بل باطل ظاهر البطلان إذ كيف يعقل أن يقابل الجيش المنتصر مع قلة عَدده وعُدده على جيش الروم المتفوق عليهم في العَدد والعُدد أضعافاً مضاعفة كيف يعقل أن يقابل هؤلاء من الناس المؤمنين بحثو التراب في وجوههم ورميهم بالفرار من الجهاد وهم لم يفروا بل ثبتوا ثبوت الأبطال حتى نصرهم الله وفتح عليهم كما في حديث البخاري: (. . . حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم) ومن العجائب أن الدكتور بعد أن ذكر هذا الحديث الصحيح وأتبعه بقوله: (وهذا الحديث يدل كما ترى أن الله أيد المسلمين بالنصر أخيراً). فإنه مع ذلك أورد هذه الزيادة المنكرة فقال (2/ 180): (وأما سبب قول الناس للمسلمين بعد رجوعهم إلى المدينة: يا فرار. . . فهو أنهم لم يتبعوا الروم ومن معهم في هزيمتهم. . .) فنقول: إن هذا التأويل بعيد جداً ثم إن التأويل فرع التصحيح كما هو مقرر في (الأصول) فهلا أثبت هذه الرواية يا فضيلة الدكتور حتى يسوغ لك أن تتأولها لتقضي به على هذا المعنى المستنكر الظاهر منها؟ وإلا فالواقع أن الأمر كما تقول العامة: هذا الميت لا يستحق هذا العزاء ....). انظر: ما شاع ولم يثبت في السيرة للعوشن ص (183 - 184). سبب الغزوة قوله: (... وأسرع عمرو بن سالم الخزاعي، فخرج حتى قدم على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة، فوقف عليه، وهو جالس في المسجد بين ظهراني الناس فقال:

يَا رَبِّ إِنِّي نَاشِدٌ مُحَمَّدًا ... حِلْفَ أَبِينَا وَأَبِيهِ الْأَتْلَدَا قَدْ كُنْتُمُ وُلْدًا وَكُنَّا وَالِدًا ... ثُمَّتَ أَسْلَمْنَا فَلَمْ نَنْزِعْ يَدَا فَانْصُرْ هَدَاك اللَّهُ نَصْرًا أَعْتَدَا ... وَادْعُ عِبَادَ اللَّهِ يَأْتُوا مَدَدَا فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ قَدْ تَجَرَّدَا ... إِنْ سِيمَ خَسْفًا وَجْهُهُ تَرَبَّدَا فِي فَيْلَقٍ كَالْبَحْرِ يَجْرِي مُزْبِدًا ... إِنَّ قُرَيْشًا أَخْلَفُوكَ الْمَوْعِدَا وَنَقَضُوا مِيثَاقَك الْمُوَكَّدَا ... وَجَعَلُوا لِي فِي كَدَاءٍ رُصَّدَا وَزَعَمُوا أَنْ لَسْتُ أَدْعُو أَحَدًا ... وَهُمْ أَذَلُّ وَأَقَلُّ عَدَدَا هُمْ بَيَّتُونَا بِالْوَتِيرِ هُجَّدًا ... وَقَتَلُونَا رُكَّعًا وَسُجَّدَا فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (نصرت يا عمرو بن سالم)، ثم عرضت له سحابة من السماء، فقال: (إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب) .... التعليق: ضعيف. أخرجه ابن إسحاق (ابن هشام 2/ 395) بدون إسناد، وابن سعد في الطبقات (2/ 134)، بدون إسناد والطبري في تاريخه (3/ 45). وأخرجه الطبراني في الكبير (23/ 433)، وفي الصغير (2/ 73 - 75) من حديث ميمونة بنت الحارث نحوه، إلا أن فيه: يحيى بن سليمان بن نضلة وهو ضعيف، كما قال الهيثمي في المجمع (6/ 163 - 164). قال الألباني في تخريج فقه السيرة ص (373): (ضعيف. رواه ابن هشام (2/ 265) وابن جرير (2/ 324 - 325) عن ابن إسحاق بدون إسناد، ووصله الطبراني في المعجم الصغير ص (202) وكذا في الكبير من حديث ميمونة بنت الحارث - رضي الله عنها - بإسناد ضعيف).

أبو سفيان يخرج إلى المدينة ليجدد الصلح

أبو سفيان يخرج إلى المدينة ليجدد الصلح قوله: (وقدم أبو سفيان المدينة، فدخل على ابنته أم حبيبة، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طوته عنه، فقال: يا بنية، أرغبت بي عن هذا الفراش، أم رغبت به عني؟ قالت: بل هو فراش رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأنت رجل مشرك نجس. فقال: والله لقد أصابك بعدي شر). التعليق: ضعيف. قال الألباني في فقه السيرة ص (373): (ضعيف. رواه ابن إسحاق بدون إسناد، كما في سيرة ابن هشام (2/ 265) وابن جرير (2/ 325 - 326). التهيؤ للغزوة ومحاولة الإخفاء قوله: (يؤخذ من رواية الطبراني أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر عائشة - قبل أن يأتي إليه خبر نقض الميثاق بثلاثة أيام - أن تجهزه، ولا يعلم أحد، فدخل عليها أبو بكر، فقال: يابنية، ما هذا الجهاز؟ قالت: والله ما أدري. فقال: والله ما هذا زمان غزو بني الأصفر، فأين يريد رسول الله؟ قالت: والله لا علم لي، وفي صباح الثالثة جاء عمرو بن سالم الخزاعي في أربعين راكباً، وارتجز: يا رب إني ناشد محمداً ... الأبيات. فعلم الناس بنقض الميثاق، وبعد عمرو جاء بديل، ثم أبو سفيان، وتأكد عند الناس الخبر، فأمرهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالجهاز، وأعلمهم أنه سائر إلى مكة، وقال: (اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها). التعليق: ضعيف (ضعيف. رواه ابن إسحاق بدون إسناد، ومعناه في حديث ميمونة المخرج آنفا). قاله الألباني في تخريج فقه السيرة ص (374).

الجيش الإسلامي يتحرك نحو مكة

الجيش الإسلامي يتحرك نحو مكة قوله: (ولعشر خلون من شهر رمضان المبارك 8 هـ، غادر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة متجهاً إلى مكة، في عشرة آلاف من الصحابة - رضي الله عنهم -، واستخلف على المدينة أبا رُهْم الغفاري. ولما كان بالجُحْفَة - أو فوق ذلك - لقيه عمه العباس بن عبد المطلب، وكان قد خرج بأهله وعياله مسلماً مهاجراً). التعليق: قال العمري في السيرة الصحيحة (2/ 476): (العباس قد أسلم قبل فتح خيبر كما في المصنف وأحمد في المسند. وقال ابن كثير: هذا الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة سوى النسائي. وردت روايات ضعيفة تبين إسلامه قبل بدر، بل قبل الهجرة إلى المدينة). الجيش الإسلامي بذي طُوَى قوله: (أما رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فمضي حتى انتهى إلى ذي طوى - وكان يضع رأسه تواضعاً لله حين رأى ما أكرمه الله به من الفتح، حتى أن شعر لحيته ليكاد يمس واسطة الرحل). التعليق: ضعيف. قال الألباني في تخريج فقه السيرة ص (392): (ضعيف؛ رواه ابن هشام (2/ 269) عن ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر مرسلاً. ووصله الحاكم (3/ 47) وكذا أبو يعلى من حديث أنس بنحوه. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. وأقره الذهبي! وهو من أوهامهما؛ فإن في سنده عبد الله بن أبي بكر المقدمي وهو ضعيف كما قال ابن عدي ثم ساق له هذا الحديث كما في الميزان، وهذا المقدمي غير عبد الله

لا تثريب عليكم اليوم

بن أبي بكر شيخ ابن إسحاق؛ فإن هذا متأخر من طبقة الإمام أحمد؛ وذاك تابعي صغير يروي عن أنس - رضي الله عنه - وهو ثقة). لا تثريب عليكم اليوم قوله: (ثم قال: (يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم؟) قالوا: خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم، قال: (فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته: {لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ} اذهبوا فأنتم الطلقاء). مفتاح البيت إلى أهله قوله: (ثم جلس رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المسجد فقام إليه علي - رضي الله عنه - ومفتاح الكعبة في يده فقال: اجمع لنا الحجابة مع السقاية، صلى الله عليك - وفي رواية أن الذي قال ذلك هو العباس - فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أين عثمان بن طلحة؟). فدعي له، فقال له: (هاك مفتاحك يا عثمان، اليوم يوم بر ووفاء)، وفي رواية ابن سعد في الطبقات: أنه قال له حين دفع المفتاح إليه: (خذوها خالدة تالدة، لا ينزعها منكم إلا ظالم، يا عثمان إن الله استأمنكم على بيته، فكلوا مما يصل إليكم من هذا البيت بالمعروف). التعليق: القصة بالرغم من شهرتها في كتب السيرة لا تثبت بإسناد صحيح. قال الألباني في السلسلة الضعيفة حديث رقم (1163): (ضعيف. رواه ابن إسحاق في " السيرة " (4/ 31 - 32)، وعنه الطبري في" التاريخ " (3/ 120) قال: فحدثني بعض أهل العلم فذكره ... ونقله الحافظ ابن كثير في " البداية والنهاية " (4/ 300 - 301) ساكتاً عليه.

إسلام صفوان بن أمية، وفضالة بن عمير

وهذا سند ضعيف مرسل؛ لأن شيخ ابن إسحاق فيه لم يسم، فهو مجهول. ثم هو ليس صحابياً، لأن ابن إسحاق لم يدرك أحداً من الصحابة، بل هو يروي عن التابعين وأقرانه، فهو مرسل أومعضل). وقال أيضا في فقه السيرة ص (382): (ضعيف؛ رواه ابن إسحاق معضلاً كما في (ابن هشام) (2/ 274)؛ وقد ذكره الغزالي في (الإحياء) (3/ 158) من حديث أبي هريرة دون قوله: (اذهبوا) وقال الحافظ العراقي في تخريجه (رواه ابن الجوزي في (الوفاء) من طريق ابن أبي الدنيا وفيه ضعف) ثم ذكره الغزالي من حديث سهيل بن عمرو، فقال العراقي: لم أجده). فائدة: قال الحافظ ابن كثير في تفسير الآية 58 من سورة النساء: (وقد ذكر كثير من المفسرين أن هذه الآية نزلت في شأن عثمان بن طلحة بن أبي طلحة، واسم أبي طلحة، عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي بن كلاب القرشي العبدري، حاجب الكعبة المعظمة، وهو ابن عم شيبة بن عثمان بن أبي طلحة، الذي صارت الحجابة في نسله إلى اليوم، أسلم عثمان هذا في الهدنة بين صلح الحديبية وفتح مكة، هو وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص، وأما عمه عثمان بن أبي طلحة، فكان معه لواء المشركين يوم أحد، وقتل يومئذ كافراً. وإنما نبهنا على هذا النسب؛ لأن كثيراً من المفسرين قد يشتبه عليهم هذا بهذا، وسبب نزولها فيه لما أخذ منه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مفتاح الكعبة يوم الفتح، ثم رده عليه). إسلام صفوان بن أمية، وفضالة بن عمير قوله: (وكان فضالة رجلاً جريئاً جاء إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو في الطواف؛ ليقتله، فأخبر الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بما في نفسه فأسلم). التعليق: حديث ضعيف

أخذ البيعة

قال الألباني في فقه السيرة ص (383): (حديث ضعيف؛ رواه ابن هشام (2/ 276) بإسناد معضل). أخذ البيعة قوله: (وحين فتح الله مكة على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمسلمين، تبين لأهل مكة الحق، وعلموا أن لا سبيل إلى النجاح إلا الإسلام، فأذعنوا له، واجتمعوا للبيعة، فجلس رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الصفا يبايع الناس، وعمر بن الخطاب أسفل منه، يأخذ على الناس فبايعوه على السمع والطاعة فيما استطاعوا). التعليق: البيعة على الإسلام رواه أحمد (3/ 415،4/ 168) من حديث الأسود بن خلف وسنده حسن. أما البيعة على السمع والطاعة فيما استطاعوا رواها ابن جرير (2/ 327) بدون إسناد، أو من حديث قتادة مرسلاً والطريق إليه ضعيف. انظر: تخريج فقه السيرة للألباني ص (386). السرايا والبعوث قوله: (ولما اطمأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد الفتح بعث خالد بن الوليد إلى العزى لخمس ليال بقين من شهر رمضان - سنة 8 هـ - ليهدمها وكانت بنخلة، وكانت لقريش وجميع بني كنانة وهي أعظم أصنامهم. وكان سدنتها بني شيبان، فخرج إليها خالد في ثلاثين فارسًا حتى انتهى إليها، فهدمها. ولما رجع إليها سأله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (هل رأيت شيئاً؟) قال: لا. قال: (فإنك لم تهدمها فارجع إليها فاهدمها) فرجع خالد متغيظًا قد جرد سيفه فخرجت إليه امرأة عريانة سوداء ناشرة الرأس فجعل السادن يصيح بها، فضربها خالد فجزلها باثنتين، ثم رجع إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبره، فقال: (نعم، تلك العزى، وقد أيست أن تعبد في بلادكم أبداً).

غزوة الطائف

التعليق: أورده ابن سعد في الطبقات، والأزرقي في أخبار مكة، والطبرى في تاريخه، وابن القيم في الزاد، والحديث أخرجه النسائي في التفسير (567) وأبو يعلى (902) وأبو نعيم فى الدلائل (463) والبيهقي (5/ 77) وإسناده لين لأجل الوليد بن جميع. قال بعض أهل العلم: الحديث بذكر خروج المرأة غريب جداً إذا كان المراد أنها عاشت بعد الموت، أو أنها من الجن، وإما أنها كانت مما جعلها السدنة لتظهر أشياء تدل على حياة العزى فغير بعيد والله تعالى أعلم). غزوة الطائف 1 - قوله: (استشار رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَوْفَل بن معاوية الدِّيلي فقال: هم ثعلب في جحر، إن أقمت عليه أخذته وإن تركته لم يضرك). التعليق: ضعيف جدا. قال الألباني في فقه السيرة ص (398): (ضعيف جدا؛ رواه الواقدي كما في البداية (4/ 350) وهو متهم بالكذب). 2 - قوله: (وحينئذ عزم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على رفع الحصار والرحيل، فأمر عمر بن الخطاب فأذن في الناس، إنا قافلون غداً إن شاء الله، فثقل عليهم وقالوا: نذهب ولا نفتحه؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (اغدوا على القتال)، فغدوا فأصابهم جراح، فقال: (إنا قافلون غداً إن شاء الله) فسروا بذلك وأذعنوا، وجعلوا يرحلون، ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يضحك). التعليق: ضعيف.

قدوم كعب بن زهير بن أبي سلمى

قال الألباني في فقه السيرة ص (398): (ضعيف. ذكره ابن هشام (2/ 303) عن ابن إسحاق بلاغاً، ورواه ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة. وهو مع إرساله ضعيف). قدوم كعب بن زهير بن أبي سلمى قوله: (كان من بيت الشعراء، ومن أشعر العرب، وكان يهجو النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلما انصرف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من غزوة الطائف سنة 8هـ، كتب إلى كعب بن زهير أخوه بُجَيْر بن زهير أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قتل رجالاً بمكة ممن كانوا يهجونه ويؤذونه، ومن بقي من شعراء قريش هربوا في كل وجه، فإن كانت لك في نفسك حاجة فَطِرْ إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإنه لا يقتل أحداً جاء تائباً، وإلا فانج إلى نجاتك، ثم جرى بين الأخوين مراسلات ضاقت لأجلها الأرض على كعب، وأشفق على نفسه، فجاء المدينة، ونزل على رجل من جُهَيْنَةَ، وصلى معه الصبح، فلما انصرف أشار عليه الجهني، فقام إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى جلس إليه، فوضع يده في يده، وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يعرفه فقال: يا رسول الله، إن كعب بن زهير قد جاء ليستأمن منك تائباً مسلماً، فهل أنت قابل منه إن أنا جئتك به؟ قال: (نعم). قال: أنا كعب بن زهير، فوثب عليه رجل من الأنصار يستأذن ضرب عنقه، فقال: (دعه عنك، فإنه قد جاء تائباً نازعاً عما كان عليه). وحينئذ أنشد كعب قصيدته المشهورة التي أولها: بانت سعاد فقلبي اليوم مَتْبُول ... مُتَيَّمٌ إثْرَهَا، لم يُفْدَ مَكْبُول قال فيها - وهو يعتذر إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويمدحه: نبئت أن رسول الله أوعدني ... والعفو عند رسول الله مأمول مهلا هداك الذي أعطاك نافلة الـ ... ـقرآن فيها مواعيظ وتفصيل لا تأخذن بأقوال الوشاة ولم ... أذنب، ولو كثرت فيَّ الأقاويل

لقد أقوم مقاماً ما لو يقوم به ... أرى وأسمع ما لو يسمع الفيل لظل يرعد إلا أن يكون له ... من الرسول بإذن الله تنويل حتى وضعت يميني ما أنازعه ... في كف ذي نقمات قيله القيل فلهو أخوف عندي إذ أكلمه ... وقيل: إنك منسوب ومسئول من ضيغم بضراء الأرض مخدرة ... في بطن عثر غيل دونه غيل إن الرسول لنور يستضاء به ... مهند من سيوف الله مسلول ثم مدح المهاجرين من قريش؛ لأنهم لم يكن تكلم منهم رجل في كعب حين جاء إلا بخير، وعرض في أثناء مدحهم على الأنصار لاستئذان رجل منهم في ضرب عنقه، قال: يمشون مَشْي الجمال الزُّهْرِ يعصمهم ... ضَرْبٌ إذا عَرَّد السُّودُ التَّنَابِيل فلما أسلم وحسن إسلامه مدح الأنصار في قصيدة له، وتدارك ما كان قد فرط منه في شأنهم، قال في تلك القصيدة: من سره كَرَمُ الحياة فلا يَزَلْ ... في مِقْنَبٍ من صالحي الأنصار ورثوا المكارم كابراً عن كابر ... إن الخيار هم بنو الأخيار) التعليق: لا تصح. قال ابن كثير في البداية والنهاية (4/ 374) ط. مكتبة المعارف بيروت: (هذا من الأمور المشهورة جدًّا، ولكن لم أر ذلك في شيء من هذه الكتب المشهورة بإسناد أرتضيه، فالله أعلم، وقد روى أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له لما قال بانت سعاد: ومن سعاد؟ قال: زوجتي يا رسول الله. قال: لم تبن. ولكن لم يصح ذلك، وكأنه على ذلك توهم أن بإسلامه تبين امرأته، والظاهر أنه إنما أراد البينونة الحسية لا الحكمية، والله تعالى أعلم) قال الشوكاني في نيل الأوطار (2/ 166): (قال العراقي: وهذه القصيدة قد رويناها من طرق لا يصح منها شيء، وذكرها ابن إسحاق بسند منقطع وعلى تقدير

وفد بني فزارة

ثبوت هذه القصيدة عن كعب وإنشادها بين يدي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في المسجد أوغيره فليس فيها مدح الخمر وإنما فيها مدح ريقها وتشبيهه بالراح). قال الحافظ في" النتائج " (1/ 306): (غريب تفرد به إبراهيم بن المنذر بهذا الإسناد). وقد ضعفها: 1 - الشيخ ناصر الفهد في رسالة خاصة بها. 2 - الشيخ عبدالعزيز المانع، في مجلة مجمع العلمي العراقي، مجلد (33) رجب1403هـ 3 - الشيخ سعدي أبو حبيب في مجلة الأديب البيروتية، عدد إبريل 1971م. ومع ذلك فقد صحَّح بعض أهل العلم هذه القصيدة منهم: 1 - الشيخ: إسماعيل الأنصاري - رحمه الله - في رسالةٍ له مطبوعة. 2 - الشيخ: سعود النفيسان في رسالة أسماها: توثيق بانت سعاد في المتن والإسناد، ط. مكتبة الرشد،1420 هـ. وفد بني فَزَارَة قوله: (قدم هذا الوفد سنة 9هـ بعد مرجعه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من تبوك، قدم في بضعة عشر رجلاً جاءوا مقرين بالإسلام، وشكوا جدب بلادهم، فصعد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المنبر، فرفع يديه واستسقي، وقال: (اللهم اسق بلادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحْي بلدك الميت، اللهم اسقنا غَيْثاً مُغِيثاً، مريئًا مَرِيعاً، طَبَقاً واسعاً، عاجلاً غير آجل، نافعاً غير ضار، اللهم سقيا رحمة، لا سقيا عذاب، ولاهَدْم ولا غَرَق ولا مَحْق، اللهم اسقنا الغيث، وانصرنا على الأعداء). التعليق: قال الحافظ ابن الملقن في البدر المنير (5/ 165) ط. دار الهجرة، الأولى 1425هـ: (رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مُتَّصِلاً، وَرَوَاهُ مَالك فِي (الْمُوَطَّأ) مُرْسلاً، قَالَ ابْن (أبي) حَاتِم: والمرسل أصح.

وفد طيء

قلت: وَفِي إِسْنَاده مَعَ ذَلِك عَلّي بن قادم الْخُزَاعِيّ وَهُوَ صُوَيْلِح، ضعفه ابْن معِين، وَقَالَ (أَبُو) أَحْمد: نقمت عَلَيْهِ أَحَادِيث رَوَاهَا عَن الثَّوْريّ غير مَحْفُوظَة - وَحَدِيثه هَذَا عَنهُ، فاعلمه - وَقَالَ ابْن سعد: مُنكر الحَدِيث. قلت: والراوي عَنهُ هُوَ عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن مَنْصُور، قَالَ ابْن عدي: حدث بِمَا لَا يُتَابع عَلَيْهِ، وَكَانَ مُوسَى بن هَارُون يرضاه. وَقَالَ الدارقطني وَغَيره: لَيْسَ بِالْقَوِيّ). وحسنه النووي في خلاصة الأحكام (2/ 880) ط. مؤسسة الرسالة. الأولى.1418هـ حديث رقم (3115). وحسنه الألباني في المشكاة حديث رقم (1506). والأرناؤوط في زاد المعاد (3/ 154). وفد طيء قوله: (وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن زيد: (ما ذكر لي رجل من العرب بفضل، ثم جاءني إلا رأيته دون ما يقال فيه، إلا زيد الخيل، فإنه لم يبلغ كل ما فيه)، وسماه زيد الخير). التعليق: ضعيف. الحديث في كتب السير والتراجم فى ترجمة زيد وهى رواية ضعيفة ذكرها ابن إسحاق بغير إسناد وذكرها هشام بن الكلبى بإسناد مجهول كما قال الحافظ فى الإصابة (1/ 572) برقم (2941). حجة الوداع قوله: (وقد خطب في بعض أيام التشريق أيضاً، فقد روي أبو داود بإسناد حسن عن سَرَّاءِ بنت نَبْهَانَ قالت: خطبنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الرؤوس، فقال: (أليس

هذا أوسط أيام التشريق). وكانت خطبته في هذا اليوم مثل خطبته يوم النحر، ووقعت هذه الخطبة عقب نزول سورة النصر). قال في الهامش: أبو داود: باب أي يوم يخطب بمنى 1/ 269. التعليق: ضعيف. رواه أبو داود، كتاب المناسك، باب أي يوم يخطب بمنى، حديث رقم (1953) قال: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا أبو عاصم، حدثنا ربيعة بن عبد الرحمن بن حصين، حدثتني جدتي سراء بنت نبهان - وكانت ربة بيت في الجاهلية - قالت: خطبنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الرؤوس فقال: أي يوم هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم؟ قال: أليس أوسط أيام التشريق؟ قال أبو داود: وكذلك قال عم أبي حرة الرقاشي: إنه خطب أوسط أيام التشريق. قال الألباني في ضعيف أبي داود حديث رقم (335): (وهذا إسناد ضعيف؛ ربيعة هذا - وهو: الغنوي - قال الذهبي في " الميزان ": " تابعي فيه جهالة، عن جدة له - اسمها: سراء بنت نيهان -، لا يعرفان إلا في حديث عند أبي عاصم، عنه في الخطبة يوم الرؤوس. نعم لسراء حديث [آخر] في قتل الحية، روته عنها مجهولة، اسمها ساكنة بنت الجعد ". والحديث أخرجه ابن سعد في "الطبقات " (8/ 310): أخبرنا الضحاك بن مخلد أبو عاصم ... به. وأخرجه البخاري في " التاريخ " (2/ 1/287/ 977)، والبيهقي (5/ 151) من طريق أخرى عن أبي عاصم ... به. 336 - قال أبو داود: " وكذلك قال عم أبي حرة الرقاشي: إنه خطب أوسط أيامِ التشريقِ ".

طلائع التوديع

(قلت: وصله الإمام أحمد بسند فيه علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف). قلت: وصله الإمام أحمد (5/ 72 - 73) من طريق حماد بن سلمة: أنا علي ابن زيد عن أبي حرة الرقاشي عن عمه قال: كنت آخذاً بزمام ناقة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أوسط أيام التشريق أذود الناس عنه، فقال: " أيها الناس ... " فذكر خطبته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بطولها. وقد أخرج المصنف طرفاً يسيراً منها في "باب في ضرب النساء " من "النكاح " وعلي بن زيد - وهو ابن جدعان - ضعيف). طلائع التوديع قوله: (وخرج ليلة - في منتصفها - إلى البَقِيع، فاستغفر لهم، وقال: (السلام عليكم يا أهل المقابر، لِيَهْنَ لكم ما أصبحتم فيه بما أصبح الناس فيه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، يتبع آخرها أولها، والآخرة شر من الأولي)، وبشرهم قائلاً: (إنا بكم للاحقون). التعليق: ضعيف. قال الألباني في الضعيفة حديث رقم (6447): (ضعيف. أخرجه ابن إسحاق في "السيرة" (4/ 320)، ومن طريقه البخاري في (كنى التاريخ) (73 - 74)، والدارمي (1/ 36 - 37)، والدولابي في "الكنى" (1/ 57)، والحاكم (3/ 55)، والبيهقي في "دلائل النبوة" (7/ 162 - 163)، وأحمد (3/ 389)، والبزار (1/ 408/863) - مختصراً -، والطبراني في "المعجم الكبير" (22/ 346 - 347) - بتمامه -،كلهم من طريق ابن إسحاق قال: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعَبْلِيُّ عن عُبَيْدُ بْنُ جُبَيْرٍ - مَوْلَى الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي مُوَيْهِبَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ، فَقَالَ: ... فذكره، وزاد: ثُمَّ اسْتَغْفَرَ لِأَهْلِ

الْبَقِيعِ ثُمَّ انْصَرَفَ. فَبدأ برَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَعه الَّذِي قبَضَهُ اللَّهُ فِيهِ. وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم، إلا أنه عجب بهذا الإسناد، فقد حدثناه ... ". ثم ساق إسناده من طريق يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: حدثني عبد الله بن ربيعة عن عبيد بن عبدالحكم عن عبد الله بن عمرو بن العاص ... نحوه. وسكت عنه الذهبي، وهو متعقب من وجوه: الأول: أن تصحيحه إياه على شرط مسلم وهم، لسببين: أحدهما: أنه وقع عنده شيخ ابن إسحاق: (عبيد الله بن عمر بن حفص) .. وهو العمري المصغر، وهو وهم منه أو من أحد رواته، لمخالفته لما في "السيرة"،ولكل المصادر المذكورة، فإنه فيها - كما رأيت -، (عبد الله بن عمر)، أي: المكبر، وهذا ضعيف، وذاك (الصغير) ثقة. وإن مما يؤكد الوهم عنده من طريق عمر بن عبد الوهاب الرياحي، وهي عند البيهقي أيضاً (7/ 163) لكن قال: (عبد الله بن عمر) فوافق رواية الجماعة. والآخر: أن عبيد بن جبير، وقع عنده: (عبيد بن حنين) وكذلك وقع في بعض المصادر المذكورة كالبخاري وغيره، فتوهم الحاكم أنه: (عبيد بن حنين المدني أبو عبد الله) .. وليس به، فإن هذا مولى آل زيد بن الخطاب، وهو ثقة من رجال الشيخين، - هذا الذي أظن -، فإن كان غير ذلك، فهو وهم أيضاً، لأنه وثقه وجعله من رجال مسلم، وهو غير معروف البتة إلا في هذه الرواية، وقد اضطربوا فيها على وجوه سأذكر بعضها، ومن ذلك اختلافهم في ضبط اسم والد (عبيد) هذا، فقيل: (جبير) - كما تقدم -، وقيل (حنين) - كما ذكرت قريباً -، وقيل: (عبدالحكم) - كما مضى آنفاً في رواية يونس بن بكير - عند الحاكم، وفي نقل الحافظ عنه في "الإصابة": (أبو الحكم)، وقال: "كذا فيه، والصواب: (عبيد مولى أبي الحكم) - كما تقدم - " (¬1). ¬

(¬1) قلت: ويؤيده رواية البيهقي (7/ 163) من طريق الرياحي المتقدم، ففيها: (عبيد بن جبير مولى الحكم بن أبي العاص).

وبعضهم أطلقه ولم يسم أباه، وإنما نسبه لمولاه أبي الحكم. وكما أشار إلى ذلك الحافظ من قريب، وهي رواية الدارمي. وقد رجح الحافظ من هذه الأقوال القول الأول، وذكر أن من قال: (حنين)، فهو تصحيف، قال: "وإنما هو: (عبيد بن جبير) .. بجيم وموحدة، ونبَّه على ذلك ابن فتحون". قلت: فثبت يقيناً خطأ تصحيح الحاكم لهذا الحديث على شرط مسلم. الوجه الثاني: إذا عرفت مما تقدم أن الراجح في: (عبيد) هذا أنه: (ابن جبير)، فما حاله في الرواية؟ الجواب: أنه غير مشهور، إلى درجة أن ابن أبي حاتم لم يذكره في كتابه مطلقاً، وقد ذكره البخاري (1/ 1/445) - وتبعه ابن حبان (5/ 135) - برواية يعلى بن عطاء عنه - أعني: عبيد بن جبير - عن أبي مويهبة. وهذا يوصلنا إلى التحدث عن وجه آخر من وجوه التعقب لتصحيح الحاكم، وهو: الوجه الثالث: الاضطراب في إسناده، فقد رواه الحاكم بن فضيل: ثنا يعلى ابن عطاء عن عبيد بن جبير عن أبي مويهبة. أخرجه أحمد (3/ 488)، والطبراني في "المعجم الكبير" (22/ 347 - 348). وهذا إسناد حسن إلى عبيد بن جبير، خير من الإسناد السابق لضعف عبد الله بن عمر العمري المكبر. وقد أشار إليه البخاري وابن حبان - كما نقلته عنه آنفاً -، وقد أسقط منه: (عبد الله بن عمرو بن العاص). ثم تنبهت لشيء كاد أن يفوتني، وهو أن تحديدي لهوية عبد الله بن عمر - أنه العمري المكبر - كان نتيجة تأثري برواية الحاكم التي وقع فيها مصغراً: (عبيد الله)، فتنبهت لكون: (عبد الله بن عمر) جاء في رواية الدارمي بزيادة في نسبه هكذا: (عبد الله

بن عمر بن علي بن عدي)، كما جاء في "المسند" و"المعجم" منسوباً هكذا: (عبد الله بن عمر العَبَلي)، فتيقنت أنه ليس: (عبد الله بن عمر العمري). أقول هذا بياناً للحقيقة وتراجعاً عن الخطأ، وإلا، فليس هو بخير من (العمري)، بل هو مجهول العين، لا يعرف إلا برواية ابن إسحاق هذه - كما في كتابي البخاري وابن أبي حاتم و"ثقات ابن حبان" (7/ 36). وفي نسبه أقوال أخرى تجدها في تعليق الشيخ المعلمي - رحمه الله - على هذه الترجمة في "الجرح والتعديل" (2/ 2/108 - 109). وثمة نوع آخر من الاضطراب على ابن إسحاق: فقال محمد بن سلمة عنه عن أبي مالك بن ثعلبة بن أبي مالك عن عمر بن الحكم بن ثوبان عن عبد الله ابن عمرو بن العاص ... به. أخرجه الدولابي (1/ 58)، وأبو نعيم في "الحلية" (2/ 27). ورجاله ثقات، غير أبي مالك هذا: فلم يوثقه أحد حتى ولا ابن حبان، وذكره البخاري في "الكنى" وكذا ابن أبي حاتم، من رواية ابن إسحاق فقط، ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً. وابن إسحاق: مدلس وقد عنعن. وقد وجدت للحديث طريقاً أخرى، ولكنها لا تساوي فلساً. فقال ابن سعد (2/ 204): أخبرنا محمد بن عمر: حدثني إسحاق بن يحيى بن طلحة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن أبي مويهبة مولى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ... فذكره. قلت: وإسحاق هذا ضعيف، ومحمد بن عمر - وهو: الواقدي -: متروك متهم بالكذب. ومن تخاليط (الدكتور) البوطي قوله في كتابه "فقه السيرة" (ص 334 - دار الفكر) في الحاشية: "رواه ابن إسحاق وابن سعد وأحمد في مسنده، وروى نحوه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث عائشة"!

البيت النبوي

أقول: ليس عند هؤلاء الثلاثة ولا حرف واحد من حديث عائشة، بل هو حديث تفرد به أبو مويهبة من بين الصحابة، فعزوه لحديث عائشة خطأ فاضح واضح من أخطاء الدكتور الكثيرة، التي كنا قد كشفنا عن كثير منها في نقدي إياه (¬1)، ولكنه يأبى ويستكبر، ولا يرجع إلى الصواب! وها هو الآن يكتفي بسوقه لحديث أبي مويهبة موهماً القراء صحته بعزوه - أولاً - إياه في صلب الكتاب لابن إسحاق وابن سعد! وأعاده في التعليق مضيفاً إليه ذاك العزو الباطل!! (تنبيه): من تناقض الهيثمي في تخريج هذا الحديث أنه قال في "الجنائز" (3/ 59): "رواه أحمد مطولاً، ويأتي إن شاء الله في (الوفاة) في (علامات النبوة)، ولفظه عند البزار ... ". فذكره، وهومختصر - كما سبقت الإشارة إلى ذلك -، وقال عقبه: "وإسناد أحمد والبزار ضعيف " فأصاب. وفي (الوفاة) قال (9/ 24): "رواه أحمد والطبراني بإسنادين، ورجال أحدهما ثقات". وقد علمت: أن الإسناد عندهما واحد، مداره على (عبيد)، إلا أن الرواة اختلفوا في اسم أبيه. ولكنه مجهول، ولم يوثقه غير ابن حبان، وهو شديد الاعتماد والثقة بتوثيقه، خلافاً للمحققين من الحفاظ كالذهبي وابن عبد الهادي والعسقلاني وغيرهم). البيت النبوي قوله: (أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان، كانت تحت عبيد الله بن جحش، فولدت له حبيبة فكنيت بها، وهاجرت معه إلى الحبشة، فارتد عبيد الله وتنصر، وتوفي هناك، وثبتت أم حبيبة على دينها وهجرتها ...) التعليق: تحقيق دعوى ردة عبيد الله بن جحش ¬

(¬1) وهو مطبوع بعنوان "دفاع عن الحديث النبوي والسيرة" في الرد على جهالات الدكتور.

قال أخونا الفاضل الشيخ:: محمد بن عبد الله العوشن في كتابه (ما شاع ولم يثبت في السيرة) ص (37 - 42): (اشتهر في كتب السيرة أن عبيد الله بن جحش قد تنصّر في أرض الحبشة، وكان قد هاجر إليها مع زوجه أم حبيبة - رضي الله عنها -؛ فهل ثبتت ردّته بسند صحيح؟ قال ابن إسحاق - رحمه الله - في ذكر بعض من اعتزل عبادة قريش للأصنام، وهم: ورقة بن نوفل، وعبيد الله بن جحش، وعثمان ابن الحويرث، وزيد بن عمرو بن نفيل، فقال بعضهم لبعض: «تعلمون والله! ما قومكم على شيء. لقد أخطؤوا دين أبيهم إبراهيم، ما حجر نطيف به؛ لا يسمع ولا يبصر، ولا يضرّ ولا ينفع؟! التمسوا لأنفسكم؛ فإنكم والله! ما أنتم على شيء. فتفرقوا في البلدان يلتمسون الحنيفية، دين أبيهم إبراهيم، فأما ورقة بن نوفل فاستحكم في النصرانية ... وأما عبيد الله بن جحش فأقام على ما هو عليه من الالتباس حتى أسلم، ثم هاجر مع المسلمين إلى الحبشة، ومعه امرأته أم حبيبة بنت أبي سفيان مسلمة، فلما قدمها تنصّر وفارق الإسلام، حتى هلك هناك نصرانياً». ثم قال ابن إسحاق: «فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير قال: كان عبيد الله بن جحش - حين تنصَّر - يمر بأصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهم هنالك من أرض الحبشة، فيقول: فقّحنا وصأصأتم؛ أي أبصرنا، وأنتم تلتمسون البصر ولم تبصروا بعد» (¬1). وشيخ ابن إسحاق هنا محمد بن جعفر بن الزبير بن العوام، وهو ثقة، مات سنة بضع عشرة ومائة، من الطبقة السادسة، وهي طبقة لم يثبت لأحد منها لقاء أحد من الصحابة، فالخبر مرسل. ¬

(¬1) الروض الأنف، (2/ 347).

ثم ذكره - ابن إسحاق - في قدوم جعفر بن أبي طالب من الحبشة فقال: «حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة قال: «خرج عبيد الله بن جحش مع المسلمين مسلماً، فلما قدم أرض الحبشة تنصَّر، قال: فكان إذا مر بالمسلمين ...» (¬1)، وذكر نحو ما سبق. وهذا سند صحيح لكنه مرسل، وهو أصحّ ما ورد في تنصُّر عبيد الله بن جحش. وذكره أيضاً في تزوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أم حبيبة - رضي الله عنها - فقال: «ثم تزوج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد زينب، أم حبيبة بنت أبي سفيان، وكانت قبله عند عبد الله [عبيد الله] بن جحش .. فمات عنها بأرض الحبشة، وقد تنصر بعد إسلامه» (¬2)، والخبر هنا بدون إسناد. وروى القصة ابن سعد في (الطبقات) فقال: «أخبرنا محمد ابن عمر حدثنا عبد الله بن عمرو بن زهير عن إسماعيل بن عمرو بن سعيد بن العاص قال: قالت أم حبيبة: رأيت في النوم عبيد الله بن جحش زوجي بأسوأ صورة وأشوهها، ففزعت، فقلت: تغيرتْ والله حاله! فإذا هو يقول حيث أصبح: يا أم حبيبة! إني نظرت في الدين فلم أرَ ديناً خيراً من النصرانية، وكنت قد دنت بها، ثم دخلت في دين محمد، ثم قد رجعت إلى النصرانية. فقلت: والله! ما خير لك. وأخبرتُه بالرؤيا التي رأيت له فلم يحفل بها، وأكبّ على الخمر حتى مات» (¬3)، ورواه أيضاً في ذكر عدد أزواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال عند ذكر أم حبيبة - رضي الله عنها -: «وكانت قبل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند عبيد الله بن جحش، وكان قد أسلم وهاجر إلى أرض الحبشة، ثم ارتد، وتنصّر، فمات هناك على النصرانية» (¬4)، وشيخ ابن سعد في الخبرين هو الواقدي، وهو متروك على سعة علمه. ¬

(¬1) الروض الأنف، (6/ 538). (¬2) سيرة ابن إسحاق، تحقيق محمد حميد الله، ص 241. (¬3) طبقات ابن سعد، (8/ 97). (¬4) طبقات ابن سعد، (8/ 218).

ورواه الحاكم في «المستدرك» عن الزهري مرسلاً، وفيه: «ثم افتتن وتنصّر فمات وهو نصراني، وأثبت الله الإسلام لأم حبيبة، وأبت أن تتنصّر» (¬1)، ورواه موصولاً من طريق الواقدي، وفيه رؤيا أم حبيبة (¬2)، كرواية ابن سعد. «ومراسيل الزهري ضعيفة» (¬3)، قال الإمام الذهبي - رحمه الله -: «قال يحيى بن سعيد القطان: مرسل الزهري شرّ من مرسل غيره؛ لأنه حافظ، وكل ما قَدرَ أن يُسمّي سَمّى، وإنما يترك من لا يحب أن يسميه. قلت (الذهبي): مراسيل الزهري كالمعضل؛ لأنه يكون قد سقط منه اثنان، ولا يسوغ أن نظن به أنه أسقط الصحابي فقط، ولو كان عنده عن صحابي لأوضحه، ولما عجز عن وصله، ومن عدّ مرسل الزهري كمرسل سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير ونحوهما، فإنه لم يدر ما يقول، نعم كمرسل قتادة ونحوه» (¬4). وروى الخبر الطبري في تاريخه، في: «ذكر الخبر عن أزواج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» عن هشام بن محمد مرسلاً، وفيه عند ذكر أم حبيبة: «فتنصّر زوجها، وحاولها أن تتابعه فأبت، وصبرت على دينها، ومات زوجها على النصرانية» (¬5)، والخبر فضلاً عن إرساله؛ فإنه عن هشام بن محمد بن السائب الكلبي، وهو رافضي متروك، قال الإمام أحمد - رحمه الله -: «إنما كان صاحب سمر ونسب، ما ظننت أن أحداً يحدِّث عنه» (¬6). ونقله ابن الأثير في تاريخه (¬7) عن ابن الكلبي أيضاً. ¬

(¬1) المستدرك (4/ 21). (¬2) (4/ 22). (¬3) قاله الحافظ في «التلخيص الحبير» (4/ 111). (¬4) سير أعلام النبلاء، (5/ 338 ـ 339). (¬5) تاريخ الطبري، (2/ 213). (¬6) لسان الميزان، (6/ 196). (¬7) الكامل في التاريخ، (2/ 210).

ورواه البيهقي في «الدلائل» من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة قال: «ومن بني أسد بن خزيمة: عبيد الله بن جحش، مات بأرض الحبشة نصرانياً، ومعه امرأته أم حبيبة بنت أبي سفيان، واسمها رملة، فخلف عليها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنكحه إياها عثمان بن عفان بأرض الحبشة» (¬1)، والخبر فيه علتان: الإرسال، وضعف ابن لهيعة. والمتن هنا فيه غرابة. قال ابن كثير ـ رحمه الله تعالى ـ: «وأما قول عروة إن عثمان زوّجها منه فغريب؛ لأن عثمان كان قد رجع إلى مكة قبل ذلك ثم هاجر إلى المدينة، وصحبته زوجته رقية» (¬2). وعبيد الله بن جحش لم يترجم له ابن عبد البر في «الاستيعاب»، ولا ابن الأثير في «أُسد الغابة»، ولا ابن حجر في «الإصابة»، وفي ترجمة أخيه عبد الله - رضي الله عنه - في «الإصابة» لم يذكر ابن حجر شيئاً، أما ابن عبد البر فقد قال في «الاستيعاب» في ترجمة عبد الله: «وكان هو وأخوه أبو أحمد عبد بن جحش من المهاجرين الأولين ممن هاجر الهجرتين، وأخوهما عبيد الله بن جحش تنصّر بأرض الحبشة، ومات بها نصرانياً، وبانت منه امرأته أم حبيبة» (¬3)، وكذا ذكر ابن الأثير في ترجمة عبد الله. وفي ترجمة أم حبيبة - رضي الله عنها - في «الإصابة» قال ابن حجر: «ولما تنصر زوجها عبيد الله، وارتد عن الإسلام فارقها، فأخرج ابن سعد من طريق إسماعيل بن عمرو بن سعيد الأموي قال ...» (¬4)، وذكر القصة التي رواها ابن سعد عن الواقدي، وسبقت. وفي ترجمتها في «التهذيب» لم يذكر الحافظ تنصّر عبيد الله بل قال: «هاجرت إلى الحبشة مع زوجها عبيد الله بن جحش هناك، ومات، فتزوجها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ¬

(¬1) دلائل النبوة، (3/ 460). (¬2) البداية والنهاية، (4/ 143). (¬3) الاستيعاب (بهامش الإصابة، 2/ 263). (¬4) الإصابة، (4/ 299).

وهي هناك، سنة ست، وقيل سنة سبع» (¬1)، وقال الذهبي في «السير» في ترجمة أم حبيبة - رضي الله عنها -: «ابن سعد: أخبرنا الواقدي: أخبرنا ..»، وذكر رؤياها - رضي الله عنها - وردّة زوجها، ثم قال (الذهبي): «وهي منكرة» (¬2). ولم يبيّن - رحمه الله - وجه النكارة. ومما يرجّح أن خبر ردته غير صحيح: أن الروايات الصحيحة في نكاحه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأم حبيبة - رضي الله عنها - لم تذكر شيئاً من ذلك؛ فقد روى الإمام أحمد بسند صحيح من طريق الزهري عن عروة عن أم حبيبة - رضي الله عنها -: «أنها كانت تحت عبيد الله بن جحش، وكان أتى النجاشي فمات، وأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تزوج أم حبيبة وهي بأرض الحبشة، زوّجها إياه النجاشي، وأمهرها أربعة آلاف» (¬3)، ورواه أيضاً أبو داود (¬4)، والنسائي (¬5). مما سبق يتبين - والله أعلم - أن قصة ردة عبيد الله بن جحش لم تثبت، لعدة أدلة منها: 1 - أنها لم تُروَ بسند صحيح متصل، فالموصول من طريق الواقدي. والمرسل جاء عن عروة بن الزبير، ولا يمكن أن نحتج بالمرسل (عند من يرى الاحتجاج به) في مسألة كهذه؛ فيها الحكم على أحد السابقين الأولين - رضي الله عنهم - بالردة. 2 - أن الروايات الصحيحة في زواجه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأم حبيبة لم تذكر ردة زوجها السابق، كما في الرواية السابقة عند أحمد، وأبي داود، والنسائي. 3 - أنه يبعد أن يرتد أحد السابقين الأولين للإسلام عن دينه، وهو ممن هاجر فراراً بدينه مع زوجه، إلى أرض بعيدة غريبة. خاصة أن عبيد الله بن جحش ممن هجر ما عليه قريش من عبادة الأصنام، والتماسه مع ورقة وغيره الحنيفية - كما في رواية ابن ¬

(¬1) (12/ 419). (¬2) سير أعلام النبلاء، (2/ 221). (¬3) الفتح الرباني، (16/ 170). (¬4) كتاب النكاح، باب الصداق (رقم 2093)، عون المعبود، (6/ 137). (¬5) كتاب النكاح، القسط في الأصدقة، (6/ 119)، وصححه الألباني، صحيح النسائي، (2/ 705).

إسحاق (بدون سند) الواردة أول هذا البحث - وفي رواية ابن سعد (عن الواقدي) أنه كان قد دان بالنصرانية قبل الإسلام. ومعلوم أن البشارة ببعثة الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانت معروفة عند أهل الكتاب من يهود، ونصارى؛ فكيف يُتصور من رجل يترقب الدين الجديد أن يعتنقه ثم يرتد عنه لدين منسوخ؟! كما أن زواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأم حبيبة كان في سنة ست، وقيل سبع، وردة عبيد الله المزعومة قبل ذلك بمدة، وهي مرحلة كان الإسلام قد علا فيها وظهر حتى خارج الجزيرة العربية، بل أصبح هناك من يُظهر الإسلام ويُبطن الكفر؛ كحال المنافقين. 4 - في حوار هرقل مع أبي سفيان وكان إذ ذاك مشركاً أنه سأله - ضمن سؤالاته -: «هل يرتد أحدٌ منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فأجاب أبو سفيان: لا». ولو كان عبيد الله قد تنصّر لوجدها أبو سفيان فرصة للنيل من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ودعوته، كما فعل لما سُئل: «فهل يغدر؟ قلت: لا، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها؟ قال: ولم تمكنِّي كلمة أُدخل فيها شيئاً غير هذه الكلمة» (¬1)، ولا يمكن القول بأن أبا سفيان لم يعلم بردّة عبيد الله - لو صحت - لأنه والد زوجه أم حبيبة. وبعد؛ فالمسألة متعلقة بأحد أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بل ومن السابقين الأولين، فإن صحّ السند بخبر ردّته فلا كلام، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل. أمَا والسند لم يثبت؛ فإن نصوص الشريعة حافلة بالذبّ عن عِرْض المسلم؛ فكيف إذا كان هذا المسلم صحابياً بل ومن السابقين؟! والله أعلم) (¬2). انتهى بحروفه من كلام العوشن - حفظه الله -. ¬

(¬1) فتح الباري، كتاب بدء الوحي (1/ 42). (¬2) قال الشيخ عبد الله بن مانع - حفظه الله -: (عدول الأئمة عن ترجمته في الصحابة كما تقدم يدل على الأقل التوقف في خاتمته، فمن مشى على الأصل جعله صحابياً - حتى يصح خلافه - ومن رأى الآثار في ذكر خاتمته تحدث قوة - أوجبت له التوقف في عده صحابيا، فالله أعلم بحاله - رضي الله عن أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -).

جمال الخلق

جمال الخَلْق 1 - قوله: (وقال على بن أبي طالب - وهو ينعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لم يكن بالطويل المُمَغَّطِ، ولا القصير المتردد، وكان رَبْعَة من القوم، ولم يكن بالجَعْد القَطِطِ، ولا بالسَّبْط، رَجِلاً، ولم يكن بالمُطَهَّم، ولا بالمُكَلْثَم، وكان في الوجه تدوير، وكان أبيض مُشْرَبًا، أدْعَج العينين، أهْدَب الأشْفَار، جَلِيل المُشَاش والكَتَدِ، دقيق المسْرُبَة، أجْرَد، شَثْنُ الكفين والقدمين، إذا مشي تَقَلّع كأنما يمشي في صَبَب، وإذا التفت التفت معاً، بين كتفيه خاتم النبوة، وهو خاتم النبيين، أجود الناس كفاً، وأجرأ الناس صدراً، وأصدق الناس لَهْجَة، وأوفى الناس ذمة، وألينهم عَريكَة، وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، يقول ناعته: لم أر قبله ولا بعده مثله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ). التعليق: ضعيف. رواه الترمذي في سننه، كتاب المناقب عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، باب ما جاء في صفة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حديث رقم (3638) وقال أبو عيسى: (هذا حديث حسن غريب ليس إسناده بمتصل). ورواه أيضا في الشمائل المحمدية، حديث رقم (7). ضعفه الألباني في مختصر الشمائل المحمدية ص (16)، والمشكاة حديث رقم (5791). فائدة: قد صحح الألباني بعض الألفاظ الواردة في هذا الحديث في (صحيح سنن الترمذي) برقم (2877) عن علي - رضي الله عنه -. 2 - قوله: (وقال أبو هريرة: ما رأيت شيئاً أحسن من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كأن الشمس تجري في وجهه، وما رأيت أحداً أسرع في مشيه من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كأنما الأرض تُطْوَي له، وإنا لنجهد أنفسنا، وإنه لغير مكترث).

قال ابن عباس: كان أفلج الثنيتين

التعليق: ضعيف. رواه الترمذي في سننه، كتاب المناقب عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، باب ما جاء في صفة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حديث رقم (3648) وقال أبو عيسى: (هذا حديث غريب). وضعفه الألباني في مختصر الشمائل حديث رقم (100)، وانظر الضعيفة حديث رقم (4213). 3 - قوله: (وقال جابر بن سَمُرَة: كان في ساقيه حُمُوشة، وكان لا يضحك إلا تَبَسُّماً. وكنت إذا نظرت إليه قلت: أكْحَل العينين، وليس بأكحل). (*) 4 - قوله: (وقال جابر: لم يسلك طريقاً فيتبعه أحد إلا عرف أنه قد سلكه من طيب عَرْفِه. أو قال: من ريح عرقه). التعليق: ضعيف. رواه الدارمي في سننه باب في حسن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حديث رقم (66) أخبرنا مالك بن إسماعيل، ثنا إسحاق بن الفضل بن عبد الرحمن الهاشمي، أنا المغيرة بن عطية، عن أبي الزبير، عن جابر فذكره ... قال الألباني في الصحيحة حديث رقم (2137): (هذا إسناد ضعيف، أبو الزبير مدلس وقد عنعنه. والمغيرة بن عطية مجهول، أورده ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (4/ 1/ 227) من هذه الرواية، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وإسحاق بن الفضل بن عبد الرحمن الهاشمي أورده الطوسي في " رجاله " (ص 149) في أصحاب جعفر الصادق رقم (134) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا كغالب عادته! وزاد على ما في هذا الإسناد أنه مدني. ذكره في أصحاب الباقر (ص 104رقم 17): " إسماعيل بن الفضل بن يعقوب بن الفضل بن عبد الله بن الحارث بن عبد المطلب ثقة من أهل البصرة ". وذكر

_ (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: التعليق على هذا الحديث انتقل -خطأ- في المطبوعة إلى ص 196، وهو في موضعه السليم عقب هذا الحديث في أصل المؤلف - حفظه الله-، وهذا نصه: التعليق: ضعيف. رواه الترمذي في سننه، كتاب المناقب عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، باب ما جاء في صفة النبي -صلى الله عليه وسلم-، حديث رقم (3645) وقال أبو عيسى: (هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه صحيح). وضغفه الألباني في مختصر الشمائل حديث رقم (193)، ضعيف الجامع الصغير (4474)، وضعفه الأرناؤوط في تحقيقه للمسند حديث رقم (20955).

قال جابر بن سمرة: كان في ساقيه حموشة، وكان لا يضحك إلا تبسما

المعلق عليه أنه هو الأول المدني، وتبع في ذلك الحافظ ابن حجر في " اللسان " وهو بعيد عندي لاختلاف اسم جدهما، ونسبتهما. والله أعلم). فائدة: قد حسن الألباني في الصحيحة حديث رقم (2137) وذلك بمجموع طرقه (كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعرف بريح الطيب إذا أقبل). 5 - قوله: (قال ابن عباس: كان أفْلَجَ الثنيتين، إذا تكلم رؤي كالنور يخرج من بين ثناياه). التعليق: ضعيف جداً. قال الألباني في الضعيفة حديث رقم (4220): (ضعيف جداً. أخرجه الترمذي في "الشمائل" (رقم 14)، والبيهقي في "الدلائل" (1/ 163)، والضياء المقدسي في "المختارة" (67/ 107/ 1) عن عبد العزيز بن أبي ثابت الزهري: حدثني إسماعيل بن إبراهيم ابن أخي موسى ابن عقبة، عن موسى بن عقبة، عن كريب، عن ابن عباس مرفوعاً. قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ عبد العزيز هذا؛ قال الحافظ: "متروك، احترقت كتبه؛ فحدث من حفظه فاشتد غلطه". ومن طريقه أخرجه الطبراني في "الأوسط"؛ كما في "المجمع" (8/ 279)، و"مجمع البحرين" (ص 322 - نسخة الحرم).اهـ وضعفه في مختصر الشمائل حديث رقم (13). وضعفه المناوي في التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 448)، ونقل عن الهيثمي قوله: (وفيه عبد العزيز بن أبي ثابت وهو ضعيف جداً) وذلك في فيض القدير حديث رقم (6482). [التعليق: ضعيف

كمال النفس ومكارم الأخلاق

رواه الترمذي في سننه، كتاب المناقب عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، باب ما جاء في صفة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حديث رقم (3645) وقال أبو عيسى: (هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه صحيح). وضغفه الألباني في مختصر الشمائل حديث رقم (193)، ضعيف الجامع الصغير (4474)، وضعفه الأرناؤوط في تحقيقه للمسند حديث رقم (20955).] (*) كمال النفس ومكارم الأخلاق قوله: (ولنترك هند بن أبي هالة يصف لنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ قال هند فيما قال: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - متواصل الأحزان، دائم الفكرة، ليست له راحة، ولا يتكلم في غير حاجة، طويل السكوت، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه - لا بأطراف فمه - ويتكلم بجوامع الكلم، فصلاً، لا فضول فيه ولا تقصير، دمثاً ليس بالجافي ولا بالمهين، يعظم النعمة وإن دقت، لايذم شيئاً، ولم يكن يذم ذواقاً - ما يطعم - ولا يمدحه، ولا يقام لغضبه إذا تعرض للحق بشيء حتى ينتصر له، لا يغضب لنفسه، ولا ينتصر لها - سماحة - وإذا أشار أشار بكفه كلها، وإذا تعجب قلبها، وإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غض طرفه، جل ضحكه التبسم، ويفتر عن مثل حب الغمام. وكان يخزن لسانه إلا عما يعنيه، يؤلف أصحابه ولا يفرقهم، يكرم كريم كل قوم، ويوليه عليهم، ويحذر الناس، ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد منهم بشره. يتفقد أصحابه، ويسأل الناس عما في الناس، ويحسن الحسن ويصوبه، ويقبح القبيح ويوهنه، معتدل الأمر، غير مختلف، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يملوا، لكل حال عنده عتاد، لا يقصر عن الحق، ولا يجاوزه إلى غيره. الذين يلونه من الناس خيارهم، وأفضلهم عنده أعمهم نصيحة، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة.

_ (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين المعكوفين هو التعليق على الحديث رقم 3، وقد سقط من موضعه هناك - خطأ من الطابع - وأقحم هنا، وهو على الصواب في أصل المؤلف حفظه الله

هل الحزن مطلوب شرعا؟

كان لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر، ولا يوطن الأماكن - لا يميز لنفسه مكاناً - إذا انتهى إلى القوم جلس حيث ينتهي به المجلس، ويأمر بذلك، ويعطي كل جلسائه نصيبه حتى لا يحسب جليسه أن أحداً أكرم عليه منه، من جالسه أو قاومه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنه، ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول، وقد وسع الناس بسطه وخلقه، فصار لهم أباً، وصاروا عنده في الحق متقاربين، يتفاضلون عنده بالتقوي، مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، ولا تؤبن فيه الحرم - لا تخشى فلتاته - يتعاطفون بالتقوى، يوقرون الكبير، ويرحمون الصغير، ويرفدون ذا الحاجة، ويؤنسون الغريب. كان دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ، ولا غليظ، ولا صَخَّاب، ولا فحاش، ولا عتاب، ولا مداح، يتغافل عما لا يشتهي، ولا يقنط منه. قد ترك نفسه من ثلاث: الرياء، والإكثار، وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث: لا يذم أحداً، ولا يعيره، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه، إذا تكلم أطرق جلساؤه، كأنما على رءوسهم الطير، وإذا سكت تكلموا. لا يتنازعون عنده الحديث، من تكلم عنده أنصتوا له حتى يفرغ، حديثهم حديث أولهم، يضحك مما يضحكون منه، ويعجب مما يعجبون منه، ويصبر للغريب على الجفوة في المنطق، يقول: إذا رأيتم صاحب الحاجة يطلبها فأرفدوه، ولا يطلب الثناء إلا من مكافئ). التعليق: ضعيف جداً. وضعفه الألباني جداً في مختصر الشمائل حديث رقم (6). هل الحزن مطلوب شرعا؟ قال ابن القيم في مدارج السالكين (1/ 378): (وأما حديث هند بن أبي هالة في صفة النبي: إنه كان متواصل الأحزان فحديث لا يثبت وفي إسناده من لا يعرف،

وكيف يكون متواصل الأحزان، وقد صانه الله عن الحزن على الدنيا وأسبابها، ونهاه عن الحزن على الكفار، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فمن أين يأتيه الحزن؟ بل كان دائم البشر، ضحوك السن كما في صفته: الضحوك القتال - صلوات الله وسلامه عليه - وأما الخبر المروي: (إن الله يحب كل قلب حزين) فلا يعرف إسناده، ولا من رواه ولا تعلم صحته، وعلى تقدير صحته: فالحزن مصيبة من المصائب التي يبتلي الله بها عبده، فإذا ابتلى به العبد فصبر عليه أحب صبره على بلائه، وأما الأثر الآخر: (إذا أحب الله عبدا نصب في قلبه نائحة، وإذا أبغض عبداً جعل في قلبه مزماراً) فأثر إسرائيلي، قيل: إنه فى التوراة وله معنى صحيح، فإن المؤمن حزين على ذنوبه والفاجر لاه لاعب مترنم فرح، وأما قوله تعالى عن نبيه إسرائيل: (وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم) (يوسف: 84) فهو إخبار عن حاله بمصابه بفقد ولده وحبيبه وأنه ابتلاه بذلك كما ابتلاه بالتفريق بينه وبينه. وأجمع أرباب السلوك: على أن حزن الدنيا غير محمود إلا أبا عثمان الحيري فإنه قال: الحزن بكل وجه فضيلة وزيادة للمؤمن ما لم يكن بسبب معصية قال: لأنه إن لم يوجب تخصيصاً فإنه يوجب تمحيصاً فيقال: لا ريب أنه محنة وبلاء من الله بمنزلة المرض والهم والغم وأما أنه من منازل الطريق: فلا والله سبحانه أعلم). قال الشيخ العلامة ابن عثيمين في شرح كتاب البيوع من بلوغ المرام: (كل ما يُحْدِث الندم فإنّ الشرع يأمرنا بالابتعاد عنه، ولهذا أيضاً أصول منها: أن الله سبحانه وتعالى قال: (إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين ءامنوا وليس بضارهم شيئاً إلا بإذن الله) (المجادلة: 10)، والله تعالى إنما أخبرنا بذلك من أجل أن نتجنب هذا الشيء، ليس مجرد إخبار أن الشيطان يريد إحزاننا، لا؛ المراد: أن نبتعد عن كل ما يحزن, ولهذا قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا يتناجى اثنان دون الثالث، من أجل أن ذلك يحزنه) (¬1)؛ فكل ما يجلب الحزن للإنسان فهو منهي عنه. ¬

(¬1) أخرجه أحمد (1/ 425، رقم 4039)، والبخاري (5/ 2319، رقم 5932)، ومسلم (4/ 1718، رقم 2184)، والترمذي (5/ 128، رقم 2825) وقال: حسن صحيح. وابن ماجه (2/ 1241، رقم 3775).

ثانيا: أن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر من رأى رؤيا يكرهها أن يتفل عن يساره ثلاث مرات, ويستعيذ بالله من شرها ومن شر الشيطان, وينقلب إلى جنبه الثاني, ولا يخبر بها أحداً، ويتوضأ ويصلي, كل هذا من أجل أن يطرد الإنسان عنه هذه الهموم التي تأتي بها هذه الأمراض, ولهذا قال الصحابة: لقد كنا نرى الرؤيا فنمرض منها، فلما حدَّثَنا رسولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بهذا الحديث؛ يعني: استراحوا، ولم يبق لهم هم, فكل شيء يجلب الهم والحزن والغم فإن الشارع يريد منا أن نتجنبه, ولهذا قال الله تعالى: (فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) (البقرة: 197)، لأن الجدال يجعل الفرد يحتمي ويتغير فِكْرُهُ من أجل المجادلة، سيحصل له هم ويلهيه عن العبادة. المهم اجعل هذه نصب عينيك دائما؛ أي: أن الله - عز وجل - يريد منك أن تكون دائماً مسروراً بعيداً عن الحزن. والإنسان في الحقيقة له ثلاث حالات: حالة ماضية, وحالة حاضرة, وحالة مستقبلة؛ الماضية: يتناساها الإنسان وما فيها من الهموم؛ لأنها انتهت بما هي عليه إن كانت مصيبة فقل: (اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيرا منها) (¬1) وتناسى، ولهذا نهى عن النياحة، لماذا؟ لأنها تجدد الأحزان وتذكر بها. المستقبلة: علمها عند الله - عز وجل -،اعتمد على الله، وإذا جاءتك الأمور فاضرب لها الحل, لكن الشيء الذي أمرك الشارع بالاستعداد له فاستعد له. والحال الحاضرة هي: التي بإمكانك معالجتها, حاول أن تبتعد عن كل شيء يجلب الهم والحزن والغم، لتكون دائما مستريحا منشرح الصدر، مقبلا على الله وعلى عبادته وعلى شؤونك الدنيوية والأخروية, فإذا جربت هذا استرحت؛ أما إن أتعبت نفسك مما مضى، أو بالاهتمام بالمستقبل على وجه لم يأذن به الشرع، فاعلم أنك ستتعب ويفوتك خير كثير). ¬

(¬1) رواه مسلم، كتاب الجنائز، باب مايقال عند المصيبة، حديث رقم (918) وأحمد وغيرهما.

ما يدفع الهم والحزن؟

ما يدفع الهم والحزن؟ قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى -: (ومما يدفع به الهم والقلق: اجتماع الفكر كله على الاهتمام بعمل اليوم الحاضر، وقطعه عن الاهتمام في الوقت المستقبل، وعن الحزن على الوقت الماضي، ولهذا استعاذ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الهم والحزن، فلا ينفع الحزن على الأمور الماضية التي لا يمكن ردها ولا استدراكها وقد يضر الهم الذي يحدث بسبب الخوف من المستقبل، فعلى العبد أن يكون ابن يومه، يجمع جده واجتهاده في إصلاح يومه ووقته الحاضر، فإن جمع القلب على ذلك يوجب تكميل الأعمال، ويتسلى به العبد عن الهم والحزن. والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا دعا بدعاء أو أرشد أمته إلى دعاء فإنما يحث مع الاستعانة بالله والطمع في فضله على الجد والاجتهاد في التحقق لحصول ما يدعو بحصوله. والتخلي عما كان يدعو لدفعه لأن الدعاء مقارن للعمل، فالعبد يجتهد فيما ينفعه في الدين والدنيا، ويسأل ربه نجاح مقصده. ويستعينه على ذلك، كما قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإذا أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان"، فجمع - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين الأمر بالحرص على الأمور النافعة في كل حال. والاستعانة بالله وعدم الانقياد للعجز الذي هو الكسل الضار وبين الاستسلام للأمور الماضية النافذة، ومشاهدة قضاء الله وقدره. وجعل الأمور قسمين: قسماً يمكن العبد السعي في تحصيله أو تحصيل ما يمكن منه، أو دفعه أو تخفيفه فهذا يبدي فيه العبد مجهوده ويستعين بمعبوده. وقسماً لا يمكن فيه ذلك، فهذا يطمئن له العبد ويرضى ويسلم، ولا ريب أن مراعاة هذا الأصل سبب للسرور وزوال الهم والغم).

وقال - رحمه الله تعالى - في كتابه" الوسائل المفيدة للحياة السعيدة ": (ومن الأسباب الموجبة للسرور وزوال الهم والغم: السعي في إزالة الأسباب الجالبة للهموم وفي تحصيل الأسباب الجالبة للسرور وذلك بنسيان ما مضى عليه من المكاره التي لا يمكنه ردها، ومعرفته أن اشتغال فكره فيها من باب العبث والمحال، وأن ذلك حمق وجنون، فيجاهد قلبه عن التفكر فيها وكذلك يجاهد قلبه عن قلقه لما يستقبله، مما يتوهمه من فقر أو خوف أو غيرهما من المكاره التي يتخيلها في مستقبل حياته. فيعلم أن الأمور المستقبلة مجهول ما يقع فيها من خير وشر وآمال وآلام، وأنها بيد العزيز الحكيم، ليس بيد العباد منها شيء إلا السعي في تحصيل خيراتها، ودفع مضراتها، ويعلم العبد أنه إذا صرف فكره عن قلقه من أجل مستقبل أمره، واتكل على ربه في إصلاحه، واطمأن إليه في ذلك، إذا فعل ذلك اطمأن قلبه وصلحت أحواله، وزال عنه همه وقلقه). انتهى

الخاتمة

الخاتمة الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أما بعد: فأرجو الله أن يكون هذا العمل - وهو التعليق على كتاب الرحيق المختوم - خالصاً لوجهه الكريم، وأن أكون قد حققت الهدف من تأليفه وهو: تنقية السيرة النبوية من الحوادث التي لا تصح، والأحاديث الضعيفة، وكذلك العبارات التي لا ينبغي استعمالها مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والصحابة. وأدعو المسلمين إلى قراءة السيرة النبوية الصحيحة للتعرف على أحوال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والتأسي به، والاقتداء بهديه، واتباع سنته قال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا) (الأحزاب: 21) وقال تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) (الحشر: 7) وأن يتخلق المسلمون بأخلاق الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي كان خلقه القرآن وبخاصة ونحن في زمن نعاني فيه من أزمة افتقاد الخلق الحسن الذي قال عنه رسولنا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم) (¬1) أسأل الله تعالى أن ينفع بهذا الكتاب، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم. وكتبه: أبو عبد الرحمن محمود بن محمد الملاح ¬

(¬1) (حديث صحيح) رواه أبو داود (4798)، وأحمد (24639)، وصححه الألباني والأرناؤوط.

§1/1