التعليقة على كتاب سيبويه

أبو علي الفارسي

التعليقة على كتاب سيبويه تأليف أبي علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي المتوفى سنة 377هـ تحقيق وتعليق الدكتور عوض بن حمد القوزي الأستاذ المشارك بكلية الآداب جامعة الملك سعود الطبعة الأولى 1410هـ 1990

هذا باب علم ما الكلم

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرا هذا بابُ عِلْمٍ ما الكَلِمُ قال أبو علي رحمه الله: قلتُ: قالوا: الذي عليه وُضِعَ الكتابُ التنوينُ في علمٍ، وأن (ما) استفهامية، والكَلِمُ مبتدأ وخبره (ما) والجملة في موضع نصب على تقدير هذا باب أنْ تعلمَ ما الكَلِمُ، ففاعلُ علمٍ المخاطَبُ. والعلم في باب التَّعدّي على ضَرْبَيْن: ضرب يتعدّى إلى مفعولين يكون المفعول الأول فيه هو الثاني في المعنى أو يكون له فيه ذِكْرٌ كشرط خبر المبتدأ. وضَرْبٌ آخر يكون بمعنى العِرْفان، فلا يجاوز مفعولا، كما لا يجاوز عَرَفْتُ مفعولاً، فإذا قدّر (ما) استفهامًا كان قوله (عِلْم) هو الذي يتعدى إلى مفعولين، ولا يجوز أن يكون الّذي بمعنى عَرَفْتُ، لأن

الاستفهام إنما يقع في موضع مفعول الفعل الذي يجوز أن يلغَى نحو: ظَنَنْتُ، وعلمْتُ، وبابُه، لأن الإلغاء فيه أعظم من وقوع الاستفهام في موضع مفعوله، لأنها إذا أُلغيت لم تعمل في لفظٍ ولا موضع، وإذا وَقَعَ الاستفهام في موضع مفعوله عَمِلَ في موضع الجملة بأَسْرِها، فَعِلْمُ في موضع (أنْ تعلمَ) و (ما الكَلِمُ) التي هي جملة استفهام في موضع المفعول الأول، وقد سَدَّ مَسَدَّ المفعول الثاني كما سَدَّ خبرُ (أنّ) في قولك: عَلِمْتُ أنّ زيدًا منطلقٌ، وأما تقديرُك قوله (عِلْم) في معنى (أنْ تعلمَ) وإن لم يُضَفْ إلى ضمير المخاطب، فجائز أن تقدره فعلا للمُخاطَب والغائب إن لم تُضِفْهُ إلى ضمير واحد منهما كقوله عز وجل (أوْ إطْعامٌ في يومٍ ذي مسغبةٍ يتيمًا ذا مقربةٍ)، وكقوله تعالى: (ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السموات والأرض شيئا)، والتقدير لو أن لهم شيئا، وأن يرزق شيئا فهذان عَمِلا في مفعوليهما وإن لم يُضافا إلى ضمير فاعليهما في اللفظ، ومثل ذلك ما أنشد سيبويه:

فَلَوْلا رجاءُ النَّصْر منك ورهبةٌ ... عِتابَك قد صاروا لنا كالمواردِ ومثله: فلم أنْكلْ عن الضّرْبِ مِسْمَعا

تقديره: أن رهبتُ عقابَك، وعن أن ضَرَبْتُ مِسْمَعًا. فنُصِب بهما مفعولاهما، وإن لم يُضافا إلى ضمير مَن هما له، فكذلك (عِلْم) مقدّر بـ (أنْ تعلمَ)، وإن لم يضف إلى ضمير المخاطب كهذه الأشياء التي ذكرناها، وهو الذي عليه المعنى، كأنّه جواب سائلٍ سأل: ما الكَلِمُ؟ فقال: هذا بابُ أنْ تعلمَ ما الكَلِمُ، وهو على هذا قوله في سائر الكتاب، اعْلَمْ أن كذا وكذا، فإن قلت: فهل يجوز أن يذهبَ بالمصدر الذي هو (عِلْمٌ) مذهب ما لم يُسَمَّ فاعله؟ فالجواب: أنك إن جعلت (ما) استفهامًا لم يَجُزْ أن تذهب به هذا المذهب، لأنّك إن قَدَّرْتَهُ بالفعل كان هذا باب أن يُعْلَمَ ما الكَلِمُ فتقوم الجملة مقام اسم الفاعل المبني للمفعول، والجُمَل لا تقوم مقامه، كما لا تقوم مقام الفاعلين لأن الفاعل يُكْنَى عنه، ويثنَّى ويجمع، ويُضمر في الفعل، فيُذكر إعراب الفعل بعده، وكل هذا مُمتنِع في الجملة، غير جائز فيها وأيضًا فإن الجُمل أحاديث، وإنما يقام مقام الفاعلين، مُحَدِّث عنهم لا أحاديث، فكما لا يجوز (عُلِمَ ضَرَبَ زيدٌ) ولا (عُلم أين زيدٌ) ولا (ظُنَّ كيف زيدٌ) على أن تقيم الجملة مقام اسم الفاعل كذلك لا يجوز

أن يُقام (ما الكَلِمُ) مقام فاعل الفعل المبني للمفعول، ويدُلُّك على امتناع هذا أن الجملة التي من الفعل والفاعل هي مثل الجملة التي من المبتدأ والخبر في أن كل واحد من الاسمين مُحَدَّث عنه، فكما لا يكون المبتدأ المحدَّثُ عنه إلا مفردًا، ولا تقع موقعه الجملة كذلك لا يكون الفاعل جملة، بل هو في الفاعل أشدّ امتناعًا لشدة اتصاله بالفعل، وما يَلزم من إضْماره فيه، وليس ذلك في المبتدأ. فإن قلت: أُضمِر المصدر في قوله: أن يُعلَمَ، لتصير الجملة التي هي قوله (ما الكَلِمُ) في موضع نصب، ويكون إضْماري للمصدر كقراءة من قرأ (وكذلك نُجِّيَ المؤمنين) يريد نُجِّيَ النَّجاءُ المؤمنين، فإن ذلك أيضًا غير جائز، لأن المفعول المنتصبَ حكمه أن يكون المرتفع في المعنى المُقام مقام الفاعل وليس قولُك: (ما العِلْمُ)؟ ولا له فيه ذِكْرٌ فلا يجوز على هذا الوجه أيضًا ولو حذفت التنوين من (عِلْم) وأضفته إلى ما كان حكمه أن يكون بمعنى الَّذي، كأنك قلت (عِلْمُ الذي هو الكَلِمُ) ولو جعلته استفهامًا لم يَجُزْ أن تضيف (عِلْم) إليه، لأن الجُمل لا تكون في موضع جر بإضافة الأسماء إليها إلا ما جاء من إضافة الظروف الزمانية إلى الجمل، وهذا شيء مقصور عليها، ولا تجوز الإضافة في غيرها من الأسماء إلى الجُمل، فإن أضفت (عِلْم) إلى ما كان بمعنى الذي، واحتَمَلَ أن يكون (عِلْم) المتعدي إلى مفعول، واحتمل أن يكون المتعدِّي إلى

مفعولين، فإن جعلته المتعدي إلى مفعولين وقدَّرت المصدر بـ (أنْ تَعْلمَ) كان (ما الكَلِمُ) في موضع المفعول الأول، وإن كان مجرورًا في اللفظ كقولك: أعجبَني بناء هذه الدَّارِ، فهو في المعنى مفعول وإن كان في اللفظ مجرورًا، فكذلك يكون (ما الكَلِمُ) وتضمر مفعولاً ثانيًا، وإن قدرته بـ (أن يُعْلَمَ) كان (ما الكَلِمُ) في المعنى مرفوعًا وإن كان في اللفظ مجرورًا، كقولك: أعجبني ركوبُ زيدٍ الفَرَسَ، وتضمر مفعولا ثانيًا؛ وإن جعلت العِلْمَ الذي يتعدي إلى مفعول واحد، وأضفتَ ثم قَدَّرْتَهُ بـ (أن تَعْلَمَ) أو (أنْ يُعْلَمَ) لم يُحْتَجْ إلى إضمار مفعول، ويكون (ما الكَلِمُ) في موضع اسم منصوب إن قدرته بـ (أنْ تَعْلَمَ) أو مرفوع إن قدرته (أنْ يُعْلَمَ) وإن كان مجرورًا في اللفظ. و (ما تكون على ضَرْبَيْن): تكون اسمًا، وتكون حرفًا، ويُتَصَرَّفُ في كل نوع منهما على

عدة وجوه، وأنا أذكر مُتَصَرّفَها في كل نوع، وأجمعه إذ كان غير مجتمع في الكتاب. الضَّرْبُ الأوّل: وهو الذي تكون (ما) فيه اسمًا وهو أربعة أوجه: الأول: أن تكون بمعنى الذي فتَلْزَمُها الصلة كما تلزم الّذي، وتكون بمعنى اسم مَنكورٍ، كقوله عز وجل: (بئسَ ما اشتروا به أنفسَهم) التقدير: بئس شيئًا اشتروا به أنفسهم، فقوله: اشتروا صفة لـ (ما) وليس بصلة، والديل على ذلك أن نِعْمَ وبئْسَ لا يعملان في الأسماء المخصوصة نحو زيد وعمرو وإنما يعملان في الأسماء الدالة على الأنواع و (ما) إذا وُصلت اختصت فصارت بمنزلة الذي فلم تعمل فيها

نِعْمَ وبئْسَ، وتكون بمعنى الاستفهام ولا صلة لها على هذا المعنى، ولو كانت موصولة في الاستفهام لما كان قولك: ما عندَك؟ وما زيدٌ؟ كلامًا تامًا. وتكون بمعنى المجازاة ولا صلة أيضًا فيها، ولو كان ما بعدها صلة لم يعمل فيه الجزم، كما لا يعمل الذي في صلته ولا سائر الموصولات في صلته. الضرب الثاني: وهو الذي تكون (ما) فيه حرفًا غير (أنها) تكون (ما) وما بعدها في تأويل المصدر نحو: يُعْجِبُني ما صَنَعْتَ أي صَنيعُك، وقد تكون وهي مصدر بمعنى ظرف زمان، كقولك: لا أكلمك ما اختلف الليلُ والنهارُ، فـ (ما) مع ما بعدها في تأويل المصدر، والمعنى:

لا أكلمك اختلاف الليل والنهار أي زمن اختلاف الليل والنهار، فحذف زمن المضاف إلى المصدر، وأُقيم المضاف إليه مُقامَه، فصار كقولك: رَأيْتُك مَقْدَمَ الحاجّ وخُفوق النجم، أي زمن مقدم الحاج. وتكون كافّةً للعامل عن عمله نحو التي في قوله تعالى: (أنّما إلهكم إلهٌ واحدٌ) و (رُبما يودُّ الذين كفروا)، وكالتي في قول الشاعر:

................. بعدَ ما أفْنان رأسِك كالثَّغام المُخْلِسِ فـ (ما) قد كفت (أنْ) و (رُبَّ) و (بَعْدَ) عن عملها وتكون نافية كقولك: ما زيدٌ منطلقًا. وتكون مزيدة للتأكيد كقولك تعالى: (مِمّا خطِيئاتهم) وقد عوّضَتْ من الفعل في قولهم: (أمّا أنت منطلقًا انطلقْتُ معك) وعوّضت منه أيضًا في: (أمّا هذا بابُ عِلْمؤ ما الكَلِمُ) على أن تكون (عِلْم) بمعنى (أنْ تَعْلَمَ) و (ما) استفهام والكلم مبتدأ خبره (ما) والجملة في موضع نصب وتكون (عَلِمْت) المُتعدِّي إلى مفعولين، لأن (علمْت) التي في معنى عرفت لا تعلق. ويجوز أن تُنَوِّن (عِلْمًا) ولا تكون (ما) استفهامًا، ولكن تكون بمعنى (الذي)، كأنك قلت: هذا بابُ أنْ تَعْلَمَ الذي هو الكلمُ فحذفت هو من الصلة كما تحذف سائر المبتدآت في غير هذا الموضع إذا بقيت أخبارُها، إلا أن حذفه في هذا الموضع كأنه أضعف بخلو الصلة مما يرجع منها إلى الموصول في اللفظ وإن كان في المعنى مرادًا، واستحسن الخليل حذفَ الراجع إلى الموصول إذا طالت الصلة، وحُكي: (ما أنا بالذي قائلٌ لك سوءًا).

ونظير هذا الحذف قراءة من قرأ: (تَمامًا على الذي أحْسَنُ)، و (مثلاً ما بعوضةٌ) أي هو أحسن، وهو بعوضة، فإذا جعلته بمعنى

الذي، أضمرت مفعولا ثانيًا قَدَّرته بـ (أنْ تَعْلَمَ) أو بـ (أن يُعْلَمَ). ويجوز (هذا بابُ عِلْمٍ) بالتنوين، ونصب الكَلِم، على أن تجعل (ما) الزائدة كالتي في قوله تعالى: (فَبِما نقضِهم ميثاقَهم) ويكون التقدير (هذا باب أن تعلمَ الكَلِمَ). ويجوز (هذا بابُ عِلْمٍ ما الكَلِم) على أن تجعل (ما) زائدة وتنوي بـ (عِلْم) ما لم يسم فاعله، كأنك قلت: هذا بابُ عِلْم الكلمِ كقولك: عَجِبْتُ مِن ضَرْبِ زيدٍ. ويجوز (هذا باب عِلْم ما الكَلِم) على أن تجعل (ما) زائدة كأنك قلت: (هذا باب علم الْكَلِمِ). ويجوز (هذا باب علم ما الكلم) على أن تجعل (ما) بمنزلة الذي، وتضيف (عِلْمًا) إليه. قال سيبويه: فالاسمُ نحو رجُلٍ وفَرَسٍ. قال أبو علي: الاسم المطلق ما دل على معنى وجاز الإخبار عنه

كالنكرات التي هي أسماء الأنواع وما اشتُق منها من الصفات، كضارِبٍ وحَسَنٍ ونُقِلَ فَعُلِّقَ على شخص بعينه مثل أَسَدٍ وزيدٍ إذا سميت بهما شخصًا بعينه، فهذه الأسماء تدل على معان ويجوز الإخبار عنها وهي الأسماء المطلقة التي لا يقال فيها: اسم مشابه لحرف، ومما يبينها أن تقول فيها: هي التي يَعْتَقِبُ عليها التعريف بعد التنكير، فلا تكون معرفة أبدًا، ولا نكرة أبدًا كالمُشابِهة للحروف التي لا تتعرف نَكِراتها، ولا تتنكر مَعرفاتُها، وما كان من الأسماء لا يجوز أن يخبر عنها مع دِلالتها على معنى، فلِمُشابَهتِها الحروف نحو (إذْ) و (أين)، وما أشبه ذلك

وهي الأسماء المشابهة للحروف المقيدة بذلك، وإنما حكمنا لها بأنها أسماء مع امتناعها من أن يخبر عنها أنها اختصت بخاصة لا تكون إلا للأسماء كإذ التي اختصت بالإضافة، وأين التي تتمِّمُ مع اسم آخر كلامًا. وهذا من خواص الأسماء دون الحروف، ولها خواص أُخَر غير هذه. وأما الفعل فما دَلَّ على معنى وزمانٍ، وقد رسمه بذلك فلم يقتصر فيه على المثال كما اقتصر عليه في الاسم. وأما الحرف فما دل على معنى ولم يَجُز الإخبار عنه ولا أن يكون خبرًا. قال سيبويه: وإنما ذَكَرْتُ لك ثمانية مَجارٍ. قال أبو إسحاق:

يصح قوله: وبين ما يُبنى، على أن يكون أراد آخر ما يُبنى، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، فيقع على هذا التأويل معادلة حرف بحرف. قال أبو علي: الاسم المُتَمَكّنُ ما لم يشابه الحروف، وكان من الأسماء النكرات الواقعة على الأنواع الذي تعْتَقِبُه التعريف بعد التنكير. قال سيبويه: لأن المجرور داخل في المضاف إليه. قال أبو علي: الأفعال التي في أوائلها الزوائد الأربع تشابه الأسماء من غير جهة: إحداها: أنها إذا سُمِعَتْ عمت بالدلالة غير وقت، كما أن رجلا

يَعُمُّ بالدلالة غير شخص، فإذا قيل: سَيَضْرِبُ، أو سوف يَضْرِبُ خصت وقتًا بعينه، كما أنه إذا قيل: الرَّجُلُ، أو الضرب خص شخصًا أو حدثًا بعينهما فارتفع العموم عنه بدخول الحرف فيه كما ارتفع بذلك عن الاسم، فهذه جهة من مشابهتها للأسماء. وجهة أخرى شابهت بها الأسماء، وهي دخول اللام عليها إذا وقعت خبرًا لـ (إنّ) في نحو (إنّ زيدًا لَيَضْرِبُ) وحكم هذه اللام أن تدخل على الأسماء المبتدأة دون الأفعال، نحو (لَزيدٌ منطلقٌ) (وللدّارُ الآخرةُ خيرٌ)، وكان حكمها أن تدخل في باب (إنَّ) قبل (إنَّ) لتقع صدرًا. كما أنها في غير (إنّ) كذلك، ولكن لما كانت بمعنى (إن) في التأكيد وتَلَقّي القَسَم لم يجتمعا فأخرتها إلى الخبر ليقع الفصل بذلك بينهما وإذا وقع الفصل بينهما بغير إدخالها على الخبر جاز دخولها على الاسم المُخْبَر عنه الذي يكون مبتدأ، لأن المُتَجَنَّبَ من ذلك اجتماعهما إذ كانا جميعًا بمعنى واحد، فكما لا يجتمع حرفان بمعنى واحد، كذلك لم يجتمعا، فعلى هذا قول الله عز وجل: (وإنَّ لنا للآخرةَ

والأولى)، و (إنَّ لنا لأجرًا)، لمّا وقع الفصل بينهما كما يقع بينهما إذا أُدخلت على الخبر جاز دخولها على الاسم، ولولا أن النية باللام أن تكون قبل (إنَّ) لم تعمل (إنَّ) في (أجْرًا) كما أنه لو لم تكن النية بها تعمل في (طَعامِكَ) من قولك: إنَّ زيدًا طَعامَكَ لآكِلٌ، وهذه اللام التي هي لام الابتداء تختص بالدخول على الأسماء وما قَرُبَ شبهه منها دون ما لم يقرب منها، والدليل على ذلك أنها تختص بالدخول على الاسم المبتدأ وما قرب منه، وأن النية بها إذا وقعت في الخبر أول الكلام تعليقه الفعل قبل (إنَّ) كتعليقه إياه قبل المبتدأ، وذلك في مثل (قَدْ عَلِمْتُ إنَّ زيدًا لَمُنطلقٌ) كما تقول: عَلِمْتُ لَعَمرٌو منطلقٌ، كما علّق الفعل الذي يُلغى إذا دخل على المبتدأ، كذلك عَلَّقه إذا دخل في خبر (إنَّ) أو اسمها إذا فصل بينهما بظرفٍ فهذا يدل على أن هذه اللام هي التي دخلت على الاسم المبتدأ وأنها إنما دخلت على الأفعال لمشابهتها للأسماء، ودخلت على الخبر من حيث كانت تدخل على المبتدأ، إذ كان يؤُول في المعنى إلى أنه هُوَ هُوَ أو للمبتدأ فيه ذكر، وإذا كان له فيه ذكر فهو بمنزلته إذا كان إياه في المعنى، ألا ترى أنك إذا قلت: (زيدٌ أبوه منطلقٌ)، فَسُئِلت، من أبوه منطلق؟ فقلت: زيد، كما أنك إذا قلت: منطلق، فقيل لك: مَن منطلقٌ؟ قلت: زيد، فإن قلت: فقد تدخل هذه اللام على الماضي، كما دخلت على المضارع، فما الذي جعل

المضارع بدخولها عليه ... (فَشُبِّهَ) هذا النوع الذي يدل على وقتين في أول أحواله بالاسم فأُعرب كذلك؟ شُبِّهَ بهذه الأفعال من الأسماء ما صَلُح لوقتين نحو (ضاربٌ، وعامِلٌ) فأُعمل عمله فإذا اختُصَّ بوقت لم يعمل كما أن الفعل إذا اختُصَّ وخَلا من حروف المضارعة لم يعرب. قال: سيبويه: ولم يُسَكِّنوها كما لم يُسَكِّنوا من الأسماء. قال أبو علي: يقول: لم يُسَكِّنوا الأفعال الماضية لما شابهت ما شابه الاسم، كما لم يُسَكَّن من الأسماء في حال البناء ما تمكَّن في موضع فأُعرب فيه، نحو (مِنْ عَلُ)، لما أعرب في قولهم: (مِنْ عَلٍ)

ثم بُني، حُرِّك في البناء ولم يُسَكَّنْ وإن لم يكن قبله ساكن لئلا يكون كإذْ التي لم تتمكن في موضع، فكذلك الفعل الماضي حُرِّك ولم يُسَكَّن، إذ وجد فيه مشابهة الفعل للاسم، وهو وصفك به النكرة في نحو قوله تعالى: (وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ)، ووقوعه موقع المشابهة للاسم في الجزاء، لئلا يكون كفعل الأمر الذي لم يشابه الاسم من جِهةٍ ألْبَتَّة. ومثل قولهم: (مِنْ عَلُ) قولهم: يا حَكَمُ، حُرِّك في حال البناء ولم يسكَّن، لجَرْيه متمكنًا في غير هذا الموضع كجري (عَلٌ) متمكنًا في قولك: مِنْ عَلٍ. قال: سيبويه: بُعْدَ، كَمْ، وإذْ، مِنَ المُتَمَكِّنَةِ. قال أبو علي: بُعْدَ "كَمْ" من الأسماء المتمكنة، إذ معنى حرف الاستفهام قائم فيه، وأنه لم يتمكن في موضع كما تمكن (عَلٌ) في قولهم

مِنْ عَلُ، فلما لم يتمكن لم يحرَّك بحركة في حال البناء، كما لم يحرَّك فيه فعل الأمر لما لم يُشْبِه الاسم ولا أشبه ما يشبهه. وبُعد (إذْ) من المتمكنة أنها لا تكون إلا مضافة، أو لازمًا لها ما يكون عِوضًا من المضاف إليه كقولك: جِئْتُكَ إذْ زيدٌ منطلقٌ، وجئتك إذْ قام زيدٌ، وكان هذا يومئذٍ، فعوَّض من الجملة التي أضَفْتَها إليها فيما تقدم التنوين، فمشابهته الحرف قائمة، لأنه كبعض حروف الاسم إذ لا يتم إلا بما يضاف إليه، وإنما تحذف الجملة التي تضاف إليها، إذا دل الكلام عليها مع الحذف كقوله:

نَهيْتُك عن طِلابِك أمَّ عمرو ... بعاقِبَةٍ وأنتَ إذٍ صحيحُ أي وأنت إذ نهيتك عن طِلابها صحيحٌ. قال: مُنذُ، فِيمَنْ جَرَّ بها. قال أبو علي: منذ، مَنْ جَرَّ بها فهي من الجملة التي قبلها كما أن الباء في قولك: مررت بزيدٍ من الجملة التي هي مَرَرْتُ، ومتعلِّق بها، فأما إذا رُفع الاسم بعدها في نحو: لمْ أرَهُ منذ عامان، فالكلام من جملتين، (لم أرَهُ) جملة، و (منذُ عامان) جملة أخرى، فكأنه لما قال: لم أره، قيل: ما أَمَدُ ذلك؟ فقال: منذ يومان، والمعنى أمَدُه يومان، أو وقته يومان، فموضع منذ على هذا رَفعٌ بالابتداء، وأما إذا جررت بها فقلت: لم أرَهُ منذ يومين، فموضعه نَصْبٌ، كما أن موضع (بِزَيْدٍ) في قولك

(مَرَرْتُ بزيدٍ) نصب، فكل من (مُذْ ومُنْذُ) لابتداء الغاية إلا أن (مُذْ) تختص بابتداء عامّةِ الأزمنة دون الأمكنة وغيرها من الأسماء، فأما قوله: أقْوَيْنَ مِنْ حِجَجٍ ومن دَهْرٍ فكان أبو إسحاق يقول: المعنى مُذْ مَرَّ حجج، فحذف المضاف فلم يدخل مذ على الزمان، وأما قوله عز وجل: (أُسِّسَ على التقوى من أول يوم) فيكون على مذ ابتداء أول يوم، أو مُذْ تأسيس أول يوم. قال: اعْلَمْ أنك إذا ثَنَّيْتَ الواحد لَحِقَتْهُ زائدتان، الأولى منهما

حرف المدّ واللين. قال أبو علي: معنى اللّين في هذه الحروف أنها ليست شديدة الاعتماد على مواضعها، فيمتنع لذلك جَرْيُ الصوت معهما وامتداده كما يمتنع في سائر الحروف، وإذا أضافه إلى الإعراب وجب أن يكون فيه إعراب، لأنه لو لم يكن يَلْزَم أن يكون فيه إعراب لم يُضِفْهُ إلى الإعراب، ألا تراه قال في أول الباب: (فالرفع والنصب والجر والجزم لحروف الإعراب، وحروف الإعراب للأسماء المتمكنة والأفعال المضارعة) فلو كان لغير المعرب عنده حرف إعراب لما كان في قوله: الرفع والنصب لحروف الإعراب إذا كانت حروف الإعراب عنده تكون في المُعْرَب والمبني تخصيص ولا تخليصٌ لما يستحق الرفع والنصب، لأنه قال: الرفع والنصب لحروف الإعراب، وحروف الإعراب في المبني مثله في المعرب، وكأنه قال: حروف الإعراب للمعرب والمبني، وهذا خِلاف قصده وغرضه فهذا يدل على أن المبني لا حرف إعراب فيه، وقد وقفْتُ بعض أصحابنا على ذلك وأَريْتُهُ، وذلك قوله في هذا الباب: (وأَلزموا لام فَعَلَ السكون، وبَنَوْهُ على هذه العلامة وحذفوا الحركة لما زادوا، لأنها في الواحد ليس آخرها حرف إعراب لِما ذكرتُ لك)، فقد نص هنا على أن المبني ليس آخره بحرف

إعراب، وإذا لم يكن في المبني عنده حرف إعراب، وإنما حرف الإعراب في المعرب، والتثنية معربة ليست بمبنية وكذلك الجمع، وجب أن يكون فيه حرف إعراب، وإذا كان فيه حرف إعراب، فواجب أن يكون إعرابٌ عنده، لأنه لو لم يكن فيه إعراب لم يكن يضيفه إلى الإعراب، والإعراب الذي فيه، كونه تَصْويره وانقلابُه عن تلك الصورة إلى غيرها لاختلاف الإعراب باختلاف العامل، فمن حيث كان معربًا وجب أن يكون له حرف إعراب، ومن حيث كان له حرف إعراب وجب أن يكون فيه إعراب، فلو لم يكن فيه إعرابٌ لم يقل إنه حرف إعراب، كما لم يقل في ضَرَبَ إن فيه حرف إعراب، بل قد نص على أنه لا حرف إعراب فيه، وهذا خلاف ما كان أبو بكر رحمه الله يذهب إليه. وردَّ الأخفش أنه لو كان حرف إعراب لكان فيه إعراب صحيح

لأنه إذا كان حرف إعراب وجب أن يكون فيه إعراب عند سيبويه ونحن نقول: إنه حرف إعراب وفيه إعراب على مذهب سيبويه والإعراب فيه ما ذكرناه تمامًا. قوله: إنه ليس بحرف إعراب فليس بصحيح، لأن الدّلالة على أنها حروف إعراب قائمة، وأنها نهاية الاسم ومُنْقَضاهُ وما يتم به، فهو في ذلك كالتاء في طلْحَةَ، والياء في تميميّ، ونحو ذلك، ألا ترى أن حرف الإعراب في هذين قبل لَحاق التاء والياء بهما كان لام الفعل أو ما يقوم مقام لامِه من جَرْي الإعراب واعتقابه فلما ألحق هذان الحرفان صارا حَرْفَيْ الإعراب فكما صارت هذه حروف الإعراب عند الجميع كذلك يجب أن تكون هذه الحروف الليّنة حروف إعراب، فإن لم تكن هذه حروف إعرابٍ لزم ألا يكون ما ذكرناه أيضًا من التاء وحرفي الإضافة حروف إعراب، والمعنيّ بحروف الإعراب هو نهاية الكَلِم المعربة سواء كان ذلك زائدًا أم أصليًا بعد أن يكون الحرف بحذفها لا يدل على ما يدل عليه بإثباته فيها ولو كانت هذه الحروف دِلالة إعراب لأواخر الأسماء ونهايات لها للزِم ألا تختل بحذفها دِلالة الأسماء على ما كانت تدل عليه من التثنية والجمع، كما أن الإعراب وأدلته كذلك قلما كان حذفها من الكلمة تزول به دِلالة

تبيين الاسم على ما كان يدل عليه من التثنية والجمع، كما تزول بحذف التاء وحذف حرف الإضافة دلالة التأنيث والتثنية علِمنا أنها حروف إعراب كما أن هذه حروف إعراب لمشاركتهن له فيما ذكرناه والدليل على أن الواو في (أخُوكَ) وبابه حرف الإعراب الذي هو اللام وليس بعلامة والإعراب ولا دلالته قولهم: امْرُؤٌ وابْنُمٌ فأَتبعوا ما قبل حرف الإعراب، فكما أن الهمزة في امرئ والميم في ابْنُمٍ حرف إعراب ليس بدلالة إعراب كذلك حرف اللّين في أخيك ونحوه حرف إعراب. فإن قال (قائل): إن الهمزة الثانية في كل أحوال الاسم غير منقلبة إلى حرف آخر، وليس الحرف في أخيك ونحوه كذلك لأنها تنقلب فلا يلزم على هذا أن تكون الهمزة مثل حرف اللين، قيل له: حرف اللين في (أخيك) وبابِه مثل الهمزة في أنّه حرف إعراب، وإنما انقلبت

في (أخيك) ونحوه، وثبتت الهمزة على حالة واحدة، والميم في (ابنمٍ) لوجوب سكون الحرف في (أخيك) وبابه في القياس المطرد وذلك أنه كان يجب أن تكون متحركة بالحركة التي يستحقها الإعراب وما قبلها أيضًا متحرك، وحرف اللين إذا كان كذلك انقلب ولم يثبت وسَكَنَ ولم يتحرك، فإذا سكن لِما ذكرنا مما أوجب له السكون، وجب أن يتْبَعَ ما قبله من الحركة كاتباع سائر حروف العلة المسكَّنَةِ لِما قبلها من الحركة نحو (ميزان وميقات) فحرف اللين في (أخيك) لام مثل الميم في (ابنمٍ) انقلبت لما ذكرنا، وليس لمن دَفَع أن يكون ذلك حرف إعراب حجّة إلا الإنكار بلا برهان، إذ قد وجدنا (امرأ) و (ابْنمًا) فيهما حرفا الإعراب ثابتان ولم يجُزْ الثبات في أخيك ونحوه، وغير الانقلاب القياس المطرد، فقد صح وجود حرف الإعراب منقلبًا غير التثنية، والجمع يدل أيضًا على أن ذلك حرف الإعراب وليس بعلامة للإعراب دون أن يكون حرفه، قولهم: (فوكَ وذو مالٍ) ألا ترى أن (ذو) لا يخلو من أن يكون الحرف فيه كما قالوا للإعراب أو حرف إعراب كما يقول سيبويه، فلا يجوز أن يكون علامة الإعراب دون أن يكون حرفه، لأنه يلزم من ذلك أن يكون الحرف يبقى على حرف واحد وذلك غير موجود في شيء من كلامهم. فإن قال: وليس في كلامهم اسم على حرفين أحدهما حرف لين فليس أحد من الفريقين أسْعَدَ بهذه الحُجَّة، قيل له العلة التي لها لم يَجُز أن يكون الاسم على حرفين أحدهما حرف ابن زائلة هنا وهي بقاء الاسم على حرف

واحد لسقوط حرف اللين من أجل انقلابه ولَحاق التنوين له، ألا ترى أن ذلك مأمون هنا من أجل الإضافة، فإذا أفردوا قالوا: فَمٌ فأبدلوا الميمَ من الواو. ومن كان عنده أن حرف اللين في أخيك للإعراب وليس بحرف إعراب يلزمه أن يكون الحرف في (ذُو) أيضًا للإعراب دون أن يكون حرف الإعراب، فإذا كان كذلك فقد جُعِل الاسم على حرف واحد، وذلك فاسدٌ عند الجميع، لأنه إذا لم يَجُزْ أن يكون اسمٌ على حرفين أحدهما حرف لين، فإنه لا يجوز أن يكون على حرف واحد أقلُّ إذ العلة التي لم يَجُزْ أن يكون على حرفين أحدهما حرف لين مصيره إلى حرف واحد، وقد أجمع الجميع على أنه إذا رَخَّمَ (شِيَة) على من قال: (يا حارِ) رُدَّ

الفاء، فقد تبين بذلك أن الحرف في (فُوكَ) حرف إعراب، فإذا كان حرف إعراب كان في (أخيك) أيضًا مثله، فأما ما استجازوا من (مُِ) الله فقد ذكر في موضعه وأنه لا يكون محذوفًا من (أيْمُنُ اللهِ) والدليل على أنه لا يجوز عندهم في المتمكِّنة أن تبقى على حرف واحد، ويصير إلى ذلك إبدالهم الميم من الواو التي هي عَيْنٌ في (فُوكَ) في الإفراد، فإذا لم يكن في كلامهم شيء على حرفين أحدهما حرف لين لما يَلْزَم من أن يصير على حرف واحد لكان كونه على حرفين أحدهما حرف لينٍ أجدر لأن حرف اللين الذي كان يلزم سقوطه لالتقاء الساكنين كان يكون مَنْوِيًّا، وهم يُعْمِلونَ المَنْوِيَّ في كلامهم الذي هو غير ملفوظ به ويعْتدُّون به كنَوٍ وكَقَضَوَ، فإذا لم يستجيزوا ذلك مما يجوز أن يُنوَى معه حرف، فأن لم يستجيزوا فيما لا يُنْوَى معه شيء أجدر وأولى وهذا بَيِّنٌ. قال سيبويه: غير متحرِّك ولا منوَّنٍ. قال أبو علي: يريد: ليس بمتحرك في النيَّة، كما أن حرف الإعراب

في (رَحا) و (عَصا) في موضع حركة هذا، وفيه الفائدة لأنه معلوم أن هذه الحروف ليست بمتحركة ولا منونة في اللفظ كما ينون (رَحًا وعَصًا) ونحوه، لأن التثنية لو نُوِّنَ على ذلك الحد لصارت صورته صورة الواحد، فكان أن لا يكون لَحاق التنوين له على حد (رَحًا وعَصًا) أبلغ وأحكم. قال سيبويه: يكون في الرفع ألِفًا ولم يكن واوًا. قال أبو علي: إنما قال: ولم يكون واوًا لأن رفع الواحد بالضم هو الأصل، فكأن قائلا قال: فهلا كان التثنية في الرفع بالواو كما كان في الواحد بالضّمِّ؟ فقال: كان بالألف ولم يكن بالواو ليفصل بين التثنية والجمع الذي على حد التثنية، وذلك أنه لو قيل: زَيْدونَ في التثنية والجمع، لالْتَبَسَ التثنية بالجمع. فإن قال قائل: فكان يُضمُّ ما قبل الواو في الجمع، ويُفتح ما قبلها

في التثنية، قيل له: لم يَجُز هذا من غير جهة: منها أن الذي فعل من هذه القسمة آكَدُ في الفصل وأبلغ، لأنه إذا كان الفصل بحرف كان أبلغ من أن يكون بحركة. وأيضًا فلو جُعل الفصل بينهما بانفتاح ما قبل الواو في التثنية وانضمام ما قبل الواو في الجميع لأدى ذلك في بعض المواضع إلى التباس التثنية بالجمع وذلك فيما كان آخره ألِفًا، ألا ترى أن ذلك يستوي فيه التثنية والجمع ولو كانا بالواو، وفي أن ينفتح ما قبلها في الموضعين التثنية والجمع. فإن قلت: فانفتاح النون كان يفصِل ويُخَلِّصُ فإن النون لا يُعتمد عليها إذ كانت غير ثابتة، وأيضًا لو جُعلت التثنية والجمع بالواو في الرفع لَلَزِمَ أن يُجعل النصب في التثنية والجمع بالألف، وذلك غير جائزٍ لأنه لا ينفصل الاثنان من الجميع. قال: ويكون في الجَرِّ مفتوحًا ما قبلها ولم يكسر، ليُفْصَل بين التثنية والجمع الذي على حد التثنية، ويكون في النصب كذلك ولم يجعلوا النصب ألِفًا ليكون مثله في الجمع. قال أبو علي: كأن قائلاً قال له: هَلاَّ جَعل تثنية النصب بالألِف كما أن واحده الذي هو الأصل بالفتحة، فقال لم يجعلوا النصب ألفًا في التثنية،

ليكون النصب في التثنية مثل النصب في الجمع، لأنه قد لَزِمَ أن يكون الجمع بالياء، إذ لم يجز كونُه بالواو، ولا بالألف، فلما لزم هذا في الجمع أتبع التثنية، لأن التثنية إلى الجمع أقرب منها إلى الواحد وأشبه به، فكان إتْباعُهُ إياه أولى. قال: وكان مع ذا أن يكون تابعًا لِما الْجَرَّة منه أولى. قال أبو علي: كأن قائلا قال: فهَلاَّ أُتبع تثنية المنصوب تثنية المرفوع فَجُعِل بالألف، كما أن تثنية المرفوع بالألف، فقال: جَعَلَ النصب في التثنية بالياء دون الألف ليكون مثله في الجمع، لأن انضمام التثنية إلى الجمع أولى من انضمامه إلى الواحد، لأنه أقرب إليه، وأشبه به، وكان انضمام التثنية إلى الجمع وكونها بالياء أولى ليكون تابعًا للياء التي الجَرَّة منها لِلُزُومه الاسم فإنه لا ينتقل عنه. قال: وتكون الزائدة الثانية نونًا كأنها عِوَضٌ لَمّا مُنِع من الحركة والتنوين. قال أبو علي: إن قال قائل: كيف قال: إن النون تكون عِوَضًا من الحركة والتنوين، وقد قلتم إن الألف عنده حرف إعراب وإن فيه

إعرابًا فكيف لزم أن يكون عوضًا وفيه الشيء المُعَوَّض منه؟ قيل له: لا يمتنع على مذهبه عندنا ذلك، وذلك أن الإعراب لما كان تزاد له حركة في غير هذا الموضع ولم تُزَد له هنا، بل صار ذلك في انقلاب نفس الحرف لَزِمَ أن يكون منه عِوَض للنقصان اللاحق له عما عليه المُعْرَبات. ألا ترى أنه قد نقَضَ من اللفظ حركة كانت تجب للإعراب، ولم يستنكر أن يُعوّض من هذا الناقص الذي هو الحركة وهو العِوَضُ إنما هو من الحركة لا من الإعراب، ألا تراه قال: كأنّه عَوَّض من الحركة والتنوين ولم يقل: عَوَّض من الإعراب والتنوين فهذا على قوله صحيح. قال: ولم يجعلوا النصب ألِفًا. قال أبو العباس: أراد أنه لو كان النصب بالألف في التثنية والجمع كان يَنْفَتِحُ ما قبل الألف، لأن الفتح لازم لما قبلها، فتكون التثنية والجمع شيئًا واحدًا، ولم يكن يمكن في الألف ما أمكن في الياء من فتح ما قبلها في التثنية وكسر ما قبلها في الجمع.

قال: قد ينتقِلُ إلى الفعل. قال أبو الحسن علي بن سليمان الأخفش: والنصب قد ينتقل، فإنه كما قال: الجرُّ لازم للاسم، والنصب لا ينفصل فيه التثنية من الجمع لو جَعلْت التثنية بالألف، وهو مع ذلك منتقل، والرفع أيضًا ينتقل. قال: فيكون الأولى حرف إعراب. قال أبو علي: قوله: فيكون جوابٌ لقوله: (ولم تكن مُنَوَّنَةً ولَمْ تلزمها الحركة) أي لم يكن الفعل منونًا والحركة لازمة له كما كان الاسم منونًا والحركة لازمة له، وتكون الألف حرف إعراب، والنون

بدلا من الحركة والتنوين في الفعل كما كانت الألف حرف إعراب في الاسم والنُّون بدلا من الحركة والتنوين. قال: (وفي التثنية لم تكن بمنزلتِه). قال أبو علي: يريد أن واحدَ الأسماء تَلْحَقُهُ الحركة والتنوين ويَلْزَمُهُ ذلك إذا ثُنِّيَ، والفعل ليس كذلك. قال: ولم يجعلوها حرف إعراب إذ كانت متحركة لا تثبت في الجَزْم، قال أبو علي: يقول: إنّ النّونَ لما كانت متحركة وكانت تَسْقُطُ في الجزم عُلِمَ أنها ليست حرف إعراب، إذ لو كانت حرف إعراب وكانت متحركة لم تسقط للجزم هي نفسها، لكنها كانت تَثْبُتُ وتحذف الحركة كما تثبت حروف سائر الإعراب، وتُحذف حركاتها. قال: ولم يكونوا لِيَحْذِفوا الألف لأنها علامة الإضمار والتثنية فيمن قال: أَكَلُوني البراغيثُ. قال أبو علي: إنما قال لأنها كأن قائلا قال له هَلاَّ حَذَفْتَ الألف لالتقاء الساكنين هي والنون وهي الساكن الأول وقد يحذف الساكن

الأول إذا كان حرف لينٍ، فقال: لم يحذفوها لأنها علامة إضمارٍ وجمعٍ بل أُثْبِتَتْ وحُرِّكَ الساكن الثاني بالكسرة. قال: فيمن قال: أكَلوني البراغيثُ بمنزلة التاء في قُلْتَ، وقالت. قال أبو علي: شَبَّهَ الألف في (ضَرَبَا الزَّيْدان) بالتّاء في قلت، لأنها تكون ضمير الفاعلين، ودليلاً للتثنية غير ضمير، كما أن التاء قد تكون ضميرًا للفاعل وخطابًا وتكون للتثنية مجردة من معنى الضمير نحو (ضَرَبا الزيدانِ) فتكون لذلك كالتاء في قالت في أنها حرف وكالتي في أنْتَ، فهذه الألف توافق التاء في كونها للتثنية مجرَّدةً من الضمير كما تكون التاء للخطاب في أنْتَ مجردًا من معنى الاسمية، واجتماعهما في هذا الموضع إنما هو من حيث كانا حرفين لمعنى غير اسمين، وتُوافِقُهما التاء في قالت لأنها لمعنى التأنيث لا معنى اسمية فيها، ويخالفان هذه التاء التي في قالت في أنهما يكونان اسمين في (الزَّيدان ضَرَبا). قال أبو علي: وكون الواو والألف لعلامة التثنية والجمع أعم من

كونهما للضمير، لأنهما لا يكونان ضميرًا إلا وهما يدلان على التثنية والجمع، وقد يكونان تثنية وجمعًا ولا دلالة فيهما على الضمير وذلك إذ لم يتقدم ما يكونان ضميرًا له، فهذا مما يُعْلَمُ به أن الحرفية في هذه الأسماء أغلب من الاسمية كما كانت أغلب على الكاف والتاء من الاسمية لأنهما أيضًا لا يكونان اسمين إلا ومعنى الخطاب موجود فيهما، وقد يكونان للخطاب ولا اسمية فيهما موجودة كالكاف في (ذلك والنَّجاؤُكَ وأرَأَيْتَكَ زيدًا ما فَعلَ) والتاء في (أنْتَ) ألا ترى أن الكاف في أرأيتك لا يكون اسمًا، لأنه لو كان اسمًا لوجب أن يكون المفعول الثاني في المعنى، والمخاطَب لا يكون الغائب، ولذلك بُنِيَ الاسم المُفرد المعرفة في النداء لوقوعه موقع (ما) الحرفية أغلب عليه وهو حرف الخطاب، فلا موضع لهذا الكاف في هذه الأماكن من الإعراب، ولا للتاء في أنت لأنهما ليسا باسمين فيستحقا الإعراب، كما لا تستحقه (ما) في قوله: (فَبِما نَقضِهم ميثاقَهم). وذكر سيبويه تاء أنتَ في مكان آخر، وكاف ذلك ونحوه فقال

ينبغي لمن زَعَم أن كاف ذلك اسم، أن يقول: إن تاء أنتَ اسم. قال: وإنما تاء أنت بمنزلة الكاف لأنه ليس باسم فلا يستحق إعرابًا كما لا يستحقُّها في قوله: (فبما نقضهم ميثاقَهم). مسألةٌ: يدلُّكَ إجراؤُهم للتاء في المؤنث مُجرى الياء في مسلمين أن المذَكَّر هو الأول لأنه لم يمنع هنا من الفتح شيء كما مَنع من الألف في النصب في التثنية والجمع، فإنما فعل هذا بالتاء، لِيتْبِع المؤنث المذكَّر إذ كان الأول له، ويدل على ذلك أيضًا إتْباعُهم بعض الكلام بعضًا وإن لم يكن في المُتْبَع العلة التي في الشيء الذي يُتْبَع ذلك مثل (تَعِدُ وتَغْدُرُ بنا) ونحو ذلك، ويدل على ذلك أيضًا بناءُ يفْعَلْنَ لإتباع فَعَلْنَ. قال: وكذلك إذا ألْحَقْتَ التأنيث في المخاطَبة نحو تَفْعلينَ. قال أبو علي: لا يخلو من أن يكون علامةً مجردًا من الضمير أو ضميرًا، فلو كانت الياء علامة ولم تكن ضميرًا لَلَزِمَ أن تثبت في فعل الاثنين كما تَثْبُتُ التاء في قامتا، فلما حُذفت ولم تثبت علِمنا أنها

ضمير وليست بعلامة، فإن قال قائل: ما أنكرت أن تكون علامة وإنما حُذفت في التثنية وإن أُثبِتت التاء في قامتا لما كان يدخل من الاستثقال في مثل (تَضْرِبيان) لو قيل، لتوالي الحركات، وانكسار ما قبل الياء وذلك كله أمور مستثقلة، فَحذف لذلك لا لأنه علامة ضمير، قيل له: إن هذه الحركات وتواليها لو كان اسما لم يستثقل لأنها غير لازمة بل التقدير فيها الانفصال، وما كان كذلك لم يستثقل ذلك فيها، وإنما يستثقل ذلك في الكلمة الواحدة ألا تراهم قالوا: لِكُتُبِكَ فاعْلَمْ ونحو هذا، فجمعوا بين هذه المُتحرِّكات لما كانت غير لازمة، وتقول (بِكَتَاتٍ)، فتجمع بين هذه المتحركات، إذ تقديرك فيها الانفصال، وكذلك لو كان هذا ضميرًا يُستثقل هذا الجمع بين الحركان فيه، وأيضًا فلو كان حذف ذلك للاستثقال لكان جديرًا أن تثبت في مثل: (قُمْ وَبِعْ، وَشِ ثوبًا) ونحو ذلك فامتناعها من الثبات في ذا يُقَوِّي أنها ليست علامة، وأنها أيضًا ضمير، وأيضًا فلو كان حذفها للاستثقال لا لكونها ضميرًا لكان جديرًا أن يردَّها الشعراء في اضطرار الشعر كما يردون الأشياء التي تخفَّف وتحذف للاستثقال إلى أُصولها، فإن لم يَرِد هذا يقوى ما ذكرناه من أنه ضمير. فإن قال قائل: فهلاَّ ثبتَت العلامة التي هي ضمير المذكّر في مثل: (أنْتَ تَفْعَلُ) إن كانت الياء ضميرًا ليس بعلامة، وهلاّ دَلَّكَ امتناع ثباته هذا على أنه ليس بضمير، كما أن (فَعَلَ) لما لم تكن فيه علامة ظاهرة

للضمير علمت أن (فَعَلَتْ) علامة للتأنيث دون الضمير، قيل له: إن هذا الموضع لمّا الْتَبَس فيه الصنفان أُظهر الضمير، فإنما علِمنا أن التاء في (فَعَلْتُ) علامة لثباتها مع علامة الضمير لأنها لو كانت ضميرًا لم تَثْبُتْ. قال: (فليس هذا بأبعد فيها إذ كانت هي وفَعَلَ شيئًا واحدًا). قال أبو علي: يقول: ليس إسكان لام الفعل المضارع وبناؤها عليهما (عِنْدَما) اتصل بضمير المؤنث لِمشابهته (فَعَلْنَ وفَعَلَتْ) بأبعد من إعرابه لمشابهته الاسم. قال: ولأنها قد تُبنى مع ذلك على الفتحة في (هل تَفْعَلَنَّ). قال أبو علي: أراد بقوله: (هل تَفْعَلَنَّ) موضعًا بنى فيه الفعل المضارع فقال: جاز بناؤها مع علامة الضمير في (تَفْعَلْنَ) كما جاز بناؤها مع النون، بل بناؤها في تفعلْن أجدر من بناء فَعلْن، وإتباعه إياه.

قال: واعلم أن بعض الكلام أثقل من بعض، فالأفعال أثقل من الأسماء، لأن الأسماء هي الأوَّلُ. قال أبو علي: الأسماء هي الأوّل للأفعال لأنّها مأخوذة من نوع منها وهو المصدر، والدليل على أنها مأخوذة منه، أن الأفعال إذا صيغت للأبنية الثلاثة دلَّ كل بناء على حدثٍ مخصوص مع دلالته على الزمان، والمصدر قبل أن يُصاغ الفعل منه لا يَخُص حدثًا بعينه بل يَعُمُّ بالدلالة الأحداث الكائنة في جميع الأزمنة، وحكم الخاص أن يكون من العام، فحكم الفعل إذًا أن يكون من المصدر. ومما يدل على أوَّلِيَّتها للأفعال، أنه لا يكون فعل إلا وله فاعل وكل ما وُجِدَ من الأفعال في اللغة وجد معه اسم، وليس كلما وجد اسم لَزِمَ أن يكون معه فعل، فقد عُلِمَ بهذه أوليته، وأنه أكثر منه في العدد وإذا كان أكثر منه في العدد كان أكثر منه في الاستعمال، وعلى الألسنة، وإذا كان أكثر كان أخف على الإنسان لأن النطق به أوسع، والمتكلم به أدْرَب، وهو عليه أسهل، وإنما تكون الدُّرْبَة بحسب كثرة العادة، وهذا موجود في العادات وبين أهل اللغات، ألا ترى أن المتكلِّمَ

باللغة العربية لا يسهل عليه النطق باللغة الفارسية لقلة اعتياده على ذلك، وكذلك المُتكلم بالفارسية لا يسهل عليه النطق باللغة العربية سهولة الفارسية، وليس ذلك لشيء أكثر من أن كل واحد من أهل اللغتين لما لم يكثر ذلك في عادته، ولم يَرْتَضْ به لم يَخِف عليه، ولذلك اعْتُدَّ بالعُجْمَةِ (في الأعْلام) ثِقْلاً وإحدى الموانع من الانصراف، فمعلوم من هذا أن الأكثر في اللغات أخف من الأقل فيها، وذلك ما لا ينكره ذو لغةٍ في لغته، فإذا كان كذلك، ثَبَتَ أن بعض الكلام أثقل من بعض كما قال وثبت أن الأفعال أثقل من الأسماء، والأسماء أخف منها (وإذا كانت أخفّ منها)، احتملت من الزيادة اللازمة ما لا تحتمله الأفعال، فلما احتملته أُلزمت ذلك لخِفَّتِها، ولم يُلزَم ذلك الفعل إذ كان عكسها لثقَله، فلما احتمل الزيادة الخفيفُ للخفَّة لزم ألا تلحق الزيادة

غير الخفيف لبُعدِه من الخفّة، بل يلحقه خلاف الزيادة وعكسها، وهو الحذف والنقصان فلَحِقَه الجزم والسكون. قال: (حيث قاَرَبَ الفعل في الكلام ووافقَه في البناء). قال أبو علي: يعني أنّ النّعتَ مأخوذٌ من المصدر، كما أن الفعل مأخوذٌ من المصدر. قال: وأمّا مُضارَعتُه في الصِّفة. قال أبو علي: يريد: وأما مضارعة الصِّفة الفعل. قال: اعلم أنّ النّكرةَ أخف عليهم من المعرفة، وهي أشد تمكنًا. قال أبو علي: يعني أبعد لها من أن لا تَنْصرِف، ومن أن لا تُشبه الفعل.

قال: ثم يُدخِل عليها ما تُعَرَّف به. قال أبو علي: نحو أن نَنْقُلَ اسم نَكرة لنوع إلى شخصٍ بعينه كرجلٍ يسمّى بـ (أسَدٍ)، وهذا النقل في تعريفه هذا المُنَكر كالألف واللام في تعريفهما إياه.

هذا باب المسند والمسند إليه

هذا بابُ المُسْنَد والمُسْند إليه قال: وإنما يدخل النّاصِبُ والرّافِعُ سوى الابتداء والجارُّ على المبتدأ. قال أبو علي: الجارُّ الذي يدخل على المبتدأ على ضربين: أحدهما: أن يدخل في غير الإيجاب. والآخر: أن يدخل في الإيجاب. فالأول كثيرٌ والثاني عزيزٌ. فأما غير الإيجاب فنحو النفي والاستفهام إذا قلت: هل مِن أحدٍ في الدار (وما منكم من أحدٍ عنه حاجزين)، فَأحدٌ مُرتفعٌ بـ (ما) وهي الحجازِيّة، ولم تمتنع من أن تعمل مع الفعل بالظرف

كما لم تمتنع (إنّ) والدليل على ذلك نصب الخبر ومن ذلك قوله تعالى: (ما لكم من إلهٍ غيرُه)، فالجارُّ مع المجرور في موضع رفع ولذلك أُتْبع (غيرُه) في إعرابه، ويجوز أن تكون في موضع اسمها على البدل كالاسم بعد إلا في قولك: ما في الدّارِ أحدٌ إلا زيدٌ، وكِلا الأمرين يدل على أن موضعه رفع، والاستفهام نحو قولك هل مِن أحدٍ، و (هل لنا من شفعاءَ). وأما الإيجاب فهو الباءُ في قولك: (بِحَسْبِكَ صُنع الخيرِ)، فهذه الباء دخلت على اسم كان مبتدأ، يدلّك على ذلك أن الثاني فيه هو الأول في المعنى لأن صُنْع الخير هو الحَسْبُ في المعنى، كما أن زيدًا هو المنطلق في (كان وإنَّ) ولا يجوز أن يقال في نحو: لِزيدٍ مالٌ ونَعَمٌ وعبيدٌ إن الجارَّ هنا داخل على المبتدأ، لكنَّ موضِعَه لأن الثاني ليس

بالأول، فالجار هنا لم يدخل على المبتدأ لكنّ موضعه نصب، لأنَّ المعنى: المالُ ثَبَتَ لزيدٍ، ونحوه من الفعل فقد جاء قولك: (لزيدٍ) بعد فعل وفاعل، فأما موضع الباء وما بعدها في بِحسبِكَ، فينبغي أن يكون رفعًا لأنك لم تضف إلى (حَسْبِ) شيئًا بالباء كما أضفت الثَّباتَ باللام إلى زيدٍ في قولك: المالُ لزيدٍ، ولزيدٍ مالٌ، فموضع بحسبِكَ رفع بالابتداء وصنيعُ الخبرِ يرتفع بالخبر كما كان قبل دخول الباء مرتفعًا، وأنشد أبو زيد: بحسبِك في القوم أن يعلموا ... بأنك فيهم غنيٌّ مُضِرّ

هذا باب ما يحتمل الشعر

هذا باب ما يحْتَمِلُ الشعر قوله: كَنَواحِ ريش حمامةٍ نَجْدِيَّةٍ حَذَفَ الياءَ مع الإضافة كما يحذفها مع التنوين في نواحٍ، لأن كل واحد منهما بدلٌ من صاحبه، وكذلك حذَف الياء مع الألف واللام من الأيد كما يحذفها مع التنوين.

قول الشاعر: ................ ... ولاكِ اسْقِني قال أبو علي: حذِف النون من (لكِنْ) لالتقاء الساكنين كما تحذف حروف اللين لذلك، لأنها مشابهة لها، وتُزاد حيث يَزدن ثانية وثالثة ورابعة، وتُبدَل منها في صَنْعانِيّ وبَهْرانِيّ، وكان حكمه صنْعاويّ (وبهراويّ) فأبدلت النون كما أبدلت الألف من النون في (ضَربْتُ زيدًا)،

و (لَنَسْفَعًا)، وتكون إعرابًا في تضربان، كما يكون أبعاضُ هذه الحروف إعرابًا أعني الحركات. قوله: الأضْخَما.

قال أبو علي: إنما صارت الحجة في الفتح لأن الثقيلة تصير تدخل فيه للوقف ثم يُطلق الحرفُ للقافية في الوصل مُجراه في الوقف، وإذا كَسَرَ الهمزة لم تصر الثقيلة للوقف، لكن الحرف يصير مثل (قِرْشب)، وما أشبه هذا البناء، وكذلك إذا قال: الضِّخَمَّا لم تكن فيه حُجَّة لأنه يصير مثل خِدَبّ ونحوه مما هو على (فِعَلٍّ). وقول الآخر: ..................... وقَلَّما ... وِصالٌ على طول الصُّدودِ يدومُ

قال أبو علي: (قَلَّ) حكمه أن يليه الاسم لأنه فعل، فإذا أُدخِلت عليه (ما) كَفَّتْهُ وهَيَّأَتْهُ للدخول على الفعل كما تهيءُ (رُبَّ) للدخول على الفعل، فكان حكمه أن يليه (يدوم) دون (وِصال) ولا يجوز أن يرفع (وصال) بـ (يدوم) وقد تأخر عن الاسم، ولكن بـ (يكونُ) ونحوه لأنه لا يصلح أن ترفعه بالابتداء على ما قَدَّره، لأنه موضع فِعل

كما لا يصلح أن يرفع الاسم بعد (هَلا) التي للتحضيض و (إنْ) التي للجزاء، و (إذا) الدالة على الزمان بالابتداء. فإن قال قائل: كيف جاز دخول (قَلَّ) على الفعل على مذهب سيبويه وهو فعل، والفعل لا يدخل على الفعل ولا معنى له فيه. قيل له: جاز ذلك لمضارعة هذا الفعل حرف النفي، ويدلك على مضارعته له قولك: قَلَّ رجل يقولُ ذاك إلا زيدٌ، أفلا ترى أن ذلك لولا أنه أجري مجرى الحرف لما جاز هذا فيه، كما لا يجوز (جاءني القوم إلا زيدٌ) على أن تُبْدِلَ زيدًا من القوم، فكما جرى هذا مجرى حرف النفي، فجاز فيه ما أعْلَمتك، كذا جرى في قوله: قلما يدوم وِصال، مجرى الحرف، فدخل على الفعل من حيث دخل الحرف عليه، وقام مقام الحرف هنا، كما قام مقامه حيث ذَكَرْت لك لما بينهما من الشبه في المعنى، لأن أقرب الأشياء إلى النفي التقليل، كما أن أبعد الأشياء منه التكثير. قوله: أَلَمْ يأتيك والأنباءُ تَنْمي.

قال أبو علي: قَدَّرَ إسكانه عن الضم فلم تحذف الياء لأنه حذف الضمة وأجراه مجرى الصحيح، كما أجْراه الآخر مجرى الصحيح فحَرَّكَه بالكسر تشبيهًا بالحرف الصحيح في قوله: غير ماضِيٍ، وفي الغواني.

قوله: ألا لا أرى اثنين أحْسَنَ شيمةٌ. قال أبو علي: اثنين معتلة اللام محذوفتها، ولذلك أُلْحِقت ألف الوصل

كما ألحق (اسمُ) ونحوه تشبيهًا بالأفعال المعتلة اللام، لأن الحذف والإعلال حكمهما أن يكونا في الأفعال دون الأسماء، فأما الياء في اثنين فمنقلبة من ألف التثنية وليست بلام الفعل، بل اللام محذوفة وهي ياء، لأنها من ثَنَيْتُ، وحكم ألف الوصل أن تلحق من الأسماء غير المصادر ما كان ناقصًا محذوف اللام مناسبًا للفعل بالحذف. فأما (امْرُؤٌ) فَلامُه أيضًا حرف إعلال، وقد يحذف مع ذلك إذا خُفِّفَتْ وأُسكن ما قبلها فقيل (مَرْءٌ) تقول في تخفيفه (مَرٌ). قال: والمفعول الذي لم يَتَعَدَّهُ فعله ولم يَتَعَدَّ إليه فعل فاعل. قال أبو علي: قوله: لم يتعدَّ إليه فعل فاعل، ليس يريد أن هذا المفعول لم يصل إليه فعل من فاعل على الحقيقة، إنما يريد أن هذه اللفظة التي هي (ضُرِبَ) المسماة فعلا لم يجاوز الاسم المرتفع بها في (ضُرِبَ زيدٌ) إلى مفعول فنصبه، كما جاوز في (أُعطي زيدٌ درهمًا) إلى المفعول الذي هو الدرهم المنصوب. قال: وقال بعضهم: ذهبْت الشّامَ، شَبَّهه بالمبهم.

قال أبو علي: يتَبَيَّنُ المكان المبهم من المختص بأن يُحَدَّ ويُخَصَّ بحدود تشمله، والحدود للمختصة، فأما المبهمة نحو (خَلْفَ) فلا يمكن تحديدها لأنها ليست مواضع بأعيانها. قوله: ....................... كما عَسَلَ الطريقَ الثعلبُ قال أبو علي: الطريق موضع متميز مثل الدار والمسجد ونحوهما

وكذلك البيتُ، وليس مثل (خَلْف) وما أشْبَهَهُ، لأن المبهمات ينتقلن مع انتقال ذي الظروف، فيجوز أن يكون من البيت والطريق وجميع المواضع المختصة والمبهمة، فبَيَّن أن (خَلْفًا) ونحوه ليس مثل الطريق، والبيت والشام والمختصات. فأما قول أبي عمر: ليس ذهبت الشام مثل دخلتُ البيت، فليس كما قال، لأن الشام مثل البيت في أنه موضع مختص كما أن البيت مختص ليس بمبهم، بل البيت أقْعَدُ في الاختصاص من الشام إذ لا يحتمل وجهًا غير التخصيص، والشام قد يجوز أن يُحمَلَ على إحدى الجهات الست،

وإن كان سيبويه قد حَمَلَه على الاختصاص وإنما الذي يعتبر في هذا الباب الإبهام والاختصاص، والفعل الذي لا يتعدى نحو (قامَ) يمتنع من التعدي إلى جميع هذه المختصات من الظروف المكانية، كما امتنع من التعدي إلى سائر الأسماء المختصة غير الظروف، وهذه الحروف شواذ، أعني ذَهَبْتُ الشام، ودخلْتُ البيت ونحوهما، فإن حكمهما أن يتعدى الفعل إليهما بحرف جر كما يتعدى إلى سائر الأسماء كذلك، لكن حرف الجر حذف للاتساع، والأصل ذلك، فَدَخلتُ غير متعد، كما أن ذهَبْتُ غير متعد والبيت مختص وقد تُعدِّيَ إليه، والدليل على أن (دَخَلْتُ) غير متعدٍّ أن خلافة غير متعد، وهذه الأشياء مما تعتبر بخلافها [كما تعتبر بأمثالها] وسترى ذلك في حد المصادر والأفعال إن شاء الله. وأيضًا فإن مصدره على (فُعُول) وهذا هو الباب فيما لا يتعدى وعلى ذلك الجمهور والكثرة، ولو كان متعديًا لكان خليقًا أن يكون على (فَعْل) فإن قال: ما أنكرت أن يكون مثل (كِلْتُكَ وكِلْتُ إليك) ونحو هذا مما يتعدى تارةً بالحرف وتارةً بغير الحرف، قيل له: هذه

الحروف في الجملة قليلة ليست بالكثيرة فالرد إليها والقياس عليها ليس بمستقيم، ويضعف ذلك أيضًا أنك لا تكاد تجد في هذه الحروف التي هي مثل نصحته ونصحت له (فَعَلَ، وأفْعَلْتُهُ) لا تكاد تجد مثل: (أنْصَحْتُهُ) وأنت تقول: دخل وأدخلتُهُ، كما تقول: ذهبَ وأذهبتُه. فأما جئتك فإنما أصله: جئتُ إليك، فاستُعمل بحذف الحرف كما استعمل (دَخَلْتُ) بحذف الحرف منه، فكل هذا يدل على صحة ما ذهب إليه سيبويه في هذا، ويقوِّي ترك التعدي في هذا أن أمثاله غير مُتعدِّيةٍ نحو: وَلجتُ، وهَجَمْتُ، وغُرْتُ. قال: ويتعدّى إلى ما كان وقتًا في الأمكنة. قال أبو علي: الوقت في الأمكنة المعروف القدر لا المعروف العين نحو فَرْسَخٍ وميلٍ ونحوهما.

قال: (كما أن ذلك وقتٌ في الأزمان). قال أبو علي: يعني ما كان معلومَ المقدار نحو شهر وسنة وما أشبه ذلك. قال: (فلما صار بمنزلة الوقت في الزمان صار مِثْلَهُ). قال أبو علي: أي في أنك إذا قلت: ذَهَبْتُ شهرًا كان كقولك: ذهبت فرسخًا في تعدي الفعل إليهما. قال: (وكذلك ينبغي أن يكون إذْ صار تعدَّى فيما هو أبعد). قال أبو إسحق وكذلك كان ينبغي أن يكون، يعني تَعَدِّي الفعل إلى المكان الموفت الذي يقع على كل شيء من الأمكنة، إذ كان الفعل يقع على المختص من المكان الذي لا يقع على كل شيء، نحو: ذهبتُ الشام، فإذا تعدى الفعل إلى الشام وهو مختص فهو أجدر أن يتعدى إلى ما ليس مختصًا.

هذا باب الفاعل الذي يتعداه فعله إلى مفعولين وإن شئت اقتصرت

هذا باب الفاعل الذي يتعدَّاه فعله إلى مفعولَيْن وإن شئتَ اقتصَرْتَ آليْتَ حَبَّ العراقِ.

قال أبو علي: وضع سيبويه البيت على أن المراد: أَلَيْت على حَبِّ العراق، فلما حذف الحرف وَصلَ الفعل، وذهب أبو العباس فيه إلى أن المعنى: آلَيْت أَطْعَمَ حَبَّ العراق، أي لا أطْعمُ، كقوله: تاللهِ يَبْقى على الأيّامِ.

أي لا يبقى، فحب العراق على قول أبي العباس ينتصب بفعل مضمر (أطْعمه) تفسيره، كأنه قال: آليت لا أطعم حب العراق لا أطعمه، فأطعمه تفسير للمضمر. قال: لأنَّ عَنْ، وعلى لا يُفْعَلُ بهما ذلك. قال أبو علي: بقول الباء في [خبر] ليس، وكفى بالله زائدة، واخْتَرْت

من الرجال ونُبِّئْتُ عن زيدٍ [فَعَلَى] وعن فيهما غير زائدتين لأن (عَنْ)، و (على) لا تزادان، و (مِنْ) لا تُزاد في الواجب، وقد تُزاد في غير الواجب نحو الاستفهام، والنفي كقولك: هل من رجلٍ في الدار. وما من رَجل فيها. قال: ثم تقول: عَرَّفْتُهُ بزيدٍ فهو سوى ذلك المعنى. قال أبو علي: معنى عَرَّفته بزيد يؤول إلى سوى معنى عرَّفته زيدًا، والهاء في عرَّفته زيدًا غير ضمير زيد، وفي عرَّفته بزيد يؤُول في المعنى إلى أنه هو العين المسمى بزيدٍ.

هذا باب الفاعل الذي يتعداه فعله إلى مفعولين وليس لك أن تقتصر

هذا باب الفاعل الذي يتعدّاه فعلُه إلى مفعولين وليس لك أن تقتصر قال: (وذكرت المفعولَ الأوّل لِتُعْلِمَ الذي تضيف إليه ما استقرَّ له عند (منْ هو) فإنما ذكرت (ظننتُ). قال أبو إسحق: يعني زيدًا في قولك: ظَنَّ عبدُ الله زيدًا أخاك. فالظن غير واقع من عبد الله على زيد لأن زيدًا في علمه لا في ظنه، ولكنك ذكرته لتضيف ما ظَنَّ عبد الله أو عَلِمَه إليه وهو الأخوة ونحوها من المفعول الثاني. قال أبو علي: يعني بالذي تضيف إليه المفعول الأول والهاء للّذي، ومعنى هذا الكلام أنك تُعْلِمُ المُخبِر خبر المفعول الأول، وما تُسنده إليه من المفعول الثاني الذي هو خبر عن المفعول الأول في المعنى، وتقدير الكلام، لتعلمَ ما استقرَّ عندك للذي تضيف إليه. فأما تفسير اللفظ فإنّ (تُعْلِمَ) منقول من علمت الذي بمنزلة عَرفْتُ، كأنه قال: لِتُعَرِّفَ المخاطَب الذي تضيف إليه ما استقر له عندك. فقوله: ما استقر له عندك بدل من الذي تضيف إليه، لأنه مُلتبس به

كأنك قلت: لِتَعْلَمَ مستقَرَّ الذي تضيف إليه، أي ليعرف المُخاطب خبر المسند إليه والمحدَّث عنه، ويفيده إياه. ويجوز أيضًا أن تكون (تَعلَم) منقولاً من عَلِمت الذي يتعدَّى إلى مفعولين، لأن الاقتصار على المفعول الأول منه جائز عند أبي بكر، فيكون الذي تضيف إليه مفعولا أول، وما استقر بدلا منه، ولا تَحْمِله على هذا، لأن سيبويه لم يُجِزهُ. ولا يجوز أن يكون قوله: ما استقر له عندك مفعولاً ثانيًا، لأنه لا يخلو من أن تجعل (تَعْلَمَ) منقولا من (عَلِمْتُ) الذي بمعنى عرفت، أو من (علِمتُ) للتعدي إلى مفعولين، فإن نقلته من التي بمعنى (عَرَفت) صار المعنى ليُعْلَمَ الذي تسنده إليه ما استقر له عندك، وهذا فاسد في المعنى لأنك لست تريد أن تَعْلَم المسند إليه ذلك، إنما تريد أن تُعَرِّفَه المخاطَب فلا يكون منقولاً من التي بمعنى (عَرَفْتُ)، ولا يجوز أيضًا أن يكون

منقولا من (عَلِمْتُ) التي تتعدى إلى مفعولين، لأنك إذا عدَّيت ذلك إلى المفعول الثاني لزم تعدِيَتُه إلى المفعول الثالث، ولا مفعول ثالثًا في الكلام. فإن قلت: يكون مفعولا أول في المعنى مرادًا، كأنك قلت: لِتُعْلِمَ المخاطب الذي تضيف إليه ما استقر له عندك، فذلك فاسد أيضًا لأن المفعول الثالث من هذا الباب يَلزمُ أن يكون المفعول الثاني في المعنى ولا يكون قولك: ما استقر له عندك قولك الذي تضيف إليه قولك فاسد في هذا. فإذا لم يَجُز واحد من هذين الوجهين ثَبَتَ أن قوله: ما استَقَرَّ له عندك بدل من الذي تضيف إليه، ووجدت هذه الحروف في بعض النُّسخ لِتُعْلِمَ من الذي تضيف إليه ما استقر له عندك، وهذا قريب المأخذ لا عمل فيه. قال أبو إسحق: إذا قلت: ظننْتُ زيدًا منطلقًا فالظن منك في المعنى ليس بواقع بزيدٍ لأنك تعلم زيدًا، ولكنك إنما تظن انطلاقه،

فإنما جئت بزيدٍ لِتُعْلِمَ أن الذي ظننتَ له كان يقينًا أو شكًا، فإن قلت (عَلِمتُ) كان يقينًا، أو قلت: (ظَننتُ) كان شكًا. قال: يكون بمنزلة عرفتُ فلا تريد إلا علم الأول. قال أبو علي: أي لا تريد إلا علم المفعول الأول ومعرفته تقتصر عليه دون الثاني. قال: وتقول: ظننت به، جعلْتَه موضع ظنّك. قال أبو علي: الباء في ظننت به لا تخلو من أن تكون ظَرفًا أو زائدة كزيادتها في (كَفى باللهِ)، وبحسبك صنيعُ الخير، فلو كانت زائدة كزيادتها في هذين الموضعين لكان موضعه نصبًا على أنه المفعول الأول، ولو كان كذلك للزمك ذكرُ مفعول ثانٍ، كما أنك لو ذكرت ما يكون قولُك به في موضعه من المفعول الأول لم يَجُز إلا أن تذكر المفعول الثاني فلما اقتصر على (بِهِ) بَطَلَ أن تكون الباء زائدة، فبطل كونها في موضع المفعول الأول، نثبت أنه ظرف إذ ليس قسم ثالث.

هذا باب الفاعل الذي يتعداه فعله إلى ثلاثة مفعولين

هذا باب الفاعل الذي يتعدَّاه فعله إلى ثلاثة مَفْعولين قال أبو بكر: يجوز الاقتصار عندي على المفعول الأول في هذا الباب من حيث جاز الاقتصار على الفاعل في الباب الذي قبله في قولك: رأى زيدٌ لأن المفعول الأول في هذا الباب هو الفاعل في الباب الذي قبله، فمن حيث جاز الاقتصارُ على الفاعل قبل أن تَنقُل الفعل إلى (أفْعل) جاز الاقتصار على المفعول الأول. قال: ولكن كما تقول: يا سارِقَ اللَّيْلَةِ.

قال أبو علي: أوضَحَ بإضافة السارق إلى الليلة أنها غير ظرف وأنها مفعول به على السَّعة، لأن الظروف لا يضاف إليها بل تكون متضمنة الأحداث. قال: وتقول: أعْلمْتُ هذا زيدًا قائمًا العلم اليقين إعْلامًا. قال أبو علي: لا يخلو (قائمًا) في هذه المسألة من أن يكون حالا أو مفعولا ثالثًا، ولا يجوز أن يكون حالا، لأنك إن جعلته حالا لَزِمك أن تجعل: (العِلْمَ اليقين) أو (إعْلامًا) المفعول الثالث، ولا يجوز في واحد منهما أن يكون مفعولا ثالثًا، لأن المفعول الثالث يَلْزَمُ أن يكون المفعول الثاني في المعنى والعلم لا يكون زيدًا، فإذا بَطَلَ أن يكون (قائمًا) حالا ثبت أنه المفعول الثالث، وإذا ثَبَتَ أنه المفعول الثالث ثبت أن (العلم اليقين) ينتصب على المصدر، و (إعلامًا) تكرار المصدر. قال: صارت بمنزلة ما لا يتعدَّى قال أبو علي: يقول: فَعَدّ هذه الأفعال التي يتعدى فاعلها إذا انتهت إلى المصدر والمكان، وهذه الأشياء كما تعدَّى إليها ما لا يتعدى من الأفعال الفاعل، فليس ما تعدي فاعليها من الأفعال بأصف مما لم يتعدَّ فاعليها.

هذا باب المفعول الذي يتعداه فعله إلى مفعول

هذا باب المفعول الذي يتعدّاه فعلُه إلى مفعول قال: وضُرِبَ عبد الله اليومين اللذين تَعْلَمُ لا تجعله ظرفًا. قال أبو علي: لو جُعِل بَدَل اليوم وما أشبههُ اسمٌ غير الظرف لم يَجُز كما جاز في الظرف، وإنما جاز فيه لأن الفعل كان يتعدى إليه وهو ظرف فوقع الاتساع في تقدير انتصابه على أنه مفعول به. قال: واعلم أن المفعول الذي لم يتعدَّ إليه فعل فاعل في التعدي والاقتصار. قال أبو علي: الاقتصار أن تقول: ضُرِبَ زيدٌ، ولا تُعَدِّيه إلى شيء آخر. قال أبو علي: وقوله: لم يتعد إليه فعل فاعل ليس يريد أنه لم يصل إليه فعل فاعل، هو حركة مؤثرة، لكنه يريد أن هذه اللفظة التي هي ضُرِبَ لم تجاوز هذا الاسم المرتفع إلى اسم آخر منتصب كما جاوزه إليه في أُعْطي زيد ونحوه.

قال: لأن معناه متعديًا إليه فعل فاعل وغير متعدٍّ [إليه] فعله سواء. قال أبو علي: يقول: ضُرِب زيد، في المعنى مثل ضَرَبْتُ زيدًا وإن اختلف في تقدير الإعراب، فكما جاز تعدي الفعل إلى المصدر والزمان والمكان إذا تعدى إلى المفعول به الذي هو زيد في (ضَرَبتُ زيدًا)، كذلك يجوز أن يتعدى إلى هذه الأشياء إذا قلت: (ضُرِب زيد) فلم يتعده إلى مفعول به.

هذا باب المفعول الذي يتعداه فعله إلى مفعولين وليس لك أن تقتصر

هذا باب المفعول الذي يتعداه فعلُه إلى مفعولين وليس لك أن تقتصر قال: وذلك قولك: نُبِّئْتُ. قال أبو علي: يجوز الاقتصار على (نُبِّئْتُ) وحدها، لأن الاسم الذي أُقيم فيه مُقام الفاعل هو المفعول الأول من الثلاثة، ألا ترى أن (نُبِّئْتُ) يجوز فيه أن يتعدى إلى مفعول به، وهو في المعنى المفعول الأول من (أنْبَأني الله زيدا أبا فُلان). فأما إذا عَدَّيت نُبِّئت إلى مفعول فلا يجوز الاقتصار عليه دون الثاني من (نَبَّأني اللهُ زيدًا أبا فلانٍ). فكما لا يجوز الاقتصار على المفعول الثاني من هذه المسألة لأنه المفعول الأول من باب (عَلِمْتُ، وظنَنْتُ) وهو الذي القصد في ذكره أن يذكر ما بعده ليُعْلَم، كما كان القصد في ذكر المبتدأ أن يُعلم خبرُه كذلك لا يجوز الاقتصار على المفعول الأول من (نُبئت) لأنه المفعول الثالث من (أعْلَمَ اللهُ) والمفعول الثاني من (عَلِمتُ)، ولا يجوز الاقتصار عليهما دون الثاني والثالث. قال: صيّر المفعول والفاعل حيث انتهى فعلهما.

قال أبو علي: يريد المفعول الذي يتعداه فعله إلى مفعول أو إلى مفعولين نحو: أعْطَيت زيدًا، ونبئت جعفرًا أبا فلان، والفاعل: أي الفاعل الذي يتعداه فعله إلى مفعول أو أكثر. قال: بمنزلة الفعل الذي لا يتعدّى فاعله ولا مفعوله. قال أبو علي: الفعل الذي لا يتعدى فاعله نحو (ذهب) والفعل الذي لا يتعدى مفعوله نحو (ضُرِب زيدٌ). قال: ولم يكونا ليكُونا. قال أبو علي: يعني الفاعل الذي يتعداه فعله، والمفعول الذي يتعداه فعله.

هذا باب ما يعمل فيه الفعل فينتصب وهو حال

هذا باب ما يَعْمَلُ فيه الفعل فيَنتَصِبُ وهو حالٌ قال: ويكون معناه ثانيًا كمعناه أولا إذا قلت: كَسَوْتُ الثَّوبَ. قال أبو علي: معنى الثوب إذا كان مفعولا في قولك: كَسَوْتُ الثوب، كمعناه أولا إذا كان قلت: كُسِيَ الثوبُ، لأنه في كلا الموضعين مفعول في المعنى، وكذلك إذا قلت: كسوت زيدًا الثوب، فمعناه ثانيًا كمعناه أولا، لأنه في كلا الموضعين مفعول به، فأما الحال والاسم المنتصب عليهما فلا يكون معناه أولا كمعناه ثانيا، كما كان المفعول به كذلك. ألا ترى أنك لو قلت: ضُرِبَ قائمٌ، فأقمته مُقام الفاعل كما أقمت الثوب، لخرج عن أن يكون حالا، ولا يخرج الثوب عن أن يكون مفعولا في المعنى في هذه المواضع. قال: يعملُ عَمَلَ غير الفعل. قال أبو علي: يريد بغير الفعل مثله في قولك: لي مثلُهُ عَسَلاً، تقول الذي هو ذَهَبَ في نصبه الاسم النكرة على الحال عمل غير الفعل في نصبه الاسم النكرة على التمييز.

هذا باب الفعل الذي يتعدى اسم الفاعل إلى اسم المفعول

هذا باب الفعل الذي يتعدى اسم الفاعل إلى اسم المفعول قال: وأما (لَيْسَ) فإنه ليس يكون فيه ذلك. قال أبو علي: يقول ليس يستغنى عن الخبر كما استغنى سائر هذه الأفعال. قال أبو إسحق: لا يجوز أن يكون (أَشْنَعًا) خبر كان،

لأنك لا تفيد به، لأن كل يوم ذي كواكب فهو أشنع، وإنما هو حال، ويجوز أن تجيء الحال وإن كانت لا تفيد تجيء مؤكدة، تقول: هذه نارُك حارةً، ولا تقول: كانت ناركَ حارةً. قال أبو بكر: يجوز أن يكون خبرًا من حيث جاز أن يكون حالا لأن الحال أيضًا خبر. قال أبو علي: أنا لا يصلح عندي أن تكون خبرًا، ويجوز أن تكون حالاً لأن الحال آخر ضروبها أن تجيء لازمة للتأكيد كقوله تعالى: (وهو الحقُّ مُصَدِّقًا) و:

أنا ابنُ دارةَ معروفًا. وزيدٌ أخوك بَيِّنًا، وما أشبه هذا مما في الكلام الذي قبله دلالة عليه، وليس الإخبار كذلك، ولم يجئ على هذا، ألا ترى أن الأخفش لا يجيز في الخبر (أحَقُّ الناس بمال أبيه ابنُه) لأن في الأب دليلا على الابن، فكذلك يوم ذو كواكب فيه دلالة على الشَّناعَةِ فلا يجوز أن تجعل (أشنعًا) خبرًا عنه، ويجوز أن يكون حالا من حيث جاز (وهو الحقُّ مُصَدِّقًا) وما أشبه ذلك. وأما قول أبي بكر: لأن الحال أيضًا خبر، فليس الحال بخبر محض إنما هو زيادة في الخبر، فيجوز أن تُصرَف هذه الزيادة إلى التأكيد دون غيره مما فيه الفائدة لأنه يبقى مما يستفاد ما الحال زيادة عليه فإذا صرفت

الخبر بأسره إلى هذه الجهة لم يَصْلُحْ لأنه لا يبقى شيء مما يُستفاد، فيصير ذلك خروجًا عما وُضِعت له الأخبار من الإفادة بها، وليس الحمل على الحال كذلك عندهم، لأن من الحال ما يكون لازمًا مؤكدًا، نحو ما ذكرنا من قوله تعالى: (وهو الحقُّ مصدقًا) ونحوه، وهذا بَيِّنٌ. قال: ومثل قولهم: مَنْ كان أخاكَ قول العرب: ما جاءتْ حاجَتَك. قال أبو علي: ما جاءت حاجَتَك في موضع رفع بالابتداء، وهو استفهام، وجاءت بمعنى صارت في هذه الكلمة دون غيرها، وفيه ضمير ما، (وحاجَتَك) منتصبة لأنها خبر صار وأنَّثَ (جاءتْ) وإن كان فاعله (ما) لأنه في معنى الحاجة، فحمل على المعنى فأنَّث، وإن كان اللفظ مذكرًا كما حمل على المعنى فجمع في قول الله تعالى (ولا يستطيعون) بعد قوله: (ما لا يملكُ لهم)، وكما قُرِئَ (ومن يَقْنُتْ منكنَّ)

أنَّثَ على المعنى، وقال عز وجل: (ومنهم من يستمعون إليك) فجمع على المعنى، وفي موضع آخر (ومنهم من يستمع إليك) على اللفظ، وقال سبحانه: (وكَمْ مِن مَلَكٍ في السموات والأرض لا تغني شفاعتُهم) فجمع على المعنى وإن كان لفظ كم مفردًا، لأنه في المعنى جميع ولا تغني في موضع خبر (كَمْ) والهاء والميم راجع إلى (كم) وفي السموات ظرف ليس بخبر، وقال: (وكَمْ من قرية أهلكناها). فأنَّثَ (كمْ) على المعنى، لأنه في المعنى للقرية، وأفرد الضمير، و (أهْلَكْنا)

الخبر، فإن قلت: ما تذكر أن يكون قوله (أهلكناها) صفة لقرية ولا يكون خبرًا لـ (كم) فذلك لا يجوز من قِبَلِ أنك إن جعلته صفةً لقرية لم تذكر لـ (كم) خبرًا، فيصير: كم من قرية مُهْلَكَةٍ، وليس هذا بكلام تامٍّ، حتى تذكر له خبرًا، فأهلكناها خبر لما ذكرناه، وليس بصفة، وأنثت (كم) على المعنى كما جُمِعَتْ على المعنى في الآية الأخرى ويحتمل أن يكون (أهلكناها) صفة لقرية، وقوله (فَجاءَها) معطوفة على هذه الصفة، والخبر (فما كان دعواهُم)، ويكون دخول الفاء في الخبر كدخوله في (كلُّ رجلٍ جاءني فلَهُ درهمٌ)، و (كم) على هذا التأويل أيضًا محمول على المعنى، لأن الضمير عاد إليه مجموعًا، وأكْرَهُ في هذا التأويل عطف الصفة على الصفة بالفاء، ألا ترى أنه يَبْعُدُ (هذا رجلٌ ظريف فَشَريف)، فكذا يبْعُدُ هذا التأويل لقوله عز وجل: (فجاءها بأسُنا). ويحتمل أن يكون (أهلكناها) صفة، ويكون الخبر (فجاءها) كقولك: كلُّ رجلٍ. قال أبو علي: وفيه نَظَرٌ أكثرُ من هذا. و (كَمْ) في كلا الآيتين خبر، فهذه جمل من الحمل على المعنى دون اللفظ.

قال: ومن يقول من العرب (ما جاءتْ حاجَتُك) كثير كما يقولون: مَن كانت أمُّك؟ قال أبو علي: مَن قال: (ما جاءت حاجتُك) فرفع الحاجة، صار (ما) في موضع نصب، كأنه قال: أأَكْلاً كانت حاجَتُك، فصارت التاء في جاءت للحاجة، وقولك: مَن كانت أمُّكَ؟ بمعنى أَهِندًا كانت أمك. قال: ولم يقولوا: ما جاء حاجتُك. قال أبو علي: يقول: إذا صار (جاء) فاعله ضمير (ما) لم تحذف علامة التأنيث من الفعل، وإن كان لفظ (ما) مذكرًا كما تحذف العلامة من (كان) إذا صار فاعله ضمير (مَنْ) لأن هذه الكلمة جرت مجرى الأفعال. قال: ومثل قولهم: ما جاءت حاجَتَك، إذ صارت تقع على مؤنث قراءة بعض القراء: (ثُمَّ لم تكن فِتْنتَهم).

قال أبو علي: يقول: فأنَّث (أنْ قالوا) وإن كان مذكرًا، لأنه في المعنى الفتنة، فكذلك أنث (ما) وإن كان مذكر اللفظ لأنه في معنى (الحاجة)، إلا أن التأنيث في (ما) وحملها على المعنى أحسن من حمل (أنْ قالوا) ونحوه من الأسماء غير المبهمة، لأن المبهمة قد تحملُ على المعنى كثيرًا في غير الضرورة، ولا يُحْمَل غيرها عليه، ألا ترى أن (ما) قد جُمِع، فعاد ضميره إليه، كضمير الجماعة في قوله عز وجل: (ولا يستطيعون) بعد قوله (ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقًا)، وليس ذلك في غير المبهمة وقد حُمِل غير المبهمة أيضًا على المعنى وجاء، إلاّ أنّه في ضرورة الشعر كقوله: ..................... ثلاثُ شُخُوصٍ كاتِبانِ وَمُعصِر

فأنث الشخوص لما كانت في المعنى نِساءً. قال: اجْتمعت اليمامة. قال أبو علي: يقول: كأنْ يقول: اجتمعت اليمامة كثيرًا، فيؤنث الفعل لأنه لها، ثم أدخل بين الفعل وبين اليمامة (أهْلُ) فأقحمه وجعله يجري على الكثرة التي كان يجري عليها قبل إدخاله الأهل في الكلام، وكذلك كأن يدعو (طَلْحَةَ) أكثر ما كان يدعوه مُرَخّمًا وكذلك ما أشبه (طلحة) ثم أدخل علامة التأنيث، وأجْراه على ما كان يكون عليه في الكثرة، فأقْحم الهاء بين الحاء وبين الفتحة التي كانت تكون على الحاء إلى الهاء المقحمة بينها وبين الحاء، فانفتحت الحاء لأن هذه التاء إذا أُلحقت اسمًا فُتحت ما قبلها، فالفتحة في الحاء من قولهم (يا طلحَة) غير

الفتحة التي كانت عليها في حال الترخيم، لأن تلك قد انتقلت إلى الهاء على مذهبنا. قال أبو علي أيضًا: كأنه قال: يا طَلْحُ فسكَّن الحاء وأقحم الهاء بالحركة التي كانت في الحاء بالحركة التي تَلْحق الحرف الذي يقع قبل الهاء في شجرة.

هذا باب يخبر فيه عن النكرة بالنكرة

هذا باب يُخْبَرُ فيه عن النكرة بالنكرة قال: وذلك قولُك: ما كان مثلُك أحدًا. قال أبو علي: (مثلك) وإن كان مضافًا إلى معرفة فهو نكرة، لأن الذي يُعَرِّف الاسم هو التخصيص، والإشارة إلى مختص، أو نوع بعينه وإذا أُضيف المثل إلى معرفة لم يَخُصَّ شيئًا بعينه لكثرة ما يجوز أن يقع فيه التّماثُل من المثلين. قال: ولا يجوز لأحد أن يضعه في موضع واجبٍ. قال أبو علي: (أحدٌ) يجري على ضربين:

أحدهما: يراد به (واحدٌ) كقولك: أحدٌ وعشرون، أردت واحدًا وعشرين، فالهمزة بدل من الفاء التي هي (واو) وهذا يقع في الإيجاب كما يقع في النفي، لأن (واحدًا) الذي هو في معناه كذلك أيضًا، وعلى هذا قول الله عز وجل (قُلْ هو الله أحدٌ) تقديره الأمرُ اللهُ واحدٌ فهذا الضمير في المبتدأ نظير الهاء الظاهرة في قوله: (مَنْ يأتِ رَبَّه مُجرمًا)، (وأحدٌ) بمعنى واحد، مثل قوله: وقدْ بَهَرَتْ فما تَخفى على أحدٍ ... إلاّ على أحدٍ لا يعرفُ القَمَرَا أي إلا على واحد. والضرب الثاني من ضربَيْ (أحدٍ) أن يقع حيث يراد العموم نفيًا

كان أو إيجابًا بعد أن يكون بمعنى الجماعة، كقولك في الإيجاب: (كلُّ أحدٍ يعلم هذا) أو (كل أحد جاء فَلَه درهمٌ). فهذا الإيجاب. وأما وقر به في النفي وغير الإيجاب فقولك: (ما جاءني من أحدٍ وهل من أحدٍ)، ويدلك على وقوعه بمعنى الجميع قوله تعالى: (فما منكم من أحدٍ عنه حاجزين) فجمع، وقوله سبحانه: (وإنْ من أهل الكتاب إلا لَيؤمنن به قبل موته) ثم قال: (ويوم القيامة يكون عليهم شهيدًا)، والمعنى: وإن من أهل الكتاب أحد، ومثله (وإن منكم إلا واردُها)، ثم قال: (ثم ننجِّي الذي اتّقَوْا). قال: فكلما قدَّمْتَهُ كان أحسن، لأنه إذا كان عاملا في شيء قدمته. قال أبو علي: يعني إذا كان الظرف عاملا في شيء فتقديمه أحسن كما أن تقديم (ظننت) إذا كان عاملا أحسن، وإنما يكون الظرف عاملا عند سيبويه إذا جعل فيها خبرًا غير ملغى كقولك: (فيها زيدٌ قائمًا) وعمله بمعنى الفعل الذي فيه، وإنما جاز ذلك فيه لقيامه مقام الفعل المحذوف النائب هذا الظرف عنه، وكأنك قلت: (زيدٌ استقرَّ فيها قائمًا)، ففيها

على هذا الوحه هو الذي سمّاه سيبويه المُستقَر، فإذا لم تجعله مستقرًا، وقلت: فيها زيدٌ قائم، فلا محذوف في الكلام، ولا إرادة في استقرار، لكن يكون على ظاهره، وقولك: (فيها) مُتعلَّقٌ، وفي موضع نصب به فنُصِب (قائم) على هذا الوجه، وهذه الشريطة ممتنع محال، ألا ترى أنك لو نصبْت (قائمًا) على هذا لكنت قد أحلت من جهتين: إحداهما: أن الكلام يبقى المُخبَر عنه فيه بلا خبر، لأن زيدًا لا خبر له. والأخرى: أنك نصَبْتَ (قائمًا) ولا عامل هنا في الكلام يعمل فيه فينصبه، ألا ترى أن (زيدًا) وحده لا ينتصب عنه الحال، إنما ينتصب عن جملة فيها معنى فعل، فتأمَّل ذلك يَصِحُّ لك إن شاء الله تعالى.

هذا باب ما أجري مجرى ليس

هذا باب ما أُجْرِي مجرى ليس قال: لا يكون (لاتَ) مع الحين إلا مضمرًا فيها مرفوع. قال أبو علي: يقول: لم يُستعمَل لاتَ إلا مضمرًا اسمها الذي هو مُحدَّثٌ عنه في الجملة التي فيها لات، لا في نفس لات لأن الحروف لا يضمر فيها على شريطة التفسير، ولا بعد تقدُّم الذكر كما يُضمر في الفصل على شريطة التفسير، كقولك: نِعمَ رجلاً زيد، وبعد تقدم الذكر كقولك: بكرٌ ضرب عَمْرًا فلا يقال في الحرف: عمروٌ ما منطلقًا. قال: ونظير (لاتَ) في أن لا يكون إلا مضمرًا فيه: (لَيسَ) و (لا يكونُ) في الاستثناء. قال أبو علي: هو نظيره في أن الاسم المُحَدَّث عنه مضمر لا يجوز

إظهاره في (ليس) و (لا يكون) إذا استثنيت بهما، لأن اسميهما لا يستعمل إظهارهما، كما لا يستعمل إظهار اسم (لاتَ) فإنما اتفقا في أن المُضمر لا يستعمل إظهاره، لا في موضع الإضمار لأن الإضمار في (ليس) و (لا يكون) في الفعلين أنفسهما، ولا في (لاتَ) في النية والجملة دون نفس الحرف. قال أبو علي: (لاتَ) هي (لا) زيد فيها حرف التأنيث نحو: ثُمَّ، وثُمَّتَ، ورُبَّ، ورُبَّتَ. قوله: فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم.

قال أبو علي: قَدَّر سيبويه انتصاب (مِثْلهم) في بيت الفرزدق هذا أنه خبر لما نُصِب مُقَدَّمًا كما يُنصب مؤخرًا، وقدّره المازني على أنه

منتصب على الحال للخبر المضمر، كأنه في التقدير: وإذ مافي الدنيا أو في الوجود مثلهم بَشَر، كما يقول: فيها قائمًا عمرو. قال أبو علي: هذا الإضمار حكمه أن يقدَّر قبل (مِثلَهم) ولا يُسَوّغ تقديره بعده من حيث لا يجوز (قائمًا فيها عمرو) وإذا لم يسغ إعمال هذا العامل مذكورًا إذا تأخر عن ما يعمل فيه، فإن لا يعمل محذوفًا أجدر، لأن ما يعمل مضمرًا أضعف مما يعمل مظهرًا ألا ترى أن الفعل إذا أظهرته صَلَحَ تقديم معموله وتأخيره، وإذا أضمرته في نحو (في الدار زيدٌ قائمًا) لم يَجُزْ تقديم (قائمًا) على (في الدار)، كما كان يجوز لو أظهرته، وكذلك إذا لم يَجُز التقديم فيه مُظهرًا ينبغي ألا يجوَّز إعماله مضمرًا لِضعفه. فإن قال قائل: ألَيْسَ قد قال سيبويه إنهم إذا أعملوا شيئًا مظهرًا أعملوه مضمرًا؟، قيل له: قد قال ذلك، إلا أن ذلك لا يلزم إضماره

هنا وإعماله، وذلك أنه قائم مقام شيء محذوف والمحذوف هو الأصل، وهذا فرع وقائم مقامه، فلا يسوغ أن يضمر كما أضمر الأصل، لأنه لا يكون حينئذ للأصل مَزِيَّةٌ على الفرع، ولأنه إذا جاز أن يعمل مضمرًا فكذلك يجب أن يُنصب مؤخرًا، كما ينصب الفعل مؤخرًا، وهذا فاسد عندهم، فكما لم يَجُز إعمالُه مُؤخرًا كذلك لا يجوز إضمارُه. قال أبو بكر: والقول عندي فيه أنه لَمّا استعار لُغة غيره لم يدرِ كيف استعمالُهم لها، فقدَّر أنهم يُجْرونَها مثل (ليس) في جميع الأحوال، في التقديم والتأخير فغلِطَ. قال: وهو كقول بعضهم: مِلحفةٌ جديدةٌ في القِلَّةِ قال أبو علي: (جديدةٌ) (فعيلٌ) في معنى (فاعِلٌ)، فأكثر استعمالها بغير الهاء، وإنما كان كذلك لأنهُ لَمّا كان على (فَعِيل) جعلهُ بمنزلة (فَعولٍ) لأنه يكون للكثرة كما أن (فَعولا) يكون كذلك، فلم

يدخُل في مؤنث (فَعيلٍ) الذي هو في معنى (فاعلٍ) في هذا الحرف (التاء)، كما لم يدخُل في (فَعولٍ). ومثلُ (جديدٍ) في أنه أُجْرِيَ مُجرى (فَعولٍ) فلم تدخل فيه تاء التأنيث في المؤنث حروف أُخرُ وهي: سدِيسٌ، وكتيبةٌ خَصيفٌ

وريح خَريق، حكى ذلك في الجمع؛ فلما كان الاستعمال في هذا في الأمر الأكثر ترك التاء في التأنيث فيه، صار قولُ من قال: مِلحفةٌ جديدة، فأدخل في المؤنث التاءَ شاذًّا عن الاستعمال قليلا، كما أن قول مَنْ قال: (لاتَ حينُ مناصٍ)، وإذا ما مثلهم بشرٌ قليل، وكما أُجري (فعيلٌ) مجرى (فَعولٍ) في هذا الموضع فلم يؤنث كما لم يؤنث (فَعُول)، كذلك أُجري مجراه في أن أُفرِدَ في موضع الجمع، كما أُفرد، فإفرادهم (لفَعيلٍ) نحو قوله تعالى (وحَسُنَ أولئك

رفيقًا) وقول الشاعر: دعْها فما النّحويُّ مِن صديقِها وإفرادهم للقول نحو (عَدوّ) قال تعالى: (وإنْ كان من قوم عدوٍّ لكم)، وقال تعالى: (إنّ الكافرين كانوا لكم عدوًّا مبينا)، أما قوله تعالى: (إنّا رسولُ ربك)، فقد كتبناه في موضع آخر. قال: فجعَلتها (لا) التي للإشراك.

قال أبو علي: معنى قوله (لا) التي للإشراك، يريد بالإشراك هنا اعتبار اللفظ لفظ المعطوف والمعطوف عليه في الإعراب، لا اعتبار المعنى لأن قولك: ما عبدُ الله خارجًا، ولا مَعْنٌ ذاهب، مشتركان في النفي أيضًا وإن اختلفا في الإعراب. قوله: هَوِّنْ عليك فإن الأمورَ بِكَفِّ الإله مقاديرُها. قال أبو علي: مَن رفعَ قوله (قاصرٌ) قَطَعَه من الأول، وجعله خبرًا لقوله: (مأمورُها)، ومأمورها مبتدأ، ومن جَرَّه فقال: ولا قاصرٍ فتقديره على ما قال سيبويه: ما مَنْهِيُّها بِآتيكَ، ولا قاصِرٍ

مأمورها فَرَدَّ الهاء من (مأمورها) إلى المنهيِّ وإن كان المنهي مذكرًا في اللفظ لأنه مضاف إلى مؤنث، فتقديره إذا حذفْتَ خبر الاسم الأول من الكلام على حسب ما يسير به الباب (ليس منهيُّها بقاصرٍ عنك مأمورها) وإنما قَدَّرَه هذا التقدير لِيُخَلِّصَهُ به من أن يكون قد عَطَفَ على عاملَين لأنه إذا قَدَّره هذا التقدير لم يقع عطف على عاملين كما يقع إذا لم يُقدَّر الهاء من (مأمورها) راجعةً إلى المنهي، فلهذا تَأوَّل هذا التأويل، وأما من رأى العطف على عاملين فإنه لم يردّ الهاء من (مأمورها) إلى المنهي، ولم يحتج هذا التأويل، ولم يُقدِّر أيضًا (ليس) تقديرها كما قدّر سيبويه، ولم يكن يجعل (مأمورها) مرتفعًا بالعطف على اسم ليس بالواو، ويخْفِضُ قوله: قاصرٍ بالعطف على الباء. فَعَطَفَ بالواو هذين الاسمين على هذين العاملين، وهو قول الأخفش، ومن نَصَبَ (قاصرًا) حمله على موضع (بآتيك) لأن موضعه نصب، ورفع قوله (مأمورها) بالعطف على (ليس)، وتقديره: ليس منهيُّها بآتيكَ، ولا مأمورها قاصرًا عنك.

هذا باب ما يجري على الموضع لا على الاسم

هذا باب ما يجري على الموضع لا على الاسم قال سيبويه: ولو قلت: ما زيدٌ على قومِنا، ولا عندنا كان نصب ليس غير. قال أبو العباس: إنما لم يَجُزْ حمل (عِندَ) على (عَلى) لأن (عند) أعَمُّ من (على) و (على) أخصُّ منها، ألا ترى أنها تقع على الجهات الست و (على) لجهة مخصوصة، فلو أدخلت (على) عليها لأخْرَجَتْها من بابها. قال: لأنه ليس في الكلام، وبِفَوْقِهِ. قال أبو إسحق: لا يمتنع جرُّه في القياس لأن (فَوْقَ) اسم مُتَمَكِّنٌ ليس مثل (عِندَ).

قال أبو علي: إذا قلت: ما زيدٌ كعَمرو ولا شبيهًا به، فالمعنى أنه ليس مماثلا له ولا مشابهًا، فإذا جرَّ (شبيهًا به) فالمعنى أنه قد أثْبَتَ له شبيهًا وبقى أن يكون مثله. وقال أبو علي في قوله: ............ وليس كلُّ النَّوى يُلقي المساكينُ

قال سيبويه: فجعلت الذي يعمل فيه الفعل الآخر يلي الأول. قال: يعني بالذي يعمل فيه الفعل الآخر (كلُّ النَّوى) لأنه معمول يُلْقي ويُعنى بالأول (ليس). قال: ولو قلت: كان زيدًا الحُمّى تأخذُ، أو تأخذُ الحُمَّى لم يَجزْ. قال أبو علي: لا يجوز ذلك، لأنك فصَلْتَ بين (كان) واسمها بمعمول معمولها، وهو (زيدٌ) الذي هو مفعول (تأخذُ) الذي هو مفعول (كان) تصحيح المسألة: أن تقول: كان زيدًا الحمّى تأخذُ، فتحذف علامة التأنيث وتُضمر الحديث في كان، وتصير الجملة التي هي (الحمى تأخذ) في موضع نصب، ولو قدَّمت فقلت (كانت تأخذ زيدًا الحمى)

لكان جيدًا، لأنك لم تفصل بين (كان) واسمها بمعمول معمولها، إنما قدمت الخبر على الاسم فصار بمنزلة كان منطلقًا زيد، ولو قلت (كانت زيدًا الحمى تأخذُ)، فجَعَلت علامة التأنيث في الفعل لغير الحمى لكان حَسَنًا، ومثله قوله عز وجل (فإنها لا تعمى الأبصار)، فالها ضمير القصة وكذلك تجعل (كانت) فاعلة القصة ولا تجعلها للحشو. قال سيبويه: وقال بعضهم: كان أنتَ خيرٌ منه. قال أبو علي: تَعْلمُ من هذا ضرورة أنّ في (كان) ضميرًا، ولولا ذلك لا تصل بها الضمير، وكانت تاءً لم تنفصل. قال: ولا يجوز أن يقول: ما زيدًا عبدُ الله ضاربًا.

قال أبو علي: يريد: من قال: ليس زيدًا عبد الله ضاربًا على أن يُضمر في ليس القِصة والحديث، لم يقول في (ما) الحجازية: ما زيدًا عبد الله ضاربًا، وإن كانت مثل (ليس) في أنها تنصب وترفع لأن الضمير الذي يكون في ليس وأخواتها، ويقدر فيه لا يسوغ في (ما) ألا ترى أنه لا يجوز (زيدٌ ما منطلقًا) فإذا لم يجز الإضمار فيها كان جاز في (ليس) لم تَجُز هذه المسألة للفصل بينها وبين اسمها بما هو أجنبي منها. قال: وكان هذا أحسن من التقديم. قال أبو علي: يريد أن إضمار الهاء في (عارِفٌ) ورفع (كلّ)

على أنه اسم مبتدأ أحسن من نَصْب (كل) وتقدير التقديم والتأخير، لأنه إذا نَصَبَ قَدَّر كلاًّ مؤخرًا، وجعل (ما) تميميّة.

هذا باب ما يعمل عمل الفعل ولم يجر مجرى الفعل ولم يتمكن تمكنه

هذا باب ما يَعمل عمل الفعل ولم يَجْرِ مُجرى الفعل ولم يتمكّن تمكُّنَه قال: وذلك قولك: ما أحْسَنَ زيدًا. قال أبو علي: (ما) اسم مبتدأ، وأحسن خبرُه، وموضعُ (ما) رفع بالابتداء، وفي (أحسن) ضمير (ما) فزيدٌ منتصب بأحسن وتقديره: رجل ضَرَب عَمْرًا. وإنما كانت (ما) اسمًا بلا صلة، لأنها إنما تُوصل حيث يراد بها التَّخصيصُ والإشارة إلى واحد بعينه، فأما إذا أُريد بها الإبهامُ لم توصل، كما لم توصل في الاستفهام والجزاء لَمّا لم ترد بالموضعين التَّخصيص كذلك المُتعجَّبُ منه مُبهمٌ غير مخصصٍ، وكذلك كان حكمه أن يكون، لأنها لو وصلت وحُصِرت بالصلة لصار معروفًا، وخرج أن يكون متعجبًا منه، فحكم التعجُّب أن يكون مبهمًا، لأنه إذا خُصِّص فعرف لم يكن تَعجُّبًا، فإبهامه أفخم له من تخصيصه، فكما لم يوصل في

الاستفهام والجزاء كذلك لم توصل هاهُنا، وقد جاءت (ما) غير موصوله في غير الجزاء والاستفهام، وذلك إذا كانت نكرةً كالتي في قوله عز وجل: (بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا)، فما هذه عندهم نكرة يقدرونها: بئس شيئًا اشتروا به أنفسهم كُفْرُهم كما يقدرون: ما أحسن زيدًا شيءٌ أحسن زيدًا، وموضع (ما) نصب في الآية، فأما قوله: (اشتروا به)، فصِفةٌ له غير صلة. قال أبو علي: الأفعال التي لا تتعدى إلى مفعول إذا نُقلت بالهمزة تعدت إلى مفعول، والمتعديةُ إلى مفعول إذا نقلت بها تعدَّتْ إلى اثنين، فيقول القائلُ: هلاّ تعدت الأفعالُ المتعدية إلى مفعول في التعجب إذا نُقلت بالهمزة إلى مفعولين كما تعدت في غير التعجب؟ فقيل على هذا: ما أضْرَبَ عَمرًا بَشَرًا، كما تقول: ضربتُ عمرًا بشرًا؟ فالجواب: إن الأفعال المتعدية تساوي الأفعال غير المتعدية في التعجب، وذلك أن الفعل ليس يقع في هذا الباب حتى يكثر من فاعله، فيصير لذلك بمنزلة

ما كان غريزة، وهذا الضّرب من الأفعال هو غير متعدٍّ فالنقل يقع في التعجب في الأفعال كلهما مما لا يتعدى إلى مفعول لما ذكرنا. والأفعال غير المتعدية إذا نُقلت بالهمزة تعدت إلى مفعول واحد، فَضَرَب وما أشبهه في باب التعجب غير متعدٍّ؛ فإذا نُقل بالهمزة تعدى إلى مفعول واحد، فإذا تعدى إلى مفعول واحد وأُريد تعديته إلى مفعول ثان عُدِّيَ بحرف الخفض، كما أن الذي لا يتعدى إلى مفعول واحد إذا أريد تعديه عدي بحرف خفض فنقول على هذا إذا أردت تعديته إلى مفعول ثان (ما أضْرَبَ زيدًا لِعَمرو) ولا يجوز (ما أضرب زيدًا عَمْرًا) لما ذكرنا كما لا يجوز (أكْرَمْتُ زيدًا عَمْرًا) ليساوي (ضَرَبَ) في هذا الباب (كَرُمَ) وكذلك سائر الأفعال المتعدية إلى مفعولٍ، تساوي في نقلك إيّاه بالهمزة ما لا يتعدى إلى مفعول.

هذا باب الفاعلين والمفعولين اللذين كل واحد منهما يفعل بفاعله مثل الذي يفعل به

هذا باب الفاعلين والمفعولَيْن اللذين كل واحدٍ منهما يفعل بفاعله مثل الذي يفعل به قال: وعلى هذا الحَدّ تقول: ضَرَبْتُ وضَرَبَني عبد الله. قال أبو علي: يقول: تجعل عبد الله بدلاً من المضمر في ضربني كما جعلت (قومُك) بدلا من الواو في ضَرَبُوني. قال: فإن فَعَلْت ذلك لم يكن بدٌّ من (ضَربُوني) لأنك تضمر فيه الجمع. قال أبو علي: إذا أبْدَلت قومك من المضمر المنصوب كما أبدلته

من المرفوع قلت: ضربوني، فجَمعت الضمير لأنه للقوم وليس لواحد فلا تجمعه، فإن لم تجمع الضمير وقلت: ضَرَبني وضَرَبْتُهم قومُك تركت الفعل بلا فاعل.

ومن باب ما يكون فيه الاسم مبنيا على الفعل قدم أو أخر

ومن باب ما يكون فيه الاسم مبنيًا على الفعل قُدِّمَ أو أُخِّرَ: قال: ومثل ترك إظهار الفعل ها هنا ترك الإظهار في الموضوه الذي تقدّم فيه الإضمار. قال أبو علي: يريد: إنَّ هذا الفعل الناصب لزيد في قولك: زيدًا ضربْتُهُ فعل مضمر لا يظهر، لتفسير الفعل الثاني له، كما لا تظهر الهاء التي هي ضمير القصة والحديث في نحو قوله عز وجل: (إنّه من يأت ربه مجرمًا)، لأن ما بعده مفسر له، ودالٌّ عليه. وكذلك المضمر في نِعْمَ من قولك (نِعْمَ رَجلاً) والهاء في قولهم: (رُبَّه رجلاً) كل هذا من المضمر الذي لا يظهر لتفسير ما بعده له، ودلالته عليه، وقد نَصَّ سيبويه هنا على أن المضمر في (نِعْمَ) على شريطة التفسير لا يظهَرُ، فليس لما اعترض به سيبويه وجهٌ في باب نِعم وبِئسَ لأنه لا يوجد فيما أُضمر على شريطة التفسير شيء يجوز إظهاره، وقد شرحنا هذه المسألة واحتججنا فيها في بعض أجزاء النوادر.

قال: إذا ابنُ أبي موسى

قال أبو علي: (إذا) هذه تضاف إلى الأفعال، وهي ظرف من الزمان ومعناها على ذلك، أعني أن تدخل على الأفعال، لأن معناها الشرط والجزاء، وقد جُوزِيَ بهما في الشعر، فإذا وقع بعدها اسم مرتفع فليس ارتفاعه بالابتداء، ولكن بأنه فاعل، والرافع له يفسره الفعل الذي بعد الاسم، وعلى هذا يُقَدَّر قوله: (إذا السماء انشقت) وما أشبهه، وكذلك حكمها في البيت أن يليها الفعل لما ذكرنا، فإذا وَلِيَها نُصِبَ الاسم الذي هو (ابْنَ) فصار على تقدير: (إذا بَلَغْتِ ابن ابي موسى) فيصير النصب على هذا الوجه، وإن رفعته فليس على الابتداء ولكن على إضمار فعل هذا الظاهر تفسيره، كأنه قال: إذا بَلَغَ ابنُ أبي موسى، وفسره بَلَغْته كما فسَّر الناصب. قالك لأنَّ أُعطيت بمنزلة ضَرَبْتُ.

قال أبو علي: لأن (ضَرَبْتُ) فعل فاعل يتعدى إلى مفعول واحد، كما أن أعطي فعل مفعول يتعدى إلى مفعول واحد، وإنما صار (أُعْطِيَ) يتعدى إلى مفعول واحد، لأن الأفعال كلما نُقِلَتْ إلى ما لم يُسَمَّ فاعله نَقَصت مفعولا واحدًا، لأن المفعول فيه يقوم مقام الفاعل فإذا لم يتعد الفعل إلى مفعول لم يَجُز أن تبني منه فعلا للمفعول الذي لم يُسَمَّ فاعله إذ ليس له منه فعل. قال: كأنك قلت: أيُهمُ ترَ تَرَهُ يأتِك، فهو مثل زيدٍ في هذا. قال أبو علي: أي في أنك إذا شَغَلْتَ عنه الفعل ارتفع وإذا لم تشغله عنه تسلّط عليه، فإذا شغلت عنه الفعل جاز نصبه أيضًا على إضمار فعل (تَرَهُ) تفسيره. قال: وقد يفارقه في أشياء، أي يفارق (أيُّ) (زيدًا) ونحوه في الجزاء والاستفهام ومواضع أُخر.

ومن باب ما يجرى مما يكون ظرفا هذا المجرى

ومن باب ما يجرى مما يكون ظرفًا هذا المجرى قال: فَخَرج من أن يكون ظرفًا. قال أبو علي: قوله: فخرجَ من أن يكون ظرفًا يعني أنه لم ينتصب كما ينتصب الظرف لا أنه خرج في المعنى من أن يكون ظرفًا حاويًا للأحداث والأجسام، بل هذا المعنى في كل الأحوال قائم فيه موجود. قال: كأنه قال: (ألْقاك يومَ الجمعةِ) فنَصَبه لأنه ظرف ثم فسَّر فقال: ألقاك فيه.

قال أبو إسحق: إذا قال (يومَ الجمعة ألقاك فيه) فإن نَصَبَه على الظرف أضمر (في) كأنه قال: (ألقاك في يوم الجمعة) وإن نصبه بالفعل فكأنه قال: (ألقاك يومَ الجمعة). قال: والنصب في (يومَ الجمعة صُمْتُه)، (ويوم الجمعة سِرْتُهُ) مثله في قولك (عهدُ الله ضَرَبْتُهُ). قال أبو علي: صورة ما يَنْتَصِبُ على أنه ظرف من هذه الأسماء كصورة ما ينتصِبُ منها على أنه مفعولٌ فيه، إلا أن الذي يَنفصِلُ به كل واحدٍ من صاحبه موضعُ الكنايةِ، فلو قُلت: (صُمْتُ يومًا) فنصبتهُ نصبَ المفعول لَقُلْتَ إذا كَنَّيْتَ عنه: (صُمْتُهُ). ولو كنيت عنه وقد جعَلْتَهُ ظرفًا لقلت: (صُمْتُ فيه). وهذا التَّوسُّع إنما وقع في الظرف، فأمّا الأسماء التي هي غير ظُروفٍ فلا تتعدى إليها الأفعالُ غيرُ المتعدية على أنها مفعولٌ بها كما تتعدّى إلى الظروف على أنّها مفعول فيها فتسميةُ الفعل الذي لا يتَعَدّى إلى مفعولٍ، إمّا توسُّعُ فيه ما يتعدى إلى مفعولٍ ويُشبِه ما يتعدى إلى مفعول إذا تَوَسَّع فيه ما يتعدّى إلى مفعولين، وما يتعدى إلى مَفْعولين إذا توسَّعَ فيه ما يتعدى إلى ثلاثة مفعولينَ، فأما الذي يتعدى إلى ثلاثةِ مفعولينَ فلا يجوزُ أن ينتصب فيه الظرف نصب لمفعولٍ به، لأنه ليس

فعلٌ يتعدّى إلى أربعة مفعولين بهم، فيُشبِهُ قولك: (اليومَ أعْلَمْتُهُ زيدًا عَمْرًا منطلقًا)، فتصحيحُها: (اليومَ أُعْلِمْتُ فيه). قوله: ثلاثٌ كلُّهنّ قتلتُ عمدًا. قال أبو علي: أنْكَرَه سيبويه. قال أبو إسحاق: إنما أنكره أبو العباس لأنه أكَّد النكرة بالمعرفة فهذا لا يجوزُ، ولكن إن جعلتهُ بدلاً جاز، وأجْوَدُهُ أن يروى:

ثلاثٌ كُلَّهُنَّ قَتَلْتُ ... ... وأهل الكوفة يجيزون أن تؤكَّدَ النكرة بالمعرفة في (كلٍّ) خاصَّةً يجيزون: رأيتُ ثلاثًا كُلَّهُنَّ، ولا يجيزون: رأيتُ رجلاً نفسَه. قال أبو بكر: يجوز أن يكون (ثلاثٌ) مبتدأ، وكُلُّهُنَّ مبتدأ ثان وقتلتُ: خبر كلّهُنَّ، وهما جميعًا خبرُ المبتدأ الأول، والعائدُ إلى المبتدأ الثاني المحذوف من قتلت، كأنَّه [قال] قتلته أو قتلتهم. قال أبو علي: قُلت: ثلاثٌ مبتدأ، وكُلُّهنّ قتلت: خبرٌ كأنه في تقدير: زيدٌ أخاهُ ضَرَبْتُ.

ومن باب ما يحمل فيه الاسم على اسم بني على الفعل مرة

ومن باب ما يُحمل فيه الاسمُ على اسمٍ بُنِيَ على الفعل مرَّةً قال أبو علي: حكم المعطوف أن يكون على لفظِ المعطوف عليه. إن كان اسمًا فالمعطوفُ عليه اسمٌ، وإن كان المعطوف فعلاً، فالمعطوفُ عليه فعلٌ، فإذا جاءت الجملة مركبةً من فعلٍ وفاعلٍ، ووقعت بعدها جملةٌ يجوز أن يُبتدأ بها نحو (زيدٌ كَلَّمْتُهُ) فالاختيار فيها أنْ تُحْمل على فعلٍ مُضْمرٍ، وينصبُ الاسمُ به ليقع العَطْفُ في جملة مُشاكلة للجملة الأولى في أنّه مِنْ فعلٍ وفاعلٍ لأن المركبة مِن فعل وفاعل أشبهُ من المركبة مِنَ المبتدأ وخبرِه. قال: ولولا أنه كذلك ما قُلْت أزيدٌ أنتَ ضاربُه. قال أبو علي: يقول: يفسر (ضارِبُ) غير منون الفعل تفسيره له إذا كان منونًا، وإذا كان منونًا جرى مُجرى الفعل، وكذلك إذا لم ينوَّن جرى مجرى المُنَوَّن في باب تفسيره للمضمر، والمنون يجرى مجرى الفعل فهذا أيضًا يجرى مجراه.

قال: ومثل ذلك قولك: أرأيتَ زيدًا؟ فتقول: لا، ولكِنْ عَمْرًا مَرَرْتُ به. قال أبو علي: فإنْ شَغَل الفعل بالضمير فقال: أيُّهم رَأيْتَهُ كان في جوابه ضربان: إنْ حَمَلَه على الاسم المبتدأ رَفَعَ، فقال في جواب (أيهم رأيتَه) (عمرو رأيتُه)، فهذا على قولك (بِشْرٌ لَقيتُهُ، وعمروٌ كلّمْتُهُ). وإن حملته على الاسم المبني على الفعل نَصَبْتَ، فقلت في جواب (أيهم رأيْتَهُ): (عَمْرًا رأيتُه)، فهذا على قولك: (عمرو لقيتُه وبشرًا كلمتُه) يُحمل الفعل مرة على الجواب على موضع (أيّ)، وأخرى على موضع الهاء كما فَعَلْتَ ذلك في العطف، فإذا لمْ تُشْغِل الفعل بالضمير في قولك: مَنْ رَأيتَ؟ فالاختيارُ.

والوجه (عَمرًا رأيتُه)، لأنه مثل (عَمرًا ضَرَبتُ، بِشرًا كلمتُه) وليس ها هنا مبتدأ، تَحمِل الاسم المبتدأ من الجملة الثانية عليه. فإن قلت: أيُّهم رأيتَه، فالوجه فيه الرفع، وإن نصبْتَهُ كان على إضمار فعل يفسره (رأيتَ) وذلك الفعل مضمر بعد (أيّ) وتقديره إذا أُظْهِرَ (أيَّهم رأيتَ رأيْتَهُ)، وكذلك تقدير هذا في الضمير في كل موضع لا يجوز فيه أن يتسلَّط على الاسم الفعل الذي قبله. قال أبو علي: نَصَبَ قوله: (أما زيدًا فَضَرَبتُهُ) على إضمار فعل يفسره هذا الظاهر، وموضع إضمار هذا المفَسَّر بعد الفاء تقديره (أما زيدًا فَضربتُ ضَرَبتُهُ) وإنما أضمرته في هذا الموضع عِبرةً للظاهر ألا ترى أن الفعل لا يقع بعد (أمّا) ولا يلي (أمّا) وإنما يقع بعد الفاء، فكذلك تقدير الإضمار. قال: وكذلك: ما أحسَنَ عبدَ الله، وزيدٌ قد رأيناه إلى آخر الفصل.

قال أبو علي: (أفْعَل) في التعجب، وإن كان فعلا فقد قَرُبَ شَبهُهُ من الاسم، فَبَعُدَ بذلك عن شبهه الفعل، ألا ترى أنه لا يتصرف كما أن الاسم لا يتصرف، ولا يكون فيه من ضروب ضمير الفاعِلِين إلا ضمير الغائب فقط وتصح العين فيه من المعتل كما تصح في الاسم نحو (هذا أقْوَلُ منه) وقد صُغِّر هذا كما تُصَغَّر الأسماء نحو: (ما أُمَيْلِحَ زيدًا) فخواصُّ الأسماء أغلب عليه من خواصّ الأفعال. قال: إلاّ أنّك تُجُرُّ بها إذا كانت غاية.

قال أبو علي: (حَتّى) مع (زيدٍ) في قولك: (مَلَكَ القومُ حتى زيدٍ) في موضع نصب، كما أن الباء مع الضمير في قولك: (مَررْتُ به) في موضع نصب. قال: وإن كان الأول لأنه في معنى الحديث مفعول، فلا يُرفَع بعد (عبدُ اللهِ ضربْتُهُ). قال أبو بكر: يقول: لا يُرفعُ بعد (عبد الله) ضربتُه، لأن (عبدَ الله) في معنى الحديث مفعول، فكان هذا لِتَشاكُلِ الجُمل. قال أبو علي: قوله: إذا كان الأول لأنه في معنى الحديث مفعول أي إن كنت إنما تنصِب عن الجملة بعد قولك: ضربتُ زيدًا، لأنه

مفعول ويعتبر ذلك دون الجمل، وعطفِ الشكل منها على الشكل فلا يرفع بعد قولك: [عبد الله ضربته] و (زيدٌ مررتُ به) لأن عبد الله في المعنى مفعول، فَلَسْتَ تعتبرُ به انتصابَ الاسم من الجملة الأولى، ولا انخفاضَهُ، إنما يُختار النصب في الاسم الأول من الجملة الثانية إذا كانت الجملة الأولى من فعل وفاعل، سواء اتصل بها اسم مجرور أو مرفوع أو منصوب. قال: ومما لا يجوز أن يُبتدأ بعده الأسماء (هَلاّ). قال أبو علي: يريد: إنه لا يرتفع الاسم بعده بالابتداء لأن حدَّهُ أن يلي الفعل، فإذا قال: (هَلاّ زيدٌ قامَ) ارتفع بإضمار فعل قام تفسيره مُقامه كما يرتفع الاسم بعد (إذا) بالفعل دون الابتداء، وكذلك إذا قال (هَلاّ زيدًا ضربتَه) لم يرتفع بالابتداء وانتصب بفعل مضمر. قال: إلا أنهم قد توسعوا فيها فابتدأوا الأسماء بعدها.

قال أبو علي: ليس يريد الابتداء الذي يقتضي خبرًا نحو: (زيدٌ منطلقٌ)، لكن يريد ذكر الاسم بعدها. قال: لأنه ليس ها هنا حرف هو بالفعل أوْلى. أي ليس في ضربت عَمْرًا وزيدًا كلَّمْتُه حرف هو بالفعل أوْلَى. يقول: الواو التي تُعْطَفُ بها الجملة الثانية على الأولى ليست بأن يليها الفعل أولى من أن يليها الاسم، كما أن حروف الاستفهام بالفعل أولى. قال: وإنما اختير هذا على الجواز وليكون معنى واحدًا. قال أبو علي: يعني بقوله على الجواز، وليكون معنى واحدًا، أي ليَتْبَع العطف في جملةٍ مُشاكِلَةٍ للجملة الأولى في أنها مثلها في أنها من فعل وفاعل. قال الأخفش: وتقول: أنتَ حَسِبْتكَ منطلقًا، وإيّاكَ حسبتُكَ منطلقًا.

قال أبو علي: في قوله: حسبتُك منطلقًا ضميران: أحدهما: التاء، وهو ضمير مرفوع. والآخر: الكاف وهو ضمير منصوب. فإذا قيل: أنْتَ، حَمله على الضمير المرفوع، وإذا قال: إيّاكَ، حَمَلَه على الضمير المنتصب. قال: قوله: (وليس موضِع إعمال) أي الفعل غير مُتسلِّطٍ على ما قبله هنا، فلا بدَّ من شيء يُشْغَل به الفعل، فلذلك صار ثبات الهاء أحسن. قال: لأن الفعل في موضع الوصفِ كما كان في موضع الخبر. يريد: إنه في موضع الصِّلة التي تكون لِلَّذي، فشبَّه الوصفَ

بالصلة، فلا يجوز أن يَنْصِبَ (نَعَمًا) من أجل أن (تحوُونه) صِفةٌ، ولو كان غير صِفةٍ لَجازَ النصبُ، وكذلك: (مَأتَمٌ تَبْعَثونَهُ).

قال: وليس لعبد الله في يأتيني حَظٌّ. أي: ليس لِعبد الله حَظٌّ في (يأتِيني) لأن (يأتيني) قد أُضيف (حينُ) إليه، ولا يجوز أن يتقدَّم المضافُ إليه على المضاف فكذلك (يأتِيني). قال: وذلك قولك (أزَيدًا إن رَأيْتَ تَضْرِبُ)، تقديره: أتضْرِبُ زيدًا إنْ رَأيْتَ؟ فليس تَضْرِبُ بجواب لإنْ، ولو كان جوابًا لها لانْجَزَم، ودَلَّ (تَضْرِبُ) على جواب الشّرط، فحذف لِدلالة (تَضْرِب) عليه.

قال: ولو جاز أن تجعلَ زيدًا مبتدأ على هذا الفعل لقُلت: (القتالُ زيدًا حين يأتي). قال أبو بكر: قوله: مبتدأ أي متقدمًا ليس المبتدأ الذي يكون فيه الثاني الأوّلَ. قال: وأما الفعل الأول فصار مع ما قبله بمنزلة (حين) وسائر الظروف. أي لا يجوز أن يعمل الفعل الواقع بعد (أن) فيما قبله، كما لا يجوز ان يعمل الفعل المضاف إليه (حين) ونحوه فيما قبله. قال: ولن أضربَ، نفي قوله: سأضْرِبُ. قال: استشهد لما جاز في النفي مِنَ التقديم والتأخير بما جاز منه في الإيجاب، فقوله: زيدًا سأضربُ نظيرَ قوله: زيدًا لن أضرِبَ.

قال: فإن قلت: أيهم جاءك فاضْرِبْ، رفعت لأنه جعل (جاءك) في موضع الخبر. قال أبو علي: لا يجوز أن يوصف أيُّهم بـ (جاءك) لأن (أيُّهم) وقع موقع حرف المجازاة، فلا يوصف كما لا تُوصَف الحروف، وأيضًا فإنه معرفةٌ، (وجاءكَ) نكرة، فأراد بالخبر هنا (أيُّ) ليس بصفة ولكنه شرطٌ. قال أبو علي: الخلاف بين حرف النفي والاستفهام، أن حرف النفي قد تليه الأسماء فيعمل فيها عمل الفعل، كقولك: ما زيدٌ منطلقًا، وهو كقولك كان زيدٌ منطلِقًا. قال: وإن قلت: ما أنا زيدٌ لقِيتُهُ، رفعت إلا في قول مَنْ نَصَبَ زيدًا لقِيتُهُ.

ومن باب ما يجرى منه مجرورا كما جرى منصوبا وذلك قولك: عجبت من دفع الناس بعضهم ببعض إذا جعلت الناس مفعولين.

قال أبو علي: هذا على مذهبه فيما تقدَّم، فأمّا في قول الأخفش: والذي هو القياس عندي فالنَّصْبُ في (ما) إذا كانت تَميميَّةً أجْوَدُ. ومِنْ باب ما يجرى منه مَجرورًا كما جرى منصوبًا وذلك قولك: عَجِبْت منْ دفع الناسِ بعضهم ببعض إذا جعلت الناس مفعولين. قال أبو بكر: قوله: إذا جعلت الناس مفعولين أي لم يُسَمَّ الفاعل، كأنَّك قلت: دُفع بعضُهم ببعض، ولو لم يقع المصدرُ موقع ما لمْ يُسَمّض فاعلُه اسْتَغْنَيْتَ عن الباء، لأن التقدير، كان حينئذ: عَجْبْتُ مِن أن دَفَعَ بعضُ الناس بعضًا.

قال: ولم تجعله في موضع مفعول هو غير الأوّل. يريد: إنَّ الاسم المجرور مع حرف الجر في المسألة الأولى وهو قولك: على بعضٍ غير قولِك: فيها بعضهم، لأن البعض الأول بَكَوْا، وعلى بعضٍ بُكِيَ عليهم. قال: لأنك لو قلت: هُوَ ظَهْرُه وبَطْنُهُ، وأنت تعني شيئًا على ظهره لم يَجُز. قال أبو علي: لم يَجُز هذا لأن البَطْن والظَّهر مختصّان، والظروف المكانية لا تكون مختصة. قال أبو علي: قد يجوز أن يقول: هذا مُعْطِي زيدٍ درهمًا أمْسِ، ولقائلٍ أن يقول: إذا كان اسم الفاعل لِما مضى فما الذي نَصَبَ الدرهم؟.

والجواب: عن أبي بكر أنه على إضمار فعل يدل عليه (مُعطِي) تقديره هذا مُعطي زيدٍ يُعطيه درهمًا. قال: لأنك لو كَفَفْتَ النون في الإظهار لم يكن إلا جَرًّا. قال أبو علي: هذا لا يكون إلا جرًا ولا يكون فيه ما كان في قوله: (الحافِظو عَوْرَةَ العَشيرةِ) من النصب لأن الظاهر في هذا لا يكون إلا جرًا، والمضمر لا يعتبر بالظاهر.

قال: وليس كعلامة الإضمار لأنها في اللفظ، أي علامة الإضمار كالنون فهي أقربُ إليها، أي الأسماء المتصلة أقرب إلى التنوين مِن المُظْهَر. وقال أبو علي: الأسماء المضمرة المتصلة قد أشْبَهت التنوين على ما تقدم ذِكره، وهي أيضًا تُعاقبه، ومما يُقَوِّي أن الاسم المضمر المجرور أشبه بالتنوين من الظاهر المجرور أنهم يحذفون في النداء الياء من (يا غُلامِ)

كما يحذفون التنوين ونحوه ولا يحذِفون الظاهر. قال أبو علي: يعملُ المصدر عَمل الفعل كما ذَكره سيبويه على ثلاثة أوجه: واحدُها وأقربُها شبهًا بالفعل أن يعمل عَمَله وهو منون، لتكون قد أقَمتَ مُقام الفعل نَكرة مثله. والذي يليه في الجودة أن تعمِله مضافًا إلى الفاعل لأن الضمير من (ضَرْبِي زيدًا) والظاهر من نحو (ضَرْبُ زيدٍ عَمْرًا أعجبني) يقوم مُقام الفاعل كما أن التّاءَ في قولك (ضربتُ زيدًا) فاعل، فأما كون المصدر بالإضافة مُعَرَّفًا فقد يُنْوَى بالإضافة الانفصال في باب الإعمال لاسم عَمَل الفعل نحو: ضارِبُ زيدٍ غدًا، فالإضافة قد نُوِيَ بها الانفصال في هذا الباب. وأبْعدُ الثلاثة: أنْ تُعْمِلَه وفيه الألف واللام لأنه معروف من

جهة لا يُنْوَى بها الانفصال، ولم يتصل باسمٍ يقوم مقام الفاعل، فهو مُباين للفعل. قال أبو علي: ومن الفرق بين المصدر واسم الفاعل أن المصدر إذا أُضيف إلى معرفة كان أبدًا معرفةً، وقد يضاف اسم الفاعل إلى المعرفة فلا يتعرَّف، وذلك إذا أُريد به الانفصال. قال: كما أنه ليس مثله في المعنى وفي قُوَّتِه في الأشياء، يعني الصفة المُشَبَّهَةَ باسم الفاعل.

قال أبو علي: قوله في الأشياء يريد أنه ليس مثل اسم الفاعل في أنه مثل (يَفْعَلُ) في حركاته وسكناته، وأنه ليس فيه ما في اسم الفاعل من التقديم والتأخير وغير ذلك. قال: لأن الأول في الألف واللام في غيرهما على حالٍ واحدٍ وليس كالفاعل.

قوله: وليس كالفاعل: أي أن الفاعل إذا أُضيف إلى ما فيه الألف واللام فقد يتعرَّف به، وليس ذلك في هذا. قال: مَحْطوطَةٌ جُدِلَتْ شَنْباء أنيابًا. قال أبو علي: إن قَدَّرَ (شنباء أنيابًا) على (حَسَنٌ وجهُه)، لم يجز أن يقول: شنباء أنيابُها، لأن (شنباء) صفة للمرأة، فإذا أُظهرت الهاء في قولك: أنيابُها رَجَعَت إلى المرأة، فبَقي (شنباءُ) صفة للأنياب

وإنما هو للمرأة دون الأنياب، فالوجه أن تقول: شَنْبَةٌ أنيابُها، لأن شنبةٌ صفةٌ حينئذ للأنياب، وفِعل لها. قال: وقد جاء في الشعر: حَسَنَةُ وجهِها. قال أبو علي: إنما صار قولُك: حَسَنَةُ وجهِها رديئًا، لأنك إذا قلت: هذه امرأةٌ حسَنَةٌ، فالصفة جارية على المرأة، وفيها ذكرُها، فلذلك أنَّثْتَها بالتاء، وإذا قلت: مَرَرْتُ بامرأةٍ حسنٍ وجهُها، فالحُسن للوجه، والهاء راجعةٌ من الوجه إلى المرأة كما رَجع الضمير إليها من (حَسَنَةٍ) فإذا قلت: مررتُ بامرأةٍ حسنةٍ وجهُها، فقد جمعت بين ضميرين للمرأة يُرجعان إليها: أحدهما: الضمير في حسنةٍ، والآخر: الهاء في وجهها. وأيضًا فقد أَضَفت (حسَنة) إلى الوجه، والحُسن للوجه. والشيء لا يضاف إلى نفسه. فإن قيل: فقد أضيف (حَسَنٌ) إلى الوجه في قولك: الحَسَنُ الوجه فالجواب: أنَّ في (حَسَنٍ) ضميرًا يرجع إلى الموصوف فقد خرج عن أن يكون للوجه، ولو كان للوجه لارتفع به الوجه على أنه كان فعلاً له. ومما يدل على أن الحُسن في باب (زيدٌ حسنُ الوجهِ) صفةٌ لزيدٍ وليس قولك (هندٌ حسنةُ الوجهِ)، فلو كان (حسنُ الوجهِ) لما جاز تأنيثه لأن الوجه ليس بمؤنثٍ.

فأمّا قوله: جَوْنَتا مُصْطَلاهُما. فقد قدّره سيبويه تقدير (حَسنة وجهها) وجعل قياسه كقياسه، وكان حكمه عنده أن يقول لو أجراه على الأصل دون الحذف:

(أقامتْ جارتا صفًا جَوْن مُصْطلاهما). فيجرى (جَوْنُ) على (الجارتين)، ويرتفع لجريه عليهما، لأنهما مرفوعتان، ثم يُرفع (المُصطلى) (بجُون): ويعود ضمير التثنية، إلى (الجارتين) فيكون كقولك: (الهندان حَسَنٌ ثوبُهما هندٌ حسنٌ وجهُها) وإن أجراه على الحذف دون الأصل أن يقول: (أقامَت جارتا صَفا جَوْنَتا المُصْطَلَياتِ) فيمن قال (الهندان حسنتا الوجوهِ) وفيمن قال (وصَعا رحْلَيْهما جَوْنتا المُصْطَلَيْنِ) فيصير كقولك

(الهندان حسنتا الثوبين)، فلم يستعمله في الإتمام والأصل، ولا على الاختصار والحذف ولكنه جعله كقوله: (هذه امرأةٌ حسنةٌ وجهُها)، فَتُثنى (الجَوْن) وهما وصفُ (الجارتين)، وإضافة مُثَنًّى إلى (المُصْطلييْن) وهو هما في المعنى، إلا أنه وضع الواحد موضع الجميع فيمن قال: (حسنتان الوجوه) وموضع التثنية فيمن قال: (وضعا رَحْلَيْهِما)، وهو (المُصطلى) ثم أضاف (المصطلى) إلى ضمير (الجارتين) كما أضاف الوجه من قوله: (هذه امرأةٌ حسنةٌ وجهُها) إلى ضمير المرأة بعد إضافة (حَسَنٍ) الذي هو الوجه في المعنى إلى الوجه، فعلى هذا وضع سيبويه هذا البيت، وقد يحتمل غير ما أوّله سيبويه.

ومن باب ما لا يقع إلا منونا عاملا في النكرة

ومن باب ما لا يقع إلا مُنَوّنًا عاملاً في النكرة قال سيبويه: ولا يكون المعمول فيه إلا من سَبَبِه. قال أبو بكر: يريد: إنَّ (عَملاً، وأبًا) مِن سبب الذي هو (خيرٌ) ولا يجوز أن يكون شيء لا سبب له فيه.

قال: وليس ها هنا فَصْلُ. أي: لم يقول هو أفْرَهُ منك عبدًا فيفصل (منك) بين (أفْعَل) و (رَجْلٍ) وقوله: (ولم يلزَمْ إلا ترك التنوين)، أي أنك لم تفصل بشيء، وقد التقى الاسمان، فليس إلا الإضافة. قال: وتفسيره تفسير الأوّل. أي جعلوا فيه الواحد موضع الجميع، والنّكرة موضع المعرفة كما فُعل بالأوّل.

قال: وفَرَّقوا بترك النون والتنوين بين معنيين يريد بقوله (النُّون): النون التي في عشرين و (التنوين) التنوين في (خيرٍ)، وقوله (بين معنيين) يعني: إذا قلت: (هو أفْرَهُ عبدٍ في الناس) فالفراهة للعبد، وإذا قلت (أفره الناس عبدًا) فالمعنى للمولى. قال: فكم ها هُنا بمنزلة (ما). قال أبو علي: وإذا قال: (ما صِيدَ عليه)؟ فكأنه قال: (أَظَبْيٌ صيدَ عليه أمْ طَيْرٌ)، و (ما) لا يكون ظرفًا، فذكره بِعَقِب (كمْ) التي استعملت غير ظرف هنا لتعلم أن (كَمْ) غير ظرف، كما أن غيرُ ظرفٍ. قال: ومثلُه في السَّعةِ: أنت أكرمُ عليَّ مِن أن أضرِبَك. قال أبو إسحاق: أي من صاحب الضَّرب الذي نَسَبْته إلى

نفسك، مثل (أين شركائي الذين كنتم تزعمون). قال أبو علي: الشَّبه بين قوله تعالى "أين شركائي" وبين قولهم (أنتَ أكرمُ علي أن أضربك) أن تقدير قولهم: (أنْ أضربك) كأن قائلاً قال: أنا أضْرِبُهُ، وظن سامعٌ أنه عناه فقال: أتَضْرِبُني فنفى المتكلم الأول ذلك بقوله: أنت أكرمُ عليَّ مِن أن أضربَك: أي من صاحب هذا الضَّرب الذي نسبته إلى نفسك، ولستَ به، فكذلك الباري تعالى لم يُثبت لنفسه بقوله (أين شركائي) شريكًا إنما قال أين شركائي الذي نَسَبْتُموهم إلي وليسوا بشركائي. قال: كأنه قال: أيُّ الأحيان سِير عليه أو يُسار عليه. قال أبو علي: إذا قال: أيُّ الأحيان سِير عليه، رفع (أيّا)

بالابتداء على الاتّساع، وجعل ما بعدهُ خبره، فجواب هذا: زمَن كذا، وإذا قيل: أيُّ الأحيان سِيرَ عليه؟ جعله ظرفًا لسير، وجوابُه حين كذا بالنّصب. قال: وتقول: سِيرَ عليه طوران، طورٌ كذا، وطَوْرٌ كذا والنصب ضعيفٌ جدّا إذا ثَنَّيْتَ، كقولك: طَوْرٌ كذا، وطَوْرٌ كذا، وقد يكون في هذا النَّصْبُ إذا أضمرت. قال أبو علي: ضَعُفَ النصب في قولك: طَوْرٌ كذا وطَوْرٌ كذا لأن في قوله: طَوْرانِ، لأنّه مبتدأ وخبر. قال: وإن أنتَ قلت على هذا المعنى: (سيرَ عليه السَّيْرَ)، و (ضُرِبَ به الضَّرْبَ) جاز على قوله: (الحَذَرَ الحَذَرَ). قال أبو علي: يقول: إذا حَملت المصدر وفيه الألف واللام على فعلٍ مُضمرٍ بعد أن يُبنى الفعل الأول بناءَ ما لم يُسَمَّ فاعلُه، وتُشْغِله بما يرتفع به جاز كأنّك قلت: (ضُرِب به)، (يُضْرَبُ) الضَّرْبَ فيه قد شُغِل بها ضُرِبَ (والضَّرْب) محمول على الفعل المضمر بعد (بِه). قال: وجميع ما يكون بدلاً من اللفظ بالفعل لا يكون إلا على فعلٍ قد عَمِلَ في الاسم.

قال أبو علي: يعني بقوله: ما كان بدلاً من اللفظ بالفعل (الحذَرَ الحذَرَ). وقوله: إلاّ على فعلٍ قد عَمِلَ في الاسم أي قد عمل المضمرُ في الفاعل. وقوله: فمن ثَمَّ لم يكن فيه الرفع أي في الاسم الذي صار بدلاً من اللفظ بالفعل، وذلك أن في الفعل المُضمر قبل المصدر الذي كقولهم (النَّجاء) ضميرٌ فاعل فإذا صار فيه ضميرٌ فاعل لم يرتفع المصدرُ به. وقله: (فأوْلى ما عَمِلَ فيه ما هو بمنزلة اللفظ به) أي: أوْلى ما عمل فيه الفعل ما هو بمنزلة اللفظ بالفعل، لأن هذا المعمول فيه لمّا كان بمنزلة اللفظ بالفعل صار الفعل كأنه قد ذُكِر وإن كان مضمرًا. قال: وأمّا ترى أيُّ بَرْقٍ ها هُنا. قال أبو عثمان: ترى ها هنا من رؤية العين، وليست التي تتعدَّى

إلى مفعولين، لأنه يريد: انظر إليه ببصرِك، وهذه حكاية نادرة لا يقاس عليها. قال أبو علي: وإنما جاز هذا لأن الرؤية التي هي فعل الحاسّة تَرجع في المعنى إلى الرؤية التي هي علمٌ، لأن كل محسوس معلوم، فرؤية الحاسة تقع تحته، فكذلك جاز في هذا في هذه الحكاية. قال: لَيْتَ شعري أعَبْدُ الله ثَمَّ أم زيدٌ؟ قال أبو إسحاق: أزيدٌ في الدارِ أم عمرٌو؟ وفي موضع رفع لأنه خبر ليتَ.

قال: ويجوز أن يكون (شِعري) العامل، والخبر محذوف، فيكون (شعري) في موضع نصب، وخبر ليت مضمر كأنه قال: ليت شعري أزَيدٌ في الدار أم عمرٌو واقع. قال أبو علي: موضع أعَبد الله ثَمَّ أم زيدٌ على هذا نصب بالمصدر الذي هو (شِعري) وإنما جاز أن يكون نصبًا لأنه بمعنى عَلِمت ولو لم يكن المصدر مما الفعل مأخوذ منه يجوز أن يُلغى، لم يجز أن تكون الجملة التي هي استفهام بعدها في موضع نصب. ومما جاء محذوفًا خبره: يا لَيْتَ أيّامَ الصِّبا رَواجِعا.

أي أقبَلَتْ رواجعا. قال: ومن ذلك: قد عَلِمْتُ لَعبدُ اللهِ خيرٌ منك، فهذه اللام تمنعُ الفعل. قال أبو علي: وإنما وقع في هذا الباب من الأفعال ما يتعدى إلى مفعولين لأنها أفعال تُلغى والإلغاء فيها أعظم من التعليق، لأنها إذا أُلغيت لم تعمل في المفعول في لفظ ولا موضع، وإذا عُلِّقت عَمِلت في الموضع. قال: كما أنك إذا قلت: قد علِمتُ أزيدٌ ثَمَّ أم عمروٌ، وأردت أن تخبر أنك قد علمت أيهما ثَمَّ. قال أبو علي: قولك: قد علمت أيهما ثمَّ، لا يوجب للمخاطب عِلْم أحدهما بعينه، ولكن يوجب له أن يعلم أن أحدهما ثمَّ، وذلك أن قولك (أيُّهما ثَمَّ) متضمن هذا المعنى، كأنك قلت: قد علمتُ أنَّ واحدًا منهما ثَمَّ، إلا أنك لم تُعَرِّفْه بعينه ولم يخلص لك العلم بكون أحدهما ثَمَّ دون صاحبه، فإذا أدخلت عليه (عَلِمْتُ) لم تغير من المعنى شيئًا.

قال: قد عَلِمْتُ أبو مَن زيدٌ. قال أبو علي: حكم الاستفهام أن يقع صدرًا، ولكن لمّا أضيف (أبُو) إلى (مَن) فتقدّمه تُرك في موضعه فأدّى معناه في الاستفهام، إذ كان المضاف [إليه] لا يتقدم على المضاف. قال: ومما يقَوِّي النصب: قد علِمتَهُ أبو مَنْ هُوَ. قال أبو علي: احتجَّ بوقوع الاسم المضمر المنصوب بعد (عَلِمتُ وعَرفتُ) على قوة النصب في قولك قد عَلِمتُ زيدًا أبو مَن هو. قال أبو علي: قوله: قد علمت أبو من زيدٌ، لم يعمل الفعل في (أبُو) وإن كان حرف الاستفهام متأخرًا، لأن موضعَه أن يتقدم على (أبو) فَحَجَزَ الفعل وهو متأخر، كما أن اللام في قولك: عَلِمتُ إنَّ زيدًا لمنطلقٌ حجَزتَ بين (عَلِمتُ) و (إنّ) لأن موضعها قبل (إنّ) وإنْ كانت حُوِّلَتْ إلى الخبر ولو لم تحجز اللام لانفتحت (إنّ)، فكما حجَزَت اللام وإن كانت متأخرة عن موضعها، كذلك حَجَز (منْ) الفعل وإن كان متأخرًا عن موضعه. قال: وإن شئت قلت: قد عَلِمْتُ زيدٌ أبُو مَن هُوَ كما تقول ذلك فيما لا يتعدى إلى مفعولٍ ذلك قولك: اذهب فانظر زيدٌ أبو مَنْ هُوَ؟.

قال أبو العباس: يعني أنك إذا أدخلت زيدًا في معنى الاستفهام لم يعُد (عَلِمتُ ولا ظنَنْتُ) كما لا يُعدَّى في ما لا يتعدى. وقال أبو العباس: اذهب فانظر زيدٌ أبو مَن هو؟ لم يُرِد أن يقول: اذهب فأبصِرْ بعينك، ولكن يريد: اعلم ذاك، فهو لا يتعدّى. قال: ومثل ذلك: دَرَيْتُ. قال أبو العباس: قوله: ومثل ذلك دَرَيْتُ، أي مثل انظر لأن انظر لا يتعدى فقال: لكن أكثرهم يقول: ما دَرَيْتُ به. فَيُعَدِّيه بحرف جرٍّ، وقد تقدم أنك تقول: دَرَيتُ عبدُ اللهِ أبو مَن هو، كما قلت ذلك في (عَلِمتُ) واعلم أن بعضًا يعدِّي (دَرَيتُ) وبعضًا لا يعدِّيه. قال أبو علي: قولك: زيدٌ أبوك هو أم عمرٌو، بمعنى أَأبوك زيد أم عمرو؟ فكما أنك لو أدخلت الفعل على قولك: أأبوك زيدٌ أو عمرٌو؟ لم تعمله في (زيد) كذلك لا تعمله إذا قلت: زيدٌ أبوك هو أم عمرو؟ لأنه بمعنى الأول. قال سيبويه: ومثله (إن الله بريء من المشركين ورسولُه). فابتدأ، لأن معنى الحديث حين قال: إن زيدًا منطلقٌ، زيدٌ منطلقٌ، ولكنه أكَّد كما أكَّد.

قال أبو إسحاق: يريد: أكَّد بإنَّ، كما أكَّد في قوله (عَلمتُ زيدًا أبو مَن هو) بإظهار زيد وإضماره، فلم يخرج زيدٌ من معنى الاستفهام كما لم يخرج اسم (إنَّ) عن معنى الابتداء. قال: فإن قلت: قد عَرفتُ أبَا مَن زيدٌ مُكَنّى، انتصب على (مُكَنّى). قال ابو علي: أبا مَن زيد مُكَنَّى، انتصب الأب بمكنَّى الذي هو بعد الاستفهام، وتقديره: أبا بِشْرٍ يُكْنَى زيدٌ أم أبا عَمرٍو. قال: ومن رفع زيدًا ثَمَّةَ رَفَعَه ها هُنا. قال أبو علي: قوله: مَن رفع ثَمَّةَ اي من رفع زيدًا في قولك: قد عَرَفْتُ زيدًا أبو من هو، رفع (زيدًا) هنا أي إذا أدخل (مَكْنِي) فقال: قد عرفتُ زيدًا أبا مَن هو مَكْنِيّ، فرفع ها هنا كما يرفع ثَمَّ، فانتصاب (أبا) بمكنِيٍّ، لأن التقدير: أيُكْنَى أبا بِشْرٍ أمْ أبا عمرٍو، فقام (مَنْ) مُقام هذه الأسماء.

قال: لأنّ فيه معنى أخبِرْني. قال أبو العباس: يعني دخول معنى أخْبِرْني في أرَأَيتَ، لم يمنعه من أن يكون له مفعولان، كما كان له قبل أن يدخل فيه معنى أخبِرني، ومَنَعَه هذا المعنى من أن يُلغى، كما كان يُلغى، وليس هو فيه، لأنك قد تقول: قد رأيتُ أبو مَن أنتَ، إذا أردت معنى قد عَلِمت، ولا تقول أرأيتَ أبو مَن أنتَ؟ حتى تعدِّي (أرأيت) إلى مفعول، ثم تجعل الثاني استفهامًا، أو ما أردت. وقال أيضًا: من زعم أن كاف (أرأيتَكَ) لها موضع، فقد أحال من قبل أنه إذا قال: أرأيْتَكَ زيدًا ما فَعَلَ؟ فالكاف للمخاطَب، (وزيدٌ) للغائب، ومفعولا (رأيتُ وعلمتُ) لا يكونان إلا لشيء واحد. قال أبو العباس: صَه، ومَه نَهْيٌ، يريد: لا تَكلَّمْ ولا تَفْعَلْ. وإيهِ: أمر، لأن معناها حدِّث، وإيها معناها كُفَّ.

قال أبو إسحاق: إيه لا يستعمل في كلام العرب إلا نكرة مُنَوَّنة ولهذا أنكر الأصمعي: إيه عن أُمِّ سالِمِ. قال سيبويه: ولا تظهر فيهما علامة المُضمر.

قال أبو إسحاق: لا تقول: زيدًا مثل اضْربا. قوله: وأجريت مُجرى ما فيه الألف واللام نحو: النَّجاء. قال أبو إسحاق: قوله: نحو النّجاء، أي لم يُضِف (رُويدَ) إلى ما بعدها كما لم يُضِف النَّجاء، والنَّجاءُ ليس مما يتعدَّى، وإنما غرضه أن يُعْلِمَ أن (رُوَيدًا) معرفة لا يضاف. قال أبو بكر: قوله: وأُجريت مُجْرَى ما فيه الألف واللام نحو النَّجاء يعني أن (رويدَ) أُجريت مجرى المعرفة. قوله: لِئَلاّ يُخالف لفظ ما بعدها لفظ ما بعد الأمر والنهي.

أي: لم يُضف (رويد) إلى الاسم لِئَلا يُشْبِه ما بعدها ما بعد الألف واللام في النصب. قال: واعلم أن (رويدَ) يَلْحَقُها الكاف. قال أبو علي: لا موضع للكاف في (رُوَيدك)، ولو كان له موضعٌ وأنت تأمر لوَجب أن يكون نصبًا، ولو كان نصبًا لعَدَّيته في المُظْهَر إلى مفعولين، فقلت: رُويدَ زيدًا عَمْرًا. قال: وأما المعطوف كقولك: رُوَيدكم أنتم وعبد اللهِ. قال أبو علي: (أنتم) هنا توكيد للمضمر المرفوع في النية لِما أُريد العطف عليه، كما أن الأحسن في المضمر المرفوع أن يؤكد ثم يعطف عليه. قال: وتقول: رُوَيدَكم أنتم أنفسُكم. قال أبو علي: الفصل بين أنْفُسِكم وأجمعين في باب التأكيد، أن أنفسَكم قد استُعمِل اسمًا غير تأكيد في قولك: (نزلتُ بنفس البصرة)

وأجمعين لم يُستعمَل إلا تأكيدًا، فَقَبُحَ حملُ أنفسكم على المضمر بغير تأكيد من حيث قَبُحَ العطف به على المضمر من غير تأكيد. قال: ولا يجوز أن تَعطِفَ على الكاف المجرورة الاسم، لأنك لا تعطف المُظهَرَ. قال أبو علي: لا يعطف الظاهر المجرور على المضمر المجرور لأن المضمر المجرور من الاسم بمنزلة التنوين والعطف نظير التثنية، فكما لا يُعطف الاسم على التنوين، ولا يُثَنى معه، كذلك لا يعطف على ما كان بمنزلته. فإن قيل: إن الظاهر المجرور في ذلك بمنزلة المضمر المجرور. قيل: إن المضمر أشبه بالتنوين، إذ كلُّ واحدٍ منهما غير منفصِل

من الاسم الظاهر، يدلك على أنه أشد شَبَهًا بالتنوين من المُظهر، وأن المُظهر إنما عاقَبَ التنوين، ولم يُشْبِهه، وإن عاقبه حذفُك الياء من المضاف في النداء نحو (يا عبادِ)، ولو كان بَدَل المضمر ها هنا مُظهر لم يجز حذفه، فهذا يدلك على شدة شبه المضمر للتنوين، وأنه قد صار بمنزلته، إذ صار لا يفصل بينهما، كما لا يفصل بين التنوين والمُنَوَّن، وإذ صار يُحذف في الموضع الذي يحذف [فيه]. ويدلك أيضًا على شدة اتصال المضمر، وأن المُظهر دونه في الاتصال، أنك تفصل بين المُظهر وبين الجار بحرف الزيادة في الكلام والسعة،

وبالظرف في الشعر، ولا تفصل شيئًا من ذلك في المُضمر وذلك نحو (فبما رحمةٍ من الله) و (مما خطيئاتهم)، و (فبما نقضِهم ميثاقَهم). ولا يجوز شيء من هذا الفصل مع المضمر. ومما جاء في الشعر قوله: كأنَّ أصوات مِن إيغالِهِنَّ بنا ... أواخِر المَيْسِ أنقاضُ الفراريجِ

وقوله: (و) كما خُطَّ الكتاب بِكَفِّ يومًا ... يهودِيٍّ يُقاربُ أو يُزيلُ

وقد فُصِل بينهما بما هو أشد من هذا في الشعر، وهو قوله: لَمّا رأتْ ساتيدَما اسْتَعْبَرَت ... لله درُّ اليومَ مَن لامَها ألا ترى أنه قد فصل بينهما بما لا يكون إلا محمولا على فعلٍ

مضمر، (فاليومَ) يكون متعلقًا بمعنى الفعل في (لِلهِ) ولا يجوز أن يحمله على (دَرُّ) ولا على (لامَهَا) لأنه تقديم على الصلة. فإن قيل: كيف استجزتم الاستشهاد بالضرورة في الشعر كالاستدلال على ما حاولتم تصحيحه بها، قيل له: لم يُستشهد بالضرورة وإنما أرَيْنا فيما استشهدنا به في هذه الأشياء انفصال المُظهر المجرور عندهم من المضمر المجرور، إذ استجازوا الفصل بين المُظهر المجرور في الاختيار والشعر ولم يستجيزوا ذلك في المضمر لا في سعة ولا في ضرورة، كما لم يستجيزوا ذلك بين التنوين والمُنَوَّن، وإذا كان كذلك، ثبتَ أن المضمر أدْخَل في باب الشَّبه بالتنوين من المظهر عندهم، فكما لم يجيزوا فيه الفصل، كذلك لم يستجيزوا فيه العطف، وكما استجازوا الفصل في المُظهر كذلك يستجيزون العطف عليه، فإجازة ذلك فاسد في التنزيل، خاصة إذْ لم يكن لغة قَبيل مطَّرِدةً، كجعل التثنية بالألف في كل الأحوال

ولم يكن له في قياس العربية شيء يُثْبِتُهُ ويَعضُدُه، بل الموجود فيه ما يُبْطِله ويدفعه لأنه إذا جاز أن العطف على المُظهر المجرور من حيث كان اسمًا منفصلا وجب ألا يجوز مع المضمر لشدة اتصاله فيما أرَيْنا وعلى هذا طُرُق العربية ومقاييسها، وقد أريْنا نظائر ذلك، وحكم ذلك إذا جاء في شِعرٍ ألا يجوز إلا في الضرورة، وأن يُجعل من الضرورة المستقبحة التي لا مساغ لها في الكلام كقوله: ................... ولِضَفادِي جَمِّهِ نَقانِقُ

ومِن أرانِيها وما أشبه ذلك.

قال أبو علي: في قولك: عليك ضميران: أحدهما مرفوع وهو ضمير الفاعل في النية. والآخر مجرور وهو الكاف. وكِلا الضميرين للمُخاطَب المأمور. وفي قولك: (عَلَيَّ) ضميران: أحدهما: للمخاطَب المأمور وهو مرفوع. والآخر: للمُتكلِّم وهو الياء، وهو مجرور. فإذا قلت: عليك أنت نفسَك، جاز في (نفسك) الرفع على أن تحمله على الضمير المرفوع، وجاز فيه الجر على أن تحمله على الضمير المجرور. فإذا قُلت: عَلَيَّ أنا نفسي، لم يجز أن يكون قولك: أنا نفسي مرفوعًا، ولا يجوز فيه إلا الجر، لأنه تأكيدٌ لضمير المتكلم المجرور وهو الياء. ولا يجوز أن تحمله على الضمير المرفوع الذي هو للمُخاطَب لأنك لو فَعلت ذلك لجعلت المُخاطب مُتكلِّمًا وهذا مُحال، فإن أردت أن تحمله على الضمير المرفوع قلت: عَلَيَّ أنت نفسُك زيدًا كقولك: أوْلِني أنت نفسُك زيدًا، فتحمل مُخاطبًا على مُخاطب ولا تجعل المخاطب مُتكلِّمًا فيستحيل. وقال أبو علي: الشَّبه بين (حِدْرَك، وعليك) أن كلَّ

واحدٍ منهما يتعدى إلى مفعول، فإن قلت: تحذيري زيدًا، يتعدى في المعنى إلى مفعولين، كأنك قلت: حَذِّرْني زيدًا، فاسم المتكلم في حذِّرْني نصبٌ، وفي تحذيري جر. وكذلك إذا قلت: عَليّ زيدًا، تتعدّى في المعنى إلى مفعولين كأنك قلت: أوْلِني زيدًا. قال: واعلم أنك لا تقول: دُوني كما تقول: عليّ، لأ، هـ ليس كلُّ فعل يجيء بمنزلة أولني قد تعدّى إلى مفعولين. قال أبو إسحاق: يعني: أن (عليكَ زيدًا) يتعدى إلى مفعول (وعَلَيَّ زيدًا) يتعدى إلى مفعولين، وأن هذا ليس بقياس. (فَعَلَيَّ) بمنزلة (أوْلِني)، ولا يجيء (دونك) متعدية، فتقول (دوني زيدًا)، لأنه ليس كل شيء معناه (أوْلِني) يتعدى كما يتعدى (أوْلني). قال أبو علي: دَخلت الفاء في جواب الشرط لأن الجزاء على ضربين:

أحدهما: جملة من فعل وفاعل. والأخرى: جملة من مبتدأ وخبر، والجملة التي هي من مبتدأ وخبر لا ترتبط بالشرط ارتباط الجملة التي هي من فعل وفاعل، فأُدخل الفاء عليها لِيتبعَ الثاني الأول وارتفع الاسم بعدها بالابتداء، ومعنى الإتباع في الفاء أعمُّ من معنى العطف، كما أن معنى الجمع في الواو أعمُّ من معنى العطف، فإذا كانت الفاء عاطفةً كانت كقولك: جاءني زيدٌ فَعمرٌو، وإذا كانت غير عاطفة بل مُتْبَعَةً كانت كوقوعها في جواب الشرط. والفرق بين العاطِفة والمُتبَعَةِ، أن العاطفة يدخل ما بعدها في إعراب ما قبلها، والمُتبَعةُ لا يدخل ما بعدها في إعراب ما قبلها. والفرق بين الواو العاطفة والواو الجامعة، أن العاطفة يدخل ما بعدها في إعراب ما قبلها، نحو: أتاني زيدٌ وعمرٌو، والجامعة لا يفعَل بها ذلك نحو: جاء البَرْدُ والطَّيالِسَةَ، أي مع الطيالسة فمعناها هنا الاجتماع فقط. قال سيبويه: فشبَّهوا الجواب بخبر الابتداء، وإن لم يكن مثلهُ.

قال أبو علي: مما يخالف به جواب الشرط خبر المبتدأ، أن خبر المبتدأ يقوم على المبتدأ، وجواب الشرط لا يقوم عليه. فإن قيل: قد يقول: آتيكَ إن أتيْتني، فإن الجواب في هذا الموضع محذوف غير متقدِّم، والمعنى: آتِيك إن أتيتني: آتِك أو أتيتك فحذف وأنشد: وأحضرت عُذري عليه الشُّهو ... دُ إنْ عاذِرًا لي وإن تاركا

(قال) أبو إسحاق: أي إن كنا عاذِرًا لي، فالشهود مبتدأ وعليه خبره، والجملة نصب في موضع حال. قال: وزعم يونس أن من العرب من يقول: إنْ لا صالحٍ فطالِحٍ، وقبّحه سيبويه. قال أبو علي: إنما يقبُحُ هذا لأنك محتاج إلى إضمار فعلين. أحدهما: ما كنت تُضمره إذا نصبت صالحًا. والآخر: مَررتُ، فيكون التقدير: إلاّ أكُنْ مررتُ بصالح، فقَبُحَ هذا، كما قَبُحَ إضمار الفعلين إذا أمرتَ المخاطَب أن يأمر الغائب. ويزيد هذا قبحًا أنك تضمر معه حرفَ الخفض. قال: ولا يجوز بعد (أنْ) أن تُبنى (عندنا) على الأسماء، ولا الأسماء تبنى على (عِنْد). قلت يريد: أنَّ (إنْ) يليه الفعل، وليس (عندنا) فعلاً.

قال: وجرَّه قومٌ على سَعَةِ الكلام، وجعلوه بمنزلة المصدر حتى جعلوه أي (الشَّوْلُ) على الحين.

قال أبو علي: يقول: جعلوه مثل (مَقْدَمِ الحاجِّ) وليس المصدر هنا الذي هو (الشَّوْل) كمَقْدم الحاجِّ. وكان أبو العباس يذهب إلى أن الجر في (شَوْلٍ) قويٌّ، لأن (الشَّوْل) عنده مصدر متمكن. قال أبو علي: والأشبه أن يكون المصدر في نحو هذا على (فَعَلان) ولذلك لم يُقَوِّه سيبويه. قال: وأما قول الشاعر: لقَدْ كَذَبَتْكَ نفسُك فاكْذِبْنَها ... فإنْ جزعًا وإنْ إجمالَ صبرِ

فعلى (إمّا)، وليس على (إنْ). قال: لاحتجْت إلى الجواب: قال أبو إسحاق: قوله لاحتجْت إلى الجواب، يقول: (أنتَ ظالمٌ إنْ فَعَلْتَ) فيستغنى بالجملة المتقدمة عن الجزاء، فإن أدخلتَ الفاء قلت: (أنت ظالمٌ، فإن فَعَلْتَ) لم يكن بُدٌّ من جواب، فكذلك لو كانت (إنْ) للجزاء في قولك: فإنْ جزعًا لاحتجت إلى الجواب.

قال: ولو صَحَّحْتَها فقلت: (إمّا) جاز ذلك فيها. أي: لو صحَّحْت (إمّا) فيم تحذف منها (ما) لجاز أن تبتدئ الاسم بعدها وتُخبرَ. قال: دخل عليه أن تقول مَرَرْتُ برجلٍ إنْ صالحٍ وإن طالحٍ. قال أبو علي: إذا قلت مررت برجلٍ إمّا صالحٍ وإما طالحٍ، أجريت ما بعد (إمّا) على إعراب ما قبله، لأن ما بعد (إمّا) صفة لما قبلها، و (إمّا) في هذا الموضع لم يُبتدأ ما بعدها فجرى على ما قبلها.

قال: وأما (إمّا) فيجرى ما بعدها هنا على الابتداء. قال أبو إسحاق: في قول سيبويه: فيجرى ما بعدها على الابتداء وعلى الكلام الأول، أي على (إمّا جَزَعٌ) أي امْرِئ جَزَعٌ وعلى الكلام الأوّل يعني قوله: قد كان ذاك إمّا صلاحًا وإما فسادًا، فهذا على الكلام الأول لأنه خبر كان. قال: ويجوز الرَّفْعُ على ما ذكرنا. قال أبو علي: ما ذَكرنا أي على (كان) التي معناها وقع، أو على إنْ كان فيه صلاحٌ على أنْ تُضْمِرَ فيه. قال أبو علي: إنما مَثَّلَ (إيَّاك) بإيّاك نَحِّ، فأخَّرَ (نَحِّ) ولم يُقَدِّمْهُ، لأنه لو قَدَّمَه لاتصل الضمير لو جاز اتصال هذا الضمير. قال: ومِن ذلك قولُك: إيّاك والأسد، وإيّاي والشَّر.

قال أبو إسحاق: ليس يكون هذا آمِرًا لنفسه، وإنما معناهُ أنْ يُخاطِبَ رجلاً، فيقول له: إيّاي والشر، أي لا تقرب الشر فيأتيك منِّي ما تكره، أي: اتَّقِ الشَّر واتق أن أعاقبك عليه: قال: (ولم يكنْ مثلَ إيّاكَ لو أفْرَدْتَهُ) أي على رأسك مُفردًا ليس بدلاً من اللفظ بالفعلِ حتى تَعْطِف عليه وتقول: والحائِط. قال أبو علي: لم يَجُز إيّاك الأسَدَ، كما جاز إياك أن تَفْعَلَ، لأن معنى (أنْ تَفْعَلَ) معنى المصدر، كأنك قلت: إيّاك أعِظُ أنْ تَفْعَلَ، فكما جاز أن تقول: أعْطَيْتُكَ رجاءَ الخيرِ، جاز: إياكَ أن

تفعل، وكما لم يَجُزْ: جِئْتُك زيدًا، يريد لزَيدٍ، لم يَجُز: إياك الأسد، فأما (إيّاك المراءَ) فعلى إضمار فعلٍ آخر. قال: وإذا رفعلت فالّذي في نفسك ما أظهرت.

قال أبو علي: قولُه: إذا رفعت فالذي في نفسك ما أظهرت، لأن الذي في النّفس المبتدأ، والمظهرُ هو الخبرُ، والمبتدأ والخبر شيء واحد فإذا نصبت، فالذي في نفسك الفعل والفاعل، والفعل والفاعل غير المفعول، وأنشد: فَواعِدِيهِ سَرْحَتىَ مالكٍ .... البيت

قال أبو علي: لَمّا قال: (واعِدِيهِ) دَلَّ على (لِيَاتِ)، فكأنه قال واعديه لِيَاتِ أسْهلا، وكذلك (زُيِّنَ لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم). قال أبو علي: التقدير والله أعلم أنه لَمّا قال: (زُيِّنَ) دَلَّ على أن لهم مُزيِّنًا فقال: شركاؤهم، أي زينه شركاؤهم، كما كان التقدير في:

لِيُبْكَ يَزيدُ ضارعٌ. (لِيُبْكَ ضارعٌ) لأنه لما قال: لِيُبْك، عُلم أن له باكيًا.

قال: ولا يجوز أن تقول وصاعِدٍ، لأنك لا تريد أن تخبر أن الدرهم مع (صاعِدٍ) ثمنٌ لشيء. قال أبو علي: الواو معناها الجمع، ومما يدل على أن معناها ذلك دُخولها على الجملة التي هي في موضع الحال كقوله عز وجل: (يَغْشى طائفةً منكم وطائفةٌ قد أهمَّتْهم أنفسُهم).

دخلت الواو ها هنا لمعنى الجمع، وإنَّ حكم الحال أن تكون مُصاحبة لذي الحال في وقت حديثه، ولو وقع غير الواو من حروف العطف هذا الموقع لم يَجُزْ، لأن هذا المعنى غير موجود إلا في الواو. قال: وصاعِدًا بدلٌ من زَادَ. قال أبو علي: قوله: بَدَلٌ من زادَ، يريد أنه دالٌّ على الفعل المُضمَر الذي انتصب به. قال: وزعم يونس أنه على قوله: مَن أنتَ تذكرُ زيدًا. قال أبو علي: قولك: مَن أنت تذكر زيدًا، لا يجوز أن يكون موضع (تذكر) نصبًا على الحال من (مَنْ أنتَ) لأن (مَنْ أنتَ)

جملة لا معنى فَعْلٍ فيها، والحال إنما يقع متى كان في الجملة فعل أو معنى فِعل، وكما لا يجوز أن يكون موضع (تذكُرُ) نصبًا على أنه حال من (مَن أنتَ) كذلك لا يجوز أن ينتصب ذاكرًا في قولك: (مَن أنت ذاكرًا) على أنه حال من (مَن أنتَ) حتى تُضمر جملة فيها معنى الفعل، كأنك تقول: مَن أنتَ تتعاطَى ذاكرًا وتنتحلُ ذاكرًا. قال: ومن ذلك قول العرب: أما أنت منطلقًا انطلقْتُ معك. قال أبو علي: (أمّا أنت) في موضع نصب، المعنى (انطلقْتُ) لإنْ كنت مُنطلقًا، فلما أُسقطت اللام صار في موضع نصب، و (ما) بدل من (كُنتَ). وقال أبو العباس: لا أرى وقوع الفعل بعد (أمّا) إذا كانت مفتوحة ممتنعًا.

قال: والقياس لا يمنعُ (أمّا كنتَ منطلقًا إلا أنه إذا لم يُسمع لم يجز أن يقال، فلذلك ذهب سيبويه إلى أن (ما) عُوّض من (كنتَ) فلا يُجمع بين العِوَض والمُعوَض منه كما لم يجمع في (إمّا لا) بينهما. قال: كما كانت الهاء والالف عِوَضًا في الزَّنادقة واليَماني. قال أبو علي: الألف في اليمانى عِوَضٌ من إحدى يائَي النَّسَب يدلك على ذلك أن البلد يَمَنٌ، وإنما تلحقه الألف في الإضافة، وإن قلت: يَمانِي، كنت كأنك نسبت إلى منسوب إلى اليمن، أو تكون

جمعتَ بين العِوض والمُعوض منه، وهو رَديءٌ كقوله: يا اللَّهُمَّ. وقال شبَّهوها يعني (ما) في (أمّا أنتَ) بما يلزم من النونات في لَأفعَلَنَّ، واللام في (إن كان لَيفعلُ) وإن كان ليس مثله. قال أبو علي: لو لم يَدْخل النون في (لأفعَلنَّ) لالتبس الفعل المُستقبَل بفعل الحال، وكذلك اللام في (إن كان لَيَفْعَلُ) لو لم يَثْبُتْ لالتبس الإيجاب بالنفي، فهاتان الزيادتان ثَبَتَتا للفصل بين المعاني،

(وليس ما) في (آثِرًا ما)، كذلك فإنما جاءت للتوكيد، ولم تغير معنى، ولو حُذفت لم يلتبس (آثرًا) بشيء. قال: حتى كأنهم قالوا: إذْ صِرْتَ منطلقًا، أي إنما جعل (إذ) بمنزلة (إنْ) لأن (إذْ) لِما مضى، كما أن (أنْ) تكون لِما مضى نحو: أعجَبني أن قُمْتَ. قال: إلا أن (إذْ) لا يُحذف معها الفعل، و (أمّا) لا يُذكر بعدها الفعل. قال أبو علي: قوله: إذ لا يحذف معها الفعل، يريد: أن (إذْ) إذا أضيفت إلى فعل، لم يُلزم الفعل الحذف، كما ألزم الفعل الحذف في (أمّا) فإن قلت: فقد يُحذف الفعل في الجملة التي يُضاف إليها (إذْ) في نحو (يومئذٍ وحينئذٍ) فهذا الحذف كَلا حذف للتنوين الذي عُوِّض عن المحذوف.

قال: ومثل ذلك قولهم: إمّا لا. قال أبو علي: (إمّا لا) تُستعمل في جواب من قال: أفعلُ كذا، ولا أفعل كذا، فيُقالُ: أفعل كذا إمّا لا، أي الفعل ما ذكرت أنك تفعلُه إن كنت لا تفعل غيره، فحذفت (كنت)، و (تفعلُ غيره)، واستُغني بما أبقى عمّا حُذِف. و (ما) في قولك: (إمّا لا) عِوَضٌ من (كنتَ). وأنشد: فما أنا والسّيرَ في مَتْلَفٍ

(ما) ها هنا بمعنى الاستفهام، وهو اسم فيه معنى الحروف وتقديره: أمُقيمًا كنتَ ها هُنا أمْ ظاعِنًا. قال: كما أن كيف على معنى يكون. قال أبو العباس: لأن (كيف) سؤال عن حال، فالمعنى كيف يقعُ؟ قال: أزْمانُ قومي والجماعة كالّذي

قال: لا تنقضُ ما أرادوا من المعنى. قال أبو العباس: أي لا ينقُضون بالنصب معنى الرفع في قوله (والجماعة). قال: لأن الشأن ليس يلْتَبِسُ بعبدِ الله. قال أبو بكر: لأنَّ الشأن مصدرٌ فإنما يُعطف عليه مثلُه.

قال: وأمّا هذا لك وأباك، فقبيحٌ أن تنْصِبَ. قال ابو علي: ليس في هذا معنى فعلٍ، وفي الاستفهام، كأنّك ذكرت الفعلَ، لأن الفعل يقعُ فيه كثيرًا. قال أبو علي: هنيئًا، ينتصبُ على إضمارِ (هَنأَكَ) وانتصابُهُ

على الحال، لأنه صفة، وإذا جاز أن يُنصب المصدرُ على تأويل الحال كان ذلك في الصفات أجْوَز. قال أبو علي: انتصابُ اسم الله عزّ وجلّ في (عَمْرَكَ اللهَ). أن الكاف قد حالَ بين (عَمْرَ) وبين اسم اللهِ تعالى أن يضافَ إليه وكذل (فِعْدَكَ الله). قال: ومثلُ (خيرُ ما رُدَّ في أهلٍ ومالٍ). قال أبو العباس: كأنه اشترى عبدًا. قال أبو علي: يُقال هذه الكلمة لمن اشترى عبدًا أو غيره، فقيل: خَيْرَ ما رُد، أي اشتريتَ خيرَ ما رُد.

ومن رَفع أراد: هذا خيرُ ما رُد، والذي اشتريت خيرُ ما رد. قال: وإنما اسْتَحبُّوا الرفع فيه. يعني (الحَمدَ) لأنه صار معرفةً، وهو خبرٌ. قال أبو علي: المصادر إذا كانت نكرةً في هذا الباب قامت مُقام الأفعال نحو (سُقْيا) وما أشْبَهها، وإنما قامت مُقامها لَمّا كانت نكرةً مثل الأفعال، (والحَمَدَ) وسائرُ المصادر المعرّفة لا يحسنُ أن تقوم مقام الأفعال، لأنها مُعَرفة، فلذلك كان الرفعُ في هذا الباب أحسنُ. قال أبو بكرٍ: لايدخل المرفوع الذي فيه معنى الدُّعاء في المنصوباتِ التي فيها معنى الدعاء، ولا المنصوبات في المرفوعات، لأن إخراجَك ما يُتَكلم به مرفوعًا إلى المنصوبات كإدخالك ما لم يُتَكَلَّم به من الأخبار في معنى الدعاء.

قال: كأنك قلت: وتَبًّا لك. قال: لك هذه بمنزلة التبيين ليست التي في (وَيْحَ له). قال: لأن له لم يعمل في التَّبِّ. أي (له) الثانية لم يَتِمّ به الكلام. قال أبو بكر: إذا قلت: أنت سيرٌ فقد جعلت السَّير على التكثير ونظير ذلك قولُهم: شُغْلٌ شاغِلٌ، جعل الشُّغل هو الشّاغِلَ وليس كلُّ واحدٍ منهما صاحَبَه.

قال: ألم تَرَني عاهدتُ رَبِّي.

قال أبو علي: مذهب عيسى في هذا البيت أنه لم يذكر المعاهد عليه اللهُ تعالى، ولم يجعل (لا) في (لا أشْتُمُ) تَلقِّيًا للقسم، لكن جعل (لا أشْتُمُ) موضع الحال، كأنه قال: عاهدت ربِّي غير شاتمٍ، فموضع (لا أشتُم)، نصب، (ولا خارجًا) معطوفٌ عليه، وليس على قوله باسم فاعلٍ مقام المصدر، إنما هو حالٌ معطوفٌ على حالٍ. قال: فكما لم يَجُزْ في الإضمار أن يُضمرَ بعد الرافع ناصبًا

أي لو قلتَ: أعُور وذون نابٍ: فرَفعته على إضمار (هو) لم يجز أن يضمر بعد (هو) الرافعة شيئًا ناصبًا لأعْوَر. قال أبو علي: قولُه: يُصَوِّتُ في موضع نصب على الحال كأنه قال: فإذا هو مُصَوِّتًا. قوله: صوتَ الحمار، منتصبٌ بالفعل الظاهر، أعني بصوت، فهذا معنى قوله: على غير الحال، وإنّما قال ذلك، لأن صوت الحمار هنا غير حالٍ كما كان كذلك في المسألة الأولى. قال: احْتَجْت إلى فعل آخر تضمره، فمن ذلك قول الشاعر:

إذا رأتني سقطت أبصارُها .... قال أبو علي: أي إذا كنت تضمر مع الفعل فعلا فالمصدر أولى أن تضمر معه. قال: فَمِمّا لا يكون حالاً ويكونُ على الفعل: لَوَّحَها مِنْ بعدِ بُدْنٍ وسَنَقْ

قال أبو علي: لأن هذا ثبت ولا يكون حالاً، فهو بمنزلة اليَدِ والخِلْقَةِ. قال: وإن شئتَ نَصَبْتَ على ما فسَّرناه وكان غير حالٍ.

قال أبو العباس: يعني مصدرًا على غير التشبيه، أي هو مفعولٌ يتناوله الفعل، لا على أنه مثال وقع به الصَّوْت. قال: وكأن هذا جوابٌ لقوله: على أيِّ حالٍ. قال أبو العباس: وكأن هذا راجعٌ إلى أول الكلام، وهو الحال، حيثُ يقول: وإنْ شئتَ جعلْتَهُ. قال: وهو موقوعٌ فيه وعليه.

قال أبو العباس: قولُه: موقوعٌ فيه كالحال، وعليه كالمصدر. قال: وزَعَم الخليل أنه يجوز (له صوتٌ صوتُ الحمار) لأنه تشبيهٌ. قال أبو علي: ذهب الخليل إلى أن هذا تشبيهٌ، والتَّشبيه يكون بمثل فكما أنه لو قال: له صوتٌ مثل صوت الحمار، جاز أن يجعلَه صفة للصوتِ، كذلك أجازَه مع حذف (مِثْل). قوله: رجلٌ أخو زيدٍ، على نِيَّةِ (مِثْلَ) عند الخليل. قال أبو عثمان: لا يجوز عندي قول الخليل أن تُوصف النكرةُ بالمعرفة بوجهٍ من الوجوه.

قال أبو علي: إنّما امتنع وصف النكرة بالمعرفة، لأنّ النكرة تدل على أكثر من واحد، والمعرفة مُخْتَصَّةٌ تدل على واحد، فمن حيث لم يَجُز أن يكون الواحد جمعًا، لم يَجز أن توصف النكرة بالمعرفة، ولا المعرفة بالنكرة. قال أبو علي: إذا قال: هذا صوتٌ صوتُ حمارٍ، فليس في لفظك فاعلٌ في المعنى، كما أنك إذا قلت: له صوتٌ صوتُ حمارٍ، فقد لفظت بفاعل في المعنى، والوجهُ في: عليه نَوْحٌ نَوْحُ الحمام، وهذا صوتٌ صوت حِمار الرفع، لأنه لا فاعل في المعنى مذكور في لفظِك كما أنه مذكور في قولك: له صوتٌ. قال ابو العباس: قال ابو عثمان: جَمْعًا لا يكون في الحال ولا يكون إلا مصدرًا، وغلطٌ عندي، قال الله تعالى: (سيُهزَمُ

الجمع)، فوجب أنه اسم، إن نزعت منه الألف واللام كان نكرةً ووقع حالاً. قال: وقد رأينا المصادر صيغ فيها ذَا. أي أنها لا تُصَرَّف، فشبِّه هذا أيضًا بها، يريد: قاطِبَة ونحوه.

هذا باب ما يكون فيه المصدر توكيدا لنفسه

هذا باب ما يكون فيه المصدر توكيدًا لنفسه وهو قولك: له عليّ ألف درهمٍ عُرفًا. قال أبو علي: الفرق بين هذا الباب والذي قبله أن الذي يُنتصَب فيه، عليه دليل من الجملة المذكورة قبله، والأول لا دليل فيه على المُنتصِب من الجملة التي قبله. وقوله تعالى: (وترى الجبال تحسبها جامدة) يدل على أن ذلك صنع الله تعالى وخلقه، فحمل (صُنْعَ الله) على (صَنَعَ) لأن فيما قبله دليلا على (صنَعَ).

قال: لأنه ليس في معنى كيف، ولا لِمَ ولا (ما كان) على معنى كيف ولِمَ، هو الحال والمفعول له، وهذان ينتصبان على الجملة المتصلة بهما، وما ذُكر في هذا الباب وفي الذي قبله ينتصب على إضمار فعل دلَّ ما قبل المنتصب عليه، فالحال والمفعول له ينتصبان من جملة واحدة، وهذا الباب لم ينتصِب من الجملة المذكورة قبل المُنتصِب، إنما هو على فعل آخر. قال: ودلك قولك: أمّا سِمنًا فَسَمينٌ. قال: وعَمِل فيه ما قبله وما بعده.

قال أبو علي: فعَمِل فيه ما قبله وما بعده، يريد بما قبله، ما في (أمّا) من معنى الفعل وهو مهما يكن من شيء سِمَنًا. وأما بعده فسَمينٌ، كأنه قال: مهما يكن من شيء فهو سمينٌ سِمَنًا. وكان أبو العباس لا يجيز أن ينتصب سِمنًا بسمينٌ وهو قبله لأن (فَعيل) غير متعدٍّ، وإذا تقدَّم عليه كان أبعد من أن يعمل فيه. قال: ومن ذلك: أما عِلْمًا فلا عِلْمَ له. قال أبو العباس: أمّا عِلْمًا فلا يجوز أن ينتصب بما بعده، لأن ما بعد (لا) لا يعمل فيما قبلها. قال: وكان [إضمار] هذا عندهم أحسن من [أنْ] يُدخلوا فيه ما لا يجوز. قلت: أي من أن يدخلوا فيه الألف واللام وهو حال. قال: ولا يكون في الصفة، الألف واللام لأنه ليس بمصدر. قد أجازه أبو العباس على أن يكون الاسم الثاني الظاهر في موضع

المُضمر، كقولك: أمّا الصديق المُصافى فليس بصديقٍ، وكان مُجرى الكلام فليس هو، ولكن هذا مثل قوله: لا أرى الموتَ يسبِقُ الموتَ شيء. أي يسبقه في وضع الظاهر موضع المُضمر. قال: وإنما المصدر تابعٌ له.

قال أبو علي: يُحتمل أن يكون تابعًا للصفة في أن وَقَعَ حالاً كما وقعت، ويُحتمل أن تكون (له)، أي يَتْبع قول القائل: لِمَ فَعَلْتَ؟ فيُنصَبُ على أنه مفعول له. قال: وسمعناهم يقولون: العَجَبُ من بُرٍّ مررنا به قبل قَفيزًا بدرهم فحملوه على المعرفة. قال أبو علي: قَبُحَ أن يجعل قفيزًا حال من بر، لأن الحال من النكرة قبيح، وقَبُحَ أن يجعل صفة له، لأن القفيز ليس بوصف، فلذلك جُعل حالا من الهاء، لأنه قد يكون حالاً ما لا يكون صفة. قال أبو بكر: الصفة لا تكون إلا فعلا أو ما اشتُقَّ منه، ويكون الحال فعلا ويكون اسمًا لأنه زيادة في الإخبار، فالصفة تكون حالا، وليس كل حال تكون صفة.

هذا باب ما تنصب فيه الصفة لأنها حال وقع [فيها الأمر] وفيها الألف واللام

هذا باب ما تُنصب فيه الصفة لأنها حال وقع [فيها الأمر] وفيها الألف واللام قال أبو علي: الذي يوفِّق بين هذه الصفة التي فيها الألف واللام وبين ما يُشبه من الأسماء بالمصادر، أن الاسم المُشَبَّه بالمصدر المنصوب على الحال معرفة بالإضافة، وهذه الصفة معرفة أيضًا بالألف واللام فقد جمعها التعريف. قال أبو إسحاق عن أبي العباس: إذا قلت دخلوا الأولَ فالأول فهو غير شاذٍّ، وذلك أن الألف واللام ما دخلتا على معهودٍ وإنما هو تعريف للجنس، فهو أقرب إلى النَّكِرة.

قال: فإن قلت: ادخلوا فأمَرْت، فالنصب الوجه ولا يكون بدلاً. قال أبو علي: لم يجز ذلك لأن الأمر إذا كان للمخاطَب لم يجز أن يرتفع به الاسم الظاهر، وقد أجاز عيسى وأبو العباس ذلك على أن يُحمل على معنى ليدخل الأول فالأول. قال: ولا يجوز في غير الأول هذا. أي: إدخال الألف واللام في شيء من الصفات، ونصبُه على الحال في غير الأول. قال: وذلك قولك: هذا بُسْرًا أطْيَبُ منه تمرًا. قال أبو علي: كأنَّ هذا الباب مركَّب من البابين اللَّذين قبله.

قال أبو علي: إذا أضمر فعل مستقبل أو فعل ماضٍ، لم يمتنع أن ينتصب الاسم عنه على الحال، كقولك: ضَرَبَ زيدًا قائمًا، ويضرِب قائمًا، وسَيَضرِب قائمًا، فكذلك: هذا بُسْرًا ورُطَبًا، ينتصبان على إضمار هذا إذا وَقَعَ أو إذا يَقَعُ، فليس الحال هي المضمر إنما العامل فيها مضمر. قال سيبويه: هذا كله ينتصب (الظروف) على ما هو فيه وعلى ما هو غير ما هو فيه.

أي: معنى الاستقرار وما هو غيره: أي النّاصِبُ لهذه الظروف المُضمر، وهو غيرها. قال: ومثل ذلك: أنتَ كعبدِ اللهِ. أي: أي جعلته ظرفًا، لأن هذه الكلمة قد تدخُل عليها كاف أخرى. قال: يدلك على أن سواءك وكزيدٍ بمنزلة الظروف أنك تقول: مَررتُ بِمَنْ سِواءك. قال أبو علي: يَدُلُّ قولك: مَرَرْتُ بِمَنْ سِواءك على أن سواءك ظرف، لأن الأسماء الموصولة يوصل بها الجُمل، فإذا وصل بها الظرف فعلى أن الظرف متعلق بجملة من فعلٍ وفاعل محذوفة، كأنك قلت: مررت بمن استقرَّ سواءك، فالضمير يرجع إلى الموصول مِن استَقَرَّ،

إلا أنه لما حذِفَ قام الظرف مُقامه، وعلى ذلك قولك: الذي كَزَيْدٍ. قال أبو علي: الأماكن المختصة تُشبِه زيدًا وعَمْرًا في أن لكلِّ ضَرْبٍ منها جُشَنًا؟ متميزا بعضها من بعض، ومختصة، فكما أن الفعل غير المتعدي لا يتعدى إلى زيدٍ وعمرٍو، كذلك إلى هذا النحو من الأماكن. قال: اعلم أن ظروف الدَّهر أشدُّ تمكنًا في الأسماء.

قال أبو العباس: ليست ظروف الزمان أشدّ تمكُّنًا في الأسماء بل هي أبعدُ من الأسماء من الظروف المكانية، وذلك أن الظُّرُوفَ ظرفان؛ ظرف مكاني وظرف زمانيٌّ، فالفعل يدل بصيغته على الظرف الزماني فهذا الظرف أقعدُ في الظرفيَّة من الضرب الآخر، وأبعد من الاسمية منه، وعلى هذا عقد سيبويه في أول الكتاب، ولكنه سَها في هذا الموضع. قال: وإذا قُلت: رُبَّ رَجُل يقول ذاك، فقد أضفت القول إلى الرجل بِرُبَّ. قال أبو علي: (يقولُ) ها هنا في موضع جَرٍّ لأنه صفة لِرَجُل، والصفة تجري على الموصوف من غير أن تضاف إليه بحرف جر، والمضاف إلى رجل بِرُبَّ فعل محذوف (رأيتُ) وما أشبهه، جوابًا لمن يقول: ما رأيتُ رجلاً يقول ذاك وهو مذهب أبي بكر. قال: مَرَرت برجل ما شِئْتَ مِنْ رجل.

قال أبو علي: (ما) في قوله: ما شِئْتَ من رجلٍ، بمعنى المصدر، ولا يجوز أن يكون بمعنى (الّذي) لأنه صفة لنكرة، وقد وقعت المصادرُ مضافة صفاتٍ للنكرة في هذا الباب (بِمُنْجَرِدٍ قَيْدِ الأوابِدِ). قلت: إنما وصف هذه النَّكِراتِ بهذه الأسماء المضافة إلى المعرفة لما فيها من معنى الفعل ونِيَّة الانفصال، فمعنى (قَيْدِ الأوابدِ) مُقيدِ الأوابدِ. قال: وإنْ شِئْتَ أجْرَيْتَهُ مَجرى العِدَّة.

قال أبو علي: أي وضعت (رَجُلاً) موضع العِدَّة المجموعة أعني قوله: برجلين، فيكون تقدير الكلام: مَررتَ برجل مُسْلِمٍ ورجل كافرٍ. قال: وتقول: مررتُ بأربعةٍ صريع وجريجٌ. قال أبو علي: لا يجوز الجر في موضع (صريعٌ وجريحٍ) على الصفة، لأن الصفة حكمها أن يكون الموصوف، وليس إتْيانُ أربعةٍ. قال أبو بكر: دخلت (الواو) على (لَكِنْ) وهما جميعًا قد يستعملان حرف عطف، لأن الواو لازمٌ للعطف لا يزول، و (لكنْ) يُشدَّد فيعمل ويخرج عن حدِّ العطف.

قال: فَنَفيُ هذا ما مررتُ بزيدٍ، وما مررتُ بعمرٍو. قال أبو عثمان: أخطأ عندي، ونفيه من اللفظ: ما مررت بزيدٍ وعَمْرٌو.

وذهب أبو عثمان إلى أن النفي على لفظ الإيجاب، فكما أنه لم يذكر في الإيجاب المرور مرتين، وفُهِم عنه ما أراد منهما فكذلك حالُ النَّفي. قال: (لَكِنْ) معناها الإضرابُ، ويعطف بها فإذا ذكرت الواو قبلها كانت العاطفة الواو، وبقي في (لَكِنْ) معنى الإضراب وزال عنها معنى العطف مع الواو. قال: وإذا كان قبل ذلك منعوت، أي: مذكور فأضمرته، أو اسم أضمرته، أو أظهرته فهو أقْوَى، أي الرفع.

قال أبو إسحاق: أي إذا كان الاسمُ منعوتًا كقولك: ما مَرَرْتُ ببَغل فارِهٍ، لأن البغل مضمر في الفارِهِ، فإذا كان كذا فهو أحسنُ. وأما قوله: أو اسمًا أضمرتَهُ فهو كقولك: ما مررت بهِ بَغْلاً، يريد بالاسم الهاء الذي في (بِهِ).

هذا باب مجرى نعت المعرفة عليها

هذا باب مجرى نعتِ المعرفة عليها قال أبو بكر: شرط هذا الباب أن يكون الأعمُّ صفةً للأخَصِّ، وإنما صار الأعمُّ صفة للأخصِّ لأنه إذا جُمِعا تركَّب منهما ما هو أخصُّ من كل واحد منهما على الإفراد، كقولك: زيدٌ الطَّويلُ، فإنه أخصُّ من كل واحدٍ من الصفة والموصوف. قال أبو علي: وإنما لا تقول (مَرَرْتُ) بهذين الطويلِ والقصير لأن (هذا) مع ما يوصَف به بمنزلة اسمٍ واحدٍ، فمنزلةُ وصفة منه منزلة حرف من حروفه، فكما لا يجوز أن تُثَنِّي الاسم وتجمعه قبل تمامه، كذلك لا يجوز أن تُثَنِّي (هذا) قبل أن تُتِمَّه بضم الصفة إليه.

ولا يجوز أن تقول: مَرَرْتُ بهذا ذي المالِ، لأن الاسم المضاف لا يكون مع اسمٍ آخر بمنزلةِ اسمٍ واحد. قال أبو علي: الذي سَمَّاه سيبويه في باب مَجرى النَّعْت على المنعوت تفسيرًا للنعت، هوالذي يُنتصب هنا على الحال، والمثال في ذلك قولك: مررْتُ برجلين رجلٍ صالحٍ ورجلٍ طالحٍ، فتقول: مَرَرْت بأخَوَيْكَ صالحًا وطالحًا، ومررت بأخويك رجلاً صالحًا ورجلا طالحًا، فذكرت ها هنا رجلا، وَصْلَةً إلى الحال، كما كان في النكرة وصلَةً إلى الصفة، وهذه الوصلة هي التي سماها سيبويه تفسيرًا للنعت، وتوكيدًا له ونظير قولك: مَررتُ بأخوَيْكَ رجلاً صالحًا ورجلا طالحًا.

قوله: تَرى خَلْقَها نِصفٌ قَناةٌ قَوِيمَةٌ. إذا جعلت (قناةً قويمةً) حالا، قولك (قناةَ) وصلةٌ إلى ذكر الحال.

وأنشد للفرزدق: فأصْبحَ في حيثُ التقَيْنا شِريدُهم ... طَليقٌ ومَكتوفُ اليدين ومُرْهِفُ قال أبو علي: قوله: طليق ومكتوف اليدين، طليق مع المبتدأ المضمر قبله في موضع نصب لوقوعه خبرًا لأصبح، والظرف على هذا التقدير مُلغى، أعني قوله: في حيث التقينا، وكذلك قوله: وكانت قُشَيْرٌ شامِتًا لو لم ينصب (شامتًا ومزريًا وزاريًا) لصارت الجملة التي كانت

(يكونُ بعضُهم شامتٌ) والجملة التي كانت (تكون) معطوفًا عليها في موضع نصب. قال أبو علي: إنما وصِف العَلَمُ الخاص بالمُبهمة، والصفات إنما تكون حُلَى، وليست المُبهمة بظاهرة في لفظها الحِلْيَةُ، لكنها تتضمن معنى الشبيه والإشارة، وبهذا المعنى انتصب الحال بعدها في قولك: هذا زيدٌ راكبًا، فمن حيث انتصب الحال بعدها لمعنى الفعل الذي تتضمنه وجاز أن يُنعت بها. وقوله: معطوفةٌ، يريد بها معنى الإتباع، وعلى هذا سُمِّيَ الاسم الذي يبَيَّن به كما يبَين بالصفة عطف البيان. قال: كقولك: لم يَبْقَ منهم مُخبِرٌ، وقد بقي منهم.

قال أبو إسحاق: قوله: وقد بَقِيَ منهم، إنما يُريد تكثير ذلك، كقولك: رأيتُ بَني تميمٍ اليوم كُلَّهم، وإنما رأيت بعضهم، وقد بَقِيَ منهم قومٌ لم ترهم ولكِنَّك تُكثِّرُ. قال: وإنما صار المبهم بمنزلة المضاف، لأن المُبهم تُقرِّبُ به شيئًا أو تُباعِده، وتشير إليه. قال أبو علي: معنى قوله المبهم بمنزلة المضاف، أي ليس يجوز في صفة المبهم إذا ناديتهُ إلا الرفع، كما أنه ليس يجوز في صفة المضاف إلا النصبُ، فلما لزِم صفة المبهم إعراب واحدٌ كما لَزِمَ صفة المضافِ إعراب واحد وخالف كُلُّ واحدٍ منهما صفة المنادى المفردِ، غير المبهم، إذ كانت تُرفع وتنصب، اتفقا من هذا الوجهِ. قال: ولم يُرِد أن يُبَيِّن بقوله: (كُلَّ الرَّجُلِ) ما قبله كما يُبين (زيدًا) إذا خاف أن يَلْتَبِسَ. قال أبو بكر: يريد لا يبينُ بقولك (كُلَّ الرجلِ) ما قبلهُ كما يبين (بالطَّويلِ)، وما أشبهه، لأن قولك: (كَلَّ الرَّجل)، ليس بصفة مُخَلَّصَةٍ مميزة، إنما هو ثَناءٌ، وكذلك صفات الله عزَّ وجلّ.

قال أبو علي: إنما قَبُحَ (ما يَحْسُنُ بعبدِ الله مثلِكَ) في المدح، من حيثُ قبح: (مررتُ بعبدِ الله كُلِّ الرجل) في المدح، لأن عبد الله ليس مما يمدح به، كما يمدح بالرجل، لما يَدْخله من معنى الكمال والنَّافذ فإن لم ترد المدح في قولك: (ما يَحْسُنُ بعبد اللهِ مثلِك) وأردت بمثلِك المعروف بِشِبْهِهِ فقدْ جاز. قال: والتبعيض والابتداء أقوى.

قال أبو علي: إنما صار الابتداء والتبعيض في المعرفة أقوى، لأن حُكم المبتدإ أن يكون معرفةً. قال أبو بكر: مُخالِطها السِّقام، ومُخالِطُهُ بُهْرٌ على خلاف ما حَكَوْا ولو كانا كما قالوا لكانا منصوبين. قال: فإن زَعَموا أن ناسًا من العرب ينصبُون هذا، فهم ينصبون به داءٌ مُخالِطُه، وهو صفة الأول، وهم يقولون: هذا غلامٌ لك ذاهبًا.

قوله: ينصبون هذا، هو إشارة إلى ما في البيتين وما أشبَهه. يقول: ليس انتصاب هذا الضَّرب من حيث حُذف التنوين منه، إنما انتصابه على الحال من النَّكِرة أو المعرفة، والتقدير فيما وَقَعَ من ذلك منتصبًا متصلاً الانفصال. قال أبو علي: وإنما ذكر سيبويه الحال من النكرة في قولك: هذا غلامٌ لك ذاهبًا، ليُعلِمَ أنه إذا سُمع (به نفسٌ عالٍ مُخالِطُه) منصوبًا، فقد نُصِب على أنه حال من النكرة، ولم ينصب من حيث حُذف التنوين، وقد يجوز أن يكون (ذاهبًا) حالاً مما في ذلك من الضمير، ولا حُجَّةَ فيه على هذا الوجه، لأن الحال فيه من المعرفة، وإنما الحجة أن يكون الحال من (غُلامٍ) النكرة، وكذلك قولك: مرَرْتُ برجلٍ قائمًا، الحجة أن يكون الحال من (رجلٍ) دون التاء من (مررتُ). قال: وبعضهم يجعله منصوبًا إذا كان واقعًا، ويجعله على كل حال رَفْعًا إذا كان غير واقعٍ. الواقع هنا الحالُ، وغير الواقع هنا الاستقبالُ.

قال: وإذا جعلتَه اسمًا لم يكن فيه إلا الرفع على كل حال. أي: وإن جَعل اسم الفاعل للماضي دون الحال والاستقبال. قال أبو علي: وإذا قلت: أتاني الحسنةُ أخلاقُه فمعناه: أتاني الرجل الحسنةُ أخلاقُه، فالحسنة فعل للأخلاق، وإن كان جاريًا على الرجل ولذلك أنَّثْتَهُ، والراجع إلى الرجل الهاء من أخلاقه، وإنما قلت: الحسنةُ، لأن الصفة ليست للرجل، وإن جرت عليه، ولو حَذفت الهاء التي أُضيفت الأخلاق إليها، لم يجز أن تقول: أتاني الرجل الحسنة الأخلاق. لأن الحَسَنَ قد صار فيه ضمير للرجل من حيث جرى عليه صفة له، ولم يرتفع به شيء من سببه، فتأنيث (حَسَنِ) خطأ إذا كان فيه ضمير مذكَّر، ولم يكن الفعل للأخلاق إذا حَذفت الهاء الراجعة إلى الرجل، لكنك جعلت الحَسَن وصفًا للرجل، ثم بَلَغْتَ به الأخلاق، ولمَّا أن الحُسْن صار فيه ضمير للأول، لم يَجُز أن تَرفع به الأخلاق كما كنت ترفعه به قبل أن تحذف الهاء ولو رَفعت الأخلاق بالحَسَن كما كنت ترفعه به وهو مُضاف إلى الهاء لم تَخْلُ في ذلك من أحد أمرين: إمّا أن تُخَلِّيَ الصفة من أن يرجع منها شيء إلى الموصوف، وإما أن ترفع به الأخلاق وفيه ضمير للموصوف، ولو فعلت ذلك لارتفع بالفعل

فاعلان بغير حرف إشراكٍ وذلك غير جائز، والأول أيضًا غير جائز، أعني إخلاءَ الصفة من ضمير الموصوف. قال سيبويه: ومن جواز الرفع في هذا الباب أنِّي سمعت رجُلين من العرب عربيَّين يقولان: كان عبدُ الله حسبكَ به رجلاً أي: لم يعمل حسبُك هنا إعمال الفعل وإن كان قد جرى صفةً فتقول: كان عبدُ الله حسبُك به فترفع (بِه) بقولك (حسبُك) وتعمله عمل الفعل، لكن رُفع (حسبُك) بالابتداء، و (به) على أنه خبره، فَبِهِ في موضع رَفع، لأنه خبر مبتدأ، ولو أُعْمِلَ (حسبُك) عمل الفعل لكان (به) يصير موضعه رفعًا، لارتفاعه بحسبِك، مُعملاً إعمال الفعل. فإذا لم يَجُز أن يعمل (حسبُك) و (كُلّ) إعمال الفعل، وقد جَرَتا صفتين للنكرة، كان إعمال (خَزٍّ) وما أشبهه من أسماء الجواهر البعيدة الشَّبه من الفعل أبعد من أن تعمل عمل الفعل. وقولك (حَسبُك به رجلاً) في الحكاية، جملة من مبتدأ وخبر في موضع نصب لوقوعه خبرًا لِكانَ.

هذا باب ما يكون من الأسماء صفة مفردا وليس بفاعل ولا صفة يشبه الفاعل كالحسن

هذا باب ما يكون من الأسماء صفةً مفردًا وليس بفاعل ولا صفةٍ يُشبه الفاعل كالحَسَن قال أبو علي: الذي يوافق هذا الباب الباب الأول، إنهما يبعدان من أن يعملا عمل الفعل، لبُعد المناسبة بينهما وبين الفعل، ويفترقان في أن الصفات في الباب الأول موصولة بشيء، غير مُفردة وفي هذا الباب مفردة غير موصولة. قال: فاختِير الرفع فيه لأنك لا تقول ذِراعٌ الطُّولُ منونًا ولا غير منوَّنٍ. الفصل ليس في كتاب أبي بكر ولا معنى له ها هُنا أيضًا في تبعيد هذه الصفات من أن تعمل عملَ الفعل لأن وقوع الصفة خبرًا لمبتدأ لا يبعِده من أن يعمل عمل الفعل، ألا ترى أنك تقول: زيدٌ خيرٌ

منكَ، فيقع (خيرٌ منك) وما أشبهه من الصفات التي لا تعمل عمل الفعل أخبارًا، وليس يُبعده ذلك من أن يعمل عمل الفعل، وإنما الذي يُبعده عن أن يعمل عمل الفعل تَعَرِّيهِ من المعاني التي بها شابَهَت الصفات الأفعال كالجمع بالواو، والتأنيث، وموافقة الفعل في البناء. قال: ولكنهم يقولون: هو نارٌ حُمْرَة. قال أبو إسحاق: يعني أن النار لا يصفون بها، وقد يبتَدونها ويبنونها على المبتدأ. قال: وقد يجوز أن تقول على هذا الحد: مررْتُ برجلٍ حَسَنٌ أبوهُ وهو فيه أبعدُ. قال أبو بكر: الرفع في الصفة إذا قلت: مَرَرتُ برجلٍ حسن أبوه في الرَّداءة نظيرُ الجر في الاسم في الرجل إذا قلت: مَرَرْتُ

برجلٍ رجل أبوه، يريد إعمالك (رجُل) إعمال الفعل في القبح، كَوَضْعِك (حَسَن) موضع الاسم، وتركِك إعماله عملَ الفعل. قال أبو علي: إذا وصفت الصفة المشبهة بالفاعل، أو المشبهة بالمشبهة بالفعل، بعدت مِن أن تعمل عمل الفعل كما كانت تعمل عملَه قبل أن توصف، وإنما بعدت بوصفِك إياها من أن تعمل عمل الفعل لأن الأفعال لا توصف، وإنما توصف الأسماء، فأنت إذا وصفت هذه الصفات فقد أبعدتها من مشابهة الفعل، وأدخلْتَها في حَيِّز (الأسماء) فإذا قلت: مررتُ برجلٍ حسنٌ ظريفٌ أبوه، فإنما قوي الرفع لأن الصفة لم تَخْلُصْ للأب وحدها، بل شَمَلَت الأبَ وصفتَه الأولى. ألا ترى أنك لو طلبت رجلاً حسنا ظريفًا أبوه، لطلبت في الرجال الحسانِ

آباؤُهم، الرجل الظريف أبوه، ولم تطلبه في الرجال الظراف آباؤهم دون الحسان آباؤهم، ولذلك لا تدخل الواو في الصفات إذا طالت لأنها كالاسم الواحد، فإذا أدخلت الواو في الصفات الكثيرة إذا أجريتها على اسمٍ واحد فحكمه أن يكون قد عُرِف بالصفة التي عطفُ الصفة عليها بالواو. قال أبو علي: صار حسنُ الوجه، بمنزلة (حَسَنٍ) في إضافة حَسَنٍ إلى الوجه، من أجل أنَّ التنوين والانفصال فيه جائزان، بمنزلة (حَسَنٍ) غير مضاف في أنَّ الاسم يرتفعُ بحَسنٍ وهو مضاف إلى (الوجهِ) كما يرتفع به إذا كان مُنونًا غير مضاف فليس إضافةُ (حَسَنِ الوجهِ) كإضافة (أبي عَشَرَةٍ) لأنَّ الانفصال يجوز في حَسن الوجه كما يجوز في (مُلازِم أبيه رجلٌ) إذا أردت: (مَرَرْتُ برجلٍ مُلازم أباهُ رجلٌ)، فالإضافة في (حَسَن) بمنزلتها في (مُلازم) وليس بمنزلتها في (أبي عَشَرةٍ).

قال سيبويه: فهي ها هُنا معطوفةٌ على المضمر، وليست بمنزلة أبي [عَشَرةٍ]، فإن حملته على قُبْحِه رفعت. قال أبو علي: تقول: مَرَرْتُ بقومٍ عربٍ أجمعون، على أنّ (أجْمَعونَ) يرتفع بضميرٍ في (عَرَبٍ)، تقديره (هُمْ)، وتقول: مَرَرْتُ بأبي عَشَرةٍ أبوه، فلا يحسُنُ أن يكون (أبُوه) مرتفعًا بأبي عشرة كَحُسن ارتفاع (أجمعون) بضمير (عَرَبٍ). فإن قال: أليس (عَرَبٍ) صفة بعيدة الشبه من الفعل، كما أن أبا عشرة صفةٌ بعيدةُ الشبه من الفعل، فمن أين حَسُن ارتفاع المضمر المحمول عليه أجمعون بعَربٍ، ولم يحسن ارتفاع (أبُوه) بأبي عشرةٍ؟ فالجواب في ذلك أن الظاهِر ليس بمنزلة المضمر، لأن الصفة لا بد من أن يكون فيها هو الموصوف بعيدًا كان شبهها بالفعل أو قريبًا، لأنه إن لم يكن فيها ضميرٌ للموصوف لم يتعلق به، ولم تكن صفة له، فالضرورةُ تؤدي إلى تقدير هذا المضمر في الصفة، وليست الضَّرورة بمؤدية إلى رفع الاسم بالصفة غير المشبهة بالفعل، ولا المناسبة له.

قال أبو علي: لو رفعت (أبْغَضَ) وما أشبهه في هذه المسائل على الابتداء ولم تُجْره على إعراب رجلٍ، لم يَخْلُ ذلك من أحد أمرين: إما كنت قائلاً: ما رأيتُ رجلاً أحسنُ في عينه الكُحْلُ منه في عينه، فرفعتَ (أحسنُ) بالابتداء، ورفعت (الكُحْل) بخبره، وفصلت بالكُحْل الذي هو الخبر بين الصلة التي هي (مِنْهُ) وبين الموصول الذي هو (أحْسَنُ) وهو منهما أجنبي. وإما كنت قائلا: ما رأيتُ رجلاً أحسنُ في عينه منه الكُحْلُ في عينه، والهاءُ في (مِنْهُ) ضمير (الكُحْل) كنت قد أضمرتَ قبل مذكور، والإضمار قبل الذِّكْر في أنه لا يجوز كالفصل بين الصلة والموصول بما هو أجنبي منه. قال: يصيرُ خبرًا لِلْمَعرفة لأنه ليس من اسمه. قوله: ليس من اسمه أي ليس في التعريف مِثْلَهُ فلم يَجْرِ عليه في الإعراب.

قال: ومن قال: مَرَرْتُ برجلٍ أبي عشرة أبوه، كما تقول: مَرَرْتُ برجل حسنٍ أبوه فهو ينبغي له أن يقول: بعبدِ الله أبي العشرة أبوه. قال أبو علي: الألف واللام في العشرة إذا أُعملت أي العشرة عمل الفعل ليستا بتعريف عهدٍ وتخصيصٍ، ولكن دخولهما كدخُولهما في: (نِعْمَ الرَّجُلُ زيدٌ). قال: ولو قُلت: مَرَرْتُ بأخيه أبوك، كان مُحالاً أن يرفع الأب بالأخ. أي: لأن الصفة تجرى مجرى الفعل إذا كانت نكرة غير مختصةٍ. قال: وهي في مَرَرْت بأبي عشرةٍ أبوه.

قال أبو بكر: يريد بأبي عشرةٍ أبوه، أي بِرجل أبي عشرة أبوه، وإنما ذكر النعت وحدهُ اختصارًا. قال: وبأبي العشرة أبوه إذا لم يمكن شيئًا بعينه يجوز على استكراه. فإن جعلت الأخ صفة للأوّل لم تمتنع كما يمتنع إذا جعلته لما هو من سبب الأول، كقولك: مَرَرْت بزيدٍ أخيه أبوك. وإنما لم يمتنع إذا خلصته للأوّل، لأن الذي يرتفع به مضمر هو ضمير الموصوف فإذا جعلتهُ لما هو من الأوّل امتنع أن يرتفع به ما هو من سبب الأول، لأن الذي يرتفع به اسمٌ ظاهر، وقد تقدَّم الكلام في هذا. قال أبو علي: الصفات التي جرت على النَّكرات فارتفع بها ما كان من سببها إذا أُريد إجراؤها على المعارف، رفع ما كان من سببها بها أدخل عليه الألف واللام، فإن كانت الصفة على زنة فاعل، أو كانت

مشبهة به، دخلها الألف واللام على معنى الذي، فصار الاسم بمعنى (الفَعْل)، ووقع ما يتصل به صفة للمعرفة، فقولك: مَرَرْتُ بأخيك الضَّارِبه عمرٌو، تقديره: الذي ضربهُ عَمْرٌو، وقولك: مَرَرْتُ بالحَسن وجهُه أي بالذي حسن وجهه، ولولا أن الألف واللام بمعنى الذي، لم يَحْسُن أن يعمل الاسم الذي دخلت عليه عمل الفعل، لما كان يحدث فيه بدخولها من التعريف، والاسم الذي يعمل عمل الفعل لا يكون مُعَرَّفًا، كما أن الفعل لا يكون كذلك، ويدُلُّك على أن الألف واللام بمعنى الذي في هذه الصفات أنَّ ما وقع في صلتها لا يجوز تقديمُه عليها، كما أن ما يقع في صلة الذي لا يجوز تقديمه عليه، فالمعملُ عمل الفعل في قولك: (مَرَرْتُ بأخيك الضَّارِبُهُ زيدٌ) باق على تنكيره لم يحدث فيه تعريف، إذ كان معناه: مررتُ بأخيك الذي ضربه عمرو، فالمعمل (ضَرَبَ، وحَسُنَ) وأشباههما. وكان أبو بكر يقول في هذا: ليس إقامتهم الاسم هنا مقام الفعل بأعْجَب من إقامتهم الحرف مقام الاسم، بل إقامة الاسم مقام الفعل أقرب لأنه من لفظِه، وليس الحرف كالاسم.

هذا باب ما جرى من الأسماء التي من الأفعال وما أشبهها من الصفات التي ليست بفعل

هذا باب ما جرى من الأسماء التي من الأفعال وما أشبهها من الصفات التي ليست بفعل قال أبو علي: هذا البابُ يوافق الباب الذي قبله في أنه صفة كما أنّ ذاك صفة، ويخالفُه في أن هذه الصفات مشبهة بالأفعال، ومشبهة بالمشبهة بها، وليس ما قبله كذلك. قال: وفَصَلوا بينها في التذكير والتأنيث، ولم يفْصِلوا بينهما في التثنية والجمع. قال أبو بكر: لم يقولوا: ذَهَبا أخَواكَ، وذهبوا إخْوَتُكَ، فيفصلوا بين التثنية والجمع كما فصلوا بين التأنيث والتذكير. قال أبو العباس: وإنما لَزِمت علامةُ التأنيث، ولم تلزم علامةُ التثنية والجمع الفعلَ، لأن التأنيث لما كان معنى لازمًا، لزمت علامته، وليس التثنية والجمع بلازمين، لأن الاثنين والجميع قد يَؤُولان إلى الافتراقِ، والتأنيث لا يؤُول إلى التذكير.

قال: وأيضًا فاحتيج إلى الفصل بين فعل المذكَّر المؤنث، لأن المذكر قد يسمى باسم مؤنث كقولهم: أسماءُ بنُ خارجة وما أشبهه، فلو لم يلزم المؤنث علامةٌ التبس المذكر بالمؤنث والاثنان والجميعُ إذا ذُكِروا بعد الفعل أغْنَوا عن العلامة. قال: لأنه خرج عن الأوّل الأمكن. يعني بالأول الأمكن الجمع الصّحيحَ الذي لم يَعقِل. قال: وأمّا قوله عز وجل (وأسروا النجوى الذين ظلموا). قال أبو العباس: بابُه يجيءُ على وجهين: على البدل: وعلى أن يذكرَ رجلٌ قومًا بأنهم انطلقوا فيقال له: مَنْ؟ فيقول: بَنو فلانٍ. قال ابو علي: قوله تعالى (وأسروا النجوى) على قوله تعالى (اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون)، فالضمير

الذي في (أسَرُّوا) راجع إلى قولهم (وهم)، ولما جاء (وأسَرُّوا) متراخيًا عن الأوّل كأنه قيل: مَن المُسِرّون؟ فقيل الذين ظَلموا، أي هُم الذين ظلموا، وقد يَسوغ ذلك في غير المتراخي، من ذلك قوله تعالى (قُل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار) كأنه قيل: ما هو؟ فقيل: هو النار، فالنّار خبرٌ محذوف المبتدأ، ومثله (لَمْ يلبثوا إلا ساعةً من نهار بلاغ). على قولهم: ما هي؟ أو كيف هي؟ فقال: ذاك بلاغٌ. قال: فإن ثنَّيْت أو جمعت فإن أحسنه أن تقول: مَرَرْتُ برجلٍ قُرَشِيّان أبواه، ومررتُ برجلٍ كَهْلُونَ أصحابُه. قال أبو علي: إذا ثَنَّيْتَ الصفة أو جمعتها فالوجه فيها الا تُعْمِلَها عمل الفعل، كما أنك إذا وصفتها فالوجه ألا تُعْمِلَها، لأنها بالتثنية والجمع تبعد من شبه الفعل، كما أنها بالوصف تبعدُ من شبهه، فلذلك اختير فيها

الرفع، وتُرِك إعمالها عمل الفعل كما كان ذلك في (خَيْرٍ) وما أشبهه. قال: وإن شِئت قُلت: مَرَرْتُ برجلٍ أعْوَر آباؤُه، كأنك تكلمت به على حَدِّ (أَعْوَرِينَ) وإن لم يتكلم به. قال أبو علي: إنّما دَلَّ بقولهم: مَرَرْتُ برجلٍ أعْوَرَ آباؤه على أنه على زنةِ (أعْوَرين) لو قيل، لكن لما لم يقل عَوِرَ آباؤه، فيذكر الجمع المكسر الذي هو بمنزلة الواحدِ. قال أبو علي: قوله: كُعُوبُه، مرتفعة بالأصم، كأنك قلت: بالتي صُمَّتْ كُعوبُه، ولا يجوز أن يرتفع (كُعوبُه) بالابتداء، لأنه إذا قدَّر ارتفاعه بالابتداء أوجب أن تجمع الأصمَّ، وإفراد الأصمّ

في البيت، دليل على أن (كُعوبه) مرتفعة به. قال: وكان أبو عمرو يقرأ (خاشِعًا أبصارُهم). قال ابو علي: جاء (خاشعًا) على قول من قال: مررتُ برجلٍ حسنٍ قومُه. و (خُشَّعًا أبصارُهم) على قول من قال: مررتُ بِرَجُلٍ حِسانٌ قومُه. قال: وزَعم الخليلُ أن (السماء منفطرٌ به) كقولك (مُعَضِّلٌ) لِلْقَطاةِ. قال أبو علي: لم يُرد بمنفطر الاسم الجاري على الفعل، وإنما أراد الذي بمعنى النَّسَب، أي ذات انفطار. قال أبو بكر: قال أبو العباس: (السَّماء) في هذا الموضع يراد بها الجمع وإنما قال: (مُنْفطر)، فذكر، لأن السماء من الجمع الذي ليس بينه وبين واحده إلا الهاء، وواحدها سَماوةٌ، أو سَماءةٌ، وهذا الضرب

من الجمع يخبر عنه مَرَّةً كما يخبر عن الواحد المذكر، وأخرى كما يخبَر عن الواحد المؤنث، فعلى الأول قوله تعالى: (أعجازُ نخل منقعر)، وعلى الثاني (أعجازُ نخل خاوية). واستدل أبو العباس على أن السماء تكون جمعًا بقوله عز وجل في الآية الأخرى (ثم استوى إلى السماء فسواهن). قال: ولو كان هذا على القلب. قال أبو علي: معنى قوله: ولو كان هذا على القَلْبِ، أن قومًا مِنَ النحويين المتقدّمين كانوا يقولون: إذا لم يَجُزْ أن تقلبَ الصفة الثانية أي توضع موضع الأولى لم يَجُز فيها إلا النصب فيه، كانت في موضع رفعٍ أو خفض، وسيبويه لا يعتدُّ بذلك، ويقول: ما جاز فيه القلبُ من الصفات وما لم يجز منها سواءٌ في الإجراء على الأول.

قال أبو علي: وإذا قُلت: مررتُ برجل حسن الوجه جَميلَه، فلو كان ما ادَّعَوا من أمْرِ القلب صحيحًا لنصبت (جَميلَه) من حيث يمتنعُ القلب فيه، لأنك لو قُلت: (جميلِه)، فقلت: مررتُ برجل جميله حَسَنِ الوجهِ لم يَجُز، لأنك كنت تضمر الوجه قبل أن تذكرَه، والقلب في هذا يمتنعُ، والجرُّ، لأنك ولو كنت تضمر الوجه قبل أن تذكره فالقلب في هذا ممتنعٌ، والجرُّ فيه مع امتناع القلب سائغٌ، ولو نصبت (جَميلَهُ) لصار حالاً من النكرة ولكان في المعنى ضعيفًا. قال: وإن كانت ليست له قوّة الوصف في هذا. قال أبو علي: إنما قال: ليست له قوة الوصف لأن الحال من النكرة قبيحةٌ، وإجراء الاسم على النكرة وصفًا أحْسَنُ من إجرائه عليها حالاً، لأن النكرة إلى أنْ تقرُب بالوصف من المعرفة أحْوَجُ منها إلى الحال. قال: لكان الحدُّ والوجه في قولك: مَرَرْتُ بامرأة آخذةٍ عبدها فَضارِبتُه النصب، لأن القلبَ لا يصلح. قال أبو علي: لا يتوسَّطُ بين ذي الحال والحالِ حرفُ عطفٍ فلذلك لا يجوز فَضارِبتِهِ على الحال، لأن الفاء منعت من ذلك.

قال: ولقلت: مررت برجلٍ عاقلة أمُّه لَبِيبَة، لأنه لا يصلح أن تقدم (لَبيبة)، فتضمر فيها الأم ثم تقول: عاقِلَةٍ أمُّه. قال أبو علي: يمتنع أن تقول: مررت برجل لَبيبةً عاقلة أمُّه، لأن (لبيبة) يصير فيها إذا جُرَّت حالا للأُمِّ، أو صفة لها ضمير الأمّ، فإذا قدمتها على الأمّ، وقد ارتفعت الأمُّ بعاقلة، لم يَجُز، لأن في (لبيبة) ضمير الأمِّ، وقد قدمتها عليها، والإضمار قبل الذّكر لا يجوز. قال: واعلم أنّك إذا نصبت في هذا الباب، فقُلت: مَرَرْتُ برجل معه صقرٌ صائدًا به غدًا، فالنصب على حاله، لأنه ليس بابتداء. قال أبو بكر: قوله: لأن هذا ليس بابتداء يعني (معه صقرٌ صائدًا به) لأنَّ (معه) عندنا صفة وهو يرفع هذا بالظَّرف ويمتنع منه في غير هذا الموضع قال وإنما رفع هذا بالظرف لأنه لا سبيل إلى التقديم، كما رفع في قولك: (في الدّارِ إنك منطلقٌ) بالظرف. قال: وقوله: لا يُشبه (فيها عبدُ الله قائمٌ غدًا). يعني أن (معه) لا يشبه (فيها) (وصقرٌ) لا يشبه (عبد الله).

وقوله: لأن الظروف تُلغى حتى كأن المتكلم لم يذكرها في هذا الموضع. يعني: في قوله: فيها عبد الله قائم غدًا. وقوله: فإذا صار الاسمُ مجرورًا، يعني (برجل) في قولك: مَررتُ برجلٍ، أو عاملاً فيه فعل نحو: رأيتُ رجلاً معهُ صقرٌ. وقوله: أو مبتدأ. يعني: مثل قولك هذا رجلٌ معه صقرٌ، فقال: في جميع هذا إذا صار الاسم كذلك لمْ تُلْغِه، يعني الظرف. وقوله: في الظروف إذا قلت: (فيها أخواك قائمان) يرفعه الابتداء. أي يجوز أن تجعل (فيها) حبر (أخَوَيْك) فرفعهما الابتداء. قال أبو علي: من مذهب سيبويه إذا قال: فيها زيدٌ، أن يرفع بالابتداء، ولا يرفع بالظرف، وقد أُدخل على من يرفعه بالظرف إن فيها

زيدًا فإذا قال: مررتُ برجلٍ معه صقرٌ صائدًا به، رأى أن ارتفاع (صقرٌ) بالظرف، ولم يرفعه بالابتداء كما يرفع (زيدٌ) في قولك: (فيها زيدٌ) بالابتداء، وإنما لم يرفعه بالابتداء هنا، لأنه لو رفعه به دون الظرف لَلَزِمَ وقوع (صقر) بين (رجل) وبين (معه) فصار: مررت برجل صقرٌ معه، ولا يجوز أن يُحال بين (رجل) وبين (معه) بصقرٍ، لأن (معه) صفة لرجل، وصقر أجنبيٌّ منهما فلا يجوز الفصل به بينهما، كما لم يَجُز الفصل بين الصلة والموصول بما كان أجنبيًا منهما، فلما لم يجز أن يرفع (الصقر) بالابتداء، ارتفع بالظرف، وإنما وقع الظرف صفة للنّكرة من حيث وقع صلة للأسماء الموصولة وحالا للمعارف، لأن هذه المواضع تشترك في أنها مواضع نَكِرات، ونظير (مررت برجل معه صقرٌ) في أنه رُفع بالظرف عند سيبويه دون الابتداء قولك: (في الدّار إنّك مُنطلقٌ) إذا أردت: في الدار انطلاقُك، (فإنك منطلقٌ) عنده يرتفع بالظرف، لأنه لو ارتفع بالابتداء لَلَزِمَ أن يقع متقدمًا على الظرف لفظًا أو مرتبةً، ولو وقع كذلك لصارت مبتدأة بها، ولو صارت مبتدأة بها، للزم دخول (أنْ) عليها، وإذا جاز دخول (أنْ) عليها لم يجز لأنهما كانا يجتمعان معًا ومعناهما التأكيد وإن اختلف لفظهما، وكما لا يجوز أن يجتمع تأنيثان واستفهامان ونحو ذلك، كذلك لا يجوز أن يجتمع تأكيدان. والدليل على أن (إنَّ) إنما كُرِه دخولها على (أنَّ) لما ذكرنا من أجل أن مَعْنَيَيْهما واحد، فلا يجوز أن يجتمعا، كما لا يجتمع المعنيان معًا، نحو الاستفهام والتأنيث.

إنك إذا فصلت بين (إنَّ) و (أنَّ) فلم تَلِ إحداهما الأخرى لفظًا، فجاز أن تعمل فيها، كقول الله عز وجل: (إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى، وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى). فمن فتح (أنك لا تظمأ) أعمل فيها (أنَّ) المبتدأة. قال: ولا يوصف به شيء غيره، مما يكون من سببه ويَلتبس به. قال أبو علي: قوله: لا يوصف يعني لا يرتفع. قال: وأما رُبَّ رجل وأخيه مُنطلقين ففيها قُبحٌ، حتى يقول: وأخٌ له. قلت: لو كان قوله: (وأخيه) معرفة محضة لكان (منطلقين) منصوبًا إذا كانا في كلامٍ تامٍّ، فأما رُبَّ رجل وأخيه منطلقين، فتقديره: رُبَّ رجل وأخيه منطلقين قد رأيتُ. قُلت: واتّصال هذه المسألة بما قبلها أن الاسم الثاني قد اتبع فيه الأول وإن كان بتوسُّط حرف. قال: ولو قال: (و) أيُّ متى هيجاءَ أنتَ وجارِها

لم يكن فيه معنى: أيُّ جارِها الذي هو في معنى التَّعَجُّبِ. قال أبو علي: لو رفع قوله: (جارِها) لانقطع عن (أيّ) الذي فيه معنى المدح والتَّعجُّب، ولصار جُملة مقطوعة عن الأول، وكَمْ دونَ بيتكَ.

قال أبو إسحاق: قوله: وأعْقادِها عطف على صفصف وأعقادها معرفة، وصَفْصف نكرة، لأن (مِنْ) لا يجر في (كَمْ) إلا نكرة. قال: ولم يُبتدأ به كما يُبتدأ بمثلك. أي: لم يُبتدأ بأعقادها ونحوها منكرة كما ابتدئَ بمثلك منكرًا، لم يقل: رُبَّ أعقادِها كما قيل: رُبَّ مثلِك. قال أبو إسحاق: يعني أن (جارَها، وأغمادَها) وما أشبهها من المعارف لا يجرى واحد منها مَجرى (مِثْلِك) وحده، لأن (مثلك) إنما كان وحده، فهو نكرةٌ وهذه الأشياء إذا كُنَّ وحْدَهُنَّ معارف.

هذا باب ما ينتصب فيه الاسم لأنه لا سبيل له إلى أن يكون صفة

هذا باب ما ينتصبُ فيه الاسم لأنه لا سبيل له إلى أن يكون صفة وذلك قولك: هذا رجلٌ معه رجلٌ قائمَيْن. قال أبو علي: قد يكون الحالُ من النكرة كما يكون من المعرفة، ولا توصف نكرة بمعرفةٍ، ولا معرفةٌ بنكرة، فلذلك أجرى الحال على المضمر في (معه) وهو معرفة على (رَجُلٍ) الثاني وهو نكرة فأما شرحُه المسألة الأولى بقوله: معه امرأةٌ قائمَيْنِ، فإنما ذكر من المسألة ما انتصبت الحالُ عنه، أعني قوله (معهُ)، وحذف ما قبلهُ ليرى أن الحالَ منه صفةُ غيره. كان أبو بكر لا يجيز أن يكون انتصاب (قائمَيْن) في قولك: (هذا رجلٌ معه رجلٌ قائمين) على الحال، ويقول: معه رجلٌ: صفة لِرجل الأوَّل، فكما لا يجوز: هذا رجلٌ ظريفٌ قائمين، كذلك لا يجوز الأول. قال: وإنما نصبُه على أعْني. قال أبو علي: إنما لم يجز أن يكون ضمير قولك: رجل معه، مِنْ قولك: هذا رجلٌ معه رجلٌ، مرفوعًا كما كان ضميره في قولك:

هذا رجل معه امرأةٌ، مرفوعًا، لأن قولك: (معه) في قولك: (هذا رجل معه رجلٌ، قد ارتفع رجل الثاني، فيستحيل أن يكون في (معه) ضمير رجل الأول مرفوعًا وقد ارتفع به ظاهر، وقولك: معه امرأةٌ في (هذا رجلٌ معه امرأة) لم يرتفع به ظاهر، فلذلك صار ضمير (رجل) مرفوعًا. فأما ارتفاعُ (رجل) بالظرف في قولك: هذا رجل معه رجلٌ، فقد تقدم القول في ارتفاع (رَجل) بالظرف هنا. قال: ومما لا تجوز فيه الصفة: فوق الدَّار رجل، وقد جِئْتُك برجلٍ آخر عاقِلَيْنِ مُسْلِمَيْنِ. قال أبو بكر: قوله في المسألة: عاقِلَيْن مُسْلِمَيْن، نُصِبَ على المدح وعليه يدلُّ كلامه وتفسيره بعدُ. قال أبو علي: وإنما امتنع نصب (عاقِلَيْنِ) على الحال، لأن ما عمل في الاسمين اللَّذَيْن الحالُ عنهما مختلِف، أحدُهما رافع والآخر ناصبٌ وإذا اختلف العاملان لم يجز انتصابُ الاسم المثنى والمجموع على الحال كما أنهما إذا اختلفا لم يجرِ الاسم المثنى والمجموع عليهما، على أنه صفة لهما، فالحال في هذا عند أبي بكر يجري مجرى الصفة، ولذلك لم

يَجُز في المسألة الأولى انتصاب (قائمَيْنِ) على الحال، وذلك أن الحالَ من الهاء المجرورة في (معه) ومن (رجلٌ) المرفوع. قال: وفَرُّوا من الإحالة في عندي غُلام، وأُتيتُ بجارية إلى النصب كما فَرُّو إليه في قولهم: فيها قائمًا رجل. قال أبو علي: لم يُجْروا الصفة المثناة إذا اختلف العاملان على موصوفَيْها فنصبُوها أو رفعُوها على أنها مِن جملة ثانية، كما يكره رفع (قائم) لِئَلا يصير (رَجُل) صفة. قال أبو علي: النصبُ في باب ما لا يكون إلا على المدح والذَّمِّ كالرفع في أنه من جملة ثانية غير الأولى، كما أن الرفع من جملة ثانية إلا أن الفصل بينهما أن النصب قد حذِفت فيه الجملةُ بأسرها، وهي (أعْني)، وترك منها شيءٌ دالٌّ عليها وهو المنتصِب. فأما الرفع فقد حذِفت فيه بعض الجملة نفسها وهو قولك: (هما وهُم) ونحوه، وترك فيه بعض الجملة.

قال: ومِثل ذلك: هذا فَرَسُ أخَوَي ابْنَيْكَ الفضلاء الحكماء. قال الأخفش: هذا كُلُّه عندي سواء، لأن حدَّ هذا بالإضافة، وقد رُدَّ عليه ذلك. قال أبو علي: تمتنع الصفة من أن تجرى على موصوفين قد اختلفت العواملُ فيها، لأنها إذا جَرَتْ على أحد العوامل لم تَجْر على الآخر. قال سيبويه: ومثل ذلك مَن ذا قائما. قال أبو علي: قرأت بخطِّ أبي إسحاق: غَلِطَ سيبويه في شرح هذه المسألة غلطة من حيث غَلَّطَه أبو العباس.

قال: كما قلت: من ذا قائمًا، كأنك قلت: إنما أريد أن أسألك عن هذا الذي قد صار في حال. قال أبو علي: أبو العباس يعيب من قوله: من ذا قائمًا، أنه جعل معنى الفعل الذي ينتصب الحال عنه في الجملة الاستفهام، كأنه إذا قال: مَنْ ذا؟ فكأنه قال: أسْتَفْهِمُ، وليس ذلك بمستقيم، ولا يكون معنى الفعل الناصب للحال هذا. قال أبو العباس: لأنه لو جاز أن يكون الاستفهام معنى فِعل ينتصب عنه الحال في قولك: من ذا قائمًا لجاز أن يكون الإخبار أيضًا معنى فِعلٍ ينتصب عنه الحال، فكان يجوز على هذا: زيدٌ أخوك قائمًا، تريد معنى أخبرُ، كما أردت في (مَن ذا قائمًا) معنى أستفهمُ فهذا لا يجوز، ولكن المعنى الناصب للحال ما في (ذا) من معنى الإشارة.

قال: وهذا شبيه بقوله: إنّا بني فلانٍ نفعلُ كذا. قال أبو علي: كلُّ مُنادى مختص، وليس كل مختصٍّ مُناجى، ألا ترى أن قولك: (أيَّتُها العِصابةُ) مختصٌّ وليس بنداء. قال: إلا أن هذا يجري على حرف النداء يعني أن ما اختُصَّ قد يجري على حرف النداء نحو: اللهمَّ اغفر لنا أيتها العصابة، وأنا أفعل كذا أيها الرجل، ليس يُنادي نفسه إنما يخصها. وأنشد: يا مَيَّ لا يُعْجِزُ الأيّامَ ذُو حِيَدٍ

قال أبو علي: قوله أُحْدانُ الرجالُ له صيدٌ، جملة في موضع

رفع لوقوعها صفة لقوله: ذو حيدٍ ومُجْترئ: معطوف عليه، وإنما وصِف (ذو حِيد) بالجملة لأنه نكرة، والجمل نكرات. قال: وإن حَمَلته على الابتداء يعني (مُجترئ). قال أبو علي: إن قال قائل: فإذا حَمَل قوله: (ومجترئ) على الابتداء كانت الجملة في موضع رفع لوقوعها صفة لقوله: (ذو حِيَدٍ)، كما كانت الجملة التي قبلها في موضع رفع لوقوعها صفةً لقوله (ذو حِيَدٍ) قيل: هذا محال، لأن قولك: هو ضمير (ذو حِيدٍ) فلا يجوز أن يكون اسمع صفة له، لأن الشيء لا يكون صفة لنفسه. قال: ثم تُعَظِّمُهُ كما تُعَظِّم النبيه. قال أبو إسحاق: لا يجوز أن تعظِّمه بالصَّلاح إلا أن يكون قد عُرف عبد الله بالصلاح حق معرفتِه فتُعظمع به، وإلا فلا.

قال: وزعم الخليل أنه يقول: إنه المسكين أحمقُ على الإضمار الذي جاز في مررتُ. أي: في قوله: مررت به المسكين، كأنه قال: إنه هو المسكين أحمقُ وهو ضعيف، وجاز في هذا. قال أبو علي: قوله: إنّه المسكين، يريد هو المسكين، جاز أن يكون فصلا بين الهاء وأحمقُ. وقوله: لأنَّ فيه معنى المنصوب. يريد أنك فَصَلت بين (إنّه)، و (أحْمَقُ) بجملة: كما فصلت بين قوله: (إنّا)، و (ذاهبونَ) بجملة هي: (أعْني) انتصب بها (تَميمًا) في قولك: إنّا تَميمًا ذَوُو عَدَد. قال: لو قال: أنا عبد الله منطلقًا، وهو زيدٌ منطلقًا كان مُحالا. قال أبو علي: إذا أخْبَرَك عنه أو عن غيره رفع فقال: أنا

منطلق، وهو منطلق، ولم يحتج أن يقول: أنا زيدٌ منطلقًا، أو هو زيد منطلقًا، لأنك لا تضمر حتى تعرف. قال: إلا أن رجلاً لو كان خلف حائطٍ أو في موضع تجهله، فقلت: مَن أنتَ؟ فقال: أنا زيد منطلقًا في حاجتك (كان حَسَنًا). قال أبو إسحاق: كأني تقدَّمْت إليه أن يَمضيَ في حاجتي، فأحسَسْت ما بين خلف الحائط، فقلت: مَن أنتَ؟ فقال: أنا زيدٌ منطلقًا في حاجتك أي على ما فارَقْتُكَ، فصار بمنزلة أنا زيدٌ معروفًا. قال: فصار كقولك: هذا عبد الله منطلقًا وإنما يريد في هذا الموضع أن يذكِّر المخاطَب برجل قد عرفه.

قال أبو علي: يقول: يريد في النصب أن يُذكر المخاطَب برجلٍ قد عرفه لا يريد أن يخبره بانطلاقه، ولو أراد ذلك لرفع منطلقًا، لو جعلت بَدَل هذا لم يكن النصب في مُنطلق، وذَكر هذا في الباب الثالث مثل هذا. قال: لأن الذي يَرفع وينصِب ما يستغني عليه السكوتُ وما لا يستغنى بمنزلةٍ (واحدةٍ). قال أبو علي: قوله: ما يستغني عليه السكوت مبتدأ، خبره بمنزلة الجملة في موضع خبر لإنَّ. قال: فجميع ما يكون ظرفًا تلغيه إن شئت، لأنه لا يكون آخرًا إلا على ما يكون عليه أولا قبل الظرف. قال أبو العباس: يعني إذا كان يقوم مقام (مُنطلِق) وليس في الكلام ذكر (منطلق)، ولا قائم، ولا ما أشبهه، وإنما هو زيد فيها فقط، وإنما لك أن تُلْغِيَ ولا تُلْغي إذا ذكرت مع (فيها) (منطلِقًا أو قائمًا)، أو ما أشبَهَه.

قال: ومما جاء في الشعر قد انتصب خبره وهو مقدَّم قبل الظرف قوله: إنَّ لكم أصْلَ البلادِ وفَرْعَها ... فالخيرُ فيكم ثابتًا مبذولاً قال أبو العباس: قوله: وهو مُقدَّم قبل الظرف، يريد: إنَّ حقَّه أن يكون مقدَّمًا قبل الظرف، وليس لفظه كذلك، والظرف انتصب منه قوله: (فيكم). قال أبو علي: الحالُ التي هي ثابتًا مَبذولا مِنْ لكم، والتقدير: إن لكم أصل البلاد ثابتًا مبذولاً. قال: وإن قُلت: هذان زيدان مُنطلِقان، وهذان عَمْرانِ منطلقان، لم يكن هذا الكلام إلا نكرة. قال أبو إسحاق: ها هنا بَيَّن سيبويه قصة دُخول الألف واللام في التثنية بقوله: تقُول على هذا الحَدِّ: زيدان منطلِقان، من قبَل أنك

جعلتهما من أُمَّةٍ كُلُّ واحد منها زيدٌ. أنشد: ............... كَمَنْ بواديهؤ بعدَ المَحْلِ مَمْطورِ قال أبو علي: (كَمَنْ بواديه): على تقدير كرجلٍ بواديه، فقولك (بواديه) صفة (لِمَنْ)، وليس بصلة، والدليلُ على أن (مَنْ) في هذا البيت نكرة وصفة إياه (بِمَمْطورٍ) وهو نكرة. قال أبو بكر: الغرض في صفة الذي في الكلام أنْ يُتَوَصَّل به إلى وصف المعارف بالجمل، وذلك أن النكرات توصف بالجمل لأنها نكرات

ولم يسغ وصف المعارف بالجمل من حيث لم يَجُز وصف المعرفة بالنكرة، فلما أُريد وصف المعارف بالجُمل جُعِلَتْ في صلة الذي، فوصفت المعارف به لأنه معرفةٌ، وعاد مِنَ الجُمَل إلى الذي ذُكِر لِتَتَّصِلَ الجملة التي هي صِلَتُه به. قال أبو علي: والدليلُ على أن (الَّذي) وُضع لما قال: إنه لا يوصل إلا بالجمل فأما وصْلُهم إياه بالظرف، فالظرف يَؤول في المعنى إلى أنه جُملة من فعل وفاعل، ألا ترى أنك إذا قلت: جاءني الذي في الدار، فمعناه الذي استقَرَّ في الدّار؟. قال: وتقول: هذا مِنْ أعْرِف مُنْطَلِقٌ، فتجعل (أعْرِفُ) صفة، وتقول: هذا مَنْ أعْرِفُ منطلقًا فتجعل (أعْرِفُ) صلةً. قال أبو علي: الفرقُ بين الصلة والصفة أن الصلة لا تكون إلا جملة

والصفة قد تكون اسمًا مفردًا، فإذا وقعت الجملة صفة للنكرة فإنما تقع من حيث توصف النكرات بالجمل، نحو قولك: هذا رجلٌ ضَرَبَنا، والفصل بين الجملة التي تكون صِلةً لِمَنْ وبين الجملة التي تكون صفة لها أن الجملة التي تكون صفة موضعها من الإعراب بِحَسب إعراب موصوفها وأن الجملة التي تكون صلة لا موضع لها من الإعراب. واعْلَمْ أنَّ: وكفى بنا فَضْلاً على مَنْ غَيْرُنا أجودُ وفيه ضعفٌ، إلا أن يكون فيه هو.

قال أبو إسحاق: لأن (مَنْ وما) أن يكونا بمنزلة (الَّذي) هو أكثر وأحسن من أن يكونا بمنزلة (رَجُلٍ) ز وقوله: وفيه ضعفٌ. اي: بحذفك المبتدأ العائد من الصِّلة إلى الموصول وهو (هو) نحو: مَرَرتُ بأيِّهم أفضلُ، لأن تقديره: أيهم هو أفضل، وكذلك:

(لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شيعةٍ أيّهم أشدُّ) عند سيبويه، وقراءةُ مَنْ قرأ (مَثلاً ما بعوضةٌ)

فإذا طالت الصلة كان الحذف أحْسَن. وأنشد: وكلُّ خليلٍ غيرُ هاضِمِ نفسِهِ

قال أبو العباس: (غيرُ) نعت (كُلّ)، وصَارِم: خبر (كُلّ). وأنشد: وَلِهَتْ عليه كُلُّ مُعْصِفَةٍ قال أبو علي: ولِهَتْ كُلُّ مُعْصِفَةٍ أحْسَنُ مِنْ: ذَهَبَتْ بعضُ أصابِعِه لأن كل الشيء هو هو بأسْرِه، وليس بعض الشيء يُؤدي عن كل الشيء، وعلى هذا عندي قوله تعالى: (كلُّ نفسٍ ذائقةُ الموت). قال: وقد يجوز على هذا (فيها رجلٌ قائمًا) وهو قول الخليل،

ومثله: عليه مائَة بيضًا. قال أبو العباس: مائةٌ بِيضًا انتصب (بِيضًا) على التمييز. قال أبو علي: وانتصابُ الجمع المكسر على التمييز جيد، لأنه يَجري مَجرى الواحد، ومثله (قُل هل أنبئكم بالأخسرين أعمالا) وقوله (هذا رجلٌ قائمًا) معناه: أُشير إليه قائمًا، ولا يجوز هذا رجلٌ أحمرُ لأن الحال حكمها أن تكون منتقلا غير ثابت، وقولك: (أحْمَرُ) هيئة ثابتة وكذلك طويل ونحوه. قال: لأنه مُخالِف لما يضاف، شاذٌّ منه. قال ابو علي: لأنه لا يحذف المضاف إليه فيما كان غير ظرف مثل (قبلُ وبعدُ) في الغاية. وقال أبو علي: لما كانت الحالُ من المعرفة لا تجري مجرى صفتها، لأن الصفة تكون لازِمة، والحال مُنْتقلة كذلك جعلوا الحال من النكرة، فاشترك هاتان الحالان في النَّقْل والتَّبَدُّلِ.

قال: فجاز هذا كما جاز (لاهِ أبُوكَ) يريد: للهِ أبوك، حذفوا الألف واللّامَيْن، وليس هذا طريقة الكلام ولا سبيله، لأنه ليس مِنْ كلامهم أن يُضمروا الجار. وقال أبو علي: يحتمل أن تكون اللّامان المحذوفتان هي التي للتعريف والتي هي فاء الفعل، في قول من قال: لَهْيَ أبوكَ ويُقَوِّي هذا المذهب أن الحروف إنما حذفت لتكررها، والتكرير والاستقبال بهما وقع، ويقوي هذا المذهب أيضًا أن لام الجرِّ حرف معنى، واللامان الأخريان أحدهما من نَفْسِ الحرف، والآخرُ بمنزلة ما هو مِنْ نفس الحرف أولى لِدلالة ما يبقى منه على المحذوف، وتبقيه حرف المعنى أولى، لأنه إذا حذف لم يبق منه شيءٌ يدُلُّ عليه، ولهذا الحكم في مثل (لَعَلَّكُمْ

تَذَّكَّرون وتَفَكَّرون) في قول من لم يُثَقِّل الذال مِنْ (يَذَّكَّرون) أن المحذوف من التّاءَيْن هي الثانية، ولمن قال: إن اللامين المحذوفتين هما الزّائدتان أن يقول: حذف الزائد أولى من حذف الأصل لأنه لو كانت المحذوفتان التي هي للتعريف والفاء لبَقِيَ الاسم مبتدأ به بحرف ساكن، وذلك غير موجود. ولمن قال: إنَّ اللام الباقية هي الجارة، والمحذوفتان هما التي للتعريف

والفاء، أن يقول: الاسم مجرور، وحروف الجَرّ قَلَّما تحذف، فحملُ (لاه) على الأكثر أولى من حمله على الشّاذِّ. فأمّا قولنا التي هي فاءُ الفعل في قول مَنْ قال: (لَهْيَ) فإن اسم الله تعالى قد مُثِّلَ بمثالين: قيل: إن أصل الاسم (إلاة) فحذفت الهمزة التي هي (فاءٌ) مع الألف واللام، كما حذفت الهمزة التي هي (فاء) مع الألف واللام في قولهم (النّاسُ) إذا أرادوا قولهم (أُناسٌ)، فالألف في قولنا (الله) ألف (فِعال) زائدة على هذا القول. وقد قيل: لَهْيَ أبوكَ، في معنى (لاهٍ أبُوكَ) فقُلِب (لَهْيَ) عن (لاهٍ)، فالألف في اسم الله عزَّ وجلّ على هذا القول أصل ليست بزيادة، إنما هي عَيْنُ الفعل، وهي منقلبة عن ياء، والدليلُ على ذلك قولهم: (لَهْيَ)، لما قلب فأُظهرت الياءُ، ولو كانت الألف في (اللهِ) منقلبة عن واو لظهرت في القلب واوًا فكانت (لَهْوَ). قال: وأما كُلُّ شيء وكُلُّ رجلٍ، فإنما يُبْنَيان على غيرهما، لأنه لا يوصف بهما.

قال أبو علي: قولُه: لأنه لا يُوصف بهما، أي لم يلزم ألا يكون (كلُّ) إلا وصفًا، كما أن (أجْمَعينَ) لم يكن إلا وصفًا، لكن (كلّ) وإن كان الأحسنُ فيه أن يَجْرِي وصفًا، فقد يُبنى على غيره، ويُبنى غيره عليه. قال ولكنَّهم جعلوه بلى ما ينصب ويرفع. أي: جَعلوا هذه الجواهرَ كالخَلِّ. وقوله: بلى ما ينْصِبُ. أي: يقول أي خَلاً. قال: ومثلُ ذلك هو عَرَبِيٌّ حَسْبُه.

قال أبو علي: الهاءُ منويٌّ بها الانفصال، لأن المعرفة لا يجوز أن تقع هنا. قال أبو بكر: الفرقُ بين هذا الباب والباب الذي قبله أن الأول فيه ما يدلُّ على المنصوب، لأنك إذا قُلت: ابنُ عَمِّي دِنْيًا، فكقولك: ابنُ عمّي مُداناةً، وليس في هذا ما يدُلُّ على المحضِ والقلبِ. قال: وإن زعمْتَ أنه انتصب بالآخر فكأنك قُلت: زيدٌ قائمًا فيها. أي: فلم ينتصب بالأوّل، إنما انتصب بالآخرِ. قال: وزعم الخليل أنه يُستقبح أن يقول: قائمٌ زيدٌ، وذلك إذا لم يجعل قائمًا خبرًا مُقَدَّمًا.

قال أبو علي: قلت لأبي بكر: من أين قَبحَ أن ترفع (زيد) بقائم هنا؟. فقال: لأن الكلام على ضَرْبين: فعل وفاعلٌ، مبتدأ وخبر، وليس هذا كواحدٍ منهما، لأنه ليس بفعلٍ يرتفع به فاعلُه، ولا هو مبتدأ يجيء بعده خبره، فلِخُروجِه عن حَدِّ ما عليه الكلامُ قَبُحَ، فإذا أردت بذلك التأخير كان أحسن كلامٍ. قال: وإنما حَسُنَ عندهم أن يجري مجرى الفعل إذا كان صفة جَرَى على موصوف أو جرى على اسمٍ قد عمل فيه، (أيْ عَمل ذلك الاسمُ في اسم الفاعلِ) كما أنه لا يكون مفعولاً، (أي الاسمُ الذي يعملُ فيه ضارِبٌ) في ضارب، حتى يكون محمولاً على غيره، (أيْ يكون اسمُ الفاعل محمولاً على غيره).

قال أبو علي: اسمُ الفاعل يحسن إعمالُه عمل الفعل إذا جرى على شيء وجَرْيُه على ثلاثة أضرب: أحدُها: أن يكون خبر المبتدأ نحو: زيدٌ قائمٌ أبوه، وهذا زيدٌ ضارِبٌ عَمْرًا. والثاني: أن يكون صفة نحو: هذا رجلٌ قائمٌ أبوه، ومَررتُ بِرَجُلٍ ضارِبٍ عَمْرًا. والثالث: أن يكون حالاً نحو: زيدٌ قائمًا أبُوه، وهذا زيدٌ ضارِبًا عمرًا. وقد يحسنُ أن يعمل عمل الفعل إذا اعتمد به على حرف استفهامٍ وما أشبهه، فيكون اعتماده عليه مُشْبِهًا باعتماده على ما قبله في هذه المواضع الثلاثة، نحو: أقائمٌ زيد، وما قائِم زيد. قال: فتقول: هذا ضارِب زيدًا، وأنا ضارِب زيدًا، ولا يكون (ضارِب زيدًا) على قولك: ضَرَبْتُ زيدًا.

قال أبو علي: قوله: ولا يكون ضارِب زيدًا على قولك: ضَرَبْتُ زيدًا إنما لم يجُز هذا لأن زيدًا ينتصب على جُملة كلام تام، (وضارِبٌ) وحده ليس بجملة فينتصب عنه (زيد)، فكما لم يجز إعمال (ضارِبٍ) في زيد غير معتمد على شيء وكذلك لم يحسن أن يقول: قائم زيدٌ على أن تُعمل (قائم) عمل الفعل غير معتمد على شيء. قال: ولم تُرد أن تَحْمِل الدِّرهم على ما حُمِل عليه العشرون. قال أبو علي: إذا قال: ليس بمحْمولٍ عليه فالمراد أنه ليس بصفته ولا بمنزلته، وليس إعرابه كإعرابه.

قال: وزعم الخليل أنها عملت عملين الرفع والنصب. قال ابو بكر: الدليلُ على قوله أن (إنَّ) هي الرّافعة للخبر، أن الابتداء قد زال، وبالابتداء والمبتدأ كان يرتفعُ الخبر، فلما زال العامِلُ بطل أن يكون الخبر معمولاً فيه. قال: ودليلٌ آخرُ، وهو أنا وجدنا كلَّ ما عمل في الاسم عمل في الخبر أيضًا نحو: كان وظَنَنْتُ. قال: فإن لم تَذكُر المنطلِقَ صار الظَّريفُ في موضع الخبر. قال أبو علي: إذا قال لك: إنَّ زيدًا الظَّريفَ، فالمخاطَبُ ليس بجاهلٍ لهذا الخبر بعينه، يعرف الظريف على حَدِّهِ، وزيدًا على حَدِّه، إلا أنه لم يَعْلَمْ أن الظريف زيدٌ، ولا أن زيدًا الظَّريفُ، فإذا أُخْبِرَ بهذا الخبر وقعت له الفائدة باجتماعهما، فإذا قيل لك: زيدٌ ظريف، فقد أخبرهُ بما كان جاهِلا به من ظُرْف زيدٍ.

قال: لم يكن (بِكَ)، ولا (لَكَ) مستقرين لعبد الله. أي: خبرين كما كان فيها إذا قلت: فيها زيد قائمًا، مستقرًا، وإنما الباء في (بِكَ) و (لَكَ) صلتان للفعل، فلذلك لا تكونان إلا ملغاتين، ولا يجريان مجرى الخبر. قال: ولو نصبت هذا لقلت: إنَّ اليوم زيدًا منطلقًا. قال أبو بكر: لأن اليوم لا يكون خبرًا لزيد إذا قلت: اليوم زيدٌ كما لا يكون (بك) ولا (فيك) في قولك: مأخوذ بك، وراغب فيك خبرين للاسم، فلو جاز في (بك) لجاز في اليوم. قال: وتقول: إن زيدًا لفيها قائمًا، وإن شئت ألغيتَ لَفيها. قال أبو بكر: اللام لا بد من أن يكون خبرا للاسم بعدها على كل

حال، لأن اللام كان حقها أن تقع موقع إنَّ، لأنها للتأكيد، ووصلة للقسم، فلما أزيلت عن المبتدأ أدخلت في الخبر، ولا يجوز أن زيدا آكل لطعامك، ولا أن زيدا راغب لفيك لأن اللام وقعت بعد الخبر. قال: وزعم الخليل أن قوله: ........ كأن ظبيَةٌ ............

يشبه قول الشاعر وهو الفرزدق: فَلَوْ كُنْتَ ضَبِّيًّا ..

قال أبو علي: يشبهه في أن الإضمار مراد، في (لكن) كما أنه مراد في قوله: كأنْ ثدياه.

إلا أن النصب بعد (لكنْ) أحسن، والرفع في (كأنْ ظبْيَةٌ) (وكأنْ ثَدْياهُ) أحسن، لأنهم جعلوا حذف (أنْ) وتخفيفها علامة لحذف الإضمار فيها، وكذلك (كأنْ) وهو قول سيبويه، وإنما شبه (كأنَّ بـ لكنْ) ها هنا من جهة أن فيها جميعًا إضمارين، فأما حذف الضمير من (لكنْ) فقبيح عنده، ويجيزه في الإظهار وحذف الضمير من (أنَّ، وكأنَّ) حسن عنده، لأن تخفيفهما بدل على الإضمار فيهما، إذ لم يخففا إلا على هذه الشريطة فكأن المحذوف مثبت لوجود ما يدل عليه، وليس هذا في (لكنَّ وإنَّ). قال: فرفعه على وجهين، على أن يكون بمنزلة قول من قال (مَثَلاً ما بعوضةٌ). قال أبو علي: من قال: (ما بعوضةٌ) فما على معنى الذي، كأنه قال:

ما هو بعوضة، أي الذي هو بعوضة، وتقديره: إن الله لا يستحي أن يضرب الذي هو بعوضة مثلاً (فالذي) هو المفعول الأول، لأنْ يضربَ (ومثلاً) المفعول الثاني. قال أبو العباس: ويجوز الاقتصار على المفعول الأول، لأنه من باب (أعطيت) وليس هو من باب (ظننت). قال أبو بكر: الفرق بين (إنْ) و (إنَّما) في المعنى، أن (إنما) تجيء لتحقير الخبر. قال سيبويه: تقول: إنما سرت حتى أدخلها إذا كنت محقرًا لسيرك [الذي أدّى] إلى الدخول، هذا لفظ سيبويه. قال أبو علي: (إنْ) التي بمعنى (ما) مثل التي في قوله تعالى (إن الكافرون إلا في غرور) وكالتي في (ما إنْ مَكنّاكُم فيه). وعلى هذا تأويل بيت الفرزدق:

بِفي الشامتينَ التربُ إن كان مَسَّني ... رَزِيَّة شِبْلي مُخدِرٍ في الضَّراغِمِ معناه: ما كان مَسَّني.

قال: فيقول: إنَّ زيدًا وعمرًا، أي: (إنَّ) لنا. قال أبو بكر: إنما كان حذف الخبر مع لا، أكثر لأنه جواب عن سؤال عن الذات، فإذا قال: لا رجل، فهو جواب لقولك: هل من رجُلٍ والعناية هنا بالذات، فكان إبقاء العناية به أحسن. قال: وكذلك قوله: إنَّ مَحَلاً وإنَّ مُرْتحلاً.

وإنَّ رجلا، جواب من قال: هل لكم من مَحلّ؟ وهل لكم مِلْكٌ؟ فهذا في الإيجاب نظير (لا) في النفي، والعناية هنا بالذات كما كان ثمَّ كذلك. قال (ولكِن) المثقّلة، جميع الكلام بمنزلة (إنَّ). قال أبو علي: يريد في العطف في اللفظ، والحمل على الرفع لأنه في هذا يتكلم.

قال: فقَبُح عندهم أن يدخلوا الكلام الواجب في موضع التمني. قال أبو علي: يريد بقوله: الواجب، المعطوف المرفوع. وقال أبو بكر: يعني أنك لو قلت: ليتَ زيدًا مُنطلق وعمرٌو، فرفَعت عَمْرًا، كما ترفعه إذا قلت: إنَّ زيدًا منطلقٌ وعمرٌو، فعطفت عَمْرًا على الموضع، لم يصلح من أجل أن لَيْتَ ولَعَلَّ وكأنَّ لها معان غير معنى الابتداء و (أنَّ، ولكنَّ) يؤكدان الخبر، والمعنى معنى الابتداء

والخبر، ولم يزل الحديث عن وجهه وما كان عليه. قال: فيجوز في المنطلق [هنا] ما جاز فيه حين قلت: هذا الرجلُ منطلق، يريد: من نصب (منطلقًا) على الحال، وأن يجعل الرجل خبرًا لهذه أوصفة. قال: وتقول: إنّ الذي في الدار أخوك قائمًا، كأنه قال: مَن الذي في الدار؟ فقال: إن الذي في الدار أخوك قائمًا. قال أبو علي: قائمًا في هذه المسألة حكمه أن ينتصب عما في قوله (أخوك) من معنى الفعل، وهو الذي بمعنى الصداقة، ولا يجوز أن يكون حالا من قوله (في الدار) لأن (في الدار) صلة (الذي) (وقائمًا) إذا انتصب عنه لم يجز أن يفصل بينهما وليس من الصلة.

قال: وإن قَبُح أن يذكر الأخ في الابتداء قبُح ها هنا. قال: وإن قبح أن يذكر الأخ في الابتداء، أي إذا لم تجعله خبرًا. قال: وأما في (لَيْتَ، وكأنَّ، ولعل) فيجرى مجرى الأول. قال أبو علي: يريد: ان الاسم قد ينتصب على الحال في هذه الأحرف وإن لم يكن في الجملة التي يقع بعدها معنى فعل، لأن هذه الحروف على معاني الأفعال كقولك: لعل زيدًا أخوك قائمًا، وأخوك بمعنى النَّسب وكأنَّ زيدًا الأسد قائمًا. قال: وهذا فيه قُبح. قال أبو علي: أي قولك: إن أفضلَهم كان زيدٌ، وقبُح حذف الهاء من إنَّ وكأنَّ، لأنهما ليسا من المواضع التي يُحذف فيها الهاء

والموضع الذي يستحسن حذف الهاء منه هو الصلة والصفة، فأما الأخبار فحذف الهاءات منها ليس يحسن، وقد تقدم قولنا في ذلك ملخصًا. قال: وقد يجوز أيضًا على قوله: إنَّ زيدًا ضربته. قال أبو علي: يقول: يجوز أن ينتصب (زيدًا) في قولك: (إن زيدًا ضربْتُ) بإنَّ، وتشغِلَ ضربت بالهاء المحذوفة في اللفظ المرادة في المعنى. قال: وفيه قُبح كما كان في (إنّ). قال أبو علي: قوله: كما كان في (إنَّ) يريد في قولك: (إنّ زيدًا ضربتُ) وأنت تضمر الهاء التي هي ضمير القصة والحديث وتنصب (زيدًا) بضربتُ. قال: وأما قوله تعالى: (والصّابِئون) فعلى التقديم والتأخير

قال أبو علي: تقدير قوله تعالى (والصّابِئون) على أن (الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر) كلهم كذا والصابئون، أي والصابئون من آمن منهم فله كذا، فحذف خَبَرهم لموافقة خبرهم خبر من تقدم، كقولك: إن زيدًا منطلق وعمروٌ، إذا أردت: وعمرو منطلق، فحذفت خبره لاشتراكه مع الأول في الخبر وحمل (عَمرو) على موضع (إنّ)، كما حُمِل (الصابئون) عليه، ومثل هذا قوله: فإنِّي وَقَيَّارٌ بها لَغَريب

فيمن رَفَع، كأنه قال: فإني بها لغريب وقَيَّر، فنَوى بقيار التأخير وحَمَله على موضع (إنَّ)، وما عَمِل عليه، فعلى هذا تقدير الآية.

هذا باب كم

هذا بابُ كَمْ قال: ومعناها معنى رُبَّ. قال أبو علي: الاشتراك بين (كَمْ) و (رُبَّ) في أنهما يقعان صدرًا وفي أنهما لا يدخلان إلا على نكرة، وفي أن الاسم النكرة الواقع بعدهما يدل على أكثر من واحد، وإن كان الواقع بعد (كَمْ) يدل على كثير، والواقع بعد (رُبّ) يدل على قليل. والذي يخالف فيه (كَمْ) (رُبَّ) أيضًا أن (كَمْ) اسم و (رُبَّ) حرف خفضٍ. قال: لأنهما غير متمكِّنَيْن في الكلام. قال أبو علي: قوله: غير متمكنين أي ليسا بمُعربين لما فيهما من معنى الحرف، ففي (كَمْ) معنى ألِف الاستفهام، وفي (إذْ) أنها لا تقع إلا مضافة أو ملحقة ما هو بدل من الإضافة، وذلك المُلْحَق هو النون في (يومئذٍ)، فلما لم يُفرد صار بمنزلة بعض حروف المضاف إليه.

قال أبو علي: لم يفصل بين العشرين وما أشبهه، وبين معموله لأن العشرين ليس في قوة ما شبِّه به من أسماء الفاعلين وكما قبُح الفصل بين (عِشرين) وما عمل فيه، كذلك قبح الفصل بين (كَمْ) ومعموله إذا كانت مُشَبَّهة به، فلذلك قال: كَمْ درهمًا لك أقوى من (كَمْ لك درهمًا). قال: وكم رجلا أتاك أقوى من كم أتاك رجلا، و (كَمْ) هو ها هنا فاعل. قال أبو علي: (كَمْ) ها هنا فاعل في المعنى لا في اللفظ، وتقدير ارتفاعه بالابتداء. قال: فإن أردت هذا المعنى قلت: كَمْ لك غِلْمانًا. أي تجعل غِلْمانًا تمييزًا لـ (لَكَ) فإذا فعلت ذلك لم يَجُز تقديم التمييز.

قال: فإذا قلت: كم جَرِيبًا أرضُك؟ فأرضك مرتفعة بِكَمْ، لأنها مبتدأةٌ والأرض مبنيَّة عليها. قال أبو علي: جعل المبتدأ (كم) وهي نكرة، و (أرضُكَ) خبره وهو معرفة، وقد كان أبو بكر أجاز مَرَّةً في (كيفَ زيدٌ) أن يكون (زيدٌ) الخبر و (كيف) المبتدأ. قال: وإن شئت قلت: كم غلمانٌ لك؟ قال أبو بكر: يكون المفسر لـ (كَمْ) رجلاً ونفسًا ونحوهما، كأنك قُلت: أعشرون رجلاً غِلْمانٌ لك.

قال: والاسم المنوَّنُ قد يفصل بينه وبين الذي يعملُ فيه. قال أبو علي: مثال ذلك أنَّك تقول: (كَمْ رجلٌ في الدَّارِ أعْطَيْتَ) في الخبر، ثم تقول: (كَمْ في الدّارِ رجلاً أعْطَيْتَ)، فتنصب في الخبر للفصل. قال: وليس زيدٌ مِنَ المرَارِ.

أي: فلا يجوز أن يُفسر (كَمْ)، يريد إنما يفسره المضمر وهو في التقدير كَمْ مَرَّة، أو كَمْ يومًا أتاني زيد. قال: وقد قال بعض العرب: كَمْ عَمَّةٌ لك يا جريرُ وخالة

قال: نجعل (كَمْ) مِرارًا.

قال أبو علي: قوله: جعل (كَمْ مِرارًا) أي كأنه قال: كَمْ مَرَّةٍ عَمَّة لك، أي أعشرين مَرَّةً حلبتْ عَمَّتُك، وموضع (كَمْ) نصب على الظرف. قال: فإن قال قائل: أُضْمِرَ (مِنْ بعدُ) فيها. قيل له: ليس في كل موضع يُضمر الجارّ. قال أبو علي: الحُجَّة في أن (مِنْ) لا تضمر بعد (فيها) في قولك: (كَمْ فيها رجلٌ) وأن إضمار الجارِّ لا يصلحُ هنا، وهو غير مطَّرِدٍ في كل موضع، أنه إذا أضمر عوّض منه في أكثر المواضع نحو: وجَدَّاء لا يُرجى بها.

الواو عِوَضٌ مِنْ (رُبَّ)، وليس هنا عوضٌ منه، فإضماره إذًا شاذٌّ. أنشد: كَمْ بجودٍ مُقرف .... الجرُّ والرفع والنصبُ على ما فسَّرْنا.

قال أبو بكر: إذا رفع (مقرف) جعل (كَمْ) مِرارًا وارتفع مُقرفٌ لأنه مبتدأ فاعل في المعنى، وإذا نصبت فلأن (بِجُودٍ) قد فصلت، وإذا جَرَرْت فعلى (كأنَّ أصواتَ مِنْ إيغالِهِنَّ). قال: وتقول: كَمْ قد أتاني لا رجلٌ ولا رجلان، وكم عبدٍ لك

لا عبدٌ ولا عبدان. قال أبو علي: لا يخلو قولك: (لا رجلٌ) من أن يكون مفسرًا لكم، أن يكون محمولا على ما حمل عليه (كَمْ) ومبدلا منه، ولا يجوز أن يكون مفسرًا لها لِدُخول حرف العطف عليه، فمن حيث لا يجوز عشرون لا رجلاً، فيفسر قولك: عشرون بـ (رجلاً) وقبله حرف عطف لا يجوز أن يفسر (كَمْ) بِلا رجلَ، ولا رجلان وإذا لم يجز هذا ثبت أنه على الوجه الآخر من البدل من (كَمْ) والحمل على موضعه. قال: أو بِجَمْع مَنْكُورٍ. قال أبو علي: هذا رجع إلى قوله: بالواحِد كأنه قال: بالواحِدِ المنكور أو بجمع مَنْكُور وهذا جائز في التي تقع في الخبر، أي جائز في التي تقع في الخبر أن تُفسر بالجمع المنكور.

قال: لأنه لو كان عليه لكان مُحالاً ولكان نقضًا. أي لأنك في قولك: عشرون مُثْبِتٌ شيئًا، وفي قولك: لا رجلاً ولا عبدًا، نافٍ، فقد ناقضت. قال: ومثلُ ذلك قولك للرجل: كَمْ لك عبدًا؟ فيقول: عبدان أو ثلاثةُ أعْبُدٍ، حمل الكلام على ما حمل عليه كَمْ. أي: على ما حَمل عليه السّائلُ كَمْ. ولم يرد من المسؤُول أن يفسر له العدد الذي يسأل عنه، إنما على السائل أن يفسر العدد حتى يجيبه المسؤول عن العدد ثم يفسره بعد إن شاء. أي: المسؤول بعد إنْ شاء. قال ابو بكر: قوله ولم يُرِد من المسؤول أن يفسِّر له العدد. أي: إذا قال السائلُ: كم عندك، أو كم رجلاً أتاني، لم يرد من المسؤول أن يفسر له العدد الذي يسأل عنه، وهو (كَمْ) إنّما تفسير

ذا على السائل، وعلى المسؤول أن يُجيبَ على موضع إعراب (كَمْ) فيقول: عشرين رجلاً ونحوه. قال أبو علي: قوله: حتى يُجيبَه على العدد، أي إذا سُئِل، فقيل له: كم رجلاً أتاني؟ قال: رجلان أو عشرون رجلا فأجابه على ما يستحق (كَمْ) من الإعراب، وهو العدد أعني (كَمْ) لا يجيبه على الذي يفسر العدد وهو (رجلاً) في قولك: كَمْ رجلا أتاني. وقوله ثُمَّ يفسره بعد إن شاءَ. أي: يفسر الجواب الذي يُجيب به السائل إن شاء، أي إن كان مِمَّا يحتاج أن يفسر نحو: عشرون، وثلاثة، وما أشبهه مما يحتاج إلى التفسير فأمَّا إذا أجابه بما يجمع النوع والعدد نحو: رجلان لم يحتج إلى التفسير. وقوله: فيُعْمِل في الذي يفسر به العدد. فالذي يفسر به العدد هو (رَجُلاً) من قولك: عشرون رجلاً ونحوه إذا كان جوابًا لـ (كَمْ رجلا عِنْدَك)؟

قال: فيعمل في الذي يفسر به العددُ، كما أعمل السائلُ (كَمْ) فيما بين به العدد. قال أبو علي قولُه: العدد هنا هو: عشرون ونحوه إذا كان جواب كَمْ رجلاً عندَك. قوله: كما أَعْمل السائل (كَمْ) في العدد. أي: حين قال: كم عبدًا عندك؟ قال: تقول: كم مأخوذٌ بك؟ إذا أردت أن تجعل مأخوذًا بك في موضع لَكَ. قال أبو علي: أي لَمّا جاز لك أن تقول في الخبر: كم لك؟ فلا تُعمِله في شيء، ولم يكن قولك (لَكَ) مما يجوز أن يعمل فيه (كَمْ) جاز لما ذكرت بعده ما يعملُ فيه أن تجعله بمنزلة ما لم يعمل فيه، وهذا مثل إجازته الإلغاءَ في حدّ (إنّ) في قوله: إنَّ زيدًا لَفيها قائمٌ، لمّا لم يكن قوله: (إنْ زيدٌ إليك مأخوذٌ) إلا لَغْوًا.

قال: ولا يجوز في (رُبَّ) ذلك، لأن (كَمْ) اسم، و (ربَّ) غير اسم فلا يجوز أن تقول: رُبَّ رجلٍ لك. قال أبو علي: لا يجوز أن تقول: ربَّ رجُل لك، وإنما جاز في الخبر أن تقول: كم لك، وكم مأخوذٌ بك، لأن (كم) اسم، فكأنك قلت: ثلاثةٌ أو مساويةٌ، أو نحوهما مما يُضاف من العدد وأخبرت عنه غير مضاف إلى ما يفسره، ولا يجوز ذلك في (رُبَّ) لو قلت: رُب رجل لم يَجُز، لأن (رُبّ) حرف جر، وحروف الجر لا تعلَّقُ.

هذا باب ما جرى مجرى كم في الاستفهام

هذا باب ما جرى مَجرى كَمْ في الاستفهام قال: وكأيِّن معناها معنى (رُبَّ). قال أبو علي: في أنه يقع صدرًا كما يقع (رُبَّ) صدرًا. قال: وقال كذا وكأيِّنْ عَمِلتا فيما بعدهما، كعمل أفضلهم في رجل.

قال أبو علي: المجرور بأفضل وهو (هُمْ) فَصَل بين الجار والمنصوب فانتصبا جميعًا عن تمام الاسم بالإضافة كما ينتصبان عن تمامه بالنون أو التنوين. قال أبو علي: كأيٍّ أي مضافة إليها الكاف، فالتنوين في أي هو بمنزلة (هُمْ) في أفضلهم.

هذا باب ما ينتصب نصب كم إذا كانت منونة في الخبر والاستفهام

هذا باب ما ينتصب نَصْب كَمْ إذا كانت مُنوَّنةً في الخبر والاستفهام قال أبو علي: هذه الأبواب تتفق في أن انتصاب الاسم فيها عن تمام الاسم، إلا أن التمام يختلف، فمنه اسمٌ تمامه بالإضافة نحو (أفْضَلُهم) ومنه اسم تمامه بالنون نحو (عشرين)، و (خَيْرٍ منه) ومنه مُشَبَّه تمامه بما تمّ بالنون نحو (كَمْ) في الاستفهام. قال: ويحذف من النّوع ما يحذف من نوع العشرين والمعنى مختلف. قال أبو علي: قوله: ويحذف من النوع، أي يحذف منْ والألف واللام من قولك: لي مثلُه من العبيد، كما يحذف من قولك عشرون من الدراهم، وقوله: والمعنى مختلف، لأن العبد هو المِثل والعشرون ليس بالدراهم، لأن العدد غير المعدود. قال أبو بكر وأبو إسحاق: إذا كان المميز عددًا كان المميز واحدًا وإذا لم يكن عددًا فإن شئت جَعلت المميز واحدًا، وإن شئت جعلته جمعًا وعلى كلا القولين جاء القرآن، قال تعالى: (بالأخسرين أعمالاً) وقال سبحانه (يُخرجكم طفلاً) فأفرد.

قال أبو علي: وإنما يفرد المميز مع العدد ولا يجمع لأن العدد يدل على الجمع. قال: وإن شئت قلت: لي ملءُ الدار رجلاً، وأنت تريد: جميعًا، فيجوز ذلك كمنزلته في (كم) و (عشرين) وإن شئت قلت: رجالا، فجاز [عنده] كما جاز في (كم) حين دخل فيها معنى (رُبَّ). قال أبو علي: أي لأن المقدار خبر، فهو مخالف لـ (كَمْ) إذا كان استفهامًا، وموافق له إذا كان خبرًا، فكما جاز أن تفسر (كم) إذا كان خبرًا بالواحد والجميع، كذلك جاز أن يفسر المقدار فيهما إذا كان خبرًا مثله. وقوله: فجاز كما جاز في (كم) أي حين قلت: كم عبيدًا لك، وأنت تريد الخبر، لأنك تقول: رُبَّ عبيدٍ. قال: قال: ومثل ذلك: تاللهٍ رجلا، كأنه أضمر: تالله ما رأيت كاليوم رجلا.

(كاليوم رجلا) بمعنى (ما رأيتُ كرجلٍ أراه اليوم رجلا) فحذف واختصر. قال: وإن شئت قلت: ويحَهُ مِن رجل، وحسبك به من رجل. قال أبو علي: أبو العباس يقول: إنَّ (مِن) هنا دخلت لأن الاسم قد يجوز أن ينتصب على الحال هنا، فإذا دَخلت (مِن) أَعْلمت أن الاسم للتمييز دون الحال.

هذا باب ما لا يعمل في المعروف إلا مضمرا

هذا باب ما لا يعمل في المعروف إلا مضمرًا قال: وما انتصب في هذا الباب، فإنه ينتصب كانتصاب ما انتصب في باب حسبك به، ووَيْحَك. قال أبو علي: وَفَّقَ بينهما أن العامل في كل واحد منهما غير متصرّف فلا يقال: رجلا حسبُك به، ولا رجلا نِعْمَ زيدٌ. قال: ومثل ذلك: رُبَّه رجلاً. قال أبو علي: الهاء في (رُبَّه) مضمر ليس بمخصوص معروف، لكنه ضمير أُضمر قبل أن يُذكر على شريطة التفسير. قال: ومثل ذلك قوله: رُبَّه رجلا، كأنك قلت ويحه رجلا يريد أن الهاء مَنَعت (وَيْحَ) أن تضاف إلى (رجل) كما منعت الهاء في (رُبَّه) إضافة (رُبَّ) إلى رجل. قال: ولا يكون في موضع الإضمار في هذا الباب مُظْهَرٌ.

قال أبو علي: الاعتراض في هذا الموضع على ما قلناه. وينشد بيت جرير: تزَوَّد مثلَ زادِ أبيك فينا ... فَنِعْمَ الزَّادُ زادُ أبيك زادًا فليس يمتنع على هذا الظاهر من أن يقع موقع المضمر. قال: وأما قولُهم: نِعْمَ الرَّجُلُ عبدُ الله فهو بمنزلة قوله: ذهب أخُوه عبدُ الله، عَمِلَ نِعْم في الرَّجُل ولم يعمل في (عبدُ الله)، وإذا قال: عبدُ الله نِعْمَ الرَّجُل، فهو بمنزلة قولِه: عبدُ الله ذهب أخوه.

قال أبو علي: إذا قدر (نِعْمَ الرَّجُلُ زيدٌ) تقدير (ذهب أخوه زيدٌ) فالكلام جملة واحدة تقديره: زيدٌ ذهب أخوه، فهو بمنزلة: زيدٌ منطلق فإذا قدرته كذا، فعبد اللهِ مرتفع بالابتداء، وإذا قال: نِعْمَ الرَّجُل عبدُ الله، فقد عبد اللهِ جوابًا، كأنه لما قال: نِعْمَ الرّجلُ قيل: من هو؟ فقال: عبدُ اللهِ مُجيبًا، فعبدُ الله خبر ابتداء محذوف، فالفصل من هذا الوجه، والآخر أن الكلام فيه جملتان، وفي الوجه الآخر جملة واحدةٌ. قال: فتكون هي وهو بمنزلة وَيْحَهُ. قال ابو علي: هي نِعْمَ، وهو المضمر، أي والمضمر فيها بمنزلة وَيْحَه. قال: فهي مَرَّةً بمنزلة رُبَّه، ومرة بمنزلة ذَهَبَ أخوه. قال أبو علي: نِعْمَ رجلاً بمنزلة رُبَّه رجلاً، وأزَيْدًا ضَرَبْتَهُ؟ ونِعْمَ الرَّجُل مثل ذَهبَ أخوه. قال: الذي قُدِّم لما بعده من التفسير وسَدَّ مكانه. أي: سدّ الظَّاهِر مكان المضمر.

قال: مثل ذلك قولك: عبدُ الله فارهُ العبدِ فاره الدّابّة. قال أبو علي: التّوفيق بين قوله: عبدُ الله نِعْمَ الرّجل، وعبدُ الله فارهُ العبد هو أن (العبد) بمعنى الجميع، كما أن الرّجل بمعنى الجميع، فأما من جهة رجوع الضمير من الخبر إلى المخبر عنه، فهما مختلفان، لأن الضمير في قولك: عبدُ اللهِ نِعْمَ الرجل، ويرجع إلى عبد الله من الرجل وفي قولك: عبدُ اللهِ فارِه العبدِ، من (فارِه) دون (العبدِ)، لأن عبدَ الله ليس هو العبد ومع ذلك فلا يجوز أن يرجع من (نعْمَ) ضمير إلى عبد الله كما يرجع من (فارِه) لأن الضمير لو رجع إليه منه دون الرَّجُل لكان مرفوعًا، وقد ارتفع به الظاهر الذي هو الرجُل، وأيضًا فإن عبد اللهِ مُختصّ وضميره أخص منه، فأجدرُ ألا يعمل فيه (نِعْمَ) وليس في (فارِهٍ) مثل ما في (نِعْمَ) فيمتنع الضمير من أن يرجع منه إلى صاحبه كما كان الرجلُ هو عبد الله حين قلت: عبدُ اللهِ نِعْمَ الرَّجُلُ. قال أبو علي: إذا قلت: عبدُ اللهِ نِعْمَ الرجلُ، فالرجل هو عبدُ اللهِ ولست تريد أن تخبر عن عبدِ الله بعينه، أي ليس الرجل هو عبدُ اللهِ بعينِه ولكنه يكون عبدُ الله وغيره، فالرجل أعَمُّ من عبدِ الله، وقد عاد إلى عبد الله ذِكْرٌ مِنَ الرَّجُلِ.

قال: كما أن الاسم الذي يظهر في رُبَّ قد يبدأ بإضمار رجلٍ قبله. أي: الاسم الذي يظهر بعد نِعْمَ، نحو الرَّجل، قد يضمر في نِعْمَ، كما أن الذي يظهر بعد (رُبَّ) قد يضمر فيقال: رُبَّه رجلاً، وهما اسمان شائعان. قال: فإنما منعك أن تقول: نِعْمَ الرَّجُل إذا أضمرت أنه لا يجوز أن تقول: حَسْبُكَ به الرجل إذا أردت معنى حَسْبُك به رجلاً. قال أبو علي: يقول: لم يَجُزْ أن يفسَّر (نِعْمَ) بالمعرفة لمضارعتِه عشرين وحَسبك به رجلاً ونحو ذا، لأنها لا تتصرف، كما أن هذه الأشياء لا تتصرف ولا تفسر إلا بالنكرات، وكذلك (نِعْمَ) لم يفسر إلا بالنكرات إذا نَصبَ. قال أبو العباس: الاسم الذي يظهر في رُبَّ هو رجلٌ في قولك: رُبَّهُ رجلاً. قال: فإنما قَبُحَ: هذا الرجل المضمر. [يعني الذي في نِعْمَ رجلاً] أن يوصف لأنه مبدوءٌ به قبل الذي يفسره، والمضمر المقدم قبل ما يفسره لا يوصف.

قال أبو العباس: إن قال قائل: لم لا يجوز: نِعْمَ رجلاً هو زيدٌ، فيؤكد المضمر في نِعْمَ؟ قيل: لا يجوز، لأنك تنوي به أن يكون قبل رجل، والشيء المضمر على شريطة التفسير لا يوصف قبل ذكر المُفسِّر. قال أبو علي: إذا قلت: نِعْمَ الرجُل هو، فهو بمنزلة زيد لو قُلت زيدٌ، وكذلك لو قال: نِعْمَ رجلاً هو، لم يجز إلا أن تنوي به التقديم كأنك قُلت: هو نِعْمَ رجلاً، فهو مرتفع بالابتداء. قال: فهذا تقديره، وليس معناهُ كمعناه. قال ابو علي: قوله: ليس معناه كمعناه، أي ليس معنى أخُوه كالرَّجل لأن قولك: (أخُوهُ) مختص، و (الرَّجُل) شائع، فتقدير (الرَّجل) تقدير (أخُوه) في أنه يرجع إلى المبتدأ منه راجع كما يرجع من (أخوه) وليس معناه كمعناه في العموم والخصوص. قال: ويدلك على أن عبد الله ليس تفسيرًا للمضمر أنه لا يعمل فيه (نِعْمَ) بنصب ولا برفع، ولا يكون عليها أبدًا في شيء. قال أبو علي: ما يكون منصوبًا بفعل فقد يجوز أن يرتفع به في ثانٍ وذلك أنك إذا قلت: ضَرَبَ عبدُ اللهِ زيدًا فقد يجوز أن يكون

(زَيد) مرتفعًا بِضَرَب، إذا أخرجت (عبد الله)، فإذا لم يجز أن تنصبه لم يرتفع به. قال: وأمّا قولُهم: هذه الدَّارُ نِعْمَتِ البلدُ، لما كان البلدُ الدَّارُ أقحموا التاء فصار كقولك: مَنْ كانت أمُّك. قال أبو العباس: يقول: لم يعتدُّوا بها وإن لفظُوا بها، ولما كان البلدُ هو الدّار أقحموا التاء في (نِعْمَت) كما أن (مَنْ) لما كانت الأم أقحم التاء وكان يجب أن لا يكون في كانت تاءٌ لأنها فاعلة (مَنْ)، و (مَنْ) مذكر في اللفظ ولكن حُمِل على المعنى. وأنشد: فأَوْمَاتُ إيماءً خَفِيًّا لِحَبْتَرِ

قال أبو بكر: إنّما لم يبين (أيَّما) عددًا ولم تقع مستثناةً، لأن الذي يبين به العدد واحد مرفوع نحو رجلٍ ودرهم، وما أشبهه، وليس (أيّما) واحدًا من نوع يبيَّن به أو يميزُ به شيء، وكذلك المستثنى لا يكون إلا واحدًا من جماعة.

هذا باب النداء

هذا بابُ النِّداء قال أبو بكر: أُقيمَ العملُ في النِّداء عندي مقام العبارة عنه فنُصب الاسم بعد العمل كما ينتصب بعد العبارة عنه. قال: وإنما جاز إقامة العمل مقامَ العبارة، لأن العمل نُطْقِيٌّ. قال أبو علي: العملُ بالعبارة عنه: (نادَيْتُ)، فانتصب الاسم بعد (يا) وصار في موضع نصب كما ينتصب بعد (نادَيْتُ) إلا أن الفصل بين ما ينتصبُ بالعمل نفسه وما ينتصب بالعبارة أنه إذا انتصب بالعبارة كان خبرًا، وإذا انتصب بالمعبر عنه لم يكن خبرًا. قال: والمفردُ رفع وهو في موضع اسم منصوب. قال أبو علي: الاسم الذي يستحقُّ البناءَ في النِّداء هو الاسم المعرفة الذي يقع موقع الأسماء المضمرة، المعرفة المبنية، فمتى وقع الاسم موقع اسم

مُعَرَّف مبني بني لمشابهته له ووقوعه موقع ما لا يكون إلا مبنيًا، فأما النكرة فلم تُبْن لأنها لم تقع موقع معرفة، ألا ترى أنّك إذا قلت: يا رجلاً، لم ترد واحدًا بعينه مقصودًا، إنما نادَيْتَ واحدًا من هذا النوع فكُلّ من أجابك منهم فهو الذي أردْتَ، وأنت في المعرفة قاصدٌ لواحد بعينه، ولو أردت رجلاً بعينه نادَيْتَ لكان حكمه حكم (زيدٍ) في أنه مقصود بعينه. فأما المضاف فحكمه حكم النكرة لأن المضاف لا يتعرف إلا بالإضافة فهو قبل إضافته نكرة، فمن حيث لم يَجُز أن تبنى النكرة لم يَجُز أن يبنى المضاف، فإذا أُضيف تعرف، وقبل الإضافة كان نكرة فلم يجز بِناؤُه من حيث لم يجز بناء النكرة، فأما الاسم المضاف إليه فلا يجوز بناؤه كما بُنِي المفرد المعرفة، لأنه ليس بمنادى. قال: وقال الخليل: وسألته عن يا زيدُ نفسه، ويا تَميمُ كُلَّكُم، يا قَيْسُ كُلَّهَمْ، فقال: هذا كُلُّه نصب. قال أبو علي: يا تميمُ كُلَّكُم جائز أن يقال: كلُّكُم، فيرجع الضمير ضمير خِطابٍ، وإن كان للاسم الغائب، لأن هذا الغائب وقع

موقع خِطابٍ، وبناؤه أيضًا كذلك. قال: وأما يا تميم أجمعون فأنت فيه بالخيار، إن شئت قُلت: أجمعون وإن شئت قلت: أجمعين. قال: ولا ينتصبُ على أعني. قال أبو علي: أجمعون لا يجوز أن يلي فِعْلاً، وإنما يكون أبدًا تابعًا للاسم، مبني على شيء أو مبني عليه شيءٌ، فلذلك قال: إنَّه محالٌ أن يقول: أعني أجمعين.

قال: ويدلك على أن (أجمعين) ينتصب لأنه وصف لمنصوبٍ قولُ يونس: المعنى في النَّصب والرفع واحد. قال أبو علي: قول يونس: المعنى في النصب والرفع واحدٌ، أي إذا انتصب فهو صفة، كما أنه إذا ارتفع فهو صفة، ولا يكون نصبُه على أعْني. قال: قُلت: أرَأيْتَ قولَ العرب: يا أخانا زيدًا [أقْبِلْ]، قال: عطفُوه على هذا المنصوب فصار نصبًا مثله وهو الأصلُ، لأنه

منصوب في موضع نصب. قال ابو علي: قولُه: لأنه منصوبٌ في موضع نصب. أي: إن جعلته على اللفظِ فاللفظ نصب، وإن حملتُه على الموضع فالموضع نصب فلا سبيل إلى غيره إذا كان النِّداءُ واحدًا، فإن كان على نداءَيْن جاز الضَّمُّ في المعرفة. قال: وكما ردُّوا (أتَقُولُ) حين جعلُوه خبرًا إلى أصله. أي: لم يَجْرِ مُجرى ظَنَنْتُ في حال الخبر، كما جرى مُجْراهُ في حال الاستخبار. قال: وجعلوه بمنزلةِ الأصوات نحو حَوْبُ.

قال أبو علي: الأصوات مبنيةٌ غير معربة، فالمفردُ مثلها في أنه مَبني. قال: وقال الخليلُ: من قال: يا زيدُ والنَّضْرَ فنصب، فإنما نصب لأن هذا كان من المواضع التي يُردُّ فيها الشيء إلى أصله. قال أبو إسحاق وأبو بكر: لأن الألف واللام نظيرُ الإضافة، والنَّضْر فيه الألف واللامُ، فكما أن الإضافة يُرَدُّ المنادى فيها إلى الأصل كذلك يردُّ بالألف واللام.

قال: كقولك: مَا مَرَرْتُ بزيدٍ وعمرٍو، ولو أرَدْت عملين لقُلتَ: ما مررتُ بزيدٍ ولا مررتُ بعمرٍو. قال أبو علي: النّداء في قولك: يا زيدُ والنَّضْرَ لزيدٍ والنَّضْر جميعًا وليس للنَّضْر وحده، فلذلك جاز أن يُنادى النَّضْر وفيه الألف وواللام وكذلك إذا قُلت: مررت بزيدٍ وعَمرٍو، فليس المرور بِزَيْدٍ دون عمرٍو، وإنما المرور بهما معًا وليس بأحدهما دون الآخر، فلذلك قُلت: ما مَرَرْتُ بزيدٍ وعَمْرٍو، ولو أردت مُرورين في وقتين متراخيين لقُلت عند سيبويه (ما مررتُ بزيدٍ ولا مررتُ بعمرٍو) فإذا قلت هكذا لم يقع المرور بهما جميعًا، هذا معنى قولِه: ولو أردْت عمَلَين لقُلت كذا وكذا.

قال: وقال الخليل: ينبغي لمن قال: والنَّضْر، فنصب، لأنه لا يجوز يا النَّضْرُ أن يقول: كلُّ نعجةٍ وسَخْلَتَها بدرهم. قال أبو بكر: هذا الذي قال الخليل لا يلزمه عندي، لأن المنادى موضعُه نصب، (وسَخْلَتَها) لا موضع له. قال أبو بكر: فإن جعل العلة الموجبة للنصب هو أن لا يجوز إعادةُ حرف النِّداء، وأن (النَّضْرَ) لا يجوز أن يليه، لزمه في (كلُّ شاةٍ وسَخْلَتَها) ما ألزمهم إياه من نصب سخلتها. قال أبو علي: لا يجوز أن يعيد (يا) فيقول: (ويا النَّضْرُ) كما لا يجوز أن يعيد (كلّ) فيقول: (وكلُّ سَخلَتها). قال: فإذا قلت: ياهذا الرَّجُل، فأنت لم تُرد أن تقف على هذا ثم تصفه بعد ما تظنّ أنه لم يُعرف، فمن ثم وصِفت بالأسماء التي فيها الألف واللام، لأنها والوصف بمنزلة اسم واحدٍ.

قال أبو علي: يريد: أنها وصفت بالأسماء المفردة، لأن الاسم إذا دخله الألف [واللامُ] لم يكن إلا مفردًا، ولا يجوز أن يوصف بالمضاف لأنه مع ما قبله بمنزلة اسمٍ واحدٍ، ومن ثم لم يجز: (مَرَرْتُ بهذَيْن الطَّويل والقصير) لأن المبهم مع ما عبده من الصفة بمنزلة اسم واحد، وكما لم يَجُز وصفه بالمضاف فلا يجوز وصفه بالمعارِف المخصوصة، لأن حُكْم الصفة أن تكون أعَمَّ من الموصوف، وزيدٌ أخَصُّ مِن المُبهم. قال: وإنّما قلت: يا هذا ذا الجُمَّةِ، لأن (ذا الجُمَّةِ) لا توصف به الأسماء المبهمةُ. قال أبو علي: إذا قلت: يا هذا ذا الجُمَّة، فإنما تنصب (ذا الجُمَّةِ) ولم ترفعه، لأنه مما لا يوصف به (هذا). قال: يدلك على ذلك أن (أيّ) لا يجوز لك فيها أن تقول:

يا أيُّها ذا الجُمَّةِ. قال أبو علي: إنما جاز: يا أيُّها [الرجلُ] ذا الجُمَّةِ، ولم يَجُز: يا أيُّها ذا الجُمَّة لأن هذا على ضَرْبَيْن: أحدهما: أن يكون بمنزلة (زيدًا) في أنه يستغني عن الصفة كما يستغني عنها (زيدٌ). والآخر: أن يكون بمنزلة (أي) في الحاجة إلى الصّفة. فإذا كان بمنزلة (زيد) جاز أن يُعطف عليه بالمضاف، ويبدل منه لتقديرك فيه التَّمام.

وإذا كان بمنزلة (أيّ) في أنه مُتَوصَّل به إلى نداء ما بعده لم يَجُزْ ألا يوصف كما لا يجوز ذلك في (أيّ)، وإنّما لم يجز أن يكون غير موصوف لأنه متوصل به إلى نداء ما بعده، وليس بمقصودٍ في نفسه بالنّداء. قال: ويُقَوِّي (يا هذا زيدٌ) يا زيدُ الحسنُ الوجهِ، ولم يلتفت فيه إلى الطّولِ، لأنك لا تستطيع أن تُناديه فتجعلهُ وصفًا مثله مُنادى. قال أبو بكر وأبو إسحاق: إذا وصفت بالحسن الوَجه المفرد رفعت من حيثُ ترفع الصفاتُ المفردات، فإذا نادَيْتَهُ ولم تصف به نصبت، فقلت: يا حَسَنَ الوجه. فإن قيل: فهلاَّ رفعته كما رفعته إذا وصفت به المفرد، لأنه في ندائك إياه مفردٌ كما كان في الوصف به كذلك، قيل: نُصِب منْ حيث كان اسمًا

طويلا مضارعًا للمضافِ، لا من حيثُ كان مضافًا كما نُصِبَ يا عشرين رجلاً وما أشبهه من الأسماء الطويلة التي هي منادى غير صفةٍ. قال: إذا وصلت بمضافٍ أو عُطِف على شيء منها كان رفعًا. أي: كان ما يوصف به أو يُعطف عليه رفعًا. قال: جاز فيه النصب، ولا يجوز ذلك في (أي) لأنه لا يُعطف عليه الأسماء. أي: لا يجوز أن يُعطف عليه المضاف كما عطفت على هذا. قال: فَمِن ثمَّ لم يكن مثله. أي: مِثْلَ هذا.

قال: فإن رفع (الطّويلُ) وبعده (ذو الجُمَّةِ) كان فيه الوجهان. قال أبو العباس: إذا قُلت (يا زيدُ الطّويل ذو الجمة) جاز الرفع على أن يكون (ذو الجمة) نعت الطّويل، فإن قلت: (يا زيدُ الطوّيلُ ذا الجُمَّة)، كان النصب لا غير، لأنك إن عطفت على (الطّويل) صَيَّرْتَهُ في مثل حاله، ولا يكون في مثل حاله إلا منصوبًا. في الكتاب: واعلم أن قولك: يا أيُّها الرّجلُ أن يكون الرجلُ صلة لأي أقيس، لأن (أيّ) لا يكون اسمًا في غير الاستفهام والمجازاة إلا صلة:

قال الأخفش: ليس هذا قول سيبويه. قال أبو علي: لو كان الرجل في (يا أيُّها الرجلُ) صلة غير صفة لوجب أن يكون جملة، ولم يكن اسمًا مفردًا، لأن الأسماء الموصولة لا توصل إلا بِجُمَل، والصفة هنا تبين كما تبين الصلة فإن أراد هذا القائل بقوله: صلة أنها تَبْيين كان له وجه، وإن أراد به غير ذلك لم يَجُز لما بَيَّنا. وقد يجيء الاسم والصفة تُلازمه ولا تفارقه نحو (مَنْ) إذا كانت نكرة كقولك: (مَرَرْتُ بِمَنْ صالحٌ)، (وبِمَنْ عنده زيدٌ)، وقد جاء من الأسماء غير المبهمة ما لم تُفارقه الصفة، وهو (الجَمّاءُ الغير) فإذا وُجِد ذلك في غير المبهمة، كان في المبهمة أجود، ولم أعلم أحدًا من البصريين قال: إنَّ هذا صِلَةٌ. قال أبو علي: قُطِعت الألف في قولك: (يا الله)، لأنها لم تَثْبُتْ في الموضع الذي لا يثبتُ فيه مثلُه، شابه الأصل، وخرج عن أن يكون للوصل، وجاءت مقطوعة أيضًا في موضع آخر وهو قولهم: أتا الله لأفْعَلَنَّ.

قال: لأن هذه الأشياء الألف واللام فيها بمنزلتها في الصَّعِق. قال أبو بكر: قوله: في الصَّعِق، أي يكون أولا صفة، ثم يغلبُ على الواحد فيصير اسمًا. قال: وقال الخليل: (اللَّهُمَّ) نداء، والميم ها هُنا بَدل من (يا) أخبرني أبو بكر عن أبي العباس قال: من الدَّليل على أن الميم بدلٌ من

(يا) في اللُّهم، إنك لا تقول: أخزَى اللهم فُلانًا، وإنما تقول: (اللهمَّ) في حال النداء. قال: إلا أن الميم ها هنا في الكلمة مبنيةٌ، كما أن نون المسلمين في الكلمة بُنيت عليها. قال أبو بكر: التوفيق بين الميمن في (اللهم) وبين النون في المسلمين أن حرف الإعراب في المسلمين قبل النون، كما أن حرف الإعراب في (اللهمّ) قبل الميمين. قال: وأما قوله تعالى: (قل اللهم فاطرَ السمواتِ) الفصل. قال أبو إسحاق: أُجِيز أن يكون (فاطِرَ السموات) صفة لقوله: (اللهمّ) كما كان يجوز أن يكون صفة له في ما الميم عِوَضٌ منه. قال: وأما الألف والهاء اللتان لحقتا (أيّ) توكيدًا، فكأنك كرَّرت (يا) مرتين إذا قلت: يا أيُّها، وصار الاسم بينهما كما صار هو بين، (ها) و (ذا) إذا قُلت: ها هو ذا.

قال أبو علي: قرأتُ بخطِّ أبي إسحاق في هذا الموضع من الكتاب: ونحنُ اقْتَسَمْنا المالَ نِصْفَيْن بَيْنَنا ... فَقُلْتُ لهم: هذا لَهاها وذَا لِيا قال: وزعم الخليل أن الألف واللام إنما منعهما أن يَدْخُلا في النداء من قبل أن كلّ اسم في النداء مرفوع معرفة، وذلك أنه إذا قال: يا رَجُلُ، يا فاسق، فمعناه كمعنى يا أيُّها الفاسِق ويا أيُّها الرَّجل. قال أبو علي: يريد أن (يا رَجُلُ) هنا صار معرفة بالإشارة إليه والقصد له، وإن لم يكن مَعْهودًا كما أن الفاسقَ والرجل صارا هنا معرفتين بالإشارة إليهما لا بعهدٍ لهما متقدم، فهذا وجه التَّشبيه بينهما عندي.

قال: وصار هذا بدلاً في النداء من الألف واللامِ. أي صار القَصْدُ والإشارة بدلا. قال: فمن ثَمَّ لم يدخِلُوهما في هذا ولا في النداء. قال أبو علي: يقول: لم يدخِلوا الألف واللامَ في قولك: هذا ولا في النِّداء، لأنهما تعرفا بالإشارة إليهما والقصدِ لهما. قال: ومِمَّا يدلك على أن (يا فاسِقُ) معرفة قولك: يا خَباثِ، ويا لكاعِ، ويا فَسَق، تريد يا فاسِقةُ ويا خبيثةُ [ويا لَكْعاءُ]، فصار هذا اسمًا لها كما صارت (جَعارِ) اسمًا للضَّبُع. قال أبو علي: ياخَباثِ لا يكون إلا للمعرفة، فإذا كانت لغير المعرفة نُون، فقيل: ياخَباثًا. وقال أبو علي: الدليل على أن (فَساقِ) ونظائرها معدولة عن معرفة غير مُنصرفةٍ أنها مبنيةٌ، وذلك أنه إذا عُدِل الاسم عن معرفة

منصرفة لم تتصرف مثل (عُمَر)، إذ عُدِل عن (عامر)، فعامر كان معرفة منصرفة، وعدل (عمر) عنها فلم ينصرف، وإذا عدل الاسم عما لا ينصرف مثل: فَساقِ عن فاسقةٍ، لم يعرب وبني لأنه معدول عما لا ينصرف وليس بعد ترك الصرف إلا البناء. قال: وقال الخليل، إذا أردت النَّكِرة وَصفْتَ أو لم تصف فهي منصوبة. قال أبو علي: إنما ذكر الوصف لأن الشيء إذا وُصِف اختُص، فقد يتوهم المتوهم أنه معرفة إذا وصف. قال: فصار كأنه يُرفَع بما يرفع من الأفعال. أي: بالذي يرفع مثل (قام زيدٌ) يعني أنه لما اطَّرد الرفع في كل مُنادى معروف مفرد شابه المعرب الذي هو غير مبني. قال: وأما من قال: يازيد بن عبدِ الله، فإنه إنما قال: هذا

زيد بن عبد الله، وهو لا يجعله اسمًا واحدًا، وحذف التنوين لأنه لا ينجزم حرفان. قال أبو علي: قولك: هذا زيد بن عبد الله، يحتمل ضربين من التقدير: يجوز أن يكون (زيدٌ) مع الصفة التي هي (بنُ عبد الله) بمنزلة اسم واحد، وحرف الإعراب من هذا الاسم هو النون دون الدال وإنما الدال تُحَرَّك بحسب حركة الإعراب من ابن كامرئ نحوه. فقوله: هذا زيدُ بن عبد الله على هذا التقدير بمنزلة قولك: هذا غُلام زيدٍ. ويجوز أن يكون (هذا زيدُ بن عبد الله) أُريد أن يوصف فيه زيدٌ بابن عبد الله، وكان حقه على هذا أن يُنَوَّن (زيدٌ) كما ينونه إذا قلت: هذا زيد صاحب الرجل، إلا أنه لَمَّا كثر مَجْرى ذلك في الكلام حُذِف التنوين منه لالتقاء الساكنين إذ كان يحذف لاجتماعهما فيما لم يكثر استعماله لكثرته نحو "أحدُ الله" فمن قال: يا زيد بن عبد الله

ذهب إلى أنه حذف التنوين في الخبر لالتقاء الساكنين، وجعل ابن عبد الله صفة، ولم يجعل ابن مع زيد بمنزلة اسم واحد، ومن قال: يا زيد ابن عبد الله، فهو الذي جعل ابن مع زيد اسمًا واحدًا في الخبر، ثم أضافَهُ إلى عبد الله، وشبه ذلك بامرئ، فتقدير هذا في النداء إذن اسم مضاف إلى اسم مضاف، وعلى الأول اسم موصوف باسم مضاف. قال: ومن جعله بمنزلة (لَدُنْ) فحذفه لالتقاء الساكنين، ولم يجعله بمنزلة اسم واحد قال: هذه هِند بنت فلان. قال أبو علي: من كان لُغته أنه يحذف التنوين لالتقاء الساكنين قال: هِند بنت فلان، فنَوَّن هذا لزوال التقاء الساكنين هذا إذا كانت (هِندُ) عنده مصروفة، فإن كانت لغته (ابْنَة) وصرف (هندًا) وكان ممن يحذف التنوين لالتقاء الساكنين قال: هذه هند ابنةُ فلانٍ.

قال: واعلم أنه لا يجوز في غير النداء أن يذهب التنوين من الاسم الأول، لأنهم جعلوا الأول والآخر بمنزلة اسم واحد نحو طلحة في النداء. قال أبو علي: يقول: لم يُعْتَدّ بالاسم الثاني من قولك: يا تَيْمَ تَيْمَ عَدِيّ كما لم يُعتد بالتاء من طلحة، وأُقحِم ذا كما أُقحم ذا، فكما لا يكون الإقحام في طلحة في الخبر، كذلك لا يكون في (تَيْمَ تَيْمَ عَدِيّ) في الخبر.

قال: واستخفوا ذلك لكثرة استعمالهم إياه – يعني النداء – ولا يُجعل بمنزلة ما جُعل من الغايات كالصوت في غير النداء. قال أبو علي: يقول: لا يُجعل الاسم المتمكِّن في غير النداء بمنزلة ما جُعل من الغايات كالصوت، فإن الاسم المفرد المعرفة جُعل كالغايات التي هي كالصوت في أنه مبني، كما أن الصوت مبني، فالغايات موافقة للصوت في الباء وإن كانت الغاية لها في البناء مزيَّةً على الأصوات في أنها قد بُنيت أواخرها على الحركة وإن لم يكن ما قبلها ساكنًا، وذلك لتمكنها في بعض المواضع.

هذا باب إضافة المنادى إلى نفسك

هذا باب إضافة المُنادى إلى نفسك قال: وكانت الياء حقيقة بذلك، إذ حذفوا ما هو أقل اعتلالاً – يعني التنوين – في النداء. قال أبو علي: الياء أكثر اعتلالا من التنوين، لأنها تنقلب عن الواو وتُبدَل منها الألف وتُحذف لالتقاء الساكنين نحو (رِميِ القَوم) والتنوين ليس فيه ما في الياء من الاعتلال إلا أنه موافق لها في الخفاء فأُجري مجراها في أن حُذف لالتقاء الساكنين كما حذفت الياء، فقد تُشابه من هذه الجهة، إذ قد يبدَل منها الألف إذا كانت في اسم منصوب فوقَفْت عليه، ولها مشابهات أُخر.

وإنما يُلزمون هذه الهاء في النداء. يعني هاء الوقف. قال: وأرادوا أن يعوِّضوا هذين الحرفين – يعني أباه وأُمَّاه – كما قالوا: (أيْنَقٌ) لمّا حذفوا العين جعلوا الياء عِوَضًا. قال أبو علي: أيْنُق: أصلها أوْنُقٌ، فحذفت الواو التي هي عين الفعل وعُوِّض منها الياء فصار بناؤه على (أيْقُل) وقد تُبدل الياء من الواو للتخفيف فإن كان هذا الموضع على هذا فهو (أعْقُل) وهو مقلوب. قال: لأنهم جعلوا (ها) فيها بمنزلة (يا) وأكدوا به التنبيه فمن ثَمَّ لم يَجُز لهم أن يسكتوا. قال أبو علي: يقول: لَمَّا كان (ها) بمنزلة (يا) وكنت إذا كرَّرْت (يا) لم يَجُز أن تسكت عليه حتى تضم إليه المُنَبَّه به، كذلك لم يَجُز أن

تسكت على (ها) ولا تذكر قولك: الرجل إذ كان (ها) بمنزلة (يا). قال: وكان ذلك عندهم في الأصل على هذا. (أي: يقال: أبٌ، وأبه) فمن ثم جاور عليه بالأبوين. قال: ومن الأسماء فَرَسٌ وما أشبه ذلك. قال أبو علي: يقال: هذا فرسٌ وهذه فرسٌ.

قال: وحدثنا يونس أن بعض العرب يقول: يا أمَّ لا تفعلي، جعلوا هذه الهاء بمنزلة هاء طلحة. قال ابو علي: الأصل في هذا يا أمِّي فأبدل من الياء الألف، فقال: يا أُمَّا، ثم رخم، فقال: يا أُمَّ. قال: وإنما جازت هذه الأشياء في الأب والأم لكثرتهما في النداء كما قالوا: يا صاحِ في هذا الاسم. قال أبو علي: إنما ذكرت يا صاح هنا لأنه ترخيم اسم غير عَلَم خاص. قال: وذلك قولك: يا ابن أخي يعني أن الأخَ كان مضافًا إليك قبل أن تضيف إليه الابن.

قال أبو علي: من قال: يا ابن عمَّ فحذف الياء من عمي، جعل (ابن) مع (عم) شيئًا واحدًا، ثم أضافه إلى نفسه، فحذف الياء التي هي للمتكلم هنا كحذفه من (يا غلامَ غلامي)، وإذا قيل: إن حذف الياء من يا ابن عَمَّ لكثرة الاستعمال كان أقْيَس من أن يقال: جُعلا بمنزلة خمسة عشر لأنه ليس في ابن عمّ معنى الحرف، فيَلزم بناء الاسمين كما لزم بناء خمسة عشر لما فيهما من معنى الحرف، وإنما يلزم بناء الاسم متى تضمَّن معنى الحرف، فأما إذا لم يتضمن معنى الحرف، لم يجب أن يُبنى.

قال: وعلى هذا قال أبو النجم: يا بنتَ عَمّا ...

أي: على يا غُلامِ غُلام. قال: ألا ترى أنك لو قُلت: يالَزَيْدٍ وأنتَ تُحَدِّثُه لم يَجُز. أي: لو كنت تُحَدِّثُه ثمَّ تستغيثُ به لم يجز اللامُ. قال: ولم يلزم هذا الباب إلا (يا) للتنبيه لئَلاَّ تلتبس هذه اللامُ بلام التوكيد. قال أبو علي: يقول: لو حذفت (يا) من هذا الموضع كما تحذف من (زيدٍ) إذا نودي فقيل (زيدُ) مكان (يازيدُ) لالتبس لام الاستغاثة بلام الابتداء.

قال: ولا يكون مكان (يا) سواها من حروف التنبيه. قال أبو بكر: لَزِمَ (يا) لِذَا المعنى، كما لَزِمَ (وا) للتَّفَجُّع. قال: فَصارت كُلّ واحدة منهما تُعاقب صاحبتها. قال أبو بكر: يعني أن اللام في (يا لَلْعَجَبَ، ويا لَبَكْرٍ) معاقبة للألف والهاء، ألا ترى أنك لا تقولُ: يا لَبَكْراه. قال أبو بكر: إنّما فُتحَت اللام عندي في المدعو، لأن المدعو كان حكمه أن يكون اسمًا مكنيًّا، ولام الجرّ يُفتح مع المكنِيَّات ففتحت مع المدعُو كما فتحت مع المكنيات وكُسِرَت إذا كانت للمدعو إليه كما تكسرُ مع سائرِ المظهرات.

هذا باب الندبة

هذا بابُ النُّدْبَة قال: واعلم أنك إذا وصلت كلامك ذهبت هذه الهاء في جميع النُّدْبَةِ كما تذهبُ في الصلة. أي من قال: واغُلامِيَاهُ (وما أدراك ماهِيَهُ) في الوقف حذفه في الوصل، فقال: واغُلامِي الظَّريف، (وما أدراكَ ما هيَ نارٌ) وحذف هذه الهاء في الوصل إذا اتصل بما بعده كحذف ألف الوصل إذا اتصل ما هِيَ فيه بما قبله، لأن الهاء أُلحقت لِتُبَيِّنَ الحركة فإذا اتصل بشيء بعده قام المتصل به مقام الهاء، كما يقوم ما قبل همزة الوصل مقام الهمزة. وأنشد: فهي تَرثّي بأبي وابنِيما

قال أبو العباس: فَهي تَرَثَّا يا أبا وابْنيمَا. وزعم أن: يا أبا وابناما لا يجوز في هذه القصيدة للقافية ولو كان في غير هذا الشِّعر لجاز. قال: وكذلك الألفُ إذا أضفتها إليك، مَجْراها في النُّدْبَةِ كمجراها في الخبر. قال أبو علي: هذا مِثل ألف مثنى إذا ندبت أو لم تَنْدِبْ، فمن قال في النداء: يا غُلامِ، فحذف الياء استدلالاً بالكسرة عليها لم يَجُز له أن يحذف ياء الإضافة من مثنى، لأن الكسرة لا تلحقُ الألف من

مثنى فيدلُّ على الياء، فإذا لم يَجُز أن تلحق ما يدل على الياء لم يكُن من أن تلحق بالياء نفسها بُدّ وإذا أُلحِقَت الياءُ لم يَجُز فيها إلا الفتحُ، لأنها لا تخلو من أن تكون مفتوحةً أو موقوفةً، والوقف هنا لا يجوز لاجتماع الساكنين، فإذا لم يَجُز الوقفُ ثبت أن الجائز الوجه الآخر الذي هو الفتحُ. قال: واعلم أنه إذا وافقت الياء السّاكنةُ ياء الإضافة في النداء لم يحذف. قال أبو علي: من قال: يا غُلام فحذف ياء الإضافة، واستدل بالكسرة عليها، لم يَجُز له أن يحذف ياء الإضافة من (غُلامَيْن) إذا إضافهم إلى نفسه، ومن قاضٍ ومن قاضِيَيْن إذا أضافهم، ومن ناج، وإنما لم يَجُز له أن يحذف ياء الإضافة من هذه الأشياء كما حذفها من غُلام، لأنه حيثُ حذف الياء من (غُلامِي) بقيت الكسرةُ، فدلت على الياء، وجاز حركة الميم بالكسرة، فأما (غُلامَيْن) وما أشبهه فإنه إذا حذف ياء

الإضافة منه لم يَجُز تحريك الياء التي هي آخرُ هذه الكَلِم بالكسر، فيدل على الياء كما دَلَّت الكسرة في (يا غُلامِ) عليها وإذا لم يجز أن تُلحق ما يدل على الياء لم يكُن من أن تلحق الياء نفسها بُدّ، فإذا ألحقت لم يخلُ من أن تُسَكَّن أو تفتح، والسكون غير جائز فيه لالتقاء الساكنين فإذا لم يَجُز السكون فُتِحَ وأُدغِم الحرف المثلُ الذي قبله فيه فصار يا غُلامَيَّ، وهذه الياءاتُ على ضربين: منه أصلٌ، ومنه زائدٌ، إلا أن كلا الضربين يجتمع في أن الكسر لا يجوز فيه. فأما الأصلي فمثالُه الياء من (قاضي وناجي). والزائدُ مثل الياء من (غُلامَيْن)، والياء من (قاضِيَيْن)، فإن أضفت (قاضِين أو قاضون) إلى نفسك وافق لفظ المرفوع والمنصوب المجموعين لفظ الواحد، وذلك قولك: هؤلاء قاضِيَّ، إذا أردت الجميع، وأصل هذا (قاضونَ)، فسقطت النُّون للإضافة، وبقيت الواو قبل ياء الإضافة ساكنة، فلما سُكنت وجب أن تُدغِمها في الياء وإذا وجب إدغامها في الياء وجب قلبها ياءً فتصير (قاضِيَّ) كقولهم: (ريَّا) في مصدر (رَوَيْتُ)، فأما الجمع المنصوب والواحد فهما مثلُ الجمع المرفوع في اللفظ إلا أن المُدْغَم في ياء الإضافة فيهما مكان الواو في (قاضونَ)، والياء في الواحد مُخالفة للياء في الجمع، لأن الياء في الجمع زائدةٌ وفي الواحد لامُ الفعل.

قال: فذهبت كما تذهبُ في الألف واللام. قال أبو علي: نحو مثنى القوم، فاللامُ تسقط هنا كما تسقط مع حرف النُّدْبة لأن كِلا الموضعين يجتمع فيه ساكنان. قال: ولم يكن كالياء لأنه لا يدخلُها نصبٌ. قال أبو علي: الذي لا يدخلها نصبٌ هو الألف، والذي يدخلها نصب هو الياءُ، فإذا ندبت ما هي فيه غير مضافٍ قلت: (واقاضِياهُ)، فتحركُ الياء بالفتحة، ولا تحذفها كما تحذف الألف من (وامُثَنَّاهُ) غير؟؟؟؟؟؟؟ لا تتحرك البَتَّة، والياء تتحرك بالفتح. قال: وتقول: واظَهْرَهُمُوه، وإنما جعلت الألف واوًا لتُفرق بين الاثنين والجميع إذا قلت: (واظَهْرَهُماهُ)، وإنما حذفت الحرف

الأول لأنه لا ينجزِمُ حرفان كما حذفت الألف الأولى من قولك وامُثَنَّاهُ. قال أبو علي: الهاءُ التي تلحق لعلامة المضمر المجرور الغائب، حكمها أن تلحقها واوٌ في الوصل مثل: لهو مالٌ، وعندهُو ثوبٌ، فأصل حرف اللين الذي يلحق هذه الهاء في الوصل واوٌ، وإنما تقلب ياءً إذا وقعت قبلها كسرة أو ياءٌ في مثل (بهي داءٌ، وعَلَيْهِي ثوبٌ) لمكان الكسرة، والياء، والأصلُ الواو كما قلنا، والدليل على أن الياء يجوز أن يجعل مكانها الواوُ في مثل (بهِ وعليهِ) فيقال: (عَلَيْهُو، وبِهُو)، ولا يجوز أن يجعل مكان الواو ياء إذا لم ينكسر ما قبل الهاء ولم يقع قبلها ياء، لا يجوز (لَهِي مالٌ، ولا عِنْدَهِي ثوبٌ) فقد بان من هذا أن أصل حرف اللِّين الذي يلحق هنا الواوُ، إذ كل موضع جاز فيه الياءُ يجوز فيه الواو، وليس كُلّ موضع يجوز فيه الواو يجوز فيه الياء. والمنصوب المضمر إذا كان للغائب المذكر في لحاق هذا الحرف اللين الساكن به مثل المجرور، وهذا الحرف اللين الذي ذكرنا لا يكون إلا ساكنًا، فإذا ألحقته علامة النُّدْبَة وجب أن يسقط، لأنه قبل العلامة وإذا سقط وجب أن يقلب ألف النُّدْبَة واوًا لتتبع الحركة التي قبلها، لأنها لو تركت ألفًا لزم أن يفتح ما قبلها، وإذا انفتح ما قبلها التبس الغائبُ بالغائبة، فالمحذوف من الساكنين في قولك (واظَهْرَهُوهُ)

هو الأول، وكذلك المحذوف من (واظَهْرَهاهُ) هو الألف الأولى التي للتأنيث، وإذا جمع المضمر المجرور الغائبُ المذكر ألحق الهاء حرفين (الميم والواو) كما تلحق الواحد المؤنث إذا جمع حرفان وذلك مثل لَهُمُو وَظَهْرَهُمُو إلا أن الواو قد تحذف في الوصل والوقف، كقوله: (هذه ظُهُورُهم فاعلم، وهذه ظُهورُهم). والأصل أن تلحق هذه الواو وإن كانت قد تحذف استخفافًا الدليلُ على أنك إذا وصلت ما كان مثله، أعْني المنصوب بشيء ثبتت هذه الواو وذلك قولك: (أعْطَيْتُموهُ)، لما وصلته بالهاء لزم ثباتُ هذه الواو، فكذلك المضمر المجرور إذا وصلته بشيء ولزم أن تثبت هذه الواو فإذا نُدِبَ (ظَهْرُهم) وجب ثباتُ الواو اللاحقة مع الميم الهاء لِوَصْلِك علامة الندبة به، وإذا وصل هذه العلامة التي هي للمضمرين الغائبين المذكورين وَجَب ثبات الواو فيه للصلة كما وجب ثباتها للصلة في نظيره، إلا أن الذي مَنَع من ثباتها في (ظهْرهُمُو) إذا نُدبت اجتماع الساكنين وهما الواو وألف النُّدْبة، فسقط الساكن الأول الذي هو الواو، وثبَت الذي هو علامة الندبة كما يسقط من (مُثَنى) إذا ندبتَه غير مضاف الحرف الذي من نفس الكلمة وهو الألف المنقلب عن الياء، وإنما وجب حذف الأولى هنا من حيث وجب تحريك الأول إذا اجتمع الساكنان من كلمتين، فكذلك وَجب هنا حذف الأول لمَّا لم يَجُز تحريك الساكن الأول، ولم يكونا من كلمة واحدة، فمذهب سيبويه في هذا كما قد رأيت أن الحرف الأول محذوف التقاء الساكنين، وتقول أيضًا في رجل يسمى

(ضَرَبوا) لو ندبته (وا ضَرَبُوه)، حذفت الساكن الأول، وجعَلت علامة النُّدبة تابعة للحركة التي كانت قبل الحرف المحذوف كما قد فعلت ذلك في (واظَهْرَهُوه، واظَهْرَهُمُوهُ)، لئلا يلتبس الجمع بالتثنية في (ضَرَبُوا)، كما قد يلتبس الجمع بالاثنين في (واظَهْرَهُمُوه) والمذكّر بالمؤنّث في (واظَهرهموه). وقد اعترض أبو العباس في هذا الموضع فقال: زعم أنه لو ندب غُلامي في قول من قال (يا عِبادِي فاتَّقونِ) لقال: (يا غُلامِيَاهُ) فحرك الياء لالتقاء الساكنين، ولم يحذفه، قال: فيَلزمه على هذا أن يقول: (واظَهْرَهُواه وواظَهرَهُمُواهُ، واضَرَبُواهُ) فتُحرك الساكن الأول لالتقاء الساكنين كما حرَّكته في (يا غُلامِياه) في قول من قال: (يا غُلامي). قال أبو علي: والجواب عندي في ذلك أن الواو من (ظَهرهُو،

وظهرهمو) ليست مثل الياء في (غلامي) وذلك أن هذه الواو لم تتحرك ألبتَّة، والياء من (غلامي) قد تتحرك في لغة من يسكِّنه لالتقاء الساكنين ألا ترى أن من يقول: يا غلامي، فيُسكّن هذه الياء وافق من يفتحاه في مثل (يا قاضِيّ، ويا مُثَنَّايَ) ولا يكون في لغته غير الفتح لالتقاء الساكنين، فكذلك لا يُنكر أن تحرك الياء من (يا غلامي) لالتقاء الساكنين إذ كانت هذه الياء قد تحرك لالتقاء الساكنين في غير هذا الموضع، ومع ذلك فأصل هذه الياء التي هي للمخاطَب الفتح، كما أن كاف المخاطب مفتوح إلا أن الحركة حُذفت من الياء لأنها حرف لين والحركة تُكره فيها، ألا ترى من يقول (حضْرَمَوْت) لا يحرك الياء من (مَعْدِي كَرِب)، فهذه الياء إذا فُتِحت في (واغُلامِياه) فإنما تُرد إلى أصلها كما أن (مُدّ) إذا حرك رد إلى أصله لالتقاء الساكنين فضُمّ، فكذلك هذه الياء يُرَد في التقاء الساكنين إلى أصله وحركته التي كانت له، فأما (غُلامَهُو، ظُهْرَهُو، وظَهرهُمو) فليس للواو شيءٌ من ذلك حركة في الأصل، كما كانت لياء الإضافة، ولم تُحرك في موضع لالتقاء الساكنين ولا لغيره، كما حُركت هذه الياء لالتقاء الساكنين ولغير التقائهما، فقد بانَ أن الواو في (ضَرَبَهُو) وما أشبهه ليست مثل الياء في (غلامي)، إذ كان أصل هذه الياء الحركة فإذ حُرّك لالتقاء الساكنين رُدَّ إلى أصله وليس للواو في (ظهرهُو، وغلامَهُو) أصل في الحركة، ولا حركت

في موضع، فيردّ إلى حركته في التقاء الساكنين كما رُدّت الياء، فحركتُهما إذًا لالتقائهما لا يجوز، وإذا لم تَجُز الحركة لالتقائهما فيه لم يكن إلا الحذف كما قال سيبويه. فأما الواو في (ضَرَبُوا) فإنها وإن كانت قد حركت لالتقاء الساكنين في مثل: (ولا تَنْسَوُا الفضل بينكم) و (اشْتَرَوا الضَّلالةَ)، فليست هذه الحركة بحركة أصلية كما كانت الحركة في (يا غلامي) حركة واجبة للحرف في الأصل، بل إنما حُركت هذه الواو في التقاء الساكنين فقط ولم تحرك لغيره كما أن الياء من (غلامي)

قد حرك لغير التقاء الساكنين في مثل (لِيَ جيني)، فثَبات الياء من (يا غلامِياه) في لغة من قال: (يا غلامي) في التقاء الساكنين أقوى من ثبات الواو في (ضَرَبوا) لِما قلنا من أنه قد يتحرك لالتقاء الساكنين إلا أن من حرَّك الواو في (ضربوا) لالتقاء الساكنين في مثل: قال، لَدا وجَدتُه منقطعًا. قال: لأن ياء الإضافة عليه – أي على عمرٍو – تقع ولا تحذفها لأن عمرًا غير مُنادى. قال أبو علي: قوله: ولا تحذفها أي لا تحذف الياء، لأن عَمْرًا غير منادى أي ليس عمرو بمنادى فيحذف منه الياء كما تحذف من الاسم المنادى

نحو: يا غلام إنما هذا بمنزلة يا غلام غلامي، فغُلام الثاني غير مَدْعُوّ. قال: وإنما تحكي الحالة الأولى قبل أن يكونا اسمين، فصارت الألفُ – أي ألف النُّدبة – تابعة لهما – أي لضربوا. أي تَبِعَت ألف الندبة الحركة التي قبل الحرف المحذوف في (ضَرَبوا وضَرَبا) إذا نَدَبْتَ، كما تبعت التثنية والجمع قبل أن يكونا اسمين نحو (غلامهُما وغلامَهُم). قال: وإذا قلت: يا ثلاثةً وثلاثين فلم تُفرد الثلاثة من الثلاثين. قال أبو علي: الدليل على أن ثلاثةً وثلاثين نصبٌ في النُّدبة من حيث كان اسما طويلا نصبُك الاسم الأول، فلو كان هذا مثل (يا زيد

ويا عمرو) لَما كان إلا مضمومًا غير منوّن، فكونه منصوبًا منوّنًا يدل على أنه انتصب من حيث كان اسما طويلا. قال: وقال: يا ضاربًا رجلا معرفة كقولك: يا ضاربُ. قال أبو العباس: تعريف يا ضاربًا رجلا من وجهين: إما أن يُسَمَّى به رجلا بعينه فيصير معرفة بالإشارة والقصد نحو يا رجُل.

قال: فصار بمنزلة [الذي] إذا قلت: هو الذي فَعَلَ. قال أبو علي: لا يتِمّ قولك: يا خيْرًا بغير (منك) كما لا يتمُّ (الذي) بغير صلتِه. قال: وأما قولك: يا أخا رجل، فلا يكون الأخ ها هنا إلا نكرة. قال أبو العباس: لأنه ليس ها هُنا تنوينٌ ينوى به الانفصال كما قال في ضَارِب.

قال: ولا يكون الرجل ها هنا – أي إذا أضفت أخا إليه – بمنزلته إذا كان منادى. أي: فقلت: يا رَجُلُ، لأنه ثم يدخله التنوين، أي إذا قلت: يا ضاربُ رَجُلٍ يدخله التنوينُ إذا أردت الانفصالَ، فتقولُ: يا ضارِبًا رجلاً، وجاز لك أن تريد معنى الألف واللام ولا تلفظ بهما، أي جاز لك أن تريد بيا ضاربًا رجلاً معنى الألف، وهو ها هُنا غير منادى أي (الرَّجُل) في (يا أخا رجلٍ).

هذا باب الحروف التي ينبه بها المدعو

هذا بابُ الحروف التي يُنَبَّه بها المدعو قال: وقد يستعملون هذه التي هي لِلْمَدّ في موضع الألف. قال أبو علي: إذا نادَيْتَ المقبل عليك بما تنادي به المتراخي البعيد نحو يا وهَيَا كان بمنزلة قولك: يا يا فُلان، للمقبل عليك توكيدًا في استعطافه وإن كنت قد استغْنَيْت عن دعائه بإقباله عليك. قال: وقد يجوز حذف (يَا) من النكرة في الشعر. قال أبو علي: قوله: من النكرة، يريد ما كان غير علمٍ، مِمَّا يعرفُ في النداء بالإشارة إليه، وكان قبل النداء نكرة. وقد اعترض أبو العباس في قوله: وقد يجوز حذف (يَا) من النكرة. وقال: حذفُها من النكرة غيرُ جائز، والدّليلُ أن (جارِيَ)

غير نكرة أنها مُرخَّمة، والنكرة لا تُرَخَّم. قال أبو علي: يجوز أن يكون سيبويه أراد بقوله: تحذف (يا) من النكرة ما كان غير عَلم مِما يعرف بالنداء.

هذا باب ما جرى على حرف النداء وصفا له

هذا بابُ ما جرى على حرف النّداء وصفًا له قال: فالاختصاصُ أُجري هنا على حرف النداء كما أن التَّسوية ... الفصل. قال أبو بكر: كلُّ منادى مختص، وليس كل مختص منادى، كما أن كل استفهام تسويةٌ، وليس كل تسويةٍ استفهامًا. قال: وتقول: نَحْنُ العربَ أقْرَى الناس لِضيفٍ، فإنما أدْخلت الألف واللام لأنك أجريت الكلام على ما النِّداء محمولٌ عليه. قال أبو علي: أي على فعل مضمر كما أن النداءَ على فعلٍ مضمر، إلا أن قولك (العَرَبَ) لم يُجْرِ منادى، كما أن أيتها العِصابة جَرَتْ منادى، فتَمْتَنِعُ (العرب) من دخول الألف واللام عليه.

قال: وإنما دخل في هذا الباب من حروف النداء وحدها. قال أبو العباس: يعني (أيّ) في قولك: أيتُها العِصابة قال: يعني أجروه على الأصل أي على النداء. قال: واعلم أنه لا يحسن لك أن تبهم في هذا الباب، فتقول: إنِّي هذا أفْعَلُ. قال أبو العباس: لأنه لا يعرف هذا واحدٌ قد عرفته قبل. وأنشد: أيَا شاعِرًا لا شاعِرَ اليومَ مِثْلَهُ

قال أبو العباس: يا لِغَيْرِ شاعر. قال أبو علي: كما أن (يا) في قوله: (يا لعنةَ اللهِ) لغير اللَّعْنةِ،

كأنّه نبه غير قول شاعرًا بِيا، ثم نَصَبَ (شاعِرًا) على إضمار فِعل، كما نَصَبَ ما في هذا الباب للاختصاص، ولا يجوز أن يكون (شاعِرًا) نداءً منكورًا لأنه يريد واحدًا بعينه، فكأنه قال: أراكَ شاعِرًا، فهو يشبه الاختصاص في أنه على فعل مضمر وإن كان هذا منكورًا، وما اختص في هذا الباب معروفٌ. وأنشد: تَمَنَّاني لِيَلْقاني لَقِيط ... أعامِ لَكَ ... ...

قال أبو علي: دَعاهُم لَهُم في قوله: أعَامِ لك، كما أنَّه دُعاء من دعاني. قوله: يالَبَكْرٍ أين أين الفِرارُ. لأنفُسِهم.

قال: وقال في قول الشاعر: ياهِنْدُ هِنْدٌ بين خِلْبٍ وكَبِدْ إنه أراد: أنتَ بين خِلْبٍ وكَبِدٍ، فجعلها نكرة، وقد يجوز أن يقول بعد النّداء مُقبلا على من يحدث: هِنْد هذه بين خِلْبٍ وكبدٍ فيكون معرفة.

قال أبو علي: تأويل الخليل أنه أراد أن قوله: (هِند) على ضربين من التقدير: يحتمل بأن تكون هند نكرة، وتكون خبر مبتدأ محذوف، كأنه قال: أنتِ هندٌ بين خِلْبٍ، فالمبتدأ الذي هو أنتِ محذوف، وخبره هِنْدٌ وجعلها نكرة، (وبَيْنَ) على هذا التقدير صفةٌ لِهِند. والضرب الآخر: أن يكون لَمَّا نادى، فقال: يا هِنْدُ، أقبل على من كان بحضرته (يُحدِّثه): هِندٌ بين خِلْبٍ وكَبِدٍ، فَهِنْد على الوجه الثاني معرفة ليست بخبر مبتدأ محذوف، بل هي نفسها مبتدأ وخبرها (بَيْنَ). قال أبو بكر: قوله: بينَ خِلْبٍ، إذا قدر المبتدأ محذوفًا وهندًا نكرة صفة لهِنْدٍ، لأن هندًا حينئذ نكرة وهي خبرُ المبتدأ المحذوف (وبَيْنَ) على هذا الوجه الثاني الذي قاله الخليلُ خبرٌ ليس بصفة.

هذا باب الترخيم

هذا بابُ الترخيم قال: واعلم أن الترخيمَ لا يكون في مضاف إليه. قال أبو بكر: لا يجوز أن يُرخَّم المضاف إليه، لأنك لا تُرَخِّم اسمًا قبل آخره وتمامِه، فإذا أتْمَمْتَه بالإضافة لم يجز ترخيمُ المضاف إليه لأنه غير منادى.

هذا باب ما أواخر الأسماء فيه الهاء

هذا بابُ ما أواخِرُ الأسماء فيه الهاء قال: وأمّا الاسم العام فنحو قول العَجَّاج: جَارِيَ لا تَسْتَنْكِري عَذيري

قال أبو علي: المازني وأبو العباس لا يجيزان ترخيم (شاةٍ وَثُبَةٍ) ونحوهما إذا كانا نكرتين، كما لا يجيزان ترخيم (رَجُلٍ) ونحوه وهو نكرة، إنما يجيزان ترخيمَهما إذا أريد بهما المعرفة كقولك: (يَاثُبَةُ) ويُرَخِّمانه على أنه معرفةٌ. قال: فإذا أرادوا أن تثبُتَ الحركة، أي في الحرف الذي قبل المحذوف. قال: من قبل أن الهاء في الوصل في غير النِّداء تُبْدَل مكانها التاء

فلما صارت الهاء. قال أبو علي: ليس يُريد بقوله يبدلُ مكانها التاءُ أن التاء بدل من الهاء على أن العلامة التي تلحقُ التَّأنيث هي الهاء، ثم تبدلُ مكانها التاء لكن العلامة عنده التاء والهاء بدلٌ منها في الوقف، فقال على المجاز والاتساع في استعمال لفظِ البدَل: إن التاء بدلٌ من الهاء في الوصل. قال: وسَمِعْنا الثِّقَة مِنَ العرب يقول: يا حَرْمَلَ، يريد: يا حَرْمَلَهْ، يعني في الوقف. قال: لو لم يكن بعد حذف. أي: حذف الحرف الزّائد.

قال: فإذا لحقته الزوائد لم تحذفه. أي: لم تحذف ما هو من نَفْسِ الحرف مثل: حارِثَه، فإنك تقول في ترخيمه: يا حارِثَ. قال: وتقول في حَيْوَةَ: يا حَيْوَ أقْبِلْ. قال أبو علي: حَيْوَةُ حرف شَذَّ عن القياس، فأُجْرِي في الترخيم على ما جرى عليه قبل أن يُرَخَّمَ، فتقول يا حَيْوَ. قال: وحذف حرفٍ لازم للاسم لا يتغيرُ في الوصلِ ولا يزولُ كما تتغيرُ هاء التَّأنيث.

هذا باب يكون فيه الحرف الذي من نفس الاسم.

قال أبو علي: وقوله: ولا يزول أي كما تزول تاءُ التأنيث، لأن كل اسم هي فيه قد تحذف منه إذا أُريد تذكيرُه أو جمعُه. قال: لأنه أخَفُّ شيء عندهم في كلامهم ما لم ينتقص. أي: لأنه إذا نقصَ لم يكن عندهم حذفًا، كأنه إذا حذف مزيدٌ وما أشبهه فللتَّخفيف. انتهى الجزء الأول من التعليقة ويليه الجزء الثاني، ويبدأ بقوله هذا باب يكون فيه الحرف الذي من نفس الاسم.

هذا باب يكون فيه الحرف الذي من نفس الاسم

هذا بابٌ يكونُ فيه الحرفُ الذي مِن نَفْسِ الاسْم قال: وقع وما قبله. أي: ما قبل الزائد. قال: بمنزلة الحرف الذي كان قبل النون. يعني في مسلمين ومروان وما أشبه ذلك. قال: فهو زائد. أي: الواو في منصور.

قال: ولم يكن لازمًا لما قبله. أي: لم تكن الواو من "منصور" والألف من "عَمّار" لازمًا لما قبله. قال: لأنَّ ما بعده لَيْسَ. أي: الراء. قال: فلَمّا كانت حالُ هذه الزّيادةِ أي حال الزيادة في (منصور). قال: حال تلك الزيادة أي: الزيادة في (مروان). قال: وحُذِفَت الزيادة وما قبلها. أي في مثل مروان.

هذا باب تكون الزوائد فيه بمنزلة ما هو من نفس الحرف

هذا بابٌ تكون الزوائد فيه بمنزلة ما هو من نفس الحرف قال: ويَدُلُّكَ على أنَّها بمنزِلتها. -أي الواو من قَنَوَّر، والياء من هَبَيَّخٍ، وعِثْيَرٍ بمنزلة الفاء مِنْ جعْفَر- أنَّ الألفَ الّتي تجيءُ لتُلْحِقَ الثَّلاثة بالأربعة مُنَوَّنة كما يُنَوَّنُ ما هو من نفس الحرف، وذلك نحو مِعْزى. قال أبو علي: معزَى مُلْحقٌ بدِرهم وهِجْرع، يدُلُّ على ذلك لحاقُ

التّنوين لها، ولو كان غيرَ مُلْحَقٍ وكانت للتّأنيث لم يُنَوَّن، فحكمُ ما يكون للإلحاق حكمُ الأصلِيّ، فالألف في (مِعزى) بمنزلة الميم مِنْ (درهم) وإذا كانت الألف لغيرِ الإلحاق كانت بمنزلة تاء التأنيث في أنّه يُعْتدُّ بها زائدًا. قال: ومع ذلك أنَّ الزَّوائدَ تلحقها كما تلحق ما ليس فيه زيادة نحو: جِلْواخ، وجِرْيال. قال أبو علي: يعني أنَّ المُلْحَق قد وقعت الزيادة بعده في (قِرْواح) وقبله في (حُطائِط)، كما وقعت بعد الأصل في (سِرْداح) وقبله (غُذافِر)

ومثل وقوع الزيادة قبل الملحق (قنَوَّر)، و (هَبَيَّخ)، فنَزَل الواوُ الأخيرة مِنْ (قنور) بمنزلة الكاف مِنْ (فَدَوكس)، والياءُ الأخيرةُ مِنْ (هبيَّخ) بمنزلة الدّال مِنْ (سَمَيْدَع)، والواو الأولى والياءُ الأولى من (قنور) و (هبيخ) كُلُّهنَّ لِلْإلحاقِ.

قال: وتَقَدَّمُ قبل هذه الزيادة. - أي: التي للإلحاق- الياء والواو زائدتين كما تقدم الحرف الذي أي: كما تقدم الياء والواو الحرفَ الأصليّ. قال: فكَرِهوا أن يحذفوها – يعني الزيادة المُلْحَقة- إذ لم يحذفوا ما شَبَّهوها به، وما جَعَلوها بمنزلتِه. قال أبو علي: يُريدُ: لو حَذَفوا مِنْ (قَنَوَّر) في التَّرخيم الواوَ كما حذفوا من (منصور) و (مروان) حرفين، لَلَزِمَ أنْ يُحْذفَ مِنْ (سَمَيْدَع)، فلَوْ حذفتها مع الرَّاء في (قنوّر) لحذفت الدّال والعينَ من (سميدع)، فلو حذفت ذَيْنِكَ مِنْ (سَمَيْدع) لحذفت الجيمَ والرّاءَ من (مهاجر) لأنها بمنزلة الدّال والعَيْن مِنْ (سميدع)، فكَما لا تحذف هذا، كذلك لا يجوز حذف الواو الأخيرة والياء الأخيرة من (قنوّر) و (هبيّخ)، لأنهما بمنزلة الدّال من (سميدع).

هذا باب ما تكون فيه الزوائد أيضا بمنزلة ما هو من نفس الحرف

هذا باب ما تكون فيه الزوائد أيضًا بمنزلة ما هو من نفس الحرف: قال: لكانت ساكنةً، أي: كانت كألف حمراء في السُّكون في قوله: وما كانت حَيَّةً – أي متحركة. قال: ولو تحرَّك لصار بمنزلة حرف واحد من نفس الحرف –أي للإلحاق. قال: ولجاء بناءٌ آخر. أي: لو تحرك الحرف الذي قبل همزة (حمراء)، صارت للإلحاق، ولو صارت للإلحاق لجاء بناء آخر غير (فَعْلاء)، لأن (فَعْلاء) لا يكون شيءٌ على وزنِه مُلْحَقًا أبدًا، ولو تحركت الألف من (حَمْراء)، صارت ياءً للإلحاق بمنزلة الياء في (دِرجايَة)، وانْكَسَرَ أوّل الحرف أو انْضَمَّ، فصَارَ بمَنزلة (عِلْباءَ وقُوبَاءَ)، إلاَّ أنَّ الياء في البناء الذي تَلْزمُه علامة التَّأنيث

لا تنقلب همزة كما تنقلب في (عِلْباء) و (قُوباء) لِوُقوعهما طرفًا بعد ألف زائدةٍ. قال: ولو كانت بمنزلة زيادة واحدة لم تَقُلْ: (سُعَيْلِيَة) قال أبو علي: يقول: لو كان الحرف الساكن الذي قبل حرف التأنيث وهو الألف من (سِعْلاة) مع تاء تأنيث بمنزلة (حَمراء) في أن الحرفين للتأنيث، كما أن الحرفين في (حَمْراء) للتأنيث لقلت في التحقير: (سُعَيْلاة)، فردَدْتَ علامة التأنيث غير مغيّرة عما كان عليه قبل التحقير كما رددته في قولك: (حُمَيْراء) غير مُغيرة عمّا كان عليه في غير التحقير، فردُّك الألف في التصغير مُغيرًا عمّا كان عليه في التّكبير يدُل على أنّه ليس بعلامة تأنيث، وكما لا يكون تاءُ التأنيث مع شيء قبلها لاحقةً للتأنيث كذلك لا تكون الألف المقصورة مع شيء قبلها للتّأنيث، لأنها بمنزلة الهاء، وإذا لم يَجُزْ أن تكون التّاءُ مع الحرف الساكن الذي قبلها للتّأنيث، فما قبل ألف التأنيث إذا كان متحركًا أبْعد مِنْ أن يكون مع الألف للتّأنيث (فيَا بَرْدَرايا) أبعد من أن يكونَ مع ألف التأنيث للتأنيث من ألف (سِعْلاة) مع الهاء أن يكُونا له، لأنَّ الياءَ من (بَرْدَرايا) مُتحرّك، والألف من (سعلاة) ساكنٌ. قال: لم تَحْذِف الألفَ كما لا تَحذفها إذا قُلْتَ: خُنْفُساويّ أي: لو كانت الألف في (حَوْلَايا) مع الياء التي قبلها للتأنيث لما وَجَبَ أن تحذف الألف إذا نسبْت إلى الاسْم، كما لم يَجبْ أنْ تحذف الألف

هذا باب ما إذا طرحت منه الزائدتان

التي قبل الهمزة في (حمراء)، بل كان يجب أن تقلبها واواً فتقول: (حَوْلاوِيّ) كما قُلْتَ: (حَمْراويّ). **** هذا باب ما إذا طُرِحَتْ منه الزّائدتان قال: فحَذفُ الواو والنُّون هاهُنا كحذفها في (مُسْلِمَيْن). قال أبو علي: أيْ كما لا تحذف الميم في (مُسْلمِين) اسم رجُل في الترخيم كذلك لا تحذفُ الألف مِنْ (مُصْطفى) ونحوه إذا رخَّمْتَه مَجْمُوعًا اسْم رَجُل لأن الميم أصْلٌ، كما أنَّ ألف (مصطفى) مُنْقلِبة عَمّا هو أصل.

هذا باب تحرك فيه الحرف الذي يليه المحذوف لأنه لا يلتقي ساكنان

هذا باب تَحَرَّك فيه الحرف الذي يليه المحذوف لأنّه لا يلتقي ساكنان قال: ومن زعم أنَّ الرّاء الأولى في (مُحْمَرٍّ) زائدة كزيادة الياء والواو والألف فهو لا ينبغي له أن يحذفها. قال أبو علي: أي لا ينبغي له أن يحذفها وإن كانت عنده زائدة كما يحذف الزائد مع الأصلي في (منصور). قال: ولو جعلتَ هذا الحرفَ –أي الراء من مُحْمِرّ- بمنزلة الألف والياء والواو لَثَبَتَ في التَّحْقير والجمع الذي يكون ثالثُه ألفًا.

قال: أبو بكر: يقول كان يلزم أن يقول: مُحَيْمِر، ومُحَامِر، فتثبُتُ الرّاءُ الأولى كما يَثْبُتُ حَرْفُ اللّين في قولِك: (دَنانير) إذا جَمَعْتَ، و (دُنَيْنِير) إذا صَغَّرْتَ. قال: فإذا قَرُبَ منه هو –أي الحرف الذي منه الفتحة- كان أجدر أن تفتحه، وذلك (لَمْ يُضارّ). قال أبو علي: قوله: (لم يُضارّ)، كان حقُّ الرّاء الآخِر أنْ يُسَكَّنَ للجَزْمِ إلاَّ أنَّ السُّكونَ لمْ تَجُزْ فيه لسُكُون الرّاء الأولى المُدْغَمَة في الثانية فلَمّا كان السُّكونُ للجَزْم يُؤدّي إلى اجتماع الساكنين، حُرِّكَ، ولمّا حُرّك حُرِّك بالحركة المناسبة للألف وهي الفتحة، وإن كان بين الألف وبين الرّاء المُحَرَّكة بالحركة التي بالألف حرفٌ. قال: فجرى عليها ما كان جاريًا على تلك، يريد بتلك: الرّاءَ المحذوفة لو ثبتت، ولم تكن حرف إعراب، وهي الأخيرة من إسْحارّ. قال: فَعَلْتَ بهذه الرّاء ما كُنْتَ فاعِلاً بالرّاء الأخيرة لو ثبتت الرّاء. أي الراءان في (إسْحارّ) –ولم تكن الأخيرة حرف إعراب، أي لو لم تكن الراء الأخيرة من (إسحارّ) حرف إعراب تعتقبُ عليها حركاتُه، وكان حرفًا مبْنِيا لَوَجَب حركتُه بالفتح لِقُرْبه من الألف التي منها الفتحةُ،

كما وجب تحريك الرّاء الأخيرة من (لم يُضارَّ) بالفتح. قال: وإن شئت فتحت اللام إذا أسكنت على فتحة انْطَلَقَ، ولَمْ يَلْدَهُ إذا جزموا اللام –أي اللام التي بعد الطاء-. قال أبو علي: انْطَلَقَ أصلُه انْطَلْقْ، فخُفِّفت اللام التي هي عين الفعل المكسور كما يُخَفَّفُ في (فَخْذِ)، فاجْتمع ساكنان القاف واللام التي هي عين الفعل، فحُرِّكت القاف التي هي لام الفعل بحركة الطاء التي هي أقرب الحركات إليه، وكذلك (لم يَلْدَهُ).

قال: فهذه كأين وكيف –أي (انطلق ولم يلده) –حركتهما حركة بناء، وليست حركة إعراب، كما أن حركة النون من (أيْنَ) والفاء من (كَيْفَ) حركة بناء، ولو كانت حركة اللام من (يلْد) حركة إعراب لكان ما وجب أن يفتح. قال: كما أنك لو سَمَّيْتَ رَجُلاً سَلمَتَيْنِ قلت في الوقف يا سَلَمَهْ. قال أبو علي: في رجل اسمه سَلَمَتَيْن لو رخمته لقلت: يا سَلَمَتَ أقبل على الإدارج، فإذا وقفت عليه قلت: يا سَلَمَهْ، فأبدلت من تاء التأنيث في الوقف هاء، لأن تاء التأنيث يوقف عليها بها. وقوله: لأن الهاء لو أبْدلَ منها تاء لتُلْحِقَ الثلاثة بالأربعة لم تُحَرِّك الميمَ، أي لو جعلت التاء في (سَلَمَتَين) إذا سميت به للإلحاق حكمه حكم الأصل، فكما لا يكون في الأبنية الأصلية كلمة على أربعة أحرف متحركات، كذلك لا يكون فيما كان مثله.

هذا باب النفي بلا

قال: وأمّا اثنا عشر إذا رخَّمْته حذَفْتَ عَشَرَ مع الألف، لأنَّ عشَر بمنزلة نون (مُسْلِمِينَ)، والألف بمنزلة الواو، وأمرُه في الإضافة والتحقير كأمر مُسْلِمِين. قال أبو علي: قوله: وأمره في الإضافة والتحقير كأمر مُسْلِمين، أي لو نسبت إليه لقلت: اثْنِيّ أو ثِنْوِيّ كما أنك تقول في النسب إلى مُسْلِمِين: مُسْلِمِيّ، فتحذف الياء والنون كذلك الألف مع (عشر) من (اثنا عشر)، وتصغير اثني عشر، ثُنيا عشر، كما أن تحقير مُسْلِمِين مُسَيْلِمينَ، والموازنة بينهما أن التصغير في كل واحد لحق الاسم قبل التثنية. هذا باب النفي بلا: قال أبو بكر: (لا رَجُلَ)، معربٌ يشبه المبني، كما أن (يا زيدُ) مبني يشبه المعرب، لأن كل اسم يقع في هذا الموضع مفرد معرفة يقع مرفوعا، فلذلك إذا عطفت على اللفظ في النداء رفعت، وإذا عطفت على الموضع نصبت، وإذا عطفت على (لا) لم يجز إلا أن تعطف عليها وعلى

ما عمل فيها. قال أبو علي: قول أبي بكر: المنفي بلا معرب يشبه المبني، الدليل على أنه معرب أنك تعطف عليه المنصوب، فتقول: لا رجلَ وغُلامًا، لا أبَ وابْنًا، فلو لم يكن منصوبًا لم يجز أن يعطف عليه بالمنصوب ولا يوصف به، فهذا دليل إعرابه، والدليل على بنائه أنه لم ينون ولو كان غير مبني لوجب تنوينه، فهذا الاسم بني على الحركة التي كانت للإعراب. وقوله: يا زَيْدُ، مبني يشبه المعرب. الدليل على بنائه وأنه يجب أن يكون مبنيًا وقوعه موقع ما لا يكون إلا مبنيا، وهو علامات الضمير. والدليل على أنه يشبه المعرب أن تحريكه بهذه الحركة مطرد فيه كما أن ما يرتفع بالفعل والابتداء مطرد فيه أن يرتفع أبدًا.

قال: و (لا) و (ما)، تعمَلُ فيه في موضع ابتداء فلَمَّا خُولِفَ بها عن حال أخواتها خولف بلفظها. قال أبو علي: قوله: خولف بها عن حال أخواتها، يريد: أنها لا تعمل إلا في نكرة، وسائر أخواتها ك"ما"، و"ليس" لا يمتنع واحدة منها أن تعمل في معرفة، وإنما لم تعمل إلا في نكرة لأن الواحد يراد به الكثرة، والمعرفة لا تدل على أكثر من نفسها ومن الخلاف بين (لا) وغيرها من حروف النفي أن ما ينفى به لا موجب له، وما يُنفى بغيره قد يكون له موجب، ألا ترى أنه إذا قال: (لا رَجُلَ في الدّار) فقد نفى جميع النوع، وإيجاب هذا بعيد قريب من الممتنع. قال: وذلك أنَّ (رُبَّ) إنما هي للعدَّة بمنزلة (كَمْ)، فخُولِف بلفظها حين خالَفَتْ أخواتِها. قال أبو علي: الموافقة بين (رُبّ) وأخواتها أنها تخفض كما أنهن يخفضن والمخالفة بينهما في المعنى أن (رُبّ) لا تدخل إلا على نكرة دالة على أكثر من واحد لا يكون إلا كذلك، وأخواتها إنما يدخلن على

الاسم الخاص، وإن دخل شيء منها عىل العام لم يمتنع أن يدخل على الخاص، (وربّ) لا تدخل إلا على الاسم العام الدال على أكثر من واحد لهذا المعنى الذي ذكرنا في (ربّ) لم تقع إلا صدرًا، لأن هذا المعنى إنما يكون في النفي، فأشبه (رُبّ) به النفي فوقع صدرا، كما يكون النفي صدرا، فهذه المخالفة بين (رُبّ) وأخواتها في المعنى. وأما مخالفة (رُبّ) لهن في اللفظ فهو وقوعها أبدا صدرا، وأن حروف الخفض لا تقع صدرا، ولا حكمها أن تكون كذلك، لأنها تضيف ما قبلها إلى ما بعدها، فحكم ما تضيفه أن يكون قبلهن في المعنى والمرتبة، وإن وقع حرف مبتدأ به في اللفظ كقولك: (بزيد مررتُ) فأما قوله: (ربّ) فقد تقدم ذكرنا السبب الموجب لوقوعها صدرًا. فأما قول سيبويه: كما خولف بأيُّهم حين خالفت الذي، فالموافقة بين (أيُّ) و (الذي) قد تكون موصولاً كما أن (الذي) موصول. والمخالفة بينهما أن (أيُّ) معرب، و (الذي) مبنيّ، و (أيّ) مخالفة (للذي) في المعنى، لأنه في كل المواضع يلزمها أن تكون بعضا من كل، وليس (الذي) كذلك، وكثير ممن تقدم من النحويين يقولون: إنّ

(أيّ) إنما أعربت لأنها مضافة، والإضافة مما تمكن. قال أبو بكر: ليس هذا القول بمطرد، لأن (كم) قد تكون مضافة في الخبر، في قولك: (كم رجلٍ في الدّار)، ومع ذلك فليس يكون إلا مبنيا، فلما اختلفا في المعنى خولف بينهما في اللفظ. فقول سيبويه: وكما قالوا: يا أللهُ حينَ خالفت سائر ما فيه الألفُ واللام، وسترى نحو ذلك أيضا. أي: قطعوا الألف لما نودي الاسم وفيه الألف واللام لأن الاسم المنادى إذا ولي حرف النداء لم تدخله الألف واللام، فلما نودي هذا الاسم وفيه الألف واللام قطعت ألفها تشبيها بألف الوصل، فأما لِمَ نودي وفيه الألف واللام؟ فقد يقال: إن الألف واللام صارتا عوضًا من الهمزة المحذوفة فيمن كان أصل الاسم عنده (إلاهًا). قال: فجُعِلَتْ وما بعدها كخَمْسَةَ عَشَر في اللَّفْظ، وهي عاملة فيما بعدها، كما قالوا: يا ابن أمَّ، فهي مثلُها في اللَّفْظ، وفي أنَّ الأوَّلَ عاملٌ في الآخر. قال أبو علي: قول سيبويه: كخمسة عشر في اللفظ، أي (لا رَجُلَ) مثلُ (خمسةَ عَشَرَ)، في أن الأول مبني مع الثاني، كما أن الأول من

خمسة عشر مبني مع الثاني، إلا أن (لا) مخالفة لخمسة لأن (لا) عملت فيما بعدها النصب، (وخمسة) لم تنصب (عشر). وقوله: كما قالوا: (يا ابن أُمَّ) فهو مثلها في اللفظ، أي: لا رجلَ مثل (يا ابن أمَّ)، في أن (رجل) مفتوح، كما أن (ابنَ أمّ) مفتوح ومثلها أيضا في أن الأول الذي هو (ابن) عامل في الآخر، لأن المضاف يعمل في المضاف إليه، فالأول قد يعمل في الآخر في قولك: (يا ابنَ أمّ) وإن كان مبنيا معه، كما أن الأول من (لا رجلَ) عامل في الآخر. ومما يوفق بين (يا ابنَ أمّ) و (لا رجلَ)، أن (رَجُلَ) حرك في حال البناء بالحركة التي كان يكون بها معربًا، كما أن (ابن) من قولك: (يا ابن أمّ) حرك في البناء بالحركة التي كان يكون بها معربًا، ألا ترى أنك إذا لم تبن (ابنًا) مع الأم كان (ابن) منصوبًا، كما أنك لو لم تبن (رجل) مع (لا) كان منصوبًا، فجُعل حركتا هذين المبنيين في البناء الحركتين اللتين كانتا تكونان لهما لو كانا معربين، وهذا التوفيق الأخير قول أبي بكر. قال: والذي يُبنى عليه في زمان أو مكان، ولكنك تُضْمِرُه،

هذا باب المنفي المضاف بلام الإضافة

وإن شئتَ أظهرته. قال أبو علي: يقول: الذي يُبنى على قولك: (هل من رجلٍ) هو في مكان والذي يُبْنى عليه (هَلْ مِن شيءٍ) هو في زمان، ونحو هذا من الأخبار ولا بد من أن تضمر خبرًا إذا قلت: (هل من رجل)، وكذلك إذا قلت (لا رجلَ)، لأن لا رجل، وهل من رجل في موضع المبتدأ، فكما لا تتم المبتدآت نحو: (ليسَ زَيْدٌ)، (وهَلْ عَمْرٌو) كلامًا إلا بالأخبار، كذلك لا يتم (هل من رجل) و (لا رجل) كلاما مفيدا حتى تجعل له خبرًا، والخبر قد يكون إما مضمرًا وإما مظهرًا، وإضماره في السوغ والحسن كإظهاره، وعلى هذا قوله تعالى "مثَل الْجَنَّةِ" ونحوه. ... هذا باب المنْفِيّ المضاف بلام الإضافة: قال: واعلم أن التنوين يقع من المنفي في هذا الموضع إذا قلت: (لا غُلامَ لك) كما يقع من المضاف إلى اسم، وذلك إذا قلت: لا مِثْلَ لَكَ.

قال أبو علي: يريد أن التنوين يسقط للإضافة لا للبناء. قال: والدليل على ذلك قولُ العرب: لا أبَا لَك ولا غُلامَيْ لك. قال أبو علي: يقول: دل حذف النون من المثنى أنه إنما حذف للإضافة ولو لم تكن الإضافة لثبتت النون كما ثبتت في (لا رجُلَيْنِ). قال: لم يُغَيِّروا الأوّلَ عن حاله قبل أن يجيء به. قال أبو علي: يقول: تُرك الأول على نصبه، فكأنه قال: يا تَيْمَ عَدِيٍّ ولم يعتد بالثاني.

قال: وإنّما فُعِل هذا في النَّفْي تخفيفًا، يريد أن النفي موضع حذف وتخفيف، كما أن النداء كذلك، ألا ترى أن التنوين حذف من الاسم المنفي ب (لا)، كما حذف من المدعو المفرد المعرفة. قال: فَكَما قَبُحَ أنْ تقولَ: لا مِثْلَ بِها زَيْدٍ (فتفصل)، قبح أن يقول: لا يَدَيْ بها لَك. قال أبو علي: هذا عندي أقبح لاجتماع الفصل بـ (بها وباللام). قال: وكذلك إنْ لمْ تَجْعَلْ (لك) خَبَرًا ولم تَفْصِلْ بينهما. أي بين المنفي و (لك). قال: وإنْ أظْهَرْتَ فَحَسَنٌ، أي إن أظهرت الخبر المضمر.

قال: ورُبَّما تركْتَها استغناءً، أي تركت قولك (لَكَ). قال: لأنَّ المنفيَّ الذي قبله، أي قبل (لك). قال: إذا جعلته كأنه اسم لم يُفْصَل بينه وبين المضاف إليه بشيء قَبُحَ. قال أبو علي: قوله: لم يقصل بينه وبين المضاف إليه، صفة لقوله: (اسمٌ) بعد (كأنَّه)، وقوله: (قبُحَ) جواب (إذا). قال: وكذلك إنْ لم تجعل (لك) خبرًا ولم تفصل بينهما وإنْ شئت جئت بلك. قال أبو علي: يقول: إذا أضمرت خبر قولك، (لا يَدَيْ بها لك)، كما تضمر إذا قلت: (لا بأس) ثم جئت (بلَكَ) بعد إضمار الخبر ثبتت النون في (لا مُسْلِمَي لك) وسقطت الألف من (لا أبا لك) ويصير (لك) للتبيين. قال: وإنَّما اختير الوجه الذي ثبتت فيه النون في هذا الباب.

يعني (لا يدي بها لك)، إذا فَصَلْتَ. قال: كما اخْتِير في (كم) إذا قلت: (كم بها). قال أبو علي: يريد (كَمْ) في الخبر، والذي وفق بينهما أن (كم) في الخبر تجري مجرى عدد مضاف، فإذا فصل بينه وبين ما يضاف إليه اختير فيه النصب، وما لم يكن يختار فيه قبل الفصل، وهو تشبيهه في الخبر بالعدد المنون كراهة الفصل بين الجار والمجرور. قال: ألا ترى أن قبح (كَمْ بها رَجُلٍ مُصابٍ) قبح (ربَّ فيها رَجُلٍ). قال أبو علي: إذا قلت: (كم بها) فقد يكون كلامًا تامًا، لأن معناه رجال كثير بها في الخبر، وإذا قلت: (ربّ فيها رجلٍ) لم يكن كلامًا، كما أن (بزيد فيها) لا يكون كلامًا، فليس العبرة بما يفصل به بين المضاف والمضاف إليه تمام الكلام ونقصانه عن التمام، إنما الذي يستقبح من أجله ذلك هو أن يفصل بين الاسمين بما ليس منهما، فإذا فصلت بكلام تام فقد فصلت بما ليس منهما، كما أنك إذا فصلت بكلام غير تام فقد فصلت بما ليس منهما، فالتام والناقص على هذا في القبح سواء.

قال: وإنما يُفْرقُ بين الذي يَحْسُن السكوت والذي لا يحسن عليه في موضع غير هذا. قال أبو علي: يعتبر تمام الكلام في المواضع التي ينتصب فيها الاسم على أنه مفعول به مشبه بمفعول كالحال نحو: (فيها زيدٌ قائمًا)، فأما في باب الفصل بين المضاف والمضاف إليه فالكلام التام وغير التام في القبح سواء. قال: فإنّما اخْتُصَّت (لا) في النَّفي بهذا. أي بالإضافة مع فصل اللام بين المضاف والمضاف إليه. قال: ولا يستعملون لا مَلْمَحَةً ولا مِذْكارًا. قال أبو علي: (مَلامِحُ) جمع لمحة، و (مَذاكِيرُ) جمع (ذَكر)، والذي جمع عليه هذان لا يستعمل في الكلام، كما أن تقدير لا مُسْلِمَيْ لك: لا مُسْلِمَيْكَ، وإن لم يستعمل (لا مُسْلِمَيْك)، وقد استعمل بعض هذه

الأسماء المبنية في الشعر بغير لام وذلك للضرورة وهو قولك: لا أباكِ تُخَوِّفيني قال: فإن شئت قلت: لا غُلامَيْن ولا جارتين لك، إذا جعلت (لك) خبرًا لهما، وهو قول أبي عمروٍ: قال أبو علي: متى جعل (لَكَ) خبرًا لم يجز حذف النون وإضافة الاسم إلى الكاف في (لك)، من حيث لم يجز إضافة المخبر عنه إلى الخبر، لا تقول: (زيدٌ مُنْطَلِقٌ) إذا أخبرت عنه بالانطلاق، وإذا جعلت (لك) تبيينًا لم يكن من إضمار الخبر بدٌّ، لأن الكلام لا يتم (بلَكَ) على هذا، فتقدير المضمر إذا جعل (لك) تبيينًا في (لا رجلين لك) لا رجلين في مكان كذا، وكذلك إذا أضاف الاسم فقال: (لا رجلين ولا مسلمي لك)، احتاج إلى إضمار الخبر ولا بد من ذلك، لأن المضاف

مع المضاف إليه لا يكون كلامًا تامًا. قال: ألا ترى أنه لو جاز: (تَيْمُ تَيْمُ عدِيّ) لم يستقم لك إلا أن تقول: ذاهبون، فإذا قلت: لا أبا لك، فها هنا إضمار مكان. قال أبو علي: شبه اللام في (لا أبا لك) (بتيم تيم عدي)، لأن اللام عنده مقحمة، كما أن تيم الثاني مقحم، والمضاف مع المضاف إليه لا يتمان كلامًا، وسواء كان بينهما شيء مقحم أو لم يكن (فتيم تيم عديّ)، (ولا أبا لك) في أنهما لا يستغيان عن الخبر، (كتيم عدي، ولا أبَ رجلٍ)، في أن كل واحد منهما لا يتم كلامًا حتى تضم إليه ما يكون خبرًا له. قال: واعلم أن المنفيَّ الواحد إذا لم يَلِ (لَكَ) فإنما تذهب منه التنوين كما تذهب من آخر (خمسةَ عشر) لا كما تذهب من المضاف، الدليل على ذلك أن العرب تقول: (لا غلامين عندك). قال أبو علي: يقول: إن التنوين لو سقط من الاسم المفرد للإضافة لا للبناء وجب أن يسقط النون من (لا غلامين عندك) لأن النون من التثنية تسقط في الإضافة كما سقط التنوين من الواحد فيها، ولو سقط التنوين في الواحد للإضافة لوجب أن يسقط النون في التثنية لها، فإن

قيل: فهلا حذف النون في الاثنين للبناء كما حذف التنوين في الواحد له؟ فلأن النون ليس كالتنوين. "ألا تراهم قالوا: (الذين في الدار) فجعلوا الذين وما بعده من الكلام بمنزلة اسمين جُعِلا اسمًا واحدًا. ولم يحذفوا النون لأنها لا تجيء على حدّ التنوين، ألا تراها تدخل في الألف واللام (و) فيما لا ينصرف؟ ". قال: وتقول: لا رجلَ ولا امرأةَ يا فتى. قال أبو علي: تكرير (لا) في قولك (لا رجل ولا امرأة) على ضربين: أحدهما: لتأكيد النفي، وهذا لا يجوز معه إلا التنوين وهذه لا يبنى معها الاسم، ألا ترى أنها قد تدخل على الاسم الذي يراد به واحد دون جميع كقولك: (ليس زيدٌ عندك ولا عمروٌ). والنافية التي تبنى وما بعدها لا تدخل على واحد بعينه. والضرب الآخر: أن تكون كالأولى فتبنى مع الثانية كما بنيتها.

هذا باب ثبت فيه التنوين من الأسماء المنفية

هذا بابٌ ثبت فيه التنوين من الأسماء المنفية: قال: فيصير المبني على الأول مؤخرًا، ويكون المُلْغى مُقَدَّمًا. قال أبو علي: أي إن شئت قدرت إضمار الخبر قبل بمعروف، وإن شئت بعده. وقال أبو علي: مما يعتبر به ما كان من هذه الحروف صلة مما كان تبيينًا أن ننظر إلى الفعل، فإن كان يتعدّى بحرف خفض فحرف الخفض مع الذي يخفض صلة، وإن كان الفعل لا يتعدى بحرف خفض فاتصل بمصدره فمصدره حرف خفض داخل على اسم لم يكن صلة، فقولك: (لا مُغيرًا على الأعداء) (على الأعداء) صلة (مُغير)، لأن الفعل يصل بعلى وقولك: (لك) في (سُقْيا لك)، تبيين، لأن الفعل منه يصل بغير حرف

خفض، وكل ما كان صلة جاز فيه أن يكون تبيينا، لأن كل فعل متعد بحرف خفض فلك ألا تعديه، كما أن المتعدي بغير حرف لك ألا تعديه، فإذا لم تعدّه لم يصر حرف الخفض صلة له، وإذا لم يصر صلة صار تبيينًا، وعلى هذا أجاز الخليل: (لا آمِرَ بمعروفٍ) فجعل (بمعروف) تبيينًا، فهذا على قول من قال: (أمرت)، ولم يعد الفعل ومن هنا جاز مثل قوله عز وجل: (وكانوا فيه من الزاهدين)، فقدم (فيه) على الصلة، لأن (فيه) تبيين، وليس في الصلة ولو كان فيها لم يجز تقديمه عليها، وهذا أيضا على قول من قال: (زَهِدْتُ)، ولم يعدّه، ولم يخبر فيم زهده. وليس كل ما كان تبيينًا جائزًا أن يكون صلة، ألا ترى أن (لك) في معنى تبيين له، وليس بصلة؟!. قال: لم تُنَوِّن لأنه يصير حينئذٍ قال أبو علي: يقول: يصير قولك "على الأعداء" إذا جعلته

هذا باب وصف المنفي

تبيينا بمنزلة "يوم الجمعة" في أنه لا يكون خبرًا (لمغير)، كما أن يوم الجمعة لا يكون خبرًا له. **** هذا بابُ وصف المنفي قال: وذلك قولك: لا ماءَ ماءً باردًا، ولا ماءً باردًا، ولا يكون باردًا إلاَّ مُنَوَّنًا لأنه وصفٌ ثانٍ. قال أبو علي: لا يكون قولك: (باردًا) في قولك: (لا ماءً باردًا) إلا منونًا لأن ثلاثة أشياء لا تكون اسما واحدا كما لم يكن (عاقلاً) في قولك: (لا غلامَ ظريفَ عاقلاً) إلا منونًا، لهذه العلة بعينها.

هذا باب لا يكون الوصف فيه إلا منونا

هذا بابٌ لا يكون الوصف فيه إلا مُنَوَّنًا قال: ومِمَّا لا يكون الوصف فيه إلا منونًا قوله: لا ماءَ سماءٍ لك باردًا، ولا مِثْلَه عاقلاً، مِنْ قِبَلِ أنَّ المضاف لا يُجْعَل مع غيره بمنزلة خمسةَ عَشَرَ. قال أبو علي: الاسم المضاف في باب النفي لا يبنى مع (لا) فيجعلا بمنزلة اسم واحد من حيث لا تكون ثلاثة أشياء اسمًا واحدًا، فليس انتصاب المضاف في باب النفي كانتصاب المفرد، لأن المفرد فيه مبني على الحركة التي كانت تكون للإعراب لو لم يُبْنَ، وانتصاب المضاف فيه انتصاب إعراب، ليس انتصاب بناء، لأنه لما لم يجز أن يبنى المضاف مع (لا) انتصب بها كما ينتصب (بإنَّ). قال: وإنّما يذهب التنوين منه كما يذهب منه في غير هذا الموضع، فمِنْ ثَمَّ صار وصفُه بمنزلته في غير هذا الموضع. قال أبو علي: يقول: إنما يذهب التنوين من المضاف كما يذهب منه في غير باب النفي، يريد: أن التنوين لا يذهب من المضاف لبنائك إياه مع (لا)، إنما يذهب منه كما يذهب من المضاف للإضافة لأن المضاف لا يجوز أن يبنى مع (لا) كما يبنى المفرد، فيذهب التنوين للبناء.

وقوله: فَمِنْ ثَمَّ صار وصفُه بمنزلته في غير هذا الموضع. أي: لم يجز في وصف المضاف أن يبنى معه، فيجعلا بمنزلة اسم واحد، كما جاز ذلك في المفرد، لكن وصف المضاف في باب النفي بمنزلته في غير باب النفي، لأنه لا يجوز أن يبنى مع المنفي المضاف كما يبنى مع المنفي المفرد. قال: ألا ترى أنَّ هذا لو لم يكن مضافًا لم يكن إلا منوّنًا، كما يكون في غير باب النفي، وذلك قولك: (لا ضاربًا زيدًا لك ولا حسنًا وَجْهَ الأخ فيها). قال أبو علي: يقول: لو لم يكن هذا الاسم مضافًا ولكن كان اسمًا طويلاً مضارعًا للمضاف لم يكن إلا منونًا في النفي كما يكون منونًا في غير باب النفي وهو النداء، فالاسم الطويل يكون منونًا في النفي كما كان منونًا في النداء، ولا يجوز حذف التنوين منه في النفي كما لم يجز ذلك في النداء، لأن التنوين فيه في كلا الموضعين بمنزلة حرف في وسط الاسم، فالاسم الطويل في باب النفي لا يجوز بناؤه مع (لا) كما لم يجز بناء المضاف مع (لا) وإذا لم يجز بناؤه مع (لا) لم يجز بناء صفته مع

(لا)، كما لم يجز ذلك في المضاف. ثم قال: فإذا كففْت التنوين وأضفت كان بمنزلته في غير هذا الباب، كما كان كذلك غير مضاف، فلمَّا صار التنوين إنّما يُكفُّ للإضافة جَرى على الأصل. قال أبو علي: قوله: فإذا كففت التنوين وأضفت. أي إذا كففت التنوين من الاسم الطويل وأضفت فقلت في (لا ضاربًا زيدًا لك): (لا ضاربَ زيدٍ لك)، كان بمنزلته في غير هذا الباب، أي كان انتصاب الاسم فيه كانتصابه في غير باب النفي في أنه لا يبنى مع (لا) لكنه ينتصب انتصابًا صحيحًا ولم يكن يبنى، كذلك ينتصب انتصابًا صحيحًا غير مبني إذا أضيف، وأريد به التنوين، فهذا معنى قوله: كما كان كذلك غير مضاف. وقوله: فَلَمَّا صار التَّنوينُ إنّما يُكَفُّ للإضافة جرى على الأصل

أي: لما كنت تريد بكف الإضافة معنى التنوين، وإنما حذفت التنوين استخفافًا وأنت تريده، جرى على الأصل، أي جرى الاسم في باب النفي على ما كان يجري عليه والتنوين فيه من أنه لا يجوز أن يبنى وهو مضاف مع (لا) كما لم يجز أن يُبنى معها والتنوين في الكلام. وأنشد لجرير: لا كالعَشِيَّةِ زائرًا ومَزُورًا قال أبو علي: ليس قوله: (لا كالعشية زائرًا) مثل قولهم: (لا أحدَ كزيدٍ) ثم قلت: رجلاً، أي تجعل الصفة للمضمر على الموضع. قال: كما حَمَلَ المِرْفَد على ذلك. أي على لفظه ذلك في قوله: (فوق ذلك) أن يكون نصبه تمييزًا عن تمام الاسم.

قال: وإن شئت نصَبْتَه على ما نصبت عليه "لا مالَ له قليلاً ولا كثيرًا". أي تجعل (قليلاً وكثيرًا) صفة للمال تحمله على اللفظ دون الموضع، فكذلك تجعل نصب (رَجُل) في قولك: (لا كزيد رجلاً)، والمحذوف من قوله: (لا كزيد رجلاً) (أحدٌ)، وما يصلح أن يقع موقعه، والتقدير: (لا أحدَ كزيدٍ). قال أبو علي: إذا قلت: (لا رجلَ عندي ولا امرأة) فهو جواب لمن قال: (أرَجُلٌ عندك أم امرأة)، فاستفهم عن اثنين من النوع، ولم يعمّ سؤاله جميعهم، وإنما يعمل في الاسم متى كان واحدًا في معنى الجميع، وجوابًا عن كل واحد في معنى الجميع، فأما إذا كان جوابًا لواحد لم يعمل فيما بعدها ولم يبن مع الاسم. قال: كما لا تُثَنّى في الأفعال التي هي بَدَلٌ منها.

قوله: (هي) كناية عن الأسماء التي هي بدل من الأفعال. قال: وذلك قولهم: لا سواءٌ. قوله: (لا سواءٌ) كأنه قال: (هذان لا سَواءٌ)، فعاقبت (لا) (هذان)، و (هذان) هما مما ارتفع عليه (سواءٌ). قوله: حين (لا) مالٍ، جعل (لا مالٍ) اسمًا واحدًا، وأضاف إليه (حين). أنشد: وقد علاكَ مشيبٌ حِينَ لا حِين

قال: فإنّما هو (حينَ حينٍ) و (لا) بمنزلىة (ما) إذا أُلغِيَتْ. قال أبو علي: لا يجوز أن تكون (لا) في هذا البيت هي التي مع الاسم كشيء واحد، لأن ذلك محال، وذلك أنه إذا قال (علاكَ مَشيبٌ حينًا) فقد أثبت حينًا علاه فيه المشيب، وإذا قال: (لا حين)، فقد نفى كل حين مضى، فصار نافيًا لما أثبته ومناقضًا له. قال: فكذلك هذه الصّفاتُ وما جعلته خبرًا للأسماء. قال أبو علي: الصفات نحو (مررتُ برجلٍ لا فارسٍ ولا شجاعٍ)، وما جعلته خبرًا نحو: زيدٌ لا فارسٌ ولا شجاعٌ. قال: ومَن قال (لا غلامَ أفضلُ منك) لم يقل في (ألا غلامَ أفضلَ

هذا باب ما يكون الاستثناء بإلا

منك) إلا بالنصب. قال أبو عثمان: الرفع عندي جيد، أقول: ألا غلامُ، وألا جاريةُ، وأقول: ألا رجلٌ أفضلُ منك. قلت: من حجته أنه يقول يكون اللفظ على لفظ الخبر في معنى التمني وإن دخله معناه، كما أن (غَفَر الله لزيد)، لفظه لفظ الخبر ومعناه الدعاء. ... هذا باب ما يكون الاستثناء بإلا قال: ولم تشغل عنها قبل أن تلحقَ إلاَّ الفعلَ بغير هاء. قال أبو علي: يقول: لم تشْغَل الفعلَ في قولك: (ما أتاني إلا زيدٌ) باسم قبل أن تلحق (إلاَّ) فيه كما شغلته في قولك: (جاء القومُ إلا زيدًا)

بالقوم، فانتصب (زيدٌ)، لشغلك الفعل بالقومِ، ولم تشغل الفعل في قولك: (ما أتاني إلا زيدٌ) باسم غير (زيد) فينتصب (زيدٌ). قال: ولو كان هذا من قِبل الجماعة لَما قلتَ: "ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسُهم". قال أبو علي: كأنَّ قومًا من قدماء النحويين قالوا: إذا استثنينا

من جميع نصبنا، سواء كان الاستثناء من منفيّ أو من موجب كقولك في المنفي: (ما أتاني القومُ إلاَّ زيدًا)، وفي الموجب: (أتاني القومُ إلا زيدًا)، فهم يسوون من قبل أن الاستثناء من جماعة بين المنفي والموجب، وبين ما يجوز أن يكون المستثنى فيه بدلاً مما قبله، وبين ما لا يجوز إذا كان المستثنى منه جماعة فقال: لو كان هذا هكذا لما جاز في هذه المسائل التي خرجها عليهم الرفعُ، وكأنهم قالوا أيضًا: إذا كان المستثنى منه واحدًا لم يكن في المستثنى إلا الرفع، فأراهم موضعًا المستثنى منه واحد والذي يجوز في المستثنى النصبُ وذلك قولك: (ما أتاني أحدٌ إلا قد قال ذاك إلا زيدًا). قال سيبويه في موضع آخر: امتنع رفع (زيد) في هذه المسألة لأن تقديرها (كُلُّهم قد قالوا ذاك إلاَّ زيدًا)، فليس العبرة في رفع الاسم المستثنى بعد النفي ونصبه الواحد والجميع، بل هو البدل واعتبار تمام الجملة.

قال: فأرادوا أن يجعلوا المستثنى منه بدلاً منه. أي: من الظاهر لا من المضمر. قال: لأنه هو المنفي (و) هذا وصفٌ أو خبرٌ. أي الضمير المرتفع الذي يبدل منه في وصف أو خبر. قال: وقد تكلموا بالآخَر أي بالبدل من الضمير المرفوع في الصفة أو في الخبر. قال: وقد يجوز (ما أظنُّ أحدًا فيها إلا زيدٌ)، ولا أحدٌ منهم اتَّخَذْتُ عنده يدًا إلا زيدٌٍ)، وإن شئتَ رفعت (زيدًا) على قوله: ... إلا كواكبُها.

قال أبو علي: (زيدٌ) المرفوع بدل من الضمير الذي في (فيها)، (وزيدٌ) المجرور بدل من الضمير في الذي هو (الهاء) في (عنده). قال: وقد تَكَلَّموا بالآخر لأنَّ معناه النفيُ إذا كان وصفًا لمنفيّ كما قالوا: (قد عرفت زيدًا أبو من هو)، لِما ذكرتُ لك، لأنَّ معناه معنى المُسْتَفهِمِ عنه. قال أبو علي: التوفيق بين قولك: (قد عرفت زيدًا أبو من هو)، و (ما رأيتُ أحدًا يقول ذاك إلا زيدٌ)، أن (زيدًا) في المسألة الأولى لم يقع بعد حرف الاستفهام فيحجز الحرف بين (عرفت) وبينه فلا يعمل فيه، لكنه لما كان مستفهمًا عنه في المعنى أجرى مجرى ما وقع بعد حرف الاستفهام، وكذلك (زيدٌ) في المسألة الثانية إنما كان حكمه أن يبدله من الاسم المنصوب، لكنه لما كان الضمير المرفوع في (يَقُول) في المعنى

المنفي، وإن لم يكن هو بعينه منفيًا، أبدل منه (زيد) كما أجري المستفهم عنه، وإن وقع قبل حروف الاستفهام مجراه إذا وقع بعده، لأنه في المعنى مستفهم عنه. قال: قال الخليلُ: ألا ترى أنّك تقول: (ما رأيتُه يقول ذاك إلا زيدٌ) و (ما أظنُّه يقوله إلا زيدٌ)، فهذا يدُلُّك على أنك انْتَحَيْتَ على القولِ. قال أبو علي: أراد أن يقوي بهذه المسألة الرفع في (ما رأيتُ أحدًا يقول ذاك إلا زيدٌ)، وإن جواز الرفع في باب (رأيتُ وظننتُ) ونحوه ليس كجوازه في باب (ضَرَبْتُ)، وإن كان في كل واحدة (من) المسألتين ضمير قد يمكن أن يبدل منه، (فأرى) في باب (رأيت) (وظننتُ)، موضعًا لا يجوز فيه النصب في المستثنى على البدل من الاسم المنصوب وذلك قولك: (ما رأيتُه يقول ذاك إلا زيدٌ)، فالهاء في (رأيته) ضمير القصة والحديث، وهذه الهاء لا تقع في باب (ضَرَبْتُ)، إنما تضمر على شريطة التفسير فيما يدخل على المبتدأ والخبر (كظَنَنْتُ وكان) ونحوهما، وتفسرها الجمل التي تكون في موضع رفع أو نصب ولا تبدل منها، ولا توصف، فلذلك لم يجز أن يكون (زيدٌ) في قولك: (ما رأيتُهُ يقول ذاك إلا زيدٌ) بدلاً من الهاء، ولو أبدلته منه لأجزت فيه شيئين

هذا باب ما حمل على موضع العامل في الاسم والاسم

لا يجوزان فيه أعني البدل منه، وألا يجعل في موضع خبره جملة تفسرها، لأنك لو أبدلت (زيدًا) من الهاء لبقي الفعل بلا فاعل، أعني بالفعل (يقول)، فإن قلت: يكون فاعله الضمير الذي يضمر فيه ويرجع إلى الهاء، فذلك أيضا غير جائز لأنك لا تبينها بضميرها وبنفسها إنما تبين هذه الهاء، فأما رفع (زيد) في المسألة فهو (بيَقُولُ)، والجملة في موضع نصب لوقوعه في موقع المفعول الثاني (لرَأيْتُهُ)، ومعنى الكلام: (ما يقول ذلك إلا زيدٌ) فالنفي وإن وقع على (رأيته) في اللفظ فهو في المعنى (ليقول)، فلهذا جازت المسألة ولم يجز: (يقول ذاك إلا زيدًا) إذا لم يكن في أول الكلام نفي. **** هذا بابُ ما حُمِلَ على موضع العامل في الاسم والاسم قال أبو علي: هذا الموضع يفصح فيه بالموضع، فيقول: موضع (مِنْ رجُلٍ) في قولك: (ما أتاني من رجلٍ) رفعٌ، ولم يجعل الموضع لرجل وحده، لأنه كان يرتفع فيظهر فيه إعرابه، ويستغنى به عن أن يقال له موضع ولم يجعل أيضًا (لمنْ) وحدها موضعًا لأنها ليست مما يعرب ألبتة، فلما لم يجز وقوع أحدهما هذا الموقع، ولم يستغن بأحدهما عن

صاحبه، جعل الموضع لهما معًا، إذ لم يكن ثم رافع، وكذلك كل ما كان مثله. قال: ومثل ذلك: ما أنت بشيءٍ إلاَّ شيءٌ لا يُعْبَأ به. قال أبو علي: تقدير (ما أنت بشيء إلا شيءٌ)، (ما أنت إلا شيءٌ) والباء لا تدخل إلا في النفي، فلو أبدلت (شيئًا) الذي هو بعد (إلاّ) من (شيء) الموصول بالباء فقلت: (ما أنت بشيء إلا شيءٍ) لصار تقديره (ما أنت إلا بشيءٍ) وإيجاب هذا يرجع في التقدير إلى (أنت بشيءٍ)، وهذه الباء لا تدخل في الإيجاب، فمن حيث لم يجز أن تقول في الإيجاب (أنت بشيءٍ)، لم يجز أن تبدل (شيء) بعد إلا من (شيءٍ) المجرور، فلما لم يجز أن تبدله من لفظه، أبدلته من موضعه إذ لم يكن في البدل قسم ثالث، ومعناه (أنت شيءٌ لا يُعْبَأ به) على ما تقدم. قال: ألا ترى أنك تقول: (ما أتاني من أحدٍ لا عبدُ الله ولا زيدٌ) من قبل أنّه خُلْفٌ أن تُحْمَلَ المعرفةُ على مِنْ. قال أبو علي: يقول: لأن (مِنْ) هنا لا يقع بعدها إلا اسم شائع كما

أن (لا) هذه لا يقع بعدها إلا اسم شائع، (وعبدُ الله) وما أشبهه اسم مخصوص، فلم يجز حمله على (مِنْ)، لأن المخصوص لا يدل على أكثر من نفسه، فلذلك حملته على موضع (مِنْ) مع (رجُلٍ) (ولا) مع (رجل) كما حملت (شيئًا) في قولك: (ما أنت بشيءٍ إلا شيءٌ لا يُعْبَأ به) على الموضع. قال: وتقول: (لا أحدَ رأيتُه إلا زيدٌ)، إذا بَنَيْتَ (رأيتُه) على الأوّل كأنّك قلت: (لا أحدَ مَرْئيٌّ)، وإن جعلْتَ (رأيتُه) صفةً، فكذلك كأنك قلت: (لا أحد مرئيٌّ)، وإن جعلت (رأيته) صفة، فكذلك كأنك قلت: (لا أحد مرئيًّا). قال أبو علي: قوله (فكذلك)، أي فكذلك أيضًا تقول: (إلا زيدٌ)، وزيدٌ مرتفع على البدل من موضع (لا أحدَ)، فإذا جعلت (رأيته) صفة أضمرت خبرًا نحو (في الدار) وغيره. قال: وتقول: (ما فيها إلا زيدٌ)، (وما علمتُ أنَّ فيها إلا زيدًا)، فإنْ قَلَبْتَهُ فجعلْتَه يَلِي (أنَّ وما) في لغة أهل الحجاز قَبُحَ. يريد (بما) التي في قولك: (ما فيها إلا زيدٌ).

قال: كأشياء تجوز في الكلام إذا طال. قال أبو بكر: يعني أن الكلام لما طال بقولك: (ما علمت أن فيها إلا زيدًا) فطال بدخول (إلا) فيها، ولو قلبت فجعلت (إلا) تلي (أنَّ) لم يجز. قال: فمَنْ أجاز هذا قال: (إنَّ أحدًا لا يقول هذا إلا زيدًا)، كما أنّه يقول على الجواز: (رأيتُ أحدًا لا يقول ذاك إلا زيدًا)، يصيرُ هذا بمنزلة ما أعلم. قال أبو علي: قوله: (هذا) إشارة إلى المسألة الأولى بمنزلة (ما أعلم أن أحدًا يقول ذاك)، كما صار هذا. قال أبو علي: قوله: (هذا)، إشارة إلى المسألة الثانية، لأن قولك: (رأيت أحدًا لا يقول هذا)، بمنزلة (ما رأيت أحدًا يقول هذا). قال: بمنزلة ما رأيتُ، حيث دخله معنى النَّفي، وإن شئت قلت: (إلا زيدًا)، يريد في المسألة الأولى، وهي قوله: (إنَّ أحدًا لا يقول ذاك إلا زيدًا)، ولا يجوز الرفع في المسألة الثانية إذا كانت (رأيتُ) من رؤية العين.

قال: فَحَمَلْتَه على (يقول) كما جاز: ... يحكي علينا إلا كواكبها وليس هذا في القوّة. أي ليس (إنَّ أحدًا، ورأيتُ أحدًا) كقولك: (لا أحد، وأقلُّ رجلٍ رأيتُه) لأنك في قولك: (إنَّ أحدًا، ورأيت أحدًا)، تذكر أحدًا موجبًا، وإن رجعت بمعناه إلى النفي بعد (ولا أحدَ)، (وأقلُّ رجلٍ) يبتدئ بالنفي وما معناه النفي ابتداء. قال: لأنَّ هذا الموضعَ إنّما ابْتُدِئَ أي الاسم "مع معنى النّفي، وهذا موضع إيجاب" أي قولك: (إنّ أحدًا) إيجاب، "وإنّما جيء بالنّفي بعد ذلك في الخبر، فجاز الاستثناء" أي المستثنى "أن يكون بدَلاً من الابتداء" أقلُّ رجلٍ ولا أحدَ".

هذا باب النصب فيما يكون مستثنى مبدلا.

قال: ولا يجوز أن يكون الاستثناء أوّلاً. أي لو لم يكن في (أقلّ رجلٍ ولا أحدَ) معنى النفي لم يجز أن يبدل (زيدًا) منه كما لا يجوز: (كلُّ رجلٍ رأيته إلا زيدٌ) لما لم يكن في (كلّ) معنى نفي كما كان في (أقلّ ولا أحدَ). قال: حيث صارت (أحدٌ) كأنها منفية. قال أبو علي: يريد (أحَد) في قولك: (إنَّ أحدًا لا يقول ذاك). ... هذا باب النصب فيما يكون مستثنىً مُبْدَلاً. قال أبو علي: يريد: يكون مستثنىً مبدلاً في غير هذا الباب، وهو الباب الذي قبله، فأما في هذا الباب فإنه يبين وجه النصب في الاستثناء لا البدل مما قبله.

قال: وعلى هذا: ما رأيت أحدًا إلا زيدًا، فتنصب (زيدًا) على غير (رأيتُ). قال أبو علي: أي لا على البَدَل من المنتصب برأيت. قال: فكأنّه قال: (ليس فيها إلا حمارٌ)، وإن شئتَ جعلتَه إنسانَها. قال أبو علي: يريد جعله إنسان ذلك الموضع، كما تقول: (عِتابُكَ السَّيْفُ) فتجعل العتاب السيفَ اتساعًا وليس به على الحقيقة.

قال: فجَعَلَهم أنيسَهُ. أي أصداءُ القُبُور أنيسُهُ وليسوا بالأنيس. قال: وإن شئت كان على الوجه الذي فَسَّرْتَه في الحمار أوّل مرّةٍ. أي تجعل (أحدًا) تأكيدًا كأنك قلت: (ما فيها إلا حمارٌ).

هذا باب ما لا يكون إلا على معنى لكن

هذا باب ما لا يكون إلا على معنى لَكِنْ فَمِنْ ذلك قوله عزَّ وجَلَّ "لا عاصم اليوم من أمر الله" قال أبو بكر: الباب الذي قبل هذا الباب جاز فيه الوجهان: أن يكون منقطعًا، وأن يكون من جنس الأول. وهذا الباب لا يجوز فيه إلا أن يكون منقطعًا قال أبو العباس: الفرق بين قوله عز وجل "لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم" وقولك (ما فيها أحدٌ إلا حمارٌ)، أن الحمار يصلح أن يكون الأحد الذي في ذلك الموضع، وإذا قلتَ: (لا عاصمَ)، فعاصم فاعل، وقوله "إلا من رحم" مفعول، ولا يكون المفعول مردودًا على فاعل، أي بدلاً منه، وقوله "بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله"، لا يكون إلا منقطعًا، لأنه يرجع على قولك (بغير حق)، وكذلك قولك: (ما زاد إلا ما نَقَصَ)، (وما نَفَعَ إلاّ ما ضَرَّ) لا يرجع على الأول، لأنك لو قلت: ما زاد إلا النقصان كان محالاً، وقوله "إلا قليلاً مِمَّنْ أنجيْنا

منهم" لولا الخطّ لجاز فيه ما جاز في قوله "إلا قومَ يونس" على قول أبي عمرو. قال: ولولا (ما) لم يَجُز الفعل بعد (إلا). يريد: (ما) في قولك: (إلا ما ضرَّ). كما أنه لا يجوز بعد (ما أحْسَنَ) بغير (ما). أي لا يجوز أن يقال: ما أحْسَنَ كَلَّمَ زيدًا حتى يقال: ما كَلَّمَ زيدًا. قال أبو علي: فالِجٌ قبيلة، وناشِرَةٌ قبيلة أخرى، وليس يجوز أن

يستثنى بعضها من بعض، وأنشد: لم يمنع الشَّرْبَ منها غيرُ أن نَطَقَتْ .....

وزعموا أنَّ ناسًا من العرب ينصِبون هذا الذي في موضع الرَّفع. أي: (غير) في البيت، فقال الخليل: هو كَنَصْبِ بعضِهم يومئذٍ: قال أبو علي: من نصب (غيرًا) في هذا البيت، لم يكن موضع (أنْ) عنده في ما معنى (أن يَغْضَبَ عليّ) إلا الرفع، (وغيرُ) أيضًا إذا نُصِبَ فموضعه رفع، إلا أنه فتح لما أضيف إلى مبني، أعني (إذْ) في قولك: (يومئذٍ)، وإنما بُنِيَا لما أضيفا إلى مبني، لأن المضاف قد يكتسي من المضاف إليه بعض ما يكون منه، كما يكتسي منه التعريف والتنكير. ومن قال: "على حينَ عاتبْتُ" لم يقل: على حينَ أُعاتِبُ.

قال أبو العباس: لا تكون (إلا) وما بعدها وصفًا إلا حيث يجوز أن تكون فيه استثناء، وإذا كان (إلا) وصفًا في هذا الموضع جاز أن يكون أيضًا استثناء. قال أبو علي: الاستثناء في هذا الموضع يمتنع من جهة المعنى، وذلك أنه إذا قدر (الله) مستثنى من الآلهة لزمه أن يكون مبدلاً منها كما أنك إذا قلت: (ما جاءَني أحدٌ إلا زيدٌ)، فزيدٌ بدل من (أحد) ويصلح أن تطرح المبدل منه ويستعمل البدل، فتقول: (ما جاءني إلا زيدٌ)، ولا يجوز أن تقول على هذا: "لو كان فيهما إلا اللهُ لفَسَدَتا" لامتناعه في المعنى، ولولا المعنى لم يمتنع ذلك في العربية، وعرضت هذا الجواب على أبي بكر فقال: هذا الذي فرّ منه سيبويه.

قال: ومثل ذلك "لا يستوي القاعدون من المؤمنين غيرُ أولي الضرر" وقوله تعالى "صراطَ الذين أنعمت عليهم غيرِ المغضوب عليهم". قال أبو بكر: (غير) إنما صارت هذه للنكرة وإن أضيفت إلى المعرفة لقيام الإشاعة فيها، كأنك إذا قلت: (مَرَرْتُ برجلٍ غيرِك) جاز أن يكون التغاير بينهما في أشياء كثيرة تكاد لا تحصى فإذا وقعت موضعًا ارتفعت عنها فيه الإشاعة فاختص جاز أن يوصف بها المعارف، فقولك: "غيرِ المغضوب عليهم" صفة "للذين أنعمت عليهم"، وجاز ذلك وإن كان (الذين) معرفة، لأنه ليس هنا صنفان: الذين أنعَم عليهم بالإسلام والذين لم يُنْعِم به، وهم المغضوب عليهم، فلمّا تخصَّص (غير) هنا، وخرج من الإشاعة جاز أن يكون صفة (للذين أنعمت عليهم). قال: وعلى هذا تصف المعارف (بغير)، إذا كان مثل هذا

الاختصاص كقولك: (افعل) الحركة غير السكون، والزم الاجتماع غير الافتراق. أنشد: إنما يجزي الفتى غيرُ الجَمَلْ (غير الجمل) صفة للفتى. الدليل على ذلك أنك لو وضعت "مِثْلَ" هنا، فقلت: (إنّما يجزي الفتى مثلُ الجمل) كان (مثل) صفة للفتى. قال: ولا يَجُوز أن تقول: (ما أتاني إلا زيدٌ). وأنت تريد أن تجعل الكلامَ بمنزلة (مثل)، إنما يجوز ذلك صفة، ونظير ذلك من كلام العرب (أجمعون).

قال أبو علي: (إلا) لا يكون وصفًا إلا في الموضع الذي يكون فيه استثناء، فلا يجوز أن تجعل قولك: (إلا زيدٌ) من قولك: (ما أتاني إلا زيدٌ) صفة، لأن هذا الموضع لا يجوز فيه استثناء، وإنما يجري صفة بمنزلة (مثل) إذا جاز أن يقع استثناء. وقوله: إنّما يجوز ذلك صفةً. أي إنما يجوز أن تجعل (إلا) وصفًا إذا جرى على موصوف (كأجمعين). قال: ولا يجوز (إلا أن يكونَ).

هذا باب ما يقدم فيه المستثنى

يعني قوله: (إلا الفَرْقَدان) لأنك لا تضمر الاسم الذي هذا من تمامه، أي لا يجوز أن يكون ارتفاع (الفَرْقَدان) على (يكونُ) التي في قولك: (إلا أن يكونَ)، لأن الموصول لا يحذف ويترك شيء من صلته، كما لا يحذف بعض الاسم ويترك بعضه. **** هذا بابُ ما يُقَدَّم فيه المستثنى وذلك قولك: ما فيها إلا أباك أحدٌ. قال أبو علي: لو رفعت المستثنى إذا قدمته لأبدلت المستثنى منه من المستثنى، وهذا عكس ما عليه هذا الحد، لأنك إنما تبدل المستثنى من المستثنى منه، لا المستثنى منه من المستثنى. قال: لأنَّ الاستثناء إنما حَدُّه أنْ تَدارَكَهُ بعدَ ما تنفي، فَتُبَدِّلَهُ. أي تبدل المستثنى من الذي نفي عنه الفعل وهو (أحدٌ) من قولك: (ما أتاني أحدٌ).

قال: فلَمّا لم يكن وجهُ الكلام هذا – أي لا يكون مبدلاً منه – حملوه على وجهٍ قد يجوز إذا أخَّرْتَ المستثنى. قال أبو علي: قوله: حَمَلُوه على وجهٍ قد يجوز إذا أخَّرْتَ المُستثنى أي حملوا الاسم المستثنى المقدَّم وهو (زيدٌ) في قولك: (ما جاءني إلا زيدًا أحدٌ)، والوجه الجائز إذا أخرت المستثنى وهو (زيدٌ) النَّصْبُ، لأنه إذا أخر المستثنى فقيل: (ما جاءني أحدٌ إلا زيدٌ) جاز في زيد النصب على الاستثناء، فلما قدّم المستثنى صار الوجه الذي كان جائزًا ولم يكن بالوجه لا يجوز غيره، كما أن الحال من النكرة لم تكن مستحسنة، فلما قدم الصفة التي تكون حالاً على الاسم صار ما كان غير مستحسن من حال النكرة الوجه، كراهة أن يجعل ما لا يوصف به وصفًا وهو (رجل) وما أشبهه في قولك (فيها قائمًا رجلٌ). قال: فإن قلت: ما أتاني أحدٌ إلا أبوك خيرٌ من زيدٍ، وما مررتُ بأحدٍ إلا عمرٌو خيرٌ من زيدٍ، كان الرَّفعُ والجَرُّ جائزًا. أي الرفع في قولك: (إلا أبوك)، والجر في قولك: (إلا عمروٌ). قال أبو عثمان: النصب عندي الوجه، ويكون (خيرٌ من زيدٍ) صفة

(لأحدٍ)، لأن المبدل منه لَغْوٌ، فلا يوصفُ، وقد أبدلت منه عمرًا، فلما نصبت عمرًا زال عنه الإبدال. قول أبي عثمان: النصب عندي الوجه، يقول: إذا رفعت (أبوك) فأبدلته من أحد صار (أحد) المبدل منه لغوًا، فلا يحسن من بعد أن تصفه وهو ملغى، فإذا نصبت (إلا) كما تنصبه إذا كان مقدمًا لم يصر (أحدٌ) لغوًا، وإذا لم يصر لغوًا حسن أن تصفه. قال: وحَسُنَ البَدَلُ، لأنّك قد شَغَلْتَ الرّافِعَ والجارّ، ثُمَّ أبدلْتَ من المرفوع والمجرور، ثم وصفت بعد ذلك. قال أبو علي: قوله: حَسُنَ البدلُ أي إبدال (أبوك، وعمروٌ) لأنك قد شغلت الرافع والجار، أي لم تقدم المستثنى قبل أن تشغل العامل، كقولك: (ما جاءني إلا أباك أحدٌ)، ولكنك شغلت العاملين، ثم جئت بما يكون بدلاً من الذي شغل به العامل وهو قولك (أبوك، وعمروٌ) فأبدلتهما من المرفوع والمجرور. وقوله: ثُمَّ وَصَفْتَ بعد ذلك –أي وصفت المبدل منه-. قال: وكذلك: (مَنْ لي إلا أبوك صديقًا) لأنَّك أخْلَيْتَ مِنَ

الأب، ولم تُفْرِدْه لأنْ يعملَ كما يعملُ المبتدأ. قال: وقد قال بعضهم: ما مررتُ بأحدٍ إلا زيدًا خيرٍ منك، وكذلك مَنْ لي إلا زيدًا صديقٌ. وفي نسخة أخرى: مَنْ لي إلا زيدًا صديقًا، كرِهوا أن يُقَدِّمُوه وفي أنفسهم شيءٌ من صفته إلا نصبًا، كما كرِهوا أن يُقَدَّمَ قبل الاسم إلا نصبًا. قال أبو علي: يقول: كرهوا أن يقدم الاسم المستثنى وفي أنفسهم شيء من صفة المبدل منه إلا نصبًا، كما كرهوا أن يقدم المستثنى قبل الاسم المستثنى منه إلا نصبًا، لأن الصفة قد تكون مع الموصوف كالاسم الواحد في بعض المواضع، وذلك إذا لم يُعرف الموصوف إلا بالصفة، كقولك: زيدٌ الطويل، إذا لم يتميز (زيد) من الزيدين إلا بالحِلْيَةِ.

هذا باب تثنية المستثنى

قال: وحدَّثنا يونس أنَّ بعض الموثوق بهم يقولون: (مالي) إلا أبوك أحدٌ، فيجعلون (أحدًا) بدلاً، أي من الأب. أبو العباس لا يجيز: (مالي إلا أبوك أحدٌ). لأن الباب الذي عليه هذا أن يكون (أحدٌ) مبدلاً منه لا بدلاً. **** هذا بابُ تثنية المستثنى وذلك قولك: ما أتاني إلا زيدٌ إلا عمرًا. قال أبو علي: لا يجوز أن ترفع المستثنى الأول، وهو يعطف الثاني على الأول بغير حرف عطف، لأنه لا يرتفع فاعلان إلا على إشراك حرف العطف بينهما، فإذا أدخل حرف العطف جاز أن ترفعهما جميعًا.

هذا باب غير

وأنشد: ... إلا رَسيمُهُ وإلا رَمَلُه قال أبو علي: الرسيم والرَّمَل توكيدان للعمل لأنهما ضربان منه. **** هذا باب غَيْرٍ قال: فأمّا خُروجُه مِمّا يَدْخُلُ فيه غيره (فأتاني القومُ غيرَ زيدٍ)، فزيدٌ غيرُ الذين جاءوا، ولكنْ فيه معنى (إلاّ)، فصار بمنزلة الاسم الذي

بعْدَ إلاَّ. قال أبو علي: قوله: (فصار بمنزلة الاسم الذي بعد إلا)، أي في الإعراب لا في المعنى، فأما في المعنى فالاسم المضاف إليه (غير) بمنزلة الاسم بعد (إلا) في قولك: (جاءني القومُ إلا زيدًا)، ألا ترى أن (زيدًا) بعد (إلا) خارج مما أدخل فيه غيره؟ كما أن الاسم المضاف إليه (غَيْر) خارج مما دخل فيه غيره؟، وغيره هو الغير الداخل فيما خرج منه (زيدٌ). قال: وأمّا خُرُوجُه مِمّا دخل فيه غيره، (فما أتاني غيرُ زيدٍ) قال أبو علي: يقول: خرج (غيرُ) مما دخل فيه غيره وهو (زيدٌ)، ويبين ذلك أن تقول: (ما أتاني أحدٌ غيرُ زيدٍ)، (فأحَدٌ) لم يأتك فهو

خارج مما دخل فيه سواه، (وغير) بدل من (أحد)، (فغير) أيضًا لم يأتك كما أن الذي هو بدل منه لم يأتك، فقد وضح خروجه مما دخل فيه غيره والذي دخل فيما خرج منه غيره هو (زيد) المضاف غير المرفوع ألا ترى أن (زيدًا) المضاف قد أتاك، وغيره لم يأتك، فقد دخل إذًا (زيدٌ) فيما خرج منه غيره، وهو الغير الخارج مما دخل فيه (زيد). قال: وقد يكون بمنزلة (مثل) ليس فيه معنى إلا. قال أبو علي: تقول على هذا: (له عَلَيَّ درهمٌ غيرُ قيراطٍ ومَائَةٌ غيرُ درهمين)، فيكون المقرُّ به درهمًا ومائة، لأن (غير) هنا صفة كأنه قال: درهمٌ ليس بقيراط، ومائة ليست بدرهمين. قال: ولو جاز أن تقول: أتاني القوم زيدًا تريد الاستثناء ولا تذكر (إلاَّ) لما كان إلا نَصْبًا. قال أبو علي: قد أوضح بقوله: لَما كان إلا نصبًا أن المستثنى عنده ينتصب عند تمام الجملة التي قبله، كما أن الاسم في (ما صنعْتَ وزيدًا) ينتصب عن تمام الجملة التي قبله، إلا أن الاسم انتصب في كل واحد (من) الموضعين بتوسط حرف لمعنى.

قال: ولا يجوز أن يكون (غيرَ) بمنزلة الاسم الذي يبتدأ بعد (إلا)، وذلك أنهم لم يجعلوا فيه معنى إلا مبتدأ، وإنّما أدخلوا فيه معنى الاستثناء في كل موضع يكون فيه بمنزلة (مثل) ويُجْزئ من الاستثناء. قال أبو علي: الاسم الذي يبتدأ بعد إلا، نحو: (ما رأيت أحدًا إلا زيدٌ خيرٌ منه)، لا يجوز أن يبتدأ (غير)، فيجعل بمنزلة الاسم الذي يبتدأ بعد (إلا)، فيقال: (ما رأيت أحدًا غيرُ زيدٍ خيرٌ منه). وقوله: وإنّما أدخلوا فيه معنى الاستثناء. قال أبو بكر: ليس يكون (غير) استثناء إلا في الموضع الذي يكون فيه صفة، ولا يكون صفة إلا في الموضع الذي يكون فيه الاستثناء. قال: ألا ترى أنه لو قال: (أتاني غيرُ عَمْروٍ)، كان قد أخبر أنه لم يأته؟. قال أبو علي: (غيرُ) في هذا الموضع لا يجوز أن يكون استثناء، لأنه ليس بوصف، لكنه إخبار بأن (عَمْرًا) لم يأته، وإنما الذي أتاه غير عمرو وليس عمرًا، وربما علم من قول القائل: أتاني غيرُ عمرو، أن عمرًا أيضًا قد أتى، وإن كان اللفظ لا يدل عليه ظاهرًا، فلما لم يكن (غيرُ) وصفًا لم يكن استثناء. وقوله: وإن كان يستقيمُ أن يكون قد أتاه فقد يستغني به في مواضع من الاستثناء.

قوله: قد يستغني به في مواضع من الاستثناء، أي قد يستغني (بغير) الاستثناء في مواضع، وإن لم يكن (غير) في تلك المواضع صفة، كما يستغني بـ (ما أتاني غيرُ زيدٍ)، عن (ما أتاني إلا زيدٌ). وقوله: ولو قال قائل: ما أتاني غيرُ زيدٍ، يريد بها منزلة (مثل) لكان مُجْزِيًا من الاستثناء. أي: قد يجزي (غير) في هذا الموضع من الاستثناء وإن لم يكن استثناء لأنه ليس بوصف، وإنما يكون استثناء في الموضع الذي يكون فيه وصفًا، كما يجزي الشيء من الشيء، وإن لم يكن إيّاه في حقيقة المعنى. قال: فَلَمّا كان في موضع (إلا زيدٌ) وقد كان معناه كمعناه، حملوه على الموضع. أي على موضع الاسم الذي كان يقع بعد (إلا)، فأما (إلا) فحرف لا موضع له.

هذا باب ما يحذف المستثنى منه استخفافا

هذا باب ما يحذف المستثنى منه استخفافًا وذلك قولك: ليس غيرُ. قال أبو إسحاق: (غير) عندي ليس بمبني على الغاية، لحذف المضاف إليه منه كما بني (قَبْلُ وبَعْدُ)، لأن المبني على الضم لحذف المضاف إليه إنما هو الظرف خاصة. قال: ولو تعديت بهذه العلة الظروف إلى الأسماء غير الظروف لوجب أن يكون (كُلّ) أيضًا مبنيًا لحذف المضاف إليه منه في قولهم: (مررتُ بكلٍّ قائمًا) فالضم على الغاية مقصور على الظروف دون غيرها من الأسماء، لكن (غير)، إن جاء مضمومًا فللإشمام. قال: وتقول: أتاني القومُ ما عدا زيدًا. قال أبو بكر: (ما) هنا مع ما بعدها بمنزلة المصدر، وهي في موضع نصب بما قبلها أي بتمام الجملة المستثنى منها. قال: ألا ترى أنّك لو قلت (أتوني) ما حاشا زيدًا لم يكن كلامًا.

قال أبو علي: يقول فلا يكون (حاشا) إلا حرفًا إذ لو كان فعلاً لجاز أن يكون صلة لما، فكانت تكون معه بمنزلة المصدر مثل أنْ والفعل، فلما لم يكن ذلك فيه علم أنه حرف. قال: وأمّا (أتاني القومُ سواك)، فزَعَم الخليلُ أنّ هذا كقولك: (أتاني القومُ مكانك). قال أبو علي: (سواك) ظرف فيه معنى الاستثناء، فالدليل على أنه ظرف بمنزلة (مكانك) أنك تصل به (الذي) كما تصل بالظروف، فتقول (جاءني الذي سواك، ومَنْ سواك)، كما تقول: (الذي عندك)، ووقوعها استثناء قولك: (أتاني القومُ سواك)، فهذا موضع استثناء، كقولك (أتاني القومُ إلا زيدًا، وإلا أباك).

هذا باب علامة المضمرين المرفوعين

هذا بابُ علامة المضمرين المرفوعين قال: وكذلك هي لا تقع موقع الإضمار الذي في (فَعَلتْ)، لأنَّ ذلك الإضمار بمنزلة الإضمار الذي له علامة. قال أبو علي: يقول: الإضمار الذي في (فَعَلَتْ) بمنزلة الإضمار الذي له علامة متصلة، فلا يقع موقعه الضمير المنفصل، لما يقع بعد سائر ماله علامة متصلة إذا أمكن وقوع المتصلة. قال: فالمُؤنث يجري مجرى المذكر. قال أبو علي: يعني في امتناع وقوع المنفصل موقع المتّصل فيه. قال: لأنهم استغنوا بهذا، أي بالمتصل، فأسْقَطوا ذاك أي المنفصل.

أنشد: .... ها وذا لِيَا قال أبو علي: إنما جاز الفصل بين هذا بالواو وبغيره مما فصل به بينهما لأنه ليس بصلة وموصول، فيمتنع الفصل بينهما، إنما هو للتنبيه فأين وقع جاز. قال: وزعم أن مثل هذا، (أي ها اللهِ ذا) إنّما هو هذا. قال أبو علي: تقدير (أي ها الله ذا)، إنما هو (نَعم والله هذا)، ففصل بين (ها) التي هي للتنبيه وبين (ذا) باسم الله عز وجل، وصار (ها) عوضًا من الواو الجارة في القسم فلم يجتمع معها كما لا يجتمع العوض والمعوض منه في الكلام. قال: وتقول: إنَّ إيّاك رأيتُ.

قال أبو علي: تقدير (إنَّ إيّاك رَأيْتُ)، (إنه إيّاك رأيت) إنه إياك أي أن الحديث والقصة أياك رأيت، وكذلك (إنّ أفضلهم): إنّه أفضلُهم، فحذفت هذه الهاء، وحذف هذه الهاء قبيح في الكلام جائز في الشعر كقوله: إنّ مَنْ لامَ في بني بنْت حَسَّا ..... نَ ألُمْهُ وأعْصِهِ في الخُطوبِ ولو كان (إياك) منتصب بأن دون (رأيت) لوجب الضمير المنصوب بأنّ، ولا يكون إيّاك.

قال: وتقول: عجِبْتُ من ضربي إيّاك، فإن قلت: لِمَ وقد وَقَعَ الكافُ ها هنا من ضربيك، والهاء وأخواتُه، تقول: عجبت من ضربيك وضَرْبيه وضَرْبِيهم، فالعرب قد تكلم بهذا وليس بالكثير. قال أبو علي: يقول: قد تكلم العرب بضَرْبِيكَ وما أشبهه، إلا أنه لما كان قليلاً لم يكن كالموضع الذي يقع المتصل، فيمتنع لقلة وقوعه، فيمتنع المنفصل من الوقوع فيه. قال: ولَمْ تَسْتَحْكِمْ علاماتُ الإضمارِ التي لا يقع (إيّا) مواقعَها، كما استحكمت في الفعل، لا يقال: عجبت من ضَرْبِكَنِي، إن بدأت به قبل المتكلم. قال أبو علي: قال أبو العباس: مِن ضَرْبِكِي، وفي الكتاب: مِن ضربِكَنِي. قال أبو علي: فأبو العباس ذهب إلى أن ما قبل ياء الإضافة قد يكون مكسورًا ومذهب من قال: (مِن ضربكني) على ما في النسخة أن

فتحة الكاف تدل على التذكير، فإذا كسرت زالت الدلالة عليها، فاجتلبت لها هذه النون لتسلم فتحتها كما اجتلبت في (ضَرَبَني) وفي (عَنّي) لتسلم الفتحة والسكون، وكلٌ مذهب. قال: ولا مِنْ ظَرْ بِهِيك إن بدأت بالبعيد قبل القريب. أي لا يجوز تقديم علامة المخاطب على المتكلم ولا الغائب على المخاطب. قال: صارتْ إيّا عندهم في هذا الموضع لذلك بمنزلتها في الموضع الذي لا يقع فيه شيءٌ من هذه الحروف. قوله: لذلك: أي لأنّه لَمّا لم يستحكم صار فيه بمنزلة الموضع الذي لا يقع فيه المتصل.

قال: وتقول: أتَوْني ليسَ إيّاك. قال أبو العباس: لم يتصل الضمير هاهنا لأنّها في موضع (إلا)، فأشبهت الحروف ولم تجز لذلك. قال: وامتناعُ التّاء يُقَوّي دخول (أنتَ) ها هنا. أي لا يجوز أن تقول: عَجِبْتُ مِنْ ضَرْبَكَتَ، فتجعل التاء مكان (أنت). قال: وتقول: قد جَرَّبْتُكَ فوجدتُكَ أنت أنت، فأنتَ الأولى مُبتدأة، والثانية مبنية عليها.

قال أبو علي: والجملة في موضع نصب. قال: وتقول: أنت أنت تكررها كما تقول للرجل: أنتَ وتسكت على حدّ قوله: قال الناسُ زيدٌ. قال أبو علي: يقول لا يكون (أنتَ) الثاني خبرًا، ولكنه يكون تأكيدًا والخبر مضمر، كما أنك إذا قلت: قال الناسُ زيدٌ، تضمر لزيد خبرًا. قال: وعلى هذا الحَدّ تقول: قد جَرّبْتُ فَكُنْتَ، إذا كرَّرْتَها توكيدًا، وإن شئت قلت: قد جرّبتُكَ فكنت أنتَ، جعلْتَ أنتَ صفةً لأنّك قد تقول: قد جَرّبتُك فكُنْتَ، ثُمّ تسكُتُ. قال أبو علي: إذا جعلت (أنت) الثاني تكريرًا لأنت الأول، ولم تجعله خبر مبتدأ، ثم أدخلت كان عليه لزمك أن تقول: (كُنْتَ) تكرير (كُنْتَ) ولا تذكر لاسم كان خبرًا، كما لم تذكر للمبتدأ الذي هو

(أنتَ) خبرًا، لكن تضمر الخبر إذا أدخلت (كان) كما كنت تضمر قبل إدخالك إيّاها، وإن جعلت (أنْتَ) الثاني صفة ولم تجعله تكريرًا للأول، فأدخلت (كان) عليه لزمك أن تقول: (قد جَرَّبْتَ فكُنْتَ)، ولا تدخل على (أنت) الثانية (كان) لأنه صفة، كما لا تدخل في الطويل في قولك (زيدٌ الطويلُ منطلقٌ) فلا تقولُ، (كان زيدٌ كان الطويلُ) وإن شئت ذكرت (أنتَ) إذا كانت صفة بعد إدخالك (كان) فتقول: (كنت أنت)، وتضمر الخبر كما كنت تضمر في الابتداء والخبر في قولك: (قد جُرِّبْتَ فكنْتَ) مضمرٌ ذكرت (أنتَ) الذي هو صفة، أو لم تذكره. ولا يجوز أن يكون (كنتَ) صفة للياء المضمرة في (كنت) الأولى لأنه جملة من فعل وفاعل نكرة، فليس يجوز وصف المعرفة بالنكرة.

هذا باب الإضمار في ما جرى مجرى الفعل، وذلك إن

هذا باب الإضمار في ما جرى مجرى الفعل، وذلك إنَّ: قال: كما قَوِيَتْ في الفعل فهي مضارعة في ذلك للأسماء. أي للمصادر في مثل قولك: عجبت من ضربي إيّاك. قال: وأمّا (ما أتاني إلا أنت)، (وما رأيت إلا إيّاك) فلا يدخل على هذا مِنْ قِبَلِ أنّه لو أخّر (إلا) كان الكلامُ مُحالاً، ولو أسْقَطَ (إلا) كان الكلام منقلبَ المعنى. أي: لو قلت: ما أتيتني إلا، لم يصح له معنى، ولو أسقطت منه (إلا) لانقلب الإيجاب نفيًا.

هذا باب إضمار المجرور

هذا باب إضمار المجرور قال: ولكن (إضمار) المجرور علاماتُه كعلاماتِ المنصوب التي لا تقع مَوْقِعَهُنَّ (إيّا) إلا أنْ تُضيفَ إلى نفسِك نَحو: بِي، وعندي. قال أبو العباس: هذا استثناء منقطع يعني بقوله: إلا أن تضيف إلى نفسك الضمير الذي لا ينفصل، فإذا لم ينفصل الضمير استوى فيه المجرور والمنصوب. قال: كما لم يستحكم في (عجبت من ضربي إياك). ولا (في) كان إيّاهُ. قال أبو علي: إنما كان الأحسن أن يقال: كان إيّاهُ، لأنّ (كان) داخل على المبتدأ وخبره. فالكناية عن اسمها وخبرها يجب أن تكون كالكناية عن المبتدأ وخبره، فكما أن كناية خبر المبتدأ منفصل، فكذلك يجب أن تكون كناية (كان) منفصلاً، ومَنْ وَصَلَه فلأنَّ (كان) كالفعل. قال: وذلك قولك: حَسِبْتُنِي. وكذلك ما أشْبَهَ هذه الأفعالَ تكون حالُ علامةِ المُضْمَرين المنصوبين فيها إذا جَعَلْتَ فاعلِيهم أنفُسَهُمْ كحالِها إذا كان الفاعلُ غيرَ المنصوب.

قال أبو علي: يقول: يتصل الضمير في هذا الباب إذا كان الفاعل هو المفعول، كما يتصل إذا كان الفاعل أجنبيًا غير المفعول، تقول: (ظَنَنْتُني منطلقًا)، فتَصِلُ الضمير بالفعل كما تصله به إذا قلت: (ظَنَنْتَني). قال: في قَطْنِي ومِنّي، فلم يكن لهم بُدٌّ مِنْ أن يجيئوا بحرفٍ لياء الإضافة مُتَحرّكٍ. قال أبو العباس: النون التي في علامة المتكلم مثل قولك: (ضَرَبَني)، إنما جاءوا بها لأنها قد تكون زائدة في أواخر الأسماء وعَلَمًا لانصرافها ولما أرادوا أن يزيدوا حرفًا زادوا ما يزاد في غير هذا الموضع وكان أولى من غيره. قال أبو علي: إنما قال: إن (قَطّ)، (ومِنْ) لو حرك الآخر منهما لأشبه (يَدًا وهَنًا)، لأن (يَدًا وهَنًا) على حرفين لنقصانهما، كما أن (قَطّ ومِنْ) على حرفين.

قال: في (مَعَ وَلَدُ)، فقد صار كأواخر هذه الأسماء، فَمِنْ ثَمَّ لَمْ يجعلوها بمنزلتها. يقول: لم يجعلوا المتحرك الآخر مثل المسكّن الآخر في اختلاف النون له، إنما فعل ذلك بالمُسكّن، ألا تراهم قالوا: معي لَمّا كانت العين متحركة. قال: لَمْ تُحَرّكْ واحدةٌ منهما لياء الإضافة، ويكون التحريكُ لازمًا لياء الإضافة. قال أبو علي: معناه، ولا يكون التحريك لازمًا لياء الإضافة. قال: ولو أضَفْتَ إلى الياء الكافَ التي تَجُرُّ بها لَقُلْتَ: (ما أنتَ كِي)، لأنّها مُتحركةٌ، كما أنَّ أواخرَ الأسماء مُتحرّكةٌ، وهي تجُرّ كما أنّ الاسْمَ يَجُرُّ. قال أبو علي: يقول: لا تختلف النون لأنها متحركة كما أن العين من (مَعَ) متحركة، ولو قلت: (كَيْ) لكان خطأ لأن ياء الإضافة تكسر المتحركات قبلها ولا تفتحها.

قال أبو بكر: إنما جاز (أنتَ كِيْ) وكان الاسم على حرف واحد لأنه متصل بما بعده فأشبه الكاف في قولك: (ضربتُكَ). وقوله: لأنّها تَجُرّ كما أن الأسماء تَجُرّ. أي: يقال: ككما يُؤثفين فتكون مجرورة، ومثْل كَعَصْفٍ. قال: وذلك لَوْلاكَ ولوْلايَ. قال أبو علي: أبو العباس يذهب إلى أنه غلط، ويقول: أنّ الشعر الذي فيه (لولاي) ليس بالفصيح، وكذلك قول الآخر: لولاك هذا العامَ لَمْ أحْجُجِ

قال: وإذا تأملت هذه الجيمية وجدت فيها غير لحن. قال: وحكى لي أن أبا عمر اجتهد في طلب مثل هذا في شعر فصيح أو كلام منثور عن العرب فلم يجده. قال: فهذان الحرفان لهما في الإضمار هذه الحالُ كما كان (للَدُنْ) حالٌ مع (غُدْوَةَ).

قال أبو علي: يعني (لولا وعسى)، فإن المظهؤ بعد كل واحد منهما مرفوع والمضمر بخلافه. قال: أمّا ما يَقْبُحُ أن يَشْرِكَهُ المظهرُ فهو المضمر في الفعل المرفوع (....) وزعم الخليلُ أنّ هذا إنّما يقبح من قبل أنّ هذا الإضمار يُبْنى عليه الفعل. قال أبو علي: قوله: ينبى عليه الفعل أن يُصاغ معه حتى يختلط زائدًا ويبلغ من التباس هذا الضمير بالفعل أن إعراب الفعل قد يجيء فيه بعد المضمر الفاعل، نحو يضربان، والإعراب في المعرب إنما يكون بعد تمامه متصلاً، لا فاصل بين الإعراب والمعرب. قال: واسْتَقْبَحوا أن يَشْرِكَ المُظْهَرُ مُضْمَرًا يُغَيّر الفعلَ فيه عن حاله إذ بَعُدَ شَبَهُه منه أي بَعُدَ شبه الفعل من الاسم. قال: وإنّما حَسُنَتْ شَرِكَةُ المنصوب – أي شركة الظاهرِ المنصوبَ -

لأنه لا يُغَيِّرُ الفعلَ فيه عن حاله. قيل ما في أنه يغير له الفعل بما يوجب امتناع عطف الظاهر المرفوع عليه. قلت: لأن هذا المضمر يسلب الفعل حركة لازمة إذا ضم إليه، فتصير علامة الضمير كأنه بعض حروف الفعل، ولا يعطف اسم على فعل، هذا فيما له علامة ظاهرة في اللفظ، فأما ما لا علامة له في اللفظ مثل اضْرِبْ وضَرَبَ فهو أبعد من يعطف عليه. قال في التّاء في فَعَلْتُ ونحوه: حتى صار كأنه شيءٌ في كلمة لا يفارقُها كألف (أعْطَيْتُ). قال أبو علي: إنما شبهه بألف (أعْطَيْتُ) لأنها ليست من أصل الكلمة وهي ملازمة لها، كما أن التاء ليست من أصل الكلمة وهي ملازمة لها.

هذا باب ما ترده علامة الإضمار إلى أصله

هذا بابُ ما تَرُدُّه علامةُ الإضمار إلى أصله قال: ألا تراهم قالوا: يا لبَكْرٍ حين نادَوْهُ، لأنه قد عُلِمَ أنَّ تلك اللامَ لا تدخل هنا. قال أبو علي: إنما لم تدخل لام الابتداء هنا، لأنها تدخل على الاسم المبتدأ المرفوع أو على غيره في باب (إنّ) والاسم المنادى في موضع نصب فلا يجوز أن تدخله هذه اللام. قال أبو علي: قبح أن يؤكد المضمر المرفوع بنفسك حتى يؤكد بالضمير المنفصل من حيث قبح أن يعطف عليه الاسم حتى يؤكد بالضمير المنفصل، لأن نَفْسَكَ إذا أكَّدْتَ به اسمٌ، كما أن الذي تعطفه عليه بتوسط حروف اسمٌ. قال: فإن قلتَ: فَعَلْتُم أجمعون حَسُنَ، لأنّ هذا يُعَمّ به. يقول: (أجمعون) للإحاطة ويكون أبدًا تابعًا لا يزول عن الاتباع كما يزول (نفسُك)، فيكون مرة اسمًا غير تابع، ومرة تابعًا.

قال في التأكيد بنفسك: شَبَّهوها بالاسم الذي يَشْرِكُ المُضْمَرَ. أي: شبهوه بالاسم الظاهر الذي يعطف على المضمر المرفوع فلم يعطف عليه إلا بتأكيد المضمر. وقال في عطف الظاهر على الضمير المرفوع المنفصل: فإنّه يَشْرِكُهُ المُظهرُ لأنّه يُشبه المُظْهَر. قال أبو علي: شبهه بالمظهر أنه منفصل من الفعل، كما أن الظاهر منفصل منه، ولا يغير الفعل كما لا يغيره الظاهر. قال: لأنَّ (أنا) بمنزلة المُظهَر، ألا ترى أنَّ المُظهر} لا {يَشْرِكُه. قال أبو علي: أي يشرك المنفصل، يقول: أنا وعبدُ الله شريكان. قال في عطف الظاهر على المضمر المجرور؛ لأنّ هذه العلامة الداخلة فيما قبلها جمعت أنها لا يُتَكلّم بها إلا مُعْتَمِدَةً على ما قبلها، وأنّها بدلٌ من اللفظ بالتنوين، فصارت عندهم بمنزلة التنوين. قال أبو علي: يقول لا يُتكلم بها إلا متصلة باسم أو بحرف، ولا تقع

مفردة ألبتة، وهو في كلا الموضعين بمنزلة التنوين في أنه لا يفصل مما قبله. قال أبو علي: فإن قال قائل: إن الظاهر بمنزلة التنوين أيضًا لأنه قد عاقبه كما عاقبه المضمر، فلم أجزْتَ العطفَ على الظاهر ومنَعْتَهُ في المضمر؟. فالجواب: أن المضمر أشبه بالتنوين من المظهر لأنه لا ينفصل على حال، كما لا ينفصل التنوين، وقد حذف المضمر لشبهه بالتنوين حيث حذف التنوين ولم يحذف الظاهر، وذلك في قوله تعالى "يا عبادِ فاتّقون". قال: وجاز: قُمْتَ أنتَ وزيدٌ، ولم يجُزْ: مَرَرْتُ بك أنتَ وزيدٍ، لأنَّ الفعلَ يستغني بالفاعل، والمضافُ لا يستغني بالمضاف} إليه {لأنه بمنزلة التنوين. قال أبو علي: استغناء الفعل بالفاعل يؤكد أن التاء في (ذهبتُ) اسم، وإن كان قد صار كأنه من نفس الفعل، فقولك: (ذهبتُ)، كلام مستغنٍ والاستغناء به كالاستغناء (بذهب زيدٌ)، وهذا مما يفسر به من أنه

هذا باب ما يكون فيه أنت وأنا ونحن وهو وهي وهم وهن وأنتم وأنتن وهما وأنتما وصفا

اسمٌ يجوز العطف عليه بغير تأكيد، وحاجة الاسم إلى ما يتم به كلامًا مما يؤكد أن المضاف إليه بمنزلة التنوين، وأن الكلام لا يتم كما لا يتم بالتنوين، فالعطف على الأول غير مؤكد جائز للاستغناء وليس في الثاني كذلك لأنه بدل من التنوين، فكما يقبح بل لا يجوز العطف على التنوين كذلك يقبح على ما هو بمنزلته. **** هذا بابُ ما يكون فيه أنتَ وأنا ونحن وهو وهي وهم وهن وأنتم وأنتن وهما وأنتما وصفًا قال: اعلم أنَّ هذه الحروف كُلّها تكون وصفًا للمُضمَرِ المجرور والمرفوع والمنصوب، وذلك قولك: مَرَرْتُ بك أنتَ. قال أبو بكر: لا يقع الاسم عندي في أول وهلة مرفوعًا ولا منصوبًا ولا مجرورًا إنما يكتسي الرفع والنصب والجر من العوامل. قال أبو علي: إنما هذا هنا لأن لقائل أن يقول: كيف صار (أنت) وما أشبهه من علامات المضمرين المرفوعين صفات للمضمرين المنصوبين والمجرورين؟ فيقال: إن هذه الأسماء تكون للخطاب والغيبة في أوضاعها، وإنما تكتسي الإعراب من العوامل، فتكون منصوبة ومرفوعة بها لا بأنفسها، فلا يمتنع على هذا أن يكون (أنتَ) وما أشبهه صفة للمجرور والمنصوب، ومن هنا قيل: (لَوْلايَ)، فوقع الياء موقع (أنا)،

لأن الخطاب يجمعهما في الإخبار، وليس يقع الاسم في أول مرة رفعًا ولا غير ذلك. وقال سيبويه في الوصف بأنت ونحوه: وليس وصفًا بمنزلة (الطويلِ) إذا قلت: (مررت بزيدٍ الطويلِ)، ولكنه بمنزلة (نفسِه). قال أبو علي: الفصل بين الوصف (بالطويل) وما كان مثله وبين (نفسه)، أن الصفات التي هي (الطويل) ونظائره حُلَى، والتأكيد قد يكون نفس المؤكد أو لفظه نحو (رأيت زيدًا زيدًا)، (ورأيت زيدًا نفسَه). قال: واعلم أن هذه الحروفَ لا تكون وصفًا لِمُظْهَرٍ كراهيةَ أن يصِفوا المُظْهَرَ بالمُضْمَر، كما كرهوا أن يكون (أجمعون ونفسه) معطوفًا} على النكرة {. قال أبو علي: يوفق بين (هو) و (أجمعين) الاشتراك في الاختصاص، لأن المضمر أخص من المظهر، كما أن (أجمعين) أخص من النكرات. قال: وأمّا البدل فمُنْفَردٌ، كأنّك قلت: زيدًا رأيتُ، أو رأيتُ زيدًا

ثم قلت: إيّاه رأيتُ. قال أبو علي: كأنه قد أشار هنا إلى أن البدل والمبدل منه هما جملتان وكلامًا، وكان أبو بكر يقول ذلك. قال: واعلم أنه قبيح (مررت به وبزيد هما)، قال: ألا ترى أنه قبيح أن يقول: مررت بزيد وبه الطويلين؟! قال أبو علي: قوله (هما) لا يكون صفة للظاهر، كما أن (الطويل) لا يكون صفة للمضمر. قال أبو علي: مثّل الحال بالظرف لأنها فضلة كما أنه فضلة، والفصل لا يكون بالفضلات، إنما يكون بين مالا يستغنى عنه وهو الحديث والمحدّث عنه. في الكتاب: "هو الحقّ، وإنّما فَصَلَ لأنّك إذا قُلْت (كان زيدٌ

الطّويلَ، فقد يجوز أن تريد} بالطويل {نعتًا لزيد، فإذا جئت بهو علمت أنها متضمنة للخبر. قال أبو علي: هذا الاعتلال للكوفيين، وعند أبي العباس أن الفصل إنما زيدَ ليؤذن أن الخبر معرفة. قال أبو العباس: وهذا ينكسر من قولهم: (إن زيدًا هو العاقلُ)، لأن في ارتفاعه دليلاً أنه ليس بنعت. قال أبو علي: لو كان هذا الاعتلال للفصل فصيحًا لوجب أن يزاد الفصل بين ما ابتدئ به من النكرة نحو: ما رجلٌ هو خيرٌ منه، ليعلم أن (خيرًا منه) خبر لا وصف، لأن (خيرٌ منه) قد يجوز أن يكون صفة لرجل، كما أن (الظريفَ) في (كان زيدٌ الظريفُ) يجوز أن يكون وصفًا لزيد؛ ومن قول الجميع: إن الفصل لا يقع بين النكرات. قال: وإنّما فَصَل لِما لا بُدَّ له منه، ويُجْزئُ مِنْ (أيّا) كما تُجْزئُ منه الصفةُ لأنّك جئت بها توكيدًا. قال أبو علي: المثال في مالا يجمع بينهما من الفصل والبدل (رأيتُه هو خيرًا) لا يجمع مع (هو) (إياه)، ومثال مالا يجمع فيه مع (هو إيّاه).

ومثال ما لا يجمع فيه بين الصفة والفصل: (رأيته هو خيرًا)، إن جعلت (هو) صفة استغنيت بها عن الفصل، وإن جعلته فصلاً استغنيت به عن الصفة. قال: ولا يجوز (أظُنُّه هو هو أخاك) إذا جعلت إحداهما صفة والأخرى فصلاً، لأن كل واحدة تجزئ من أختها. قال أبو العباس: هذا جائز على قبحه. قال أبو علي: إنما جاز لأن كل واحدة منهما غير الأخرى. قال: في قول قوم زعموا أن (هو) في مثل قولك: كان زيدٌ هو الظريفَ صفة، يدخل عليهم (إنْ كان زيدٌ لَهُوَ الظَّريفَ) و (إنْ كُنّا لَنَحْنُ الصّالِحِين). قال أبو علي: لم تدخل اللام على (زيدٍ) في هذا الموضع لأنه مرتفع (بكان)، وحكم هذه اللام أن تدخل على المبتدأ، فلم تدخل عليه بعد كان، كما لم تدخل في (ضَرَبَ لزيدٌ). قال: ومِنْ ذلك أيضًا "ولا يَحْسبَنَّ الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرًا لهم". قال أبو علي: وتقرأ أيضًا "ولا تحسبن" بالتاء، والقراءة الجيدة بالياء لأن حكم المفعول الثاني في باب (ظننتُ) أن يكون الأول في

المعنى والبخل المضمر الذي دل عليه (يبخلون) هو الخير في المعنى، و (الذين هم) فاعلو (يَحْسَبَنَّ)، فإذا قرئ بالتاء صار الذي المفعول الأول، و (خيرًا) المفعول الثاني، وليس الذين يبخلون هو خيرًا في المعنى، كما كان البخل المضمر إياه في المعنى، فإن لم تحمل هذه القراءة على إضمار بَخِلَ قبل قوله (الذين) وحذفه وإقامة المضاف إليه مقام المضاف لم يجز، ومن قرأ بالياء لم يحتج إلى إضمار البخل الذي يدل عليه يبخلون الذي في الصلة، كما يضمره من قرأ بالتاء، لأنه يضمر "لا تحسبنَّ بُخْل الذين يبخلون خيرًا"، وحذف البخل بعد ذكر (يبخلون) أحسن من حذفه قبله، لأنك إذا حذفته من يبخلون دلَّ يبخلون عليه كما يدل الفعل على مصدره، وإذا حذفته قبل يبخلون لم يدل على حذفه شيء من اللفظ. في الكتاب: واعلم أنها تكون في (إنّ) وأخواتها فَصْلاً وفي الابتداء يعني الفصل. قال أبو بكر: هذا الفصل مخالف لما يكون عليه الباب، لأنه ذكر أنه لا يكون فصلاً إلا في الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر، وتأويل الآية

في} ........................... {. على أنهم فيها مبتدأ وهو قوله: "لا جَرَمَ أنهم في الآخرة هم الأخسرُون"، فقال: هم ابتداء. قال أبو بكر: فلعله زيادة وقع في الكتاب: قال: أوْ ما أشْبَهَ المعرفةَ مِمَّا طال فلم يدخل عليه الألف واللامُ. قال أبو علي: شبهه بالمعرفة من جهة اللفظ؛ أنَّ التعريف لا يدخل عليه كما لا يدخل على (زيد) ونحوه من الأعلام، ومن جهة المعنى أنه أخص من (رَجُل) ونحوه من النكرات، كما أن المعارف أخص منه. وأنشد: إذا ما المرءُ كان أبوه عَبْسٌ ....

وأنشد: متى ما يُفِدْ كَسْبًا يكن كُلُّ كَسْبِهِ .... له مَطْعَمٌ مِنْ صَدْرِ يَوْمٍ ومَأكَلُ قال أبو علي: أي يكون هو كل كسبه، فأضمر فجعل فاعل (يكن)، ضمير الغائب دون قوله: (كُلُّ كَسْبِهِ)،وكل مبتدأ، وخبره (مَطْعَمٌ)، والجملة في موضع نصب. قال: وأمّا (هذا عبدُ الله هو خيرٌ منك)، فلا يكون (هو) وأخواتها فَصْلاً فيها. قال أبو علي: الفصل لا يدخل في قولك: (هذا عبدُ الله خيرًا منك)، لأنه لو كان (خير) خبر المبتدأ لم يكن (هو) فصلاً بينهما حتى يدخل على المبتدأ فعل نحو (ظننتُ) فإذا لم يكن (هو) فصلاً بين المبتدأ وخبره، كان وقوعه هنا أبعد، لأن (خيرًا منه) مُستغنى عنه، وليس بخبر وهو منتصب على الحال، وما انتصب على الحال لم يكن إلا نكرة،

هذا باب مالا يكون هو وأخواته فيه فصلا

والفصل لا يقع من النكرات، ألا ترى أنك لا تنصب المعرفة على الحال فيقع (هو) فصلاً بين الحال وبين ذي الحال، لا تقول: هذا زيدٌ القائمَ. ******* هذا بابُ مالا يكون هو وأخواتُه فيه فصلاً وذلك قولُك: ما أظنُّ أحدًا هو خيرٌ منك، لم يجعلون فصلاً وقبلَه نكرةٌ، كما أنّه لا يكون وصفًا ولا بدلاً للنّكرة. قال أبو علي: قوله: ولا بدلاً، فإنما يمتنع البدل من النكرة هنا لأنه لا يفيد شيئا، بعد أن تقول: (ما ظننت رجلاً أباه خيرًا من فلان) قال: ومِمَّا يُقَوّي تَرْكَ ذلك في النّكرة أنّه لا يستقيم (رجلٌ خيرٌ منك) (ولا أظنُّ رجلاً خيرًا منك). قال أبو علي: (لا) النافية في (لا أظنُّ) لتحقيق النفي المتقدم وهو

هذا باب أي

الذي في قوله (لا يستقيم). قال: تنفي وتجعله بمنزلة (أحدٍ)، فلمّا خالف المعرفة في الواجب الذي هو بمنزلة الابتداء، (فالذي هو بمنزلة الابتداء قولك: أظُنُّ رجلاً خيرًا منك)، في الابتداء لَمْ يَجْرِ في النكرة مَجْرَى المعرفة لأنه قبيحٌ في الابتداء وفيما أُجْرِيَ مَجْراه مِن الواجب، فهذا يُقَوّي تَرْكَ الفَصْل. قال أبو علي: إنما صار يقوي ترك الفصل لأن هذه الأشياء مما يخص المعرفة، ولا تكون في النكرة، وكذلك الفصل هو شيء تختص به المعرفة، ولا يكون في النكرة. ... هذا بابُ أيّ قال: وتقول: أيُّها تشاءُ لك، فتشاء صِلَةٌ قال: فإن أضمرت الفاء جاز وجزمت (تشاءُ) ونصبت (أيَّها).

قال أبو علي: يريد الفاء التي تكون جوابًا للجزاء. وقوله: جاز أي جاز في الشعر لا في الكلام كما أجازه في غير هذا الموضع في الشعر. قال: حَدَّثنا هارون أنّ الكوفيين يقرأونها "ثم لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أيَّهم أشَدّ" قال أبو علي: (أيّهم) في الآية بمعنى (الذي) عند سيبويه، وهو عنده مبني على الضم، لأنه قد حذف من صلته ما يعود إليه، (وأشَدُّ) خبر المبتدأ المحذوف، ولو ذكر في صلته العائد لم يجر البناء فيه وهو عند الكوفيين إذا رفع استفهام، كأنه قيل: (لننزعن من الذين تشايعوا لينظروا أيُّهم أشَدّ)، أي (أذَا أشدُّ أمْ ذا؟) فيقدِّرونها استفهامًا،

ولا يجعلون (لَنَنْزِعَنَّ) منعوتًا يُعَدّونَه إلى (مِنْ) كما تقول: (أَكَلْتُ مِنْ طعامِك)، أي طعامك، وكذلك "لننزعن من كل شيعة"، أي لننزعن كلّ شيعة، هكذا يقدره الكسائي وأبو العباس يختار في هذا قولهم، لأن حذف المبتدأ من الصلة كإتباعه، كما أنه في غيرها من المواضع التي إذا حذف منها تدل على حذف المبتدأ شيء كان حذفه كإثباته. قال: وزَعَمَ الخليلُ أنّ (أيُّهم) حِكايَةٌ، وأمّا يونُسُ فَزَعَمَ أنّه بمنزلة "أشهد أنّك لَرسولُ الله". قال أبو علي: التوفيق بين المسألتين على قول يونس أنه لم يعد (أشهد) إلى (أنك)، كما لم يعد (اضرب) إلى (أيّ).

قال: فَلَمّا لَمْ تَصرفْ تَصَرُّفَ الفعلِ تُرِكَتْ على هذه الحال، يريد: تركت ساكنة الياء، ولم تقلب ألفًا كما قلب من باعَ وقال. قال: وأمّا قولُ يونسَ: فلا يُشْبِهُهُ أشْهد أنّك لَزيدٌ، وسترى ذلك في باب (إنّ). وإن قلت: (اضرب أيّهم) لا يشبه (إنّك لزيدٌ)، لأن لام الابتداء وتقديره أن يقع قبل (إنّ)، وإنما أخر إلى الخبر لئلا يجتمع مع (إنّ) في موضع واحد، وإذا كان التقدير باللام قبل (إنّ) حجز اللام الفعل أن يصل إلى (إنّ) وليس ذلك في (اضْرِبْ)، ومع ذلك فإنَّ (اضْرِبْ) ليست من

الأفعال التي تعلق، وإنما الذي يعلق من الأفعال ما يلغى، ونحو (عَلِمْتُ)، لأن الإلغاء فيه أشد من التعليق لأنها إذا ألغيت لم تعمل في لفظ شيء ولا موضعه، وإذا علقت عملت في موضع الجملة. فأما (أشْهَدُ) فقد علق، لأنه قد شابه (عَلِمْتُ وظننْتُ) في أنه غير مؤثر، كما أن هذين وبابها غير مؤثرين وهو علم مثل (عَلِمْت)، وقد استعمل استعمال القسم كما استعمل هذين استعمالها في قولك: عَلِمْتُ لِيَنْطَلِقَنَّ، "وظَنُّوا ما لهم من محيص" فكذلك تقول: أشْهَدُ لَيَنْطَلِقَنَّ. قال: ومِنْ قولهما (اضربْ أيّ)، وغيرهما يقول: اضْرِبْ أيا أفْضَلُ. قال أبو علي: قياسًا للمفرد على المضاف. قال: ولَوْ جَعَلوا (أيّا) في الانفراد بمنزلته مُضافًا} لكانوا {خُلَقاء إذ كان بمنزلة الذي معرفةً لا يُنَوّن، لأنّ كل اسمٍ ليس يَتَمَكّنُ

هذا باب أي مضافا إلى مالا يكمل اسما إلا بصلة

لا يدخُلُه التّنوينُ في المعرفة، ويدخله في النّكرة. قال أبوعلي: قوله (لا يُنَوَّنُ)، أي يُبْنى، مثل (قَبْلُ وبَعْدُ). وقوله: كانوا خلقاء، معناه لكانوا خلقاء ألاّ ينوّنوا في الإفراد، لأن الاسم المفرد المبني لا يُنَوَّن في التعريف، ولكنهما أخلصاه لكل واحد منهما، يريد المتكلم والمخاطب. **** هذا باب أيّ مضافًا إلى مالا يكمل اسمًا إلاّ بصلة قال: فإنْ أَخْرَجْتَ الفاءَ فَهُو كلامٌ في الاستفهام مُحالٌ في الإخبار. قال أبو علي: لأنه يحتاج إلى صلة وخبر بعدهما في الخبر. قال أبو العباس: كأن (إيّا) لما أُعرب أشبه الأسماء المتمكنة، فأنِّث وثُنِّيَ وجُمِعَ، وإنما أقِرّ في التثنية والجمع والتأنيث على صورة واحدة، لأنه يستفهم به فأشبه (مَنْ).

هذا باب أي إذا كنت مستفهما} بها {عن نكرة

هذا باب أيّ إذا كنت مستفهما} بها {عن نكرة قال أبو علي: يريد أنها ليست كَمنْ، فإن (مَنْ) إذا وُصلت كان لفظ الواحد والاثنين والجميع كلفظ الواحد، تقول إذا رأيت رجلاً، أو رأيت رجلين: مَنْ يا فتى؟، وليست (أيّ) كذلك، لأنها في الوصل مثلها في الوقف. قال: وإذا قال: رأيتُ امرأةً، قلت: أيّة يا فتى؟، وإنْ تَكَلَّم به مرفوعًا رفعتَ، لأنّك إنّما تستفهم عَمّا وضع المُتَكلم عليه كلامَه. قال أبو العباس: إن شئت تركت الحكاية في باب (أيّ)، فرفعتَ واستأنفتَ على الابتداء والخبر، فقُلْتَ: (أيّ ياهذا)، لأنك إذا أظْهَرْتَ الخبرَ لكان تكون (أيّ مَنْ ذكرت)، (وأيّ هؤلاء). قال: قلت: فإذا قال: رأيتُ عبدَ الله أو مررتُ بعبد الله، قال: يقول: مَنْ عبدُ اللهِ؟ وأيُّ عبدُ اللهِ؟ لا يكون إذا جئتَ بأيّ إلا الرّفْعُ. قال أبو علي: هذا الموضع مما يخالف فيه (أيّ) (مَنْ)، وذلك أن الاسم العَلَم بعد (مَنْ) على ضَرْبَيْن: على الحكاية وعلى خبر المبتدأ، وليس في العَلَم بعد (أيّ) إلا الرفع، لا يجوز إذا قال: (رأيتُ زيدًا) أن تقول: أيُّ زيدًا؟ كما يجوز بعد (مَنْ)، (مَنْ زيدٌ، ومَنْ زيدًا)، وإنما

قبح الحكاية بعد (أيّ) لظهور الإعراب فيه وامتناعه من الظهور في (مَنْ). قال: اعلم أنّك تُثَنّي (مَنْ) إذا قلت: رأيتُ رجلين كما تُثَنّي (أيّا)، وذلك قولك: رأيتُ رجلين، فتقول: مَنَيْنِ كما تقول: أيَّيْن، وأتاني رجلان فتقول: مَنانِ؟ قال أبو بكر: هذا كله موقوف. قال أبو علي: وإنما كان موقوفًا لأنه لا يحرك إلا في الوصل، وإذا وصل وجب أن تسقط هذه العلامات، وإفراد مَنْ جواب المثنى والمجموع في الوصل. قال: فإن قال: رأيتُ امرأتين، قلت: مَنَتَيْن، كما قالوا: أيَّتين إلاَّ أنَّ النُّونَ مَجزومةٌ. قال أبو العباس: تسكّن النون في (مَنْتَيْن) كما كانت مسكنة في (مَنْ)، وإنما حركت في قولك: مَنَة؟ لأن تاء التأنيث لا يكون ما قبلها إلا متحركًا. قال أبو العباس: حركت النون من (مَنِي)، وثنّوا لأن حرف اللين إذا كان ساكنًا لم يكن ما قبله إلا متحركًا.

وقال أبو إسحاق: إنما أثبتت الزيادة في الوقف في (مَنُوا)، ليعلم المخاطب أنك تَسلُه عن الذي خاطبك به لا عن غيره. قال: وأمّا (مَنْ) فَلا يُنَوَّنُ في الصِّلة، فجاء في الوَقفِ مُخالفًا أي مخالفًا لأيّ، لأنه قيل فيه: (مَنا، ومَنُوا)، ولم يقل مثل ذلك في (أيّ). قال: وأمّا يونس فكان يَقيسُ (مَنَهْ) على أيّة، فيقول: (مَنَةٌ، ومَنَةً) في الوصل إذا قال: يا فتى، وكذلك ينبغي له أن يقول إذا آثَرَ ألاَّ يُغيّرها في الصلة، وهذا بعيدٌ، وإنّما يجوز ذا على قول شاعر قاله مَرَّةً لم يُسْمَعْ بعدُ، قال: أتَوْا ناري فَقُلْتُ مَنُونَ أنتم؟ ....

قال أبو علي: من أنّث فقال في الوصل (مَنَةٌ يا فَتى؟) لزمه أن يجمع للجميع فيقول: مَنُونَ، كما قال الشاعر. قال أبو علي: (مَنُونَ أنتم) عندي مثل قول الشاعر: سَبْسَبًا وكَلْكَلا أجراه في الوصل للضرورة مجراه في الوقف.

قال: وزَعَم يونس أنّه سمع أعرابيًا مَرّة يقول: (مَنُوا) في الوقف، ولكنْ يجعله كأيّ (ضَرَب مَن مَنًا) وهذا بعيد لا يتكلّمُ به. قال أبو علي: وينبغي ألا يقول (مَنُو) في الوقف، ولكن يجعله (كأيّ)، أي فيقول: (مَنْ) في الوقف كما يقول (أيّ). قال أبو علي: من قال: مَنُونَ أنتم، وضرب مَنٌ مَنًا، لزمه أن يقول في الوقف في جواب هذا رجلٌ ومررتُ برجلٍ: مَنْ؟ فلا يلحقه الواو ولا الياء في الوقف، ولا يقول: مَنُو وَمَني، وتلحقه في النصب ألفًا فتقول: مَنَا، كما تقول: أيّا. قال: وإذا قال: رأيت امرأةً ورجلاً، فبدأت في المسألة بالمؤنّث قلت: (مَنْ وَمَنا)، لأنك تقول: مَنْ يا فتى في الصِّلة.

هذا باب اختلاف العرب في الاسم المعروف الغالب

قال أبو علي: علامة التأنيث والتثنية والجمع تلحق (مَنْ) في الوقف دون الوصل في اللغة الشائعة، وإذا ذكر رجل وامرأة فبدأت بالمسألة عن المرأة قلت: (مَنْ ومَنا)، فأسقطت علامة التأنيث من قولك: (مَنْ) لوصلك بالمرأة بقولك (ومَنا)، فأثبت الألف لما وقفت عليه، ولو بدأت بالسؤال عن الرجل، لأسقطت الألف من (مَنا)، كما أسقطت علامة التأنيث من (مَنَهْ) للوصل فقلت: (مَنْ ومَنَهْ). **** هذا باب اختلاف العرب في الاسم المعروف الغالب قال: واعلم أنّ أهل الحجاز يقولون إذا قال الرجل: رأيتُ زيدًا: مَنْ زيدًا؟ وكذلك الجر والرفع، وأما بنو تميم فيرفعون على كل حال وهو أقيس القولين. قال أبو العباس: إذا رفعت فعلى الابتداء والخبر، وإذا حكيت فإنما

تحكي ليعلم السامع أنك تسأله عن الذي ذكر بعينه، ولم يبتدئ السؤال عن آخر له مثل اسمه. قال أبو بكر: موضع (مَنْ) رفعٌ في القولين جميعًا. قال: في قول قوم حكوا غير الأعلام قياسًا على الأعلام: فإذا قالوا: مَنْ عَمرًا، أو مَنْ أخُو زيدٍ، رَفَعوا أخا زيدٍ لأنّه قد انقطع من الأوّل بمَنِ الثاني الذي مع الأخ، فصار كأنّك قلت: مَنْ أخو زيدٍ، كما أنّك تقول: تَبًّا له وَوَيْلاً، وتَبًّا له، ووَيْلٌ له. قال أبو علي: إذا ذكرت (له) بعد (وَيْل) قطعته من الأول وهو (تَبًّا) فرفعته، وإن لم تذكر (له) أجريته على قولك (تَبا)، فكذلك إذا ثَنَّيْتَ بمَنْ في قولك: (ومَنْ أخُو زيدٍ)، قطعت به عن الاسم الأول كما قطعت (وَيْل) من (تَبا) إذا ثَنَّيْتَ له. قال: وإنْ أدْخَلْتَ الواوَ والفاءَ في (مَنْ)، فقُلْتَ: فَمَنْ، أوْ (ومَنْ)، لم يكن فيما بعدَه إلاّ الرّفْعُ. قال أبو العباس: إذا أدْخَلْتَ حروف العطف استغنيتَ عن الحكاية لأن المسؤول يعلم أنك عاطف على كلامه، إذ العطف لا يبتدأ به، وإنما

هذا باب إجرائهم ذا بمنزلة الذي

حَكى الاسم من حَكى لئلا يتوهم المسؤول أنه مبتدئٌ باستفهام عمَّن له مثل اسم المحدَّث عنه. **** هذا بابُ إجرائهم ذا بمنزلة الذي قال: ولو كان (ذا) بمنزلة (الذي) في ذا الموضعِ ألْبَتَّةَ، لكان الوجهُ في: (ماذا رأيتَ) إذا أجابَ: (خيرٌ). قال أبو علي: يقول: لو لم يكن (ماذا) على ضربين، مرة بمنزلة اسم واحد ومرة (ذا) بمنزلة (الذي)، وكانت (ذا) بمنزلة (الذي) ألبتة، لكان الوجه إذا قيل له: ماذا رأيتَ؟ أن يقول له: خَيْرٌ، إذا أجاب، كأنه قيل له: ما الذي رأيْتَهُ، فقال: الذي رأيتُه خيرٌ، وليس الأمر كذلك لأنه قد جاء "ماذا أنزل ربكم قالوا خيرًا" فهذا لم يَجِىءْ على أن (ذا) بمنزلة (الذي)، وجاء في موضع "ماذا أنزل ربكم، قالوا أساطير الأولين"، فدل ذلك على أن ماذا على وجهين، كلاهما قد جاء به التنزيل، وقال الشاعر:

دَعِي ماذا عَلْمْتِ سَأتّقيهِ .... قال: (فالذي) لا يجوز في ذا الموضع و (ما) لا يحسُنُ أن تُلْغيَها. أي: إذا قلت: (ماذا)، فجعلت (ذا) بمنزلة (الذي)، لم يجز أن تضع (الذي) موضع (ذا) بعد (ما). قال: والنَّصْبُ في (ذا) الوجْهُ، لأنّه الجواب على كلام المخاطَب.

هذا باب ما تلحقه الزيادة في الاستفهام إذا أنكرت أن تثبت رأيه على ما ذكر أو تنكر أن يكون رأيه على خلاف ما ذكره

قال: وقد يجوز أن تقول إذا قال: مَن الذي رأيتَ؟: زيدًا، لأنّ هاهنا معنى فعل، ويجوز النَّصْبُ هاهنا كما جاز الرفع في الأوّل. قال أبو علي: قوله: كما جاز الرفع في الأول، يقول: النصب في جواب المجيب إذا قيل له: مَنْ الذي رأيتَ؟ فقال: زيدًا، في أنه غير الوجه مثل الرفع في جوابه إذا سُئِلَ: ماذا رأيت؟ وجعل (ما) مع (ذا) اسمًا واحدًا فقال: (خيرٌ)، فالوجه في جوابه إذا كان بمنزلة الذي (خَيْرٌ)، وإذا جعلا اسمًا واحدًا (خبرًا). ***** هذا بابُ ما تلحقه الزيادة في الاستفهام إذا أنكرتَ أن تُثْبتَ رأيَه على ما ذكر أو تنكرَ أن يكون رأيُه على خلاف ما ذكره قال أبو علي: موضع هذا الباب للإنكار، ثم ينقسم الإنكار إلى الشيء وإلى خلافه، فمثال إنكارك الشيء أن يقول قائل: ضُرِبَ الأميرُ، فتقول: آلأميراه؟!، مُنكرًا لضرب الأمير، فأما ما ينكر أن يكون على خلاف ما ذكر، فكقول الأعرابي: آأنا إيَّه؟! وقد سئل: أتخرج

إن أخصبت البادية؟ منكرًا لسؤال السائل عن خروجه إذا أخصبت البادية، يريد أنّ ذلك مما لا يجب أن يَشُكَّ فيه السائل. قال: فَتَحَرَّك كما تحرك في الألف واللامُ السّاكنُ مكسورًا. قال أبو علي: يريد بقوله: (أزيدٌ نِيْهِ) فتحرك الساكن الأول بالكسر كما تحرك اللام إذا قلت: زيدٌ الطّويل بالكسر. قال: وقد يقول لك الرّجلُ: أتعرف زيدًا؟ فتقول: أزَيْدَنِيهِ، إمّا مُنْكرًا لرأيه أن يكون على مثل ذلك، (أيْ هو أخْمَلُ مِنْ أنْ أعرفَه)، وإمّا على خلاف المعرفة. قال أبو علي: قوله: على خلاف المعرفة، أي أعرف زيدًا، فأنكرُ عليك سؤالَك إياي بما أعرفه. قال: ألا ترى أنّك تقول إذا قال: ضربتُ عُمَرَ، قلتَ: أضربْتَ عُمَراهُ؟. قال أبوعلي: الفصل بين (أعُمَراه) وبين (أزيدنيه)، أن (عُمَر)

لا يلحقه التنوين، وإذا لم يلحقه التنوين لم يُكسر، لأنه لا يلتقي فيه ساكنان، لكن حرف اللين للإنكار يتبع الحركة التي هي في اللام وهي الفتحة، فيصير ألفًا، وفي (أزيدنيه) لما حُرّك التنوين لا لالتقاء الساكنين بالكسر صارت العلامة ياءً لانكسار ما قبلها. قال: وإنْ قال: أزَيدًا يا فتى؟ تركْتَ العلامةَ كما تركت علامة التّأنيث والجمع، وحرف اللين في (مَنا ومَنِي، ومَنُوا)، حين قلت: مَنْ يا فتى؟. قال أبو العباس: للوصل في هذا علة لا تكون في الوقف، لأن الوقف خفيٌ والوصل يجيء فيه ما يقوم مقام العلامة من اتصاله بكلام آخر. قال: وإذا قال: رأيتُ رجلاً وامرأةً، (فَمَنَهْ) قد مَنَعَتْ (مَنْ) مِنْ حروف اللين، فكذلك (يا فتى) هنا يَمْنَعُ. قال أبو علي: يريد إذا قلت: أزيدًا يا فتى؟ فوَصَلْتَ وأنت مُنْكِرٌ، حذفت علامة الإنكار في الوصل، كما أنّك إذا استثنيت قول القائل: (رأيتُ رجلاً وامرأةً)، قلت: (مَنْ، ومَنَةٌ)، فحذفت حرف اللين للوصل.

قال: كما يمنع ما كان في كلام المسؤول العلامة من الأول. قال أبو علي: منع قولك (عَمْرو) في قولك: أتيتُ زيدًا وعَمْرًا أن تلحق علامة الإنكار زيدًا لما كان زيدًا في صلة الكلام ودرجه، ولم ينكره آخرًا، فكذلك منع قولك: (يا فتى) أن تلحق (زيدًا) العلامة للإنكار في قولك: (أزيدًا يافتى)؟. قال: ولا تدخل العلامة في (يافتى) لأنّه ليس من حديث المسؤول. قال أبو علي: كأنّ قائلاً قال له: فإذا لم تدخل العلامة في قولك: (أزيدًا) من قولك: أزيدًا يا فتى؟ لأنه موصول (بيا فتى) كما لم تدخل (زيدًا) في قولك: (أزيدًا وعَمْرَنِيه)، لأنّه موصول بقولك: (وعَمْرَنيه)، فأدخل العلامة في (يافتى) كما أدخلتها في (عمرو) من قولك: (وعَمْرنيه) لما كان آخر الكلام: ففصل سيبويه بين (عَمْرو) وبين (يافتى)، بأن قال: قولك يافتى ليس من حديث المسؤول فتدخل عليه العلامة، وإنما تدخل العلامة فيما كان من حديث المسؤول مُنكرًا أو مُتعجّبًا، فأما إذا لم يكن من حديث المسؤول لم تدخل فيه العلامة، ألا ترى أن قولك: (وعَمْرَنيه) مِن حديث المسؤول، والمسؤول هو المخبر آنفًا بقولك: (ضربتُ زيدًا وعمرًا)، هو إذا حدّث مخبرٌ، فإذا سُئِل مُنكرًا

عليه، أو مُسترشدًا منه فمسؤول بعد إخباره. قال: فصار هذا بمنزلة (الطويلِ)، حين مَنَع العلامة (زيدًا) كما مَنَعَ (مَنْ) ما ذكرتُ لك، وهو قول العرب. قال أبو علي: قوله: فصار هذا بمنزلة (الطويل)، أي قولك (يافتى) في أن منع (زيدًا) علامة الإنكار بمنزلة (الطّويل) في أن منع (زيدًا) العلامة في قولك: (أزيدًا الطويلاه)، إلا أن الفرق بين (يافتى) وبين (الطويل) أن (الطويل) من حديث المسؤول عنه، (ويا فتى) ليس كذلك. وقوله: ما منع (مَنْ) ما ذكرت لك، (فَمَنْ) في موضع نصب، لأنّها مفعولة (وما) في موضع رفع لأنها فاعله، أي: مَنَعَ يا فتى زيدًا أن تلحقه العلامة في الإنكار للوصل، كما منع (مَنْ) قولك (وَمَنَهْ) حرف اللين اللاحقة في الوصل، وهو الذي ذكره، فقال: فَمَنَهْ قد منعت من حرف اللين، وقد شرحناه أيضًا فيما تقدم من تفسير لفظ هذا الفصل. قال: ومِمَّا زادوا به الهاء بَيَانًا قولُهم: أضْرِبُهْ، وفي نسخة أخرى أضْرِبْهُ، فمن قال: أضربُهْ ألقى حركة الهاء على الباء.

أنشد: مِنْ عَنَزي سَبَّني لَمْ أضْرِبُهْ والوجه إسكان الباء لتكون الهاء للبيان ولا تكون للضمير، لأنع على أنه للبيان وضعُه. قال: كما فُعِل ذلك في (مَنْ عبدَ اللهِ) أي إذا حكاه بَعد (مَنْ) على اللفظ. قال: وإذا قال: ضَرَبْتُهُ فقلتَ: أقُلْتَ ضَرَبْتُهُ لَمْ تُلْحِق الزيادة. قال أبوعلي: إنما تدخل علامة الإنكار فيما يكون من كلام المسؤول أو يكون على معنى كلامه أيضًا، وإن لم يكن نفس لفظه كقولك: (آنا إنِيهْ)، جوابًا لقوله: (أتَخْرُجُ إنْ أخصبت البادية؟) فأما إذا خلا من هذين لم تدخل العلامة كما لم تدخل العلامة في (يا فتى) من قولك: أزيدًا يا فتى.

هذا باب إعراب الأفعال المضارعة للأسماء

قال أبو العباس: وقد قيل في مثل هذا إنه يجوز فيه الإنكار، كأنك أنكرت أن يكون ممن تكلم بهذا، فيقال لمن قاله: إنما يحكى كلامه لفظًا أو معنى وأنت إذا قلت: (أقلتَ؟) فليس (قلت) من كلامك، فهذا خطأ فلا تقله. ***** هذا باب إعراب الأفعال المضارعة للأسماء قال: في قول الخليل في (لَنْ): إنّها (لا أنْ)، كما قالوا: (ويْلِمِّهِ)، وكما قالوا يَوْمَئذٍ. قال أبو علي: أصل وَيْلِمّه: ويلٌ لأمّه، فحذفت اللام من (ويل) والهمزة من (أمه)، والدليل على أن اللام المحذوفة هي لام (وَيل)، كسرهم اللام الباقية، ولو كانت اللام المحذوفة لام الإضافة، لوجب أن تكون اللام الباقية مضمومة. وأصل (إذْ) أن تضاف إلى جملة من فعل وفاعل أو مبتدأ وخبر، وقد تحذف منها الجملة التي تضاف إليها، فإذا حذفت الجملة منها عوض منها التنوين، وإذا عوض التنوين التقى ساكنان الذال والتنوين وإذا

اجتمعا وجب أن يكسر الأول، فإذا كسر صار (يَومئذ). فأما قولهم: (إذْ ذاك) فإشارة إلى حديث ماض، ويجوز أن يكون خبر المبتدأ محذوفًا، كأنه قال: (يَومَ إذ ذاك كائنٌ) أو واقع ونحو هذا. قال: ولو كانت على ما يقول الخليلُ لما قلت: أمّا زيدٌ فَلَنْ أضْرِبَ لأنَّ هذا اسمٌ والفعلُ صلةٌ. قال أبو علي: لو كان (لَنْ) على ما يقول الخليل إنما هو (لا أنْ)، لما جاز أن تقول: (زيدًا أن أضربَ)، فتنصب (زيدًا) بأضربُ، لأنه في صلة (أنْ)، وما يعمل فيه الصلة لا يجوز أن يتقدم عليها، كما أن نفس الصلة لا يجوز أن تتقدم على الموصول، وإذا لم يجز أن يتقدم العامل لم يجز أن يتقدم المعمول والعامل نفس الصلة، والمعمول زيد. قال: وصارت بدلاً من اللفظ بأنْ، كما كانت ألف الاستفهام بدلاً من واو القسم. قال أبو علي: لأن اللام وأنْ لم يجتمعا كما لم تجتمع (يا) مع اللهم والفعل مع إيّاك وزيدًا ونحو ذلك.

قال: لم يذكروا إلا أحد الحرفين إذ كان نفيًا لما معه حرف لم يعمل فيه شيءٌ ليُضارِعَه، يعني يَفْعَلُ والحرف الذي معه السِّينُ لم يعمل فيه شيئًا، أي في يَفْعَلُ. قال أبوعلي: ليضارعه، أي ليضارع النّفيُ الإيجابَ، لأنّ في إيجاب (ما كان لِيَفْعَلُ) حرفًا في الفعل لم يعمل فيه وهو السّين وسوف، وكذلك نفي حرف لم يعمل في الفعل، وهو اللام في ليَفْعَل، ألا ترى أن هذه اللام لم تعمل في الفعل، كما أن السين في سَيَفْعَلُ لم تعمل في (يَفْعَلُ)، فهذا هو المضارعة بين الإيجاب والنفي. قال: في إضمار الجازم: وقد أضمره الشاعرُ، شَبَّهَهٌ بإضمار (رُبَّ) وواو القسم في كلام بعضهم. قال أبو علي: (ربّ) لم تضمر، وقولهم: (وبَلَدٍ)،

(ودَوِّيّةٍ)، الواو فيه عوض من (ربّ)، إلا أن من قال: (اللهِ) قد أضمر الخافض لا محالة وإذا جاء إضمار الخافض في بعض الصور لم يلزم إضمار الجازم وإن كان (الجازم) في الفعل نظير الجار في الاسم، لأن ما يعمل في الفعل أقل مما يعمل في الاسم. قال: الموجب للرفع في هذه الأفعال وقوعها موقع الاسم مجرورًا كان الاسم أو مرفوعًا أو منصوبًا، وإنما لم تعرب في هذه المواضع بإعراب ما قبلها من الأسماء، لأن عوامل الأسماء لا تعمل في الأفعال. قال: وَمِنْ ذلك أيضًا: هَلاَّ يقول ذاك زيدٌ، (فيقولُ) في موضعِ ابْتِداءٍ، (وهَلاَّ) لا يعمل في اسم ولا فعل. قال أبو علي: (هلاّ) من الحروف التي يقع الفعل بعدها، فإذا وقع بعدها اسم نحو (هلاّ زيدٌ يقول ذاك)، ارتفع (زيدٌ) بفعل مضمر

يفسر (يَقولُ)، فيقول القائل: كيف ارتفع الفعل بعده، لوقوعه موقع الاسم، والاسم ليس بعده؟!. والجواب: إنه وإن كان سبيل وقوع الاسم فيه ما ذكرنا، فإن الحرف غير عامل في فعل ولا اسم، وما لم يختص بالعمل في واحد منهما من الحروف لم يمتنع وقوع الاسم والفعل جميعًا بعده، وإن صار بعض الحروف مع أحد الضربين من الاسم أو الفعل بعده أكثر. قال: ومِنْ ذلك أيضًا: كِدْتُ أفْعَلُ ذاك، وكَرِبَ يَفْرَغُ. قال أبو علي: التقدير في (أفْعَلُ)، الواقع بعد (كدْتُ) إنه في موضع اسم منصوب، كما أنه في (كُنْتُ) في موضع اسم منصوب، فالموضع موضع اسم في المعنى، وإن لم يقع الاسم فيه في الاستعمال، ولو وقع اسم فيه لم يكن إلا منصوبًا كما انتصب أبؤسًا في: عسى الغُوَيْرُ أبُؤْسًا.

(وكِدْتُ) ونحو مما يقع بعده الفعل أكثر، كما أن (هَلاّ) كذلك. قال: كأنّك قلت: كدْتُ فاعِلاً، ووَضَعْتَ (أفْعَلُ) مَوْضِعَ فاعِلٍ، ونظيرُ هذا في العربية كثير، وستراه إن شاء الله تعالى، ألا ترى أنك تقول: بَلَغَني أنَّ زيدًا جاء، (فأنَّ زيدًا جاء) اسمٌ وتقول في التَّعَجُّبِ: ما أحْسَنَ زيدًا. قال أبو علي: هذه مواضع قد استغني فيها بشيء عن شيء وأقيم فيها شيء مقام شيء، ولم يستعمل الشيء الذي استغني عنه استعمال المُستغنى به، ألا ترى أن (أنّ) في قولك: (لَوْ أنَّ زيدًا جاء)، بمنزلة (لَمْ يَجِيءْ زيدٌ)، وقائم مقامه؟ ولم يستعمل (لم يجيء زيدًا؟)، كما أن (أفْعَلُ) في (كِدْتُ أفْعَلُ) واقع موقع فاعل وإن لم يستعمل الفاعل هناك استغناء عنه بيفعل؟. (وأحْسَنَ) في (ما أحسن زيدًا) فعل واقع موقعه الاسم، ولم يستعمل الاسم هنا، ألا ترى أنه لا يقال في التعجب: (ما مُحْسِنٌ زيدًا) فالدليل على أن (أحْسَنَ) فعل وقع موقعًا يجوز أن يقع فيه الاسم أنه في موضع خبر اسم مبتدأ وهو (ما)، وخبر المبتدأ قد يقع اسمًا ويقع فعلاً، ولم يستعمل في التعجب إلا الفعل، كما أن (يَفْعَلُ) في قولك: (كاد يَفْعَلُ)، واقع موقع فاعل، ولم يقع فاعل موقعه.

قال: ومنه جعل يقول ذاك. قال أبو علي: أي من نظائر (كاد) قولك: قد جَعَلَ يقول، ويقول واقع موقع اسم، ولم يستعمل الاسم فيه، كأن التقدير: (جعل زيدٌ قائلاً)، ولكنه لا يقع قائلاً بعد (جَعَلَ)، كما لم يقع الاسم بعد (هلاَّ)، ومثل (كادَ تقولُ): (طَفِقَ يقولُ)، في أن لا يستعمل بعدها الاسم. قال: فَلَمَّا كان المعنى فيهن هذا، تركوا الأسماء لئلا يكون ما هذا معناه كغيره. أي: لئلا يكون ما معناه (أن يَفْعَلَ)، كما معناه غير ذلك. قال: فَمِنْ ثَمَّ مُنِعَ الأسماء. أي من الأسماء من الوقوع بعدها. أنشد: ارْدُدْ حمارَك لا تُنْزَعْ سَوِيَّتُهُ ... إذن يُرَدُّ ....

قال أبو بكر: كأنه أجاب من قال: لا أفعل ذاك، أي لا أرْدُدْ حماري فقال: إذن يُرَدّ. قال: ولو قلت: (والله إذنْ أفعَلَ)، تريد أن تخبر أنك فاعلٌ، لم يجز كما لا يجوز واللهِ أذهب} إذن {إذا أخبرت أنك فاعلٌ، فَقَبُحَ هذا، يَدُلُّك على أنّ الكلام معتمد على اليمين. قال أبو علي: قُبْح جواز الإيجاب هنا يدل على أنّ النصب لا يكون في الفعل (بإذنْ)، وأنه معتمد على التمييز، ويراد به النفي إذْ كان للإيجاب لا يكون هنا. قال أبو علي: إنما حذفت (لا) من قولك: واللهِ أفْعَلُ ونحوه في هذا الموضع، لأن النفي فيه لا يلتبس بالإيجاب، لأنه لو كان الفعل موجبًا باليمين للزمه اللام والنون، فتقول: لَأفْعَلَنَّ واللام وحدها في لغة ليست بالأكثر حكاها سيبويه.

قال: فإذا لم يلزمه ذلك عُلِمَ أنّه نفيٌ. وأنشد: لَئِنْ عادَ لي عبدُ العزيز بمثلِها ... وأمْكَنَني منها إذن لا أقيلُها قال أبو علي: لم يعمل (إذَنْ) في (لا أقيلها)، لأنّ الفعل معتمد على اليمين كأنه قال: واللهِ لئنْ عاد لي وأمكنني لا أقيلُها، فلا أقيلُها معتمد على اليمين. قال: وإن شئْتَ رَفَعْتَ على قول مَنْ ألغى. أي على قول من ألغى إذا جعلها بين الواو والفعل أو الفاء والفعل كقوله عز وجل "وإذن لا يؤتون الناس نقيرًا". قال: فَلَمّا قَبُحَ ذلك جُعِلَتْ بمنزلة هَلْ وكأنَّما وأشباههما.

هذا باب حتى

أي في أنه لم يعمل، كما أنّ (هَلْ) (وكأنما) لا يعملان، وذلك لَمّا فَصَل بين (إذَنْ) والفعل بالاسم. قال في (إذَنْ): لو كان بمنزلة اللام (و) حتى لأضْمَرْتَها. يعني أن إذا قلت: عبدُ الله إذَنْ يَأتِيَكَ، فكان ينبغي له أن ينصب (إذَنْ يَأتِيَكَ)، لأن المعنى واحد. يريد: (إذن يأتيَكَ) من قولك: عبدُ الله إذَنْ يأتيَكَ. يقول: لو كان النصب بعدها بإضمار (أنْ)، لكنت تنصب بها إذا كان ما بعدها معتمدًا على ما قبلها كما تنصب إذا لم يكن ما بعدها معتدًا إلا عليها نحو: (إذَنْ يَأتِيَكَ) في الجواب. **** هذا بابُ حَتَّى قال أبو علي: (حَتّى) ينتصب الفعل بعدها بإضمار (أنْ)، والتي ينتصب الفعل بعدها هي العاملة في الاسم الجرّ، و (أنْ) المضمرة والفعل المنتصب في موضع اسم مجرور كما أنّ (أكْرِمَكَ) من قولك: جئتُ لأكرِمَكَ، مع (أنْ) المضمرة في موضع اسم مجرور، (وحتى وأنْ) المضمرة والفعل المنتصب كله في موضع نصب، كما أن (يَزيدَ) من

قولك: (مَرَرْتُ بيَزيدَ) في موضع نصب. قال: وأمّا الوجه الآخر فأن يكونَ السَّيْرٌ قد كان، والدخولُ لم يكن، وذلك إذا جاءت مثلَ (كَيْ) التي فيها إضمارُ (أنْ)، وفي معناها وذلك قولك: كَلَّمْتُكَ حتى تأمر لي بشيءٍ. قال أبو علي: إنّما مَثَّلَه بكَيْ ليُرِي أنّ الأوّل سَبَبٌ للثاني، ألا ترى أنّ الكلام سَبَبٌ للأمر بالشيء؟!. قال: فحَتّى صارت هنا بمنزلة (إذا) وما أشْبَهَها. أي في أنه لا يعمل في الفعل، كما أن (إذا) لا تعمل في الفعل ولا في الاسم. قال أبو علي: الفعل في وجهي الرفع في (حتّى) للحال وله ارتفع، إلا أن السبب في الوجه الأول متصل بالمسبّب وبينهما في الثاني مهملة، والفصل بين الرفع والنصب بعد (حتّى) أن الفعل إذا رفع بعدها فالكلام جملتان، وإذا نصب فالكلام جملة واحدة وكان موضع (حتى) وما تعمل

فيه نصبًا، كما أن موضع (يزيد) بعد (مَرَرْتُ) موضع نصب، لأن قولك: (مررتُ) جملة تامة، كما أن (مررتُ) جملة تامة بعدها منصوب، وإذا رفعت الفعل بعد (حتّى) لم يكن لحتى موضع، كما أنك إذا قلت: ذَهَبَ زيدٌ وقَعَدَ عَمْرٌو لم يكن لذَهَبَ زيدٌ، ولا الجملة التي بعدها موضع، إنما هي جملة منقطعة من جملة، فقوله: حَتّى كُلَيْبٌ تسُبُّني ..... جملة منقطعة عن الأول، وليس كذلك (حتى) إذا جررت الاسم بها، لأنك إذا جررته كان الجار مع المجرور في موضع نصب كقولك: سِرْتُ حتّى مَطْلَعِ سُهَيْلٍ. قال: والرَّفْعُ ها هنا في الوجهين جميعًا كالرّفع في الاسم. قال الفرزدق: حتى كليبٌ ... قال أبوعلي: ارتفع الفعل بعد حتى من حيث ارتفع الاسم} "لأن حتى لو كانت الجارة، ولم تكن التي هي بمنزلة حرف من حروف

الابتداء لانتصب الفعل بعدها كما ينجرّ الاسم بعدها، ولم يرتفع {، ويدلك على (حتى) أنها من حروف الابتداء أنك تقول: حتى إنه يفعل ذلك. قال أبو علي: لو كانت الجارّة للاسم لوجب أن يفتح (أنّ) بعدها لأن تلك لا تدخل إلا على اسم، وأن مع صلته اسم. قال: وإذا قلت: لقد ضُرِبَ أمْس حتَّى لا يستطيعُ أن يتَحَرّكَ اليوم، فليس كقولك: سِرْتُ فأدْخُلُها، إذا لم تُرِدْ أن تجعلَ الدّخولَ السّاعةَ، لأنَّ السَّيْرَ والدُّخولَ جميعًا وَقَعا فيما مضى وكذلك: مَرِضَ حتى لا يَرْجُونَهُ، أي حتى إنه الآن لا يَرْجُونَه. قال أبو علي: مثَّلَ (حتّى) إذا كان الفعل بعدها مرتفعًا متصلاً بالفاء، ثم قال: إذا قلت: سِرْتُ فأدخلُها، فعطفت أفْعَلُ على فَعَلْتُ، وأنت تريد أن الفعلين جميعًا قد مضيا، فلا يجوز أن تشبه (حتى) إذا رفعت الفعل بعدها وكان متصلاً بالفعل بالفاء إذا كان الفعلان فيه قد نُصِبا، وإنما شبهه بالفاء للاتصال فقط. قال: وليس بَيْنَ حَتَّى في الاتصال وبَيْنَهُ في الانفصال فَرْقٌ. يريد في وجهي الرفع. قال: وإنّما اتّصالُه في أنّه كان فيما مَضى، وإلا فَلأنّه لَيْسَ

هذا باب الرفع فيما اتصل بالأول كاتصاله بالفاء

يُفارِقُ موضعه الآخر في شيء إذا رفعتَ. قال أبو علي: يجب أن يُفهم من قوله: وإنما اتصاله ... إلى آخر الباب أن الفعل المرتفع بعد (حتى) في وجهي الرفع جميعًا للحال لا يختلفان في ذلك، وإنما الخلاف بين الوجهين أن أحد الفعلين في أحد الوجهين متصل بالثاني، وفي الآخر غير متصل. ... هذا بابُ الرَّفع فيما اتَّصَلَ بالأول كاتصاله بالفاء أي بالفعل الذي قبل (حتى) في قولك: سِرْتُ حتى أدخُلُها وما انتصب لأنه غايةٌ. قال أبو علي: إذا بلغ الغاية جاز أن} يتوغلها {وأن يقف عندها. قال: ومن زعم أنَّ النّصبَ يكون في ذا، أي في (أرى زيدًا سار حتى يدخلُها)، لأنَّ المتكلم ليس بمُتَيَقِّنٍ، فإنَّه يدخلُ عليه (سَارَ زيدٌ حَتَّى

يدخُلُها فيما بَلَغني لا أدري). قال أبو علي: أدخل عليهم هذه المسألة لإجماعهم على رفعها بتيقن فقد بان أن النصب ليس يكون فيما بعد (حتى) من أجل زوال التيقُّن، إذ قد رفعوا ما بعدها حيث لم يتيقنوا. قال: وتقول: كنتُ سِرْتُ حتّى أدخُلُها إذا لم تجعل الدُّخولَ غايةً. قال أبو علي: من زعم أن الرفع لا يجوز في كُنْتُ سِرْتُ حتى أدخُلُها، لأن القلب لا يجوز فيه دخل عليه: قد سِرْتُ حتى أدخُلُها، ولزمه أن لا يجيز في الفعل بعد (حتى) في قولك: (سِرْتُ حتى أدخُلُها) إلا النصب، لأن القلب لا يجوز في هذه المسألة بإجماع من العرب ألبتة، لا يجوز: (سِرْتُ حتى أدخُلُها قَدْ) (ولا سِرْتُ حتى أدخُلُها) فقد بان أنَّ القلب في هذا ليس يكون النصب من أجله. قال: وتقول: قَلَّما سِرْت حتى أدخُلُها، إذا عنيْتَ غيرَ سَيْرٍ، وكذلك أقلُّ ما سِرْتُ حتى أدخُلَها. قال أبو علي: قوله: قَلَّما سِرْتُ حتّى أدْخُلُها على ضَرْبَيْن: إن أردت (قلَّما سِرْتُ حتى أدخلُها) سرتُ قليلاً جاز الرفع في

الفعل بعد (حتى). وإن أردت بقلَّما نفي السير أصلاً حتى كأنك قلت: (ما سِرْتُ) لم يجز الرفع أصلاً، كما أنّك إذا قلت: ما سِرْت حَتّى أدخلها لم يجز الرفع في الفعل بعد (حتى). وأقلُّ ما سِرْتُ بمنزلة قلّما سِرْتُ في النفي، فكما أنه لا يجوز الرفع في الفعل بعد (حتى) في قولك: قلّما سرتُ حتّى أدخلَها كما لم يجز في: ما سِرْتُ حتّى أدخلَها، كذلك لا يجوز الرفع في الفعل بعد حتّى في قولك: أقلُّ ما سِرْتُ حتّى أدخلَها، وإنما لم يجز الرفع في الفعل بعد (حتى) إذا نفيت الفعل الذي قبل (حتى) لأن الفعل الذي بعد (حتى) إذا رفع كان سببه الموجب له الفعل الذي قبله، فإذا بقي الفعل الذي هو السبب لم يكن المتولد عنه، فإذا رفع الفعل بعد (حتى) فهو للحال، ومن أجل ذلك ارتفع، فإذا نفي السبب الكائن عنه لم يكن ولم يتولد، فاستحال أن يرتفع وهو معدوم على الحال، فإذا لم يجز رفعه، لأنه ليس في الحال لنفي السبب صار (حتى) بمعنى إلى في أنه غاية، وانتصب الفعل بعده على إضمار (أنْ)، وصار الفعل المنتصب مع (أنْ) المضمرة الناصبة للفعل في موضع اسم مجرور، وصار (حتى) مع الاسم المجرور بعدها في موضع اسم منصوب. والدليل على أن (قَلَّما) نفي بمنزلة (ما) النافية نصبك الفعل بعدها بعد الفاء في قولك: قَلَّما سِرْتُ فأدْخُلَها. فإن قيل: أليس علتُك في بطلان الرفع بعد (حتَّى) إذا نفيت السَّير زوال السبب المؤدي إلى الحال، فهلا أبطلت النصب أيضًا فيه،

ولم يجز لزوال السبب المؤدي إلى الغاية إذا نفيت؟! قلت: النفي يدخل على الإيجاب، والإيجاب قبله، وإنما أثبت الغاية في النفي من حيث أثبته في الإيجاب ألا ترى أنك إذا قلت: سرتُ إلى البصرة، فقد أثبت غاية فإن نفيت السير أدخلت النفي على الإيجاب المثبت فيه الغاية فقلت: ما سِرت إلى البصرة، فالغاية نَفَيْتَ السَّيْرَ أو أوْجَبْتَهُ ثابِتَةٌ، والحالُ إذا نفيْتَ السببَ الموجبَ لها لم تكنْ. قال: وتقول: إنّما سِرْتُ حتَّى أدخلَها، إذا كنتَ مُحْتَقِرًا لِسَيْرِكَ الذي أدَّى (إلى) الدخول. قال أبو العباس: ليس شيء أقرب إلى النفي من القلة، فلذلك أجرى الاحتقار مجرى النفي، فنصب الفعل بعده كما ينصب بعد النفي. قال: وتقول: كان سَيْرِي أمْس، فإذا أنا أدخُلُها لم يَجُزْ. قال أبو علي: إذا نصبت الفعل بعد (حتّى) في قولك: كان سيري أمس حتى أدخلَها، كان جيدًا، لأن (حتى أدخلها) خبر كان، وهو في موضع نصب المعنى: كان سيري إلى دخولها وجعلت (أمْسِ) ظرفًا غير مستقر، فإن رفعت الفعل بعد (حتى) على هذا لم يجز، لأنه لا يكون في الكلام لكان خبر، ألا ترى أن قولك: فأدخلها من قولك: كان سَيْري فأدخلُها لا يكون خبرًا لكان، ولو جعلت أمْسِ مستقرًا جاز في قولك: كان سَيْري أمْسِ حتى أدخُلُها الرفع، ولو جعلت (كان) التي بمعنى

(وقعَ)، وأمس غير مستقر لجاز الرفع في قولك: حتى أدخلُها، لأن (كان سَيْري) على هذا جملة تامة، كما أن (سِرْتُ) كذلك، فكما جاز الرفع بعد (سِرْتُ)، فكذلك يجوز بعد (كان) التي بمعنى وقع. قال: واعْلم أنَّ ما بعدَ حَتّى لا يَشْرَكُ الفِعْلَ الذي قبلَ حَتّى في موضعِه كشَرِكَةِ الفعلِ الآخر الأوّل إذا قُلْتَ: لم أجىءْ فأقُلْ ولو كان ذلك لاستحال (كان سيري أمس شديدًا حتى أدْخُلُ) ولكنَّها تجيءُ كما يجيءُ ما بعْدَ إذا وبعدُ حرف الابتداء، وكذلك هي أيضًا بعد الفاء إذا قلتَ: ما أحْسَنَ ما سِرْتُ فأدخُلُها. قال أبو علي: هي كناية عن قوله (فأدخُلُها). قال أبو علي: يريد أنَّ حتّى هنا لا تشرك ما بعدها فيما قبلها كما تشرك حروف العطف فيما قبلها. وقوله: ولو كان كذلك، أي لو أشركتْ كما تشرك حروف العطف فيما قبلها لاستحال رفع (أدْخُلُ) في قولك (كان سيري أمس شديدًا حتى أدخلُ) وإنما كان يستحيل هذا لأنها لو أشركت كما تشرك الواو لما جاز أن يعطف بها الفعل على الاسم، لكنك كنت تضمر أنْ بعدها، ليصير الفعل معها في تأويل الاسم ويصير أنْ والفعل في موضع رفع للعطف على سَيْرِي. قال: فإن قُلْتَ: كان سَيْري} أمس {حتى أدخلُها تجعل أمْسِ

مستقرًا جاز الرّفْعُ، لأنّه استغنى فصار كَسِرْتُ. قال: لأنَّ سِرْتُ جملة تامّةُ، كما أنَّ قولَه (كان سيري أمسِ) جملة تامة. قال: واعلم أنَّ الفعلَ إذا كان غيرَ واجبٍ لم يكن إلا النَّصْبُ مِن قبل أنه إذا لم يكن واجبًا رَجَعَتْ حَتّى إلى أنْ وكَيْ. قوله: (كان سيري أمس) كُلُّه غيرُ واجب، أي إذا كان منفيًّا مثل قولك: ما سِرْتُ حتى أدخلَها. قال: وتقول: أيُّهم سارَ حتى يدخلُها، لأنَّك قد زعمتَ أنَّه كان سيْرٌ ودخولٌ وإنَّما سألتَ عن الفاعل. قال أبو علي: كأن قائلاً قال له: لم رفعْتَ الفعل بعد (حتّى) والكلام استفهام غير واجب؟ وقد قلت: إن الفعل بعد (حتى) إنما يرفع إذا كان الكلام واجبًا؟! فقال: الفعل ها هنا موجب غير مُستفهم عنه، وإنما الاستفهام عن فاعل الفعل لا عن الفعل، ألا ترى أنك لو قلت: أيْن الذي سار حتى يدخلُها؟ وقد دخَلَها، لَجازَ أنْ يقَعَ الفعلُ الماضي الواجب مع استفهامك عن الفاعل، لأن الفعل واجب غير مُسْتَفْهم عنه. وقوله: لَجازَ هذا الذي يكون لِما قد وقَعَ، أي جاز أن يقع

الفعل الماضي في هذا الموضع لأن الاستفهام عن الفاعل. وقوله: لِما قد وَقَعَ صِلَة، ليكون الذي هو صلة (الذي). وقوله: لأنَّ الفعلَ ثمَّ واقِعٌ، أي في قولك: أيُّهم سارَ حتّى يدخلُها وأين الذي سار حتى يدخلُها، الفعل واقع وإن كان الفاعل مستفهمًا عنه. قال: وليسَ بمنزلة قَلَّ ما سِرْتُ، إذا كان نافيًا لِكثر ما، ألا ترى أنّه لو قال: قَلَّما سِرْتُ فدخلتُها، وهو يريد أن يجعلها واجبةً أي يجعل قوله (فأدخلُها)، أو (حتى أدخلُها) واجبة، خارجة من معنى (قَلَّما) أي إذا كانت نافية بالجملة لم يستقم إلا أن تقول: قَلَّما سِرْتُ حتى دخلتُ، أي لم أسِرْ ولكنّي دخلْتُ، فإنّما تَرْفعُ بحتى في الواجب. أي وليس (قَلَّما) إذا كان نفي كثر ما بواجب فترفع بعده، ويكونُ ما بعدها مبتدأ منفصلاً من الأوّل كان مع الأوّل، أي كان المنفصل المرفوع بعد (حتّى) فيما مضى أو الآن.

قال: وتقول: أسِرْتَ حتى تدخلَها نصْبٌ لأنّك لم تثبتْ سَيْرًا تَزْعُمُ أنّه قد كان معه دخولٌ وأبو الحسن يجوّز الرّفْعَ لأنّك لو قلت: سِرْتُ فإذا أنت داخلٌ جاز. قال أبو علي: قد تقدم رد أبي العباس عليه، وإن السبب إذا لم يكن، لم يوجد المتولد عنه.

هذا باب ما يكون العمل فيه من اثنين

هذا بابُ ما يكون العملُ فيه من اثنين وذلك قولك: سرت حتى يدخلَها زيدٌ، إذا كان دخول زيد لم يُؤَدِّه سَيْرُك، ولكنّك لو قلت: سرتُ حتى يدخلُها ثقَلي أو بدني رَفَعْتَ، لأنّك جعلْت دخولَ ثِقَلِكَ يُؤدّيه سَيْرُكَ، وبَدَنُكَ لم يكن دُخولُه إلاّ بِسَيْرِكَ، وبَلَغَنا أنَّ مُجاهِدًا قَرَأ "وزُلْزلوا حتى يقولُ الرّسولُ"، وهي قراءة أهل الحجاز. قال أبو علي: تأويل ذلك والله أعلم أنهم لما أنْ كان (زُلزِلوا) سببًا لقول الرسول كما صار السّير سببًا لدخول البدن والثّقل، ومن قرأ "وزُلزلوا حتى يقولُ الرّسولُ" جعله بمنزلة سِرْتُ حتى يدخلُها زيدٌ، وسِرْتُ حتى تَطلع الشمسُ فلم يجعل قول الرسول سببًا لزلزلوا، كما لم يجعل سيره سببًا لطلوع الشمس، ولكن جعل قول الرسول غاية، كأنه على التقدير: وزُلزِلوا إلى أنْ قال الرسولُ، كما جعل طلوع الشمس غاية لسيره حتى يدخلَها زيدٌ، أي قبل أن يقطعه على قولك: حتّى أدخُلَها فلما عطفته عليه لم يجز غيره. قال: وصارَ} ت {إعادتُك حتّى كإعادتِكَ له في تبا لهُ، وويلٌ لك، منْ عمرًا ومنْ أخو زيدٍ؟!.

قال أبو علي: يقول: لما أعدت (له) بعد (ويل) ابتدأته، وقطعته مرتبًا، وكذلك لما أعدت (مَنْ) ثانية بعد عمرو محكيًا قطعته منه رفعته. قال: وإنّما كانتْ (أدْخُلُها) حائلةً بين (حتّى)، يريد (أدخُلُها) من قولك في المسألة (سِرْتُ حتّى أدخُلَها وتطْلُعُ الشَّمْسُ). قالوا: بين أن تنصب لأن (حتى) لا تنصب إلا ما يليها. أي: قولك وتطلعُ الشمس لم تل (حتّى) فيجوز أن تنصبه. في الكتاب: قال أبو الحسن: أنا أزعم أنّ هذه التي ترفع ما بعدها ليست حتى التي تنصب ما بعدها. قال أبو علي: هكذا قول الخليل وسيبويه إن التي ينصب بعدها الفعل هي التي تخفض الاسم، والتي يُرفع الفعل بعدها هي بمنزلة حرف من حروف الابتداء. قال: ويَحْسُنُ أنْ تقولَ: سِرْتُ حتّى تطلُعَ الشَّمْسُ، وحتّى أدْخُلَها كما تقول: سِرْتُ إلى يوم الجمعة وحتّى أدخُلُها.

قال أبو علي: جعل الفعل المنصوب بعد (حتّى) بمنزلة اسم لأن أنْ مضمرة، ألا ترى أنه مثَّلَهُ باسم فقال: كما يجوز أن تقول: سِرْتُ إلى يومٍ الجُمُعةِ. قال: قال امْرُؤ القَيْسِ: سَرَيْتُ بهم حتّى تَكِلَّ مَطِيُّهم .... وحتّى الجيادُ ما يُقَدْنَ بأرْسانِ فهذه الآخِرة هي التي تَرْفَعُ قوله: هي التي ترفع، يريد التي يرتفع الفعل بعدها، كما يرتفع الاسم في قولك: حتّى كُلَيْبٌ، لأنه بمنزلة حرف من حروف الابتداء. قال: وإنْ نَصَبْتَ وقد رَفَعْتَ فعلَك فهو مُحالٌ. أي لأنك لا تعطف بمنصوب على مرفوع.

هذا باب الفاء

هذا بابُ الفاء قال أبو علي: الفصل بين قولك: (لا تأتيني فتُحَدِّثُني) إذا أشركته مع الفعل الأول أو حملته على أنه خبر مبتدأ، وبين قولك (ما تأتيني فتُحدّثَني) أنك إذا نصبت فتقدير الكلام جملة واحدة وإذا رَفَعْت فالكلام جملتان، ألا ترى أنك إذا قلت: (ما تأتيني فتحدّثُني) فكأنك قلت: لم يكن إتيان فحديث، وإذا رفعت نفيت كل واحدة من الجملتين على حدة، إلا أن الجملة الثانية إذا جعلتها خبرًا لمبتدأ محذوف كان جملة من مبتدأ وخبر والخبر فعل وفاعل إذا أشركته مع الأول كان جملة من فعل وفاعل. قال: كما لا يَقَعُ معنى الاستثناء في (لا يكونُ) ونحوِها إلا أنْ تُضْمِرَ. أي تضمر ما يكون المستثنى خبره، كقولك: أتاني القومُ لا يكونُ زيدًا، أضمرت بعضهم لأن التقدير: لا يكونُ بعضُهم زيدًا.

قال: ونَظِيرُ جَعْلِهم لَمْ آتِكَ، ولا آتِيكَ وما أشْبَهَهُ بمنزلة الاسم في النّيَّةِ حتّى كأنّهم قالوا: لَمْ يَكُ إتْيانٌ، إنشادُ بعض العربِ قولَ الفرزدق: مَشائيم لَيسوا مُصلحين عَشيرةً ... ولا ناعبٍ إلا بِبَيْنٍ غُرابُها قال أبو علي: يقول: إنك إذا قلت: ما تأتينا فكأنك قلت: لم يكن إتيانٌ، كما أن الشاعر لَمَّا قال: لَيْسُوا مُصْلِحينَ فكأنه قد قال: ليسوا بمصلحين، ومعنى ليسوا مصلحين كمعنى ليسوا بمصلحين، كما أن معنى (ما تأتيني) معنى لم يكن منك إتيانٌ ولو قال قائل: إن دلالة الفعل على مصدره أقوى في الدلالة من هذا الذي مثَّلَه به، لكان عندي هو القول، ألا ترى أن الفعل يدل على مصدره في مثل قولك: مَنْ كَذَبَ كان شَرا له، "ولا تحْسَبَنَّ الذين يَبْخلون"، والمصدر أيضًا يدل على فعله في مثل سُقْيًا وما أشبهه وفي مثل: ... شَلا كما تطْردُ الجَمَّالَة الشُّرُدا

المصدر ها هنا دل على الفعل فحذف الفعل لدلالة مصدره عليه وقد خطَّأ أبو العباس أبا عُبَيْدةَ فيما أخبرنا أبو بكر عنه في تأوله هذا البيت على أن إذا محذوف الجواب، وفي تأويله إياه في موضع آخر على أن إذا زيدٌ، وقال: كل واحد من تأويل أبي عبيدة مناقض للآخر، والقول ما قلنا من أن المصدر قام مقام الفعل الذي هو جواب إذا، وكأن سيبويه أراد بتمثيله ذلك بهذه الأبيات التي ينشدها في غير هذا الموضع على جهة الغلط أنه إذا جاز مثل هذا مما هو كالغلط، فما يكون فيه الفعل دالاًّ على المصدر أجوز، هذا وجه التشبيه عندي. قال: في قوله: ما تأتيني فتُحدّثني: فإن تُحَدِّثَ في اللفظ مرفوعةٌ بيَكُنْ، لأنّ المعنى: لم يكنْ إتيانٌ فيكون حديثٌ. قال أبو علي: يستنبط من قوله: فإنَّ تُحدّث في اللفظ مرفوعة بيكن ما قلناه من أنّك إذا نصبت فتقدير الكلام جملة واحدة على خلاف تقديره إذا رفعت. قال: فمثل} النصب {قوله عزَّ وجَلَّ "لا يُقْضى عليهم فيموتوا" ومثلُ الرَّفْع قولُه تعالى "هذا يوم لا ينطقون، ولا يُؤذَنُ لهم فيعتذرون".

قال أبو علي: تأويل هذه الآية: لا ينطقون ولا يعتذرون، كما أن معنى ما تأتينا فتُحَدّثُنا: ما تأتينا وما تحدثُنا، فالثاني منفي كما أن الأول منفي، وقد يُسأل عن هذه الآية فيُقال: كيف جاز لا ينطقون مع يعتذرون وقد نُفي عُذْرُهم، والاعتذار نُطْقٌ؟ فهذا على أحد تأويلي سيبويه لا يلزم هذا السؤال، لأن الاعتذار منفي، كما أن النطق منفي، فالفعل الثاني قد شرك، وهذا السؤال إنما يلزم إذا كان لم يَشْرِكْ الفعلُ الثاني الأول، وجُعل الثاني منقطعًا من الأول، وخبرُ المبتدأ محذوفٌ، كأنه في التقدير: ولا ينطقون، ولا يُؤذن لهم فهم يعتذرون، فالتأويل الأول أسوغ لأن الكلام فيه على وجه لا إضمار فيه. ولو حملت الآية على الوجه الثاني لكان اعتذارهم ليس بعذر على الحقيقة كَلا نُطْقَ، وصار هذا كقولك: تَكَلَّمْتَ ولم تتكلّمْ إذا لم يأتِ بكلامٍ جَيّد. وقال في عطف الأفعال المضارعة على فعل الأمر المبني على الوقف: فإذا أردت أنْ تجعل هذه الأفعال أمرًا أدخلت اللام، وذلك قولُك: ائْتِه فَلْيُحَدِّثْكَ وفيُحدّثَكَ إذا أردْتَ المُجازاةَ، ولو جاز الجزمُ في ائْتِني فأحدِّثَكَ ونَحوها لَجاز تحدّثْني تُريدُ به الأمرَ.

قال أبو علي: إنما لزم هذا لأنّك إذا قلت: ائتني فأحدّثْكَ فلا جازم في الكلام عطفت عليه (أحدّثْك) وجزمته به، كما أنك إذا قلت: (تُحدِّثُني) مبتدئًا فلا جازم له، فلو جاز جزمه في العطف ولا جازم له لجاز جزمه في الابتداء، وإذا لم يكن له جازم فكما لم يجز في الابتداء جزمه ولا جازم، كذلك لا يجوز في العطف جزمه ولا جازم. قال: وتقول: ألَسْتَ قد أَتَيْتَنا فتُحدِّثَنا إذا جَعَلْتَه جوابًا، ولم تجعل الحديثَ وقع} إلا {بالإتيان، وإذا أردت فتحدِّثُنا رَفَعْتَ. قال أبو علي: أي إن أردت بقولك فتُحدّثُنا حَدِّثْنا فوضعْتَ المضارع موضع الماضي رفعْتَ. قال: وتقول: حَسِبْتُه شَتَمَني فأثِبَ عليه إذا لم يكن الوثوبُ واقعًا. قال أبوعلي: العمدة في نصب ما بعد الفاء أن يكون ما قبله غير واجب فلذلك جاز حَسِبْتُهُ شَتَمَني فأثِبَ عليه. قال: وقال عَزّ وجَلَّ: "فلا تكفر فيتعلمون" فارتفع لأنه لم يُخبر عن المَلكين أنهما قالا: لا تكفر فيتعلمون ليجعلا كُفره

سببًا لِتَعَلُّم غيره ولكنّه على كفروا فيتعلمون. قال: ومثْلُه "كن فيكون" كأنّه قال: إنّما أمرنا ذاك فيكون. قال أبو علي: يعني (كفروا) من قوله تعالى "ولكنَّ الشياطين كفروا، فيتعلمون منهما"، فقوله: (فيتعلمون منهما) معطوف على (كفروا) وإن كان (كفروا) ماضيًا (ويتعلمون) مضارعًا، لأن (كفروا) وإن كان ماضيًا فهو في موضع فعل مرفوع ولو حمل على الابتداء والقطع على (فلا تكفر فهم يتعلمون) كان حسنًا، ولا يجوز أن يكون جوابًا لتكفرْ، لأنه لو كان كذلك لكان لا تكفر فيتعلمون. وقال قائل أظنه أبا العباس: (فيتعلمون) معطوف على قوله: يُعلِّمون فيَتَعَلَّمون. وردّ أبو إسحاق عليه هذا بأنْ زعم أنّه لو كان كذلك لكان فيُعَلِّمون منهم، وأن التثنية بعد فيتعلَّمون دلت على أن يتَعَلَّمون ليس بمعطوف على يُعَلِّمون، إذ لو كان العطف على يُعَلِّمون لكان موضع التثنية جمع. قال أبو إسحاق: واستحسن أن يكون معطوفًا على يُعَلِّمونَ، كأنه على يُعَلِّمونَ فيتَعَلَّمون منهما.

قال: وقد يجوز النَّصْبُ في الواجب في اضطرار الشعر، ونصبُهُ في الاضطرار مِنْ حيثُ انتصبَ في غير الواجب، وذلك أنّك تجعلُ (أن) العاملةَ، فَمِمَّا نُصِبَ في الشّعْرِ اضطرارًا قولُه: سأترُكُ مَنزلي ... قال أبو علي: دلالة المصدر على الفعل في الإيجاب كدلالته عليه في النفي، ألا ترى أنك إذا قلت: أنت تأتيني، فقد دل على (يكون منك إتيانٌ)، كما أنك إذا قلت: (لا تأتيني) فقد دل على (لا يكون منك)، فالإيجاب والنفي وما أشبهه ممّا كان غيرَ واجبٍ هو الذي عليه الاستعمال، ووُجِد كذلك بالاستقراء فَنَصْبُ الفعلِ بإضمار في الفاء بعد الفعل الموجَبِ شاذّ عن الاستعمال مطّرِدٌ في القياس لا يجيءُ إلا في شِعْرٍ.

ونَصْبُه في الفاء والواو وما أشبههما من الحروف التي تُضمَرُ (أنْ) بعدها في النّفي مُطّرِدٌ في الاستعمال والقياس جميعًا. قال: وسألتُه عن "ألم تر أن الله أنزلَ من السماء ماء فتصبحُ الأرض مخضرة"، فقال: هذا واجب وهو تنبيه ليس بنفي فيُحْمَلَ عليه (فتُصبحُ)، ألا ترى أنَّ اخضرارَ الأرض ليس سببُها رؤيَتَكَ؟!. قال: وإنّما خالف الواجبُ النّفي لأنك تنقُضُ النّفيَ إذا نَصَبْتَ وتُغَيّرُ المعنى، يعني أنّك تنفي الحديثَ وتوجِبُ الإتيانَ، تقول: ما أتيتني قَطُّ فتُحدِّثَني إلا بالشَّرِّ فقد نَقَضْتَ نَفي الإتيان، وزعمْتَ أنّه قد كان. قال أبو علي: يذكرُ في هذا الموضع أشياء مُختصٌّ بها النّفي ولايكون في الإيجاب، فلا يُستنكر أيضًا أنْ يُنْتَصَبَ الفعلُ بعد الفاء بإضمار (أنْ) في النّفي، ولا يُنْتَصَبُ في الإيجاب. فقوله: وإنّما خالف الواجبُ النفي لأنك تنقض النفي إذا نصبت. أي: إنما خالف الواجب النفي في أنْ لم يَحْسُنْ انتصابُ الفعلِ بعد الفاء بإضمارٍ في الواجب، وحَسُنَ انتصابُه في النّفي لأنّك تنقُضُ النفي أي لأنك قد تنقض في النفي معنى النفي حتى يَؤولَ إلى الإيجاب إذا

نصبْتَ بعد الفاء. قوله: ويُغيِّرُ المعنى، معنى أنك تنفي الحديث فتوجب الإتيان، أي بغير النفي المعنى معنى نفيُك الحديثَ، فمعنى نفيُك الحديثَ بَدَلٌ من المعنى والنّفيُ هو المغير للمعنى، والمعنى مفعول به، وفائدةُ هذا الكلام أنّ النفي يُغَيّرُ معنى الكلام، فيصيرُ المنفيُّ موجَبًا، ألا ترى أنّك إذا قلت: ما أتيتني قطُّ فتُحدّثَني إلاّ بالشَّر، فقد نَفَيْتَ الإتيان في اللفظ وأوجَبْتَه في المعنى، لأنَّ المعنى أنّك تأتيه فتُحَدِّثُه بالشَّرِّ. قال: وتقول: ائتني فأحَدِّثَك، فليس هذا من الأمر الأول في شيءٍ. قال أبو علي: قولُه: فليس هذا من الأمر الأول في شيء، أي إذا قال: ائتني فأحدثك، فكأنه قال: لِيَكُنْ إتيانٌ فحديثٌ، وليس هذا كالمسائل التي قَدَّمها في أنَّ معنى النفي قد آل فيها إلى الإيجاب. قال في الإيجاب نحو: سوف تأتينا فتُحدثُنا، فلم يحتاجوا إلى (أنْ) لِما ذكَرْتُ لك، ولأنَّ تلك المعاني لا تقع ها هنا. قال أبو علي: أي المعاني التي بها النفي، ولو كانت الفاءُ والواوُ وأوْ يَنْصِبْنَ لأدخَلْت عليها الفاءَ والواوَ للعطف، ولكنّها كحتّى في الإضمار والبدل. قال أبوعلي: الفاء والواو، وأو حروف عطف، والفعل ينتصب بعدهن على إضمار (أنْ)، كما أن ما بعد (حتّى) في الغاية، واللام في

النفي موضع إضمار (أنْ)، وهذه الحروف العاطفة أبدال من (أنْ)، كما أن (حتى) واللام بدلان من (أنْ)، ألا ترى أن (أنْ) لا تظهر معهم كما لا تظهر معها، لا تقول: ما تأتيني فأنْ تُحدثَني، كما تقول: "ما كان زيدٌ لأن يفعلَ إذا أراد ليفعل، فإن قال قائل: إن هذه الحروف العاطفة هي الناصبة للفعل كما أن (أنْ ولن) ناصبان له، قيل له: لو كُنَّ مثلها للزم أن تدخل حروف العطف عليهن، كما يدخلان على (أن ولن)، فتقول: ما تأتيني فتُحدثني وتشتُمَني، كما تقول: يُعجبني أن تقومَ وأن تجلس، ولنْ يقوم ولن يذهبَ وامتناعُ دخول حرف العطف على هذه الحروف إذا انتصب الفعل بعدها دليلٌ على أنها ليست الناصبةُ للفعلِ، إذ كانت كذلك لدخلت حروف العطف عليها، ألا ترى أنَّ الواو في القَسَم لَمّا لم تكن حرفَ عطف، وكانت بدلاً من الباء الجارّة، دخلت حروف العطف عليها، وذلك قولُك: والله لأكرمنّك، ووالله لأعطينَّك، وكذلك (ثُمَّ) وسائرُ حروف العطف لا تمتنع من الدخول على واو القسم ولو كانت الفاء والواو التي ينتصب الفعل بعدها غير العاطفة لدخلها حروف العطف كما دخلت على واو القسم لَمّا لم تكن حرفَ عطف، وحُكِيَ أنَّ أبا عمر الجَرمي كان يذهب إلى أنّ الفاء وسائر حروف العطف هي الناصبة للفعل بمنزلة (أنْ)، وهذا القولُ يَفْسُدُ بهذه الحُجَجِ التي قَدَّمْنا هنا، والله أعلمُ.

هذا باب الواو

هذا بابُ الواو قال: وإن شئت جَزَمْت على النهي في غير هذا الموضع، إذا أردت أن تنهاه عن الثاني كما تنهاه عن الأوّل، قال جرير: ولا تَشْتِم المولى وتبْلُغْ أذاتَه .... قال أبو علي: نهاه عن الشَّتْم وبُلوغ الأذى معًا. وأنشد: ... فلم أفْخَرْ بذاك وأجْزَعا أي: أجمعُ بينهما ولو كان (أجْزَع) على حِيالِه لكان (وأجزَعُ).

قال: وتقول: لا يَسَعُني شيءٌ ويعجزَ عنك. قال أبو علي: معنى ذلك لا يجتمع ألاَّ يسعني شيءٌ ويعجزَ عنك. قال: ومِن النَّصْب في هذا الباب قولُه عزَّ وجَلَّ "ولَمّا يعلمِ اللهُ الذين جاهدوا منكم ويعلمَ الصابرين" وقد قرأها بعضُهم "ويعلمِ الصابرين". قال أبو علي: مَنْ نَصَبَ "ويعْلَمَ الصابرين" فالمعنى: أمْ حَسِبْتُم أنْ تدخلوا الجنَّة ولَمّا يجتمع العلمُ بالمجاهدين والعلم بالصابرين فتقديرُ الكلام جُملة واحدة، ومَنْ جَزم فالتَّقديرُ جملتان. قال: وقال تعالى: "يا ليتنا نُرَدُّ ولا نُكذّبُ بآيات ربّنا ونكونَ من المؤمنين" فالرّفعُ على وجهين: فأحدُهما: أن يشْرَكَ الآخِرُ الأوّل، أي يدخلُ كلُّه في التَّمنّي.

والآخر: على قولك: دَعْني ولا أعودُ، أي فإنّي مِمَنْ لا يعودُ فإنّما يسأل التّرْكَ، وقد أوْجب على نفسه ألاَّ عودةَ له ألبَتّةَ تُرِكَ أو لم يُترَك، ولم يُرِدْ أن يسأل أن يجتمع له التّركُ وألا يعود وأمّا عبدُ الله بنُ أبي إسحاق فإنه كان ينصب هذه الآية. قال أبو علي: الرّفع عندي في "نكونُ من المؤمنين" على قولك: دعني ولا أعودُ، كأنّه أقوى منه في الوجه الأول، وذلك أنهم على هذا التأويل إنما يتمنون الرّدّ، وقد صدّقوا بآيات الله، والإيمان به لما ظهر لهم من أعلام القيامة، والآياتُ التي ترتفع معها الشُّبَه، فهم يتمنون الرّدّ ويجرُون أنهم لا يُكذّبون ألبتة، وليس يتمنون أن يعرفوا الآيات وأن لا يُكَذّبوا، إنما يتمنون الرّدّ والرُّجوع فقط. ومَنْ نَصب فالنصبُ في المعنى كالرفع في الوجه الأول، والذي وَفَّقَ بينهما أن الثاني المنصوب داخلٌ في التمني كما كان المرفوع في الوجه الأول الذي قدمه سيبويه داخلاً فيه، وهو في التمثيل ياليتنا يكون لنا رَدّ وامتناع من التكذيب وكون من المؤمنين، فهذا موافقٌ للوجه الأول مِن وجهي الرّفع في المعنى، مُخالف له في اللفظ، لأنّك إذا نصبتَه فالكلامُ جملةٌ واحدة، وإذا رفعت لم يكن الكلام بجملة واحدة.

قال أبو علي: المعنى في البيت: وما أنا للشيء الذي ليس نافعي ... ويغضبَ منه صاحبي بِقَؤول وتقدير الكلام غَضَبُ صاحبي، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامَه، لأنّ الغضب لا يُقال، فإذا رفعتَ (يغْضَبُ) كان معطوفًا على (ليس) الذي في الصّلة، كأنّك قلت: ما أنا للشيء الذي يغضب منه صاحبي بِقَؤولٍ.

هذا باب أو

هذا باب أوْ قال: واعلم أنَّ معنى ما انتصب بعد (أو) على (إلا أنْ) كما كان معنى ما انتصب بعد الفاء على غير معنى التمثيل. قال أبو علي: قولُه: على غير معنى التمثيل، يريد أن التمثيل لِيَكُنْ لزومُ الإعطاءِ، والمعنى لألزَمَنَّك إلا أن تعطيَني، فالمعنى على غير التَّمثيل، لأنَّ في لَألْزَمَنَّك إلا أن تعطيَني إيذانٌ بالملازمة إلا أن يُعْطِيه، وفي لِيَكُنْ لزومٌ إو إعْطاءٌ إعْلامٌ أنَّ أحدَ الأمرين واقعٌ لا بُدَّ منه، لكنْ لم يَنُصَّ على الواقع منهما، فقد بان مُخالفةُ التَّمْثيلِ للمعنى. قال: وتقول: الْزَمْهُ أو يَتَّقيكَ بحقِّك، واضْرِبْهُ أو يَسْتقيمَ. وقال زياد: كَسَرْتُ كُعُوبَها أو تَسْتقيما معناه إلاَّ أن تستقيما، وإنْ شئتَ رَفَعْتَ في الأمر على الابتداء لأنَّه لا سبيل إلى الإشراك.

قال أبو علي: في الغَلَطِ إنَّ سيبويه أراد بقوله: لا سبيلَ إلى الإشراكِ أن (يستقيم) لا يجوز أن يُعطف على (كسرتُ) لأنَّ (يستقيم) مضارع، و (كسرتُ) ماضٍ، قال: وهذا غَلَطٌ، لأنَّ العطفَ في هذا الموضع حسنٌ، لأنَّ ما بعدَ إذا وإنْ كان في لفظ الماضي فمعناه معنى المضارع يَحْسُنُ عطفُ المضارع عليه إذْ كان المعطوف عليه بمعنى المستقبل، كما حَسُنَ عطفُ الماضي على المستقبل إذْ كان في معنى المُضِيِّ، وذلك قولُه عزَّ وجلَّ "ووضعنا عنك وزرك" بعد قوله "ألم نشرح لك صدرك". قال أبو علي: وهذا الاعتراضُ الذي حكيْناه شبيهٌ بالمغالطة لأنّه لم يقُل إنّ الإشراكَ لا يجوزُ في (أو يْستقيما)، إنّما قال: لا يجوزُ الإشراك في الأمر، وإشراكُ المضارع في الأمر يستحيلُ بلا شَكّ لأنّك تعطفُ فيه معربًا على مَبْنِيّ. وقد ذُكِرَ فيما تَقدّم أنّه لو جاز ذلك لجاز أن تقول: تُحدّثُني، يريد الأمرَ، ويستقيمُ يريدُ به ليستَقيمْ، وقد كتبنا شرحَ ذلك في الفاء. "ولولا

رجالٌ" أي لوْلا رجالٌ، ولولا مَساءَتُكَ لفعلْتُ كذا، مِمّا يَتَضَمَّنُه البيتُ الثاني، وقد كُفَّ عن خبره. قال: وسألتُ الخليل عن قول الأعشى: إنْ تركبوا فركوبُ الخيلِ عادتُنا ... أو تنزلون فإنّا مَعْشَر نَزُلُ

قال أبو علي: جعل الخبر كأنّه وقع موقع الاستفهام، فكأنه قال: أتركبون أو تنزلون؟، وإنّما جاز أنْ ينوي بالجزاء الاستفهامَ، لأنّه غيرُ واجب، كما أنَّ الجزاء غيرُ واجب، وأنَّ الاستفهام قد يُجابُ كما يُجاب الشَّرْطُ. قال: وأمّا يونسُ فقال: أرْفَعُه على الابتداء كأنّه: أوْ أنتم تنزلون وقولُ يونسَ أسهلُ. قال أبو الحسن: إنّما كان قولُه أسهلَ، لأنَّ الجزاءَ لا يقعُ موقع الاستفهام وإنّما تقع حروفُ الاستفهام مواقعَ حروف الجزاء، فيُجازى بها، نحو: (أين) في قوله: أين تَسْلُكُ بنا العُداةُ تَجِدْنا. وحروفُ الجزاء لا يُسْتَفْهمُ بها. قال: والإشراكُ على هذا التَّوَهُّم بعيدٌ. أي على وضع الجزاء موضع الاستفهام، كبُعْد، (ولا سابقٍ شيئًا) ألا

ترى أنْ لو كان هذا هكذا لكان في الفاء والواو. أي لكان النَّصْبُ في الفاء والواو بعد الإيجاب على تقدير أنّك تَكَلَّمْتَ بالاسم قبلَه، كأنّك قلت في (هو يَاتِينا)، هو يكون منه إتيانٌ فَحديثٌ، فكُنْتَ تنصِبُ بعد الإيجاب كما تنصب بعد النّفي وإنّما قُدِّرَ هذا التَّقديرُ في النّفي دون الإيجاب إلا في الضرورة فلا يجبُ أن يُقاس عليه غَيْرُهُ. قال: وإنّما تَوهَّمَ هذا فيما خالف معناه التَّمْثيلَ، يعني مثل قولك: لا تأتِه فيشْتُمَكَ. قال أبو علي: هذا مثالٌ لِما خالف المعنى منه التَّمْثيلَ.

هذا باب إشراك الفعل في أن، وانقطاع الآخر من الأول

هذا بابُ إشراك الفعل في أنْ، وانقطاعِ الآخِرِ مِنَ الأوّل قال: يريدُ أنْ يُحْكِمه فَيُعْجِمُهُ. قال أبو علي: هذا لا يكونُ إلا على الانقطاع، لأنَّ هاتين الإرادتين مُحالٌ أنْ تجتمعا. قال: وتقول: واللهِ ما أعْدُو أنْ جالسْتُكَ، أي إنْ كُنْتُ فعلتُ

ذلك، أي مُحالٌ ما أجاوِزُ مُجالستَك فيما مضى. قال أبو علي: يقولُ ما أعْدو في حالي هذه مُجالستَكَ فيما مضى كأنّك جالسْتَهُ، ثمَّ أخْبَرَ أنّه لم يُجالسْ غيرَه. قال: ومِمَّا جاء منقطعًا قول الشاعر: على الحَكم المأتيِّ يومًا إذا قضى ... قضيَّتَهُ ألا يجورَ ويقصدُ قال أبو علي: الإشراك هاهنا بعيدٌ كبُعده في "يريد أنْ يحكمَهُ فيُعجمُه"، لأنّه ليس يريد ألاّ يجورَ ولا يقصدُ، لوْ وَصَفَهُ بهذه الصّفة لَوَصَفَه بالتَّرَيُّثِ والبلادةِ، كقولهم: ما يُحْلي وما يُمِرُّ. وإنما يريد أنْ لا يجورَ، ولكنّه يَقْصِدُ ويعدِلُ. قال: فالابتداءُ في هذا أسْبَقُ وأعرفُ لأنها بمنزلة قولك. أي لأنّ هذه اللفظةَ التي في معنى الابتداء.

هذا باب الجزاء

هذا باب الجزاء قال: ومِمّا يُجازَى به من الظُّروفِ: أيُّ حين. قال أبو علي: (أي) اسمٌ ممّا تُضيفُه إليه إنْ ظرفًا فظرفٌ، وإنْ اسمًا فاسمٌ. قال: وإنّما مَنَعَ (حيثُ) أنْ يُجازى بها أنَّك تقول: قال أبو علي: (حيثُ) ظرفٌ من المكان شُبِّهَ (بحين) مِنْ ظرفِ الزَّمانِ فأضِيفَ إلى الجُمَل كما أضيفَ (حين). (وإذْ) ظرفٌ من الزَّمان، يُضاف إلى الجُمل، وكل واحد من "حيثُ وإذْ وإذا" أضيفَ إلى الجُمل صار موضعُ الجملة جَرًّا بالإضافة فإذا وقع الفعل بعدهما وقع في موضع اسمٍ مجرور، والفعلُ متى وقع موقع اسمٍ لم يجز فيه إلا الرفعُ. فلو جُوزِيَ بحيثُ وإذْ، ولم يضُمَّ إليهما (ما) لم تجز المجازاةُ بهما لأنّك إذا جازيت جزمْتَ، وهذا موضعٌ لا يكون فيه الفعلُ إلا مرتفعًا، لوقوعه موقع الاسمِ، فلمّا امْتَنَعَتْ المجازاةُ بهما لما ذكرنا، ضُمَّ

إليهما (ما) الكافَّةُ فمنعتهما الإضافةَ، كما أنَّك ضَمَمْتَها إلى سائرِ الحروف، والأسماء الجارّة فكفَفْتَها عن الإضافة كقوه: (بعْدَ ما أفْنانُ رأسِك)، وكقوله عز وجل: وقول الشاعر: وإنّا لمِمّا نَضْربُ الكَبْشَ قال: وأمّا قولُ النّحويين: يُجازى بكُلِّ شيءٍ يُسْتَفْهَمُ به، فلا يستقيمُ، مِن قبل أنّك تُجازي بإنْ وبحَيْثُما وإذْ ما. قال أبو علي: يُريد قولَ النّحويين لا يُجازى إلاّ بما يُسْتفهَمُ به لا يستقيمُ.

قال أبو إسحاق: وأبو العباس ردّ على سيبويه هذا، وَوَهِمَ عليه فيما أراد به. قال: ليس الفعلُ في الجزاء بصِلَةٍ لما قبلَه، كما ليس في الاستفهام بصلة لما قبله. قال أبو علي: الدليلُ على أنّ الفعلَ في كلا الموضعين ليس بصلة لما قبله لأنّك تقول: مَنْ يَقْدُمُ، وما يأتيني، فيكونُ الكلامُ في كِلا الموضعين تاما مستغنى عليه، ولو كانا صِلتين لِما قبلهما لم يَتِمّ الكلامُ، كما أنّك إذا قلتَ: مَنْ يقومُ، فجعلت (مَنْ) (كالذي) لَمْ يَتمّ الكلامُ، فلو كان الفعلُ في المجازاة صلةً لما قبلَه، لم يتمّ الكلامُ في قولك: مَنْ يأتِني آتِه، كما لا يَتِمُّ في قولك: الذي إنْ يأتِني آتِه حتّى يقول مَنْ يقومُ حَسَنٌ، أوْ في الدّار وما أشبه ذلك، وكذلك لو كان الفعلُ في المجازاة صلةً لما قبله لم يتمّ الكلامُ في قولك: مَنْ يأتني آته، كما لا يتم في قولك: الذي يأتني آتِه حتى يقولَ حسنٌ أو منطلقٌ وما أشبه ذلك من الأخبار. قال: وسألت الخليل عن (مهما) فقال: هي (ما) أدخلت عليها

(ما) لغوا بمنزلة (ما) مع (متى) إذا قلت: متى ما تأتني آتك. قال أبو علي: لَمّا اسْتُعْمِلَ (ما) في الجزاء كما اسْتُعْمل في الاستفهام فجُوزِيَ به، كما استُفْهِمَ به ضُمَّ إليها في الجزاء، كما ضُمَّ إلى (أيّ) في قوله عزّ وجلَّ "أيا ما تدعو" إلاّ أنَّ (ما) لَمَّا ضُمَّ إليها (ما) الزائدةُ قُلِبَتْ ألفُها هاءً لتقارُب المخرجين، وكراهة اجتماع اللفظين. قال: وسألت الخليل عن قوله: كيف تصنعْ أصنعْ، فقال: هي مُسْتكرَهةٌ، وليست من حروف الجزاء ومَخرجُها على الجزاء لأنَّ معناها: على أيِّ حالٍ تكنْ أكنْ. قال أبو العباس: إنّما جُوزِيَ مِنْ حروف الاستفهام بما كان منه يَقَعُ على المعرفة والنكرة، نحو: إنْ يأتِني زيدٌ أعْطِهِ، وإنْ يأتني رجلٌ أعطِه، وأمّا (كيفَ) فحقُّ جوابها النَّكرة تقول: كيف زيدٌ؟ فيُقال: صالحٌ، ولا يقال: الصّالحُ، وكذلك (كم)، لم يُجازَ بها، لأنّ جوابَها

لا يكون إلا نكرةً. قال: وسألته عن "إذا) ما مَنَعَهم أن يُجازوا بها، فقال: الفعل في إذا بمنزلته في إذْ؛ إذا قلت: أتذكّرُ إذْ تقول؟. قال أبو علي: ما بعد إذا مُعَيّن معلومٌ، وما بعد الحروف التي جُزِمَ بها في المجازاة ليس بمُعَيّن ولا كائنٍ لا محالة كقوله تعالى "إذا السماء انشقت" و"إذا السماء انفطرت" وأيضًا فإنَّ الذي منع من المجازاة بإذا أنّه يُضافُ إلى الجُمل التي هي من الفعل والفاعل كقولك: إذا يقوم زيدٌ، فالجملة بعده في موضع جرّ بالإضافة، فالفعل إذنْ بعدَه في موضع اسمٍ فلا يجوز أن يُجزَمَ، كما لا يجوز أن يُجزم بعد (حيثُ وإذْ) حتّى تُكفّا بما عن الإضافة؛ فلمْ يُجازَ به في الكلام لذلك، وكان قياسُ الشاعر إذا اضطُرَّ فجازى به أن يكفّهُ عن الإضافة كما كَفَّ (حيثُ وإذْ) إذا جوزي بهما عنها، إلا أنَّ الشاعر إذا

ارتكب الضرورةَ استجار كثيرًا بما لا يجوز في الكلام على نحو ما مضى في أوّل الكتاب. قال: والفعل في (إذا) بمنزلته في الحين، كأنّك قلت: الحينُ الذي تأتيني فيه آتيك فيه. قال أبو علي: يريد أنّ (إذا) إذا {أضيف} اختصّ كما أنّ الحينَ إذا أضيف اختصّ، وإذا اختصّ بَعُدَ من المجازاة. قال أبو علي: قوله: فنُضارِبِ.

مُنجزمٌ لعطفه على فعلٍ في موضع جزمٍ وهو قوله: (كان)، لأنه جواب الشّرط الذي هو يَضربْ وبانجزام (نُضارِب) أسنِدَ للنّا على أنه جازى بإذا. قال: وسألت الخليل عن قوله عز وجل: "وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون"، فقال: هذا مُعَلّقٌ بالكلام الأول كما كانت الفاء معلقة بالكلام {الأول} وهذا ها هنا في موضع {قنطوا} كما كان الجوابُ بالفاء في موضع الفعل. قال: ونظيره "سواءٌ عليكم أدعوتموهم أم أنتم

صامتون" بمنزلة أمْ صَمَتُّمْ. قال أبو علي: لَمّا كان (إذا) مثل الفاء في أنّها تُتْبع الثاني الأول كما يُتبع الفاءُ، وأنها تدخل على جملة من مبتدأ وخبر، كما أن الفاء كذلك لم يُحتجْ مع (إذا) إلى الفاء. قال: ومِمّا يجعلها بمنزلة الفاء أنها لا تجيءُ مُبتدأة كما أن الفاء لا تجيءُ مبتدأة. قال أبو علي: قوله: ومما يجعلها أي مما يجعل (إذا) هذه بمنزلة الفاء أنها لا تجيء مبتدأة، كما أن الفاء لا تجيء مبتدأة، وإنما تجيء بعد كلامٍ كقولك: (خرجتُ فإذا زيدٌ)، كما أنّ الفاءَ لا تجيءُ مبتدأة في اللفظ، إنّما يُذكَرُ ما تُتْبَعُ به، فإذا هذه هي التي للمفاجأة، ولو كانت التي هي ظرفٌ من الزّمان لم يُحْتَجْ إلى وقوعها هنا، لأنّ تلك لا يكون بعدها إلا الفعل، والجملة التي هي فعلٌ وفاعلٌ إذا وقعت في جواب الشّرط اتّصل به غيرُ محتاجٍ إلى ما يربطُه بالشّرط، ألا ترى أنَّ الفاءَ إنّما تقعُ في الجزاء إذا كان الجزاءُ جملةً من مبتدأ وخبر، فإذا كان من فعل وفاعلٍ ارتبط بالأوّل، ولم يُحتَجْ في الارتباط به إلى الفاء، وكذلك الجملة الواقعة بعد (إذا) في قوله تعالى: "إذا هم يقنطون" جملة من مبتدأ وخبر، فلَوْ كانت إذا هذه التي هي ظرفٌ من الزّمان لَمْ يَحْتجْ إلى وقوعها هنا، فإن قيل: إنَّ تلك قد يقع المبتدأ بعدها كما يقع بعد التي للمفاجأة قبل الاسم إذا وقع مرتفعًا بعد تلك نحوُ "إذا السماءُ انشقت" لمْ

يُقَدَّرْ ارتفاعُه على الابتداء إنّما يُقدَّرُ ارتفاعُه على فعلٍ مُضمرٍ يُفَسِّرُه ما بعدَه، كما أنّك لو قلت في ضرورة الشّعر: لمْ زيدٌ يَقُمْ، وهَلاَّ زيدٌ يقومُ، لم يُقدّر ارتفاعُ (زيد) ونحوه في هذا على الابتداء، لكنّك تُقدّرُ ارتفاعَهُ على فعلٍ مُضْمَرٍ الظّاهِرُ يُفَسِّرُه، وليس الاسم في الّتي للمفاجأة كذلك إنّما يرتفع بالابتداء عند مَنْ يرتفع عنده (في الدّار زيدٌ) بالابتداء، وبالظّرْف عند مَنْ يرتفع عنده (في الدار زيدٌ) بالظّرف، مع أنّ (إذا) التي هي ظرفٌ مِنَ الزمان حكمُها أنْ تقعَ مُبتدأةً لما فيها من معنى الجزاء، وحُكْمُ ما يقعُ جوابًا للشّرْطِ ألاّ يكونَ ممّا يَقعُ مبتدأ، إنّما حكمُهُ أنْ يكونَ تابعًا لشيءٍ كالفاءِ، فبهذا يُسْتَدَلُّ على أنَّ (إذا) هذه هي الَتي للمفاجأة. قال: وزعم أنّه لا يحسُنُ في الكلام (إن تأتِني لأفعلَنَّ)، منْ قِبَل أنَّ (لأفعلنَّ) تجيءُ مُبتدأةً، ألا ترى أنّ الرجلَ يقولُ: لأفعلنَّ كذا وكذا، فإنْ قُلْتَ: إنْ أتيْتَني لأكرمنّك، وإنْ لم تأتِني لأغُمَّنَكَ جاز لأنّه في معنى لإنْ أتيتني لأكرمنّك، وإن لم تأتني لأغُمّنَّك. فلا بدّ مِنْ هذه اللاّم مُضْمَرَةً، (يعني اللامَ الدّاخلة على هذا الشَّرْط) أو مُظهرة لأنّها لِليمين، كأنّك قُلتَ: والله لإن أتَيتني لأكرمنّك. قال أبو علي: قولُه: لأنّها لليمين، أي دخَلَتْ مِنْ أجلِ اليمين، لا أنّها هي التي يعتمدُ عليها القَسَمُ، قال تعالى: "وإن لم ينتهوا عمّا

يقولون لَيَمَسَّنَّ الذين"، وقال: "لإن لم تنته لأرجُمَنَّك". قال: فإن قلت: لإن تفعلْ لأفعلَنَّ، قَبُحَ، لأنّ لأفْعلنَّ على أوّل الكلام. قال أبو علي: يعني قولُه: على أوّل، أي تقديرُه أن يقع قبلُ لأنْ ويكون مبتدأ. قال: ولا يحْسُنُ (إنْ تأتِني آتِيكَ) مِنْ قِبَلِ أنَّ (إنْ) هي العاملةُ، وقد جاء في الشّعر: إنَّك إنْ يُصْرَعْ أخوك تُصْرَعُ قال أبو علي: قوله: (يُصْرَعْ) ليس بجواب للشّرط، لو كان جوابًا له لكان مُنْجزِمًا، وإنّما النّية فيه التّقديمُ، كأنّه قال: إنّك تُصْرَعُ إنْ يُصْرَعْ أخوك تُصْرَعْ، فاجتزأ بقوله: يُصْرَعُ المرفوع عن أن يذكر (يُصْرَعْ) مجزومًا

هذا باب ما يكون فيه الأسماء التي يجازى بها بمنزلة الذي

جوابًا للشّرط فأضْمَرَ، كما اجْتزأ بقوله: والمرءُ عند الرُّشا إنْ يَلْقَها ذِيبُ عنْ أن يذكرَ لقوله (إنْ يلقَها) جوابًا، فأضمره كما أضمر في البيت الأوّل، وكما أضمر في قوله: "أنت ظالمٌ إنْ فعلت" الجوابَ لتَقديمِ "أنت ظالمٌ" عليه والاجتزاءُ عن الجوابِ به. **** هذا بابُ ما يكون فيه الأسماءُ التي يُجازى بها بمنزلة الّذي قال أبوعلي: (مَنْ) إذا جازيْتَ بها كان بمنزلة (إنْ)، ولا يجوزُ أنْ تقولَ: (كان إن يأتِني آتِه)، لأنَّ الفعلَ لا يرتفع به (إنْ) وما بعدَه، فكذلك لا يرتفع به (مَنْ) وأخواتها إذا كُنَّ بمعنى (إنْ)، وإذا لم يَجُزْ أنْ يرتفعَ (إنْ ومَنْ) وما أشْبَهه من الفعل خلا الفعل مِن الفاعل فلم يَجُزْ.

وحُكمُ (إنْ) في أنّه لا يجوزُ أنْ يعملَ في مَنْ، وأنْ ينقطعَ منه حكمُ (كان)، وقال تعالى: "أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا"، وليس هذا، أي قولُ الشّاعر: فلو أن حُقَّ اليومَ ... .... قَوِيّ في الكلام كقُوَّة ألا تقولُ. قال أبو العباس: يعني إنّ (حُقَّ اليومَ) لا يَقوى في الكلام كقُوة (إنْ) إذا خُفِّضَتْ فَوَلِيَت الفعلَ، وكانت (لا) في الكلام لا تصير عوضًا من الإضمار، (وإنْ) مُخفّفة، والمُثقّلة لا يُضمَرُ فيها إلاّ اضطرارًا. قال سيبويه: فمِنْ ذلك: أتَذْكُرُ إذْ مَنْ يأتينا نأتيه. قال أبو العباس: غَلِطَ سيبويه في هذا الباب، ووافقَه عليه أبو

إسحاق الزّياديّ. قال أبو علي: ذهب أبو العباس والزّيادي إلى أنّ الجزاءَ لا يمتنعُ بعد هذه الحروف كما امتنع بعد (إنّ وكان)، لأنّ (إنّ وكان) يختصّان بالدّخول على الأسماء والعمل فيها، فلا مَدْخَلَ لدخولهما في الأفعال وفيما يعملُ فيها ولا يدخلان على ما كان من الأسماء قائمًا مقام الحروف العاملة في الأفعال، كما لا تدخل على الحروف أنفسِها. وأمّا (إذْ) فليس كذلك، لأنّه لا يختصّ بالدّخول على الأسماء والعمل فيها دون الأفعال كما كان ذلك في (إنْ وكان)، ألا ترى أنّك تقول: (كان هذا إذْ قام زيدٌ، وإذْ زيدٌ منطلقٌ)، فلا يمتنع من الدّخول على واحدةٍ منهما، وإلى هذا ذهب أبو العبّاس. فأمّا في قوله: (وما مَنْ يأتينا فنحن نأتيه)، فإنْ كانت الحِجازيّة لم يجز الجزاءُ بعدَها ألبتة كما لم يجز بعد ليس، (وكان) لأنّها لا تدخلُ إلاّ على الأسماء كما أنَّ (ليسَ) لا تدخلُ إلاّ على الأسماء لأنّ (ما) ليس بفعلٍ، فلا يُضمَر فيه كما يُضمَرُ في (ليس) المرفوع. وإنْ كانتِ التَّميميّة، جاز الجزاءُ بعدها لأنّها لا تمتنع مِن الدّخول على الأفعال في

مثلِ قولك: ما يقومُ زيدٌ، فهذه (الاسمُ والفِعل جميعًا)، كما لا تمتنِعُ ألفُ الاستفهام مِن الدّخول عليهما. قال: وتقول: (أتذكُرُ إذْ نحنُ مَنْ يأتِنا نأتِهِ)، فنحنُ فَصَلتْ بين إذْ ومَنْ كما فَصَلَ الاسمُ في كانَ بين كان وَمَنْ. قال أبو علي: نَزَّلَ (إذْ) منزلةَ (كانَ وإنَّ) في أنَّ الجزاءَ لا يكون بعدَه كما لا يكون بعدهما، فإذا فُصِلَ بين (إنّ وكان) باسمٍ جاز أن يقعَ الجزاءُ بعد الاسم الذي يرتفعُ أو ينتصِبُ (بإنَّ وكان)، فكذلك إذا فُصِلَ باسمٍ بين (إذْ) والجزاء جازَ وقوعُ الجزاء بعد الاسمِ الفاصلِ بين الجزاء وإذْ، كما جاز ذلك في (إنَّ وكان). قال: وإذْ وأشباهُها لا يقعن هذه المواقع، ولا يكون الكلامُ بعدها إلا مبتدأ. أي لا يكون لغوًا ولا زائدًا ولا بمنزلة ما ليس في الكلام.

قال: وسَمِعْناهم يُنشِدون: وما ذاك أنْ كان ابنَ عمّي ولا أخي ... ولكنْ متى ما أمْلِكِ الضَّرَّ أنْفَعُ والقوافي مرفوعةٌ، كأنّه قال: أنْفَعُ متى ما أملِكُ الضُّرَّ، ويكونُ (أملكْ) على متى. قال أبو علي: يقول: (أملكْ) منجزم بمتى، و (أنْفعُ) النّيّة به التّقديم كأنّه قال: ولكنْ أنا أنْفعُ متى ما أملكُ أنفعُ، وهذا مثلُ قوله: إنّك إنْ يُصْرَعْ أخوك تصرعُ قال: وأمّا قولُه تعالى: "وأمّا إن كان مِن أصحاب اليمين، فسلامٌ لك". فإنّما هو كقولك: أمّا غَدًا فلك ذاك, حَسُنَتْ لأنّها لم يُجزَمْ بها كما حَسُنَتْ في قوله: أنتَ ظالمٌ إنْ فَعَلْتَ. قال أبو بكر: يعني أنَّ الفاءَ في (فَسلامٌ)، دخلتْ من أجل (أمّا)،

لا من أجل (إنْ) كما دخلت في قولك: أمّا غدًا فلك ذاك. قال أبو علي: قولُه: وحسُنَتْ لأنّه لم يُجزَمْ بها كما حَسُنَتْ في قوله: (أنت ظالمٌ إنْ فعلتَ)، أي حَسُنَ ألاّ يأتي لقوله تعالى "إن كان من أصحاب اليمين" جوابٌ في اللفظ لأنه غير منجزم، كما أن قولك: أنت ظالمٌ قد دلَّ متقدّمًا على الجملة التي تكون جوابًا للشّرط، فكذلك قوله تعالى. وأمّا مع ما اتّصل به يَدُلُّ على الجملة التي تكون جوابًا، كما دَلَّ أنت ظالمٌ عليه، كأنّك قلت: مهما يكنْ من شيءٍ فسلامٌ لك إنْ كان من أصحاب اليمين فسلامٌ لك، إلاّ أنّك استغنيت عنه للدّلالة عليه بما تقدَّم ولم يكن الشّرطُ مُنجزِمًا. في الكتاب: وأبو الحسن يراه جوابًا لهما جميعًا، ولا يُجيزُ ذلك.

أي لا يُجيزُ حذفَ الفاء إذا جَزَمَ لأنّه لا يخْلُصُ الجوابُ للجزاء. قال أبو علي: قولُ ابي الحسن في المعنى يرجعُ إلى تقدير سيبويهِ لأنّ الفاءَ إذا صار جوابًا، لأنّ (أمّا) لا بُدّ لها في الكلام من جوابٍ و"إنْ" قد يُحْذَفُ جوابُها في الكلامِ مثلَ قولِك: أنت ظالمٌ إنْ فعلْتَ، فكان قولُه: أراه جوابًا لهما جميعًا، أي إنَّ الفاءَ جوابٌ لأمّا، وأمّا مع الفاء جوابٌ لإنْ، ولا يجيز ذلك إذا جزم كأنّه قال: أمّا إنْ يكن من أصحاب اليمين فسلامٌ لك، لم يُجزه، لأنّه قد جزم الفعل ولم يأت له بجوابٍ مجزومٍ، وهذا لا يجوز في الكلام، إنّما يجوزُ في ضرورة الشعر. والفاءُ لا يجوزُ أنْ تكون جوابًا للفعل المجزوم، لأنّك لو جعلتها جوابَه لم تأتِ لأمّا بجوابٍ، وهذا قبيحٌ في الكلام غيرُ جائز فيه، فإذا لم يُجزَم الفعلُ الذي هو شرطٌ فقُلْتَ: أمّا إنْ كان من أصحاب اليمين فسلامٌ، كان حسنًا، وصار (أمّا) مع ما يتّصلُ به جوابًا لإنْ، إذْ لم يجيءْ شرطُها.

هذا باب إذا ألزمت فيه الأسماء التي يجازى بها حروف الجر لم تغيرها عن الجزاء

هذا بابٌ إذا ألزمْت فيه الأسماءَ التي يُجازى بها حروفَ الجر لم تُغَيّرْها عن الجزاء وذلك: على أيّ دابّة أحمل أركبْهُن وبِمَنْ تُؤْخَذْ أؤْخَذْ به، هذا قولُ يونس والخليل جميعًا، فحروفُ الجَرِّ لم يُغيِّرْها عن حال الجزاء كما لم يغيرها عن الاستفهام، وذلك لأنّ الفعلَ إنّما يصلُ إلى الاسم بالباء ونحوِها، والفعلُ مع الباء بمنزلة فعلٍ ليس قبلَه حرفُ جر ولا بعدَه. قال أبو علي: الفعلُ الذي قبلَه حرفُ جر يَصِلُ به إلى الاسم نحوُ: بزيدٍ مررتُ، والفعلُ الذي يصلُ بإضافةٍ كالفعلِ الذي يصلُ لا بإضافةٍ، لأنَّ الفعلَ يصلُ بالجرّ إلى الاسم، كما يصلُ غيرَه رافعًا وناصبًا. قال أبو علي: (غيرُهُ) أي غيرُ هذا الفعلِ ناصبًا في قولك: (ضربْتُ زيدًا)، ورافعًا في مثل (قام زيدٌ)، فالجرّ هنا نظيرُ النّصب في غيرِه. قال أبو علي: المُوازَنة هنا بين الفعل الذي يصل بحرف جرّ وبين الفعل الذي يصل بلا حرفٍ، لأنّ كُلَّ واحدٍ من المجرور والمنصوب بعد تمام الكلام والمجرور في موضع نصب فهو كالمنصوب وإنْ كان جَرًّا. قال: فإنْ قُلْتَ: بمَنْ تَمُرُّ به أمُرُّ، وعلى أيِّهم تَنْزِلُ عليه أنزلُ، وبما تأتيني به آتيك، رَفَعْتَ، لأنّ الفعلَ إنّما أوْصَلْتَه إلى الهاء بالباءِ

الثانية، والباءُ الأولى للفعل الآخِرِ، فتُغيّر عن حال الجزاءِ كما تُغيّر عن حال الاستفهام. قال أبوعلي: إنّ الباءَ في (بمَنْ) لأمُرُّ، كأنّك قلت: (أمرُّ بمن تَمُرُّ به)، وكانت الأولى في الجزاء للفعل الأول، وفي قولك (بمن تمر به أمرُّ) لا تكون إلاّ للفعلِ الآخِرِ، لأنّك لوْ جعلْتَه للأوّل كان مُحالاً وذاك أنّ الفعلَ قد يُضافُ بحرفَيْ خفضٍ، وهذا لا يكونُ. وممّا يدُلُّ على أنَّ الجزاءَ لا يكون في قولك: بِمَنْ تَمُرُّ به أمُرُّ أنَّ التقديرَ بقولك: (أمُرُّ)، وإنْ كان مُؤَخَّرًا في اللفظ التَّقَدُّمُ كأنّك قلت: أمُرُّ بمن تمرُّ به، فَمَنْ مُتعلِّقٌ بأمُرُّ الذي قبله والجزاءُ لا يكون متعلقًا بما قبله، إنّما يكون منقطعًا منه، كما أنَّ حروفَ الخفض في قولك: بمَنْ تَمُرُّ في الجزاء للفعل الأوّل، فكذلك في الاستفهام في قولك: بِمَنْ تَمُرُّ لهذا الفعل. فإذا قلتَ: تَمُرُّ به، لم يكنْ بُدٌّ مِنْ أنْ تكون هذه الباءُ الأولى لغَيْر (تَمُرُّ)، كما كانت في الجزاء كذلك، لأنَّ الاستفهامَ ينفصِلُ مِمّا قبلَه انفصالَ الجزاءِ مِمّا قبلَه. قال: فصارت بمنزلة الذي، لأنّك أدْخلت الباءَ. يريد الباء الثانية في اللفظ، وهي التي في (به) للفعل، حين أوْصَلْتَ الفعل الذي يلي الاسم بالباء الثانية إلى الهاء، فصارتْ

الأولى، يريد: الباء الأولى. قال: وقد يجوز أنْ تقول: بِمَنْ تَمُرُّ أمْرُرُ، وعلى مَنْ تنزلُ أنزلُ إذا أردْت معنى عليه، وبه. وفي كتاب القاضي: وقد يجوز أن تقول: بمَنْ تَمُرُّ أمُرُّ، وعلى مَنْ تنزلُ أنزلُ، إذا أردتَ معنى (عليه وبه)، وليس بِحَدِّ الكلام. قال أبو علي: يجوز الجزمُ في (أنزِلُ)، على أن يكون (على) للفعل الأوّل الذي هو شرطٌ، والفعلُ الثاني الذي هو جوابٌ قد حُذِفَ حرفُ الخفضِ منه، لدلالة الفعل الأوّل عليه، وليس هذا بالقويّ، وهو يذكُرُه بعد هذا. والذي في نُسْخة القاضي على أن يُحْذَفَ من الصِّلة، وحذفُ حرف الخفضِ وما يتّصلُ به مِن الضّميرِ يَصِحُّ مِن الصِّلَة، وإنّما يُقَدّرُ اتّصالُ الفعلِ بالهاءِ، ثم تُحْذَفُ الهاءُ، فكأنّك إذا قلت: على مَنْ تنزلُ أنزلُ، قلت: أنزلُ على مَنْ تنزلُ عليه، فحذفتَ عليه، فوُصِلَ الفعلُ، وصار

بمنزلته، فحُذفت الهاء من الصّلة. قال: وليس بِحَدّ الكلام، وفيه ضَعْفٌ، ومثل ذلك قولُ الشاعر: إنّ الكريمَ وأبيك يعْتَمِلْ إنْ لم يجد يومًا على مَنْ يتَّكِلْ يريدُ يَتَّكِلُ عليه، ولكنّه حذَفَ وهذا قول الخليل. قال أبو العبّاس: (على) الأولى على هذا لا معنى لها، وإنّما المعنى إنْ لم يجدْ شيئًا، ثم ابتدأ مُسْتفهمًا (على مَنْ يَتَّكِلُ). قال: في الاستفهام نحو: غُلامَ مَنْ تضرِبُ؟ ألا ترى أنَّ كينونةَ الفعلِ غَيْرَ وَصْلٍ ثابِتَةٌ.

قال أبو علي: يعني أنّ الفعل في الاستفهام ليس بصلة، كما أنّ الفعل في الجزاء غير صلة. قال أبوعلي: قد تقدّم قبل هذا الباب أنّ العوامل التي تختصُّ بالدُّخول على الأسماء لا تكون المجازاةُ قبلها، لأنّها من المواضع التي لا يقع فيها (إنْ) وحيث لا يجوز وقوع (إنْ) لا تجوز المجازاةُ، فلا يجوز أن تقول: (إنْ مَنْ يأتني آته) مِنْ حيثُ لا يجوزُ (أنَّ إنْ تأتني آتِك)، وحروف الجر ممّا تدخل على الأسماء فتعملُ فيها، ولا يجوز وقوعُ (إنْ) بعدها، كما لا يجوز وقوعها بعد (أنّ وكان) لا يجوز إنْ تأتني آتك، كما لا يجوز ذلك في (أنّ)، إلاّ أنَّ الأسماء التي يُجازى بها إذا دخَلَ عليها حروفُ الجرّ لم تُخرجْها مَنْ أنْ تكون جزاء كما تُخرجُها (أنّ وكان) إذا دخلتا عليها مِنَ الجزاء. فإنْ قيل: ولِمَ ذلك؟ فالجوابُ أنَّ الضّرورةَ أدّت إلى أنْ يُجازَى بهذه الأسماء مع دخول الجارّ عليها، وذاك أنّ حروف الجرّ لا تخلو في الاسم الذي يُجازى مِنْ ثلاثة مواضِعَ، إنّما تتقدّمُ الاسمَ الذي يُجازَى به مع حروف الجرّ على الفعل الذي يُوصِلُه الحرف إلى الاسم، كقولك: (بِمَنْ تَمْرُرُ)، وإمّا أنْ تُؤَخِّرَ الاسمَ مع الحرفِ وتُقَدِّمَ الفعلَ الذي هو شرطٌ، فتقول: تَمْرُرْ بمَنْ؟ وإمّا أن تُقدّم الاسم الذي يُجازى به مُعَرّى من الحروف، وتؤخرَ الفعلَ، وتجعلَ الحرف يلي الفعلَ مُعَلّقًا، كقولك: مَنْ تَمرُرْ به، فَيبْطُلُ أنْ تُؤَخِّرَ الاسمَ الذي يُجازَى به مع الحرف، وتُقَدّمُ الفعلَ مِنْ

جهاتٍ منها: أنّك تُقدّم الفعلَ والجازمةَ بعده، ومنها: أنّ الجزاءَ إذا أخّرْتَه عن الصّلةِ بَطَلَ معناه، ويُفَسّر أيضًا أن تقدّم الاسم الذي يُجازى به ويُجعلَ حرفُ الجرّ يلي الفعلَ مُعَلَّقًا، لأن حروفَ الجر لا تُعَلَّق، ولا تكون إلاّ مُتَّصِلَةً بما تَجُرُّه، فَبَقِيَ الوَجهُ الذي قدَّمْنا، أعني أنْ تُقدِّمَ الاسمَ الذي يُجازى به متّصلاً به حرفُ الجرّ، وموضعُ الباء مع ما عمل فيه نصْبٌ بالفعل الذي هو شرطٌ، كما أنّك إذا قلتَ: مَنْ تضربْ أضربْ فموضعُ مَنْ نصبٌ بتضربْ، فكذلك الباءُ في قولك (بمَنْ تمرُرْ)، وصل الفعلِ الذي هو شرطٌ إلى (مَنْ) وصار موضعُ الباءِ مع (مَنْ) نصبًا، كما أنَّ موضعَ (بزيدٍ) في (مَرَرْتُ بزيدٍ) نصبٌ، والمضافُ إليه تَقَدَّمَ مِنْ حيثُ قُدِّمَ حرفُ الخفض، تقول: غُلامَ مَنْ تضْرِبْ أضْرِبْ، فتقدّم (غلام) وهو معمولُ الفعل الذي هو شرطٌ، لأنّه لا يجوزُ أنْ تُؤخِّرَ المضافَ، وتُقدّم المضاف إليه لو قلت (مَنْ تَضْرِبْ غلامَ أضربْ)، لم يجُزْ، كما لم يجز ذلك في حرف الخفض.

هذا باب الجزاء إذا أدخلت فيه الألف للاستفهام

هذا بابُ الجزاء إذا أدْخلتَ فيه الألفَ للاستفهام وذلك قولُك: أإنْ تأتِني آتِك، ولا تكتفي بمَنْ، لأنّها حرفُ جزاءٍ. قال أبو علي: يقول: لا يُكْتفى بِمَنْ في الجزاءِ عن الألف كما كنت تكتفي بها عن ألف الاستفهام، لأنّها في الجزاء بمنزلة (أنْ)، فكما لا يُكْتفى بأنْ عن الألف، كذلك لا يُكْتفى بِمَنْ إذا كانت بمنزلتها. قال: وإنّما الألف بمنزلة (الواو والفاء ولا) ونحو ذلك، لا تُغَيّر الكلام عن حاله، وليست (كإذْ وهَلْ). قال أبوعلي: قولُه: وليست كإذْ، أي أنّ ألفَ الاستفهام ليست كإذْ، فيقبُحُ الجزاءُ بعدَه، كما قَبُحَ عندَه بعد (إذْ)، لأنَّ ألفَ الاستفهام تدخل على الاسم والفعل جميعًا، كما تدخُلُ الواوُ والفاءُ. قال: ولا يجوزُ ذلك في هلْ وأخواتِها. قال أبو العباس: لأنَّ هَلْ لاستقبال الاستفهام. قال: ولَوْ قُلْتَ: هل مررْتَ بزيدٍ؟ كُنتَ مُسْتَأنِفًا، ألا ترى أنَّ الألفَ

لَغْوٌ. قوله: لَغْوٌ، أيْ لمْ تُغَيّرْ ما دخلتْه عمّا كان عليه. قال: فإن قيل: فإنّ الألفَ لا بُدّ لها مِن أنْ تكون معتمدةً على شيء، فإنّ هذا الكلام (يعني الشّرطَ بجزائِه) مُعتمِدٌ لها، كما يكون صلةً للذي، إذا قلت: (الذي إنْ تأتِه يأتِك زيدٌ)، فهذا كلُّه وَصْلٌ، فإنْ قال: (الذي إنْ تأتِه يأتيكَ زيدٌ)، وجعل يأتيك صِلة الذي (قلتَ: تقديرُه: الذي يأتيك إنْ تأتِه، فيَسْتغني بيأتيك عَنْ جواب إنْ تأتِه وإذا كان كذا، فقَدْ فَصَلَ بين الصّلة والموصول بقوله: إنْ تأتِه، وإنْ كان هذا الفاعِلُ مِنْ سَبَب يأتيك، وفاعِلُ يأتيك الضَّميرُ العائِدُ إلى الذي) لم يجدْ بُدًّا مِنْ أنْ يقول: أنا إنْ تأتني آتِيك، (أي تُقَدّر آتيك مُقَدَّمًا، يعني عن جواب الشّرط المُنجزِم)، لأنَّ (أنا) لا يكون كلامًا حتى يُبنى عليه شيءٌ. قال: وأمّا يونسُ فيقولُ: إنْ تأتِني آتيك، وهذا قبيحٌ يُكْرَهُ في الجزاء وإنْ كان في الاستفهام. قال أبو علي: كان في الاستفهام إذا لم يكن معه شرطٌ منجزمٌ حسنًا. قال أبو علي: كان يونسُ يذهبُ إلى أنّ الاستفهامَ لا يجوزُ أن يعتمدَ إلاّ على ما لمْ يعملْ فيه شيءٌ، وليس يجوزُ أن يعتمد على الاستفهام إلاّ

ما لم يعمل فيه شيءٌ، فألزمَه ألاّ يجعل صلة (الذي) خبر المبتدأ إلا ما لم يعمل فيه شيءٌ. قال: وقال عزَّ وجلَّ: "أفإن مِتَّ فهم الخالدون"، لو كان ليس موضعَ جزاءٍ قَبُحَ فيه (إنْ). قال أبو علي: يُفْسِدُ قولَ يونس أن الجزاء لا يعتمدُ على ألف الاستفهام قول الله عز وجل: "أفإن مت فهم الخالدون) فقوله: (إنْ) معتمدٌ على ألف الاستفهام، والفاءُ جوابُ الشّرْط، ولا يجوز أن يقدر بقوله: (فَهُم) التَّقديم، كأنّه (فهم الخالدون إن مِتَّ)، كما قُدِّرَ في إنْ تأتني آتيك: (آتيك إن تأتِني)، لأنّه لو قدّر {في} الآية هذا التقدير لصارت الفاءُ الأولى لغوًا لا معنى لها، وإنّما الفاء الأولى دخل عليها ألفُ الاستفهام كما دخلت على الواو في قوله "أوَ أمِنَ أهلُ القرى" والثانيةُ جوابُ الشّرط، لأنّ الجملةَ التي هي جوابُ الشّرط مِن مُبتدأ وخبر، فهذه الآيةُ ليس يجوزُ فيها أنْ يعتمدَ الاستفهامُ إلا على ما عَمِلَ فيه (إنْ) الجزاء، فهذا يَرُدُّ قولَ يونسَ.

هذا باب الجزاء إذا كان القسم في أوله

هذا بابُ الجزاء إذا كان القسمُ في أوله: قالك فاليمين لا تكون لغوًا كَلا والألف. أي: لا يجوز أنْ يعتمدَ اليمينُ على الجزاء كما جاز أن تعتمد عليه في الباب الذي قبل هذا، وهو قولُك: أإنْ تأتني آتِك، ولا إنْ تأتِنا أعطِكَ، كما قال: ولا مَنْ يأتِها يتَدَسَّمِ قال: واليمينُ ليست كذا. أي لا تكون اليمينُ لغوًا إذا كانت متقدّمةً، إنّما تُلْغى إذا وَقَعَتْ بين كلامٍ غير مُبتدئِها. قال: وتقول: أنا والله إن تأتني لا آتِك.

هذا باب ما يرتفع بين المجزومين وينجزم بينهما

يريد: أنّ (لا) في المسألة الأولى ليست جواب القسم، إنّما هي لنفي الجزاء، ولو كانت تلك جوابَ القَسَم لارتفع بعد (لا)، ولدخلت اللامُ والنّونُ في الجواب إذا كان مُوجَبًا، فقلت: أنا والله إنْ تأتِني لا آتيك. قال: وتقول: والله إن أتيتني آتيك، وهو معنى لا آتيك، فإنْ أردْتَ أنَّ الإتيانَ يكون فهو غيرُ جائزٍ. أي غير جائز حتى تدخل اللام والنون فتقول: لآتينّك. ***** هذا باب ما يرتفع بين المجزومَيْن وينجزم بينهما متى تأتِنا تُلمِمْ بنا ... جازَ البدلُ لأنّ الإلمامَ ضَرْبٌ مِنَ الإتيان. قال: لأنّ القول ليس بالإتيان، إلاّ أنْ يُجيزَه على ما جاز عليه

تمثيلُنا. أي: المسألة التي أجازها الخليل على الغَلَط. قال: وسألتُ الخليلَ عن قوله: إنْ تأتِني فتُحدِّثَني أحدثْك، والجزمُ الوَجْهُ. قال أبوعلي: النَّصْبُ في الفاء تكون في غير الواجب في ضرورة الشعر إنْ تأتني (تأتني) فعلٌ غيرٌ واجبٍ، كما أنَّ (ما تأتِني) فعلٌ غيرُ واجبٍ، فحَمَلَ الفعلَ بعدَ الفاءِ على (أنْ)، فنَصَبَ وعَطَفَ على المصدر الفعلَ كأنّك قلت: إنْ يكنْ إتيانٌ فحديثٌ أحدّثْك، ... ومَنْ لا يُقَدّم رِجْلَهُ.

قال أبو علي: تقديره: مَنْ لا يكنْ منه تقديمٌ لرِجْلِه، فإثباتٌ لها يَزْلقِ. قال في ثُمَّ: لم يجعلوها بمنزلة الفاء والواو في نصب الفعل، ولكنّها تُشْرِكُ ويُبْدأ بها، يريد، يُقْطَعُ ما عبدها مِمّا قبلَها. قال: ولا يَحْسُنُ الابتداءُ، لأنّ ما قبلها لم ينقطعْ. قال أبو علي: لأنّ الشّرْطَ لا يَتِمُّ إلاّ بالجزاء. قال: قولُه تعالى "ويُكَفِّرْ عنكم من سيئاتكم" الرفع ها هنا

وجهُ الكلام، وهو الحَدُّـ، لأنّ الكلامَ الذي بعد الفاء جرى مَجْراه في غير الفاء. قال أبو علي: يريد إنّه خبرُ مُبتدأ محذوف كأنّ المعنى: نحن نُكَفّرُ فتعطف جملة مِن مُبتدأ وخبرٍ على جُملة من مبتدأ وخبر. قال: في قراءة مَنْ قَرَأ "ويذرهم في طغيانهم يعمهون" إنّه حَمَلَ الفعلَ على موضع الكلام في موضعٍ يكون جوابًا، لأنّ أصلَ الجزاء الفعلُ. أي يكون جوابًا للشّرطِ، فالفاءُ مع ما قبلَه في موضع فعلٍ مجزومٍ بالجواب، وقد صَرَّح ها هنا أنَّ أصل الجزاءِ الفعلُ، كما رأيت. فالأصلُ الفعلُ، والفاءُ داخلةٌ عليه، وإنّما تدْخُلُ إذا كان الجوابُ كلامًا مِنْ مُبتدأ وخبر، ولذلك جَزَمَ "نَذَرْهم" لأنّه حُمِلَ على موضع فعلٍ مجزومٍ.

هذا باب من الجزاء ينجزم فيه الفعل إذا كان جوابا لأمر أونهي أو استفهام أو تمن أو عرض

قال: وإنْ كان معناه كمعنى ما قبله. أي كمعنى قوله: وألحَقُ بالحجاز فأستريحا ***** هذا باب من الجزاء ينجزم فيه الفعل إذا كان جوابًا لأمرٍ أونهيٍ أو استفهامٍ أو تَمَنٍّ أو عَرْضٍ فأمّا الجَزْمُ بالأمر فقولُك: ائتني آتِك. قال أبو علي: الشّرطُ في هذا الباب يُحذف لدلالة ما قبل الجزاء

عليه كما حُذِفَ الجواب في مثل: أنت ظالمٌ إنْ فعلْتَ، لدلالة، أنتَ ظالمٌ على الجزاء، وذلك أنَّ تقدير قولك: ائتني آتِك، ائتني فآتك إن تأتني آتِك، فدَلَّ ائتِني على إنْ تأتِني، كما دَلَّ (أنت ظالمٌ) ونحوُه على الجزاء. قال أبو بكر: الأمر والنهيُ يشتركان في الإرادة، ويفترقان في أنّ الأمر إرادةٌ بتكليف، والنهي إرادة بلا تكليف. قال: ومِمّا جاء من هذا في القرآن وغيره قوله عزّ وجلّ "هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم، تؤمنون بالله"، فلَمّا انقضت الآيةُ قال "يغفرْ لكم". قال أبو إسحاق: قال بعض النحويين: إنّ قولَه: (يغفرْ لكم) جوابٌ لقوله: "هل أدُلُّكم"، وهذا خطأ لأنّه ليس بالدّلالة تجب المغفرة، وإنّما قولُه عزّ وجلّ "يغفرْ لكم" جوابُ (تؤمنون)، وهو أمْرٌ على لفِ الخَبَر. قال أبو العباس: يكون (تؤمنون) في معنى (آمِنوا بالله) أمرًا كما

تقول: (يقومُ زيدٌ)، أي لِيَقُمْ زيدٌ، وفي قراءة عبدِ الله (آمِنوا بالله)، فهذا يُقَوّي التأويلَ. قال: فإنْ كنت تريد أنْ تُقَدِّرَه أنّه قد فَعَلَ، فإنَّ الجزاءَ لا يكونُ لأنّ الجزاءَ إنّما يكونُ في غير الواجب. قال أبو علي: هذا إذا كان الاستفهامُ تقريرًا، كقوله تعالى: "أليس اللهُ بكافٍ عبدَه"؛ أنشد: كونوا كَمَنْ آسى أخاه بنفسِه ... نعيشُ جميعًا أو نموتُ كلانا كأنّه قال: كونوا هكذا إنّا نعيشُ جميعًا أو نموتُ كلانا (إنْ كان هذا أمرُنا) وزَعَم الخليلُ أنّه يجوزُ أنْ يكون (نعيشُ) محمولاً على كُونُوا، كأنّه قال: كونوا نعيشُ جميعًا أو نموتُ كِلانا.

قال أبو علي: (نعيشُ) على القول الأوّل رفعٌ بأنّه خبرُ مبتدأ، وعلى القول الثاني نَصْبٌ بخبر كان، وخبرُ كان على القول الأول "كمَنْ آسَى"، وعلى القول الثاني "كَمَنْ" لغْوٌ غيرُ مُستقِرّ. وقال أبو علي: كان التشبيه لِلْمُشَبَّه به، كأنّه مَحَلٌّ له على الاتّساع، وإنْ لم يكنْ مِنْ مكانٍ ولا زمانٍ على الحقيقة، كما أنَّ قولَك: زيدٌ ينظرُ في العلم فالعِلْمُ ليس بمَحَلٍّ لزيد على الحقيقة، كما أنّ الكِيسَ والبَيْتَ مَحلاّن في الحقيقة إذا قلتَ: الدّينارُ في الكيس، وزيدٌ في البيت. قال: وسألْتُه عن قولِه عزَّ وجلّ "قل أفغيرَ الله تأمرونِّي أعبدُ". فقال: (تأمرونّي) كقولك: هو يقولُ ذاك بَلَغَني، فبَلَغني لغوٌ، فكذلك (تأمرونّي)، كأنّه قال: (فيما تأمرونني) وإنْ شئتَ كان بمنزلة: احضُر الوَغَى.

قال أبو علي: الوجه الثاني ينتصب بتأمروني. قال أبو العباس: (غَيْرَ) مَنصوبٌ (بأعبدُ على القول الأوّل، وعلى القول الثاني وهو أنْ يُحْذَفَ (أنْ) من (أعبد) المنتصَبُ (بتأمرونّي)، ولا يجوزُ انتصابُه (بأعبد)، لأن (أعبد) في صلة (أنْ)، وغَيْر فِعْله، ولا يعملُ ما في الصّلة فيما قبلَ الموصول. قال أبو علي: (غير) على القول {الأول}، وهو أن تجعل (تأمرونّي) كاللغو، يُنتصَب (بأعبد)، كأنّه قيل: أفأعْبُد غيرَ الله فيما تأمرونّي، وعلى القول الثاني وهو أن تجعلَ (أعبُدُ) قد حُذِفَ منه (أنْ)، يُنْتَصَبُ (بتأمرونّي) كأنّه قيل: أفتأمرونّي غيرَ الله أنْ أعبدَ، فغَير مُنتَصبٌ بتأمرونّي، وأن أعبدَ بدل من غير، كأنّه قيل: أفتأمرونِ عبادةَ غيرِ اللهِ، كما أنّ قولَك: ضربْتُ زيدًا رأسَه، تقديرُه: ضربْتُ رأسَ زيدٍ.

هذا باب الحروف التي تنزل منزلة الأمر والنهي نحو: حسبك وكفيك، تقول: حسبك بشتم الناس.

هذا بابُ الحروف التي تُنَزَّلُ منزلةَ الأمر والنّهي نحوُ: حسبُك وكِفْيُكَ، تقولُ: حسبُك بشتمِ النّاس. قال: سألتُ الخليلَ عن قوله تعالى "فأصَّدَّق وأكنْ مِنَ الصالحين". فقال: هذا كقول زُهَيْرٍ: .... ولا سابِقٍ شيئًا.

قال أبو علي: يُريدُ: ومِثْلُه في الموضع لا في الجودة، وتقديرُ الآية: لولا أخَّرْتَني إلى أجلٍ قريبٍ أصَّدَّقَ، (فلَوْلا) حرفٌ فيه معنى التحضيض، فلذلك وَجبَ أنْ يكونَ الفعلُ بعده مُنْجَزِمًا كما انْجزمَ بعد الأمر. وقولُه: (فأصَّدَّقَ) وَقَعَ موقعَ فعلٍ مجزومٍ، و (أكُنْ) على موضع (فأصَّدَّقَ) كما حَمَلَ مَنْ قرأ "ويذَرْهُم" على موضع الفاء مع ما بعدَه، وهو قولُه: "فلا هادِيَ له". قال: ومثلُه مِنَ النَّهْي: لا يَرَينَّكَ، النّهيُ للمتكلّم في اللفظ، وهو في المعنى للمُخاطَب، كأنّه قال: لا تكونَنَّ هاهُنا، فإنَّ مَنْ كان ها هنا رأيْتُهُ. قال: ومِثْلُ ذلك قولُ الله تعالى "ولا تَموتُنَّ إلاّ وأنتم

مسلمون" لَمْ يَنْهَهُمْ عن الموت، ولكنّه أراد: اثْبُتُوا على الإيمان، لِيُدْرِكَكُم الموتُ وأنتم مُسلمون. قال: وسألتُه عن قوله: أمّا أنتَ منطلِقًا أنطلقُ معك، فرَفَعَ، وهو قولُ أبي عمروٍ، وحدّثنا به يونس. قال أبو علي: (أنْ) هذه هي النّاصِبَةُ للفعل وما عُوّضَ مِنَ الفعل، و (أنت) مُرتفعٌ بالفعل الذي صار (ما) عِوَضًا منه، وهو (كان) والتقديرُ: أنْ كنتُ منطلقًا، إلاّ أن (ما) لَمّا صار عِوَضًا مِنَ الفعل، لم يَجُزْ أن يجتمعَ الفعلُ معه، كما لا يجوزُ أنْ يدخُلَ فعلٌ على فعلٍ، وحَكى أبو عُمَر في كتابه عن بعضِ العلماءِ أظُنُّه الأصْمعي أنّه حكى الجزاءَ (بأمّا)، قال: ولمْ يَحكِه غيرُه. قال: وسألتُه عن قوله: ما تدومُ لي أدومُ لك، فقال: ليس في هذا جزاءٌ مِنْ قبل أنَّ الفعلَ صلةٌ (لما)، فصار بمنزلة (الذي). أي: في أنّه موصولٌ كما أنّه موصولٌ.

قال: ويدُلُّك على أن الجزاء لا يكون ها هُنا أنّك لا تستطيع أن تستفهم (بما تدومُ) على هذا الحَدِّ أي لا يجوزُ أن يُسْتفهَمَ به وهو مصدرٌ. قال أبو علي: موضع (ما) عندي نصبٌ على الظَّرْف، كأنّه قال: أدومُ لك دوامَك لي، أيْ وقتَ دوامِك، فحَذَفَ الوقت، وأقام الدَّوامَ مَقامَه، كما حُذِفَ وقتٌ مِن قولِك: حيثُ مقدَم الحاجّ. قال: ومِثْلُ ذلك: كُلَّما تأتيني آتيك، فالإتيانُ صِلَةٌ لِما، كأنّه قال: كُلُّ إتْيانِك آتيكَ (وكُلّما تأتيني)، يقعُ أيضًا على الحينِ، كما كان (ما تأتيني) يقع على الحين، ولا يُستفهَمُ بِكُلَّما، كما لا يُسْتَفْهمُ بما تَدُومُ. قال أبو علي: قوله: لا يُسْتَفهم بكُلّما، يريدُ: إذا كان (كُلّ) مُضافًا إلى (ما) الذي هو مع الفعل بمنزلة المصدر، يَدُلُّك على ذلك أنّه ذكر أوّل الفصل فقال: ومثلُ ذلك كُلّما، أي مثلُ (ما تدومُ لي أدومُ لك) في أنّ الجزاءَ لا يجوزُ فيه كما لم يجزُ في (ما تدومُ)، ومثَّلَه بالمصدر، فقال:

كأنّه قال: كُلُّ إتيانِك، فإنّما أراد بِكُلّما المضافَ (كُلّ) فيه إلى (ما) التي مع الفعل بتأويل المصدر كما قُدّم ذِكْرُه في أوّل الفصل، ولم يُرِدْ (كُلّما) المضاف إلى (ما) التي للاستفهام كما رَدَّ أبو العبّاس عليه في الغَلَط. قال: وسألتُ الخليلَ عن قوله تعالى: "حتى إذا جاءوها وفَتَّحتْ أبوابُها". قال أبو العباس: حذفُ الجواب في مثل هذه المواضع أفْخَمُ، لأنّ المخاطبَ يَتَوَهّمُ كُلَّ شيءٍ، فإذا ذُكِرَ شيءٌ بعينِه حَضَرَهُ فَهْمُه.

هذا باب الأفعال في القسم

هذا بابُ الأفعال في القَسَم قال: وزعم الخليلُ أنَّ النّونَ تَلْزَمُ اللامَ في قولك: إنْ كان لصالحًا، فإنْ بمنزلة اللام، واللام بمنزلة النون في آخر الكلمة. قال أبو علي: (إنْ) في قولك: (إنْ كان لصالحًا) بمنزلة النّون في (لأفْعَلَنَّ)، في أنّ كل واحدٍ منهما للتأكيد، وأنّ كل واحد منهما فاصلٌ بين شيئين لولاهما لالْتَبَسا، فاللامُ في (لَصالِحًا) فَصَل بين الإيجاب والنَّفي، والنُّونُ في (لأفْعَلَنَّ) فصَلَ بين فعلِ الحالِ والاستقبالِ. قال: فقُلْتُ: فَلِمَ ألْزَمْتَ النُّونَ آخِرَ الكلمة؟ (يعني لَيفْعَلنَّ) فقال: لِكَيْ لا يُشبه قولَه (ليَفْعَلُ)، (لأنَّ الرجلَ)، إذا قال هذا، فإنّما يُخْبِرُ بفعلٍ واقعٍ فيه الفاعِل أي للحال. قال أبو بكر: عن أبي العباس: لا يجوزُ أنْ يُحْلفَ على الفعل الذي في الحال على الحقيقة، لأنّه إلى أنْ يُحْلَفَ على ما في الحال قد انقضى الحالُ. قال أبو بكر: وهذا في الحقيقة هكذا، إلاّ أنّ العربَ إذا أرادوا الحَلْفَ على فعلٍ موجودٍ قد تقضَّتْ منه أجزاءٌ، وبقيت منه أجزاءٌ

قالوا: ليَفْعَلُ. قال: وسألتُه عن قوله عزّ وجلّ "وإذْ أخذ الله ميثاقَ النبيين" إلى آخر الفصل. قال أبو علي: اللامُ في "لَما آتيتُكم" إذا كانت (ما) بمنزلة الذي مثلُ اللامِ في (لَئِنْ)، لأنّه لمّا دَخَلَتْ لامُ القسم على ما يتعلَّقُ به دخلت هذه أيضًا، إلاّ أنّ التي في (لما) إذا كانت بمعنى (الذي) ليست التي في قوله (لإنْ فعلْتَ)، لأنّ التي في (لَما) لامُ الابتداء واللامُ التي تدخل على الاسم المبتدأ لا تدخل على الأفعال، وقد قدّما الفصل بينهما في غير هذا الموضع، والراجعُ مِن الصّلة إلى الموصول الهاءُ المحذوفة، كأنّه قال (لَما آتَيْتكُموه)، وخبرُ المبتدأ (لتُؤْمِنُنّ به) والرّاجعُ مِنْ خبره إليه الهاءُ في (به). وقد قيل: إنّ (ما) بمعنى الجزاء، و (لتؤمنُنَّ به) الجوابُ، وهذا مثلُ (لَئِنْ فعلْتَ لَيَفْعَلنَّ) وليستْ لامُ الابتداء التي كانت في (ما) إذا كانت بمعنى (الذي)، لكنّها الداخلةُ على الفعل، وموضع (ما) نَصْبٌ إذا كانت جزاءً بـ (آتيْتُكم) وموضع (آتيتُكم) إذا كان بمعنى الجزاء جزمٌ، لأنّه

في معنى (لَما آتِكم)، وإذا كانت (ما) بمنزلة (الذي) فلا موضعَ لـ (آتَيْتُكم)، لأنّه في صلة الذي، وما في صلة (الذي) لا موضعَ له، ألا ترى أنّ الفعلَ منها ليس بأولى من الاسم؟! وقد تصِلُ الموصولَ بالفعل والفاعل، وما رَجَعَ إليهما في المعنى كما تصله بالمبتدأ والخبر، فليس إحدى الجملتين بأوْلى بالموضع من الأخرى، وإنّما يُحكمُ على الجُملة أنّها في موضع إعْرابٍ، إذا وقَعَتْ موقعَ مُفْردٍ، كما يُحكمُ في قولك: كان زيدٌ أبُوه منطلقٌ بأنَّ موضعَ الجملةِ نصبٌ لوقوعِه موقعَ المُفرد، وليست الجملة في الصّلة واقعةً موقعَ مُفْردٍ ولا هي مِنْ مواضع المفردات، ومَنْ حَمَلَ (ما) على (الذي) في الآية لم يكن لـ (جاءكم) في قوله تعالى "ثم جاءكم رسولٌ" عنده موضعٌ، ومَنْ حَمَلَها على أنّها لِلْمُجازاة كان موضعُ (جاءكم) جَزْمًا لعطفه إيّاه على ما هو في موضع جزمٍ. قال الخليلُ في قوله تعالى "لظلّوا" (ليظلُّنَّ) كما تقول: واللهِ لا فَعَلْتُ ذاك أبدًا، تريدُ معنى (لا أفعلُ)، وقالوا: لَئِنْ زُرْتَهُ ما يقبَلُ منكَ، وقال: لَئِنْ فَعَلْتَ ما فَعَل، يريدُ ما هو فاعِلٌ وما يفعَلُ، كما

كان (لظلّوا) مثلَ (ليظلُّنَّ). قال أبو علي: (ما) هو نفيُ ما في الحال، فإذا وقع الماضي بعدَها عُلمَ أنّ المرادَ به الحالُ، كما أنّ الماضي بعد (لا) يُعلِمُ أنَّ المرادَ به الاستقبالُ، لأنّ هذين الحرفين لا يَنْفِيان الماضي، فكذلك يُعْلَمُ أنّ "أمْ أنتم صامتون" بمعنى (صَمَتُّمْ) لأنّ الجملةَ التي عُودِلَتْ بها جملةٌ مِنْ فعلٍ وفاعِلٍ، وهي (أدَعَوْتُموهم). قال: وقد يستقيمُ في الكلام: إنّ زيدًا لَيضْربُ، وليَذْهبُ ولم يقعْ ضربٌ، والأكثرُ على ألسنتهم كما خَبَّرْتُك في اليمين، فَمِنْ ثمَّ ألزَموا النّون في اليمين لِئلاَّ يَلْتَبِسَ بما هو واقعٌ. قال أبو علي: اللامُ على ذا للتوكيد والتي تتلقّى القَسَمَ وتدخلُ على الفعلِ الماضي والمستقبلِ، وليست التي تدخل في فعل الحال، فهي لا تُعلِّقُ الفعلَ كما تعلقه التي للحال في مثل قولك: إنَّ زيدًا لَيَقومُ إذا أرَدْتَ به الحال، لكنْ هذه هي التي تلْزَمُها النُّونُ الشّديدةُ أو الخفيفةُ وإنّما حُذِفَت النّون منه والفعل مُسْتَقْبلٌ، كما أنّه إذا كان النون فيه كان مُستقبلاً، فكما لا تُعلِّقُ الفعلَ اللامُ التي في قولك (لتَفْعَلَنَّ) بعد (أنْ) كذلك لا تُعلّقُه في قولك (ليَفْعَلنَّ) إذا أردْتَ به المستقبل. تقول: عَلِمْتُ أنّ زيدًا لَيَنْطَلِقَنَّ، فلا تُعلّق هذه اللام (علِمْتُ) فكذلك لا تُعلّقُه في (لَيَفْعلُ) إذا كان بمعنى (لَيَفْعَلن) فتقولُ: عَلِمْتُ أنَّ زيدًا لَيَفْعَلُ.

قال: وقال عزّ وجلّ: "إنّما جُعِلَ السّبتُ على الذين اختلفوا فيه، وإنّ ربّك لَيحْكُمُ بينهم يوم القيامة". قال أبوعلي: قولُه "وأنَّ ربَّك ليحْكُمُ بينهم" الفعلُ لِلْحالِ دون الاستقبال وهذه اللامُ لو وَقَعَ (عَلِمْت) قبلها لعلّقتْه، فإنْ قيلَ: كيف صار لِلْحال وقد اتّصَلَ به (يوم القيامة) كما تقول: يَضْرِبُ زيدٌ غدًا؟ قيل: أريد به حكايةَ الحال وإن اتّصلَ به ما هو في المعنى مُستقبلٌ، ولَكَ أنْ تحكي الحالَ كانتْ فيما مضى أو فيما يُسْتَقْبَلُ، ألا ترى قولَ الله عز وجل: "فوَجَدَ فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا مِن عدوّه"، فالقِصّةُ قد مَضَتْ والإشارةُ فيها كالإشارة إلى الحاضِرِ؟!.

هذا باب الحروف التي لا تقدم فيها الأسماء الفعل

هذا بابُ الحروف التي لا تَقَدَّمُ فيها الأسماءُ الفعلَ قال: ألا ترى إلى كثرة ما يعمل في الأسماء وقلّة ما يعملُ في هذا. أي ما يعملُ في الفعل، فهذه الإشارةُ تريد بها الفصْلَ بين الجازم والمجزوم. قال: واعْلَمْ أنّ حروفَ الجزاء يَقْبُحُ أن تتقدّم الأسماءُ فيها قبلَ الأفعال. (أيْ: لا تقول: مَنْ زيدٌ يَضْرِبُه أضْرِبْ، إلاّ وهو قبيحٌ). وقد جاز ذلك فيها. (أي الفصلُ)، لأنّ حروفَ الجزاء يَدْخُلُها فَعَل ويفْعَلُ، ويكونُ فيها الاستفهامُ، فتُرفعُ فيها الأسماءُ. قال أبو علي: هو مثلُ: مَنْ زيدٌ، ومَنْ عمروٌ، يريدُ أنَّ حروفَ الجزاء لها تصرّفٌ ليستْ لسائرِ الحروفِ الجازمةِ غيرها.

قال: وتكون بمنزلة الذي. قال أبو علي: مثلُ: مَنْ يأتيني فله درهمٌ. قال: وإنْ شئتَ لم تُجاوز الاسمَ العامِل في الآخِر. أي: لم تجاوز الإضافة. قال: ويجوز] الفرقُ [في الكلام في (إنْ). أي يجوزُ تقديمُ الاسم على الفعل إذا لم تجزم الفعل، نحوُ "إنْ زيدٌ فعل فعلْتُ". قال: فإنْ جزمت بها أشْبهت لَمْ. قال: وإنّما جاز في الفَصْل ولم يُشْبه (لمْ)، لأنَّ (لمْ) لا يقعُ بعدها (فَعَلَ). قوله: وإنّما جاز في الفصل، أي إنّما جاز الفصل بين (إنْ) والفعل بالاسم إذا كان الفعلُ ماضيًا، لأنه لا ينجزم، فلا يشبه ما بعد (لَمْ). قال: فجاز هذا كما جاز إضمارُ الفعل فيها حين قالوا: إنْ خيرًا

فخيرٌ. قال أبو علي: يقولُ ليس تقديمُ الاسم على الفعل إذا كان ماضيًا بأشَدّ منْ حذف الفعل ألبَتّة مع فاعلِه. قال: وأمّا سائرُ حروف الجزاء فهذا فيه ضَعْفٌ. أي: الفصل في الكلام، لأنها ليست (كإنْ)، (لو جاز في "إنْ") وقد جَزَمَتْ كان أقوى)، فلوْ جاز الفَصْلُ بين (إنْ) وفعلِه المجزوم بالاسم كان أقوى من الفصل بالاسم بين سائر الحروف والأفعال التي تنجزم بعده بالاسم (إذْ جاز فيها "فَعَلَ")، أي إذْ جاز الفَصْلُ بين (إنْ) والفعل الماضي بالاسم في الكلام في غير الضرورة، ولم يَحْسُن الفَصْلُ بين الحروف وبين الفعل الماضي بالاسم في الكلام، إنّما يجوزُ في الضّرورة، فلـ (إنْ) إذنْ مَزِيّةٌ في باب الفَصْل بينها وبينَ الفعل، لَيْسَت لِسائِرِ الحروف، قال: ولَوْ كان (فَعَلَ) كان أقوى.

أي: ولو كان "متى واغلٌ نابَهم". قال: فإنْ قلت: إنْ (يأتني) زيدٌ يقلْ ذاك جاز على قول مَنْ قال: زيدًا ضَرَبْتُهُ، وهذا موضع ابتداءٍ، ألا ترى أنّك لو جئتَ بالفاء فقلتَ: إنْ تأتِني فأنا خيرٌ لك كان حسنًا، وإن (لم يَحْمِلْهُ) على ذلك رَفَعَ، وجاز في الشّعر. قال أبو علي: قولُه: (إنْ يأتِني زيدٌ يقلْ ذاك) على: زيدًا ضَرَبْتُهُ، يريدُ يرتفع (زيدٌ) بفعلٍ مُضمَر (ضَربْتُه) تفسيرُه، هذا على أنْ تجعل (زيدًا) واقعًا موقعَ الجزاء، كان الموضعُ على هذا الفعل كما أنّه في الشّرط للفعلِ وإنْ قدّرت ألفًا محذوفةً كان (زيد) في موضع ابتداء ومُرتفعًا به.

وقوله: وإن لم يَحْمِلْه على ذلك رَفَعَ. قال أبو بكر: يريد (رَفَعَ) بقوله: لأنه يجعلُه خَبَرَ مُبتدأ. وقوله: وجازَ في الشّعرِ. أيك جاز حذفُ الفاء في الشّعر. قال: ومثلُ الأوّل قولُ هشام: فَمَنْ نحنُ نُؤْمِنْهُ يَبِتْ وهْوَ آمِنٌ ... قال أبو علي: قولُه: مثلُ الأوّل، أي مثلُ: إنْ زيدٌ يأتِك يكنْ كذا.

(ونحن) في البيت يرتفع بفعل هذا الذي ظهر تفسيرُه، كما أنّ (زيد) في قولك: (إنْ زيدٌ يأتِني) يرتفعُ على إضمار فعل (يأتِني) تفسيرُه، إلاّ أنّك لو أظْهَرْتَ في التّمثيل ما ارتفع عليه (زيدٌ) لقُلْتَ: (إنّك يأتني زيدٌ يأتِني يكنْ كذا)، ولو ظَهَرَ ما ارتفع عليه (نحنُ) في التّمثيل لاتّصل الضّميرُ فَلَزِمَكَ أنْ تقول: (فَمَنْ يُؤمَنْ نُؤمِنْهُ)، ولم يَجُزْ ألاّ يتَّصِلَ. ومثلُ هذا قولُه: أنت فانْظُرْ. أقول: إنَّ أحدَ القولين فيه أنّ (أنتَ) على فعل مُضْمَر مُرتفِع (فانْظُرْ) تفسيرُه، ولو أظْهَرْتَ ما ارتَفع عليه في التّمثيل لقُلْتَ: (انْظُرْ

فانْظُرْ) فاتَّصَلَ الضَّميرُ، لأنّه موضعٌ لا ينفصِلُ فيه، ألا ترى أنّك إذا قلتَ: (أقامَ زيدٌ قامَ)، فإنْ وضَعْتَ موضعَ المُضْمَر مُظْهرًا قلتَ: أنتَ قُمْتَ، فإنْ أظْهَرْتَ الفعلَ الذي ارتفع (أنتَ) عليه تمثيلاً قلتَ: أقُمْتَ قُمْتَ، فاتَّصل الضّميرُ بالفعل، ولم يجزْ أنْ ينفصل هنا، كذلك تقول: (إنْ زيدٌ يأتني يكن كذا) فإنْ وضعْتَ موضعَ المُظهَر مُضمرًا مُنْفصِلاً فذكرْتَ الفعلَ المضمَرَ الذي يرتفع عليه المُضمَرُ تمثيلا قلتَ: إنْ تأتني تأتني يكنْ كذا، لأنّه لا يجوزُ وقوع الضمير المنفصل عن حاله.

هذا باب الحروف التي لا يليها بعدها إلا الفعل ولا تغير الفعل عن حاله

هذا بابُ الحروف التي لا يليها بعدها إلا الفعلُ ولا تُغَيّرُ الفعلَ عن حالِه: قال: ومِنْ ذلك الحروفُ أيضًا (سوفَ يفعلُ)، لأنّها بمنزلة السِّين وإنّما دَخَلت هذه السّينُ على الأفعال، وإنّما هي إثْباتٌ لقولك: (لنْ يفعَل) فأشْبَهتها في أنْ لا يُفْصَلَ بينها وبين الفعل. قال أبو علي: قد أُجْرِي الجوابُ في غيرِ هذا الموضعِ مجرى السُّؤال، ألا ترى أنَّ (لا) في قولِك: (لا رجُلَ) مُشَبَّهٌ (أن) ولم يُفْصَلْ بينه وبين ما عَمِلَ فيه بالظَّرْف، كما فُصِلَ بين (أنَّ) وما عَمِلَ فيه بالظَّرْف وإنْ لمْ تبْنِ (لا) مع ما بعدَهُ، نحو: لا غُلامَ رَجُلٍ عندك، لأنّه جوابٌ لشيءٍ لا يُفْصَلُ بينه وبين ما عَمِلَ فيه، وهو: هلْ مِنْ غُلامٍ؟.

هذا باب الحروف التي يجوز أن تليها بعدها الأسماء، ويجوز أن يليها بعدها الأفعال، وهي لكن وإنما وكأنما وإذ

هذا بابُ الحروف التي يجوزُ أن تَليها بعدَها الأسماءُ، ويجوزُ أن يَلِيها بعدَها الأفعالُ، وهي لكِنْ وإنّما وكأنّما وإذْ قال أبو علي: ذِكْرُه (إذْ) ها هُنا حُجَّةٌ عليه في إجرائه إياهُ في بابِ الجزاء مجْرى (إنَّ وكأنَّ) وما يخْتَصُّ الدُّخولَ على الاسم. قال: وسألْتُ الخليلَ عن قول العرب: انْتَظِرْني كما آتِيكَ – الفصل. قال أبو علي: لَوْ لم يجعلْ (كما) بمنزلة (لَعَلِّي) ولم يجعل (ما) كافَّةً لَوَجَبَ إذا وقع بعدها الفعلُ أنْ يُنْصَبَ بإضمار (أنْ)، لأنَّ (ما) يدخلُ على الأفعال، ألا ترى أنّ اللامَ في قولك: جئتُ لِتَقومَ لما كانتْ عامِلَةً في الاسم فوَقَعَ الفعلُ بعدَها نصْبٌ، فأضْمَرَ (أنْ) لِيكونَ مع الفعلِ في تأويلِ اسْمٍ، وكذلك فِعْلُ ما كان ليَفْعَل حتّى الجارّة. قال أبو علي: ولَوْ نُصِبَ بعد (ربّما) الفعلُ كما نُصِبَ بعدَ سائرِ حروف الخفضِ كان مُحالاً، وذاك أنَّ نَصْبَهُ كان يكونُ على إضمارِ (أنْ)، كما كان نصبُ الأفعال بعد سائر حروف الجرّ على إضمار (أنْ)، ولوْ

أضْمَرَ (أنْ) بعدَه لصار الفعلُ مع (أنْ) المُضْمَرَة في موضع جَرّ، ولتعرَّفَ، وإذا تعرَّفَ الاسمُ لمْ يَدْخُلْ عليه (رُبَّ)، لأنّها لا تعملُ إلاّ في نَكِرَةٍ فـ (ما) في (رُبّما) تكونُ الكافّة، ولا يجوزُ أن تكون كالتي في قوله "فبِما رحمةٍ من الله" لما بيّنا. أنشد: كما تُغَدّي القومَ مِنْ شَوائِهْ. في كتاب الباهِلي فيما حَكاهُ أبو بكرٍ، شيْبانُ ابنُه، أيْ قُلْتُ لهُ

ارْكَبْ في طَلَبه كما تَصيدُه فتُغدِّي القومَ به مشويًّا، يَصِفُ ظلِيمًا.

هذا باب ما يضاف إلى الأفعال

هذا بابُ ما يُضاف إلى الأفعال قال: وجاز هذا في الأزمنة واطّرد فيها، كما جاز للفعل أن يكونَ صِفَةً. قال أبو علي: يقول: جاز إضافةُ أسماء الزّمان إلى الفعل وإنْ لم يكنْ بابُ الفعل أنْ يُضاف إليه، كما جاز أنْ يكونَ صِفَةً، وإنْ كان حَدُّ الصِّفَةِ أنْ تكون اسْمًا كضاربٍ وحَسَنٍ وهاشِمِيّ وما أشْبَهَهُ فكما أجْريَ مَجْرى الاسم في أنْ وُصِفَ به، وكذلك أجْرِي مجْراهُ في أنْ أضيفَ إليه هذا النّوْعُ من الأسماء. قال: فلم يُخْرجوا الفعلَ مِنْ هذا كما لمْ يُخرجُوا الأسماءَ منْ ألِفِ الوَصْل، نَحْو ابْن، وإنّما أصْلُهُ لِلْفِعْل وتصريفه. قال أبو علي: يقول: حُكْمُ الإضافة أنْ تكونَ إلى الاسم، وحُكْمُ ألِفِ الوَصْل أنْ تكونَ في الفعل، أدْخِلَ ألفُ الوَصْلِ في بعضِ الأسماء كذلك أضيفَ بعضُ الأسماءِ إلى الفعل. قال أبو علي: مُذْ ومُنْذُ على ضَرْبَيْن، يُسْتَعْملان مَرَّةً اسميْن، ومرَّةً حَرْفَيْن، مَنْ قال: ما رَأيْتُه مَذْ يومان، قال: جَعَلهُ اسمًا، وكان موْضِعُه رفعًا بالابتداء، وما بعده خَبَرهُ، ومنْ جَعَلهُ حرفًا قال: مُذْ يوْمَيْن،

وكان موضعُهُ مع المخفوض الذي بعدَه نَصْبًا، و (مُذْ) في قولك: مُذْ جاءني، ومُذْ كان عندي، لا تَخْلُو مِنْ أنْ تكون الذي هو حرفٌ، أو الذي هو اسمٌ، ولا يجوزُ أن يكون حرفًا، لأنَّ حرفَ الخفضِ لا يدخُلُ على الفعلِ، لا تقولُ: بقامَ، ولا بيَقُومُ، ووَجدْنا أسماءَ الزّمان قد أضيفت إلى الفعل، فجعلناه اسمَ زمانٍ مُضافًا إلى الفعل إذْ بطل أن يكون حرفًا، لامتناع إضافة حرفِ الجَرّ إلى الفعل. قال: وَمِنْهُ أيضًا آية، قال: بآية تُقْدِمُونَ الخيْلَ شُعْثًا .... قال أبو العباس: إضافةُ (آية) إلى الفعل لا تطَّرِدُ، وإنّما جاء في قولِه (بآية تُقْدِمون)، فأمّا البيتُ الثّاني فهي فيه مُضافةٌ إلى المصدر، كأنّه قال: بآيةِ حُبِّكُم الطّعام، جعل (ما) مع الفعل بتأويل المصدر.

هذا باب إن وأن

قال: ولا يجوز هذا في الأزمنة حتى تكون بمنزلة إذْ. قال أبو علي: لا يجوزُ هذا أي لا يجوز إضافة اسم الزّمان إلى الجملة المركّبة من المبتدأ وخَبَرِه حتى تكون بمنزلة (إذْ) في المُضِيّ، فأمّا المُستقبل من الأزمنة فلا يجوز إضافتُه إلاّ إلى الفعل، كما أنّ (إذا) لا تُضاف إلا إلى الفعل. **** هذا بابُ إنَّ وأنَّ قال: ونظيرُ ذلك في أنّه وما عَمِلَ فيه بمنزلة اسمٍ واحدٍ، كقولِك: رأيت الضّاربَ أباهُ زيدٌ. قال أبو علي: التّوفيقُ بين (الضّارب أباه زيدٌ) وبين (بَلَغَني أنَّ زيدًا منطلقٌ) أنّهما اسمان في صِلَةِ كُلِّ واحدٍ منهما منصوبٌ ومرفوعٌ.

هذا باب من أبواب أنض

هذا بابٌ مِنْ أبوابِ أنّض تقول: ظننْتُ أنّه منطلقٌ. قال ابو علي: (أنّه) بعد ظَننتُ لا يكون إلا مفتوحًا، وفيه قولان: إنْ شِئْتَ قلتَ: إنَّ الخبرَ مُضمرٌ، كأنّك قلت: ظَنَنْتُ انْطلاقَكَ واقعًا أوْ كائنًا وما أشْبَهَهُ، فأضْمَرتهُ. وإنْ شئتَ قلتَ: إنَّ (مُنطلقًا) وما أشْبَهه ممّا يكونُ خَبَرًا لإنَّ سَدَّ مَسَدَّ خَبر ظَنَنْتُ لأنّه في المعنى مبتدأ وخَبر كما يدخل عليه ظَنَنْتُ. قال: وتقول: لولا أنّه منطلقٌ لَفَعَلْتُ، فأنَّ مبنيةٌ على (لولا)، كما تُبنى عليها الأسماءُ، وتقول: لوْ أنه ذاهبٌ لكان خيرًا] له [، (فأنّ) مبنيةٌ على (لوْ)، كما كانتْ مبنيّةً على (لَوْلا).

قال أبو علي: سألْتُه عن وقوع (أنّ) بعد (لو) فقلتُ: كيف جاز وقوعُها بعدها وهي في تأويل اسم (ولو) إنّما تليها الأفعال؟. قال: ذا على قولنا لا دَخَلَ عليه، لأنّي أقولُ: إنّ الموضعَ الذي تقَعُ فيه (إنَّ) المكسورة، هو الموضعُ الذي يجوزُ أنْ تُبتدأ فيه بالمبتدأ والفعل، ويتعاقبان عليه، وإنَّ الموضعَ الذي تقع فيه (أنَّ) المفتوحة هو الموضعُ الذي يقع فيه أحدُهما دون الآخر، فإذا كان الموضعُ يقع فيه الاسمُ وقَعَت المفتوحة، (فَلَوْ) إنّما يَقَعُ بعدها الفعلُ دون الاسم، فكذلك وَقَعَتْ بعدها المفتوحة. فإنْ قيل: قد وقع الاسمُ بعدَها في قوله تعالى "قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربّي" وفي المَثَل "لوْ ذاتُ سوارٍ لطَمَتْني" فإنَّ ذا مُرتفعٌ بالفعل لا بالابتداء، كما أنَّ الاسم الذي يقعُ بعد (إذْ) التي هي ظرفٌ من الزّمان مُرتفعٌ بالفعل. قال: ومذهب سيبيويه أنَّ (أنْ) وقعَتْ بعد لَوْ في موضع فعل كما أنَّ (تَسْلمُ) وقعَ موقعَ الاسم في (بذي تسلم).

قال: وقال أبو العبّاس: وقوعها بعدها على ضَرْبين: أحدُهما: أنّ (أنّ) مع ما بعده بتأويل المصدر، والمصدرُ يقوم مقام الفعل ويعمل عمله. والوجه الآخر: أنّ (لوْ) يقع بعدها الاسمُ على تقدير تقديم الفعل الذي بعدها، وذلك مثلُ "لو أنتم تملكون" ولو غيرُكم علَّقَ الأميرُ بحبلِه. فيكون على هذا التقدير: لوْ أنّك جئتَ، ولو وَقَعَ مجيئُك. قال: وسألتُه عن قول العرب: ما رأيتُه مُذْ أنّ اللهَ خلقني. فقال: (أنَّ) في موضع اسم، كأنّك قلا: مُذْ ذاك. قال أبو علي: لا يخلو (مُذْ) من أن يكون حرفَ جَرّ، أو مبتدأ، فإن كان حرف جر انفتح (أنّ). لأنّه في موضع اسمٍ، وإن كان مبتدأ انفتح أيضًا، لأنّ (أنَّ) في موضع خبر المبتدأ. قال أبو بكر: و (مُذْ) ها هُنا حرفٌ، كأنه قال: مُذْ خلق اللهُ عَزَّ وجَلَّ

إيّايَ. قال: وتقول: أمَا إنّه ذاهبٌ، وأمَا إنّه منطلقٌ. قال أبو علي: (حَقًّا) بمنزلة (عَلْمْتُ)، لأنَّ (حَقًّا)، دالٌّ على فعلٍ، كما أنَّ (علمْتُ) فعل، فقولُك: (حقًّا إنّك ذاهبٌ) بمنزلة (علمت أنّك ذاهبٌ) إلاّ أنّ (أنَّ) بعد (حَقًّا) في موضع نصبٍ بالفعل الذي نصب حقًّا، فتمثيله: أحُقُّ انطلاقَك حقًّا، وكونُ موضعه بعد (علمتُ) نصبًا جَلِيٌّ بَيِّنٌ. قال: وتقول: رأيْتُه شابًّا، وإنّه يومئذٍ يَفْخَرُ، كأنّك قلت: رأيْتُه شابًّا وهذه حالُه. قال أبو العباس: إنْ شِئْتَ فتحْتَ (أنَّ)، كأنّك قلت: عَهْدِي به شابًّا وبفخْرِه، ويجوز على بُعْدٍ. قال: وسألْتُه عن قوله تعالى "وما يُشعرُكم إنّها إذا جاءت لا يؤمنون".

قال أبو علي: قلت له: كيف كان يكونُ عذرًا لهم، فقال: لو قال لك قائلٌ في رجلٍ يقرأ شيئًا: إنّه لا يفهم ما يقرأ فقلت: ما يُدْريكَ أنّه لا يَفْهمُ، لكان ذلك عُذْرًا للقارئ، أي أنّه يفهمُ، وكذلك قوله تعالى "وما يُشْعِرُكم أنّها" مفْتوحًا، لكان التّقديرُ: (ما يُدْريكُم أنهم لا يؤمنون إذا جاءت) أي لو جاءت لآمنوا، فكذلك على هذا تقديرُ (ألا إنهم يؤمنون بالآيات لو جاءتهم)، وليس معنى الآية على هذا. قال أبو علي: إنّما يُخبر تعالى أنّهم لو جاءتهم هذه الآياتُ لم يؤمنوا إيمان اختيارٍ كما يُخبرُ في قوله عزَّ وجَلَّ "ولو أننا نَزَّلْنا إليهم الملائكةَ وكَلَّمهم الموتى"، أنهم لا يؤمنون، جميعُ هذه الآيات إيمانُ اختيارٍ. قال أبو بكر: القول عندي في (ما) أنه الذي للاستفهام، أي: أيُّ شيءٍ يُشْعِرُكم لِيَكونَ ضميرُه فاعلَ (يُشْعِرُكم). قال: وأهلُ المدينة يقولون أنّها ... الفصل.

قال أبو بكر: مَنْ فَتَحَ (أنَّ) فعلى ما قال الخليلُ مِنْ أنّه بمعنى لَعَلِّي. قال: وإنّما وقع أنّك عندي بمعنى لَعَلَّك لأنَّ الحالَ كانت حالَ تَسرُّعٍ وكانوا هم أوْجَبُوا تَرجيًا، وذلك أنّهم إذا قالوا: ائِتِ السُّوقَ أنّك تشتري لي شيئًا، كأنّهم أوْجَبُوا الشّيْءَ في اللفظ، وحَقَّقوها أملاً، والموضعُ موضعُ ترجٍّ، لأنّه لا يدري أيَكون ذلك أمْ لا. قال: واعْلَمْ أنّه ليس يَحْسُنُ لأنّ أنْ تَلِي إنَّ ولا أنْ، كما قَبُحَ ابْتداؤُكَ الثَّقيلَةَ المفتوحةَ، وحَسُنَ ابتداؤُكَ الخفيفةَ، لأنَّ الخفيفةَ لا تزول عن الأسماء {والثقيلة تزول، فتُبتَدأ، ومعناها مكسورةً ومفتوحةً سواءٌ}، ألا ترى أنّك لا تقول إنّك ذاهبٌ في الكتاب. قال أبو بكر: قال أبو العباس: يعني أنّها لا تزول عن الاسميّة لأنّها مع ما بعدها بمنزلة المصدر، قد تزول عن الاسميّة، فتُبتدأ وتُكْسَرُ والمعنى واحدٌ في أنّها للتأكيد. وقال عن أبي العبّاس أيْضًا: إنّما لمْ يَلِ (إنّ) المكسورةَ (أنَّ) المفتوحةُ، ولم يجتمعا في موضعٍ واحدٍ، لأنّهما جميعًا للتأكيد، فلمْ يجتمعا، كما لم يجتمع تأنيثان واستفهامان ونحو ذلك، ونظيرُ (أنّ وإنّ)

هذا باب آخر منه

في أنّهما لم يجتمعا معًا لاتّفاقهما في المعنى (اللامُ) وإنّ في قولِك: إنّ زيدًا لمنطلقٌ، لما اتّفقا في المعنى لم يجتمعا في قولك معًا، فإنْ فصَلْتَ بينهما جاز اجتماعُهما، وأنْ يقَعَ اللامُ في الاسم العامل فيه (إنَّ)، كقوله: "وإنَّ لنا للآخرةَ والأولى" فكذلك يجوزُ في (أنَّ) أنْ يكون اسمُها (أنّ) في مثل قولك: إنّ لك أنّك لا تؤذي، قال تعالى: "وأنّك لا تظمأ فيها" بعد قوله "إنَّ لك ألاَّ تجوعَ فيها ولا تعرى". هذا بابٌ آخرُ منه قال في قوله تعالى "ذلكم وأنَّ اللهَ مُوهِنٌ" الباب. قال أبو علي: لا يجوزُ أنْ يكونَ قولُه "ومنْ عاقبَ" محمولاً على قوله "ذلك" كما جاز أن يكونَ قولُه "وأنّ للكافرين" محمولاً

على (ذلكم)، لأنّ قوله "ومن عاقب" مبتدأ له خبرٌ، وخبرُه: "ليَنْصُرَنَّهُ اللهُ" فوقوع المبتدأ في هذا الموضع وخبرُه يَدُلُّ على جوازِ وقوعِه بعد (ذلك) منقطعًا من قوله "ذلك". قال: هذا أيضًا يقوي ابتداء (إنّ) في الأوّل. أي قولُه: وإني على جاري لذُو حَدَبٍ .... يُقَوّي ابتداء (إنّ) في قوله تعالى "ذلكم فذوقوه وأنَّ للكافرين".

هذا باب آخر من أبواب أن

هذا بابٌ آخر من أبواب أنَّ قال: ونظيرُها، يعني ونظير "وأنَّ هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون" "لإيلاف قريش" لأنّه إنّما هو لذلك "فَلْيعبدوا"، فإنْ حذفت اللاّم مِنْ (أنْ) فهو نَصْبٌ، كما أنّك لو حذفت اللامَ من (لإيلاف) كان نَصْبًا، هذا قولُ الخليل. قال أبو علي: قرأتُ على أبي بكر عن أبي العباس، قال أبو الحسن: المعنى "فجعلهم كعصف مأكول لإيلاف قريش" قال أبو العباس: وليس المعنى كذلك إنّما فعل هذا بهم لكفرهم، والقولُ في هذا ما ذَكَرَهُ سيبويه عن الخليل. أي لِهذا فَلْيَعْبُدوا، أي مِنْ أجلِه.

قال أبو علي: تحتمِلُ الآيةُ قولَ أبي الحسن أيضًا، على أنْ يكون المعنى: فَعَلَ ذلك بهم لتأتلفَ قريش، فيكونُ ما فَعَلَ بهم مِنْ إرْسالِ الحجارة مُجازاةً لكفرهم، وقولُه: "لإيلاف قريشٍ" إخبارٌ بما يصيرُ إليه عاقبةُ الأمر، كقوله عزّ وجلّ "فالتقطه آلُ فرعونَ ليكونَ لهم عَدُوا وحَزَنًا"، وكقوله "إنّما نُملي لهم لِيزدادوا إثْمًا" كُلُّ هذا إخبارٌ بما صار إليه عاقبَةُ الأمر لأنّهم لم يلْتقطوه ليكون لهم عدُوا، ولا أملي لهم ليزدادوا إثْمًا، إنّما خَلَقَهم للطّاعة، كما قال "وما خلقْتُ الجِنَّ والإنسَ إلاّ ليعبدون". وقال أبو علي: إنْ حَذَفْتَ اللامَ من "لإيلاف قريشٍ" لانتصب على أنّه مصدر مفْعولٌ له، كأنّك قلت، ليعبدوا إيلافَ قريشٍ، أي لإيلافِهم. قال: وإذا كان الفعلُ أو غيرُه مُوصَلاً إليه باللاّم جاز تقديمُه

هذا باب إنما

وتأخيرُه. قال أبو علي: في أولاء وغيرِه نظرٌ. ... هذا بابُ إنّما اعلم أنّ كُلّ موضعٍ تقعُ (أنّ) فيه تقع (أنّما). قال: ولا تكون هي عاملةً فيما بعدها، يعني (إنّما) كأنّ لا يكون (الذي) عاملاً فيما بعده. قال أبو علي: إنّ (ما) هذه الكافّةُ، لأنّها لَمّا دخَلتْ كَفَّتْها عن العملِ وتركتْها تُوصَلُ كما كانت تُوصَلُ قبلَ دخولِها، أنشد: أبْلغ الحارِثَ بنَ ظالمَ .. ... أنّما تقْتُلُ ............ ...

قال: وإنْ شئتَ قلت: إنّما. قال أبو علي: إذا ابتدأ فكسر "إنّما تقتُلُ" جعل الإبلاغَ قولاً كأنّه قال: قُلُ له إنّما تقتُلُ، وإذا فَتَحَه لم يجعله بمعنى القول ولكنْ جعله مفعولاً، كأنّه قال: أبْلِغْه ذاك. قال: واعْلَمْ أنّ الموضعَ الذي لا يجوزُ أنْ يكونَ فيه (إنّ) إلاّ مُبتدأةً لا يكون فيه (إنّما) إلا مُبتَدَأةً مثلَ قولك: وجَدْتُكَ إنّما أنت صاحبُ كُلِّ خَنَى، لأنّك لو قلت: وجدْتُك أنّك صاحبُ كُلِّ خَنى لم يَجُزْ.

قال أبو علي: إذا قلت: وجدْتُك أنّك صاحبُ كُلِّ خَنىً لم يَجُزْ أنْ يكونَ (أنّكَت) المفعولَ الثاني لوَجَدْتُ، لأنّ (أنّ) مع ما بعدَه في تأويل المصدر، فكأنّك قلت: وجدتُك صُحْبَةَ كُلِّ خَنىً، والمخاطبُ لا يكونُ صُحْبَة، فإنْ أمَرْتَ أنْ يتكلّم بها، فجَعَلْتَ (وجدْتُ) هي التي بمعنى قلتُ وجدْتُك أنّك صاحبُ كُلِّ خَنىً فَكَسْرٌ. وإنْ جَعَلْتَ أنّ مع الجملة الدّاخلة عليها (أنّ) في موضع نصبٍ لأنّه مفعولٌ ثانٍ، والعائدُ إلى المفعولِ الأوّل الكافُ مِنْ (أنّك). وإنْ جعَلْتَ التي هي مِنْ وِجْدان الضّالّةِ كَسَرْتَ (إنّ)، ولم تكن في موضعِ مفعولٍ ثانٍ، لأنّ هذا يتعدّى إلى مفعولٍ واحدٍ، لكِنَّ هذه جُمْلَةٌ أتْبَعْتَها جُملة، وجاز ألاّ تَرْبِطَ الثّانية بالأولى بحرفِ العطفِ لتعلُّقِ الثّانية بالأولى. قال: وذلك لأنّك لو قلتَ: أرى أنّه منطلقٌ، فإنّما وقع الرّأيُ على شيءٍ لا يكون الكافُ التي في (وَجدْتُكَ)، لأنَّ (وَجَدْتُ) داخلٌ على المبتدأ والخبر إذا لم يكن بمعنى وجدان الضّالّة، فحُكْمُ المفعول الثاني أنْ يكون الأوّلَ وما فيه ذكرُه، كما أنّ خبر المبتدأ لا يكون إلا كذلك، والمخاطَبُ لا يكونُ صُحْبَةَ الخَنى على حالٍ، إلاّ أنْ تَحْمِلَهُ على مثلِ قولِك:

(عِتابُك السَّيْفُ)، و (أنتَ إقبالٌ وإدْبارٌ)، إذا جعلْتَ إيّاهُ على الاتّساعِ. أنشد كُثَيّر: أراني ولا كُفْرانَ لله إنّما ... لأنّه لو قال (إني) ها هنا كان غيرَ جائزٍ لما ذَكَرْنا. قال أبو علي: قولُه: (أراني)، المفعولُ الأوّلُ ضميرُ المُتكلّم، وأرى هذه هي التي تتعدّى إلى مفعولَيْن، يَدُلُّك على ذلك أيضًا ضميرُ المُتكلّم به (فإنّما) مع ما بعدَه في موضع نَصْبٍ لوُقوعِه موقعَ المفعولِ الثّاني، لأنَّ (أراني) هذه لا يجوزُ أنْ يُقتصر بها على مفعولٍ واحدٍ، فقدْ بانْ مِنْ ذلكَ أنَّ (إنّما) في موضعِ نصبٍ مع ما بعدَه، وإنّما لم يجزْ وقوع (أنّما) المفتوحةِ هنا، وإنْ كانت الجملةُ في موضعِ اسمٍ منصوبٍ لفسادِ المعنى،

هذا باب تكون فيه أن بدلا من شيء ليس بالآخر

وأنَّ الأولى لا يكونُ فيه الثاني، فإذا كُسِرتْ (إنّ) كان الكلامُ جملةً، وعاد منها ذكرٌ إلى الأوّل، فلم يجعل الثاني ما لا يجوزُ أنْ يكون الأوّل. هذا بابٌ تكون فيه أنَّ بدلاً مِنْ شيءٍ ليس بالآخِر قال: وقال تعالى: "ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنّهم إليهم لا يرجعون". قال أبو علي: (كم) لا يجوز أن يكون منصوبًا (بِيَرَوْا)، ولكنّها في موضع نَصْبٍ مِمّا بعدَه (وأنّ) بدَلٌ مِنْ موضعِ (كمْ) فعلى هذا يكونُ (أنَّ) بَدَلاً منْ (كَمْ)؛ وقد فَسَّرَ أبو العباس الآية تفسيرًا لمْ يجعلْ أنّهم فيها بَدَلاً مِنْ (كمْ)، فقال: (كمْ) في موضعِ نَصْبٍ (بيَرَوْا)، والمعنى: ألمْ يروا كم أهلكنا من القرون بالاسْتِئْصال، (فأنَّ) موضعُهُ نصبٌ كأنّه ألم يروا كم أهلكْنا من القرون اسْتِئْصالاً. قال: ومِمّا جاء من هذا الباب قولُه تعالى "أيَعِدُكم أنّكم إذا مِتُّم وكنتم ترابًا وعِظامًا" ... الفصل. قال أبو العبّاس: (أنّكم الثانية هي (أنّ) الأولى كُرِّرَتْ تأكيدًا لمّا تراخى خبرُها عنها، قال: وهو الاختيارُ عندي وهو قولُ أبي عُمَرَ.

وقيل: إنّه يجوزُ أنْ تكونَ (أنّكم) الثانية في موضعِ رفعٍ بإذا كأنّه قال: أيَعِدُكُم أنّكم إذا مِتُّم إخراجُكم؟، والظّرفُ وما ارتفع به في موضع (أنّ). وقولُ أبي العبّاس في قوله عزّ وجلّ: "ألم يعلموا أنّه مَنْ يُحادِد الله ورسولَه فأنَّ له ... "، كقوله في الآية الأولى: أنّه كرّر تأكيدًا. قال: وأبو الحَسَن يقول: إنّ المعنى: فَوُجُوبُ النّارِ له، وخَبَر أنّ التي بعد الفاعل. قولُ أبي الحَسَنِ مُضْمَرٌ، كأنّه لَهُ أو نحوُهُ مِمّا يُضْمَرُ مِنَ الأخبارِ. قال: وإنْ جاءَ في شعرٍ قد عَلِمْتُ أنّك إذا فَعَلْتَ إنّك تَغْتَبِطُ، تريدُ معنى الفاء جازَ، والوجهُ ما قُلْتُ لك أوّل مَرَّةٍ.

قال أبو علي: الفاءُ إذا ذُكِرت هنا كان جوابَ (إذا)، وإذا حُذِفَتْ في الشّعْر فكَما تُحذَفُ الفاءُ إذا كانتْ جوابَ (إنَّ)، وإذا نُوِيَت حذفُ الفاءِ ابْتُدِئَتْ (إنَّ) فَكُسِرَتْ، لأنَّ ما بعد الفاءِ في موضع ابتداءٍ. قال: ونظيرُ ذلك في الابتداء "لا جَرَمَ أنّهم في الآخرة هم الأخسرون"، ومِثْلُه "ثم إنّ ربّك للذين عَمِلوا السّوءَ .. " الآية. قال أبو علي: ابْتَدَأ (هم) قبل أن يُؤْتى بخبر (أنّ)، (فهُم) مُبتدأ، (والأخسرون) الخبرُ، والجملةُ خَبَرُ (أنّ)، فهذا الاسمُ المبتدأ بعد (أنَّ) في الابتداء نَظيرُ (إنّ) المكسورةِ يعد (أنَّ).

هذا باب من أبواب أن تكون فيه مبنية على ما قبلها

هذا بابٌ مِنْ أبواب أنَّ تكون فيه مبنيةً على ما قبلَها وذلك قولُك: أحقا أنّك ذاهبٌ، وآلْحَقَّ أنّك ذاهبٌ؟ قال أبو علي: إذا قال: أحقا أنّك ذاهبٌ فلا يخلو أنْ تنصِب حقا على أنّه ظرفٌ، أو مصدرٌ، فإنْ نصبْتَه نصبَ المصادر وَجَبَ أن تفتَح أنَّ التي بعدها بالفعل النّاصِب للمصدر، كأنّه قال: أحَقّ ذهابكَ حَقًّا، وإذا نصبتَه نصبَ الظروف، فكسرُ إنَّ لم يجُزْ لأنّ الظرفَ لا ناصبَ له، وما بعد أنّ لا يعمل فيما قبلَه. وإذا قلتَ: لا محالةَ أنّك ذاهبٌ، أوْ يومَ الجمعةِ، لم يجزْ كسرُ (إنّ) بعدَها مِنْ حيثُ لم يجزْ بعدَهما. وأنشد: أحَقًّا أنَّ جيرَتَنا اسْتَقَلُّوا ... فَنِيَّتُنا ونِيَّتُهم فَريقٌ

قال أبو علي: معناه: أفي الحقّ أنَّ، وموضعُ (أنَّ جيرَتنا) رفعٌ، كأنّه قال في الجواب: اسْتقلالُ جيرتِنا على هذا وضعُه، ويُحْتَملُ أنْ يكونَ موضعُ (أنّ) نصبًا إذا لم تجعل (حَقًّا) ظرفًا، لكنّك تَنْصِبُهُ نصبَ المصدر فَيَكونُ التّقديرُ: أتَحِقُّ استقلالَ جيرتِك حقًّا، وجميعُ الباب على هذا. قال: وسألتُه عن قولهم: أمّا حَقًّا فإنّك ذاهبٌ، فقال: هذا جَيِّدٌ، وهذا الموضعُ مِنْ مواضعِ (إنّ)، ألا ترى أنّك تقول: أمّا يومَ الجمعة فإنّك راحلٌ. قال أبو علي: جاز انتصابُ حقًّا قبلَ (إنّ) في قولك: أمّا حقًّا فإنّك ذاهبٌ، وإنّما جاز انتصابُ الظرف مع (أمّا) وإنْ وقعَتْ قبل (إنّ) لأنّه ينْتصِبُ بالمعنى الذي في (أمّا) مِنَ الفعل فتقديرُه: مهما يكنْ مِنْ شيءٍ يومَ الجمعة فإنّك ذاهبٌ، ومهما يكنْ مِنْ شيءٍ في حقٍ فإنّك ذاهبٌ، فيومُ الجمعة وفي الحقِّ ينتصبان بما في (أمّا) مِنْ معنى الفعل. وقوله: لأنَّ فيها معنى يوم الجمعة يكُنْ مِنْ شيءٍ. فالمُرادُ (بيومَ الجمعة) أن يقع (مهما)، لأنَّ ما قبلَ (مهما) لا يتعلَّقُ بما بعدَه.

قال: وأمّا قولُه: "لا جَرَمَ أنّ لهم النارَ". قال أبو علي: موضعُ (أنَّ) بعد (جَرَمَ) لأنَّه فاعِلٌ، والتّقديرُ: لقدْ حقَّ كونُ النّار لهم، ولا زيادةَ كزيادتِها في "لِئَلاَّ يَعْلَمَ أهلُ الكتابِ"، "ولا تستوي الحسنةُ ولا السَيِّئَةُ"، وهلا. قال أبو العباس: قولُ الشاعر: جَرمتْ فَزَارةَ أي جَرَمَت الطَّعْنَةُ فَزارَةَ بعدَها ... البيت.

قال: وتقولُ: أمّا جَهْدَ رأيي فإنّك ذاهبٌ، لأنّك لم تُضْطَرّ إلى أنْ تَجعله ظرفًا كما اضْطرِرْت في الأوّل. قال أبو علي: أيْ في قولك: يومَ الجمعة أنّك ذاهبٌ، وإنّما اضْطرَّ هناك إلى أنْ يجعلَه ظرفًا ليَبْني عليه (أنّك ذاهبٌ). قال: ومع ذلك أنّك لم تجيءْ بالمبتدأ، وفي نُسخة أبي العبّاس: ومع ذلك أنّك لم تجيء بخبر المبتدأ. قال أبو علي: قولُه: ومع ذلك أنّك لم تجيءْ بما بَنَيْتَهُ إذا قلت: جَهْدَ رأيي لمْ يَجُزْ إلاّ أنْ تفْتَحَ (أنَّ) لأنَّك لو لم تفتحْه لم تجيءْ بما بَنَيْتَهُ على (جَهْدَ) فسمّاهُ مُبتدأ لأنّه وإنْ أوْقَعَهُ بالظّرْف فهو مُحدّثٌ عَنْه، كما أنّ المُبتدأ كذلك، وليس يرتفعُ (أنّك عالمٌ) بعد (جَهْدَ رأيي) عندَه على الابتداء، إنّما يرتفع على الظّرف. وإذا كان على ما في نسخة أبي العباس وهو قوله: (ومع ذلك أنّك لم تجيءْ بخبر المبتدأ)، فكأنّه يقول: إذا] أدْخَلْتَ [(أنّ) فلا بُدّ أنْ

تجعلَ (جَهْدَ رأيي) ظَرْفًا له ليكونَ خبرًا لما هو بمنزلة المبتدأ في أنّه مُحدَّثٌ عنه وهو قوله: أنّك عالم. قال: وأمّا قولُه: أمّا بعدُ، فإنّ اللهَ قال في كتابه، فإنّه بمنزلة "أمّا اليومَ فإنّك". قال أبو علي: يقول: مَنْ فَتَحَ (أنّ) في قوله: (أمّا اليومَ فأنّك مُرتحِلٌ). يريدُ: أمّا اليومَ فرحلتُك، لم يقول: أمّا بعدُ فإنّ اللهَ قال: إذا أراد أمّا بعدُ فقولُ الله. قال: وسألتُه عن قوله، شَدَّ ما أنّك ذاهبٌ ... الفصل. قال أبو علي: إذا مثّل شدّ ما أنّك ذاهبٌ بنِعْم ما، فجاء بعد قولك (شدَّ ما) نكرةٌ في موضع نصْب، كما أنّها بعد (نِعْمَ ما) كذلك، وتقديرُه (نِعْم الشيءُ شيئًا)، كما أنَّ تقديرَ نعمَ رجلاً: نِعْمَ الرّجُلُ رجُلاً، و (أنّك) على هذا خبرُ مُبتدأ، كأنّك قلت: نِعْمَ شيئًا هو أنّك تقول الحقَّ، لما قيل لك: ما هو؟. ومن قدّر (زيدًا) مُبتدأ في قولك: نعْمَ الرّجُلُ زيدٌ، فقال: كأنّه قال في التّقدير زيدٌ نعم الرجلُ، فإنّه ينبغي له أنْ يوافِقَ من يقول: إنّ زيدًا خبر مبتدأ محذوف في قولك: نِعْمَ الرجلُ زيدٌ، لأنّه إنْ لم يُقدِّرهُ هذا

التقدير لزِمَهُ أنْ يبتدئ بأنَّ المفتوحَةَ، كأنّه قال: أنّك ذاهبٌ نِعْمَ العملُ، وهذه لا يجوزُ ابتداؤُها. قال: وسألتُه عن قوله: كما أنّه لا يعلمُ ذاك، فتجاوزَ اللهُ عنه، وهذا حَقٌّ، كما أنّك هنا، فزَعَمَ أنَّ العاملة في (أنّ) الكافُ، وما لغوٌ، ويدُلُّك على أنَّ الكافَ العاملةَ قولُهم: هذا حقٌّ مثلما أنّك هنا. قال أبو علي: أيْ يعملُ (مثل) في إنَّ، وفتحُه إيّاها كفتح الكاف إيّاها، وإنّما فُتِحت (أنّ) بعد الكاف كما فُتِحَتْ بعد (مثل) لأنّها مُضافٌ إليها، والمُضاف إليه يكون اسمًا، و (أنَّ) إذا وقَعَتْ موقعَ اسمٍ فُتِحَ. قال: وبعضُ العرب يرفعُ – أي (مثل) - فيما حَدَّثنا يونسُ، وزَعَم أنّهم يقولون "إنّه لحق مثلُ ما أنّكم تنطقون".

قال أبو بكر: قال أبو العباس: قال أبو عثمان: فتداعى منخراه بدَمٍ ... مِثْلَ ما أثْمَرَ حُمّاضُ الجَبَلْ قال أبو بكر: قال أبو العباس: قال أبو عثمان: سيبويه والنحويون يقولون: إنما بني (مثلُ) لأنه إضافة إلى غير معرب وهو أنكم. قال أبو العباس: قال أبو عمر: هو حال من النكرة ولا اختلاف في جوازه على ما قاله أبو عمر.

قال أبو علي: الدّليلُ على أنَّ (مثلَ) إنّما بُنِيَ على الفتح لأنّه مضافٌ إلى غير مُعْربٍ أنّك إذا أضَفْتَ هذا الذي بَنَيْتَهُ مِنَ الأسماءِ المُبْهَمَةِ إلى مُعْرَبٍ لمْ تَبْنِهِ، فمن قال: على حينَ عاتبت، وهذا حقٌّ مثل ما أنّك، لم يَقُلْ: على حينَ تُعاقِبُ ولا هذا حَقٌّ مِثْل قولك، فهذا يَدُلُّك على البناء في (مِثْلَ) وما أشْبَهَهُ مِن المُبْهَمةِ للإضافة إلى مَبْنِيّ، فاكتسى البناءَ منه كما يكتسي منه التّعريفَ والتّنكيرَ، وأقوى الأقاويل في هذا القولُ، لأنَّ الحالَ مِنَ النَّكِرَةِ ليس بالقويِّ عندهم، فأمّا بناءُ (مِثْلَ) مع (ما) فإنّه بَعيدٌ لأنَّه إذا كانت (ما) زائدةً لمْ يَسُغْ بناؤُها مع ما قبلَها وتصييرها اسمًا واحدًا، ألا ترى أنّه لم يوجَدْ في الشَّيْئَيْن اللَّذَيْن جُعِلا اسمًا واحدًا ما أحَدُ الشَّيْئَيْن فيه حرفٌ زائدٌ، فأمّا البيتُ الذي أنشده أبو عثمان فيحتمِلُ أنْ يكونَ (مثل) فيه مضافًا إلى (ما)، وأنْ تكون (ما) فيه مع الفعل الذي بعده بمنزلة المصدر، إلاّ أنّ (مثل) فيه بُنِيَ أيضًا على الفتح، لأنّه أضيفَ إلى غيرِ مُعْربٍ، وعلى هذا التّأويل لا يكون حُجّة، لِكَوْنِ (مثل) مع (ما)، بمنزلة اسمٍ واحدٍ، لأنَّ (ما) لا تكونُ زائدةً في البيت على هذا. وجاز أنْ يكونَ (مثل) مُضافًا إلى (ما أثْمرَ) إذا كان بمعنى المصدر، وكان (مثل) صفة لِدَمٍ، ودَمٌ نكرةٌ، و (ما أثمر) معرفةٌ لأنّه بمنزلة إثمارِ حُمَّاضِ الجَبَلِ، لأنّ (مثل) وإنْ أضَفْتَهُ إلى المعرفة لم يمتنعْ

مِنْ أنْ يكونَ وصفًا للنَّكِرة فعلى هذا قلت: (مررْتُ برجلٍ مثلِك)، ولذلك جعله أبو عُمر مُنتصِبًا على الحال. فمِثْلُ على قول أبي عُمَر مُعْربٌ وإنْ كان مُضافًا إلى مبنيّ، وهو مِنْ هذا الوجه جَيِّدٌ، ولا مَوْضِعَ لمِثْل مِن الإعراب على قوله، ونظيرُه قراءةُ مَنْ قَرَأ: "مِنْ عذابِ يَومئذٍ"، ولولا أنَّ الحالَ على قوله يصيرُ مِنَ الفِكْرَةِ لكان قولاً حَسنًا، و (مِثْلُ) على قول سيبويه وأبي عثمان في موضع رفعٍ صِفَةٌ (لحق) لأنّه عندهما مبْنيّ وإنْ اختلفا في وجه البناء. قال أبو بكر: قال أبو العبّاس: قولي في هذا كقول سيبويه، قال: وقال: وقولُ أبي عُمر وأبي عثمان جائزان. قال أبو علي: قد قلتُ أنا في قول المازنيّ ما عندي فيه، وإنَّ أقوى الأقاويل قولَ سيبويه، وهو أنّه بُنِيَ لأنّه أضيف إلى غير معربٍ. قال: ولو جاءت (ما) مُسْقطةً مِنَ الكافِ. أي مِنْ قولِك: (كما أنّك هنا) في الشّعر جاز. قال النّابغة: ... كأنْ يُؤْخَذَ المرءُ الكريمُ ...

فـ (ما) لا تُحذَفُ ها هنا، كما لا تُحذَفُ في الكلام مِنْ (إنَّ)، ولكنّه جاز في الشّعر، يعني كما حُذِفَتْ (ما) التي في قوله في (إمّا). قال أبو علي: يقول: لا تُحذَفُ (ما) مِنْ (كما) في الكلام، كما لا تُحذَفُ (ما) مِنْ (إنْ) في الكلام من قولك: (أمّا) لأنَّ عندَه أنَّ (إمّا) المكسورةَ الهمزة إنّما هي (إنْ) ضُمَّتْ إليها (ما)، ولا يجوزُ حذفُ (ما) فيها، إلا في الشّعرِ، وقد مضى القولُ في هذا في حَدِّ الإضمارِ والإظهارِ مِنْ باب الفاعلِ والمفعولِ. وسألْتُ أبا بكرٍ عنْ نَصْبِ (فيُقْتَلا). فقال: لا يكونُ على قولِ سيبويه إلا على (فأستريحا، لأنّه بعد الإيجاب، قال: وهو في إنشاد أبي عثمانَ مُستقيمٌ لأنّ (أنْ) تُجْعَلُ النّاصِبَةَ للفعلِ والكافُ داخلةٌ عليها، فيكونُ حينئذٍ

هذا باب من أبواب إن

(فيُقْتلا) على (أنْ). قال أبو إسحاق: قولُ سيبويه أصْوَبُ، لأنّه أراد (كما أنّه يُؤْخَذُ) ولمْ يُرِد التّشبيهَ، ومتى أرَدْتَ التَّشبيه تنْصِبُ ويزولُ المعنى. **** هذا بابٌ مِنْ أبوابِ إنَّ قال: لا تعملُ هنا شيئًا، وإنْ كانت الهاءُ هي القائلَ. أي: وإنْ كانت في قولك: قال عَمروٌ إنّه منطلقٌ، كِنايَةً عن عَمروٍ وعَمْروٌ هو قائلٌ هذا القولَ، كما لا تعملُ شيئًا إذا قلتَ: قال، وأظْهَرْتَ (هو)، أيْ إذا قلت: عَمروٌ منطلقٌ.

هذا باب من أبواب إن

هذا بابٌ مِن أبوابِ إنَّ قال: وسألتُه: هل يجوزُ كما أنّك هنا على حدِّ قوله: كما أنت هاهنا؟. فقال: لا، لأنَّ (أنَّ) لا يُبْتدَأُ بها في كُلِّ موضعٍ. قال أبو علي: كما يُضاف إلى المصادر، فلا يقعُ (أنّ) بعدها إلاّ مفتوحًا، لأنَّ المضاف إليه يكون اسمًا، و (إنّ) المكسورة لا تكون اسمًا. قال: ألا ترى أنّك لا تقول: يومَ الجمعة إنّك ذاهبٌ. قال أبو علي: فلو قال لنفى يومَ الجمعة غير مُتّصِل به شيءٌ.

هذا باب آخر من أبواب إن

هذا بابٌ آخرُ مِنْ أبوابِ إنَّ قال: وتقول إذا أردْتَ معنى اليمين: أعْطَيْتُه ما إنَّ شَرَّهُ خيرٌ مِنْ جَيّد ما معك، وهؤلاء الذين إنّ أجبنهم لأشجع من شجعائكم. قال أبو إسحاق: المعنى ما والله إنَّ شَرَّهُ. قال أبو علي: (إنَّ) لِتَلَقِّي القَسم، وقد تَفْصِلُ بين الصّلة والموصول بالقَسَم كقول القائل: ذاك الذي وأبيك تعرفُ مالِكٌ ... والحَقُّ يَدْفَعُ تُرَّهاتِ الباطِلِ

هذا باب من أبواب إن

هذا بابٌ مِنْ أبوابِ إنَّ قال: ولو جاز أن تقول: إنّك لذاهبٌ لقُلْت: أشْهَدُ بِلَذاكَ، فهذه اللاّمُ لا تكونُ إلا في الابتداء. قال أبو علي: يقول: لو جاز أن يعملَ (أشهدُ) في (أنَّ) مع دخول اللامِ في خبره لقلتَ: أشهدُ بكذا، لأنَّ التَّقديرَ باللاّم في (لَذاهبٌ) أنْ يكونَ قبلَ (أنَّ)، فلَوْ جازَ أنْ يعملَ النّاصِبُ فيما عليه اللامُ لَجاز أنْ يعملَ فيه الجارّ، ولا يجوزُ واحدٌ منهما. قال: وقال الخليلُ: مِثْلُه "إنَّ اللهَ يعلَمُ ما تدعون مِنْ دونِه مِنْ شيءٍ". قال أبوعلي: التَّوفيقُ بين هذه وبين قوله "هل ندُلُّكم على رجلٍ يُنَبِّئُكُم" الآية، أنَّ الاستفهام لا يعملُ ما قبلَه في ما بعدَه، كما لا يعمل

ما قبل هذه اللام في ما بعدَه، وموضعُ (ما) نَصْبٌ (بتَدْعون) لا (بيعلمُ)، والجملةُ التي هي (ما تدعون من دونه من شيءٍ) في موضع نصْبٍ بيَعْلَمُ، و (يَعْلَمُ) هذه التي تتعدّى إلى مفعولين، ولا يجوزُ أنْ تكونَ التي بمعنى (عَرفْتُهُ). قال في معنى عَلِمْتُ أنّه منطلقٌ: حَمَلْتَ (أنّ) على الفعل إذ لم يُضْطَرّ إلى أنْ يحمله على الابتداء، وكما قال: أمّا أنت مُنطلقًا انْطَلَقْتُ، لم يَجُزْ أن تبتدئَ الكلامَ بعد (أمّا)، فاضْطُرِرْتَ في هذا الموضع إلى أن تحملَ الكلامَ على الفعل. قال أبو علي: لم يَجُزْ هذا، لأنّ (أنّ) التي مع الفعل بمعنى المصدر، لا يجوز أن يقع بعدها الاسمُ، وأنّ التي قبل (ما) هذه لا يقعُ بعدها إلاّ الفعلُ بمعنى المصدر صار عِوَضًا مِنَ الفعل، فتقديرُ ارتفاع (أنت) بالفعل لا بالابتداء. قال: فإذا قلت: عَلِمْتُ أنَّ زيدًا منطلقٌ لم يكنْ في (مُنطلق) إلاّ الرّفْعُ في مُنطلق بعد قولك: عَلِمْتُ أنّ زيدًا، فإنّما قال هذا لما وفّق بين عَلِمْتُ لَزَيْدٌ مُنطلقٌ، وأمّا أنتَ منطلقًا في أنّ ما بعدَ اللاّمِ لا يكونُ إلاّ اسمًا كما أنّ ما بعدَ (أنّ) التي تنصبُ الاسمَ، وأمّا لا يكون إلا فعلاً، فأرى أنّ مِن المواضع ما يكون للفعلِ دون الاسمِ، ومنها ما يكون للاسمِ دون الفعلِ. قال سيبويه: هذه كلمةٌ تتكلّم بها العربُ في حال اليمين، وليس كُلُّ

العرب تتكلّم بها. تقول: لهِنك لَرَجُلُ صِدْقٍ. قال أبو علي: تقدير القيم في (لَهِنَّكَ) أنْ يقع قبل اللامِ، كأنّه قال: والله لإنّك رَجُلُ صِدْقٍ، فلذلك صارت اللامُ الأولى للقَسَمِ والثانية لأن، وتقديرُ القَسَم في إنَّ زيدًا لما لَيَنْطَلِقَنَّ، أنْ يكونَ قبلَ اللاّمِ التي في (ليَنْطَلِقَنَّ)، كأنّه قال: إنَّ زيدًا لما والله لَينْطَلِقنَّ هي التي تلقّت القَسَم، وإنّما دَخَلَت النّونُ عليها لأنّها للاستقبال. قال: وقد يجوز في الشّعر (أشهدُ إنَّ زيدًا ذاهبٌ) لأنّ معناه معنى اليمين كما أنّه لو قال: أشهدُ أنتَ ذاهبٌ ولم يذكر اللام لمْ يكنْ إلا ابتداء وهو قبيحٌ ضعيفٌ إلاّ باللاّم. قال أبو علي: غَلِطَ عليه أبو العباس، إنّما يريدُ اللام في (ذاهبٌ)، فيَحذِفُها في الشِّعْر.

هذا باب أن وإن

قال: كما أنّه ضعيفٌ قد علمتُ عمروٌ خيرٌ منك. أي لأنّه لم يذكرْ ما قام عملَ الفعلِ، ومُعلّقًا له. ... هذا بابُ أنْ وإنْ قال: وحَدَّثني مَنْ لا أتّهِمُ عن رجُلٍ مِنْ أهلِ المدينة موثوقٍ به أنّه سَمِع عربيا يتكلم بمثل قوله: إنْ زيدٌ لذاهبٌ، وهي التي في قوله: "وإنْ كانوا ليقولون لوْ أنّ عندنا"، وهذه (إنْ) محذوفةٌ. قال أبو علي: (إنْ) هذه مُخَفَّفَةٌ مِن الثَّقيلة، وإنّما لم تدخل الثقيلةُ على الأفعال، فلمّا خُفِّفَت زال الشّبَهُ بالفعل، فدَخَلَتْ عليه، ولم يمتنع ذلك، لأنّه حرفُ تأكيدٍ، والفعلُ يُؤَكَّدُ كما يُؤَكَّدُ الاسمُ.

قال: وتصْرفُ (ما) إلى الابتداء كما صَرَفَتْها {ما} إلى الابتداء وذلك قولك: ما إنْ زيدٌ ذاهبٌ، وما إنْ طبُّنا جُبْنٌ ... ... قال أبو علي: تصْرِفُ (إنْ) (ما) إلى الابتداء كما صرفْتَ (ما) (إنَّ) الثّقيلةَ إلى الابتداء فيمن قال: ما زيدٌ ذاهبًا إذا أدْخَلَ (إنْ) هذه

قال: ما إنْ زيدٌ ذاهبٌ، كما أنّ مَنْ قال: إنَّ زيدًا منطلقٌ إذا أدْخَلَ (ما) قال: إنّما زيدٌ منطلقٌ، ولا يجوزُ أنْ تكون (إنْ) في قولك: (ما إنْ لنا فيه)، كالتي في قوله "إن الكافرون إلا في غرور"، لأنّها لو كانت تلك، لَكان الكلامُ إيجابًا. قال: ويكونُ الكلامُ على التّفسير الذي فَسَّرَه الخليلُ في بابِ (إنّ) الثّقيلة والتفسيرُ الأوّلُ لغيرِ الخليل، وجُملةُ القول إنَّ مَنْ كان (إنْ) هناك عندَه في موضع كان (إنْ) هنا عنده في موضع جَرّ. قال: وتقول: إنّي مِمّا أنْ أفْعَلَ ذاك، كأنّه قال: إنّي مِن الشّأن أو الأمر أنْ أفْعَلَ، فوقَعَتْ (ما) هنا كما تقول العربُ، بِئْسَما، يريدون بِئْسَ الشَّيْءُ. قال أبوعلي: موضع (إنْ) في قولك: إنّي مِمّا أنْ أفْعَلَ ذاك رفعٌ، وقدْ أقيمَ المضاف إليه مقام المضاف، كأنّك قلت: إنّي من الأمر صاحِبَ أنْ أفْعَلَ، أي صاحِبَ فِعْلِ ذلك، فحذفْتَ المضاف أعني (صاحب) المُقَدَّرَ. قال: وتقول: ائْتني بعد ما تقولُ ذاك القولَ، كأنّك قلت بعد قولك ذاك القولَ، كما أنّك إذا قلت بعدَ أن تقولَ، فإنّماتريد [بعد] ذلك. أي المصدرَ، ولو كانت (بعدَ) مع (ما) بمنزلة كلمةٍ واحد لم تقلْ:

ائْتِني من بعد ما تقول ذاك، ولكانت الدّالُ على حالةٍ واحدةٍ. قال أبو علي: يقولُ: لو كانت (ما) كافَّةً ولم تكن هي التي مع ما بعدها من الفعل بمنزلة المصدر لم تزل الفتحةعن الدّال مِنْ (بَعْد)، كما لا تزولُ الفتحةُ عنها إذا كانت (ما) كافَّةً، فإذا جُرَّ بِمنْ ولم يُنَوَّنْ عُلِمَ أنّها مُضافةٌ إلى (ما)، تقولُ وإنَّ ما تقولُ بمنزلة القول. قال: وسَمِعْنا فُصَحاءَ العرب يقولون: لحقٌّ أنّه ذاهبٌ. قال أبو الحسن: لم أسمع هذا من العرب، وإنّما وجَدْتُه في الكتاب، وهو جائزٌ في القياس، وإنّما قبَّحَه عندي حذفُ الخبر، ألا ترى أنّك لو قلت: لَعبْد الله، وأضْمرْت لمْ يجُزْ؟. قال أبو علي: لِقائل أن يقول: إضْمارُ خَبر (لحقّ أنّه ذاهبٌ) أحْسَنُ مِنْ إضمارِ (لعَبْدُ الله)، لأنّه إذا طال الكلامُ حَسُنَ الحذفُ. وقولُ أبي الحسن هنا حُجّةٌ عليه في حَمْلِه (ما أحْسَنَ زيدًا) على أنّه بمعنى الذي. قال: وعَسَيْتَ بمنزلة اخْلَوْلَقَتِ السّماءُ.

قال أبو علي: في أنّه يقعُ بعد كل واحدٍ (أنْ يفعَلَ)، وموضعُهُ في كلا الموضعين نَصْبٌ. قال: وكَيْنونَةٌ عسى للواحد والجميع، والمُؤَنّث تَدُلُّك على ذلك. قال أبو علي: إنَّ بعد عسى رَفْعٌ كأنّك قلت: عسى فِعْلُهم أو عسى فِعْلُهما، لأنّ (أنْ) مع ما بعده اسمٌ واحدٌ، وكان الفعلُ الذي في صِلَتِه لِمُثَنّى أو مجموع، ألا ترى أنّك إذا قلت: عسى أنْ يفعلوا فتَمْثِيلُهُ عسى فِعْلُهم، فالاسمُ المرتفعُ بعسى واحدٌ وإنْ كان المضافُ إليه جميعًا، وإنّما الفاعلُ هو المضافُ لا المضاف إليه. قال: واعلم أنّهم لم يستعملوا عسى فِعْلُكَ اسْتَغْنَوا بأنْ تَفْعَل عن ذلك. قال أبو علي: يقول: لم يستعملوا المصدرَ نحو الضَّرْب في قولك عَسى أنْ يَضْربَ، كما لم يستعملوا اسمَ الفاعل موضعَ الفعلِ في قولك: كادَ زيدٌ يفعَلُ، وعسى يفْعَلُ، إلاّ في الضّرورةِ، للاستغناء بأنْ يفعلَ عن الفعل، وبِيَفْعَلَ عن الفاعلِ. قال: واعلم أنَّ من العرب من يقول: عسى يفْعَلُ، يُشَبِّهُها بكادَ

يفعلُ فيَفْعَلُ حينئذٍ في موضع الاسم المنصوبِ. قال أبو علي: (عسى) فعلٌ، و (يفْعَلُ) فعلٌ، والفعلُ لا يَدْخُلُ على الفِعْل، ففي (عسى) ضميرٌ فاعلٌ، ويَفْعَلُ في موضع نَصْبٍ، لأنّه جاء بعد فعلٍ وفاعلٍ، ويَدُلُّ على أنَّ موضعَه نصْبٌ "عَسى الْغُوَيْرُ أبْؤُسًا"، فأبْؤُسًا في موضِع أنْ يفعلَ، والشّاذُّ في قولهم "عسى الغوير أبْؤُسًا" وقوعُ الاسم غيْر (أنْ يَفْعَلَ) موضعَ (أنْ يفعَلَ)، لأنَّ حكم (عسى) أن يقعَ بعدها (أنْ) مع ما يَتَّصِلُ بها، لأنّها خلافُ (كاد)، لبُعْدِها مِنَ الحالِ، فَمِنْ حَيْثُ لم يُسْتَعْمَلْ بعدَ (كادَ) (أنْ) لِقُرْبِها مِن الحالِ، اسْتُعْمِلَ بعد (عسى) لبُعْدِها مِن الحال، فحُكمُ (عسى) أنْ يُسْتعملَ بعدها (أنْ)، وحُكْمُ (كاد) ألاّ يُسْتعملَ بعدها (أنْ)، وهذا على جميع ما في التَّنزيل مِنْ هذا، ثمَّ يُضْطَرُّ الشَّاعِرُ فيُشَبِّه (عسى) (بكاد) وكادَ بعسى، فيقعُ بعدَ كُلِّ واحدٍ منهما يفْعلُ في موضعِ نصبٍ، ثمَّ يقعُ اسمُ الفعلِ موضعَ (يفعلُ)، كما جاء في المثل (أبْؤُسًا) لم يجيءْ غيرُها.

هذا باب ما يكون فيه أن بمنزلة أي

قال: وسألتُه عن معنى أريدُ لأنْ تفعلَ، فقال: إنّما يريدُ أن يقول: إرادتي لهذا كما قال "وأُمِرْتُ لأن أكون أوّلَ المسلمين". قال أبو بكر: قال أبو العباس: الفعل يَدُلُّ على مصدرٍ، فلَمّا قال: أرَدْتُ، دَلَّ على الإرادة، فكأنّه قال: أرَدْتُ وإرادتي لهذا، فحُذفَتْ (إرادتي) لدلالة (أريدُ) عليه، وكذلك "ردِفَ لكم" و"إنْ كنتم للرُّؤْيا تعبرون" وما أشْبَهَهُ، أي رَدِفَ هذه الرَّدافَة لكُمْ، وإنْ كنتم تعبرون العبارةَ للرُّؤْيا. ... هذا بابُ ما يكون فيه أنْ بمنزلة أيْ قال: وأمّا قولُه: كتبْتُ إليه أن افْعَلْ، فيكون على وجهين، على أن تكون التي تنصِبُ الأفعالَ، وصَلْتَها بحرف الأمر والنهي كما تصلُ (الذي) بتَفْعَلُ إذا خاطبْتَ به. قال أبو علي: الذي حُكْمُه أنْ يُوصَلَ بشيءٍ يَرْجِعُ منه إليه ذِكْرٌ، كما أنّ حُكْمَه أنْ يُوصَلَ بفعلٍ غيرِ أمرٍ، فَلَمّا وقع (أنْ) موقعَ أمرٍ وُصِلَ بالأمر، وإنْ لم يكن كذلك بابُه، كما أنّ (الذي) لَمَّا وَقَعَ في الخِطابِ

وُصِلَ لذلك بما لمْ يَرْجِعْ منه إليه ذكرٌ، نحو ذلك: أمرْتُهُ قُمْ، فقُمْ أمْرٌ، وحُكْمُ (أنْ) أنْ يوصَلَ مِنَ الأفعال بما كان خبرًا نحو: أنْ قُمْتَ وأنْ تقومَ، ولو قال قائلٌ: إنّ (أنْ قمْ) أقبحُ في القياس منْ (أنتَ الذي يفعلُ)، لأنَّ (قمْ) أمرٌ، و (تفْعَلُ) خَبَرٌ، والذي لا يُوصَلُ به شيءٌ موصولٌ، إنّما يُوصَلُ بالخَبَر لَكانَ قولاً. قال: في قوله عزَّ وجلّ "وآخِرُ دعواهم أنِ الحمدُ لله رب العالمين"، لا تكونُ (أنْ) التي تَنْصِبُ الفعلَ، لأنَّ تلك لا يُبْتَدَأ بعدَها الأسماءُ، ولا تكونُ (أيْ)، لأنّ (أيْ) إنّما تجيءُ بعد كلامٍ يستغني، ولا تكون في موضع المبنيّ على المبتدأ. قال أبو علي: (أنْ) التي للتفسير بمنزلة (أيْ)، لا تكونُ إلاّ بعدَ كلامٍ تامٍّ كما أنَّ (أيْ) لا يُفَسَّرُ به إلاّ بعدَ كلامٍ مُسْتَغْنٍ، فأنْ في قوله تعالى "وآخِرُ دعواهم أن الحمدُ لله" أنْ لا تكونُ إلاّ التّفسيرُ لأنَّ خبرَ المبتدأ لمْ يَمْضِ.

قال: ومثلُ ذلك قولُ الأعشى: في فِتْيَةٍ كَسُيُوفِ الهِنْدِ ... أي مِثْل "أنْ غَضَبُ اللهِ".

قال: وإنْ شئتَ رفعتَ في قول الشّاعر: كأنْ وريداهُ ... على مثل الإضمار الذي في قوله: إنّه مَنْ يَأتِنا نُعْطِهِ، أو يكون هذا المُضْمَرُ هو الذي ذُكِرَ، كما قال: كأنْ ظَبْيَةٌ تَعْطُو إلى وارِقِ السَّلَمْ قال أبو علي: إذا رَفَعَ (وريداهُ) أضْمَر في (أنْ) القِصَّةَ والحديثَ ثُمَّ فَسَّرَهُ بقوله (وَريداهُ رشاءُ خُلْبِ)، لأنه جملةٌ، وهذه الهاءُ تُفَسَّرُ بالجُمَلِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يكونَ أضْمَرَ في (كأنْ) هذه ضمير القِصَّةِ والحديثِ، لأنَّ ضميرَ القِصَّةِ والحديث، لا يُفَسَّرُ إلا بالجُمَلِ. وقولُه: (ظَبْيَةٌ تَعطو إلى وارِقِ السّلَمْ)، ليس بجملةٍ، لأنَّ (تَعْطُو)

صِفَةٌ لِظَبْيَة، فكأنّك قلت: ظَبْيةٌ عاطِيةٌ إلى كذا، وهذا لا يكونُ تفسيرًا للْقِصَّةِ والحديث. قال: ولو أنهم إذْ حذَفوا جَعَلوه بمنزلةِ (إنّما) كما جَعَلوا (إنْ) بمنزلةِ (لكنْ) لكانَ وجهًا. قال أبو علي: يقول: ولو أنهم إذْ حذَفوا (كانْ) لم يعمِلوه كما لم يُعْمِلوا (إنّما) لكانَ وجهًا، كما أنّهم لم يُعْمِلوا (لما) و (لكنْ) إذا خَفَّفوه، فقُلْتَ: "إنْ كُلُّ نفسٍ لَما عليها حافِظ" كما قلت: "لكن الرّاسخون في العلم" لكان قويا. قال: وأمّا قولُه "أنْ بسم الله" فإنّما يكون على الإضمار. قال أبو علي: لا يجوز أن يكون (بسمِ الله) كقولك: كأن وَريداهُ لأنَّ (وريداهُ رِشاءُ خُلْب) مُبتدأ وخبرٌ، وليس (بسم الله) كذلك فلا يكون هُنا إلاّ مُضْمرًا فيها، والإضمارُ الذي فيها يكون القِصَّةُ

هذا باب آخر فيه أنه مخففة

والحديثُ، كأنّك قلت: إنّه لأنّ (بسمِ الله) معناه معنى جملةٍ، كأنّك قلت: أبتدِئُ بسم الله. ... هذا بابٌ آخرُ فيه أنْهُ مُخَفَّفَةٌ وذلك قولُك: قد عَلِمْتُ أنْ لا يقولُ ذلك. قال: ليست (أنْ) التي تنصِبُ الأفعالَ تقعُ في هذا الموضع، لأنّ ذا موضعُ تقريرٍ وإيجابٍ. قال أبو علي: (عَلِمْتُ) موضعُ تثبيت وإيجابٍ، فيقَعُ بعدهُ (أنْ) لأنَّها أيضًا للتَّثْبيت والإيجابِ، و (أنْ) التي تنصِبُ الفعلَ لا تكونُ للتَّثْبيتِ أبدًا، فلوْ وَقَعَ بعْدَ (عَلِمْتُ) لكان كالنَّقيضِ.

قال: وأمّا ظَنَنْتُ وحَسِبْتُ وخِلْتُ ورأيْتُ فإنَّ (أنْ) تكونُ فيها على وجهين: النّاصِبَة والمُخَفَّفة. قال أبو علي: هذه الأفعالُ التي ذكرها تقع بعدها (أنْ) النّاصِبَةُ للفعلِ والمُخَفَّفة، فإذا وقعَت المُخَفَّفة فالمُراد بها أنّه ثَبَتَ في الظَّنِّ واسْتَقَرَّ كما ثَبَتَ ما بعدَ العلم، فإذا وقعت النّاصِبَةُ فما بعْدَ الظَّنِّ لم يَثْبُتْ، كما أنَّ ما بعدَ (رَجَوْتُ وحَسِبْتُ) ونَحْوه لم يَثْبُتْ، وعلى هذا قُرِئَ "وحسِبوا أنْ لا تكونُ" و (ألاّ تكونَ) مرفوعًا ومنصوبًا. قال: فإذا رفعْتَ قلتَ: قدْ حَسِبْتُ ألاَّ تقولُ ذاك، وأرى أنْ سَيَفْعَلُ ولا تَدْخُلُ هذه السّينُ في الفعلِ هُنا حتّى يكونَ (أنَّهُ). قال أبوعلي: إذا وَقَعَت السّينُ في الفعل المستقبل بعْدَ (أنْ) لم تكُنْ (أنْ) النّاصِبَة لِلْفِعْل ولم تكنْ إلاّ المُخَفَّفَة مِن الثَّقيلة، وإنّما لم تكن النّاصِبةَ لِلْفعل لأنَّ السّينَ للاستقبال، و (أنْ) أيضًا إذا دَخَلتْ على فعلٍ مضارِعٍ عُلِمَ أنّها للاستقبال إذْ لا تقعُ لِلْحالِ، فمِنْ حيثُ لم يجزْ أنْ يجتمعَ الحرفان إذا كانا بمعنى واحدٍ، كالتّأكيدَيْن والاستفهامَيْن لم يَجُزْ أنْ يجتمعَ هذان، ولو جمعْتَ بينهما لكان بمنزلةِ جَمْعِكَ السّينَ وسوف.

قال: فجَرى الظّن هنا مَجْرى اليقين لأنّه نفْيُهُ. قال أبو علي: قولُه: لأنّه نفيُه أي ظننْتُ نَفي (عَلِمْتُ)،وعَلِمْتُ يقعُ بعدَه (أنّ) المُثقّلة، فأجْرى (ظننْتُ) لَمّا كان نفيُه بمنزلتِه. قال: ومع هذا أنّه قد كثُرَ في كلامِهم حتّى حذفوا فيه (إنّه)، فإنّه لا يُحذَفُ في غيرِ هذا الموضع. قال أبو علي: إنَّ المكسورة لا تُحذَفُ على شريطةِ أنْ يكونَ فيها إضمارُ القِصَّةِ إلاَّ في هذا الموضع.

هذا باب أم وأو

هذا بابُ أمْ وأوْ أمّا (أمْ) فلا يكونُ الكلامُ بها إلاّ استفهامًا، ويقعُ الكلامُ بها في الاستفهام على وجهين: على معنى أيُّهما وأيُّهم، وعلى أنْ يكونَ الاستفهامُ الآخِرُ مُنْقطعًا عن الأوّل. قال أبو علي: مثالُ المنقطع (إنّها لإبِلٌ أم شاءٌ) فهي تجيءُ بعد الخبر كما تجيءُ بعد الاستفهام، والتي بمعنى (أيْ) مع الألف لا تكونُ إلا في الاستفهام. فأمّا (أوْ) فإنّها تُثْبِتُ في الخبرِ أحد الشَّيْئَيْن أو الأشياء، وعلى ذلك يدْخُلُ عليها الاستفهام، فإنْ قلت: (تقولُ جالِسْ زيدًا أوْ عَمْرًا)، فيجوزُ له أنْ يُجالِسَهما جميعًا كما يجتمِعُ بين ما كان بالواوِ في

هذا باب أم إذا كان الكلام بها بمنزلة أيهما وأيهم

قولك: زيدًا وعمرًا، فالفَصْلُ أنّه إذا جَمَعَ بالواو فجالسَ أحدَهما دون الآخر لمْ يكنْ مُطيعًا للأمرِ، وإذا كان (بأوْ) فجَالسَ أحدَهما دون الآخَر فقدْ أطاع ولم يَعْصِ. ... هذا بابُ أمْ إذا كان الكلامُ بها بمنزلة أيُّهما وأيُّهم قال: وجَعَلْتَ الاسمَ الآخِرَ عَديلاً للأوّل، وصارَ الذي لا تسألُ عنه بينهما. قال أبو علي: الذي لا تسألُ عنه هو كونُ المسؤول عنه في قولك: أزيدٌ عندكَ أمْ عمروٌ، لأنّه ثَبَتَ عندَه الكون بالمسألة (بأوْ) أوْ بغيرِه فَلمْ يسألْ عنه، وإنّما يسْألُ عن نَفْسِ أحد الاسمين أو الأسامي، فأمّا كونُ أحدِ المُسَمَّيْنِ عندَه فقدْ عَلِمَهُ، فليس يحتاجُ إلى المسألة عنهُ. قال: ومِنْ هذا الباب قولُه: (ما أُبالي أزيدًا لَقِيتُ أمْ عَمْرًا)، (وسَواءٌ عَلَيَّ أزيدًا كَلَّمْتُ أمْ عَمْرًا).

قال أبو علي: جرى هذا على حرف الاستفهام مِنْ حيثُ كان تسويَةً وإنْ لم يكنْ استفهامًا، لأنّ كُلَّ استفهامٍ تسويةٌ، ألا ترى أنّك إذا استفهمتَ عن شيءٍ كان ما اسْتفهمْت عنه عندك وخِلافُه سواءٌ. ولو لمْ يكنْ كذلك كُنْت مُتيقّنًا له غيرَ مُسْتَفْهِمٍ عنه، فإنّما جرى على التّسْوِيةِ حرفُ الاستفهام هنا من حيثُ كان التَّسْوِيةُ يَعُمُّ الاستفهام، فلمْ يكنْ استفهامٌ إلاّ تسوية، كما جرى على تخصيص حروف النِّداء وإنْ لم يكنْ مُنادَى، لأنَّ الاختصاصَ يقعُ عند النّداءِ، وكُلُّ مُنادَى مُخْتَصٌّ. قال: ولم تَسْألْ عن موضعِ أحدهما. أي عن (زيدٍ) المنصوب الذي هو موضعُ أحد الفعلين. قال: وتقول: ما أدري أقام زيدٌ أمْ قعَدَ إذا أرَدْتَ أنّه لم يكنْ بينهما شيءٌ. تقول: لا أدّعي أنّه كان منه في تلك الحال قيامٌ ولا قُعودٌ. قال أبو علي: إذا قال: لا أدري أقامَ أمْ قَعَدَ، وأراد أنْ يصِفَ أنَّ فعلَه لمْ يطُلْ، كأنّه ساعةَ قامَ قَعَدَ، أوْ ساعة قَعدَ قام، فإنّه قد عَلِمَ مِن المخْبَرِ عنهُ فعلٌ، كما أنّه إذا قال: ما أدري أقامَ أو قعدَ، فقدْ عَلِمَ منه فعلٌ مِنْ أحدِ هذين، وإنّما يسألُ تعيينُ أحدِهما، إلاّ أنّه لَمّا كان قليلاً جَعَلَه بمنزلة ما لم يكنْ ولم يُعْلَمْ، فاسْتفهمَ عنه بأوْ، وإنْ كان أحدُ الفعليْن فيه بأوْ معلومًا فقد عُلِمَ هنا أحدُ الفعلَيْن، كما عُلِمَ فيما يُسْتَفْهَمُ

هذا باب أم منقطعة

عنه (بأمْ) أحد الفعلين، إلاّ أنّه لِقِلّتِه جُعلَ بمنزلة ما لم يُعْلَمْ، ويَدُلُّك على أنّ أحد الفعلين هنا معلومٌ أنّك إذا قلتَ: (تَكَلَّمْتَ ولم تكلَّمْ) فقدْ كان منه كلامٌ معلومٌ، إلاّ أنّه لمّا لم يبلغ المراد منه، ولم يُعَدَّ كلامًا، لم يُعَدّ بأحدِ فعليه لَمّا لم يُبالغْ فيه فعلٌ. ... هذا بابُ أم منقطعة قال: وبمنزلة (أمْ) هنا قوله تعالى"ألم تنزيلُ الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين، أمْ يقولون افتراه ... ". قال أبو العباس: فيُقال له: هذا الضَّرْبُ يجري على ما أصَّلْتَ من الشّكّ. قال: والقولُ فيه أنَّ (أمْ) إنّما تجيءُ للتَّحَوُّل مِنْ خبرٍ إلى خبرٍ، ومعناها في القرآن التّوبيخُ والتّقريرُ كما كان في الألف، ونظيرُها في

الخبر (بلْ)، نحوُ (جاءني عبدُ الله)، ثمّ يُضْربُ عنه فيقول: (بَلْ زيدٌ مررْتُ به)، والألف التي للتوبيخ، فتقديرُه: أتقولون: افتراه وتقديرُه على التّوبيخ والتّحوُّل جميعًا، بل أتقولون افتراهُ، فهي على معنى (بَلْ)، إذا كان معها استفهامٌ. وأنْشدَ: كَذَبتْكَ عينُكَ أم رأيتَ بواسِطٍ .... قال: معناه: بلْ رأيْتَ كقولك: إنّها لإبلٌ أمْ شاءٌ، ومثلُ ذلك قولُ كُثيّر: أليس أبي بالنَّضْرِ أمْ ليس والدي ...

هذا باب أو

قال أبو العباس: ترك الاستفهام الأوّل ومال إلى الثاني، كأنّه لَمّا قال: أليسَ أبي بالنَّضْرِ مُقَرِّرًا تَرْكَ هذا، وأضربَ عنه لا إضرابَ إبْطالٍ، لكنّه إضرابُ تركٍ غيرُ إبْطالٍ، ثمَّ استَفْهَمَ الاستفهامَ الآخَرَ، فكأنّه قال: بَلْ أليسَ والدي كذا وكذا، ومثلُ الاستفهام الأوّل في أنْ لم يجْعَل (أمْ) إضرابَ إبْطالٍ إنّما جعلهُ إضرابَ تركٍ غير إبْطالٍ وإقْبالٍ على غيره قولُ الله عز وجل: "أمْ يقولون افتراهُ" بعد قوله "الم تنزيل الكتاب لا ريب فيه"، ألا ترى أنّ (أمْ) هنا مُحالٌ أنْ تكونَ إضرابَ إبْطال؟. ... هذا بابُ أوْ تقولُ: (أيّهم تضْربُ أو تقتُلُ)، (ومَنْ يأتيكَ أوْ يُحدّثُكَ) لا يكونُ هنا إلاّ (أوْ)، من قِبَلِ أنّك تستفهمُ عن المفعول. قال أبو بكر: لأنَّ (أمْ) اسْتَغْرقَتْها (أيْ)، والحروف الأخَرُ نحو (كيف)، والدّليلُ على أنّ هذه الحروف بمعنى (أيُّ) أنّك إذا سألْتَ بها لم تُجِبْ بلا ونَعَمْ، وإنّما تُجابُ بالشّيْء بعيْنِه، وذلك لأنّك إذا قلتَ: كيفَ زيدٌ، نابَ عن قولِك: أصالِحٌ أمْ طالِحٌ، وكذا أمْ كذا، وأجَبْتَ بحالٍ كما

يُجابُ بها إذا كان السُّؤالُ بأمْ، وكذلك إذا قلتَ: أيُّهم زيدٌ؟ نابَ عن قولك: أذا زيدٌ أمْ ذا؟، فالجوابُ يقعُ بذكري الشّخْصَ المسؤولَ عنه كما كان في أمْ. قال: ومِمّا يَدُلُّك أنّ ألفَ الاستفهام ليستْ بمنزلة (هلْ) أنّك تقولُ للرَّجُلِ: أطرَبًا؟ وأنْت تعلم أنّه قدْ طرِبَ لتوبيخِه. قال أبو علي: إذا اخْتُصَّتِ الألفُ بأشياءَ ليستْ في (هلْ)، كما قد ذَكَرَه، فلا يُمْكِنُ أنْ يُعادِلَها (أمْ) مِنْ حيثُ لا يُعادِلُها (هَلْ). قال: وإذا قلتَ: أزيدٌ أفضَلُ أمْ عمروٌ؟ لم يَجُزْ ها هُنا إلاّ (أمْ). قال أبو بكر: لوْ قُلْتَهُ (بأوْ) لكان المعنى: أحَدُهما أفْضلُ، وليس هذا بكلامٍ. قال: ولوْ قلتَ: أزيدًا لقيتَ أوْ عَمرًا؟ وأزيدٌ عندك أو عمروٌ؟ كان

هذا في الجواز والحُسْن بمنزلة تأخير الاسم إذا أردْتَ معنى أيُّهما. قال أبو علي: يعني قولُك: أزيدٌ عندك أمْ عمروٌ لأنَّ ذلك بمعنى (أيُّهما)، فالأحْسَنُ هنا تقديمُ الاسمِ، والأحْسَنُ في (أوْ) تقديمُ الفعلِ، وأنْ تقولَ: ألَقيتَ زيدًا أوْ عَمرًا، والعِبْرَةُ في هذا تقديمُ ما يُقْصَدُ إليه بالسُّؤال. قال: لأنّك إذا سألْتَ عن الفعل اسْتُغْنِيَ بأوّل اسمٍ. أيْ فَلَمْ تُكَرِّرْه بأمْ. قال: فهذا يجري مُجرى: ألقيتَ زيدًا أوْ عَمْرًا. أيْ في تقديم ما يُسْتفهمُ عنه وهو (لَقِيتَ) و (عندَك). قال: وتقديمُ الاسمين جميعًا مثلُه وهُوَ مُؤَخَّرٌ. يريدُ بالاسمين: أزيدٌ أو عَمْرٌو عندك؟ وقولُه مثلُه وهو مُؤَخَّرٌ: أيْ في المعنى لا في الإخبار. قال: وتقولُ: أزيدًا أو عَمْرًا رأيْتَ أمْ بِشْرًا وذلك أنّك لم تُرِدْ أنْ تجعل عَمْرًا عَديلاً لِزيدٍ حتّى يصيرَ بمنزلةِ (أيُّهما).

قال أبو بكر: إذا قال: أزيدٌ عندك أو عمرٌو؟ فالجوابُ (لا) أو (نعم)، والمعنى: أحدُهما عندك، وإذا قال: أزيدٌ عندك أمْ عمروٌ؟ فالجوابُ زيدٌ أو عمروٌ إذا كان واحدٌ منهما عندك، فإذا قال: أزيدٌ أو عمروٌ عندك أمْ بِشْرٌ؟ فالجوابُ: أنْ يقولَ: بِشْرٌ إنْ كان عنده بِشْرٌ، وإنْ كان عندَه أحدُ الاسمَيْن الآخَرَيْن قال: أحدُهما ولم يقل: عَمْروٌ ولا زيدٌ، ولكنّه يقول: أحدُهما بهذه اللّفْظةِ، فيذكُرُ معنى أوْ. وإنّما لم يجز له أن يقول في جوابِ "أزيدٌ أو عمروٌ" لا أو نعم في هذا الموضع كما كان يقوله قبل أن يُرَكِّبَهُ مع (أمْ) لأنَّ (أمْ) تقتضي الشَّيْءَ بعينه في الجواب عنها، فصارَ (أزيدٌ أو عمروٌ) بمنزلة اسمٍ واحدٍ، وهو قولُك (أحدُهما)، فكما أنّه إذا قال: أزيدٌ عندك أمْ عمروٌ لا يجوزُ أنْ يقول في جوابِ ذلك (نعم) أوْ (لا)، كذلك لا يجوزُ أن يقولَ في جوابِ (أزيدٌ أو عمروٌ عندك أمْ بِشْرٌ): (لا) ولا (نعم) لأنَّ قولَك أزَيْدٌ أو عَمْروٌ معَ (أمْ) بمنزلة (أزيدٌ) في قولك: أزيدٌ عندك أم عمرٌو؟ لا يجوزُ أن تجيبَ إلاّ بأحد الاسمين إذا كان أحدُهما عندك. قال: ويكشف هذا أن يقول القائلُ: آلْحَسَنُ أو الحُسَيْنُ أفضلُ أم ابنُ الحَنفِيَّة؟ آلدُّرُّ أو الياقوتُ أفضلُ أم الخَزَفُ؟ فجوابُ هذا أنْ يقولَ: أحدُهما في المسألتين جميعًا، لا يجوزُ أنْ تقولَ: الحسَنُ دون الحُسَيْن، ولا الحُسَيْن دون الحسن، وكذلك في الدُّرِّ والياقوتِ، فأراد أنْ يُعَينَ لهُ ما

هذا باب أو في غير الاستفهام

اسْتفْهَم بأمْ، فقال: آلدُّرُ أم الياقوت أفضلُ؟، فيُقال له حينئذٍ: الدُّرُّ أو الياقوتُ، أيُّهما كان عند المُجيبِ أفْضَلُ. وإنْ أرَدْتَ معنى (أيُّهما) في هذه المسألة قلتَ: أتضْرِبُ زيدًا أمْ تقتلُ خالدًا؟ لأنّك لمْ تُثْبِتْ أحد الفعلين لاسمٍ واحدٍ. قال أبو علي: الأحْسَنُ أنْ يكونَ {السُّؤالُ بأمْ} لأنّك تُثْبِتُ أحدَ الفعلين، وإنْ كان على {أو} لم تُثْبِتْ أحد الفعلين إذا كان السُّؤال بأوْ. ... هذا باب أوْ في غير الاستفهام تقول: جالِسْ زيدًا أو عمرًا أو خالدًا، كأنّك قلت: جالِسْ أحد هؤلاء. قال أبو علي: (أوْ) إنّما تكون لأحد الشَّيْئين أو الأشياء، وقد يقول القائلُ في الإباحة: كلْ خُبْزًا أوْ لحمًا، فأكَلَهما المأمور جميعًا، فإن قيل: فيمَ ينفصِلُ هذا مِن الواو إذا قلتَ: كُلْ خبزًا ولحمًا، فإنّه ينفصِلُ بأنّك إذا قلت: خبزًا أو لحمًا، فأكل أحَدَهما كان مُطيعًا، ولو قال له بالواو فأكل واحدًا منهما لم يُطِعْ، فمعنى كونِهما لأحدِ الشَّيئين أو الأشياء لازمٌ

لها هنا أيضًا: أنشد: إذا ما انتهى علمي تناهيتُ عندهُ ... أطالَ فأمْلى أو تناهى فأقْصِرا قال أبو إسحاق: أطالَ فأمْلى، الصّوابُ (بأوْ) مِنْ أطالَ يُطيلُ، فإذا قلت: (أمْ) فيكون مِنْ طالَ والألفُ للاستفهام. قال أبو العباس: الأحْسَنُ في هذا (أوْ)، لأنّ التقدير: إنْ كان كذا، أوْ كان كذا. قال سيبويه: ولا يجوزُ لأضْرِبَنَّهُ أمكَثَ، ولهذا لا يجوزُ لأضْرِبنَه أذَهَبَ أوْ مَكَثَ. قال أبو علي: إنّما جاز (ما أدْرِي أقامَ زيدٌ أو قعد)، فوقع

الاستفهامُ بعد العلم وما ناسبَه من الأفعال، ولم يَجُزْ وقوعُه بعد غيرها مِن الأفعال، لأنّ هذه الأفعال قد تُلْغى في مثل قولك: زيدٌ عَلِمْتُ منطلقٌ فلا تعملُ في موضعٍ ولا لفظٍ، فليسَ تعليقُها بعد الاستفهام بأكْثَر مِنْ إلغائها، لأنّه إذا عُلٌّ عَمَلٌ في الموضع، وفي الإلغاء لا تعملُ في لفظ ولا موضع ولم يُلْغَ غيرُ هذا الضَّرْب من الأفعال فيُعَلَّق. قال أبو إسحاق: (لأضْرِبنهُ أذَهَبَ أمْ مَكَثَ)، (أو) أحْسنُ وأقوى ها هُنا لأنَّ (أمْ) إذا قلتَ: لأضربَنّه ذهب أم مكث يكون المعنى ذاهبًا أوْ ماكثًا فتَقْطَعُ (أمْ) على الحال والصِّفة، وبه ضَعْفٌ. قال أبو علي: لأنّ حُكْمَ (أمْ) أنْ يكون للاستفهام، ولا يكونُ (ذهَبَ) إذا كانتْ صِفَةً اسْتِفْهامًا.

هذا باب الواو التي تدخل عليها ألف الاستفهام

هذا بابُ الواو التي تدخل عليها ألفُ الاستفهام قال: فإنّما هذا الاستفهامُ مُسْتقْبَلٌ بالألف، ولا تدخلُ الواوُ على الألف. قال أبو إسحاق: الألفُ أصْلُ الاستفهام، وليس فيها إلاّ معنى الاستفهام ولا تدخلُ عليها الواوُ، (وهَلْ) فيها معنى (قَدْ)، ولو قلنا: هل وهُو فُلانٌ كُنّا نُقَدِّرُ بعد (هل) استفهامًا قبل الواو، ولا تُقدّمُ (هلْ) على الألف. قال سيبويه: وقولُه: {أوَلا} تأتينا، أو لا تحدثنا، إذا أردْتَ التَّقريرَ أو غيره ثم أعدْت حرفًا من هذه الحروف. قال أبو علي: يجعلُ قولَه: أولا تحدثنا استفهامًا ثانيًا مُسْتَقْبلاً به، وليس ما بعد ألف الاستفهام هنا كما بعد (أوْ) وما قبلها استفهامٌ واحدٌ.

قال أبو علي: الفَصْلُ بين لسْتَ بشْرًا أو لسْتَ عُمَرًا، وبين لَسْتَ بِشْرًا أَوَ لستَ عُمَرًا، أنّ الأولى تنفي فيه الجملتين كلّ واحدٍ منهما على حالها، وأنّك في الثاني تنفي جملة واحدة، فتقديرُ الثاني: لسْتَ واحدًا منهما، وتقديرُ الأوّل لستَ كذا ولستَ كذا. قال سيبويه: وإذا قلتَ: أوْ لا تُطِعْ كفورًا انقَلَبَ المعنى. قال أبو إسحاق: معنى قوله: انقلب المعنى: أنّك إذا قلت: أوْ لا تطعْ كأنّه يقول: أطِعْ آثِمًا، إنّما لا تُطِعْ كفورًا، لا تُطِعْ آثْمًا، فإذا جمَعْتَ فقُلْتَ: آثِمًا أوْ كفورًا، كأنّك قلتَ: ولا تُطِعْ هَذَيْنِ. ********* انتهى الجزء الثاني من التعليقة ويليه إن شاء الله الجزء الثالث، ويبدأ بقوله: هذا باب ما ينصرف وما لا ينصرف.

هذا باب ما ينصرف وما لا ينصرف

هذا بابُ ما ينصرفُ وما لا ينصرفُ هذا بابُ أفْعَل إذا كان اسمًا: قال: ولو جاء في الكلام شيء نحو: أكْلَلِ، وأيْقَق فسميْت به رجلاً صرفته. قال أبو علي: الدليل على أن الهمزة فيما يجيء على مثال (أكْلَل) أصلية غير زائدة، وإن كانت الهمزة أوَّلاً وبعدها ثلاثة أحرف إظهارك حرفي التضعيف ولو كانت الهمزة زائدة كزيادتها في (أحْمَر) لأدغمت المثلين وحركت الحرف الساكن وألقيت عليه المدغم، فقلت: أكلّ، وأيّق، كما تقول: أنَّك وأجَلَّ وأصمَّ، فإذا بَيَّنْتَ الحرفين المثلين تبيّن أن الهمزة فاء، وأن اللام الآخرة زائدة للإلحاق بجعفر، يدلك على ذلك إظهار الحرفين المثلين، والحرفان المثلان إذا كانا للإلحاق لم يُدغما، ولو سميت رجلاً بمثل، (يَزْدَد) لصرفته أيضًا، ولم يحكم بزيادة الياء كما لم يُحكم في

مثل (أكْلَل) بزيادة الهمزة، لأن الياء لو كانت زائدة لأدغمت المثلين كما يدغم (يشُمّ)، فكذلك لو سميت رجلاً بيأجج لصرفته لأن الياء أصلية غير زائدة كالتي في (يَرْمَع)، الدليل على ذلك ظهور المثلين. فإن قلت: فقد جاء (ألْبَبُ) مبَيَّنًا غير مدغم وهو من اللّبِّ، قولك شاذ لا ينبغي أن يقاس عليه بألْجج ونحو أكْلَل وأيْقَق، لكن ينبغي أن يُحمل على الأكثر الشائع دون القليل النادرة. قال سيبويه: وأمّا أوَّلُ فهو أفْعَلُ، يَدُلُّك على ذلك: هو أوَّلُ منك، ومررْتُ بأوَّلَ منك، والأولى.

قال أبو علي: أوّل: أفْعَلُ الهمزة زائدة، والفاء والعين مثلان كأنه أوْوَلُ، فأدغم الحرف الأول الساكن في الثاني، ومما جاء فيه الفاء والعين من موضع واحد قولهم: دَدَنٌ، وكَوْكَبٌ، الفاء والعين من موضع فيهما مثلان كما أنهما في (أوّل) كذلك، والدليل على أن الهمزة زائدة فيه حتى يقوم دليل على أنه أصل، ودليل آخر أيضًا على أنه (أَفْعَل) وهو قولهم: الأوْلَى، وهذا كقولك أحْسَنُ منك والحُسْنى، فالهمزة في (أوّل) زائدة لأنها همزة (أفْعَل) فأما الهمزة التي في (أوْلى) فمنقلبة عن حرف أصلي وهو الفاء، وهو واو أصله (وُولَى)، إلا أنه اجتمع في أول الكلمة واوان، والواوان إذا اجتمعا في أول كلمة فاجتماعهما على ضربين: أحدهما: الواو الثانية فيه لازمة ثابتة، والواو الثانية في مرة غير لازمة، فقلب مرة ألفًا، ومرة واواً، فإذا كانت الواوان من الضرب الأول وجب إبدال الأولى منهما، كقولك في تصغير واصِلٍ، ووَاقِدٍ وتكسيرهما: أوَاصِل وأوَيْصِل، وأوَاقِد، وأوَيْقِد، فالواو الأولى تنقلب همزة لا محالة. والضرب الثاني: وهو الذي الواو الثانية فيه مدة غير لازمة وهو

نحو: فُوعَلَ، من الوعد، تقول: وُوعَد، و (وُوزَن) و "وُورِي عنهما من سواءاتهما"، فهذا الضرب لا يلزم فيه إبدال الأولى همزة من حيث الواو الأولى في الضرب الأول، لأن الواو هنا لازمة، ألا ترى أنك لو بنيت الفعل للفاعل لقلبت الواو ألفًا فقلت: وَاعَدَ ووَازَنَ، فهذا الضرب لا تلزم فيه الواو الثانية لزومها في الضرب الأول، فلا يلزم إبدال الأولى همزة من حيث يجب إبدالها همزة هناك، لكن من قال: في: وُجُوهٍ أجُوهٍ، وفي وُقِّتَتْ أُقِّتَتْ، قال في وُوعِدَ: أُوعِدَ، فقلب الواو التي هي فاء همزة من حيث تقلب الواو المضمومة همزة لا من حيث اجتمع واوان، لو كان كذلك لم يجز غير الإبدال، كما لا يجوز في تصغير (وَاصِل) وتكسيره غيره. وقونا: الأوْلى هو من الضرب الأول، وهو الذي يجتمع في أوله واوان لازمتان، ومتى اجتمعتا ولزمتا، وجب إبدال الأولى همزة. فالثانية في الأولى لازمة غير منقلبة ألفًا كما تنقلب الثانية في وُوعِدَ ألفًا، فكذلك لزم إبدال الواو المبدلة التي هي فاء من الأولى همزةً، كما لزم إبدال الواو الأولى من أوَيْصِل أوَاصِل همزة للزوم الثانية وامتناعها من الانقلاب ألفًا في أوْلى، وفي أوَيْصِل ونحوه، وهذا مذهب جميع من تقدم من العلماء في أوَّل وأولي.

وزعم بعض منتحلي العربية: أن الأوّل مأخوذ من آلَ يَؤُول أوْلاً إذا رجع، وهذا التقدير لا يجيزه التصريف، ولو كان كما قال لقيل: أوَّلُ في أفْعل، ولم يقل: أوَّل، وإنما كان يلزم أن يقال: أوَّل، لأن الهمزة التي في أوْلٍ، فإذا بني منه أفْعَل، وجب أن يزاد على (أول) همزة أفعل، فتجتمع همزتان، الزائدة التي في (أفْعَل)، والتي هي فاء، فيصير (أاوَل) مثل (أعْوَل)، وإذا اجتمع همزتان في كلمة واحدة وكانت الثانية ساكنة، وجب إبدال الثانية منهما بحسب الحرف الذي منه الحركة التي في الأولى، فكان يجب إبدال الهمزة الثانية في (أأوَل)، كما يجب ألفًا، كما وجب إبدال الهمزة الثانية من (آدَم) و (آذَر) وما أشبهه ألفًا، ووجب حركة الواو التي هي عين في (أوَّل) بالفتح لأنه على بناء (أفْعَل)، وليس اللفظ بأوّل كما ذكر من قال إنه مأخوذ من أوْلٍ، إنما هو أوَل ليس بآوَل، ولعل القائل استهواه قولهم: أوْلي، فظن أن هذه الهمزة ليست بمنقلبة، وأنها أصل، لأنه

لو كان مأخوذًا من أوْل لكان اللفظ بالفُعْلى كاللفظ بها إذا كانت الفاء والعين مثلين. وإذا كان التقدير بالهمزتين مختلفًا، لأنه في تقدير ما همزتُه منقلبة عن واو وهي فاء، اجتمع معها واو أخرى لازمة، وإذا كان من (أوَل) فالهمزة عين مبدلة، وقد بيّنا أن اشتقاقه من أوْلٍ غير جائز. قال: وإذا سميت رجلاً بألبَب فهو غير مصروف والمعنى عليه لأنه من اللَّبِّ. قال أبو علي: ليس (ألْبَب) وإنْ ظهر فيه التضعيف بمنصرفٍ اسمُ رجلٍ كما ينصرف يأجَجُ وأيْقَقُ اسمين لرجل، لأن التضعيف هنا وإن ظهر فمعلوم بالاشتقاق أن الهمزة زائدة، لأنه مأخوذ من اللَّبّ، وإنما ظهور هذا التضعيف شاذ، ووزنه أفْعَل، ولولا العلم بزيادته من جهة الاشتقاق لصرفته اسم رجل، وليس بناؤه على الأكثر الشائع.

قال: ومما يُترك صرفه لأنه يشبه الفعل، ولا يجعل الحرف الأولُ منه زائدًا، إلا بِثَبْتٍ: تَنْضُبُ. قال: لأنه ليس في وزن الكلام فَعْلُلٍ. قال أبو علي: ليس في أصول أبنية الرباعي بناء على فَعْلُل حروفه كلها أصول. قال: ومن ذلك أيضًا تَرْتُب وتُرْتَب، ويقال: تُرْتُب. قال أبو علي: لولا ما جاء من تَرتُب وتُرتَب لحكمنا بأن التاء من (تُرْتُب) أصلية [وكان هناك] دليل من الاشتقاق يدل على زيادتها، لأن ما أوله التاء من الرباعي، وكان على وزن يكون عليه الرباعي الذي لا حرف زائدًا فيه، حكم أن التاء أصل حتى يقوم دليل من

الاشتقاق أو ما يقوم مقامه، فلولا ماجاء من تَرْتُب، وتُرتَب لحكم في تاء تُرتُب بأنه أصل إلى أن يقوم دليل زيادة، لكن لما جاء تَرتُب علم أن التاء من (تُرتب) وإن كانت على وزن الأصول زائد، لأن التاء من تُرتُب هي التي في تَرْتُب، وقد ثبت زيادتها في تَرتُب، فثبتت زيادتها في تُرتُب لأنها تلك، فلو لم يعلم أن اشتقاقه من الشيء الراتب لقلت: تَرتُب وتُرتَب لأن التاء من تَرْتُب زائدة، كما قام الدليل من قولهم: تُتْفَل على أن التاء من تُتْفُل زائدة، لأن التاء من تُتْفُل وإن كان قد جاء في الرباعي الأصلي مثله نحو بُرْثُن، وتُرْتُم، فهي زائدة لقولهم: تُتْفُل، لأن التاء من تَتْفُل لا تكون إلا زائدة، والتي في تُتْفُل هي هي. والتُّدْرَأ، أيضًا يعلم أن التاء فيه زائدة لمكان دَرَأتُ، ألا ترى أنك تشتق منه ما تسقط الفاء فيه، ولو لم تشتق ما تسقط الفاء فيه

لحكمت أيضًا بأن التاء زائدة لأنه ليس في أوزان الرباعي الأصلي شيء على وزن جَعْفَر، فقد قام لك في (تُدْرأ) دليلان على زيادة التاء، كما قام لك في (تُرتُب) دليلان على زيادتها، ولو لم يكن فيها إلا دليل واحد لحكمت بالزيادة، كما حكمت بزيادة تُتْفُل إنها زيادة، وإن لم يكن فيه دليل الاشتقاق. فأمّا تَألَبُ، فلولا الاشتقاق لحكمت بأن التاء منه أصل، لمجيئه على ما يكون عليه الرباعي، نحو جَعْفَر، وسَلْهَب، إلا أنك لما اشتققت منه الألَبَ علمت أن التاء فيه زائدة، ولولا ذلك لحكمت بأنه أصل، ففي ما ذكرنا من هذه الجمل دليل على ما كان مثله. قال: وأمّا ما جاء نحو تَوْلَب ونَهْشلٍ فهو عندنا من نفس الحرف مصروفٌ حتى يجيء أمرٌ يبينه.

قال أبو علي: الحكم في التاء والنون إذا وقعتا في أول كلمة على أربعة أحرف على عكس الحكم في الياء والهمزة إذا وقعتا أوّلين في كلمة رباعية، لأنك تحكم في التاء والنون بأنهما أصليتان حتى يقوم دليل على الزيادة، والحكم في الهمزة والياء بأنهما زائدتان حتى يقوم دليل على أنهما أصليتان كنحو ما قام من الدليل في أيْصَر، وأوْلق، وأرْطَى، ويأجَجُ أنهن أصول. أما أيْصَرٌ، فلقولهم: إِصارٌ في جمعه، فاشتققت منه ما تثبت فيه الهمزة، وسقطت الياء، فعلمت بذلك أنه فيْعَل، ليس

بأفْعَل، ولو سميت به لصرفته، كما لو سميته بحَيْدَرٍ لصرفته، ولو سميته بيأجَج لصرفته، لأن الياء أصل كما لو سميته بقَرْدَد لصرفته ولو سميته بأوْلق لصرفته، كما أنك لو سميته بكَوْثر لصرفته. وأما أرْطَى فوزنه فَعْلَل ليس بأفْعَل، لقولهم: مأروطٌ، فهو مُلحقٌ بجعفر، ولو سميت به رجلاً لم تصرفه، فإن قلت: لِمَ هو مثل جعفر؟ فلأنَّ الألف لما امتنع دخول تاء التأنيث عليه لحظر التسمية، شابَهَ ألف التأنيث، ألا ترى أن تاء التأنيث لا تدخله في هذه الحال؟ كما لا تدخل على ذِفْرَى في قول مَنْ لم يُنَوِّن، وحُبْلى وما أشبهه فقد اجتمع الألفان من أرْطَى وحُبْلى، في أنّ كل واحد منهما يمتنع دخول تاء التأنيث عليه، فامتنع من الانصراف لذلك والتعريف. قال: فإن قلت: فما بالك تصرف (يَزيدَ) في النكرة، وإنّما منعك منصرف أحْمَر في النكرة وهو اسم أنّه مضارع الفعل، فأحمر إذا كان صفة بمنزلة الفعل قبل أن يكون اسمًا، فإذا صار اسمًا، ثم جعلته نكرة، فإنما صيَّرْتَهُ إلى حاله إذا كان صفة. قال أبو علي: يعني أن أحْمَر قبل أن يُسمّى به بمنزلة الفعل في أنه لا ينصرف كما أن الفعل لا ينصرف قبل أن يكون اسمًا، فإذا صار اسمًا، ثم جعلته نكرة، فإنّما صيرته إلى حاله إن كان صفة، أي قبل أن يُسمّى به،

يعني أنك رددته وهو اسم بالتنكير إلى حال كان فيها لم ينصرف، لأنه لم يكن يتصرف وهو نكرة قبل أن يسمى به. قال أبو الحسن: ينصرف أحمر وما أشبهه في النكرة إذا كان اسمًا لأنه إنما منعه من الصرف أنه صفة، فقد ذهب عنه الذي كان يمنعه.

قال: وأما (يزيد) فإنّك إنّما جعلته اسمًا في حالٍ يُستثقَلُ فيه التنوين، أي في حال التعريف. قال: وأحْمَر لم يزلْ اسمًا. قال أبو علي: لم يزل اسمًا لأنه حين كان صفة اسمًا لا ينصرف، وأنت إذا نكَّرْتَهُ بعد التعريف فقد أعَدْتَه إلى حال كان فيها لا ينصرف. قال: بعد قوله: إن ألفات الوصل تقطع في مثل: (إضْرِبْ) إذا سمي به وليس لك أن تغير البناء في مثل قولك: ضُرِبَ، وضُورِبَ، ويقول: إن مثل هذا ليس في الأسماء.

قال أبو علي: كأنّ قائلاً قال: إذا سميت بإضْرِبْ، فقطعت ألف الوصل ليكون كالأسماء فكذلك إذا سميت بضُرِبَ ونحوه، فغُيّر البناء، ليوافق البناء بناء الاسم. وجواب هذا أنّ أبا بكر قال: الاسم حقه أن يصاغ صياغة لا ينتقل ولا يخرج منه حرف ويدخل حرف، فلذلك وجب قطع الألف. (وفُعِلَ) إذا سمي به فلا يلزمك أن تُغيره، لأنّ لك أن تسمي بما شئت، وليس لك أن تسمي باسم تنقصه مرة حرفًا، وتثبته في أخرى.

فإن قيل: فهلا قسته على اسمٍ وابنٍ، فذلك ناد لا يقاس عليه. قال: والأسماء التي شبهناها أي بالأفعال نحو (إثْمِدٍ)، و (إِصْبَعٍ) فإنما أضعف أمرها، أي: أمر ضُرِبَ وضُورِبَ، أن يصير إلى هذا، أي يمنعها التنوين. قال: ألا ترى أنك تقول: امْرؤٌ وامْرِئٍ، وليس شيء من الفعل هكذا: أي لا يعتقب على شيء من هذه الأفعال مثل هذه الحركات المختلفة.

قال: لم يكن بُد من أن يجعلها كالأسماء. قال أبو علي: يقول: يقطع ألبتّة ولا يدعها على الوصل. قال: سميت رجلاً بتَضارُبٍ ثم حقرته، قلت: تُضَيْرِبُ، ولم تصرفه لأنه يصير بمنزلة تَغْلِب. قال أبو علي: إذا وافق تصغير ما ينصرف تصغير ما لا ينصرف لم يُصرف كما أنه إذا وافق تصغير ما لا ينصرف تصغير ما ينصرف صرفته، نحو عُمَيْر تصغير عُمَر ومُسَيْجِد تصغير مساجد إذا سميت به رجلاً.

هذا باب ما لا ينصرف من الأمثلة وما ينصرف

هذا بابُ ما لا ينصرفُ من الأمثلة وما ينصرف قال: فإنّما زعمْتَ أنّ هذا البناء يكون في الكلام على وجوه وصار أفْعَلُ اسمًا. قال أبو العباس: قوله: وصار أفْعَلُ اسمًا إنما لم يصرف (أفعَل) لأنه عرفه بأن أجراه على معهود، وحين أشار به إلى (أفْعَل) الواقع بعد (كُلّ). قال: وكذلك منزلة (أفْعَلَ) في المسألة الأولى. قال أبو علي: يريد في قوله (كُلُّ أفْعَل يكون وصفًا). قال: فلو لمْ تصرفه ثَمَّ لتركت (أفْعَلَ) ها هنا نصبًا ثمَّ، أي

في قولك: (كلُّ أفْعَل) وها هنا تريد به موضع (أفْعَل) بعد (كُلّ)،وإنما شبّهه لأنه ليس بوصف، لكنه اسم على وزن الفعل سمَّيتَ المثال به وصرفْتَه، لأن (أفْعَل) بعد (كُلّ) نكرة. وقوله: تركت (أفْعَل) نصبًا، أي قلت: كلُّ (أفْعَل) يكون فعلاً. قال: وتقول إذا قلت: هذا رجلٌ أفْعَلُ لم تصرفه على حال، وذلك لأنك مثّلت به الوصفَ خاصةً، فصار كقولك: كلُّ أفْعَلَ زيدٌ نصبٌ أبدًا، لأنك مثّلتَ به الفعلَ خاصةً. قال أبو عثمان: أخطأ، ينبغي له أن يصرف، وإلا نقض جميع قوله لأن (أفْعَل) ليس بوصف. إنما هو مثال للفعل وليس يمتنع إلا من صرف (أفْعَل) الذي هو صفة. قال أبو العباس: لم يصنع أبو عثمان شيئًا. قال أبو علي: إنما قال أبو العباس ذلك، لأن (أفْعَل) الواقع بعد

الموصوف لا يكون إلا صفة، كما أن (أفْعَل) الذي ارتفع به (زيدٌ) لا يكون إلا فعلاً، فقد اختص (أفْعَل) بعد الموصوف بأنه وصف وخرج عنه الإشاعة التي كانت فيه، وكُلّ مضافٌ إليه، ولم يبق على أنه مثل يعم أمثلة، فقول سيبويه إذًا صحبح. قال: وأفْعَلُ لا يُعرفُ كلامًا مُستعمَلاً. قال أبو علي: إنما لم يصرف (أفْعَل) ها هنا لأنه أشار به إلى ما تقدم ذكره منه، فلما تعرّف امتنع من الصرف. قال سيبويه: فقولك: (هذا رجلٌ أفْعَلٌ) بمنزلة قولك: أفْعَلَ زيدٌ فإذا لم تذكر الموصوف صار بمنزلة (أفْعَلَ) إذا لم يعمل في اسم مظهر ولا مضمر. قال أبو علي: قوله: فإذا لم يذكر الموصوف أي إذا لم يذكر (رَجُلٌ) في قولك: (هذا رجل أفْعَلٌ) صار بمنزلة (أفْعَل)، أي صار (أفْعَل) الذي كنت أجريته على الموصوف إذا لم يذكر الموصوف بمنزلة (أفْعَل) الذي هو فعل نحو: أكْرَم زيدٌ إذا لم تذكر فاعلاً يرتفع به ولم ترده، فحذفك الموصوف

هذا باب ما ينصرف من الأفعال إذا سميت به رجلا

قبل (أفْعَل) بمنزلة حذفك الفاعل بعد (أفْعَل) في أن كل واحد منهما إذا حذفته انصرف (أفْعَل). وقال أبو علي: في هذا أفْعَل، تقول إذا لم يذكر الموصوف ولا الفاعل خرج عن الاختصاص ودخل في الإشاعة فانصرف. ... هذا بابُ ما ينصرفُ من الأفعال إذا سمَّيْتَ به رجلاً قال: وأما عيسى فكان لا يصرف ذلك. قال أبو علي: يعني ضَرَبَ وضارَبَ وضارِب. قال سيبويه: وهو خلافُ قول العرب، سمعناهم يصرفون الرجل يُسمّى بكَعْسَب وهو فَعْلَل من الكعسبة، وفي نسخة أبي العباس: وهو فَعَلَ من

الكعسبة. قال أبو علي: لم يردْ بقوله: (وهو فَعَل) الوزن والمثال، إنّما أراد المضيّ فقط. قال: والعرب تنشد لسُحَيْم: أنا ابنُ جَلا وطَلاع الثَّنايا ... ولا نُراه على قول عيسى. قال أبو علي: كأنّ عيسى احتج بهذا البيت في امتناعه من صرف (ضَرَبَ)، وأشباهه، لأنّ (جَلا) لم ينوّن، فردّ سيبويه ذلك بأن (جَلا)، إنما لم ينون لأن فيه ضمير فاعل، فهو جملة محكية لا تصرف، ولو سميت (بضَرَبَ) وفيه ضمير فاعل لم تصرِفْ، لأنه جملة يجب أن تحكى، ففي

(جَلا) ضمير إلا أن الضمير لا يظهر في فِعل الواحد. قال: فكأنه قال: أنا ابنُ الّذي جَلا. قال أبو علي: لو سميت رجلاً بِقَتَّلَ لم تصرفه في المعرفة كما تصرفه إذا سميت (بضارِب) وأردت الأمر، لأن (ضارِب) الذي للأمر له في الأسماء نظير مثل: طابِع، وخاتَم، وقَتَّل ليس له في الأسماء نظير، فيمتنع من الانصراف، لأنه بناء يختص به الفعل دون الاسم، كما أن (تنضُب) لا يُصرف في المعرفة، لأنه من الأبنية المختص بها الفعل، فإن قلت: فاصرف (قَتَّل) اسم رجل لأنك قد وجدت في الأسماء مثل (بَقَّم وبَذَّر)، و (فُعِل)، لأنك قد وجدت مثل

(دُئِل)، كما صرفت (ضارِب) الذي للأمر لمّا وجدْتَ (خاتِمًا)، فإنك إنما تعتبر من هذه الأسماء ما تجده اسمًا نكرة مما يستحقه المسمى بصورته (كحاتِم) و (جَبَل) ونحو ذلك، وليس (بَذَّر) اسمًا يستحقه أشخاص

شتى بصفات معلومة، ولا (دُئِل) اسم لأمّة يقال لكل واحد منهم (دُئِل)، إنما هما اسمان نقلا من الفعل فسَمّى بهما شخصين علمين. قال: وإن سمَّيْت رجلاً ببَقَّم أو شَلَّمَ، وهو بيت المقدس لم تصرفه، لأنه ليس في العربية اسم على هذا المثال، ولأنه أشبه فعلاً إذا كان اسمًا لم ينصرف، أي إذا كان ذلك الفعل.

قال أبو علي: (بَقَّمَ) أشبه فعلاً إذا كان اسمًا لم ينصرف، ولم يشبه من الأفعال ما إذا كان اسمًا انصرف نحو (ضارِب) إذا أمرت. قال أبو عثمان: قال أبو الحسن: إن صيّرت (بَقَمَ) أصلاً في الأسماء وهو أعجمي أعرب صرفتَ (فَعَّلَ) كلّه، لأنه في مثال الأسماء. قال أبو عثمان: أخطأ، لو كان كما يقول لصرفنا باب (مساجِد) و (مناديل)، لأن في الأعجمي (سَرَاويل)، ولكنا لا نجعل الأعجميّ أصلاً للعربي، والدليل أنه ليس في العربية مثله. قال: ولو سميت رجلاً "ضَرَبُوا" فيمن قال: أكلوني البراغيثُ. قلت: ضَرَبُونْ، تلحق النون كما تلحقها في "أوْلِي" إذا سميت به رجلاً. قال أبو علي: إنما ألحقت النون لأنك لا تسمي باسم فيه واو الجمع إلا

والنون تلحقه. وقال قائل في الكتاب: إنما رددت النون لأنها كانت "ضَرَبُونَ" في الأصل ولكنها لما بنيت حذفت، لأن الماضي على الفتح مبني، والنصب نظير الفتح، فمن ثم رَدَدْتَ النون حين سمَّيت. قال أبو علي: يدل هذا الفصل على أن صاحبه يذهب إلى أنه كان يجب أن يعرب الفعلُ الماضي في الأصل، ويقول: إن الفتح نظير النصب فكما حذفت النون في قولك: (لنْ يَضْرِبُوا) كذلك حذفت من (ضربوا). قال أبو علي: وليس هذا كذلك لأن الأفعال كلها غير مستحقة للإعراب وإنما المعرب نوع منها شابه الأسماء وهو ما كان منها مضارعًا على ما تقدم، إلا أن القول في إثبات هذه النون ما قلناه، وهو أنك لا تسمي باسم فيه واو الجمع إلا والنون تلحقه.

قال: وإنما فعلتَ هذا بهذا، (أي ألحقت النون والواو بهذا حين كانت لم تكن علامة الإضمار وكانت علامة الجمع)، كما فعلت ذلك بضَرَبْت حين (كانت) علامة التأنيث. قال أبو علي: إذا كانت الواو ضميرًا فالكلمة جملة سمَّيت بها والجملة إذا سمي بها حكيت كما كانت، ألا ترى أنك لا تغير "بَني شابَ قَرْناها".

وما أشبهه شيئًا، فإذا لم تكن الواو ضميرًا وكانت للجمع دون الضمير فسميت به رجلاً أثبتّ النون، لأن هذه الواو إذا كانت في اسم يثبت للجمع والضمير. وقال أبو علي: إن سميت رجلاً بضربتْ ولا ضمير فاعله فيه، قلت: (هذا ضَرَبَةُ قد جاء)، فجعلت التاء كالتاء في (طلحة)، لأن التاء الساكنة التي للتأنيث لا تكون في الأسماء، إنما تكون في الأفعال الماضية، كما أنك إذا سميت رجلاً (بضَرَبُوا)، والواو للجميع لا ضمير فاعلين فيه قلت: (هذا ضربون)، لأنك إذا سميت (بضَرَبَ) ولا ضمير فاعل فيه صار بمنزلة (حَجَر)، فالواو على هذا تصير في اسم، وإذا صارت الواو في اسم وكانت للجمع لم يكن من لحاق النون معها بُدٌّ، لأنهما زائدتان تلحقان معًا الاسم، وكذلك يحذفان معًا، كما يحذف ما يلحق من الزوائد معًا في الترخيم، ألا ترى أنك لو سميت رجلاً "مسلمون" ثم رخمت، لقلت: يا مسلمُ، فكذلك "مسلمان" كما أنك لو سميته مروا، لقلت: يا مروَ، فكذلك هذا وما أشبهه. فإن سميت بـ (قامَتْ)، وفيه ضمير المرأة قلت: (هذا قامتْ)، و (رأيت قامتْ)، فجعلته تاء ساكنة في جميع الأحوال، ولم تغيّره في الوصل ولا في الوقف عن السكون، لأن التاء لحقت فعلاً ولم تلحق اسمًا كما لحقت في الأول اسمًا، وكما لم تغيِّرْ (قامتْ) إذا كان فيه ضمير صاحب الفعل،

هذا باب ما لحقته الألف في آخره

كذلك لا تغير (ضَرَبُوا) اسم رجل إذا كان فيه ضمير الفاعلين، لأن الواو على هذا لم تلحق اسمًا، إنما لحقت فعلاً، والأفعال الماضية إذا جمع فيها الفاعلون لم تلحق النون فيها بعد الواو. قال: فلا تغير (ضَرَبُوا) اسم رجل إذا كانت الواو ضمير الفاعلين لأنه جملة كما لا تغير (قامَتْ) إذا كان فيه ضمير الفاعلة، فأما التاء من (قامَتْ) إذا كان (قامت) خاليًا من الضمير فإنها في الوصل تاء متحركة بحسب ما يجب لها من حركات الإعراب، وفي الوقف هاء ساكنة تبدلها من التاء، ومن كان من لغته أن يقف بالتاء في مثله (طلحة) وما أشبهه وقف على (قامتْ) إذا خلا من الضمير اسم رجل أو غيره بالتاء، فيقال: (هذا قامَتْ). **** هذا بابُ ما لحقتْه الألفُ في آخره قال: فأما مِعْزًى فليس فيه إلا لغة واحدة، كلهم يُنَوَّنها وكذل الأرْطى.

قال أبو عثمان: الدليل على أن ألف مِعْزى ملحقة ببنات الأربعة أن العرب تنونها، وتقول في تصغيرها: (مُعَيزِ) بكسر الزاي مثل تصغير (جعفر) إذا قلت: جعيفرٌ، ولو كانت للتأنيث لقلت: معيزَ كما تقول في ألف التأنيث مثل (حُبَيْلَى). قال: وتذكيره مما يقوي على هذا التفسير، ألا ترى أنهم قالوا: عَلْقاةٌ. قال أبو العباس: يقول: لو كانت ألف أرْطَى ألف تأنيث لم تدخل عليها تاء تأنيث، لأنه لا يدخل تأنيث على تأنيث. قال: وإنما منعهم من صرف (دِفْلَى) ونحوه في النكرات أنّ ألفه حرف يكسر عليه الاسم، أي يصاغ عليه. قال: في أن ألف التأنيث لا يكون للإلحاق، ألا تراهم قالوا: جَمَزَى فبنوا على الحرف، وتوالت فيه ثلاث حركات. قال أبو علي: استدل بقوله جَمَزَى وتوالي الحركات فيها على أن ألف التأنيث لا تكون للإلحاق في مثل (دِفْلى) وما أشبهه، إذ لو كانت

للإلحاق في نحو ذلك لم تقع فيما توالي فيه ثلاث متحركات وكان أربعة أحرف، لأن الملحق بمنزلة الأصل، وإنما تلحق ببناء الأصلي، وليس في الأبنية الأصلية مثل (جَعْفَر) فيكون جَمَزَى ملحقًا به، فهذا يدل على أن ألف التأنيث لا تكون للإلحاق كما أن تاءه لا تكون له، ولو وقعت لم تدخل في مثل قَزْعة، ونَزْعة. فألف التأنيث ومَدَّتُه وتاؤه يجتمعن في أن شيئًا منها لا يكون للإلحاق. قال: موسى وعيسى أعجميان لا ينصرفان في المعرفة وينصرفان في النكرة، وموسى "مُفْعَل" وعيسى "فِعْلى والألف من عيسى ملحقة بمنزلة مِعْزى، ومُوسى "الحديد" مُفْعَل، ولو سميت بها رجلاً لم تصرفها لأنها مؤنثة بمنزلة مِعْزَى، إلا أن الياء في موسى من نفس الكلمة. قال أبو علي: (مِعْزَى) وإن كانت عند الجميع مؤنثة، مع أن منهم من يؤنث ومنهم من يذكر، كما حكاه عن أبي الخطاب، فإن الذين ينونونه

وهي عندهم مؤنثة يجعلونها بمنزلة (عَقْرَبٍ) وما أشبهها من المؤنث الذي على أربعة أحرف، لا يمتنع من الصرف في النكرة، لأنّ فيه علة واحدة، فإن سميت به لم ينصرف – لمشابهته ألف التأنيث في امتناع تاء التأنيث من الدخول عليه في حال تسميتك به كامتناعها من الدخول في (حبْلى)، لكنك لو صغرته وألفه للإلحاق لانصرف، لزوال شبهه بألف التأنيث في حال التصغير ألا ترى أن الألف إذا كانت للإلحاق فصغرتْ قلت: (أرَيْطٍ)، وإذا كانت للتأنيث دونه قلت: (حُبَيْرًا). فاختلفا. فإن كانت الألف للإلحاق والاسم الذي فيه مؤنث لم ينصرف إذا صغرته من حيث لم ينصرف ما فيه ألف الإلحاق والتعريف، لكنه يمتنع من الصرف لأجل التأنيث والتعريف.

هذا باب ما لحقته ألف التأنيث بعد ألف فمنعه ذلك من الانصراف في المعرفة والنكرة

هذا باب ما لحقته ألف التأنيث بعد ألف فمنعه ذلك من الانصراف في المعرفة والنكرة قال أبو علي: الألف في حَمْراء وبَرُوداء لم تثبت في الكلمة، ثم لحقتها ألف أخرى، لو كان كذلك لدخل على (...)، لكن الألفان لحقتا معًا للتأنيث، كما لحقت الألف الواحدة. ومما يدل على أنهما لحقتا معًا أنك إذا حذفت حذفتهما معًا، ألا ترى أنك إذا سميت رجلاً حمراء وزكرياء، ثم رخمته قلت: يا زكريّ، ويا حمرَ فحذفت الحرفين معًا كما تحذف الحرفين من (مسلمون، وعطشان)، ونحوهما معًا. قال: واعلم أن الألفين لا يُزادان إلا للتأنيث، ولا يزادان أبدًا لِتُلْحِقَا.

قال أبو علي: قد قدمنا أن علامات التأنيث لا تكون للإلحاق، حيث ذكرنا أنها جاءت في مثل "جَمزى، وقَزَعةٌ" والألفان في حمْراء، وطرْفاء لا يجوز أن يكون للإلحاق البتة، لانفتاح أولهما، وأنه ليس فيما يلحق به لهما نظير إلا ما يختص به المضاعف نحو: "القِلْقال"، وليس في حمراء ونحوه تضعيف. فأما ما كان مكسور الأول أو مضمومه نحو: (عِلْباء وقُوباء) فإن الهمزات فيه ليست للتأنيث، لكنها منقلبة عن ياء زيدت للإلحاق بفَعْلال، وفُعلال، فانقلبت همزة لوقوعها بعد ألف زائدة، وبنائها على التذكير، كما انقلبت من (سِقاء) ونحوه لذلك. فالهمزة في (عِلْباء) منقلبة عن ياء (زائدة)، يدل على ذلك قولهم: دِرْحاية، فهذه الياء

صحّت، لأن الاسم مبني على التأنيث، والتي في (عِلْباء، وزِيزاء، وقيقاء) قلبت همزة، لأنها مبنية على التذكير انقلبت همزة، ولم يصح، ويدلك على أن الهمزة في (عِلباء) لا مناسبة بينها وبين التي في (حمراء) وما أشبهه صرف (علباء)، وامتناع (حمراء) من الصرف، وأنك تصغره فتقول: عُلَيْبيّ كما تقول: (سُريْديح)، ولو كانت الهمزة للتأنيث قلت: (عُلَيْباء) كما تقول: (حُمَيْراء)، لكنه لما سمعت ما يعد ياء التصغير من (عليبيّ) مكسورًا علمت أنه مثل (سُرَيْدِيح)، ولو كانت المدة كالتي في (حمراء) لفتح ما بعد ياء التصغير منه كما فتحته من (حمراء).

هذا باب ما لحقته نون بعد ألف فلم ينصرف في معرفة ولا نكرة نحو غضبان

هذا باب ما لحقته نون بعد ألف فلم ينصرف في معرفة ولا نكرة نحو غضبان قال أبو العباس: سألت أبا عثمان: لم زعم أن أصل بناء (فعْلان) كغضبان وما أشبهه؟ فقال: من قِبَلِ أن الزيادة للفعل، وأشْبَهُ الأسماءِ بالأفعال الصِّفاتُ، لأنها تحتاج إلى الموصوف، كما يحتاج الفعل إلى الفاعل فلما أن كانت زيادة، علمنا أن أصلها للفعل، فإن لم يكن، لما أشبه الفعل. ... هذا باب ما لا ينصرف في المعرفة مما ليست نونه بمنزلة الألف التي في بُشرى وما أشبهها قال أبو علي: الألف في (بُشرى) مشابهة للنون في غضبان، كما أن حمراء مشابهة لنون عطشان، ووجه الشبه أن تاء التأنيث تمتنع من الدخول على (بُشرى)، كما تمتنع من الدخول على (غضبان)، إلا أنَّ

(حمراء) أشبه به لتوافقهما في الحركة والسكون. قال: وإنما دعاهم ألا يصرفوا هذا، (يعني سرحان)، في المعرفة أن آخره كآخر ما لا ينصرف في معرفة ولا نكرة، فجعلوه بمنزلته في المعرفة كما جعلوا (أفْكَل) بمنزلة ما لا يدخله التنوين في معرفة ولا نكرة. قال أبو علي: إنما امتنع (سِرْحان) وما أشبهه من أن ينصرف في المعرفة من أجل أنه شابَهَ (غضبان) في حال التسمية، لأن علامة التأنيث تمتنع من الدخول عليه في حال التسمية، كالشبه في (مِعْزى) في حال التسمية بحُبْلى، والعلة فيها كالعلة فيما قدمناه. قال: وكأن هذه النون (يعني النون التي في سِرْحان)، بعد الألف في الأصل لباب (فَعْلان) الذي له (فَعْلى).

قال أبو علي: لأنّ (فَعلان) الذي [مؤنَّثُه] (فَعْلى)، أقعد في الصفة وأشبه بالفعل، والزيادة يجب أن تلزمه لمشابهته بالفعل، لأن حكم الزيادة أن تلحقه دون الاسم. قال: وسألته عن رجل يُسمى (دِهْقان)، فقال: إن سمّيته من التّدهْقُن فهو مصروف. قال أبو علي: (دِهقان) من صرفه جعل نونه أصلاً، فهو مكسور لا غير، ولو أخذه من (الدَّهْق) لجاز في فائه الكسر كما جاز في (سرحان)، وهذا ينصرف في النكرة، ويجوز فتح الدال على هذا، فيقال: (دَهقان) مثل (عَطْشان)، وإذا قتحت لم يجز صرفه في معرفة ولا نكرة، لأنه لا يكون ملحقًا.

قال: وسألته عن (دِيوان)، فقال: بمنزلة قِيراط، لأنه من دَوَّنْتُ ومن قال: (دَيْوانٌ) فهو بمنزلة (بَيْطارٌ). قال أبو علي: أصل (دِيوان) (فعَّال)، إلا أن الواو الأولى قلبت ياء لسكونها وكسر ما قبلها مثل (ميزان)، وإن شئت قلت: كُره اجتماع المثلين، كما كره اجتماعهما في (قِرَّاط)، لأن الواو الأولى مدغمة، والواو المدغمة لا تقلبها الكسرة ياء، كما أن الياء المدغمة لا تقلبها الضمة واوًا، وإن كانتا تقلبان غير المدغم، ألا ترى أن من قال: (بِيض)، يقول في جمع (قَرْنٍ ألْوَى): (قرونٌ لُيٌّ)، فلا يكسر الفاء كما كان يكسرها في (بِيضٍ)، وإن شئت قلبت ياءً لكسرة ما قبلها، لأن منهم من يقول (لِيٌّ) فيكسرها كما كسروا (بِيضٌ) لئلا تنقلب الياء واوًا. والأليق في (فعّال) أن يكون الحرف الثاني من الحرفين المكررين الزائد دون الأول، فأما من قال: (دَيْوان) على (فَيْعال)، فالزائد الياء لا غير. قال: وسألته عن سَعْدان والمَرْجان، فقال: لا أشُكُّ في أن هذه النون زائدة، لأنه ليس في الكلام مثل سَرْداح ولا فعْلال إلا مضعفًا، وتفسيره

كتفسير عُرْيانٍ. أي في أن النون فيه زائدة، فإذا سميت به لم تصرفه في المعرفة. قال: ولو جاء شيء مثل (جَنْجان) لكانت النون عندنا بمنزلة مُرّان، إلا أن يجيء أمرٌ يُبيِّن. قال أبو علي: يقول: إنا نحكم بأن النون في (جَنْجان) أصل للتضعيف فهو بمنزلة (قَضْقاضٍ) وليس كسَعْدان الذي هو غير مضاعف، فيمتنع أن يجيء فيه (فَعْلال)، لكن (فَعْلال) كثير في المضاعف كقضقاض، فتحمله على ذلك وتصرفه اسم رجل حتى يبين خلاف ذلك، ويقوم الثبت أنه ليس بأصل. قال: وأمّا عِلْباءٌ وحِرْباءٌ اسم رجل فمصروف في النكرة والمعرفة من

قِبَلِ أنه ليست بعد مدة الألف نون فيُشبَّه آخره بآخر غضبان كما شبه آخر عَلْقى بآخر شَروى، ولا يُشبه آخِر حَمراء، لأنه بدلٌ من حرف لا يؤنث به كالألف {أي كما يؤنث بالألف}، وينصرف على كل حال فجرى عليهما جرى على ذلك الحرف، {يعني الياء}. قال أبو علي: يقول: لا يشبه آخر (عِلْباء) وآخر (حَمْراء)، لأنه بدل، أي الهمزة في (عِلْباء) بدل من حرف، وذلك الحرف هو الياء، وإنما لم يؤنث بالياء هنا وإن كان قد يؤنث به في غير هذا الموضع لأن المواضع التي يؤنث فيها بالياء هي المواضع التي لا تكون الياء فيها بمنزلة حرف من نفس الحرف نحو (تَضْرِبين) وما أشبهه. والياء في (عِلباء) المنقلبة الهمزة عنها بمنزلة الحاء في (سِرْداحٍ) فإذا كانت من نفس الحرف أو بمنزلة ما هو من نفس الحرف لم يؤنث به، كما لم يؤنث الاسم بما هو من نفسه.

هذا باب هاءات التأنيث

هذا باب هاءات التأنيث قال أبو علي: قلبت الألف ياء في (حُبارى) وما أشبهه مما بعد عينه ألف زائدة في التصغير، لأنه لو لم تقلب ياءً حرّكت ألفًا، انفتح ما قبلها، ولو انفتح ما قبلها لتحركت ياء التصغير، وياء التصغير لا يجوز أن تتحرك، كما أن ألف الجمع لا تتحرك، فلما لم تجز الحركة في ياء التصغير قلبت الألف ياء أو أدغمت ياء التصغير فيه، فبقيت على سكونها، لأن المدغم لا يكون إلا ساكنًا.

قال: في هاء التأنيث: وإنما تلحقُ بناءَ المذكّر ولا يُبنى عليها الاسم كالألف. أي كما يُبنى على الألف في مثل جَحْجَبَى، فتحذف في التصغير إذا خرج التصغير به عن مثال ما يكون عليه التصغير. قال: وإن سميت رجلاً ضَربتْ قلت: ضَرَبَهْ، لأنه لا يُجرى ما قبل هذه التاء، فتوالى أربع حركات، وليس هذا في الأسماء. يعني أن التاء ليست التاء التي تكون للإلحاق، أي لو كانت التاء في ضربتْ للإلحاق لم يجتمع فيها أربع متحركات، لأنه ليس فيما يلحق به شيء على هذا الوزن، وفي ما فيه تاء التأنيث مثل ذلك.

هذا باب فعل

هذا باب فُعَل قال أبو علي: حكم الاسم أن يكون مشتقًا من المصدر لا من الاسم المشتق منه، فعُمَرُ، وزُفَرُ، معدولان عن عامِر، وزافِرٍ، معرفتان عدل عنهما عُمر وزُفَر في حال تعريفهما، وعامر وزافر مأخوذان من مصدريهما، وكل ذلك راجع إلى رأس ومبدأ وهو المصدر. قال: ولا يجيء عُمر وأشباهه محدودًا عن البناء الذي هو أولى به إلا وذلك البناء معرفة كذلك جرى هذا في الكلام. قال أبو علي: ولو كان الاسم المعدول عنه نكرة لم يُقل عُدل عنه ولكان {...} اشتق منه، وإنما صار معدولاً لأنه اشتق مما ليس حكمه أن يشتق منه، بل حكم هذا المعدول عنه أن يكون نفسه مشتقًا، ففي

الاسم في حال التعريف علّتان: إحداهما: أنه أخذ مما ليس حكمه أن يؤخذ منه، وأنه معرفة. فإذا نكرته بعد التسمية والعدل عن المعرفة انصرف لأنه تبقى علة واحدة، فإن جاء شيء في هذا الباب يمتنع من الانصراف في النكرة فلأن العلل التي تبقى فيها في حال التنكير أكثر من واحد، وعلى هذا الباب. قال في جُمَعٍ وكُتَعٍ: هما مصروفان في النكرة، يعني أنك لو سميت بهما ثم نكَّرتهما لصرفتهما. قال: وسألته عن صُغَر من قوله الصُّغْرى وصُغَر، فقال: أصرف هذا في المعرفة، لأنه بمنزلة نُقْبَةٍ ونُقَبٍ، ولم يُشبَّه بشيء محدودٍ عن وجهه.

قال أبو علي: شبه الألف في (صُغْرى) بهاء (نُقْبَةٍ)، إذ كانا جميعًا للتأنيث. قال: فإن حقَّرت (أخرَ) اسم رجل صرفته، لأن فُعَيْلاً لا يكون بناء للمحدود. قال: ولو جئت بالتحقير المخالف لأصله لقلت: أخيريات. قال أبو علي: جمع (أخْرى) في التكسير (أخَر)، فلو صغر هذا الجمع لصغرت واحد (أخَر)، وزدت عليه الألف والتاء لعلامة الجمع، ولم يجز أن تصغر جمع التكسير، لأن التصغير تقليل، وبناء الاسم الذي لأدنى العدد تكسير، فلو صغرت بناء الكثير لكان كالنقض لجمعك في الشيء الواحد بين القلة والكثرة. قال: قلت: أتصرفه؟ يعني (أحادَ) في النكرة؟ قال: لا، لأنه نكرة يوصف به نكرة. قال أبو علي: إنما لم يصرف (أحاد) في النكرة لأن العدل في حال

التنكير والوصف قائمان معًا فيه. قال: وإن سميت رجلاً (ضُرِبَ) ثم خففته فأسكنت الراء صرفته لأنك قد أخرجته إلى مثال ما ينصرف كما صرفت (قِيلَ). قال أبو علي: أظن أن أبا العباس يخالفه في هذا الموضع، فيقول: إن سميته (بضُرب) ثم خففته فقلت: (ضُرْبَ) لم تصرف، لأن الحركة في نيَّتك كما أنك إذا قلبت الياء واوًا لانضمام ما قبلها ثم خففت العين على قول من قال: عَضْدٌ قلت: لقَضْوَ الرجل، فلم تعد الياء التي قلبت واوًا، لانضمام ما قبلها، وإن ذهبْت بالضمة في اللفظ لم تصرفه، كما لم يرد الياء في لقَضْوَ، كأن خففته ثم سميت به صرفت، لأنك سميت به وهو على مثال من أمثلة الأسماء فصرفته كما صرفت (قِيلَ)، لأن الكسرة

هذا باب ما كان على زنة مفاعل ومفاعيل

ليست فيه. **** هذا بابُ ما كان على زِنة مَفَاعِل ومَفاعيلَ قال: قلت: فما بال ثمانٍ لم يُشبه صَحاري وعَذاري؟ قال: الياء في ثماني ياء الإضافة أدخلتها على فَعَالٍ.

قال أبو علي: صحاري على وزن (فَعَالِل)، فأما ثمانٍ فالألف {فيه} ليست بألف جمع، إنما هي عوض من إحدى ياءي النسب، كما أنها في (شَآم) عوض منها، وكذلك في (شَآم ويَمانٍ)، ألا ترى أنه لا ألف في واحد منهما، إنما هو (يَمَنٌ وشامٌ)، ويدلك على أن الألف عوض من إحدى الياءين لأنك إذا ثَقَّلْتَ الياء قلت: شاميٌّ فحذفت الألف، فلم تثبت الألف مع هذين الياءين في الكلام فثَمانٍ مثل ذلك. قال أبو علي: كأنه منسوب إلى (ثَمَنٍ)، فأما (تَهامٍ) فالألف فيه أيضًا بدل من إحدى الياءين، والتي كانت في (تِهامَة) قد حذفت، يدلك على حذفه تغييرهم البناء، ألا ترى أن التاء كانت قبل أن تَنْسِبَ مكسورة فيه، ففتحت في الإضافة فقيل: (تَهامٍ).

قال: واستثبتّ أبا بكر بن دريد في ذلك، فقال: لا يقال إلا بالفتح، وأنشد: ونِعْمَ المرءُ مِنْ رَجُلٍ تَهامٍ فإن أثبتَّ ياء النسب قلت: تِهامِيّ فكسرت التاء ورددت الاسم إلى ما كان عليه قبل النسب إليه. قال في الهاء في صَياقِلةٍ ونحوه: لكنها إنما تجيء مضمومة إلى هذا البناء كما تضم ياء الإضافة إلى مدائن ومساجد. قال أبو علي: إنما أتى بالفرق بين الياء والألف التي يكسر عليها الاسم جمعًا وبين هذه الهاء التي تلحق ولا يكسر عليها الاسم، ليبين أن

الاسم المكسر على الياء والألف الواقع للجمع، لا نظير له في الواحد، وأن الذي تلحقه هذه الهاء له نظير نحو عَباقِية. قال: وأمّا سراويل فشيءٌ واحدٌ أعجميّ أعرب كما أعرِبَ الآجُرُّ، إلا أن سراويل أشْبَه من كلامهم ما لا ينصرف في معرفة ولا نكرة كما أشبه (بَقَمُّ) الفعلَ. قال أبو بكر: أي سراويل يتصرف في النكرة كما ينصرف آجُرّ إذا سميت به إلا أن سروايلَ أشْبَه ما لا ينصرف في معرفة ولا نكرة فلم ينصرف في المعرفة، وإذا صغرته وهو معرفة لم تصرفه، لأنه مؤنث نقلته فسميت به.

قال: وقد جعل بعض الشعراء ثَمانِي بمنزلة حَذارِ، قال: يَحْدُو ثَمانِيَ مَولَعًا بِلِقاحِها ... قال أبو علي: توهم هذا الشاعر أن الألف في (ثَماني) التي هي عوض من إحدى ياءي النسب الف جمع لما رأى أول الحرف مفتوحًا، ورأى بعد الألف حرفين كما أن الأول من (مَفاعِل) وحذارِ مفتوح، وبعد الألف في كل واحد منهما حرفان، وليس كذلك، إنما الألف في (ثَمانٍ) لما قلنا، وفي (حَذارِ) للجمع. قال: إذا صغَّرت بخاتِي اسم رجل صرفته، فكذلك صَحارٍ فيمن

قال: صُحيِّر وصُحَيْيِرٌ. قال أبو علي: لأن كلا التصغيرين خارج عن أبنية الجمع، فلما ذهب ذلك الثقل بالتصغير صرفته. قال: فإنْ قلت: كيف تُشبِّهها بالهاء وبين التاء وبين الحرف المتحرك ألف فإن الحرف الساكن ليس عندهم بحاجز حصين. قال أبو علي: كأن قائلاً قال له: الهاء يكون ما قبلها مفتوحًا، فكيف جاز أن تكون هذه التاء التي في (قُرَيْشِيات) هاء كالتي في حمزة؟ فأجابه بأن الألف ليس بحاجز قوي.

هذا باب الأسماء الأعجمية

هذا باب الأسماء الأعجمية قال أبو علي: الاسم الأعجمي إذا نقل إلى العربي فأعرب على ضربين: اسم نقل معرفًا مثل إسحاق ويعقوب فهذا لا ينصرف في المعرفة، واسم نقل منكورًا فهذا ينصرف إذا سمي به مذكر نحو "فِرِنْد ودِيباج" وما أشبهه، لأن هذا إذا أعرب صار كالبناء الأصلي في العربية. قال: وأمّا نوح وهود ولوط فتنصرف على كل حال لخفتها. قال أبو علي: أبو إسحاق يرى ألا يصرف الأعجمي المعرفة وإن كان ثلاثيًا وأوسطه ساكن، وكذلك هِند، وقال: لأنه فيهما علّتين، إحداهما العجمة، والأخرى التعريف، فعرضت ذلك على أبي بكر فقال: يدخل عليه نوحٌ ولوطٌ، وقد صرفا في التنزيل، ونوحٌ ولوطٌ وهند وإن كان

قد اجتمع فيها العلتان فقد قاومت الخفّة التي فيها إحدى العلّتين فكأنّه بقي علّة واحدة فانصرف، وليس الثلاثي المتحرك الأوسط من هذا، لأن الحركة قد صار بها الاسم بمنزلة ما هو على أربعة، فإن قلت: فهل وجدت الحركة يعتد بها في غير هذا الموضع؟ قلت: نعم، تقول: جَمَزَى بالحركة التي فيها، وإن كان أربعة أحرف حكمه حكم ما كان على خمسة.

هذا باب تسمية المذكر بالمؤنث

هذا باب تسمية المذكر بالمؤنث قال: ولو سميت رجلاً (حُبارَى) ثم حقَّرته فقلت: حُبَيِّر لم تصرفه لأنك لو حقّرت الحبارى نفسها فقلت: حُبَيِّر، كنا إنما تعني المؤنث. قال أبو علي: قيل: لم صرف (صَحارى) اسم رجل إذا حقرته؟ فقلت: لأن (صحارَى) جمع ليس بمؤنث، وإن كان واحده مؤنثًا، ولا يؤنث الجمع من حيث أنث واحده، وإنما امتنع صَحارى من الصرف من حيث امتنع (مساجد)، فإذا صغرته صرفته كما تصرف (مُسَيْجِد) إذا كان تصغير (مساجد) اسم رجل، لموافقته بناء ما ينصرف، فأما (حُبارى) فإنّك إذا صغرته لم تصرفه اسم رجل، لأن مصغره يبقى على تأنيثه ولإن حذفت العلامة منه لخروجه عما عليه أبنية التصغير لو لم تحذفها. قال: وإذا سميت رجلاً بسعادَ أو زينبَ أو جَيْألَ لم تصرفه مِنْ قِبَلِ

أنّ هذه أسماء تمكنت في المؤنث واختص بها وهي مشتقة. قال أبو علي: إذا كانت مشتقة ثم غلب التأنيث لم يصرف، لأن غلبة التأنيث عليه بمنزلة علامته، فإذا انصاف إلى العلة التعريف لم ينصرف. قال أبو علي: إذا سميته بعُنُوق أو نساء صرفته، لأنه جمع نسوة، فإن سميته بطاغوت لم تصرفه، لأنه مؤنث كعناق. قال أبو علي: في صرف أسماء البلدان والأرضين وترك صرفها. من صرفها ذهب إلى أنها أسامٍ مذكرة سمي بها المذكر، أي الموضع والمكان، ومن أنثها ذهب إلى أنها مذكرة سمي بها مؤنث وهي البقعة والأرض.

قال: وما صار صفه كواسط ثم صار بمنزلة زيدٍ وعَمْرو، إنما وقع لمعنى، نحو قوله: {ونابغةُ الجعديُّ}. أخرج الألف واللام. أي من النابغة، فكان يجب أن يقال: النابغة، لأنهما صفتان للموضع والرجل، إلا أنهما غلبتا، فصارتا كالأعلام غير الصفة فأخرجت الألف واللام منهما كما أخرجت من الأعلام نحو زيد وعمرو.

قال: وقُباءُ وحِراءُ ليس كذلك، إنما أوقعا على المؤنث والمذكر مشتقين غير مشتقين في الكلام لمؤنث من شيء، والغالب عليهما التأنيث. قال أبو علي: معنى الكلام غير مشتقين، والغالب عليها التأنيث أي في حال التأنيث، أي اشتقا للمذكر والمؤنث معًا ولم تخص به أحدهما في حال الاشتقاق.

هذا باب أسماء القبائل والأحياء

هذا باب أسماء القبائل والأحياء قال: فإن شئت قلت: هؤلاء تميمٌ وأسدٌ، لأنك تقول: هؤلاء بنو تميم وبنو أسد. قال أبو علي: يجوز، {هذه} إذا أشرت إلى تميم وما أشبهه لأن هؤلاء جمع، وهذه جماعة. قال: فإن قلت: لم لم يقولوا: هذا تميمٌ فيكونَ اللفظ كلفظه إذا لم ترد معنى الإضافة حين تقول: (جاءَت القريةُ) تريد أهلها، فلأنهم أرادوا أن يفصلوا بين الإضافة وبين إفرادهم الرجل، فكرهوا الالتباس. قال أبو علي: يقول: لو حمل الكلام على المضاف إليه في قولك: هذا

تميمٌ، كما حمل على المضاف إليه في (جاءت القرية) لالتبس اسم الحي بالرجل لأن تميمًا وأسدًا يجوز أن يكونا اسمين لرجل كما يكونان اسمين للحي، والقرية لا تجيء، فيُعلمُ إن جاءت، وإن كان منسوبًا إليها فهو لأهلها. قال: ومثل هذا (القومُ)، وهو واحد في اللفظ وصفتُه تجري على المعنى، لا تقول: القومُ ذاهبٌ. قال أبو علي: قوله: ومثل هذا، أي مثل قولك: (هذا تميمٌ وأسدٌ) (وهؤلاء تميم وأسد)، فإن اللفظ لفظ واحدٌ والمعنى للجميع، قولك: (القومُ) لا تحمل صفته وخبره إلا على المعنى، {وقد أدخلوا التأنيث فيما

هو أبعد من هذا}، يريد: من تميم وأسد (أدخلوه فيما لا يتغير منه المعنى لو ذكَّرتَ)، أي: أدخلوه فيما لا يتغيّر منه المعنى لو لم يُدخلوه فقد وجب أن يلزموه؛ إذ أدى ترك إدخاله إلى تغيّر المعنى. قال: وإن شئت جعلت تميمًا وأسدًا اسم قبيلة في الموضعين. في الموضعين: يريد في قولك: هؤلاء وهذه، يريد تميمًا وأسدًا. قال: فإن قلت: لِمَ تقول: هذه ثقيفٌ، فإنهم أرادوا: هذه جماعة ثقيف، أو هذه جماعة من ثقيف، ثم حذفوا هنا، كما حذفوا في تميم، أي حذفوا المضاف وهو جماعة كما حذفوا (بنو) في قولك: هذه تميم.

قال: ومن قال: هذه جماعة ثقيف، قال: هؤلاء ثقيفٌ، وإن أردت الحيّ ولم تُرد الحذف قلت: هؤلاء ثقيفٌ، كما تقول: هؤلاء قومُك. قال أبو علي: فعلى هذا لا يجوز أن تقول: هذه ثقيفٌ وأنت تريد الحيَّ، كما كنت تقول: هذه ثقيفٌ، وإنما تريد جماعة فحذفت المضاف، كما لا يجوز (هذه قومك)، إذا أشرت إليهم لأن الحيَّ مذكّر، كما أن القوم مذكّر، ولا يجوز أن تقول: هذا ثقيف {إذا} أردت الوجه الأول أو الثاني، كما لم يجز فيما تقدم لالتباس الواحد بالجماعة، والواحد بالحي. قال: وتقول: هؤلاء ثقيفُ بنُ قَسِيّ، فتجعله اسم الحيّ وتجعل ابن وصفًا كما تقول: كلٌّ ذاهبٌ. قال أبو علي: يقول: تحمل صفته على اللفظ مفردًا كما فعلت ذلك بكل في قوله تعالى: "إنْ كُلُّ مَنْ في السموات والأرض إلا آتي الرحمنِ

عبدًا". قال: والحدّ فيها أن تجري ذلك المجرى أن يذكر، أنشد: بحَيٍّ نُميِريٍّ عليه مهابةٌ ... جَميعٍ ...

هذا باب ما لم يقع إلا اسما للقبيلة

هذا على قولهم: ثقيف بن قَسيّ، إذا جعلت اسم الحيّ. ... هذا بابُ ما لمْ يقعْ إلا اسمًا للقبيلة قال: وأما قولهم: اليهود والمجوس، فإنما أدخلوا الألف واللام ها هنا كما أدخلوها في المجوسي واليهودي. قال أبو علي: المراد باليهود والمجوس: اليهوديون والمجوسيون، إلا أنهما جُمعا بحذف ياء النسب، كما جمع (زِنْجِيٌّ ورُوميٌّ) بحذفهما، وافقت ياء الإضافة في هذا تاء التأنيث إذا جمع الاسم بحذفه نحو (نَخْلَةٍ ونَخْل)، والذي جمع بحذف ياء الإضافة كما جمع بحذف تاء التأنيث هو هذه الحروف، أنشد:

فكلتاهما خَرَّتْ وأسْجَدَ رأسُها ... كما سَجَدتْ نَصْرانَة لم تَحنَّفِ قال: فجاء على هذا كما جاء بعض الجمع على غير ما استعمل في الواحد. أي جاء (نصارى) كأنه جمع (نَصْران)، ولو جاء الجمع على حسب الواحد لكان (نصرانيون)، إلا أن الجمع جاء على ما استعمل في الشعر دون الكلام.

هذا باب أسماء السور

هذا بابُ أسماء السُّوَر قال: فأما "كهيعص، والمر" فلا يكُنّ إلا حكاية، وإن جعلتها بمنزلة "طاسينَ" لم يجز. قال أبو علي: كهيعص، والمر، لا يخلو من أن يحكيا، أو يجعل كل واحد منهما اسمًا كما جعل "طاسينَ" لأنه لا يوافق ما عليه أبنية الآحاد، ولا يجوز أيضًا أن يجعل واحد منهما بمنزلة – "طاسين ميم" لأنه ليس في الاسمين اللذين ضُم أحدهما إلى الآخر شيء يبلغ عدد حروفه مبلغ عدة حروف هذه، فبقي أن يحكى فقط. قال: ومما يدل على أن (حاميم) ليس من كلام العرب أن العرب

لا تدري ما معنى (حاميم)، فإن قلت: إن لفظ حروفه لا يشبه لفظ حروف الأعجمي، فإنه قد يجيء الاسم هكذا وهو أعجمي، قالوا: قابوس ونحوه من الأسماء. قال أبو علي: يقول: (قابوس) أعجمي، وإن كان لفظه في حروفه وبنائه موافقًا للعرب، لأن وزنه (فاعول)، فهو مثل (حاطوم) وفي اللغة: (القَبْسُ)، فإذا كان (قابوس) مع هذه الموافقة أعجميًا فلا ينكر أن يكون (حاميم) كذلك.

قال: وكان بعض العرب يهمز (لَوْ) كما يهمز النَّوْء. وفي نسخة أبي بكر كما يهمز النُّؤور. قال أبو علي: والذي في نسخته الصواب، لأن الهمز عارض في (النؤور) كما هو عارض في (لوْ) وذلك أنها بدل من الواو ولانضمام ما قبلها. وقال أبو علي: لو لم يزد على (لوْ) حرفًا ثانيًا إذا سمي به لوجب أن يحرك الواو الأولى للإعراب، ولو حركت، وما قبلها متحرك لانقلبت ألفًا كما انقلبت في (قَفًا) ونحوه، وإذا انقلبت ألفًا لحقها التنوين كما لحق (عَصًا وقفًا)، فإذا لحقها التنوين اجتمع ساكنان وإذا اجتمع ساكنان وجب أن يحذف الأول، فيبقى "لا" فاعلم، ولو كان ما قبله مضمومًا أو مكسورًا لذهب في التنوين على ما بيّنا من ذهابه وهو مفتوح الأول.

قال: وممّا جاء فيه الواوُ وقبله مضموم (هُوَ) فلو سمَّيت به ثقَّلت. فقلت: (هذا هُوَّ) وتدع الهاء مضمومة. قال أبو علي: لو سمي رجل (بهُوَ) فلم يثقّل لزم أن يقول: (هٍ)، كما ترى، وإنما كان يلزم كسر الهاء لأن الاسم إذا كان آخره "واو" قبلها ضمة أبدلت من الضمة كسرة، فانقلبت الواو فيه (ياءً)، كما فعل ذلك بجمع (عَرْقُوةٍ) على قولك: (نَخْلَة، ونَخْل) فكذلك كان يلزم أن يبدل من الضمة كسرة، فتقول: (هِي)، ثم تلحقها التنوين، فيصير "هٍ" فيبقى الاسم على حرف واحد، فلما لم يجز هذا زيد على الواو من (هو) واو أخرى كما زيد في (لو) ونحوها.

قال: وكان الخليل يقول: (ذَوٌّ) بفتح الذال، لأن {أصلها} الفتح. قال أبو علي: إنما انضم الذال في الواحد كما انضم ما قبل حرف الإعراب مثل أخوك وأبوك، والقياس ما قدمه من قولهم: (ذَوًا). قال: وليس في الكلام اسم آخره هكذا. أي اسم على حرفين أحدهما حرف لين. قال: فإذا كانت، يعني (هُوَ) اسمًا لمؤنث لا ينصرف ثُقِّلت أيضًا لأنه إذا أُثِرَ أن يجعلها اسمًا فقد لزمها أن تكون نكرة، وأن تكون اسمًا لمذكر.

قال أبو علي: كأن قائلاً قال له: إذا سمَّيت (بِهُوَ) وما أشبهه مؤنثًا فلا تثقل، لأن حرف اللين لا يسقط لالتقاء الساكنين، إذ التنوين لا يلحقه لامتناعه من الانصراف، فقال: إذا جعلناهُ اسمًا لمؤنث ثقَلت، فإن لم يلحقهُ التنوين، لأنه لا ينصرف لأنك إذا سميت به لزمه أن يكون نكرةً، وأن يُسمى به المذكر أيضًا. فإذا سميت به المذكر وجب صرفه، وكذلك إذا نكرته، ولا يكون الاسم في غير الانصراف إلا على ما يكون عليه في الانصراف. قال: ومن ثَمَّ مدُّوا (لا)، أي زادوا فيها حرفًا مثل آخرها، فاجتمع ساكنان، فحركت الأخير منهما، فانقلبت همزة، وكذلك سائر الحروف الثنائيّة المعتلة، فإنّه إذا صارت اسمًا زيد حرف مثل الحرف المزيد عليه الحروف. قال: وإذ صارت (ذا) اسمًا، أو (ما)، مددت ولم تصرف واحدًا منهما إذا كان اسم مؤنث لأنهما مذكران، كما لم يصرف (هو) اسم مؤنث. قال: فأجريت هذه الحروف مجرى ابن مخاضٍ وابنِ لبونٍ.

أي في دخول الألف واللام فيهما. قال: وأجريت الحروفُ الأول مُجرى سامٌّ أبْرَصَ. قال أبو علي: يعني كيْ، وفي، وما تقدم ذكره. قال أبو {علي}: لا أنّها حُركتْ أواخرهنّ. قال أبو علي: لولا أنها إنما بنيت على الوقف لحرك منها ما اجتمع في آخره ساكنان.

قال: ونظير الوقف هاهنا الحذف في الياء وأخواتها. قال أبو علي: يريد بالحذف هنا القصر، يقول: إنّ (با، تا)، ونظيرهما مقصورة. قال: تقول: لام ألِف. قال أبو علي: يقول: تكتبان في الطريق لامَ الِفْ.

هذا باب تسميتك الحروف بالظروف وغيرها

قال أبو علي: يقول: زيد في حروف المعجم النواقص إذا سمَّيت بها حرفًا مثل الحرف المزيد عليه، فتجريه مجرى (لا) في ذلك وفي صرفها إذا سميت به حرفًا، وفي الامتناع من الصرف إذا جعلته حرفًا وسميت بها كلمة. ... هذا بابُ تسميتِك الحروفَ بالظُّروف وغيرها قال أبو علي: معنى تسميتك الحروف يقول: ترى شيئًا مكتوبًا مثل تَحْت أو غيره، فإن صيرته كلمة فهو مؤنث، وإن كان حرفًا فمذكر. قال: أدْخَلْتَ الهاء. قال أبو علي: قد دلَّك قوله (لامَ الِفْ) أن حكم حروف الهجاء الوقف. ألا ترى أنه لو كان أصله الحركة لم يجز إذا خففت الهمزة أن تحذفها وما قبلها متحرك لو خففت، مثل (ذهب أبوك)، لم يجز ذهب بُوك.

ولو كان ساكنًا لحذفت الهمزة وألقيت حركتها عليه، فقلت في (اضرب أباك): اضربَ اباك، فكذلك لو كان (لام)، وجميع حروف التهجي متحركات لقلت: (لامَ ألِفْ)، كما تقول إذا خفَّفْتَ الهمزة من (ذَهَبَ أبُوك): (ذَهَبَ ابُوك). قال: وأمّا مِنْ وأمْ، وإنْ ومُذْ في لغة من جرّ لأنها إذا جرّت فهي حرف – والكلام في الحروف فقط، والتغيير فيها يقعل في التسمية وإن لم تجر فهي اسم. وأما قوله: و (عنْ) إذا لم تكن ظرفًا، فإنّ (عَنْ) أيضًا تكون حرفًا وظرفًا فكونه ظرفًا غير حرف قولك: (مِنْ عَنْ يمينِ الخَطّ). قال في زاي: ومنهم من يجعلها ككي، أي يجعلها على حرفين فيقول: زَيْ. قال: واعلم أنك إذا جعلت حرفًا من حروف المعجم نحو الياء والتاء وأخواتها اسمًا للحرف أو للكلمة أو لغير ذلك، جرى مجرى (لا) إذا سميت به، تقول: هذا باءٌ وتاءٌ كما تقول: (لاءٌ) فاعلم.

قال أبو علي: يقول: تزيد في حروف المعجم كما أدخلت في (قديديمة) وفي (وُرَيِّئَة)، وفي نسخة أبي بكر (وُريّة) وفي نسخة القاضي (وَرَيُّئَة)، وفي المقتضب، لأن القياس (ورَيّئة). وقال: كذلك كيف وأيْن ومتى عندنا لأنّها ظروف. قال أبو علي: يعني أين ومتى وكيْف مُبْهمات، والأسماء غير الظروف يعني (ما، ومَنْ). قال أبو إسحاق: الظروف كلها مذَكَّرة إلا (وراء وقُدّام)، فأدخلوا عليها الهاء وإن كانا على أربعة ليعلم أنهما مؤنثان إذ كان ما سواهما من الظروف مذكّر كله. قال: في هَوَّازٍ وحُطِّي، قال: هذه الأسماء حالها حال عَمْرٍو.

أي إن جعلتها للكلمة لم تصرف مثل عمرو. قال: وأمّا كلمون وسعفص وقريشيات فإنهن أعجمية لا ينصرفن ولكنهن يقعن مواقع عمرو فيما ذكرنا. قال أبو علي: يقول: يقصد بهنّ مرة إلى الكلمة نفسها، ومرة إلى الحرف ومرة يقصد بهن إلى المضاف ولكنك تحذفه وتقيم المضاف إليه مقامه، نحو قولك: هذه عمرو، أي هذه اسم عمرٍو.

قال: إلا أن قُريشيات بمنزلة عَرَفاتٍ وأذْرِعاتٍ. قال أبو علي: (قريشيات) أعجمي لا ينصرف، كما أن (كلمُون) لا ينصرف، وإنما ثبتت النون فيه وإن كان لا ينصرف كما ثبتت في (أذْرعاتٍ وعَرَفاتٍ) لأنهما معرفتان غير منصرفين، وليست هذه التنوينة كالتي تلحق الأسماء المنصرفة، كما أن الكسر في التاء ليس كالذي في (زَيد) في حال خفضك زيدًا، لكن الكسرة بمنزلة الياء في مسلمين، فكذلك التنوين بمنزلة النون منه، ولو كانت هذه التنوينه كالتي تلحق (زيدًا) و (نَخْلَةً وتَمْرةً) ونحوه لم تثبت في الاسم المعرفة، كما لا يثبت لك فيه أنه في قوله عزّ وجلّ "فإذا أفَضْتُم من عرفاتٍ" دليلٌ على أنها بمنزلة النون، وليست كالتي في (زيد) ونحوه.

هذا باب ما جاء معدولا عن حده من المؤنث

هذا بابُ ما جاء معدولاً عن حَدِّه من المُؤنّثِ قال: فإن قلت: ما بالُ فُسَق ونحوه لا يكون جزمًا كما كان. قال أبو علي: كأنَّ قائلاً قال: هلاّ جُعل فُسَق موقوفًا، لأن الوقف كان يصير بمنزلة الكسر فيما كان على (فعال) من هذه المعدولات، لأن حكم ما كان على (فَعَالِ) السكون، وإنما حرك لالتقاء الساكنين، ولم يجب أن يكون (فُسَق) ساكنًا كما سكنت (فَعال)، لأن (فُسَق) معدول عن معرفة منصرف، وهذه الأشياء عدلت عما لا ينصرف، فكما لم ينصرف المعدول عن المعرفة، بني المعدول عما لا ينصرف، (فَحَلاق) عن (حالِقَة) في حال تعريفه، وهو مؤنّث، فيجب ألا ينصرف (حالقة)، كما أن الصفات الغالبة المؤنثة نحو (نابغة) لا ينصرف. فجملة هذا أنّ ما كان معدولا لا ينصرف، فالمعدول عن المبنيِّ أولى بالبناء، (فَنَظارِ) معدول عن (انظر)، وانظر مبني.

قال: فيُشَبِّهُهُ ها هُنا به. أي (بفَعَال) في ذلك الموضع. أي الموضع الذي بني فيه (فَعالِ). قال: وإنما كسروا (فَعَال) هنا، لأنّهم شبّهوها بها في الفعل. أي (بافْعَلْ) المبني على السكون للأمر نحو انْظُر. قال أبو علي: لحق (فَعالِ) التأنيث بعد العدل عن الفعل. قال: فأجري هذا الباب مجرى الذي قبله. قال أبو علي: يعني بالذي قبله الصفة الغالبة نحو (حَلاقِ). قال: هذا بمنزلة قوله: تَعْدُو بَدَدًا، إلا أن هذا معدولٌ عن حدّه مؤنثًا.

قال في "لا مَساسَ" فهذا معدول عن مؤنث. قال أبو علي: ذلك المؤنث لو قيل لكان المماسَّة وما أشبهه. قال: وإنْ كانوا لم يستعملوا في كلامهم ذلك المؤنث. قال أبو علي: يقول: فكما أن ملاحِح ولَيالٍ لا يستعمل واحدها الذي حقه أن يصاغ عليه هذا الجمع، كذلك لم يستعمل ما عدل عنه مَساسِ

وكَفافِ. قال: فهذا بمنزلة جُمودًا. قال أبو العباس: هذا تمثيل، فأما المصدر المعدول عنه جَمادٍ فلا يكون المصدر المعدول عنه جماد إلا معرفة مؤنثًا. قال: وكذلك كل (فَعالِ) كانت معدولة من غير (أفْعَل) إذا جعلتها اسمًا. أي إذا جعلتها علمًا أعْربتَه ولم تصرفه، لأنك سميت بمؤنث معرفة، وذاك أن باب (فَعال) كلّه مؤنث. قال: لأنك إذا جعلتها علمًا فأنت لا تريد ذلك المعنى الذي هو الأمر بالمنازلة وما أشبهه، ولكنه تريد اسمًا. قال: فأما أهل الحجاز فلما رأوه اسمًا لمؤنث، ورأوا ذلك البناء على حاله لم يغيروه. قال أبو علي: يقول: لم يغيّروه إذا سمّوا به ولم

يغيروه كما غيّره بنو تميم، ولكنهم تركوه على حاله التي كان يكون عليها قبل التسمية. قال: وأما ما كان آخره راءٌ فإن أهل الحجاز وبني تميم فيه متّفقون، ويختار بنو تميم فيه لغة أهل الحجاز كما اتفقوا في (يَرَى). قال أبو علي: الاتفاق بينهم في (يرى) على التخفيف للهمز، (ويَرَى) أصله (يَرْأى) فخففت الهمزة، والهمزة إذا خفّفت وكان ما قبلها ساكنًا حُذفت وألقيت حركتها على الساكن، فإذا فعل ذلك صار (يَرَى)، لأنك حركت الراء بحركة الهمزة، وربما جاء في الشعر الهمز في (يَرَى) غير مخففة، كما قال سُراقةُ البارقي: أرِي عَيْنَيَّ ما لم تَرْأياهُ.

وحكى سيبويه عن أبي الخطاب هذه اللغة فقال: زعم أنهم يقولون: قد أرْأاهُ. وقال أبو علي: قوله: ليكون العملُ من وجهٍ واحدٍ.

هذا باب تغيير الأسماء المبهمة

أي: إذا كُسرت الراء أميلت الألف لكسرتها فقربت من الكسرة ومثل هذا في أن العمل يصير من وجه واحد إدغامك الحروف الأمثال بعضها في بعض، وكذلك المتقاربة المخارج، والإمالة والإدغام يرضعان من ثدي واحد، لأن الإدغام تصيير حرف كحرف في أحد نوعيه، وهو في الحروف المتقاربة المخارج، والإمالة تقريب الألف من الياء، ولو أمكن إدغام الألف في الياء لأدغم، ولكنهم لمّا لم يقدروا على ذلك أمالوها، والألف لا تدغم ولا يدغم فيها. قال: في حَذَامِ لأنّ هذا لا يجيء معدولاً عن نكرة. قال أبو علي: إنما قال ذلك لأن العدل لا يكون في حال التعريف، فأما النكرات فلا يقع العدل فيها. ... هذا بابُ تغيير الأسماء المُبْهَمَة قال في: ذا وذِي، وتَا، صارت عندهم بمنزلة (لا) و (في) {و} نحوها وبمنزلة الأصوات نحو (غاقِ)، ومنهم من يقول: غاقٍ.

قال أبو علي: قوله صارت بمنزلة (لا، وفي)، فإنه يعني أن هذه المبهمات وإن كانت أسماء بمنزلة الحروف في أنها مبنية كما أن الحروف مبنية، وإنما بنيت لأنها لزمت موضعًا واحدًا كما لزمت الحروف موضعًا واحدًا، فوقعت في الإشارة معرفة ولم يقع تعريفها بعد تنكيرها كما وقع تعريف أسماء الأنواع بعد تنكيرها، والاسم متى وقع معرفة لا يجوز تنكيره، أو نكرة لا يجوز تعريفه لم يكن إلا مبنيًا. قال أبو علي في التنوين في (غاقٍ): هذا التنوين لحقه لا من حيث يلحق المنصرف، لكنه كالزيادة التي تلحق الكلمة، وهو يجيء: علامة بين المعهود والشايع، كأنّ (غاقٍ) صوت ليس بمعهود، و (غاقِ) صوت معهود.

قال: وأمّا (ألا) فيصير بمنزلة هُدًى مُنوّنًا، وليس مثل جُحا ورُمَى لأن هذين مشتقان. قال أبو العباس: جُحا معدول عن جاحٍ، ورُمى عن رامٍ، فهو بمنزلة عُمَر. قال: وأمّا اللاّئي واللاّتي فبمنزلة شائي وضارِي، ومخرجٌ منه الألف واللام. قال أبو علي: لأنه صار علمًا مثل (زيد) إذا سميت به.

قال: ومَنْ حذف الياءَ رفعَ وجرّز أيْ من حذف الياء قال في اللائي (لاءٍ) مثل (بابٍ). قال: وقال فيمن قال (اللاَّءِ لاءٌ) لأنه يصير بمنزلة (باب) حرف الإعراب العينُ وتُخرج الألف واللام هنا. قال أبو علي: يعني أن تقدير (اللاّئي) فاعل، وإذا حذفت الياء من (اللائي) التي هي لام الفعل بقي اللام على وزن (اللاع)، والهمزة عين الفعل وعليها يقعُ الإعرابُ إذا سميت به فتقول: (جاءَني لاءٌ، ومررتُ بلاءٍ). قال: قلت: فإذا سمّيت رجلاً بذي مالٍ هل تغيِّره؟ قال: لا ألا تراهم قالوا: ذُو يَزَنٍ فلم يغيِّروه كأبي فُلانٍ، فذا من كلامهم مضاف.

قال أبو علي: قوله: لم يُغيِّروه، أي تركوه مضافًا على حرفين أحدُهما حرف لين، وإنما فُعل ذلك في حال الإضافة، لأن الاسم فيها لا يبقى على حرف، إذ لا يلحقه التنوين. قال: واحتملت الإضافةُ ذا كما احتملتْ أبا زيدٍ، وليس مفردًا آخره كذا. قال أبو علي: يقول: ليس مفردٌ يصير لامُ فعله مرة ياءً ومرة واوًا. قال: فاحتملته كما احتملت الهاءَ عَرْقُوَةٌ. قال أبو علي: قوله: احتملته، أي احتملت الإضافة التغيير. وقوله: كما احتملت الهاءَ عَرْقُوةٌ، يعني لم يغير (ذُو) في الإضافة لأن التنوين يلحقه فيها، كما لم يبدل من الواو ياء، ولم يُكْسَر ما قبل الواو من (عَرْقُوة) لأن آخر الاسم الهاء، كما أن آخر الاسم من (ذُو مالٍ)، و (ذو يزنٍ) المضاف إليه.

قال: وسألته عن أمْسِ اسم رجل، فقال: مصروفٌ، لأن أمْسِ ليس ها هنا على الحَدّ، ولكنهم لما كثر في كلامهم وكان من الظروف تركوه على حال واحدة. قال أبو علي: يقول: إنك إذا سميت بأمْسِ رجُلاً فليس هو اسم اليوم الذي قبل يومك، وإنّما بَنَيْتَهُ في هذا الموضع فقط، فإذا سمَّيْتَ به شيئًا أعْرَبْتَ. قال: كما تركُوا صَرْف سَحَرَ. قال أبو علي: (سَحَر) إذا تعرَّف بالألف واللام صار اسمًا، ولم يكن ظرفًا وارتفع وانجرّ وانتصب، فهو ما دام على هذا الحدِّ جرت عليه الحركات الثلاث، وإذا صار معرفة للإشارة به إلى سَحَرِ اليوم بعينه لم ينصرف للعدل

هذا باب الظروف غير المتمكنة

عن الألف واللام، وأنه معرفة ولم يكن إلا مفتوحًا، فإذا صُغِّر صُرف، وإن كان المعدول عن الألف واللام المعرفة كما ينصرف (عُمَر) إذا صُغّر. قال: وأمّا (ذِهْ) اسم رجل، فإنك تقول: (هذا ذِهٌ). ... هذا بابُ الظّروف غير المتمكّنة وذلك أنها لا تضاف ولا تصرّفُ تَصرُّفَ غيرها ولا تكون نكرة. أي لا تكون نكرة متمكنة مثل رجلٍ وفَرَسٍ.

قال في ترجمته الباب (لا يُضاف)، وقد ذكر (حيثُ وإذْ وإذا)، وهي تضاف إلى {الجُمَل}. فإنما ذلك لأن إضافتها غير محضة. قال: وقالوا: (جَيْرِ) فحرّكوه لئلا يُسَكَّنَ حرفان. قال أبو علي: (جَيْرِ) كسر آخره لالتقاء الساكنين ولم يفتح وإن كان قبلهُ ياء، كما فتح (أيْنَ وكيفَ) لأن أصل الحركة لالتقاء الساكنين الكسر؛ فجاء هذا على الأصل، ليعلم أن ما جاء منه مفتوحًا فذا أصله، كما جاء (اسْتَحْوَذَ) و (أغْيَلَت المرأةُ) غير معتلّ ليعلم أن أصل المعلل التصحيح.

قال: وجُزِمَتْ (لَدُنْ) ولم تجعل كعِنْدَ. قال أبو علي: لأن (لدُنْ وعندَ) جميعًا لِما قَرُبَ، لكن (لدُنْ) أشد اختصاصًا للقرب. وقال أبو علي: حَسْبُ وقَطُّ يعمهما الانتهاء، إلا أنّ (قطّ) انتهاء لما مضى (وحَسْبُ) انتهاء لما يخص للوقف. قال: وسألت الخليل عن (مِنْ عَلُ)، هلا جُزمت اللام، فقال: لأنهم قالوا: منْ عَلٍ. قال أبو علي: (عَلُ) لامه واوٌ فحذفت كما حذفت لامُ (غَدٍ) لا

كما يُحذف من عَمٍ وَرَدٍ لالتقاء الساكنين، والدليل على ذا قولهم: (من عَلُ) فبنَوْهُ على الضم كما بني (قَبْلُ)، ولو كان قولك: (مِنْ عَلِ) مثل قولك: (عمٍ) لوجب أن يكون في قولك: (مِنْ عَلُ)، (مِنْ عَلا)، فتثبت لامُ الفعل، لأنه ليس فيه شيء يجب أن يسقط له من ساكن اجتمع معه. فأمّا قول الشاعر:

فهْيَ تَنُوشُ الحوضَ نَوْشًا من عَلا فإن كان (عَلا) معرفة فالنِّية بلامها أن تكون مضمومة، كما ضمّت (من عَلُ) لما كانت معرفة للغاية وإن كانت نكرة ولم تجعله من أعلى شيء معلوم معهود كان اللام في موضع جرّ، كما أن (مِنْ عَلُ) مجرورٌ فاللفظ فيه (علا) واحدٌ والتقدير مختلف، والأشبه في (عَلا) في البيت أن يكون معرفة، لأنه إشارة إلى أعلى الحوض، وإن قدَّرت (منْ عَلا) غايةً معرفةً لم تنوّنه في الدّرج كما لا يُنوّن (قبلُ) فيه، وإن قدّرته نكرة مؤنثة فقلت: (جيت من عَلاً) فاعلم. قال أبو علي: الغاية على الحقيقة هو الاسم الذي يضاف إليه الاسم المبني على الضّمّ، لأن غاية الشيء نهايته، ونهايات هذه الأسماء المبنيّة على الضّمّ هي ما تضاف إليه، فغاية (قَبْلُ) هو ما هو قبل له، وكذلك (أولُ وعلُ)، وإنما يحذف المضاف منه إذا علم المضاف إليه، لذكر له قد سبق نحو قول الله تعالى "لله الأمر من قبل ومن بعدُ" بعد ذكره أمر الروم، والتقدير فيه والله أعلم: الأمر منْ قَبْلِ أنْ تُغْلَبَ الرُّومُ وبعدَه، فحذف ذلك لتقدم ذكره، فقَبْلُ غاية، أي أنه قد تعرّف في هذا الموضع كما يتعرف لو أضفته إلى ما هو غاية له، والغاية على الحقيقة إنما هو المضاف إليه، فإنما تكون هذه الظروف مبنيّة على الضّمّ متى حُذف منها

غاياتها، لعلم المخاطب بما هو غايتُه، وإن لم يعلم لم يَجُز أن يُبنى على أنه غاية لو قلت: حيثُ من قبلُ، فلم يفهم عنك من قبلُ ماذا جئت كان غير جائز. قال: وجميع ما ذكرنا من الظروف التي شُبِّهت بالأصوات ونحوها من الأسماء غير الظروف إذا جُعل شيء منها. قال أبو علي: الظروف التي شبهت بالأصوات مثل (أمْسِ) فبمن كسر، والأسماء التي في هذا النحو مثل (ذا وكيفَ وألا). قال: لأنّ (ذا) قبل أن يكون اسمًا خاصًا كـ (مَنْ) في أنّه لا يُضاف ولا يكون نكرة. قال أبو علي: المعارف لا تضاف لأنها تستغني عن الإضافة بالتعريف والمضافات كلها نكرة.

قال: وعلى أيّ الوجهين جعلته اسمًا لرجل صرفته. قال أبو علي: إذا سميت (بأوّل) فجعلته (أوّل) الذي يصحبه (منك) المحذوف منه صرفته في النكرة، كما أنك لو سميته (بأفْضَل) وحذفت (منك) لصرفته في النكرة، لأن هذا إنما يكون بمنزلة (أحْمَر)، إذا كان معه (منك)، فإذا لم يكن معه صار بمنزلة (أفْكَل). وأما إذا سميته (بأوّل) الذي هو اسم بمنزلة (أفْكَل) فهو منصرف في النكرة، وهو أجدر بالانصراف. قال: وإذا قلت: عامٌ أوّلُ فإنما جاز هذا الكلام لأنك تُعْلِمُ به. أي جاز ذكر (أوّل) مطلقًا دون المضاف إليه. قال: وسألته عن قول بعض العرب وهو قليل: مُذْ عامٌ أوّلَ.

فقال: جعلوه ظرفًا في هذا الموضع، وكأنه قال: مُذْ عامٌ قَبْلَ عامِك. قال أبو علي: (أوّلُ) ظرف للعام، وإنما مثله (بقَبْلُ) لأنه مثله في السبق. وقال: ياليتَها كانت لأهلي إبِلاً أو هُزِلَتْ في جَدْبِ عامٍ أوَّلا يكون على الوصف والظرف. قال أبو علي: لم يُصرف وهو وصف لأن المراد به (منك) أو (من عامِك) ونحوه. قال: وسألته عن (هَيْهات) اسم رجل؟ قال: ونظير الفتحة في الهاء الكسرةُ {في التاء} فهي نظير الفتحة في (هيهات).

قال: ومثل (هَيْهاةَ) (ذَيةَ) إذا لم يكن اسمًا. قال أبو علي: (ذَيَّة) كناية عن الخبر كما أ، (كَذا) كناية عن العدد في قولك: كذا وكذا دينارًا. قال: ألا ترى أنها تبدل في الصلة وليست زيادة في الاسم. قال أبو علي: أي ليست الحروف الأخر غير الهاء زيادة في الاسم كما أن الهاء زيادة. قال: ولم يحتمل أن يسكن حرفان. قال أبو علي: يقول: لم يحتمل أن يكون ما قبل تاء التأنيث ساكنًا لأنها بمنزلة خمْسَةَ عَشَرَ، وأيضًا فإن قبله ساكن وهو الياء الأولى المدغم، فلو أسكنت التي قبل التاء لاجتمع ساكنان.

قال أبو علي: إذا خفف (ذيّة)، فقيل: (ذَيْتَ)، صار تاؤها في أنها للإلحاق بمنزلة تاء (أُخْت)، وإذا صار للإلحاق صار بمنزلة ما هو من نفس الحرف، والذي يدل على أن التاء في (ذَيْتَ) للإلحاق أن ما قبله ساكن وليس كما قبله تاء التأنيث في الانفتاح. قال: وسألت الخليل عن (شَتَّانَ) فقال: تفتحها كفتحة (هيهاة) ونونها كنون (سُبْحان) زائدة، فإن جعلتها اسم رجل فهو كسَحْبان. قال أبو عثمان: أصرف (شَتّانَ وسُبْحانَ) في النكرة اسمين كانا أو في موضعهما. قال أبو علي: أي قبل التسمية. وذهب أبو عثمان في صرف (شَتّانَ وسُبْحانَ) إلى أنهما نكرتين وليسا كسائر الأسماء التي يسمى بها الفعل، لأنهما مشتقان، و (شَتّانَ) اسم سمي به الفعل، فإذا قال: (شَتّان زيدٌ وعمروٌ) فهو اسم لبُعد أحدهما

من الآخر. قال: اعلم أن (غُدْوَةَ وبُكْرَةَ) جُعلت كل واحدة منهما اسمًا لِلْحِين. قال أبو علي: يريد بالحين أنه لغدْوَة يومِك. قال: وكذلك إذا لم تذكر العام الأوّل ولم تذكر إلا المعرفة. قال أبو علي: يعني بالمعرفة (غُدوةَ)، يقول: وإن لم يذكر إلا (غُدْوَة) لم يصرفها. قال: وزعم الخليل أنه يجوز أن يقول: آتيك اليومَ غُدوةً وبُكرةً تجعلها بمنزلة ضَحْوةٍ. قال أبو علي: إذا جعله بمنزلة (ضَحْوَة) فقد نكَّره، وإذا نكّره زالت عنه إحدى العلّتين، وكان الحكم في غُدوة وبُكرة أن يصيرا معرفتين

بالألف واللام، إلا أن غدوة غُيِّر لفظها وعُدل عن الغداة فتعرفت بهذه الصفة فلم تنصرف، وأجريت (بُكرة) مجراها لما كانت بمعناها، وإن لم تُصَغ صيغة (غُدوة)، كما أجري (كلُّهم) مجرى (أجمعين)، وإن كان (كُلّ) قد يكون اسمًا غير جارٍ على ما قبلَهُ، فكذلك (بكرة) لا تنصرف. وقال في سَحَرَ: ويكون نكرة إلا في الموضع الذي عدل فيه. قال أبو علي: الموضع الذي عدل فيه (سَحَر) هو أن تريد (سَحَرَ يومِكَ) فتعدله عن الألف واللام ولا تصرفه، إنما يكون منصوبًا غير منصرف.

هذا باب الشيئين اللذين ضم أحدهما إلى الآخر

هذا باب الشّيئين اللَّذَيْن ضُمَّ أحدُهما إلى الآخر قال: فتركوا صرفه كما تركوا صرف الأعجمي وهو مصروف في النكرة. أي: الاسمان اللّذان جعلا اسمًا واحدًا. قال: وإنّما بُني ليُلحقَ بالواحد الأوّل. قوله: (ليُلْحَقَ) ليس يريد أن يُلحق بناءٌ ببناء، لكنه يريد أنّه ضُمّ اسم إلى اسم ليكونا كالواحد.

قال: وأصل (حادِيَ عَشَرَ) أن يكون مضافًا (كثالِثِ ثلاثةٍ)، فلما خُولِفَ به عن حال أخواتِه. قال أبو علي: يقول: لمّا لم يُضف، وأُضِفْنَ كان ذلك خلافًا بينهما. قال: فلمّا اجتمع فيه هذان أُجري مجراه. قال أبو علي: يعني إبهامه، وتصييرهم إياهما اسمًا واحدًا.

قال: في خَمْسَةَ عَشَر: ونحو هذا في كلامهم حَيْص بَيْصَ مفتوحة. قال أبو علي: حيصَ بيص أقعد في البناء، لأنه لا يصح له معنى إضافة فالأول كبعض حروف الاسم. قال: واعلم أن العرب تدعُ خمسةَ عَشَر في الإضافة والألف واللام على حال كما تقول: اضرب أيُّهم أفْضلُ. قال أبو علي: شَبَّهَ خمسةَ عَشَر مضافًا بقولهم: اضْرِبْ أيُّهم أفْضَلُ إذا حذفت من صلته العائد إليه، لأنه اسم مضاف مبنيٌّ، كما أن (أيُّهم) اسم مضاف مبنيّ، مثّلهُ بقولك: (ألآنَ) أيضًا، لأنه اسم فيه الألف واللام مبنيّ، والألف واللام كالإضافة، فأمّا من قال خَمْسَةَ عَشَرُكَ

فأعرب ولم يَبْنِ. قال أبو العباس: هي لغة رديئة، لأنه إذا لم يعرب في حال تنكير فهو من الإعراب في حال تعريفه أبعد، ومما يضعِّف إعرابَه أن المعنى الذي بُني له في حال التنكير قائم فيه في حال التعريف، وهو معنى حرف العطف، ألا ترى أنك تريد في حال التعريف خَمْسَة وعَشَرَةً كما تريده في حال التنكير؟، بل هو في المعرفة أبعد، لأن التعريف أحد ما لا يصرف له الاسم، وترك الصرف يقرّب من البناء فإعراب (خَمْسةَ عَشَر) في حال التعريف والإضافة بعيد في القياس شاذٌّ عنه. قال: ومثل ذلك (الخازِبازِ) جعلوا لفظه كلفظ نظائره في البناء.

قال أبو علي: يعني أنه جعله (كحيص بَيْصَ) في البناء، لأنه بُني كما بُنيَ، إلاّ أن هذا بُني على الكسر (كجَيْرِ، وغاقِ)، وأن تقول جعله كخمسَةَ عَشَرَ. لأن (خمْسَةَ عَشَرَ) أشبه (بالخازَبازِ) من (حيصَ بيصَ)، لأن الألف واللام يدخلان عليه كدخولهما على الخمسة عَشَرَ أجود. قال: وكما جعلوا الآن كأيْنَ وليس مثله في كل شيء ولكنه يضارعه. قال أبو علي: الذي يخالف فيه (الآنَ) (أين) أن (الآنَ) معرفة (وأيْنَ) نكرةٌ، ووقع تعريف الآن قبل تنكيره فلذلك بُني كذلك. قال أبو العباس: (وأيْنَ) نكرة لا يجوز تعريفه فلهذا بني. قال: ومن العرب من يقول: حَيَّهَلا. قال أبو علي: الألف في (حَيَّهَلا) للإشباع للفتحة، ذا فيمن لحقه في الوصل والوقف، فأما من ألحقه في الوقف دون الوصل فكالأشياء التي تلحق لبيان الحركة في الوقف كالهاء في (ماهِيَهْ)، والألف في (أنا).

قال: في عَمْرَوَيْهِ: جعلوا ذا بمنزلة الصوت لأنهم رأوه قد جمع بين أمرين. قال أبو علي: يعني العُجمة وضم الصوت إليه لم يكن في أسمائهم {فحطّوه درجة عن إسماعيل وأشباهه، وجعلوه في النكرة بمنزلة (غاقٍ) منونة مكسروة في كل موضع}. قال أبو علي: في ذا إشارة إلى أن البناء يعد ترك الانصراف. قال: وأمّا يومَ يَوْمٍَ، وصباحَ مَساءٍَ.

قال أبو علي: يجوز في قوله: يومَ يومٍ أن يكون المضاف إليه بمعنى الزمان، لا يُراد به اليوم الذي هو والليلة دورة واحدة من دوران الفلك، (ويومَ) الأوّلُ مضافٌ إليه. كما تضاف الساعة إلى اليوم، واليوم إلى الشهر، والشهر إلى السنة، والسنة إلى الزمان المطلق، فلا يكون الشيء على هذا مضافًا إلى نفسه، فالمعنى فيه: يومٌ ليومٍ، وصباحٌ لمساءٍ، وبيتٌ لبيتٍ وكفَّةٌ لِكَفَّةٍ، فالإضافة صحيحة، فلذلك أضيف، فأمّا (شَغَرَ بَغَرَ)، (وأخوكَ أخوكَ) (وحيصَ بيْصَ) فلا يُضاف، لأن معنى الإضافة لا يصح فيه، والقياس فيما صح فيه معنى الإضافة، الإضافةُ، لأنه ليس في شيء منه معنى الحرف كما في خمسة عَشَرَ وفي الذي لا يصح فيه لواحد من الاسمين إذا أفرد عن الآخر معنىً نحو (شَغَرَ بَغَر)، فإن شَغَرَ وحده لا يدل على الافتراق حتى يضم إليه (بَغَرَ)، فمضارعة الحروف فيه قائمة لأنها كبعض حروف الكلم الذي لا يدل على معنى إذا يُجزئ. قال: والآخِرُ من هذه الأسماء في موضع جَرّ. قال أبو علي: كأنه يشير إلى أن القياس فيما صح له إلى معنى

إضافة الأول إلى الثاني، فإذا بني ولم يُضف فقد كان للاسم الثاني قبل البناء موضع إعراب وهو جرٌّ. قال: وزعم يونس – وهو رأيُه – أنّ أبا عمرو كان يجعل لفظه كلفظ الواحد، إذا كان شيءٌ منه ظرفًا أو حالاً. قال أبو علي: كان يجعل لفظه كلفظ الواحد المعرب المضاف، ولا يجعله بمنزلة اسمين ضُمّ أحدهما إلى الآخر فَبُنِيا معًا. قال أبو علي: قوله كان يجعل لفظه كلفظ الواحد، أي (كفَّةَ كفَّةَ) وسائر ما ذكره من الفصل، ليس شيءٌ منها إلا في الظرف والحال وقد يعرب في موضع الحال والظرف، فأمّا في غير هذين الموقعين فلا تكون إلا مُعربةً.

قال: وزعم يونس أن كَفّةَ كَفّة كذلك. قال أبو علي: أي يبنيهما في حال الظرف والحال ويُعربهما فيها. قال أبو بكر: (أيادِي سَبَا)، أبدل من همزة (سَبَأ) ألفًا لكثرة الاستعمال وهم مَثَلٌ في التفرق. قال: وسألت الخليل عن الياءات لِمَ لمْ تُنصبْ في موضع النّصب إذا كان الأول مضافًا وذلك قولك: رأيت مَعْدِي كَرِبَ. قال أبو علي: وكأنه سأل فقال: لِمَ لمْ تُحرّك الياء بالفتح إذا أضيف وكان في موضع نصب كما يُحرّك (يا قاضِيَ)، فقال: هذه الياء

مشبهة بألف (مُثَنَّى) في أنه حرف اعتلال مثله، وهي أشبه بالألف من الواو بها لأنها أقرب إليهان فلما أعْرِبت الألف من الحركات في المواضع الثلاث عَرِيَتْ هذه الياء منهنّ أيضًا تشبيهًا بها. وأبو العباس يستحسن من الضرورات إسكان هذه الياء في موضع النصب ويقول: هو كغير الضرورة، ويشبهه بما شبّه به من ألف مثنَّى. وأنشدنا أبو بكر عنه قال: أنشد يونس: أكاشِرُ أقوامًا جياءً وقد أرَى ... صُدُورَهم بادٍ عَلَيّ ضميرُها قال: وأنشدني أبو مُحلّم: أعناقَ حَنّانٍ وألْحٍ رُجفًا

وكان أبو بكر يقول: القياس يوجب على من أضاف حركتها في موضع النصب. قال أبو علي: ومن جعل مَعْدي كَرِبَ اسمًا واحدًا لم يجعل الياء حرف إعراب فيلزمه تحريكه لأنه في تضاعيف الاسم بمنزلة حرف من حروفه، كما أن الياء من (دَرْدَبِيسَ) حرف في تضاعيف الاسم ليس بمنزلة حرف إعراب. قال: وأما اثْنا عَشَرَ فزعم الخليل أنه لا يغيّره عن حاله قبل التسمية وليس بمنزلة خَمْسَةَ عَشَرَ. قال أبو علي: (اثْنا) من قولهم: (اثْنا عَشَر) معربٌ، لأن في حرف الإعراب منه دليل الإعراب، وعشر مبنيّ بدلٌ من نون (اثنين)، يدلك على

ذلك أنهما لا يجتمعان، كما لا يجتمع البدل والمبدل منه، فإن سميت رجلاً لم تُغيِّره عما كان عليه قبل التسمية. قال: ولا يجوز فيها الإضافة، كما لا يجوز في (مُسلِمينَ)، ولا يحذف (عَشَرَ) مخافة أن يلتبس باثنين. قال أبو بكر: لا يجوز أن تضيف (مسلمين) فتقول (مُسلمِينَكَ)، لأن النون من (مسلمين) نظير (عَشَرَ) من (اثْنَيْ عَشَرَ) لأن (عَشَرَ) بدل من النون.

هذا باب ما ينصرف وما لا ينصرف من بنات الياء والواو التي الياء والواو منهن لامات

هذا باب ما ينصرف وما لا ينصرف من بناتِ الياء والواو التي الياءُ والواوُ منهنَّ لاماتٌ قال: واعلم أن كل شيء من بنات الياء والواو كان على هذه الصفة فإنه ينصرف في حال الجر والرفع، وذلك أنهم حذفوه فخفّ عليهم فصار التنوين عوضًا. قال أبو علي: قولهم: يعني الياء من قولهم (جَوارٍ)، لأن الياء فيها عنده حذفت حذفًا فلذلك نُوِّن، فقد علمت من قوله: حذفوه أنه ليس بقول: إن الياء حذفت لالتقاء الساكنين، لأن الساكنين لم يجتمعا هنا، إذ لو ثبتت الياء لم يجتمع معها الساكن الآخر. وأخبرنا أبو بكر عن أبي العباس عن أبي عثمان أنه قال: كان عيسى بن عُمر ويونس وأبو زيد والكسائي ينظرون إلى باب (جَوارٍ) فما لا يلحق في نظيره من الصحيح التنوينُ لم يحذفوه، وما لحقه التنوينُ في نظيره من الصحيح نوّنوه، فكانوا يقولون: هَؤلاء جَواري، ومَرَرْتُ بجواري، فلا يحذفون الياء ولا يُنوِّنون، لأن نظيره من الصحيح لا يُنَوَّنُ.

قال أبو علي: فهؤلاء لم يذهبوا إلى أن الياء من (جَوار) حذفت حذفًا كما ذهب إليه سيبويه، لكنهم قدّروا أن الياء تحذف لاجتماع الساكنين فإذا لم يجتمعا لم تحذف، وعلى مذهب الجميع تنوين (قاضٍ) لاجتماع الساكنين. قال أبو عثمان: وصرف (جَوارٍ) تنوينُه هو الذي عليه النحويون اليوم. قال: واعلم أن كل ياءٍ أو واوٍ كانت لامًا وكان الحرف قبلها مفتوحًا فإنّها مقصورة يُبدل مكانها الألف ولا تحذف في الوقف وحالها في التنوين وترك التنوين بمنزلة ما كان من الصحيح على وزنه في الصرف والامتناع

منه. قال: إلا أنّ الألف تُحذف لسكون التنوين، ويُتِمُّونَ الأسماء في الوقف. قال أبو علي: الوقف على (مَثْنَى) ونحوه في موضع الجر والنَّصب والرفع على لفظ واحد، إلاّ أن القياس أن يكون الألف من (مَثْنَى) ومن جميع ما ينصرف في موضع النصب هي التي تكون بدلاً من التنوين، وذلك أن الاسم المنصرف يبدل من تنوينه في حال النصب ألفًا، فيجب أن يبدل من التنوين في هذا الضرب أيضًا الألف في الوقف، فإذا أبدل منه الألف ثبتت المبدلة وسقطت التي هي لام لالتقاء الساكنين، وتثبت التي هي بدل من الياء، والواو التي هي لامٌ في موضع الرفع شيء، كما أبدل منه في حال النصب، فيصير الوقف على الألف المنقلبة عن اللام أوما أشبهه اللام من الملحق والمزيد.

قال: وإن كانت الألف زائدة وقد فسرنا أمرها. قال أبو علي: فسّر أمرها حيث ذكر ما كان منها زائدًا ملحقًا، وزائدًا غير ملحق، والزائد كالأصلي في باب لحاق التنوين إن كان مما ينصرف وذكر هذا في أول الحدّ. قال: قُلتُ: فإنْ جَعَلْتَهُ، يعني (جَوارٍ)، اسم امرأة، قال: أصرفها لأن هذا التنوين جُعل عِوَضًا، فيثبت إذا كان عوضًا، كما ثبتت التنوينة في (أذْرِعات)، إذْ صارت كنون (مُسلِمِنَ). قال أبو علي: التنوينة في (جَوارٍ) عوض من الياء التي حذفت حذفًا، فكما أنك لو سميت به والحرف الذي هو عوض منه ثابت لم تحذفه، كذلك لا تحذف العوض منه، وليست هذه التنوينة كالتي تلحق (نَوارًا) قبل أن يسمى به، لأنّك لم تحذف من (نَوارٍ)، ونحوه من الصحيح شيئًا يصير عوضًا منه، وقد حَذَفْتَ من (جَوارٍ) عنده حرفًا صار التنوين عوضًا منه. وقال أبو علي: كل ما أجاز الخليل فيه التنوين في هذا الفصل مقيس على (جَوارٍ)، أمّا (قاضٍ) اسم امرأة فكان يجب لولا حذف الياء منه ألا

يُصرف ولا يُنوّن، كما أنك لو سميت امرأة (بقاسِمٍ) لم تنوّن ولم تَصْرِف، لكن لما وقعت الياء موقعًا لم يجب أن تصرف االاسم فيه حذفت الياء، كما أن (جَوارِيَ) لما وقعت الياء منه موقعًا لم يجب أن يُصرف فيه حذفت الياء منه، وصار التنوين عوضًا. وكذلك (أدْلٍ) اسم رجل كان يجب ألا ينصرف، كما أنّك لو سميت

بأكْلُبٍ لم تصرفه، ولكن الياء لما وقعت موقعًا وجب ألا ينصرف الاسم منه حذفت كما حذفت في (جوارٍ) لمّا وقعت االياء منه موقعًا وجب ألا ينصرف. وطريق قياس (أعَيْمٍ) اسم رجل إذا سميت به مصغَّرًا هذا الطريق، وكذلك كل ما أشبهه، وعلى مذهب سيبويه والخليل وجميع هذا على مذهب يونس، ومن ذكرناه يجب ألاّ يُنون ولا تحذف الياء منه. قال: ولأن ذا قد ينصرف في المذكّر. قال أبو علي: (ذا) إشارة إلى قاضٍ. قال: فإنْ صَرَفَ فَجَوارٍ قبلَ أن يكون اسمًا بمنزلة قاضٍ اسم امرأة. قال أبو علي: قوله فإن صَرَفَ، أي إن صرف (جَوارٍ) فهو بمنزلة قاضٍ اسم امرأة، أي جَوار لا ينصرف، ونظيره من الصحيح. وقد صرف في هذا الباب، فينبغي أن يصرف (قاضٍ) اسم امرأة في ذا

الباب، وإن كنت إذا سميت مؤنثًا بفاعلٍ في غيره لم تصرفه ولا يكون (فاعِلٍ) ما بعد فيه من فواعل إذا كان (فاعل) قد ينصرف على كل حال، (وفَواعِل) لا يصرف البتة، فإذا صَرَفَ (جَوارٍ) اسمًا كان صرفه لقاضٍ إذا سمى به امرأة أولى. قال: وسألت الخليل: كيف تقول: مررتُ بأفَيْعِلَ منك من قوله: مَرَرْتُ بأعيْمَى منك؟ فقال: مررتُ بأعَيْمٍ منك لأنَّ ذا موضع تنوين. قال أبو علي: يعني أنه موضع فيه الياء ولا ينصرف فيحذف حذفًا كما حذف من (جَوارٍ) وعوِّض منه التنوين. قال: ألا ترى أنّك تقول: مررتُ بخيرٍ منك. قال أبو العباس: أعَيْمٍ موضع تنوين، كما كان (بِخَيْرٍ منه) موضع تنوين لا أن ثبت التنوين واحد. قال أبو علي: فرقُ ما بين النُّونَيْن أن النون في (أعَيْمٍ) عوضٌ من الياء المحذوفة كما أن التي في (جوارٍ) كذلك، وليست التي في

(بخير) بعوض إنما هو لعلم الانصراف. قال: وليس (أفْعَلُ منك) بأثقل من (أفْعَلَ) صفة. قال أبو علي: يقول: ليس أعْمى منهُ بأثقل من (أعْمى) بغير (مِنْ) فإذا صرفت أعَيْميًا مصغرًا فكذلك تصرف بأعَيْمٍ منه. قال: وأمّا يونس فكان ينظر إلى كلّ، فقال الخليل: هذا خطأ، لو كان من شأنهم أن يقولوا، هذا في موضع الجر، لكانوا خلقاء أن يلزموه الرفع والجرّ إذ صار عندهم بمنزلة غير المعتل. قال أبو علي: يقول: لو كان حكم المعتل الصحيح لكان تحرك في موضع الرفع والجرّ كما تحرك الصحيح، فإذا جاز في المعتلّ ألاّ يحرك في هذين الموضعين ويخالف الصحيح فيهما، فلا ينكر أن يخالفه في حذف الياء منه، وفي بيان التنوين فيه عوضًا منه.

قال: وسألته عن رجل يسمّى (يَغْزُو)، فقال: رأيت يَغْزِيَ قبلُ، وهذا يغزٍ، وقال: لا ينبغي أن يكون على قول يونس إلاّ (يَغْزِي) وثبات الواو خطأ. قال أبو علي: يقول يونس: يَغزي، ولا تنوين، لأنه يجعله مثل الصحيح إذا سمي به من ذا لم ينوّن نحو (يَشْكُرُ)، فأمّا قلب الواو ياءً فواجب عند الجميع، ليصير على مثالٍ تكون عليه الأسماء. قال: كما كرهوا أن يكون (إِيْ وفي) في السكوت وتركِ التَّنوين على حالٍ يخرجُ منه إذا وُصِلَ ونُوِّنَ. قال أبو علي: يقول: لو لم يكن يرد على (إيْ وفي) إذا سُمِّي بها، جرت مثل المزيد عليه، ليغيّر في حال التنوين والوصل عن حاله في غير التنوين

والوصل، لأنه كان ينبغي في الوصل في نحو قولك: (هذا إيُّ القوم) على حرف واحد، فكذلك كان يصير في التنوين في مثل (هذا أإفاعلم). قال: ففرُّوا من هذا كما فرُّوا من ذلك، أي من تبقي الاسم على حرف واحد، كما فروا من ذلك، أي من أن يكون الاسم في التعريف على خلاف حاله في التنكير. قال: ويكفيك من ذا قولهم: هذه أدْلي زيدٍ. قال أبو علي: يعني أن (أدْلِي زيدٍ) معرفة {و} مع أنه معرفة، فقد كانت الواو فيه ياء. قال: وقوله: فإن قلت: أي إن قال هذا القائل: إنما أعرب (أدْلِيٌ) في النكرة وغُيِّر فيها، فلما جعل معرفة بالإضافة إلى (زيد) ترك على ما كان عليه وهو نكرة، فلم يغير بناؤه في التعريف عما كان في التنكير عليه، قلتُ مجيبًا له: كما أنك لم تغيّره في التعريف عن البناء الذي يكون عليه

في التنكير، كذلك لا يكون في التنكير على خلاف ما يكون عليه في التعريف، بل يكون الاسم على ما لا يتغير عنه معرَّفًا ومنكّرًا. قال: وتقول في رجل سمّيته بإرْمِهِ: هذا إِرْمٍ قد جاء، ويُنَوَّنُ في قول الخليل وهو القياس. قال أبو علي: هذه المسألة مفرّعة على ما أصّله الخليل في (جَوارٍ)، لأن مثاله من الصحيح لا ينصرف ولا يجب تنوينها في قول يونس. قال: فإنْ سمَّيْتَ رجلاً بعِهْ قلت: هذا وَعٍ. قال أبو علي: إنما قلت: هذا وَعٍ، لأنه لما زال عن أن يكون أمرًا من أجل التسمية، رددت إليه ما كنت حذفت.

قال: صيّرْتَ آخره كآخر (إرْمِهْ) حين جعلته اسمًا. أي: رددت الياء المحذوفة للوقف في (عِهْ)، كما رددته في (إرْمِهْ) حين سمَّيْت به فقلت: رأيتُ إرْمِيَ، وهذا إرْمٍ. قال أبو علي: ولو سميت بعِهْ، قلت (وَعٍ)، رددت الياء التي هي لام والواو التي هي فاء، ولم تزد على (عِيّ) حرفًا مثل المزيد عليه كما زدت في (فِيّ) حين سميت به، لكنك تردّ إليك المحذوف منه، فرددت الفاء المحذوفة منه، وقلت في تصغير (شِيَةٍ): (وُشَيَّةٌ)، ولم تزد على الياء شيئًا ليس منه إذا عرفت الذي هو منه فرددته إليه. قال: ولا يجوز أن تقول: (هذا عِهْ). قال أبو علي: لا يجوز ذلك لأن هذه الهاء تلحق لعلامة الوقف، فإذا وصل شيء وجب أن تسقط، فعلى هذا لا يجوز أن تلحق اسمًا متمكنًا لأنه يلزم أن يحرك، وهذه الهاء لا يجوز فيها الحركة.

قال: ولو لم يدغم ذا، يعني (اعْضَضْ) إذا سُمِّيَ بها، كما أدْغَمْتَ إذا سمَّيْتَ بيَعْضَض في قولك: إن تعضَضْ أعضَضْ. قال أبو علي: يقول: لو لم يُدغم فعل الأمر الذي هو موقوف، ولم تكن حركة المدغم على الفاء لما أدغمت الفعل المجزوم بإنْ وبلا النهي، فإذا أدغمت لأنه يصير في موضع حركة إذا سميت به، كذلك تدغم الموقوف وتلقي حركة المدغم على الفاء، لأن العلَّة التي أوجبت الحركة في المجزوم قائمة في الموقوف، وهي تحريك ما كان ساكنًا إذا سمَّيت به. قال: وإذا سَمَّيْتَ رجلاً بألبَبَ من قوله: قد عَلِمَتْ ذاك بناتُ ألْبُبِ. تركته على حاله.

هذا باب إرادة اللفظ بالحرف الواحد

قال أبو علي: كان القياس في (ألبَبِ) أن تُدغم فتُلقي حركة النون منه على الفاء كما فُعل بأضَمَّ، وكذلك كان القياس في حَيْوَةَ، وضَيْوَنٍ، أي تُقلب الواوان ياءين، وتُدغم الياءان فيه كقوله تعالى "أوْ كَصَيِّبٍ". ... هذا بابُ إرادةِ اللفظ بالحرف الواحد قال: في تسميتك رجلاً بإبْ، إذا أردت الباء من اضرِبْ، "ألا تراهم يقولون: مَن آبٌ لك"؟. قال أبو علي: مَثَّل بهذا ليُريَ أن الاسم يبقى على حرف واحد إذا اعتمد على شيء قبله.

قال: فلا يبقى إلا حرف، فلا يختلّ ذا عندهم، إذ كان كينونة حرف لا يلزمه في الابتداء. قال أبو علي: يقول: إنما يلزمه الانفراد لأنه في درج كلام كنحو قولك: (مَن آبٌ) إذا سمي بالباء من (اضْرِبْ). قال: إذ كان ذلك لا يلزمه في جميع المواضع. أي: إنما يلزمه في الوصل فقط. قال: ولولا ذلك لم يَجُزْ. أي: لولا الاعتياض من ألف الوصل بما قبله مما يتصل به، "لأنه ليس في الدنيا اسم يكون على حرفين أحدهما التنوين {لأنه} لا يستطاع أن يُتكلّم به في الوقف مبتدأ .. ". أي: لأن الوقف والابتداء جميعًا لا يصيران على حرف واحد، فيصير الحرف محركًا ساكنًا، هذا في حال الوقف في الجر والرفع.

هذا باب الحكاية

قال: ولا فُعِيلَ هذا بمبنِيّ عَلِمْناه مما كان من الحروف الموصولة. أي: لا يفعل مثل ذلك بالزاي من (زيدِ) ونحوه من الموصولات بما بعدها المصوغُ عليها الأسماء والأفعال. ... هذا بابُ الحكاية قال: ولو سمَّيْتَ رجلاً (زيدٌ أخوك) لم تحقِّره، فإن قلت: أقول: زُيَيْدٌ أخوك. قال أبو علي: يقول: إذا سمَّيت (بزيد أخوك) رجلاً، صيَّرت الجملة اسمًا، فليس (زيدٌ) بالاسم دون قوله: (أخوك)، ولا (أخوك) الاسم دون قوله: (زيدٌ)، فلا يجوز أن يحقِّر الأول دون الثاني، ولا الثاني دون الأول، ولا تحقرهما، لأن الحكاية تزول إذا حقَّرتهما، ومع ذلك فإنّ الاسم لا يحقّر من موضعين.

قال: في الإضافة إلى الجمل: ولكن يجوز أن تحذف فتقول: تأبّطيٌّ وبَرَقِيٌّ فتحذف وتَعْمَلَ به عملك بالمضاف حتى تصير الإضافة على شيء لا تكون حكاية لو كان اسمًا. قال أبو علي: يقول: تحذف المفعول والضمير فيه تأبَّط شَرًّا، فيقوم مقام اسم لم يمتنع من أن ينسب إليه، كما لا يمتنع من أن يُنسب إلى (ضَرَبَ) اسم رجلٍ من قولك: (ضَرَبَ زيدٌ)، إذا لم يكن في (ضَرَبَ) اسم فاعل. قال: ويدلُّك على أنّ ذا ينبغي له أن يكون منونًا. يعني (خيرًا منك)، و (ضاربٌ رجلاً) ونحوه اسم امرأة، قولك: لا خيرًا منه لك، ولا ضاربًا رجلاً لك. قال أبو علي: استدل على أنه يجب إذا سمّيت امرأة (خيرًا منك)، أو (ضاربًا زيدًا) أن تثبت التنوين في (خير)، فلا تحذفه منه، وإن كان اسم

امرأة كما تحذفه من (ضارِبٍ) إذا كان اسمها غير موصول بشيء، فإنك إذا نفيت اسمًا منكورًا حذف التنوين من آخره، إذا أردت النفي العام وقلت: (لا رجلَ)، ولو نفيت من هذه الموصولات شيئًا هذا النفي لقلت: (لا خيرًا مِنْ زيدٍ)، فأثبت، ولم تحذف كما تحذف من سائر النكرات، لأن الموصول لا يتم إلا بصلته، وصلته بمنزلة بعض حروفه، والتنوين لم يقع آخرًا فتحذفه، إنما وقع قبل انتهاء الاسم فكما لا تحذف غيره مما في دَرْجِ الصلة، كذلك لا يحذف التنوين، وكما لا يحذف التنوين في النفي لأنه ليس في منتهى الاسم، كذلك لا تحذفه من هذه الموصولات إذا سمَّيت بشيء منها امرأة. قال: فلم يُحذف التنوين منه في موضع حذف التنوين من غيره. يعني من (ضارِبٌ رجلاً) اسم امرأة. قال أبو علي: يعني أنك لو سمّيت امرأة (ضاربًا) قلت: هذه (ضاربُ) فلم تنون.

قال: وإذا سمّيت رجلاً (بعاقِلَةٍ لَبِيبَةٍ) أو (عاقِل لَبيبٍ) صرفته. قال أبو علي: (عاقلةٌ لَبيبةٌ) يَبْعُدُ من أن يحكى كما حكي (زيدٌ منطلقٌ)، لأنه ليس بجملة، كما أن قولهم: (زيدٌ منطلقٌ) جملة، فأعرب ولم يحذف التنوين من وسطه ولا من آخره لأنه سمي المسمى بهذين الاسمين في حال تنكيرهما فحكيا كما كانا يكونان في النكرة، فلذلك يثْبُتُ التنوين فيهما جميعًا اسمُ رجل كان أو اسمُ امرأة. قال: فإن قُلت: ما بالي إن سمّيتُ (بعاقلة) لم أنون، فإنّك إن أردت حكاية النكرة جاز، ولكن الوجه ترك الصرف.

قال أبو علي: لأنه ليس بجملة فتحكي. قال: والوجه في ذلك الأول الحكاية، يعني (عاقلةٍ لبيبةٍ). قال: وهو القياس، لأنهما شيئان، وإنما ذا بمنزلة (امرأة) بعد (ضارب). يريد: (لبيبة) من قوله: (عاقلة لبيبة) إذا سمى بهما معًا. قال أبو علي: يقول: (لبيبة) مع (عاقلة) بمنزلة (امرأة مع ضارِب)، فلا يجب أن يحذف التنوين من (عاقلة) التي يتصل بها (لبيبة) كما لا يحذف التنوين من (ضاربٍ امرأةً) إذا جعلته اسمًا، فاتصل بنكرة {و} كما لا يُحذف من (ضاربٍ) التنوين إذا صار مع (امرأة) اسمًا، فكذلك لا يحذف منه إذا صار مع (طلحة) اسمًا. قال: وسألت الخليل عن رجل يسمى (مِنْ زيدٍ، وعَنْ زيدٍ).

قال أبو علي: يُعرب هذا، ولا يزيد عليه شيئًا، لأن من الأسماء ما هو على حرفين فيُعرب نحو (يَدٍ) ونحوه. ... هذه مسألةٌ ليس هذا موضعُها، ولكِنَّا كتبناها ها هُنا قال: وكما قال: سَماءُ الإلهِ فوقَ سَبْع سَمائِيَا فإنه جاء خارجًا عن الأصل من ثلاثة أوجه:

أحدها: أنه جمع (سَماء) على (فَعايل)، من حيث كان واحدًا مؤنثًا، فكأن الشاعر شبَّهه مؤنثًا، فلكأن الشاعر شبَّهه (بشَمال وشَمائِل) ونحو ذلك الجمع المستعمل فيه (فُعولٌ) دون (فَعائل)، كما قالوا: عَناقٌ وعُنُوقٌ. قال: كَنَهْورٌ كان مِنْ أعْقابِ السُّمِي. وقال: تَلُفُّه الرِّياحُ والسُّمِي. فهذا جمعه المستعمل، وجاء به هذا الشاعر على غير المستعمل. والآخر: أنه قال: سَمائي، وكان القياس الذي عليه الاستعمال (سَمايا) فجاء به هذا الشاعر لما اضطر على القياس المتروك فقال: سَمائي وسأثبت ما تقف منه على هذا الأصل، فأقول: سماءٌ وزنه فَعالٌ، واللام منه معتل، والهمزة منقلبة فيه عن الواو، لوقوعها طرفًا بعد الألف. وحكم ما جمع من نحو هذا جمع التكسير فلم تظهر فيه الواو التي هي لام، أنْ يقلب الحرف الزائد الواقع بعد ألف الجمع ياءٌ (كمَطِيَّة ومَطايَا)، وما

أشبه ذلك. على هذا استعمال هذا الضّرب، والعمل فيه كما يذكر (سَماء فَعالٌ)، فإذا جمعته مكسّرًا على (فَعايِل) وجب أن تقول: (سَماييءٌ)، كما أنّك لو جمعت مثله من الصحيح نحو (سَحابٍ) لقلت: (سَحائِبٍ)، فأبدلت الألف الزائدة التي في (فَعال) همزة لأنها وقعت بعد ألف الجمع، وألف الجمع ساكنة، وألف (فَعال) أيضًا ساكنة، وإذا اجتمع ساكنان فلا يخلو من أن يحذف أحدهما أو يحرك، وحذْف الساكن الأول هنا لا يجوز لأنه دليلُ الجمع، ولو حَذَفْتَ الثاني لالتقاء الساكنين لم يَجُزْ أيضًا لأن الجمع كان يلتبس بالواحد، فإذا لم يجز حذف واحد من الساكنين، وجب أن يُحرك أحدُهما، ولا يخلو من أن يكون الأول أو الثاني، والأول لا يجوز تحريكه، لأنه لو حرِّك لبطلت دلالته على الجمع، فحرِّك الساكن الثاني، فانقلبت همزة. فأما واو (عَجوزٍ)، وياء (صَحيفةٍ) فمشبهان هذه الألف لأنهما يقلبان في الجمع همزة، فالألف من (سماءٍ) يجب أن تقلب همزة في الجمع فإذا قلبت همزة صار (سَماييء) على وزن (سَحائِب) فوقعت في الطرف ياء مكسورٌ ما قبلها، فيلزم أن تقلب ألفًا، إذ قُلبت فيما ليس قبله حرف اعتلال من هذا الجمع. وذلك قولهم (مرارا)، وحروف الاعتلال

في (مَطائي وسَمائي) أكثر منها في (مَراري)، فإذا قلت: مَرارًا وجب أن يلزم هذا القلب فيقال: (سَماءآ، ومَطاءآ)، فتقع الهمزة بين ألفين وهي قريبة من الألف، فكأنه يجتمع حروف متشابهة يستثقل اجتماعهن كما يستثقل اجتماع المثلين أو القريبي المخرج، فيدغمان، فأبدلت من الهمزة ياء فصار (مَطَايا وسَمايا) وهذا الإبدال إنما يبدل من الهمزة إذا كانت معترضة في الجمع مثل جمع (سَماءٍ ومطيّة، وركيّة)، ألا ترى أنه لا همزة في واحد من هذه الأسماء، ولو كانت الهمزة في الواحد ثابتة لم تبدل، ألا ترى أنك إذا جمعت (جايِيَة) لم تقل إلا (جَواي) لأن الهمزة ثابتة في الواحد، وهذا البيت يدل على صحة قول النحويين إن الأصل في (مطايا) وبابه أن يكون (مَطائي)، بالهمزة، وأن الإبدال في التقدير يكون من الهمزة، ألا ترى أن الشاعر أخرج ذلك في الضرورة ورد الكلام إليه كما يرد الأشياء إلى أصولها، نحو إظهار التضعيف، وصرف ما لا ينصرف، وتحريك حرف العلة الذي يلزم السكون، ولولا أن الأصل في هذا الباب أيضًا الهمزة، ثم يقع الإبدال عنه لم تردّه إليه في الضرورة، ولم يُبدل من هذه الهمزة الواو لأنها اختصّت بالبدل مما ظهرت فيه الواو التي هي لام مما جاء مبنيًا على التأنيث نحو (إدَاوة وادَاوى).

فهذه الواو في (اداوى) وما أشبهه عوض من الهمزة الواقعة بعدها في نحو (مطايا)، فكان حكم (سَماء) إذا جمع مكسرًا على (فَعائِل) أن يكون كما ذكرنا فيه نحو (مَطايا ورَكايا)، لكن هذا القائل جعله بمنزلة ما لامه صحيح، وأثبت قبله في الجمع الهمزة، فقال: (سَماء) كما قال (جَوارٍ)، فهذا وجه آخر من الإخراج عن الأصل المستعمل، ثم حرّك الياء بالفتح في موضع الجر كما تحرك من (جواري وموالي) فصار (سَمائي) مثل (مَوْلى مَوالِيًا). {و} أبيتُ على مَعارِيَ فاخراتٍ

فهذا وجه الشبه من الإخراج عن الأصل المستعمل. آخر المسألة، عاد إلى عمود الكتاب. ... قال: في (قَطْ وقدْ) إذا سمَّيت به: إنّما عمل فيما بعده كعمل الغلام إذا قلت: هذا غُلامُ زيدٍ. قال أبو علي: يجب أن يعرب، فإذا أعرب أضيف كما يضاف الغلام إلى زيد. قال: فكذلك قَطْ. يريد لا يكون كلامًا.

قال: كما أن (غُلام زيدٍ) لا يكون كلامًا حتى يكون معه غيره. قال أبو علي: يعني أنك تحكي كلامًا تامًا، والجمل نحو (بَرَقَ نَحْرُهُ)، فأما (مِنْ زيدٍ) فليس بكلام تام حتى تضم إليه ما يتمه، وكذا (جاء زيدٌ). قال: لأني رأيت المضاف لا يكون حكاية كما لا يكون المفرد حكاية. قال أبو علي: فإن قلت: قد أجازوا أن يحكى (لَبيبةٌ) اسمًا وهو مفرد، فينوّن وهو معرفة، كما كان ينون وهو نكرة، كأنهم قالوا: إنما جاز حكايته لأن عندهم أن فيه ضميرًا إذا حكاه، وذلك الضمير راجع إلى الموصوف، فكأنه ليس بمفرد لمكان الضمير فيها، وقد قال: الوجه فيه الحكاية. وقال أبو علي: (وَزْنُ سبعةٍ) قبل أن يسمى به منكورٌ، فإذا سميت به عرّفت الثاني وأضفت إليه الأوّل ليعرّف به، لأن الأول لا يجوز أن يتعرف

به، ثم يضاف معرَّفًا، لأن المعارف لا تُضاف، وإنما ذكر هذا ليُعلم أن المضاف ليس مما يُحكى، كما أن المفرد لا يحكى. قال: قلت: فإن سمّيته (في زيد)، لا تريد الفَمَ، قال: أثّقَّله فأقول: (هذا فِيُّ زيدٍ)، كما ثقلته إذا جعلتُه اسمًا لمؤنث لا ينصرف. قال أبو علي: يقول: أثقِّله في الإضافة، وإن كان التنوين لا يلحقه مضافًا كما أثقله اسم مؤنث وإن كان التنوين لا يلحقه، لأن المؤنث أصله المذكر والمضاف مركب من الأفراد، فلو لم يثقل لكان الاختلال يلحقه مفردًا كما أنك إن لم تثقل المؤنث لحقه الإعلال مذكرًا، فإن قلت: أفليس قد جاء (فا عبدِ الله) وفُوهُ، فهلا تركت في الحرف على ما كان عليه ولم تثقل

قياسًا عليه، فإن ذلك قليل لا يجب أن يقاس عليه. قال: حيث شبهوا آخره، يعني آخر (فم) في الإضافة بآخر (أب). قال أبو علي: شَبَهُهُ به أنّ ما قبل حرف الإعراب يحرك بحركة من جنس حركة الإعراب. قال: وأمّا (في) فليست هذه حالُه، وياؤه تحرك في النصب. قال أبو علي: يقول: لو لم يزد على (في) حرف مثل المزيد عليه لحركت ياؤه في النصب بالفتح، فقيل (لقيتُ في زيدٍ)، ولم تقلبها ألفًا كما قلبتها ألفًا من الفم في حال الإضافة. قال: وليس شيء يتحرك حرف إعرابه في الإضافة ويكون على بناءٍ إلا لزمه ذلك في الانفراد.

قال أبو علي: كأنه لم يتعدّ (بأبٍ وفم) وما يتغير حاله في الإفراد عن حاله في الإضافة لقلته في الكلام. قال: وكان – يعني الخليل- يقول: (إلاّ) التي للاستثناء بمنزلة (دفْلَى) وكذلك (حَتّى). قال أبو علي: إنما قاس (إلاّ) على (دِفْلى) ومثّله به دون (مِعْزَى) وما أشبهه من الملحقات، لأن التأنيث في نحو هذا أكثر من الإلحاق؛ ألا ترى أن التأنيث قد يكون في آخر الملحقات (كدِفْلَى) التي فيها لغتان، فليس يمتنع الملحق عن أن يكون فيه التأنيث، ثم يفصل التأنيث الملحق بأبنية يختص بها لا يكون الملحق بالتأنيث أكثر، فكما حُمل في الجارّة على الأكثر

ولم يُحمل على (فَمٍ) مضافًا، كذلك حمل هذا على الأكثر. قال: وأما (إلاّ) و (إمّا) في الجزاء فحكاية. قال أبو علي: الفرق بين (إلاّ) التي للاستثناء و (إلاّ) التي للجزاء، أن التي للجزاء مركّبة من (إنْ) و (لا) النافية، و (إلاّ) التي للاستثناء كلمة واحدة، والتي للجزاء يجب أن تحكى للتركيب، والتي للاستثناء كلمة واحدة، والكلمة الواحدة المفردة لا تحكى، ولفظهما سواء، إلا أنك تقوّي بأحدهما الحكاية وبالأخرى غير الحكاية، وإنما يحكى (إلاّ وإمّا) التي للجزاء إذا نُقلا عنه إلى الاسمية، ويجوز عندي قياسًا على ما قاله في (عَمَّ) التي للاستفهام في آخر هذا الباب، أن يعربه ويمدّ، فيقول: (هذا إن لاءٍ، وإن ماءٍ). والكوفيون يقولون: إن (إلاّ) التي للاستثناء إنما هي (إنْ لا). وعلى هذا القول يجوز أن تُحكى، لأنه مركب، إلا أنهم قد أخطأوا في هذا. قال أبو علي: العبرة فيما يُحكى من هذا الباب التركيب، فما كان منه مركبًا حكي وسواء انفصل المركب أو لم ينفصل. قال: وأما (هَلّمَّ) فزعم أنها حكاية في اللغتين جميعًا، كأنها (لُمَّ) أدخلتْ عليها (ها)، كما دخلت على هذا.

قال أبو علي: الدليل على أن الهاء من (هَلُمَّ) هي من (هاء) التي للتنبيه وتصحبه الألف، إلحاقُهم حرف التنبيه الذي لا اختلاف فيه أنه تنبيه في نظيره من الأفعال، وهو قوله تعالى: "ألا يسجدوا لله" فَـ (يا) هذه نظير (هاء) في (هَلُمّ)، فيجب أن يحكى (هَلُمَّ) في اللغتين جميعًا، كما يُحكى (يا اسجدوا) إن سمَّيتَ به فكنت تقول: (يا اسجدْ)، موقوفًا، وإنما حذفت الألف من (هَلُمَّ) لكثرة الاستعمال، أو لاجتماع الساكنين في لغة من بيَّن فقال: (ارْدُدْ)، والساكنان الألف واللام التي هي فاء الفعل.

قال: (زيدٌ الطّويلُ) حكاية مثل (زيدٌ منطلقٌ)، فإن جعلت (الطويل) صفة صرفته بالإعراب. قال أبو علي: لأن الصفة لا تحل محلّ الخبر، وإنما هي تبيين للاسم وتعريف له، فهي والاسم بمنزلة شيء واحد. قال: ولو سمّيته (الرّجلُ مُنطلقٌ)، جاز أن تناديه فتقول: (يا الرجلُ منطلقٌ). قال أبو علي: حرف النداء يمتنع من الدخول على ما فيه الألف واللام إذا كان اسمًا مفردًا كالعباس، والرجل، فأما إذا كان الألف واللام في جملةٍ مسمّى بها لم يمتنع من الدخول عليه من حيث لم يمتنع من الدخول على سائر الجمل التي لا ألف ولامًا فيه، ألا ترى أن (يا) التي للنداء لا تلي الأفعال، ولو سميت رجلاً بجملة من فعل وفاعل فناديته لم يمتنع حرف النداء من الدخول على الفعل، وإن كان قبل التسمية لا يدخل عليه، فكذلك لا يمتنع من الدخول على الاسم الذي فيه الألف واللام إذا كان من جملة واحدة، وإن كان يمتنع من الدخول عليهما إذا كانا في اسم مفرد من غير جملة.

قال: لأن ذا مجراه قبل أن يكون اسمًا في الجرّ والنصب. يريد: اسمًا خاصًا علمًا. قال: ولا يجوز أن تقول: (يا أيُّها الذي رأيْتُ)، لأنه اسم غالب، كما لا يجوز أن تقول: (يا أيها النَّضرُ)، وأنت تريد الاسم الغالب. قال أبو علي: لأن (أيَّا) لا توصف إلا بأسماء الأنواع لا بالأسماء المختصة فإن جعلت (الذي) مبهمًا كالذي في قوله تعالى "والذي جاء بالصدق وصدَّق به" ثم قال "أولئك هم"، والذي في قوله "كمَثل الذي استوقد نارًا" جاز أن يصف به (أي)، لأنه ليس بمختص فصار بمنزلة (الرَّجُل) في الإبهام.

هذا باب الإضافة وهو باب النسبة

وكما جاز أن يصف به (أيّ) على هذا الشرط كذلك يجوز أن يلي (نِعْمَ) فيرتفع به، فتقول: (نِعْم الذي جاء بالحق)، لأنه ليس باسم مختص كزيد. ... هذا باب الإضافة وهو باب النسبة قال: وقالوا: رَوْحانِيّ في الرَّوْحاءِ، ومنهم من يقول: رَوْحاوِيّ. قال أبو علي: الواو في (رَوحاوِي) إذا أثبتت فيه مضافًا إليه هو القياس كما يقال في (حمراوي)، ومن قال (رَوْحانِيّ) أبدل من الواو النونَ، وإنما أبدلها منه لوقوعها مواقعها في الزيادة وموافقتها إياها في الخفاء. قال: في تَهامٍ. قال أبو علي: زعم أن الألف في (شآم) عوض من إحدى الياءين، فقال سيبويه: أليس الألف في (تهامة) من نفس البناء، فكيف

هذا باب ما حذف الياء والواو فيه القياس

تكون عوضًا من إحدى الياءين، فقال: هو عوض في قولهم: (تَهام)، وليست التي كانت من نفس البناء، والدليل على ذلك فتحهم الفاء وتغييرهم إياه عما كان عليه هذا المعنى المراد واللفظ كما تسمع. ... هذا بابُ ما حَذفُ الياء والواو فيه القياسُ قال: إذ كان من كلامهم أن يحذف لأمر واحد. قال أبو علي: قوله: أن يحذف لأمر واحد، أن يحذف من الاسم الياء النسب فقط، نحو هُذَليّ، وثَقَفيّ، وهو تغيير واحدن فإذا ضامّه حذف الهاء

صار تغييران فلزم الحذف، ولهذا نظائر في العربية. فمن ذلك أن تقول في جمع (رَسُولٍ رُسُلٌ)، فتضم العين، يوافق من يقول: (رُسْلٌ) إذا كان العين واوًا كراهة وقوع الضمة على الواو في مثل قولك: (عَوانٍ وعُونٌ، ونُوار ونُورٌ). قال: قلتُ: فكيف تقول في (بني طَويلَةَ) فقال: لا أحذف لكراهيتهم. قال أبو علي: من حذف الهاء في (حَنِيفَة) وما أشبهه فقال: (حَنَفِيّ)، لم يحذف من (طويلة)، لأنه لو حذفها كما حذف من (حَنَفِيّ) لزمه أن يقلب الواو لتحركها وتحرك ما قبلها، كما يلزمه قبلها في (فَالٌ ورجلٌ مالٌ)، فلما كان حذف الياء يؤدي إلى انقلاب العين، وكان انقلاب

هذا باب الإضافة إلى كل اسم كان على أربعة أحرف

العين تَبْعُدُ دلالته على المنسوب إليه، تنكب حذف الياء كما تنكب حذفها من المضاعف. ... هذا بابُ الإضافة إلى كلِّ اسم كان على أربعة أحرف قال: ولو كنتَ لا تحذف الياءين اللّتين في الاسم قبل الإضافة لم تصرِفْ بَخاتِيّ. قال أبو علي: يعني أن (بَخاتيّ) جمع (بَخْتِيّ) لا ينصرف، فلو لم تحذف تلك الياءين اللتين كانتا في الجمع ولم تثبت ياء النسب لم تصرف، فلما حذفت الياءين اللتين كانتا في الجمع صار النسب كأنه إلى

(فَعَال). قال: وإذا أضفْتَ إلى (عَرْقُوَةٍ) قلت: عَرْقيّ. قال أبو علي: لأنه يلزم أن يحذف تاء التأنيث، فإذا حذفها انقلبت الضمة كسرة، والواو ياء، فيصير (عَرْقيّ) مثل (قاضي ومَرْمِي)، فحذف الياء كما يحذف من (قاضٍ) إذا أضاف إليه. قال: وقال الخليل: من قال في (يثرب) (يَثْرِبِيّ) ففتح مُغيِّرًا فإنه إن غَيَّر مثل (يَرْمي) على هذا الحدّ قال: (يَرْمَوِي)، كأنه أضاف إلى {يَرْما}. قال أبو علي: الياءات تقلب في هذا ألفات، ثم تقلب الألفات واوات فتكسر، فإن قال: فهلاّ تركت الألف ولم تقلب واوًا لأن الساكن المدغم

هذا باب الإضافة إلى كل شيء من بنات الياء والواو

يقع بعده في نحو (دابَّة)، فإنما قلبت واوًا لأن ما قبل ياء الإضافة، يكون مكسورًا والألف لا تحرك. ... هذا بابُ الإضافة إلى كلّ شيءٍ من بناتِ الياء والواو قال: فكان منقوصًا للفتحة التي قبل اللام. قال أبو علي: قوله: منقوصًا للفتحة أي لو لم يكن منقوصًا، وكان ممدودًا لسكن ما قبل اللام ولم ينفتح، ألا ترى أن هذا لوْ مَدَدْتَهُ لكان ما قبل ساكنًا. قال: فإنّما منعهم من الياء إذ كانت مبدلة استثقالاً لإظهارها أنّهم لم يكونوا ليظهروها إلى ما يستخفُّون.

قال: فلما كانت الياءان والكسرة فيما تَوالتْ حَركاتُه ازدادُوا استثقالاً. قال أبو علي: يعني في مثل (رَحيٌ) لو قيل. قال: كالمضاف إليه في الباب الذي فوقه. يعني نحو (ناجِيةٍ وقاضٍ). قال: فأقرّوا الياء وأبْدَلوا. أي لم يحذفوا الياء، لكن أبدَلوا من الياء ألفًا ثم من الألف واوًا لأن الألف لا تنكسر، وما قبل ياء النسب منكسر.

قال: لأنّها لم تكن لِتَثْبُت ولا تُبْدَل مع الكسرة. أي متى تثبت ألفًا أبْدِلتْ. قال: أقرّوا الياء على حالها. أي لم يحذفوها كما حذفوا من (قاضٍ) ونحوه. قال: والذين قالوا: (حانَوِيٍّ) شبَّهوه (بِعَمَوِيٍّ). أي في أنّ كلّ واحد منهما قد قُلب في الياء ألفًا، وأبدلت من الألف الواو. قال: لأنّ (النَّمِر) ليس فيه حرف إلا مكسورًا إلا حرفًا واحدًا. قال أبو علي: يريد وليس (جَنَدِلٌ) كذلك لأن فيه حرفين مفتوحين.

قال: وسألته عن الإضافة إلى (حَيَّة) فقال: (حَيَوِيٌّ). قال أبو علي: (حَيَّة)، وزنه (فَعْلَة)، وليست إحدى الياءين بزائدة كما كانت إحداهما زائدة في (قُصَيّ، وعَديّ)، لكن هذا، (ولَيّة وتحيّة) مما عقد عليه الباب فقال: (وما كان في اللفظ بمنزلتهما)، فحيّة في اللفظ بمنزلة قُصيّ وأُمَيّة، في أن كل واحد منهما في آخره ياءان، كما أن في آخر (تحيّة) ياءين وإن كانت هاتان أصليتين والتي في (أمَيَّة) زائدتين.

قال: وزعم يونس أن ناسًا يقولون: (أمَيِّيٌ)، فلا يغيِّرون لما صار إعرابُها كإعراب ما لا يعتلّ شبهوه {به}. قال أبو علي: قوله كإعراب ما لا يعتلّ، أي أن الواو والياء إذا كانتا مشدّدتين أعربتا كما يُعرب الصحيح. قال: والدليل على ذلك قول العرب في حيَّة بنِ بَهْدَلَةَ: (حَيَوِيٌّ)، وحُركتْ لأنه لا تكون الواو ثابتة وقبلها ياء ساكنة. قال أبو علي: قوله: حُركت، يعني حُركت الياءُ، وقوله: لا تكون الواو ساكنة يريد الواو من (حَيَوِيّ)، لا تثبت واوًا إذا كانت قبلها ياءٌ ساكنة. ألا ترى أن الياء لو سكنت ما قبلها ولم تفتح لوجب أن تدغم في الواو التي كانت تقع الياء قبلها، وتنقلب الواو إذا أدغمت فيه الياء ياء، فيصير (حَيِيّ)، فإذا أضاف إليه لزمه أن يقول: حيِّيٌّ، فلو لم يحرك الياء من (حَيَوِيّ) عاد إلى ما كان استثقل، وتجنّب.

قال: فإن أضفت إلى (لَيَةٍ) قلت: (لَوَوِيٌّ). قال أبو علي: الأصل في (لَيَّة: لَوْيَة)، إلا أن الواو قلبت ياء، فأدغمت في الياء، والياء التي هي طرف قُلِبتْ ألفًا لمكان الإضافة كما قلبت غيرها من الياءات التي هي لاماتٌ لها، فلمّا قلبت ألفًا انفتح ما قبله، فرجعت الواو الأصلية التي كانت قلبت ياء للإدغام في الياء التي هي لام قبل أن يضاف إليه. قال: فإن أضَفْتَ إلى (عَدُوَّةٍ) قلت: عَدَوِيٌّ، من أجل الهاء كما قلت في (شَنُوءَة: شَنَئِيٌّ). قال أبو علي: حذف المدّة يلزم من أجل تاء التأنيث كما حذفها من (حَنِيفَةٍ وجُهَيْنَةٍ) ونحوه مما فيه تاء التأنيث، لأنك لما كُنت تغيِّر من أجل تغيير واحد في الاسم نحو (هُذَلِيّ)، لزم أن يلزم ما اجتمع فيه تغييران التغيير وفتحت الدال من (عَدَوِيّ) إذا أردت النسب إلى (عَدَوَة)، لأنه ليس في كلامهم واو مكسورة مضموم ما قبلها، لأن هذه اللامات تنقلب ألفًا فيلزم لذلك أن ينفتح ما قبلها ثم تقلب الألف واوًا فيبقى ما قبلها على انفتاحه.

قال: وسألته عن الإضافة إلى (تحيَّة)، فقال: (تَحَوِيّ)، وتحذف أشْبَهَ ما فيها بالمحذوف من عَدِيّ، وكذلك كلّ شيء كان آخره هكذا. قال أبو علي: (تحيَّة)، وزنه، وهو مصدر لفعَلت يحيِّي، على ضربين: على (تَفْعِلة، وتفعيلٌ)، إلا أن تفعيل يرفض هاهنا كما رُفض (عُطَيِّ) في تصغير (عطاء)، فاستعمل تَفْعِلة، وأدغمت الياء التي هي عين في الياء التي هي لام، وألقيت حركتها على الفاء، فإذا أضفت إليه، حذفت الياء التي هي عين، لموافقتها الزائدة التي في (عَدِيّ) في السكون، فإذا حذفته كراهة اجتماع الياءات، قلبت الياء التي هي لام ألفًا، فانفتح ما قبلها وهو الفاء كنحو ما فعلته في سائر ما تقدم، ثم أبدلت من الألف واوًا لشُيوع الحركة فيه فقلت: (تَحَوِيّ)، ومن قال في (أُمَيَّة: أميِّيٌّ)، فهو أجوز أن يقول: (تحيِّيٌّ)، لأن الياءين في (تحيَّة) أصليتان، وإحدى الياءين في (أميّة) زائدة، أي وهي الأولى التي للتصغير.

قال: وتقول في الإضافة إلى (قِسِيّ: قُسَوِيٌّ)، لأنها (فُعُولٌ) فتردّها إلى أصل البناء. قال أبو علي: (قَوْسٌ) وزنه (فَعْلٌ)، والعين منه معتل، وما كان على وزن فَعْلٍ فجمعه الكثير قد يكون على (فُعُول)، وكان جمع (قَوْسٍ) إذا جمع أن يكون (قُؤُوس) إلا أنّ اللام قُدّم على العين، فكأنه قال: (قُسُوّ) ونظير هذا في القلب أشياء قدّم فيها اللام على الفاء، فالياء التي قبل المدة في الطرف عين الفِعْل فوزنه من الفعل (لَفْعَاء)، والمدة التي فيه للتأنيث، والدليل على ذلك أنه لا ينصرف في النكرة وما كان على (فَعْلٍ) أو غيره من الأبنية وكان اللام منه واوًا ثم جمع على (فُعُول)، فإن يُقلب ياء، كقولهم في جمع (دَلْو) (دُلِيٌّ)، (وعَصا: عُصِيٌّ)، هذا الأكثر، وقد تصحُّ الواو التي هي لام في (فُعُول) إذا كان جمعًا وهو قليل، نحو: (نُحُوٍّ)، فإذا قلبت الواو التي هي لام في (فُعُول) ياءً، وقعت الواو قبلها ساكنة، أعني واو (فُعُول) التي هي مدة، والواو الساكنة إذا وقعت قبل الياء قلبت ياء وأدغمت في الياء كقولهم (رَيَّا) في مصدر (رَوَيْتُ)، وإذا قلبت الواو التي هي مدة ياء وأدغمت في الياء، وجب أن ينكسر

ما قبله إذ لو لم ينكسر، وبقيت على ضمتها لم تنقلب ياء، وكسرت عين الفعل التي كانت مضمومة كما كسرت من (مَرْمِيّ) لذلك. فصار (قِسِيّ)، وقد تكسر فاء الفعل في (فُعُول) (وفَعِيل) إذا وَليه ياء وكسرة نحو (بُيوتٍ وعُيَيِّنة) في جمع (بَيْتٍ) وتصغير (عَيْنٍ) فعلى هذا كسرت الفاء من (قُسِيّ)، فصارت (قِسِيًّا)، فإذا نسبت إليه اسم رجل حذفت الحرف الأول من حرفي الاعتلال وهو ههنا الزائد الذي هو مدة كما حذفته من غير ذلك في نحو (عَدِيّ)، فإذا حذفت حرف المد، قلبت اللام ألفًا فانفتح ما قبلها، ثم قلبتها لمكان الإضافة إليه واوًا وضممت الفاء، ولم يجز الكسر فيه، لأن العلة التي من أجلها كسرت زالت. قال: وتقول في الإضافة إلى عَدُوٍّ: عَدُوَيٍّ، وإلى عَدُوَّةٍ عَدُوِّيٌّ، وإلى مَرْمِيّ: مَرْمِيٌّ، تحذف الياءين، وتثبت ياء الإضافة، ومن قال: حانَوِيٌّ قال: مَرْمَوِيّ. قال أبو علي: من قال في (قاضٍ: قاضِيٌّ) فحذف لام الفعل، قال في مَقْضِيٌّ ومَرْمي: مَقْضِيٌّ، فحذف لام الفعل من (مَفْعُول) كما حذفه من (فاعِل)، لأن هذه اللام كتلك، ولو أثبتَّ ولم تحذِف لصار فيه مما يستثقل ما كان في تلك، أعني (يا قاضِيّ) فإذا حذفت اللام من (مَفْعُول) وجب أن تحذف لحذفها واو (مَفْعُول) كما أنك إذا رخَّمت (منصورًا) اسم

رجل حذفتها لحذفك اللام، فإذا حذفت واو (مَفْعُول) لما قلناه، وجب أن تنكسر العين من (مفْعُول) لأنها تلي ياء النسب، والحرف الذي يليها لا يكون إلا مكسورًا فلذلك كسرت، وإن زال عنه ما من أجله أبدل من ضمة عين الفعل من (مَفْعُول) كسرة. ومن قال: مَاضَوِيٌّ قال مَرْمَوِيٌّ، وذلك أنك لما قلت: قاضَوِيٌّ أبدلْت من ياء قاضٍ ألفًا، ولذلك انفتح ما قبلها، فكما أبدلت من هذه الياء التي هي لام في قاضي ألفًا، كذلك تبدل منها ألفًا في مفعول، فإذا أبدلت منها وجب أن ينفتح ما قبل الألف، وما قبل الألف التي تبدلها من الياء واو مَفْعُول، وواو مفعول لا تتحرك، فلما كان يلزم تحريك شيء لا يتحرك حذف، كما حذفوا اللام الأولى من قولهم: عَلْماءِ بنو فُلان،

وبَلْعَنْبَر وكما حذفت التاء من قولهم: (اسْطاعَ) فيمن جعلها (اسْتَفْعَل) لما أريد إدغام التاء في الطاء لقرب المخرج، ولو أدغم لوجب أن تلقى حركتها على السين من استفعل، فيتحرك السين، وهذه السين لا تتحرك، ولما كان يؤدي إلى تحريك ما لا يتحرك حذف الحرف الذي أريد إدغامه حذفًا. وإذا حذف المتحرك لهذا الذي ذكرت لك، فحذف واو (مَفْعُول) التي هي غير متحركة أجدر أن تحذف إذا لزم تحريكها، فإذا حذفت واو (مَفْعُول) ولِيَتْ الميم التي هي عين الألف فانفتحت، لأن ما قبل الألف لا يكون إلا مفتوحًا، ثم تبدل من الألف الواو لما يلزم من تحريكها لياء الإضافة فتقول: (مَرْمَوِيّ)، ولو لم تحذف واو (مَفْعُول) للزم أن يقال: (مَرْمُوْوٍّ)، فكان يخرج إلى ما لا أصل له.

هذا باب الإضافة إلى كل اسم كان آخره ياء، وكان الحرف الذي قبل الياء ساكنا

هذا باب الإضافة إلى كُلّ اسمٍ كان آخرُه ياءً، وكان الحرفُ الذي قبل الياء ساكنًا قال: وأمّا يونس فكان يقول: في (ظَبْيَةٍ: ظَبَوِيٌّ)، وفي (دُمْيَةٍ: دُمَوِيّ)، و (فِتْيَةٍ: فِتَوِيٌّ)، فقال الخليل: كأنّهم شبّهوها حيث دخلتْها الهاء (بِفَعِلَة)، لأن اللفظ بِفَعِلة إذا أسكنت العين، (وفَعْلَةٍ) من بنات الواو سواءٌ. قال أبو علي: من قال في (ظَبْيَةٍ ظَبَوِيّ) بفتح العين قدره (فَعِلَة)، وقدر العين مسكَّنة كما يسكَّن منه نحو (عَلْم وفَخْذ)، فإذا أضاف إليه وجب أن يفتح العين المخففة لأن الحركة في النّيّة. والدليل على أن هذه الحركة في النية أنك لو بنيت (فَعِلة) من بنات الواو ثم خفّفتها فقلت: (فَعْلَة) لم تردّ الواو التي قلبتها ياء لكسر ما قبلها كما لا تردّه إذا ثبتت الحركة، فتقول إذا ثَبَتَتْ في (فَعِلة) من (غَزَوْتُ: غَزِيَة)، فإن خفّفت قلت: (غَزْيَة)، ولم تقل: (غَزْوَة).

لأن الحركة في نيَّتك فهي بمنزلة ما في اللفظ، فكما أنك لو أضفت إلى شَقرِةٍ قلت: شَقَرِيّ ففتحت العين كراهة الكسرتين قبل الياءين، كذلك تقول في ظَبْيَةٍ إذا أردت بها (فَعِلة) فخففت (ظَبَويّ)، فتجري ما الكسرة فيه مخففة مجرى ما ثبتت الكسرة فيه في أن تبدل من عينه فتحة، كما أبدلت من عين نَمِرٍ فتحة، فإذا وجب أن يبدل من العين الفتحة لزم أن تقلب اللام واوًا لأنه لا يخلو من أن تكون اللام ياء أو واوًا، فإن كانت واوًا فالأمر فيه بَيِّن، وإن كان ياء قلبتها واوًا كما قلبت في (رحًا) حين قلت: رَحَويّ، فظَبوِيّ كرَحَوي لأنك إذا أبدلت من الكسرة المنوية فتحة ذهبت بفَعِل إلى فَعَل، وحذفت تاء التأنيث، فصار كـ (رَحًا) لا (فَعِل)، فهذا وجه الاستدلال بقوله، لأن اللفظ (بفَعْلة) إذا أسكنت العين، و (فَعْلَة) من بنات الواو سواء، يريد الحركة في النّية – وإن خففت- ولذلك لم تردّ الواو فكذلك هي في نيّتك إذا قلت (ظَبْيَة) وأنت تريد التحريك، فيجب أن تبدل منها فتحة كما تبدل منها إذا كنت في اللفظ. قال: ولا أقول في غَزْوَة إلاّ غَزْوِيّ. قال أبو علي: كأنّ قائلاً قال له: أتقول في غَزْوة: غَزَوِيّ فتنوي (بفَعْلَةٍ: فَعِلَة)، فإذا نويت بها الحركة في العين كان بمنزلة ما في اللفظ، ففتحت العين كما فتحت من شَقَرةٍ، ويكون تقديرك في غَزْوَةٍ الذي هو

فَعْلَةٍ (فَعِلة)، كتقديرك ظَبْيَة الذي هي (فَعْلَة فَعِلة): فقال مجيبًا: لا أقول في غَزْوَةٍ غَزَوِيّ كما قلت في ظَبْيَةٍ، ولا أقدّر أنّ غَزْوَة (فَعِلَة)، مسكنة من (فَعْلَة) كما قدرت في ظَبْيَة إنها فَعْلَة مسكنة من (فَعِلَة) لأن التقدير بغَزْوَة أنها (فَعْلة) مسكنة من (فَعِلَة) لا يصح، وذلك أنه لو كان كذلك لانقلبت الواو ياء، ولم تثبت واوًا كما كانت تنقلب والحركة في اللفظ، فهذا الذي يمنع من أن تقدر غَزْوَة (فَعْلَة)، وهو ثبات الواو، ولم يمنع من أن تقدر (ظَبْيَة) (فَعِلَة) أمر، لأن اللام ياء، فهذا الفصل بينهما. قال: ولا تقول في عُرْوَة إلا عُرْوِيٌّ، لأن (فُعْلَة) من بنات الواو إذا كانت واحدة (فُعُل) لم يكن كذا. قال أبو علي: إذا جمع عُرْوَة، والنية بها تحريك العين، وجب أن تقلب الواو ياء، وذلك الجمع هو الذي بين جمعه وواحده الهاء، تقول إذا جمعت هذا الجمع: عُرٍ، فتقلب الواو ياء والضمة كسرة، لأنه ليس في الأسماء شيء هكذا، والعلة الأخرى مطردة في هذا أيضًا وسائِغة أن ينوي بها (فَعِلَة) كما نُوِي بظَبْيَةٍ (فَعْلَة)، إذا لم تصح الواو فيه.

هذا باب الإضافة إلى كل اسم لامه ياء أو واو وقبلها ألف ساكنة

هذا بابُ الإضافة إلى كل اسمٍ لامُه ياءٌ أو واوٌ وقبلَها ألفٌ ساكِنَةٌ قال في الإضافة إلى رايَةٍ ونحوه: رائِيٌّ، ومن قال: أمَيَيٌّ قال: رائِييّ. قال: ولا يكون في مثل سِقايَةٍ سِقايِيٌّ. قال أبو علي: لما أجاز في (رَايَةٍ) رَائِيٌّ، فكأنه قيل له: هل تجيز سِقائِيٌّ على ذلك؟ لأن الياء بعد ألف، فقال لا أجيزه، لأن الياء في سِقَايِيّ بعد ألف زائدة، وهي لام تعتل إذا وقعت بعد هذه الألف، وإن كانت ساكنة، وليس سكونها كسكون يا أمَيَّةَ لو لم تكن هاء، لأن الياء التي قبل اللام من أمَيَّة ساكن يدغم ويجوز أن يدغم في اللام، فإذا أدغم فيها صح فلم يعتل ولم يقلب همزة، كما لا تعتل الياء التي هي لام من مَرْمِيٍّ، فلو لم تكن في أمَيَّة الهاء صحت اللام منها أيضًا، وليست كسِقاية التي لو حذفت الهاء منها أعْلَلْتَ اللام.

قال: وإذا أضفْت إلى سِقاية فكأنّك أضَفْت إلى سِقاءٍ، كما أنك لو أضفت إلى رَجُلٍ اسمُه (ذُو جُمَّةٍ) لقلت: (ذَوَويّ)، كأنك أضفت إلى (ذَوًا). لأن الياء تسقط قبل أن تنسب إليه، فإذا سقطت صار على التذكير ووجب انقلابها همزة. قال أبو علي: الواو التي قبل ياء النسب في ذوويّ منقلبة عن لام الفعل التي في قولك: "ذَواتا أفْنانٍ" وسقوط اللام في الواحد كسقوطها من أخٍ في حال الإفراد، ورجوعها في التثنية، كرجوعها في الأخ مثنى.

قال: ولو قلت: سِقاوِيٌّ جاز فيه وفي جميع جنسه كما يجوز في سِقاءٍ. قال أبو علي: لو قلت: سِقاوِيٌّ فقلبت اللام واوًا فيما هو مبني على التذكير لأن المبني على التأنيث مساوٍ في الإضافة المبني على التذكير. قال: وحَوْلايا، وبَرْدَرايَا بمنزلة سِقايَة. قال أبو العباس: ألف حلايا بمنزلة هاء سِقاية. قال أبو العباس: جاز تصحيح اللام في رائييّ في الإضافة من حيث جاز أن يقال رأيٌّ، فتصح ولا تُعل، ولم يجُز سِقايِيٌّ من حيثُ لم يَجُز سِقَايٌّ.

هذا باب الإضافة إلى كل اسم آخره ألف مبدلة من حرف من نفس الكلمة

هذا باب الإضافة إلى كلّ اسمٍ آخرُه ألفٌ مُبدَلةٌ من حرف من نفس الكلمة قال: وسألتُ يونس عن مِعْزًى وذِفْرًى فيمن نَوَّن. فقال: هما بمنزلة ما كان من نفس الكلمة كما صار عِلْباءٌ. قال أبو علي: ألف مِعْزَى وذِفْرَى للإلحاق، كما أن همزة علباء للإلحاق، وإذا ثبتت ألف حُبْلى في النسب قُلِبَتْ واوًا فقيل: حُبْلَوِيٌّ، فثباتُها في مَرْمًى ومِعْزًى أجدر، لأن الألف منقلبة مما هو من نفس الكلمة، ومما هو بمنزلة ما هو من نفس الحرف، والألف في حُبْلى علامة تأنيث يجب أن تحذف فيها الياء فإذا ثبتت فيها ما حكمه أن يحذف، فثبات ماحكمه أن يثبت أولى. قال: كما صار عِلْباءٌ حيث انصرفت بمنزلة رِداءٍ في الإضافة والتثنية، ولا يكون أسوأ حالاً في ذا من حُبْلى. قال أبو علي: قوله في ذا أي في ثبات الألف فيه وقلبها واوًا إذا ثبتت الألف في حُبْلَى، فقيل حُبْلَوِيّ لما قُلبت واوًا.

هذا باب الإضافة إلى كل اسم كان آخره ألفا زائدة لا ينون وكان على أربعة أحرف

قال: وسمعنا العرب يقولون في أعْيا: أعْيَوِيّ، ويقولون في أحْوى: أحْوَوِيّ. قال أبو علي: الواو في أحْوَوِيّ، أعني التي هي لام منقلبة عن ألف منقلبة عن واو لأن أحْوَى من الحُوَّةِ، فهو من مضاعف الواو، والواو في أعَيَوِيّ منقلبة عن مضاعف الياء. ... هذا باب الإضافة إلى كُلّ اسمٍ كان آخِرُه ألفًا زائدةً لا يُنَوَّنُ وكان على أربعة أحْرُفٍ قال: فإن قلت في مَلهًى: مَلْهِيٌّ لم أرَ به باسًا كما لم أر بحُبْلَوِيٍّ بأسًا، وكما قالوا: مَدارَى، فجاءوا بها على مثال حَبالى. قال أبو علي: مِدْرَى (مِفْعَلٌ)، واللام فيه أصل فجمع جمع ما ألفه زائد للتأنيث فقيل مِدارًا، كما قيل حَبالى، فهذا أيضًا من التوفيق بين

الألف الزائد والمنقلب عن الأصل. قال: وكما تستوي الزائدة غير المنونة والتي هي من نفس الحرف إذا كانت كل واحدة منهما خامسة. قال أبو علي: هذا نحو حُبارَى، ومُرامى، يريد تستوي الزيادة التي للتأنيث إذا كانت خامسة والأصل إذا كان خامسًا في أن يحذف إذا أضيف إليهما، فتقول في حُبارَى: حُبارِيٌّ، وفي مُرامى: مُرامِيٌّ، فتحذف الألفين جميعًا، فكما استويا هنا وفي مَدارَى وحَبالى، كذلك استويا إذا كانا رابعين، فأجيز في كل واحد منهما الحذف وقلبه واوًا، فقيل: حُبْلَوِيٌّ وحُبْلِيٌّ، ومَلْهَوِيٌّ ومَلْهِيٌّ. قال: وأما جَمَزَى فلا يكون جَمَزَويٌّ ولكن جَمْزِيٌّ، لأنها ثَقُلَتْ، وجاوزت زنة مَلْهًى فصارت بمنزلة حُبارى لتتابع الحركات.

هذا باب الإضافة إلى كل اسم كان آخره ألفا وكان على خمسة أحرف

قال أبو علي: الحركة في جَمَزى عادلت الحرف الخامس من حُبارَى، ومُرامَى فلم يجز قلب الألف واوًا في جَمَزى، كما لم يجز قلبها واوًا في حُبارَى ومُرامَى، إذ كانت الحركة معادلة للحرف، ومما عادلت فيه الحركة الحرف أيضًا الحركة في قَدمٍ اسم امرأة، عادلت الباء من زَيْنَبَ، فلم يصرف اسم امرأة، كما لم يصرف زَيْنَبُ اسمًا لها. ... هذا بابُ الإضافة إلى كلّ اسمٍ كان آخِرُه ألفًا وكان على خمسة أحرفٍ قال: فإن لم تقل ذا وأخذْتَ بالعدد فقد زَعَمْتَ أنّهما يستويان. أي الزائد والأصلي إذا وقعا خامسين يستويان في الحذف. قال: لأنه حين كان واقعًا في الاسم بزنة ما ألفه منه، كان الحذف منه جائزًا.

قال أبو علي: يعني أن حُبْلَى بمنزلة مَرْمَى. قال: بمنزلة سَلامانٍ وزَعْفرانٍ. أي في أنَّ آخره متحرك كما أنّ آخر مَعْيُورًا، ونظائره متحرك. قال: وإنما جسروا على حذف الألف لأنها ميِّتة. قال أبو علي: يعني في مُرامَى. قال: ولو كانت الياءان متحركتين لم تُحذفا. يعني بقوله (الياءان متحركتين): الألفات في مُرامَى وحُبارَى.

قال: وإنما جعلوا ياءَي الإضافة عِوضًا. أي من الألف في حُبارَى إذا كانت خامسة. قال: وهذه الألف أضعفُ، تذهب مع كل حرف ساكن. أي: الألف من مُرامَى، وقوله: تذهب مع كل حرف ساكن فإنه يعني في نحو مُرامَى القَوْم. قال: وإنما هذه مُعاقِبَةٌ. قال أبو علي: يعني أن ياء النسب تعاقب الألف إذا كانت خامسة. قال: ولو أضفْتَ إلى عِثْيَرٍ وحِثْيَلٍ لأجريته مجرى حِمْيَرِيّ. قال أبو علي: يقول: لم تحذف الياء في عِثْيَر وحِثْيَل كما حذفته من هُذَيْلٍ وسُلَيْمٍ ونحوه، لأن هذه متحركة حيَّة، وتلك ساكنة مَيِّتة، فكذلك لا تحذف همزة مَعْيُورًا، لتحركها وتحذف ألف حُبارى ومُرامى لسكونهما.

هذا باب الإضافة إلى كل اسم ممدود لا يدخله التنوين

قال: وزعم يونس أن مُثَنَّى بمنزلة مُعْطَى. قال: وينبغي له إن سُمِّيَ رجلٌ باسم مؤنّث على زنة (مَعَدٍّ) مدغم مثله أن يصرفه. قال أبو علي: هذا لا يلزمه لأن (مَعَدّ) لو كان ثلاثيًا أيضًا لم ينصرف لأنه متحرك الأوسط. ... هذا بابُ الإضافة إلى كُلِّ اسمٍ مَمْدُودٍ لا يدخله التنوين قال: تبدل الواو مكان الهمزة ليُفَرِّقوا بينه وبين الهمزة التي هي من نفس الحرف وما جُعل بمنزلته وذلك قولك في زَكرِيَّاء: زَكَريَّاوِيٌّ. قال أبو علي: وقوع علامة الفرق حكمه أن يكون في الفرع دون الأصل، والواو أولى في البدل من الهمزة من الياء، لشبه الياء بالألف، فلو أبدل ياء كأنه قد اجتمع حروف من جنس واحد.

هذا باب الإضافة إلى بنات الحرفين

هذا بابُ الإضافة إلى بنات الحرفين قال: في الإضافة إلى غَدٍ ويَدٍ: يَدَوِيٌّ وغَدَوِيٌّ. قال: فإن قال: فهلاّ قُلت: غَدْوِيٌّ فالجواب أنهم ألحقوا ما ألحقوا وهم لا يريدون أن يُخرجوا من حرف الإعراب التَّحركَ الذي كان فيه لأنهم أرادوا أن يزيدوا لِجَهْدِ الاسم. قال أبو علي: لو حذفت الحركة من عين (يَدَوِيٍّ وغَدَوِيٍّ) في الإضافة إليه لِرَدِّ لامه عليه لصارت اللام المردودة كأنها لم تُردَّ إذ حذف منه لما ردّ إليه شيء كان ثبت فيه وهو الحركة، والحركة قد تقوم مقام الحرف في ذا الباب، ألا ترى أنها قامت في جَمَزَى مقام ألف حُبارَى، فلو حذفت الحركة لردّ اللام إليه لكان ردّ اللام كَلا رَدّ.

هذا باب ما لا يجوز فيه من بنات الحرفين إلا الرد

هذا بابُ ما لا يجوز فيه من بنات الحرفين إلاّ الرَّدُّ قال أبو علي: الذي يلزم أن تردّ اللام إليه في النسبة ما ظهرت لامه في تثنية أو جمع بالتاء، وكانت فيه زائدة فحذفت منه نحو الهمزة في ابن. قال: وإذا أضَفْتَ إلى أُخْتٍ قُلت: أُخَوِيّ هكذا ينبغي أن يكون على القياس، وذا القياس وهو قول الخليل. قال أبو علي: التاء التي في أُخْتٍ وإن كانت للإلحاق بفَعْلٍ فقد أجري مجرى ما هو لغير الإلحاق، فصار التأنيث أغلب عليه من الإلحاق إذ حذفت في الجمع بالتاء كما حذف ما ليس للإلحاق نحو: عِضَة وعَضَواتٍ،

هذا باب الإضافة إلى ما فيه الزوائد من بنات الحرفين

لئلاّ يجتمع علامتان للتأنيث فلما حذف من قولك: أخواتٌ علم أنه أجري مجرى التي في عِضَةٍ في الجمع بالتاء كما حذفت منها، وكما لزم أن يحذف في الجمع بالتاء كذلك يلزم أن يحذف في النسب كما حذفت التي في طَلْحَةٍ حين قلت طَلْحِيٌّ ولم يَجُزْ ثباتُها فيها من حيث لم يَجُز ثباتُ التي في طَلْحَة في الإضافة وهذا قياس الخليل. ... هذا بابُ الإضافة إلى ما فيه الزوائدُ من بناتِ الحرفين قال: وإن شئتَ حذفت الزيادة فقلت: بَنَوِيٌّ وسَتَهِيٌّ. قال أبو علي: فُتحت الباء في بَنَوِيّ في النسب؛ لأن أصله (بَنا)، يدلُّك على ذلك جمعهم إياه على (أبْناء).

قال: وتصديق ذلك أن أبا الخطاب كان يقول: إن بعضهم إذا أضاف إلى (أبْناءِ فارِسَ) قال بَنَوِيّ. وفي نسخة أخرى أبْناوِيّ، وفيها: والصواب ابْنِيّ. قال أبو علي: من تصديق ذلك، أي من تصديق أن لك أن تحذف الزوائد فالصواب أن يكون بَنَويّ في الكتاب، فتكون الحجة في حذف الألف في ابْن وأبناوِيّ لا حجة فيه. قال: وقد كنتَ تردّ ما عدّة حروفه حرفان ولم يُحذف منه شيء. أي لم يكن فيه زائد فتحذف. قال: فإذا حَذَفْتَ منه شيئًا ونقصته منه كان العِوَضُ لازمًا. يعني بالعوض ردّ ما كان في الأصل. قال في تاء (بنْت): وذلك أنّهم شبَّهوها بهاء التأنيث، فلما حذفوا وكانت زيادة في الاسم كتاء سَنْبَتَةٍ.

قال أبو علي: كأنّ قائلاً قال له: هلاّ جعلْتَ (بِنْت) إذا كانت التاء فيه للتأنيث بمنزلة قُلَةٍ وَضَعَة فأجزت النسب إليه بغير ردّ اللام كما أجزته في قُلَةٍ ونحوه. قال: يدُلك على ذلك سُكونُ ما قبلها. قال أبو علي: يدل على أن هذه التاء للإلحاق أنّ سكون ما قبلها لو لم يكن له لما سكن، ولتحرك.

قال: جَعَلْناها بمنزلة ابْنٍ. أي في أنّا إذا حذفْنا الزيادة منه في الإضافة، فرددنا إليه فيها الساقط منه، فالمحذوف من (ابْنٍ) الهمزة والمحذوف من (بنتٍ) التاء والمردود فيها اللام. قال: فإن قلت: بَنِيٌّ كما قلت بَناتٌ فإنّه ينبغي له أن يقول: بَنِيّ في (ابْن) كما قلت في (بَنُون). قال أبو علي: قوله: بَنِيٌّ أي إن قلت في الإضافة إلى بنتٍ: بَنِيٌّ فلم تردّ اللام في الإضافة لقولك بناتٌ، أي لأنك تجمع بالتاء فلا تردّ اللام، لزمك أن تقول في ابن: بَنِيّ قال تردّ اللام لقولك في جمعه: بَنونَ، فلا تردّ اللام في الواحد إذا أضَفْتَ إليه، كما لم تردّه في الجمع، فقد دلّك قولك في ابْنٍ: بَنَوِيّ، وإن لم تردّ اللام في جمعه أنه يلزم أن تقول في بِنْتٍ: بَنَويّ وإن لم تردّ اللام في جمعه بنات. وإنما رددت اللام فيهما جميعًا لأنك قد حذفت من كل واحد منهما زيادة تثبت فيها، فإذا حذفت الزيادة وجب الرَّدُّ، إذ قد يرد فيما لا زيادة ثابتة فيه، مثل دَمَوِيٌّ، فهذا المعتبر فيه في هذا.

قال: فإنّما ألْزَمُوا هذا الرّدّ في الإضافة لقوتها على الرّدّ لأنّها قد تردّ ولا تحذف. قال أبو علي: قوله هذه الأسماء يعني ابْنَ واسمٌ، وقوله: "لأنها تردّ ولا حَذْف" أي تردّ اللام فيما لا تحذف منه شيئًا نحو يَدَويّ ودَمَوِيّ. وقوله: "فالتاء تعوّض منها" أي تردّ لحذفها اللام. وقوله: "كما يُعوّضُ من غيرها" نحو الهمزة في (ابْنٍ) والميم في (ابْنَمٍ) ونحو هذا. وقوله: وكذلك كِلْتا وثِنْتان. أي إذا أضفت إلى (كِلْتا) رددت اللام لحذفك الياء كما تردّ اللام في (بِنْتٍ) لحذفك التاء منها والألف في كِلْتا ألف تأنيث، فتحذفها

كما تحذف علامات التأنيث في النسب، وثِنْتان مثلُه يلزم رَدُّ اللام فيها في الإضافة لحذف التاء لأن التاء فيها مثل بنتٌ، لأن ما قبلها ساكن كما أن ما قبلها ساكن. قال أبو علي: قال أبو بكر: قال أبو العباس: يقول سيبويه في التاء التي في كِلْتا: إنه بدلٌ من الألف في كِلا مثل التاء التي هي عِوضٌ من الواو، فلذلك حذفت ألف التأنيث وردّ ما التاء بدل منه وهو الواو. قال: وكان أبو عمر يقول: كِلْتا فِعْتل، التاء زائدة والألف من الأصل فتقول: كِلْتَوي. قال: وليس أحد من النحويين يقول بقول أبي عمر إلا على من قال حُبْلَوِيّ لا على أنه لام.

قال في كِلْتا: وصارت التاء بمنزلة الواو في شَرْوَى. قال أبو علي: يقول: صارت التاء التي هي بدل من اللام بمنزلة الواو التي هي لام في شَرْوى والألف بعدها بمنزلة الألف بعد واو شَرْوَى. قال: ولو جاء شَيْءٌ مثل (بِنْتٍ) واسْتَبان لك أنّ أصله (فِعْل) لكان في الإضافة متحرك العين. قال أبو علي: يقول: قد قامت لك الدلالة في أن عينات (بِنْتٍ، وأخْتٍ) وسائر هذه الأسماء التي قدمها أو أكثرها متحركات العين، فإن جاء شيء مثل بِنْتٍ فقامت لك الدلالة على أنّه فَعْل أو فُعْل أو على غير ذلك من الأبنية التي تسكّن عيناتُها فحركْه في الإضافة إليه، لأنّك إذا رَدَدْتَ هذه اللامات على هذه النواقص في الإضافة حركت العين عنده وإن

كان أصله السكون كما قلت في غَدٍ: غَدَوِيٌّ، وحجته في ذلك ما تقدم. قال: فكأنّك ألحقْتَ ياء الإضافة اسمًا لم يكن فيه شيءٌ مما حُذف. قال أبو علي: يعني بقوله مما حذف الزوائد التي تلحق فتحذف إذا ردّ إلى الاسم ما كان أصلاً فيه ثم نُسب. قال: وأمّا فَمٌ فقد ذهب من أصله حرفان، لأنه لو كان أصلُه فَوْهٌ. قال أبو علي: حذف الهاء التي هي لام من فَوْهٌ كما تحذف اللامات إذا كُنّ ياءات أو واوات، وإنّما وافقت الهاء حروف اللين في هذا لما فيها من الخفاء ومما يدلك على خفاء الهاءات وموافقتها حرف اللين أنهم لا يستجيدون قول من قال: عَلَيْهي، ويقولون: كأنه جمع بين ساكنين، لأن الهاء خفيّ، فلما حُذفت الهاء التي هي لام كما حُذف من شَفَةٍ واسْتٍ بقي الاسم على حرفين، أحدهما حرف لين فأبدلوا منه الميم في الإفراد لئلاّ يبقى الاسم على حرفين أحدهما حرف لين فإذا أضيف ولم يبدل لأن التنوين لا يلحق، فلا يبقى الاسم على حرف.

قال أبو العباس: وإنما أبدلوا الميم من الواو لأنهما جميعًا من الشفة مع الباء. وكانت الميم أولى من الباء لأن الميم من الشفة ثم تهوي إلى الفم حتى تتصل بالخياشيم لما فيها من الغنة، والباء لازمة لموضعها. قال أبو علي: فالميم يوافق الواو في أنهما يهويان في الفم. أنشد: هُما نَفَثا في فِيُّ مِنْ فَمَوَيْهِما

قال أبو علي: قوله: فَمَوَيْهما. الميم بدل من الواو، لأنهما جميعًا من الشَّفَة. والواو بدل من الهاء، فخفاء الواو للينها، ولأن الميم خفيّة مثلها، ألا ترى أن النحويين يستقبحون عَلَيْهي مالٌ، لخفاء الهاء، ومن قال: (فَمانِ)، قال في النسب: فَمِيٌّ، وله أن يقول: فَمَوِيّ كما كان له في يَدٍ يَدَوِيٌّ، ومن قال: فَموانِ لم يجُز له أن يقول إلا فَمَوِيّ، كما أنه ليس له أن يقول في ابنٍ وأخْتٍ إلا بَنَوِيٌّ وأخَوِيٌّ، فيرد اللام من أجل الزّيادة إذ كان له الردّ فيما لا زيادة فيه وهذا قياس صحيح. قال: وكذلك الإضافة إلى ذات: ذَوَوِيّ، لأنّك إذا حذفت الهاء فكأنك تضيف إلى (ذا).

قال أبو علي: يعني بقوله ذاتُ التي إذا وُصِلت قلت: فُلانةُ ذاتُ كَذا. وتقول للمُذكّر ذو كذا، فذاتُ هذه كذُو في أنّ اللام فيها محذوفة ومخالفة في أن (ذو) تكون حركة فائه من جنس ما تنقلب إليه عينه إن ألفًا ففتحة وإن ياءً فكسرة، وإن واوًا فضمّة، فإذا أضَفْتَ إلى (ذات) وجب أن تحذف اللام، كما أنك إذا أضفت إلى سائر ما فيه تاء التأنيث حذفت. وصفة (ذو) في الكلام، إنما هي لأن تضاف إلى الجواهر فيوصف بها إذا أضيف إليها (ذُو). قال: إلا أنّ الهاء جاءت بالألف والفتحة كما جاءت بالفتحتين في امْرَأة، فالأصل أولى به إلا أن تُغَيِّر. قال أبو علي: كان (ذُو) قبل أن تدخل عليه علامة التأنيث يجري فاؤه بحسب الحرف الذي ينقلب إليه عينُه، فلما أدخل عليه علامة التأنيث التي هي الهاء، وجب أن يتحرك الحرف الذي قبله كما يتحرك ما قبل هاءات التأنيث بالفتح فانقلبت ألفًا، فلما انقلبت الفًا لأنه في موضع حركة لزم فاءَها الفتحُ؛ وسبب لزوم الفاء الفتح وانقلاب العين ألفًا من

(ذُو) لحاق علامة التأنيث به إذا أرَدْتَ المؤنّث، وتنزيله أن الراء تتبع حركته حركة الهمزة التي هي لام، فإذا ألحقت علامة التأنيث انفتحت الهمزة، وإذا انفتحت الهمزة انفتح الرّاء، وتمثيل (ذات) هذا التمثيل. قال: وأمّا الإضافة إلى شاءٍ فشَاوِيٌّ، كذلك يتَكلّمون به. قال: (لا ينفع الشَّاوي)، وإذا سميت رجلاً به أجريته على القياس فقلت: شائِيٌّ. قال: وإن شئت قلت: شاوِيٌّ كما قلت: عَطاوِيٌّ. قال أبو علي: إبدال الواو من هذه الهمزة ليس بالقياس؛ لأنه أصلية، فلذلك قال: كذلك يتكلمون.

قال أبو علي: شاءٌ وزنه (فَعْلٌ)، والألف منقلبة عن واو، يدلّك على {ذلك} قولهم: شَوِيّ، فاشتقّوا منه ما صحت الواو فيه، ولو كانت منقلبة عن ياء لقلت شَييٌّ، فأما الهمزة في شَاء، وقولهم في الإضافة إليه: شاوِيٌّ فاللام عندي همزة، والواو في الإضافة إليه بدل منها، وليست الهمزة منقلبة عن ياء ولا واوٍ، لأنّك لو جعلته منقلبًا من أحدهما، جمعت على الكلمة الاعتلال من عينها ولامها، وذلك قليل، ولذلك قال سيبويه: وإن سمّيت به رجلاً قلت شائِي، أجريته على القياس. فإن قلت: فقد جاء شَوِيٌّ على (فَعِيل)، وجاءت اللام منها غير همزة فإنه كالنَّبِيِّ والبَرِيَّة والذريَّة، كل ذلك لاماتها همزات، وقد أجمع على تخفيفها فكذلك شَوِيٌّ لامه همزة وقد خفف. وكان أبو بكر يقول: يمكن أن تكون الهمزة فيه بدلاً من الهاء، كما أن الهمزة من ماءٍ بدل من الهاء، فكأنّه ذهب إلى شاءٍ من لفظ شاهٍ، ولو كان كذلك لكانت الهاء جديرًا أن ترجع في قولهم شَوِيٌّ فيقال: شَوِيهٌ، فإن لم ترجع الهاء دليل على أن اللام منم شاءٍ ليست بهاء، وأن الهمزة أصل فيه، ومنزلة شاءٍ من شاةٍ بمنزلة آلٍ من لُؤلُؤٍ فيه بعض حروفه وليس من بنائه.

هذه فصولٌ تلحقُ بما تقدَّم من الباب تأخّرت عن مواضعِها قال أبو العباس في (اسْم): يحتمل أن يكون وزنه (فِعْل) كقولهم سِمُهْ، ويحتمل أن يكون (فُعْل) لقوله في كل سورة سُمُهْ. قال أبو علي: ولو قال قائل: إن الفاء من (اسْم) متحرّك بالفتح لقولهم: سَمَويٌّ، وإنّ وزنه فَعَل لقولهم في جمعه: (أسْماء)، لأن حكم (فَعَل) أن يكون على (أفْعال) في الجمع القليل، كما أن حكم (فَعْل) أن يكون في الجمع القليل على (أفْعُل)، فكما حكم على (يَدٍ) أنه (فَعْل) بقولهم (أيْدٍ)، كذلك يحكم لقولهم: (أسماء) بأنه (فَعَلٌ)، ولفتحة

الفاء في سَمَوِيّ يُحكم بأن الفاء مفتوحة، و (الأفعال) بأن العين مفتوحة. قال أبو علي: الدليل على أن ذَيَّة أصله ذَيْتَ، أنّ ذَيَّة بمعنى ذَيْتَ فيعلم بذلك أنّ ذَيْتَ حذف اللام منها كما حذف من أخْتٍ وبِنْتٍ، وجعل التاء فيه للإلحاق، كما جعل فيهما له، فإذا أضفت إليه حذفت التاء ورَدْدْتَ اللام كما أنك إذا أضفت إلى بنتٍ وأخواتها حذفت التاء ورَدَدْت اللام وتحرك العين في الإضافة إليه، فتقول: ذَيَويّ، وإن كانت في ذَيْتَ ساكنًا كما حركته من غَدَوِيّ، وإن ردَدْتَ اللام فيه قلبت الياء ألفًا، وقلبتها واوًا فقلت: ذَيَوِيٌّ. قال أبو العباس: التاء في بنتٍ وأختٍ ونحوهما، وإن كانت للإلحاق بمنزلة التاء في سَنْبَتَةٍ وعِفْرِيتٍ فقد خالفتهما في أنها لا تكون إلا بدلاً من الهاء، يعني وإن كان للإلحاق فقد وقع موقع الهاء في أخِهٍ، وبِنَةٍ، لأنها إنما تلحق المؤنث الذي له ذكر للفصل بينهما، فلذلك حذفت في الإضافة، وثَبَتَت التاء في سَنْبَتَةٍ وعفريتٍ. قال أبو علي: الدليل على أن (هَنْتٍ) (فَعَل) محرك العين أن حركة فائه بالفتح قد عُلم من (هَنُوك، وهَنْتٍ)، فأمّا حركة عينه فتعلمه من أخواتها التي تتبع حركات عينها لاماتها أكثر على (فَعَل)، كقولك:

(أخُوك وأبُوك وذو مال وحمُوك)، فتحمله على أخواتها هذه، فأمّا مِنْ حركة النون من (هَنُوك وهَناك) فلا نعلم أنه (فَعَل) ولا يحكم بحركة النون في (هَنَوات) بالفتح أن أصله (فَعَل)، لأنه لو كان (فَعْلاً) أيضًا، فردَدْت اللام إليه في الجمع لحركت ولم تسكِّن، ألا ترى أنّا نعلم أنّ (غدًا) فَعْلٌ. لقولهم: ... وغَدْوًا بَلاقِعُ ويُجمعُ على غَدَواتٍ.

قال: وأمّا الإضافة إلى (لاتٍ) من اللاّت والعُزّى، فإنك تمدُّها كما تمدُّ (لا) إذا كانت اسمًا. أخبرنا أبو بكر بن دُريد أنّ بعض القراء قرأ "أفرأيْتُمُ اللاّتَ والعُزّى" فيقول على هذا: لاتِيٌّ مثل رادِّيٌّ.

قال: وأمّا الإضافة إلى (ماءٍ) فمائيٌّ تَدَعُه على حاله، ومن قال: عَطاوِيٌّ قال: ماوِيّ، يجعلُ الواو مكان الهمزة، وشاوِيٌّ يقوِّي ذا. قال أبو علي: كأنَّ في قوله: وشاوِيٌّ يقوي ذا، إشارة إلى أن الهمزة في (شاءٍ) عنده أصل ليس ببدل من شَييٌّ، كما أن همزة (ماءٍ) بدل من الهاء، ولو كانت همزة (شاء) مبدلة من الهاء عنده لم يكن للاحتجاج به على ماوِيّ وجه، ولكان هو محتاجًا إلى الاحتجاج كاحتياج ماوِيّ إليه. قال في امْرِيءٍ – وألفُه للوَصْل -: وليس الألفُ هاهُنا بِعِوَضٍ. قال أبو علي: يقول: ليس الألف في امرئٍ بعوض من اللام كما كان عِوَضًا في اسمٍ وابنٍ من اللاّم الذاهب.

هذا باب الإضافة إلى ما ذهبت فاؤه من بنات الحرفين وذلك عدة وزنة

هذا باب الإضافة إلى ما ذهبت فاؤُه من بنات الحرفين وذلك عِدَةٌ وزِنَةٌ قال: فلو رَدُّوا في الإضافة الفاءَ لجاء بعضُه مردُودًا في الجميع بالتاء. قال أبو علي: يقول: لو قلت في النسب: وِعْدِيٌّ فردَدْتَ فاءَهُ لقُلْتَ في الجمع بالتاء: (وَعْداتٌ)، كما أنّك لما ردَدْتَ بعض اللامات بالجمع بالتاء والتثنية رَدَدْتَ بالإضافة، فإن لم تردّ الفاء في الجمع والتثنية لم تردّ في النسب أيضًا.

قال: وتقول في الإضافة إلى شِيَةٍ: وشَوِيٌّ لم تُسكن العين كما لم تسكن الميم إذا قال: دَمَوِيٌّ، فلما تركْتَ الكسرة على حالها جرتْ مجرى شَجَوِيٍّ. قال أبو علي: قوله: (لما تركت الكسرةَ على حالها)، يُريد الكسرة في العين من شِيَةٍ يقول: تركتها ولم تحذفها مع ردّك الفاء، فصار مثل (شَجا) في أن عينه كانت مكسورة، فلما أضفت إليه فتحة انقلبت الياء ألفًا، ولما انقلبت ألفًا أبدلته في الإضافة واوًا فقلت: وِشَوِيّ. قال أبو علي: الشين جرت متحركة قبل أن تردّ الفاء عليها، كما أن العين من (غَدٍ) جرت متحركة قبل أن ترد اللام إليه فوجب أن تحرك كما حُرّك العين من (عَدَويّ) إذ جرت متحركة قبل ردّ اللام عليه، فإن لم تقرّ الحركة مع ردّك الفاء، فكأنك لم تردّ الفاء، إذ حذفت منه لردّك إيّاه حركة كانت لازمة له، والحركة في هذا الباب تقوم مقام الحرف، فإذا حذفت الحركة فكأنّك لم تردّ الفاء إذ حذفت ما هو مساوٍ له وهو الحركة التي كانت لزمت العين قبل ردّ الفاء، وقد ذكرنا هذا في عَدَوِيّ وما أشبهه.

هذا باب الإضافة إلى كل اسم ولي آخره ياءين مدغمة إحداهما في الأخرى

هذا باب الإضافة إلى كل اسمٍ وَلِي آخِرُه ياءين مُدغَمَة إحداهما في الأخرى قال: حذفْتَ المتحركة لتقارب الياءات مع الكسرة. قال أبو علي: قوله لتقارب: يريد أن الياءين وإن لم يَلِيَا ياءي النّسب، فقد قَرُبنا منهما ووصلت الكسرة بينهن كسرة الحاجز الذي بينهن، ولأن الحاجز منكسر فكأنّه لا حاجز، إذ الكسرة من جنس الياء.

قال: لأنّهم لو حذفوا الساكن لكان ما يتوالى من الحركات التي لا يكون حرف عليها. قال أبو علي: يعني أنه لا يكون اسم على أسوِديّ على أن تحذف من إحدى الياءيْن الياء الساكنة فيبقى الاسم على أفْعلِيّ وهذا لا يكون. قال: وإذا أضفْت إلى مُهَيِّيمٍ (تصغير مُهَوَّم) قُلت: مُهَيَّيِميٌّ لأنك إن حذفت الياء التي تلي الميم صِرْتَ إلى مثال أسَيْدِيّ فتقول: مُهَيْمِيّ. قال أبو العباس: مُهَيِّيمٌ تصغير مُهَوِّمٍ. قال أبو علي: مُهَوِّم إذا حقَّرته حذفت الواو الأولى منه الساكنة، حتى تردَّه إلى مثال ما تصغّر عليه الأسماء، ولو كان حرف اللين الواقع رابعًا غير متحرك لم يُحذف لأنه لو كان ساكنًا لكان الأول متحركًا، وكان مثل دينار وما أشبهه ما يقع على مثال (فُعَيْعِيل)، لكنه لمّا كان متحركًا، حذفت الواو فوقعت ياءً وأدغمت ياء التصغير فيها وعوّضت من المحذوف ثالثُه الياء فصار (مُهيِّيِمٌ) وما يحذف في التصغير غير رابعه، لك أن تعوض منه الياء ولك ألاَّ تُعَوض في التصغير فعلى هذا يجوز في تصغير

مُهَوِّم: مُهَيِّم، فإن أضفت إليه ولم تعوض في التصغير جاز أن تقول مُهَيِّميّ، لأن (مُهَوِّم) إذا لم تعوض تحذف في الإضافة حرفًا واحدًا، فلا يجحف، وإنما يقع الإجحاف في الإضافة إذا عوضت في التصغير، لأنك تحذف حرفين، فإن لم تعوّض فإنما تحذف حرفًا واحدًا، كما تحذف من (أُسَيِّد) حرفًا واحدًا. قوله: صِرْتَ إلى مثل: أُسَيْدِيّ. قال أبو العباس: أي إذا صار مثل أُسَيْدِيّ وجب التخفيف كما تقول أسَيْدِي فتجحف بالحرف. قال أبو العباس: لو حذفت الياء الثالثة من مُهَيِّيمِيّ، لبقي مُهَيّميّ، وإذا صار مُهَيِّميّ كأُسَيِّديّ، يلزم أن تحذف الثانية، فإذا حذفت صار

مُهَيِّمي كأسَيّديّ يلزم أن تحذف الثانية، فإذا حذفت صار (مُهَيْميٌّ) فاختل لحذفك حرفين منه. قال: فلم يكونوا ليجمعوا على الحرف هذا الحذف، كما أنهم إذا حقَّروا (عَيْضَمُوز) {لم يحذفوا الواو، لأنهم لو حذفوا الواو} لاحتاجوا أن يحذفوا الياء أيضًا. قال: فكرهوا أن يجمعوا عليه هذا، أي حذف الواو. قال: فكان ترك هذه الياء، (أي الثالثة من مُهَيِّيم) إذْ لم تكن متحركة. يعني أنّها ليست كياء مَيِّتٍ. قال: كياء تَميمٍ، (أي في أنها تثبت في الإضافة)، وفصَلَتْ بين آخر الكلمة والياء المشدّدة، (أي الياء الساكنة الثالثة).

هذا باب ما لحقته الزيادتان

قال: فكان أحبّ إليهم مما ذكرت لك، أي من حذف الحرفين. ... هذا بابُ ما لَحِقَتْه الزيادتان وذلك مُسْلِمُونَ. قال: فإن كان من هذا اسم رجل فأضَفْتَ إليه، حذفت الزائدتين الواو والنون والألف والنون والياء والنون. قال أبو علي: لو لم تحذف الزيادتين اللتين تلحقان التثنية أو الجمع، لجمعت في الاسم رفعين أو نصبين، أمّا الرفع الأول فالألف من (زَيْدان)، والواو من (زَيْدُونَ) والثاني الضمة التي تلحق ياءي النسب، فلما كان إثبات هذه الزيادة الملحقة للجمع تؤدي إلى ما لا مثال له ولا نظير حذفْتَ.

هذا باب الإضافة إلى كل اسم لحقته التاء للجمع

هذا باب الإضافة إلى كل اسمٍ لحِقَتْه التّاء للجمع قال: وتقول فيه مُسْلِمِيٌّ، وتحذف كما حذفت الهاء وصارت في المعرفة حين قلت: رأيت مسلمات، ولا يجوز أن تصرف التاء بالنصب في ذا الموضع. قال أبو علي: قوله: وصارت كالهاء أي صارت الألف والتاء في أن حُذفا من الاسم الذي يضاف إليه وهما فيه كالهاء في أنها تُحذف كما تُحذف وكما صارتا هنا بمنزلة الاء، وذلك في أن حذفتها في الإضافة كما حذفت، كذلك صارتا في المعرفة بمنزلتها، وذلك إذا صارتا في اسم علم فقد لا تُصْرف ولا تُنوّن، كما لا يُنون الاسم الذي فيه الهاء إذا صار علمًا، فصيرورة الألف والياء في الإضافة بمنزلة الهاء، كصيرورتها بمنزلتها في المعرفة.

هذا باب الإضافة إلى الاسمين اللذين ضم أحدهما إلى الآخر فجعلا اسما واحدا

هذا بابُ الإضافة إلى الاسمين اللذين ضُمَّ أحدُهما إلى الآخر فجُعِلا اسمًا واحدًا قال: فمن ذلك خمسةَ عَشرَ ومَعْدِ يَكرِبَ في قول من لم يُضِفْ. أي لم يضف (مَعْدِي) إلى (كَرِبَ) لكن جعلهما اسمًا واحدًا. ومَنْ أضاف (مَعْدِي) إلى (كَرِب)، فلم يصرف (كَرِبَ) فلفظ الإضافة كلفظ البناء، والوجه فيه الإضافة.

قال: وليس بزيادة في الأوّل كما أنّ المضاف إليه ليس بزيادة في الأول المضاف إليه. قال أبو علي: يقول: ليس الاسم الثاني المضاف إليه من بناء المضاف، ولا الاسم الثاني المضموم إلى الأول من بناء الأول، ولو كان الثاني من نفس البناء كما أن الياء والسين من (عنْتَرِيسٍ) من بناء الاسم لما خرج الاسمان المضمومُ أحدُهما إلى الآخر ولا المضاف والمضاف إليه من الأبنية التي تكون عليها الآحاد، ولم يجيء فيها مثل (شَغَرَ بَغَرَ) و (قَدَكُ عَلَمٍ)، فإن جاء في النوعين مثل هذا، {فهو} دليل على أنهما ليسا بمنزلة الأسماء الثلاثية والرباعية والخماسية بما يلحقها من

الأسماء. قال: ولم يكُن اسمٌ توالتْ فيه ولا بِعِدَّتِه من المتحركات ما في هذا. قال أبو علي: يعني توالت فيه الحركات التي لا يتوالى مثلها في الأبنية الأصلية ولا يكون أيضًا بناءُ أصلٍ على هذه العدّة يجتمع فيه ستة أحرف لا زائدَ فيهنّ. قال: وقالوا حَضْرَمِيٌّ كما قالوا عَبْدَرِيٌّ، وفَعلوا به كما فعلوا بالمضاف. قال أبو علي: حَضْرَمَوْتُ اسمان جعلا اسمًا واحدًا وعبدُ الدّار مضاف ومضاف إليه فبني من الاسمين اللَّذين جعلا اسمًا واحدًا على وزن (جَعْفَر)، فأضيف إليه كما بني من المضاف والمضاف إليه اسم على ذلك نحو (عَبْدَرِيّ)، وأضيفَ إليه فهذا مما وافق فيه الاسمان المضموم أحدهما إلى الآخر المضاف والمضاف إليه.

قال: وسألتُه عن الإضافة إلى رجل اسمُه اثنا عَشَر فقال: اثْنِيٌّ وثَنَوِيّ وتحذف عَشَرَ كما تحذف نون عشرين. قال أبو علي: قوله تحذف (عَشَرَ) كما تحذف نون عِشرينَ أي يلزم أن نحذف الألف من (اثنا) التي هي حرف الإعراب كما حذفته من (رجلان) إذا نسبت إليه اسم رجل وتحذف (عَشَرَ) كما تحذف النون من رَجُلان ومن عشرين، لأن عشرين بمنزلة رجلان في أنّ الياء منه حرف الإعراب، والنون لحقت بعده، كما أن ألف رجلان حرف الإعراب، فالنون لحقت بعده، وشِبْهُ عَشَر من (اثنا عَشَر) بالنون في رجلان؛ لأنّ النون لا تجتمع مع عَشَر كما لا يجتمع الشيء والعوض منه في موضع، وأما اثنا عَشَر التي للعدد فإنما لم تُضَفْ، فيقال: اثنا عَشَرَ زيدٍ من حيث لم يجز رجلان زيدٍ حتى تحذف النون، لأن عَشَر بمنزلة النون وعِوَضٌ منه، فإن حذفته كما تحذف النون زال معنى العدد، فلهذا لم تجز إضافته. فأما قوله: ولا يُضاف إليها فالمعنى أنه لا ينسب إليها وهي عَدَدٌ، كما جاز أن ينسب إليها وهو اسم رجل، لأنه إن أضيف إليها وهو عدد لزم أن يحذف الألف (وعَشَرَ) كما يلزم أن يحذف الألف والنون من رجلان،

هذا باب الإضافة إلى المضاف من الأسماء

فإذا حُذِفتا للنَّسب زال معنى العدد، والتبس اثنا عشر باثنين. فأما الإضافة التي بمعنى المِلْك فجائز أن يقع إليها، ولو قلت: هذا غُلامُ اثْنا عَشَر كان جَيّدًا، كقولك: هذا غلام رجلين. ... هذا بابُ الإضافة إلى المضاف من الأسماء قال: وإنّما تُريد أن تضيف إلى الاسم الأول، وذلك المعنى، تريد، فإذا لم تحذف الآخر صار الأوّل يضاف إلى مضاف إليه. قال أبو علي: يقول: لو لم تحذف الاسم الآخر الذي هو مضاف إليه، صار الأول يضاف إضافة المِلْك إلى منسوب إليه نحو قولك: غُلام زَيْدِيٍّ إذا نسبت إلى (غُلام) المضاف إلى (زَيد).

وقوله: لأنه لا يكون هو والآخر اسمًا واحدًا. أي لا يكون الأول والآخر اللذان هما المضاف والمضاف إليه اسمًا واحدًا فيكون نسبتك إلى الاسم الثاني كنسبتك إلى الاسم الأول. قال: الإضافة تُفرد الاسم. قال أبو علي: النسب يكون إلى اسم مفرد لا مضاف. قال: ولا يخرجُ الأوّل من أن يكون المضاف إليه وله. قال أبو علي: قوله: لا يخرج الأول من أن يكون المضافون إليه، أي المنسوبون فإن وقعت النسبة إلى الثاني وإليه في موضع نصب، لأنه خبرٌ يكون، وله، عُطِف على الخبر، والمعنى أنه لا يخرج الأول، وإن كان محذوفًا

وقعت النسبة إلى الثاني في اللفظ من أن يكون المنسوبون إليه نُسبوا إلا إلى الآخر في المعنى. قال: غير أنه لا يكون غالبًا. قال أبو علي: يقول: غير أن الابن والأب وما أشبه ذلك من الصفات المضافة لا يكون غالبًا. أي لا يكون وصفًا غالبًا بمنزلة الاسم العَلَم حتى يصير كزيد وعمرو في أنه تعرّف بالوصف كما يُعرَّف بالاسم نحو زيد وعمرو. قال: كما صار (ابنُ كُراع) وصفًا غالبًا. قال أبو علي: يعني أن قولهم: ابن كراع وصف غالب صار بغلبته كَزَيدٍ وعَمْرو في أنّه تعرّف بهذا الوصف كما تعرف باسمه الذي هو زيدٌ أو

عَمْرٌو. قال: وأمّا ما يُحذف منه الآخِرُ فهو الذي لا يُعرّفُ بالمضاف إليه، ولكنه صار معرفة، وليس بوصف غالب كالأوّل. قال: فمن ذلك عبدُ القيس، وامرؤ القيس فهذه الأسماء علامات كزَيْدٍ وعَمْرٍو، أي ليس بأوصاف غالبة كالأول، نحو ابن كراع، لكنها أعلام مختصة. قال: وسألت الخليل عن قولهم في ({عبد} مَنافٍ: منافِيّ، فقال: أما القياس فكما ذكرت لك إلا أنهم قالوا: منافيّ مَخافة الالتباس، ولو فُعِل ذلك بما جُعل اسمًا من شيئين جاز لكراهية الالتباس. قال أبو علي: يقول: لو نُسب إلى الاسم الثاني من الاسمين اللَّذين جعلا اسمًا واحدًا إذا خيف الالتباس في إضافته إلى الصدر لجاز أيضًا نحو مَعْدِي كَرِبَ جعله اسمًا واحدًا مؤلفًا من اسمين لو خيف الالتباس في النسب إلى معدي لقيل: كَرِبِيٌّ.

هذا باب الإضافة إلى الحكاية

هذا باب الإضافة إلى الحكاية قال: وسمعنا من العرب من يقول: كُوِنِيّ حيث أضافوا إلى كُنتُ. قال أبو علي: الواو التي هي عين من (كنتُ) سقطت لالتقاء الساكنين فإذا تحركت اللام رجعت.

هذا باب الإضافة إلى الجمع

هذا باب الإضافة إلى الجمع قال أبو علي: يقول: قلت في النسب إلى (مَساجدَ) وأنت تريد جمع مَسجدٍ مَسْجِدِيٌّ لتفصل بينه إذا كان اسم واحد، وبينه إذا كان جمعًا، وذلك أنه إذا كان اسم واحد نسبت إليه على لفظه فقلت في رجل اسمه مَساجِد: مَساجِدِيٌّ، كقولك: مَدائِنِيٌّ ومَعافِرِيٌّ. قال: وتقول في الأعْرابٍ: أعْرابِيّ، لأنه ليس له واحد على هذا المعنى. قال أبو علي: حكم الجمع أن يكون أعمّ من واحده، ولا يكون واحده أعمّ منه، لأن الأعرابَ مَنْ سَكنَ البادية دون الحاضرة، والعرب يقع على من بدا منهم ومن حَضَرَ.

قال: ولو سَمَّيْتَ رجلاً ضَرَباتٍ لقلت: ضَرَبِيٌّ، لا تُغَيِّر المتحرك، لأنك لا تريد أن توقع الإضافة على الواحد. قال أبو علي: لم ترد قولك: (ضَرَبِيٌّ) في النسبة إلى الواحد، لأنه وإن كان جمعًا كاسم واحد، ولو رددته إلى واحده لقلت: ضَرْبِيٌّ فأسكنت العين. قال: وسألته عن قولهم: مَدائنِيٌّ، فقال: صار هذا البناءُ عندهم اسمًا للبلد، وهو واحدٌ يقع على الجميع، كما يقع المؤنث على المذكر في مساجدَ. قال أبو علي: حكم الواحد أن يقع على الواحد، والجمعُ أن يقع على الجمع، فإذا وقع الجمع على الواحد فهو كوقوع المؤنث على المذكر في أنه خارج عن منهاجه.

قال: وفي مَعافِر مَعافِرِيٌّ. قال أبو علي: (مَعافِر) وإن كان اسم واحد فهو اسم منقول من الجمع يُسمَّى به واحد بعينه، وليس يقع على أمّة لها الآحاد، فيلزم إذا سميت رجلاً بمساجد أن تصرفه، لأنك وجدت في الآحاد له نظيرًا، قول النحويين: ليس في الأسماء الآحاد على مفاعل، لا يعنون به أسماء الأشخاص، ولكنهم يعنون به أسماء الأنواع الحاوية للأشخاص، كرجلٍ وفرسٍ وضَرْبٍ.

هذا باب التثنية

هذا باب التّثنية قال: فإذا كان المنقوص من بنات الواو ظَهرت الواو في التثنية، لأنّك إذا حرّكْتَ فلا بُدّ من ياء أو واو. قال أبو علي: انقلبت اللامات إذا كانت ياءات أو واوات ألفًا من بنات الثلاثة لتحركها وتحرك ما قبلها، وسقطت اللاماتُ في الدّرجِ لالتقاء الساكنين، أحدهما الألف والآخر التنوين، فبُني الاسم، وقد لزم اللام في الواحد الانقلابُ، ولا يخلو من أن تُرجع لامه التي انقلبت الألف عنها في التثنية أو تَدَعَهُ على انقلابه، فإذا تركته على انقلابه لوجب أن يسقط لالتقاء الساكنين، لأنّ حرف التثنية لا يخلو من أن يكون ألفًا أو ياء. فكلا الحرفين ساكن، فلو لم تقلب لسقط لالتقاء الساكنين، وإذا سقط لالتقاء الساكنين أدّى إلى الالتباس، فإذا لم يجز هذا وجب أن يردّ إلى أصله كما ردّت هذه اللاّمات في التثنية لما ذكرنا، كذلك ردت إلى الأصل في الجمع بالألف والتاء، لأنه لو لم تردّ فيه أيضًا لسقطت لالتقاء

الساكنين وذلك قولك: (رَحَياتٌ، وقَطَواتٌ)، وما أشْبَهَ ذلك. قال: وليس شيءٌ من بنات الياء لا يجوز فيه إمالة الألف. قال أبو علي: معناه كل شيء من بنات الياء يجوز فيه إمالة الألف، وليس في هذا إخبارٌ بأن بنات الواو لا تكون فيه الإمالة. قال: وأما مَرْضِيٌّ فبمنزلة مَسْنِيَّةٍ، أي لأن حكمه أن يكون مَرْضُوًا، فأبدل من الواو الياء، كما قيل: مَسْنِيّة وحكمها مَسْنُوَّة، لأنه من يسنوها المطر.

قال: وكذلك الجمع بالتاء في جميع ذا لأنه تحرّك. قال أبو علي: يريد أنك رجعْت اللام فيما كان مجموعًا بالألف والتاء، من حيث رجعته في التّثنية، لأنه يلتقي فيه ساكنان في الجمع كالمُبْقى في التثنية. قال: وإنّما صارت الياء أوْلى حيثُ كانت الإمالة في بنات الواو وبنات الياء أنّ الياء أغْلَبُ على الواو حتى يصيّرها ياء من الواو على الياء حتى يصيّرها واوًا. قال أبو بكر: يعني أن الياء أغلب على الواو في هذا الباب، باب ما اعتلت لامه.

قال: وذكر في تصغير ما اعتلّت عينُه ولم يعلم ممّ انقلبت ألفه، أن الواو أولى به، وأن الألف وحدها هناك تنقلب عن الواو أكثر. قال: وسترى ذلك في أفْعَلَ، وفي تثنيته ما كان على أربعة أحرف يصير لامه في التثنية ياء من بنات الواو، كان أو من بنات الياء. فالياء أغلب في ذا الباب. قال: لأن الياء أقوى وأكثر وذلك نحو (مَتى) إذا صارت اسمًا، (وبَلى)، وكذلك الجمع بالتاء. قال أبو علي: يعني أن (متى) مما لامه الألف، فإذا سمَّيت به جعلته من بنات الياء، فأظهرت الياء في التثنية، وكذلك الجمع بالتاء.

هذا باب تثنية ما كان منقوصا وكان عدة حروفه أربعة أحرف فزائدا

هذا باب تثنية ما كان منقوصًا وكان عِدَّةُ حروفه أربعة أحرفٍ فزائدًا قال في مَرْمَى ونحوه: يُثنى ما كان من ذا من بنات الواو، كتثينة ما كان من بنات الياء، لأن أعْشَى ونحوه لو كان (فَعْلاً) لتحول إلى الياء. قال أبو علي: يعني أن (أعْشَى) لو كان فَعْلاً لصار إلى الياء في مثل (يَعْشَى) وهما (يَعْشَيان)، والأسماء في باب الإعلال تردّ إلى الأفعال، لأن الإعلال حكمه أن يكون فيما دون الأسماء، وإنّما يُعَلّ من الأسماء ما كان مناسبًا للأفعال، بأن يكون جاريًا عليه أو مأخوذًا من المصدر الذي أخذتْ منه الأفعال أو كان من بناء من أبنية الأفعال، فهذه جُمل من الإعلال في الأسماء، فإنما كان حكمه أن يكون في الأفعال هي التي تتغير أبنيتها، وتبنى على أقسام الأزمنة الثلاث، وليس حكم الأسماء كذلك، والذي يُعَلّ منها ما كان مناسبًا لما ذكرنا من الجاري على الفعل، فنحو: قائِلٌ ومَبْيعٌ والمأخوذ من المصدر مثال مُقَالٍ، وأما ما كان على بناء من أبنية الفعل فنحو بابٍ ودارٍ.

قال: في حُبْلَى ونحوه لا تكون تثنيتُهُ إلا بالياء لأنّك لو جئت بالفعل من هذه الأسماء بالزيادة لم يكن إلا من الياء. قال أبو علي: لو جئت بالفعل من (حُبْلَى ومِعْزَى) لم يكن إلا بالياء كقولك: حَبْلَيْتُ، كما لو جرى ما كان على (مِفْعَل) فعلاً لكان يظهر فيه الياء فثَنَّيْتَ حُبْلَى بالياء كما ثَنَّيْتَ ذاك به.

هذا باب جمع المنقوص بالواو والنون

هذا بابُ جمع المنقوص بالواو والنّون قال: وإنّما حذَفْتَ لأنّه لا يلتقي ساكنان. لأنك إذا حذفت لا يلتقي ساكنان. قال: ولم يُحركوا كراهة الياءين مع الكسرة والياء مع الضّمّة والواو، حيث كانت معتلة. قال أبو علي: من حيث حذف تاء التأنيث في النسب، وجب إبدال الهمزة التي للتأنيث، ووجب إبدالها أيضًا في الجمع بالتاء من حيث حذف فيه تاء التأنيث، فأمّا إبدالها في التثنية فلأن الجمع بالياء على حدّها يكون. وإنما أبدلت من هذه الهمزة الواو دون الياء، لأنها لو أبدلت منها الياء لاجتمعت حروف متجانسة، والواو بعد مخرج الألف والياء أقرب

منها. قال في إبدال الواو من الهمزة في حمراء وعلْباء ونحوه: وكانت الواو أخفّ عليهم حيث وُجِدَ لها شبيهٌ من الهمزة. قال أبو علي: يريد: أنّ (ثَنايَيْنِ ومِذْرَوَيْنِ) مَبْنِيّان على التّثنية، لم يفرد لهما واحد، فيلزم انقلاب الواو والياء فيهما همزتين كما انقلبا في (عَطاءٍ وسِقاءٍ) فهذا مبني على التّثنية، كما أن (السَّماوَة) مبنية على التأنيث، ولذلك لم تنقلب الواو فيه هـ همزة، ولو كانت (السَّماوة) مبنية على التذكير لانقلبت الواو فيه همزة، لأنها كانت تقع طرفًا، فيلزم انقلابها كما انقلبت فيما ذكرنا.

قال: فَذا بمنزلة السَّماوَة لما لم يكن لها جمعٌ كالعَظاء؛ ولذلك صحَّت الواو فيه ولو جُمعتْ كما يُجمع (تَمْرة) على (تَمْرٍ) لقلت: (سَماءٌ)، فأعْلَلْتَ الواو لوقوعها طرفًا، وزوال البناء على التأنيث، فقال أبو الحسن وأبو العباس في قوله عز وجل: "ثم استوى إلى السماء": إنه جمع سَماوَةٍ، وكذلك أظُنُّهما قالا في قوله "السماءُ منفطِرٌ به": إنه على جمع سَماوةٍ، فأمّا الخليل فحمله على قولهم: قَطاةٌ مُطرِّقٌ.

هذا باب لا تجوز فيه التثنية والجمع بالواو والياء والنون، وذلك نحو عشرين وثلاثين

هذا بابٌ لا تجوز فيه التثنية والجمعُ بالواو والياء والنّون، وذلك نحو عشرين وثلاثين قال: لو سمَّيْتَ رجلاً بمسلمِينَ، قلت: هذا مُسْلِمونَ، أو بِرجُلَيْنِ قلت: هذا رجلانِ، لم تُثَنِّه أبدًا ولم تجمعه كما وصفتُ لك. أي كما وصفتُ لك في حدّ النسب أنه لا يجوز الإضافة إلى رجل اسمه (رجلانِ) حتى تَحذِف، لأنه لا يجتمع رَفْعان ولا جَرّان في الاسم الواحد؛ فكذلك لا يجوز أن تثني هذا الاسم المثنى ولا تجمعه، لأن الأمرين سواء. قال: في قولهم في اسم اليوم الاثْنان: ولكنه صار بمنزلة الثلاثاء والأربِعاء اسمًا غالبًا فلا تجوز تثنيته. قال أبو علي: إنما امتنع الاسم الغالب والاسم العلم من أن يُثَنَّى، لأنَّ

الذي يُثنّى هو الاسم المنكور، فمتى ثُنِّي الاسم وقع التنكير، ولذلك يدخل الألف واللام نحو: الزيدان وما أشبهه، إلا أنّ الفصل بين التنكير في الأعلام والأسماء الغالبة إذا ثُنِّيتْ وبين أسماء الأنواع نحو (رجلان) أن التنكير في الأعلام عارضٌ ليس بقصد، ألا ترى أن المسمى ابنه (بزَيْدٍ) يقصد بتسميته إياه بهذا الاسم أن يعرّف به بين عشيرته وحيِّه، وإنما يعرض التنكير في اسمه إذا سمّى آخر ابنه بذلك الاسم فليس تنكيره عن قصد، وأمّا (رجلان) فعلى الإشاعة وأصل التنكير. قال: وبعضُ العرب يقول: اليوم الثُّنَيُّ. قال أبو علي: حذف من (اثنين) علامة التثنية فبقي (اثْنٌ) ثم صغر فقيل: ثُنَيٌ.

هذا باب جمع الاسم الذي آخره هاء التأنيث

هذا باب جمع الاسم الذي آخره هاء التأنيث قال: في طَلْحَةَ جمعهم إياه اسم رجل طلحات، فهذا الجمع على الأصل، لا يتغيّر عن ذلك، كما أنه إذا صار وصفًا للمذكّر لم تذهب الهاء. قال أبو علي: يعني في مثل قولك: هذا رجلٌ رَبْعَةٌ. قال أبو علي: إذا سميت رجلاً بطلحة قلت: طَلَحات، فجمعته بالألف والتاء وإنما جمعته بهما، لأنّك لو جمعته بالواو والنون لم يخلُ من أحد أمرين: إما أن تحذف علامة التأنيث فتقول: (طَلْحُونَ) وهذا لا يجوز لزوال علامة التأنيث، فإنه خلاف ما قالت العرب من قولهم: طَلْحَةُ الطَّلحات، ورجال رَبَعاتٌ، وإمّا أن تُثبت علامة التأنيث فتقول: طَلْحَتون، وهذا أيضًا في الامتناع من الجواز كالأوّل وأشدّ، لأنك تجمع علامتين للتأنيث والتذكير، فتذكر الاسم بعد تأنيثٍ، ولا يجوز أن تجتمع

هاتان العلامتان، فإذا لم يجوزا، قلت طَلَحاتٌ، فحذفت ما كان في الاسم من علامة التأنيث للحاق علامة أحْرَى به له. فإن سمَّيت رجلاً بحُبْلى أو حَمْراء، جمعتهما بالواو والنون ولم تجمعهما بالألف والتاء كما جمعت حمزة وطلحة، وإنما جمعتهما بالواو والنون من حيث لم تحذف علامتي التأنيث إذا جمعت بالألف والتاء، ألا ترى أنك تقول: حُبْلَيات، وحَمْرَاوات فلا تحذف كما تحذف التاء من طَلْحَة، وإنما لم تحذف منها وإن حذفت من طَلْحَةَ؛ لأنك إنما حذفت من طَلْحَةً لئلا تجتمع علامتان للتأنيث، وفي قولك: حَمْراوات وحُبْلَيات لم تجتمع العلامتان، فيلزم الحذف، ألا ترى أنّ العلامتين هما الألف والمدّة، وقد أبدلت من الألف ياء، ومن الهمزة واوًا، فلم يجتمع في الجمع علامتان فإبدالك هاتين العلامتين مثل حذفك تاء التأنيث من حَمْرات، فكما جاز اجتماع هاتين العلامتين المبدلة مع الألف والتاء في الجمع، جاز أن يجتمعا مع الواو في الجمع، فجاز حَمْراوُونَ وحُبْلَوْن، لأنه لم يجتمع في الجمع علامة تأنيث وعلامة تذكير، أو كانت علامة التأنيث قد أزيلت بأن قُلبت، ومن

حيث لم يجز أن تجتمع علامتا التأنيث في طلحة مع الألف والتاء، لم يجز جمعه بالواو والنون. قال: وإذا جَمَعْتَ ورْقاءَ اسم رجلٍ بالواو والنون وبالياء والنون، جئتَ بالواو ولم تَهْمِز كما فعلت ذلك بالتّثنية والجمع بالتاء فقلت: وَرْقاَوُونَ. قال أبو عثمان: لا أرى بهمز جمع (وَرْقاءَ) بأسًا إن شئت؛ لانضمام الواو. قال أبو علي: ليس يهمز أبو عثمان الواو، لأنه ليس يقلب الهمزة من وَرْقاء واوًا، هذا محال، ولكنه يهمز من حيث يهمز الواو المضمومة في نحو (أدْوُرٍ)، والذي يريد سيبويه عندي بقوله: جئت بالواو والنون ولم

تهمزه: أن تقلب الهمزة التي للتأنيث لجمعك الاسم بالواو والنون، ولا تدعها همزة فتكون قد جمعت بين التأنيث والتذكير في اسمٍ واحد، فأمّا همزه من حيث قال أبو عثمان فلم يمنعه على أنه لو قال قائل: إن همزَهُ قبيح، لأنه كان يجتمع علامتا التأنيث والتذكير في اسم واحد قال قولاً. قال: ألا تراهم قالوا: زَكَرِيّاوُونَ فيمن مَدَّ زَكَرِيّاء، وزَكَرِيُّونَ فيمن قصر. قال أبو علي: استدل بجمعهم زَكرِياءُ زكرِيّاوُونَ، وبجمع زَكريّا: زَكَرِيُّون على أنّك إذا سمّيت رجلاً حُبْلى أو حمراء قلت في جمعه حمراوُونَ وحُبْلَوْن، فجمعتهما بالواو والنون وإن كانا فيهما علامتا تأنيث؛ لأن علامتي التأنيث قد أبدل من كل واحد منهما حرف ليس من علامات التأنيث اللاحقة للأسماء في أواخرها، فجاز جمعهما بالواو والنون وإن لم يجز جمع (حَمْزَة) بهما للفصل الذي تقدم ذكرنا له.

هذا باب جمع الرجال والنساء

هذا باب جمع الرجال والنساء قال: وقولُهم أرَضاتٌ دليل على ذلك. قال أبو علي: جمع التكسير ما غُيِّر له بناء الواحد عما كان عليه، فأمّا ما لم يُغَيَّر له بناء الواحد، فإنه وإن لم يجمع بالواو والنون فإنّه ليس بجمع تكسير. قال: وقد قالوا: فَوارِسُ في الصِّفة، فهذا أجدرُ أن يكون. قال أبو علي: حكم الصفة أن تكون مسَلَّمَةً غير مُكسَّرة، لأنّها مشابهة للأفعال، وفيها ضميرُ موصوفاتها كما أن في الأفعال فاعليها؛ فوجب أن تَسْلَمَ ولا تُكَسَّر، وحكم التكسير أن يكون في الأسماء، ألا ترى أنّ كل اسم يُجمعُ مسلَّمًا يجوز فيه التكسير، وليس كل اسم يجمع مكسّرًا يجوز فيه التسليم؟ فالتكسير في الأسماء أعمّ وأكثر، فقوله: وقد قالوا فوارس أي كسَّروا الصِّفة، فتكسير الاسم أوْلى وأجْدَر.

قال: ولو سَمَّيْتَ رجلاً أو امرأةً بِسَنَةٍ لكُنْتَ بالخيار، إن شئتَ قلت: سنواتٌ، وإن شئتَ قلت سِنُونَ. قال أبو علي: سَنَةٌ وزنُهُ: (فَعَةٌ) على ما لفظ به، ووزنه في الأصل يشبه أن يكون (فَعْلَة)، أما حركة الفاء بالفتح، فعلمناه من قولهم: سَنَةٌ والكسرة في فائه إذا جُمع عارضة؛ إنما هي مثل الفتحة في (أرَضين) غُيِّر تغييرًا لما جُمع بالواو والنون، وحكم هذا الجمع أن يكون مُسَلَّمًا لما يعقل، فلما جمع به ما لا يعقل لم يسلّم بناؤه كما سلّم بناء اسم ما يعقل، فسَنَةٌ وإن جُمع جَمْعَ الأناسِي بالواو والنون فقد خالف جَمْعَهم في أنه غُيّر، فكأنّه بهذا التغيير يُعدّ مكسّرًا. وكذلك القول في فتحة (أرَضِينَ) فيمن جمعه بالواو والنون، وأمّا من قال: (أرَضات) فعلى القياس، لأنه اسم مؤنث كفَعْلَةٍ وإن لم يكن فيه علامة تأنيث في اللفظ، فالفاء من سَنَةٍ أصلها الفتحة، والكسرة عارضةٌ لما قلت، فأما العين فهي ساكنةٌ لأنه لم يقم دليل على تحركه، ولا يحكم بالحركة إلا بدليل، فإن قلت: فقد تحركت في سَنَواتٍ فإنما تحركت العينُ هنا كما تحركت في يَدَويّ وغَدَويّ، فلا يحكم بحركتها هذه أنها فَعَلة لأنّك إن

حكمت بحركتها لهذا لزِمَكَ أن تحكم في (غَدٍ) من أجل (غَداتٍ) أنها (فَعَلٌ) وقد ثبت أنه (فَعْلٌ)، فليست فتحة العين في الجمع بالياء دليلاً يعتمد على تحرُّك العين، واللام من (سَنَةٍ) ساقطة وهي واو لقولهم (سَنواتٌ)، وهاءٌ في قول من قال: سانَهْتُ. قال: وإذا سمَّيت رجلاً بـ (اسمٍ) فَعَلْتَ به ما فعلت بـ (ابنٍ) إلاّ أنّك لا تحذف الألف. قال أبو علي: يقول: إذا سميت رجلاً باسم لم تحذف ألف الوصل منه في الجمع على حد التثنية فقلت: (اسْمُونَ)، وكان القياس أن تثْبُتَ في (ابن) أيضًا كما ثبت في تثنية واحده، لكن حُذفت لكثرة الاستعمال فقيل: بَنُونَ، فصار بعد حذف الألف كمَنِينَ، وهَنِين لم يُحذف منه شيء، فوافق (ابن) مجموعًا بعد حذف ألف الوصل منه (مَنِينَ) في اللفظ ولم يَزِدْ عليه اللام إذ قد وُجد ما هو على حرفين قد جمع هذا الجمع وهو (مَنُونَ).

قال في عَبْلَةٍ: إذا سَمَّيْتَ به عَبَلات. قال أبو علي: تثقيل العين هنا نظير تكسير أحْمَر على أحامِر. قال: ولو سميت رجلاً بشاةٍ لم تجمع بالتاء ولم تقل إلا شِياهٌ؛ لأنّ هذا الاسم قد جَمَعَتْه العرب فلم تجمعه بالتاء. قال أبو علي: لو جُمع شاةٌ بالألف والتاء لم يخل من أحد أمرين: أمّا أن تردّ فيه اللام أو لا تُردّ، فإن لم تردّ اللام قلت: شَواتٌ، فتردّ الواو التي هي عينٌ، وإن ترد اللام التي هي هاء قيل: شَوْهاتٌ، فلم يجمع هذا الجمع، لكنه جمع مكسرًا فقيل: شِياهٌ.

قال: وأمّا عِدَةٌ فلا تُجمعُ إلا عِداتٌ. قال أبو علي: يقول: (عِدَةٌ) وما أشبهها لم يُكسر للجمع لأنه على حرفين، ولو رددت إليه الساقط فكسَّرت لأزلت الاسم عما كان عليه. قال: ولو سمَّيت رجلاً شَفَةً أو أمَةً. قال أبو علي: (أامٌ)، وزنه أفْعُل، ونظيره من الصحيح أكَمَةٌ، وأكُمٌ. والذي علمت به أن وزن أمَةٍ فَعَلة: هو أنك قِسْتَه ورددته على نظيره من الصحيح لا من تحرُّك العين بالفتح، وقد قلنا: إن تحرُّك هذه العَيْنات بالفتح ليس تغييره في الحكم على تحرك العينات بالفتح إذا ردّ البناء على أصله، فأمةٌ وزنُه فَعَلة، ردًا على أكَمَة وفاء الفعل همزة، فإذا زدت عليه همزة (أفْعُل) اجتمعت همزتان، الأولى همزة أفْعُل الزائدة، والثانية فاء الفعل، فوجب قلبها ألفًا، كما وجب قلبها في (أأدَم) و (أأخَر) ألفًا، وهكذا سبيل كل همزتين يجتمعان في كلمة واحدة

وحكم الثانية أن تبدل بحسب الحركة التي على الأولى، فأمّا العين من (أأمٍ)، فأصلها الضمة، لكنّها كُسِرتْ من حيث كُسِر عَيْنُ (أظْبٍ)، و (أدْلٍ)، وأبدلت من الواو ياء، كما أبدل منهما، وسقط اللام لالتقاء الساكنين. قال: ورُبَّما قالوا: الأفْعِلاءُ في الأسماء نحو الأنْصِباءُ، وذلك الكثير. أي نحو فُعْلان، وفِعْلان في أنه جمع لفَعيل كما كان (ذاتُ) جمعًا له وإن كان (ذاتُ) أكثر.

قال: كما أن الذين قالوا حارِثٌ، قالوا: حَوارِثُ. قال أبو علي: إذا سمعت (حَوارِث) علمت أنه تكسير اسم (حارِث) إذا كان علْمًا، وإنْ كان (حارِثٌ) صفة قلت: (حارِثون). قال: ومن أراد أن يجعل (الحارث) صفةً كما جعلوه. قال أبو علي: لأن الذين أدخلوا في (الحارث) الألف واللام وهو اسمٌ عُلِمَ أنّما قصدوا الصفة ثم غلَّبوها. قال: وأمّا عُثمان ونحو فلا يجوز فيه أن تُكسِّرَهُ. قال أبو علي: لو جاز تكسيره على (عَثامين) لجاز تصغيره على (عُثَيْمن) لأنّ التكسير أخو التصغير. قال: إلا أن تُكسِّر العربُ. قال أبو علي: حكم الألف والنون في آخر الاسم ألا يكونا للإلحاق، وإنما يكون للإلحاق ما كسّر فيه على (فَعالِيل) نحو سِرْحانٍ وسَراحين،

وعَتْبانُ لا يُكسّر على (فَعاليل)، لكن يكسر على فَعْلَى وفَعالى نحو سَكْرَى وسَكارَى. قال: ولو سَمَّيْتَ رجلاً بمُصران. قال أبو علي: لو سميت رجلاً بمُصْرانٍ لقلت: مُصَيْرانَ في التّحقير، كما أنّك لو سمَّيت بعُثمان لقلت عُثَيْمان، لأن الألف والنون ليستا للإلحاق كما أنه في عُثمان ليس له، فلا يلزم أن يصغّر هذا تصغير المُلحق لأن الألف والنون فيه للجمع ليس للإلحاق، كما أنّك إذا صغَّرت أبْياتًا قلت: (أبَيات) ولم تقل: أبيَّات لقولك: أبايِيتٌ، فكذلك لا تقول في تحقير مُصْرانٍ: مُصَيِرين لقولك: مصارِين، فإثباتُ نظير مُصْرانٍ لم يُعتبر جمع جمعه، كما لم يُعتبر مُصْران.

هذا باب يجمع الاسم فيه إن كان لمذكر أو لمؤنث بالتاء

هذا بابٌ يُجْمَعُ الاسمُ فيه إن كان لِمُذَكَّرٍ أو لمُؤنّث بالتاء فمن ذلك بنتٌ. قال أبو علي: لا يجوز (بِنتون) في اسم رجل كل واحد منهم (بِنْتٌ)، من حيث لم يجز (حَمْدَتُون) ولا (بَنُون)، من حيث لم يجز (طَلَحُون)، فبقي أن يجمع على (بَناتٍ) إذ ليس قسم رابع.

هذا باب ما يكسر مما كسر للجمع وما لا يكسر من أبنية الجمع

هذا بابُ ما يُكسَّرُ مِمّا كُسِّر للجمعِ وما لا يُكَسَّرُ من أبنية الجمع قال: لأن هذا المثال لا يُشبه الواحد، ولم يُشبَّه به فيكسّر على. قال أبو علي: ما كان على ثلاثة في التكسير مثل ما كان على أربعة، فَسَواءٌ ذكر الثلاثة هنا أو الأربعة، أو ذكرهما جميعًا. قال: لأنّ (فُعُولاً) قد يكون الواحد على مثاله كالأتِيّ والسُّدُوس. قال أبو علي: يقول: قد جاء (فُعُول) بناءً للواحد اسمًا كالأتِيّ والسُّدوس، ولم يجيء بناء للواحد يكسر كما كسر (فُعُول)، إذا كان

هذا باب جمع الأسماء المضافة

فُعُول على وزن (فَعُول) كما يكسر (أفْعال) التي للجمع لأنه على وزن (إفْعال) الذي هو للواحد. ... هذا بابُ جمع الأسماء المضافة قال: لأنّ ذا بمنزلة ابن كُراعَ. أي: صارت الكُنى في أنها في التعريف كالأعلام كابن كراع في أنْ صار في التعريف، وأنه علمٌ كالعلم.

هذا باب من الجمع بالواو والنون وتكسير الاسم

هذا بابٌ من الجمع بالواو والنّون وتكسير الاسم سألت الخليل عن قولهم: الأشْعَرونَ. قال أبو علي: قوله: ألْحَقُوا الواو والنونَ كما كَسَّروا، يريد أنّ كلّ واحد منهم اسمه أشْعَرِيٌّ، ومَسْمَعِيٌّ، ليس بأشْعَر ولا مَسْمعَ فكسَّر، فقيل: الأشاعرة والمسامِعَةُ، فنزّل أن كل واحد مسْمَع وأشْعَر وإن كان في الحقيقة مَسْمَعِيّ وأشْعَرِيٌّ فمن حيث كُسِّر على أنّ كل واحد منهم مَسْمَعٌ، كذلك جمع بالواو والنون فقيل: أشْعَرون على تنزيل أنّ كل واحد منهم (أشْعر) كما كان في التكسير كذلك.

قال: وإن شئت قلت هو بمنزلة مِذْرَوَيْن. قال أبو علي: يقول: إن شئت قلت في تصحيح الواو في (مُقْتَوينَ) أنه مبني على الجمع فصحَّتْ فيه الواو كما صحَّتْ في (مِذْرَوَيْن) لما كان مبنيًا على التثنية. قال أبو العباس: حق مَهْريّة ألا تجمع على مَهارَى، لأن الياءين ياءا النسب وليس بمنزلة بُخْتيَّة، لأنَّ بُخْتيَّة فُعْلِيَّة هذا بناؤها، ولكن لما كثر استعمالهم مَهْريَّة حتى شهر فصار بمنزلة الاسم لها، حتى إنا قلنا هذا مَهْرِيّ وهذه مَهْريّة، فإنما يعني الشخص جُمع كما جمعت بُخْتِيَّة. قال أبو علي: قوله: هذا مَهْرِيّ، وهذه مَهْرِيَّةٌ، يريد أنه وإن كان في الأصل صفة فقد صار بمنزلة الاسم، لأنه ليس يجري على موصوفه ألا ترى أنك لا تكاد تقول: هذا جملٌ مَهريٌّ ولا ناقَةٌ مهرية، إنما هو هذا مَهريٌّ وهذه مَهْريّة، والمَهْرِيّ مغصوبٌ، فجرى هذا مجرى عَبْدٍ؛ تقول: هذا عبدٌ ولا تقول: رجلٌ عبدٌ، فلما صار بمنزلته كسِّر كما كسِّر (عبدٌ) وما أشبهه تكسير الأسماء، فلما صار بمنزلة الأسماء، صارت الياءان فيه بمنزلة ما هو في الاسم بغير معنى النسب، وحكم مهريّة إذا أجريت

هذا باب تثنية المبهمة التي أواخرها معتلة

مجرى الاسم في أن كسِّر كما كسِّر مَهارِيٌّ مثل بَخاتِيٌّ لكن تحذف إحدى الياءين فيصير مَهارٍ، فأبدلوا من الياء ألفًا كإبدالهم من (مَدارِيّ). ... هذا باب تثنية المُبْهَمَة التي أواخرها مُعتلّة قال: وإنما حذفت الياءَ والألف لتَفْرِقَ بينها وبين. أي: يعتل ذَيَّا بفتح أوائله وأوائل ما يُصَغّر. قال: واعلم أن هذه الأسماء. قال أبو علي: المعنى الذي تَعرَّف به المبهم قائمٌ أبدًا فيه، فلذلك لا يجوز أن يتنكر فإذا لم يتنكر لم يجز أن يضاف.

هذا باب ما يتغير في الإضافة إلى الاسم

هذا باب ما يتغيّر في الإضافة إلى الاسم قال: ففُوكَ: لم يُغيَّر له فمٌ في الإضافة. قال أبو علي: لم تُحذفت الميم من (فم) لتردّ الواو، وإنّما حذفت الميم في الإضافة لما أُمِنَ من التنوين وأن يبقى الاسم للحاق التنوين به على حرف واحد (فِ)، فإذا أضفت لم يلحقه التنوينُ للإضافة، وصار بمنزلة (ذو) في قولك: (ذُو مال)، في أنَّ الفاء تكون على الحركة المجانسة للحرف الذي تنقلب إليه العين. فكما أنك لو سمَّيت رجلاً (ذو)، قلت: (ذَوًا)، فإذا أضفته قلت: (ذَواكَ) ولم تقل: ذُوكَ، كذلك تقول: فَمُكَ ولا تقول: فوك، لأن الميم هنا بمنزلة ردّ العين واللام في (ذُو).

قال: وسألت الخليل عمّن قال: رأيتُ كِلا أخَوَيْكَ. قال أبو علي: جعلوه بمنزلة (عليْكَ ولدَيْكَ) في أن قلبوا ألفه ياء إذا أضيف إلى المضمر، وقلب ألف (كِلا) ياءً في الجر والنصب كما أنّ ألف (لدى وعلى) تُقلبُ ياءً وهو في موضع جر أو نصب. قال: ولا يُفرد كلا إنما يكون للمثنى أبدًا. قال أبو علي: قد جاء في شعر قديم: كِلا ذلك. فإنما أضيف إلى ذلك من حيث أضيف (بَيْنَ) إليه في قوله عز وجلّ: "عَوانٌ بين ذلك"، (وبَيْن) لا يقع إلا لاثنين، كقولك: المال بينهما وبين زيدٍ وعمرٍو، وإنما أضيف إلى (ذلك) لأن المراد به ما فوق الواحد، وجاز هذا فيه، لما فيه من الإبهام، لأن الأسماء المبهمة تقع على لفظ الآحاد والمراد بها أكثر من الواحد، فلو أضيفت (كِلا) إلى مخصوص

واحد غير مبهم لم يجز، كما أنّك لو أضفت (بَيْنَ) إلى مخصوص كزيد ونحوه ولم تثن لم يجز، فأما رواية من روى "بَيْنَ الدَّخولِ فحومَلِ" فإنه ذهب بحَوْمَلٍ مذهب المبهم لما كان يقع على أماكن شَتَّى، فكأنه قال: بين هذه الأماكن، كقوله عز وجلّ "عَوانٌ بين ذلك" وهو إشارة إلى ألوان وأوصاف. ورواية الأصمعي: "بين الدخول وحَومل" فيما سمعت من أبي بكر، وهذا بَيِّنٌ لا عَملَ فيه، فأما قوله تعالى: "ألم تر أن اللهَ يُزْجِي سحابًا ثم يؤَلِّفُ بينَهُ" فلأنَّ (بَيْنَ) مضاف إلى ضمير السّحاب جمع سحابة كما كان قولك: ذاك، إشارة إلى جمعه؛ فأما قولهم: بَيْنَ نحنُ كذا إذْ لَحِقَنا العدُوُّ، فقال أبو العباس: المعنى: بَيْنَ الأمرُ الذي تعرفُ والأمر الذي لا تعرفُ إذْ كان كذا.

هذا باب إضافة المنقوص إلى الياء التي هي علامة المجرور المضمر

قال: كما شُبِّهَ أمْسِ بغاق، وكما قالوا: مِنَ القومِ فشبَّهوه بأيْنَ. قال أبو علي: شَبَهُ (مِنَ القوم) (بأين) في أن فتحت النون منهما لالتقاء الساكنين كما فُتحت من (أيْنَ)، فكان حكمها أن تكسر لالتقاء الساكنين، لأن الساكنين إذا اجتمعا من كلمتين حُرِّك الأول بالكسر، إلا أن الساكن مِنْ (مِنْ) تَحرَّك بالفتح من أجل الكسرة التي قبله، كما فتح من (أيْنَ) للياء قبلها، فشُبِّهت الكسرة بالياء وإن لم تكن مثله. ... هذا بابُ إضافة المنقوص إلى الياء التي هي علامة المجرور المضمر قال: وناسٌ يقولون: بُشْرىّ، وهُدَيّ، لأن الألف خفيَّة والياء خفيّة فكأنهم تكلموا بواحدة.

قال أبو علي: يقول: إذا قيل: هُدايَ فكأنهم تكلموا بحرف واحدة. قال: ومنهم من يقول: أفْعَيْ في الوقف والوصل فيجعلها ياء ثانية. قال أبو علي: لأن الياء أقلّ خفاء من الألف، فكما أبدلها من ألف أفْعى لخفاء الألف كذلك أبدلها من ألف بُشْرَى وأدغمها في ياء الإضافة.

هذا باب إضافة كل اسم آخره ياء تلي حرفا مكسورا

هذا باب إضافة كل اسمٍ آخره ياءٌ تلي حرفًا مكسورًا قال: وذلك قولك: هذا قاضِيَّ. قال أبو علي: الياء التي هي لام من (قاضٍ) لا تُحرك بالكسرة كما لا تحرك بالضَّمة، فإذا أضيف (قاضي) إلى ياء المتكلم وجب أن تسكَّن الياء التي هي لام، فإذا أسكن أدغم في ياء الإضافة، ولو لم تسكّن لوجب أن تُحرك بالكسر؛ لأن هذه الياء تكسر ما يليها إذا كان الحرف الذي يليها متحركًا، ولم يجز في الياء التي هي لامٌ أن تُحذف لأن ياء الإضافة بعدها متحرك فلم يجتمع ساكنان كان يجب حذفها من أجلهما، ومع ذلك فلو حذف لأدَّى إلى الإلباس بالمفرد غير المضاف. قال أبو علي: لما وقعت الواو ساكنة قبل الياء قلبتها ياءً وأدغمتها في الياء، ولما قلبتها ياءً لزمك أن تبدل من الضمة كسرة، لأنك لو لم تبدل لم تنقلب الواو ياء، وقد لزم انقلابه لما قلت، فنظير قلب الضمة هنا كسرة قلبُها كسرة في مَرْمِيٌّ، فلذلك قلت: مُسْلِمِيَّ وصالِحِيَّ.

قال: ويصير الحرف الذي كانت تليه مضمومًا مع الواو لأنه حرف الرفع. قال أبو علي: قوله: لأنه حرف الرفع فلا بُدَّ منه، يريد أن الكسرة التي كانت في عين (فاعِل)، أبدلْت منها ضمةً لتثبت الواو التي هي للرفع، إذ لو تركت الكسرة لم تثبت الواو التي هي للرفع، لأن الكسرة كانت تقلبها ياء كما قلبها ياء في (ميزانٍ)، فلما كان كذلك أبدل من الكسرة ضمة، لتصبح الياء المبدلة من واو (مَفْعُول)؛ فلهذا أبدل من كسرة العين من (قاضٍ) ضمةً، لأن الحركة من الياء حولتْ إليها، لأن هذه الياء تُحرّكُ، ولم تُستعمل مُتحركة، فيكون له حركة تنقل إلى غيره، ولكن القول فيه ما ذكرنا.

هذا باب التصغير

هذا بابُ التَّصْغير هذا باب تصغير المضاعف قال: وجاز أن يكون الحرف المدغم بعد الياء الساكنة كما كان ذلك بعد الألف التي للجمع. قال أبو علي: إنما جاز اجتماع الساكنين إذ كان الحرف الساكن الأول من حروف اللّين والثاني مدغمًا، لأن ما في حروف اللّين من المَدِّ يصيرُ عِوَضًا من الحركة فيها، ويرتفع اللسان عن المدغم فيه ارتفاعة واحدة، سواء كانت الحركة التي قبل حرف اللّين مجانسة له أو غير مجانسة لا يُعَرَّى الحرف من المدّ، ولذلك أدغمت مثل (جَيْب بَّكْر، وثَوْب بَّكْر)، كما أدغمت (المال لّك، وهم يظْلِمونِّي)، إلا أنه بيَّن أن الحركة التي قبل الحرف اللين إذا كانت مُجانسة للحرف اللّين كان المدُّ فيه أكثر، وقد أجري ما ذكرت لك مجراه. قال: وجرت في التحقير هذه الألف مجرى ألف مَرْمَى.

قال أبو علي: يقول: إن ألف (مِعْزَى) إذا كانت ملحقة مثل نون (رعْشَنٍ) إذا كانت ملحقة ومِعْزَى على وزن دِرْهَم. قال: في حذف ألف قَرْقَرَى في التحقير: وإنّما صارت هذه الألف إذا كانت خامسةً عندهم بمنزلة ألف جُوالِقٍ، ومُبارَكٍ. قال أبو علي: ألف (مُبارَك) تحذف في التصغير والجمع، لأنه لو لم تحذف لخرج عن مثال الجمع والتصغير إلى ما لا يكونان عليه، فحذف الألف ليصير في الموضعين على مثالين يكون عليهما الجمع والتصغير، فكما حذفت هذه الألف، كذلك حذفت ألف (قَرْقَرى) وكانت أجدر، لأنّها طرف، والحذف إلى ما كان طرفًا أسرع، ألا ترى أنّ ما كان على خمسة أحرف آخره ألف منقلبة عن الأصل يحذف في باب الإضافة لسكونه، وأنه طرف كقولك في مُرامَى: مُرامَي، فكذلك حذفت هذه الألفات التي للتأنيث

والإلحاق في التصغير. قال: وكذلك هذه الألف إذا كانت خامسة فصاعدًا. قال أبو علي: إنما ذكر هذا ليفرِّق بينه وبين خُنْفُساءَ، لأن تحقير خنْفُساءَ: خُنَيْفِساء، فالألف فيها متحركة، وفي قَرْقَرى ساكنة، وإنما لم تحذف ألف خُنْفُساء ونظائرها كما حذفت ألف قَرْقَرى لسكون ألف قَرْقَرى، وتحرك ألف خُنْفُساء.

هذا باب تصغير ما كان على ثلاثة أحرف ولحقته ألف التأنيث

هذا باب تصغير ما كان على ثلاثة أحرف ولحقته ألف التأنيث قال: ألا تراهم أجْرَوا على هذه النّون ما كانوا يُجْرون على الألف. قال أبو علي: النون في (فَعْلان) بدل من ألف التأنيث، لأن ألف التأنيث لم تدخل عليه، كما لا تدخل علامة التأنيث على ما فيه علامته، فلما امتنعت علامة التأنيث من دخولها عليه كما يمتنع من الدخول مما فيه له علامة، عُلم أن النون بمنزلة الهمزة إذ لم يجتمعا معًا كما لا يجتمع الحرفان اللذان كل واحد منهما بمعنى الآخر أو عوض منه. قال: تقول عُلَيْبِيٌّ وحُرَيْبِيٌّ كما تقول في سِقاءٍ سُقَيْقِيٌّ. قال أبو علي: الياءان في سُقَيْقِيّ الثانية منهما لام الفعل، وهي التي كانت انقلبت همزة لوقوعها بعد الألف طرفًا، والأولى منقلبة عن الألف الزائدة انقلبت ياء لكسرة ما قبلها، وكذلك في مُعَيْلِيٌّ ونظائره.

قال في سُقَيْقِيَّة ودُرَيْحِيَّة: وإنّما كان هذا هكذا لأن زوائده لم تجئ للتأنيث. قال أبو علي: يقول: لأن زوائد الملحق نحو عِلْباء، ودِرْحايَةٍ لم تلحق للتأنيث، ولو ألحقت للتأنيث لصُغِّر كما يُصغَّر ما ألحق الزيادة فيه للتأنيث وكان يقول: عُلَيباء كما يقول: حُمَيْراء، وفي دِرْحايةٍ: دُرَيْحاء، فكان يفتح ما بعد ياء التصغير. قال: وعلم أنّ كلّ اسم آخره ألف ونون زائدتان وعدَّة حروفه كعدّة حروف فَعْلان. قال أبو علي: لأن باب ما كان في آخره ألف ونون زائدتان أن يجعل بمنزلة (فعَلان)، الذي له (فَعْلى)، وتحقيره تحقيره، وإنما يجعله كفُعَيلِيلٍ إذا سمعت فيه ذلك من العرب، ولو سمعت ذلك من العرب، ولو سمعت اسمًا في آخره ألف ونون ولم تسمع له تحقيرًا ولا تكسيرًا، فلم يُدْرَ أمن باب (عُثْمان، وغَضْبان) هو، أم من باب (سِرْحان) جعلته من باب (غَضْبان) دون باب (سِرحان) وحملته على الأكثر.

قال: ويقولون في فِرْزان: فُرَيْزينٌ، لأنهم يقولون: فَرازينُ في جمعه، ومن قال: فَرازِنَةٌ، قال أيضًا: فُرَيْزِينٌ. قال أبو علي: يقول: لو سمِعْتَ شيئًا في آخره ألفٌ ونونٌ، وقد جُمع على (فَعَاليَة)، ثم صغرته لقلت فيه: (فُعَيْلين)، لأن (سَماعَل) بفَعالية بمنزلة (سَماعَل فعَالِين) إذ الهاء عوض من الياء، والعوض بمنزلة المعوَّض منه، فالهاء إذن بمنزلة الياء، والدليل على أن الهاء عوض من الياء أنهما لا يجتمعان، لا يقال: زَنادِيقَةٌ. قال: وأمّا ظَرِبانٌ فتحقيره على ظُرَيْبانٍ، كأنّك كسَّرْته على ظِرْباءَ. قال أبو علي: الألف والنون في (ظِربان) بمنزلة الألف والهمزة في صَلْفاء، - وليست كالألف والنون في سِرْحانٍ، لأنّه لو كان مثله لكُسِّر على (فَعالين) فظهرت فيه النون. لكنه لما كانت الألف والنون بمنزلة الألف والهمزة في صَلْفاء، كُسر تكسيره، فقيل: ظرابيٌّ كما قيل: صَلافِيٌّ، فهذا أيضًا مما يوفّق بين نون (فَعْلان) وهمزة (فَعْلاء)؛ ألا ترى أن (فَعْلان) أبدلت نونه ياءً في التكسير كما أبدلت همزة (فَعْلاء) فيه ياء، فقيل: ظرابيٌّ، وأناسِيٌّ كما قيل: صَلافِيٌّ، فأما (صَحَارَى) فتقدير جمعه تقدير (صَلافِيّ) كأنه مثل صَحارِيٌّ ثم أبدل من الياء ألفًا ومن الفتحة كسرة كما أبدل في (مَدارا) وكان في (صَحارٍ) أجدر إذ كان جمع مؤنث ليكون آخره كأواخر

ما فيه علامات التأنيث. قال: فالذي هو مثله في الزّيادتين والذي يصير مثله في المعرفة بمنزلته أوْلى به حتى تعلم. قال أبو علي: لو سمَّيْت رجلاً باسم في آخره ألف ونون ينصرف في النكرة ولم ينصرف في المعرفة، كما لم ينصرف (فَعْلان) الذي هو (فَعْلى). قال: ولو قلت سُرَيْحانٌ، لقلت في رجل يُسمى عَلقىً: عُليقاء، وفي مِعْزَى: مُعَيْزاء أو امرأة اسمُها سِرْبالٌ: سُرَيْبالٌ. قال أبو علي: يقول: لو قلت: سُرَيْحانٌ فصغرته كما تصغر ما لا ينصرف في النكرة لأنه لا ينصرف في المعرفة للزِمَكَ أن تقول: سُرَيْبال في تحقيرك (سِرْبال) – اسم امرأة، لأن سِرْبالاً إذا كان اسم امرأة لا ينصرف وإن كان ينصرف غير اسم امرأة، كما أن سِرْحانًا لا ينصرف اسم رجل وإن

هذا باب ما كان على أربعة أحرف تلحقه ألف التأنيث بعد ألف، أو لحقت ألف ونون كما لحقت عثمان نحو خنفساء

كان ينصرف نكرة، فإنّما تجري هذه المعارف في التحقير على ما كانت تجري عليه منكورًا به إذا كنّ متصرفات. ... هذا بابُ ما كان على أربعة أحرف تلحقه ألف التأنيث بعد ألف، أو لحقت ألفٌ ونونٌ كما لحقت عُثمانَ نحو خُنْفُساءَ قال: ولا تَحْذِفْ، يعني المدّة، كما تحذف ألف التأنيث، أي كما تحذف ألف التأنيث الساكنة إذا كانت خامسة نحو: قَرْقَرى، تقول: قُرَيْقِرٌ. قال: فالهاء بمنزلة اسم ضُمَّ إلى اسمٍ فجُعلا اسمًا واحدًا، فالآخر لا يحذف أبدًا لأنه بمنزلة مضاف. قال أبو علي: قد ذكرنا شبهه بالمضاف إليه في باب

النسب. قال: ولا تُغيّر الحركة التي في آخر الأول. قال أبو علي: يريد من الاسمين اللذين جعلا اسمًا واحدًا كحضْرَمَوت. قال: وأمّا ما لحقته ألفٌ ونونٌ فَعُقْرُبانٌ وزَعْفَرانٌ، تقول: عُقَيْربانٌ {وزُعَيْفِرانٌ} تُحقِّره كما تُحقِّر ما في آخره ألف التأنيث ولا تحذف لتحريك النّون. قال أبو علي: يقول: لا يُحذف النون من (عُقرُبان) إذا حقَّرته، لأنها متحركة، كما لا تحذف الهمزة من (خُنْفُساءَ) لتحرّكها، فليست نون (زَعفران) وهمزة (خُنفُساء) بمنزلة ألف (قَرْقَرى) لسكون هذه وحركة تينك. قال: ويقول في أقْحُوانةٍ وعُنْظُوانَةٍ: أُقَيْحِيانَةٌ وعُنَيْظِيانَةٌ، كأنك حقَّرت عُنْظُوانًا، وإذا حقَّرت عُنْظُوانًا فكأنك حقرت عُنْظُوَةً، وفي نسخته: فكأنك حقَّرت عُنْظُواءَ، وأقحواء، وإذا حَقَّرْتَ عُنْظُواءَ وأقْحُواءَ فكأنك حقَّرت عُنْظُوَةَ وهو الأجود. قال أبو علي: عُنظوانة مثل عُنظواء، لأن الهمزة متحركة كما أن النون متحركة وجميعًا يثبتان في التحقير لتحركهما، ولا يحذفان كما حذفت ألف

قرقرى، فكلتا النسختين صواب. فأما ما في نسخة أبي العباس: إذا حقرت عُنْظُواء فكأنّك حَقَّرْت عُنْظُوةً فتشبيه صحيح، لأن الهمزة تثبت لتحركها كما تثبت الياء لذلك، ولهذا جاء ممثَّلاً بعُنْظُوَةٍ، وتشبيهُ النون بالياء صحيح أيضًا لمثل هذه العلة. قال: لأنّك تُجري هاتين الزيادتين مجرى تحقير ما فيه الهاء. قال أبو علي: يعني أن الألف والنون يثبتان كما تثبت الهاء لتحركها. قال: وأمّا أسْطُوانةٌ فتحقيرُها أسَيْطِينَةٌ لقولهم: أساطِينُ. قال أبو علي: أسْطُوانةٌ أفْعُوَالَةٌ، النون لام، لقولهم: مُتَسَطِّنٌ.

هذا باب ما يحقر على تكسيرك إياه لو كسرته للجمع على القياس لا على التكسير للجمع على غيره

فالمحذوف من الجمع الألف، لأنك إذا قَدَّرْتَ (أفْعُوالةٌ) لم تلحق الألف والنون معًا فيلزم حذفهما معًا، لأن النون لام، فتحذف على هذا التقدير في الجمع والتصغير الألف، وتدع الواوَ لأنّها رابعة، وهي أولى ألاَّ تُحذف لتحركها وسكون الألف ومن قدره (فُعْلُوانة) فكسَّره أو صغَّره، لزمه أن يحذف الواو دون الالف؛ لأن الألف والنون يلحقان معًا، فإذا حُذف أحدهما وجب حذف الآخر. ... هذا باب ما يُحقَّر على تكسيرك إيّاه لو كسَّرْتَهُ للجمع على القياس لا على التكسير للجمع على غيره أي غير القياس وذلك قولك في خاتَمٍ: خُوَيْتِمٌ. قال: وسمعنا من يقول ممّن يوثق به من العرب خُوَيْتِيمٌ، فإذا جمع

قال: خَواتِيمُ. قال أبو علي: يستدل بهذا أن خواتيم بقوله من يقول: (خاتَمٌ) في واحده، ولا يقول: (خاتام)، إنّما تلحق الزيادة في الجمع لا من حيث كانت بعد حرف لين يلزم العوض منه في الجمع، ولو كان كذلك لألْزمه إيّاها في التصغير كما ألزمه إيّاها في التكسير. قال: ولو قلت خُوَيْتِيمٌ، ودُوَيْنِيق لقولك: خَواتيم ودَوانيق لقلت في أثْفِيَّةٍ: أثَيْفِيَةٌ، لأنّك تقول أثافٍ. قال أبو علي: يقول: لا يزيدُ في التصغير حرفَ الزيادة حرفٌ في الجمع، كما لم ينقص في التصغير حرفَ النقصان حرفٌ من الجمع، فلا تقول: دُوَينيق كما تقول: مُعَيْطِيٌّ وأثَيْفِيَّةٌ، فكما لا تحذف في التصغير من الجمع، كذلك لا تزيد في التصغير لزيادتك في الجمع.

هذا باب ما يحذف في التحقير من بنات الثلاثة من الزيادات لأنك لو كسرتها للجمع لحذفتها

هذا بابُ ما يُحذَف في التَّحقير من بنات الثلاثة من الزّيادات لأنّك لو كسَّرتها للجمع لَحَذَفْتَها قال: وتقول في مُحْمَرٍ مُحَيْمِرٌ كما حَقَّرْتَ مُقَدَّمًا. قال أبو علي: ليس في الكلام (مُفاعِلٌ) كما لم يكن فيه (مُفاعِّل) مثل (مُقادِّم). قال: وتقول في مُحْمارٍّ: مُحَيْمِيرٌ ولا تقولُ مُحَيْمِرٌّ. قال أبو علي: ليس لك في تصغير (مُحْمارّ) الخيار في تعويض الياء وتركها كما كان لك في مُحْمَرّ، لأن حرف اللين في (مُحْمارٍّ) رابعة، ولما كان سائر مواضع الزوائد يُعوضُ منه هنا وجب التعويض منه. قال: وتقول في تحقير حَمارَّة: حميرة، كأنك حقّرت حَمَرَّة، لأنك

لو كسرت حَمارَّة للجمع لم تقل: حَمائرٌّ. قال أبو علي: لو لم تحذف الألف من (حَمَرّة) في التكسير للزمك أن تقول: (حَمائرّ) فتبدل منها في التكسير همزة، كما أبدلت منها همزة في (رَسائِل) جمع رِسالةٍ لكنك حذفتها لأنك لو أبقيتها لصار على (فَعائلٌ)، وهو وزن ليس في الكلام. قال أبو العباس: سألت أبا عثمان المازني عن (حَمارّ) جمع حَمارّة، فقال: إن جمعته على حد قولك: تَمْرَةٌ وتَمْرٌ صَرَفْتَهُ، لأن الألف ليست ألف تكسير، إنما هي التي كانت في (حَمارّة)، فإن جمعت مُكسَّرًا قلت: (حَمار) فلم تصرف كما لم تصرف (دَوابّ) وما أشبهه، لأن الألف فيه للجمع، والتي كانت في (حَمارَّة) حذفت لَما أريد تكسير الاسم كما تحذف من مُبارَك، وجوالِق وما أشبههما. قال: وإذا حقَّرتَ (غَدَوْدَن) فبتلك المنزلة. يعني: مثل خُفَيْدِدٌ وجُوالِقٌ في أنّ الزيادة ثالثة، لك أن تعوّض منها ولك ألا تعوّض.

قال أبو علي: إنما تسقط واو (غَدَوْدَن) إذا جمعْتَ أو حقَّرتَ، كما تسقط ألف (مُبارَك) ليصير على مثال التكسير والتحقير، وحذف الواو أولى، لأنه أشبه بحروف الزيادة من حرف الدال. قال: ألا ترى أنّ مَنْ لغته ذُرَحْرَحٌ يقول: ذَرارِحُ. قال أبو علي: يقول: من قال: (ذَرارِحٌ) في الجمع فقد حذف الحاء الأولى في التكسير ولو حذف الثانية لكان (ذراحِر)، فكما حذف الأولى في التكسير كذلك يحذف الأولى في التصغير، وجُلَعْلَعٌ ونحوه مثل هذا والقول فيه كالقول في هذا.

قال: وكرهوا ذَراحِحُ، وذُرَيْحِحٌ، للتضعيف في التقاء الحرفين من موضع واحد، وجاء العِوَضُ فلم يُغَيّر ما كان من ذلك قبل أن يجيء. قال أبو علي: كأنه قيل: فهلاّ جمعت بين الحرفين إذا أدخلت الياء للعوض فقلت: ذَراحيحٌ؟ فأجاب بما قال. قال في تحقير مَرْمَريس: مُرَيرِيسٌ. قال: ولو قلت: مُرَيْمِيسٌ لصار كأنه من باب سُرْحُوبٍ. قال أبو علي: لأنه لو قيل مُرَيْميسٌ، لظُنَّ أنّ الميم أصل، لأنّها قد فُصل بينها وبين الميم براءٍ، والراء إذا ضُوعِفَتْ عُلم أنّ العين قد ضُوعِفتْ

وهو ثلاثي. قال: فكل شيء ضُوعف الحرفان من أوّله وآخره. قال أبو علي: ما ضُوعف الحرفان من أوله مثل: (مَرْمريس)، وما ضُوعف الحرفان من آخره مثل: (ذَرَحْرَح)، وما ضوعف الثاني من أوّله مثل: (فَعَّلٌ)، وما ضوعف الآخر منه نحو (فِعَلّ) مثل (خِدَبّ)، وما كان على خمسة أحرف رابِعُهُ حرف لينٍ والعين فيه مضاعف مثل (فِعِّيل) نحو (صِدِّيق)، وهذا كله معلوم أنه ثلاثي. قال: فالواو المتحركة بمنزلة ما هو من نفس الحرف، لأنه ألْحَق الثلاثة ببنات الأربعة.

قال أبو علي: قوله: فالواو المتحركة بمنزلة ما هو من نفس الحرف أي الواو في عِلْواطٍ للإلحاق بِسِرْداحٍ. قال: في حُبارَى: حُبَيِّر وحُبَيْرى. قال أبو علي: لو لم يقلب الألف الأولى من (حُبارى) في التصغير ياءً لانفتح ياء التصغير. قال: إذ لم يصل إلى أن يُثبَتَ. قال أبو علي: في الألف التي للتأنيث، وإنما لم يصل إليه لخروجه من بناء التحقير والتكسير. قال: وقال بعضهم: عُفَيِّرةٌ وثُميِّنَةٌ، شبَّهها بألف حُبارى.

قال أبو علي: لكن الألف من (حُبارى) الأخيرة زائدة للتأنيث، وياء (عُفاريةٍ) مثل راء (عُذافِرة)، فحذفُ الألف من (عُفارِيَةٍ) أحسن من حذف الياء. قال: وكذلك صحارى وعَذارى وأشباه ذلك. قال أبو علي: يقول: وكذلك حذف الألف من صحارى الثالثة أحسن من حذف الألف الخامسة، فقولك (صُحَيْراء) أحسن من قولك: (صُحَيِّر). قال: عَفَرْنى وعَفَرْناة: عُفيْرِنٌ وعُفَيْرِنَةٌ. قال أبو علي: في عَفَرنى زائدان، النون والألف، وكلتاهما للإلحاق، وحذف كل واحد منهما حَسَنٌ، وليست الزيادتان كزيادة (عُفارِيَة)،

لأن إحدى الزيادتين في (عُفارِيةٍ) للإلحاق، والأخرى للمدّ دون الإلحاق، فحذف المدة في التحقير أحسن من حذف الملحق، وحذف كل واحد من (عَفَرْنى) في الحسن كحذف الأخرى، إلا أن نقول إن الياء، لأنها طرفٌ حذفها أحسنُ من حذف النون. قال: وإذا حقَّرت رجلاً اسمه قبائل. قال أبو علي: الهمزة والألف في قبائل زيادتان، أمّا الألف فللجمع، والهمزة بَدَلٌ من الياء في قبيلة، إلا أن الهمزة وإن كانت زائدة فقد وقعت موقع الأصلي نحو جيم مَساجِد، وتحركتْ، والألف لم تقع موقع أصليّ ولم تتحرك، والحذف فيما لم يتحرّك وعليه أغْلَبُ، ألا ترى أنّك تحذف الألف إذا كانت خامسة من قَرْقَرى ونحوه لسكونه، ولا تحذف همزة حَمراء لحركته، فكذلك يحذف الألف ولا تحذف الهمزة فتقول: قُبَيْئيلٌ لما ذكرنا من مشابهة الأصلي لحركته ووقوعه موقع الأصلي الذي لا يجوز حذفه، فإن حذفت الهمزة على قول يونس فليس في الحسن كحذفك الألف،

لأنه قد أجيز ذلك لما اجتمعا في أنهما زائدتان وإن كان أحدهما أشبه بالأصلي، وشبهه بالأصليّ لا يمنعه أن يُحذف، لأنه في الأصلي زائد، وهو مع ذلك أقرب إلى الظرف كما جاز حذف الياء من (عُفارِيَةٍ) لما كان زائدًا في الأصل وإن كان الأصلي، وواقعًا موقعه. قال: وإذا حقَّرت لُغَّيْزَى قُلت: لُغَيْغِيزٌ، تحذف الألف ولا تحذف الياء. قال أبو علي: يقول: لو حذفت الياء دون الألف لزمك أن تحذف الألف أيضًا، لأن التصغير كان يتم دون الألف كما أن الجمع يتم دونه، فلو حَذَفْتَ الياء للزمك أن تقول: لُغَيْغِز، إذ لم يكن سبيلٌ إلى أن تقول لُغَيْغِزاءَ كما لا تقول: لَغاغِزاء في الجمع لخروجه عن بناء التصغير والجمع،

فإذا حذفت الألف بقيت الياء رابعة فثبتت في التصغير في قولك: لُغَيْغِيزٌ، كما ثبتت في الجمع في قولك: لَغاغِيز. قال: وكذلك فعلت في اقْعِنْساس، حذفت النّون وتركت الألف. قال أبو علي: يقول: لو حذفت الألف احتجتَ أن تحذف النون أيضًا، إذ لا سبيل إلى أن تقول: قُعَيْنسِسٌ، كما لا تقول: قَعانِسِسٌ، لخروجهما عن مثال التكسير والتصغير وتمامهما بغير النون، فلما كان كذلك حذفت النّون وتركت الألف في الجمع والتصغير لمجيئهما إذا حذفت النون على مثاليهما اللذين يكونان عليهما فقلت: قُعَيْسِيسٌ وقَعاسِيسٌ كما أنك إذا حذفت الألف من (لُغَّيزى) جاء في الجمع والتصغير على ما يكونان عليه، ولا تحتاج إلى حذف الياء إذا حذفتها، وإن حذفت الياء احتجت إلى حذف الألف. فحذفك النّون من اقعنساس نظير حذفك الألف من (لُغَّيْزَى).

قال أبو علي: ثَبتت الجيم في (عَفَنْجَجٍ) مُكبرًا ولم تُدغم، لأنه ملحق بسَفَرجل، فلو أدغمت ولم تُبين لعدلتَ عمّا لهُ قصدت، ألا ترى أنه لو لم يُبيّن لم يكن بزنة (سَفَرْجل)؟! وإنما زدت الحرف ليكونَ به على زنته، فلهذا بُيِّن الحرفان المثلان إذ كان أحدهما للإلحاق ولم يُبيّن إذا كان لغيره، (فمَهْدَدٌ)، بيّن الدال الأولى فيه للإلحاق بجَعْفَرٍ، ومَردّ، ومفَرّ ونحو [هـ]، لم يُبّن فيه الحرف الأول، لأنه ليس للإلحاق، فأمّا عِبِدًا فليست الدال فيه للإلحاق.

قال: وإذا حقَّرت بَرُوكاءَ وجَلولاءَ قلت: بُرَيْكاءُ وجُلَيْلاءُ، {لا} تحذفُ هذه الزوائد. قال أبو علي: ليست الهمزة كهاء التأنيث، لأن الهاء جُعلت مع الاسم التي هي فيه بمنزلة اسم ضُمَّ إلى اسم، ألا ترى أنه قد يُكسَّر الاسم الذي فيه الهمزة للتأنيث، نحو قولهم في صَلْفاء: صَلافِي، فتجري هذه الهمزة مجرى ما هو من أصل الكلمة فتنقلب ياء، كما تنقلب الهمزة في تكسير مِعْطاءٍ إذا قلت: مَعاطٍ والهاء تُحذف حذفًا من الاسم، فلما خالفت الهمزة تاء التأنيث في أنْ صارت في الاسم الذي هي فيه بمنزلة ما هو من نفس الحرف، لزم أن تُحذف الزيادة الأولى، ولم تكن بَرُوكاءُ كبَرُوكَةٍ، لكن الهمزة بمنزلة الكاف في (مُبارَك) لأن الهمزة يُكَسَّر الاسم عليها، فتثبت في التكسير كما أرِينا، وهاء التأنيث ليست كذلك، فلهذا فُصل بين همزة التأنيث وتائه، فجعل الهمزة بمنزلة الزيادة اللازمة للاسم، والياء بمنزلة المنفصل منه، فقال في بَراكاءَ: بُرَيْكاءَ، كما تقول في تصغير مُباركٍ:

مُبَيْرِكٌ، لأن الهمزة بمنزلة الكاف من مُبارَكٍ. لأن الاسم يكسَّر عليه، فلا يحذف منه، كما لا يحذف الكاف من مُبارَك. قال: ألا ترى أنّك كنت لا تحذفها لو كان آخر الاسم ألف التأنيث. قال أبو علي: يقول: لا تحذف الواو من (فَعْوَلاء) لو كان آخر الاسم ألف التأنيث المقصورة، لكنك كنت تحذف ألف التأنيث المقصورة دون الواو، فتقول: (فُعَيِّلٌ)، (وفُعَيْوِلٌ) في تحقير (فَعُولى)، ولا تحذف الواو منها كما لا تحذف القاف الثالثة من (قَرْقَرى). "ومن قال في أسْوَدَ: أسَيِّدُ وفي جَدْوَل: جُدَيِّلٌ قال في فَعَولاء إن جاءت: فُعَيلاء، يحذفُ لأنّها صارت بمنزلة السواكن". قال أبو علي: كأنّه قيل له: لم تحذف الياء التي انقلبت عن واو (فَعولاء) وهي متحركة، وشرطك في هذا الباب حذف الساكن، نحو واو (جَلُولاء)، فقال لأنّه لما غيروا وافق بالتغيير السكون فحذف كما

حذف الساكن. قال: لأنّها تغيّرها وهي في مواضعها. قال أبو علي: قوله: لأنّها تُغَيِّرُها، أي لأن ياء التصغير تغيِّر الواو من فَعولاء فتقلبها ياء. وقوله: وهي في مواضعها: أي الواو التي تنقلب ياء من فُعَيّلاءَ في موضع الألف والياء السواكن، فلما وقعت هذه متحركة وتلك سواكن، لأنها بالتغيير شابهت السكون، إذ كان التغيير إعلالاً، والسكون كذلك، فقد وافق التغيير السكون، فحذف المغيَّر كما يحذف الساكن. قال: وإذا حقَّرْت ظريفَيْن غير اسم رجل، أو ظَريفاتٍ أو دَجاجاتٍ، قلت: ظُرَيِّفونَ، وظُرَيِّفاتٌ، ودُجَيِّجاتٌ من قِبَلِ أنّ الواو والياء لم يُكَسّر الواحد عليهنّ كما كسر على ألفي جَلولاء.

قال ابو علي: قوله: لم يُكسّر الواحد عليهنّ، يعني أنّك لم تكسر الاسم للتصغير وفيه الواو والنون إذا كان جمعًا، إنما تحقر واحِدَه، ثم تلحقه الواو والنون للجميع، فليست زيادة الجمع كهمزة جَلولاء، لأنّ الهمزة والألف لازمتان لجَلولاء، وقد كسّرت الاسم للتصغير وفيه هاتان الزيادتان، فقلت: جُلَيْلاء. وقال أبو علي: لأن ألفي جَلولاء لا يفارقان الاسم والألف والنون والواو والنون والألف والتاء إذا كنّ في اسم لغير واحد بعينه يفارقنه. قال: ولكنك إنّما تُلحق هذه الزوائد بعد ما يُكسّر الاسم في التحقير للجمع، وتخرجهنّ إلى الزوائد. قال أبو علي: قوله للجمع الذي ليس على حدّ التثنية تكسيرًا، لأن التكسير تغيير وأنت تُغيّر الاسم في التصغير كما تغيّره في هذا النوع من الجمع. قال في الزيادتين: وتخرجهما إذا لم ترد معنى الجمع، كما تفعل ذلك بياءي الإضافة.

قال أبو علي: يقول: تُلحِقُ علامتي الجمع بعد تسلُّمك الاسم على صيغته غير محذوف منه شيء، كما تلحق بياءي النسب الاسم بعد تسليمك إياه غير مُغيّر منه شيء. قال: وكذلك هما، يعني الواو والنون فلمّا كان ذلك كذلك شبَّهوه بهاء التأنيث وكذلك التثنية. قال أبو علي: يقول: فلما كان الاسم تلحقه علامة الجمع بعد التسليم وأن لا يغيَّر منه شيء شبَّهوه إذا كان في اسم مصغّر بهاء التأنيث، في أنه لم يحذف من الاسم اللاحقته علامة الجمع شيء، كما لم يحذف من الاسم اللاحقته تاء التأنيث وياء النسبة وعلامة التثنية في التصغير شيء، فتقول: ظُرَيِّفون ولا تخفّف، كما تقول: ظُرَيِّفة وظُرَيِّفِيٌّ وظُرَيِّفان، ولو كان كل ما ذكرنا اسم رجل لخففه كله، لأن الزيادة الثانية تلزم من أجل التسمية، ولا تلحق الاسم بعد أن يمضي التصغير في أول، لكن الزيادتان كلتاهما لازمة له. وقال عن يونس في تحقير ثلاثين: ولو كانت إنما تلحق هذه الزيادة الثلاثَ التي تستعملها مفردة لكنت إنما تعني تسعة.

قال أبو علي: لو كان الواو والنون في (ثلاثون) للجمع لوجب أن تكون تسعة لأن الجمع بالواو والنون، والألف والتاء قد يكون لأدنى العدد، وأدنى العدد من الثلاثة إلى العشرة. قال: وإن سمَّيت رجلاً بدجاجةٍ أو دجاجتَيْن ثَقَّلْتَ في التحقير، لأنّه حينئذ بمنزلة دَرابَجَرْد، والهاءُ بمنزلة جَرْدَ، والاسم بمنزلة دَرابَ. قال أبو علي: من شرطه في هذا الباب أنه إذا سمي باسم ثلاثي يلزمُه زيادتان، أن تحذف الأولى كقوله في تحقير (ظَريفان) اسم رجل: ظُرَيِّفان و (دجاجة) فيها زيادتان، إحداهما الألف، والأخرى تاء التأنيث، فيقول القائل: هل تقول على هذا الشرط: دُجَيْجَةٌ فتحذف، لأن فيه

زيادتين كما تخفف سائر هذا الباب، وكما خفّفت جمع هذا الواحد اسم رجل فقلت: دُجَيجاتٌ؟ فقال: لا أقول في دجاجةٍ اسم رجل: دُجَيْجَةٌ على قولي في ظَريفَيْنِ، اسم رجل: ظُرَيِّفان، لأن الهاء في دجاجة بمنزلة اسم ضم إلى اسم نحو (دَرَابَ جَرْدَ)، فأنت تصغّر الاسم الأول ثم تضم الثاني إليه. وقد صغرت الأول، فكذلك تصغِّر الاسم الذي فيه الهاء قبل أن تضُمّ الهاء إليها، فالاسم الذي فيه الهاء بمنزلة الاسم المضموم إلى الاسم تُصغّره ثم تضم الهاء إليه، فكما أنّك صغَّرت (دَرابَ) قلت: (دُرَيِّبٌ) فلم تحذف منه شيئًا؛ لأنه ليس في الاسم زيادتان، فيلزم حذف إحداهما، كذلك لا يصغّر دَجاجٌ ثم تضم الهاء إليه، وقد مضى التصغير في الأول، ولم يلزم أن تحذف منه شيئًا، لأنه ليس فيه زيادتان، فيلزم حذف إحداهما كما لم يكن في (دَرابَ) ذلك، فإذا حقَّرته وجب أن تثقل، وإذا ثقلت ضممت إليه الهاء كما ضممت إليه الاسم الأول وقد مضى التثقيل فيه ولم يلزم فيه حذف، وكما لم يلزم في واحد دَجاجةٍ الحذفُ لما ذكرنا، كذلك لم يلزم الحذف في التثنية لأن الياء وما بعده من دَجاجَتَيْن بمنزلة جَرْدَيْنِ من (دَرابَ جَردين)، وليست الألف والتاء في الجمع كذلك، ألا ترى أن دجاجاتٍ

ليست كدَرابَ جَرْداتٍ ليس ما قبلها مفتوحًا، كما أن الباء من درابَ مفتوحٌ، والجيم من دجاجٍ مفتوح فإن قلت: أفَلَيْسَ قد أجريت الألف والياء في الجمع مجرى التاء فلم تصرف الاسم إذا كانتا فيه كما لم تصرف ما فيه هاء التأنيث، وذلك في قول من قال: هذه أذْرِعاتُ، فلم يُنَوِّن تشبيهًا بطلْحَةَ، فهل يجوز على هذا أن تقول: دُجيِّجاتٌ، فتُثَقِّل اسم رجلٍ، كما قلت: دُجَيِّجةٌ فتقلب؟. فالجواب في ذلك أنه لا يجوز دُجَيجاتٌ على قولك: دُجَيِّجَةٌ. وعلى أن تجري الألف والياء مجرى التاء، وتجعل الألف والتاء بمنزلة الهاء في أنه اسم ضم إلى اسم، لأن ما قبل التاء مفتوح، وليس ما قبل التاء في الجمع مفتوحًا إنما هو ساكن فليس مثله. ومع ذلك إن من شبّه الألف والتاء بالهاء فأنه شبهه به في حذف التنوين منه فقط، فأما في غيره فلم يجر مجراه، ألا ترى أن من قال: هذه أذْرِعاتٌ فلم ينوِن تشبيهًا بطلحةَ، ولم يقل: رأيتُ أذرعاتَ فاعلمْ، كما تقول: رأيتُ طلحة فاعلم، لكنه يكسر التاء وإن لم ينون كما كان يكسره من لم ينون، فقد بان لك من هذا أن من شبَّهه بطلحةَ لم يشبهه بها إلا من حيث ذكرنا، فلا يجوز على هذا إذا سمي بدَجاجاتٍ أن يقول: دُجيِّجات، فيثقّل كما يثقّل دُجَيِّجة، لأن الألف والتاء لا يشبهان الهاء، وإذا لم يشبهاها لم يكن الألف والتاء في الاسم بمنزلة الاسم المضموم إلى الاسم كما كان التاء في طلحة كذلك.

هذا باب تحقير ما تثبت زيادته من بنات الثلاثة في التحقير

هذا باب تحقير ما تثبتُ زيادتُه من بنات الثلاثة في التحقير قال: وإذا حقَّرت بَرْدَرايا وحَولايا، قلت: بُرَيْدِرٌ وحُوَيْلِيٌّ. قال أبو علي: بَرْدَرايا رُباعيّ، ولذلك كرر ذكره في الباب الذي بعد هذا، والألف فيه زائدة، والياء للإلحاق، كأنه رباعي ملحق بخماسي فيه زيادة كما أن دِرْحايَة ثلاثيٌّ ملحق برباعيّ فيه زيادة والألف للتأنيث، فإذا حقرته لزمك أن تحذف الألف والياء وعلامة التأنيث، أما علامة التأنيث فإنك تحذفها كما حذفتها من قَرْقَرى إذا قلت: قُرَيْقرٌ، وحذفها من هذا أجدر لأنه أكثر من أربعة أحرف، وأما الألف والياء فتحذفهما لتمام التصغير دونهما لأنّك لو أثبتهما جميعًا أو أثبتَّ إحداهما لخرج الاسم عما عليه التصغير والتكسير، ألا ترى أنك لو قلت: بُرَيْدِراء،

أو قلت بُرَيْدِريّ، لم يكن ذلك، لأنه ليس في أمثلة التصغير مثل فُعَيْعِليّ ولا مثل فُعَيْعيل، فإن قلت: أحذف الألف الزائدة وأدع الياء التي للإلحاق لم يجز أيضًا، لأنّه يصير على مثال فُعَيْعِل ولا يكون فُعيْعِللٌ، كما لا يكون في التكسير فَعَاعِللٌ، فإذا لم تجز فيه هذه الوجوه الثلاثة يبقى (بُرَيْدِرٌ) في التصغير كما يكون في التكسير (بِرادرٌ)، فإنْ عوّضْتَ قلت: (بُرَيْديرٌ)، والعوض غير لازم، لأن الزيادة غير رابعة. وأمّا حَولايا، فكأنّه ثلاثي، والياء فيه للإلحاق أيضًا بقَضْقاضٍ. وإن كان يكون (حَوْلايا) مضعّفًا فأصل الكلمة كأنه حُول، فالألف الأولى زائدة، والياء للإلحاق، وصحّت كما صحّت في بَرْدَرايا وفي دِرْحايَة لأن جميعها مبني على التأنيث، فإذا صغّرت حذفت الألف كما تحذف من الرباعي وما أشبهه، أعني ألف التأنيث، فإذا حذفتها بقي (حَولايَ) فقلبت الألف ياءً وأدغمته في ياء الإلحاق، ولم تحذفها كما حذفت الألف من (بَرْدَرايا) الأولى لأنّها رابعة وتلك خامسة، وحروف المد إذا وقعت رابعة لم تُحذف في التكسير ولا في التصغير، فحُوَيلى كعُوَيْفى لم يلزم حذف الألف منه كما لم يلزم حذف

الألف من (غَوْغاء) في تصغيره وتكسيره. قال: لأنّ هذه ليست حرف تأنيث وإنما هي كياء دِرْحايَةٍ. قال أبو علي: يريد: أن الياء فيهما للإلحاق ليس للتأنيث فيلزم حذفهما من الاسمين في التصغير، لكن علامة التأنيث فيهما الألف التي بعدهما. قال: فكأنك إذا حذفت ألفًا إنّما تُحقِّر قُوباء أو غَوغاءٌ فيمن صرف. قال أبو علي: قوله: فكأنك إذا حذفت ألفًا يريد ألف التأنيث وتشبيهه هذا يقع على حَوْلايا، دون بَرْدَرايا، لأن الذي على زنة (قُوباء

هذا باب ما يحذف في التحقير من زوائد بنات الأربعة، لأنها لم تكن لتثبت لو كسرتها للجمع

وغَوغاء) من هاتين الكلمتين إنما هو (حَوْلايا)، دون (بَرْدَرايا). ألا ترى أن رابع (حَولايا) الألف الزائدة، كما أن رابع (قُوباءَ وغوغاءَ) الألف الزائدة، وخامسُها ياء الإلحاق، كما أن خامس (قُوباءَ) ياء الإلحاق التي انقلبت الهمزة عنها، وليس رابع (بَرْدَرايا) الألف الزائدة، إنما رابعُه الراء التي هي اللام الأخيرة من الرباعيّ، فبيّن أن التشبيه بغَوْغاء وقوباء إنما هو لحَوْلايا دون بَرْدَرايا، لأن حَوْلايا مثل غَوغاء في حركته وسكونه، وزيادتيه اللّتين إحداهما للإلحاق والأخرى لغير الإلحاق. ... هذا باب ما يُحذف في التحقير من زوائد بنات الأربعة، لأنّها لم تكن لتَثْبُتَ لو كسَّرتها للجمع قال في تحقير خَنْشَليلٍ: خُنَيْشِيلٌ، قال: لأنها، يعني النُّون من النُّونات التي تكون عندي من نفس الحرف إلا أن يجيء شاهد.

قال أبو علي: قوله: إنها وقعت ثانية وهي إذا وقعت أولاً وثانية في الأسماء حكم بأنها أصل حتى يقوم الدليل على أنها زائدة كما قام في نحو (جُنْدَبٍ) أنها زائدة، لمجيئه على ما ليس في أبنية الأصول مثله عند سيبويه، والموضع الذي يحكم فيه بزيادتها وإذا لحقت بعد الألف في آخر الاسم نحو (فعْلان). قال: وكذلك مَنْجَنُونٌ، تقول: مُنَيْجينٌ وهو من الفعل: فُعَيْلِيلٌ.

قال أبو علي: النون الثانية في مَنْجَنون أصل وليست بزيادة، كما كانت التي في منجنيق زائدة، فمنجنيق رباعيّ ومَنْجَنون خماسيّ بمنزلة عَرْطلِيلٌ إلاّ أن الزيادة هنا واو، وثَمَّ ياءٌ، والذي عُلِم منه أن النون الثانية من منجنون أصل أنها تثبت في التكسير في قولك: مَناجِي، ومَناجينُ، ولو كان النون زائدًا أعني الثانية لقلت في تكسيره مَجانين كما قلت: مَجانيقُ فحذفتها، فالمحذوف من النّونات من (مَنْجَنون) الثالثة التي بعد الواو، حذفت هي مع الواو لتمام التصغير دونهما فلزم أن يقال: مُنَيْجنٌ كما تقول: عُرَيْطِلٌ، فإن عوّضت قلت: مُنَيْجينٌ، وأنت في التعويض وتركه بالخيار، لأن الرّابعة ليست برابعة.

قال: وإذا حقَّرت الطُّمأنينة والقُشَعْريرة قلت: طُمَيْئنةٌ تحذف إحدى النّونين. قال أبو علي: تحذف النون الثانية من طمأنينة، لأن مثال التصغير يتم دونه، وأنت في العوض وتركه بالخيار. قال: وإذا حقَّرت قِنْدَأوٌ، حذفت الواو لأنها زائدة كزيادة ألف حَبْرَكَى. قال أبو علي: حقَّرتَ (قِنْدأوٌ) فحذفت الواو، قلت: قُنَيْدِيّ، وإن عوّضت قلت: قُنَيْدِئيٌّ، وإن حذفت النون من (قِنْدأوٍ) قلت: قُدَييّ، مثل قُديِّع ورأيت قُدَيئِيًا، وإن عوضت قلت: قُدَيْئِيٌّ مثل: قُدَيْعِيٌّ، وإن كسَّرت

على حذف النون قلت: قُدائِيّ مثل قُداعِيّ، وإن كسرت على حذف الواو قلت: قَنائِد، وإن عوضت قلت: قَنائِيد. قلت: وإذا حقَّرت إبراهيم وإسماعيل قلت: بُرَيْهيمٌ، وسُمَيْعيلٌ. قال أبو العباس: قال أبو عثمان: الهمزة لا تزاد في الأربعة ولا في الخمسة، وأنا أقول: أبَيْرِيهٌ، لأن الألف رابعة. قال أبو علي: لو لم يحذف الميم من مُجَرْفَسٍ ومُكَرْدَسٍ لاحتيج إلى حذف حرف أصلي.

هذا باب بنات الخمسة

هذا باب بناتِ الخمسة قال: لأن ما يُشبه الزوائد ها هنا بمنزلة ما لا يشبه الزوائد. قال أبو علي: ذلك لأنه ليس بزيادة وإن كان من مخرج حرف زائد وكان هذا في النون أسهل، لأنه نفسه حرف زيادة، وإن كان في خَدَرْنَقٍ أصليًا، لأنه لم يقم على زيادته هنا دليل من اشتقاق ولا من مخالفة بنائه بناء الأصلي.

هذا باب ما ذهبت لامه

هذا باب ما ذهبت لامُه قال: ومثل ذلك في: ذِهْ: ذُيَيَّة لو كانت امرأة، لأن الهاء بدلٌ من الياء. قال أبو علي: الهاء بدل من الياء التي هي عين، كما أن ميم (فم) بدلٌ من الواو التي هي عين. قال أبو علي: لأن الهاء ليس مما يؤنث به والياء يؤنث به، تقول: أنتِ تفعلين، فأما قولك: هذِهِي، وذِهي، فالياء زائدة، زيدت لخفاء الهاء كما تزاد بعد الهاء التي هي علامة الضمير.

هذا باب تحقير ما كانت فيه تاء التأنيث

هذا باب تحقير ما كانت فيه تاء التأنيث قال: وليس ببدل لازم كياء (عيدٍ). قال أبو العباس: ياء (عيدٍ) عنده مبدلة من الواو بدلاً لازمًا، والدليل على ذلك قولهم: أعْيادٌ، وليس في أعْيادٍ ما تقلب له الواو ياء. قال أبو العباس: قيل: أعياد ليفرق بين جمع عُودٍ وعيد. قال: وإنما يجمع الاسم الذي هي فيه، أي التاء، كما يجمع ما فيه الهاء. قال أبو علي: يقول: إنّ (بِنْت) ونحوه يجمع بالألف والتاء فتحذف منه التاء كما أن (ثُبَةً) ونحوه مما فيه الهاء للتأنيث إذا جمع بالألف والتاء حذف منه الهاء. قال: وإنما لحقت بعد ما بُني الاسم ثم بني بها بناء بنات الثلاثة بعدُ، فلما كانت كذلك لم يحتمل أن تَثْبُت مع الحرفين، يعني الهاء والعين، حتى يصير معها في التحقير على مثال (فُعَيْلٍ)، كما لم يجُز ذلك

للهاء. قال أبو علي: يقول: لو ضُمَّت هذه التاء إلى ما سقط لامه كما ضم إليه الهاء سقط في التصغير، ولم يثبت في الاسم إذا كسر للتصغير ثبات ما هو أصل. وقال أبو علي أيضًا: يعني أن هذه التاء في (أخْتٍ) لم يُكسر الاسم في التصغير عليها فتقول: أخَيْتَةٌ، كما لم تكسِّره للتحقير على الهاء التي في (ثُبَةٍ)، فتقول (ثُبَيَّة)، ولكنك تردّ اللام في (أختٍ) كما رددته في (ثُبَةٍ) فتقول: (ثُبَيَّة). قال: فإذا جئت بما ذهب من الحرف حذفتها، وجئت بالهاء لأنها العلامة التي تلزم لو كان. قال أبو علي: الحرف الذي يلحق للتأنيث في مثل حَمْدَةٍ وما أشبهه هو تاءٌ وإنما تقلب في الوقف هاء، والدليل على ذلك أن من الناس من

يجعله في الوصل والوقف تاء، فأما تاء أختٍ فإنها للتأنيث، كما أن هذه التاء له. يدلك على أنها للتأنيث أنها لا تلحق إلا حيث لو كان الاسم غير ناقص كان هاء، فالتاء التي في أختٍ هي التي في حَمْدَة إلا أن الفصل بينهما أن هذه تقلب في الوقف هاء، والتي في أخْتٍ في الوصل والوقف سواء، لأنه لما جعل للإلحاق صار بمنزلة ما هو من نفس الكلمة. قال: ومن العرب من يقول في هَنْتٍ: هُنَيْهَة، وفي هَنٍ هَنَيْهٌ يجعلها بدلاً من الياء. قال أبو علي: يعني أن يجعل الهاء من هُنَيْهة بدلاً من الياء التي هي لام محذوفة في هَنٍ.

قال: ولأنهم لا يؤنِّثون بالتاء شيئًا إلا شيئًا علامته في الوصل الهاء. قال أبو العباس: قوله في الأصل الهاء، أي يوقف عليه بالهاء. قال: كما لا تكون علامة ما يجيء على أصله من الأسماء التاء كذا قول الخليل. قال أبو علي: يعني أن التاء لا تكون علامة لما يجيء على أصله من الأسماء لأنها إذا جاءت على الأصل انقلبت في الوقف هاء.

هذا باب تحقير ما حذف منه ولا يرد في التحقير

هذا باب تحقير ما حُذِف منه ولا يُرَدُّ في التحقير قال: فمن ذلك قولك في مَيْتٍ مُيَيْتٌ، وإنما الأصل مَيِّتٌ، غير أنّك حذفت العين. قال أبو علي: الدليل على أن العين المحذوفة ظهور الياء التي في فَيْعل، ولو كانت ياء فَيْعَل المحذوفة دون الياء المنقلبة عن العين التي هي واوٌ لقلت: (ماتٌ) ولم تقل (مَيْتٌ)، فأظهرت الواو دون الياء، وقلبتها ألفًا لأن العلة التي لها انقلبت الواو مرتفعة، وهي وقوع الياء الساكنة قبلها، وإذا حذفت ياء (فَيْعَل) لم يجب أن تنقلب الواو ياء ولم يوجب انقلابه شيئًا، فيُعلم بقولك: مَيْتٌ وهَيْنٌ أنّ المحذوف من بنات الياء أيضًا هو العين، فليس يُعلم أن المحذوف منه هو العين، والياء ياء فَيْعِل كما كان المحذوف في نظيره من بنات الواو العين، فميْتٌ: فَيْلٌ، وتصغيره: فُيَيْلٌ.

قال: غير أنّهم حذفوا الهمزة كما حذفوا ياء مَيِّتٍ وكلاهما بدل من العين. قال أبو العباس: قوله كلاهما بدل من العين، يعني أن الياء في مَيِّتٍ الثانية بدلٌ من الواو والهمزة في (هائر) بدل من واو، ولأنك تقول: هارَ يهورُ، ومات يموتُ، فكلا المحذوفين عينٌ. قال أبو علي: هارٍ: فال، لأن عينه محذوفة، وهذا ألفُ فاعل، وتحقيره: هُوَيْرٌ على (فُوَيْلٌ)، الواو منقلبة عن ألف (فاعِل) كما تنقلب عنها في (فُوَيْعِل) وفي التكسير (فَواعِل). قال: ومن قال هُوَيْئِرٌ فإنه لا ينبغي لك أن تقيس عليه، كما لا تقيس على من قال: أبَيْنُونَ، وأنَيْسانٌ، إلا أن تسمع من العرب شيئًا فتؤدِّيه، وتجيء بنظائره مما ليس على القياس. قال أبو علي: كان قياس تصغير (أبْنى) أن يكون أبَيْنًا، والأشبه أن يكون لما جمع (ابن) على (أفْعال) حذفت الألف الزائدة كما تحذف من الممدودات فيقصرن في الشعر وضروب الجمع وكما يقصر سائر الجموع، فتُحذف منها حروف المد نحو: أُسْدٍ وفُلْكٍ، لأن عندهم أنه كان (أسُدًا) جُمع على (فُعُولٍ)، ثم قصرت المدة فصار (فُعُل)، ثم خُفّف كما يخفف (رُسُلٌ)، فكذلك (أبْناء) كأنه قصرت مَدَّته فصار (أبْنى)، ثم انقلبت ألفًا

لزوال العلة التي لها كانت انقلبت اللام همزة وفي وقوعها طرفًا بعد ألف زائدة، فصار (ابنًا)، ثم صغرته فقلبت الألف المنقلبة عن الواو التي هي لام ياءً لانكسار ما قبله، فصار (أبَبْنيّ)، على وزن (أفَيْعِل)، فزالت دلالة الجمع عنه، فألحق به الواو والنون دليلاً للجمع، لأن الواو والنون قد تكون للجمع القليل، كما أن أفْعالاً للجمع القليل، ولما ألحقت الواو والنون سقطت الألف التي قدرناها منقلبة عن اللام لالتقاء الساكنين فصار أبيْنُون في التصغير وهو خارج عن القياس، وهذا وجٌ يخرجه وردّه إلى القياس. قال: ومثل ذلك رجلٌ يُسمّى بـ (يَضَعُ)، تقول: يُضَيْعٌ، أي لا تقول: يُوَيْضعُ إلا على قول من قال: هوئير في تصغير هارٍ.

هذا باب تحقير كل حرف كان فيه بدل فإنك تحذف ذلك البدل ويرد الذي من أصل الحرف إذا حقرته

هذا باب تحقير كل حرف كان فيه بدلٌ فإنّك تحذف ذلك البدل ويُردّ الذي من أصل الحرف إذا حقَّرتَه قال في قولهم: عيدٌ وأعيادٌ: فصار بمنزلة همزة (قائِلٍ). أي لزم الياء المبدلة في (عيد) من الواو في التصغير كما تلزم الهمزة المبدلة من واو (قائل) في التصغير في قولك: (قُوَيْئِلٌ)، ولا ترد واحدًا منهما إلى أصله. قال: وإذا حقّرتَ قِيٌّ. قال أبو علي: (قِيٌّ) اجتمع فيه شيئان يقلبان الواو ياءً: أحدهما: أنها ساكن وما قبلها مكسور. والآخر: أنها ساكن قبل ياءٍ.

إلا أن الذي قلب هنا الواو ياءً هو انكسار ما قبلها، لأن القلب مضى فيه قبل حروف العلة الثانية، ألا ترى أنّ مثل (مِعاد) في أن الكسرة قلبت الواو الساكنة ياءً؟!. قال: ومن ذلك أيضًا عَطاءُ وقَضاءُ ورشاء، تقول: عُطيّ وقُضَيّ. قال أبو علي: لامات عَطاء وقضاء ورَشاء ونحوهنّ ينقلبن همزات إذ وقَعْنَ أطرافًا بعد ألف زائدة، فإذا صغرت فالقياس أن يُقال فيه: عطيِّيٌ مثل (جُمَيِّل)، فتجتمع ثلاث ياءات: الأولى ياء التصغير، والثانية: المبدلة من ألف (فَعال)، والثالثة: لام الفعل، فتحذف الثانية حذفًا، فيصير على مثال (فُعَيْل)، ولا تثبت في التصغير الهمزة التي كانت في واحدة، لأن إبدال هذه اللامات همزة ليست بلازم، إنما تبدل لما تقدم، فإذا زالت تلك العلة لم تبدل، فلهذا لم يقل: عُطِيئيٌ كما قلت في تكسيره عَطاء.

قال: ولو كانت كذلك لكان الحرفُ خليقًا أن تكون فيه ألاية. قال أبو علي: لو كانت اللام من (الاءةٍ) ياءً انقلبت الهمزة عنها ولم تكن الهمزة أصلية لكان جائزًا أن يقال: ألايَةٌ فتظهر اللام ياءً إذا بُنيت الكلمة على التأنيث، كما أن (عَباءَة) لما كانت اللام ياء والهمزة منقلبة عن ياء ظهرت الياء التي هي لام في (عَبايَة) لما بُني على التأنيث فإن لم تظهر الياء في (ألاة وأشَاة) كما ظهرت فيما ذكرنا إذا بُني على التأنيث دليل على أن اللام همزة ليست بمنقلبة، ومعنى قولهم مبني على التأنيث، أن (عَبايَة) لم يقل أولاً (عَباءٌ)، ثم أدخلت التاء بعد مضي القلب فيه، إنما بني في أول حاله، وصيغَتْ صياغة التأنيث، فلم يقع اللام فيه طرفًا بعد ألف زائدة، إنما الذي وقع طرفًا هو تاء التأنيث، وعَباءَة بني على التذكير فوقعت الياء طرفًا بعد الألف الزائدة، فقلبت همزة، ثم أدخل تاء التأنيث على التذكير وقد مضى القلب في اللام.

قال: وأمّا النّبي فقد اختلفت العرب فيه فمن قال: النُّباءُ قال: كان مُسَيْلَمَةٌ نُبَيِّيءَ سَوْءٍ. قال أبو علي: نَبِيّ، فَعِيلٌ من النَّباءِ، إلا أن الهمزة فيه ألزمت التخفيف كما ألزمته في بَرِيَّة والذرِيَّة في قول من جعلها فُعِّيلة من ذَرَأ، وإذا صغّر قيل: نبَيءٌ فرجعت الهمزة التي كانت خففت في الواحد، وأدغمت الياء الأولى التي للتصغير في فَعْيَل. قال: ذا القياس لأنه مما لا يلزم. قال أبو علي: يعني التخفيف. قال: ومن قال: أنبياء قال: نُبَيّ سَوْءٍ كما قال في عيدٍ حين قالوا: أعْيادٌ: عُيَيْدٌ.

قال أبو علي: جعله مثل عُطَيّ، والأصل في نُبَيّ عند سيبويه الهمزة، وإنما لم يرد الواو في تصغير نُبَيّ على قول من قال: أنْبِياءَ وإذا كان أصله الهمزة، كما لم ترد الواو في (عِيدٍ) فيقال: (عُوَيْدٌ) وإن كان أصله الواو. قال: وأمّا الشّاءُ فإنّ العرب تقول: شُوَيٌّ. قال أبو علي: يقولك إن (شاءً) وافقَ (شاةً) في أن فيه بعض حروفه، كما أن (سواسِية) ليس من (سِيّ) وإن كان فيه بعض حروفه. قال: والدليلُ على هذا قولهم: شُوَيُّ.

أي لأنه لو كان من لفظ (شاةِ) لكان شَوِيهٌ. قال: وأما من قال: دَيامِيسُ، ودَيابِيجُ فهي عنده بمنزلة واو جِلْواخ وياء جِرْيال.

هذا باب تحقير ما كانت الألف بدلا من عينه

قال أبو علي: أي في هذه الواو والياء تاليين للإلحاق، كما أنّ الياءين في دِيماسٍ وديباجٍ للإلحاق. قال: ولو سميت رجلاً: ذوائبَ لقلت: ذُؤَيْئِبٌ، لأن الواو بدل من الهمزة التي في ذُؤابَة. قال: يريد أن الواو في قولك: (ذَوائب) بدل من الهمزة التي هي عين في (ذُؤابة) وكان القياس (ذأاإب) مثل ذَعاعِب إلا أنه أبْدِلَ من الهمزة واوٌ لاجتماع ثلاثة أحرف متجانسة، وفي التصغير ليس تجتمع هذه المتجانسة، فلا يلزم البدل. ... هذا باب تحقير ما كانت الألف بدلا من عينه قال: ولو حَقَّرْتَ رجلاً اسمه سارَ أو غابَ، لقلت: غُيَيْبٌ وسُيَيْرٌ لأنّهما من الياء، ولو حقّرت السَّارَ وأنت تريد السّائر لقلت: سُوَيْرٌ. قال أبو علي: (السّارَ) إذا أردت به السَّائر كقوله:

. وهي أدماءُ سارُها فوزنه (فالٌ)، فلو صغّرته لقلت: (سُوَيْرٌ)، ولم تقل: (سُؤَيْرٌ)، لأن الألف ليست الهمزة التي هي عين الفعل من (سائر)، إنما هي ألف فاعل الزائدة التي تقلب واوًا في التصغير والتكسير، وكذلك لو جعلت (السّار) محذوفًا من (سائر) الذي هو فاعل من (السير) لقلت في تصغيره (سُوَيْر) ولم تقل: (سُيَيْرٌ)، لأن الألف ليست منقلبة عن الواو، (والسّائر) الذي يقال لما يبقى من الشيء: رأيتُ زيدًا وسائرُ من في الدار عينُه همزة كذلك. قال أبو إسحاق: (سائر) الذي هو فاعل من السير عينُه ياء، وهُمِزَتْ هذه الياء لسكون ما قبلها وسكونها لجريه على باعَ وسارَ.

قال: وسألتُ الخليل عن (خافٍ ومالٍ) في التحقير فقال: (خافٍ) يصلح أن يكون (فاعِلاً) ذهبت عينُه، وأن يكون (فعِلاً)، فعلى أيّهما حملته لم يكن إلا بالواو. قال أبو علي: إنما لم تُقلب الألف من (خاف ومال) إلاّ إلى الواو في التصغير، لأنّه لا يخلو من أحد ضربين: - إما أن يكون (فَعِلاً) فانقلبت الواو ألفًا لتحركها وتحرك ما توسطته، فإذا صغّرت وجب أن ترجع الواو التي هي عين من (خَوَّفْتُ وتموَّلَ). - وإما أن تكون الألف ألف (فاعِل)، وهي أيضًا تُقلب في التصغير والتكسير واوًا فعلى أي الأمرين حملته وجب أن تُظهر في التصغير الواو دون الياء، إلا أنه إذا كان الواو منقلبة عن ألف (فاعِل) فوزنه (فُوَيْلٌ)، وإن كانت عن العين فوزنه (فُعَيْل).

قال: وأما (مالٌ) فإنّه (فَعِلٌ)، لأنهم لم يقولوا: (مائِلٌ) ونظائره في الكلام كثيرة، فاحمله على أسهل الوجهين. قال أبو علي: قوله: وأما (مالٌ) فإنه (فَعِلٌ)، يريد أن قوله: (رَجُلٌ خافٌ) احتمل أن يكون (فَعِلاً)، وأن يكون (فاعِلاً) محذوف العين، أما احتماله أن يكون فَعِلاً فذا الفعل يجيء اسم الفاعل منه على (فَعِل)، نحو فَرِقَ يَفْرَقُ فهو فَرِقٌ، وخافَ يخافُ على هذا الوزن، فلذلك احتمل أن يكون خافَ: فَعِلاً. وأما احتماله لأن يكون فاعِلاً فإنه قد سُمِع (خائفٌ) من خافَ يخافُ، كما سُمِع سامِعٌ من سَمِعَ، (وفاعِل) من نحو هذا تحذف عينه كما حذف (هارٌ)، و (لاعٌ) وما أشبهه، فاحتمل لذلك أن يكون (خافٌ) (فاعِلاً) محذوف العين، وللأول أن يكون (فَعِلاً)، (فأمّا رجلٌ مالٌ) فلم يقل فيه مائِلٌ فيحكم أنه فاعِلٌ محذوف العين، فإذا لم يسمع منه فاعِل حكمْتَ أنّه (فَعِلٌ) ولم تحكم على حذف شيء منه إلا بثَبَتٍ، وحمله على (فَعِلَ) وهو أسهل الوجهين على ما ذكر.

هذا باب تحقير الأسماء تثبت الأبدال فيها، وتلزمها

هذا باب تحقير الأسماء تثبتُ الأبدالُ فيها، وتَلزمُها وذلك إذا كانت أبْدالاً من الياءات والواوات التي هي عَيْناتٌ نحو قائِلٌ قُوَيْئِلٌ فليست هذه بمنزلة التي هي لامات، لو كانت مثلهنّ لما أبدلوا. قال أبو علي: يقول: لم تُبدل هذه العينات من حيث أبدلت اللاّمات، لأنّها لو أبدلت من حيث اللاّمات لم يلزم إبدالها، لأنّها لم تقع طرفًا، واللاّمات إذا لم يَقَعْنَ طرفًا لم يلزم إبدالهنّ، وذلك إذا بُني الاسم على التأنيث أو التثنية لم يلزم أن يرجع مُبدلها في التصغير كما رجع مُبدل اللام في التصغير، لكن يلزم البدل في التصغير كما لزم قبله.

قال: فهذه الهمزة بمنزلة همزة ثائِرٍ وشاءٍ. قال أبو علي: يقول لما لزمت بدلاً من الياء والواو صارت بمنزلة الهمزة التي هي أصل، نحو التي في (ثائِرٍ). وفي ذكر (شاءٍ) هنا كالنَّصِّ في أن الهمزة من شاءٍ لامٌ. قال: وكذلك (فَعائِلُ) لأن علته كعلة (قائِلٍ)، وهي همزة ليستْ منتهى الاسم ولو كانت في (فُعائل) مثل حُطائِط لو كسرته للجمع لقلت: حُطائِط، فإذا جمعت فَعائِلَ جمع التكسير، فلفظ التكسير كلفظ الواحد، لأن ألف التكسير تلحق ثالثة وثالث الاسم ألفٌ يجب حذفها، كما يحذف من مُباركٍ، فإذا حذفت أثبتَّ الألف التي للجمع، فوافق الواحد الجمعَ في اللفظ.

هذا باب تحقير ما كان فيه قلب

هذا باب تحقير ما كان فيه قَلْبٌ قال: ومثل ذلك أيْنُقٌ، إنما هي أنْوُقٌ في الأصل، وأبدلوا الياء مكان الواو وقلبُوا. قال أبو علي: ليس في (أيْنُق) شيء يوجب قلب الواو ياءً كما في (قِيل) وأشباهه لكنه قلب قلبًا، ويجوز أن تكون الياء زائدة ألحقت عوضًا من حذف الواو التي هي عين، فلا تكون منقلبة عن الواو، فأيْنُقٍ على ما ذكره سيبويه وزنه أعْفُل، وتصغيره: أعَيْفِل، لأنه جعل الياء منقلبة من الواو التي هي عين، فإن قدّرت في الياء أنها زيدت زيادة ليست بعوض من العين فوزنه (أيْفُلٌ)، وتصغيره (أيَيْفِلٌ) تلفظ بالياء الزائد في الوزن لفظًا. قال: وكذلك مُطْمَئِنٌّ إنما هو من طامَنْتُ، فقلبوا الهمزة.

قال أبو علي: طَامَنَ، فعْلَلَ في الأصل، فإذا قُلِبَ صار طَمْأنَ، فَلْعَلَ ومُطْمَئِنٍ: مُفْلِعِلٍ وتصغيره: طُمَيْأنٌ، فُعَيْعَلٌ، وطُمَيئينٌ، فُلَيْعيل. قال: ومثل ذلك قولهم: أكْرَهُ مَسائِيَتَكَ. قال أبو علي: جمعْتَ مَساءَةً، والأصل مَساوِئ، وزنه مَفاعِل، ثم قلبت فصار (مسايِؤٌ) على وزن (مَفالِعٌ)، ثم أبدلت الواو التي هي عين أخِّرت إلى موضع اللام، لانكسار ما قبلها، فصار مَسائِيءٌ، ثم تحذف الياء حذفًا على مذهب سيبويه فيلحق التنوين بدلاً منها فصار (مَساءٍ)، وعلى قول يونس وعيسى: (مَسايِيٌّ)، ولا تحذف الياء على قولهم: ثم تلحقه الهاء كما فعلت ذلك في البرابِرَة فصارت مَسائِية، فإن حقرته اسم رجل قلت: مُسَيْئِيَةٌ على وزن مُفَيْلِعَةٌ.

هذا باب تحقير كل اسم كانت عينه واوا وكانت العين ثانية أو ثالثة

هذا باب تحقير كل اسم كانت عينُه واوًا وكانت العين ثانية أو ثالثة قال: وفي أرْوَيَّةٍ: أرَيَّةٌ، وفي مَرْوِيَّةٍ: مُرَيَّةٌ، واعلم أن من العرب من يُظهر الواوَ في جميع ما ذكرناه. قال أبو العباس: من كان أرْوَى عنده (أفْعُل)، قال في أرْويّة: أرَيَّة على أسَيِّد وأرَيْوِيَةٌ على أسَيْوِدٍ، ومن كانت أرْوى عنده (فَعْلى) لم يقل في أرْويّة إلا أرَيَّة، لأن الواو في موضع اللام على هذا القول، وإليه كان يذهب الأخفش.

قال أبو علي: من كان أرْوَى عنده أفْعَل، كانت أرْوَيَّة: أفْعُولَة، أصله أرْوُويَةٌ، قالوا: والثانية واو أَفْعُولة، وقعت ساكنة قبل ياء فلزم انقلابها ياءً، ولما لزم انقلابها ياءً وجب أن يبدل من ضمة عين أفْعُولة كسرة، فصار أرويَّة، فإن صغّرته على هذا قلت على قول من قال: أسَيْوِدٌ أرَيْوِيَة، فيصير على مثال فُعَيْعِيل، ووزنه أفَيْعيلَة، وإن صغّرته على قول من قال: أسَيِّد أرَيْويَة، فيصير على مثال فُعَيْعيل، ووزن أفَيْعِلَة، وإن صغّرته على قول من قال: أسَيِّد قلت: أرَيَّة، وكان أصله: أرَيِّيَة، الياء الأولى للتصغير والثانية عين الفعل التي انقلبت ياء، والثالثة واو أفْعُولة التي قلبت قبل التصغير لوقوعها ساكنة قبل ياء، والرابعة لام الفعل، فاجتمعت أربع ياءات، فحذفت اثنتين منها كما حذف من بُختيّة إذا نسبت إليها اثنتين لاجتماعهن، ومثل ذلم مَرْوِيَّة إن صغَّرته على أسَيِّد قلت: مُرَيَّة، والأصل مُرَيِّيَةٌ، فحذفت اثنتين كما حذفتهما من أرَيِّيَة، وإن صغَّرته على أسَيْوِدٍ قلت: مُرَيْوِيَة. ومن كان أرْوَى عنده (فَعْلى) قال في (أرْويَّة) أنه فُعْلِيّة، فإن صغَّرته وهو فُعْلِيَّة لم تقل فيه إلا أريَّة ولم يجز فيه أريوِيَة، لأن اللام واو، فكما لا يجوز في عُرْوَةٍ عُرَيْوَةٌ، فكذلك لا يجوز على هذا القول في أرْوِيّة: أرَيْوِيَة. وكان الأصل فيمن جعل أرْويّة فُعْلِيَّة أن يقول: أرَيْوِيَة، إلا أنّه لما كان اللام واوًا، لزم أن يقلبه ياءً، ولم يجز فيه قول من يقول: أسَيْوِدٌ، لأن الجميع يقلبون اللام ياء، فيجب على هذا أرَيِّيَةٌ، ثم تحذف ياء (فُعْلَيَّة) فيبقى أرَيَّةٌ، وزِنَتُه من الفعل على هذا القول: فُعَيْلَةٌ، وعلى القول الآخر: أفَيْعَةٌ هذا شرح بنائه وتصغيره.

فأما وزن (أرْوى بأفْعَل)، إن جاء منونًا فهو أجود، لأن الهمزة إذا جاءت أولاً في كلمة على أربعة أحرف، وجب أن يحكم بزيادتها حتى يقوم دليل على أنه أصل كنحو ما قام في (أوْلَقٍ)، فتمثيل أرْوَى على هذا بِفَعْلى بعيدٌ جدًا من الجواز إلا أن يكون أريد به الإلحاق كأرْطَى، فقد تكون على هذا الهمزة أصلاً كما أنها في أرْطَى أصل وإن لم يجئ منونًا كأن أصله (فَعْلَى)، لأنه لو كان (أفْعَل) لنوِّن لأنه نكرة، كما ينون (أفْعَى) وما أشبهه من الأسماء النكرات غير الصفات التي تجيء على (أفْعَل). قال: واعلم أن الواو إذا كانت لامًا لم يجز فيها الثبات في التحقير على قول من قال: أسَيْوِدٌ.

قال أبو علي: الإعلال تغييرٌ، ومعلوم أن اللام يلحقه التغيير أكثر لما يُحذف فيه من حركات الإعراب، فإذا لحقه التغيير أكثر كان في الإعلال أقعد، إذ الإعلال تغيير، ولا يلحق العين من الإعلال ما يلحق اللاّم، لأن هذه الحركات لا تعتقب عليها، ومما يُبَيِّن أن اللامات أضعف من العَيْناتِ أنّها عُدلت بالحركات فحُذِفَت كما يحذَفْنَ في قوله: ({لمْ} يَغْزُ، ولمْ يَرْمِ)، والحركة أضعف من الحروف، فما عُدِلَ بها يجب أن يكون مثلها، والواو إذا كانت عَيْنًا لم تعدل بالحركة فتحذف كما تحذف، فأمّا التي هي عين لالتقاء الساكنين في مثل قِيلَ، فإن التي هي لام قد تحذف أيضًا لها في مثل: هُوَ يرمي القومَ. قال: وفي عَشْواءَ: عُشَيَّاءُ، فهذه الواو لا تثبت كما لا تثْبُتُ في (فَيْعِلٍ) ولو جاز هذا لجاز في غَزْوَةٍ: غُزَيْوَةٌ.

قال أبو علي: قول: ولو جاز هذا، أي لو جاز أن تصح اللامات التي هي واوات، إذ لم يَقَعْنَ طرفًا كما صححت العينات في نحو أسَيْود لقلت في غَزْوٍ غُزَيْوٌ، فصححت الواو لأنها في غُزَيْوٍ لامٌ، كما أنك في عَشْواءَ لامٌ، فإنْ صححتها فيها لزم أن تصححها في غَزْوٍ إذا حقرت لاجتماعهما في أنهما لامان. قال: وهاء التأنيث بمنزلتها لو لم تكن. قال أبو علي: يقول: لا تتوهم أن تصحيح اللام في غُزَيَّة جائز، لأنه ليس بطرف كما جاز في أسَيْوِد، لأن هاء التأنيث بمنزلة المنفصل من الاسم وكذلك الياء المقصورة والممدودة وياء الإضافة بمنزلتهن في هذا. قال: وإذا كان الوجه فيما يثبت في الجمع أن يبدل، فهذه الميْتَةُ التي لا تثبت في الجمع لا يجوز فيها أن تثبُت. قال أبو علي: إذا جمعت المَيْتَةَ: (فَعالَة) مكسّرًا قلت: فَعائِل، وذلك أنه يجتمع ساكنان، ألف (مَفاعِل) التي للجمع، وألف (فَعالة)، فتحرك الألف فتنقلب همزة، ثم تبدل واو (عَجُوزٍ) وياء (صَحيفَةٍ) إذا كسرتا همزة وإن لم يكونا ألفين، لأنهما يوافقان الألف في المدّ، وفي أنهما لم يجيئا للإلحاق كما لم تجئ هي أيضًا له، هذا إن لم يكن لفظ فهو مذهبُه.

هذا باب تحقير بنات الياء والواو اللاتي لاماتهن ياءات وواوات

قال: وأمّا مُعاوية فإنّه يجوز فيه ما جاز في أسَيْوِد. قال أبو علي: إذا صغرت مُعَوْية على قول من قال: أسَيِّد قلت: مُعَيَّةٌ وكان يجب أن يقال: مُعَيِّيَةٌ، تقلب الواو التي هي عين مفاعلة ياءً لوقوع ياء التصغير الساكنة قبلا، وتثبت الياء التي هي لامٌ بعدها لكن حذفت التي هي لام كما حذفت في تصغير عَطاء لاجتماع ثلاث ياءات فيبقى مُعَيْيَة: مفَيْعَة، فإن حقَّرته على قول من قال: أسَيْوِدٌ قلت: مُعَيْوِيَةٌ، ولم يلزمك حذف اللام. ... هذا باب تحقير بنات الياء والواو اللاتي لاماتُهنَّ ياءات وواوات قال: وكذلك (أحْوَى) إلا في قول من قال أسَيْوِدٌ، ولا تصرفْه، لأن الزيادة ثابتة في أوله.

قال أبو علي: أحْوَى وأحْمَر وما أشبههما لا ينصرف في النكرة لأنه على وزن الفعل وهو صفةٌ، فإذا حقَّرت أحْوَى وأحمر على قول من قال: أسَيِّد قلت: أحَيٌّ، فحذفت لام الفعل لاجتماع ثلاث ياءات، ولا يجوز صرفُه، وإن حُذفت اللام من، لأن الزيادة التي بها شابَه الفعل ثابتةً فيه وهي الهمزة وإن حُذفت اللام من لعلَّة، ومع ذلك فإن هذه اللامات قد تُحذف من الفعل في نحو (لمْ أرْمِ)، ولا يخرجه ذلك من أن يكون فعلاً؛ فكذلك إذا حذفت مما أشبه الفعل لم تزل عن مشابهة الفعل، كما لم تزل بحذفها الفعلية من الفعل، فلا يخرج هذا عن مشابهة الفعل، وإن حُذفت من اللام كما لا يخرج (يَضعُ) إذا سمَّيت به رجلاً عن مشابهة (يذْهَبُ) وإن حذفت منه الفاء. قال: وأمّا عيسى فكان يقول: أحَيٌّ ويصرفُه؛ لأنه حذف حرفًا كما أنه حذف من أحَيٌّ.

قال: واعلم أن كلّ ياءٍ أو واوٍ أبدل الألف مكانها، ولم يكن الحرف الذي الألف بعده واوًا ولا ياءً. أي: كما أن ما الألف بعده من أحْوَى وأعْيَا، ياءٌ أو واوٌ فإنّها ترجع ياء أي لا يحذف كما حذف من أحَيءٌ. قال: وإذا كانت الواو والياء خامسة وكان قبلها حرف لين، فإنها بمنزلتها إذا كانت ياء التصغير تليها فيما كان على مثال (فُعَيْلٍ)، لأنها تصير بعد الياء ساكنة. أي: فإنّ الواو بمنزلتها إذا كانت ياء التصغير تلي الواو والياء إذا كانت خامسة وقبلها حرف لين في التصغير بمنزلة ما كان على ثلاثة أحرف آخره واوٌ، وقبله ياء التصغير، لأنك إذا صغّرت ما آخره واو خامسة قبلها حرف لين انكسر الحرف الذي قبل حرف اللّين الرابع، لوقوعه بعد ياء التصغير، فإذا انكسر فكان الحرف الذي بعد اللين واوًا قبلها، قُلب الواو ياءً، فصارت الياء المنقلبة عن الواو لانكسار ما قبلها، بمنزلة {ما} إذا أوقعت قبل اللام التي هي واو من (فُعَيْل) في أنها تقلب الواو ياءً لسكونها ووقوعها قبلها كما تقلبه ياء التصغير فصار (مُريْمِيٌّ ومُغيزيٌّ).

بمنزلة (دُلِيهٍ)، فهذا العمل فيه إذا كان الحرف بعد ياء التصغير واوًا، وكان الحرف الخامس أيضًا واوًا. فأمّا إذا كان الحرف الذي بعد الحرف الذي بعد ياء التصغير ياءً وكان الحرف الخامس أيضًا ياءً، لم يحتج إلى أن يقلب ياءً، لانكسار ما قبلها، ولا واوًا لوقوع ياء ساكنةٍ منقلبة عن واوٍ قبلها، لكنك تدع الياءين على ما كانا عليه قبل التصغير. وحكم الألف في أنها تنقلب ياءً لوقوع الحرف المكسور قبلها حكم الواو. قال: وإذا حقَّرت (مَطايا) اسم رجل قلت: (مُطَيٌّ)، والمحذوف الألف التي بعد الطاء كما فعلت ذلك (بقبائل)، كأنك حقَّرت مَطيًا. قال أبو علي: (مَطايا) لامُه ألف منقلبة عن ياء عن واوٍ. وقوله: ومن حذف الهمزة التي في (قبائل)، فإن ينبغي له أن يحذف الياء التي بين الألفين، هذا لأن الياء ففي (مَطايا) بمنزلة الهمزة في

(قَبائل)، وذلك أن (مَطِيَّة) مثل (قَبيلة)، فإذا جمعت فالقياس أن تقول على قبائل: مَطائِي، فتهمز ياء (فَعِيلة) كما همزتها في الجمع، لكن لما أبدل من الياء ألفٌ، أعني من الياء التي في (مَطائِي) كما قلبت من (مَدارا) صار (مَطاأأ)، فاجتمعت متجانسات فأبدلت من الهمزة ياء فصار (مَطايا)، فلذلك صارت هذه الياء بمنزلة همزة (قبائل)، فعلى قول يونس، يجب أن تحذف الياء من (مطايا) كما تحذف الهمزة من قبائل، فتقول: قُبَيِّل، فإذا حذفت الياء صرت كأنك حقرت (مَطاء)، فتقع ياء التصغير ثالثة، ويلزم أن تقلب الألف ياء، وتكسر، وتنقلب الألف التي هي لام أيضًا ياء، فيصير (مُطيِّي)، فتحذف الثالثة كعُطَيّ. وعلى قول سيبويه والخليل تصغيره على هذا اللفظ، إلا أنهما يحذفان الألف التي هي ثالثة حروف (مَطايا).

قال: وكذلك (خَطايا) اسم رجل إلاّ أنّك تهمز آخر الاسم لأنه بدلٌ من همزة فتقول: خُطَيِّيءٌ. قال ابو علي: (خَطِيئَةٌ) وزنُها (فَعِيلةٌ)، والهمزة منها لام، فإذا كسِّر كما يكسِّر ما كان على وزنه وجب أن يبدل من ياء فعيلة همزة كما أبدل منها في صحائِف، واللام همزة أعني لام (خطيئة) فيصير (خَطائِيءٌ) وإذا اجتمع همزتان في كلمة واحدة، أبدلت الثانية منهما بحسب الحركة التي على الأولى، فيلزم على هذا أن تقول: (خطائي)، فتبدل الثانية ياءً لأن الأولى منكسرة، فإذا أبدلتْ صارت ياءً مثل (مَطايِي) في جمع (مَطِيَّة) فيلزم أن تقلب اللام التي هي ياءٌ ألفًا كما قلبت من مَدارى فتصير (خَطاأأ)، فتجتمع ثلاث متجانسات، فتبدل الوسطى ياءً كما قلبت من مَطايا، فإذا صغرته أعني خطايا حذفت الألف أعني ألف (فَعائِل) على قول سيبويه، وأدغمت ياء التصغير في ياء (فعائِل)، وقلبت الألف التي انقلبت عن الياء التي انقلبت عن الهمزة همزة، لأن العلّة التي لها كانت قُلبت اللامُ التي هي همزة ألفًا قد زالت، أعني اجتماع الهمزتين، فلما زالت العلّة بطل المعلول، فرجعت اللام التي هي همزة لزوال الهمزة الأولى التي لها قلبت ياءً؛ ألا ترى أن ياء التصغير صادف الياء من (خَطايا) وهي غير همزة فهذا تصغيره على قول سيبويه وتصغيره على قول يونس أيضًا موافق لذا في اللفظ وإن كان مختلفًا في التقدير، لأن

المحذوف على قوله الياء من (خَطايا)، وفي كلا القولين ترجع الهمزة التي هي لام لزوال العلّة التي لها كانت قُلبت ياءً قلبت ألفًا وهو اجتماع الهمزتين في كلا القولين خُطَيِّيء. قال: وتَردّ الهمزة كما فعلتَ بألف (مِنْساة) ولا سبيل إلى أن تقول (مُطَيْيٍ). قال أبو علي: قوله: وتردّ الهمزة، أي تردّ الهمزة التي هي لام (خطيئة) لأنك إنما قلبتها لاجتماع همزتين في كلمة وتخفيف الهمزة الثانية إذا اجتمعا في كلمة واحدة قلبُها، كما أنّ تحفيف الهمزة الواحدة إذا انفتحت، وانفتح ما قبلها أن تجعل بين الهمزة والحركة التي عليها أنّ الهمزة في (مِنْسَأةٍ) قلبت قلبًا، كما أنّ لام (خَطايا) قلبت قلبًا، وإذا صغر رجع اللام، لأن البدل لم يلزم إلا في اليسير. قال: وإنّما انتهت ياء التصغير إليها، يعني إلى الياء في (مَطايا)، وهي بمنزلتها قبل أن تكون بعد الألف.

قال أبو علي: قوله: وهي بمنزلتها، أي الياء من مطايا بمنزلة نفسها قبل أن تكون بعد ألف الجمع، يعني أنها بمنزلتها في (مَطِيَّة). ... وهذه مسألة أمْلَيْتُها ليس هذا موضعُها قال أبو علي: (عارِيَّة)، لا يخلو من أن تكون (فاعُولَة)، أو (فَعَلِيَّة)، فإن حكم بأنّها فاعُولَةٌ صارت الألف فيه زائدة، وصارت الياء الثانية من (عارِيَّة) التي هي لامٌ مدغم فيها واو فاعُولٍ، وكُسِرت الراءُ التي كان حكمها أن تكون مضمومة لمجاورتها الياء، لأن الواو إذا أدغمت في الياء قلبت ياءً، ثم أدغمت فيه، فلو لم تُبدل من الضمة كسرة لم

تنقلب الواو المدغمة في الياء ياءً، بل بقيت واوًا لانضمام ماقبلها، كما انقلبت الياء من (مُوسِرٍ) (ومُوقِنٍ) واوًا لانضمام الميم قبلها، وهما من اليقين واليسارِ، فكسر هذه الراء هنا مثل كسر العين من (مَفْعُول) إذا كان اللام ياءً نحو (مَرْمِيّ) وكان يلزم على تقدير أن تكون (عاريَّة) فاعُولة أن يكون الفعل (أعْراه كذا) (وأعْرَيْتُكَ كذا)، لأنه إذا قدّر (عارِيَّةً فاعُولَةً)، فقد قدر الإعلال في اللام، فكان يلزم على هذا أن يكون الإعلال في الفعل في اللاّم دون العين، وليس الأمر على ما لزم، لأن الاعتلال في الفعل في العين دون اللام، ألا ترى أنّك تقول: أعَرْتُكَ كذا، وأعارَهُ، فيقع الإعلال في العين، وإنما اللام راءٌ والدليل على أن الاعتلال في العين دون اللام أنّك القيت في (أعارَ) حركة العين التي هي الفتحة على الفاء التي هي عين، فقلت: (أعارَ)، ثم لما حدَّثْتَ بالفعل عن نفسك، وضَمَمْتَ تاء المتكلم إليه سَكنَ لام الفعل كما سُكن (أكرمْتُ)، وقد كانت العين قبل ذلك أسْكِنَتْ أيضًا. وألقيت حركتُها على الفاء؛ فاجتمع ساكنان: العين واللام، فحذفت العين، فبقي (أعرْتُ)، فقد وضح بما قلنا أن (عارِيَّة) لا يجوز أن تكون (فاعُولَة)، وإذا لم يجز أن تكون (فاعُولة) ثبت أنّه (فَعَلِيَّة)، وأن الياء فيه كالياء في (بُخْتِيّ، وقُمْرِيّ) ونحوه مما فيه ياء النسب لا لمعنى إضافة ككُرْسِيٍّ.

قال: وإذا حقَّرت (عَدَوِيٌّ) اسمُ رجلٍ أو صفة قلت: عُدَيِّيٌّ، لا بد من ذا ومن قال: عُدَويٌّ فقد أخطأ. قال أبو علي: (عُدَيِّيٌّ) على وزن (فُعَيليل)، من التصغير، ووزنه من الفعل فُعَيليّ، وتحقير عَدِيّ، عُدَيٌّ، فإذا أضفت إليه حذفت ياء التصغير كما تحذفها من (أميّة)، وقلبتها ألفًا أعني الباقية، ثم قلبتها واوًا فصار (عُدَوِيّ)، كأمَوِيّ وزنه من الفعل: فُعَوِيّ، لأنك كنت حذفت لام الفعل في التصغير لاجتماع ثلاث ياءات فنسبت إليه ولام الفعل محذوف.

قال: وإذا حقرت أُمَوِيّ قلت: أُمَيِّيٌّ كما قلت في عَدَوِيّ، لأن أمَوِيّ ليس بناؤه بناء التحقير، إنما بناؤه بناء فُعَلِيّ. قال أبو علي: أُمَيِّييٌّ وزنه فُعَيْلِيٌّ ولم يجز أن تقل: أمَيْوِيٌّ كما قلت: أسَيْوِدٌ لأن اللام لا تظهر بعد اللام الساكنة كما تظهر العين. وقال أبو علي: يقول: أُمَوِيّ وإن كان قبل الإضافة إليه محقَّرًا، فإذا أردت تحقيره منسوبًا إليه لم يكن من إثبات عَلَم التصغير بُدٌّ، ووزنه من الفعل إذا حقرته: فُعَيليٌّ، ومن مثال التصغير: فُعَيْعِيلٌ، وليس كعُدَويّ، لأن عُدَويّ: فُعَويّ، وإنما خالف عندي أميَّةَ في التحقير، لأن عديًّا اجتمع فيه ثلاث ياءات إحداهن ياء التصغير، والثانية ياء فَعيل والثالثة لام الفعل، فلزم حذف لام الفعل لاجتماع ثلاث ياءات فبقي عُدَيّ على وزن فُعَيّ، فلما أضفت إليه حذفت ياء التصغير لاجتماع أربع ياءات كما حذفته من أمَيّ، فبقيت الياء وهي ياء فُعَيْل، فانقلبت ألفَا لما وليت الدالَ المفتوحة، فكأنّه صار عُدا، ثم قلبت الألف واوًا لحاجتك إلى تحريك ما قبل ياء النسب فقلت: عُدَويّ، فخرج وزنه من الفعل: فُعَوِيّ، وأمَّية لم تجتمع فيه ثلاث ياءات في التصغير، فيلزم حذف لامه. قال: وإذا حقَّرت مَلْهَويّ قلت: مُلَيْهِيّ تصير {الواو} ياءً لكسرة الهاء، وكذلك إذا حقَّرت حُبْلَويّ.

قال أبو علي: تحقير مَلْهَوِي مُلَيْهيٌّ على ستة أحرف، فإذا حُقر فلا بدّ أن تحذف حتى يصير على مثال ما يُصغّر، فيلزم الحذف من الطرف وهي إحدى الياءين، فيصير على خمسة أحرف، رابعه حرف لين. وهو مثال قد يصغَّر مثله، فإذا حذفت إحدى الياءين لزم حذف الآخرين، لأنهما لحقتا معًا، فكأنه يبقى (مَلْهُو)، فإذا دخلت ياء التحقير انكسرت الهاء بعدها فانقلبت الواو التي هي لامٌ ياءً لانكسار ما قبلها فيصير (مُلَيْهٍ) ثم يُعوّض ياءً، أي النسب ياءً، فيصير: مُلَيْهِيٌّ على مثال: فُعَيعِيل، ولو لم تحذف ياءي النسب لقلت: مُلَيْهِي، فيخرج عن مثال التحقير، فعلى هذا يجوز أن تخفف الياء من مُلَيْهِيّ، لأن ما حذف منه ليس برابع فيكون العِوَضُ منه لازمًا فأنت في العوض وتركه بالخياء، فإن قلت: {أحذف} إحدى الياءين أعني ياءي النسب وأبقي الأولى، لأن الثانية قد تحذف وتبقى الأولى في نحو (يَمانٍ) وما أشبهه، فتصير الياء في مُلَيْهى الثانية غير عوض، إنما هي الياء الأولى من ياءي الإضافة، فلا يجوز تخفيفه، ولا يجوز إلا مُلَيْهَى، إذا كانت الياء من نفس الكلمة، فلا يجوز أن تكون الياءُ في مُلَيْهى الثانية الياءَ الأولى من النسب كما كانت له في (يَمانٍ) وما أشبهه، لأنه حيث حذفت الياء الثاني للنسب عوّض منها شيء كتعويضك الألف في (يَمانٍ) (وشَآمٍ) منها، وليس في (مَلْهَوِيّ) شيء يُجعل عوضًا من الياء المحذوفة فيحكم أن الياء الثانية من مَلْهَوِيّ هي هي الأولى للنسب، وإذا لم يكن كذلك جاز فيه التخفيف

والتشديد، إلا أنّه إذا شدّد كان أدلّ على أنه تحقير مَلْهَوِيّ، وعلم أن الياء عوض من شيء محذوف، فلا يلتبس تحقير مُلَيْهوِيّ بتحقير مَلْهَى، وحكم (حُبْلَوِيّ) في التحقير حكم (مَلْهَوِيّ)، إلا أن الواو في (مَلْهَوِيّ) لام، والواو في (حُبْلَوِيّ) بدل من ألف التأنيث. وقال أبو علي: الواو في حُبْلَوِيّ لما انقلبت زالت عن أن تكون للتأنيث، كما أنّها لما كسِّر عليها الاسم في (حَبالى)، زال عن أن يكون علامة التأنيث؛ فصارت وإن كانت زائدة بمنزلة الألف في (مَدارا) التي هي منقلبة عن الياء التي هي لام، فلذلك جاز أن تنقلب الواو من (حُبْلَويّ) في التصغير ياءً، لانكسار ما قبلها، كما جاز أن تنقلب الواو التي هي لامٌ في نحو (مَلْهِيّ) وصارت علامة التأنيث بانقلابها واوًا بمنزلة اللامات التي هي أصول كما صارت في (حَبالى) بمنزلة ألف (مدارا)، فجاز انقلابها كما تنقلب الأصول لذلك؛ ومن هنا قيل في جمع هذا اسم رجل (حبلوي) وفي جمعه اسم نساء: (حُبْلَيات) لمّا زال عن أن يكون علامة التأنيث للانقلاب، ثبت في جمع التذكير والتأنيث. قال: لأنّك إنْ حقّرت وهي بمنزلة واو مَلْهَوِيّ. أي في أن ألف التأنيث قد انقلبت واوًا، كما أنّ ألف مَلْهى انقلبت واوًا فصارت بمنزلة ياء صَحارى، أي في أنها ليست للتأنيث.

هذا باب تحقير كل اسم كان من شيئين أحدهما ضم إلى الآخر فجعلا بمنزلة اسم واحد

قال: لأنّك لم ترد أن تحقِّر (حُبْلى) ثم تضيف إليه، أي إنّما حقَّرته مضافًا إليه، وقد لزم ألفه الانقلاب. ... هذا بابُ تحقير كلّ اسم كان من شيئين أحدُهما ضُمَّ إلى الآخر فجعلا بمنزلة اسم واحد قال في اثني عَشَرَ: إذا حقَّرته قلت: ثُنَيّا عَشَر، كما أنّك إذا حقرت اثْنَيْنِ قلت: ثُنَيّان، لأن (عَشَر) من اثْنَيْ عَشَرَ بمنزلة النون من اثنين. قال أبو علي: هذا لأن (عَشَر) من (اثْنَيْ عَشَر) بمنزلة النون من اثنين، وذلك أنّ الألف والياء إذا ثبتتا في التثنية ثبتت بثباتهما النون، فلم تسقط النون إلا في الإضافة، وليس (اثْنا) مضافًا إلى (عَشَر)، فتسقط النون له، فإذا لم يكن مضافًا إلى (عَشَر)، ثبت أن (عَشَر) بدل من النون إذا لم تثبت معه كما لم يثبت البدل مع المبدل منه، وذا ليس من ذا

الباب. قال أبو علي: التصغير يقوم مقام الصفة، فقولك: (زُيَيْدٌ)، بمنزلة قولك: (زيدٌ صغيرٌ)، فإذا لم يجز أن يوصف الشيء وصف تخليص وتمييز من غيره ولم يكن له باب يشبّه به لم يصغّر كما لا يوصف. قال: واعلم أن علامات الإضمار {لا يحقّرْنَ} من قبل أنها لا تقوى قوة المظهرة. قال أبو علي: لم يُصغَّر من حيث لم يُوصف لأنّه لا يضمر حتى يُعرف، فيستغني عن الوصف.

قال: ولا يُحقَّر أين ولا متى. قال أبو علي: لم تصغّر لمضارعتها الحروف، وصغّر (دون وتحت)، لأنّها أسماء متمكنة غير متضمنة معنى الحروف، ولا قائمة مقامها. قال: وأمّا أمْسِ وغَدٌ فلا يُحقران. قال أبو علي: لم يجز تحقير (أمْسِ) لأنّه مبنيٌّ ولم يبن إلا لمشابهة الحرف، (وغَدٌ) ما أراه يمتنع من أن يُصغّر. قال أبو علي: ليس وضع الأعلام أن تحقر كما أنها لا توصف، وإنما صغِّر ما يكون صغيرًا بالنسبة إلى ما هو أكبر من جنسه. قال: واعلم أنك لا تُحقّر الاسم إذا كان بمنزلة الفعل. قال أبو علي: يقبح تصغير اسم الفاعل إذا أعملته عمل الفعل من حيث يقبح أن تصفه إذا أعملته عمله، وإنما يقبح إذا أعملته عمله أن

تصفه من تصفه من حيث قبح أن توصف الأفعال، وكما لا توصف الأفعال، كذلك لا يوصف ما أقيم مقامه. قال: وكذلك (عنْ ومَعَ)، صارتا في أن لا تُحَقَّرا كَمَنْ. قال: لأن (عَنْ ومَعَ) وإن كانا قد استعملا اسمين فالحرفية عليهما أغلب.

هذا باب تحقير المؤنث

هذا باب تحقير المؤنّث قال: قلت: فما بالُ سَماءٍ قالوا سُميَّة. قال أبو علي: تحذف اللام لاجتماع ثلاث ياءات فيصير إلى بناء الثلاثي، فتلحق هذه الهاء كما تلحق في (قَدَم) مُصغَّرة. قال: وإذا حقّرت امرأة سَقَّاء قلت: سُقَيْقِيٌّ ولم تدخل الهاء لأنّ الاسم قد تَمَّ. قال أبو علي: يعني بقوله: أن الاسم قد تم أنه جاوز الأربعة الأحرف، فلا تثبت فيه الهاء، لأنه لم يقع فيه حذف كما وقع في (سَماءٍ) الحذف، لاجتماع ثلاث ياءات، فثبتت التاء كما تثبت في (سماء).

قال: قلتُ: ما بالُ المرأة إذا سميتْ بحَجَر قلت: (حُجَيْرةٌ)، قال: لأن حَجَرًا صار اسمًا علمًا وصار لها خاصًّا، وليس صفة ولا اسمًا شاركت فيه مذكرًا على معنى واحد فلم تُرد أن تحقِّر الحجر. قال أبو علي: يقول لم يشارك المؤنث المذكر هنا كما شارك المؤنث المذكر في قولك: (رجلٌ رِضًا، وامرأة رضًا) فلا تلحق علامة التأنيث، ولم ترد أن تحقِّره وهو خاص تحقيرك إيّاه وهو عام لغير شخص بعينه.

هذا باب تحقير {الأسماء} المبهمة

هذا باب تحقير {الأسماء} المبهمة قال أبو علي: ألحقت الألف في آخر المبهمات ليُدَل على ما كانت الضّمّة تدل عليه في غير المبهمة، فالألف في آخر المبهمات كالضمة في أوائل غيرها. فإن قلت: ما تنكر أن تكون هذه الألف في (ذَيَّا وذَيّاكَ) لامَ الفعل؟ قيل: لا يجوز ذلك من غير جهة. إحداها: أنها لو كانت لام الفعل لكانت الياء التي قبلها ياء التصغير، لأنها تقع في الثلاثي قبل اللام، ويمتنع أن تكون هذه الياء للتصغير لأنها متحركة وتلك ساكنة؛ وأيضًا فإن ما قبله ساكن والياء المدغم فيه، وما قبل ياء التصغير يكون متحركًا، وأيضًا فإن هذه الألف تزاد فيما لم يحذف منه شيء، كما زيدت في تحقير (ألا) المقصورة، فقيل: أليَّا، فلو كانت لامًا لم تزد هنا، لأن (ألا) على وزن (هُدى) فهو غير ناقص منه شيء فإذا لم يجز أن تكون

هذه الألف التي ألحقتْ في هذه الأواخر من نفس الكلمة لما قلنا: ثبت أنها زيدت دلالة على التصغير. فأمّا (ذَيَّا) فالدليل على أنَّ العين منه محذوفة سكونُ الياء التي بعد الذال، ولو كانت هذه هي العين لوجب أن تكون متحركة، وأن تكون الياء التي بعدها المفتوحة ساكنة، فلما كانت الأولى ساكنة والثانية مفتوحة، عُلم أن العين محذوفة، ويدل أيضًا على أنّ هذه الألف التي في أواخر المبهمة ليست بلام أنّها قد زيدت فيما زاد على ثلاثة قبل آخره، كزيادتهم إياها في الياء {في} تصغير (ألا)، فهذا أيضًا يبيّن أنها ليست بلام. قال: وأمّا (تَيَّا) فإنما هي تحقير (تا)، وقد استعمل ذلك في الكلام. قال أبو علي: يقال للمذكر (ذا)، وللمؤنث (ذي)، فلو حُقِّر المؤنث (ذي)، لصار (ذَيَّا) فالتبس المذكر بالمؤنث، فلما كانت (ذِي) التي للمؤنث تؤدي في التصغير إلى إلباسٍ، حُقِّر (تا)، واستغنى بها عن (ذي).

قال أبو علي: (ألاء) على وزن غُرابٍ، فإذا صغّرته على قياس المبهمة وجب أن تقول: ألييءٌ مثل ألَيِّعٌ، ثم تلحق الألف التي تلحق أواخر المبهمة، فتقول: ألَيَّئا مثل: أليَّعا. قال العباس: (ألا) إنما ألحقت الألف قبل الهمزة فقيل: (ألَياءِ) على مثال (ألَيَّاعِ) خلافًا لأخواتها، لتسلم كسرة (ألاءِ)، لأن الألف لو أُلحقت بعد الهمزة لفُتحت الهمزة وزالت كسرتها التي كانت في مُكبَّرها. قال: وإذا ثَنَّيْتَ حذَفْتَ هذه الألف كما تحذف ألف (ذواتا) {واللَّذان} لكثرتها في الكلام.

هذا باب تحقير ما لم يكسر عليه واحد للجمع

قال أبو علي: يعني في التثنية إذا قلت تانِ، واللّذانِ، وذانِ. ... هذا باب تحقير ما لم يُكَسَّر عليه واحدٌ للجمع قال: وإذا حقَّرت السين لم تقل إلا سُنَيَّاتٌ، لأنك قد رددت ما ذهب فصار على بناءٍ لا يجمع بالواو والنون. قال أبو علي: إنما يجمع كثيرًا هذا الضَّرب الذي سقطت لامه بالواو والنون والياء والنون، لأن جمعه بالواو والنون كأنه عوضٌ من سقوط اللاّم، فسِنُون في التكسير ساقط اللام، فإذا صغرته رَجَعَتْ لامه في التصغير فلم يُقل (سُنَيّون) لأن اللاّم رجَّعها التصغير، وإنما كان يجمع بالواو والنون لسقوط اللام منها، فإن قلت: إن (أرَضين) لم تسقط لامُه وقد جُمع بالواو والنون. فمن الجواب في ذلك أنه يقال: كان يجب أن تكون فيه علامة تأنيث، فلما لم تكن فيه كان جمعه بالواو والنون عوضًا من تلك العلامة،

فإذا صغَّرته ثبتت فيه الألف والتاء، فصارتا تقومان في الجمع مقام تاء التأنيث في الواحد، لأنهما في الجمع بمنزلة الهاء في الواحد. قال: وإذا حقرت (أرَضِينَ) اسم امرأة قلت: أرَيْضُونَ، وكذلك السِّنُونَ لا تُدخل الهاء، لأنّك تحقِّر بناءَ أكثر من ثلاثةٍ. أي فإذا حقَّرت ما كان على أكثر من ثلاثة لم تلحق فيه الهاء مصغَّرًا، ولست تردّها إلى الواحد، لأنك لا تريد تحقير الجمع. قال أبو علي: يقول: لست تُحقِّر الجمع إنما تحقِّر اسمَ واحدٍ. وقوله: ولا تدخلها الهاء أي لا تدخل في سِنُون وأرَضَونَ إذا صغّرتهما اسم امرأة، كما تدخل في قَدَمٍ وقِدْرٍ لو صغرتهما اسمين لامرأتين، لأن (أرَضِينَ) (وسِنِينَ) كل واحد فيهما على أكثر من ثلاثة أحرف، فكما لا تدخل هاء التأنيث فيما كان على أربعة أحرف نحو (عَناق)، كذلك لا تدخلها في (أرَضِينَ وسِنِينَ).

قال: وإذا حقَرت السِّنِينَ اسم امرأة قلت في قول من قال: (هذه سِنِينٌ): سُنَيِّنُ على قوله: يُضَيْعُ، ومن قال: (سِنونَ)، قال: (سُنَيُّونَ) إذا وقعتا في الاسم بمنزلة ياء الإضافة وتاء التأنيث التي في بنات الأربعة لا يُعتدّ بها، كأنك حقرت سِنِيٌّ. قال أبو علي: قول: الواو والنون في (سِنُونَ) بمنزلة التاء في بنات الأربعة فالتاء في بنات الأربعة نحو: (جُنْدَلةٍ)، لا يعتد بهذه التاء إذا صغرتها أي لا تحذفها كما تحذف اللام من (سَفَرْجَل) فتحذفها في التصغير كما تحذف اللام إنّما الهاء بمنزلة اسم ضم إلى اسم، تحقر الصدر وتُدغم الثاني، وكذلك الواو والنون في قولهم: (سنون)، ولا يعتد بها من بناء الاسم كما يعتد بالياء والنون في (سنين) اعتداد ما هو من نفس الكلمة، فتصغّر الاسم أعني في (سِنِينَ) عليه، فيقال: (سُنَيِّنٌ)، ووزنه من أمثلة التصغير (فُعَيْعِلٌ)، ومن الفعل (فُعَيِّنٌ)، فأمّا الواو اللاحقة مع النون في (سِنُونَ) فلا يعتد بها كما اعتُدَّ الياء في (سِنِينَ) اعتداد الأصلي، لكن تصغّر (سِنُونَ) اسم رجل فيقال: (سُنَيُّونَ)، يردُّ اللام في (سِنِينَ)، فيصير وزنه من التصغير والفعل جميعًا (فُعَيْلُون)، ولو رددت اللام في (سِنِينَ) على قياس من ردّ الفاء في (يَضَعُ) فقال: يُوَيْضِعٌ، وفي هارٍ: هُوَيْئِرٌ، لكنت قائلاً: (سُنَيِّينَ)، فخرج وزنه من الفعل: فُعَيْلِينَ، ومن التصغير (فُعَيْعِيل).

قال: وإذا حقّرت (أفْعالٌ) اسم {رجل} قلت: (أفَيْعال) كما تحقرها قبل أن تكون اسمًا فتحقير (أفْعالٍ) كتحقير عَطْشانٍ. قال أبو بكر: لم يقولوا: (أفَيْعُيِل)، ليفرق بين (أفْعال) التي للجمع (وإفْعال) التي للواحد. قال: ولا تُشبِّهُهُ (بِلَيْلَةٍ) ونحوها إذا سميت بها رجلاً ثم حقَّرتها، لأن ذا ليس بقياس، وتصغير (أفْعال) مطرد على (أفَيْعالٍ). قال أبو علي: يقول تحقير (لَيْلَة لُيَيْلِيَة)، ليس بقياس، فإذا سمَّيت به رددته إلى القياس، وتصغير (أفْعال: أفَيْعالٌ) قياس، فتدعه اسم رجل على ما كان عليه من القياس قبل أن يكون اسم رجل، إذ كنت تردّ إلى القياس إذا سمَّيت رجلاً بشيء صُغِّر على غير القياس، ومع ذلك فإن العلة التي لها صغِّر (أفْعال) قبل أن يكون اسمًا لشيء بعينه (أفَيْعالٌ) قائمة في التسمية، لأنّك لو صغرته وهو اسمٌ: (أفَيعِيل) لالتبس برجل

يسمى (بأفْعال). قال: وليست أفْعالٌ وإن قلتَ فيها: أفاعِيلُ كأنْعامٍ وأناعيم، {تجري مجرى سِرْحانٍ وسَراحينَ}، لأنه لو كان كذلك لقلت في جَمَّالٍ: جُمَيْمالٌ. قال أبو علي: يقول: لا تقولُ في تحقير (أفْعال): (أفَيْعِيلٌ)، لأنّك تقول في تكسيره (أفاعيل)، كما أنّك لا تقول في جَمّال: جُمَيْمالٌ، لأنك لا تقول: جَمامِيلٌ، وكما أنك تقول: جُمَيْمِيلٌ وإن لم تقل: جَمامِيلٌ، ولا تقول: جُمَيْمالٌ، كذلك تقول: أفَيْعالٌ، ولا تقول: أفَيْعِيلٌ، وإن قلت: أفاعيل فقد أوجدت ما لا يكسر على وزن مفاعِيل، يصغر على (مُفَيْعِيل)، كما جاء ما يكسر على مَفاعيل ولم يُصغّر على مُفَيْعِيل، لأنّه لو صُغِّر على مثال (فُعَيعِيل) لزال عنه دلالة الجمع، فلذلك لم يعتبر تصغيره بتكسيره، ونظير هذا في أنه لم يعتبر بتكسيره تصغيرُه، لزوال الجمع قولك في مُصْرانٍ جمع مَصير: مُصَيْرانٌ، ولم تقل: مُصَيْرِينٌ وإن قلت في تكسيره مَصارِين، لأنّك لو صغرته على تكسيره لقلت: مُصَيْرِين

فزالت دلالة الجمع، وصار بمنزلة (فِعْلان) الذي هو واحد غير جمع مثل (سِرْحان) كما أنك لو قلت في (أفْعال): (أفَيْعِيل)، لالتبس بالواحد وزالت دلالة الجمع فلهذا لم يعتبر بتصغير هذا الضرب من الجمع تكسيره.

هذا باب حروف الإضافة إلى المحلوف به وسقوطها

هذا بابُ حُروف الإضافة إلى المحلوف به وسقُوطِها أنشدنا أبو بكر: ألا نادَتْ أُمامَةُ باحْتِمالِ ... لتَحْزُنَنِي فلا بِكَ ما أُبالي فدلك هذا على أن الأصل باء الجر، لأن من يقول: (والله)، إذا أضمر قال: (به لأفْعَلَنَّ)، فجرى هذا مجرى الأشياء لاتي تَرُدُّ الضمير إلى أصله نحو: (أعْطَيْتُكُمُوه) في قول من قال: (أعْطَيْتُكم)، فإنّما أبدل من الباء الواو، ثم أبدِل من الواوِ التاءُ، واستعمل الفعل مضمرًا، كقولك: (بِسْمِ الله) ونحوه.

هذا باب ما يكون قبل المحلوف به عوضا من اللفظ بالواو

هذا باب ما يكون قبل المحلوف به عِوَضًا من اللّفظ بالواو وذلك قول: إي ها اللهِ ذا. قال أبو علي: إثباتهم اللام الساكنة المدغمة بعد الألف في المنفصلة كإثباتهم الباء الساكنة بعد الألف في المتصل نحو دابَّةٍ وشابَّةٍ وما أشبهها. قال أبو العباس: منهم من يقول: (إيَ اللهِ)، فيحرك ياء (إيَ) بالفتح لالتقاء الساكنين، ومنهم من يدعُها على سكونها، لأن الساكن

الذي بعدها مُدغم، {فمن حرَّكها} فلالتقاء الساكنين، وامتناعهم من تحريكها بالكسر من أجل الياء. قال: وإذا قلت: (والله لآتينّك ثم لأضربنَّك اللهَ) فأخَّرته لم يكن إلا النصب، لأنه ضمّ الفعل إلى الفعل، ثم جاء بالقسم له على حدته ولم يحمله على الأول. قال أبو علي: يجوز أن تقول: واللهِ لآتينَّك، ثم والله لأضربنّك، فيكون الكلام جملة واحدة، ويجوز: والله لآتينّك، ثم اللهَ لأضربنّك على ضربين من التأويل: أحدهما: أن تضمر فعلاً ناصبًا للاسم، فيكون الكلام على

هذا [145/أ] التقدير جملتين كأنك قلت: أقسم بالله، وأذكُرُ اللهَ. ويجوز أن تعطف اسم الله على موضع الجارّ والمجرور، كأنك قلت: أحلفُ بالله، واللهِ، فيكون الكلام جملة واحدة، ويصير التقدير كقولك: مَرَرْتُ بزيدٍ وعمرًا. قال: إذا قال: واللهِ لأضربنَّك ثم لأقتُلنَّكَ اللهِ فجرَّ المحلوف عليه بعد لأقتُلنَّك، لم يعطف (بثم لأقتُلنَّكَ) على (لأضربنَّك)، ولكنّه عطف اسم الله بثُمّ على اسم الله فجرّه بعطفه إيّاه على ما انجرّ بالواو، وفصل بين اسم الله وثُمَّ، الذي قام مقام حرف الجر، بـ (لأقتلنَّك) كما تفصل بين الجار والمجرور في الضرورة، نحو: بكَفَّ يَوْمًا يهوديٍّ، وقولك: لأقْتُلنَّك من قولك: (لأضرِبَنَّكَ ثم لأقتُلَنَّك اللهَ)، متعلق بقوله: (ثمَّ اللهَ) كأنه قال: (والله لأضربنَّك ثم الله لأقتُلنَّك)، إلا أنه فَصَلَ بين (ثُمَّ) واسم الله بـ (لأقتلنَّك)، فلأقتلنّك متعلق بالاسم المعطوف بثُمَّ كما كان لأضربنَّك متعلقًا بقوله: (واللهِ)، وكذلك قولك: (مَرَرْتُ بزيدٍ أوّل مِنْ أمْسِ وأمْسِ عَمْرٍو) تقديره: (مررتُ بزيد أوَّلِ مِنْ أمس وعمرٍو أمْسِ) ففصل

بين (عمرٍو) وبين الواو بأمس كما فصل بين ثُمَّ وبين اسم (اللهِ) بـ (لأقتلنَّك). قال: ولو قال لحقِّك وحقِّ زيدٍ على وجه النسيان والغلط لجاز. قال أبو بكر: يريد بذلك أنه لا يجوز لغير غالط أن يقسم قسمًا على غير شيء يقسم عنه ثم يجيء بقسم آخر.

هذا باب ما عمل بعضه في بعض وفيه معنى القسم

هذا بابُ ما عَمِلَ بعضُه في بعضٍ وفيه معنى القسم قال أبو علي: لَعَمْرُ اللهِ: اسم مبتدأ، وخبره محذوفٌ، واللام في لَعَمرُو اللهِ لام الابتداء، ولذلك قالوا: إنّ المحذوف من هذه الجملة هو الخبر دون المبتدأ لأن لام الابتداء إنما يدخل على المبتدأ، ولا يدخل في الخبر إلا في ضرورة شعر، نحو: أمُّ الحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَةْ وإنما أقسم بالجملة التي هي من المبتدأ والخبر، كما أقسم بالجملة التي هي من الفعل والفاعل، لأن الجمل هذان قسماها، وحُذف من كلا الجملتين لدلالة ما بقي منها على ما حُذف، فأمّا التي من الفاعل والفعل فحذفت بأسرها، وأمّا التي من المبتدأ فحذف بعضها نفسها، إلا أن الذي

يشتمل عليهما أن الذي أبقي منهما دال على ما حذف منهما. قال: وزعم يونس أن ألف (أيْمُنُ) موصولة، وأنشد: ... وفَريقٌ لَيْمُنُ اللهِ ... قال أبو علي: قولهم: (لَيْمُنُ الله)، يدل على أن الألف ألف وصل وسقطت لما اتصل بما قبله، أعني باللام التي تدخل على المبتدأ، كما تسقط ألف ابن في قولك: لابنُ زيدٍ ظريفٌ، ولو قال قائل: إنّ (أيْمُن) جمع (يمين)، لكان مخطئًا، لأنه لو كان كذلك [145/ب] لثبتت في

الدّرْج ولم تسقط، لأن ألف (أفْعَل) ليست بألف وصل، فهذا بيِّن جدًا أنه ليس بجمع (يمين)، فإن قيل: إن الهمزة من قوله: ليْمُنُ مخففة، فلذلك حذفت، قيل: لو كانت مخففة لوجب أن تثبت مخففة، لأن ما قبلها متحرك، وإنما تحذف الهمزة في التخفيف إذا كان من قبلها ساكنًا، كقولك: جَيَّلٌ في جَيْأل واضْرِبْ باكَ. فأما الهمزة فإذا كان ما قبلها متحركًا وكانت هي نفسها متحركة أو ساكنة لم تحذف، تقول في تخفيف (سَألَ): (سَالَ)، وفي تخفيف (رَأسٍ: راسٍ)، فلا تحذف الهمزة البتة، فعلى هذا لو كان (أيْمُنُ) جمع لكان (لايْمُن) إذا خفف. قال: وسمعنا فصحاء العرب يقولون في بيت امرئ القيس: فقُلْتُ يَمينُ اللهِ ...

قال أبو علي: من قال: (يَمِينُ الله) فرفع اليمين حذف بعض الجملة وهو الخبر ومن نصب حذف الجملة بأسرها، ويجوز أن يكون المحذوف المبتدأ إذا رفع يمين الله، كأنه قال: قسمي يمين الله. وإنما لم يجز في (لَعَمْرُ اللهِ) أن يكون المحذوف المبتدأ لمكان اللام.

هذا باب ما يذهب التنوين فيه من الأسماء لغير إضافة ولا دخول ألف ولام ولا لأنه لا ينصرف وكان القياس أن يثبت التنوين فيه

هذا بابُ ما يذْهَبُ التنوين فيه من الأسماء لغير إضافة ولا دخول ألفٍ ولامٍ ولا لأنه لا ينصرف وكان القياس أن يثبت التنوين فيه قال أبو علي: لما كان الساكن الأول قد يُحذف إذا كان تنوينًا في غير ما يكثر في الكلام نحو: ولا ذاكِر اللهَ إلا قليلا وقراءة من قرأ: "أحَدٌ* اللهُ" وجب حذفه فيما يكثر في الكلام نحو: زيدُ بنُ عبدِ اللهِ وسائر

الألقاب الجارية مجرى الأعلام، فهذا وجه في حذف التنوين من هذه الأعلام، وإن شئت قلت: جُعِلَت الصفةُ والموصوفُ اسمًا واحدًا، كامْرئٍ وابْنَمٍ، فلما اجتمع ساكنان من اسم واحد وجب حذف الأول، كما يجب حذف الأول من الساكنين إذا اجتمعا في كلمة واحدة نحو: قُلْ، وما أشبهه. قال أبو علي: وقولك: زيدُ بنُ عبد الله مثل امرئٍ في أنّ الدال منه متحرك بحركة النون التي في (ابْن)، كما أن الراء من (امرِئٍ) تتحرك بحركة همزته. قال: وإذا اضْطُرَّ الشاعر في الأول أجراه على القياس، سمعنا فصحاء العرب أنشدوا هذا البيت: ... لِثَعْلَبَة بنِ نَوْفَلٍ بنِ جَسْرِ

هذا باب تحرك فيه التنوين في الأسماء الغالبة

قال أبو العباس: هذا في الكلام جائز حسن. قال: ليس عندي كما قال: ولو كان كذلك لجاز (قَوَلَ) في (قالَ)، و (وَدَعَ) في ماضي (يَدَعُ)، فهذه الأشياء وإن كانت مطّردة في القياس فهي شاذة في الاستعمال فلا ينبغي أن ينون هذا في الكلام، وإن كان القياس يسيغه لشذوذ عن [146/أ] الاستعمال، كشذوذ (وَدَعَ) وما أشبهه. ... هذا بابٌ تُحرَّكُ فيه التنوين في الأسماء الغالِبَة وذلك قولك: هذا زيدٌ بنُ أخيكَ، وهذا زيدٌ بنُ أخي عَمْرٍو، إلا أن يكون شيءٌ من هذا يغلب عليه فيعرف به كالصَّعِق. يقول أبو علي: تقول: هذا زيدُ بنُ الصَّعِق، وهذا بكرُ بنُ النابغة، فلا تقول: زيدًا ولا بكرًا، لأن النابغة والصعق غالبان، وهذا أخرج اللام التي

للتعريف من النابغة فقال: ونابِغَةُ الجَعْدِيُّ بالرمْلِ بَيْتُهُ ... كما أخرج من نحو (زيد) وما أشبهه من الأعلام. قال: وتقول: هذا زيدُ بنُ أبي عَمْرٍو إذا كانت الكنية أبا عَمْرٍو. قال أبو العباس: إن لم تكن الكنية أبا عمرو في قولك: هذا زيدُ بنُ أبي عمرو ولكنك أردت أنّ أباه أبو آخر يقال له (عمرو) لم يكن في زيد إلا التنوين إلا في قول من قال: ولا ذاكرِ الله.

هذا باب النونين الثقيلة والخفيفة

قال: وتقول: هذا زيدٌ بُنَيُّ عَمْرٍو {و}، في قول أبي عمرو ويونس، لأنه لا يلتقي ساكنان، وليس بالكثير في كلامهم ككثرة (ابنٍ) في هذا الموضع. قال أبو علي: يونس يقول: هندٌ بنتُ زيد، فيثبت التنوين لتحريك الباء في (بِنْتٍ)، وأبو عمرو يحذف التنوين، ويقول: هو وإن كان محركًا فقد كثر في الكلام فاحذفه، فإذا صُغِّر لم يُحذف، لأنه ليس في المصغَّر كثرة المكبَّر، فسببا إثباتهما التنوين مختلفان، ولم يثبته أحدهما من حيث أثبته الآخر، كما لم يحذفه كل واحد منهما من حيث حذفه الآخر وإن اتفق قولاهما في إثباته وحذفه. ... هذا بابُ النُّونَيْنِ الثقيلة والخفيفة قال: وقد تدخل النون بغير (ما) في الجزاء، وذلك قليل في الشعر، شبَّهوه بالنَّهي حين كان مجزومًا غير واجب. قال أبو علي: يقول: شبَّهوا الجزاء لمّا أدخل النون عليه بالنّهي، لأن الجزاء فعل مجزوم، كما أن النهي فعل مجزوم، وهو غير واجب، كما أن

النهي غير واجب. قال: وقالوا: (بِعَيْنٍ ما أرَيَنَّكَ)، فـ (ما) ها هنا بمنزلته في الجزاء. أي في أنهما لمّا وقعت أول الفعل دخلت النون. ويجوز للمضطرّ: (أنت تَفْعَلَنَّ ذاك)، شبَّهوه بالتي بعد حرف الاستفهام. قال أبو علي: يريد: إنّ الفعل الذي بعد حرف الاستفهام فعلٌ مرتفعٌ دخل عليه النونان، فشبَّه هذا الذي في الخبر به، إذ كان مرتفعًا، كما أن ما بعد الاستفهام مرتفع، وإن اختلفا في باب الإيجاب، فشبّه المرفوع بالمرفوع، كما يشبه المجزوم بالمجزوم في الضرورة أيضًا {تقول}: (لم يَعْلَمَنَّ) كما تقول: في الكلام (إنْ يَفْعَلنَّ).

قال: وزعم يونس أنهم يقولون: (رُبَّما يقولن ذاك)، (وكَثُرَ ما تَقولَنَّ ذاك) لأنه فعل غير واجب [146/ب] ولا يقع بعد هذه {الحروف} إلا و (ما) له لازمة. فأشبهت عندهم لام القسم. قال أبو علي: يعني أنَّ (ما) أشبهت لام القسم لوقوعها بمعنى التأكيد وفي أول الفعل. قال: وإن شئت لم تُقْحِم النون في هذا النحو. أي لم تُدخل، فهو أكثر وليس بمنزلته في القسم، لأن اللام إنما ألزمت اليمين كما لزمت النون اللام وليست مع المقسَم به بمنزلته حرف واحد. قال أبو علي: قوله: وليست مع المقسَم به بمنزلة حرف، أي ليست اللام مع المقسَم به بمنزلة حرف واحد، كما أن (ما) في (رُبَّما) و (بِألَمٍ ما)،

بمنزلة حرف واحد لأنَّ اللام إنّما هو في المقسم عليه، (وما) في (ربّما) ونحوه ليس في المقسم عليه، (فليس "ربّما" لم يجز في الفعل بعد المقسم به). قال: واللام ليست مع المقسم به كحرفٍ واحد. قال أبو علي: يعني أن لام القسم ليس كـ (ما) في (ربّما) لأنها و (رُبَّ) شيءٌ واحد، ولا كـ (ما) في (بألَمٍ ما تُخْتَنِنَّهُ)، لأنَّ (ما) لغو، واللام لازمة للفعل ومنفصلة من المقسم به.

هذا باب أحوال الحروف التي قبل النون الخفيفة والثقيلة

هذا بابُ أحوال الحروف التي قبل النون الخفيفة والثقيلة قال: وإذا كان فعل الجميع مرفوعًا، ثم أدخلت فيه النون الخفيفة أو الثقيلة. قال أبو العباس: إن النون في فعل الاثنين والجميع في أنها تفريعٌ، حذفت كما يحذف الضمير من (هل تَفْعَلَنَّ)، لأن النون في فعل الاثنين والجميع في أنهما تفريع كالضمة في فعل الواحد، وهو قول أبي عثمان المازني، وسيبويه يقيس ما ذكر من اجتماع النُّونات في هذا الحدّ كلّه، والقول عندما ذكرت وهو القياس. قال: واعلم أن الخفيفة والثقيلة إذا جاءت علامة الإضمار بعدها تسقط إذا كانت بعدها ألف خفيفة، أو ألف ولام. قال أبو علي: قوله: تسقط، نعت لقوله: لعلامة الإضمار إلى قوله: ألف ولام، رجع فإنما سقط أيضًا مع النون الخفيفة والثقيلة وإنما سقطت

يعني علامة الإضمار، لأنها لا تحرك، يعني علامة الضمير، وإذا لم تُحرّك حذفت، يقول: يحذف مع النون الخفيفة والثقيلة كل ضمير تحذفه مع ألف الوصل، تقول (اضْرِبُوا ابْنَكُم)، فتحذف علامة الضمير، (واضْرِبُوا القومَ) فتحذف أيضًا، فكذلك تقول: اضْرِبَنَ زيدًا، واضْرِبَنَّ عمرًا، فتحذف مع علامة الضمير كما كنت تحذفه مع ألف الوصل. قال: وإذا جاءت، يعني النونين، بعد علامة مضمر، تتحرك للألف الخفيفة أو اللألف واللام حركت لها، وكانت الحركة هي الحركة التي تكون إذا جاءت الألف الخفيفة أو الألف واللام. قال أبو العباس: لم يحذف الياء من (اخْشَيْ)، والواو من (اخشَوا) لالتقاء الساكنين، لأن حركة ما قبلها ليس منها، وإنما تحذف إذا كان [147/أ] حركة ما قبلها منها، كقولك: (ارْمِ الرَّجُلَ)، و (اغْزُ

القومَ)، ومع ذلك فلو حذفت لالتبس لفظ المؤنث والجمع بلفظ الواحد. قال أبو علي: قوله لالتبس لفظ المؤنث والجمع بلفظ الواحد، يقول: لو حذفت الواو من (اخْشَوْا) التي هي للضمير، والياء من (اخْشَيْ) اللاحقة للتأنيث لالتقاء الساكنين كما حذفت من قولك: (اضْرِبنْ) لالتقاء الساكنين إذا حذفت الواو والياء أن تردّ اللام في (اخْشَيْ واخْشَوا) المحذوفة لالتقاء الواو والياء من (اخْشَوا واخْشَيْ) الساكن معهما، فلزم أن تقول: اخشيَنَّ فتفتح اللام في كلا الفعلين، فتقول: اخشيَنّ إذا أردت أن تأمر الجميع والواحد والمؤنث، ولم يكن يجوز أن تضم الياء التي هي لام.

هذا باب الوقف عند النون الخفيفة

هذا بابُ الوقف عند النون الخفيفة قال أبو علي: الألف في (مَثْنى) في الرفع والجرّ هي المنقلبة عن اللام إذا رفعت فإذا نُصبت فالألف بدل من التنوين وليست بلام. قال أبو علي: الياء في (اضْرِبي) ليست بدلاً من النون التي كانت في قولك: (اضرِبنْ ياهذه)، لكنها الياء التي تلحق المؤنث المخاطب، لأن النون الخفيفة إنما تبدل منها إذا كان ما قبلها مفتوحًا. فأمّا إذا كان ما قبلها مكسورًا أو مضمومًا فلا يبدل منها شيء عند الخليل، "وأما يونس فيقول: (اخشَييْ واخْشَوُوا) يزيد الياء والواو بدلاً من النون الخفيفة من أجل الضمة والكسرة". قال أبو علي: هو بمنزلة التنوين اللاحق للاسم المنصرف في ألاّ يُبدل منها ياءٌ ولا واوٌ في الوقف، كما لا يبدل في المجرور والمرفوع إذا رفعْتَ ياءً

ولا واوًا. وقال أبو علي: إذا قال يونس: اخْشَيَيْ واخشَوُوا، فالياء الأولى هي التي تلحق المؤنث المخاطب، والياءُ الثانية بدلٌ من التنوين، فأمّا لام الفعل فمحذوفة، كأنّك حذفت في (اخشَيْ) لالتقاء الساكنين، فحرك الساكن الذي من أجله حُذف الساكن الأوّل، ولم يردّ الساكن الأول الذي هو اللام، لأن الحركة في الياء التي للتأنيث ليست بلازمة، فلذلك لم ترد اللام كما لم ترد العين المحذوفة لالتقاء الساكنين في (قُلِ الحقَّ)، و (بِعِ الثَّوبَ)، لأنّ الحركة ليست بلازمة، والواو الأولى في (اخْشَوُوا) في قول يونس علامة الضمير، والثانية زائدة بدل من النون، واللام محذوفة لالتقاء الساكنين، والقول فيه كالقول في (اخْشَيِيْ). قال: ولا تقول: (هل تضْرِبُونَا) فتجريها مجرى التي تثْبُت مع الخفيفة في الصلة. قال أبو علي: يقول: لا تقول (هلْ تَضْرِبونا)، فتجعل الألف بدلاً من النون الخفيفة، وتثبتها مع النون التي للرفع. قال: لأنّ ما قبلها، أي الواو، في الوصل مرتفع، أي مضموم إذا كان الفعل للجميع ومنكسر إذا كانت [147/ب] للمؤنث، أي النون، ولا تُردُّ النون، أي النون التي ثباتها دليل الرفع مع ما هو بدل من الخفيفة.

قال أبو علي: الذي هو بدل من الخفيفة هو الواو في قولك: (اضْرِبُوا) في الوقف على قول يونس، والمبدل منع النون الخفيفة، رجَع: (كما لم تثبت في الصلة). قال أبو علي: يعني بقوله: كما لم تثبت في الصلة، أي كما لم يثبت نون الرفع في الصلة مع النون الخفيفة في الصلة، فلم يقل: ليضربونَنَّ زيدًا فيثبتها مع الخفيفة، فكذلك لا يثبتها مع ما هو بدلٌ منها، لأن البدل منها بمنزلتها، رجَعَ: (فإنّما ينبغي لمن قال بذا أن يُجرِيَها مجراها في المجزوم لأن نون الجميع ذاهبة في الوصل). قال أبو علي: قوله: لمن قال بذا، أي لمن أبدل من النون الخفيفة المضموم ما قبلها في الوقف واوًا. وقوله: أن يجريها في المرفوع مجراها في المجزوم، فيقول: هل تضربُوا) فلا يثبت نون الرفع فيما هو مرفوع مع ما هو بدل من النون، كما لا يثبته فيما هو مجزوم مع ما هو بدل من النون، وذلك قولك: (ألم تضربُوا) وأنت تريد البدل من الخفيفة التي في قولك: (ألمْ تضربُنْ زيدًا) في الوصل. وذا على قول يونس فالمرفوع والمجزوم سواء لا يثبت مع النون نفسها وإنّما لم يثبت نون الرفع في قولك: (هَلْ تَضْربُنْ زيدًا)، (وهَلْ تضرِبُوا) في قول من أبدل، لأن الفعل إذا دخلته النون بُني فزالت حركة

الرفع في واحده عنه، فكما يزول في فعل الواحد الإعراب بدخول النونين الثقيلة والخفيفة، كذلك يزول في فعل الاثنين والجميع، فإذا الإعراب لم يثبت النون التي للرفع، إذ النون إعراب. قال: وفعل الاثنين المرتفع بمنزلة فعل الجميع المرتفع. أي في أن لا تلحقة الخفيفة في وصل ولا وقف، كما أن فعل الجميع المرفوع لا تلحقه الخفيفة في الوقف. قال: وإذا كان بعد الخفيفة ألفٌ ولامٌ، أو ألفُ وصلٍ ذَهَبتْ. أي ذهبت الخفيفة في الوصل، وسقطت لالتقاء الساكنين، كما حرّكوا التنوين الذي يلحق في الاسم في نحو (زَيْدُنِ الطويلُ) لالتقاء الساكنين. قال: فرَّقوا بين الاسم والفعل، وكان في الاسم أقوى وأشدّ تمكنًا. قال أبو علي: كان التنوين في الأسماء أولى بأن يثبت، وفي الخفيفة أولى بأن يحذف من الفعل، لأن الاسم أشد تمكنًا من الفعل، فما يلحقه أيضًا أشد تمكنًا مما يلحق الفعل، ومع ذلك فقد حذف النون اللاحقة للاسم

هذا باب [148/أ] الثقيلة والخفيفة في فعل الاثنين وفعل جميع النساء

في "ولا ذاكرِ اللهَ، وأحدُ اللهُ"، فحذف هذا أجدر. ... هذا بابُ [148/أ] الثقيلة والخفيفة في فعل الاثنين وفعل جميع النساء وذلك قولك: لا تَفْعَلانِّ. قال أبو العباس: كسرت النون في (لا تفعلانِّ) لأنها بعد ألف خفيفة، أو ألف ولام، لما يذهب لالتقاء الساكنين ما لم يحذف عنه شيء. قال أبو علي: الذي يذهب لالتقاء الساكنين ولم يذهب عنه شيء مثل الياء من (يَرْمي القومَ)، و (يَغْزُو الرُّومَ). قال أبو علي: يقول: الحرف اللين إنما وقع الساكنُ المدغم بعده، لأن ما فيه من المدِّ يصير عوضًا من الحركة، فكأنه لم يجتمع ساكنان، أدخلت الحركة في الحرف الأول المدّ، والحرف اللين متى كانت الحركة التي قبلها من

جنسها كان المد فيها أكثر، وهذا غير خفي، فوقوع الساكن المدغم بعده أحسن، وقد اختير ذلك في (أصَيْمَّ) وإن لم تكن حركة ما قبل الياء من جنسها، لأنها فتحة، كما اختير (المال لَّكَ). قال: وقال الخليل: إذا أردت الخفيفة في فعل الاثنين كان بمنزلته إذا لم ترد الخفيفة، ألاّ تحذف الألف فيلتبس فعل الواحد والاثنين. قال أبو علي: يقول: لو حذفت الألف لالتقاء الساكنين من فعل الاثنين إذا لحقته النون الخفيفة، لالتبس في الوصل والوقف فعل الاثنين بفعل الواحد، ألا ترى أنّك لو قلت: هل تَضْرِبا، أو اضْرِبا عبدَك أو هل تَضْرِبا، أو اضْرِبا وأنت تأمر اثنين أو تستفهم اثنين التبس بالواحد. قال: وكيف تردّه وأنت لو جمعت هذه النون إلى نون ثانية لاعتلَّتْ فأدغمت، وحُذفت في قول بعض العرب.

قال أبو علي: يقول: كيف تردّ النون الخفيفة في (اضْرِبا نُّعْمانَ) وهي نون غير ثابتة قبل الإدغام، والنون التي تثبت قبل الإدغام وتحذف في الإدغام مثل "أتُحاجُّونِي" فيمن خفف. قال: ولو قُلت ذا، لقُلت: (اضْرِبانَ اباَكُما) في قول من لم يهمز، لأنّ ذا موضع لم يمتنع فيه الساكن من التحريك فتردّها.

قال أبو علي: يريد: أثبتت النون الخفيفة حيث يؤمَنُ اجتماع السّاكنين، أثبتت في هذا الموضع لأنك كنت تحذف الهمزة، فتحذفها وتلقي حركتها على النون لأنها ساكنة قبلها متحرك. قال: ولا تُردُّ في شيء من هذا، أي: الخفيفة، لأنّك جئت به. أي: جئت بالنون من (نُعمانَ)، والهمزة من (أب) إلى شيء، يعني النون الخفيفة، قد لزمه الحذف، ألا ترى أنّك لو لم تخف اللبس، أي: التباس فعل الواحد بفعل الاثنين، فحذفت الألف، لم تردّها، أي: لم تردّ الألف، وكذلك لا تردّ النون. قال أبو العباس: يقول: لولا اللّبس فحذفت الألف لالتقاء الساكنين خيف [148/ب] اللبس، حذفت النون، فكما أنّ الألف لو جاز حذفها لم يجز أن تردّ، كذا حال النون. قال: والنون لا تُردُّ هنا كما لا تُردُّ في الوصل والوقف هذه الواو في نحو ما ذكرنا.

قال أبو علي: يقول: النون الخفيفة لا تثبت في مثل (جِيئونِّي)، وإن كان موقعًا يجوز أن يقع فيه الساكنان، كما لم يثبت الواو في مثل قولك: (جِيِّئنَّ زيدًا) وإن كان موضعًا لو ثبتت فيه لجاز كما جاز (تُمُوّد الثوبُ). قال: ولو أردت الخفيفة في فعل الاثنين. قال أبو علي: إنما لم يثبت نون الرفع معها، لأن الرفع إعراب، والخفيفة إذا دخلت بني الفعل لدخولها وزال عنه الإعراب. قال: فلما أمِنُوها، ثبتت نونُ الرفع في الصلة كما ثبتت نون الرفع في فعل الجميع في الوقف، ورددتَ نونَ الجميع أي في الوقف في قولك: (هلْ تضربُون)، كما رددت ياء (اضْرِبي)، وواو (اضربُوا) حين

أمِنْتَ البدل من الخفيفة في الوقف. قال أبو علي: أمِنْتَ البدل من الخفيفة في (اضربي واضْرِبُوا)، لأنها إذا كان قبلها مضمومًا أو مكسورًا لم تبدل منها. قال: فلما أمِنْتَ النون، يعني من فعل جميع النساء، لم تَحتج إليها، يعني الألف، فتركتها كما أثبتّ نون الاثنين في الرفع إذا أمنت النون أي الخفيفة، وذلك لأنها لم تكن لتثبت مع نون الجميع، يعني الألف التي تفصل بين النونات. يقول: لا تثبتُ الخفيفة بعد الألف كما تثبتُ الشديدة بعدها في مثل: (اضْرِبَنَانِّ)، لأنه يلتقي ساكنان، كما لم تثبت في فعل الاثنين في قولك: (هل تضربان زيدًا) وأنت تريد الخفيفة لالتقاء الساكنين. قال: ويقولون في الوقف: - يعني يونس- اضْرِبا، واضْرِبْنا، فيمدون وهو قياسُ قولهم، لأنها، أي النون الخفيفة، تصير ألفًا، فإذا اجتمعت ألفان مُد الحرف. قال أبو عثمان: قولهم: (اضْرِبْنآ) ومدهم لها هو قياس قولهم إذ كانوا يجيزون النون الخفيفة بعد الألف في الاثنين وجمع النساء، فالقياس

أن يبدلوا منها في الوقف ألفًا، فيقولون: (اضراأ)، أو (اضربناأ)، فكما ثبتت النون بعد الألف عندهم، يجب أن تثبت علامته، وما هو بدل منه، ومثله. قال: وإذا وقع بعدها (أي إذا وقع بعد الألف المبدلة من الخفيفة) ألف ولام أو ألفٌ موصولة جعلوها، (أي جعلوا الألف المبدلة من الخفيفة) همزة مخففة وفتحوها. فأمّا القياس في قولهم: أن يقولوا: (اضْرِبَ الرجلَ) كما تقول بغير الخفيفة، (أي إذا كان فعل اثنين ولا نون خفيفة فيه) إذا كان بعدها ألف وصل. قال أبو عثمان: يصيرونها همزة خفيفة إذا لقيها ألف ولام أو غيرها من ألفات الوصل، وهذا رأي البغداديين أيضًا وهو خطأ، لأنه إذا [149/أ] وقع بعد النون الخفيفة شيء من السواكن حذفت ولم تثبت، لأن النون لا تثبت في الوصل، فتحذفها لالتقاء الساكنين، وتحذف الألف

التي قبلها كذلك، فتصير كقولك: (اضرِبَ الرَّجُلَ) للواحد. قال أبو علي: يريد الواحد المأمور بالنون الخفيفة. قال أبو علي: من قال: (اضْرِبانْ زيدًا) فأثبت الخفيفة بعد الألف التي للتثنية كما يثبتها في فعل الواحد، لزمه إذا وصل وبعده ساكن أن يحذفها كما يحذف من فعل الواحد، فإذا حذفها وصله وبعده ساكن، فكما يقول: (اضربَ الرجلَ) وهو يأمر الواحد، فيحذف النون في الوصل لالتقاء الساكنين كما حذفها من فعل الواحد، فإذا حذفها من فعل الاثنين بقي ساكنان: الألف للضمير، والساكن الذي بعده ألف الوصل، فتحذف الألف فيصير (اضربَ الرجلَ)، فيكون فعل الاثنين الذي تلحقه الخفيفة بمنزلة فعل الواحد إذا أمر به، وألحقت في فعله الخفيفة، وكفعل الاثنين إذا أمرتهما ولم تلحق الخفيفة، هذا القياس على قول يونس. فأما إبداله من الألف المبدلة من الخفيفة في الوصل همزة خفيفة فخطأ لما ذكرنا.

هذا باب مضاعف الفعل واختلاف العرب فيه

هذا بابُ مضاعف الفعل واختلاف العرب فيه قال: ويقولون: ارْدُدِ الرجلَ، يَدَعُونَه على حاله لأن هذا التحريك ليس بلازم. قال أبو علي: قوله: (لأن هذا التحريك ليس بلازم)، يريد: إن اللام إنّما حُرّك لساكن لا يلزم الكلمة لزوم الأولى من النونين في مثل ردَّنّ، ولزوم الخفيفة في مثل رُدَّنْ يا هذا، لأنه قد يقع بعد اللام المضاعف ما ليس بساكن مثل: (ارْدُدْ عْبْدَك) وما أشبهه من المتحركات، فلما كانت الحركة غير لازمة لهذا الساكن الثاني، لم يجب الإدغام كما لم تردّ العين المحذوفة لالتقاء الساكنين إذا تحركت اللام نحو (قُلِ الحقَّ) لأنّ الحركة غير لازمة، كما لم يجب في الأول لازمه، لأنك قد تقول: (قُلْ حقًا) وما أشبهه فلا تتحرك.

قال: وإن كان الساكن الذي قبل الأول بينه وبين ألفه، (أي ألف الوصل) حاجز، ألقَيْتَ عليه حركة الأول، لأن كل واحد منهما يتحرك في حال صاحبه عن الأصل. قال أبو علي: يريد: إن الساكن يصير متحركًا، والمتحرك يصير ساكنًا، والساكن إذا تحرك فقد تحوّل عن أصله، كما أنّ المتحرك إذا سكن فقد تحوّل عن أصله. قال: فصار في الإدغام وثبات الألف مثله في غير الجزم، أي لفظه في الجزم في أن الألف تثبت مثله في الرفع والنصب.

هذا باب اختلاف العرب في تحريك الآخر لأنه لا يستقيم أن يسكن هو والأول من غير أهل الحجاز [149/ب]

هذا باب اختلاف العرب في تحريك الآخر لأنه لا يستقيم أن يسكن هو والأوّل من غير أهل الحجاز [149/ب] قال: ومثل ذلك: مُذْ وذَهَبْتُمْ فيمن أسْكَنَ، تقول: مُذُ اليومَ، وذهبتُمُ اليومَ. قال أبو علي: يقول: (مُذْ) في الأصل وميم (ذهبتمْ) مضمومتان، فإذا حركتهما لالتقاء الساكنين رددتهما إلى أصلهما كما ترد (مَدَّ الرجلُ) إلى أصله في قول من يقول: (مُدُّ)، فيتبع، لأن حكم مثل هذا أن يحرك بالكسر في مثل: اضربِ الرجلَ.

قال: وأهل الحجاز وغيرهم يجتمعون. على أنهم يقولون للنساء: ارْدُدْنَ وذلك لأن الدال يم يَسكُن هاهنا لأمرٍ ولا نهيٍ. قال أبو علي: لم يَسكُن هذا لأمر ولا نهي كما يَسْكُنُ (ارْدُدْ، ولا تَقْصُصْ لهما)، فيكون وما في الذي سكن للأمر ولا للنهي من البيان والإدغام معًا إنما أُسكنت هذه اللام من حيث سَكَنَ يَضْرِبْنَ واضْرِبْنَ وما أشبهه. قال: وزعم الخليل وغيره أن ناسًا من بكر بن وائل يقولون: رَدّنَ. قال أبو عمر: كأنهم عندي قدّروا الإدغام قبل دخول النون والتاء.

قال: وأما رَدَّدَ يُرَدِّدُ فلم يُدغموه، (أي لم يدغموا الدال الثانية في الثالثة) لأنه لا يجوز أن يَسكن حرفان فيلتقيا، ولم يكونوا ليحركوا العين الأولى. قال أبو علي: يقول: لو قلت: ردَّدَ فحركت الساكن الأول، لتُدغم الثاني في الثالث، لكان كقولك: رَدَّدَ، وقد ضعَّفت العين، ولم تُدغمه في اللام لأنَّ في قولك: (رَدَّدَ) ثلاثة أمثال أوَّلهنّ ساكن، وفي قولك: (رَدَدَّ) ثلاثة أمثال الأوسط ساكن ففي كلا الأمرين يجتمع ثلاثة أمثال أحدها ساكن، فلما كان الأمر في كِلا العملين واحدًا لم يُغيَّر عما كان عليه.

هذا باب المقصور والممدود

هذا باب المقصور والممدود قال: وقالوا: بَدا له يبْدُو بَدًا، نظيره: حَلَب يَحْلُبُ حَلَبًا. قال أبو علي: وجدت في النسخة الطاهرية المقروءة على عبد الله بن هاني صاحب الأخفش: وقالوا: بَدا لهُ بَدًا وبَداء، وفيها قال الأخفش:

هذا باب الهمز

نعرف الممدود ولا نعرف المقصور، ولكن يقال: بَدا بَدْوًا وبَداءً. ... هذا باب الهمز قال: ومثل هذا (مِنْ غُلامِ يَبِيْكَ). قال أبو علي: الهمزة المفتوحة إذا انكسر ما قبلها لم يجز أنت جعل بين الهمزة وبين الحرف الذي منه حركتها، لأنّك إذا جعلتها كذلك نحوت بها نحو الألف، والألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحًا، فلما لم يمكن التليين فيها قُلبت إلى الحرف الذي منه حركة ما قبلها، وهو الياء، وأنشد:

مِنْ حيثُ زارتْني ولم أوْرا بها [150/أ] قال أبو علي: قوله: لم أوَرابها، أي لم أعلمْ بها. وقال عبد الله بن هاني صاحب الأخفش: هو مقلوب من (رَأيْتُه)، قلب اللام التي هي الياء إلى موضع الفاء، ثم قُلبت واوًا لانضمام ما قبلها فصار أوْرَأ مثل أوْرَع، ثم خفّف الهمزة فقلب ألفًا لأنها ساكنة وما قبلها مفتوح، فوزنه من الفعل على هذا التقدير: (ألْفَعْ). قال: وقد قالوا الكَمَاةُ والمرَاةُ ومثلُه قليل. قال أبو العباس: هذا بَدلٌ يعني قولهم: الكَمَاةُ، أبدل الألف من الهمزة كما أبدلت الهمزة من الهاء وليس بتخفيف.

قال: ولم يكن ليلتقي ساكن وحرف ذِهْ قصَّته، يعني بقصته إخفاؤه وتقريبه من الساكن. قال: غير أن كلّ شيء كان في أوله زيادة سوى ألف الوصل (مِنْ رَأَيْتُ) فقد اجتمعت العرب على تخفيفه. قال أبو علي: يعني بقوله سوى ألف الوصل من رأَيْتُ مثل قولك: يفعل كل ما كان في أوله زيادة من زيادات المضارعة، خففت الهمزة بعدها، ومن يخفف مع هذه الزيادات فقد يحقِّق مع همزة الوصل، فيقول: (إِرْأ). قال: فكرهوا أن يُبدلوا مكان الألف حرفًا ويغيّروها، لأنه ليس من كلامهم أن يغيِّروا السَّواكن.

قال أبو علي: لا يبدل الحرف الساكن إذا ألقيتْ حركةُ الهمزة المحذوفة عليه لكنّه يُحرّكُ، فأمّا نفس الحرف فلا يُبدل ولا يُغير. قال أبو علي: يقول: لو ألقيت حركة الهمزة التي قبلها الألف على الألف لانقلبت فصارت همزة، ولو انقلبت لخرج كلام كثير من حدِّ كلامهم والخارج كان من الحدِّ مثل (شاءَ، وأاءَةٍ، وفاءَ)، لو خففت هذه الهمزات على حسب تخفيف جَيْألٍ، والخَبْءِ، للزم أن يقال: (سأزيْد)، (وناءَ عَدُوُّكَ)، وكذلك كل ما أشبه هذا، ولو خففت (أاءةً) كما خففت (الخَبَا)، للزم أن يقال: (أاَةٌ)، فكان يجتمع همزتان، ثم كان يلزم أن

تخفَّف الثانية فيقال: (أاةٌ)، وكل ذلك خروج عما ينبغي. قال: لأنه ليس من كلام العرب أن تثبت الياء والواو ثانية فصاعدًا وقبلها فتحةٌ، إلا أن تكون الياء أصلها السكون. قال أبو علي: الياء إذا كان أصلها السكون وما قبلها مفتوح لم تنقلب نحو (عَيْبٍ، وبَيْتٍ)، وإذا تحركت وما توسطها انقلبت ألفًا نحو (باَعَ، وباتَ). قال: وكانت مدَّة في الاسم والحركة التي قبلها منها بمنزلة الألف، (يريد أنّها الألف في أن حركة ما قبلها أبدًا منها) {رَجَع} أبدل منها، وإن كانت بعد واوٍ وياء إن كانت بعد ياء، ولا تُحذف فتحرك.

قال أبو علي: أي لا تحذف الهمزة إذا وقعت بعد ياء أو واو، لأنّها إن حذفت لزم أن تلقى حركتها عليها كما تلقى على سائر السّواكن، وهذه [150/ ب] الحروف، أعني الياء والواو إذا كُنَّ مَدَّاتٍ لغير الإلحاق، لم يجز تحريكهن كما لا يجوز تحريك الألف، لأنها إن حركت صارت غير ألف، والواو والياء يحركان ولا يُغيَّران. قال أبو علي: الألف لا تغيّر إذا خففت الهمزة بعدها في كلمة واحدة وفي كلمتين منفصلتين، تقول: (اضْرِبا أباهُما، ومَساءَكَ)، فلا تلقي حركتهما في الموضعين على الألف كما تلقي حركتهما على الياء والواو إذا كانت لغير مدٍّ في الاتصال والانفصال.

أنشد: كُلَّ غَرَّاءَ إذا ما بَرَزَتْ ... سمعنا من العرب من ينشده هكذا. قال أبو علي: قوله: ينشده هكذا، أي يحقق الأولى، ويخفف الثانية كما يختار الخليل، ويخفف الأولى ويحقق الثانية كقول أبي

عمرو. فالإنشاد على القول الأول: (غَرّاءُ بِذا)، وعلى القول الثاني: (غَرَّا إذا). قال: ومَن حَقَّق الأولى قال: (أقَرآية)، لأنك خففت همزة متحركة قبلها حرفٌ ساكن. قال أبو علي: يريد بالهمزة المخففة المتحركة الهمزة التي هي فاء من (آيَةٍ) والحرف الساكن الذي قبلها هي الهمزة التي هي لامٌ من (اقْرَا)، سكنت للأمر، فحذفت الهمزة التي هي فاء من (آيةٍ)، وألقيت حركتها على الساكن الذي هو همزة لام من (اقْرَأ)، فصار على وزن (اقْرَعَّايَة). قال: فأمّا أهل الحجاز فيقولون: (اقْرَا آيةً)، لأن أهل الحجاز يخففونهما جميعًا.

قال أبو علي: قال أهل الحجاز: (اقْرَا آيةً) فخَفَّفوهما جميعًا، والهمزة الأولى إذا خففت في (اقرأ) لزم قلبها ألفًا لأنها ساكنة وما قبلها مفتوح، مثل (راسٍ وفاسٍ)، والهمزة من (آية) حكمها أن تجعل بين الألف وبين الهمزة لأنها متحركة، وجاز وقوعها مخففة بعد الألف من حيث جاز وقوع الساكن بعدها، ومن حيث جاز أن تقع مخففة قبل الساكن في (أانْ رَأيْتَ رجلاً) ونحوه. قال: وسألت الخليل عن (فَعْلَل) من (جِئْتُ) فقال: جَيْأى. قال أبو علي: العين من (جِئْتُ) ياءٌ، يدلك عليه: (يَجِيءُ)، واللام منه همزة فإذا بَنَيْتَ منه مثل (فَعْلَلَ) زدت على اللام لامًا، لأن حكم ما ألحق من الثلاثي بالرباعي بغير حروف المد أن تكرر لاماتها، كما كررت في (مَهْدَدٍ) ونحوه، فإذا كرّرت اجتمعت همزتان، وإذا اجتمعت همزتان في كلمة واحدة أبدلت الثانية.

قال: وإذا جمعت آدَمَ، قلت: أوَادِم، كما أنّك إذا حقَّرت قلت أوَيْدِم. قال أبو علي: الهمزة الأولى همزة (أفْعَل)، والثانية بدل من الهاء، وهو يوافق الزيادة – أعني الألف التي هي بدل من الفاء – في أنها ليست من نفس الكلمة، كما أن ألف (فاعِل) الزائدة ليست من نفس الكلمة، هي الهمزة التي هذه بدل منها، فقد وافق البدل [151/أ] الزيادة في أنه ليس من نفس الحرف، كما أن الزيادة ليست من نفس الحرف، فلذلك قلبت هذه الألف في التصغير والتكسير واوًا، كما قلبت الزائدة واوًا فيها.

قال: فلمّا أبدلُوا من الحرف الآخِر ألفًا استثقلوا – يعني الحرف الآخِر- الهمزة التي هي لام من (خطيئة)، المبدلة في الجمع ألفًا إذا قلت: (خَطايِىءٌ)، ثم أبدلت الهمزة الأخيرة ياءً لانكسار ما قبلها، واجتماع همزتين، ثم أبدلت الياء ألفًا كما أبدلته في مَدارَى. قال: لأن الاسم قد يجري في الكلام، ولا يلزم في الألف الآخِر أن تهمزها. قال أبو علي: أي الألف التي هي بدل من التنوين، أو الألف التي هي رفع الاثنين، يريد: أن هذه الألفات الأخيرة لا تلزم الكلم الذي هي فيها كما يلزم الألف المنقلبة عن اللام في (خَطايا ومَطايا)، لأن هذه الألفات قد سَقَطْنَ، وذلك إذا كان الاسم في موضع جَرّ، أو رفع أو تثنية،

منصوب أو مجرور. قال: فصارت كالهمزة التي تكون في كلمة على حِدَةٍ، فلما كان ذا من كلامهم أبدلوا مكان الهمزة التي قبل الآخر ياءً، (يعني في خطايا). قال أبو علي: أي لما كان تخفيف الهمزة الواقعة بين ألفين غير لازمين من كلامهم كراهة الهمزة بين ألفين وإرادة لتقريبها من الياء بالتخفيف أبدلوا الهمزة المبدلة من حروف اللين في (فَعِيلةٍ) وما أشبهها ياءً لأنها بين ألفين لازمتين في كلمة واحدة، وليست بين ألفين لا يلزمان ككِساءَانِ، وبُرَآء.

قال: ليفرقوا بين ما فيه همزتان إحداهما بدلٌ مما هو من نفس الحرف. قال أبو علي: هذا مثل الهمزة في (قَضاء) التي هي بدل من زائدة، لأنها أضعف يعني همزة (خَطايا)، أي الأولى التي هي من نفس الحرف وهي لام (قَضَيْتُ)، {رجع} أو همزة بمنزلة ما هو من نفس الحرف. قال أبو علي: هذه الهمزة مثل الهمزة في (جَيْئاى) إذا جمعت

قلت: جَيائِي {رجع} إنما يقع إذا ضاعَفْتَ. قال أبو علي: قوله: إنما يقع إذا ضاعفت، صفة لقوله أو همزة. وقوله: إذا ضاعَفْتَ، أي إذا ضاعفْت الحرف الأخير من الثلاثي للإلحاق بالرباعي. قال: وقد بَلغَنا أنّ قومًا من أهل الحجاز من أهل التحقيق يُحقِّقون (نَبِيءٌ) (وبَرِيئَةٌ)، وذلك قليل رديء، فالبدل ها هنا بمنزلة الألف في (مَنْسَأةٌ). قال أبو علي: يريد، أنّه قليل رديء، لأنه مخالف لما عليه الاستعمال، لأن أصله غير الهمزة، فرداءة هذا كرداءة (وَدَعَ) في ماضي (يَدَعُ) كما قال: حتّى وَدَعَهْ

قال أبو علي: قوله: فالبدل ها هنا كالبدل في (مِنْسَأة)، يريد أن الهمزة في (نبيء وبَريئة) أبدلت بدلاً كما أبدلت من (مِنْسَاة) بدلاً وإن كان لفظ التخفيف في (نَبِيّ) كلغة الإبدال، فأما لفظ التخفيف في (مِنْسَأة) فمخالف [151/ب] للفظ الإبدال، لأن الإبدال ألف محضة والتخفيف فيه بين الألف والهمزة، والفصل بينهما بَيِّنٌ جدًا.

قال: وإن خففت (أجْلِبْني إبِلَكَ) في قولهم. أي في قول من قال: (أوَنْتَ)، و (ارْمِيَ اباكَ). قال: فمن ثم فعلوا ذلك. أي فمن ثم قالوا: (أوَّنْتَ) و (ارميَّ اباكَ). قال: وهؤلاء يقولون: (أنا ذُوُنْسِهِ)، حذفوا الهمزة ولم يجعلوها همزة تحذف. قال أبو علي: قوله: حذفوا الهمزة، يريد: {حذفوا الهمزة} يريد

حذفوه للتخفيف، لأن قبله ساكنًا. وقوله: ولم يجعلوها همزة تحذف، أي لم يجعلوها همزة تحذف فيُبدَلُ منها واوٌ كما حذفت التي في (أوَنْتَ) وأبدل منها الواو، فقيل: (أوَّنْتَ)، لم تبدل هنا واوًا للضمة التي كانت تقع على الواو المبدلة من همزة (أنْسِه)، كما لم تبدل من (أبُومِّك) للضمة التي كانت تقع عليها. وقوله: (وهي مما يثبت)، أي الواو الساكنة والتي هي من نفس الكلمة، أو بمنزلة ما هو من نفس الكلمة إذا كانت ساكنة وألقي عليها حركة همزة مخففة تثبت ولم تبدل. قال أبو العباس: قوله: ولم يجعلوها همزة قال أبو العباس: يعني بواو (ذوُّنُسِه) لما انضمت. قال أبو علي: وإنما قال ذلك لأن الواو إذا انضمّت قد تقلب همزة نحو: (أرْقَةٍ) في (وُرْقَةٍ). قال: وعلى هذا تقول: هو يرمِ خْوانَه بحذف الهمزة، ولا تطرح الكسرة على الياء لما ذكرت لك.

هذا باب الأسماء التي توقع على عدة المؤنث والمذكر ليبين ما العدد إذا جاوز الاثنين

قال أبو علي: قوله: لما ذكرت لك، أي لما ذكرت لك من كراهة حركة الياء والواو بالكسرة والضم. ... هذا باب الأسماء التي تُوقَعُ على عِدَّة المؤنث والمذكر ليُبيِّن ما العدد إذا جاوز الاثنين قال: وجاء الآخِرُ على غير بنائه. قال أبو علي: يقول: جاء الآخر وهو (عَشَر) من (أحَدَ عَشَرَ) للمذكر متغيرًا عما كان عليه، لأن الهاء حذفت منه. قال: وبُني الحرف الذي بعد (إحْدَى)، (وثِنْتَيْنِ) على غير بنائه والعددُ لم يجاوز العَشْرَ. قال أبو علي: الحرف الذي بعد إحدى وثِنْتَيْنِ هو (عشرة) في قولك: {إحْدَى عَشْرَةَ، وثِنْتَيْ عَشْرَةَ وقوله: بعد} إحدى، بُني على

هذا باب ذكرك الاسم الذي تبين العدة كم هي مع تمامها الذي هو من ذلك

غير بنائه والعدد لم يجاوز العشرة، أي: أدخل فيه الهاء، ولم يكن يدخله قبل أن زيد على العشرة واحدًا الهاء، إنما كان (عَشْر) بغير هاءٍ. وقوله: كما فُعل ذلك بالمذكر، أي غُيِّر ما بعد إحْدى، وثلاث في المؤنث بأن أُدخل فيه الهاء، فقيل: إحْدَى عَشْرَةَ، كما غُيِّر ما بعد أحَدَ وثلاثَة في المذكر [152/أ] بأن أخرج منها الهاء فقيل: ثلاثةَ عَشَرَ وقد كانت الهاء ثابتة قبل أن تزيد على العشرة، لأنّك تقول: هذه عَشَرَةٌ فتثبتها. ... هذا باب ذكرك الاسم الذي تُبيِّن العِدَّةُ كم هي مع تمامها الذي هو من ذلك قال: صار قولهم: حادِي عَشَر بمنزلة خامِسِ خَمْسَةٍ ونحوه. أي في أن حادي عَشَرَ اسم فاعل مضاف إلى العدَّة التي يُتمَّها، كما أن (خامِسَ) اسم فاعل مضاف إلى العدّة التي يُتمها، وإنما حادي عَشَرَ بمنزلة خامِس أي في أن كلّ واحد منهما اسم فاعل، وفي النسخة الطَّاهرية، فنزَّل حادي عَشَرَ بمنزلة خامِس.

قال: وتقول: هو خامِسُ أرْبَعٍ إذا أرَدْتَ أنّه صيَّر أربعَ نسوةٍ خمسةً، ولا تكادُ العرب تكلَّمُ به كما ذكرت لك، وعلى هذا تقول: (رابعُ ثلاثةَ عَشَرَ)، كما قلت: خامِسُ أرْبَعَةَ {عَشَرَ}. قال أبو علي: من قال: (هذا رابع ثلاثةٍ)، فإنه لا يجوز له أن يقول: هذا رابعُ ثلاثةَ عَشَرَ، لأن (فاعل) من أربعة عشر لا يُبْنى كما بُني من خمسة حين قلت: خامسُ، ومن قال: (خامِسُ أربعةٍ) أراد أنه خمَّس أربعة، فاشتق من (خمسة) فعلاً، ولا يجوز على هذا أن يشتق من أربَعَة عَشَرَ فعلاً فيكون له فاعل كما جاز أن يشتق من خامس وما أشبهه، خمَّستُ وربَّعتُ، ولا يجوز أن يُتَكلَّم بأربعةَ عَشَرَ وما أشبهه إلا على قول من قال: ثالثُ ثلاثةٍ دون من قال: ثالثُ اثنين، تقول على الحذف: ثالثُ ثلاثةَ عَشَر، وعلى الإتمام ثالثُ عَشَرَ ثلاثةَ عَشَر، لأن معناه: أحدُ ثلاثةَ عَشَرَ، ولا يريد أن يشتق فاعلا من ثلاثةَ عَشَرَ، لأنه لا يمكن كما يشتق ضاربًا من ضربَ، وخامسًا من خمس. قال أبو الحسن: ومن قال: خامسُ خمسة عشر لم يجز له أيضًا أن يقول: خامس أربعة عشر، لأن خامس هنا محذوف، إنما أردت خامس عشر خمسة عَشَرَ، فحذفت كما تحذف بعض الكلام لدلالة بعض ما يبقى منه عليه، فكما لا يجوز هذا في الإتمام، كذلك لا يجوز في الحذف، إذ المراد

هذا باب المؤنث الذي يقع على المؤنث والمذكر وأصله التأنيث

بالحذف الإتمام والامتناع من إجازة ما ذكرنا قول أبي الحسن وأبي عثمان وأبي العباس وأبي إسحاق. ... هذا باب المؤنث الذي يقع على المؤنث والمذكر وأصله التأنيث فإن وقع على التذكير إذا أضيف إليها العدَّة جُعل العدد بمنزلتها إذا أضيفت إلى المؤنث المحض مثل ثلاثُ نِسْوَةٍ ونحوه مما لا يقع على المذكر. قال: وتقول: ثلاثةُ نَسَّاباتٍ وهو قبيح، وذلك أنَّ النَّسَّابَةَ [152/ب] صفة.

قال أبو علي: قبح، لأن (نَسَّابات) وصف، وإقامة الصفة مقام الموصوف عنده قبيح، فأمّا إثبات الهاء في (ثلاثة) من قولك (ثلاثة نَسَّابات) فإنّك أثبتَّها، كما أنّك لو أضفْتَهُ إلى الموصوفين المحذوفين لأثبتَّه وذلك قولكك ثلاثةُ رِجالٍ نَسَّابات، فنسابات صفة للرّجال المحذوفين. قال: وتقول: ثلاثةُ دَوابّ إذا أردت المذكّر، لأن أصل الدّابة عندهم صفة. قال أبو علي: قوله: (ثلاثةُ دوابّ) ومثل (ثلاثةُ نسّابات) من جهة، ومخالف له من جهة أخرىن أمّا الموافقة، فإن (دابَّة) صفة كما إن (نسَّابة) صفة، فقدّر حذف الموصوف فيه كما قدّر حذفه من قولك: ثلاثةُ نسّابات، ولذلك أثبتت الهاء في (ثلاثة) مضافًا إلى (دوابّ)، و (نَسّابات)، والتقدير فيه (ثلاثةُ رجالٍ نسّابات وثلاثة أشخاص دوابّ)، فكما أنّك لو أضفته إلى الموصوف لم تحذف الهاء، كذلك لم تحذف وأنت مقدّر الإضافة إليه، فقد وافق (ثلاثة دوابّ) في ثبات الهاء فيها (ثلاثةُ نسّابات). والجهة المخالفة له هو أن (دوابّ) وإن كان أصله صفة، فقد استعمل استعمال الأسماء، ألا ترى أنّك تقول: (هذا دابَّةٌ) ولا تقول: هذا شخصٌ

دابّة، فهو من هذه الجهة أحسن من ثلاثة نسّابات لأنّك كأنك لم تُقم صفةً مقام موصوف، إذ قد جرى (دابّة) مجرى الأسماء. قال: لأنّ المتكلم لا يجوز له أن يقول: (له خمْسَةَ عَشَرَ عبدًا). أي لا نعلم هذا كما نعلم إذا ألقى العِدَّة على اللّيالي لأن الأيام داخلة فيها.

قال: وأمّا (ثلاثةُ أشياءَ) فأثبتُوا الهاء وإن كان (أشياء) مُؤنثًا كحمراءَ، لأنه اسم للجمع مؤنث بمدة التأنيث، ولم تحذف الهاء من (ثلاثة) كما تحذف منها إذا أضيف إلى مؤنث، لأن (أشياء) جمع (شيءٍ)، و (فَعْلٌ) قد يُجمع على (أفْعال)، و (أشْياءُ) وإن كان على وزن (لَفْعاء) فهو على حركات (أفْعال) وسُكونِها، فصار لذلك بدلاً من (أفْعال)، وجرى مجراها، فلم تحذف التاء من ثلاثة وما أشبهه إذا أضيف إليه كما لم تحذف التاء منها إذا أضيفت إلى (أفْعال). قال: وزعم الخليل أن (أشْياءَ) مقلوبة كقِسِيّ، فكذلك فُعل بهذا الذي على لفظ الواحد ولم يكسر عليه الواحد. قال أبو علي: قوله: فكذلك فُعل بهذا، أي على ما ذكرت لك من إثبات الهاء في العدد إذا أضيف إلى (أشياء)، وإلى (رَجْلَةٍ)، لأنّ

هذا باب ما لا يحسن أن تضيف إليه الأسماء التي يبين بها العدد [153/ ب]

(أشْياء) اسم على لفظ الواحد معناه الجماعة، ولم يكسّر عليه واحدٌ كما يُكسّر (فَرْخٌ) على (أفْراخٍ). ... هذا باب ما لا يحسُن أن تضيف إليه الأسماء التي يبيَّن بها العدد [153/ ب] قال أبو علي: يقول: تصييرهم (قُرَشِيِّين) صفة، وامتناعهم من إضافة (ثَلاثَة) وما أشبهها من العدد إليه يدلك على أنّ (نسّابات) في قولك: (ثلاثةُ نسّابات) صفة لمذكر محذوف، إذ لو لم يكن وصف مذكر لما أضيف (ثلاثة) إلى (نسّابات)، كما لم تضف (ثلاثة) إلى (قرشيين) في قولك: ثلاثةٌ قُرَشِيُّون. قال: وقال الله عز وجل: "من جاء بالحسنة فله عَشْرُ أمثالِها". قال أبو علي: كأنّ (عشْر) في قوله عز وجلّ "عَشْرُ أمثالها" مضاف إلى ما {قبل} قوله عز وجل (أمثالها)، وصفة التقدير (فَلَهُ عَشْرُ حسناتٍ أمثالُها)، ألا ترى أن (عَشْر) لا هاء فيها وأن (أمْثالُها)

صفة، ويقبح إضافة (عَشْر) ونحوه إلى الصفة من حيث يقبح إقامة الصفة مقام الموصوف والموصوف محذوف في هذا الموضع مؤنث، فلذلك حذفت الهاء، كما أن الموصوف المحذوف من (ثلاثة نسّابات) موصوف مذكر، فلذلك أثبتت الهاء، (فعَشْرُ أمْثالِها) بمنزلة قولهم (ثلاثةُ نسّاباتٍ) (وثلاثةُ دوابّ) في أن الموصوف محذوف منه، ولو قال قائل: إن (عَشْرَ) من قوله (عَشْرُ أمثالِها) {لما} حذف الهاء منه، لأنه مضاف إلى مضاف إلى مؤنث، قيل: هذا التقدير والتأويل في القرآن يُعتدّ كالفاسد، إنما يجوز هذا في ضرورة الشعر نحو:

تَسَفَّهتْ أعالِها مَرُّ الرِّياحِ ... وما أشبهه، ولا يسوغ هذا في الكتاب، فإن قلت: فقد جاء"كُلُّ نفسٍ ذائقةُ الموتِ" كانت (كُلاّ) لما أضيف إلى (نفس)، فإن ذلك في (كُلّ) حسُنَ لعمومه واستيفائه جميع ما يقع عليه حتى يصير كأنه الشيء المضاف إليه، وليس البعض، وما عدا الكلّ في هذا كالكلّ لما ذكرنا، وكذا

هذا باب تكسير الواحد للجمع

كان يقول أبو بكر وعلى هذا "وكُلّ أتَوْهُ داخِرِينَ"، وعلى الأول قول الشاعر: ولِهَتْ عليها كل مُعْصِفَةٍ ... هَوْجاءُ ليس لِلُبِّها زَبْرُ ... هذا باب تكسير الواحد للجمع قال: وقد يجيء (خَمْسَةُ كلابٍ) يُرادُ به خمسةٌ من الكلاب. قال: أضاف أسماء العدد القليل إلى معدود كثير، وكان الوجه إضافتها إلى المعدود القليل نحو (أكْلُبٍ) لو لم يحمله على ما ذكره من التأويل، وعلى هذا قوله تعالى: "ثلاثةُ قُرُوءٍ". قال: وقال الراجز: ظَرْفُ عَجُوز فيه ثِنْتا حَنْظَلِ

قال أبو علي: في هذا شيئان نادران: أحدهما أنه أضاف (اثنين) إلى عدّة يبيّن بها مِمَّ هو، وحكم هذه الإضافة أن تكون في الثلاثة وما فوقها مما لا يجتمع لك به معرفة النوع والعِدَّة، ألا ترى أن ثلاثة لو لم تضفها إلى ما بيَّنتَها لم تعرف ممَ هي، فلما قلت: (ثلاثةُ دراهمٍ)، وأضفْتَ بيَّنْتَ، واثنان [153/ب] وواحدٌ تجمع تعريف الأمرين، ألا ترى أنّ قولك: رَجُلٌ ورجلان يُبَيّنُ فيهما معرفة العدد والمعدود معًا؟، فعلى هذا القياس الاستعمال الشائع إلا أن يجيء في شعر مثل: اثْنا أفْراسٍ، وثنتا حَنْظَلاتٍ. فإذا جاء فقياسه أنه عدد كما أن (ثلاثة) عدد، فيضاف إلى المعدود كما أضيف إليه الثلاثةُ، إلا أن هذا نادرٌ عن الاستعمال. والوجه الآخر من الشذوذ في "ثِنْتا حَنْظَلٍ" أنه أضيف إلى العدد الكثير وكان حكمه أن يضاف إلى العدد القليل، فيقال: (ثنتا حنظلات)، إن لم يُرد به ثِنْتانِ من الحنظل.

قال: وذلك نحو: قَتَبٍ وأقْتابٍ، ورَسَنٍ وأرْسانٍ. قال أبو العباس: حكم ثلاثة وأربعة ونحوه أن يضاف إلى ما يقع لأدنى العدد، فإذا جاء جمع لم يكن فيه أدنى العدد أضيف إلى ما هو للكثير نحو "ثلاثةُ شُسُوعٍ"، كما أنّ أدنى العدد فيما ليس له اسم أكثر العدد يجري مجرى ما هو للكثير وذلك نحو: أيْدٍ، وأرْجُلٍ، وأرْسانٍ. قال: ووَثَنٍ وَوُثْنٍ، بَلَغَنا أنّها قراءة. قال أبو علي: وجدت في هذه النسخة الطاهرية: قال: بعض القراء يقرأ قوله: "إنْ يَدعون من دونه إلا إناثًا" "إنْ يَدعون من دونه إلا أَثْنًا".

قال: إذْ لم يكن كثيرًا مثلُه، كما لم يجيء في مضاعَفٍ (فَعَلٍ) ما جاء في مضاعف (فَعْلٍ) لقلّته. أي: لم يجيء فيه بناء الكثير كما جاء (صِكاك وضِباب)، لم يجيء في (فَنَنٍ) بناء الكثير. قال: فلمّا جاز لهم أن يَثبُتُوا في الأكثر على (أفْعال) كانوا له في الأقل ألزم. قال أبو علي: الأكثر وهو (فَعَلٌ)، أي لما جاز ألا يجاوز بناء أدنى العدد في الأكثر وهو (فَعَلٌ)، نحو قولهم في: (رَسَنٍ: أرْسانٌ)، كان ألا يجاوزه في الأقلّ أولى.

قال: وقال الله تعالى: "في الفلك المشحون"، ولما جمع قال: "الفُلْكِ التي تجري في البحر" كقولك: أسَدٌ، وأسْدٌ. قال أبو علي: كسّر (فُعْل)، (وفَعَل) على (فُعْل)، كما كسّر عليه (فَعَل)، لأنّ (فُعْل)، و (فَعَل) أختان وهما يعتقبان على الكلمة الواحدة نحو حَزَنٍ، وحُزْنٍ وما أشبه ذلك. قال: كما قالوا: ثلاثةُ قِرَدَةٍ، وثلاثةُ حِبَبَةٍ وثلاثةُ جُروحٍ وأشباه ذلك. أي على أن تضع ما هو لأكثر العدد في موضع الأقل. {رجع} وهذا في (فُعْلَةٍ) كبناء الأكثر في (فَعْلَةٍ). قوله: وهذا، يعني (فُعَل) في جمع (فُعْلة)، نظير (فِعال) في جمع (فَعْلةٍ). قال: والفُعَلة تكسّر على (فُعَل) إذا لم تجمع بالتّاء، وذلك قولك: (تُخَمَةٌ، وتُخَمٌ)، وليس (كرُطَبَةٍ ورُطَب)، ألا ترى أنّ (الرُّطَبَ) مذكر

(كالبُرّ، والتّمْر)، وهذا مؤنث (كالظُّلَمِ والغُرَفِ). قال أبو علي: يريد أن (الرُّطَبَة) جمعها (رُطَبٌ)، كما أن جمع (بُرَّةٍ بُرٌّ)، فلم يكسّروا الواحد للجمع كما لم يكسّر (بُرٌّ وتَمْرٌ)، لأنه من المخلوقات. فأمّا (تخُمٌ)، فإنه تكسير (فُعَلَةٍ)، كما أن (فُعْلَة) تكسيرها (فُعَلٌ)، فليس تُخَمٌ كرُطَبٍ، لأنّك تقول: هو الرُّطَبُ، كما تقول: [154/ب] هو التَّمْرُ، فتذكّره كما تذكّر الواحد، والتُّخَمُ، والظُّلَمُ وما أشبهه مؤنث. قال أبو علي: يقول أبو العباس: الواحد من هذا الباب فيه هاء التأنيث والجميع لا هاء فيه، كبقرة وبقر، فلو جعل الفصل بين المذكر والمؤنث إثبات الهاء وحدها وحذفها لالتبس الواحد المذكر بالجمع، ولو جعل الاسم الذي فيه الهاء كبقرة للمذكر، وزيدت عليه علامة أخرى للمؤنث لم يجز أيضًا، لأن علامتين للتأنيث لا تجتمعان، فلما لم يجز ذلك، صيغ للمذكر لفظ من غير لفظ المؤنث كثَوْرٍ في ذَكَر بَقَرَةٍ. قال: وقد قالوا: حَلَقٌ وفَلَكٌ، ثم قالوا: حَلْقَةٌ وفَلْكَةٌ، فخفَّفوا في الواحد حيث ألحقوه الزيادة وغيّروا المعنى.

هذا باب نظير ما ذكرنا من بنات الياء والواو التي الياءات والواوات فيهن عينات

قال أبو علي: لما رُدَّ الجمع إلى الواحد وأُلحق التأنيث فقيل: حَلْقَةٌ، وغيّر المعنى غُيِّر البناء، كما أن الاسم لمّا ألحق ياء الإضافة. وغيِّر معناه بهما، غُيِّر بناؤه. ... هذا باب نظير ما ذكرنا من بنات الياء والواو التي الياءات والواوات فيهن عَيْناتٌ قال: وقالوا: فَوْجٌ وفُؤُوجٌ، كما قالوا: نَحْوٌ ونُحُوٌّ كثيرة. قال أبو علي: وقوله: وهذا لا يكاد يكون في الأسماء، يريد تصحيح الواو إذا كانت لامًا، لا يكاد يجيء في الجمع، إنما تصح في المصدر نحو (العُتُوِّ)، وجميع المصادر من هذا الضَّرب، فأما الجمع فإن الواو التي هي لام تنقلب فيه ياء كالدُّلِيِّ، والحُقِيّ وما أشبه هذا. وإنّما صح في

المصادر واعتلّ في الجمع أن الواو أثقل من الياء والجمع أثقل من الواحد، فأُبدل الواو في الجمع للتخفيف ياء. ومن قول سيبويه والخليل: إنّ (دِيكًا وفِيلاً)، وما أشبه ذلك يجوز أن يكون (فِعْلاً وفُعْلاً)، ويستدلان على إجازتهما، أن يكون (فُعْلاً) بقولهم: (بِيضٌ) فيقولون: إنه جمع (أفْعَل)، وحكمه أن يكون (فُعْلاً)، مثل (أحْمر، وحُمْرٌ)، فلما كانت ضمة فاء الفعل تقلب العين التي هي ياءٌ واوًا أبدلت من الضمة كسرة، لتصح الياء، فقيل (بِيضٌ)، فإلى هذا يَرُدّان (ديكًا وفيلاً)، ويُغيِّران البناء والبناء والياء والياء.

فأمّا أبو الحسن فيقول: إن (ديكًا) (فِعْلٌ)، وكذلك جميع ما أشبهه، ويقول: لو كان (فُعْلاً) لانضمّت الفاء؛ وكذلك يقول: إذا بُني مثال (فُعْلٍ) من (البَيْع) {قيل} (بُوع)، والأوّلان يقولان: (بِيع). ويقول أبو الحسن في (بِيضٍ)، جمع (أبْيَضَ) ونحوه: إنما كسرت الفاء كراهية الواو في الجمع، كما قلبت في باب (حُقِيٍّ) وما أشبهه، وصحّ في (عُتُوٍّ)، وكذلك قلبت من الضمة في (بِيض) كسرة لأنه في جمعٍ فهو تغيير الواحد والجميع في هذا دون البناء، ويستدل بكل واحد من الجمعين على الآخر، ولا يقيس الآحاد عليه. ومن قوله في (مَعِيشَةٍ): إنّه (مَفْعِلَة)، ومن قول الخليل وسيبويه: [154/ب] إنه يجوز أن يكون (مَفْعِلَة) و (مَفْعُلَة) كما قالوا ذلك في (دِيكٍ) ونحوه.

قال المازني: فسألته. عن (مَفْعُولٍ) من البَيْع، وقوله فيه: (مَبيع): هلا قلت على هذا (مَبُوعٌ)، لأن المحذوف عندك واو (مَفْعُول) دون العين، فلم يُبدل من الياء والواو لأنه في واحد، قولك: إنّك إنما تُبدل في الآحاد دون الجمع، فألزمه المناقضة في قوله. قال: وقالوا في (فِعْلٍ) من بنات الواو: (رِيحٌ وأرْواحٌ ورِياحٌ)، ونظيره (أبْآرٌ، وبِئارٌ)، وقالوا فيه (فِعالٌ) كما قالوا في (فَعْلٍ) من الواو، ولم يجعلوه بمنزلة ما هو من الياء. قال: كما أنّه غلب على (فَعْلٍ) من الواو الفِعالُ، فكذلك هذا، فَرّقوا بينه وبين (فُعْلٍ) من الياء، كما فرقوا بين (فَعْلٍ) من الياء (وفَعْلٍ) من الواو. قال أبو العباس: فرقوا بينه وبين (فُعْل) من الياء والواو من الياء لم يذكره، وإنما ذلك لأن (قِيل) يصلح أن يكون (فُعْلاً). قال أبو علي: فقالوا فيه: (فِعْلان)، ولم يقولوا: (فُعُول) كما قالوا في دِيكٍ الذي يجوز أن يكون فُعْلاً دُيُوك.

قال: وقد قالوا: (فَعْلَة) في بنات الواو، وكسروها على (فُعَل) كما كسروا (فَعْل) على بناء غيره. قال أبو علي: يريد: إنهم كسّروا (فَعْل) على (أفْعال)، وليس (أفْعال) بباب (فَعْل). قال أبو علي: يمتنع تحريك العين من (فَعْلة) إذا كانت ياءً أو واوًا في الجمع بالياء، لأنها إن حركت لزم أن تنقلب لتحركها، وتحرك ما توسط فلذلك لم تحرك العين من (ضَيْعَةٍ ونَوْبَةٍ) إذا جمعتا بالتاء، كما تتحرك من (صَفْحَةٍ) وما أشبهها. قال: وأما ما كان من (فِعْلة)، فهو بمنزلة غير المعتل، وذلك قولك: قِيمَة، وقِيماتٌ، ودِيمَةٌ، ودِيماتٌ، وقِيَمٌ، ورِيَبٌ، وديَمٌ. قال أبو علي: الدليل على أنّ دِيمَة (فِعْلَة)، قولهم: (دِيَمٌ)، فجمع على (فِعَلٍ) ولو كان (فُعْلَة)، كما أن دِيكًا يجوز أن يكون عنده (فُعْلاً) لقيل في جمعه: (دُوَمٌ) كقولهم في ظُلْمَةٍ: (ظُلَمٌ).

قال: وإنما أعملت الفِعَل في بنات الياء والواو، لأن الغالب الذي هو حد الكلام في فَعَلَة في غير المعتل الفعَال، وفي نسخة: والفُعَل منقوص من فِعالٍ. قال أبو علي: لما كان فَعْلَة في الصحيح بابه أن يُجْمع على (فِعالٍ) مثل: رَقَبَة ورِقاب وجب أن يجمع ما كان من المعتل بزنته على (فِعالٍ) أيضًا، فجمع على (فُعَل) نحو: جُرَذٍ جمع على (فِعْلانٍ)، كما جُمع ما كان على (فعَال) على (فِعْلان) نحو: غُراب وغِرْبانٍ، لأن (فُعَل) مقصور من (فُعال).

هذا باب ما يكون واحدا يقع على الجميع من بنات الياء والواو يكون واحده من بنائه ولفظه [155/أ]

هذا باب ما يكون واحدًا يقع على الجميع من بنات الياء والواو يكون واحده من بنائه ولفظه [155/أ] قال: وأما ما كان (فِعْلاً)، فقصته قصة غير المعتل، وذلك قولك: تِينٌ وتينَةٌ وتِيناتٌ، وطِينٌ وطِينَةٌ وطِيناتٌ. قال أبو علي: طِينَةٌ وطِينٌ، يحتمل عنده أن يكون (فِعْلَة)، وأن يكون (فُعْلَة)، فلا يحكم بأحد البناءين دون الآخر، كما حُكم في (دِيمَةٍ) أنها (فِعْلَة) لقولهم: (دِيَم) لأنه لو كان (فُعْلَة) لكان: دُوَم)، كقولهم: إنَّ (فِعْلَة) دون (فُعْلَة)، بقي احتمال الوزنين قائمًا فيه.

هذا باب ما هو اسم واحد يقع على جميع وفيه علامة التأنيث

هذا بابُ ما هو اسمٌ واحدٌ يقعُ على جميعٍ وفيه علامة التأنيث قال: وبيَّنوا الواحدة بأن وصفوها بواحدة. أي فقالوا: بُهْمى واحدة، فبانت الآحاد من الجمع بأن وُصفت بقولهم (واحدة). قال: فلم يجيئوا بعلامة سوى العلامة التي في الجمع، ليفرّق بين هذا وبين الاسم الذي يقع على الجميع وليست فيه علامة التأنيث، وتقول: أرْطى وأرْطاةٌ. قال أبو علي: يريد: ليست العلامات التي في بُهْمَى، وطرْفاءَ، وما ذكره للإلحاق، فتلحق بواحدة علامات التأنيث ثم تحذف من الجميع ليكون فصلاً بينه وبين الواحد، كما كانت الألف في أرْطى للإلحاق، فجاز أن تلحق علامة التأنيث، ليصير فصلاً بين الواحد والجمع.

هذا باب ما كان على حرفين وليست فيه علامة التأنيث

هذا باب ما كان على حرفين وليست فيه علامة التأنيث قال: وإذا جمعوا بالواو والنون كَسَروا الحرف الأول وغيّروا الاسم، وذلك قولهم: سِنُونَ، وقِلُونَ ومِئونَ. قال أبو علي: تكسير هذا الضرب الذي ليس حكمه أن يجمع بالواو والنون إذا جمع بهما لأنه كان من حكمه أن يكسّر ولا يصحح كما يصحح جمع ما يعقل بغير هذه الأسماء، فإن جمع بالواو والنون {تغيَّر} عمّا كان عليه قبل الجمع ليكون تكسير (مائَةٍ) الكسرة في (مِئُونَ) {و} ليست الكسرة التي كانت في (مِئَة)، وإنّما هي للجمع كما أن

الألف في (تَهامٍ) ليست الألف التي كانت في (تِهامِيّ). قال: والتاء تدخُل على ما دخلت فيه الواو والنون، لأنها الأصل. أي: لأن الجمع بالتاء فيما كان على حرفين فيه تاء التأنيث الأصل. قال أبو بكر: أي لم يقولوا: (أمونَ) حيث قالوا: (إماءٌ)، (وأامٌ) فردُّوا ما ذهب وإنما يجمعون بالواو والنون ما لم يردوا إليه ما حذف في أكثر الأمر. قال: فقد يستغنون بالشيء عن الشيء.

هو كما استُغني بالجمع بالواو في (قُلَةٍ) عن تكسيره على (قُلاتٍ)، كما استغني في غير (قُلَةٍ) بالواو عن غيره من ضروب الجمع. وقوله: وقد يستعملون فيه جميع ما يكون في بابه. هو كما استُعمل [155/ب] في (بُرَةٍ) أن جمع بالتاء من حيث كان في واحدة التاء، وإن جمع بالواو من حيث كان ناقصًا، وعلى (فُعَل) من حيث كان وزنه (فَعْلَة)، فقد استعمل فيه جميع ما يكون فيه من ضروب الجمع. قال: فقلت: فهلاّ قالوا: أرْضُونَ كما قالوا: أهْلُونَ؟.

قال أبو بكر: قالوا: أرَضُون، لأنهم لم يستعملوا أرْضَةَ ألبتّة، فأشبه المنقوص من هذه الجهة. قال أبو علي: يعني أن (أرْض) يلزم أن يكون فيها علامة التأنيث، إذ كان مؤنثًا كما كان يلزم أن تثبت لام (سَنَةٍ) فيها، فلما لم تثبت علامة التأنيث في (أرْضٍ) مع أن ثباته كان لازمًا، كما أن اللام في (سَنَةٍ) لم تثبت مع أن ثباته كان لازمًا أشبهتها في ذلك فجُمعتْ كما جُمعتْ لموافقها إيّاها في النقص. قال: وقد قالوا عِيراتٌ، وقالوا: أهْلاتٌ، فخَفَّفوا، شبَّهوها بصَعْباتٍ. قال أبو علي: يريد، شبَّهوا (أهْلاتٍ) وإن كان اسمًا (بصَعْباتٍ) التي هي صفة فلم تحرّك عينُها في الجمع بالألف والتاء، كما حركت العين من

(جَفَناتٍ)، ووجه الشبه بين (أهْلات) وبين (صَعْبات) وسائر الصفات أنه اسم جمع بالواو والنون، والألف والتاء كما تجمع الصفة إذا كان للمذكر بالواو والنون، وإذا كان للمؤنث بالألف والتاء. قال: وقد قالوا: إمْوانٌ جماعة الأمَة كما قالوا: إخْوانٌ. قال أبو علي: يقول: لما كان أمَةٌ (فَعَلَة)، ولم يعتدّ بعلامة التأنيث فيه في الجمع لزم أن يكسّر على (فِعْلان) كما يكسّر (فَعَل) عليه إذا كُسِّر للجمع الكثير على (فِعْلان)، كأخٍ، وإخْوانٍ، وبَرْقٍ وبِرْقانٍ وما أشبه ذلك.

هذا باب تكسير ما عدة حروفه أربعة أحرف للجمع

هذا باب تكسير ما عدَّةُ حروفه أربعة أحرف للجمع قال: وأمّا ما كان من الياء والواو فإنّه لا يجاوز به بناء أدنى العدد كراهية هذه الياء. قال أبو علي: يقول: لو جمع ما كان من الياءات والواوات التي هي لاماته الجمع الكثير للزم أن يقال على قول من قال (رُسُلٌ) (رُشُوٌ)، فيقع آخر الاسم واوٌ قبلها ضمة، ثم يلزم أن تُبْدل الضمة كسرة، والواو ياءً، فيصير (رُشِيّ) فتجتمع ياء قبلها كسرة قبلها ضمة، فهذا الذي كان يلزم في التثقيل على قول من قال (رُسُلٌ)، ولو خفف على (فُعْلٍ) لصارت فيه ياء قبلها ضمة وبينها حرف ساكن، فيصير كأنه (سُعْيٌ ورُشْيٌ)، والساكن يقول فيه إنه ليس بحاجز قوي. قال الأخفش: والدليل على أنّ الأصل التثقيل أنهم يقولون: طرفَت. قال أبو علي: يقول: الدليل على أنهم يريدون في التخفيف الحركة التي عنها خففت الكلمة أنّهم يقولون: طَرَفَت، فيحركونه لالتقاء

الساكنين [156/أ]. الصَّرف بالحركة التي يُحرك بها من لا يخفف. قال: وقالوا حين أرادوا الأكثر (ذِبَّانٌ)، ولم يقتصروا على أدنى العدد، لأنّهم أمِنُوا التّضعيف. قال أبو علي: يقول: لم يقتصروا على (أذِيَّةٍ) كما يُقتصر على (أخِلَّة) لأنه لما جُمِعَ (فُعالٌ) في الكثير لم يقع تضعيف، كما يلزم وقوعه في جمع (فِعال) لو قلت (فِعْلَل). قال: خالفَتْ (فَعِيلاً) كما خالفتها (فُعالٌ) في أوّل الحرف. قال أبو علي: يقول: (فَعُولٌ) تجمع على (فِعْلان)، و (فُعال) تجمع على فِعْلانٍ، (وفَعِيل) يجمع على (فُعْلانٌ) مثل: رَغيفٌ، ورُغْفانٌ، فلذلك كان مخالفًا في أول الحرف.

قال: وقال بعضهم: ذِفْرَى وذَفارٍ، ولم يُنَوِّنوا ذِفْرى. قال أبو علي: يقول ذَفارٍ من يقول: ذِفْرَىن فيجعل الألف للتأنيث دون الإلحاق، والباب إذا جعل الألف للإلحاق أن يُقال: ذَفارٍ، كأرْطى وأراطٍ، ومن لم ينوّن ذِفْرَى وقال: ذَفارٍ، شبَّه ألف التأنيث بألف الإلحاق لمّا شبّهه به في قوله: حُبْلَوِيّ، فقال: ذَفارٍ كما قال: حُبْلَويٌّ، والوجه ذَفارى كما أن الوجه حُبْلِيٌّ. قال: وكذلك ما كانت الألفات في آخره للتأنيث، وذلك صَحْراء وصَحارى، وعَذْراء وعَذارَى، وقد قالوا: صَحارٍ، حذفوا الألف التي قبل علامة التأنيث. قال أبو علي: قوله: حذفوا الألف التي قبل علامة التأنيث، يريد، الألف قبل الهمزة، حذفت في التكسير، ليكون آخر (صَحارى)، كآخر (حَبالى) فيتَّفقا في التكسير كما اتّفقا في التأنيث، ومن قال: صَحارٍ، أجرى الهمزة والألف اللتين للتأنيث مجرى الهمزة التي للأصل والتي بمنزلة الأصل، نحو (عِلْباء)، كما أجرى ألف (ذِفْرَى) غير منونة مجرى الألف من (أرْطَى)، إلا أنه حذف الألف من (صحراء) لمّا قال: (صَحارٍ)، كما

حذف الياء الأولى من (أثْفِيَّةٍ)، والألف من (معْطاءٍ) حين قالوا: أثافٍ، ومَعاطٍ. قال: جعلوا (صَحْراء) بمنزلة ما في آخره ألفٌ، إذ كانا أواخرهنّ. يعني: (حمراء)، و (حُبْلى) علامات التأنيث مع كراهيتهم الياءات حين قالوا: مَدَارَى، ومَهارى. قال أبو علي: يقول: حذفت الياء الأولى من صحارى في قول من قال: (صَحارٍ)، ولم يجز غير الحذف، إذ قد جاء الحذف فيما لم يكن للتأنيث نحو: (أثافٍ) قلبت الياء ألفًا فيما كان للتأنيث نحو (صَحارَى وحَبالَى) إذ قد قلبت الياء ألفًا في مثل (مَدارى، ومَهارى)، وليس شيء من ذلك للتأنيث.

قال: وقد يقولون: ثلاثُ صَحائفَ، وثلاثُ كَتائبَ، وذلك لأنّها صارت على مثال {فَعالِلَ} نحو حَضَاجِرَ، وبَلابِلَ. قال أبو علي: يعني بقوله: (حَضاجِر)، أن بنات الأربعة لا تأتي على أمثلة أدنى العدد إذا كان ذلك المثال يُحذف بعض حروفه، فلما صار (صحائف) على مثال الأربعة لم يجمعه على أدنى العدد وخرج على الأكثر. قال: [156/ب] والتاء أمرها ها هنا كأمرها فيما قبلها.

أي الجمع بالتاء. قال: وكلُّ شيء كان {من} هذا أقلّ كان تكسيره أقلَّ كما كان ذلك في بنات الثلاثة. قال أبو علي: التكسير تصريف، فإذا قلَّ الشيء قلّ تكسيره. قال: وقوله من بنات الياء أضاءَةً وأضاءٌ ... قال أبو علي: أضاءةٌ لغة قوم يمدون، وقد يقصر فيقال: (أضًا)، مثل أكَمَةٌ، فإذا كُسِّر قيل: (أضاءٌ) مثل (أكامٌ)، وإذا جمع بحذف التاء قيل: (أضا) مثل (أكَمٍ).

قال: وما لم يُلْحَقْ ببنات الأربعة وفيه زيادة وليست بمدَّة، فإنّك إذا كسَّرته كسّرته على مثال (مَفاعِل)، وذلك تَنْضُب وتَناضِبُ وأجْدَلُ وأجادِلُ. قال أبو علي: ليست زيادة الإلحاق كما كانت زيادة (سَبَنْتَةٍ) و (جَدْوَلٍ) له لأنه ليس في الكلام مثل (قَحْطُب)، فيكون تَنْضُب ملحقًا به، كما كان فيه مثال: (جَعْفَر)؛ فأما الهمزة في (أجْدَل)، و (أخْبَل)، وباب (أفْعَل) كله فليس للإلحاق، إنما هو للبناء فقط، ولو كان للإلحاق لما أدغمت مثل (أصَمّ، وأدَنّ)، لئلا يخرج على مثال (جَعْفَر)، ويوازن حركاته وسكونه حركاته وسكونه.

قال: وكما قال بعضهم: غائِطٌ وغِيطانٌ، وحائِطٌ وحِيطانٌ، قلبُوها حين صارت الواو بعد كسرة والأصل فُعْلان. قال أبو العباس: قوله: في (حِيطان) الأصل (فُعْلان)، أي الأكثر (فُعْلان) لأن حيطان (فُعْلان)، هذا لا يكون فلو كان (فُعْلان) لم يكن إلا (حُوطان) وكيف يحكم على (حيطان) بفُعْلان، وقد جاء (جِنَّانٌ). قال: وقد كسَّروه على (فِعالٍ) بمعنى (فاعِلاً) حيث أجروه مجرى فَعِيل. يقول: قالوا: صاحِبٌ وصِحابٌ، وراعٍ ورِعاءٌ، كما قالوا: فِصالٌ في جمع فَصيلٍ.

هذا باب ما يجمع من المذكر بالتاء لأنه يصير إلى تأنيث

هذا باب ما يُجمع من المذكّر بالتّاء لأنّه يصير إلى تأنيث قال: ولم يكسروه على بناء الجموع، لأنه يصير إلى التأنيث. أي: لأنّه إذا جُمع صار إلى تأنيث لأن الجماعة تؤنث.

هذا باب ما جاء بناء جمعه على غير ما يكون في مثله

هذا باب ما جاء بناء جمعه على غير ما يكون في مثله قال: وإنما يجري التحقير على أصل الجمع. (يعني أصل الجمع: الواحد المجموع)، إذا أردت بما جاوز ثلاثة أحرف مثل مَفاعِلَ ومَفاعِيلَ. قال أبو علي: أي لأنه قد يكون جُمِع على غير مثال مَفاعِلَ ومَفاعِيلَ. قال: وقال بعضُ العرب: أمْكُنٌ كأنّه جمْعُ مَكْنٍ لا مكانٍ. قال أبو العباس: هو جمع (مَكانٍ)، بحذف الزوائد، وكذلك (كِرْوان) جمع كَرَوان كأنه جمع (كَرًا)، مثل (بَرْقٍ وبَرِقان)، ونظير هذا الجمع من

هذا باب ما عدد حروفه خمسة أحرف خامسه ألف التأنيث

التصغير ما يُصغّر مرخّمًا. ... هذا باب ما عدد حروفه خمسة أحرف خامسه ألف التأنيث [157/أ] قال: في جمع حُبارى حُبارِيّات، قال: ولم يقولوا: حَبائِرُ ولا حَبارَى ليُفرِّقوا بينها وبين (فَعْلاءَ)، (وفِعالَةَ). قال ابو علي: قوله: ليُفرِّقوا بينها وبين (فَعْلاءَ وفِعالة)، فلأنّ (فَعْلاء) تُجمع على (فَعالى)، نحو صَحْراء وصحارَى، (وفِعالة) تجمع على (فَعايِل) نحو رِسالةٍ ورَسائِل. قال: وقالوا: أنَاسِيَةٌ لجمع إنسان. قال أبو العباس: أناسَيَةٌ، جمع إنْسِيٍّ والهاء عِوَضٌ من الياء المحذوفة لأنه كان يجب أناسِيّ.

هذا باب ما لفظ به مما هو مثنى كما لفظ بالجمع

هذا بابُ ما لُفِظَ به مِمّا هو مُثنّى كما لُفِظَ بالجمع قال: وقال تعالى: "وإن كان له إخوةٌ". قال أبو علي: (إخوَةٌ) جمع عُنِي به الاثنان ها هنا في قول من حَجَبَ الأمّ عن الثُّلُث بهما، كما حجب بالثلاثة وما فوقهم عنه.

قال: لأنّك لا تريد بقولك: هذه أنْعامٌ ما تريد بقولك: هذا رجلٌ، وأنت تريد: هذا رجلٌ واحدٌ. أي: فتثبته من حيث كان واحدًا، ولا تُثنِّي الجمع، لأنك تريد التكثير. قال: ويكون ثلاثةُ كِلابٍ على غير وجه ثلاثةُ أكْلُبٍ. قال أبو علي: كِلابٌ قد جاء فيه أكْلُبٌ، وقُروء، وليس فيه بناء أدنى العدد فشُبِّه ما جاء فيه أدنى العدد بما لم يجئ فيه أدنى العدد، فأضيف العدد إلى الكثير، وإن كان فيه أدنى العدد كما يضاف العدد إلى الكثير الذي ليس فيه بناء أدنى العدد.

هذا باب ما هو اسم يقع على الجميع

هذا باب ما هو اسمٌ يَقَعُ على الجميع قال: والدّليل على ذلك أنّك تقول: هو الأدَمُ وهذا الأديمُ. قال أبو علي: أي فتذكر، ولو كان جمعًا مكسَّرًا عليه الأديم، لأنَّثْتَه. وقولهم: هذه صُحْبَةٌ، فإنّما أنّثَ لأنه اسمٌ مؤنّث فيه علامة التأنيث وهذه الأسماء المسمّى بها الجمع كالآحاد، فكما تؤنّث الأسماء المصوغة للجمع وتذكّرها إذا كانت مذكرة، إذ هي مثلها في الحالين. قال: ومثل ذلك من كلامهم، أخٌ وإخوةٌ، وسَرِيٌّ وسَراةٌ. قال أبو علي: سَرِيّ فَعِيلٌ، وسَراةٌ فَعَلَةٌ، وليس هذا جمعه على القياس.

هذا باب تكسير الصفة للجمع

وقوله: ويدلّك على هذا قولهم سَرَواتٌ. يقول: لو كانت (فَعَلَةٌ) هنا جمعًا مكسرًا عليه فَعِيل كما كسّر عليه (فاعِلٌ)، لم يقل سَرَواتٌ، ولم يجمع، لأن (فَعَلة) الذي هو جمع تكسير غير اسم جمع لا يكسر كما كسِّر (أسْقِيةٌ)، فقيل: (ساقٍ)، وسائر الجموع، ولذلك لم يجد جمع (فَعْلة) في باب جمع الجمع، وأخٌ على (فَعِل)، وإخْوَةٌ على (فِعْلة) وليس هذا جمعه على القياس. ... هذا باب تكسير الصفة للجمع أمّا ما كان فَعْلاً فإنه يكسَّر على فِعالٍ، ولا يُكسَّر على بناء أدنى العدد. قال أبو علي: [157/ب] هذا القبح إقامة الصفة للموصوف، وأكثر ما يحتاج إلى أدنى العدد لإضافة الثلاث فما فوقها إلى التسعة إليه.

قال في قولهم: في جمع شاةٍ لَجَبَةٍ: إنما جاءوا بالجمع على هذا. أي: على حدّ ما عليه الواحد المفتوح العين، لأن العين فتحت كما فتحت في الأسماء نحو: قَصَعات. قال: وقد كسَّروا ما استُعمل منه استعمال الأسماء على (أفْعُلٍ)، وذلك عبدٌ وأعْبُدٌ. قال أبو علي: استعمالهم لعَبْدٍ استعمال الأسماء أنّك تقول: هذا عبدٌ ولا تكون تقول: هذا رجلٌ عَبْدٌ.

هذا باب تكسير ما كان من الصفات عدة حروفه أربعة أحرف

قال: وأمّا ما كان على أفْعال، فإنّ مؤنثه إذا لحقته الهاء جُمع بالتاء نحو: بَطَلةٍ وبَطَلاتٍ، من قبل أن مذكّره لم يجمع على فِعالٍ فيكسر هو عليه، ولا يُجمع على أفْعال، لأنه ليس مما يكسَّر عليه (فَعَلَةٌ) كما لا يُجمع مؤنث فَعْلٍ على أفْعُلٍ. قال أبو علي: أيضًا هنا (فَعْل) يجمع على (أفْعُل) إذا كان اسمًا (وفَعَلٌ) على (أفْعال). كما أنك إذا ألحقت (فَعْل) علامة التأنيث فقلت: (فَعْلَة) لم تجمعه على أفْعُل. ... هذا باب تكسير ما كان من الصفات عدَّةُ حروفه أربعة أحرف قال: وليس فُعُلٌ وفُعَلاءُ بالقياس المتمكن في هذا الباب. يعني في جمع (فاعِل)، ومثله: صالِحٌ وصُلَحاءُ، وقد جاء، أي

(فاعل) على (فِعال)، كما جاء فيما ضارع الاسم. قال أبو علي: الذي ضارع الاسم نحو صاحِبٍ وصِحابٍ. {رجع} حين أجري مجرى (فَعيلٍ)، أي أجري فاعِلٌ مجرى فَعيلٍ. قال أبو علي: قوله: وجاء على فِعال، أي كُسِّر فاعِلٌ على فِعال فيما ضارَع الاسم، والذي ضارع الاسم من الفاعل فكسر على فِعال، هو مثل صاحِب وصِحاب، وإنما كسِّر على (فِعال) المضارع للاسم وغير المضارع، لأنه أجرى مجرى فَعيل، فكُسِّر كما كسِّر فَعيل عليه حين قالوا: ظَرِيفٌ، وظِرافٌ، وكَريمٌ وكِرامٌ، وإنّما أجري مجرى فَعيل فكُسِّر كما كُسِّر فَعيل، كما أجري مجرى فَعُول فكُسر كما كُسر عليه، وذلك لما قال من موافقتهما الفاعل في الزنة وحرف اللين، وكما أجرى مجرى فعيل فكسر على (فِعال)، كذل أجري مجراه، فكسر على (فُعْلان) كما كسر فَعيل عليه، فقيل في راكب [158/أ] ونحوه، رُكْبانٌ كما قيل: ثُنْيٌ وثُنْيانٌ، وأجرى كل واحد من هذه المتفقات مجرى صاحبتها في التكسير كما وافقه في البناء وحرف اللين وأنه صفة. قال: وقد اضطر الفرزدق فقال: نَواكِسَ الأبْصارِ

لأنك قد تقول: هي الرِّجالُ، كما تقول: هي الجِمالُ، فشُبِّه بالجمال. قال أبو علي: يقول: كما جاز أن تكسّر ما يعقل وتؤنّثه وتجريه مجرى غير الأناسي وما يعقل، كذلك جاز أن تجمعه على (فَواعِلِ) كما تجمع غير الأناسي عليه كبَوازِلٍ وما ذكره. قال: فدخل هذا، يعني (أفْعال)، على بنات الثلاثة، كما دخل هذا. يعني: (أفْعال)، دخل على (فاعِل)، كما دخل على فعيل.

قال: وزعم الخليل أن قولهم ظَريفٌ وظُرُوفٌ لم يُكسّر على ظَريفٍ، كما أن المذاكير لم تكسر على ذكر، قال أبو عمرو: أقول في ظُروفٍ، هو جمع ظَريفٍ كُسِّر على غير بنائه، وليس مثل (مَذاكِير)، والدّليل على ذلك، أنّك إذا صغَّرت قلت: ظُرَيِّفُون، ولا تقول ذلك في (مَذاكِير). قال أبو علي: يستدل على أنّ الظُّروفَ ليس كمذاكير، بأنّه إذا صغّر ظُروفًا قال: ظريِّفون، فردّه إلى واحده، ولا يُردُّ مذاكير في التصغير إلى واحده المستعمل، إنما تقول: مُذَيكيراتٌ، ولا تقول: ذُكَيْراتٌ ولا أذَيْكارٌ، فلو كان ظُروف كمَذاكير، لم يردَّه في التَّصغير إلى واحده، كما لم يُردّ فيه مذاكير إلى واحده المستعمل.

قال: وليس شيء من هذا وإن عَنَيْتَ به الآدميين يُجْمع بالواو والنُّون كما أنّ مؤنثه لا يُجمع بالتاء. قال أبو العباس: يقول: لا يُجمع (فَعُول) بالألف والتاء، والواو والنون، وإن عَنَيْتَ الآدميين، لأنه لم يفرّق بين المؤنث والمذكر في واحده، فكذلك لم يفرق بينهما في جمعه. قال: ومثل هذا مَرِيٌّ وصَفِيٌّ. أي: مثل ما لم يجمع بالتاء. قال: وقالوا للمذكّر جَزُور وجَزائر، لمّا لم يكن من الآدميين، صار في الجمع كالمؤنث.

قال أبو علي: يقول: (جَزُورٌ) وإن كان مذكرًا فقد كسِّر تكسير المؤنث، لمّا لم يكن من الآدميين، لأن ما لم يكن منهم أجري مجرى الموات وإن كان حيوانًا في الجمع، فيقال: هي الجمال، كما يقال: هي الجُذُوع، وقد أجري الآدميّ لما جمع هذا الجمع مجرى الموات، فغير الآدميّ به أوْلى، وعلى هذا جُمع الحائط على الحوائط وإن كان مذكرًا. قال: وقالوا: رجلٌ وَدُودٌ ورجال وُدَداءُ، شبَّهوه بفَعيل، لأنّه مثله في الزّنة والزيادة، ولم يتَّقوا التضعيف، لأن هذا اللفظ في كلامهم نحو خُشَشَاء. قال أبو علي: يقول: لم يكرهوا التضعيف الواقع في الجمع في قولهم: وُدَداءُ لأنه غير خارج عما يكون عليه الآحاد، نحو خُشَشاءَ، وقِدَدٍ،

وخُزَرٍ، ونحو ذلك من الأسماء التي يصح فيها المضاعف، لأنه ليس على أمثلة [158/ب] الأفعال. قال: وقالوا: عَدُوٌّ وعدُوَّةٌ، شبَّهوه بصديق وصديقة، كما وافقه من حيث قالوا للجميع: عَدُوٌّ، وصديق، فأجرى مجرى ضدِّه. قال أبو علي: وقوع عدوّ للجمع كقوله عز وجل: "فإن كان من قوم عدُوٍّ لكم". ووقوع (فَعيل) له أيضًا كقول الشاعر: فنِيَّتُنا ونِيَّتُهم فريقُ وقول الآخر:

دَعْها فما النَّحْوِيُّ مِنْ صَدِيقِها في موضع أصدقائها. قال: وزعم الخليل أن قولهم: هِجانٌ للجماعة بمنزلة ظِراف، وكسَّروا عليه فِعالاً، فوافق فَعيلاً ها هنا، كما يوافقه في الأسماء. قال أبو علي: يقول: إن (فِعالاً) مثل (فَعيل) في الزيادة والزِّنة كما كسِّر على (فِعال)، كذلك كُسِّر (فَعال) على (فِعال)، فوافق لفظه الواحد لفظ التكسير وليست الألف ولا الكسرة في هِجانٍ إذا أدرت به الجمع الكسرة والألف التي كانت في الواحد، وإن اتفقت في اللفظ، لأن هذه ألف (فِعال) التي تكون للجمع لا التي تلحق الواحد ككِتابٍ.

قال: وليس كجُنُب. قال أبو علي: لفظ الواحد والجميع فيه سواء، يقال: رجلٌ جُنُبٌ، وقومٌ جُنُبٌ. قال: وأما الفُعّال فنحو: الحُسّان، والكُرّام، تقول: شرابُونَ، وحُسّانون، كرهوا أن يجعلوه كالأسماء حيث وجدوا عنه مندوحة. قال أبو علي: حكم الأسماء التكسير، وحكم الصفات التصحيح، إلا ما استثني مما لا يدخل واحده علامة التأنيث نحو: مِعْطارٍ وما أشبهه وإنما كان حكم الصفات التصحيح لموافقتها الأفعال، والأفعال فاعلوها فيها بالواو، ولا تكسر، فكذلك حكم الصفات. قال: وقد قالوا: عُوَّارٌ وعَواوِير شبَّهوهُ بنُقَّاز ونَقاقِيز، وذلك أنهم قَلَّ ما يصفون به المؤنث، فصار بمنزلة مِفْعال ومِفْعِيل، ولم يصر بمنزلة فَعَّال،

فكذلك مَفْعُول. قال أبو علي: يقول: لما قلَّ وصف المؤنث به، صار بمنزلة مِفْعال، وما لا تدخله علامة التأنيث من الصفات لقلة وصف المؤنث به فكسِّر ولم يصحح. قال: ويقولون للمؤنث أيضًا: أمْواتٌ، فيوافق المذكّر كما وافقه في بعض ما مَضى. قال أبو علي: يعني أنه إذا كسر مَيْتًا للمؤنث، وإن كان تلحقه الهاء فيقال: مَيْتَةٌ، لم تثبت علامة التأنيث في التكسير، كما لم تثبت العلامة في أمْواتٍ جمع أمةٍ وفي غيره مما يكسر فيه علامة التأنيث، فكأنه كسر ما لا علامة للتأنيث فيه، أو كانت تسقط في التكسير، فلذلك وافق المؤنث فيه المذكر، وإن اختصت آحاد المؤنث بالعلامة.

قال: وقالوا: هَيِّنٌ وأهْوِناء، فكسّروه على أفْعِلاءَ، كما كسّر فاعِلٌ على فُعلاء، ولم يقولوا هُوَناء كراهية للضمة مع الواو. قال أبو علي: لما جُمع فَيْعَل جمعًا وافق فيه جمع فاعل، فقيل: [159/أ] مَيْتٌ وأمْوات، كما قيل: شاهِدٌ وأشْهاد، وصاحِبٌ وأصْحابٌ كذلك جمع ها هنا كما جمع فاعِلٌ، فقيل في جمع هَيِّن: أهْوِناء، كما قيل في جمع صالِحٍ: صُلَحاء، إلا أن فيما اعتلَّت لامُه أو عينُه نظير فُعَلاء، فما جمع على فُعَلاءَ من الصحيح جمع نظيره من المعتل على أفْعِلاء. أنشد: وكأنّ ريِّضها إذا ياسَرْتَها ...

قال: جعلوه بمنزلة سَدِيسٍ وجديد. أي: أنهما يقالان للمذكر والمؤنث على حال واحدة. قال: وقالوا: الآخَرُون ولم يقولوا غيره كراهية أن يلتبس بجماع الآخِرِ، ولأنه خلاف أخواته في الصفة. أي: يقال: رجالٌ آخَرونَ، فيجعل وصفًا بغير ألف ولام، وبغير أن يوصل بمن، والاستعمال في سائر أخواتها بالألف واللام نحو: الأصغرون. قال: وكذلك المؤنث. قال: وشبَّهوا فَعْلانَ بقولهم صَحْراءَ وصَحارَى. قال أبو علي: فَعْلان يشبه فَعْلاء، لأن علامة التأنيث لا تدخل على فَعْلان كما لا تدخل على فَعْلاء، وقد مضى وجوه الشبه بينهما فيما تقدم. قال: وقالوا: رَجُلٌ رَجِلُ الشَّعَرِ، وقومٌ رَجالى، لأن (فَعِل) قد يدخل في هذا الباب.

أي في باب فَعْلان. قال: وليس شيء من الصفات آخره علامة التأنيث يمتنع من الجمع بالتاء غير فَعْلاء أفْعَل، وفَعْلى فَعْلان، وافقن الأسماء كما وافق غيرُهنّ من الصفات الأسماء. قال أبو علي: يقول وافقن الأسماء في أن كُسِّرتا، ولم تُصحَّحا، كما صُحِّح الصفات، وإنما كان ذلك لأن المؤنث في الواحد لم ينفصل من المذكر بعلامة التأنيث. قال: وتقول: شاةٌ رَمِيٌّ، إذا أردت أن تُخبر أنها قد رُمِيَتْ. وقالوا: بئس الرميَّةُ الأرنبُ، وإنما يريد: بئس الشيء مما يُرمى. قال أبو علي: هذه الصفات التي على فَعيل، وقد دخلتها علامة التأنيث ليس المراد بها أنها قد أوقع الفعل عليها فصارت مفعولاً بها على الحقيقة، إنما معناها أنها معرضة لأن يفعل بها ذلك، ومهيّأة له ولو صارت مفعولاً بها على الصحة، لم تدخل علامة التأنيث، إلا أن يشذّ كلمة كنحو حَمِيدٍ وحميدة.

قال: وقالوا: عَقيمٌ وعُقُمٌ، شبَّهوها بجديد وجُدُدٍ، ولو قيل أنها لم تجيء على فُعِلَ، كما أن حَزين لم يجيء على حُزِنَ لكان مذهبًا. قال أبو علي: يريد أنّ (عَقيم) ليس هو فَعيل بمعنى مَفْعُول، كما أنّ (قَتيل) بمعنى مقتول، فلزم أن يجمع على فَعْلى مثل قَتْلى، وإنما هو فَعيل كان المراد بها غير مفعول، فجمع على فُعُل.

هذا باب بناء الأفعال التي هي أعمال تعداك إلى غيرك، وتوقعها به ومصادرها

هذا باب بناء الأفعال التي هي أعمالٌ تَعدّاك إلى غيرك، وتُوقِعُها به ومصادِرِها قال: وقالوا: لَوَيْتُهُ حقَّه لَيَّانًا على فَعْلانٍ. قال أبو العباس: (فَعْلان) لا يكون مصدرًا، إنما حقه (فُعْلانٌ أو فِعْلانٌ)، ولكنهم فتحوا أوّل هذا استثقالاً [159/ب] للياء مع الكسرة. قال: وحَرِدَ يَحْرَدُ حَرَدًا وهو حارِدٌ، وقولهم: فاعل يدلُّك على أنّهم جعلوه من هذا الباب. قال: قولهم فاعِلٌ من حَرِدَ يدلُّك على أنّهم جعلوه من باب سَكَتَ يَسْكُتُ ونحوه، ولو جعل من باب فَعِلَ يَفْعُل لجاء اسم الفاعل فَعِلاً، والمصدر حَرَدًا على فَعَل غير مخفف.

قال: وقالوا: الضَّعَة كما قالوا: العَوْسُ. أي فجاءوا بما كان من الهِياج وما قرب منه على فَعَلة كما جيء بالعَوْسِ ومعناه القيام بالشيء على فَعْل. قال: وجاءت الأسماء على فاعِل، لأنها جُعلت من باب شَرِبْتُ ورَكِبْتُ. أي من باب المتعدي، (وفَعِل) إذا كان غير متعدٍّ فاسم فاعِله {على} (فَعِل)، وإذا كان متعديًا فاسم فاعله على فاعِل.

هذا باب فعلان ومصدره وفعله

هذا باب فَعْلان ومصدرِه وفِعْلِه قال: وقالوا: عَجْلانُ، وعَجْلَى، وقد دخل في هذا الباب (فاعِلٌ)، كما دخل (فَعِلُ)، فشبَّهوه بسَخِطَ يَسْخَطُ، وهو ساخِطٌ، كما شبَّهوا (فَعِلٌ) بفَزِعَ يَفْزَعُ. قال أبو علي: ما جاء من باب فَعْلان على فاعِل فهو مشبَّه بسَخِطَ يَسْخَطُن لأن فَعِلَ على وزنه أعني الماضي والمضارع وما جاء منه على فَعِل فهو الماضي والمضارع، وما جاء منه على فَعِل فهو مشبّه بِفَزِعَ، لأن الفعلين في الوزن مثل الفعلين، فلما اتفقت الأفعال اتفقت أسماء الفاعلين أيضًا. ... هذا بابُ ما بُنِيَ على أفْعَل قال: واعلم أنهم يبنون الفِعْل على أفْعال نحو: اشْهابَّ، وادْهامَّ وايْدام. قال أبو علي: الأدْمَة فاء فعله همزة، فإذا بَنَيْتَ فيه مثل احْمارَّ

زدت على الهمزة التي هي فاء همزة الوصل، فاجتمع همزتان الفاء والوصل فقلبت الثانية ياء لكسرة الهمزة الأولى فصار (إيْدامَّ)، فإذا وصلته بكلام قبله سقطت التي للوصل، بقيت التي هي فاء فقلت: (قَدِايْدامَّ)، ولك في الياء التي انقلبت عن الهمزة التي هي فاء التحقيق والتخفيف. أما وجه التحقيق فلأنك كنت خفّفت الهمزة لاجتماع همزتين، فلما زالت العلة التي لها كانت قلبت ياء وهي اجتماع همزتين حَقَّقت فقلت: (قَدِئْدامَّ)، وعلى ذا قراءة من قرأ "يؤمِنُون" فحقق، لمّا قال: "آمَنَ" فأبدل الهمزة التي هي فاء ألفًا لاجتماع همزتين، قل: يؤمنون، لأن العلة التي لها كانت خُففت في (أأمن) مرتفعة ها هنا؛ هذا وجه قول من حقَّق مثل هذه الهمزات، وهو قياس، إلا أن تخفيفها أقيس وأشبه بما عليه مذاهب العربية وطرقها، لأنه إذا أعِلّ فِعل في موضع فلزم إعلاله أعِلّ في غير ذلك الموضع، وإن لم تكن في العلة الموجبة للإعلال [160/أ] فمن ذلك أنك أعللت عين قامَ وباعَ لتحركهما وتحرك ما توسطتاه، - فأتبعتهما بقُومَ وبَيْعَ في الإعلال، وإن لم يكن فيهما العلة التي في قامَ

وباعَ؛ ومنه: أنك تحذف الفاء من (يَعِدُ) لوقوعها أعني الواو بين الياء والكسرة، لم تُشبه سائر حروف المضارعة، وإن عريت من هذه العلّة؛ ومنه: أنك تحذف همزة الأفعال في قولك: (أنا أَفْعَلُ)، لاجتماع الهمزتين ثم تتبعه سائر الحروف وإن لم يجتمعا فيه. فتخفيف همزة (ايْدامَّ ويُومِنونَ) أقيس إذا رددته إلى هذه الأصول ووازنته بها، وهذه بحجج لأبي عمرو في قراءته "يُومِنون" وتخفيفه للهمز فيه وعلى هذا قرأ "ياصالحُ يتِناَ" لما حذف همز الوصل ترك الياء التي انقلبت عن الكسرة التي هي فاء من الإتيان لاجتماع همزتين، ولم يحقق الهمزة، ولكنه تركها على ما كانت تكون عليه من القلب في "ائتنا"، وإن كان قبلها ضمة، وهو لا يشبع الضمة لكن يشمّها، فهذا على قياس قراءته "يُومنون". ومن حقق الهمزة في "يُؤمنون" لزمه أن يحقق هنا، فيقول "ياصالِحُ ائْتِنا" فيحقق الهمزة التي هي فاء الفعل من (أتَيْتُ).

قال سيبويه في قراءة أبي عمرو "يا صالحُ يتِنا": هي لغة رديئة، يلزم من قال بها أن يقوم: يا غُلا مُوْجَل. قال أبو علي: وإنما ألزمه ذلك، لأن الياء المنقلبة عن الهمزة التي هي فاء في قوله "ياصالحُ يتِنا" ساكنة قبلها كسرة، فكما لم تقلب الياء الساكنة التي قبلها ضمة واوًا، كذلك يلزمه ألا يقلب الواو التي قبلها كسرة ياءً، فيقول: يا غُلاميْجَل. وخبّرني أبو بكر عن أبي العباس، أن أبا عثمان قال: لا يلزم أبا عمرو ما لزمه من قوله: (ياغُلام وْجَل)، لأنه لما قرأ "يا صالحُ يْتِنا" أشم الضمة وترك الياء الساكنة بعدها، قياسًا على قول من قال: قِيلَ، وسِيقَ فإلى هذا ردّ قراءته، وعليه قياسها. فأما (يا غُلامِ وْجَل)، فليس له في الكلام نظير فيرد إليه ويقاس عليه، فأبو عمرو في هذه القراءة ماض على أصله في "يُومِنون". وقد تقدم الاحتجاج له في "يُومنون".

هذا باب أيضا يكون للخصال التي تكون في الأشياء

هذا باب أيضًا يكون للخصال التي تكون في الأشياء قال أبو علي: أمليت في هذا الباب عند قوله: والطّول في البناء كالقُبْح وهو نحوه في المعنى، لأنه زيادة ونقصان. قلت: وضعُ الإعراب إنما هو استقراء وتتُّبع لكلام العرب، كأنه سمع قام زيدٌ، وضُرِبَ عَمروٌ وما أشبه ذلك من الأفعال والفاعلين، فلما استقرئ هذا وُجدتْ هذه الأسماء وما أشبهها، لا تخرج عن هذه العلامة التي هي الضمة، فلما سمع ذلك على ما ذكرنا، وضع أنّ الفاعل رَفْعٌ، وأجري ما لم يسمع فيه الرفع من العرب مجرى ما سمع منه، فإذا سمع كلمة شَذَّت مما عليه الجمهور، وخالفتها [161/أ] حفظت حفظًا، أو تُؤوّل لها جهة يرد هذا إلى الكثير، فإن لم يسمع فيه تأويل يلحقه بالأعمّ؛ حُكم بشذوذ، ورُوي رواية، ولم يُقل إنّ الأصل الموضوع على ما عليه الأكثر منكسر غير مطّرد، فلا يقول كقول القائل: قد سَالَمَ الحَيّاتِ منه القَدَما.

إن الفاعل نصبٌ ولكن يتأوله، أو يقول: إنه نادر عن بابه، وكما استقرئ باب الفاعل وما أشبهه على ما قلنا كذا استقرئت الأفعال وأبنيتها وأسماء فاعليها ومصادرها والمعاني التي وضعت هذه الأشياء عليها ووُسمت بها، فقيل: إن معنى كذا يختص به من أبنية الأفعال كذا ومن أبنية المصادر وأسماء الفاعلين كذا، - فتخرج عامة ذلك المعنى من الأفعال والمصادر، وأبنية أسماء الفاعلين على ما يوضح ويُعين كما يُخرج عامة باب الفاعل وما أشبهه على الوضع الذي أدَّى الاستقراء إليه عليهن فإن خرج شيء من أبنية المعاني التي يقال: إن البناء الذي يختص به كذا كان سبيله سبيل ما يخرج من باب الفاعل عن منهاجه، وما عليه الأعم الأكبر، وعلى هذا مجرى جميع أبواب العربية، والفصل بين هذا وبين باب الفاعل وما أشبهه، إن هذا استقراء في أنفس الكلم وذواتها وتلك فيما يلحق الكلمة بعد تمامها، والاستقراء يعمهما جميعًا. قال: وما كان من الرِّفعة والضِّعَة، وقالوا: الضِّعة فهو نحو من هذا. قال أبو بكر: قوله: وقالوا: الضّعَة، أراد أنه يقال: ضَعَةٌ وضِعَةٌ،

هذا باب علم كل فعل تعداك إلى غيرك

فلما ذكر أحدُهما ذكر الآخر، وإنما الكلام على وجهه، وما كان من الرِّفعة والضِّعَة فهو نحو هذا، قال: وهو قولك: ذلَّ يَذِلُّ ذُلاًّ وذِلَّة وذَليلٌ، فالاسم والمصدر يوافق ما ذكرنا قبلُ، كقولهم: بخيلٌ، وبُخْلٌ وقبيحٌ وقُبْحٌ، قال: فلما صارت مما يستثقلون فاجتمعا من ذاتها أي التضعيف والضّمّة. ... هذا باب علم كل فعل تعدّاك إلى غيرك قال في بعض قول بعض العرب كُدْتَ تَكادُ، فكما ترك الكسرة كذلك ترك الضّمة. قال أبو علي: يقول: فكما ترك الكسرة في كُدْتَ، كذلك تركت ضمة مُتَّ فقلت: مِتَّ.

هذا باب ما يجيء فيه الفعلة، تريد بها ضربا من الفعل

قال: فكما شَرِكَتْ يَفْعِلُ يَفْعُلُ .. أي فجاء (يفْضُلُ)، وكان حكمه (يفضَلُ) في (فَعُلت) وهو (كُدْت)، وكان حكمه (يفْعلُ). ... هذا باب ما يجيءُ فيه الفِعْلَةُ، تريد بها ضَرْبًا من الفعل قال: كما قيل: حِجَّةٌ يريد بها عملُ سُنّةٍ ولم يجيئوا بها على الأصل. أي: بغَزاةٍ وحِجَّةٍ على فَعْلَةٍ، فكان يقال: غَزْوَة، وحَجَّة، {ولكنه اسم لذا}، أي للعَملة الواحدة.

هذا باب نظائر ما ذكرنا من بنات الياء والواو

هذا باب نظائر ما ذكرنا من بنات الياء والواو [161/ب] قال: وقد جاء المصدر في هذا الباب على فُعَل، قالوا: هَدَيْتُهُ هُدًى، ولم يكن ذا في غير هُدًى، وذلك لأن الفُعَل لا يكون مصدرًا في هَدَيْتُ فصار هُدًى عِوَضًا منه، وقالوا: قَلَيْتُه قِلًى، وقَرَيْتُهُ قِرًى فأشركوا بينهما. قال أبو علي: جعلوا (هُدًى) عوضًا من المصدر في هَدَيْتُ، ولم يجيء له مصدرٌ لأن (هُدًى) صار عوضًا منه، والبدل والمبدل منه لا يجتمعان. وقوله: بينهما أي بين (فُعَل، وفِعَل)، في أن جعلا عوضًا من المصدرين. قال: فدخل كل واحد منهما على صاحبه.

هذا باب نظائر بعض ما ذكرنا من بنات الواو والواو التي هي فاء

قال أبو علي: دخول كل واحد منهما على صاحبه أنك تقول في جمع جِذْوَةٍ: جُذًى وكان قياسه جِذًى، لأن جذوة مثل سِدْرَة، فكما تقول: سِدَرٌ كذلك كان يلزم جِذًى، لما وقعا في المصدر، وكذلك صُوَّة وصِوًى، إلا أنه لمّا كان كل واحد بمنزلة الآخر، وقع موقع صحبه في الجمع كما وقع، كان قياسه صُوًى مثل: ظُلَمٍ، إلا أن فِعَل دخل على فُعَل، كما دخل فُعَل في جُذًى على فِعَل. ... هذا باب نظائر بعض ما ذكرنا من بنات الواو والواو التي هي فاءٌ قال: فصرفوا هذا الباب إلى (يَفْعِلُ)، فلما صرّفوه إليه، كرهوا الواو بين ياءٍ وكسرة، إذ كرهوها مع ياءٍ.

قال أبو علي: أي إذ كرهوا الواو مع الياء حتى قالوا: يَيْجَلُ وياجَلُ. قال: فحذفوها، أي الواو. قال أبو علي: حروف المضارعة التي في أوائل (يَفْعَلُ) الذي ماضيه (فَعِلَ)، قد يُكسر في لغة إلا الياء، وذلك قولك: يَعْلَمُ، وتِعْلَمُ، ونِعْلَمُ ولا يقول: يِعْلَمُ من يقول: تِعْلَمُ، فأمّا من قال: يِيْجَلُ فلم يكسر الياء من حيث كسر التّاء في (تِعْلَم)، إنما كسره ليقلب الواو التي هي في فاءٌ ياءً كما قلبه في (مِيزان)، ولو كان يَكْسِرُ الياء من كَسَرَ النّون في (نِعْلَمُ)، لكان جديرًا أن يكسرها في الصحيح الفاء فيقول: (نِعْلَمُ)، فلما كان هؤلاء لا يكسرون في الصحيح الفاء، إنما كسروه في معتلّه، علم أن القصد في الكسر القلب، إذ لو كان كُسِرَ من حيث يُكْسَر سائر الحروف سوى الياء لكُسِر الياء أيضًا في الصحيح. قال: في وضُؤَ يَوْضُؤُ، فأتمُّوا ما كان على (فَعُلَ) كما أتَمُّوا ما كان من (فَعِلَ).

أي: مثل (يَوْجَلُ) لأنّهم لم يجدوا في (فَعُلَ) مَصْرِفًا إلى (يَفْعِلُ). أي لأنه ليس في كلامهم (فَعُلَ، يَفْعُل)، (وفَعُل) مضارعه أبدًا (يَفْعُلُ)، إلا في النادر. قال: لئلا يدخل في باب ما يختلف (يَفْعَلُ) منه. قال أبو علي: يعني فَعَلَ. قال: فلما كانت الواو في يَفْعَل لازمة، أي في (يَوْجَل)، قالوا: صرفوه من باب (فَعِلَ يَفْعَل)، إلى باب يلزمه الحذف أي إلى (يَفْعُل). قال: فشَركتْ هذه الحروف (وَعَدَ)، كما شركت (حَسِبَ يَحْسِبُ) وأخواتها ضَرَبَ يَضْرِبُ ...

قال أبو علي: شركت (فَعِلَ)، وهو وَلِيَ يَلِي ونحو مثل: وَرِمَ (فَعَلَ) نحو وَعَدَ، فقيل في مضارعه: يَلِي، كما قيل في مضارع (فَعَل)، وكما شركت [162/أ] فَعَلَ فَعِلَ، فقيل في مضارعه: (يَفْعُل)، كما قيل في مضارع (فَعِلَ)، وذلك حَسِبَ يَحْسِبُ. قال: ولأنّهم قد يفرّون من استثقال الواو مع الياء إلى الياء. قال أبو علي: يعني في مثل (يَجُدُ).

هذا باب افتراق فعلت وأفعلت في الفعل للمعنى

هذا باب افتراق فَعَلْتُ وأفْعَلتُ في الفعل للمعنى قال: وأما سَرُع وبَطُؤَ فكأنهم غريزة. قال أبو علي: (فَعُل يَفْعَل) مما يكونان في الأفعال لما كان غريزة، إذ كان للزومه بمنزلة الغريزة. قال: وقد جاء فَعَّلتُه إذا أردت أن تجعله مُفْعِلاً، وذلك فَطّرته فأفْطَرَ. قال أبو علي: (أفْعَل) ها هنا مثل (فَعَلَ) الذي لا يتعدى إذا قلت: أفْعَلْتُه فأردت: جَعَلْتَه فاعِلاً، مثل أخْرَجْتَهُ فخَرَجَ، وليس هذا باب (أفْعَل) ولا موضعه، إنما هو باب فَعَلَ، ووجه أفْعَلَ هنا ووقوعه موقع فَعَلَ، وأنّ المعنى كأنّه صار ذا كذا، كما أنك إذا قلت: أقْطَفَ أي صار ذا فرسٍ قَطُوفٍ.

قال: وقد يجيء فَعَلْتُ وأفْعَلْتُ في معنى واحد مشتركين، كما جاءا فيما صيرته فاعلاً. قال أبو علي: يعني مثل: أفْرَحْتُهُ وفَرَّحْتُهُ. قال: ولو قلت: أغْلَقْتُ الأبوابَ، كان عربيًا جيدًا. قال أبو علي: ليس هذا لأن (أفْعَلْتُ) شركت (فَعَّلْتُ)، ولكن هذا كما تقول: ضَرَبْتُ مخففًا، وأنت تريد التكثير.

هذا باب دخول فعلت على فعلت لا يشركه في ذلك أفعلت

هذا باب دخول فَعَّلْتُ على فَعَلْتُ لا يَشْرِكُه في ذلك أفْعَلْتُ قال: ولكن بَيَّنوا بهذا هذا الضّرب. أي: هيئة الجلوس والركوب وحالهما. قال: فصار بناء له خاصًّا كما أن هذا. أي: فعَّلتُ. ... هذا باب ما جاء فُعِلَ منه على {غير} فَعَلْتُه قال: كما أنه إذا قال: أقْبَرْتُه فإنما يقول: وَهَبْتُ له قبرًا، وجعلتُ له قبرًا، وكذلك: أحْزَنْتُه وأحْبَبْتُهُ. قال أبو علي: الذي وفق بين أحْزَنْتُه وأحْبَبْتُه، أنّ المفعول فيهما جاء على غير أفْعَلْتُ، جاء على فَعُلَ، ولو جاء على أحزَنَ لكان (مُحْزَن)

هذا باب دخول الزيادة للمعاني في فعلت

(ومُحَبّ)، والفرق بينهما أن أحْزَنْتُ قد يكون في معنى: جَعَلْتُ فيه حُزْنًا وليس معنى أحْبَبْتُه جعلت فيه حبًّا، إنما هو فِعْلٌ مُتَعدٍّ ليس على معنى جعلته ذا كذا. ... هذا باب دخول الزيادة للمعاني في فَعَلْتُ قال: في تَفاعَلْنا: "وقد يَشرِكه افْتَعَلْنا، فتريد بهما معنى واحدًا. قال أبو علي: صحة الواو في (اجْتَوَرُوا) دليل على أنه بمعنى (تَفاعَلوا)، لأن تفاعلوا يلزم تصحيح الحرف المعتل فيه [162/ب] لسكون ما قبلها، وافْتَعَلها يلزم إعلال الحرف المعتل فيه، لأنه لا مانع من الإعلال لولا وقوعه بمعنى ما يصحُّ، ومثل ذلك: عَوِرَ، صُحِّح لما كان بمعنى اعْوارَّ، فهذا دليل على أن افْتَعَلَ بمعنى تَفاعَلَ، ولو بَنَيْتَ افْتَعَلوا لا تريد به معنى تفاعلوا لأعللت فقلت: اكْتالوا، وابْتاعُوا، لأن باعَ من ابْتاعَ بمنزلة قال، وباعَ في أنّ العين مُتحركٌ متوسط لمتحركين.

هذا باب استفعلت

هذا باب اسْتَفْعَلْتُ قال: وقد يجيء على غير هذا المعنى. قال أبو علي: يقول: يجيء اسْتَفْعَلْتُ على غير معنى أصَبْتُه كذا، كما جاء (تَذاءَبت) غير مطاوع لفاعَلَ، وكذلك (عَاقَبْتُ) لغير اثنين. قال: وقد قالوا: ادّلجُوا، واتَّلجُوا.

قال أبو علي: وضَعَ أن أصل الأفعال هو أن يتخذ شيئًا مثل: اشْتَوَى، إذا اتّخذ شِواءً، وقد يجيء على غير هذا المعنى، كما أنّ أفْعَل يجيء بمعنى فَعَلَ كأقْبَلَ وما أشبهه، مما لا يكون مُطاوعُه (فَعَلَ)، أنشد: يُعْرِضْنَ إعْراضًا لِدِينِ المُفْتَنِ

هذا باب مصادر ما لحقته الزوائد

في الكتاب: يريد أن المفتن والمفتون واحد، فقال: فَتَنَ، وأفْتَنَ، فجاء هذا كما جاء قَلَعَ واقْتَلَعَ، وجَذَبَ واجْتَذَبَ. ... هذا باب مصادرِ ما لحقته الزوائد قال: ولم يُبدلوا حرفًا مكان حرفٍ. أي لم يبدلوا حرفًا من حرف، كما أبدلوا من قال تفعيلاً للفاء من إحدى العينين. قال: ولم يُلحِقُوا الياءَ فيلتبس بمصدر فَعَّلْتُ ولا غير الياء لأنه أكثر من فَعَّلتُ.

قال أبو علي: أي لأن (تفعّلت) أكثر من (فعّلت)، فجاءت الزيادة التي هي التاء في (فعّلتُ) عوضًا عن الياء التي تلحق (تفعيلاً)، والألف التي تلحق (فِعالاً). قال: والهاء، يعني الهاء التي في (مُفاعَلة)، عوض عن الألف التي قبل آخر حرف. قال أبو علي: يعني أن الألف التي تلحق قبل الحروف: الزيادة التي هي التاء في (تَفَعَّلت) عوضًا من الياء التي في أواخر المصادر، نحو (اسْتِفْعال) في (إفْعَلٍ، وفِعّالٍ). قال: في شارَبْتُهُ مُشارَبَةً، وجاء كالمَفْعُول. يعني أنه جاء مثل المفعول به، كقولك: ضارَبْتُ زيدًا فهو مُضارَبٌ، فمُضارَبَةٌ مثل مُضارَبٍ، وإنما بينهما الهاء. قال: وتَفاعلت من فاعَلْتُ بمنزلة تَفَّعَلْتُ من فَعَّلتُ.

هذا باب ما لحقته هاء التأنيث عوضا

أي: تَفاعَلْتُ مطاوع (فاعَلْتُ)، كما أن تفعَّلتُ مطاوع (فَعَّلْتُ). قال: وضَمُّوا العين لئلا يشبه الجمع. أي لو كسر فقيل يُفاعِلُ لكان على وزن تُناضِب فالتبس به. ... هذا باب ما لَحِقَتْه هاء التأنيث عِوَضًا قال: وأمّا عَزَّيْتُ تَعزِيَةً ونحوها فلا يجوز الحذف فيه ولا فيما أشبهه لأنهم لا يجيئون بالياء. قال أبو علي: قوله (بالياء)، يريد التي تلحق في (تَفْعِيل) مصدر (فَعَّلْتُ)، لا يجيئون بها في المعتل اللام، لا يقولون (تَعْزيًا) وما أشبهه كما يقولون (تعظيمًا)، فصارت هذه الهاء في (تَعْزِيَة) ونظائرها عوضًا من ياء (تفعيل)، ولو قيل هذا فيما اعتل لامه، للزم أن يقال فيما عينه ولامه حرفا إعلال نحو (جِئْتُ) وما أشبهه، ولو قيل في (جَيِيتُ) على مثال (تَقْطِيْعٍ) لخرج إلى ما ليس في الكلام من اجتماع ثلاث ياءات وبنات الواو في (تَفْعِيل: تَفْعِلَة)، تنقلب لاماتهن ياءات لانكسار ما قبلها نحو: تَعْزِيَةٍ.

هذا باب مصادر بنات الأربعة

قال: كما ألحقوا أرْأيْتُ بأقَمْتُ. أي حين حذفوا الهمزة كما حذفوا الواو التي هي العين من أقَمْتُ، وألقيت حركة كل واحد منهما على ما قبلها. ... هذا باب مصادر بنات الأربعة قال: في (سِرْهافًا): كأنهم أرادوا مثال الإعْطاء والكِذّاب، لأنّ

مثال دَحْرَجْتُ وزِنَتُها، على أفعَلْت، وفَعَّلتُ. قال أبو علي: يقول: إنّ دَحْرَجْتُ على مثال: أفْعَلْتُ وفَعَّلْتُ، فإذا فُتِح أول مصدره فقيل: القَلْقالُ، والزِّلزال، ففتح أول جميع ما كان منه مضاعفًا، كان كفتح أول التَّفْعيل الذي هو مصدر (فَعَّلْتُ) الموافق لفَعْلَلْتُ في حركاته وسكونه، فإذا كسر أول مصدر (فَعْلَلْتُ) فقيل: السِّرهافُ والزِّلزال، وافق في انكسار أوله مصدر (أفْعَلْتُ) الذي هو أيضًا موافق له في الزِّنَةِ. قال: والفِعْلال بمنزلة الفِعال في فاعَلْتُ تمكنّهما ها هنا كتمكُّن ذَيْنِك هناك. قال أبو علي: يقول: اطّرد فَعْلَلْتُ في فَعْلَلَ، كاطراد المفاعلة في فاعَلَ واطراد الفِعْلال في فَعْلَلَ كاطراد الفِعال في فاعَل.

قال: وأمّا فاعَلْتُ، فإنّك إذا أردت المرّة الواحدة قلت: قاتَلْتُهُ مُقاتَلَةً. قال أبو علي: المقاتلةُ والإقالُةُ مصدران يلزمهما الهاء وإن لم يُرَد بهما المرَّة الواحدة، وإن كان ما لا هاء فيه من المصادر إذا أريد به الفَعْلَةُ الواحدة ألحق الهاء ليكون دليلاً عليها، فما كان منها لازمه الهاء، قبل المصدر، أجدر أن تثبت فيه الهاء، فإن قيل: بم ينفصل ما يراد به المرة الواحدة مما يراد به المصدر فقط؟، قيل: إن كان في الكلام دلالة تعرف بها هذه من غيرها وإلا وصف بقولك: واحدة، ليتميّز بالصفة مما ليس به، كما تتميز الأعلام وسائر المشْبِهات [163/ب] بعضها من بعض بالوصف، ولا سبيل إلى إدخال علامة تأنيث أخرى على هذه العلامة. قال: ولو أردت الواحدة من اجتورْتُ لقلت: تَجاوُرَةٌ، جاز، لأن المعنى واحدة، فكما جاز تجاوُرًا، كذلك يجوز هذا. قال أبو علي: اجْتَوَرْتُ، وإن كان على افْتَعَلْتُ فهو بمعنى تفاعَلْتُ والدليل على ذلك تصحيح الواو فيه، فلما كان بمعناه جاز أن يُحمل مصدر

هذا باب نظير ما ذكرنا من بنات الأربعة وما ألحق ...

كل واحد من الفعلين على الفعل الذي ليس من لفظه؛ لاجتماعهما في المعنى. ... هذا باب نظير ما ذكرنا من بنات الأربعة وما ألحِقَ ... قال أبو علي: الفصل بين هذا الباب والباب الذي قبله، أن ذلك ذكر الثلاثي الزائد على ثلاثة أحرف بحروف زوائد، وهذا الباب يذكر فيه ما زاد على ثلاثة أحرف {بحرف} أصلي ليس بزائد. ... هذا باب اشتقاقك الأسماء لمواضع بنات الثلاثة قال: وقد يجيء المَفْعِل يراد به الحِينُ، فإذا كان من فَعَلَ يَفْعِلُ بنيته على مَفْعِل.

قال أبو علي: لما اتفقا في الظرفية، اتفقا في البناء، لأن المَبِيتَ والمَجْلِسَ ظرفان من المكان، والمَضْرِبَ من الضِّراب، والمَنْتِج من النِّتاج، ظرفان من الزمان، يراد بهما أوان النِتاج والضِّراب. قال: وربما بَنَوا المصدر على المَفْعِل، كما بَنَوا المكان عليه، إلاّ أنّ تفسيره وجملته على القياس، كما ذكرت لك، وذلك {قولك}: (المَرْجِعُ) قال تعالى: "إلى الله مَرْجِعُكُم" و "المَحِيضُ". قال أبو علي: هذا في بابه مثل (اسْتَحْوَذَ) في بابه، شاذٌّ عن القياس، وإن اطّرد في الاستعمال، ومثل ذا لا يجوز أن يطلق عليه أنه شاذ حتى يُقَيَّد فيقال: (عن وضع النحاة، والقياس الذي وضعوه)، ومثل هذا

من الفقه الحكم في الجنين، والمصرّاة، لا يقال: ذا شاذ عن القياس، ولكن يقال: هذا مخصوص لا ينتزع منه علة، ولا يقاس عليه، لكن يُتلقى بالقبول، فكذلك سبيل (استحوذ والمحيض) وما أشبه ذلك، لا يقاس عليه، ولا يقال: شاذ، لكن يستعمل هذا للسمع كما يحكم بالأول للنص عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال: وكذلك أيضًا يُدخلون الهاء في المواضع، قالوا: المَزِلَّة. أي موضع ذلك، وقالوا: المَعْذَرَة، والمعْتَبَة، وألحقوا التّاء، وفتحوا على القياس. قال أبو علي: هذان الحرفان في نسخة غير أبي العباس معذَرَة، ومعْتَبَة مفتوحان، وهذا شبيه بقوله: ألحقوا الهاء، وفتحوا على القياس. قال أبو علي: المشكل من هذا، أنه قال: يدخلون الهاء في المواضع، قالوا: المَزِلَّة، فذكرها على أنه [164/أ] موضعٌ أدخلت الهاء فيه، وقياسه أن تكون العين مكسورة، لأنه من زَلَّ يَزِلّ، ثم قال: وقالوا: المعذَرة والمعتَبَة، فألحقوا الهاء وفتحوا على القياس، والفتح فيهما إن كانا اسمي الموضع ليس بالقياس، بل القياس الكسر، لأنه من عَتَبَ يعتُبُ، وعَذَرَ يَعذِرُ، فإن كانا موضعين فالقياس الكسر، وإن كانا مصدرين، فالقياس الفتح مثل: المعجزَة، والوجه فيهما أن يكونا مصدرين وإن ذكرهما بعد المَزِلَّة الذي هو موضع ليصح الكلام الذي بعده. قال: وإذا جاء مفتوحًا في المكسور فهو في المفتوح أجدر أن يفتح، وقد كسروا المصدر كما كسروا في الأول. أي في يَفْعِل، لقولهم: المَحِيض. قال: وبعض العرب يقول: مَضرُبَة، كما يقول: مَقْبُرَةٌ.

هذا باب ما كان من هذا النحو من بنات الياء والواو التي الياء فيهن لام

أي: إن ذا اسم، كما إن ذا اسم. ... هذا باب ما كان من هذا النحو من بنات الياء والواو التي الياء فيهن لامٌ قال: فصار بمنزلة الشَّقا والشَّقاوَة. أي: في أنه إذا كر سقطت الواو منه، وإن ألحقته تاء التأنيث ثبتت فيه الواو. قال: وأمّا بنات الواو فيلزمها الفتح، لأنّها يَفْعُلُ، وأن فيها ما في بنات الياء من العلّة. قال أبو علي: مثال هذا الباب من بنات الياء: المَرْمَى، ومن بنات الواو: المَعْزَى، ولو بني ما كان من بنات الواو على مَفْعِل، لاجتمع فيه من

هذا باب ما كان من هذا النحو مما بنات الواو فيه فاء

الكسرة والياء ما كان يجتمع في بنات الياء، على أنها تجيء على يَفْعُل، فيلزم بناء المكان فيه على مَفْعَل مثل مَقْتَل. ... هذا باب ما كان من هذا النحو مما بنات الواو فيه فاء قال: وتعتل لها الياء التي قبلها حتى تُكسَر، فلما كانت كذلك شبَّهوها بالأوّل. أي بنات فَعَلَ يَفعُل، مثل وَعَدَ يَعِدُ. قال: وحدَّثنا يونس وغيره أن ناسًا من العرب يقولون في وَجِلَ يَوْجَلُ، ونحو مَوْجَلٌ، كأنهم الذين قالوا: يَوْجَلُ فسلّمُوه.

قال أبو علي: من قال: مَوْجِلٌ ومَوْحِلٌ فكسر العين في مَفْعِل هو كأنه الذي يُعِلُّ الفعل فيقول: يَيْجَلُ، ويأجَلُن فلما أعلّ فاء الفعل هنا كما أعله في يَعِدُ وبابُه، أتى بمَفْعِلٍ مكسور العين، كما جعله مكسورًا في يَعِدُ، لأنه موافق لِيَعِدُ في اعتلال الفاء، ومن قال: يَوْجَلُ، فصحّح الفاء في الفعل، قال: مَوْجَل، فأتى بمَفْعَل على قياس الصحيح، لأنه لمّا لم يُعلّ الفاء في الفعل بين الموضع من كل واحد منهما. قال: وقوله: مَوَدَّة، لأن الواو تُسلّم ولا تُقلب. قال أبو علي: من قال: مَوْجَل، فكسر العين من مَفْعَل مَوْضِعًا أو مَصْدَرًا لم يقل مَوَدَّة إلا مفتوح العين [164/ب]، وذاك أن الذي يقول: يَوْجَلُ هو الذي يقول: ياجَل، فيعلّ الفاء، والفاء في (يَوَدُ) لا يجوز إعلاله كما جاز إعلاله في ياَجَل، لأن الفعل في (يودّ) قد أعلَّت عينه بالإدغام ولا يُعَلُّ الفعل في موضعين، فلا يجوز في يَوَدُّ إلا تصحيح الفاء، وإذا لم يجز الإعلال في الفعل لم يجئ مَفْعِل منه إلا مفتوح العين، لأنه بالتصحيح يخرج من باب (يَعِدُ)، ويدخل في باب يَذْهَبُ، فلا يجوز في مَفْعِل منه إلا فتح العين، كما لا يجوز في (مَفْعِل) من يَرْكَبُ ويَذْهَبُ ونحو إلا فتح العين منه، ولأن الفعل لا يجوز أن يعتل من موضعين، بُني هذا الفعل على (فَعَلْتُ)، نحو: وَدَدْتُ، ليلزم في مضارعه يَفْعُل، ولم يبن على (فَعَل) فيلزم إعلال الفعل في مضارعه، كما يلزم في باب (يَعِدُ)، فيصير في قولهم: يَدُّ، لو بني الماضي على (فعلت) إعلالان.

هذا باب نظائر ما ذكرنا مما جاوز بنات الثلاثة

قال: وأما بنات الياء التي فيها فاء، فإنها بمنزلة غير المعتل لأنها تتمّ ولا تعتلّ. قال أبو علي: قوله: لأنها تتم ولا تعتل، أي تتم الأفعال ولا تعتل إذا كانت فاءاتهن ياءات، وإذا صحَّحت الفاء في الفعل جاء المفعل على القياس: ألا ترى أن مَرْجَل جاء على قياس لما صحّ الفاء في الفعل؟!. ... هذا باب نظائر ما ذكرنا مما جاوز بنات الثلاثة قال: وأما قوله: دَعْهُ إلى مَيْسُورِهِ. قال أبو العباس: عند سيبويه أن المصدر لا يكون على مفعول. قال أبو علي: فجعل قولهم: (مَيْسُور) صفة أقيمت مقام موصوفها، تمثيله: إلى أمر ميسور، فحذف الأمر، وأقام وصفه مقامه.

هذا باب لا يجوز فيه ما أفعله

هذا باب لا يجوز فيه ما أفْعَلَهُ قال أبو علي: الأفعال المتعدية إلى مفعول واحد، وإنما زيدت عليها الهمزة وتعدت إلى مفعولين، كقولك: ضَرَبْتُ زيدًان {فإذا} أردت تعديته إلى مفعولين زدت الهمزة، فقلت: أضْرَبْتُ زيدًا عَمْرًا، فتعدي إلى اثنين. والأفعال المتعدية منقولة في التعجب بالهمزة، كما أنها في غير هذا الباب منقول به، فيقول القائل: هلاّ تعدى الفعل المتعدي إلى مفعول قبل النقل، إذا زدت عليه الهمزة في التعجب إلى مفعولين، كما تعدي إليهما في غيره، فقيل: ما أضْرَبَ زيدًا عَمْرًا، كما تقول: أضْرَبْتُ زيدًا عَمْرًا، إذ الفعلان متَّفقان في الفعل، فالجواب: إن الأفعال المتعدية توافق الأفعال غير المتعدية في باب التعجب، وذاك أن الأفعال كلّها لا تدخل فيه حتى يكثر، ويصير غريزة بمنزلة ما هو كالخِلْقَةِ للزومه، فالأفعال المتعدية لا تدخل في هذا الباب حتى يصير لكثرته في [165/أ] التعجب منه غير متعدٍّ، وإذا ساوى ما كان متعدّيًا غير المتعدي من حيث ذكر ما اتفق معه في النقل ولم يجاوز مفعولاً واحدًا، كما كان المنقول مما لا يتعدَّى، لا يجاوز مفعولاً واحدًا، فقولك: ما أضْرَبَ زيدًا، بمنزلة ما أكْرَمَ زيدًا، إذ كان (أضْرَبَ) كأنه منقول

هذا باب ما أفعله على معنيين

من ضَرُبَ للزومه، كما أن أكْرَم منقولٌ من كَرُمَ غريزة لازمة. والفعل الذي يتعدى إلى مفعول إذا تعدى إليه واستوفاه صار بمنزلة ما لا يتعدى، وإذا أريد بعد ذلك تعدِّيه وإضافته إلى مفعول بأن أضيف إليه بحرف خفض، كما أنّ ما لا يتعدى يضاف إليه بحرف خفض أو الهمزة، إلاّ أنّ الهمزة لم يكن لدخولها مَساغ، إذ قد دخلت في الفعل، وتعدي بها إلى مفعول، فلم يبق مما يضاف به الفعل إلى المفعول وتعدى، إلا الحرف، فأضيف به، فلهذا قلت: ما أضْرَبَ زيدًا لعَمْرٍو، فعدَّيته إلى المفعول الثاني بالحرف، ولم يجز تعديته بغيره كما جاز في سائر هذا الباب في الأفعال المتعدية إلى مفعول. قال: ولا تكون هذه الأشياء في مِفْعالٍ وفَعُولٍ. قال أبو علي: أي لا يبني من فِعْل اليد والرجل نحو مِفْعال، كما لم يُرَ منه ما أفْعَلَهُ ولا أفْعِلْ به، لأن هذين البناءين للتكثير كما أن هذه الأبنية للتكثير. ... هذا باب ما أفْعَلَهُ على معنيين قال: فكأنّ ما أمْقَتَهُ، وما أشهاها على فَعُل، وإن لم يستعمل كما تقول: ما أبْغَضَهُ إليّ.

هذا باب ما يكون يفعل من فعل فيه مفتوحا

قال أبو علي: فكأنّ ما أمْقَتَه وما أشهاها على (فَعُل)، يريد: أن الأفعال التي تدخل في التعجب، فيقال فيه: ما أفْعَلَهُ، حكمه أن يكون منقولاً من (فَعُل) أو (فَعِلَ)، لأن الغالب على (فَعِل)، ألا يتعدى، فأما (فَعَلَ) فهو غير متعدٍّ، فحكم ما دخل في هذا الباب أن يكون للزومه غير متعدٍّ ألا ترى أن الفعل المتعدي إلى مفعول إذا زيدت عليه الهمزة لم يجاوز مفعولاً واحدًا، كما لا يجاوز ما تعدى إذا نُقل بالهمزة مفعولاً واحدًا، وقد تقدمت هذه المسألة مشروحة. ... هذا باب ما يكون يَفْعَلُ من فَعَلَ فيه مفتوحًا قال: فكرهُوا أن يتناولوا حركة ما قبلها. يعني، العين مما لاماته حروف الحلق، "بحركة ما ارتفع من

الحروف". يعني، الحروف التي ليس مخرجها من الحلق كالقاف وما بعده من الحروف. قال: فجعلوا حركتها من الحرف الذي في حيِّزها وهو الألف. قال أبو علي: إنما صارت الألف في حيّز حروف الحلق، لأنها تخرج من بين الهمزة والهاء. قال: وكذلك حرِّكُوهُن. أي، بالفتح. قال: [165/ب] ولم يُفْعَل هذا بما هو من موضع الواو ولا الياء، لأنّها من الحروف التي ارتفعت، والحروف المرتفعة: "القاف وما بعده".

قال: وإنما يتناول المرتفع حركة من مرتفع. أي حركة من جنس الحرفين المرتفعين، وهما الواو من الشِّفة، والياء من وسط اللسان. قال: وهذا في الهمز أقلُّ. يعني، تحريك العين بغير الفتح. قال: وصار الأصل في العين أقلّ، لأن العين. أي الأصل تحريك العين بالكسر أو الضمّ. قال: وقالوا: استبرأ يستبرئ، وأبْرَأ يُبْرِئُ، وانْتَزَعَ يَنْتَزِعُ، وهذا الضرب إذا كان فيه شيء. أي الفعل الثلاثي المزيد فيه الذي يلزم فَعَلَ بناءً واحدًا مثل اسْتَفْعَلَ الذي لا يختلف كما اختلف فَعَل فجاء على فَعَلَ، وفَعِلَ، وفَعُلَ. قال: وهذا لا يَخْرُجُ إلا إلى الكسر، فهو لا يتغيَّر.

أي صار الخلاف في مضارع (فَعَلَ) من حيث كان في (فَعَلَ) نفسه ولم يصر في (يَفْعَل، ويَسْتَفْعِلُ) ونحوه من المضارع لأنه ليس في الماضي أيضًا. قال: وهذه الأبنية. أي التي فيها الزوائد. قال: وأرادوا أن تكون الأبنية الثلاثة فَعَلَ، وفَعُلَ، وفَعِلَ، في هذا الباب. أي الباب الذي عيناتها أو لاماتُها حروف حلق. قال: فإنما فتحوا يَفْعُلُ من فَعَلَ، لأنه يختلف. أي فَعَلَ يختلف.

قال: ولا تجد في جِئِز و (مَلُؤَ) هذا. يعني، كل ما كان على (فَعُل). قال: وإنما صار (فَعَلَ) كذلك، لأنه أكثر في الكلام. قوله: كذلك، أي مختلف المضارع، لأنه أكثر في الكلام، فصار فيه ضَرْبان، يعني، (يَفْعُلُ ويَفْعِلُ)، ألا ترى أن (فَعَلَ) فيما تعدى أكثر من فَعِلَ، وهي، يعني (فَعِلَ) فيما لا يتعدى أكثر نحو جَلَسَ وقَعَدَ. جعل المثال الذي هو قوله جَلَسَ وقَعَدَ (لفَعَل) الذي قدَّمه في الكثرة على (فَعِلَ).

هذا باب ما هذه الحروف فيه فاءات

هذا باب ما هذه الحروف فيه فاءاتٌ تقول: (أفَلَ يأفُلُ) لأنها ساكنة وليس ما بعدها بمنزلة ما قبل اللامات، لأن هذا إنهما هو نحو الإدغام. قال أبو علي: ما بعد هذه الفاءات هو في الحقيقة ما قبل اللامات لأن بعدها العينات، فهو قبل اللامات، وإنما يريد: ليس ما بعد الفاءات إذا كنّ حروف الحلق بمنزلة ما قبل اللامات في أن العين تفتح إذا وقعت قبل لام من حروف الحلق، والعينات لا يفتحن إذا وقعن بعد فاء حلقي، كما يفتحن قبل اللامات إذا كنّ كذلك، لأن فتح هذه العينات كالإدغام في أن الأول المدغم إذا كان قريبًا من المدغم فيه قلب إلى الحرف الثاني، وقُرّب منه، فكذلك هذه العينات لما كانت وقعت [166/أ] قبل لام حلقي فُتِحْنَ لتكون الحركة من جنس ما بعده، كما أن المدغم يصير من جنس المدغم فيه في أن يقلب إليه ويبدل منه على هذا عامة الإدغام، وليس يقلب الثاني في الإدغام في الأمر العام إلى لفظ الأول، فكذلك لا تفتح العينات إذا كانت الفاءات حلقيات، كما لا يتبع الثاني الأول في الإدغام في الأمر العام الأكثر.

قال: فلما وقع مَوْضِعَهُنَّ. أي العينات. الحرفُ الذي كنّ يُفتَحن به لو قَرُبَ فُتِحَ، وكرهوا أن يفتحوا هنا حرفًا. أي حيث الفاء حلقي، وقوله (حرفًا)، أي عينًا غير حلقيّ بعد فاء حلقيّ. رجع: لو كان في موضع الهمزة لم يُحرّك. أي الهمزة التي لها كانت تحرك العين، وهي فاءٌ لو أجريت مجرى اللام في انفتاح العين في المضارع. رجع: ولزمه السكون، فحالهما في الفاء واحدة. أي حال الحرف الحلقيّ وغير الحرف الحلقيّ واحدة في السكون إذا كانا فاءين. رجع: كما أن حال هذين في العين واحدة. أي حال الحلقيّ وغير الحلقيّ إذا كانا عينين في الحركة الواحدة.

قال: فأتبعوه الأول. أي أتبعوا عين (يَأبَى) فاءَه، ففتحوا العين لمكان الفاء كما تفتح لمكان اللام نظير هذا في الإدغام، وعَدُّهُ، ومضَّجِع انقلاب الثاني إلى لفظ الأول، ثم أدغم الأول في الثاني، وهذا خلاف ما عليه علامة الإدغام. قال أبو علي: يَجْبَى، ويَقْلَى أشبه من عَضَضْتَ تَعَضُّ، لأن اللام فيهما تنقلب ألفًا، والألف قريبة المخرج من مخرج الهمزة.

هذا باب ما كان من الياء والواو

هذا باب ما كان من الياء والواو قال: وأمّا الحروف التي من بنات الياء نحو: جاء يَجِيءُ، فإنّما جاء على الأصل يعني بالأصل (يَفْعُلُ). حيثُ أسْكنوا. أي العين. ولم يحتاجوا إلى التحريك. أي فيتناول للتحريك حركة من جنس اللام. قال: وهذا أيضًا تدغمه بكر بن وائل. يعني، رَدَدْتُ ورَدَدْنَ، وهذا كما حكاه عنهم في مضاعف الفعل. قال: فلما كان السكون فيه أكثر. أي في العين من المضاعف، جعلت بمنزلة ما لا يكون إلا ساكنًا. يعني العين من باعَ يَبِيعُ. قال: في قولهم: كعّ يكَعُّ: وخالفت بابَ (جِئْتَ). أي قولهم: يَجِيءُ، لأن هذا قد جاء على الأصل.

هذا باب الحروف الستة إذا كانت واحدة منها عينا وكانت الفاء فيها مفتوحة

رجع: كما خالفتها في أنها قد تُحرَّك. أي كما خالفت العين من المضاعف العين من (يَجِيءُ) في أن العين من المضاعف قد تتحرك في (ارْدُدْ) ونحوه، فلما خالفته في الاعتلال جاء مفتوح العين في (يفْعَل) فقيل: يَكَعُّ. ... هذا باب الحروف الستة إذا كانت واحدة منها عينًا وكانت الفاء فيها مفتوحة [66/ب] قال أبو علي: يقول: إن فتحت العين وسائر أخواتها أنفسها في (فَعِلَ) لما كان لفَعِلَ وجودٌ فيما كانت عينه إحدى هذه الحروف.

قال: وقالوا: رَؤُفَ، ورؤُوفٌ، فلا يُضمّ لبُعْدِ الواو منها. أي لا يُضم الفاء. وقالوا: يِحِبُّ، كما قالوا: يِئْبَى، فلمّا جاء شاذًا عن بابه على (يَفْعَلُ)، خولف به. أي كسر الياء في (يفعِل)، والياء لا تكسر في المضارع. قال: وأمّا (أجِيءُ) ونحوها فعلى القياس وعلى ما كانت تكون عليه لو أتَمُّوا. قال أبو علي: لما كان من الفاء من (أجِيءُ) مكسورة، كما أنّها من (يِحِبّ) مكسورة، قال: لا تكسر الهمزة من (أجِيء) كما كسر من (إِحِبّ)، لإتباع الكسرة الكسرة، لأن ذلك شاذ، فلا يحمل عليه (إجِيء) وإن وافقه في انكسار الفاء، لكن تجري الهمزة مجراها والفاء ساكن.

هذا باب ما يكسر فيه أوائل الأفعال المضارعة

هذا باب ما يكسر فيه أوائل الأفعال المضارِعة قال: كما ألزمُوا الفتح ما كان ثانيه مفتوحًا في (فَعَلَ). يعني، فتح حروف المضارعة نحو: يَضْرِبُ ويَذْهَبُ ويَعْلَمُ، وكلّ ما كان ثاني (فَعَلَ) منه مفتوحًا. "وكان البناء عندهم". أي بناء حروف المضارعة. قال: فإنّما منعهم أن يكسروا الثاني. أي الفاء في (يعْلم) ونحوه، كما كسروا في (فَعِلَ)، أنّه لا يتحرّك فجعل ذلك في الأول. أي، فحولت الحركة إلى حروف المضارعة لما لزم الثاني.

قال: فلما جاء مَجيء ما فَعَل منه مكسورٌ فعَلوا به ما فعلوا بذلك. أي: لما صار مضارعه مفتوحًا، كما يكون مضارع (فَعِلَ) نحو عَلِمَ مفتوحًا، كسر حرف المضارعة منه كما كسر في (فَعِلَ). قال: وخالفوا به في هذا الباب فَعِلَ. أي كسر الياء فيه. كما خالفوا به بابه حين فتحوا. أي، فقالوا: يأبى. قال: وقالوا: (مُرْهُ)، وقال بعضهم (أوْمُرْهُ) حين خالفت في موضع وكثر في كلامهم. قال أبو علي: يقول: حين خالفت (يَأبَى) في موضع جاء (يفعُلُ). وكان حكمه (يَفْعَلُ)، خالفت في موضع آخر، فقيل: (يِيبَا) فكسر الياء.

قال: وأمّا يَسَعُ ويَطَأ، فإنما فتحوا، لأنه فَعِلَ يفْعِلُ. قال أبو علي: الدليل على أن أصله (فَعِلَ يفْعِلُ)، سقوط الفاء في مضارعه، ولو كان (فَعِلَ يفْعُلُ)، لصحت الفاء كما صحت في يَوْجَلُ فقلت: يَوْسَعُ. قال: فلما جاءت على مثال ما (فَعَلَ) منه مفتوح لم يكسروا. يقول: لم يكسروا حرف المضارعة، فيقال: (يِسَعُ) كما يكسر مما كان على (يِفْعل) نحو (تِعْلَمُ)، لأن أصل هذا (تَفْعَل) فإنما فتح للحلقيّ، والدليل على (يَفْعَلُ) سقوط الفاء من (يَسَعُ، ويَطأ). قال: وقال بعضهم: يِيْجَلُ، كأنه لمّا كره الياء مع الواو. قال أبو علي: [167/أ] يقول: لمّا لم تكن الياء من (يِيْجَل) هي التي تقلب الواو ياء لتحركها، ولم يكن مثل التي في سَيّد وأيّام كسر الياء، لتنقلب الواو التي هي فاءٌ ياءً كما انقلبت في مِيزان ونحوه.

قال: ولم يكن الواو التي تقلب مع الياء. قال: فإذا أرادوا أن يقلبوا. أي الواو، إلى هذا الحدّ، أي ييجل، وكَرِهَ أن يقلبها على ذلك الوجه الآخر. أي وجه التشبيه بالإدغام. قال: والدّليل على ذلك أنّهم يفتحون الياءات في (يَفْعَلُ). قال أبو علي: الدّليل على أنّه كان ينبغي أن يكون في أوائل هذه الأفعال التي للمطاوعة ألف الوصل فتحهم الياء في (يَفْعَل) وسائر حروف المضارعة في هذه الأفعال، وهي يَتَفَعَّل، ويَتفاعَلُ، ويَتَفَعْلَلُ، ففتحت حروف المضارعة في هذه الأفعال كما تفتح فيما (فَعَل) منه ألف الوصل نحو: يَسْتَعينُ ويَحْرَنْجِمُ.

قال: ومثل ذلك قولهم: تَقَى الله رجلٌ، ثم قال: يَتقي اللهَ، أجروه على الأصل. قال أبو علي: أجروه على الأصل أي كسروا حرف المضارعة، وإن حذفت الفاء في (فَعَل) منه، لأن حكمه أن يكون في (فَعَلَ) منه أصله (افْتَعَلَ) ظهور التاء من قولك: تَقى اللهَ، ولو كان (فَعَلَ)، ولم يكن (افتعل)، لظهرت الواو فقلت: وَقَى؛ إذ لا تُبْدل الياء من الواو إبدالاً مطّرِدًا، فوزن تَقى اللهَ من الفعل (فَعَل) وشيء آخر يدل على أنّ تَقى الله أصله افْتَعَلَ وهو قولك: يَتَّقِي وفتحك التاء في المضارع، ولو كانت التاء في (تقى) بدلاً من الواو التي هي فاء ولم تكن تاء، لأسكنتها في المضارع كما سكن الفاءات فيه نحو يَذْهَبُ ويَرْمِين فقلت: تَقى يَتْقِي. ولم يقل: يَتَقِي، فهذه الياء تنفتح في المضارع كما انفتحت في نحو يَرْتَمِي فوزن يَتَقِي من الفعل، يَتَعِل، كما كان وزن تَقَى: تَعِل، وأصله افْتَعَل، ويَفْتَعِلُ، فحذفت الفاء.

قال: وأما (فَعُلٌ) فإن لا ينضمُّ منه ما كُسِر من (فَعِلَ)، لأن الضم أثقل عندهم، فكرهوا الضمتين، ولم يخافوا التباس معنيين، {فعمدوا إلى الأخف ولم يريدوا تفريقًا بين معنين}، كما أردت ذلك في (فَعِلٍ). قال أبو علي: قوله: ولم يخافوا التباس معنيين، أي في تركهم الضمتين في (يُفْعُل) مضارع (فَعُلَ). وقوله: كما أردت ذلك في (فَعِل)، يقول: لم يرد في ضم حرف المضارعة نحو (يُكْرِمُ) تفريق معنيين كما أريد في (يَفْعَل) ونحوه من الفصل بين ما كان ماضيه (فَعَلَ) ومضارعه (يَفْعَلُ)، وبين ما كان ماضي (فَعِلَ)، ومضارعه يِفْعَلُ، فكسروا أوائل ما كان ماضيه على (فَعِل)، كما كسروا الثاني من (فَعِل)، ليكون فصلاً بين (يَفْعَلُ) الذي ماضيه (فَعَل)، (ويَفْعَل) الذي ماضيه (فَعِلَ).

هذا باب ما يسكن استخفافا وهو في الأصل عندهم متحرك

هذا باب ما يُسكَّن استخفافًا وهو في الأصل عندهم مُتحركٌ [167/ب] قال: وتَدَعُ الأوّل مكسورًا لأنهم عندهم بمنزلة ما حَرّكوا. أي العين من (شِهْد)، وإن كان ساكنًا بمنزلة المتحرك، إذ الحركة منويَّة. وقوله: فصار كأوّل (إِبِلٍ). أي صار أوّل (شَهْد)، وإن كان العين منه ساكنًا كأوَّل (إبِلٍ) للينه بالحركة.

هذا باب ما تمال فيه الألفات

قال: كما أن الذي خفَّف، الأصل عند التَّحرُّك. يعني في (فَخِذٍ) وغيرها. رجع: وأن يُجري الأوّل في خلافه مكسورًا. أي في خلاف التخفيف. ... هذا باب ما تُمال فيه الألفات قال: فلم يتفاوت هذا كما يتفاوت الحرفان حيث قلت: صَوِيقٌ. قال أبو علي: قرّب السين من القاف في (صويق) وإن كان بينهما حرفان، كما قرّب الألف من الياء لمكان الكسرة وإن كان بينهما حرفان.

قال: وأمّا بناتُ الواو، فأمالوا ألفَها لغَلَبَةِ الياء على هذه اللام. قال أبو علي: مَعْدِيٌ ومَسْنِيّة وعِصِيٌّ، مما يدل على غَلَبَة الياء التي هي لام، لأنّ (مَعْدِيّ) مأخوذ من العَدْوِ، ومَسْنِيُّها، من يَسْنُوها المطرُ فحكمها مَعْدُوٌّ، ومَسْنُوَّةٌ، إلا أنهما جاءا ياءين، لغلبة الياء على الواو، والعِصِيّ أيضًا كان حكمه عِصِوٌّ، لأن اللام واوٌ، إلا أن الأسماء الثلاثية التي لاماتها واوٌ إذا جمعت على (فُعُول)، قلبت اللام فيها ياء، وأبدل إبدالاً مطّردًا، فإبدال هذه مُطّرد في الاستعمال. وقد شذّ منه نحو ما حكي من قولهم: (لتنْظُرونَ في نُحُوٍّ كثيرة)، فتصح اللام منه، والمطّرد في الاستعمال هو الأول، فأمّا معدِيّ ومَسْنِيّة، فليس بمطرد في الاستعمال

مع شذوذه عن القياس، إنما هو مما يحفظ حفظًا، وقد جاء في قوله: أنا اللَّيْثُ مَعْدِيًّا عليه وعادِيًا إلا أنّه مُطّردًا كان أو غير مطَّرد، فهو مما يدل على غلبة الياء على هذه الواو التي هي لام، ومما يدل على غلبتها عليها، أنّها إذا جاوزت ثلاثة أحرف لم تكن إلا ياءً، وقد تكون ياءً وهو ثلاثة نحو: عُدِيّ، فهذا وغيره يدل على غلبة الياء على هذه الواو. قال: وإذا ضعفت الواو فإنما يصير إلى الياء، يعني نحو: دُلِيٍّ.

قال: وأمّا الآخرون فتركوه على حالة كراهة أن يكون كما لزمه الوقف. أي، كراهة أن يكون كما لزمه الوقف وليس أصله أن يكون في الوصل محركًا بالكسر نحو: ماشٍ فاعْلَمْ، والذي لزمه الوقف نحو: (مَنْ). قال: وقال ناسٌ: رأيتُ عمادًا فأمالوا للإمالة. أي أمالوا الألف التي هي بدلٌ من التنوين لإمالة الألف الأولى الممالة في الألف الأولى، كما أمالوا الكسرة. قال: وقال قومٌ: رأيتُ عِلْمًا، ونَصبُوا عِمادًا. قال أبو علي: يقول: قالوا: علما فأمالوا [168/أ] للكسرة، وقالوا: عِمادًا فلم يميلوا للإمالة في الألف الأولى كما أمالوا للكسرة في عِمادًا للإمالة من حيث أمال للكسرة وللياء، ولما كان من جنسها. وقال أبو علي: ووجه قول من أمال للإمالة: أن الألف الممالة مقرَبة من الياء للانتحاء بها نحوه، فكما تمال الألف للياء، ولِما كان من جنسه وهو الكسرة، كذلك أميلت لما انتحي به نحو الياء وهو الألف الممالة.

هذا باب من إمالة الألف يميلها ناس كثير من العرب

قال: ولم يقولوا: ذا مالٌ، يريدون (ذا) التي في هذا، لأن الألف إذا لم تكن طرفًا شُبِّهت بألف فاعل. ... هذا بابٌ من إمالة الألف يُميلها ناس كثير من العرب قال: كما أنه إذا قال: رُدَّها، كأنه قال: رُدًّا، فلذلك قال هذا من قال. قال أبو علي: يقول: فلخفاء الهاء، قال: مَنْ يقول: رُدُّ، وفِرُّ، إذا أدخل الهاء رُدَّها لحقا الهاء، وأنه كأنه قال: (رُدّا)، فكما أنّ الذي يقول: رُدَّها كأنه قال: رُدًا، "كذلك من قال: يريدُ أنْ يضرِبَها، كأنه قال: يُريد أنْ

يضْرِبا"، لأنّ الهاء حيثُما كانت خفيَّة، ولخفائِها أيضًا، ما استضعف قول من قال: عَلَيْهِي، فقيل: كأنّه جمع بين ساكنين لخفائها. قال: وذلك لأنهم أرادوا في الوقف إذ كانت الألف تُمال في هذا النحو أن يبيَّنوا في الوقف. قال أبو علي: يقول: أرادوا في الوقف أن يُبيّنوا الألف، فلذلك أمالوها لأنها بالإمالة يُنْحَى بها نحو الياء، والياء أبين في الوقف من الألف، فلذلك أبدل منها الياء إبدالاً في قولك: أفْعَي.

هذا باب ما أميل على غير قياس

هذا باب ما أميل على غير قياس قال أبو علي: إنما أميل ألف (مال) إذا كانت اللام مجرورة تشبيهًا بألف فاعِلٍ، وإنما يشبه الف (مالٌ) ألف (فاعِلٌ) إذا كان ما بعدها مكسورًا، كما أن ما بعد الألف من (فاعِل) مكسورًا، فإذا انضم أو انفتح لم يُمل، لزوال الوفاق بينه وبين ألفٍ من فاعل، ألا ترى أن ألف (فاعِل) لا يكون ما بعدها مفتوحًا ولا مضمومًا، وأيضًا فإنه كره أن تُمال الألف من (مالٍ) في جميع الأحوال كما أميل في الجرّ لأنه لو أميل صار مثل (رَمَيْتُ)، و (غَزَوْتُ)، وما لا اعتلال له لاحق في اللام والعين، والمعتلُّ أقوى من اللام المعتلّ، لأن العين تصح حيث تعتل اللام، وإذا كان أقوى وجب أن يكون أقرب إلى الصحيح، وإذا كان أقرب إلى الصحيح وجب أن يلحقه الإعلال أقلّ مما يلحق اللام، لأنه أدخل في باب الصحيح، فكما لا يغيّر الصحيح يجب ألاّ يغيّر ما كان أقرب إليه [168/ب]، والإمالة تغيير، - فيجب أن يكون أغلب على اللام منها على العين، كما أن سائر الإعلالات أغلب عليها منه على العين.

قال: وقال ناسٌ يوثق بعربيّتهم: هذا بابٌ، وهذا مالٌ، وهذا عابٌ، لما كانت بدلاً من الياء. يريد: ألف (عابٌ) خاصة. رجع: كما كانت في (رَمَيْتُ): شُبِّهت بها، وشبَّهوها في (بابٍ ومالٍ). قال أبو علي: قوله: وشبَّهوها في (بابٍ، مالٍ) بالألف، إنما شُبِّه به، لأن هذه الألف منقلبة عن واو، كما أن ألف (غزا) منقلبة عن واو، إلاّ أن هذا تشبيه ليس بالقوي في القياس، لأنّ هذه في اسم، وألف (غَزا) في فعل، والفعل يلحقه الإعلال أكثر لما يلحقه من ضُروب التصاريف، فألف (غَزا) قد تصير إلى الياء في (غُزِيَ)، وألف (باب) لا تصير إليه، ألا ترى أنّ الإمالة في (غزا) مطّردة وليست بمطّردة في (عَصَا وقَفَا)، وفيما كان لامه ألفًا منقلبة عن واوٍ في الأسماء، إنما جاءت في حروف قليلة تحفظ حفظًا، فإذا لم تطّرد في (عَصًا وقفًا) ونحوه في الاسم فهي أجدر ألا تكون في (بابٍ ومالٍ) ونحوهما، لأنها ألفات منقلبات عن واوٍ، كما أن (عصا) ونحوه كذلك، وتزدادُ إمالة هذا ضعفًا على إمالة

يخشى، والحرفين الآخرين المحكي فيه الإمالة إن الممال من (بابٍ) عَيْنٌ، ومن (يخشى) وأختيها لامٌ، والإمالة على اللام أغلبُ منها على العين من حيث فعل اللام في نحو (أعْشَى وأرَيْتُكَ) فبَعُد إمالة (بابٍ ومالٍ)، كما أريتك. فأما إمالة (عابٌ ونابٌ) ونحو فجيدة، لأن العينات منقلبات عن ياءات. قال: ولا يُميلون من الفعل نحو (مال)، لأنّهم يفرِّقون بين ما (فَعِلْتُ) منه مكسور، وبين ما (فَعُلْتُ) منه مضموم، وهذا ليس في الأسماء. قال أبو علي: يقول: من أمال (بابٌ ومالٌ)، لم يُمل من الأفعال نحو (قال)، وإن كانت العين فيه واوًا، والإمالة عليه أغلب، من حيث كان التغيير له ألزم، لأنه فصل بين ما أول (فَعِلْت) منه مكسور، وبين ما أول

هذا باب ما يمتنع من الإمالة التي أملتها فيما مضى

(فَعُلْت) منه مضموم، فأميل ما كان أول (فَعِلْت) منه مكسورًا من بنات الواو انتحاء نحو الكسرة اللاحقة للفاء، ولم يمل الضرب الآخر الذي أول (فَعُلْتُ) منه مضموم. ... هذا باب ما يمتنع من الإمالة التي أملتها فيما مضى قال: وإنما مُنِعَت هذه الحروف الإمالةَ. قال أبو علي: لتغيير التفخيم مع المستعلية، ليتْبَعَ المستعلي المستعلي كما اختير {ت} الإمالة في (مَساجد) لتقريب الألف مما كان من الياء. قال: وكذلك، إذا كان الحرف من هذه الحروف بعد ألف يَليها. أي: يلي الحرف الأول "لأنها [169/أ] إذا كانت مما يُنْصَبُ في غير هذه الحروف"، يعني فيما لم يكن فيه حرفٌ مُسْتَعْلٍ.

قال: وإذا كان حرف من هذه الحروف قبل الألف بحرف، وكان مكسورًا فإنه لا يمنع الألف من الإمالة، وليس بمنزلة ما يكون بعد الألف. يريد: نحو: (ناشِط، وواقِدٍ). رجع: لأنهم يَضَعون ألسنتَهم في موضع المستعلية، ثم يُصوِّبون ألسنتهم، والانحدار أخف عليهم من الإصعاد، ألا تراهم قالوا: صُقْتُ. قال أبو علي: يقول: الانحدار بعد الإصعاد في (قِفافٍ) أخف عليهم من الإصعاد بعد الانحدار في (واقِدٍ) لو أمالوا، لأنّك لو أملت نحو: ناشِعًا وواقِدًا، لانحدرت بإمالتك الألف، ثم أصعدت بعد الانحدار للفظك بالحرف المستعلي، فالانحدار بعد الإصعاد في (قِفاف وصِفاف)، أخفّ من الإصعاد بعد الانحدار في (واقِدٍ وناشِطٍ)، ونحوها لو أمِلْنَ.

وقال أبو علي: يقول: لو قالوا: سَبَقْتُ لأصعدوا بالمستعلي بعد التَّسَفُّل بالألف بالإمالة. قال: وقالوا: قَسَوْتُ وقَسَتْ فلم يُحوِّلوا. قال أبو علي: يقول: قالوا: قَسَوْتُ فلم يُحوِّلوا السين صادًا، كما قالوا: صُقْتُ فحوّلوها، لأنّهم لم يكرهوا الانحدار بعد الإصعاد في (قِفاف).

قال: وكان الانحدار أخفَّ عليهم من الاستعلاء من أن يُصْعِدوا من حال التَّسفُّل. أي بعد التسفل مثل (واقِدٍ) وسبقت لو لم تقلب. قال: ولا يكون ذلك، (أي الإمالة) في قائمٍ وقوائِمٍ. قال: فلما كان قبل الألف بحرف. أي لما كان الحرف المستعلي. رجع: مع حرف يمال بعد الألف. يعني أنه مع حرف مكسور صار كأنه هو المكسور، وصار بمنزلة القاف في قِفافٍ، أي، صار المستعلي كأنه هو المكسور. قال: وبعض من يقول: قِفافٌ، ويميل ألف مِفْعال، وليس فيها شيءٌ من هذه الحروف ينصب الألف في مِصْباح. قال أبو علي: من قال: مِصْباح فأمال الألف، لتنزيله إن الكسرة كأنّها على المستعلى فكأنه صَباح في جواز الإمالة فيه كجوازها فيه، فكذلك إذا نُزل أن الفتحة بعد المستعلي على المستعلي، كما نزل في الأول أن الكسرة التي قبل المستعلي يتحرك بها المستعلي، فلا يجوز في هذا التنزيل إلا التفخيم، لأن المستعلي كأنه مفتوح، وإذا انفتح لم تجز الإمالة

وهذا التقدير على عكس الأول. قال: وصار بمنزلة القاف. قال: وتقول: رأيت عِلْقًا، ورأيتُ مِلْفًا، لأنها بمنزلتها في (غانِمٍ). أي، لأن (غا) من (مِلْغا) بمنزلتها في (غانِمٍ).

رجع: سمعناهم يقولون: [169/ب] أراد أن يضرِبها زيدٌ، ويقولون: أراد أن يَضْرِبَها قبلُ، فنصبوا للقاف وأخواتها. قال أبو علي: يريد أنه فخّم مع المستعلي ما أميل مع غيره، وإن كان كل واحد من المستعلي والحرف الذي يمال في كلمة منفصلة عن صاحبتها، - ونظير هذا في الإدغام فَعَل لَّبيد، والمال لَّك. قال: فأمّا (نابَ، ومالَ، وباعَ) فإنه من يُميل يُلزمها الإمالة على كل حال. أي، إن كان مع حرف مُسْتَعْلٍ، أو لم يكن معه.

قال: لأنه يَرومُ الكسرة التي في (خِفْتُ)، كما نحا نحو الياء. يعني في نابَ، وباعَ. قال: وكذلك باب (غَزا) لأنّ الألف هنا كأنّها مبدلة من ياء. قال أبو علي: هذا ليصيَّر وزنه إلى الياء، وعدّة الحروف كعدّتها في (غَزا) وذلك في قولك: (غُزِيَ). قال: في (جادٍّ) ونحوه: لا يميل، لأنه فرَّ مما تحقق فيه الكسرة. أي من إظهار التضعيف، لأنه لو أظهر لقال: جادِدٌ، فحقق الكسرة. قال: ولا يميل للجر، يعني (جادِدٌ). لأنه إنما كان يميل في هذا للكسرة التي بعد الألف.

قال أبو علي: يعني أنه لا يقول: مَرَرْتُ بجاد فيُميل الألف إذا جرّ، وإن لم يُمِلْهُ في النّصب والرّفع، كما أمال قوم: مَرَرْتُ بمالِ زيدٍ" في الجر للكسر. وقد أمال قومٌ على كل حال كما قالوا: هذا ماشْ، ليُبَيِّنوا الكسرة في الأصل. قال أبو علي: يقول أمال قومٌ جاد ونحوه على كل حال. وإن لم تظهر الكسرة، ليُبينوا أن الكسرة كانت في الأصل لازمة لو ظهر التضعيف كما أمالوا (ماشُ) في الوقف، وإن زالت الكسرة التي كانت لها يُمال في الوصل، ليُعلم في الوقف أنه مما يجري عينه مكسورة.

قال: وقد فصلوا بين المنفصل وغيره في أشياء ستُبيَّن لك إن شاء الله تعالى. قال أبو علي: يعني من الأشياء التي يقع فيها الفرق بين المتصل والمنفصل من الإدغام، كما وقع الفرق بينهما في الإمالة أن من قال: (مَفَرٌّ ومَرَدٌّ) فأدغم نحو هذا لم يدغم من المنفصل نحو: (نَفْسُ سعيد، وقومُ موسى)، فكذلك لم يُمل المنفصل، ومَنْ أمال، فلأن المنفصل قد يدغم كما يدغم المتصل في مثل (المال لَّك) ونحوه. قال: وقد غَلَبَتْ في المستعلية، كما غَلَبَتْ في مَناشِيط ونحوه، وصارت الهاء والألف كالفاء والألف، في (فاعِلٍ ومَفاعِيل). يريد، (واقِد ومَناشيط). قال أبو علي: يقول: لم يمنع الذي بين الألف والحروف المستعلية من الحروف التفخيم في (يَضْرِبَها يَنْقُلُ) وسائر المنفصلات، وإن تراخى المستعلي كما لم يمنع في المناشيط ونحوه من المتصلات وإن تراخى، (وصارت المستعلية في هذه الحروف)، أي المتصلة، (أقوى منها في مالِ

قاسمٍ، لأن القاف هنا) أي في المنفصل [170/أ] (ليست من الحروف، وإنما شبهت ألف مال بألف فاعل). قال أبو علي: يقول: شُبِّهت ألف (مالِ) في (مالِ قاسمٍ) بألف (فاعِلٍ) في (نافَقَ)، فلم يُمل (مالُ قاسِم) كما لم يُمل (نافَقَ) وليس بمنزلته في الاتصال وإن كان مشبهًا فلا تمتنع فيه الإمالة، إذًا كما تمتنع في (نافَقَ). قال: إذ لم تُشبه الأخَر المتصلة، ولو فُعل بها ما فُعِل بالمال لم يُستنكر في قول من قال بمالِ قاسِمٍ. قال أبو علي: قوله: ولو فُعل بها، يعني (يريد أن يضربَها قاسمٌ). أي لو قلت في (يضربها قاسم) فأملت لم يُنكر. قال: فلم يكن عندهم بمنزلة المال ومَتاعٍ وعَجْلانَ. يقول: لم تكن عندهم هذه الأشياء المنفصلة نحو: (أنْ يضرِبَها قاسمٌ)، بمنزلة ما كان متصلاً فيه حرف مُستعل مانع من الإمالة، أو لا حرف مستعليًا فيه، ولكنه ليس فيه شيء مما يوجب الإمالة نحو الكسرة والياء والإمالة للإمالة.

هذا باب ما يمال من الحروف التي ليس بعدها ألف

قال: والذي أمال له الألف في (عِمادٍ وعابِدٍ)، ونحوهما مما لا يتغيّر. قوله: مما لا يتغيّر خبر الذي، أي لا يزول كما زالت حركة الإعراب. رجع: فإمالة هذا أبدًا لازمة، فلما قويت هذه، لم يَقْوَ عليها المنفصل. قال أبو علي: قوله: فلما قويتْ: أي قويت قولهم: (يُريدُ أن يَضْربَها قاسم)، وإنما قويت لأن كسرتها التي على الراء لازمة، كما أن الكسرة (عِماد) لازمة. وقوله: لم يَقْوَ عليها المنفصل، أي لما قويت الكسرة في الراء في قولك: (أن يَضْرِبَها)، للزومها، لم يفخم المستعلي المنفصل منه، لكنه يقال: (أن يضرِبَها قاسم)، فتمال قياسًا على نظائره من المنفصل. ... هذا باب ما يمال من الحروف التي ليس بعدها ألف قال: وشَبَهُ الفتحة بالكسرة كشَبَهِ الألف بالياء، فصارت الحروف ها هنا بمنزلتها إذا كانت قبل الألف وبعد الألف والراء.

قال أبو علي: يقول: أمَلتَ الفتحة من البَقَر ونحوه، وإن كان في مُسْتَعْلٍ كما يميل الألف إذا كانت بعد مُسْتَعْلٍ. قال: وتقول من المُحاذَرِ، فتميل الذال، ولا تقوى على إمالة الألف.

قال أبو علي: يريد المُحاذَر اسم المفعول مُمالاً فتحته، لا اسم الفاعل. قال أبو علي: يقول في مَذْعُورٍ ممال، وابنُ بُورٍ، أميل ما قبل الواو. قال أبو علي: يعني ضمة الحرف الذي قبل الواو. قال: وقال: رأيْتُ خَبْطَ فِرِنْدٍ، كما قال (من الكافرين). قال أبو علي: إنما أمال، لأن الراء في (خبْط فِرِنْدٍ) بعد حرف مكسور، كما أنّها في (الكافرين) كذلك، ففتحة الكاف كفتحة الطّاء. قال: وقال: مَرَرْتُ بغَيْرٍ، ومَرَرْتُ بخَيْرٍ فلم يُشمم لأنها تَخْفى مع الياء كسرة راء [170/أ] (خَيْرٍ)، ولكنهم يقولون: هذا ابنُ بَوْرٍ، وتقول:

هذا قَفا رِياحٍ. قال أبو علي: يقال: يمال الحرف الذي قبل الواو التي بعدها راء مكسورة لخفاء الكسرة لوقوعها بعد الياء. قال: ومن قال: مِنْ عَمْرٍو، ومن النُّغَرِ فأمال. يعني الفتحة من عين (عمرو) والنون من (النُغَر)، لم يُمِلْ (مِنَ الشَّرِقِ لأن بعد الراء حرفًا مستعليًا. قال: وقال: يَحْسُبُ ويَسَعُ ويَضَعُ، لا يكون فيه إلا الفتحُ في الياء والنون والهمزة وهو قول العرب.

قال أبو علي: يقول: لا تُمال فتحة حروف المضارعة لكسرة العين فإن قلت: فليس في (يَسَعُ) كسرة، فإن أصله أن يكون مكسورًا لأنه مثل (يَحْسبُ)، ولهذا حُذفت فاؤه، وإنما فتحت عَيْناتُها لمكان {الحرف} الحلقي. آخر الإمالة.

هذا باب ما تقدم أول الحروف وهي زائدة قدمت لإسكان أول الحرف

هذا باب ما تقدم أول الحروف وهي زائدة قدمت لإسكان أوّل الحرف قال في همزة الوصل: وإنّما هي ها هنا كالهاء في عِهْ. قال أبو علي: لأن ألف الوصل مجتلبة للابتداء، كما أن الهاء مجتلبة للوقوف عليها، ألا ترى أنك لو أدرجت لحذفت هذه الهاء لما تحذف ألف الوصل، ولو أدرجت فلم تحذف الهاء، لكان في الخطِّ كإثباتك ألف الوصل في الإدراج، فهذه الهاء مجتلبة للوقف، كما أن ذاك مجتلب للابتداء. قال في احْرَنْجَمَ: "فلما لم يكن ذلك، صُرف إلى باب استَفْعَلْتُ، فأجريت مجرى ما أصله الثلاثة. يعني احرنجم. قال أبو علي: يقول: ليس في بناء الأفعال شيء {على} خمسة أحرف فيكون (احْرَنْجَمَ) ملحقًا به، لكنه في الرباعي مثل (اسْتَفْعَلَ) في الثلاثي، ويدلك على أن باب (احْرَنْجَمَ) ليس ملحقًا بشيء إذ ليس في

الأفعال ما يلحق به إدغامك، مثل (يَقْشَعِرّ واطمأنّ) ولو كان ملحقًا لم يدغم المضاعف من نحو هذا، كما لم يدغم سائر الملحقات. أنشد: وَيْلُمِّها في هواء الجو طالبةً ... قال أبو علي: يقول: ليست الهمزة في (ابن) بمنزلة الهمزة التي في (الخليل) لأن الهمزة في (الخليل) داخلة على حرف منفصل من الاسم مثل (قَدْ) في انفصاله من الفعل، وليست التي في (ابن) بداخله على

نفس الاسم، فلا توسط حرف بينه وبين الهمزة. وقال أبو علي: شُبِّهت ألف الوصل الداخلة على اللام بألف القطع الذي في (أحْمَر) لموافقته إياها في الزيادة والانفتاح، فلم يسقط إذا اتصل بكلام قبلها نحو: (الرَّجُل عندك) كما لم يسقط في (أحْمَرِ زيدٍ رأيتُ). قال: ومثلُها من ألفات الوصل الألف التي في (أيْمُ وأيْمُنُ). قال أبو علي: الذي منع (أيْمُ وأيْمُنُ) من التمكن أنه يلزم القسم ولا يجاوزه إلى غيره، كما لا يجاوز الحرف معناه الذي يلزمه إلى غيره. [171/أ]

هذا باب تحرك أواخر الكلم الساكنة

هذا باب تحرك أواخر الكلم الساكنة قال: وأمّا (الم)، فلا يُكسر، لم يجعلوه في ألف الوصل بمنزلة غيره. أي لم يكسر كما كسر غيره. ولكنهم جعلوه كبعض ما لا يتحرك لالتقاء الساكنين، ونحو ذلك: لم يَلْدَهُ، علمنَ ذلك. قال أبو علي: (لمْ يَلْدهُ)، أصله: لم يَلِدْهُ، مثل (فَخِذ)، فسكن كما تسكن العينات من نحو: ذا، فاجتمع ساكنان، فحرك الآخر منهما بالفتح، وكذلك (ألِفْ لامِيم الله)، جعل بمنزلته، ولم يُجعل بمنزلة (عَنِ الرَّجُل)، وكان فتح الميم من (ألفْ لام ميمَ الله) لالتقاء الساكنين أجدر، إذ فتح لالتقائهما من المنفصل ما لا ياء قبله نحو: (مَنِ الرجل)، (واعْلَمَنْ يا هذا) ومن المتَّصل نحو: (لمْ يَلْدَهُ) وليس قبل شيء من هذه الحركات ياء،

فإذا كان قبلها ياء، فحركتُها بالفتح أجدر، كما حُرِّك (أيْنَ، وكَيْفَ، وذَيْتَ)، لالتقاء الساكنين بالفتح لما كان قبلها الياء، ولو حرك بالكسر فقيل: "ميمِ الله" لم يُنكر ذلك، وقد أنكره منكر، فقال: لو جاز ذلك، لجاز (كيفِ زيدٌ) ولا أرى الكسر لو جاء ممتنعًا في القياس، بل يكون جائزًا، وإجازته قول أبي الحسن: ولو جاء مكسورًا لحمل على (جَيْرِ)، ورُدَّ إليه، لأن قبل آخره ياء، وقد كسر الساكن بعده بالكسر، كما أنه لما جاء مفتوحًا "ميمَ الله" رُدّ إلى (كَيْفَ)، ولا أدفع أن يكون التحريك بالفتح – لالتقاء الساكنين إذا كان قبل المحرّك ياء أكثر، ولا أرى قول أبي الحسن غير جائز أيضًا لما ذكرنا.

هذا باب ما يضم من الساكن إذا حذفت بعده ألف الوصل

هذا باب ما يُضَمُّ من الساكن إذا حُذِفت بعده ألف الوصل قال: وأمّا الياء التي هي علامة الإضمار وقبلها حرفٌ مفتوحٌ فهي مكسورة في الوصل. قال أبو علي: ذكر سيبويه ها هنا أن الياء في (تَفْعَلِينَ) ضمير، وفيه عندي نظر، فمن حجة من يقول: إنه ضمير أن يقول: لا يخلو من أن يكون علامة تأنيث أو علامة ضمير، ولو كانت علامة تأنيث لثبتت في التثنية للفاعلين في الفعل كما أن التاء في (قامتْ) لمّا كانت علامة غير ضمير ثبتت في (قامَتَا)، فلمّا لم تثبت الياء في (تَفْعَلِينَ) كما ثبتت التاء، عُلِمَ أنه ضمير غير علامة، فلم يجز إثباته إذا ثنيت الفاعلتين، من حيث لم يجز أن يرتفع بفعل واحدٍ فاعلان، فكما لا يجوز أن يُرفع به فاعلان ظاهران إلا على إشراك حرف العطف؛ فكذلك لا يجوز أن يكون في فعْلٍ واحد ضميران، فهذا القول حجة لمن ذهب إلى أن الياء في (تَفْعَلِينَ) ضمير، وموضع النظر: أن فعل المذكر المخاطب لا علامة ضمير ظاهر فيه، فإذا لم يكن في فعل المذكر ضميرٌ ظاهر، لم يجب أن يكون في فِعْل [171/ب] المؤنث أيضًا ضمير ظاهر، كما أن قام لما لم يكن فيه ضمير ظاهر للمذكر، لم يكن فيه أيضًا ضمير ظاهر للمؤنث، ولو كان فيه ضمير

هذا باب ما يحذف من السواكن

ظاهر للمذكر لكان فيه أيضًا ضمير ظاهر للمؤنث. فلمَنْ قال: إن الياء في (تفعلين) ليس بضمير ظاهر للمؤنث أن يحتج بذا، ويردّه إلى ما ذكرنا، ويؤكد هذا القول: أن الفعل الذي للمؤنث بحذاء الفعل الذي للمذكر، والذي للمذكر لا علامة تأنيث فيه، فتقول: أجعل الياء علامة دون ضمير، لينفصل المؤنث من المذكر، كما انفصل (قامَتْ) بالتاء من (قامَ) فهذا موضع النظر في هذا. ... هذا باب ما يُحذَف من السَّواكن قال: فأمّا حذف الألف، فقولك: رَمى الرَّجُلُ، وأنت تريد: رَمى ولم يخفْ. قال أبو علي: الألف من رَمَى حُذفت لما وليها الساكن الذي هو الراء المدغمة في الراء من (رَجُل)، والراء الساكنة انقلبت عن اللام التي للتعريف، فأما "لم يَخَفْ" فالألف منه أيضًا محذوفة لالتقاء الساكنين، إلا أن الساكنين في (لمْ يَخَفْ) في كلمة متصلة ومن (رَمَى الرجل) في كلمتين منفصلتين.

قال: وإنّما كرِهوا تحريكها، لأنّها إذا حُرِّكَتْ صارت ياءً أو واوًا. قال أبو علي: إنما كانت تصير ياءً إذا كانت منقلبة عن ياء أو واوًا إذا كانت منقلبة عن واو. قال: فقالوا: رَمَيَا فجاءوا بالياء، وقالوا: غَزَوَا فجاءوا بالواو لئلا يلتبس الاثنان بالواحد. قال أبو علي: (رَمَيَا، وغَزَوَا)، الألف منهما ساكن، فإذا ثنّيْتَ الفاعل فيهما، فإنك تدخل الألف التي هي لضمير الاثنين، فيجتمع ساكنان: ألف الضمير، والألف المنقلبة عن اللام، والواو اللتين كانت انقلبت عنهما، ولم تحذفه لالتقاء الساكنين كما حذفت من (رَمَتْ) ومن (رَمَى الرجلُ) لالتقائهما، لأنك لو حذفتها من فِعْل الاثنين، لالتبس فعلهما بفعل الواحد، ولم يلتبس (رَمَتْ، ورَمَى الرَّجُلُ وحُبْلى الرجل) لما

حذفت الألف منه لالتقاء الساكنين فيها بشيء غيرها. قال: وأنت إذا قلت: (هذه حُبْلَى الرَّجُل) عُلم أن في آخرها ألفًا. قال أبو علي: لأنه لو لم يكن في آخرها ألف لكان مرفوعًا أو مجرورًا. قال أبو علي: حذفت الألف من (حُبْلَى الرَّجُل)، فقيل: (حُبْلَى الرَّجُلُ) لالتقاء الساكنين في النصب وإن كان اللفظ كلفظ ما الألف فيه لأن هذا الحرف الألف لا يلزم في كل موضع، إنما يلزم حيث كان بعده ساكن، وإن كان بعده متحرك نحو: (حُبْلَى زيدٍ)، لم يحذف وثبت وحذفت الألف في نحو: ذا لالتقاء الساكنين، (وحبلى الرجل) لم تثبت في التثنية والجمع لأنها [172/أ] لو حذفت فيها كما حذفت في (حُبْلى الرَّجل) لم يتبيَّن ما في آخره ألف تأنيث مما لا ألف في آخره، لأنه ليس يقع بعدها في التثنية والجمع مثل (حُبْلَى الرَّجُلِ) (وحُبْلَى زيدٍ)، فلا يكون في التثنية والجمع إلا ساكنٌ وهو ألف التثنية أو ياؤها، أو الألف المصاحبة للتاء، وكل ذلك ساكن، فلو لم تثنَّتا (حُبْلَيانِ)، لم يبن ما فيه ألف التأنيث مما لا

هذا باب ما لا يرد من هذه الأحرف الثلاثة لتحرك ما بعدها

ألف فيه في التثنية والجمع كما بان في الانفصال في مثل (حُبْلَى زيدٍ). ... هذا باب ما لا يُرَدُّ من هذه الأحرف الثلاثة لتحرُّك ما بعدها قال: وكذلك لو قلت (رَمَتْ) لم تجئ بالألف. أي، ألف التثنية. لحَذَفْتَهُ، أي الحركة. {قال} فلما كانت هذه السواكن لا تُحركُ لما حُذفت الألف، حيث أسكنت الياء والواو ولم يرجعوا هذه الأحرف الثلاثة.

قال أبو علي: يريد الواو والياء الساكنين قبل الساكن المحرك لالتقاء الساكنين وهما الساكنان الأولان لا ثالث السواكن. قال: وقولهم: (لَم يخافا ولم يَبِيعا)، ولم تدخل الألف ها هنا على ساكن. قال أبو علي: لم تدخل ألف (يَخافَا) على ساكنين، إنما صيغ فعل الاثنين هذه الصياغة، فصار ثبات النون فيه علامة الرفع، وحذفها دليل الجزم، وذلك فعل الجمع، وليسا مثل الواحد الذي الإعراب فيه إثبات الحركة وحذفها.

هذا باب ما يثبتون حركته وما قبله متحرك

هذا بابُ ما يُثْبِتُونَ حركته وما قبله مُتحرِّكٌ قالوا: وأمّا من رأى أن يُسكن الياء، فإنه لا يلحق الهاء، لأن ذلك أمرها في الوصل. قال أبو علي: إذا كان ما يحرك في الوصل، يسكن في الوقف، فما سكن في الوصل أجدر أن يسكن في الوقف. قال: وجميع هذا في الوصل بمنزلة الأول. يريد بالأول، الياء من (غلامي)، ونحوه، هذه الأشياء بمنزلتها في سقوط الهاء منها في الوصل. قال: ومن لم يُلحق هناك لم يلحق هنا. هناك يعني في (غلامي)، لم يلحقها هنا يعني في (بحُكْمِكَهْ) ونحوه.

قال: وأدخلوها في التي لا تزول حركتها، وصار دخولُ كلّ الحركات فيه وأن نظيره مما يتصرف منونٌ. يعني بنظيره الأسماء المنصرفة لأنها أسماء، كما أن ما لا ينصرف أسماء. قال: وكذلك الأفعال نحو: (ضَرَبَ وظنَّ) لما كانت اللام قد تَصَرَّفُ حتى يدخلها الرفع والنصب والجزم. قوله: لما كانت اللام تصرَّفُ، يعني أن لام (ضَرَبَ) وإن كانت في هذا البناء مبنية، فهي في غيره من الأبنية التي تشتق من مصدرها معربة، فلما كانت في هذه المواضيع معربة لم تلحق الهاء في الوقف كما لم تلحق المعربات فيه. قال: وأما الحروف الأوّل [172/ب] فإنه لا يتكلم بها مفردة. الأول يعني (بِمَهْ) وأخواتها.

قال: فصار الأوّل والآخر بمنزلة حرف واحد كذلك. قال أبو علي: يعني بالأوّل والآخر حرف الجر وما هو متصل به. قال: فلما كانت الألف قد تلزم في هذا الموضع، كانت الهاء في الحرف لازمة في الوقف، ليفرّق بينها وبين الأول. قال أبو علي: الفرق بين (عَلامَهْ)، و (مَجيء مَهْ) أن (عَلامَهْ) لمّا كان الأوّل لا ينفصل من الثاني شبه بكلمة مفردة غير مركبة نحو: (اخْشَ)، فكما جاز في (اخْشَ) في الوقف إلحاق الهاء وغير الإلحاق، جاز في (عَلامَ) ونحوه. وأمّا مثل (مَ أنْتَ)، (ومَجيءَ مَ جِئْتَ)، فالأول قد ينفصل من الثاني، لأنه اسم وليس بحرف، ومع ذلك أن ما قد يتم فيها ولا يحذف الأول منها كما حذف مما لا ينفصل، صار لزوم الهاء في الوقف إذا حذف الألف منها كأنه عوّض من حذفها، ولم يلزم في (عَلامَ) وأخواتها إثبات الهاء في الوقف، لأنه لم يتم ما فيها، فتصير الهاء في الوقف عوضًا من الألف الثابتة في الوصل كما صار في مثل (مَهْ) وأخواتها عوضًا من الألف.

هذا باب الوقف في أواخر الكلم المتحركة

هذا باب الوقف في أواخر الكلم المتحرِّكة قال: وتاء الجميع أقرب إلى التاء التي هي بمنزلة ما هو من نفس الحرف من تاء طلحة، لأن تاء (طلحة) كأنها منفصلة. قال أبو علي: تاء (طلحة) منفصلة من الصدر كما أن الاسم الثاني من المضموم أحدهما إلى الآخر منفصل منه، فأما تاء الجميع فإنّما صارت أقرب إلى ما هو من نفس الحرف لسكون ما قبلها، والاسمان المضموم أحدهما إلى آخر الصدر مفتوح فقد تبين أن تاء (طلحة) أبعد مما هو من نفس الحرف وأشدّ موافقة (لخمسةَ عَشَرَ) وبابه لاشتراكهما في انفتاح آخر الصدر.

هذا باب الوقف في آخر الكلم المتحركة في الوصل التي لا تلحقها زيادة

هذا باب الوقف في آخر الكلم المتحركة في الوصل التي لا تلحقها زيادة قال أبو علي: قال بعض أصحابنا: الإشمام في الرفع خاصة، وهو أن تلفظ بالحرف ثم تضم شفتيك عند انقضاء الحرف ليس إلاّ، فيكون الأعمى والبصير في سمع ذلك سواء، لا يسمعه واحد منهما إنما يراه البصير، لأن ضمَّك شفتيك كتحريك بعض جسدك، وإنما كان في الرفع خاصة بضم الشفتين، والجر والنصب لا يمكن ذلك فيهما. فأمّا الرَّوم فإنه يكون أبلغ من الإشمام؛ ألا ترى أنّك تقول:

(رأيْتُك) و (رأيْتُكِْ) فتبين المذكر من المؤنث بروم الحركة في الوقف، وليس الروم بحركة، إنما هو أن تروم الحركة فتنتحي نحوها ولا تبالغ، فيدلّ بذلك في الوقف على أن أصل الكلمة التحرك في الأصل. قال: ألا ترى أنك لو قلت: (هذا مَعْن) فأشممت، كانت عند الأعمى بمنزلتها إذا لم تشمم [173/أ]. قال أبو الحسن: يعني أنك إذا وضعت لسانك أو حلقك موضع بعض الحروف، استطعت أن تضم شفتيك حتى يعلم الذي يبصرك أنك تنوي الرفع في الرفع، وإذا تكلمت بالحرف وأردت أن تُعْلِمَ أنك تنوي فيه الكسر والفتح كما فعلت في المرفوع لم تقدر على ذلك. أي: لم تقدر على أن يرى من ينظر إليك ما في فيك كما أريته ما في شفتيك، لأن ما في الشفتين يظهر للناظر، وما في الفم لا يظهر. قال أبو الحسن: هذا الذي يدعيه في الإشمام ليس كما يقول، وهو يفهم بالسمع دون النظر. قال أبو علي: متى سمع سمعًا واستوى الأعمى والبصير في إدراكه بحاسة السمع فليس بإشمام إنما هو رَوْمٌ، ليس ينكر أن يكون مسموعًا كما أن الألف والواو والياء النواقص المسماة حركات مسموعة، إلا أن الفصل

بين الرَّوْم وبينها أنّ الروم أخفى من تلك إشباعًا، وأظهر للسمع لإشباعها من الرَّوْم للسمع. قال أبو علي: حكم التضعيف ألا يكون في المنصرف المنصوب، لأن حركته تتصل بالألف التي هي بدل من التنوين، وإنما يشدّد في الوقف، إلا أن يجيء في ضرورة شعر على ما تقدم.

هذا باب الساكن الذي يكون قبل آخر الحرف فيحرك لكراهيتهم التقاء الساكنين

هذا باب السّاكن الذي يكون قبل آخر الحرف فيُحرَّك لكراهيتهم التقاء الساكنين وذلك قولهم: هذا بَكُرْ، ومِنْ بَكِرْ، ولم يقولوا: رأيت بَكَرْ، لأنه في موضع التنوين، وقد يُلحق ما يبيِّن حركته. قال أبو علي: قوله: لأنه في موضع التنوين، يقول: إنه منصوب، والمنصوب يلحقه ما يبين حركته إذا كان منصرفًا وهو التنوين، فكما أنه لا يُحرّك مع المنصوب إذا نوّن لمكان ما يبين حركة لامه، كذلك لم يُحرّك مع الألف واللام، إذ الألف واللام كالتنوين، وليس يلحق المرفوع والمجرور في الوقت ما يبين حركتهما قبل أن يدخلهما الألف واللام بحركة لاميهما، كذلك حرّكت عيناهما بعد دخول الألف واللام، فقيل: النَّقُرْ، كما قيل:

(هذا نَقُرْ)، ولما لم يقل: (رأيت بَكَرْ)، قبل حرف التعريف، كذلك لم يقل: (رأيْتُ البَكَرْ). قال: وقالوا: (رأيتُ العِكِمْ) فلم يفتحوا الكاف، كما لم يفتحوا كاف (البَكُِرْ)، وجعلوا الضمة إذا كانت قبلها بمنزلتها إذا كانت بعدها. قال أبو علي: قوله: جعلوا الضمة إذا كانت قبلها، يقول: جعلوا الضمة والكسرة إذا كانتا قبل العين الساكنة في المنصوب بمنزلتها إذا كانتا إعرابًا، فقالوا: رأيت العِكِمْ، ورأيت الحِجْر، فأتْبَعُوا في النصب حركة العين الفاء كما أتبعوا في غير النصب اللام.

وقوله: لمّا جعلوا من قبل الساكن في الرفع والجر مثله بعده، أي جعلوا العين تحرك بحركة ما قبلها فيهما كما كانت تحرك بالحركة التي هي إعراب إذا كانت ضمة أو كسرة. وقوله: صار في النصب كأنه بعد الساكن، أي صار الكسر والضم في ذا المنصوب نحو: (لقيت الجُحُر، ورأيت العِكِمَ)، بمنزلة الرفع والجر اللذين يكوّان بعد الساكن في اللام في أن حرِّك عين المنصوب بحركتي فائهما، كما حرّك عين المرفوع والمجرور بحركة لامهما، وإنما حرّك عين المنصوب بحركة فائه إذا كانت كسرة أو ضمة، لأن لم يجز أن يُحرّك بحركة لامه، وقد تقدم القول في هذا، ولم يجز أن يحرّك عين المنصوب بحركة فائه إذا كانت فتحة، لأنه لم يحرك بحركة لامه لما كانت فتحة، فكما لم يُحرك بحركة اللام إذا كانت فتحة، كذلك لم يحرّك بحركة الفاء إذا كانت فتحة.

هذا باب الوقف في الواو والياء والألف

هذا باب الوقف في الواو والياء والألف قال: فيهويَ الصوتُ إذا وجد مُتَّسعًا حتى ينقطع آخرُه في موضع الهمزة. قال أبو علي: يقول: إذا وقفت على هذه الحروف، راجعُ الصوت يتصل بمخرج الهمز.

هذا باب الوقف في الهمز

هذا باب الوقف في الهمز قال: وهو أبين لها إذا وَلِيَتْ صوتًا. قال أبو علي: يريد، إذا وليت حركة، وذلك قولهم: هذا الوَثُؤ. قوله في أول الباب: ما يلزم الفرع. قال أبو علي: الفرع كلمة مثّل بها الهمزة كما يجعل النحويون أبدًا العين موضع الهمزة. قال أبو علي: تحريكهم العينات في النصب في (الوَثْو) ونحوه مع دخول الألف واللام يدل على أن العين هنا لم تُحرّك من حيث حرّك في (بَكُرْ والنقُرْ) ونحوه، لأنه لو حرّك من حيث حرك هذا لم يحرك المنصوب نحو: (رأيت الوَثَأ)، كما لم يحرك (رأيت البَكَرْ)، فتحريك هذا يدل على

العينات حركت لتبيّن الهمزة في الوقف كما ذكره لا كما حرّك العين من (بَكْر) في قولك: (هذا بَكُرْ) وسائر بابه مما ليست بهمزة. قال: وأما من لم يقل من البُطِئْ، ولا هو الرِّدُؤْ، فإنما ينبغي لمن اتّقى ما اتَّقوا أن يلزم الواو والياء. قال أبو علي: أي فيقول: هو البُطْؤ، ومن البُطْئ فيُبيِّن الهمزة بقلبه إيّاها واوًا أو ياءً، إذ لم يبينها بتحريك العين قبلها، كراهة أن يصير إلى الياء، وليس له نظير في الأسماء. قال: والهمزة بمنزلة ما ذكرنا من غير المعتل إلا في القلب والتضعيف [174/أ]. أي تقلب ياءً أو واوًا أو ألفًا، وسائر الحروف لا تقلب.

هذا باب الساكن الذي تحركه في الوقف

هذا باب الساكن الذي تُحرِّكه في الوقف قال: كما حرَّكوا بالكسر، إذ وقع بعدها ساكن يَسْكُنُ في الوصل. قال أبو علي: نحو ضَرَبَتِ ابْنَها، فالساكن الثاني يجري في الوصل والوقف ساكنًا. قال: وكذلك قد ضَرَبَتْهُ فلانةٌ، وعنه أخذْتُ فتُسكّن كما تُسكِّن إذا قلت: عنها أخَذت. قال أبو علي: ما قبل الهاء في (عَنْهُ) ساكن، كما أن ما قبلها في (عَنْها) ساكن، إلا أن قبل الهاء في (عَنْهُ) يلقى عليه في الوقف حركة الهاء، لسكون هذه الهاء في الوقف إذا كان ما قبله متحركًا، فأما ما قبل الهاء في (عنْها) فلا يُحرك ولا يلقى عليها حركة الهاء، لأن الهاء في (عَنْها) لا تسكن على حال.

هذا باب الحرف الذي تبدل في الوقف مكانه حرفا أبين منه يشبهه لأنه خفي

هذا باب الحرف الذي تُبْدِلُ في الوقف مكانَه حرفًا أبْيَنُ منه يُشْبِهُه لأنّه خَفِيٌّ قال: وإذا خَفِيَت الكسرة ازدادت الياء خفاء كما ازدادت الكسرة، فأبدلوا مكانها حرفًا من موضع أكثر الحروف بها مشابهة. أي بالياء، قوله: حرفًا أي الهاء، وهو من موضع الألف، والألف أكثر الحروف مشابهة بالياء. ... هذا باب ما يُحذَفُ من أواخر الأسماء في الوقف وهي الياءات قال: كما ذهبت في الوصل. يعني قولك: هذا قاضٍ، فاعلم.

قال: ولم يُريدوا أن يظهر في الوقف كما لم يظهر في الوصل. {أي} في قاضٍ فاعلمْ. قال: لأنهم لم يُضْطَرُّوا ها هنا إلى مثل ما اضطُرُّوا إليه في الوصل. قال أبو علي: يقول: من يقول: (هذا رامي)، وأظهر الياء في الوقف، إنما أظهره لزوال العلّة التي لها حذفت في الوصل، وفي أنه لو لم يحذف منه للزم أن يُحرك بالكسر، فلما لم يلزم تحريكها في الوقف لأن الوقف يكون على ساكن لم يحذف في الوقف كما حذفت في الوصل لما كان يلزمها من التحريك والكسر. قوله: شبَّهوه بما ليس فيه ألف ولام، يعني قوله: القاضي. قال أبو علي: قال أبو بكر: كأنهم أدخلوا الألف واللام بعد أن وجب الحذف. وقوله: في هذا الباب ولم يقولوا: (لمْ يَكُ الرجُلُ)، لأنها في موضع

هذا باب ما يحذف من الأسماء من الياءات في الوقف

تُحرك فيه، يعني أن النون تحرك فيه لالتقاء الساكنين. ... هذا باب ما يُحذَف من الأسماء من الياءات في الوقف قال: لأنك إذا وصلت في النداء حذفتها. قال أبو علي: مثال ذلك قولك: يا غلامُ أقبلْ، فأمّا [174/ب] لِمَ حُذفت هذه الهاء؟ فقد ذكره في باب النداء. قال: وأما الألفات التي تذهب في الوصل فإنها لا تذهب في الوقف. قال أبو علي: يعني (قَفا ورَحَى ومُثَنًّى)، إذا وصَلْت قلت: (رحًا فاعْلمْ)، سقطت الألف في الوصل لالتقاء الساكنين، كما تسقط الياء

لالتقائهما في (هذا عَمٍ فاعْلمْ) ونحوه، إلا أن الألف وإن سقطت في الوصل لم تحذف في الوقف كما أن الياء لمّا سقطت في الوصل حذفت في الوقف، وإنّما لم تحذف الألف لما ذكره، وقياس هذه الألف أعني التي في (مُثَنًّى وقَفَا) ونحوه أن تكون في الرفع والجر إذا وقعت منقلبات عن اللامات، وفي النصب يكون بدلاً من التنوين، والمنقلبة عن اللام في النصب محذوفة لالتقاء الساكنين، وهما الألف المنقلبة عن اللام، والألف التي هي بدل من التنوين، والساكنان إذا اجتمعا من كلمتين حذف الأول إذا لم يجز تحريكه، كما يحرك الأول إذا ساغ تحريكه، والساكنان هنا منفصلان، كأنهما من كلمتين، لأن التنوين منفصل من البناء، وكذلك ما هو بدل منه منفصل أيضًا. قال سيبويه: فَمِنْ ثَمَّ لم تُحذف الألف إلاّ أن يُضْطَرَّ شاعر فيشبِّهها بالياء، لأنها أختها، وهي قد تذهب مع التنوين. قال أبو علي: يريد، أن الألف يذهب مع التنوين في (قَفًا فاعْلَمْ)، كما تذهب الياء مع التنوين في (قاضٍ فاعْلَمْ)، فكما حذفت الياء في الوقف لذهابها مع التنوين في الوصل، حذفت الألف في الوقف كما حذفت

هذا باب ثبات الياء والواو في الهاء التي هي علامة الإضمار

الياء فيه. ... هذا باب ثبات الياء والواو في الهاء التي هي علامة الإضمار قال سيبويه: وليست الياءُ في (هِيَ) وحدها باسم كياءِ (غُلامِي). قال أبو علي: أي فتحذفها كما تحذف (من هذا غلام) في الوقف إذا أردت: (هذا غلامي)، فالاسم إنما هو (هِيَ) بأسرها، لا الهاء دون الياء، ولا الياء دون الهاء، وكذلك لو قلت: (ما هُو)، (ومَنْ هُو)، لم يلزم أن تحذف الواو في الوقف كما تحذفه من (هذه عَصاهْ). قال سيبويه: ففيها أيضًا مثل ما في (أصابَتْهُ).

قال أبو علي: يقول في (عَلَيْهِ يافَتى)، (وعَصاهُ فاعْلَمْ)، وجوه ما في (أصابَتْه جائحة)، لأن ما قبل الياء منهن ساكن، كما أن ما قبل الهاء في أصابته ساكن، (فعَلَيْهِ فاعْلَمْ)، مثل (أصابَتْهُ فاعلمْ)، في أن ما قبل الهاء منهما ساكن، إلا أن الحذف للحرف الذي بعد الهاء في (عَلَيْهِ فاعلم)، (وشَرَوْه بثمنٍ) و (هُداهُ فاعلم)، أحسن. لاجتماع ثلاثة أحرف متجانسة على ما تقدم. قال سيبويه: كرهوا أن يَدَعوا بعد الميم شيئًا منهما. أي: شيئًا من الواو والياء، يعني الكسرة والضمة. قال: ولا يحذفون الساكن في (سَفَرْجَلٍ) لأنه ليس فيه من هذا [175/أ]. قال أبو علي: يقول: ليس في (سَفَرْجَلٍ) علّة ولا استثقال فتحذف منه الراء كما حذفوا من (رأيْتُهم)، و (رأيْتُ أباهُ)، الذي هو ردف الإعلال. قال: ألا ترى أنّه لا يقول: (كُنْتُم اليومَ) مَنْ يقولك (اخْشَوِ الرَّجُلَ).

هذا باب ما تكسر فيه الهاء التي هي علامة الإضمار

قال أبو علي: يقول: فلو حُرِّكت الميم من (كنْتُم اليومَ) للضم من حيث حركت الواو من (اخْشَوُ الرَّجُلَ) بالضم، لجاز (كنتُم اليومَ) كما جاز (فاخشَوُا الرَّجُل). ... هذا باب ما تُكْسَرُ فيه الهاء التي هي علامة الإضمار قال سيبويه: لأنها خفيِّة كما أن الهاء خفيَّة. قال أبو علي: اشتراك الهاء والياء في الخفاء، لأن الألف من مخرج الهاء، والياء قريبة من الألف، فهي إذًا شبيهة بالهاء.

قال سيبويه: فإذا تَراخَتْ وكان بينهما حاجِزٌ لم تلتقِ المتشابهة. يعني بالمتشابهة اجتماع الكسرة مع الهاء، أو الياء مع الهاء. قال: وإذا قال: (مَصادِرُ) فجعل بينهما حرفًا ازداد التحقيق كثرة فكذلك هذا. أي، إذا فصل بين الهاء والكسرة أو الياء بحرف. قال: وإنما أجري هذا مُجرى الإدغام. قال أبو علي: أجرى تحريك الهاء بالكسر إذا وقعت بعد كسرة أو ياء كالإدغام لأن الحرف قُرِّب من شبيهه كما قرب في باب الإدغام الحرف من

الحرف نحو: (أجدّك). وقال أبو علي في بيت الحطيئة: ... رُدُّوا فَضْلَ أحلامِكُم رَدُّوا وقال سيبويه: وهذه رديئة جدًا، إنما رَدُؤَ هذا، وحَسُنَ (بهم وعليهم) أن الهاء مشابهة للياء والكسرة لموافقتها إيّاها في الخفاء، وأنه من مخرج ما يشبه الياء وهو الألف ولغير ذلك مما بينهما من الموافقة، فأتبع الهاء الكسرة أو الياء في (عَلَيْهِي، وبهي)، للموافقة بينهن، كما قربت الألف من الياء في الإمالة، والحرف من الحرف القريب منه في الإدغام وليس بين الكاف والياء والكسرة من المناسبة ما بينهما وبين الهاء، فلهذا حسن اتباع الهاء إياهما، وقبح إتباع الكاف إياهما.

وقال سيبويه: ألا تراها جعلت في القوافي متحركة بمنزلة الياء والواو ساكنتين. يعني جعلت الهاء وصلاً متحركة وساكنة في مثل: مَحَلُّها فَمُقامُها ... ... ... (و) أفْراسُ الصِّبا ورَواحِلُهْ ولم يجعل الياء والواو وصلاً إلا ساكنين نحو: مَنْزِلي، وتَنْسَلِي.

ومعنى قولي: الوصل، أي زيادة ليست من نفس الكلمة ولكنها للإطلاق. قال سيبويه: وإنما ذكرت هذا لئلا تقول: قد حرّكتَ الهاءَ، فلِمَ جعلْتَها بمنزلة الألف فهي متحركة كالألف. قال أبو علي: أي فتقول: لم جعلت الهاء كالألف حين جعلت حركته من جنس الياء إذا وقعت الياء قبلها أو الكسرة، كما أملت الألف نحو الياء في عِماد وسَيالٍ [175/ب] والهاء متحركة ليست كالألف لأن الألف ساكنة ومتحركة، (فما وجد كأنّ) الهاء متحركة أجريت مجرى الألف في القوافي، وكذلك أجريت عليهِي وبِهي، وإن كانت متحركة مجرى الألف في أن غيرت حركتها التي هي الضمة، وجعلت من جنس الهاء كما غيرت الألف، إذا وقعت مع الكسرة والياء بأن نُحِي بها نحو الياء. قال سيبويه: شبَّهوها بالميم التي تلزم الضمة والكسرة.

ومن باب الكاف التي هي علامة المضمر

يعني ميم (عَلَيْهِمْ)، يقول: شبهت الهاء في هذه الكلمة بالميم التي في (عَلَيْهِمْ)، فحذفت الياء منها في الوصل، فقيل: (ذِهْ أمَةُ الله) كما حذفت الياء أو الواو من ميم (عَلَيْهِمْ)، (ولَكُم) في الوصل، فقيل: (عليهم فاعلم). ... ومن باب الكاف التي هي علامةُ المُضْمَر قال سيبويه: فلما كانت الهاء يلحقها حرف مَدٍّ، ألحقوا الكاف معها حرف مَدٍّ، وجعلوهم إذ التقيا سواء.

قال أبو علي: يقول: جعلوا الكاف والهاء سواء في أنْ زيد على الكاف ألفٌ إذا كانت مفتوحة، وياءٌ إذا كانت مكسورة في الوصل كما زيدت على الهاء في الوصل واوٌ إذا كانت مضمومة وياءٌ إذا كانت مكسورة، نحو (عَلَيْهِي فاعْلَمْ، ولَهُو يا فتى). قال سيبويه: والكاف والتاء لم يُفعل بهما ذلك إلى [نهاية] الباب. قال أبو علي: يقول: لم يُزَدْ على الكاف والتاء إذا كانتا للمؤنث حرفٌ كما زيد على الهاء حرف، فيلزم أن يزاد عليها إذا كانت للمذكر حرف.

هذا باب ما يلحق الياء والكاف اللتين للإضمار

هذا باب ما يلحق الياء والكاف اللتين للإضمار قال: ولم يسكِّنوا التاء، لأن ما قبلها أبدًا ساكنٌ، ولا الكافَ لأنّها تقع بعد الساكن كثيرًا. أي: في نحو رَماكُما، وأعْطاكُم، ولم يَضْرِبْكُمْ. قال سيبويه: ومع هذا أيضًا أنهم كرهوا أن يتوالى في كلامهم في كلمة واحدة أربع متحركات أو خمسٌ ليس فيهن ساكن. قال أبو علي: لو لم تضاعف النون فتسكن الأولى، لاجتمع في (ضَرَبَكُنَّ) خمسُ متحركات، لأن النون متحركةٌ بالفتح، وفي نحو (يَرُكُنّ) أربع متحركات.

قال: وهي في غير هذا ما قبلها ساكن. قال أبو علي: قوله: وهي في غير هذا، أي النُّون التي لجماعة المؤنّث ما قبلها ساكن في غير (ضَرَبَكُنَّ، وأنْتُنَّ)، ونحوه مما ضوعفت فيه النُّون، كما أن ما قبل التاء في (ذَهَبْتُ) ساكن، فكما سكن ما قبلها إذا كانت غير مضاعفة نحو (ذَهَبْنَ)، كذلك سكن ما قبلها في (ضَرَبَكُنَّ) ونحوها مما ضوعفت فيه النون، لأنهما لا يجتمعان في أنهما علامتان للضمير، فكما اجتمعا في ذلك اجتمعا في سكون ما قبلهما. قال سيبويه: [176/أ] فلو كانت ساكنة لم تُحقّق النون. قال أبو علي: لأن النون إذا وقعت ساكنة بعد حروف الفم لم يتبيّن نحو (مَنْ كانَ)، (ومَنْ جاءَ)، (ولمْ يأمَنْكَ).

قال سيبويه: كما لم يحذفوا الألف حيث حذفوا الياءات. أي لم يحذفوا الألف من (عَصَا، وعَمَى) ونحوه في الوقف، كما حذفوا الياءات من نحو قاضِي، وجَوارِي) في الوقف. قال: وما أسكنَ في الشِّعر وهو بمنزلة الجَرَّة. قال أبو علي: قوله: وهو بمنزلة الجرَّة يعني الكسر الذي في آخر الكلمة من (صاحِبِي) ونحوه كالجرّ، في أنّ العرب لا تُسكِّنه كما لا تُسَكّن، إنما يسكنون ما كان في وسط الاسم دون ما كان في آخره فإذا كانت الكسرة في آخر الكلمة بمنزلة الجرَّة في أنها لا تُسكن كما أن الجرة لا تسكن، ثم جاء فيها الإسكان، فكذلك يجوز في الجرة أن تُسكن إذا جاز فيما كان مثله في أنه لا يسكن. قوله: ولم يجئ هذا في النصب. أي ترك الإشباع وتخفيف الحركة.

ومن باب وجوه القوافي في الإنشاد

ومن باب وجوه القوافي في الإنشاد قال سيبويه: ولَفَظُوا بتمام البناء وما هو منه. قال أبو علي: وما هو منه، أي من بناء الشّعر، لأن هذه المدات من تمام بناء الشعر، ألا ترى أن المدة في "ومَنْزِلي" بإزاء النون من (مَفَاعِلُنْ). قال: لأنها تكون في المدِّ بمنزلة المُلْحَقَةِ. أي الياء والواو الملحقة للمدِّ التي هي غير لام مثل "ومَنْزِلي". قال: فلما ساوتها في هذه المنزلة ألحقت بها في هذه المنزلة الأخرى.

أي في أن حذفت وإن كانت لامًا كما حذف ما يكون للإطلاق والمدّ. قال: وهذه اللامات لا تحذف في الكلام. قال أبو علي: لأنها في الأفعال، والأفعال لا يلحقها التنوين. قال: كما حُذفت ياء يقضي شبهتها بالياء [التي] في (الأيّامي). قال أبو علي: شبه ياء (يقضي) بالياء التي في (الأيّامي)، أنها إذا كانت بعد حرف رويٌ حذفت كما تحذف التي في (الأيّامي)، وتثبت للإطلاق كما تثبت هي، فأما ألف (يَخْشَى)، فلا تحذف لأنه وافق ما لا يحذف في الكلام وهو الألف في نحو (زيدًا)، ولم يوافق ما يحذف كما وافق ياء (يقضي)، وواو (يغزو)، (والأيّامي)، (وخَلِيلُو). قال أبو علي: نظير يقضي ويغزو في القوافي نحو: يَعْلَمُو، ويَعْلَمِي وهذه قد تحذف، فكذلك تحذف من (يقضي ويغزو).

قال سيبويه: وليسا حرفين [بنيا] على ما قبلهما. قال أبو علي: يقول: ليست الياء والواو اللتين للضمير بحرفي مد، لا للمعنى، كما أن الياء والواو في (يَعْلَمِي ويَعْلَمُو) حرفا مدٍّ من جنس ما قبلهما، لا لمعنى غير المدّ. وقال في إنشاد سيبويه (؟): يا دارَ عبلةَ بالجواءِ تَكَلَّمْ. قال أبو علي: وضع الياء التي في (تَفْعَلِينَ) على أنه [76/ب] اسم على ما تقدم من قوله: وجعله محذوفًا في القافية كما حذفت الواو من (صَنَعُوا) ونحوه فأمّا النون فحذفت للوقف كما تحذف للجزم، لأن لفظهما سواء.

ومن باب عدة ما يكون عليه الكلم

ومن باب عِدَّة ما يكون عليه الكَلِم قال أبو علي: معنى الواو في الحقيقة الاجتماع وهي لا تكون للعطف إلا ومعنى الاجتماع لها لازم، وقد تكون للاجتماع ولا معنى عطف فيها في نحو: (جاء البردُ والطيالسةُ) وجميع باب المفعول معه الواقع فيه الواو بمعنى (مَعَ) وإنما وقعت الواو بمعناها لما بينهما من المقاربة في المعنى، وذلك أن معنى (مَعَ): المصاحبة، ومعنى الواو الاجتماع، والمصاحبة ضربٌ منه، فهذا وقوع الواو للاجتماع مُعَرَّى من العطف، والدليل على أنّها معرَّاةٌ منه أنها لم تُدخِل الاسم الذي بعدها في إعراب الاسم الذي قبلها كما تدخله في إعرابه في نحو (جاءَ زيدٌ وعمروٌ). ومن هذا الباب قوله تعالى: "فأَجْمِعُوا أمرَكم وشركاءَكم". قال أبو العباس: المعنى: مع شركائِكم، فالواو فيها بمعنى (مَعَ)، لأنه لا يقال: أجمعت قومي وشركائي، إنما يقال: جمعْتُ قومي وشركائي

وهذا تأويل حسن، ويجوز أن يكون على معنى: أجْمِعُوا أمركم وأجمعوا شركاءَكم فأضمر الفعل الثاني، لدلالة الأول عليه كقول القائل: متقلدًا سيفًا ورمحًا أي متقلدًا سيفًا، وحاملاً رمحًا، فأضمر الثاني لدلالة الأول عليه ونحو هذا كثير، فأمّا حيث يكون فيه للاجتماع وينضمُّ إليه مع ذلك العطفُ فنحو (ضربْتُ زيدًا وعمرًا)، والمعنى أنك إذا قلت: (جَمَعْتُهم)، لم يكن فيه دليل في اللفظ من المبدوء بالضّرب كما أنك إذا قلت: (جَمَعْتُهم)، لم يكن فيه دليل من كان المبدوء به المضموم إليه السائر، فكذلك إذا وضع حرف على المعنى الموضوع عليه مصدر (جَمَعْتُ)، لا يكون فيه دليل من المبدوء به قبلُ،

ولا يُعلم بين أهل العربية في ذلك خلاف، ولهذا المعنى الذي فيه من الاجتماع والمصاحبة وقعت الجُمَلُ بعده موقع الحال، ولو كان غيره من حروف العطف لم يجز أن يقع موقعه، لأنه لا يؤدي معناه، ألا ترى أنه ليس في سائر هذه الحروف ما معناه كمعناه في الاجتماع؟! وحكم الحال أن تكون مصاحبة لذي الحال ومجامعة له في وقت حديثك عنه فلهذا لم يجيزوا وقوع الفعل الماضي موقع الحال في نحو (جاء زيدٌ ضَرَبَ)، كما أجازوا: (جاء زيد يضربُ)، وقالوا في تقدير: (مَرَرْتُ برجلٍ معه صقرٌ صائدٌ به غدًا) أن [177/أ] معناه مقدرٌ، الصيد به الآن، لأن الحال لا تكون المستأنف ولا الماضي بل هي خلافهما، فلهذا وقعت الجمل بعدها موقع الحال، وقد ذكرنا في الواو فيما تقدم أشياء غير هذا. قال أبو علي: كون الكاف والتاء للخطاب أعمّ من كونهما اسمين، لأنهما يكونان للخطاب حيث لا يكونان فيه اسمين، ولا يكونان اسمين إلا ومعنى الخطاب موجود فيهما، والدليل على أن الكاف في (ذلك) للخطاب، أن (ذا) لا تجوز إضافته، لأن المعنى الذي تعرّف به قائم فيه أبدًا وهو الإشارة فلو أضفته لنكَّرْته لأن المعرفة لا تضاف.

قال سيبويه: واعلم أنه لا يكون اسم مظهر على حرف الفصل. قال أبو علي: لأنه يُبتدأ بحرف ويُوقف على آخر، ولا يجتمع الابتداء والوقف معًا في حرف واحد. وقال أبو علي: في إنشاد سيبويه: ورجّ الفتى للخَيْر ما إنْ رأيْتَهُ ... على السِّنِّ خيرًا لا يزالُ يزيدُ قوله: ما إن رأيته: [إنْ] لغو، (وما)، مع الفعل بمنزلة المصدر، فهو في تقدير: رجَّه رؤيتك إيّاه، أي وقت رؤيتك إيّاه، فحذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه، فهذا عندي مثل (مَقْدِم الحاجّ)، (وخُفُوقَ النَّجْم)،

وغيرهما من المصادر المقامة مقام الظروف الزمانية، فأما زيادة (إنْ) معها وهي بمعنى المصدر فقليل جدًا إنما تزاد مع (ما) إذا كانت للنفي نحو: (ما إنْ زيدٌ منطلقٌ)، وما إن يكاد يخليهم لوجهتهم، فإنما حكم (إنْ) أن تزاد مع النافية، فكأن هذا الشاعر شبه التي مع الفعل بمعنى المصدر بالنافية، لاتفاقهما في اللفظ، كما شبهت النافية في ضرورة الشعر بالتي في معنى الاسم، وذلك قوله: لما أغْفَلْتُ شكرَك فاصْطَنِعْنِي ... فما هذه نافية وهي جواب القسم، فأدخلت عليها اللام كما تدخل على التي في تأويل الاسم، وحكم النّفي في جواب القسم ألا يدخل عليه اللام كقولك: (والله ما رأيته)، ولا يجوز: (لما رأيْتُه). قال سيبويه: فهذه الأسماء سوى الأماكن بمنزلتها. قال أبو علي: يقول: هذه الأسماء التي هي غير الأماكن بمنزلة الأماكن في أن (مِنْ) تدخل عليها كما دخلت عليها. قال: وكذلك: كفى بالشيب: لو ألغى الباء استقام الكلام.

قال أبو علي: موضع الباء في قوله: (كفى بالشّيب) مع ما بعده رفع، لأن (الشَّيْبَ) هو الفاعل، وكذلك "كفى بالله"، كما أن موضع (مِنْ) في قولك: (ما جاءني من رجلٍ)، وقوله تعالى: "أن يُنزّل عليكم من خير من ربكم" رفع، ومثل هذا في أن الجار مع المجرور رفعٌ قولك: (أكْرِمْ بزيدٍ)، موضع الباء مع زيد رفع (بأكْرِمْ)، ألا ترى أن المعنى إنما هو الإخبار عنه بأنه كَرُمَ، فإن قيل: كيف جاء الفعلُ على بناء الأمر وهو خبرٌ، فالقول فيه عندي [177/ب] أن فعل الأمر وقع موقع الخبر، كما وقع الفعل المبني للخبر الأمر والدُّعاء في نحو: (لَقِيَ زيدٌ شَرًّا)، (وغَفَرَ اللهُ لزيدٍ)، فكما وقع بناء فعل الخبر موقع الدُّعاء والأمر، كذلك وقع بناء الأمر موقع الخبر في (أكْرِمْ بزيدٍ) وبابه. ومعنى أكْرِمْ بزيدٍ: (أكْرَمَ زيدٌ) كأنه من باب (أفْعِلْ) الذي هو لغير التعدي والنقل من فعل إلى فعل، نحو (أعْشَبَ الوادي وأخْصَبَ)، (وأهْيَجَ النَّبْتُ)، إذا صارت هذه الأشياء فيه كثرة، فكذلك معنى (أكْرِمْ به)، عندي كأنه (أكْرَمَ زيدٌ) على التأويل الذي ذكرنا. قال سيبويه: وتقول: رأيْتُه من ذلك الموضع فجعلته غاية رؤيتك .. الفصل. قال أبو بكر: هذا كلام يخلط معنى (مِنْ) بمعنى (إلى)، وإنما (إلى) للغاية، (ومِنْ) لابتداء الغاية، وحقيقة هذه المسألة، أنك إذا قلت: (رأيت الهلال من مَوْضِعِي)، (فمِنْ) لك، فإذا قلت: (رأيتُ الهلالَ مِنْ خُلَلِ

السَّحاب)، (فمِنْ) للهلال، والهلال غاية لرؤيتك فلذلك جعل سيبويه (مِنْ) غاية في قولك: (رأيتُه من ذلك الموضع)، فهي عنده ابتداء غاية إذا كانت (إلى) معها مذكورة أو منوية وإذا استغنى الكلام عن (إلى) ولم تكن نقيضتها جعلتها غاية، ويدُلُّك على ذلك قوله: "تقول: (ما رأيْتُهُ مُذْ يومين)، فجعلتها غاية، كما قلت أخَذْتُهُ من ذلك المكان) فجعلته غاية ولم ترد منتهى. أي لم ترد ابتداء له منتهى، أي استغنى الكلام دون ذكر المنتهى، وهذا المعنى أراد والله أعلم، وهذه المسألة ونحوها إنما تكون في الأفعال المتعدية إلى مفعول واحد، نحو رأيتُ وسمعتُ وشممتُ، تقول: (شممتُ من داري الريحان من الطريق)، (فمِنْ) الأولى للفاعل، والثانية للمفعول، وعلى ذلك الباب لا يجوز عندي غيره. قال سيبويه: كما كانت (مِنْ) فيما ذكرتُ لك، ولا تدخل واحدة منهما على صاحبتها، لأن (مِنْ) للزمان، (ومِنْ) للمكان، فأمّا قول زهير:

أقْوَيْنَ مِنْ حِجَجٍ ومِنْ دَهْرِ فكان أبو إسحاق يقول: المعنى: (مِنْ مَرِّ حِجَجٍ ومَرِّ دَهْرِ) فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. قال سيبويه: كما قُلت: أخذتُه من ذلك المكان، فجعلتَه غاية ولم تُرد منتهىً. قال أبو بكر: معنى هذا أنك لو أردت الابتداء والمنتهى لرفعت فقلت: مُذْ يومان، لأنك إذا أردت الغايتين، الابتداء والانتهاء، فالحكم الرفعُ، وإذا أردت إحداهما خفضت. قال سيبويه: وما جاء من الأسماء غير المتمكنة على حرفين أكثر مما جاء من المتمكنة الفصل يعني أن (مَعَ وقَطُّ)، ضارعتا (هَلْ، وأوْ)، وتقول (صَهْ) ونحو أكثر من (خُذْ). قال أبو علي: (أنْ) حرف ليس باسم، والدليل على ذلك أنه ينصب الفعل ولو كان اسمًا لم ينصب [178/أ] لأن الاسم لا يعمل في الفعل، ولأنه ليس باسم لم يعد إليه من صلته ذكر كما عاد من صلة (الّذي)، وسائر

الموصولات الذكر من صلاتها. قال أبو علي: أنشدنا أبو بكر: فقُلْتُ اجْعَلِي ضَوْءَ الفراقِدِ كُلِّها ... يمينًا ومَهْوَى النَّجْمِ مِنْ عَنْ شِمالِكِ قال سيبويه: كما كثرت الأسماء نحو (قَدْ، وهَلْ)، وإنما قال قبلها، لأنه قدم الحروف التي على حرفين في الكتاب على الأسماء التي على حرفين (في الكتاب). قال أبو علي: يقول: (أيْمُنُ) لما لم يجئ إلا متصلاً بالقسم ولم يجاوز هذا الموضع شابه ما جاء على حرف من الأسماء نحو (رأيْتُك وضربتُ)، في أنه لا يكون إلا متصلاً بشيء، كما أنه لا يكون إلا متصلاً، فلما شابهه في الاتصال، وأنه لا ينفرد حذف منه ورد إلى حرف، كما أن هذه الأسماء التي لا

تنفصل جاءت على حرف واحد. قال أبو علي: لام التوكيد يلزمه إنْ المخففة من (إنّ) عوضًا من التخفيف متى رُفع اسمها، فأمّا إذا نُصب اسمها لم يلزمها إلاّ من حيث يلزمها في التثقيل، وذلك أن اللام إنما تلزم خبرها إذا رُفِعَ الاسمُ بعدها لتُماز من التي بمعنى النفي، فإذا نصبتها انْمازَتْ بانتصاب الاسم بعدها من التي للنفي، فإنما تلزم اللام إذا نُصب الاسم بعدها مخففة، كما يلزمها مثقّلة، والذي هو المختار في ذلك أن يُرفع الاسم بعدها في التخفيف وعلى هذا عامة التنزيل والقراءة، كقوله تعالى: "إنْ كُلُّ نفسٍ لَّما عليها حافظٌ" والقول في الخفيفة في نحو قوله: "إنْ كاد ليُضِلُّنا" وما أشبهه إنها (إنَّ)

ومن باب علم حروف الزوائد

التي كانت تنصب الاسم خففت، فلما خففت دخلت على الفِعل، لأن المعنى الذي كان يمتنع من الدخول على الفعل كان مشابهته إياه بالتثقيل، فلما خففت زال الشبه، فلم تمتنع من الدخول على الأفعال مخففة، لأنها حرف تأكيد، وقد يؤكد الاسم كما يؤكد الفعل فتدخل عليه كما تدخل على الاسم للتأكيد، وإنما دخل على الفعل وساغ دخوله عليه من حيث كان الاختيار بعده ارتفاع الاسم بعدها مخففة، جاز دخولها على الفعل، لأن الحرف متى ما دخل على الاسم فلم يغيِّره لم يمتنع من أن يدخل على الفعل، وهذا مطَّرد. فكذلك (إنْ) لمّا دخلت [على] الاسم مخففة فلم تغيِّره، كذلك دخلت على الفعل. فأما اللّام التي تلزم الفعلَ إذا دخلت (إنْ) على فعلٍ نحو اللام في "إنْ كاد ليُضِلُّنا" ففيه عندي نظر [178/ب]. ... ومن باب علم حروف الزوائد قال سيبويه: وتلحق مُضاعَفةٌ كلَّ اسم إذا أضيف نحو هَنِّيّ.

هذا باب حروف البدل في غير أن تدغم حرفا في حرف

قال أبو علي: (هَنِّيٍّ)، ليس يريد هَنا بعينه، إنما يريد أن كل واحد هَنٌّ، فتجعله من أيّ قبيل شئت كالهاشميّ. ... هذا باب حروف البدل في غير أن تُدغم حرفًا في حرف قال أبو علي: إنما قال: في غير أن تدغم حرفًا في حرف، أن البدل على ضَرْبَيْن، أحدهما: بدل حرف من حرف نحو: اتْلَجَ في أوْلَجَ. والآخر: بدل حرف يُبدل من حرف قريب منه للإدغام نحو (أخذتُّ)، أبدلت الذال تاء وأدغمت في التاء. قال سيبويه: ويبدل من الهمزة، يعني الياء. قال أبو علي: وذلك في (ذِئْبٍ) إذا خففته قلت: (ذِيبٌ)، ونحو

(مِئَرٍ) إذا خففته قلت: (مِيَرٌ)، من مأرْتَ بينهم إذا أرَّشْتَ. قال سيبويه: وقد تُبدل من مكان الحرف المدغَم نحو (قِيراطٍ). قال أبو علي: يعني بقوله من مكان الحرف المدغم أن الياء بدل من راء أولى مدغمة في الثانية كأنه قِرَّاط. قال سيبويه: كما أن الهمزة بدل من ألف حَمْرَى. قال أبو علي: عنده أن التأنيث في (حمراء) كان حكمه أن يكون بألف ساكنة نحو (حُبْلا)، فلما وقعت الألف الساكنة بعد ألف ساكنة قلبتْ همزة كما أن الألف في (رَسائِل) لمّا وقعت بعد ألف قلبت همزة وشُبِّه بها ياء (صَحِيفةٍ)، وواو (عَجُوزٍ)، وعلى هذا قال في باب ما لا ينصرف: "هذا باب ما لحقته ألف التأنيث بعد ألف"، فجعل همزة (حمراء) ونحوه منقلبة عن ألف. وحكي عن أبي الحسن أنه قال: هذا ضعيف، لأنها همزة متحركة

وليست بألف، فكأنّ أبا الحسن جعل علامة التأنيث تكون بالهمزة كما تكون بالألف، ولم يجعل الهمزة منقلبة من ألف، لكنها مع المدَّة التي قبلها للتأنيث، كما أن الألف وحدها للتأنيث. قال سيبويه: فالفتحة من الألف، والكسرة من الياء إلى آخر الباب. قال أبو علي: الدليل على أنّ هذه الحركات ليست من أصول أنفس الكلم أنك تشتق من المصدر أبنية مختلفة فتسقط الحركات التي كانت في المصدر كما لا تسقط الحروف التي هي غير الحركات، ألا ترى أن ما كان أصلا في (الضَّرْب) لا يسقط في (ضارِبٍ) ولا في (سائِرٍ) ما يشتق منه، فلو كانت الحركات أصولاً لم تسقط، كما لم تسقط أنفس الحروف ولم تتغير.

هذا باب ما لحقته الزوائد من بنات الثلاثة

هذا باب ما لحقته الزّوائد من بنات الثلاثة قال أبو علي: (حَبالَى)، أصلها (حَبالِي)، ليكون على مثال ما يكسر، وهو على أربعة أحرف، فأنت [179/أ] وإن لم تسمع (حَبالِى) مكسرًا على مثال ما يكسر عليه نظيره، علمت أن أصله ذلك، لكن أبدلتْ من الياء الألف، كما أبدلت من (مَدارَى)، (فحَبالَى) وإن كان ما بعد ألف الجمع منه مفتوحًا ولم يسمع فيه الكسر، فأنت تعلم بقولهم: مَدارَى وبتكسيرهم بنات الأربعة أن أصله الكسر، وإنما فتح كما فتح (مَدارَى)، وسائر ما سمع فيه الكسر فيما بعد الف التكسير. قال أبو علي: (بُخْتِيّة) إذا جُمع فحكمه: (بَخاتِيّ)، كما أن (أثْفِيَة) إذا جمع فحكمه (أثافِيّ)، إلا أنه تحذف الياء الأولى للتخفيف، فيصير على مثل (مَفاعَل)، ويوافق (مَدارَى) في أن آخره ياء، ثم تقلب الياء من (بُخاتِيّ) ألفًا كما قلبت من (مَدارِي) ألفًا، فيصير (بَخاتِي وصَحارِي) في قلب الياء فيهما ألفًا (كمَهارِي).

قال سيبويه: وأقصى ما تُلحق لغير التأنيث سادسة، نحو الألف السادسة في مَعْيُوراءً، وأشْهِيبابٍ. قال أبو علي: الألف في (مَعْيُوراء) الأولى السادسة لحروف (مَعْيُوراء) لا يجوز أن تكون للتأنيث، لأن علامة التأنيث الحرف السابع فلو جعلت السادسة أيضًا تأنيثًا لأدخلت تأنيثًا على تأنيث. قال سيبويه: ويكون على (فَعَيْلَلٍ) في الاسم والصفة فالاسم نحو حَفَيْلَلٍ. قال أبو بكر: روي: حَفَيْتَنٌ.

قال أبو بكر: هو الصواب: وحفَيْتَلٌ خطأ، لأنه إنما يذكر الثلاثي وإنما (حَفَيْتَلٌ) رباعي، و (حفَيْتَنٌ) ثلاثي ووزنه (فَعْيَلَنْ). قال سيبويه: ولكنه يكون صفة على (تَفْعِيلةٍ)، وهو قليل في الكلام، قالوا: تَرْعِيَةٌ إلى آخر ما ذكره في ذلك. قال أبو بكر: وفي رواية: تقلب أيضًا تَرْعِيَّة، وكذلك في نسخة القاضي: وحكى الجرمي في كتابه في الأبنية، ويكون على (تَفْعِيلَة). قالوا: (تَرْعِيبَةٌ)، وهي القطعة من السنام والشحم، وقال قوم: (تِرْعِيبَةٌ) فكسروا على كسرة ما بعدها، وهذا المتبع كُله شاذ لهما تقول ما قالوه ليس لك أن تقيس عليه، وقال الفرزدق:

كأن تَطلُّعَ التَّرعيبِ فيه ... عَذارٍ يَطَّلِعْنَ إلى عَذارِ قال سيبويه: يقال: تَئِفَّةُ ذاك، مثل تَفْئَةُ ذاك. قال أبو عمر: زعم سيبويه أنهم يقولون: تِئفةٌ، ولم أره معروفًا وإن صحَّت فهي (فَعِلَّةٌ). قال أبو بكر: وهذا الحرف في بعض النسخ قد ذكر في باب التاء، وجُعل على مثال (تَفْعِلَة)، والذي أخذته من أبي العباس (تَئفَّةٌ: فَعِلَّةٌ).

ومن باب لحاق الزيادة بنات الثلاثة من الفعل

ومن باب لحاق الزيادة بنات الثلاثة من الفعل قال سيبويه: كما ثبتت التاءُ في (تَفَعَّلْتُ)، و (تَفاعَلْتُ) على كل حال. قال أبو علي: [179/ب]: لأن الهمزة في الزيادة كالتاء في أنها زيادة، فكما ثبتت التاء مع حروف المضارعة، كذلك كان يجب أن تثبت الهمزة معها. قال: وأجمعوا على حذف (كُلْ وتَرَى). قال أبو علي: المحذوف من (كُلْ) الفاء، ومن (ترى) العين. قال سيبويه: إنه زيادة لحقته. قال أبو علي: يعني أن همزة (أفْعَلَ) زيادة لحقته زيادة المضارعة. قال سيبويه: وأنَّ له عِوضًا إذا ذَهب. قال أبو علي: يقول: إنّ حرف المضارعة عوض منه، واستدلاله على أنه عوض، أنهما لا يجتمعان في الكلام.

قال سيبويه: وذلك قولك: قاتَلَ، يُقاتِلُ، ويُقاتَلُ، فأجري مجرى أفْعَلَ لو لم يحذف. قال أبو علي: يريد أن (يُقاتِل) على وزن (يُؤَفْعِل) في حركاته وسكونه إلا أنّ (يُؤَفْعِلُ) حذف. قال سيبويه: إلا أنهما اختلفا في موضع الزيادة. قال أبو علي: يقول: اختلف أفْعَل، وفاعَلَ في موضع الزيادة، لأن الزيادة في (أفْعَلَ) أولى، وفي (فاعَلَ) ثانية. قال سيبويه: فكما استقام ذلك في كل فِعْلٍ كذلك. يعني ما ذكر من ضم حرف المضارعة إذا بُني الفعل للمفعول يعني لما لم يسم فاعله. قال سيبويه: لأن المعنى الذي في (يَفْعَلُ) هو في الثلاثة. يعني في (يَفْعَلُ، وتَفْعَلُ، وأفْعَلُ)، يعني بالثلاثة حروف المضارعة. قال سيبويه: إلا أن الزوائد تختلف. يعني زوائد المضارعة، ليعلم (أفْعَل) من (يَفْعَل)، وكل واحدة من صاحبتها.

قال سيبويه: جئت بالاسم على مثال الاسم من (دَحْرَجَ) لما وافقه فيما ذكرت لك. قال أبو علي: يقول: لما وافقت هذه الأفعال هذه الأمثلة الثلاثة الرباعيّ نحو: دحْرَجَ في الوزن، ضمت زوائد المضارعة فيما ضُمَّت في الرباعيّ، فقيل: يُفاعِلُ، ويُفَعِّلُ، ويُفْعِلُ، كما قيل: يُدَحْرِجُ، وجاءت أيضًا أسماء الفاعلين والمفعولين منها على مثالها من الرباعيّ، فمُقاتِل، ومُضَرِّبٌ، ومُخْرِجٌ لو أتمّ على وزن (مُدَحرج)، وكذلك اسم المفعولين منها كمُدحْرَج. قال سيبويه: فجرى على مثل يُقاتِل، ويُقاتَلُ، كذلك جاء هذا. أي اسم الفاعل والمفعول من يَتَفاعَلُ، أي يتغافَل. قال سيبويه: فالأسماء من الأفعال المزيدة تجيء على مثال (يَفْعَل ويُفْعَل). قال أبو علي: يريد أن الأفعال المزيدة فيها، تجيء أسماء الفاعلين والمفعولين على مثال (يَفْعَل ويُفْعَل) منها، ومجيئها هكذا مطّرد، ألا ترى أن (يَفْعَلُ) من (فاعَلْتُ) يجيء اسم الفاعل على وزنه، (فمُقاتِلٌ) على وزن (يُقاتِل)، وكذلك المفعول، ألا ترى أن (مُقاتَل) على مثال (يُفْعَل)،

وكذلك (مُنْطَلِق) على وزن (يُفْتَعِل)، وجميع الباب على هذا. قال سيبويه: وفتحت العين في (يَتغافَل)، لأنهم لم يخافوا التباسًا. يقول: فتحت العين من الفعل المبني للفاعل، وإن كانت في الفعل المبني للمفعول مفتوحة أيضًا، لأنه لا يلتبس الفعلان، بل ينفصل كل واحد من الفعلين [180/أ] من صاحبه بانضمام أوله وانفتاحه، وإن اتفقا في انفتاح العين منهما. قال سيبويه: وليس بين (يُفْعَلُ) منها ويَفْعَلُ بعد ضمّة أوَّلها وفتحتِه إلا كسرةُ الحرف الذي قبل آخر حرفٍ وفتحتُه. قال أبو علي: إذا كان الحرف الذي قبل آخر الحرف المزيد فيه المنكسر في بنائك الفعل للفاعل ينفتح إذا بني الفعل للمفعول، فلما انفتح منه الحرف الذي قبل آخر الحرف من الفعل في بنائك الفعل للفاعل أولى أن ينفتح في بنائك الفعل للمفعول. قال سيبويه: وأجري مُجرى ما ينبغي لألف (أفْعَلَ) أن يكون عليه في الأصل.

ومن باب ما لحقته الزوائد من بنات الثلاثة

أي قالوا: يَهْرِيقُ، وكما كان يلزم (يُؤكرَمُ) في الأصل قبل الحذف. قال أبو علي: المحذوف من (أيْنُق) العين، لأن الأصل (أنْوُقٌ)، فحذفت العين وعوّضت الياء، فصار (أيْفُل). قال أبو العباس: السين من (استطاع) عوض من نقل الحركة إلى غير موضعها. ... ومن باب ما لحقته الزوائد من بنات الثلاثة قال سيبويه: وإذا ألحقوها في البقية توالت زيادتان. أي في سائر الأبنية، يريد بالبقية ما لحق من الثلاثة بالأربعة غير اقْعَنْسَسَ ونحوه، واسْتَلْقَى ونحوه.

قال سيبويه: فخالفت (احْرَنْجَمَ) ففُرِّق بينهما لذلك. قال أبو علي: لو ألحقت هذه النون في سائر الأبنية غير هذين لوقعت بين حرف زائد وحرف أصلي، وإذا رجعت إلى أول هذا الباب فاعتبرته في جميع الأبنية وجدته كذلك، ألا ترى أنك لو زدته في مثل بَيْطَر، فقلت: (ابيَنْطَر) لوقعت بين الياء الزائدة والطاء.

قال سيبويه: وما لم يُشْرَك بينه فاعرفه بخروجه من ذلك الموضع، إلى آخر الباب. قال أبو علي: معنى هذا الكلام أن حروف الزوائد قد يشتركن في موضع وقد لا يشتركن، فالموضع الذي اشتركن فيه فكبُهْلول، وحِلْتِيت، وشِمْلال، والحروف هنا اشتركن لوقوع كلِّ واحد موقع الآخر، وأما الموضع الذي لم يشتركن فيه، فأوّل الثلاثي، لم تُشرك الواو الهمزة كما شركتها الياء في مثل (يَرْمَع)، ألا ترى أنه ليس في الكلام (وفُعَلٌ) كما فيه (أفْعَل)، (ونفْعَل) وهذه الاشتراكات والمباينات تبين بتأمل ما تقدم من الأمثلة.

ومن باب تمثيل ما بنت العرب من الأربعة في الأسماء والصفات

ومن باب تمثيل ما بَنَت العرب من الأربعة في الأسماء والصفات قال سيبويه: لأنك لو صيَّرتهن فِعْلاً كنّ بمنزلة الأربعة، فهذا دليل. أي على أنه ملحق، يقول: بقاء الحرف الزائد في صياغة الفعل منه دليل على أنه ملحق.

ومن باب ما لحقته الزوائد من [بنات] الأربعة غير الفعل

قال سيبويه: لو اشتق منه لبقي الحرف الزائد فيه. قال سيبويه: فالأسماء نحو الفِطَحْل والصِّقَعْل. قال أبو علي: هذا في رواية أبي العباس، وعند ثعلب [180/ب] الصِّقَعْل، وقال: تمرٌ يُحلَبُ عليه لَبَنٌ. ... ومن باب ما لحقته الزوائد من [بنات] الأربعة غير الفعل قال سيبويه: لأنّك لو قُلت: فاعَلْتُ، وفَعَّلْتُ خالف مصدرُه بنات الأربعة، (ففاعَلٌ) نحو (طابَق)، و (فُعَّلٌ) نحو (سُلَّمٍ). قال أبو علي: عند ثعلب نحو (طابَّقَ وقَنَّفَ)، وهو الجيِّد، لأن (فُعَّل)، لا يكون على بناء الرباعي، ألا ترى أنه ليس في الكلام مثل (جُعْفَر).

قال أبو علي: يقول: فاعَلَ وفَعَّلَ وإن وافقا بزيادتيهما باب (جَعْفَرُ وهِجْرَع)، فليسا بملحقين، لأنك لو اشتققت منهما فعلاً خالف مصادرهما مصادر بنات الأربعة، ألا ترى أنك لو اشتققت من (فاعَلَ) نحو (طابَقَ) فِعْلاً لكان مصدره (مُفاعَلَة)، ولم يكن (فَعْلَلَة)، وكذلك لو اشتققت من (قِنّف)، لم يوافق المصدر (الدّحْرَجة)، فهذا يُبين زيادة الإلحاق من غيرها. قال سيبويه: ولكنه تمثيل كما مثَّلتُ في باب التحقير. أي، كما قلت فيها في التحقير إنك لو صغَّرته لم تحذف منه شيئًا لقلت: (سفيرجل) ليكون على مثال دُنَيْنِيرٌ، فكذلك لو اشتققت من (سَفَرْجَلٍ) وما ألحق به نحو: (حَبَوكَرٍ) فعلاً لقلت: سَفَرْجَلْتُ، وحَبوكَرْتُ، فصار على وزن تكلَّمْتُ وتَدَحْرَجْتُ. قال سيبويه: وبَلَهْوَرٌ وهو صفة.

وقال ثعلب: (بَلَهْوَر)، اسم ملك من ملوك الأعاجم. قال أبو بكر: ورواية أبي العباس والجرمي، (بَلَهْوَر) صفة، قال: ويجوز أن يكون سمي به. قال سيبويه: ولكن فَنْعَلُولٌ وهو اسم. قال أبو بكر: هذا غلط في الكتاب، وليس في كلام سيبويه، أعني (فَنْعَلُول) لأن هذه النون ليست زائدة، إنما هي من أصل الكلمة، فهو بمنزلة (عَرْطَلِيل)، إلا أن المدّة فيه واو، ولو كانت النون فيه زائدة لقيل في تكسيره: (مَجانِينٌ) فحذف الحرف الزائد، كما أن النون لما كانت زائدة في (مَنْجَنِيق) – أعني الأولى- قيل في تكسيره: (مَجانِيقٌ)، فحذف في التكسير منه الزيادة، ونحو هذا يقول سيبويه في التصريف، قال: مَنْجنُون بمنزلة عَرْطَليل، فهذا يدلك على أن وزنه في هذا الموضع بفَنْعَلُول غلط وقع في الكتاب.

قال أبو بكر: لم أجده في نسخة أحمد بن يحيى وغيرها من النسخ. قال سيبويه: وما لحقته من بنات الثلاثة نحو زِحْليلٌ. قال أبو العباس: هو رِحْليل بالراء. وقال ثعلب: وزِحليل بالزاي، وفسّره يتَزحَّلُ. قال سيبويه: وذلك نحو سُلَحْفِيَةٌ وسُحَفْنِيَةٌ. قال أبو العباس: يقال: رجلٌ سُحَفْنِيَةٌ إذا كان محلوق الرأس. قال ثعلب: عَفْشَليل، وقَفْشَليل: المغرفة.

قال سيبويه: والضِّبَغْطى: وهو اسم. قال: روى ثعلب ضِبَغْطِي بالياء. قال أبو بكر: وليس هذا موضعه لأنه يصير ثلاثيًا. قال أبو علي: وأملاه علينا أبو بكر بن دريد في أبنية الجمهرة: ضِبَغْطى. وقال: وهو شيء يفزّع به الصبيان. وأنشدنا: وزوجُها زَوَنْزَكٌ زَوَنْزَى يخافُ إن فُزِّعَ بالضِّبَغْطَى

ومن باب لحاق التضعيف والزائد فيه لازم

قال سيبويه: والاسم خُنْثَعْبةٌ. قال ثعلب: خُنْثَعْبَةٌ بالنون والثاء، وقال: هو الغُزْر. ... ومن باب لحاق التَّضعيف والزائد فيه لازم قال سيبويه: والشِّنَّعْمُ. قال أبو العباس: الميم فيه زائدة، لأنه من الشناعة وهو القبيح الوجه.

حاشية: والشِّنَّغْمُ: بالغين أيضًا ولم يعرفها أبو علي. قال سيبويه: وقد بينا ما لحقه التضعيف من موضع الثالث. قال أبو علي: مثل: طِرِمّاحٍ. قال سيبويه: وما لحقه من الثلاثة من نحو عَدَبَّس زَوَنَّك.

ومن باب تمثيل الفعل من بنات الأربعة

قال أبو علي: تقدير هذا الكلام ما لحق الرباعي نحو: عدَبّس من الثلاثي زَوَنَّك. ... ومن باب تمثيل الفعل من بنات الأربعة قال سيبويه: فألحق هذه ببنات الثلاثة كما لحق (فَعَّلَ) ببنات الأربعة. قال أبو علي: يقول: كما ألحق الثلاثي بالرباعي نحو: فَعَّلَ يُفَعِّلُ فضمّ حروف المضارعة فيه كما ضمّ في (يُدَحْرِجُ)، كذلك ألحق الرباعيّ بالثلاثي فقيل: (يَتَدَحْرَجُ)، ففتح حرف المضارعة، كما فتح في (انْفَعَل) و (افْتَعَل)، لأن الرباعيّ هنا وافق الثلاثي في أنه للمطاوعة، كما أن (انْفَعَلَ) ونحوه له.

ومن باب تمثيل ما بنت العرب من الأسماء والصفة من بنات الخمسة

قال سيبويه: وبُيِّن شركةُ الزوائد وغير الشركة. قال أبو علي: يعني بالشركة وقوع بعض حروف الزوائد موقع بعض. ... ومن باب تمثيل ما بنت العربُ من الأسماء والصّفة من بنات الخمسة قال سيبويه: لأنّها إذا كانت فعلاً فلا بد من لزوم الزيادات. قال أبو علي: الزيادات مثل زيادات (اسْتَفْعَلَ وتَفَعَّلَ) ونحوهما. قال سيبويه: لأنك إذا حذفت الواو خالف الفعلُ فعلَ بنات الأربعة. قال أبو علي: يقول: لو حذفت الواو من عَثَوْثَلٍ والباء من حَبَرْبَرٍ،

ومن باب ما أعرب من الأعجمية

لصار عَثَّل، وحَبَّر، ولم يخرج منهما فعلٌ إلا على بناء الثلاثي المزيد نحو ضَرَّب. ... ومن باب ما أعْرِبَ من الأعجميّة قال سيبويه: ويزيدون كما يزيدون فيما يبلغون به البناء وما لا يبلغون به بناءهم وذلك نحو آجُرّ. قال أبو علي: الأسماء التي تلحق من الأعجميّ العربيّ على ضَربين: ضربٌ على الأبنية العربية، وضربٌ لا يلحق بها، وقد يُزاد فيما لا يبلغ به البناء العربي الحرف كما يزاد فيما يبلغ به البناء العربي، فزيد إحدى الراءين في (آجرّ) كما زيدت [181/ب] الهاء في دِرْهَمٍ، وآجرّ ولم تلحق ببناء عربي كما لحق دِرْهَمٌ.

ومن باب علل ما تجعله زائدا من حروف الزوائد

ومن باب عِلل ما تجعله زائدًا من حروف الزوائد قال سيبويه: فمن حروف الزوائد ما تجعله إذا لحق رابعًا فصاعدًا. رابعًا: أي أوّل كلمة على أربعة أحرف. قال سيبويه: والهمزة إذا لحقت أولاً رابعة فصاعدًا فهي مزيدة. قال أبو علي: معنى قوله فصاعدًا أي مع الزوائد لا مع الأصول مثل (أرْوَنانٍ) و (إصْلِيتٍ) وما أشبههما، ومحال أن يلحق رباعيًا أو خماسيًا، لأن الزوائد لا تلحق ببنات الأربعة من أوائلها إلا الأسماء الجارية على أفعالها مثل (مُدَحْرِجٌ)، ولذلك غلط سيبويه في قوله في تحقير إبراهيم: بريهيم، فقيل خالف قوله: إن الزيادة لا تلحق بنات الأربعة من

أولها، لحكمه بأن الهمزة في إبراهيم زائدة لحذفه إيّاها في التصغير. قال سيبويه: فهي مزيدة عندهم، ألا ترى أنك لو سميت بأفْكَل وأيْدعٍ لم تصرفه؟. قال أبو علي: يقول: إنك وإن لم تشتق من أفْكلٍ وأيْدعٍ ما تسقط فيه الهمزة كما اشتققت من أحْمَر ما سقطت فيه، فإنك تحكم بزيادتها فإذا سميت به رجلاً لم تصرفه، كما أنك إذا سميت بأحْمَدَ لم تصرفه والعلة في حكمه بزيادتها حتى يقوم دليل على غير ذلك كثرة وقوعها زائدة، وعلمك بزيادتها بالاشتقاق، فإذا جاء شيء لم تعرف

زيادته بالاشتقاق حملته على الأعم الأكثر، لأن حكم القياس أن يكون عليه حتى يقوم ثبتٌ على خلاف ذلك نحو ما قام في أواقٍ وأيْصَرٍ. قال سيبويه: فتركُ صرف العرب لها وكثرتُها أولاً زائدة، فالحال التي وصفتُ في الفعل يقوي أنّها زائدة. قال أبو علي: الحال التي وصفها في الفعل أنه لم يجعل بمنزلة (دَحْرَجَ)، ولو جعلت بمنزلته لم تدغم مثل (أمَدَّ)، بل صحّح لتكون على وزن دحرج، كما لا يدغم سائر الملحقات نحو مَهْدَدٍ، ولم يدغم أيضًا في مثل (أصَمُّ) ونحوه من الأسماء. قال أبو علي: لو كانت الهمزة في أرْطىً هي الزائدة لقلت في بنائك مفعولاً منه، مَرْطِيٌّ وكان الأصل: مَرْطَوِيٌّ، فقلبت الواو ياءً وأدغمت في الياء مثل: مَرْمِيّ، لكن لما كانت الهمزة فاء الفعل وهي أصلية ثبتت

وسقطت الألف التي للإلحاق (بجَعْفَر). قال أبو علي: لو حكم بزيادة الهمزة في إمَّرَة، وإمَّعَة، لأدخل في بناء الصفات بناء ليس منها وهو (إفْعَلَة)، فلما كان الحكم بزيادة الهمزة منها يؤدي إلى الخروج عما عليه أبنية الصفات، حُمل على فعَّلة دون (إفْعَلة)، وحكم بأن الهمزة أصل، ولم يخرج بالحكم بأصالة الهمزة عما يكون عليه مثال الصفة، كما كان يخرج بالحكم بزيادتها عن أمثلتها، ألا ترى أن في الصفات مثال فِعَّلة مثل رجُل [182/أ].

دِنَّمةٌ، ودِنَّبة، وليس فيها (إفْعَلَةٌ)، فحمل على بناءٍ في (أبنية) الصفات مثله دون البناء التي ليس في أبنيتها مثله. قال سيبويه: ومَعَدٌّ مثله للتَّمَعْدُد لقلّة تَمَفْعُل. قال أبو علي: يقول: ميم (مَعَدّ) أصليّة أيضًا، لأن تَمَعْدَد إذا حُمِل على أنه تَفَعْلَل كان أوْلى من أن يحمل على تَمَفْعَلَ، لقلة تَمفْعَلَ وكثرة تَفَعْلَلَ، والحكم للأغلب، والقياس ينبغي أن يكون على الشائع دون الشاذ. قال أبو علي: الصفات الجارية على الأفعال نحو مُستخرج ومُنطلق ونحوه، يتوالى في أوائلها زيادتان كالفعل، وأما التي ليست بجارية على الفعل، فليس يلحقها هاتان الزيادتان في أوائلها على التوالي نحو أحْمَر ويَرْمَع.

قال أبو علي: في قوله: "فإنما مَنْجَنِيقٌ بمنزلة عَنْتَرِيسٌ ومَنْجَنُونٌ بمنزلة عَرْطَلِيلٍ"، يريد أن النون في منجنيق، الأولى بمنزلة النون في عنتريس، لأنها فيه زائدة، كما أنها زائدة في عنتريس، ألا ترى أنك تشتق من عنتريس العتْرسَة، فتسقط النون، كما تكسر منجنيق فتسقط النون، فأما النون في منجنون الأولى فأصل، كما أن الراء في عَرْطَليل كذلك، ولو كانت زائدة لأسقطت في التكسير كما سقطت من منجنيق فيه.

قال أبو علي: قوله: وكذلك ميم مأجَج. أي أصلٌ كما أنه في منجنيق أصل، والدليل على أنه أصل تبيينك الحرفين المثلين فيه وتركك إدغامهما، ولو كانت الميم زائدة، لأدغمت المثلين كما أدغمت في (مَفَرّ) لما كان مَفْعَلاً فلما لم يُدغم علمت أن الميم فاء، كما أن القاف من (قَرْدَدَ) فاء، وأنه ثلاثي ألحق من موضع لامه بالرباعي. قال أبو علي: مِرْعِزاءُ، وإن جاء على مثال تكون عليه الأصول نحو (طِرْمَساء) فإنك تحكم بزيادة الميم فيه لقولهم: (مَرْعِزَّى ومَرعِزاء)

وأن هذا البناء لا يكون على مثاله الأصول، فالميم في (مَرْعِزًا) قد ثبت زيادتها من قولهم: مَرْعِزاء، لأن التي في (مرْعِزاء) هي التي في (مَرْعِزًا) الثابتة زيادتها من قولهم: (مَرْعِزا)، ولو حكمت بأن الميم في (مرعِزا) أصل لموافقتها أبينة الأصول لحكمت في التاء من (تُرْتُبٍ) أنها أصل لموافقتها بناء (بُرْثُن)، ثم حكمت بأنها زيادة في قولك: (تُرتَبّ)، فجمعت في الحرف الواحد الحكم بالزيادة والأصل والحكم بهما في الحرف الواحد محال. وذكر صاحب العين في (مِرْعِزّاء) إنها فِعْلِلّى، وليست بمِفْعِلّى مثال (شِفْصِلَّى)، ووزنه بهذا لا يصح لما قلنا من ثبات زيادة الميم في قوله: (مَرْعِزَّى)، فوزنه بهذا غير صحيح.

قال سيبويه: فإن قيل: لا يدخل (الزّامَجُ) ونحو اللَّهابَة ... الفصل. قال أبو علي: يقول: إن قال: لا أحكم بأن الألف في الزّامَج ونحوه أصل، لأني لو اشتققت منه فعلاً سقطت فيه الألف ولم تثبت فقد ناقض، لأنه زعم أولاً أنه لا يحكم بزيادتها إذا وجدها في الكلمة حتى يشتق منه ما [182/ب] يسقط فيه ولم يشتقّ من الزّامَج شيئًا سقطت فيه الألف، وقال مع ذلك: لا يلزم أن أجعلها أصلاً، لأني وإن لم أشتق منه ما تسقط فيه الألف، فلو اشتققت فيه لسقط، فقد حكم بزيادة الألف وإن لم يشتق من الكلمة التي فيها ما تسقط.

قال أبو علي: الألف في (حَاحَيْتُ) بدل من ياء كان أصله (حَيْحَيْتُ)، وليست هذه الألف بألف فاعلت نحو (رامَيْتُ)، الدليل على ذلك قولهم في مصدره الحِيحاءُ والحَاحَأة، فيخرج المصدر على مثال الزلزال والزلزلة من زَلْزَلْتُ، ولو كان فاعَلْتُ لكان مُحاحاة، وقلبت الياء ألفًا من (حاحَيْتُ) شاذٌ لأنه ليس في موضع حركة، وإنما يطَّرِد قلبه ألفًا متى تحرّك وتوسط متحركين، إلا أن مثل هذا أيضًا قد يجيء نادرًا. قال الأخفش: نظيره قولهم في النسب إلى طيِّء: طائيّ، ومثل (حاحَيْتُ) من بنات الواو ضَوْضَيْتُ، وقَوْقَيْتُ.

قال سيبويه: ومن ذلك قولهم في عَيضَموز: عَضاميز الفصل. قال أبو علي: يقول: لو كانت الياء أصلاً لم تُكسَّر وجمع بالتاء، وإذا كسّر فقيل: عَياضيم، ولم يقل عَضاميز. قال سيبويه: وأمّا (يَهْيَرُّ) فالزيادة أولاً لأنه ليس في الكلام فَعْيَلٌ. وقد ثَقَّل ما أوله زائدة.

قال أبو علي: يريد: ثقّل أواخر ما أوله زيادة نحو مَكْرَرٌّ، ومَرْعِزٌّ، ولم يجئ في الكلام شيء على فَعْيَلٌ، فيحمل (يَهْيَرّ) عليه، وجاء ما أوله حرف زائد وآخر مثقل، فحملت (يَهْيَرُّ) أيضًا عليه دون ما يخرج به عما في الكلام من الأبنية. قال سيبويه: من قبل أن الهمزة إذا كانت أولاً فالكسرة كالمفتوحة وكذلك المضمومة. قال أبو علي: يقول: المضمومة والمكسورة كالمفتوحة في باب الزيادة إذا كانتا أوّلتين. قال سيبويه: وإذا ضوعفَ الحرفان في الأربعة فهو كالحرفين في الثلاثة. يقول: إن (زَلْزَلَ) في الأربعة نظير (رُدَّ) في الثلاثة. قال: ولا تزيد إلا بثَبَتٍ.

يعني أنك لا تحكم بزيادة الحرف المضاعف إلا بثبت في الرباعي. قال سيبويه: وقالوا: صَوْمَعْتُ كما قالوا: قَلْسَيْتُ وبَيْطَرْتُ. قال: وتقول: اشتق مما زيدت فيه الواو فعلٌ يثبتُ فيه الواو كما اشتق مما زيدت فيه الياء فعْلٌ يثبت فيه الياء، وكلاهما زائدتان، يعني الياء والواو. قال سيبويه: فأمّا (قَرْنُوَةٌ) فهو بمنزلة اشتقاقك منه قَرْنٌ، لأن هذا البناء لم يجئ في أوزان الأصول مثله. قال سيبويه: فمن قال: قِرْواحٌ لا تدخل، لأنها أكثر من (حِرْدَجْلٍ)، فما جاء على مثال الأربعة فيه الواو والياء والألف أكثر مما يلحق به من

بنات الأربعة. قال أبو علي: في هذا نظر، وتفسير هذا السؤال هو أنه يقول: من قيل له: لا تحكم بزيادة الألف والياء والواو إذا كنّ في كلمة حتى يقوم على زيادتها دليل من الاشتقاق، فقال: لا أفعل ذلك لأني أجد [183/أ] هذه الحروف أكثر دخولاً في الكلام من غيرها، فالألف في (قِرْواح)، ونحوها أكثر من مثل جَرْدَحْلٍ، فلا أحكم بأنها أصول، لأنها أكثر من الحروف الصحيحة، فالجواب ينظر فيه. قال سيبويه: ومن أدْخِلَ عليه (سِرْدَحٌ) قيل له: اجعل عُذافِرَةً كقُذَعْمِلَة. قال أبو علي: يقول: من قيل له: اجعل الألف في سِرْداح أصلاً، فقال: اجعله كذلك، قيل له: اطرد هذا القول فجعله في (عُذافِرة كقُذَعْمِلَة)، فاحكم بأن ألف (عُذافِرة) أصل كما أن العين من

(قُذَعْمِلَة) أصل. قال أبو علي: لا يخلو (عِزْوِيتٌ) من أن يكون فِعْليلاً أو فِعْويلاً أو فِعْليتًا، ولا يجوز أن يكون (فِعْويلاً)، لأنه بناء لم يوجد في الأبنية المستقرأة، ولا يجوز أن يكون فِعْليلاً لأن الرباعي لا تصح الواو فيه إلا في باب (الوَعْوَعَة) ونحوه من المضاعف، وليس هذا منه، فبقي فِعْليتٌ، فالواو لام، والياء زائدة كزيادتها في (عَفْريت). قال سيبويه: وكما قالوا سَبَنْتى وسَبَنْدى واتَّغَرَ وادَّغَرَ.

قال أبو علي: اتَّغَرَ افْتَعَلَ من الثَّغْر كان أصله: اثْتَغَرَ، والثاء قريبة من التاء فحوّلت تاء وأدغمت فيها فصارت اتَّغر، ثم أبدل من التاء الدال لقربها منها فقيل: ادَّغَرَ. قال سيبويه: كذلك تاء أخْتٍ ... الفصل. قال أبو علي: يقول: ألحق (أخْتِ) بالتاء بقُفْل ونحوه من الثلاثي كما ألحق سَنْبَتَةٌ بالتاء بجَنْدَلَة وكان أصله: سَنْبَة. قال سيبويه: ولا تكون في الفعل ملحقة ببنات الأربعة.

قال أبو علي: يقول: ليس في الفعل فَنْعَلٌ ولا فَتْعَلٌ كما أن فيه مثل كَوْثَر وجَهْوَر على فَوْعَل وفَعْوَل. قال سيبويه: ومما يقوي أن النون كالتاء فيما ذكرت لك. أي في أنه لا يحكم بزيادتها إلا بدليل في المواضع التي ذكرنا، أنك لو سميت رجلاً نَهْشَلاً أو نَهْضَلاً أو نَهْسَرًا صرفته. قال أبو علي: لو كانت النون في هذه الكلمات زوائد لم تصرف إذا سميت به لاجتماع التعريف ووزن الفعل فيه كما أنك لم تصرف (أحمد) لاجتماعهما فيه، لكن لما كانت النون فيها أصولاً صرفتَ، لأنه لم ينضمّ إلى التعريف زنة الفعل؛ ولو سميت بنَرْجِسٍ لم يصرف، لأنه على زنة الفعل وفيه التعريف، وليس في الرباعي شيء على مثال فَعْلِلٍ فالنون

زائدة. قال سيبويه: وكذلك الإنسان. قال أبو علي: لأن جمعه أناسِي وهو مأخوذ من الأنس. فأما أبو العباس فإنه قال: يحكى عن ابن العباس رحمه الله من الإنسان إنما سمي لأنّه ينسى، وإن صح هذا عنه فهو أعلم باللغة. فأما الاشتقاق فلا يجيز أن الإنسان مأخوذ من النسيان، لأن الهمزة في (إنسان) فاء الفعل والسين لامه، وفاء الفعل في النسيان النون والياء لامه، فليس إحدى الكلمتين من صاحبتها في شيء [183/ب]. قال سيبويه: والتَّفعيلُ وفَعْلان بمنزلة التَّفْعال. يقول: إن كثرة زيادة النون في تَفْعال. قال أبو علي: لا يجيء شيء على (فَعْلال) إلا في باب نحو زَلْزالٍ، فإذا كان لم يجئ ذلك علم أن النون في مثل سَكْرانٍ لو لم يُعلم أنه من

السُّكْر زائدة، فأما فَعْلالٌ فقد جاءت في المضاعف نحو زَلْزال وقَضقاضٍ، - فلذلك حكم بأن النون في جَنْجان أصل، ولو سمي به رجل لصرف. قال سيبويه: وأما القِنْفَخْرُ فالنون فيه زائدة، لأنك تقول: قُفاخِريّ في هذا المعنى إلى آخر الفصل. قال أبو علي: يقول: إذا جاءت كلمتان موضوعتان على معنى واحد كقِنْفَخْرٍ وقُفاخِري اللذين هما بمعنى واحد، وكان في أحدهما حرف من حروف الزيادة لزم بأن يحكم بأن الحرف في الكلمة التي هو بها زائد، فإن لم يقل هذا لزمه ألا يجعل العِرَضْنَة ونحو من الاعتراض، وإن كان بمعناه، وكذلك يلزمه في أوْلَق وقبر وسَنْبَتَة. قال سيبويه: فهذا سبيل بنات الأربعة وما لحق بها من بنات الثلاثة، فليست بمنزلة قَفْعْدَدٍ. قال أبو علي: الأبين أن يقال: وما لحق بها من بنات الثلاثة، فليست بمنزلة قَفَعْدَد، والمعنى أنه لسيت خَفَيْدَدٌ وحَبَوْنَنٌ ونحوه من الثلاثي بمنزلة قَفَعْدَدٍ ونحوه من الرباعي وإن كانا جميعًا للإلحاق، لأن في إحداهما

زيادتين وفي الأخرى زيادة واحدة. قال سيبويه: فالواو المزيدة كألف سَبَنْدًى والنون كنونها. قال أبو بكر: ينبغي أن يكون: فالدال المزيدة كألف سَبَنْدَى. قال سيبويه: وأما كُنْتألٌ وخُنْثَعْبَةٌ فبمنزلة كنَهْبُلٍ. قال: يعني أن النون في كُنْتَأل زائدة كما أنها في كُنهْبُل زائدة.

قال سيبويه: فَدُلامِصٌ من التَّدَلُّص، وهذا كجُرائِضٍ. قال: الميم زائدة، كما أن الهمزة زائدة في جرائض. قال أبو علي: الهمزة في قولك: (ضَهْيَأ) على وزن (جَعْفَر) غير الهمزة التي في (ضَهْياء) على وزن (حَمْراء)، لأن التي في حمراء هي التي تلحق للتأنيث مع المدة، وهي في (ضَهْيَأ) زائدة للإلحاق بجَعْفَر، وهي موازنة للرّاء منه فلو كانت الهمزة أصلية ثم أدخلت هذه العلامة عليها للتأنيث لقلت: (ضهْيآء) على وزن جَعْفَراء، ولكن لما حذفت في (ضَهْياء) التي على وزن (حَمراء)، علم أنها كانت في (ضَهْيأ) الملحقة زائدة، كما أن الميم في (زُرْقُمٍ) لقولهم بمعناه (أزرق) زائدة.

هذا باب ما الزيادة فيه من غير حروف الزيادة

قال أبو علي: أما (حُطائؤط) فاستدل فيه بالمعنى على أن الهمزة زائدة، وإن لم يشتق منه شيء تسقط فيه الهمزة، كما اشتق من (زُرْقُم) (أزرق)، فباب (زُرْقُم) ونحوه تعلم زيادة الحرف فيه بأمرين: بالمعنى وباشتقاق من الحرف ما ليس فيه الحرف الزائد. وباب (حُطائط) تعلم زيادة الحرف فيه بالمعنى وحده لا بأن يشتق [184/أ] منه ما يسقط منه الحرف الزائد. ... هذا باب ما الزيادة فيه من غير حروف الزيادة قال: وكذلك المضاعف في عَدبس وقَفَعْدَد. يقول: ما ضوعف عينه أو لام من الرباعي فهو في باب الزيادة كالثلاثي.

قال: كما صار ما لم يُفصَل بينه بكثرة ما اشتق مما ليس فيه تضعيف بمنزلة ما فيه ألف رابعة. قال: يعني بقوله: ما فيه ألف رابعة أي همزة أَوْلى نحو (أفْكَل، وأيْدَع) يريد، أنا نحكم بزيادة هذه المضاعفات حتى يقوم دليل على أنه أصل كما يفعل ذلك بأَفْكَل وبابه.

ومن باب تمييز بنات الأربعة والخمسة من الثلاثة

ومن باب تمييز بنات الأربعة والخمسة من الثلاثة قال سيبويه: فمن زعم أن الراء في (جَعْفَرٍ) زائدة أو الفاء فهو ينبغي أن يقول: فَعْلَرٌ. قال أبو علي: يقول: إنه يلزمه أن يقول إذ وَزَنَه بالفعل (فَعْلَرٌ)، فيلفظ بالحرف الذي عنده زائدًا، كما أنه إذا وزن (جُنْدَب، وتُرْتَب) قال: فُنْعَل وتُفْعَل، فلفظ بالحرف الزائد بعينه في وزنه إياه بالفعل، وعلى هذا يلزمه أن يلفظ بأنفس الحروف التي يجعلها زوائد في الرباعي والخماسي.

قال سيبويه: لأنك لم تضعِّف شيئًا، وإنّما يجوز هذا أن تجعله مثالاً. قال أبو علي: يقول: لا يحملنّك وزن مثل (جَعْفَر وفَرَزْدَقٍ) بفَعْلَل وفَعَلَّلٍ على أن تقول: إن الراء من جَعْفَرٍ والقاف من فَرَزْدَقٍ زوائد، كما أن اللام من (فَعْلَلٍ) واللامين من (فَعَلَّلٍ) زوائد في جَعْفَر وفَرَزْدق، لأنّك في جَعْفَر وفَرزدق لم تضعّف شيئًا فيكون زائدًا، كما ضعّفت في مَهْدَدٍ وفَعْلَلٍ، إنما جعلته مثالا تزن به حركاته وسكونه، وتبيّن فيه الزوائد من الأصل، فإنّما وقع التضعيف في المثال لا في الممثّل.

ومن باب علم مواضع الزوائد من مواضع الحروف غير الزوائد

ومن باب علم مواضع الزوائد من مواضع الحروف غير الزوائد قال سيبويه: وأمّا الهَمَّرِش فإنّما هي بمنزلة القَهْبَلِس. قال أبو علي: ليست الميم في (هَمَّرِش) مضاعفة كتضعيف الياء في عَدَبَّس إنما الحرف الأول المدغم نون ساكنة وقعت قبل الميم، فأدغمه فيها لما بينهما من المشاركة في الغنّة، ولأنها لا تبيِّن مع حروف الضم والشفة.

قال سيبويه: لأنّك لا تجدُ في بنات الأربعة على مثال فَعِّلِلٍ. قال أبو علي: يعني أنه ليس في الرباعي المضاعف على وزن (فَعَّلِل) فإذا لم يكن فيه لم يحمل (هَمَّرِش) على فَعَّلِل، وفي الخماسي (فَعْلَلِلٌ) نحو: (قَهْبَلِس)، فحُملت (همَّرِش) على المثال الذي جاء فيه دون المثال الذي لم يجئ له في الرباعي نظير، وكما لم يحمل (هَمَّرِش) على الرباعي [185/أ] الذي لا مثال له، كذلك لم يحمل هُمَّقِعٌ على الخماسي لأنه لا مثال له فيه. وحملته على الرباعي الذي لا مثل له فيه. قال سيبويه: ولكنا نقول: هي مُضعَّفةٌ لأن العين وحدها لا تُلحق بناءً ببناء. قال أبو علي: يقول: العين وإن ضُوعفت نحو (فِعَّل) لم تُلحق بناءً ببناءٍ، كما لا تُلحق اللام في مثل خِدَبٍّ حتى يدخل بينهما حرف، كما

ومن باب ما كانت فيه الواو أولا وكانت فاء

تلحق لمّا دخلت في عَقَنْقَلٍ وعَثَوْثَل الواو والنون فألحقتهما بسفرجل. ... ومن باب ما كانت فيه الواو أوّلا وكانت فاءً قال سيبويه: كرهوا الكسرة فيها كما استثقل في (يِيْجَلٌ وسَيِّد). قال أبو علي: أي كما استثقل الواو مع الياء في (يَوْجَل) ومع الياء في (سَيْوِد)، حتى أبدلت الياء من كل منهما، كذلك كرهت الكسرة فيها لأن الكسرة كالياء. قال سيبويه: ومنهم من يقول: دَوْلَجٌ يريد تَوْلَجٌ. قال أبو علي: كأنه أبدل التاء من الواو التي هي فاء من (تَوْلَج)، وأبدل الدال من التاء المبدلة من الواو لقرب الدال من التاء، وكذلك (تَوْراةٌ) هي عندهم (فَوْعَلَةٌ)، فأبدلت التاء من الواو التي هي فاء،

وحملوها على فَوْعَلَة دون (تَفْعَلة)، لأن) فَوْعَلَة) أكثر في الكلام من (تَفْعَلة) فحمله على الأكثر. قال أبو عثمان: الذي قال الخليل عندي خطأ، وذلك أنّ الواو الثانية منقلبة من همزة وإنما أنوي الهمزة فيها، ولكن أجيز أن تبدل الهمزة، لأن الواو مضمومة، وليس البدل لازمًا ولو لم يكن أصلها الهمزة لم يلزم الإبدال، لأن الثانية مدَّة مثل (وُورِيَ) إذا أردت (فُوعِل) من (وارَيْتُ). قال أبو علي: الدليل على أن قلب الواو التي هي فاء همزة لا يلزم من حيث لزم قلبها في (أويصِل) ونحوه أن الواو الثانية من (وُويٍ) مخففة من همزة هي منويّة، كما أن الهمزة المخففة لو كانت مُحقَّقة لم يلزم قلب الواو التي هي فاءٌ همزة إلاّ من حيث يلزم قلبها في (وُجُوه)، وكذلك

إذا خفّفت الهمزة لم يلزم قلبها إلاّ من ذلك الموضع، لأنها {إذا} كانت منويّة فكالمخففة، كما أن الضمة لما كانت مخفّفة في (لقَضوَ الرّجلُ) كانت بمنزلتها ثابتة، ويدل على أن الهمزة وإن كانت مخففة فهي كالمحققة، أنّ من خفَّف (رُؤْياكُم) لم يقلبها ولم يُدغمها في الياء كما لا يدغمها مُحقَّقة فيها وهي اللغة الفاشية الجيدة. {ومَنْ} قال: (رُيّا)، فأدغم وقلب لزمه أن يقول: (أوْي)، فيبدل من الفاء همزة، لأنه جعلها وإن كان أصلها الهمزة بمنزلة الواو المحضة، فعلى هذا يقول: (أوْيٍ)، وهو ضعيف. فأمّا قول أبي عثمان في (وُويٌ)، إنه لم يكن أصلها الهمزة لم يلزم الإبدالُ، يعني إبدال الفاء همزة، قال: لأن في الثانية مدّة مثل (وُوريَ) إذا أردت فُوعِل من (وَارَيْتُ) فلا يستقيم، لأن هذه الواو الثانية من (وُويٍ) لو لم يكن أصلها همزة، لوجب أن تبدل الأولى همزة، وإن كانت الثانية مدة، وإن لم يجب أن يدل الأول من (وُورِي) همزة، لأنّ الواو

ومن باب ما يلزمه بدل التاء من هذه الواوات

الثانية من (وُويٍ) لو لم يكن أصلها الهمز لكانت عينًا، فكان يلزم قلب الأولى همزة لأن الثانية كانت تكون أصلاً أيضًا، ألا ترى أنهم قد قلبوا الأولى همزة من قولهم: (أوْلى)، وإن كانت الثانية مدة؟! فكذلك كان يلزم أن تقلب الواو الأولى من (وُويٍ) همزة لو لم يكن أصل الثانية الهمز، وهذا بَيِّن جدًا، وإنما لم تقلب الأولى من (وُورِي)، لأن الثانية ليست بلازمة، ألا ترى أنها تنقلب ألفًا في (وارَى يُؤْرٍ)، ولم يكن يشبه (وُورِي) لو كانت الواو الثانية من (وُويٍ) أصلاً غير منقلبة عن الهمز، لأنها لو كانت كذلك لكانت لازمة كلزومها في (أوْلى) ولم تكن تنقلب ألفًا كما تنقلب في (وُورِيَ)، وإن اجتمع في كل واحد منهما واوان، الثانية من كل واحد منهما مدّ، فهما يفترقان في الانقلاب وغير الانقلاب، فالمعتبر هذا لا اللفظ فقط. ... ومن باب ما يلزمه بدل التّاء من هذه الواوات قال سيبويه: من قبل أن هذه الواو تضعف ها هنا فتبدل إذا كان قبلها كسرة، وتقع بعد مضموم. قال أبو علي: وقوع الكسرة قبلها في مثل ياء (يتَّعِد)، إذا بنيت

الفعل للفاعل، ووقوعها بعد ضمة في مثل (أوْتُعِد) إذا بني الفعل للمفعول. قال سيبويه: فهي أقوى من افْتَعَل. قال أبو علي: يعني أن الفاء من (أفْعَل) أقوى منها في (افْتَعَلَ)، لأن التغيير الذي يعتور الفاء من (افْتَعَل) والانقلاب يكون أقلّ في (أفْعَلْتُ)، لأن الكسرة لا تدخل الهمزة في (أفْعَلْتُ) كما تدخل الهمزة (أفْعَل) الكسرة نحو، (إيْتَعَدَ)، وهمزة (أفْعَلْتُت) لا يدخل لها إلا الفتحة والضمة. قال سيبويه: وأتْهَمَ لأنّها من التَّوهُّم. أي من الواو التي هي فاء في قولك: الوَهْمُ، فأما التاء من التَّوَهُّم فهي تاء تَفَعَّل وليست التي في اتْهَمَ.

ومن باب ما تقلب فيه الواو ياء

قال أبو علي: التَّقِيَّة وزنه (فَعِيلَةٌ)، كأنه (وَقِيَّةٌ)، فأبدلت التّاء من الواو التي هي فاء. ... ومن باب ما تقلب فيه الواو ياء قال سيبويه: فإذا أسكنت التاء لم يكن إلا الإدغام. قال أبو علي: يقول: لم يدغم الحرفان المتقاربان لمّا تحرك الأول منهما لفصل الحركة بينهما، فإذا سكن الأول أدغم.

قال سيبويه: نحو قولهم: ازْدانَ واصْطَبَرَ. قال أبو علي: أدْنِي تاء افْتَعَل من الفاء، فأبدل مع الصا حرفٌ مطبق ليقرّب منها، وأبدل منها مع الزاي حرف مجهور لذلك أيضًا. قال سيبويه: ويحذفان في مواضع وتثبت الألف. قال أبو علي: ذلك في مثل قاضٍ، ويَغْزُو في الوقف، ولا يحذف الألف من يخشى في الوقف.

ومن باب ما كانت الياء فيه أولا وكانت فاء

قال سيبويه: فإنما الياء والتاء بمنزلة هذه الميم. قال أبو علي: يقول: الياء من (يَوْعِدُ) والتاء من (تَوْعِدَة) بمنزلة الميم في الموضع لأنها مفتوحة، كما أن الميم مفتوحة وليس بفِعْل كما أن الموضع ليس [186/أ] بفعل. قال سيبويه: فإذا لم تكن الهاء فلا حذف لأنه ليس عِوَضٌ. قال أبو علي: كأنه يقول: إن الهاء في (عِدَةٍ) تصير عوضًا من الفاء المحذوفة، فإذا لم تكن الهاء لم تحذف، وأتِمَّ، فقيل: (وَعْدٌ) لزوال الكسرة عن الفاء وحذف ما لو حذفت الفاء مكسورة صارت عوضًا منه وهو الهاء. ... ومن باب ما كانت الياء فيه أوّلاً وكانت فاء قال سيبويه: واعلم أن هذه الياء إذا ضُمَّت لم يُفعل بها ما يُفعل بالواو، لأنها كياء بعدها واوٌ. قال أبو علي: الواو عنده إذا انضمت بمنزلة واوين اجتمعا، فأبدلت من أولهما همزة، (فأقِّتَتْ) نظير بنائك فوْعَل من (وَعَدَ) إذا قلت: أوْعَدَ

فكذلك الياء المضمومة بمنزلة الياء التي بعدها واو نحو يَوْمٍ، وحَيُودٍ فكما لا يبدل الياء إذا كانت بعدها الواو نفسها همزة، كذلك لا يبدلها همزة إذا انضمت. قال سيبويه: ويدلك على أن الياء أخفَّ عليهم أنهم يقولون: يَيْأَسُ، ويَيْئِسُ فلا يحذفون. أي فلا يحذفون الياء من (يفْعِل) كما حذفوا الواو منه في مثل (يَعِدُ). قال سيبويه: وكذلك فَواعِلَ: تقول: يَوائِسُ.

أي ولا يبدلون من الياء الهمزة كما تبدل الواو في أواصل. قال سيبويه: لأن قياس هذا أن يقول: يا غُلامُِ وْجَل. قال أبو عثمان: لا يلزم أبا عمرو هذا، لأنه ليس في كلامهم واوٌ

ساكنة قبلها كسرة، وفي الكلام ياء ساكنة قبلها ضمة غير مشبعة مثل (قُيْل)، فقوله: "يا صالِحُ يْتِنا" مردود إلى (قُيْل)، و (يا غُلامِ وْجَل)، ليس له مثل فيردّ عليه قال سيبويه: فأمّا (أفْعَلَ)، فإنها تسْلَمُ، لأن الواو تَسْلَمُ في (أفْعَلَ). قال أبو علي: فأما قوله: (أفْعَلَ)، فإنها تسلم، يريد أفْعَل من الياء نحو (أيْنَسَهُ)، تسلم الياء فيه ولا تعلّ، كما سلمت في (أفْعَلَ) من الواو ونحو أوْجَرْ. وقوله: إلا أن يشذّ الحرف في (أفْعَل) من الواو نحو أتلَجَهُ في أوْلَجَهُ. وقوله: وقد قالوا: يَأتَيِسُ، فجعلوها أي الياء بمنزلتها، أي بمنزلة

الواو، إذا صارت الياء بمنزلة الواو في قلبك له تاء في (افْتَعَل)؛ فكذلك صار (يَأتَيِسُ) بمنزلة (ياجَلُ) في أن الياء التي هي فاء قلبت ألفًا، كما قلبت الواو ألفًا من (يأجَلُ) وفي كتاب أبي العباس: وقالوا: يا أسُ، ويايَسُ بدل يأتَيِسُ وياتئِسُ التي في نسخ غيره، وهو أجود لأنه أقرب إلى (يأجل) من (يَفْتَعِل) إليه.

ومن باب ما الياء والواو فيه ثانية وهما في موضع العين

ومن باب ما الياء والواو فيه ثانية وهما في موضع العين قال سيبويه: فكذلك هذه الحروف حيث اعتلت، جعلت حركتهن على ما قبلهنّ، كما جعلت من الواو والياء حركة ما قبلهما. يريد، إذا كانا لامين نحو يَغْزُو ويَرْمِي. قال سيبويه: كما لزم ما ذكرتُ [186/أ] لك الحركةُ مما بعده. أي كما لزمت العين من (يَغْزُو ويَرْمِي) الحركة مما بعدهما وهما الكسر والضّمّ اللذان لزما الزاي من (يغزو) والميم من (يرمي). قال سيبويه: وكانت فَعُلْتُ أوْلى بفَعَلْتُ من الواو من فَعِلْتَ. قال أبو علي: من الأولى صلة لقوله: بفَعِلْتَ، ومن الثانية صلة لأولى،

فتقدير الكلام فكان فَعُلْتُ بفَعَلْتَ من الواو أولى من فَعِلْتَ. قال سيبويه: نظيره في الاعتلال من مُحَوّل إليه يَعِدُ، ويَزِنُ. أي، نظيره في أنه كانت الفاء تبقى على حركتها لو لم تعلّ. قيل في قوله: يَعِدُ ويَزِنُ: إنه ينبغي أن يكون يريد بِيَعِدُ ويزِنُ عِدَةً وزِنَةً، لأن التحويل إنما هو في عِدَةٍ دون (يَعِدُ)، لأنّ حركة الفاء حُوّلت إلى العين لمّا حذفت. وقيل أيضًا: إن (فَعَل)، عليه أن يكون في مضارعه يَفْعَلُ ويَفْعِلُ، ووَعَدَ (فَعَلَ)، ولم يجئ في مضارعه إلا يَفْعِلُ، فقد حُوِّلَ من يَفْعِلُ إلى (يَفْعِلُ)، كما أن فَعَلَ من القول محوّل إلى (فَعُلْتُ)، فإن قيل لصاحب هذا التفسير الثاني: قد جاء (يَفْعُل) في باب (يَعِدُ)، وذلك قول بعضهم: وَجَدَ يَجُدُ، فمن جوابه: أنَّ يَجُدُ شاذّ، وحُذفت الفاء منه كما حُذفت من (يَفْعِلُ)؛ ليُعلم أنَّ الأصل (يفْعِلُ)، (فيَجُدُ) بعدُ كأنه على يفْعِلُ)، إذ لو كان على (يَفْعِلُ) لثبتت الفاء كما ثبتت في (مَوْضُوء) ونحوه.

قال سيبويه: فاعتلَّت كما اعتلّت خِفْتُ وهِبْتُ. قال أبو علي: يقول: إنّ طُلْتُ فَعُلْتُ ليس بمنقول من فَعَلْتُ إلى فَعُلتُ كقُلْتُ، كما أن أصل خِفْتُ وهِبْتُ فَعِلْتُ ليس بمنقول من فَعَلْتُ كبِعْتُ. قال سيبويه: ألزموه يفْعِلُ حيث كان مُحوَّلاً من فَعَلْتُ ليجري مجرى ما حول إلى فَعُلْتُ. قال: يعني بقوله: ليجري مجرى ما حول إلى فَعُلْتُ، أي في أن تصير حركة عين (يَفْعَلُ) من الياء مثل حركة عين (فَعَلْتُ) منها كما كانت حركة عين (يَفْعُل) (وفَعَلْتُ) من الواو والياء، كما اتفقا في النقل.

قال سيبويه: فكما وافقه في تغيير الفاء كذلك وافقه في (يَفْعُل). قال أبو علي: قوله: كما وافقه في تغيير الفاء، أي كما وافق ما كان من الياء ما كان من الواو في تغيير الفاء منه، وتحريكه بما هو من جنسه، كذلك وافقه في تغيير العين وتحريك ما هو من جنسه. قال سيبويه: لأنهما لم يتعلاّ محوَّلتين، وإنّما اعتلتا من بنائهما الذي هو لهما في الأصل. قال أبو علي: كأنّ قائلاً قال له: لِمَ لمْ يجئ يَخافُ ونحوه على (يَفْعِل)، إذ كان الماضي منه على (فَعِلَ) كما أن الماضي من (يَبِيعُ) على (فَعِلْتُ)، وجاء المضارع على يفْعِل نحو يَبِيعُ؟ فقال: خالف (يَخافُ) (يَبِيعُ)، لأن ماضي (يَخافُ) أصله (فَعِلَ) ليس بمنقول من (فَعَلَ) إليه، كما أنَّ باعَ كذلك [187/أ]. فلما كان أصله (فَعِلَ)، لزم في مضارعه (يَفْعَلُ)، ولم يلزم ذلك في (يَبِيعُ) وإن كان ماضيه (فَعِلَ)، لأن أصله (فَعَلَ)، فجاء المضارع على ذلك، ويدلُّ على أن (خافَ) أصله (فَعِلَ) غير منقول من (فَعَلَ) قولك:

رجلٌ خافٌ، فوافق من الصحيح قولك: رجلٌ فَرِقٌ من فَرَقَ ويَفْرَقُ، فخافَ يخافُ أصله فَعِلَ يَفْعَل غير منقول، كما أن طالَ يَطُولُ أصله فَعَلَ يفْعُلُ غير منقول يستدل عليه بطويلٍ، كما استدللت على خافَ يخاف، وهما مثل ظَريفٍ وشَرِيفٍ وفَزِعَ وبَرِق. قال سيبويه: فكما اتّفقن في التغيير، فكذلك اتّفقن في الإلحاق. قال أبو علي: يقول: كما اتفق بنات الياء والواو في التغيير في (فَعَلْتَ ويفْعَلُ) كذلك اتفقن في غير التغيير في مجيء الفاءات مفتوحة غير منقولة إليها حركات عيناتها. قال سيبويه: ونظيرها من الصحيح فَضِلَ يفْضُلُ. قال أبو علي: أخبرنا أبو بكر عن أبي العباس عن أبي عثمان قال: حدثني الأصمعي قال: سمعت عيسى بن عمر ينشد لأبي الأسود: ذَكَرْتُ ابنَ عبّاسٍ ببابِ ابن عامرٍ ... وما مَرَّ من عَيْشِي لديه وما فَضِلْ

ومن باب ما لحقته الزوائد من هذه الأفعال المعتلة

قال سيبويه: فلمّا كنّ في معنى ما لا بُدَّ له أن يخرج على الأصل لسكون ما قبله، تحرَّكْنَ. أي، صَيِدَ بمعنى اصْيَدَّ، وما قبل الياء من (اصْيَدَّ)، فلا يلزم اعتلالها. ... ومن باب ما لحقته الزّوائد من هذه الأفعال المعتلّة قال سيبويه: ولم يجعلوه يعتلّ من محوّلٍ إليه. أي، لم يجعلوا (أفْعَل) يعني من (فَعَلَ) الذي يحوّل إليه (فَعَلَ) {معتلا}، وذاك أنه لو أُعِلَّ (أفْعَل) مما نقل إليه (فَعَل)، لكان خروجًا عما عليه أصول الأبنية، - لأنه كان يصير الإعلال في بنات الواو من (أفْعُل) من بنات الياء من (أفْعِل)، فلما كان يؤدي إلى هذا جُعل الإعلال

في (أفْعَل) ونحوه من (فَعَل) المنقول، لا من (فَعُل) (وفَعِلَ) المنقول إليهما (فَعَل). قال سيبويه: وذلك أجادَ وأقالَ. قال أبو علي: (أجادَ) كان أصله (أجْوَدَ)، وكان الحرف الذي قبل الواو ساكنًا، فلما أعلّت الواو حُوِّلت حركتها إلى الحرف الساكن الذي قبله. قال سيبويه: وفي تفاعَلْتُ وتَفَعَّلْتُ مع ما ذكرت أنه لم يكن ليعتل ... الفصل.

أي مع ما ذكرت من أنّه أعلّ لاجتمع ثلاثة سواكن، لزم حذف اثنين منها وأنه في قوله: لم يكن ليعتل رفع بالظرف الذي هو (في). قال سيبويه: مما أسكن ما قبله، فيما ذكرت لك، قبل هذا شبّهوه بفاعَلْتُ. أي مما ليس قبله ألف ولا ياء ولا واو. قوله: شبهوه بفاعَلْتُ أي بفاعَلْتُ الذي عينه ياء أو واو. قال سيبويه: ولم يتعل الحرف من محوّل إليه. أي الحرف الذي قبل العين من أقام من الحركة التي حوّلت إليها من العين. قال سيبويه: لأنه قد يشترك في هذا المعنى ما يصح. قال [187/أ] يقول: إنه قد يشترك في معنى (افْتَعَلوا) ما يصحُّ وهو (تفاعَلُوا).

ومن باب ما اعتل من الأسماء المعتلة على اعتلالها

ومن باب ما اعْتُلَّ من الأسماء المعتلّة على اعتلالها أي على اعتلال الأفعال. قال سيبويه: وذلك أنهم يكرهون أن يجيء على الأصل مجيء ما لا يعتلّ فَعَل منه. قال: ما لا يعتل (فَعَلَ) منه نحو (ضَرَبَ)، فإنه يقال فيه: (ضارِبٌ).

قال سيبويه: ولا تجعلها بمنزلة فَعُلْت في الفعل. قال أبو علي: يقول: لا تُبدل من الياء واوًا إذا انضم ما قبلها في الفعل نحو: رَمُو، ومَرْمُو. قال سيبويه: فمَعِيشَةٌ يصلح أن تكون مَفْعَلَة ومَفْعِلَة. قال أبو علي: يجيز سيبويه في (مَعِيشَةٍ) أن تكون مَفْعَلة، كأنّ أصله (مَعْيُشَة)، ثم يبدل من الضمة كسرة لتصح الياء كما أبدلتها منها في (بِيضٍ) جمع أبْيَضٍ، وفي (عِينٍ) جمع (عِيان) على قول من قال: (رُسْلٌ) فهذا قوله في هذا ونحوه، أعني (مَفْعُلَة) من بنات الياء ونحوها. وأما الأخفش فلا يجيز في مَعِيشَةٍ أن تكو مَفْعُلَة، وكذلك (دِيكٌ) (وفِيلٌ) ونحوه، لا يجيز فيه أن يكون (فُعْلاً)، ويقول: لو كان (مَفْعُلة) أو كان فُعْلاً لكان (مَعُوشَة، ودُوك). ويقول: إنما تبدل من الضمة كسرة لتصحيح الياء في الجموع دون الأفراد، وبيضٌ جمعٌ، وكذلك (أدْلٍ، وحُفِيٌّ)، فأما الآحاد فلا يبدل من ضمتها كسرة. قال أبو عثمان: وقد ترك الأخفش قوله هذا، وناقض فيه، لأنه يقول: إن المحذوف من (مَبِيع) عين الفعل، فلما حذف العين صار (مَبُوع) على وزن (مَقُول)، ثم أبدل من ضمة الباء كسرة، ومن واو (مَقُول) ياء فصار (مَبِيع)، فقد قلب الضمة كسرة في الواحد، وهو يزعم أنه لا يفعل ذلك إلا

في الجميع. قال سيبويه: إذا أردت منهما مثل مُخْدَعٍ، وكمُسْعُطٍ يجري من الواو (كأفْعُل) في الأمر قبل أن يدركه الحذف. أي حذف العين من همزة الوصل، قال: لو أمرت من (قُلْ) قبل أن يدركه الحذف والتغيير لقلت: (أقْوُل). قال سيبويه: وذلك نحو (مَكْوَزة)، (ومَزْيَد).

قال أبو علي: يقول: (مَزْيَدٌ، ومَكْوَزَةٌ، ومَرْيَمٌ)، ونحو هذا، أسماء مصوغة لأشخاص بأعيانها، لا مناسبة بينها وبين الفعل، ولو كانت من الفعل لاعتلت، كما أن (مَوْرَق، ومَوْهَب) لو كانا مصدرين أو موضعين للفعل لكسرت العين منهما، ولم تفتح مثل مَوْعِل، لكن لما كانا اسمين علمين لم يجريا مجرى ما أخذ من الفعل لموضعه. وقال أبو علي: تَهْلَلٌ، اسمٌ عَلَمٌ، ولو كان منقولاً من الفعل

مسمّى به بعد أن استعمل فعلاً، لوجب أن يكون كما أعِلّ، يريد، لما كان كذلك. وقال أبو علي: مَحْبَبٌ عَلَمٌ، كما أن مَوْرَقٌ عَلَمٌ، وجاء [188/أ] كل واحد منهما مخالفًا للأسماء المناسبة للأفعال نحو الأسماء المأخوذة من الأفعال لمواضع الأفعال. قال سيبويه: ويتمّ في (أفْعُل)، (وأفْعِل) لأنهما اسمان. قال أبو علي: (أفْعُل) الذي عينه واو لا يُعَلُّ مثل أدْوُرٌ، (وأفْعِل) نحو (أهْوِناء) في جمع (هَيِّن) لا يُعلّ أيضًا لما ذكره سيبويه. قال أبو علي: إذا كانت الزيادة في أول الكلمة زيادة يشترك فيها الاسم والفعل وتدخل عليهما جميعًا، فإنك إذا أدخلتها على الاسم وكان كل بناء من الأبنية التي يشترك فيها الاسم والفعل صحَّحته، ومثاله الهمزة التي تدخل في نحو: أنا أضْرَبُ، وأحْمَرُ، إذا بنيت اسمًا على

(أفْعَل) صحَّحته نحو هذا (أقْوَلُ)، وإن أدخلته على فعلٍ أعللته، فقلت: (أقالَهُ)، ومثال ما يجيء في أوله الزيادة التي يشترك فيها الاسم والفعل إلا أنه على مثال لا يكون عليه الفعل، بناؤك نحو (تِحْلِيءٍ) من القول تقول فيه: (تِقِيلٌ)، فتُعِلّ، لأن البناء للاسم دون الفعل، وإن اشتركا في الزيادة، فاختصاص الاسم بالبناء الذي يكون له دون الفعل بمنزلة الزيادة التي تقع أولاً، ويختص بها الاسم دون الفعل في أن يُعَلّ الاسم المختص بالبناء الذي لا يكون في الفعل وإن كان في أوله الزيادة التي تدخل على الفعل كما يُعَلُّ ما في أوله الزيادة التي اختص بها، فإن كان على بناء الفعل ألا ترى أنك تعِلّ نحو (تِحْلِىءٍ) من القول والبَيْع، كما تُعِلّ المثابَةَ والمقالَ والمآةُ ونحو ذلك، وعقْدُ هذا الباب على هذا.

قال أبو الحسن في قول سيبويه: إن أردت مثال إثْمِدٍ قلت: إبْيِعٌ {وإقْوِلٌ}، لئلا يكون كإفْعِل منهما {فِعْلاً} وإفْعَلْ قبل أن يدركهما الحذف والسكون للجزم. يعني فرقوا بين إبْيِعٍ وإبْيَعٍ إذا كانا اسمين من (بِعْ)، (وخِفْ) من قبل أن يحذفا، لأنهما كانتا قبل الحذف (إخاف وإبيع)، فحذفوا همزة الوصل لما تحركت الياء، وحذفوا موضع العين لما أسكن موضع اللام للوقف أو الجزم، والفصل في جميع هذه الأبنية يقع بين الاسم والفعل قبل أن يدرك الفعل الحذف، على هذا جميع هذا الباب وإن اقتصر أبو الحسن على هذا المثال. قال سيبويه: وإنما منعنا أن نذكر هذه الأمثلة فيما أوله ياء، أنها ليست في الأسماء، والصفة إلا في (يَفْعَل). قال أبو علي: يقول: لم يذكر كيف تبنى هذه الأمثلة من بنات الياء والواو فيما أوله الهمزة، لأنه لم يجئ ما أوله ياء من الأسماء والصفات مجيء ما أوَّله الهمزة، إنما جاء منه مثل (يَرْمَعُ) في الاسم، فكما لم يذكر كيف يُبنى مثل (أفْعُل) لأنه ليس في الأسماء والصفات مثله كذلك لم يذكر في الياء لأنه لم يجئ.

قال سيبويه: فمن ثمَّ لم يحتاجوا إلى التفرقة، يقول: لم يفرّقوا بين الأسماء والأفعال التي على وزنها وأوائلها ميم، لأن الانفصال بينهما يقع بالزيادة، ألا ترى أن الفعل لا يكون أوّله ميمًا. [188/أ]. قال أبو علي: تُفْعُلٌ، إذا بنيت مثله من القول فإنه يجب إعلاله لأنه بناء يختصّ به الاسم، ألا ترى أنه ليس في الأفعال (تُفْعُلٌ). قال سيبويه: وكذلك تِفْعِل نحو (التَّحْلِىءِ) يُجرى مجرة (أفْعِل)، كما أجري تُفْعُلٌ مُجرى أفْعُل. يريد (بأفْعِل) الذي هو فعلٌ لا اسم، أي يُعَلّ مثل (تِحْلىءٍ) من القول والبيع، كما يُعلّ (أفَعِل) الذي هو فِعْلٌ قبل الحذف والسكون.

ومن باب أتم فيه الاسم على مثال فمثل به لسكون ما قبله أو ما بعده

ومن باب أتِمّ فيه الاسمُ على مثال فمُثِّلَ به لسكون ما قبله أو ما بعده قال سيبويه: ولو كان جاء عليه لاعتلّ، فإنما هو كفَعِيلٍ يعني مَفْعُول. قال أبو علي: يريد: أن (فَعيل) الذي هو في بمعنى (مَفْعُول) غير جار على الفعل، كما أن (طويل) ونحوه من (فَعِيلٍ) الذي بمعنى (فاعِلٍ) غير جارٍ على الفعل، وإذا لم يجريا على الفعل، وكان ما بعده ساكنًا لم يجب أن يُعلّ. قال: وسألته عن (مِفْعَل)، لأي شيء أتِمَّ؟ الفصل. قال أبو علي: يريد أن (مِفْعَل) مثل (مِفْعَال) في المعنى، فكما لا يُعل (مِفْعال) لاجتماع ثلاث سواكن وحذف اثنين منها، كذلك لم يعلّ (مِقْوَلٌ) الذي بمعناه كما لم يُعَلّ (اعتَوَرُوا) الذي يعني به تَعاوَرُوا.

قال: وسألتُه عن واو عَجُوزٍ، وألف رِسالةٍ، وياء صَحِيفةٍ، الفصل، آخره فإنما أجمعُ ما أصله الحركة. قال أبو علي: يعني أن أصل العين في مَعُونَةٍ ومَعِيشَةٍ الحركةُ، لأنهما على وزن مَفْعُلَة، ومَفْعَلَة. قال سيبويه: فهذه الأسماء بمنزلة ما اعتل على فعله. قال أبو علي: ما اعتل على فعله من الأسماء: (قائِلٌ وبائِعٌ)، ومعنى قوله: اعْتُلّ على فعله، أن (قائلاً) اعتلَّ لما اعتلَّ (يقول)، لأنّه جار عليه، ومشابِهُهُ واعتلّ (يَقُولُ) لاعتلال (قالَ)، وأصل الاعتلال في هذا وما أشبهه إنّما سرى فيه من الفعل الماضي، ولولا هو لما اعتلّ المضارع ولا الاسم الجائي عليه لسكون ما قبل العين فيهما، وما اعتلّ من الأسماء،

فإنما يعتلّ للمناسبة بينه وبين الأفعال بأن تكون جارية عليها أو موافقة لها في البناء نحو حافٍ، وبابٍ، وسائرها يجب أن يصح، وهذه جملة تشتمل على عامة الإعلال والإتمام. قال أبو علي: ويدلّ تصحيح (عاوِرٍ) ونحوه على أن الإعلال في اسم الفاعل نحو (قائِل) إنما حدث لجريه على الفعل، ألا ترى أن (عاوِرًا) يصح لصحته في (عَوِرَ). قال سيبويه: فإنما هو كمعُونَةٍ ومَعِيشَةٍ، ولم تُرد اسمًا عل الفعل. قال أبو علي: يريد: لم تُرد بمَعايشَ اسمًا جاريًا على الفعل، فلزمك أن تعلّه كما تعلّ الأسماء الجارية عليه، وليست الجموع بجارية على الفعل جري أسماء الفاعلين عليها. قال سيبويه: فإذا قلت: فَواعِل من (عَوِرْتُ وصَيِدتُ) همزْتَ، لأنّك تقول في شَوَيْتُ: شَوايَا.

قال أبو علي: كان حكم اسم الفاعل من [189/أ] (شَوَى) إذا كان كسِّر أن يقال: (شَواوِي)، الواو الأولى بدل من ألف فاعِل، والتي بعد الألف عين الفعل، واللام بعدها، لكن لو جمع هكذا لوقعت الواو قبل حرف قريبة من الطرف، وقبل التي قبله واو أخرى، فلزم همزه لقربه من الطرف، كما لزم همز (أوائِل)، فإذا لزم همزه فقلت: شَواءٍ صار كمَطاءٍ في اعتراض الهمز في الجمع فإذا صار إليه أبدلت من الياء الألف كما أبدلت منها في (مَدارَا)، فصار (شَواءَا)، ثم أبدلت من الهمزة الياء لاجتماع ثلاث متجانسات، كما أبدلتها منه في خَطايا ومَطايا، فصار شَوايا، فمعنى قوله: (لأنك تقول في شَوَيْتُ شَوايا)، أي أنك تعتبر صحة الواو والياء في عَوِرَ وصَيِدَ بشَوَيْتُ وحَيِيتُ، وتصححها حيث تصحّحها، وكذلك تُعلّهما حيث أعللتهما، وكما اعتلّت العين في شَوايا الذي عِبْرةٌ لعَوِرَ، كذلك اعتلّت من عَوائِر، وصَيايِد، كما أنّه لو صحّ في عاوِرٍ صحَّ في شاوٍ، والياء التي في شَوايا بعد ألف الجمع هي منقلبة عن الهمزة المنقلبة عن الواو التي هي عين الفعل من حَيِيَ، فإنما أبدل منهما ياءان لاعتراضهما في الجمع.

ومن باب ما جاء من أسماء هذا المعتل على ثلاثة أحرف لا زيادة فيه

ومن باب ما جاء من أسماء هذا المعتلّ على ثلاثة أحرفٍ لا زيادة فيه قال أبو علي: كل اسم من الأسماء الثلاثية وافق بناءً من الأبنية التي تكون للأفعال أعِلَّ كما يُعَلّ الفعل إلاّ أن يشذّ شيء نحو قَوَدٍ، وكل اسم من الثلاثي جاء على بناءٍ يختص به الاسم صُحّح ولم يُعَلّ نحو بُيُضٍ، ونُوَمٍ، ومُرَرٍ، وعلى هذا جميع هذا الباب.

قال سيبويه: فوافقَتْ، (يعني هذه الأسماء) الفعلَ كما تُوافق الفعلَ في باب يَغْزُو ويَرْمي. قال أبو علي: يعني أنك إذا جعلت (فَعَلَ) من (غَزَوْتُ)، و (رَمَيْتُ) اسمًا أعللته فقلت: هذا غَزًا، ورَمًا، واعتلّ اعتلال (غَزا) إذا أردت به الفعل نحو غَزا، وإعلاله قلبك الواو التي هي لامه ألفًا. قال سيبويه: كما فُعل ذلك بأدْؤُرٍ وخُونٍ. قال أبو علي: يقول: لو جاء (فَعَلٌ) على الأصل كما جاء (رَوِعٌ) للزم إعلاله كما لزم الإعلال في أدْؤُرٍ وخُوُنٍ لانضمام عينيهما.

قال سيبويه: ولم يكن لأدْؤُرٍ وقَؤُولٍ مثال من غير المعتل يسكن فشبَّه به. قال أبو علي: يقول: لم يكن لأفْعُل وفَعُول نظير من غير المعتل يسكن نحو (كَبْدٍ)، ألا ترى أن العين من (أفْلُسٍ) لا تكون إلا بحركة أبدًا. قال سيبويه: وأما فُعُلٌ في بنات الياء فبمنزلة غير المعتل، لأن الياء وبعدها الواو أخف عليهم. قال أبو علي: يقول: الياء إذا كانت بعدها الواو مثل يَوْم وحَيُودٍ أخف من الواو إذا كان بعدها الواو، نحو قَؤُولٍ، فكذلك الياء إذا كانت [189/ب] بعدها الضمة أو معها كانت أخفّ من الواو ومعها الضمة، فلذلك تُقْلَبُ (فُعُل) من الياء نحو (بُيُضٌ)، وحذفت نحو عُوْنٍ، وبُونٍ.

ومن باب تقلب فيه الواو ياء لا لياء قبلها ساكنة

قال سيبويه: ومن قال: رُسْلٌ فخفَّف، قال: (بِيضٌ وغِيرٌ) كما يقول بها في (فُعْلٍ) من أبْيَضَ لأنها تصير فُعْلاً. قال أبو علي: يقول: إنها مخففة توافق (فُعْل) الذي هو جمع (أفْعَل) فكما تبدل من الضمة كسرة في فُعْل أفْعَل نحو بِيضٌ في (أبْيَض) لتصحّ الياء فيه ولا تنقلب واوًا لانضمام ما قبلها وسكونها، كذلك (فُعِل) في (فُعْل) المخففة من (فُعُل). ... ومن باب تُقْلَبُ فيه الواو ياءً لا لياء قبلها ساكنة قال سيبويه: ألا ترى أنّ ذلك دعاهم إلى أنهم لم يثقلوها في (فَعْلات) إذا كان ما أصله التحريك يسكن. قال أبو علي: يقول: يسكن نحو (فَعْلاتٍ) لو حركت عينه المعتلة لما يلزمه من انقلابه ألفًا لوقوعها متحركة بين متحركين.

قال سيبويه: وأمّا ما كان قد قلب في الواحد فإنه لا يثبت في الجمع. قال: يقول: قَلَبَتْ الألفُ الواوَ ياءً في (رِياضٍ وجِبالٍ) ونحوه لشبهها بالياء وإن كانت ساكنة كما قلبت الياء من (يَوْجَلُ) الواوَ التي هي ياء، وإن كانت ساكنة، على القلب في (رِياضٍ وجبالٍ) أجود منه في (يَيْجَل) لمكان الكسرة. قال سيبويه: فلما كان ذلك من كلامهم ألزموا البدل ما قلب في الواحد.

أي ألزموا بدل الياء من الواو في جميع ما أبدلت الياء من الواو في واحدة. قال سيبويه: وإذا قُلت: فِعَلَةٌ، فجمعت ما في واحده الواو، أثبتّ الواو كما قلت: فِعَلٌ فأثبتّ ذلك. قال أبو علي: يقول: إذا جمعت اسمًا على (فِعَلَة) وقد صحّت الواو في واحده صحَّحته في (فِعَل)، فوافق (حِوَلاً) ونحوه من الآحاد التي صحت العين منها وليس بعد العين من (فِعَلَة) ألف تقلب الواو ياء، كما كان في (السِّياطِ) نسقٌ أو (زوجٌ) وإن اتفقا في صحة الواو فيهما مفردين فقد اختلفا في الجمع وانقلاب العين فيه، لأنه ليس بعد العين في (فِعَلَة) ألف، كما كان في (فِعال). قال سيبويه: وهذا ليس بمطرد يعني ثِيَرة. قال أبو علي: إنما قال: إن (ثِيَرة) ليس بمطرد، لأنه لا ألف بعد العين منها، فتقلبها كما كان في (سِياط). وكان أبو بكر يقول: هو مقصور عندي من (فِعالة) نحو ذِكارة وحِجارة، فقصر عنها، وقد ثبت انقلاب الواو منها ياء لوقوعها قبل الألف.

وحكي عن أبي العباس أنه قال: قلبت الواو فيه ليُفرَّق بين ثور الأقط وثور البقر. قال سيبويه: ولو جمعت الخِيانَةَ والحياكة كما قلت: رسالةٌ ورسائلُ، لقلت حوائِك وخَوائِن. قال أبو علي: الواو في (حَوائِك) إذا كان جمع (حِياكَةٍ) هي عين الفعل [190/أ] من (فَعائِل)، والهمزة مبدلة من ألف (فِعالة)، وفي حَوائِك إذا كان جمع (حِياكَةٍ) هي الواو التي تبدل من ألف فاعل في مثل (ضَوارِب)، والهمزة فيها بدل من الواو التي هي عين الفعل. قال سيبويه: فكأنك تقول: عاوَدَ فتقلبها واوًا.

أي: فتقلب الياء التي انقلبت عن الواو في حِياكَةٍ وخِيانَةٍ. وقوله: فكأنك تقول عاوَدَ، يشبه الفتحة في فاء (فَعائِل) مثل قولك: (حوائِك) بالألف التي تكون قبل الواو في (عاوَدَ) فكما صحّت الواو في (عاوَدَ) وقبلها الألف، كذلك صحَّت وقبلها الفتحة في الجمع وإن كانت معتلة في الواحد، لأن ماله اعتل فيه زائل عنه في الجمع. قال سيبويه: والحرف الذي قبل المعتل فيما ذكرت لك ساكن. أي في اسْتَفْعَلَ وأفْعَلَ. قال أبو علي: يريد أن الفاء في اسْتَفْعَلَ وأفْعَل ساكن قبل الإعلال، وليس التاء في افْتَعَل كذلك، وكما سكنت الفاء في اسْتَفْعَل وأفْعَل، كذلك سكنت في مصدريهما فألقيت حركة العين على الفاء الساكنة وحذفت العين من اسْتِفْعال وإفْعال لالتقاء الساكنين ولم يكن ما قبل العين من افْتِعالٍ في احْتِوارٍ ونحوه ساكنًا فتلقى عليه حركة المعتل، كما فُعِل في أفْعال ونحوه، فحركت العين ولم تحذف كما حذفت في افْعال. قال سيبويه: ولا يفعلون هذا بالياء لأنها بعدها أخف عليهم.

أي لا تُهمز الياء إذا انضمّت، لأن الواو بعدها أخف عليهم من الواو بعد الواو، فنحو غَيُور وعُيُون أخف من غُوُور. قال سيبويه: لخفة الياء وشبهها بالألف، فكأنّها بعد ألف. أي الواو إذا كانت بعد الياء في (غَيُور) فكأنها بعد ألف نحو (عاوَدَ) لأن الياء تشبه الألف، فصحّت بعد الياء كما تصح بعد الألف. قال سيبويه: شبَّهوها بقولهم: عُتِيٌّ في عُتُوٌّ، وجُثِيٌّ في جُثُوّ وعُصِيٌّ. قال أبو علي: قلبت الواو في (صُوَّمٍ)) ياء لقربها من الطرف، وانضمام ما قبلها، كما أن عُصيّ وعُتِيّ قلبت الواوان فيه ياءين لذلك، فصُيّم وإن لم يكن المعتل منه اللام فهو مشبّه بالمعتل اللام، الدليل على ذلك كسر الفاء منه ككسرها في عِصِيّ، وأنها إذا بعدت من الطرف بحرف آخر غير اللام لم تعلّ، فمن قال: صُيَّم لم يقل إلا صُوّام، ولم يقلب الواو فيه ياء.

قال سيبويه: وأمّا طويلٌ وطِوالٌ {فهو} بمنزلة جَاوَرَ وجِوارٌ. يريد: إن الواو في الجمع صح كما صح في الواحد، كما أنه صح في المصدر لصحته في الفعل. قال سيبويه: جعلوه بالزيادة التي لحقته بمنزلة ما لا زيادة فيه. قال أبو علي: يريد، أن (حَولان، وحَيَدان) خرج بالزيادة التي لحقته عن مشابهة الفعل، لأن الفعل لا تلحقه هاتان الزيادتان كما خرج الحَوَلُ لمخالفة بنائه بناء الفعل عن مشابهة الفعل فلم يعلاّ كما أعِلّ الفعل. قال سيبويه: قالوا: مَشُوبٌ ومَشِيبٌ. قال أبو علي: إنما قيل مَشِيبٌ في مَشُوبٌ، فقلبت الواو فيه ياءً لأن قربها من الطرف كقرب فُعَّل منه.

قال سيبويه: ومع هذا أنهم لم يكونوا ليجيئوا بها في المعتلّ الأضعف على الأصل، إلى قوله وهو: [190/ب] ويتركان في المعتلّ الأقوى. قال أبو علي: المعتل الأضعف المعتل اللام، والمعتل الأقوى المعتل العين. قال سيبويه: فتمّت كما قالوا: عَرَواء. أي كما صححوا عَرَواء المعتل اللام كذلك صححوا قُوَباء المعتل العين. قال سيبويه: وقد قال بعضهم في فَعَلان و {فَعَلَى} كما قالوا في فَعَلٍ ولا زيادة فيه.

ومن باب ما تقلب فيه الياء واوا

قال أبو علي: من قال: (دارانٌ) أعلّه كما أعلّ (دارَ)، ولم يخرجه بالزيادتين من شبه الفعل كما لم يخرجهما الهاء في نحو دارَةٍ، وعانَةٍ من شبهه، لأن الألف والنون قد توافق الهاء فلا يعتد بهما كما لا يعتد بالهاء، تقول في تصغير زَعْفَران: زُعَيْفِران. ولو كان معتدًا لم يجز هذا التصغير، فيصغّر بناء ما كان فيه هذه الزيادة من نحو ما ذكرنا كما يصغر ما فيه الهاء وزاد على مثال فُعَيْعِيل. قال أبو العباس: يقول: إن المطرد في باب (دارانٍ) الإعلال، ويعتل بما ذكرتُ من أن الزيادة غير معتد بها، فلم يخرج بها من شبه الفعل. ... ومن باب ما تُقْلَبُ فيه الياءُ واوًا قال سيبويه: فأجريت مجرى الأسماء التي لا تكون وصفًا. قال أبو علي: أجريت الطُّوبَى مجرى الأسماء لأنها إنما تكون وصفًا بمنْ نحو أطْيَبُ مِنْ كذا، فإذا لم يوصل بِمِنْ، شابهت الأسماء، ألا ترى أن (أفْضَل) من قولك: (أفْضَلُ من زيدٍ) ينصرف في النكرة كما ينصرف (أفْكَلَ) ولو كان مع حذف (مِنْ) منه وصفًا كما يكون إيّاه مع إثباته لم ينصرف في النكرة كما لا ينصرف في (أحمر)، فشابه الاسم من هذه الجهة،

ودخل الألف واللام فلم يثبت معهما (مِنْ). قال سيبويه: فإنما أرادوا أن تحول إذا كانت ثانية من علّة. أي: أي أن تُحول الياء إذا كانت ثانية نحو الطُّوبى. وقوله: من عِلّة، أي من أجل الضمة التي قبلها. وقوله: (فكان ذلك)، أي قلب الياء واوًا في الطُّوبى، وتَقْوَى وشَرْوَى.

ومن باب ما تقلب الواو فيه ياء إذا كانت متحركة والياء قبلها ساكنة

ومن باب ما تُقلب الواو فيه ياءً إذا كانت متحركة والياءُ قبلها ساكنة قال سيبويه: فأصلها (فَيْعُولَة)، وليس في غير المعتل فَيْعَلُولٌ مصدرًا. قال أبو علي: أصل قَيْدُودٍ قَيّدُودٍ، كأنه (قَيْوَدُود)، فقلبت الواو التي هي عينٌ ياءً لوقوع الياء الساكنة قبلها، ثم حذفت العين وألزمت الحذف إذ استمر في نحو (سَيِّد)، وهذا يدل على أنه قد يكون في بناء المعتل ما لا يكون في الصحيح. فإن قيل: ما تنكر أن يكون (فَعْلُولَة) دون (فَيْعُولَة)، وأن يكون هذا البناء جاء في المعتل وإن لم يجئ (فَعْلُولَة) في الصحيح كما جاء (سَيِّدٌ) [191/أ] وإن لم يجئ في الصحيح أو جاء على (فَعْلُولَة) للزوم الهاء له، فإن لم يجئ بغير الهاء على ذلك كما جاء (مَفْعُلَة) بالهاء ولم يجئ مَفْعُل؟ قيل: لو كان (فَعْلُولَة) لوجب أن يقال فيما كانت عينه واوًا كونُونَة قَوْدُودَة، فكانت تظهر الواو دون الياء لأنها العين، ولما أظهرت الياء

علمنا أنّها ليست بفَعْلُولَة. قال سيبويه: ولأنهم قالوا: هَيَّبانٌ وتَيَّحانٌ لم يكسروا. قال أبو علي: يقول: لو كان سَيِّدٌ، ولَيِّنٌ على فَيْعَل، لفتح العين لمدغم فيها كما فتح العين من هَيَّبان، وتَيَّحان، لأن هَيَّب وتَيَّح من هيَّبان وتَيَّحان بمنزلة سَيِّد، ولقيل: عَيّر، ففتح عينات هذه الحروف يدل على أن سيِّدًا ونحو لو كان أصله الفتح {لفُتح} كما فُتحْنَ، إذ هُنّ مثله في الزِّنة والإعلال ووقوع الزيادات قبل العين. قال أبو علي: الدليل على أن المحذوف من (مَيْتٍ) العَيْنُ ظهور الياء، ولو كان ياء (فَيْعَل) المحذوف لقيل: ماتَ دون (مَيْتٍ)، وإنما كان يلزم مات، لأنه إذا حذفت ياء (فَيْعَل) بقيت الواو التي هي عين متحركة، فلزم انقلابها ألفًا كما لزم انقلاب (خافَ) لذلك وتعلم من بنات الواو في هذا أن المحذوف من بنات الياء نحو (لَيْنٍ) العين أيضًا، كما تعلم من كينونة أن الياء في صيرورة ليست بالعين، وإنما كان حذف الواو التي هي عَيْن أوْلى، لأنها المتكررة كما أن التخفيف وقع على الهمزة

الثانية لتكررها. قال سيبويه: لما كانوا يحذفونها في العدد الأقل. يعني بالعدد الأقلّ (سيِّدًا) إذا قيس بعدّته عدّة كَيْنُونَة. قال سيبويه: وبلغن الغاية في العدد إلا حرفًا واحدًا. قال: يعني بالغاية نحو (اشْهَيْبابٌ)، فإنه على غاية ما يكون عليه

الاسم ذو الزوائد، والأصل كثرة، (وكينونة) أقلّ منه بحرف واحد. قال سيبويه: وإنما أرادوا بِهِنَّ مثل عَيْضَمُوزٍ. أي بكينونة ونحوها، لأن (عيضموزًا) على (فَيْعَلُول) فألحق به من الثلاثي (كينونة) ونحوها. قال سيبويه: وأمّا (فِعْيَلٌ) مثل (حِذْيَمٍ)، فبمنزلة فَيْعَلٍ. قال أبو علي: يريد أنه مثله في باب الإدغام، لأنك تقلب الواو ياء لسكونها قبلها كما قلبته في (طيًا) مصدر طَوَيْتُ، (ففَعْيَل) من القول بمنزلة (فَيْعَل) منه.

قال سيبويه: و (أمّا تَحَيَّزْتُ فتَفَيْعَلْتُ). الدليل على ذلك ظهور الياء مشددة، وإنما ظهرت في التضعيف، لأن ياء (تَفَيْعَل) وقعت ساكنة قبل الواو التي هي عين، فقلبت الواو ياء، وأدغمت الياء فيها، ولو كان (تفعَّلْتُ) لظهرت الواو مُضعَّفة، كما تقول: تَقَوَّلْتُ في تَفَعَّلْتُ من القول، فبهذا تعلم أنه تَفَيْعَلَ دون تَفَعَّل. وأمّا التّحَيُّز، إذا أردت مصدره فهو على تَفَعُّلٍ وإن كان وزنه على الحقيقة تَفَيْعُل، إلا أنه لو كان تَفَعُّل دون تَفَيْعُل، لكان التَّحَوز، يقول الله تعالى: "أو متحيّزًا إلى فئة" وزنه مُتَفَيْعِل. قال سيبويه: لأن الحرفين ليسا من موضع تضعيف، فهم في الواو والياء أجدر. قال أبو علي: أي إذا لم يُدغموا (وَتَدَه)، فيقولوا: وَدَّهُ [191/ب] لتحرك المقارب الأول، فإن لا يدغموا الواو والياء إذا تحرك الأول منهما أجدر، لأن الواو والياء مخارجهما أبعد من مخارج التاء والدال، لأنهما من أطراف الثُّنا واللسان، والواو من الشفة، والياء من وسط اللسان ومخارجها أبعدُ، وإذا تباعد المخرجان كان الإدغام فيه أشد امتناعًا.

قال سيبويه: ولم يجيزوا وَدَّهُ. قال أبو علي: يريد في (يَفْعَل) من وَتَد، لأن وَتَدَ مثل وَعَدَ، فالفاء تنحذف في يَفْعِلُ، ولم تدغم التاء في الدال وإن تقاربا لتحرك التاء. قال سيبويه: ومثل ذلك رُوْيَة ورُوْيَا، الفصل. قال أبو علي: الأصل في (رُوْيا) الهمزة وإن حذفت، فكما لا تدغم الهمزة في الياء، كذلك لا تدغم هذه الواو، كما لم تردّ الياء في (لَقَضْوَ)، وأنت تريد (لَقَضُوَ الرَّجُل)، لأنه وإن أسكن فالضمة مرادة، كما أن الهمزة مرادة وإن خفف.

قال سيبويه: لأن الواو بدل من الألف فأرادوا أن يمدُّوا. أي: الواو في (سُويِرَ) كما تمد الألف في (سايَرَ)، ولو أدغم لزال مثال المَدّ. قال سيبويه: وألا يكون فُوعِلَ وتُفُوعِلَ بمنزلة فُعِّلَ وتُفُعِّلَ. قال أبو علي: لو أدغمت تُسُويِرَ فقلت: تُسُيِّرَ لالتبس تُفُوعِلَ بتُفُعِّلَ كما كان يُلبِسُ فَوْعِلَ نحو سُويِرَ تُفُعِّلَ لو أدغمت. قال سيبويه: فيصير بمنزلة حرفين يلتقيان في غير حروف المدّ. قال أبو علي: يقول: لو أدغمت الواو في الياء، أو الواو في الواو في (سُويِرَ)، (وقُووِلَ)، لزال عنهما بالإدغام المدّ، فخالف بعض الأفعال بعضًا، لأن المدّ في الألف من (سايَرَ)، لا يجوز أن يزول لامتناع إدغامها. ولو أدغم هذه الواو لزال بالإدغام عنها المدّ وصار بمنزلة الحروف التي لا مدّ فيها، كالياء والتاء ونحوهما من الحروف الأمثال المتعرية من المدّ. قال سيبويه: فلما كانت كذلك شُبِّهت هذه الياء بواو رُوْيَةٍ، وواو يُوطِئ. قال أبو علي: يقول: شبهت الياء التي في (دِيوانٍ) بالواو في (رُويهٍ)

مخففة همزتها، فلم تدغم الياء في الواو من (دِيوانٍ)، كما لم تدغم الواو في الياء من (رُويَةٍ) لاجتماعهما في أنهما غير لازمتين، ألا ترى أن الياء من (دِيوان) أصلها الواو وعنها انقلبت، كما أن أصل الواو في (رُويَةٍ) الهمزة وعنها خففت. قال سيبويه: ولذلك قلت: قَرَارِيطُ. أي لأن وزن (دِيوانٍ وقِيراطٍ) في الأصل فِعّال، قلت: قَرارِيطُ فرددت التضعيف لما فَصَلت بينهما بحرف، ولو كان فِيعالاً، ولم يكن فِعّالاً، لوجب في تكسيره وتصغيره قراريط، ودواوين.

ومن باب ما يكسر عليه الواحد مما ذكرنا في الباب الذي قبله

ومن باب ما يُكسَّر عليه الواحدُ مما ذكرنا في الباب الذي قبله قال سيبويه: ولما اعتلت ها هنا، فقلبت بعد حرف مزيدٍ في موضع ألف فاعِلٍ. يعني العين التي هي واو، واعتلالها انقلابها ياء. قال سيبويه: وصار انقلابها ياءً نظير الهمزة في قائل. قال [192/أ] أبو علي: يقول صار انقلاب العين ياءً في (سَيِّد) كانقلابها همزة في (قائِل) لأنهما اتّفقا {في أتَّيَّةِ} الاعتلال وإن اختلفا في كيفيته.

قال سيبويه: ولم يصلوا إلى الهمزة. أي لم يصلوا إلى همزة عين (سَيِّد) إذ كان قبلها ياء، وإنما تهمز الياء والواو عينًا ولامًا إذا كان قبلهما ألف. وقوله: فكأنهم جمعوا شيئًا مهموزًا. أي إذا جمع (سَيِّد) الذي هو غير مهموز، فكأنه جمع مهموز، لأنه نظير ما اعتل بالهمز وهو (قائِل)، ألا تراهما اجتمعا في باب الاعتلال وإن كانت العين من (قائل) انقلبت همزة والعين من (سَيِّد) انقلبت ياءً. قال سيبويه: كما قالوا: صُيَّمٌ، فأجروها مجرى عُتِيٍّ. قال أبو علي: قلبت الواو الأخيرة من (صُيَّم) ياء، لقربها من الطرف، ولما انقلبت، انقلبت الواو الأولى أيضًا ياء لسكونها، كما أنّ الواو التي في نفس الطرف لما قلبت ياء كنحو الواو من (عُتُوٍّ) انقلبت الأولى لها أيضًا ياءً.

قال أبو علي: في تصحيح الواو في (عَواوِر) إنما صحّت الواو فيه وإن كانت (كأوائِل) التي همزت فيه العينُ، لأنّ الياء تلزم فَعاعِيل جمع فُعّال مرادة فيها، محذوفة للضرورة، فكما أن تلك الياء التي تلزم همزة العين لبعدها عن الطرف، كذلك لا يلزم همزة إذا حذفت لضرورة الشعر، إذ هي ثابتة في الكلام، وعلى هذا لو جمعت (أوائل) في الشعر فزدت فيها مضطرًا ياءً لإشباع الكسرة كقوله: نَفْيَ الدّراهيم تَنْقادُ الصَّيارِيف

لم تدع الهمز، وكنت قائلاً (أوائيل) كما لم تهمز لما حذفت الياء في الضرورة وإن زدتها، وكذلك يقول الأخفش. قال سيبويه: فجعلتها بمنزلة عَوِرْتُ فوافقتها. أي، وافَقَتْ (صَيِدْتُ) (عَوِرْتُ) في أن قيل: صَوائِد مثل عَوائِر. قال سيبويه: كما وافقت حَيِيتُ شَوَيْتُ. قال أبو علي: أي في أن قيل في (فَواعِل) من حَيَيْتُ (حَوايا)، كما وافقت حَيَيْتُ (حَوايا)، كما قيل في فَواعِل من شَوَيْتُ (شَوايا)، وإنما قيل (حَوايا)، لأن الهمزة عَرَضَتْ في جمع لقرب الياء من الطرف فصار مثل مَطايِي، ثم أبدل من الياء الألف كما في فُعل في (مَطايا) (وهَدايا) فصار (حَوْأأ)، ثم أبدل من الهمزة الياء، فصار (حَوايا). قال سيبويه: كانت الياءان تستثقلان. قال أبو علي: ويقول: لو قيل: (حَوايِي) فلم تهمز الياء لكان في الاستثقال (كقَواوِل) لو لم تهمز الواو.

ومن باب ما يجري فيه بعض ما ذكرنا إذا كسر للجمع على الأصل

ومن باب ما يجري فيه بعض ما ذكرنا إذا كُسر للجمع على الأصل قال أبو علي: الفرق بين هذا الباب والذي قبله أن الواو والياء الواقعتين بعد ألف الجمع لا تهمز بعدها عن الطرف بحرف اللين الذي بينهما وبين آخر الكلمة، فلا يهمز كما همز ما تضمن الباب الذي قبله من الياء والواو للقرب من الطرف نحو قَوائِل وكَوائِل. قال سيبويه: وإنما خالفت الحروف الأوَلُ هذه [192/أ] الحروف لأن كل شيء من الأوَل هُمِزَ على اعتلال فعله أو واحده. قال أبو علي: يريد خالف (عَواوِرُ قُوَّلَ) في باب الجمع فلم يهمز (فاعُول) وإن همز (فاعِل)، لأن نسبة (فاعول) من (فاعل) كنسبة (فُعّال) من (فُعَّل)، لأن كل واحد منهما زائد على (فُعَّلٍ) و (فاعِل) بحرف لين رابع يبعد به الياء والواو في الجمع من الطرف.

ومن باب فعل من فوعلت من قلت، وفيعلت من بعت

ومن باب فُعِلَ من فَوْعَلتُ من قُلْتُ، وفَيْعَلْتُ من بِعْتُ قال سيبويه: كما وافق (فاعَلْتُ) من هذا الباب غير المعتل، ولم يكن فيه إدغام. أي إذا قلت فيه: فُوعِلْتُ كقولك: بُويِعْتُ، فبَنَيْتَ فعل المفعول لم تُدغم. قال سيبويه: ولم يكن هذا بمنزلة العينين في حَوَّلْتُ وزَيَّلْتُ. أي (فَيْعَل)، أي لم يدغم كما أدغم (فُعَّلَ) من (فَعَّلَ) نحو (قُوَّل) من (قَوَّلَ)، لم يُقَلْ في (فُعِلَ) من فَيْعَل: (قُيَّل)، ولا في (فُوعِلَ): فُوَّلَ. قال سيبويه: فلما كانتا كذلك أجريتا مجرى الألف. قال: لمّا جرت الواو والياء كالألف في أن يقع بعدهما ما ليس من موضعهما كما يقع بعد الألف من (فاعَلَ) من غير موضعه أجريتا مجرى الألف في المد، وترك الإدغام إذا وقع بعدهما حرف مثلهما مما اعتلت.

قال سيبويه: ولا تجعلهما بمنزلة العينين، إذ كانا حرفين مفترقين. قال أبو علي: يقول: ليسا بلازمين، فيلزم إدغامهما، لأنها قد تقع ولا مثل قبلها نحو (جَهْوَرَ). قال سيبويه: (فلما كانت الزيادة كذلك جرت ها هنا مجراها، لو لم يكن بعدها واوٌ) في أن مُدّ كما كان يُمدّ (حينئذٍ). قال سيبويه: فهي بمنزلة واو فَوْعَلْتُ وألف افْعالَلْتُ. أي في أنها مَدَّة لا تلزم ولا يجب إدغامها. قال سيبويه: فيجريان في (فُعِلَ) مجرى غير المعتل. أي في المدّ وترك الإدغام. قال سيبويه: ما أجريت الأوّل مجرى غير المعتل. أي نحو: (فُوعِل)، كقولك: (قُووِلَ وبُويِعَ)، أجريته مجرى (يُوطِرَ) فمددت ولم تدغم كما يُمدّ في الصحيح التي لا ياء بعدها.

قال سيبويه: وذلك قولك: قد بُووِعُ، وقُووِلَ، قلبت ياء (بُويِع) واوًا. يريد: الياء الأولى التي هي عين قبل ياء (فَعْيَل)، ولم تُبدل من الضمة كسرة، إرادة لتصحيح الواو كما فَعَلْتَ ذلك في (بِيعَ) (وبِيضَ) ونحوه لأنه على أربعة أحرف، ألا تراهم قالوا: عُوطِطَ من تَعيَّطت الناقة؟ فلم تصحح الياء، وقلبت واوًا، وهذا نذكره في الباب الذي يلي هذا بعدُ. قال سيبويه: فلا تقلب الواو ياء في (فُوعِلَ) من (بِعْتُ) إذا كانت من (فَيْعَلْتُ) لأنَّ أمرها كأمر (سُويرتُ). قال أبو علي: يقول: (فَيْعَلَ) بمنزلة (فاعِل)، ألا ترى إذا بنيت (فِعْلَ المفعول) من (فاعَلَ) في أن الواو غير لازمة، كما أنها في (فُوعِل) من (فاعَلَ) غير لازمة، وإذا لم يلزم لم يجب إدغامه.

قال سيبويه: تقديرها: عُعْتُ [193/أ] من قولك: أاأةٌ، وإن لم يتكلم به لما يجتمع فيه مما يستثقلون. قال أبو علي: يقول: هذه الحروف مثل (اليَوْم) في أنها لا يؤخذ منها (فِعْلٌ)، كما لم يؤخذ منه، لأن كل واحد منهما لو اشتق الفعل منه لاجتمع حروف اعتلال قد تُكره وحدها حتى (تُعَلّ) فتُسكّن أو تُحذف، فلما كانت تستثقل مفردة لزم أن تُطرح مركَّبة.

قال سيبويه: فإذا قلت: أفْعِلَ، ومُفْعَلُ، ويُفْعَلُ، قلت: أووِمُ ويُووَمُ، ومُووَمٌ، لأنّ الياء لا يلزمها أن يكون بعدها ياءٌ أبدًا. فإذا لم يلزم أن تكون بعدها ياء كان مثل ياء (فَيْعَل) يلزمها المدّة ولا تدغم كما يدغم (بُويِعَ) لمّا لم يلزم واو (فُوعِلَ) من فَيْعَلْتُ، وكانت قد تكونُ ياءً في (فَيْعَل) بهذا الذي يعني. وقال أبو العباس: الخليل يقول: أووِم، ويُووَمُ، لأن الواو منقلبة من ياء، فلما بناها هذا البناء جعلها مدّة وإن كانت أصلية، لأنها منقلبة كما انقلبت واو (سُويِرَ) من ألف (سايَر)، فقد صارت نظيرتها في الانقلاب، قالوا: وفي أووِمَ منقلبة عن ياء كما أنها في (سُويِرَ) وفُوعِلَ من فَيْعَلٍ من (بِعْتُ) منقلبة عن ياء وألف، فلما صارت هذه الواو موافقة لهذه المدّات التي لا تدغم لم تدغمها وإن خالفتها في باب الزيادة، والأصل (قالَ).

والذي عليه النحويون غير الخليل في (أفْعِلَ) منه (أيَّمَ)، لأنها أصلية، فالإدغام لازم لها لأن المدّ ليس بأصل في الأصول فأما الخليل فيعتبر هذه الياء بياء (أيْقَنْتُ)، بحيث صحت في (أيْقَنْتُ) صححه من (أفْعَلَ) بين (اليوم) مدّة ولم يدغمها في العين. قال سيبويه: فإذا كسّرت على الجمع همزت فقُلت: أيائِمُ، لأنها اعتلت ها هنا كما اعتلت في (سَيِّد)، والياء قد تُستثقل مع الواو، فكما أجريت (سَيِّد) مجرى فَوْعَلٍ من (قُلْتُ). قال أبو علي: أي في أن همزته فقلت: (سَيائِدُ) كما تقول في (فَوْعِلٍ) (فَواعِلُ)، فكما أجريت ما أدغم فيه حرف زائد مجرى ما أدغم فيه حرف أصلي في همزك إياه في التكسير لقربه من الطرف، واجتماع ياءين أو واوين، أو واو وياء، وأعني بالأصليين (أيّمَ) و (أوّلَ) والزائدين (سَيِّدٍ وقَوَّلٍ).

قال سيبويه: وأما أفْعَوْعَلْتُ من (قُلْتُ)، فبمنزلة افْعَوْعَلْتُ من (سِرْتُ) في (فَعَلَ). قال أبو علي: يعني أنه مثله في أن يبيّن ويمدّ فلا يدغم. قال سيبويه: وأتِمَّتْ افْعَوْعَلْتُ منها كما تُتَمُّ فاعَلْتُ وتفاعَلْتُ لأنهم لو أسكنوا فيه حذف الألف. قال أبو علي: يقول: لو أسكنوا الواو التي بعد واو (افْعَوْعَلَ) في (اقْوَوَّلَ)، والتي بعد الألف من (قاوَلْتُ) سقطتا لالتقاء الساكنين ألف (فاعَلْتُ) وعينُها وواو (افْعَوَّلَ) وعينها. قال أبو الحسن: أقول: اقْوَيَّلْتُ لئلا أجمع بين ثلاث واوات فإذا قلت: فُعِّل قلت: اقوُووِلَ. يقول: جمعت بين ثلاث واواتٍ إحداها مضمومة لأن الثانية كالمدة كما فعلت ذلك في قُووِلَ. قال أبو علي: [193/أ] يقول: لا أدغم الواو الوسطى في الثالثة ولا أقلب الثالثة ياءً، لأن الوسطى مدَّة، وغير لازمة كما أنّ الأوّل من (قُووِلَ) غير لازمة فلا أدغم.

ومن باب تقلب فيه الياء واوا

ومن باب تقلب فيه الياء واوًا قال سيبويه: ولم تجعل هذه الأشياء بمنزلة (بِيضٍ)، و (قد بِيعَ) حيث خرجت إلى مثالها هذا. قال أبو علي: يقول: لم يبدل من الضمة في فاء (كَوْلَل) لتصح الياء كما أبدل منها كسرة في فاء (فُعل) لتصح الياء، وذلك في نحو (بِيضٍ) ... وقوله: حيث خرجت إلى مثالها هذا يعني (كُولَلٌ). قال سيبويه: وكان الفعل ليس أصل يائه التحريك.

قال أبو علي: يقول: ليس أصل الاسم والفعل تحرك عينها، كما أنه إذا كان على ثلاثة نحو (بيْعَ) فأصل عينه التحريك قبل الاعتلال. قال سيبويه: والاسم يجري مجرى (مُوقَنٍ). قال: يعني أنه لم تقلب من ضمة فائه كسرة، كما لم تقلب ضمة فاءات هذه الأشياء. وأنشد سيبويه: مُظاهِرة نَيّا عَتِيقا وعُوطَطًا ... فَقدْ أحْكما خَلْقًا لها مُتبايِنا وقال: العُوطَطُ فُعْلَلُ.

ومن باب ما الهمز فيه في موضع اللام

قال أبو علي: وجه الاحتجاج في هذا الموضع بعُوطَط، أي قالوا: عُوطَط، فلم يقلبوا الضمة كسرة كما فُعِل في (بِيض)، واستدل على أن هذه الواو منقلبة عن الياء بسماعهم تَعيَّطَتْ، فالواو في (عُوطَطٍ) منقلبة عن هذه الياء. ... ومن باب ما الهمز فيه في موضع اللام قال أبو علي: العين من (ساءَ) واوٌ، يدل على ذلك قولهم: (يَسُوءُ)، (وداءٌ) العين فيه منقلبة عن واوٍ، يدل على ذلك قولهم: (أدْواءٌ) في الجمع، (وجاء)، عينه ياء، يدل عليها قولهم: (يَجِيءُ). قال سيبويه: اعلم أن الياء والواو لا يُعلاّن واللام ياء أو واو. يعني أنهما لا يُعلاّن إذا كانا عينين، ومثال ما العين واللام فيه معتلّان: يَجْيا، ويَلْوَى، أعِلّ اللامُ، ولم تعلّ العين.

قال سيبويه: ولم تكن لتجعل بَيْنَ بَيْنَ، من قبل أنهما في كلمة واحدة وأن التضعيف لا يفارقه. قال أبو علي: يقول: صار تليين الهمزة الثانية من الكلمة الواحدة لازمًا كلزوم الإدغام في المثلين إذا اجتمعا في كلمة. قال سيبويه: ولم يجعلوا هذا بمنزلة (خَطايا)، لأن الهمز لم يعرض في الجمع. قال أبو علي: يقول: ما بعد الجيم من (جاءَ) بمنزلة ما بعد الطاء من (خَطايا) لأن الهمزة في كلا الموضعين بعد الألف، وبعد الهمزة همزة إلا أن الفصل أن همزة (جاء) لم تعترض في جمعٍ، وهمزة (خطايا) اعترضت في الجمع، أعني الأولى.

قال سيبويه: [194/أ] واعلم أن ياء (فَعائِل) أبدًا مهموزة. قال أبو علي: نحو جُياءٍ، ولا تقلب الهمزة فيه، ولا الياء كما فعلت ذلك بخَطايا؛ لأنه واحد، فهو مثل جاءٍ الذي هو أيضًا واحد، وكذلك (فُعاعِل)، تقول: جُياءٍ، فتقلب الياء الموزونة العينَ الثانية همزة لقربها من الطرف، ومجيئها بعد ألف قبلها ياء، ولا تقلبها لأنها واحد كما قلت في (خَطايا)، لأن (فُعاعِل) واحدٌ (وخَطايا) جمع.

قال سيبويه: لأنك أجريت واحدها مجرى الواحد من شأوْتُ. قال أبو علي: يقول: لا تقلب الياء ألفًا، والهمزة المنقلبة عن الياء ياء في الجمع، كما لا تقلبها في (فَواعِل) من (شأوْتُ)، لأن (جاءٍ) وإن كانت همزته منقلبة، فبمنزلة (شاءٍ) من (شأوْتُ) في أنَّ همزتها جميعًا ثابتتان في الواحد لم يعترضا كما اعترضت همزة (فَواعِل) من (شَوَيْتُ) في الجمع، ولم يكن في الواحد، ففَواعِل من حيث لا تقلب منها ما ذكرنا، كما لا تقلب من (فَواعِل) من شأوْتُ لاتفاقهما في ثبات الهمزة في كل واحد منهما. قال سيبويه: وأما فَعائِل من جِئْتُ وسُؤْتُ فكخَطايا، تقول جَيايا وسَوايا. قال أبو علي: لأن همزته تعرض همزة (مَطِيَّة وخَطِيَّة) فيه، فهو خلاف (فَواعِلُ) من (جِئْتُ)، وهذه الياء التي بعد ألف الجمع في جَيايا والياء المبدلة من الهمزة التي تبدل من ياء (فَعِيلة) أو ألف (فَعالة) أو واو (فَعُولة).

قال سيبويه: وهؤلاء كأنهم لم يقلبوا اللام في (جِئتُ) حين قالوا: فاعِلٌ ولم يصلوا إلى حذفها، الفصل. قال أبو علي: أي إلى حذف الهمزة المنقلبة عن العين التي هي ياء في فاعِل، (كراهية أن يلتقي الألف في (فاعِل) والياء). يريد: الياء الساكنة المنقلبة عن الهمزة التي هي لام يَقُول لو حذفت الهمزة من (جاءٍ) كما حذفت من (شاكٍ) (ولاثٍ) لالتقى ساكنان، وفي (شاكٍ) لا يلتقي ساكنان، لأن الكاف حرف صحيح فهذا الحذف في (شاكٍ) تقويةٌ لقول غير الخليل، لأن حكم (جاءٍ) على هذا كان يلزم أن تحذف همزته المنقلبة عن العين كما حُذفت في قولهم: (شاكٍ)، إلا أن الحذف لم يكن في كما جاز في (شاكٍ) (ولاثِ) لما يلزم التقاء الساكنين. قال سيبويه: فأمّا فُعائِلٌ من جِئْتُ فجُياءٍ.

قال أبو علي: معنى قوله: وأمّا (فُعائِلٌ) من (جئتُ) ومن (بِعْتُ) وكذلك سائر هذه الأبنية التي في هذا الباب، أي أنك تبنيه من الحروف التي هي أصول، كالفاء والعين واللام، ولا يريد إذا قال مثلاً فُعائل من (جِئْتُ) أنك تبنيه من لفظ هذه الكلمة، ولكن من الكلم التي هذا البناء، وغيره مأخوذ منه. قال سيبويه: فهي كمُفاعِل من شأوْتُ. أي في لزوم الهمزة له، وأنها لم تعرض فيهما في جَمْعٍ. قال: وإنما فعلت ذلك لالتقاء الهمزتين ولزومهما. قال: يقول: تزيد على اللام التي هي همزة لامًا، فتلتقي همزتان فتبدل [194/ب] الثانية بحسب حركة الأولى. قال سيبويه: وأما فَعاعِل من جِئْتُ وسُؤْتُ، فتقول: سَوايا وجَيايا.

قال أبو علي: لأن الهمزة تعرض في الجمع كأنه جمع سُوّاءٍ، وجُيّاءٍ ولو جمعت مثله من القول لهمزته فقلت: (قَوائِل)، فاعترض الهمز في الجمع، وكذلك يعترض في جمع (سُوَّاءٍ)، فإذا اعترض الهمز في الجمع صار عمله كعمل (خَطِيئة) سواء. قال أبو علي: (جِياءٍ) على قول من يرى القلب كأنه إذا جمع (فُعَّل) الذي هو (جُيَّأ)، و (سُوَّأ) فقد جمع جُيَّاءٌ وسُوَّاءٌ، لأنه لما بيّن العينين بألف الجمع، أدى الأولى من العينين سلامة على ما كانت عليه، ثم قلب الأخرى وهي الثانية إلى موضع اللام، ونقل اللّام التي هي الهمزة إلى موضع العين التي هي الواو، فلم يلزم أن تجعل هذا الحرف الذي بعد ألف الجمع ياء مبدلة من همزة مبدلة من ياءٍ أو واو، لكنها همزة أصلية غير مبدلة من شيء، ألا ترى أنها لام الفعل، نقلت إلى موضع العين الثانية، فتقدير (جَياءٍ) جمع (جيّاءٍ) على قول الخليل (فعَالِع) وتقديره على قول الآخرين (فَعاعِل) مقلوبة إلى (فَعاعِل). قال سيبويه: فشبهها بقوله: شَواعٍ، وإنما يريد شَوائِعُ. قال: (شوائع) مقلوب عنها شَواعٍ. قال سيبويه: فأجريت مُجرى واو (شأوْتُ)، وياء (نَأَيْتُ) في فاعل.

قال: يعني في أن لم تقلب، لأنه (فَواعِل) وما كان على وزنه ألفًا لم تقلب من همزته التي هي عين ياء كما لم يقلبا في (شَواءٍ وقَواءٍ) ألا ترى أنك لم تقلب في (جَياءٍ) ذَيْنِكَ، كما لم تقلبهما في (شَواءٍ) لاجتماع الهمزتين في أنهما في الآحاد وغير معترضين في الجمع. قال سيبويه: والذين قالوا: (سَوايَةٌ) حذفوا الهمزة. قال أبو علي: وزن (سَوايَة) فَعايَةٌ محذوفة اللام. قال أبو علي: مَلَكٌ، الهمزة فيه فاء الفعل لأنه من الألُوكِ،

وقول لبيد: وغُلامٍ أرْسَلَتْهُ أمُّهُ ... بألُوكٍ ...

يدل على ذلك، إلا أن من قال (مَلَكٌ) فلم يقلبه حذف الهمزة التي هي فاء منهما حذفًا، ولو قلبها كما قلب (أشْياءَ وقِسِيّ) ونحوهما، فجعل الفاء موضع العين ثم قال: (مَلَك) لم يحذف الهمزة حذفًا، لكن خففها فحذفها وألقى حركتها على الساكن الذي قبلها على شرط التخفيف في مثلها. قال سيبويه: وكذلك أشْياءُ وأشاوَى. قال: والواو في (أشاوَى) بدل من الياء التي هي عين الفعل وهو نادر عن القياس. قال سيبويه: وكان أصلُ أشْياءَ شَيْئاءَ.

ومن باب ما كانت الياء والواو فيه لامات

قال أبو علي: يقول: لو لم تقلب (شَيْآءُ) على وزن (فَعْلاء)، وهو واحد بمعنى الجميع كرَهْطٍ ونَفَرٍ، لأن (فَعْلاءَ) ليس مما يكسر عليه الواحد. ... ومن باب ما كانت الياء والواو فيه لاماتٍ قال سيبويه: لأنهم جعلوا ما قبلهما معتلتين كاعتلالهما. قال أبو علي: يريد، جعلوا [195/أ] ما قبل اللام المعتل مغيرًا عما عليه الصحيح، وذلك أن فَعَلَ من الصحيح يلزم مضارعه (يَفْعِلُ) ويَفْعُل، ولا يلزم فَعَل المعتل اللام إلا يَفْعِل ويَفْعُل، فقد تغير المعتل عما عليه الصحيح.

قال سيبويه: وذلك قولك: رَمَى يُرْمَى، وغَزا يُغْزَى، ومَرْمَى ومَغْزَى. قال أبو علي: انقلبت اللام في (غَزا) ألفًا لأنها في موضع حركة، وما قبلها متحرك، ولم تقلب في (غَزَوْتُ) لأنها ليست في موضع حركة، كما لم تنقلب في (ثَوْبٍ) لمّا كانت ساكنة، وانقلبت في (بابٍ) لما كانت في موضع حركة. قال سيبويه: فلما كثرت هذه الأشياء عليها، وكانت الواو قد تغلب عليها لو ثبتت أبدلوها مكانها. قال أبو علي: يقول: لو لم تبدل الياء من الواو إذا وقعت طرفًا مضمومًا ما قبلها، لغلبت الياء عليها فقلبتها ياء والضمة التي قبلها كسرة ألا ترى أنه لو لم تبدل من الواو في (أدْلٍ) ياء قبل أن يضيفه المتكلم إلى نفسه للزم إبدالها مضافة، وكسر ضمتها، كما أنك لو أضفت (عشرين) مرفوعة (ومسلمين) لقلت: عِشْريّ، ومُسْلِمِيّ.

قال سيبويه: ومن ثم قالوا: مَغْزُوٌّ كما ترى. أي تصحح الواو لمّا سكن ما قبلها وإن كان قبل الساكن منها ضمة. قال سيبويه: فقال: إذا فعلتُ ذلك تركتُها ياءً على حالها، لأني إنّما خفَّفتُ ما قد لزمته الياء. أي، خففت كلمة قد لزمتها الياء، وعلى ذلك لحقتها التخفيف. قال سيبويه: ولو قالوا: غُزْوَ وشَقْوَ، لقالوا: لَقَضْيَ الرَّجُلُ. يقول: لو قيل: (غُزْوَ) فرُدّ الواو لتخفيف الكسرة لقيل: لَقَضْيَ الرَّجُل، فردّت الياء لتخفيف الضمة، ولا يردّ واحد منهما كما لا يُردّ في التثقيل، لأن الحركة منوية، والياء يدل على ذلك [195/أ].

قال سيبويه: لأنه أسكن العين، ولو كسرها لحذف. قال: يقول: لو كسرها لحذف اللامَ، لأنّها لا تضمّ إذا كسر ما قبلها لكنها تسكّن. قال سيبويه: وتقول سَرْوُوا على الإسكان، وسَرُوا على إثبات الحركة. قال أبو علي: حركت اللام من (سَرْوُوا) بالضم لمّا سكن ما قبلها للتخفيف ولو لم تخفف لم تثبت كما أنه لو لم تخفف العين من (رَضْيُوا) لما ثبتت لامها. قال سيبويه: تقول في (فُعْلُلٍ) من (جِئْتُ) جُوءٍ، فإن خفَّفتَ قلت: جُيْءٍ.

قال أبو علي: كان قياسه أن يكون (جُوءٌ)، إلا أنه يبدل من الضمة كسرة لتصحّ الياء كما فعل في (بِيضٍ وعَيْنٍ)، ولا يخصص بذلك الجمع دون الواحد، إنما يعتبر الياء على قول الأخفش (جُوءٌ)، لأنه يخص بتصحيح الياء والبدل من الضمة كسرة الجموع دون الآحاد. قال سيبويه: قال: فإن خففت الهمزة قلت: جُيٌ، فضممت للتحريك. قال أبو علي: إذا خفّفت الهمزة، من (جُي)، حذفت، وألقي حركتها على الياء لسكونها، فإذا ألقي عليها حركة الهمزة تحركت، فإذا تحركتْ [195/ب] لم تنقلب واوًا إذا سكنتْ، ألا ترى أنك تقول: (مُوقِنٌ) فتقلب وتقول: (مُيَيْقِنٌ) فتصحح، وإذا لم تنقلب الياء واوًا لم تبدل من الضمة كسرة، لأن تحرك الياء يمنعها أن تنقلب واوًا. قال سيبويه: وتقول في (فُعْلُلٍ) من (جِئْتُ): جُوءٍ.

قال أبو علي: إذا بني (فُعْلُلٍ) من جِئْتُ فأوّل بنائه (جُوؤُؤٌ)، ويلزم قلب الياء الثانية واوًا، فيصير (جُوؤُؤٌ)، ثم يلزم قلب الضمة كسرة والواو ياء كما فُعِل في (أوّلٍ) فيصير (جُوءٍ)، فإذا خففت الهمزة حذفت وألقيت حركتها على الساكن لسكون ما قبلها، وردت الياء التي هي عين، المنقلبة في التحقيق واوًا لزوال العلة التي لها، انقلبت فيه واوًا، وهي انضمام ما قبلها وسكونها. قال سيبويه: وليس ذا بمنزلة غُزْيَ. قال: يقول: ليس الواو في (جُوْءٍ) كالياء في (غُزْيَ)، فيلزمه في تخفيف الهمزة، فتقول (جُويَ)، ولا يردّ الياء كما لم يردّ الواو في غُزْيَ.

ومن باب ما يخرج على الأصل إذا لم يكن حرف إعراب

ومن باب ما يخرج على الأصل إذا لم يكن حرف إعرابٍ قال أبو علي: (عَظاءَة) لم يصحّ اللام فيها، لأنه بني على التذكير فدخلت تاء التأنيث عليه، وقد لزم الإعلال وقلب اللام همزة. قال: فأمّا (إداوةٌ) فصحّت اللام فيها، لأنها بنيت على التأنيث ولم تكن (كعَظاءَةٍ) الذي دخله التأنيث بعد التذكير، لكنها صِيغت على التأنيث في أول حالها، ومثل ذلك ثنايان، بني على

التثنية، كما بني (إداوة) على التأنيث، لولا ذلك لهمزت، لأن هذه الياء لا تصح بعد الألف الزائدة وكذلك الواو، وكذلك (مِذْرَوان) صحت الواو فيه للزوم الزيادة وأنه عليها بُني، ولولا ذلك لانقلبت الواو ياءً، كما تنقلب في (مَغْزَيانِ) لوقوعها رابعة. قال سيبويه: فحركوا، كما قالوا: رَمَيا، وغَزَوا، وكرهُوا الحذف مخافة الالتباس. قال: إنما ذكر الحذف لأنه لو أعلّ اللام بالقلب من (رمَيا) ومن (النَّفَيان) لاجتمع ساكنان، ولزم حذف الأول، فالتبس (فَعَلان) بفَعَال،

وفعل الاثنين بفعل الواحد مثل (رَمَيا). قال سيبويه: وقالوا: قِنْيَةٌ للكسرة وبينهما حرف. قال أبو علي: مثل (قِنْيَةٍ) قولهم: هو ابن عمِّه دِنْيًا، وكان أبو إسحاق الزجاج يقول: هو مأخوذ من الدُّنُوّ، إلا أن الواو قلبت ياء للكسرة، وأنه اجتمع إلى سكون الحاجز أنه خفي.

ومن باب ما إذا التقت فيه الهمزة والياء قلبت الهمزة ياء والياء ألفا

ومن باب ما إذا التقت فيه الهمزةُ والياءُ قُلبت الهمزةُ ياءً والياءُ ألفًا أي أبدلت الياء من الياء التي هي لام الفعل، أو منقلبة عن الواو التي هي لام. قال أبو علي: (مَطِيَّة)، حكمه مَطِيوَةٌ، إلا أن الواو قلبت ياءً لوقوع ياء ساكنة قبلها، فإذا جمع لزم أن تقلب ياء (فَعِيلة) همزة، كما تقلب في (صحائِف) فتصير (مَطائِيى)، فتجتمع همزة وياء، ثم تبدل من اللام ألفٌ كما تبدل منه في (مَدارى)، فتصير [196/أ] (مَطاأأ)، ثم تبدل من الهمزة الياء لاجتماع متجانسات، فيصير (مَطايا)، فهذا تقدير عمله وإن لم يسمع إلا هكذا. قال سيبويه: والهمزة قد تُقلب وحدها، ويلزمها الإعلال.

قال: هذا مثل ذِئْبٍ ورأسٍ إذا خففت الهمزة فيهما. قال سيبويه: وكما قالوا (حَبالى)، ليكون آخره كآخر واحده، وليست بألف التأنيث. يقول: ليست الألف الأخيرة من (حَبالى) للتأنيث كما كانت في الواحد، لأن هذه العلامة لا تلحق الجمع إنما تلحق الآحاد. قال سيبويه: ولم يفعلوا هذا في جاءٍ. قال أبو علي: يقول: لم تقلب الياء في (جاءي) ألفًا ولا الهمزة ياءً كما قلبتا في (مَطايا) ونحوه، لأن هذا القلب فُعِلَ في الجموع دون

الآحاد، ولو أجريت الآحاد في ذلك مجرى الجموع لالتبس ما كان من باب (فاعِل) ببا (فاعَل) نحو (طابَقَ)، وليس في الكلام على مثال (مَفاعَل)، فيلتبس الجمع. قال: كما أن صحائِف ورَسائل نظيره مَطايا وأداوى. قال: يقول: لأنه يجب أن يهمز (مَطايا)، و (أداوَى) كما همز صحائف ورسائل. قال سيبويه: فهمزتها بمنزلة همزة فَعالٍ من حَيِيتُ، فتثبت همزته، ولا يُبدلُ منها شيءٌ. قال: (وإن جمعت قلت: مَطاءٍ) وغيره مما الهمزة في واحده ثابتة، قلت: مَطاءٍ فصحَّحْتَ الهمز في الجمع، ولم تبدل من الهمزة ياءٌ، ولا من الياء ألفًا كما فعلت ذلك في جمع (مَطِيَّة) لأن الهمزة فيها إذا كان جمع (مَطاءٍ) ونحوه، (ولم تعرض في الجمع) إنما كانت ثابتة في الواحد.

قال سيبويه: (فَياعِلُ) من شَوَيْتُ وحَيِيتُ بمنزلة (فَواعِل). يقول: بمنزلته في أنك تبدل من العينين همزة، ثم تبدل من الهمزة ياء، ومن الياء التي هي لام أو منقلبة عن اللام ألفًا. قال سيبويه: وذلك لأنك تهمزة سَيِّدًا، وبَيِّعًا إذا جمعت. قال: مثّلة بسَيِّد لأنه مثله في أنّ قبل ألف الجمع ياءً، وبعدها واوًا قريبة من الطرف، فيلزم همزها، كما لزم همز العين من (سيِّد) إذا جمع، فإذا عرض الهمز في الجمع وبعدها الياء عُمل على ما تقدم. قال سيبويه: وقالوا: فُلُوَّةٌ وفَلاوَى. قال أبو علي: (فُلُوٌّ) مثل (عَجُوزٌ)، فإذا جمع وجب أن يبدل من واو (فَعُول) فيه همزة، كما يبدل من واو (عَجُوز)، فإذا أبدل منها الهمز لزم أن يقال (فَلائي)، ثم يلزم أن يقال: (فَلايا)، لاعتراض الهمز والياء بعدها، لكنه أبدل من الهمزة الواو دون الياء لثبات الواو في واحده، وكان هذا أجدر إذا أبدلت ما لا يثبت الواو في الواحد منه، كقولهم في هَدِيّةٍ:

ومن باب ما يلزم فيه بدل الياء

هَدَاوَى. قال سيبويه: أنّ له مثالاً مفتوحًا يلتبس به لو جعلته بمنزلة (فَعائِل). قال: يقول: لو جعلت (فَعائِل) و (فُواعِل) بمنزلة (فَعائِل) في إبدالك من همزته ياءً ومن كسرته فتحة، ومن يائه ألفًا لالتبس (فَعائِل) نحو (حُبارَى)، فلم ينفصل ألف التأنيث من الألف التي تنقلب عن اللام. ... ومن باب ما يلزم فيه بدل الياء [196/أ] قال سيبويه: وإنما أدخلت التاء على (غازَيْتُ ورجَّيْتُ). قال أبو علي: يقول: دخلت التاء على فعْل قد ثبت انقلاب الواو فيه ياءً لعلَّةٍ موجبة له، ولم يجب ردّ الواو، لأن أصل هذا الفعل هو الذي انقلبت الواو فيه ياء، وهذا مطاوِعُه.

قال سيبويه: وقال: قَوْقَيْتُ وضَوْضَيْتُ، بمنزلة ضَعْضَعْتُ، ولكنهم أبدلوا الياء إذ كانت رابعة. قال: ومعنى رابعة أنه إنما قلبت ياءً للزوم الانقلاب لها في المضارع، لانكسار ما قبلها وسكونها. قال أبو علي: يدل قولهم: (الحِيحاء) على أنه مصدر فَعْلَلْتُ، ولو كان فاعَلْتُ لقيل: الحِحاء مثل القِتال، والحِيحاءُ وزنه (فِعْلال). قال أبو علي: كون (غَوْغاءَ) مثل (عَوْراءَ) أن المدة فيه للتأنيث كما أنها في (عَوْراء) له، إلا أن الفاء واللام في موضع واحد مثل (سَلِسَ وقَلِقَ)، وأمّا من صَرَف فالهمزة عنده منقلبة عن واوٍ كأنه (غوْغاو)، ثم أبدل من اللام الهمزة، كما أبدل منها في (سَماءٍ) ونحوه. قال سيبويه: وكذلك الصِّيصِيَة. قال أبو علي: أنزل الصِّيصِية بمنزلة (غَوْغاءٍ) فيمن صرف، لأنه مضاعف رباعي، كما أن (غَوْغاء) كذلك، إلا أن غَوْغاء فَعْلالٌ، ووزن هذا

فِعْلِلَة. قال سيبويه: وأمّا قولهم: الفَيْفاةُ، فالألف الزائدة، لأنهم يقولون: (الفَيْفُ) في هذا المعنى. قال أبو علي: يقول: فقد اشتقوا من (الفَيْفا) ما سقطت فيه الألف، ولو كانت الألف منقلبة عن أصل، والكلمة مضاعفة مثل (القَمْقام) لم تحذف الألف كما تحذف الميم من (قمْقام)، لكن (الفَيْفاة) ثلاثي من باب (سَلِسَ وقَلِقَ)، وألحق بالألف الرباعي، كما ألحق (أرطى) بالألف به. قال سيبويه: وأمّا القِيقاءُ والزِّيزاءُ فبمنزلة العِلْباء. قال أبو علي: يريد، أن العين ليس من موضع اللام، كما أن العين في (عِلْباء) ليس من موضع اللام، وإنما لم يجز أن تكون من موضع اللام أنه لو جعل كذلك لصار مثل (القَلْقال، والزِّلْزال)، وفِعْلال المضاعف لا يكون إلا

مصدرًا وليس (القَيْقاءُ والزَّيْزاء) مصدرين أعلاّ على أنهما (فِعْلالٌ) عينهما من موضع لامهما، فاللام في (قِيقاءٍ) منقلبة عن واو، لانكسار ما قبلها وسكونها، ويدلك على ذلك قولهم: (قَواقٍ)، فهذا دليل ثان على أن العين من (قِيقاءٍ) ليس من موضع اللام، لأنه لو كان موضعه لكان (قِياقٍ)، ولو لم يسمع هذا الدليل الثاني لعلمت أن هذه الياء منقلبة عن الواو إذ لم يجئ فِعْلالٌ مضاعفًا إلا مصدرًا، وليس هذان بمصدرين لكنهما كلمتان من بنات الثلاثة، فاؤهما من موضع لامهما والعين منهما واو، والهمزة فيهما منقلبة عن ياء، والياء فيهما للإلحاق (بسِرْداحٍ)، ويدلك على أنها منقلبة عن ياءٍ ظهورها حيث ألحق بسِرْداحٍ مبنيّة على التأنيث في ذلك (دِرْحايَة)، فالهمزة هنا كالياء هناك [197/أ] إلا أنها انقلبت همزة فيهما، لأنهما مبنيّان على التذكير.

وقال سيبويه: وأمّا (المَرروْراةُ)، فبمنزلة (الشَّجَوْجاة)، وهما بمنزلة (صَمَحْمَحٍ)، ولا تجعلهما على (عثَوْثَل)، لأن مثل (صَمَحْمَح) أكثر. يقول: لا تجعل (مَرَوْراة) على (فَعَوْعَلٍ)، ولكن احمله على (فَعَلْعَلٍ)، وأجاز فيما تقدم أن يكون قَطَوْطىً فَعَلْعَلاً. وأجاز أبو عمرو أن يكون على الوزنين جميعًا.

ومن باب ما جاء على أن فعلت منه مثل بعت

ومن بنات التّضعيف في بنات الياء قال أبو علي: مصدر (فَعَّلْتُ) على ضربين: على (تَفْعِيل)، وعلى (تَفْعِلَة)، والتاء في (تفعِلة) التي للتأنيث عوضٌ من ياء (تَفْعِيل) إلا أنه رُفض (تَفْعِيل) في مصدر (فَعَّلْتُ) من (حَيِيَ) لمّا كان يودي إليه من اجتماع ثلاث ياءاتٍ في آخر الكلمة واجتماعهن في الأواخر مُطَّرح غير مستعمل، ألا ترى أنّك لو صغرت (أحْوَى) على قول من قال: (أسَيِّد) لحذفت الأخيرة التي هي لامٌ لذلك فقلت: (أحَيٌّ)، فاعلم. ... ومن باب ما جاء على أنّ فَعَلْتُ منه مثل بِعْتُ قال أبو علي: أي أنه معتل بالعين، كما أن (بِعْتُ) معتل العين. قال سيبويه: وإن كان لم يستعمل في الكلام. قال سيبويه: لأنهم لو فعلوا ذلك صاروا بعد الاعتلال إلى الاعتلال والالتباس.

قال أبو علي: يقول: لأنه إذا قيل منه (يفعُل) اعتلت العينُ واللام منه جميعًا كما مثّله. قال سيبويه: فكرهوا ذلك، كما كرهوا في التضعيف. يقول: إن المضاعف كُره ضمة اللام فيه نحو غيره من المضاعف كيَعْيَا، لأنه لم يقول فيه يَعِيّ. قال سيبويه: كرهُوا هذا الاعتماد على الحرف. قال: ذهب إلى أن الحرف المدغم معتمد عليه. قال سيبويه: فإن حذفت فقلت: (يَحْي)، أدركته علّة لا تقع في كلامهم. يعني بالعلة، إعلال العين واللام، فقد حذفت العين وأسكنت اللام.

قال سيبويه: فمما جاء في الكلام على أن فِعْلَهُ مثل (بِعْتُ) آيٌ وغايةٌ وآيةٌ. قال أبو علي: (آية) ونحوها مثل (حَيِيَ) في أن العين واللام حرفا اعتلال وكان يلزم أن يكون المعتلّ من (آيةٍ) اللام دون العين، كما أنّه من (حَيِيَ وَقَوِيَ) هي المعتلة دون العين، لكنها جاءت مخالفة لحَيِيَ فاعتلت عينُها، فلما جاءت معتلة العين قال: كأنّ فِعْلَهُ مثل (باعَ)، فإن لم يجئ الفعل كذلك لما كان يؤدي إليه من الاعتلال الخارج عن منهاج ما يكون عليه الكلام في المضارع. قال أبو علي: والدليل على أن هذه الكلمات معتلة العين وقوع الألف في مواضع عيناتها، والألف لا تكون إلا منقلبة عن ياءٍ أو واوٍ.

قال سيبويه: ولم يشذ هذا في (فَعِلْتُ) لكثرة تصرّف الفعل. قال أبو علي: أي لم يجئ شيء في الفعل على الأصل [197/ب] نحو خَوِفَ زيدٌ كما جاء في الاسم نحو (رَوِع، وقَوَد). قال سيبويه: وقال غيره: إنما هي أيَّةٌ وأيٌّ، (فَعْلٌ) ولكنهم قلبوا الياء. قال أبو علي: هذا القلب في (أيَّةٍ) على غير قول الخليل لالتقاء المثلين لا أنّ ما يوجب القلب مطّردٌ موجودٌ فيه، ألا ترى أن العين ساكنة ليست في موضع حركة، فإذا لم تكن في موضع حركة لم يلزمها القلب، على أنه قد جاء حاحَيْتُ في حَيْحَيْتُ، وطائِيٌّ في طَيْئِيٌّ، إلا أنّه {قيل}: أيَّة، على أنه قلب لالتقاء المثلين فيه، كما قلب من (الحَيوان) لامه لذلك، ومن

(ذَوائِب) همزته التي هي عين واوًا، - والدليل على أن أصل هذه الواو همزة قولك: (ذُؤابَةٌ). قال سيبويه: كما قالوا: الحَيوان. قال أبو علي: الحَيَوانُ من حَيِيَ يَحْيا، فاللام منه ياءٌ، إلا أنّها قلبت واوًا لاجتماع الياءين. وقال أبو علي: كان حكم (حَيوان) أن يكون في مذهب أبي العباس (حايان) لولا أن الاعتلال في هذا النحو يجب أن يكون في اللام دون العين، لأنه يذهب إلى أن المطّرد في بابه (جَوَلان)، وما كان في آخره هاتان الزيادتان الإعلال، لأنه يوافق الصدرُ منه بابًا وما أشبهه، فوجب عنده أن يعتل كما اعتلّ (دارانُ وهامان) و (جَيَران)، وتقول: خرج بالزيادتين عن شبه الفعل وبنائِه ألا ترى أن (قالَ) لا تلحقه هاتان

الزيادتان، لأنه (فَعْلٌ) ويجعل (داران) ونحوه شاذًا. وفي كلا القولين وجب أن تصحّ العين من (حَيَوانٍ)، لاعتلال اللام بانقلابها واوًا، وكان اللام أوْلى بالاعتلال من العين، لأن التغيير له ألزم، والتكرير به يقع. قال سيبويه: ولا يكون الاعتلال في فَعَلْتُ. قال: يريد في فَعَلْتُ من (حَيِيتُ)، أي لم يجئ (حَيِتُ)، وإن كان (أيَةٌ) (واسْتَحيْتُ) ونحوهما جاءت على أن الفعل منه معتل، كما لم يجئ (فَعَلْتُ) من (القَوَدِ) ونحوه على (قَوَدْتُ)، وإن كان (قَوَدٌ) الذي هو الاسم جاء على تقدير أنّ (فَعَلْتُ) منه صحيح العين. قال سيبويه: كما رفضوا أن يكون من (يَوْمٍ: يُمْتُ)، كراهية

لاجتماع ما يستثقلون في يَيُوِمُ. قال سيبويه: لأن الواو تَحْيا ولم تعتل في يَلْوِي كيَيْجَلُ. قال: لم تعتل الواو مع الياء في (يَلْوِي)، ولم تقلب ياء، كما اعتلت مع الياء في (يَوْجَل) فقلبت ياء. قال سيبويه: فقُلبت ياءً كما قُلبت أولاً. قال: يقول: قلبت الواو ياءً في (يَوْجَل) ثانية كما قلبت أولاً في (رَيَّا).

ومن باب التضعيف في {بنات} الواو

ومن باب التضعيف في {بنات} الواو قال سيبويه: طرحُوا هذا من الكلام مُبْدلاً، وعلى الأصل. قال أبو علي: لم يجئ مثل (وَعِيتُ) وأصله (وَعَوْتُ) كما جاء مثل (قَوِيتُ) وأصله (قَوَوْتُ)، فلم يجئ (وَعِيتُ) مبدلاً، ولا (وَعَوْتُ) على الأصل [198/أ]. قال: حيث كان مثل (قَلِقَ وسَلِسَ) أقلّ من مثل (رَدَدْتُ وصَمِمْتُ). قال: يقول: إن الذي ضوعف فاؤه ولامه أقل مما ضوعف عينه ولامه، فلما قلّ تضعيف الواو في باب المضاعف الأكثر وجب ألا يكون في باب المضاعف الأقل منه شيء ألبتة.

قال سيبويه: وإن شئت أخفيت كما تخفي أن يُحْيِيَ. قال أبو علي: الإخفاء حال بين الحركة والسكون، والتحريك عليها أغلب، لأنها تعدُّ متحركًا في وزن الشعر، وقد يناسب السكون أيضًا، لأنه إذا وقع حرف بعده حرف مثله بين ساكنين لم يَخْف، لا يجوز الإخفاء في مثل (ارْدُدْ). قال سيبويه: كما قُلت قد حُيَّ فيه وأحِيَّ فيه. قال أبو علي: أدغمت اللام الأولى من (أرْمُوي) للزوم الحركة الثانية وإذا لزمت الحركة الحرف المضاعف جاز الإدغام والبيان كقولك "حَيَّى عن بَيِّنةٍ" و (حَيِيَ عن بَيِّنَةٍ)، فاللام من (أرْمُويّ) بمنزلة اللام من (حَيِيَ) للزوم الحركة إيَّاها.

قال سيبويه: ولا تقلب الواو ياءً، لأنها كواو سُويِرَ. قال: وتقول (قد ارْمايَوا) كما تقول: قد أحْيَوا. قال أبو علي: (ارمايَوا) أصل وزنه (افْعالَلُوا)، إلا أن اللام الثانية حذفت لما كان يلزم تحريكها بالضم، لأنها تسكن حيث تنكسرُ فيه أو تنضمّ، فإذا سُكنت وجب حذفها لالتقاء الساكنين. قال: والمصدر ارْمِيَّاءٌ وارمِيَاءٌ، واحْيِيَّاء. قال ابو علي: ارْمِيَّاءٌ، واحْيِيَّاءٌ، مثل اشْهِيباب، وأرمِياء مثل أشْهِباب. قال سيبويه: وذلك قول العرب: قد احْواوَت الشَّاةُ، واحْواوَيْتُ.

قالوا: فالواو بمنزلة واو غَزَوْتُ. قال أبو علي: قوله: فالواو بمنزلة واو (غَزَوْتُ)، أي الواو التي هي اللام الأولى من (افْعالَلْتُ) تصحّ كما في (افْعالَلْتُ) من (غَزَوْتُ) إذا قلت: (اغْزاوَيْتُ)، فأمّا اللام الثانية التي هي واوٌ من (افْعالَلْتُ) من الحُوّة، فإنها تنقلب ياء، كما تنقلب اللام الثانية التي هي واوٌ ياءً في (افْعالَلْتُ) من (غَزَوْتُ) حين قلتَ: (اغْزاوَيْتُ). قال سيبويه: والمصدر (احْوِيَّاء) لأن الياء تقلبها. قال أبو العباس: الأجود (أحْوِيْواء)، وأن تصح الواو في المصدر كما صحّت في الفعل، حكاه أبو زيد الأنصاري.

قال سيبويه: وتقول في (فُعْلٍ) من شَوَيْتُ: (شِيٌّ). قال أبو علي: (شِيٌّ) بمنزلة ما بعد الفاء من (عُصِيّ) ونحوه. قال سيبويه: ألا ترى أنها لو كانت في قافية مع (عُمْيٍ) جاز. قال أبو علي: لو كانت (شِيٌّ) في قافية مع (عُمْيٍ) جاز، لأنه لا مَدّ فيه، كما [198/ب] أنه لا مدّ في الميم من (عُمْيٍ). قال سيبويه: ولم يجعلوها كتاء (عُتِيّ) وصاد (عُصِيٍّ). قال أبو علي: يقول: لم يجعلوا الفاء من (فُعْلٍ) من (شَوَيْتُ) كالعين من (عُصِيٍّ)، و (دُلِيّ) كما ألزم صاد (عُصِيّ)، وذلك أن صاد (عُصِيّ) أصله الضم، كما أن أصل (فُعْلٍ) من (شَوَيْتُ وحَييتُ) الضمّ، فجاز في الفاء الذي أصله الضم أن يُضم ويكسر ولم يجز في العين الذي أصله الضم إذا وليها الياء أن يضم لشبهه بلام (أدْلٍ)، لأن الساكن في

باب المحاجزة ليس كالمتحرك، فكان آخر الاسم من (عُصِيّ) واوٌ، وقبلها ضمة فلزم إبدال الضمة الكسرة. قال سيبويه: ومثل ذلك من قولهم: رِيّا، ورِيَّةٌ، الفصل. قال أبو علي: الأصل (رُؤْيا)، ثم يخفف الهمز، فيصير (رُويا)، ثم تدغم الواو في الياء تشبيهًا بالواو الأصلي فيصير (رُيَّا)، ثم تبدل من الضمة كسرة، كما تبدل من (لُيّ)، فيصير (رُيّا)، فكسر الراء في (رِيّا) أردأ من ضمّها، لأنه يجعلها أقعد في باب ما أصل عينه الياء، وليس أصله الياء إنما هي همزة محقّقة. قال سيبويه: كما أنّهم إذا قالوا: لم يكن الرّجل، فكانت في موضع تحرُّك لم تحذف.

ومن باب ما قيس من المعتل من بنات الياء والواو

قال أبو علي: إنما تحذف النون من (يَكُنْ) في مثل (لم يَكُ) بمشابهته الياء والواو في السكون وغير ذلك، فكما تحذف الياء والواو الساكنتان في الجزم والوقف، كذلك حذفت هذه النون، وإذا تحركت بَعُدَ شَبَهُها من الياء والواو. ... ومن باب ما قيسَ من المعتلّ من بنات الياء والواو قال سيبويه: فإنما أمرها كأمر (رَحَى) في الإضافة. أي، في أنه يبدل من الأولى واوٌ كما يبدل من لام (رَحَى) في النسب فيقال: رَحَوِيٌّ. قال سيبويه: لأنك تقلب الواو ياءً، فيصير إلى مثل حال (فَعَلِيلٍ).

قال أبو علي: أصل مثال (حَلَكُوكٍ) من رَمَيْتُ رَمَيُويٌ، ثم تُدْغِمُ واو (فَعَلُولٍ) في لامه الثانية فيصير (رَمَييٌّ)، ثم تبدل من الضمة كسرةً، كما تبدل منها في (مَرْمِيٌّ) فيصير (رَمَيِيٌّ)، ويوافق مثال (صَمَكِيك) الذي هو على (فَعَلِيل). قال سيبويه: فألزم هذا التغيير، كما ألزم مثل مَحَنيَّةٍ. قال أبو علي: يقول: إذا أبدل الواو التي هي عينٌ ياء في (ثِيَرةٍ) ونحوها لا في انكسار ما قبلها، لزم إلزام الواو التي هي لام القلب إذا انكسر ما قبلها، لأن اللام أدْخَلُ في الإعلال من العين.

قال سيبويه: إلا أن تقول: مَشْقِيٌّ فيمن قال: أرضٌ مَسْنِيَّة. قال أبو علي: يقول: من قال: (مَسْنِيَّة) فقلب الواو ياء، {قال} إنما فعلتُ ذلك لوقوع الواو طرفًا، وأن ما قبلها ضمة، وليس بينهما إلا حرف ساكن، فلأنّ الضمة وَلِيَت الواوَ، فلزم قلبها في (أدْلٍ). قال سيبويه: تُغَيِّر ما غَيَّرْتَ من (فُعْلُولٍ) من غَزَوْتُ [199/أ] قال أبو علي: تجتمع في (فُعْلُولٍ) من قَوِيتُ أربع واواتٍ، الأولى عين والثانية لام الأولى من (فُعْلُول) والثالثة واو (فُعْلُول)، والرابعة لامها الثانية، فلزم قلب الأخيرة ياء كما لزم قلبها في (مَفْعُول) من (قَوِيتُ)، فإذا لزم قلبُها لزم قلب واو (فُعْلُول) ياء لسكونها فيصير (قُوُيٌّ)، ثم تبدل من الضمة كسرة.

قال سيبويه: وتقول في (فُعْلُولٍ) من شَوَيْتُ وطَوَيْتُ: شُووِيٌّ وطُووِيٌّ. قال أبو علي: إذا بنيت من شَوَيْتُ (فُعْلُول)، وجب أولاً أن تقول: (شُويُويٌ)، ثم يجب أن تقلب الواو الأولى ياءً، وتدغمها في الياء التي هي اللام فيصير (شُيُّويٌّ)، ثم تفعل بالواو والياء الأخيرتين من القلب والإدغام ما فعلت بالأوّليين، فيصير (شُيُّيٌّ)، ثم تبدل من الضمة التي هي لام (فُعْلُول) كسرة، لوقوعها قبل ياء ساكنة كما قلبتها كسرة في (مَرْمِيّ) فتصير (شُيُّيٌّ)، فيوافق (ليَّة) إذا أضفت إليها في أنّه تجتمع أربع ياءات، الثانية منهن مكسورة، فحركت العين بالفتح كما حركتها من (لَيَّةٍ) – بالإضافة فقلت: (شُوَوِيٌّ) كما قلت: (لُوَوِيٌّ)، وأبدلت من الياء التي هي اللام الأولى من (فُعْلُول) من (طوَيْتُ) واوًا، كما أبدلتها منها في (ليَّةٍ) مضافًا إليها. قال سيبويه: وكذلك (فَيْعُولٌ) من (طَويْتُ) إلى قوله: وذلك قولك: طَيَوِيٌّ. قال أبو علي: حركت ياء (فَيْعُولٍ) بالفتح كما حركت الياء الأولى من (حَيَّةٍ) بالفتح حين قلت: (حَيَوِيّ).

قال سيبويه: يقال في فُعْلُولٍ: (طُيُّيٌّ) فيمن قال: لُيٌّ، وطِيِّيٌّ فيمن قال: لِيٌّ. قال أبو علي: لما أدغم العين في اللام وانقلب ياء زال المدّ بالإدغام، فجاز أن تضم الفاء من (لُيٍّ)، وإن لم يجز أن تضم في (بِيضٍ). فأما وجه قول من كسر فقال: (لِيٌّ): فلأنَّ بعد الفاء ياءً ساكنة، فكسر الفاء منه كما كسره من (بِيضٍ) وطُيٌّ من (طَيٌّ) بمنزلة (لُيٍّ)، فيجوز فيه ما يجوز فيه من كسر الفاء وضمة. قال سيبويه: وإنّما منعهم أن تعتل الواو وتسكّن في مثل (قَوِيتُ) ما وصفت لك في (حَيِيتُ). قال: يعني ما ذكره في باب (حَيِيتُ) من أنّه لو أعِلَّ العينُ في (حَيِيَ) للزم أن يقول: حِيتُ {و} في المضارع (يَحِي)، فيلبتس بباب

(يَعِي) مع ما يلحق من الإجحاف، وكذلك لو أعلّ العينُ من (قَوِيتُ) لوجب أن تلقى حركتها على الفاء وتحذف كما فُعِلَ ذلك في (خِفْتُ) فصار (قِيتُ). قال سيبويه: لأن هذا الضرب لا يُدغمُ في (رَددتُّ). قال أبو علي: أي في باب (رَددتُّ) بني منه اسم على مثال (فَعَلٍ)، لأن مثال (فَعَلٍ) لا يدغم نحو (طَلَلٍ وشَرَرٍ ومَدَدٍ). قال سيبويه: ومَنْ قال: "حَيِيَ عن بَيِّنَةٍ"، قال: قَوُوانٌ. قال أبو العباس: (قَوُوانٌ) غلط، ينبغي إن لم يُدغم أن يقول: (قَوِيانٌ) فيكسر الأولى ويقلب [199/ب] الثانية ياءً، لأنه لا يجتمع واوان في إحداهما ضمة والأخرى متحركة، وهذا قول أبي عمر وجميع

أهل العلم. قال سيبويه: فصارت الأولى على الأصل. قال أبو علي: فصارت على الأصل أي صارت الياء التي هي العين من (حَيَوانٍ) على الأصل لما اعتلت اللام التي هي الياء الثانية بانقلابها واوًا، كما صارت اللام التي هي العين من (مُمْلِي). على الأصل لما اعتلت اللام التي هي لام بانقلابها ياءً، وقد كانت العين أعلّت بحذف الحركة منه للإدغام قبل إعلال اللام في قولك: (مُمِلّ) فاعلم. قال سيبويه: ولا تُدغِم في قَوِيتُ، تقول: قَوِيانٌ، لأنّك تقلب اللام ياءً.

قال أبو علي: (قَوِيانٌ) قد أعلّت فيه اللامُ بقلبها ياءً، فلا تعِلّ العينَ منه، ولا تدغمه في اللام. قال سيبويه: ولا تُقلب الواو ياءً، لأنّك لا تلزمُ الإسكان. قال أبو علي: يقول: لا تقلب الواو من (قَوِيان) ياءً، لأنّك وإن أسكنته فأنت تنوي به الحركة. قال سيبويه: ومن قال: رُيَّةٌ في رُؤْيَةٍ قلبها فقال: قَيَّانٌ. قال أبو علي: الذي يقول: (رُيَّة) في (رُؤْيَةٍ) فقد حذف الهمزة وأبدل منها واوًا، ثم شبه الواو المبدلة من الهمزة بالواو الأصلي فقلبها ياءً لكي يدغمها في الياء كما يفعل ذلك بما ليس بمتحرك في الأصل، وذلك في (قِيّانٍ) ونحوه. قال سيبويه: وتقول في (فَيْعِلانٍ) من (حَيِيتُ وقَوِيتُ وشَوَيْتُ):

حيّانٌ وشَيّانق وقَيّانٌ. قال أبو علي: (شَيّانٌ) ها هنا أصله (شَيْوَيانٌ)، ثم تقلب الواو التي هي عينٌ ياء، وتدغم ياء (فَيْعِلان) فيه، فيصير (شَيِّيان)، ثم تحذف التي هي لام لاجتماع ثلاث ياءات، كما تحذف من (غِطاءٍ وأحْوَى) إذا صغر على (أسَيِّد) الياء الثالثة كذلك، وإنما حذفت الثالثة في (فَيْعِلان)، لأنه وإن لم يكن آخر الاسم، فهو بمنزلة ألف النصب، وتاء التأنيث في مثل (عُطيّا وسُوَيَّةٍ) تحذف مع الألف والنون كما تحذفه معها لاجتماعهن في أنهن زوائد، وأن ما قبلهنّ مفتوح، وأن آخر الاسم والذي هو اللام هو الثالثة التي يجب حذفها. قال سيبويه: لم تَعْدُ إن كانت كألف النّصب والهاء، لأنهما يُخرجان الياء في فاعِل ونحوه.

قال أبو علي: الهاء وألف النصب يخرجان الياء إلى اللفظ، وتتحرك قبلهما في مثل (قاضِيَةٍ وقاضِيًا) ونحوه، كما يخرجها الألف والنون في مثل (رَيْمِيان، وأشَيْئِآن) ونحوهما مما هو على (فَيْعِلان وأفَيْعِلان) ونحو ذلك. قال سيبويه: وجعلتها في الاسم بمنزلتها في (سَرُوَ) في أن صحَّحْتَها، كما صححتها في (سَرُوَ). قال سيبويه: وتقول في (فُعْلَةٍ) من (رَمَيْتُ وغَزَوْتُ) إذا لم تكن مؤنَّثَة [200/أ] على فُعُلٍ. قال أبو علي: يقول: إذا لم يكن تأنيثه بعد التذكير، ولكن إذا كان أول صيغته للتأنيث.

قال سيبويه: ألا ترى أن الواحدة (خُطْوَةٌ)، فهذا بمنزلة (فُعْلَة) وليس لها مذكر. قال أبو علي: يقول: (خُطْواتٌ) بمنزلة (فُعُلَة)، مصوغة في أوّل حالها على التأنيث، ولا مذكّر لها، ألا ترى أنك لا تقول فيه (خُطْوٌ)، ولا تنفصل من الألف والتاء كما تنفصل (قَمَحْدُوَة) من علامة التأنيث، فلذلك ثبتت الواو فيها وقبلها ضمة كما ثبتت في (قَمَحْدُوَةٍ). قال سيبويه: فإنّ قياس ذلك في كُلْيَةٍ كُلْواتٌ. قال أبو علي: إنما لزم أن يقال: (كُلُواتٌ)، لأنه يحرك العين بالضمّ كما يحركها في (ظُلُمات)، فإذا ضمها انقلبت الياء واوًا للضمة.

قال سيبويه: كما خففوا (فُعُل) من باب (بُونٍ). قال أبو علي: يقول: خففت (فُعُلاتٌ) من الياء كما خففت (فُعُلٌ) من نحو (بُوانٍ وبُونٍ)، إذ كان التخفيف يجوز في كل واحد منهما قبل الإعلال، وذلك (ظُلْماتٌ ورُسْلٌ)، وهذا الجمع أعني ما كان على مُحرّك العين. قال سيبويه: فإذا خالفتِ الحركةُ فكأنّهما حرفان من موضعين متقاربين. قال أبو علي: أي إذا خالفت الحركة الحرف، فوقعت الكسرة مع الواو، والضمة مع الياءن لزم أن تبدِلَ الحرفَ بحسب الحركة، إن كان واوًا قبلها كسرة قلبتْ ياءً، وإن كانت ياءً وقبلها ضمة لزم أن تُقلب واوًا، وإن لم تقلب كان مستثقلاً، كما أن المتقاربين إذا اجتمعا وسكن الأول منهما لزم الإدغام فيهما وإلا استثقل، ألا ترى أنه يُتجشَّم في مصدر (وَتَدْتُ):

(وَتْدًا)؛ فيستعمل (تِدَةً)؛ كراهية لاجتماع المتقاربين، وما يلزم فيهما من الإدغام المؤدي إلى الالتباس أو الاستثقال إن لم يدغم، فكذلك سبيل الضمة مع الياء، والكسرة مع الواو في (جِرْوَةٍ ومُدْيَةٍ) إذا جمعتا بالياء. قال سيبويه: وفُعْلُلَةٌ من (رَمَيْتُ) بمنزلة فُعْلُوَةٍ، وتفسيرها تفسيرها. قال أبو علي: أي تقول فيه: (رُمْيُوَةٌ) إن بنيته على التأنيث، (ورُمْيِيَةٌ) إن بنيته على التذكير. قال سيبويه: وتقول في مثل (مَلَكُوتٍ) من (رَمَيْتُ): (رَمَوْتٌ)، ومن (غَزَوْتُ: غَزَوْتٌ).

قال أبو علي: أصل (مَلَكُوتٍ) من (رميتُ وغَزَوْتُ: رَمَيُوتٌ وغَزَوُوتٌ) كما أن أصل (فَعَلُوا: رَمَيُوا)، ويَفْعلون: يَغْزُوُونَ)، فحذفت الياء واواو اللذين هما لامان من مثال (مَلَكُوتٍ) من (رَمَيْتُ) لما لزم تحريكهما بالضم، كما حذفتهما من (فَعَلُوا وتَفْعَلُونَ) لمّا لزم تحريكهما به، (فرَمَوْتُ) من الفعل (فَعَوْتُ)، وإنما جعلت (فَعَلُوت) من (رَمَيْتُ) بمنزلة (فَعَلُوا ويفْعَلُونَ) كما جعلت (فَعَلان) بمنزلة (فَعَلا) للاثنين لما لزم تحريكه بالضم حذَفْتَ كحذفك في (فَعَلُوا)، كما أنه لما لزم تحريكُه بالفتح أثبتَّ لإثباتكَ إياها في (فَعَلا) فقلت: (رَمَيانِ)، كما قلت: (رَميَيَا)، وكما أجريت (فَعَلان) بمنزلة (فَعَلا)، كذلك أجريت فَعَلِيلٌ [200/ب] بمنزلة (فعلِيّ)، فقلبت اللام واوًا كما قلبتها في (فَعَلِيّ)، فقلت في مثل (حَمَصِيصٍ): (رَمَوِيّ)، كما قلت في النسب إلى (رَحَى: رَحَوِيّ)، وليست هذه الكلمة في نسخة أبي العباس. قال سيبويه: ولم يحذفوا، لأنهم لو حذفوا لالتبس ما العين فيه مكسورة بما العين فيه مفتوحة.

قال أبو علي: لو حذفوا اللام من (فَعَلان) لالتبس (فَعَلانٌ بفَعِلانٍ) لأنه كان يلزم أن يقال في (فَعَلان وفَعِلان) جميعًا (وفَعُلان) أيضًا: (رَمانٌ) فتفتح العين في جميع ذلك، لوقوعها قبل ألف (فَعَلان)، فهذا الذي يعني، ويبعد أن تريد بذلك في (عَمٍ عَمَوِيّ) كما تقول في (رَحَوِيّ)، فإنما الذي كان يقع فيه اللبسُ (فَعَلان). قال سيبويه: ولو كان الأمر كذلك لم تقل في أفْعُولَةٍ: أدْعُوّة. أي، لو قلت في فَوْعَلَّةٍ: غَوْزِيَّة، لأنك تقول: غَوْزِيتُ في الفعل، لقلت في أفْعُولَةٍ: أدْعِيَّة، لأنّك تقول: أدْعَيْتُ فتقلبها في الفعل ياءً، فليست تجري هذه الأشياء على الفعل فتُعِلّها عليه، إنما تشتقها من المصدر، ولا تتعرض فيها للفعل.

قال سيبويه: ولكنّك إنّما تجيء بهذه الأشياء التي ليست على الأفعال المزيدة على الأصل، لا على الأفعال التي تكون فيها الزيادة. قال أبو علي: يقول: لا تعلّ الأسماء التي هي غير جارية على الفعل وإن استوت زيادتها مع الفعل بزيادته، فأنت وإن أعْلَلْتَ (أدْعَيْتُ) فلا تُعِلُّ (أدْعُوَّة)، لأن (إدْعُوَّة) غير مأخوذة من (أدْعَيْتُ) ولا جارية عليها، فيلزم إعلالها لاعتلاله، كما يلزم اعتلال (قائِم) ليقوم، إنما تؤخذ هذه الأسماء التي هي نحو (أدْعُوّ) التي هي (الغَزْوُ والدَّعْوَةُ) ونحوه، فكما لا تعلّ الواو في المصدر، كذلك لا تعل هذه. قال سيبويه: ولكنّها على الأصل كما كانت (مَغْزَوٌّ) ونحوه على الأصل. أي، لا يعتلّ كما لم يعتلّ (مَغْزُوّ) ونحوه. قال سيبويه: وتقول في نحو (كَواللٍ) من رَمَيْتُ رَوَمْيًا. قال أبو علي: أصله: (رَوَمْيَيٌ وغَوَزْوَوٌ)، إلا أنّ اللامين الآخرتين تنقلبان ألفين، كما تنقلبان من (رَحَى وعَصًا)، فتسقطان مع التنوين

لالتقاء الساكنين. قال سيبويه: ولو قالوا: (فَعُّلٌ) من (صُمْتُ)، لم يقولوا: صَيِّمٌ كما قالوا: صُيَّمٌ. قال: يقول: لا تُقلب الواو ياءً إذا انفتح ما قبلها كما تُقلب إذا انضمّ ما قبلها، فعلى هذا تقول في (فِعْوَلٌ): (غِزْوَوْوٌ)، فلا تقلبها ياءً كما تقلبها في (عُتِيٌّ) ونحوه؛ ألا ترى أنك تقول في (فَعَّلٌ) من الصوم: (صَوَّمٌ)، ولا تقلبها ياء لانفتاح ما قبلها، كما تقلبها ياءً في (صُيَّمٍ) لانضمام ما قبلها؟!. قال سيبويه: وكَعِثْوَلٌّ من قَوِيتُ: قِيَّوٌّ، وكان الأصل قِيْوَوٌّ.

قال أبو علي: (قِيْوَوٌ) أصله (قِيَّوٌّ)؛ لأنه من القوَّةِ، ولكنك قلبت الواو الأولى ياء، لانكسار ما قبلها، فصارت (قيْوَوٌ) [201/أ] ثم عمل بها ما ذكر سيبويه. قال سيبويه: فأجْر أوّل (وَعَيْتُ) على أوّلؤ (وَعَدتُّ)، وآخره على آخر رَمَيْتُ. قال أبو علي: مثال ذلك أنك لو بنيت من (وَعَيْتُ) مثال (فُعْلُولٍ) لقلت: (وُعْيِيٌّ)، كما أنك لو بنيت من (رَمَيْتُ) مثال (فُعْلُولٍ) لقلت: (رُمْيِيٌّ)، وإن شئت قلت: (أعْيِيٌّ)،فأبدلت الفاء همزة لانضمامها، كما تبدلها من (أعِدُ)، فقد أجريت آخره كآخر (رَمَيْتُ)، وأوله كأول (وَعَدْتُ)، وعلى هذا الطريق سائر ما تبني من المسائل. قال سيبويه: كما أن أوَيْتُ كغَوَيْتُ وشَوَيْتُ.

أي في أنك إذا بنيت من كل واحدة من (وأيْتُ) و (أوَيْتُ) أجريتهما مجرى (غَوَيْتُ وشَوَيْتُ). قال سيبويه: وتقول في فِعْلِيَةٍ من غَزَوْتُ: غِزْوِيَةٌ، ومن رَمَيْتُ رِمْيِيَةٌ، تخفي وتحقق. أي، الياء الأولى من (رِمْيِيَة)، إن شئت أخفيتها، وإن شئت بقَّيتها. قال سيبويه: وإن كانت على غير تذكير كأحْيِيَةٍ، ولكن كقُعْدُدٍ. قال أبو علي: تجري (رَمْيِيَّة) مجرى الصحيح في أن لا تدغمه، وإن اجتمع فيه مثلان، فكما لا يُدغم (قُعْدُدٌ) ونحوه مما كان ملحقًا كذلك لا يُدغم هذا، وإن بنيت (رِمْيِيَةٌ) على التأنيث في أول حاله كما بنيت (أحْيِيَة) عليه لم تدغمه كما أدغمت (أحْيِيَة) حين قلت: (أحِيَّة)، لأن (أحْيِيَة) ليس بملحق، وهذا ملحق.

ومن باب تكسير بعض ما ذكرنا على الجمع

قال سيبويه: فهي ها هنا بمنزلة مَحْنِيَةٍ. قال أبو علي: يقول: الواو في (غِزْوٍ) يلزم انقلابها ياءً لانكسار ما قبلها وأنها لام، كما يلزم انقلابها في (مَحْنيَةٍ) لذلك، انقلبت الواو إذا انكسر ما قبلها في المعتل الأقوى ياء، وذلك نحو (ثِيَرةٍ) و (حِياضٍ)، ولو بَنَيْتَ من (غَزَوْتُ) مثل (طُنُبٍ) لقلت: (غُزٌّ)، فصار مثل (فَعِلٍ) في انقلاب الواو ياء للكسرة قبلها، والكسرة في (فُعُل) من الضمة كما أبدل في (أدْلٍ) ونحوه. ... ومن باب تكسير بعض ما ذكرنا على الجمع قال سيبويه: ويجري الآخر على الأصل، لأنّ ما قبله ساكن وليس بألف. قال أبو علي: يريد بالآخر الياء الثانية أو الواو الثانية، المدغم فيها، يقول: لا يعتلاّن لأن ما قبلهما ساكن وليس بألف يعتل ما قبل بعدها طرفًا

كما تعتل الياء والواو إذ وقعتا طرفين بعد ألف في نحو (سَقّاءٍ). قال سيبويه: كما أجريت فَعَلِيلَة مجرى فَعَلِيَّة. قال أبو علي: يقول: أجريت (فَعالِيل) مجرى (فَعَليّ) في أن أبدلتَ من يائه الأولى همزة، كما أبدلتها من لام (رائيّ)، كما أجريت (فَعَلِيلة) مُجرى (فَعَلِيّة) في أن أبْدَلْتَ من لامه الأولى التي هي ياء واوًا فقلت في مثل (فَعَلِيلَة) من (رَمَيْتُ): (رَمَوِيَّة)، كما أبدلت من لام (رَحَى) في النسب واوًا حين قلت: (رَحَوِيّ). قال سيبويه: حتى حذفوا إحداهما، فقالوا أثافٍ ومَعاطٍ [201/ب]. قال: كان قياسه أثافِيٌّ، ومَعاطِيٌّ فحذفت إحدى الياءين.

قال سيبويه: ولو قال إنسانٌ: أحْذِفُ في جميع هذا. أي في جميع ما تجتمع فيه ثلاث ياءات ياءً لكان قولاً. قال سيبويه: إذ كانوا يحذفون في نحو أثافٍ، حيث كرهوا الياءين. أي إحدى الياءات، وجب أن تكون المحذوفة هي الياء الوسطى ليكون ما يبقى على مثال (مَفاعِل وفَعالِل)، ولا تحذف الثالثة، فيكون ما يبقى على مثال (فَعالِي أو مَفاعِي)، ولا يكون جمعًا لواحده المكسّر فإذا لزم حذف الياء قال في (فَعالِيلَ) من (رَمَيْتُ): (رَمايٍ) ولا يلزمه إذا ألزمه حذف إحدى الياءات أن تبدلها همزة ولا واوًا لزوال شبهه (بَرايٍّ) لحذفك إحدى الياءات. قال سيبويه: وذلك (رَاوِيٌّ في رايَةٍ) لم يحذفوا فيجريها عليها.

قال أبو علي: فيجريها عليها، أي تبدل من الياء الواو في (فَعالِيل) فتقول: (رَماوِيٌّ)، كما أبدلتها في (راوِيٌّ)، فتجري ما بعد الهمز من (رَمايٌّ) مجرى ما بعد الراء من (رايٍّ) في أنك تهمز كما تهمز هناك، وتبدل من الياء الواوَ كما تبدلها منها هناك. قال سيبويه: فمن ذلك في الجمع (مَعايا ومَدارَى ومَكاكِيّ). قال أبو علي: مَكاكِي: أصله مَكاكِيك، لأنه جمع مَكُّوكٍ، فأبدلت من الكاف التي هي لام ياء، كما أبدلت من الهاء في (دُهْدُوهَةٍ) للتضعيف ياءً، فقيل: (دُهْدِيّة)، ثم أدغم الياء من (فَعالِيل) في الياء المبدلة من الكاف، فصار (مَكاكيّ)، هذا مما غَيَّروا ولم يحذف، فكذلك يُغَيّر (فَعالِيل) من (رَمَيْتُ) ولا يحذف.

ومن باب التضعيف

ومن باب التضعيف قال سيبويه: فإن قيل: ما بالُهم قالوا في (فَعَّلَ): (ردَّدَ) فأدغموه على الأصل. قال أبو علي: يقول: إن الأفعال المضاعفة خالفت الصحيحة في مثل (رَدَّ، وشَمَّ، ورُدَّ) ونحو ذلك، فلِمَ لم يخالف (فَعَّلَ) الصحيح كما خالف سائر المضاعف نظائره. قال: فإنهم لو أسكنوا صاروا إلى مثل ذلك إذا قالوا: (رَدَّدَ). قال أبو علي: إنما كان يلزمُ أن يقال: (رَدَّدَ) لأن العين الثانية كانت تسكن فتدغم في اللام، وتلقى حركتها التي هي الفتحة على العين الأولى

فيصير (رَدَدَ)، ويحدث تضعيف كما كان (رَدَّدَ). قال سيبويه: وليست بمنزلة (أفْعَلَ) و (اسْتَفْعَلَ) ونحو ذلك. قال أبو علي: ومع (فَعَّلَ وأفْعَل) فقال: لا يجوز أن يدغم (فَعَّلَ) كما أدغم (أفْعَل واسْتَفْعَل)، لأنّ (فَعَّلَ) لو أدغم فقيل (رَدّد) لتحرك فيه ما لا يتحرك في اسم ولا فعل وهو العين الأولى من (فعَّلَ وأفْعَلَ) إذا أدغما، ونحوهما يُحرَّك فيه ما لا يستنكر تحركه في اسم ولا فعل، وهو فاء الفعل، ألا ترى أنه قد يتحرك في (رَدَّ) و (رادّ) ونحوهما من الاسم والفعل.

قال سيبويه: إن كان يكون ذلك اللفظ فعلاً أو كان على مثال الفعل أو على غير واحدٍ [202/أ] من هذين. قال أبو علي: هذا نحو (مُدُقٍّ)، فإنه ليس بفعل ولا اسم على مثال الفعل. قال سيبويه: واحتملت ذلك الألف لأنّها مدّة.

قال: يقول: إن الألف صارت بمنزلة المتحرك، لوقوع الساكن بعدها. قال سيبويه: هذه الدّال الأولى في (رادٍّ) لا تفارقها الآخِرَةُ فما يستثقلون لازمٌ للحرف. قال أبو علي: أي التقاء المثلين في (رادٍّ) لازمٌ، وليس (كيَضِرِبانِني) الذي لا يلزم المثلين فيه. قال سيبويه: ولا يكون اعتلالٌ إذا فُصِلَ.

أي، إذا فُصِلَ المثلان بشيء لم يكن إدغام. قال سيبويه: وكذلك (رجلٌ خافٌ)، وكذل (فَعُلٌ)، أجري هذا مجرى الثلاثة من باب (قُلْتُ) على الفعل. قال أبو علي: أي أجري الاسم الثلاثي المضاعف الموافق لبناء الفعل مجرى الثلاثي المعتل بالياء والواو في أن أعِلّ منه ما كان على وَزْنٍ من أوزان الأفعال غير باب (طَلَلٍ)، كما أعلّ ما وافق بناء الفعل من الثلاثي المعتل بالياء والواو. قال سيبويه: ولم يفرقوا {بين} هذا والفعل. أي لم يفرقوا بين الاسم الموافق لبناء الفعل وعدَّتُه ثلاثة أحرف وبين الفعل بتصحيح الاسم وإعلال الفعل، كما فُرّق بين ما زاد على الثلاثة من الاسم والفعل نحو (أقْوَلُ، وأقالَ). قال سيبويه: ولم يَفْعَلوا ذلك في (فَعُلٍ)، لأنه لم يخرج على الأصل. فيلزم أن يخرج في التضعيف على الأصل، فيصحّ كما صح

ومن باب ما شذ من المضاعف

فيه (فَعَلٌ) لما صحّ (في باب قُلْتُ) (فَعَلٌ) على الأصل نحو قَوَدٍ وخَوَنَةٍ. قال سيبويه: من ذلك (ثُنْيٌ)، فألزموها التخفيف. قال أبو علي: (ثَنِيٌّ) على (فَعِيلٍ)، ولو جمع على (فُعُلٍ)، فكان يجب أن يقال: (ثَنُوٌّ)، ثم يلزم أن تبدل فيقال: (ثُنٍ) كما فُعِلَ (بأدْلٍ)، فاقتصر على التخفيف فقيل: (ثُنْيٌ) إذ قد يخفف في المصحّحِ. ... ومن باب ما شَذَّ من المضاعف قال سيبويه: فلما أن صار، - يعني: أحِسُّ- في موضع قد يحركون فيه {اللام} من ردَدْتُ. أي في مثل (رَدَّ) أثبتوا الأولى، أي

السين الأولى من (أحَسَّ)، فقيل: لمْ أحِسَّ، لأنه صار بمنزلة تحريك الإعراب، أي صارت الحركةُ ولم أحِسَّ المحركة لالتقاء الساكنين بمنزلة تحريك الإعراب. قال سيبويه: إذا أدْرَكَ نحو (يَقُولُ ويَبِيعُ). قال أبو علي: جعل وجه التشبيه بين (لم أحِسَّ) و (يقولُ ويَبِيعُ) أنَّ اللام لما تحركت من (يَقُولُ) ثبتت العين ولم تحذف، كذلك لما تحركت من (لمْ أحِسَّ) ثبتت العينُ ولم تحذف كما تحذف حيث تسكن اللام. قال سيبويه: فأجروها في (فَعِلْتُ) مجراها في (فَعِلَ). قال أبو علي: يقول: لم تلحق حركة العين على الفاء في (فَعِلْتُ) كما لم تُلْقِها عليه في (فَعِل)، فقال: (ظَلْتُ) كما قال: (ظلَّ)، وترك الفاء مفتوحًا في الموضعين، كما قال: (لَسْتُ)، ثم قال: (لَيْسَ)، فأجراه في (فَعَلْتُ) مجراها في (فَعِلَ) حين لم [202/ب] تلق على الفاء حركة العين، لأن (لَيْسَ) أصله (فَعِلَ)، إلا أنه أسكن كما يُسكَّن نحو (صَيِدَ البعيرُ)، فيُقال: (صَيْدَ).

قال سيبويه: وذلك قولك: قدْ رِدّ، وهِدّ، ورَحُبَتْ بلادُك، وظِلت. قال أبو علي: ليس في (رَحُبَتْ) شاهد، ولكنه حكى الكلمتين، لأنه يتكلم بهما معًا. قال سيبويه: ولم يفعلوا ذلك في (فَعِل) نحو (عَضَّ وصَبَّ) كراهية الالتباس.

قال أبو علي: أي لم يلقوا حركة العين على الفاء فيه للفعل المبنيّ للفاعل في باب المضاعف، وألقيت على الفاء فيه للفعل المبني للمفعول. وقوله: كراهية الالتباس، يعني التباس (فَعِلَ بفَعُلَ) في المضاعف لو قيل في الفعل المبني لم يتخلص ذا من ذا. قال سيبويه: كما كُرِه الالتباس في (فَعِلَ وفُعِلَ) من باب بِعْتُ. قال أبو علي: يقول: كُرِه التباس (فَعِلَ بفُعِل) في باب المضاعف، كما كُرِه التباسهما في باب (قالَ وباعَ)، فألقى حركة العين على الفاء من الفعل المبني للمفعول دون الفعل المبني للفاعل كما فُعِل ذلك في باب (قالَ وباعَ) حين قالوا في (فُعِلَ) منه (بِيعَ)، فألقيت على الفاء حركة العين في الفعل المبني للفاعل، ولم يُحرّك الفاء بحركة العين التي هي الكسرة، لأنّ (باعَ) (فَعَلَ) منقولة إلى (فَعِلَ) كراهية أن يلتبس (فَعَلَ بفُعِلَ). قال سيبويه: لا يغير الإدغام المتحرّك كما لا يغيّره في (فَعُلَ وفَعِلَ). قال أبو علي: يقول: يُفْعَلُ بالتاء في (فُعِلَ) ما يُفْعَلُ بها في (فَعِلْتُ)، لأنك تقول في فَعَلْتُ: (بِعْتُ)، فتلقي الحركة على الفاء، كما

تقول (بِيعَ) فتلقيها عليها، ولا يَحْسُنُ ذلك في (فُعِلَ) من المضاعف كما لم تكن في (فَعَلْتُ) منه، ألا ترى أنك تقول في (فَعَلْتُ) منه (رَددت)، فلا تلقي حركة العين على الفاء كما تلقيها عليها في باب (بِعْتُ)، فكما لم تلقها عليها في نحو (رَددتُّ)، كذلك لا تلقيها عليها في (رُدَّ). قال سيبويه: فكرهوا هذا الإجحاف، وأصل كلامهم تغيير (فُعِلَ) من (رَددتُّ وقُلْتُ). قال أبو علي: كرهوا ألاّ يميلوا (تغزُيِن) ونحوه، وقد ذهبت ضمةٌ وواوٌ إذ أمالوا (قِيلَ)، فقالوا: (قُيِلَ)، وإنما ذهبت ضمة واحدة، فإذا أميل ما ذهبت منه ضمة واحدة إرادةً لتبيين الذاهب، كان إمالة ما ذهب منه ضمةٌ وواوٌ أولى.

ومن باب ما شذ فأبدل مكان اللام الياء لكراهية التضعيف

ومن باب ما شَذَّ فأبدل مكان اللام الياء لكراهية التّضعيف قال سيبويه: كما أنّ التاء في (أسْنَتُوا) مبدلة من الياء. أي مبدلة من الياء التي هي مبدلة من الواو التي هي لام الفعل من (أسْنَى). قال سيبويه: وزعم أبو الخطاب أنهم يقولون: هَنانانِ، يريدون: هَنَيْنِ. قال أبو علي: زعم المازني أنه لا يعرف (هَنانَيْن)، ولا رأى من يعرفه [203/أ].

ومن باب تضعيف اللام في غير ما عينه ولامه من موضع واحد

ومن باب تضعيف اللام في غير ما عينُه ولامه من موضع واحد قال سيبويه: لأن (مَعَدًا) بُني على السكون، وليس أصله الحركة. قال: يقول: ليس أصل الدال الأولى من (مَعَدٍّ) الحركة، ولو كان ذلك لأظهر التضعيف كظهوره في (جَلْبَبَ) ونحوه. قال سيبويه: وإنّما (مَعَدٌّ) بمنزلة (خِدَبٍّ). يعني أن اللام فيهما مضاعف لغير الإلحاق.

قال سيبويه: فلما كانتا كذلك، أجْرِيَتا مجرى ما لم يُلحق بناءٌ ببناء غيره فيما عينُه ولامه من موضع واحد. قال أبو علي: يقول: لما كان (افْعَلَلْتُ وافْعالَلْتُ) لا نظير لهما في الرباعي أجريتا مجرى (رَدّ) ونحوه فأدغما كما أدغم (ردَّ واستعدَّ) ونحوه فيما عينه من موضع لامه ولم يُلحق بالرباعي، فيلزم إظهار التضعيف فيه (فاحْمَرَّ) – وإن كان المكرر فيه اللام- بمنزلة (ردَّ واستَعَدَّ) في أنه لغير الإلحاق. قال سيبويه: وإنّما لحقت شيئًا يعتلُّ وهو على أصله. يعني: إنما لحقت (عَدَّ) من (استعَدَّ) وهو على أصله في الاعتلال بعد لحاق الزيادة.

ومن باب ما قيس من المضاعف الذي عينه ولامه من موضع واحد

ومن باب ما قيس من المضاعف الذي عينه ولامه من موضع واحد قال سيبويه: وتقول في (فَعَلُول) من (رَددتُّ): (رَدَدُودٌ)، (وفَعَلِيلٍ): (رَدَدِيدٌ) كما فعلت ذلك (بفَعَلانٍ). قال أبو علي: لأن المصدر من (رَدَدُودٍ، ورَدَدِيدٍ) بمنزلة (طَلَلٍ)، فكما صَحَّحتَه من (فَعَلان) صححته من هذا. قال سيبويه: لأنّها من (غَزَوْتُ) لا تَسْكُنُ. قال أبو علي: يعني أن حروف العلّة في المعتل اللام لا تسكن، وتصحح في مثل (قَطَوانٍ ونَزَوانٍ)، فإذا صُحح في المعتل الأضعف وجب أن يُصحّح في المعتل الأقوى، وإن كان موافقًا لبناء الفعل، ألا ترى أن (جَوَلان) و (دَوَران) قد صُححا وإن كان موافقًا لبناء الفعل، ولا ينبغي أن يكون ذلك على مذهب أبي العباس إلا (فُعَلاً)، يقول في فَعُلان من قلت: (قالانٌ)، لأنه يرى أنَّ (جَوَلان) ونحو شاذّ، وأن الزيادتين في آخره لا تخرج الاسم من شبه الفعل، لأنهما غير معتدّ بهما، ألا ترى أنك تقول في تحقير (زَعْفَران: زُعَيْفِرانٌ)، ولو اعتدّ بهما لم يَجُز هذا التصغير لخروجه

بهما من الأمثلة الثلاثة. قال سيبويه: لا تجعل ذلك بمنزلة المضاعف. أي لا تعله، كما لو بنيت من المضاعف (فَعِلان) لقلت: (رَدَّان) فأعللت كما تعلّ (رَجُلٌ ضَفُّ الحال)، إذا أردت به اسم الفاعل من

الضعف على (فَعِلَ). قال سيبويه: لأنه يوافقه وهو على ثلاثةٍ ثم يصير على الأصل بالزيادة. أي، يصير بالألف والنون مخالفًا لنحو (خافَ) و (قال) اللذين هما (فَعِلَ) و (فَعَلَ) فلا يلزم إعلاله كما لزم إعلالُهما، لأن مشابهتهما بناء الفعل بالزيادتين اللاحقتيهما مرتفعة عنهما. قال سيبويه: [203/ب] ويقوِّي (رَوْدَدًا) ونحوه قولهم: ألَنْدَدٌ. قال أبو علي: يريد، أنّ المثلين في (رَوْدَدَ) أصليّان فبُيِّنا ولم يُدغما كما يُبيّن نحو (جَلْبَبَ) الذي أحد المثلين فيه زائد، وإنما لاشتمال الإلحاق عليهما وأنّه لو أدغم لزال ماله قُصِد من الإلحاق، ألا ترى أنّك لو أدغمت مثل (رَوْدَدٍ) لخالفت به زنة (جَعْفَر)، فصار ذلك خلاف القصد، ويقويه (ألَنْدَدٌ)، لأن المثلين فيه أصليّان وقد بَيَّنا مع ذلك لما أريد إلحاقه (بفَرَزْدَقٍ)، وكذلك (رَوْدَدٌ) تُبَيِّن فيه المثلين وإن كانا من (رَدَدْت) كما

بيّنتهما من (ألَنْدَدٍ) وإن كانا من (اللَّدَدِ). قال سيبويه: وليست آخِرًا بعد ألف إلا وهي تُخرج بناءً إلى بناء. قال: اللاحقة آخِرًا بعد ألفٍ نحو (عَطْشان، وإنْسانٍ)، وليست هذه للإلحاق، وقد تكون هذه النون أخيرة بعد ألف للإلحاق نحو (سِرْحانٍ) فأمّا إذا كانت النون بخلاف هذه الصورة فإنها للإلحاق. قال سيبويه: فإن قلت: أقول جَلْبَبٌ ورَوْدَدٌ، لأن إحدى اللامين زائدة. قال أبو علي: يقول: إن قلت: (جَلْبَبٌ) فأبين المثلين ولا أدغم لأن إحدى اللامين زائدة لا لأنه للإلحاق، فليس هذا الاعتلال صحيحًا، لأنك قد

تدغم ما أحدهما زيادة كما أدغم الأصليين وقد لا تدغم الأصليّين في نحو (ألَنْدَد)، فإنما العبرة في ترك الإدغام الإلحاق لا الزيادة والأصل. قال سيبويه: وكرهوا في عَفَنَّج مثلما كرهوا في ألَنَّدٍ. قال أبو علي: أي فلم يدغما لما كان للإلحاق، فإن كان أحد المثلين زائدًا كما لم يدغم فيما المثلان فيه أصليتان. قال سيبويه: وإنْ قلت: إنّما ألحقتها بالواو. أي، وإن قلت: ألحقت (رَوْدَدُ) بالواو لا باللام، كما ألحقت (جلبب) باللام، وإذا لم ألحقها باللام أدغمت، لأن اللام ليست بزائدة كما كانت في (جَلْبَبَ) زائدة. ومن قولي، أي لا أدغم إذا كانت إحدى اللامين زائدة، فأما إذا كانتا أصليين أدغمت (وَرْدَد)، لأنّهما أصليتان، فالجواب على ما كان في الكتاب.

ومن باب ما شذ من المعتل على الأصل

ومن باب ما شَذَّ من المعتلّ على الأصل قال سيبويه: واعلم أن الشيء قد يقلّ في كلامهم وقد يتكلمون بمثله من المعتل. قال أبو علي: هذا نحو تركهم استعمال الفعل من (القوة) ونحوه على (فَعَلْتُ) لئلاّ يلزمهم أن يجمعوا بين واوين في (قَوَوْتُ)، ونحو قلبهم العين من (آيَةٍ)، لئلاّ يلزمهم تصحيح عينها، والجمع بين الواوين والياءين فيها، وهم قد يجمعون في غير ذا بين الياءات في نحو (رَمْيِيٍّ، وأحَيٌّ) وبين الواوين في (أحْوَوَتِ الشّاةُ)، وإنّما جمع بينهن في بعضٍ وترك الجمعُ في بعضٍ كراهة أن يكثر في كلامهم ما يستثقلون [204/أ]. قال سيبويه: فمما قلَّ فُعْلَلٌ.

قال أبو علي: فُعْلَلٌ نحو: عُوطَطٌ، وفُعْلُلٌ نحو: قُعْدُدٌ. يقول: قلّ في كلامهم (كتردَّدَ) ونحوه وما تصرف منه مع أنه أثقل من (عُوطَطٍ) لاجتماع ثلاث دالات فيه. قال أبو علي: قال سيبويه: وتقول: أحْوَوى. قال أبو علي: (الحُوَّةُ) مثل الحُمْرة، فإذا بنيت منه فعلاً على وزن (احمَرَرْتُ) قلت: (احْوَوَيْتُ)، وكأن الأصل (احوَوَوْتُ)، لأنك تزيد على اللام لامًا مثله كما زدتَ على اللام من الحمرة لامًا مثله، إلا أنّك قلبت الواو ياءً كما قلبته من (أغْزَيْتُ) ونحوه ولو لم تقلبه ياءً للزم أن تقول في المضارع (يَحْوَوُّ) مثل (يَحْمَرُّ)، فتُحرّك الواو التي هي لام (يُفَعّل) بالضمة، وهذه اللام لاتتحرك بها فقلبت ياءً. قال سيبويه: وإن كانوا يكرهون المعتلين بينهما حرف والمعتلين وإن اختلفا. قال أبو علي: مثال المعتلين بينهما حرف نحو جمع (سَيِّد)، يُكره فيه (سَياوِدُ)، وإن اختلف فيه حرفا العلة وفصل بينهما حتى تقلب الواو همزة ليختلفا، وأما قوله: والمعتلين وإن اختلفا، فإنه نحو (رَوْيَا) في مصدر (رَوَيْتُ)، تقلب الواو ياءً فيقال: (رَيّا).

قال سيبويه: ومِن ثَمَّ تركوا من المعتلّ ما نظيره في غيره. قال أبو علي: هو نحو تركك البناء من (قُلْتُ) على (افْعَوْعَلَ)، وقد جاء نظيره من غير المعتلّ نحو (اغْدَوْدَنَ)، و (اعْرَوْرَى). قال سيبويه: يجيء الاسم على ما اطُّرِحَ من الفعل. قال أبو علي: هو نحو (قَوَدٍ)، و (روعٍ)،جاء كأن فعله (قَوَدتُّ)، ونحو (وَيْلٍ)، لأن فعله (وِلْتُ)، ولم يجئ في الأفعال شيء من ذلك.

ومن باب الادغام

ومن باب الادِّغام قال سيبويه: فإذا أردت إجراء الحروف، فأنت ترفع صوتك إن شئت بحروف اللين والمدّ، أو بما فيها منها. قال أبو علي: يعني إذا قلت: بين بينَ، إن شئت وصلت السين بالسين بما في الحروف، حروف اللين وهو الحركة، وإن شئت قلت: ساسا، أو سُوسُو، أو سِي سي. وقوله: منها، أي من حروف اللين، يعني الحركة.

ومن باب الإدغام في الحرفين اللذين تضع لسانك لهما

ومن باب الإدِّغام في الحرفين اللذين تضع لسانك لهما قال سيبويه: وقد بيّنّا أمرهما إذا كانا في كلمة لا يفترقان. يعني أنه بيّن ذلك في باب التضعيف، وفي باب المترجم بمضاعف الفعل. قال سيبويه: وذلك نحو (يَد داؤدَ)، لأنه قصد أن يقع المتحرك بين ساكنين واعتدالٌ منه. قال أبو علي: يعني بالمتحرك الواقع بين ساكنين الدّال الثانية، والساكنان الدالُ الأولى والألف من (داوُد).

قال سيبويه: لم يجز أن يكون قبل المحذوف إذا حُذِفَ {الآخر} إلا حرفُ مدٍّ. قال: يعني بالمحذوف نحو السَّبَب إذا حذف من عروض الطويل فصار [204/ب] فُعُولُنْ لم يجز أن يكون قبل الفاء فيه إلا حرف مدّ. قال أبو علي: احتجاجه بما ذكره من العروض، أن حرف المدّ بمنزلة المتحرك لأنه يفصل الساكن غير الممدود بالمدّ الذي فيه، فيصير الزائد فيه عوضًا من الحركة، لأنه زيادة في الصوت، كما أن الحركة في الحرف المتحرك زيادة في الصوت. قال سيبويه: وحَسُن أن يبيّن فيما ذكرنا من نحو "جَعَل لَّكَ".

قال أبو علي: يقول: لما جاز البيان في (جَعَلَ لَكَ) ونحوه مع تحرُّك ما قبل الحرف الذي يدغم، لم يجز في الحرف الذي قد يدغمُ إذا سكن ما قبله إلا البيان. قال سيبويه: فلو أنّهم كانوا يُحرِّكون لحذفوا الألف. أي ألف الوصل من (ابن)، يقول: لو أدغم النون الأولى في النون الثانية لتحركت الياء، فسقطت ألف الوصل، وكان يلزم فيمن قال: (قِتَّلُوا) (سِمُّوسَى)، ومن قال: قَتَّلوا لزمه في الرفع (سُمُّوسَى). قال سيبويه: ما لم يَقْوَ على ألا يجوز البيان فيما ذكرت لك. {لم} يقوَ الإدغام في نحو (قَومُ مُوسى)، و (ابنُ نَوح) على تحريك الساكن، كما لم يقوَ على منع إجازة البيان فيما تقدم من المنفصلين

المتحرك ما قبل الأول منهما نحو (جَعَلَ لَكَ). قال سيبويه: ولكنك إن شئت قلت: (قَرَادِدُ)، فأخفيت كما قالوا: (مُتَعَفِّفٌ) فأخْفِي. قال: تقول: (متعَفْ فِفٌ)، فإذا أدغمت قلت: (مُتَعَفِّفٌ) ولا يكون في هذا إدغام، وقد ذكرنا العلة. أي العلة في أنه لا يجوز أن يدغم الملحق. قال سيبويه: وتقول: (هذا ثوبُ بَكْرٍ)، البيان في هذا أحْسَنُ منه في الألف، لأن حركة ما قبله ليس منه الفصل. قال أبو علي: حركة ما قبل الألف من الألف لأنها فتحة، وحركة ما قبل الواو والياء لا يكون منهما إذا انفتح نحو: (جَيْبُ بَكْرٍ، وثوبُ بَكْرٍ).

قال سيبويه: ألا ترى أنك تقول: (اخْشَوا وّاقِدًا) فتُدغم، - و (اخْشى يّاسِرًا) فتجريه مجرى غير الياء. قال أبو علي: يريد، لو كان في الياء والواو إذا لم تكن حركة ما قبلهما منهما من اللين ما يكون فيهما إذا كانت حركة ما قبلهما منهما لم يجز الإدغام في نحو: (اخْشَوْا واقدًا)، لكن لما جاز الإدغام عُلِمَ أنه لا يكون فيهما من اللين مثل ما يكون إذا جانستهما الحركة التي قبلهما، ولا يجوز أن تدغم نحو (يغزُو واقدًا)، و (يَرْمِي ياسِرًا) لمكان اللين فيه، وإن جاز الإدغام في نحو (اخْشَوا وَّاقدًا). قال سيبويه: فلا بدّ فيه من حرف لين للرِّدْف. قال أبو علي: يقول: لا يجوز وقوع حرف اللين في القوافي المحذوفة في الرِّدْف إذا لم تكن حركة ما قبله منه، لأنه لا يكون فيه من المدّ ما يكون إذا جانسته الحركة، فـ (لَبِيبِ) لو انفتح الياء الأولى، لم يجز وقوعه في هذه القافية.

قال سيبويه: وذلك قولك: ظَلَمُوا واقِدًا [205/أ] واظلِمي ياسِرًا، ويَغْزُو واقِدًا. قال أبو علي: اللزوم في الأوّل يعتبرُ كأن الواو في (ظَلَمُوا) حرف مدّ غير لازم، لأنك تقول: (ظلمَا) كما أنه في (قُوول) غير لازمٍ ولو اعتبر ترك الإدغام في (ظَلَمُوا واقدًا)، فقيل: إنما لم يدغم لأنه ممدود وحركة ما قبله منه لم تصحّ لوجودنا للممدود المدغم في مثل (مَغْزُوٍّ وعُتُوٍّ) ونحوه، لكن العلة في ترك إدغام (ظلموا واقدًا) و (ارْمِي ياسِرًا) مضامّه بذاك اللزوم المدّ، ألا ترى أن (قُووِلَ) لم يُدْغَم لاجتماع المدّ، وأنه غير لازم فيه، وكذلك (ارْمي ياسِرًا) لم يدغم لأنه ممدود، ولأنه ليس بلازم. قال سيبويه: أرادوا أن يكون (ظَلَموا) على زِنة (ظَلَما واقِدًا)، و (قَضَى ياسرًا).

قال: يقول: ليست الواو في (ظَلَمُوا واقِدًا) والياء في (قاضِي ياسرًا) بلازم، لأنك تقول: (ظلما واقدًا) و (قضى ياسرًا). قال سيبويه: كما لم يَقْوَ المنفصلان على أن تحرك السن في (اسمُ مُوسى). قال سيبويه: فيصير كأنك أدغمت ما يجوز فيه البيان. قال أبو علي: يقول: لو أدغمت الهمزتين كما تدغم غيرهما من المثلين، للزمك أن تجمع بينهما محققتين، كما تجمع بين اللامين من (فعلَ لَبِيدٌ)، فلما لم يجز أن تجمع بينهما لم يجز أن يدغما.

قال سيبويه: وذلك قولهم: يَقِتّلون، فقد قِتّلُوا. قال أبو علي: (قِتَّلُوا) أدغم التاء الأولى في الثانية بعد أن أسكنها فاجتمع ساكنان القاف والتاء، فحرك القاف بالكسر كما تحرك (قُمِ اللّيلَ) فسقطت همزة الوصل لتحرك الساكن كما اجتُلبتْ لتسكين المتحرك في (ازَّيَّنَتْ)، والتحرك الذي اجتلبت له السكون هي التاء من (تَزَيَّنَتْ)، فإنه لما كانت التاء قريبة المخرج من مخرج الزاي أدغمت {و} اجتلبتْ ألف الوصل.

قال سيبويه: وجاز في قاف (اقْتَتَلُوا) الوجهان، (أي الكسر والفتح) ولم يكن بمنزلة عَضّ. قال أبو علي: يقول: لم يكن بمنزلة (عَضَّ) في تحريك الفاء التي كانت ساكنة في الأمر من (العَضّ) في الأصل لا تحرك إلا بالفتح، وكذلك الفاء من (فِرَّ)، وليست مثل (اقتتلُوا) الذي جازت فيه الحركتان في التقاء الساكنين الكسر والفتح، فقالوا: (قِتَّلُوا، وقَتلوا). قال سيبويه: وهي قراءة لأهل مكة كما قالوا: (رُدَّ يا فَتى) فضموا لضمة الراء. أي الراء في (مُرُدِّفِينَ).

قال سيبويه: فهذه الراء أقرب. قال أبو علي: إنما كان أقرب لأن بين الراء والدال ثانية من (رُدَّ يا هذا) حرفًا ساكنًا، وليس بين الراء والميم من (مُرُدِّفِين) حرف ساكن. قال سيبويه: فلما كانت كذلك قَوِيَتْ، كما قلت: (الجِوارُ) حين قلت: (جاوَرْتُ). قال أبو علي: [205/ب] يقول: ثُبتت ألفُ الوصل في قوله: (الحَمْرُ) وإن تحرك ما بعده لثباتها في نحو: (أفأاللهِ)، كما صحّت الواو في (الجِوارِ)، حين ثبتت في (جاوَرْتُ)، وإن كان قد تنقلب في نحو (سِياط)، فكذلك تثبت الألف في (الحَمْرِ)، وإن سقطت في نحو: (سَلْ).

ومن باب الإدغام في الحروف المتقاربة

قال سيبويه: وأمّا (رُدَّ داوُدَ) فبمنزلة (اسمُ مُوسى)، لأنّهما منفصلان وإنما التقيا في الإسكان. قال أبو علي: يريد: التقى المثلان، وما قبل الحرف الأول بساكن وهو الدال الأولى من (رُدّ) فلا يجوز (رُدّ داودَ) كما لم يجز في (قومُ موسى) لأنهما منفصلان. ... ومن باب الإدغام في الحروف المتقاربة قال سيبويه: ولا تدغم الياء وإن كانت قبلها فتحة ولا الواو وإن كانت قبلها فتحة مع شيء من المتقاربة.

قال أبو علي: إنما قال في كل واحد من الواو والياء لا تدغم إذا كان قبلها فتحة، لأنه إذا كان قبل كل واحد منهما من الحركة ما هو من جنسه كان أبعد له من الادّغام. قال سيبويه: لأنّهما يُخرجان ما فيه لِين ومَدٌّ إلى ما ليس فيه مَدٌّ ولا لِينٌ. يقول: لو أدْغَمْتَ الياء في الجيم لكنت قد أزلت عنه المدّ واللين. قال سيبويه: فلم تقو المقاربة عليها لما ذكرنا لك. يقول: مثل (صُدُودٍ، وعَمِيدٍ)، لا يجوز معهما إذا كانا قبل حرف الرويّ غيرهما من السواكن، كما أن (الغَنايا) لا يجوز معها غيرها من السواكن.

قال سيبويه: وإذا كانت الواو قبلها ضمة، والياءُ قبلها كسرة فهو أبعد للإدّغام. قال أبو علي: امتناعهما من أن يدغَما فيما قاربهما إذا جانستهما الحركة التي قبلهما، يقوّي ترك الإدغام فيهما وما قبلهما مفتوح لأنهما إذا انفتح ما قبلهما فهما الحرفان اللذان إذا انضم ما قبل أحدهما أو انكسر امتنع فيهما الإدغام. قال سيبويه: وجعلوه بمنزلة النون إذ كانا حَرْفَيْ غُنَّةٍ. قال أبو علي: أي جعلوا الميم إذا وقعت قبل الياء بمنزلة النون في أنْ لم تقلب فاءً للإدّغام، كما تركت الميم المبدلة من النون قبلها ميمًا ولم تدغم في الياء، وإنما لم تدغم النون لاجتماعهما في الغنة.

قال سيبويه: وهي تَفَشَّى بأن معها غيرها، فكرهوا بأن يُجحفوا بها. أي لو أدغمت الراء في اللام أو في النون لقلبت إلى إحداهما، فذهب التكرير ونقص الصوت. قال سيبويه: ويقوي هذا – أي أن الزائد لا يدغم في الناقص- أن الطاء وهي مُطْبَقَة لا تُجعل مع الثاء تاء خالصة، لأنها أفضل منها بالإطباق. قال أبو علي: لا تدغم الطاء في التاء، قولك (انقُطْ تَوْمًا)، فإن

أدغمت أبقيت الإطباق لئلا يذهب من الصوت شيء. قال سيبويه: لأن {ما} كان أقربَ إلى حروف الفم [206/أ] كان أقوى على الإدغام. أي على أن يدغم فيها، فالحاء التي هي أقرب لا تدغم في الهاء التي هي أبعد. قال أبو علي في إنشاد سيبويه: ومَسْحِيَ مرُّ عُقابٍ كاسِر قال: من أثبت في مثل (عليهي فاعلم) ياء أثبته في (مَسْحِي)، ومن لم يثبت لم يثبت.

قال أبو الحسن: لا يجوز الإدغام في (ومَسْحِهِ)، ولكن الإخفاء جائز.

قال أبو علي: ذهب أبو الحسن إلى أن الذي قبل المدغم الساكن ساكن ليس بحرف مدّ، وهذا ليس في الكلام نظيره. قال سيبويه: فأجريت مجرى الميم مع الباء. قال أبو علي: أجريت الحاء مع العين مجرى الباء مع الميم في أن أدغم العين في الحاء ولم تدغم الحاء في العين، كما أدغم الباء في الميم، ولم تدغم الميم في الباء. قال سيبويه: فجعلتها بمنزلة الهاء. قال أبو علي: يقول: جعلت العين بمنزلة الهاء في أن لم تدغم الحاء فيها في نحو (امْدَحْ عَرَفَةَ)، كما لم تدغم الحاء في الهاء في (امْدَحْ هِلالاً). وأدغمت العين في الحاء فيها في نحو (اقْطَع حَّمَلاً)، كما أدغمت الهاء في الحاء بعد قَلَبَهُ حاءً في نحو (اجْبَهْ حَّمَلاً).

قال سيبويه: كما جعلت الميم بمنزلة النون مع الباء. أي في أن لم تدغم في الباء كما تدغم النون. قال سيبويه: وقد خالفت الخاءً في الهمس والرخاوة. يقول: الغين وإن كانت رخوة، فليست تبلغ رخاوة الخاء. قال سيبويه: ويدلُّك على حسن البيان عزَّتُها في باب رَدَدتُّ. قال أبو علي: أي لا يكاد يجيء (كعَعْتُ) إلا قليلاً.

قال سيبويه: فشبِّهت بالخاء مع الغين كما شُبِّه أقربُ مخارج الحلق إلى اللسان. قال أبو علي: يعني الخاء والغين شبّه بحروف اللسان في أن أخفي النون معهما، فكذلك شبه أقرب مخارج الفم إلى الحلق بحروف الحلق، فصار البيان فيه أحسن كما أنه في حروف الحلق أحسن. قال سيبويه: فإن شئت كان إدغامًا بلا غُنَّةٍ فتكون بمنزلة حروف اللسان؛ لأنها تصير لامًا خالصة إذا أدغمت بلا غنّة ولا يكون لها في الخياشيم حظٌّ، وإذا أدغمت بغنّة لم تزل عنها الغنّة والحظّ الذي لها من الخيشوم، وهو أحسن لأن هذه النون لا مخرج لها من الفم. قال سيبويه: لأن صوت الذي بعده ليس له في الخياشيم نصيب. كما للنون فيها، فإذا أدغمت النون في اللام تذهب الغنّة لأنه لا غُنَّة في اللام، فهما لا يتفقان فيها.

قال سيبويه: وتُقْلَب النون مع الباء ميمًا لأنها من موضع تَعتلُّ فيه النون. يقول: الباء من موضع تعتل فيه النون، أي من الشفة والنون تعتلّ في الشفة مع الميم فتنقلب ميمًا نحو (مِنْ مَّطَرٍ). وقال أبو علي أيضًا: يقول: اعتلت النون مع الباء، لأن الباء من موضع تعتل فيه النون وهو الشَّفَةُ، واعتلالها في ذلك الموضع نحو قلبك إيّاها مع الميم ميمًا في نحو (مِنْ [206/ب] مَطَرٍ)، فكما اعتلت مع الميم، كذلك اعتلت مع ما هو من مخرجه وهو الباء، كما أنه لمّا اعتلت النون مع اللام في نحو (مَن لَّكَ) فقلبت لامًا، كذلك أعلّت فيما قرب من اللام وهو الراء فقيل: (مَن رَّاشِدٌ)، فأدغمت في الراء لقربها من اللام. قال سيبويه: فكرهوا أن يكون مكانَها أشبهُ الحروف من موضع الواو بالنون.

قال أبو علي: أشبه الحروف من موضع الواو بالنون هو الميم. قال سيبويه: وليس مثلَها في اللين والتجافي والمدّ. أي ليس الميم مثل الواو في اللين والتجافي فتبدل من النون قبل الواو والميم، كما أن الميم في (شَنْباء) كالباء في الشدة وإلزام الشفتين، فأدغم النون في الواو ولم يبدل ميمًا، فأما مع الباء فإنها أبدلت ميمًا ولم تدغم في الباء لموافقة الحرف الحرف في الشدة وإلزام الشفتين. قال سيبويه: لأنه ليس مُخْرَج {لَبْسٍ} من طرف اللسان أقرب إلى مُخرج الراء من الياء. قال أبو علي: يقول: كما أدغم في الراء وفي اللام لقرب مخارجهما كذلك أدغمت في الياء لقرب الياء مما أدغمت فيه النون وهو الرّاء واللاّم

كما أعلت مع الباء في (شَنْباء) لما أدغمت في الميم التي هي من مُخرج الباء. قال سيبويه: فلما وصلوا إلى أن يكون لها مُخْرَجٌ من غير الفم فإنَّ أخف عليهم ألا يستعملوا ألسنتهم إلا مرَّة. قال أبو علي: يقول: لو جعلوها من الفم دون الخيشوم مع هذه الحروف التي من الفم لاستعملوا ألسنتهم مرّتين لما كان يلزم من الإدغام، فلما جُعلت من الخيشوم استعملت الألسنة مرة واحدة إذ لم يدغم ولم يجتمع مثلان. قال أبو علي: النون مع سائر الحروف ثلاث رُتب: تدغم مع اللام

والراء لقرب المخرج، وتدغم في الميم لاشتراكهما في الغنّة، وتعلّ مع الباء لموافقة ما أدغم فيه من المخرج وكذلك في الواو، وتدغم أيضًا في الياء، لأنها تدغم في الواو فكأنها من مُخرجها، فالنون إنما أعلّت مع هذه الحروف سوى اللام والراء بواسطة الميم، فهذه رتبة لها، والثانية من رتبها: أنها تخفى مع حروف الفم فلا تدغم ولا تبين، لكن لها معها حالة بين البيان والإدغام، لأنها لم تقرب منهن قربها من الحروف الموافقة لها في المخرج، والموافقة له في الصوت نحو الميم ولم تبعد عنها بُعد الحلقية، فصارت لها معهن كذلك منزلة بين المنزلتين، والثالثة من رتبها: أنها تبيّن مع حروف الحلق بيانًا شديدًا، لأنها لا توافقها في المخرج ولا تقرب منها كما قربت منها حروف الفم، فلما بَعُدَتْ عنها غاية البعد بُيّنت معها، فأما إخفاؤها مع العين والخاء فلقربها من القاف. قال سيبويه: وكان أصل الإدغام كثرة الحروف للفم. قال: يقول: كثرت حروف الفم، فوجب الإدغام [207/أ]. قال سيبويه: وهي مع الرّاء واللام والياء والواو إذا أدغمت بغنّةٍ فليس مُخرجُها من الخياشيم. قال أبو علي: النون إذا أدغمت في الحروف التي تدغم فيها، فليس مخرجها من الفم، لكنه من حيث الحروف التي تدغم، وإذا بيَّنت ولم تَخْفَ

كانت أيضًا من الفم، فإذا سكنت مع حروف الفم، وأخفيت فهي من الخياشيم. قال سيبويه: ولم نَسمعهم قالوا في التحرُّك (حين سُّلَيْمان) فأسكنوا النون مع هذه الحروف التي مخرجها معها من الخياشيم. قال أبو علي: يقول: لم يجعل مُخرج النون من الخياشيم متحركة مع حروف الفم كما جعل مُخرجها منها ساكنة مع حروف الفم. قال سيبويه: ولم تَقْرَبْ قرب هذه الستة، التي قَلَبت النُّون وهي الراء واللام والميم والياء. قال سيبويه: فلم يحتمل عندهم حرف، الفصل.

قال أبو علي: يقول: لم يحتمل النُّون وليس حرف من مُخرجه غيره أن يدغم في أكثر من ستة أحرف للمقاربة. قال سيبويه: وتكون ساكنة مع الميم إذا كانت من نفس الحرف بَيِّنَة، والواو والياء بمنزلتها مع حروف الحلق. قال أبو علي: ترتيب هذا الكلام أن يقال: ويكون النون إذا كانت ساكنة وكانت من نفس الحرف بيِّنة مع الميم والواو والياء، وقوله: بمنزلتها مع حروف الحلق؛ أي في البيان. قال سيبويه: وإنّما حملهم على البيان كراهية الالتباس، الفصل. قال أبو علي: يقول: لو أدغمت النون في الواو ونحوها متصلة كما تدغم فيها منفصلة لالتبس (قَنْواءُ بقَوَّاءَ) التي هي من (القَوِّ)، وكذلك

سائر هذه الكلمات بالمضاعف. قال أبو علي: {قال} سيبويه: فصار هذا بمنزلة المنفصل في قولك: (مِن مِّثْلِكَ). قال أبو علي: يقول: إنه بمنزلة المنفصل في جواز الإدغام فيه كما جاز في المنفصل ولم يمتنع الإدغام كما امتنع من (قَنْواء) لأنه لا يلتبس بالمضاعف كما كان يلتبس به (قَنْواء).

قال سيبويه: والنُّون ليست كذلك، لأن فيها غُنَّة فتلتبس بما ليس فيه الغُنَّة. قال أبو علي: كأنّ قائلاً قال: هلاَ بيَّنَ النُّون قبل الباء في (شَمْباء) و (العَمْبر) كما بُيّنت قبل الواو في (قَنْواء)، لأن النون التي هي عين لا تتبيّن من الميم كما لم تكن تتبيّن لو أدغم فقيل: (قَوّاء) من المضاعف الذي عينه واو، ولم ينفصل منه، فقال: جاز ألا تُبيّن النون في (شَنْباء)، ولم يجز ألا يُبيّن في (قَنْواء)، لأنّ (شَنْباء) يُعلم أن الميم فيه بدل من النُّون إذ ليس في الكلام ميم ساكنة أصلية قبل ياء، فليس فيه مثل (عَنْبٍ) ولا نحوه، وفيه مثل (قَوٍّ وكَيٍّ ومَيٍّ)، فإذا أدغم في هذه المواضع التبس، ولا يلتبسُ في (العَمْبَر) لما ذكرنا. قال: وإنما احتمل ذلك في الواو والياء والميم. أي إظهار النون معهنّ في (كُنْيَة، وقَنْواءَ، وزُنْمٍ). قال سيبويه: وليس حرفٌ من الحروف التي تكون النون معها من الخياشيم [207/ب] هي حروف الفم نحو القاف والجيم، أي لا تدغم النونُ في شيء من هذه الحروف كما أنّ النون لم تُدغم فيهن، ولو أدغمت

النُّون فيهن، لصار صوتها من الفم دون الخيشوم، ولقلبت حرفًا فمَويًا، فجعلت بمنزلة ما كان يكون بعدها من هذه الحروف التي كانت تدغم فيها لو أدغمت. قال سيبويه: لأنه قد امتُنع أن يُدغم في النون ما أدغمت فيه. قال أبو علي: لم يدغم في النون الميم ولا الياء ولا الواو ولا الباء ولا الراء وقد أدغمت هي في هذه الحروف، فكذلك كُرِهَ أن تُدغم اللامُ فيها وإن أدغمت هي في اللام. قال سيبويه: وكذلك لم يُدغموها فيما تَفاوَتَ مُخْرَجُه عنها، ولم

يُوافقها إلا في الغنَّة. قال أبو علي: لما أن لم تدغم الميمُ في الباء وهي مثلها في أنها من مُخرجها وموافق لها في الشدَّة وإلزام الشفتين فيها الضمّ، لم يدغموها في النون وإن كانت النون قد أدغمت فيها إذ كانت النون قد تفاوت مخرجها عن الميم، فلم يوافق الميم إلا في الغنة، فإذا لم تدغم الميم فيما وافقها من جهتين وهو الباء، كان أحْرى ألاّ يدغم فيما لم يوافقه إلا من جهة واحدة، أعني الغُنَّة، وهو النون والجهتان اللتان وافقت الميمُ فيهما الباء الشدَّة والمخرج. قال سيبويه: وهي مع الطّاء والدّال والتّاء والصّاد والزّاي والسّين جائزة. يعني أن إدغام اللام في هذه الحروف جائز وليس حسنٌ إدغامها فيها كحُسن إدغامها في الرّاء. قال سيبويه: لأنّ اللام لم تَسفل إلى أطراف الأسنان.

قال أبو علي: لم تَسفل اللام إلى أطراف الأسنان، كما لم تسفل الطّاء. فلما اجتمعن في أن لم يسفلن حسن إدغام اللام فيها. قال سيبويه: ولكنه يجوز إدغام اللاّم فيهما لما ذكرت لك من اتصال مُخرجها. أي، من اتصال مخرجهما بطرف اللسان، وحيث يقرب منه مُخرج اللام.

ومن باب الإدغام في حروف طرف اللسان والثنايا

ومن باب الإدِّغام في حروف طرف اللسان والثّنايا قال سيبويه: وهو يَثْقُل التَّكلُّم به لشدَّتهنّ، وللزوم اللسان موضعَهن لا يتجافى عنه. قال أبو علي: الميم من الشديدة التي يجري معه الصوت، والباء لا يجري معه الصوت، فلذلك كان البيان في (اصْحَب مَّطَرًا) أحسن، وكان الإدغام في الدال والتاء ونحوهما أحسن، لأن تلك الحروف لا تختلف في الشدة كما اختلف الميم والباء فيها. قال سيبويه: ولو أمسكتَ أنفك لرأيتها بمنزلة ما قبلها. قال أبو علي: إذا ضارعت الميمُ النونَ لم يحسن إدغام الباء، كما لا يجوز إدغام الباء في النون. وقوله: ولو أمسكت بأنفك لرأيتها، أي رأيت الميم في (اصْحَب مَّطَرًا) بمنزلة الباء. قال سيبويه: وذلك قولك: (احْبِس صَّابِرًا، وأوجز صَّابرًا) والزاي

والسين بمنزلة الدال والتاء. أي في أنّ كل واحدة من الزاي والسين تدغم في صاحبتها [208/أ] كما أدغم كل واحدة من التاء والدال في صاحبتها. قال سيبويه: وإن شئت أذهبت الإطباق، وإذهابه مع الثاء كإذهابه من الطاء في التاء. قال أبو علي: يريد: إن إدغام الطاء في الثاء وإذهاب الإطباق فيه أقبح من إدغامها في الدال، وإذهاب الإطباق منه مع الذال لأن الثاء ليس مثل الظاء في الجهر، كما أن الطاء ليس مثل التاء في الجهر. قال سيبويه: والبيان فيهن أمثل منه في الصّاد والسّين والزاي.

قال أبو علي: إنما صار ترك الإدغام في الرخوة أمثل من تركه في الشديدة، لأن الرخوة يجري الصوت فيها فيصير بجريان الصوت وامتداده بين الحرفين فصلٌ مّا، والشديد لا يجري فيه الصوتُ فيكون فصلاً بينهما. قال سيبويه: وهنّ من حيّز واحدٍ والذي بينهما من الثَّنِيَّتَيْنِ يسيرًا. قال أبو علي: الذي بين الظاء وأختيها، والصاد وأختيها، من أن مخرج الظاء أشد نزولاً إلى أطراف الثنيتين قليل. قال سيبويه: والبيان فيها أمثل، لأنّها أبعدُ من الصّاد وأختيها. أي: الطاء وأختاها أبعد من الصّاد وأختيها من الطاء والتاء والدال، ومعنى ذلك أن البيان في الظاء والثاء والذال مع الصاد والسين

والزاي، أحسن من البيان في الطاء والتاء والدال مع الصّاد والسّين والزّاي، لأن الطاء وأختيها، أبعد من الصّاد وأختيها، والطاء وأختاها أقرب إليهن من الظاء وأختيها إليهن. قال سيبويه: وحجته قولهم ثلاثُ دراهم. قال أبو علي: لا يجوز أن تدغم التاء في (ثلاثة دراهم) في الدال، والذي منه من {ذلك}. وهو أن هذه التاء إذا أسكنت انقلبت هاء، وإذا انقلبت هاء فليس يجوز إدغامها حتى تسكن لأن الحرف المدغم لا يكون إلا ساكنًا، وإذا أسكنت انقلبت هاء وإذا انقلبت هاء لم يجز إدغامها في الدال لبعد المخرجين. قال سيبويه: تدغم الثاء من ثلاثة في الهاء إذا صارت ثاء، و (ثلاثُّ أفْلُسٍ) فأدغموها. أي أدغمت التاء من (ثلاثة) في تاء التأنيث وجاز ذلك، وإن كان ما قبلها ساكنًا لأنه بمنزلة (دابَّةٍ).

قال سيبويه: حتى خالطت أصول ما اللامُ فوقه من الأسنان. يعني بقوله ما اللام فوقه من الأسنان الطاء وأختيها. قال سيبويه: وإنه ليس فيها إطباق ولا ما ذكرت لك في الضاد. أي من أنها لا تجافى عن موضع الطّاء تجافي الشين عنه. قال سيبويه: إذ كانا يدغمان منفصلين فكرهوا هذا الإجحاف. يعني بالإجحاف ما ينقص من الصوت في إدغام المجهور في المهموس لو لم يبدل من مكان الباء حرف مجهور. قال سيبويه: وإنّما منعهم من أن يقولوا: (مُذْدَكَرٌ) كما قالوا مُزْدانٌ، الفصل.

قال أبو العباس: أبو عمر يقول: (مُذْدكرّ) وهو القياس الجيِّد البالغ. قال أبو علي: ليس هذا بردّ على سيبويه، لأنه قال: وإنما منعهم أن يقولوا: (مذْدكَرٌ)، أي لم [208/ب] يقولوه فيسمع منهم، والجرميّ يجيزه قياسًا، وقد يجيز القياس أشياء لا تستعمل، كإجازته في ماضي (يَذَدُ: وَذَدَ) وهو مع ذلك غير مسموع. قال: ولم تكن في السمع كالضّاد. قال أبو علي: الصاد أندى في السمع من الضاد، فلذلك لم يجز

إدغام الصاد في الطاء وجاز إدغام الضاد فيها. قال سيبويه: ولا يدغمونها في الطاء في الانفصال. قال أبو علي: الانفصال نحو: (اقْرِضْ طالبًا)، وكذا لام غير المعرفة لا تدغم في الانفصال في نحو (هلْ طَلَبْتَ)، وإذا أدغم في قولك: (الطّالب). قال سيبويه: لأنهما في الانفصال أثقل من جميع ما ذكرنا. قال أبو علي: يقول: إظهارهما والبيان فيهما منفصلين أثقل منه في سائر الحروف، فلذلك كان القلب والإدغام أحسن. قال أبو علي: لأنهما جميعًا شديدان لا يجري الصوت فيهما جريه في الرخوة فيكون جريان الصوت فيهما كالفصل بينهما. قال سيبويه: وذلك قولك: اطَّعَنُوا.

قال أبو علي: يقول: لم يُدغموا الطاء في التاء في الاتصال، لأنّهم إذا أدغموا الطّاء لم يلتزموا إبقاء الإطباق لأنه يُذهب به في مثال: (انْقُط تُّومًا)، فيقال: (انْقُت تُّوما)، وقد يبقى فيقال: لو أدغم الطاء في التاء في الاتصال ولم يقلب طاءً، لكان جديرًا أن يلزمه ذهاب الإطباق في الاتصال كما لزمه في الانفصال، للزوم الإدغام إياه لاتصاله. قال سيبويه: واعلم أن تركَ البيان هنا أقوى منه في المنفصلين لأنه مضارع. قال أبو علي: يقول: فَعَلْتُ نحو (حَبَطُّ)، الإدغام فيه أحسن منه في (انقُطْ تَوما)، لأن التاء في (فَعَلْتُ) تشابه تاء (افْتَعَلَ) في أنهما من كلمة واحدة، والفاعل من الفعل قد يكون بمنزلة بعض حروفه في نحو (يَضْرِبانِ)، جاء الإعراب بعد اسم الفاعلين. كما يجيء في المعربات بعد أواخرها، فالتاء التي في (فَعَلْتُ) كأنها على هذا التأويل من نفس الكلمة.

قال سيبويه: لأنّ أصل الإدغام أن يُسكَّن الأوَّلُ ويُحرَّك الثاني مُدْغَمًا فيه، وكذلك يلزم أن يقلب الأول إلى لفظ الثاني، ولو قلب الثاني إلى لفظ الأول لأسكن الثاني، كما أنه لو قلب الأول إلى لفظ الثاني أسكن الأوّل وحرِّك الثاني، وتحريك الأول وتسكين الثاني عكس ما عليه حكم الإدغام. قال أبو علي: نحو (رَدَدتُّ ورَدَدْنَ)، لأن اللام من (رَدَدْتُ) تتحرك في هذه المواضع، فإن لا تُدغم في الطاء من (اسْتطعْتُمُ) ونحوه مما لا يتحرك أبدًا أولى. قال سيبويه: ودعاهم سُكون الآخر في المثلين أن بيَّن أهل الحجاز. أي، فلما سكن الآخر لم يدغم فيها، لأنه إنما يدغم في المتحرك.

قال سيبويه: لأنه يدركها التثنية والنون الخفيفة والثقيلة والألف واللام. قال أبو علي: [209/أ] إدراك الألف لها كقولك: (ارْدُدِ البابَ)، وإدراك النون لها كقولك: (أردُدًا) يافتى. قال سيبويه: ومع ذلك أن بعدها حرفًا أصله السُّكون. قال أبو علي: نحو اسْتَطارَ، واسْتَطْوَر. قال سيبويه: أن لا يحملوا على الحرف في أصله أكثر من هذا. قال أبو علي: أي فلو أدغموا مع هذا الإعلال لقد كانوا جمعوا عليه

إعلالين. قال سيبويه: قد اجتمع فيه الأمران. يعني سكون ما قبل التاء في الاستفعال، وإعلال العين بعده. قال سيبويه: وأمّا اخْتَصَمُوا واقْتَتَلُوا فليستا كذلك. قال أبو علي: يقول: ليس القاف من (اقْتَتَلُوا) كالسين من (اسْتَفْعَلُوا) فيمتنع تحريك القاف منه للإدغام، كما امتنع تحريك السين من (اسْتَفْعَلوا) لأن القاف والخاء منهما {و} أنَّ أصلهما الحركة. قال سيبويه: لأنّهما حرفان وقعا متحركين، والتحرك أصلهما، كما أن التحرك الأصلُ في مُمَدّ، الفصل. قال أبو علي: يقول: القاف من (اقْتَتَلُوا) أصله التَّحرك، كما أن الميم من (مُمَدٍّ) أصله التحرك فيغير هذا البناء، لأنك تصرِّفُهُ فتقول: (مادٌّ، ومُدّ، ومَدّ) متحركة، فهذه الفاء أصلها الحركة، فلذلك جاز الإدغام بعدها، وإلقاء حركة المدغم عليها، ولم يجز ذلك في (اسْتَطارَ) وبابه، لأن الساكن الذي قبل التاء لا حظَّ له في الحركة ولم يحرك له في موضع ألبتة.

قال سيبويه: وقد حذفوها والكسرة بعدها في (يَعِدُ)، فإذا وقعت الكسرة عليها نفسها في مثل (يَوَدُّ) كان الحذف أوْلى. قال سيبويه: وكرهوا (وَطْدًا ووَتْدًا)، لما فيه من الاستثقال. قال أبو العباس: يعني تقارب مخارج الحروف وتبينّها، وسكون الحرف الأول من المتقاربين. قال سيبويه: وتقول في المصدر: (ازَّيّنا). قال أبو علي: في (تَزَّيَّنَتْ)، ومصدره وما تصرف منه، المتقارب في المتقارب، وتدع الباقي على ما كان عليه قبل الإدغام. قال سيبويه: وقوله عز وجل "ولقد كنتم تمَنَّوْنَ الموت" وكانت الثانية أولى بالحذف. قال أبو علي: إنما حذفت الثانية من "تذكَّرُونَ"، و"تَنَزَّلُ الملائكة"، لأنها هي التي تعتلُّ في الماضي بالإسكان، والإدغام

والحذف إلى المعتلّ المغيّر أسرع لأنه تغيير. ومما يجب له حذف الثاني دون الأوّل إنما هي التي تعتل في الماضي بما ذكرنا من السكون والإدغام في نحو (تَدارَأ)، والمضارع ينتظم حروف بناء الماضي، وكذلك يجب أن ينتظم المضارع هذه التاء المعتلة في الماضي المدغمة، فيعتل أيضًا في المضارع بالحذف، كما أعلّ في الماضي بالإدغام: ومما يوجب أيضًا أن تكون هي المحذوفة، أن التكرير بها وقع كما وجب التخفيف في الهمزة الثانية [209/ب] لتكررها في نحو آدَمَ، فكذلك يجب الحذف في الثانية لتكررها. وأيضًا فإن الأولى التي هي حرف المضارعة لا يجب حذفها لأنها إذا حذفت فقد لا يبقى ما يدل عليها، لأنها حرف واحد، والثانية إذا حذفت بقي من الكلمة غيرها، فمن هذه الجهات وجب حذف الثانية دون الأولى.

قال سيبويه: وإن شئت قلت في (تَتذكَّرون) ونحوها (تَذكَّرون). قال أبو علي: يقول: يجوز أن تحذف التاء الثانية من (تتذكَّرون)، وإن وقعت قبل حرف مقارب له يجوز إدغامها فيه كما جاز إدغامها إذا وقعت قبل الكاف ونحوه مما لا يجوز أن يدغم فيه لبعد المخرجين، لأن التاء الواقعة قبل المقارب هي التاء التي جاز حذفها إذا وقعت قبل غير المقارب، فكما جاز حذفها معه، كذلك يجوز حذفها مع المقارب. قال سيبويه: لأنّه حذف منها حرف قبل ذلك وهو التاء، وكرهوا أن يحذفوا آخر، الفصل. قال أبو علي: يقول: لما حذفت التاء من "تَذكَّرُون"، اجتمع متقاربان كما كانا اجتمعا في "تَكَلَّمُونَ" فكأنّ المتوهّم قد يتوهم بأن حذف أحد المتقاربين من "تَذكَّرون" بعد حذف الثانية جائز كما جاز في "تَكَلَّمُون". فقال: لا يجوز اعتلال هذا، واعتلّ بما ذكر.

قال سيبويه: ولم يَرَوا ذلك محتملاً إذ كان البيان عربيًّا. قال أبو علي: لم تحذف الحرف الأول من "تَذكَّرونَ" ولم تُدغم في الثاني أيضًا، ولا يحذف الذال لما ذكره من الإلباس وغيره مما يؤدي إليه، إذ كان البيان وترك الإدغام في هذه الحروف المتقاربة في المواضع التي لا يؤدي الحذف فيها إلى مثل ذلك حسنًا. قال سيبويه: وأمّا (الذّكَرُ) جمع (ذِكْرَةٍ) مثل كسرةٍ وكِسَرٍ، فأبدلت الذلُ دالاً غير أن أوجب قبلها ما أوجبه في (مُدَّكِر) قلبها ذالاً من وقوعها قبل تاء الافتعال، وإبدال التاء حرفًا من مخرجها أشبه الحروف بالذال وليس في (ذِكَرٍ) شيء من ذلك، إنما أبدلت دالاً كما يبدل الحرف من مقاربه (كبنات بَخْر، وبناتِ مَخْرٍ)، و (إيّاكَ

ومن باب الحرف الذي يضارع به حرف من موضعه

وهيّاكَ) وما أشبه ذلك، وشددت الدال لإدغامهم لام التعريف فيها. ... ومن باب الحرف الذي يُضارَعُ به حرفٌ من موضعه قال سيبويه: فلم تُدغَم في التاء لحالها التي ذكرت لك. قال أبو علي: الحال التي ذكرها أن الصّاد من حروف الصَّفير، فلا تدغم فيما لم يكن فيه صفير لحدوث النقص في الصوت.

قال سيبويه: ولم تُبدل، لأنّها ليست بمنزلة اصْطَبَرَ. قال أبو علي: يقول: ليس بمنزلة (اصْطَبَر) في أن لا يُقلب الحرف الثاني إلى لفظ الأول، ويدغم فيه الأول فيقال: (اصَّبَر). قال سيبويه: وهي الزّاي، لأنها مجهورة [210/أ] غيرُ مطبقة. قال أبو علي: أبدل من الصّاد لتقريبها من الدّال حرف من مخرج الصاد أشبه الحروف من مخرجها بالدال وهو الزاي لموافقتها في الجهر. قال سيبويه: كما كرهوا ذلك فيما ذكرت لك من قبل هذا. قال أبو علي: مما يكره إذهاب الإطباق فيه نحو (اضْبِطْ دُلامًا). قال سيبويه: إذا لم يصلوا إلى الإدغام ولم يجْسُروا على إبدال الدال.

قال أبو علي: أي على إبداله صادًا كما أبدل في (مُصَّبر) التاء صادًا أو لم تبدل الدال طاءً كما أبدل في (مُصْطَبِر) التاء طاءً لاختلاف الحرفين في الزيادة والأصل. قال سيبويه: وربما ضارعوا بها وهي بعيدة نحو (مَصادِرَ، والصِّراط) لأنّ الطاء كالدال. قال أبو علي: لما كانت الطاء في الجهر كالدال، ضورع بالصّاد معها الزاي بجهرها كما ضُورع بها مع الدال الزاي لذلك.

قال سيبويه: لم يكن المضارع هنا الوَجْهَ. قال أبو علي: أي مضارعة الصاد للزاي في (أصْدَرَ) ونظائره. قال سيبويه: فلما كان البيان هنا أحسن لم يجز البدل. قال أبو علي: أي لما كان البيان في الصّاد إذا سكنت أحسن من المضارعة بها الزاي لم يجز البدل المحض فيها إذا تحركت إذ كان البيان أحسن ولا فاصل بين الحرفين المثلين. قال سيبويه: إذ كانت الباء في موضع حرف يُقلب النُّون معه ميمًا وذلك الحرف الميم. قال أبو علي: يقول: ضورع بالجيم والزاي لأنه من موضعٍ حرفٌ مُضارَعٌ به الزاي وهو السِّين كما أعلّت النون مع الباء بقلبها ميمًا لما كانت الباء من مخرج حرف يعتل معه النون وهو الميم.

ومن باب ما تقلب فيه السين صادا في بعض اللغات

قال سيبويه: قَرَّبها منها في افْتَعَلَ لتُبَدلَ الدالُ. قال أبو علي: لتبدل تاء الافتعال دالاً مع الجيم إذا ضورع بها الزاي، كما تبدل دالاً مع الزاي المحضة في (ازْدانَ، ويَزْدُلُ ثَوْبَهُ لما كانتا من مخرج الزاي. ... ومن باب ما تُقْلَبُ فيه السِّينُ صادًا في بعض اللُّغات قال سيبويه: إذ كانت تقوى عليها والمخرجان متفاوتان. قال أبو علي: إنما قويت عليها لاشتراكهما في التصعّد وإن تفاوت المخرجان كما أدغمت الواو في الياء لاشتراكهما في اللين وإن تباعد المخرجان. قال سيبويه: وهما من حروف الحلق بمنزلة القاف من حروف الفم.

قال أبو علي: يقول: مُخرج الغين والخاء من الحلق كمخرج القاف والكاف من الفم، لأنه أول مُخرج من الحلق يلي الفم، كما أن مُخرج القاف أوّل مخرج من الفم يلي الحلق. قال سيبويه: فلذلك قرَّبوا السين التي من هذا المخرج من القاف بما يتصعد. قال أبو علي: ومعنى ذلك أنه أبدلت من السن [210/ب] مع القاف الصاد لتقرب بذلك السين مع القاف، فيقول القائل: هلاَّ أبْدَلَ من التاء معها طاءً، ومن التاء معها ظاءً، ومن الذال معها ظاءً؟!. فالجواب إن إبدال هذه الحروف غير السين مع القاف لا يجوز كما جاز في السين، لأنهن أبعدُ من القاف، والسين أقرب إليها، ألا ترى أن الظاء والطاء أشد خروجًا من الفم، والسين والصاد والزاي أشدّ دخولاً فيه وأقرب إلى مُخرج القاف من الحروف الأخر إليه؟!. وأيضًا فإن السين مُخرج حرف ضُورع به حرفان قريبان من مُخرج القاف، والحرف الذي ضُورعا به هو الزاي، والزاي من مُخرج السين، وليس بين القاف والجيم في المخرج إلا مخرجٌ واحدٌ وهو الكاف، وكما ضورع بما هو من مخرج القاف ما هو من مخرج السين، كذلك ضورع بالسين في أن أبدلت صادًا لتصعّد إلى القاف فتشابهه في ذلك.

قال سيبويه: ولا يكون فيهما مع هذا ما يكون في السين من البدل قبل الدال في التَّسْدِير إذا قلت: التَّزْدِير. قال أبو علي: إذا وقعت السين ساكنة قبل الدال فقد تبدل منها الزاي، وذلك أن الدال مجهورة والسين مهموسة، فأريد تقريب الحرفين من الآخر، فنظر إلى مخرج السين، فأبدل من مخرجها حرف أشبهُ الحروف بالدال فكان الزاي، فأبدل منها لموافقتها ما في الجهر، ولم تبدل من التاء الدال على قياس ما أبدل من السين الزاي، فكذلك أبدل من السين الصاد مع القاف لم يبدل من التاء، والتاء معها الطاء والظاء. فأما إبدال الظاء من الثاء إذا وقعت قبل الذال فلم يكن يلزم على قياس إبدال الزاي من السين في (التَّزْدير) لإطباق الظاء، وهذا معنى قوله: لأن الظاء لا تقع هنا. قال سيبويه: ألا ترى أنّك لو قلت: (التَّثْدِيرُ) لم تجعل الثاء دالاً.

ومن باب ما كان شاذا مما خففوا على ألسنتهم

أي ليس يضارع بهما حرف قريب المخرج من مُخرج القاف، ولا ما هو من مُخرجهما كما ضورع بما هو قريب المخرج من القاف ما هو من موضع السين، وذلك مضارعتك بالجيم والسين القريبي المخرج من القاف والزاي التي هي من مخرج السين، وذلك في قولهم: اجْتَدَّ، وأشْدَقُ. ... ومن باب ما كان شاذًّا ممّا خفَّفُوا على ألسنتهم قال سيبويه: فكرهوا إدغام الدال فتزداد الحروف سينًا فتلقي السينات.

أي لو قلب الدال سينًا في (سِدْس) للإدغام لاجتمعت ثلاث سيناتٍ و {هو} ما لا في الكلام مثله، لأن الفاء والعين واللام لا يكن من موضع واحد. فأمّا (بَبَّةُ) فليس بنوع إنما هو لقب. قال سيبويه: [211/أ] كما قالوا في فَخِذٍ فَخْذٌ فأدغموا. أي لمّا قالوا: (وَدّ). قال سيبويه: ولم يكن هذا مطردًا لما ذكرت لك من الالتباس. أي من أن العين التي هي تاء تلتبس بالتاء التي هي دال، فلا يتميَّزُ المقارب من المضاعف. قال سيبويه: قال بعضهم: عُتْدانٌ فرارًا من هذا.

أي من البيان، والأول ساكن، أو ما يلزم من الإدغام إذا سكن الأول المؤدي إلى الالتباس في هذا القبيل. قال سيبويه: فهذا شاذٌّ مشبَّه بما ليس مثله نحو: يَهْتَدِي ويَقْتَدي. قال أبو علي: يقول: شُبِّه (عِدَّانٌ) و (وَدٌّ) بيهَدَّى ويَهِدِّي إذا أدغم التاء منه في الدال كما أدغم في (يهتدي) وبابه، لأن التاء مثل الثاء، والدال مثل الذال إلا أنهما يختلفان، لأن الإدغام في (يهتدي) وبابه لا يؤدي إلى الالتباس كما يؤدي إليه الإدغام في (وَدٍّ) ونحوه. قال سيبويه: فإنما زاد السين على (أطاعَ يُطِيعُ) وجعلها عوَضًا من سكون موضع العين. قال أبو علي: لأن الأصل في (يُفعَلُ) من (أطاعَ، يُطْوِعُ)، فلما

سكنت الواو التي هي عينٌ عوِّض من حركتها المنقولة إلى الفاء هذه السين. قال سيبويه: ومن الشاذ قولهم: تَقَيْتُ يَتَقِي ويَتَسِعُ. قال أبو علي: (تَقَيْتُ) وضعه ها هنا على أن أصله (افتَعلْتُ)، قلبت الواو التي هي فاءٌ تاء كما قلب في (اتَّعدَ) ونحوه، فاجتمع تاءان فحذفت الأولى وكانت هي أولى بالحذف من الثانية وإن كانت الثانية هي المتكررة، لأنّها يلحقها الإعلال دونها في نحو (عِدْ، والإيعاد، ويَعِدُ)، ونحوه، فلما اعتلّت في هذه المواضع أعلت هنا أيضًا بالحذف، ولما حُذفت سقطت لحذفها همزة الوصل في (افْتَعَلْتُ)، إذ كانت مجتلبة لسكون الفاء المحذوفة فبقيت تاء (افْتَعَلْتُ) مع ما بعدها من الكلمة فصار (تَقَيْتُ) ووزنه من الكلام (فَعَلْتُ)، و (يَتَقِي)، ووزنه (يَتَعِلُ)، فإن قلت: ما تنكر أن يكون (تَقَيْتُّ) ووزنه (فَعَلْتُ) أبدلت من الفاء التي هي واوٌ التاء كما أبدلت منها في (تَيَقُور)، و (نَوْراةٍ) ونحو ذلك فيكون وزنه على هذا (فَعَلْتُ) منقلبة الفاء؟ قيل: إن هذا قد يكون محتملاً لولا ما جاء في المضارع من قولهم: (يَتَقَى) مفتوح التاء، فلو كان (تَقَيْتُ: فَعَلْتُ) لوجب أن يقال

في المضارع: (يَتْقِي) مثل (يَرْمِي)، فلما قيل: (يَتَقِي) علم أن التاء ليست بفاء، وأنها المفتوحة الزائدة من (افْتَعَلَ)، وعُلِمَ أيضًا أن المحذوفة التاء المنقلبة عن الواو لما جاءت مفتوحة، ولولا انفتاح هذه التاء لاحتمل أن يكون (تَقَيْتُ: فَعَلْتُ)، وعمل (يَتَسِعُ) كعمل (يَتَقِي). قال سيبويه: كما حذفوا العين [211/ب] من المضاعف نحو: (أحَسْتُ ومَسْتُ)، وكانوا على هذا أجْرَأ. أي على حذف الفاء من (تَقَيْتُ ويَتَقِي)، أجرأ منهم على حذفهم العين من (مَسْتُ)، لأن هذه الفاء تعتل كثيرًا، وهذه العين لا تعتل اعتلاله.

قال سيبويه: ولم يصلوا إلى الإدغام كما لم يصلوا في مَسِسْتُ. قال أبو علي: لأنه لو أدغم لحركت لام المعرفة، وهذه اللام لا تتحرك وأصلها السكون، ولذلك اجتلب لها ألف الوصل. قال أبو علي: قال أبو بكر: قال أبو العباس: أخبرني المازني قال: رأيت بخط سيبويه في آخر كتابه عند رجل من بني هاشم يُقال له عبد السلام بن جعفر للفرزدق: فما سُبِق القيسي من ضَعْفِ حِيلَةٍ ... ولكنْ طَفَتْ عَلْماءِ قُلْفَةُ خالِدِ يريدُ على الماء.

تمت التعليقة والحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين، ورضي الله عن أصحاب رسول الله أجمعين، وذلك بدمشق المحروسة سنة أربع وثلاثين وسبعمائة. وكتبه لنفسه الفقير إلى رحمة ربّه محمد بن حسن بن محمد الأندلسي المالكي، غفر الله له، ولوالديه، ولجميع المسلمين.

§1/1