التعريف بنبي الرحمة صلى الله عليه وآله وسلم

ثائر سلامة

التعريف بنبي الرحمة صلى الله عليه وآله وسلم

التعريف بنبي الرحمة صلى الله عليه وآله وسلم (¬1): فإذا تبين لك، يا رعاك الله، أن الله تعالى يختص بفضله من يشاء من عباده، ليكرمهم، ويشرفهم بفهم معاني آيات القرآن، ويجعل منهم أئمة، يهدون للهدى، يكشف عن قلوبهم ظلمات الجهل المُدْلَهمَّة، ويطهرها من أدناسِ الرَّيْنِ وأجناسِ الرَّيْبِ، ويملؤها إيماناً وحِكْمَة، ويخصهم بالقِسْمِ الأسْنى، والشَّرَفِ الأَبْهى، والقدح الأعلى، وأن الناس يتفاوتون في هذا الفضل، فيرفع الله منهم أقواما لأعلى الدرجات، ويجعل منهم أحبارا، حتى يكون واحدهم ترجمانا للقرآن (¬2)، فيفتح الله عليه من حقائق العلوم، وخَوارق الفُهوم، ما لا رقت إليه من سواه هِمَّةٌ، ولا تحركت نحوه من غيره عَزْمَةٌ، ولا شك أنه ما بلغ هذه المنزلة إلا بفضل الله، لعلو همته، ورفعة مكانته عند الله تعالى حتى اختصه بهذا الفضل، فيكون ترجمانا لكلام الله، ¬

_ (¬1) فصل من كتاب تفسير كتاب الله تعالى المسمى: البيان والتبيان في تفسير كتاب الرؤوف الرحمن، لأبي مالك، ثائر سلامة، غفر الله له ولوالديه، ولزوجه ولذريته ولمن له حق عليه، وللمسلمين والمسلمات، بفضل رحمة الله تعالى وتفضله وواسع كرمه. (¬2) وقد كانت الصحابة رضي الله عنهم علماء كل منهم مخصوص بنوع من العلم كعلي رضي الله عنه بالقضاء وزيد بالفرائض ومعاذ بالحلال والحرام وأُبي بالقراءة فلم يُسَمَّ أحدٌ منهم بحراً إلا عبد الله بن عباس لاختصاصه دونهم بالتفسير وعلم التأويل، وقال فيه علي بن أبي طالب: كأنما ينظر إلى الغيب من ستر رقيق. وقال فيه عبد الله بن مسعود: نِعْمَ تُرجمان القرآن عبد الله بن عباس، وقد مات ابن مسعود في سنة ثنتين وثلاثين، وعمّر بعده ابن عباس ستاً وثلاثين سنة، فما ظنك بما كسبه من العلوم بعد ابن مسعود نعم كان لعلي فيه اليد السابقة قبل ابن عباس وقال ابن عطية: فأما صدر المفسرين والمؤيد فيهم فعلي بن أبي طالب ويتلوه ابن عباس.

محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، رسول الله، ونبيه

ولكن، ما حال من اختصه الله بفضل أن يُنَزِّلَ عليه هذا الكلام، -كلام الله-، فيكون هُوَ هُوَ من يُبَيِّنُ للناس ما نُزِّلَ إليهم، ويبعثه الله شَهِيدًا عَليهم، أعظم الناس شرفا ومقدارا، على يديه قامت الحجة، وترك الناس على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، ولا يتنكبها إلا ضال، لا شك أنه سيد ولد بني آدم جميعا، وأعلاهم منزلة، فلا بد من أن نقدم بمقدمة نعرف بها القارئ بنبي الرحمة صلوات ربي وسلامه عليه، وأن نصفه له كأنما يراه، وسنرجؤ وصف أخلاقه، وجميل فعاله، ورجاحة عقله، وصفاته القيادية، وهديه، وعدله، وعلاقاته، وسلمه وحربه، وصبره، وحكمته، لموضعه من التفسير، وسنقتصر الآن على أن نقول إنه: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، رسول الله، ونبيه، صاحبُ الجَمَالِ المُسَرْبَلِ بالجَلالِ، المَكْسُوِّ بجَمِيلِ الخِصَالِ وحَمِيدِ الخِلالِ، ظَاهِرُ الوَضَاءَةِ، أَبْلَجُ (¬1)، مَلِيحُ الوَجْهِ مُشْرِقُهُ، أَبْيَضُ اللَّوْنِ أَزْهَرُهُ (¬2)، ¬

_ (¬1) البُلوجُ: الإشراق. تقول: بَلَجَ الصبحُ يَبْلُجُ بالضم، أي أضاء. وانْبَلَجَ وتَبَلَّجَ مثله. وتبلَّج فلانٌ، إذا ضحك وهشَّ. (¬2) وفي رواية: مُشْرَبَاً حُمْرَةً، وليسَ بِالْأبْيَضِ الأَمْهَقِ، ولا بِالْآدَمِ، ومعنى: وليس بالأبيض الأمهق: أي ليس بالذي بياضه خالص لا يشوبه حمرة ولا غيرها كلون الثلج واللبن. فالمراد أنه كان نيِّر البياض أزهر. وقد جاء في رواية: أنه «كان بياضه مشوباً بالحمرة». وهو أحسن أنواع الألوان المستحسنة عند الطباع الموزونة، وهذا معنى قوله: (ولا بالآدم) أي الشديد السمرة، وقد كان عيسى عليه سلام الله آدم، أي شديد السمرة.

مُسْتَدِيْرُ الوَجْهِ (¬1) وَسِيمٌ (¬2) قَسِيمٌ (¬3) حَسَنٌ وَضِيْءٌ (¬4)، وَكَانَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَخْمًا (¬5) مُفَخَّمًا (¬6)، يَتَلأْلأُ وَجْهُهُ (¬7) كَتَلألُؤِ القَمَرِ لَيلَةَ الْبَدْرِ، لا عَابِسٌ وَلا مُفَنَّدٌ (¬8)، إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ، حَتَّى كَأَنَّ وَجْهَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِطْعَةُ قَمَرٍ، (قال:) أي جَابِرُ (لا بَلْ كَانَ) أَيْ وَجْهُهُ (مِثلَ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ) أَيْ في قُوَّةِ الضِّيَاءِ وَكَثْرَةِ النُّورِ، ¬

_ (¬1) (وكان) أي وجهه (مستديراً) أي مائلاً إلى التدوير، إذ ورد في شمائله أنه لم يكن مكلثم الوجه. (¬2) الوسيمُ الثابتُ الحُسْنِ كأَنه قد وُسِمَ (¬3) القَسامُ: الحسنُ. وفلانٌ قَسيمُ الوجهِ ومُقَسَّمُ الوجه، أي حسن الوجه جميل، ورجل مُقَسَّم الوجهِ أَي جميل كله كأَن كل موضع منه أَخذ قِسْماً من الجمال. (¬4) الوَضاءةُ: الحُسْنُ والنظافةُ، والوَضَاءة الحُسْنُ والبَهْجةُ. (¬5) أي عظيماً في نفسه (¬6) روي في حديث ابن أبي هالة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان فَخْماً مُفَخَّماً أَي عظيماً مُعَظَّماً في الصدور والعيون ولم تكن خِلْقته في جسمه الضخامة، وقيل [معناها] الفَخامة في وجهه: نُبْلُه وامْتِلاؤه مع الجمال والمهابة وأتيْنا فلاناً فَفَخَّمْناه أي عَظَّمْناه ورفعنا من شأْنه، أي كان معظماً في صدور الصدور وعيون العيون لا يستطيع مكابر أن لا يعظمه وإن حرص على ترك تعظيمه كان مخالفاً لما في باطنه. (¬7) أي يضيء ويتوهج (¬8) غير عابس الوجه، والمُفَنَّدُ: الضعيفُ الرأْي، أَي الذي لا فائدة في كلامه لكبرٍ أَصابه، فأم معبد إذ تصفه عليه سلام الله تقول بأنه ليس من ضعاف الرأي، ولا من الذين يخرفون في الكلام لكِبَرٍ أَصابَهُمْ.

وَلَمْ يَكُنْ بِالْمُطَهَّمِ (¬1) ¬

_ (¬1) المُطَهَّمُ: القليلُ لَحْم الوَجْه عن كراع: ووَجْهٌ مُطَهَّمٌ أي مُجْتَمِعٌ مُدَوَّرٌ والمُطَهَّمُ المُنْتَفِخُ الوجهِ ضِدُّ، وقيل المُطَهَّمُ السمينُ الفاحشُ، ووصَف عليٌّ عليه السلام سَيِّدَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لم يكن بالمُطَهَّمِ ولا بالمُكَلْثَمِ قال ابن سيده هو يحتمل أن يُفسَّرَ بالوجوه الثلاثة وفي الصحاح أي لم يكن بالمُدَوَّرِ الوجْه ولا بالمُوَجَّنِ ولكنه مَسْنُونُ الوجْهِ [والمسنون اللطيف الدقيق الأَنف] [أقول: في نفس الخبر عن علي رضي الله عنه بعد قوله: ولا بالمكلثم: قال: وكان في الوجه تدوير، فهذا يعني عدم دقة ما ذهب إليه الجوهري في الصحاح من أنه لم يكن مدور الوجه] الأزهري: سئل أَبو العباس عن تفسير المُطَهَّم في هذا الحديث فقال المُطَهَّم مُخْتَلَفٌ فيه فقالت طائفة هو الذي كلُّ عُضْوٍ منه حسَنٌ على حِدته وقالت طائفة المُطَهَّمُ السمينُ الفاحِشُ السِّمَنِ فقد تَمَّ النفْيُ في قوله لم يكن بالمُطَهَّم وهذا مَدْحٌ ومن قال إنه النَّحافةُ فقد تَمَّ النفي في هذا لأَن أُمَّ مَعْبَدٍ وصَفَتْه بأَنه لم تَعِبْه نُحْلةٌ ولم تَشِنْه ثُجْلة أي انتفاخُ بَطنٍ قال وأما من قال التَّطْهِيمُ الضِّخَمُ فقد صح النَّفْي فكأَنه قال لم يكن بالضَّخْم قال وهكذا وصفه عليٌّ رِضْوانُ الله عليه فقال كان بادناً مُتماسِكاً قال ابن الأثير لم يكن بالمُطَهَّمِ وهو المُنْتَفِخُ الوَجهِ وقيل الفاحشُ السِّمَنِ وقيل النحيفُ الجِسْمِ وهو من الأضداد انتهى من لسان العرب، والذي أراه، والعلم عند الله، أن أدق المعاني هو نفي أن يكون منتفخ الوجه، أو نفي أن يكون قليل لحم الوجه إذ أن الكلمة من الأضداد، فهذا معنى: ليس بالمطهم، أما نفي أن يكون مكلثما، فمعناه أن وجهه لم يكن قصير الحنك، داني الجبهة، بل كان عليه السلام ممتلئ الوجه، كما نفهم من الروايات الأخرى، ولكنه ليس منتفخا، وكان عليه السلام مستدير الوجه، ومن وصف: أسيل الوجه نفهم أن في الوجه اقتراب من الاستطالة، فهو ما بين المستدير والمائل للاستطالة قليلا، فخبرٌ قال: كان مدور الوجه، وآخر قال: وفي الوجه تدوير، ولعل الثاني أقرب للدقة، إذ أنه قال: فيه تدوير، وأوصافه الأخرى أثبتت أنه كان أسيل الوجه، فلهذا جمعنا بينها بهذا الجمع، والعلم عند الله تعالى.

وَلَا بِالْمُكَلْثَمِ (¬1) وَكَانَ فِي الْوَجْهِ تَدْوِيرٌ (¬2)، أَبْيَضُ مُشْرَبٌ (¬3)، كَثِيفُ شَعْرِ اللِّحْيَةِ كَثُّها (¬4) حَسَنُها، لِحْيتُهُ غَيرُ مُسْبَلَةٍ (¬5)، ¬

_ (¬1) قال شمر قال أَبو عبيد في صفة النبي صلى الله عليه وسلم إنه لم يكن بالمُكَلْثَم قال معناه أَنه لم يكن مستدير الوجه ولكنه كان أَسِيلاً صلى الله عليه وسلم وقال شمر المُكَلْثَمُ من الوجوه القَصِيرُ الحنكِ الدّاني الجَبهة المستدير الوجه وفي النهاية لابن الأَثير مستدير الوجهِ مع خفة اللحم قال ولا تكون الكَلْثَمة إلاَّ مع كثرة اللحم انتهى، فهو عليه سلام الله لم يكن مكلثما، ولا مطهما، بل كان أسيل الوجه أي في وجهه استطالة ونعومة. (¬2) وَالْمَعْنَى أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ الْإِسَالَةِ وَالِاسْتِدَارَةِ (¬3) روى البخاري أن ابْنَ عُمَرَ كان يَتَمَثَّلُ بِشِعْرِ أَبِي طَالِبٍ: وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ قَوْله: (ثِمَال) بِكَسْرِ الْمُثَلَّثَة وَتَخْفِيف الْمِيم هُوَ الْعِمَاد وَالْمَلْجَأ وَالْمُطْعِم وَالْمُغِيث وَالْمُعِين وَالْكَافِي. (¬4) كث اللحية: الكثوثة: أن تكون اللحية غير دقيقة ولا طويلة، ولكن فيها كثافة من غير عظم ولا طول، وفي القاموس كثت كثرت أصولها وكثفت وقصرت وجعدت ولذا روي كانت ملتفة وفي شرح المقامات للشريشي كثة كثيرة الأصول بغير طول ويقال للحية إذا قُصَّ شعرها وكثر إنها لكثة. (¬5) في لسان العرب: والسَّبَلة عند العرب مُقَدَّم اللحية وما أَسْبَل منها على الصدر يقال للرجل إِذا كان كذلك رجل أَسْبَلُ ومُسَبَّل إِذا كان طويل اللحية، انتهى، فالمعنى إذن أن لحيته صلى الله عليه وسلم لم تكن طويلة، لذا قال في الروايات الأخرى: غَيْرُ دَقِيقِها ولا طَويلِها، فطول شعر لحيته إذن متوسط.

حَسَنُ الثَّغْرِ (¬1)، (ضَلِيعُ الفَمِ (¬2) ¬

_ (¬1) حُلْوُ المَبْسَمِ، وروى الترمذي حديثا: مَا كَانَ ضَحِكُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا تَبَسُّمًا" (¬2) وروى مسلم عن شُعْبَة عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَلِيعَ الْفَمِ أَشْكَلَ الْعَيْنِ مَنْهُوسَ الْعَقِبَيْنِ، قَالَ: قُلْتُ لِسِمَاكٍ مَا ضَلِيعُ الْفَمِ؟ قَالَ: عَظِيمُ الْفَمِ، قَالَ قُلْتُ: مَا أَشْكَلُ الْعَيْنِ؟ قَالَ: طَوِيلُ شَقِّ الْعَيْنِ، قَالَ: قُلْتُ مَا مَنْهُوسُ الْعَقِبِ؟ قَالَ: قَلِيلُ لَحْمِ الْعَقِبِ، [والعَقِب، بكسر القاف: مؤخَّر القدم]. وَأَمَّا قَوْله فِي ضَلِيع الْفَم فَكَذَا قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ، وَهُوَ الْأَظْهَر. قَالُوا: وَالْعَرَب تَمْدَحُ بِذَلِكَ، وَتَذُمُّ صِغَر الْفَم، وَهُوَ مَعْنَى قَوْل ثَعْلَب فِي ضَلِيع الْفَم وَاسِع الْفَم. وَأَمَّا قَوْله فِي أَشْكَل الْعَيْن فَقَالَ الْقَاضِي هَذَا وَهْم مِنْ سِمَاك بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاء، وَغَلَطٌ ظَاهِرٌ، وَصَوَابه مَا اِتَّفَقَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاء، وَنَقَلَهُ أَبُو عُبَيْد وَجَمِيع أَصْحَاب الْغَرِيب أَنَّ الشُّكْلَة حُمْرَة فِي بَيَاض الْعَيْنَيْنِ، وَهُوَ مَحْمُود، وَالشُّهْلَة بِالْهَاءِ حُمْرَة فِي سَوَاد الْعَيْن. وَأَمَّا (الْمَنْهُوس) فَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَة. هَكَذَا ضَبَطَهُ الْجُمْهُور. وَقَالَ صَاحِب التَّحْرِير وَابْن الْأَثِير: رُوِيَ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْمُعْجَمَة، وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ، وَمَعْنَاهُ قَلِيل لَحْم الْعَقِب كَمَا قَالَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

حَسَنُهُ) (¬1)، أَشْنَبُ (¬2)، مُفَلَّجُ الأَسْنَانِ، (¬3) ¬

_ (¬1) أي وسيعه، وهو كناية عن غاية الفصاحة ونهاية البلاغة. وقال النووي: أي عظيمه. هكذا قاله الأكثرون. وهو الأظهر. قالوا: والعرب تمدح بذلك وتذم صغر الفم، في القاموس: رجل ضليع الفم أي عظيمه أو واسعه، أو عظيم الأسنان متراصفها. (¬2) أشنب: أي أبيض الأسنان مع بريق وتحديد فيها أو هو رونقها وماؤها أو بردها وعذوبتها (¬3) مفلج الأسنان: أي مفرج ما بين الثنايا، وفَلَجُ الأَسنان تباعُدٌ بينها، ورجل أَفْلَجُ إِذا كان في أَسْنانِه تَفَرُّقٌ، والفَلَجُ في الأَسنان تباعد ما بين الثّنايا والرَّباعِيات خِلْقةً فإِن تُكُلِّفَ فهو التفليجُ، ورجل مُفَلَّجُ الثنايا أَي مُنْفَرِجُها وهو خلاف المُتراصِّ الأَسنان وفي صفته صلى الله عليه وسلم أَنه كان مُفَلَّجَ الأَسنانِ وفي رواية أَفْلَجَ الأَسنانِ وفي الحديث أَنه لَعَنَ المُتَفَلِّجاتِ للحُسْنِ أَي النساءَ اللاتي يَفْعَلْنَ ذلك بأَسنانهن رغبة في التحسين، وأما الثنايا والرباعيات: والرَّباعِيةُ مثل الثمانية إِحدى الأَسنان الأَربع التي تلي الثَّنايا بين الثَّنِيّة والنّاب تكون للإِنسان وغيره والجمع رَباعِياتٌ قال الأَصمعي للإِنسان من فوق ثَنِيّتان ورَباعِيتان بعدهما ونابانِ وضاحِكان وستةُ أَرْحاء من كل جانب وناجِذان وكذلك من أَسفل انتهى، فالمعنى إذن: أن مقدم أسنانه صلى الله عليه وسلم، التي بين النابين، كانت مفلجة، أي مفروقة فرقا جميلا، وفي الخبر الآخر: كان ضليع الفم، ومعناه كما مر يومي بتراصف أسنان الفم، وفي الخبر أيضا أنه كان أشنب، أي لأسنانه بريق وتحديد، فهذه صفة أسنانه عليه سلام الله ..

تَامُّ الأُذُنَيْنِ، أَسِيلُ الْجَبِينِ صَلْتُ (¬1) الْجَبِينِ، أَسِيلُ الْخَدَّيْنِ (¬2)، سَهْلُهُمَا (¬3)، مُفَاضُهُمَا (¬4)، يُقْبِلُ جَمِيعَاً، وَيُدْبِرُ جَمِيعَاً، ¬

_ (¬1) الصَّلْتُ: البارِزُ المُسْتَوي، ورجل صَلْتُ الجَبين واضحُه وفي صفة النبي صلى الله عليه وسلم أَنه كان صَلْتَ الجبين قال خالدُ بن جَنْبَةَ الصَّلْتُ الجبينِ الواسعُ الجَبينِ الأَبيضُ الجَبينِ الواضحُ وقيل الصَّلْتُ الأَمْلَس وقيل البارزُ يقال أَصْبَحَ صَلْتَ الجَبين يَبْرُقُ، وقال أَبو عبيد الصَلْتُ الجبينِ المُسْتَوي وقال ابن شميل الصَّلْتُ الواسعُ المُسْتَوي الجميل وفي حديث آخر كان سَهْلَ الخَدَّيْنِ صَلْتَهما. (¬2) ورجلٌ أَسيلُ الخدِّ، إذا كان ليِّن الخدّ طويلَه، وكلُّ مسترسلٍ أَسِيلٌ، كذا في الصحاح، وفي لسان العرب: والأَسِيلُ الأَمْلس المستوي وقد أَسُل أَسالة وأَسُل خَدُّه أَسالة امَّلَسَ وطال، وخدٌّ أَسِيل وهو السهل الليِّن وقد أَسُل أَسالة أَبو زيد من الخدود الأَسِيلُ وهو السهل اللين الدقيق المستوي. (¬3) ليس فيهما نتوء ولا ارتفاع وهو بمعنى خبر البيهقي وغيره كان أسيل الخدين وذلك أعذب عند العرب. (¬4) مستويهما، مع شيء من الامتلاء.

أَكْحَلُ، عظيمُ الْعَيْنَيْنِ، في عينيه دُعجٌ (¬1)، أَشْكَلُ الْعَيْنَيْنِ (¬2) طويلُ شَعْرِ الأَجْفَانِ، أَزَجُّ (¬3) أقْرَنُ (¬4)، ¬

_ (¬1) وفي الخبر الآخر: أَدْعَجُ الْعَيْنَيْنِ أَهْدَبُ الْأَشْفَارِ،، والدَّعَجُ شدَّة سواد سواد العين وشدة بياض بياضها، وقيل شدة سوادها مع سعتها، وهو الأصح هنا، إذ أن بياض عينيه شابتهما حمرة، وعن محمد بن علي رضي الله عنه عن أبيه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم ضخم الرأس، عظيم العينين، هدب الأشفار، مشرب العين بحمرة، كثّ اللحية، أزهر اللون، إذا مشى تكفأ كأنما يمشي في صُعُد، وإذا التفت التفت جميعاً، شثن الكفين والقدمين». وفي رواية أخرى: فِي عَيْنَيْهِ حُمْرَةٌ. (¬2) الأشكل على ما في القاموس ما فيه حمرة وبياض مختلطة، أو ما فيه بياض [يضرب] إلى حمرة، (قيل: ما أشكل العينين. قال: طويل شق العين) بفتح الشين. قال القاضي عياض: تفسير سماك اشكال العينين وهم منه وغلط ظاهر. وصوابه ما اتفق عليه العلماء ونقله أبو عبيدة وجميع أصحاب الغريب، وهو أن الشكلة حمرة في بياض العين، وهو محمود. (¬3) والزَّجَجُ رِقَّة مَحَطِّ الحاجبين ودِقَّتُهُما وطولهما وسُبُوغُهما واسْتِقْواسُهُما وقيل الزَّجَجُ دِقَّة في الحاجبين وطُولٌ والرجل أَزَجُّ وحاجب أَزَجُّ ومُزَجَّجٌ وزَجَّجَتِ المرأَةُ حاجبها بالمِزَجِّ دققته وطوّلته وقيل أَطالته بالإِثمد. (¬4) مرققهما مع تقوس، أَزِجَ وأَزَجَ العُشْبُ طالَ، والقَرَنُ التقاء طرفي الحاجبين .. فالمعنى أن حاجبيه طويلان ورقيقان ومقوسان ومتصلان، وفي الخبر الآخر في غير قرن، فيجمع بينهما أنهما كادا يلتقيان، ولم يلتقيا، وإنما فرق بينهما عِرْقٌ، جاء في لسان العرب: والقَرَنُ التقاء طرفي الحاجبين وقد قَرِنَ وهو أَقْرَنُ ومَقْرُون الحاجبين وحاجب مَقْرُون كأَنه قُرِن بصاحبه وقيل لا يقال أَقْرَنُ ولا قَرْناء حتى يضاف إِلى الحاجبين وفي صفة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سَوابِغَ في غير قَرَنٍ: القَرَن بالتحريك التقاء الحاجبين قال ابن الأَثير وهذا خلاف ما روته أُم معبد فإِنها قالت في صفته صلى الله عليه وسلم أَزَجُّ أَقْرَنُ أَي مَقْرُون الحاجبين قال والأَول الصحيح في صفته صلى الله عليه وسلم وسوابغ حال من المجرور وهو الحواجب أَي أَنها دقت في حال سبوغها. انتهى

أَزَجُّ الحَواجِبِ، سَوَابِغ (¬1)، في غَيْرِ قَرْنٍ، بينَهُمَا عِرْقٌ يُدِرُّهُ الغَضَبُ (¬2) ¬

_ (¬1) شيء سابغٌ أَي كامِلٌ وافٍ، وسَبَغَتِ النِّعْمةُ تَسْبُغُ سُبُوغاً اتسعت وإِسْباغُ الوُضوءِ المُبالَغة فيه وإتْمامُه وأَسْبَغَ الله عليه النِّعْمةَ أَكْمَلَها وأَتَمَّها ووسَّعَها. (¬2) (سوابغ) بالسين أفصح من الصاد جمع سابغة أي كاملات. قال الزمخشري: حال من المجرور وهو الحواجب وهي فاعلة في المعنى إذ تقديره أزج حواجبه أي زجت حواجبه (في غير قرن) بالتحريك أي اجتماع يعني أن طرفي حاجبيه قد سبقا أي طالا حتى كادا يلتقيان ولم يلتقيا (بينهما) أي الحاجبين (عرق) بكسر فسكون (يدره) أي يحركه نافراً (الغضب) كان إذا غضب امتلأ ذلك العرق دماً كما يمتلئ الضرع لبناً إذا در فيظهر ويرتفع. فالحاصل إذن: أن حواجبه كادت تلتقي وتجتمع فيما بين العينين، إلا أنها لم تلتق، وبينها شريان دم ظاهر عند الغضب.

أهْدَبُ أَشْفَارِ العَيْنَيْنِ، في أَشْفَارِهِ (¬1) وَطَفٌ (¬2)، وفي صَوْتِهِ صَحَلٌ (¬3) وحُسْنٌ، وفي عُنُقِهِ سَطَعٌ (¬4)، كَأَنَّ عُنُقَهُ جِيْدُ دُمْيَةٍ (¬5)، في صَفَاءِ الفِضَّةِ. ¬

_ (¬1) شُفْرُ العين منابت الأَهداب من الجفون الجوهري: الأَشْفارُ حروف الأَجفان التي ينبت عليها الشعر وهو الهدب. (¬2) الوطَفُ كثرة شعر الحاجبين والعينين والأَشفار مع اسْترخاء وطول. (¬3) في صوته صَحَلٌ أَي بُحُوحة وفي صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وصَفَتْه أُمّ مَعْبَد وفي صوته صَحَلٌ هو بالتحريك كالبُحَّة وأَن لا يكون حادًّا. (¬4) وعُنُق سَطْعاءُ: التي طالت، ويقال في رفعه عنقه سَطَعَ يَسْطَعُ، وقد سَطِعَ سَطَعاً وسَطَعَ يَسْطَعُ رفع رأْسه ومدَّ عُنقه. (¬5) كأن عنقه بضم المهملة وبضم النون وتسكن (جيد) بكسر فسكون وهما بمعنى وإنما عبر به تفنناً وكراهة للتكرار اللفظي (دمية) كعجمة بمهملة ومثناة تحتية الصورة المنقوشة من نحو رخام أو عاج شبه عنقه بعنقها لأنه يتأنق في صنعتها مبالغة في حسنها وخصها لكونها كانت مألوفة عندهم دون غيرها (في صفاء الفضة) حال مقيدة لتشبيهه به أي كأنه هو حال صفائه قال الزمخشري: وصف عنقه بالدمية في الاستواء والاعتدال وظرف الشكل وحسن الهيئة والكمال وبالفضة في اللون والإشراق والجمال.

أَقْنَى (¬1) العِرْنَيْنِ (¬2) له نُورٌ يعلوه، يحسبه من لم يتأمله أشم. ¬

_ (¬1) أقنى العرنين، يعني: الأنف، والقنا أن يكون فيه دقة مع ارتفاع في قصبته، يقول منه: رجل أقنى، وامرأة قنواء، والأشم: أن يكون الأنف دقيقا لا قنا فيه. والقَنا مصدر الأَقْنَى من الأُنوف والجمع قُنْوٌ وهو ارتفاع في أَعلاه بين القصبة والمارنِ من غير قبح، ابن سيده والقَنا ارتفاع في أَعلى الأَنف واحْديدابٌ في وسطه وسُبُوغٌ في طرَفه وقيل هو نُتوء وسَطِ القصبة وإشْرافُه وضِيقُ المَنْخَرَيْن رجل أَقْنَى وامرأَة قَنْواء بَيِّنة القَنا وفي صفة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أَقْنَى العِرْنين القَنا في الأنف طوله ودِقَّة أَرْنبته مع حدَب في وسطه والعِرْنينُ الأَنف، أقنى بقاف فنون مخففة من القنا وهو ارتفاع أعلى الأنف واحد يدأب وسطه (العرنين) أي طويل الأنف مع دقة أرنبته وهو بكسر فسكون الأنف أو ما صلب منه أو أوله حيث يكون الشم والقنا فيه طوله ودقة أرنبته مع حدب في وسطه (له) أي للعرنين أو للنبي صلى اللّه عليه وسلم وهو أقرب (نور) بنون مضمومة (يعلوه) يغلبه من حسنه وبهاء رونقه (يحسبه) بضم السين وكسرها أي النبي أو عرنينه (من لم يتأمله) أي يمعن النظر فيه (أشم) مرتفعاً قصبة الأنف قال محقق: وذا يفيد أن قناه كان قليلاً فمن عكس انعكس عليه ومن قال المشهور كان أشم فالكتب المشهورة تكذبه اهـ. ومراده الدلجي والشمم ارتفاع قصبة الأنف وإشراف الأرنَبَةِ. (¬2) وعِرْنَينُ كل شيء أَوَّله وعِرْنينُ الأَنف تحت مُجْتَمَع الحاجبين وهو أَول الأَنف حيث يكون فيه الشَّمَمُ يقال هم شُمُّ العَرانينِ والعِرْنينُ الأَنف كله وقيل هو ما صَلُبَ من عَظْمِه قال ذو الرمة تَثْني النِّقابَ على عِرْنِينِ أَرْنَبةٍ شَمّاءَ مارِنُها بالمِسْكِ مَرْثُومُ وفي صفته صلى الله عليه وسلم أقْنى العِرْنينِ أَي الأَنف وقيل رأْس الأنف.

ضَخْمُ الرَّأْسِ (¬1) شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ، وكانَ شعرُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلّم إلى أنصافِ أُذنيهِ (¬2). وفي رواية: بينَ أُذنيهِ وعاتقِه. «وعن أنس: كان يَضْرِبُ (¬3) ¬

_ (¬1) ضَخْمُ الرَّأْسِ: أَيْ عَظِيمُهُ، وفي رواية للبخاري، قال: (كان ضخم الرأس) أي عظيمه وهو ممدوح عند العرب لدلالته على عظمة صاحبه وسعادته وإشارته إلى كمال رياسته وسيادته، ووصفت أعضاؤه صلى الله عليه وسلم بالعَظَمَةِ والضخامة، فناسب أن يكون الرأس متناسبا معها. (¬2) كان غالب أحواله أن يكون شعره صلى الله عليه وسلّم إلى قرب منكبيه، وكان ربما طال حتى يصير ذؤابة ويتخذ منه عقائص وضفائر كما أخرج أبو داود والترمذي بسند حسن من حديث أم هانىء قالت: «قدم رسول الله صلى الله عليه وسلّم مكة وله أربع غدائر» وفي لفظ «أربع ضفائر» وفي رواية ابن ماجه «أربع غدائر يعني ضفائر» والغدائر بالغين المعجمة جمع غديرة بوزن عظيمة، والضفائر بوزنه. فالغدائر هي الذوائب والضفائر هي العقائص، فحاصل الخبر أن شعره طال حتى صار ذوائب فضفره أربع عقائص، وهذا محمول على الحال التي يبعد عهده بتعهده شعره فيها وهي حالة الشغل بالسفر ونحوه والله أعلم. وقد أخرج أبو داود والنسائي وابن ماجه وصححه من رواية عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلّم ولي شعر طويل فقال ذناب ذباب، فرجعت فجززته، ثم أتيت من الغد فقال: «إني لم أَعْنِكَ» وهذا أحسن انتهى من فتح الباري، والمعنى أنه لم يعنه بقوله: ذناب ذباب، ولم يذم طول شعره. (¬3) قد جاء في صفته صلى الله عليه وسلم أَشْعَر الذراعَيْن والمَنْكِبَين وأَعْلى الصَّدرِ، وفي صفة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فَسِيحُ ما بين المَنْكِبَينِ أَي بعيد ما بينهما يصفه صلى الله عليه وسلم بسعة صدره ..

شَعرُ رأس النبي (¬1) صلى الله عليه وسلّم مَنكِبَيه (¬2)» وكان شعره «دُونَ الجُمَّةِ وفَوْقَ الوَفْرَةِ» (¬3). إن انْفَرَقَتْ عَقِيْقَتُهُ (¬4) فَرَقَ، وإلا فلا، وَكَانَ حَسَنَ الشَّعَرِ رَجِلَهُ (¬5)، ¬

_ (¬1) روى مسلم عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ مَا رَأَيْتُ مِنْ ذِي لِمَّةٍ أَحْسَنَ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَعْرُهُ يَضْرِبُ مَنْكِبَيْهِ بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ (¬2) «عن قتادةَ قال: سألت أنسَ بن مالِك رضيَ الله عنه عن شعر رسولِ الله صلى الله عليه وسلّم فقال: كان شعرُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلّم رَجِلاً، ليس بالسَّبطِ ولا الْجَعدِ بينَ أُذنيهِ وعاتقهِ». وجمع ابن بطال بين اللفظين المختلفين في الحديث بأن ذلك إخبار عن وقتين، فكان إذا غفل عن تقصيره بلغ قريب المنكبين وإذا قصه لم يجاوز الأذنين وجمع غيره بأن الثاني كان إذا اعتمر يقصر والأول في غير تلك الحالة وفيه بعد، «له شعر يبلغ شحمة أذنيه إلى منكبيه» وحاصله أن الطويل منه يصل إلى المنكبين وغيره إلى شحمة الأذن. (¬3) والجمة من شعر الرأس ما سقط على المنكبين، والوفرة شعر الرأس إذا وصل إلى شحمة الأذن. ولعل اختلاف الروايات باعتبار اختلاف الحالات. (¬4) أي إن انقلبت عقيقته أي شعر رأسه انفرق بسهولة لخلفة شعره حينئذ (فرق) بالتخفيف أي جعل شعره نصفين نصفاً عن يمينه ونصفاً عن شماله سمي عقيقة تشبيهاً بشعر المولود قبل أن يحلق فاستعير له اسمه (وإلا) بأن كان مختلطاً متلاصقاً لا يقبل الفرق بدون ترجل (فلا) يفرقه بل يتركه بحاله معقوصاً أي وفرة واحدة والحاصل أنه إن كان زمن قبول الفرق فرقه وإلا تركه غير مفروق (¬5) أي فيه تكسر يسير، يقال رجل شعره إذا مشطه فكان بين السبوطة والجعودة، وشعر مرجل أي مسرح وكان شعره عليه سلام الله بأصل خلقته مسرحاً ..

وَلَمْ يَكُنْ بِالْجَعْدِ (¬1) الْقَطِطِ وَلَا بِالسَّبِطِ (¬2) بل كَانَ جَعْدًا رَجِلًا، ¬

_ (¬1) الجعد من الشعر خلاف السبط وقيل هو القصير، والسَّبْطُ الشعر الذي لا جُعُودة فيه وشعر سَبْطٌ وسَبِطٌ مُسْتَرْسِلٌ غير جَعْدٍ وفي الحديث في صفة شعره ليس بالسَّبْطِ ولا بالجَعْدِ القَطِطِ السَّبْطُ من الشعر المُنْبَسِطُ المُسْتَرْسِلُ والقَطِطُ: الشدِيدُ الجُعُودةِ أَي كان شعره وسَطاً بينهما. (¬2) الشعر الجعد هو الذي يتجعد كشعور السودان، والسبط هو الذي يسترسل فلا يتكسر منه شيء كشعور الهنود، والقطط ـ بفتح الطاء ـ البالغ في الجعودة بحيث يتفلفل، فالمعنى إذن أن شعره صلى الله عليه وسلم كان رجلا، لم يكن مسترسلا شديد النعومة، بل كان ما بين ذلك وبين أن يكون جعدا.

أَجْرَدُ (¬1) طَوِيلُ الْمَسْرُبَةِ (¬2)، موصولُ ما بين اللُّبَّةِ والسُّرَّةِ بشعر يجري كالخطِّ، عاري اليدين والبطن مما سوى ذلك، أَشْعَرُ الذِّرَاعَينِ والمنْكِبَيْنِ وأَعَالي الصَّدْرِ، أنْوَرُ المُتَجَرَّدِ (¬3)، أجْمَلُ النَّاسِ وأبهاهُمْ من بَعيدٍ، وأجْلاهُمْ وأحْسَنُهُمْ من قَريبٍ، إن صَمَتَ فَعَلَيْهِ الوَقَارُ، وإنْ تَكَلَّمَ سَمَاهُ وَعَلَاهُ البَهَاءُ، وَفِيهِ حَيَاءٌ (¬4)، حُلْوُ المنْطِقِ ِِِ، فَصْلٌ (¬5) ¬

_ (¬1) قال ابن الأَثير الأَجرد الذي ليس على بدنه شعر ولم يكن صلى الله عليه وسلم كذلك وإِنما أَراد به أَن الشعر كان في أَماكن من بدنه كالمسربة والساعدين والساقين فإِن ضدَّ الأَجْرَد الأَشعرُ وهو الذي على جميع بدنه شعر. (¬2) طَوِيلُ الْمَسْرُبَةِ: بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ السِّينِ وَضَمِّ الرَّاءِ الشَّعْرُ الْمُسْتَدَقُّ الَّذِي يَأْخُذُ مِنْ الصَّدْرِ إِلَى السُّرَّةِ، (أجرد) أي الذي ليس على بدنه شعر. ولم يكن كذلك، وإنما أراد به أن الشعر كان في أماكن من بدنه كالمسربة والساعدين والساقين. فإن ضد الأجرد هو الأشعر الذي على جميع بدنه شعر. وقد بين بقوله: (ذو مسربة) أنه لم يكن أجرد على الإطلاق، وفي بعض ... الروايات: طويل المشربة، ولعله خطأ طباعي، فبعد البحث الطويل، استقر رأيي على أن الصواب هو طويل المسربة، والله أعلم. (¬3) في اللسان: والتجرُّدُ التعرِّي وفي صفته صلى الله عليه وسلم أَنه كان أَنورَ المتجرِّدِ أَي ما جُرِّدَ عنه الثياب من جسده وكُشِف يريد أَنه كان مشرق الجسد. (¬4) روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ- واللفظ لمسلم- كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ حَيَاءً مِنْ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا وَكَانَ إِذَا كَرِهَ شَيْئًا عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ. (¬5) كلامه فصل .. روى الترمذي عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْرُدُ سَرْدَكُمْ هَذَا وَلَكِنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ بَيْنَهُ فَصْلٌ يَحْفَظُهُ مَنْ جَلَسَ إِلَيْهِ.

لا نَزْرٌ ولا هَذَرٌ (¬1)، كَأَنَّ مَنْطِقَهُ خَرَزَاتٍ نُظْمٍ يَتَحَدَّرْنَ، أُوتيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، أَفْصَحُ النَّاسِ لِسَانَاً، وأقْوَاهُمْ حُجَّةً وَبُرْهَانَاً، بَعِيدُ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، عَرِيضُ الصَّدْرِ لم تعبه ثجلة ولم تُزْرِ به صُقْلةٌ (¬2) (وفي رواية) صَعْلَةٌ (¬3)، كان بَادِناً مُتَمَاسِكاً، سَواءَ الْبَطْنِ (¬4) ¬

_ (¬1) كلامه بيِّنٌ وسطٌ ليس بالقليل ولا بالكثير، وفي حديث أُمِّ مَعْبَد لا نَزْر ولا هَذَر النَّزْر القليل أَي ليس بقليل فيدُلَّ على عِيٍّ ولا كثيرٍ فاسد. (¬2) أَي لم تَعِبْهُ دِقَّة ونُحُول، ورواه بعضهم ولم تَعِبْه ثُجلةٌ ولم تُزْرِ به صَعْلةٌ فالثُّجْلة استرخاء البطن والصَّعْلة صِغَرُ الرأْس وبعضهم يَرْويه لم تَعِبْه نُحْلة (¬3) الثجلة: كبر البطن، والصعلة: صغر الرأس، يعني أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن كبير البطن ولا صغير الرأس، لم تُزْرِ به ثُجْلة أَي ضِخَمُ بَطْن ويروى بالنون والحاء أَي نُحُول ودِقَّة، الجوهري: الثُّجْلة بالضم عِظَم البطن وسَعَتُه، ورواه بعضهم ولم تَعِبْه ثُجلةٌ ولم تُزْرِ به صَعْلةٌ فالثُّجْلة استرخاء البطن والصَّعْلة صِغَرُ الرأْس وبعضهم يَرْويه لم تَعِبْه نُحْلة، فالمعنى إذن: لم يكن نحيلا، ولا صاحب بطن مسترخية.، وأما الصعلة، ففي وصف علي رضي الله عنه لرأسه الشريفة، ضخم الرأس، فنجمع بين وصف أم معبد بأنه لم يعبه صغر رأس، مع وصف علي بأنه كان ضخم الرأس، بأن حجم رأسه الشريفة أقرب للعظم، منها للصغر، بما يملؤ العين مهابة، وإنما وصف بضخم الرأس لأن هذا الوصف من البلاغة للدلالة على العظمة والسعادة وكمال الرياسة. (¬4) وفي صفته صلّى اللّه عليه وسلّم مُفاض البطنِ أَي مُسْتَوي البطنِ مع الصَّدْرِ وقيل المُفاضُ أَن يكون فيه امْتِلاءٌ ..

وَالصَّدْرِ (¬1)، ضَخْمَ الْكَرَادِيسِ (¬2) ¬

_ (¬1) قال البيهقي: كان بطنه غير مستفيض فهو مساو لصدره وظهره عريض فهو مساو لبطنه أو العريض بمعنى الوسيع أو مجاز عن احتمال الأمور (¬2) ضَخْمُ الْكَرَادِيسِ: هِيَ رُءُوسُ الْعِظَامِ وَأَحَدُهَا كُرْدُوسٌ وَقِيلَ هِيَ مُلْتَقَى كُلِّ عَظْمَيْنِ ضَخْمَيْنِ كَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْمِرْفَقَيْنِ وَالْمَنْكِبَيْنِ أَرَادَ أَنَّهُ ضَخْمُ الْأَعْضَاءِ.

بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ (¬1) وَهُوَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، أَجْوَدُ النَّاسِ كَفَّا وَأَشْرَحُهُمْ صَدْرًا وَأَصْدَقُ النَّاسِ لَهْجَةً وَأَلْيَنُهُمْ عَرِيكَةً وَأَكْرَمُهُمْ عِشْرَةً مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ وَمَنْ خَالَطَهُ مَعْرِفَةً أَحَبَّهُ يَقُولُ نَاعِتُهُ لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ. (ورأيت الخاتم) بفتح التاء ويكسر، أي خاتم النبوّة. (عند كتفه مثل بيضة الحمامة.) أي مدوّراً (يشبه) أي لونه (جسده) أي لون سائر أعضائه. والمعنى لم يخالف لونه لون بشرته، ¬

_ (¬1) روى الترمذي عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ كَانَ خَاتَمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي الَّذِي بَيْنَ كَتِفَيْهِ غُدَّةً حَمْرَاءَ مِثْلَ بَيْضَةِ الْحَمَامَةِ. قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وروى البخاري عَنْ الْجُعَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ قَالَ: ذَهَبَتْ بِي خَالَتِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنَ أُخْتِي وَقَعَ فَمَسَحَ رَأْسِي وَدَعَا لِي بِالْبَرَكَةِ وَتَوَضَّأَ فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُوئِهِ ثُمَّ قُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتِمٍ بَيْنَ كَتِفَيْهِ قَالَ ابْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحُجْلَةُ مِنْ حُجَلِ الْفَرَسِ الَّذِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ مِثْلَ زِرِّ الْحَجَلَةِ. وَجَزَمَ التِّرْمِذِيّ بِأَنَّ الْمُرَاد بِالْحُجْلَةِ الطَّيْر الْمَعْرُوف، وَأَنَّ الْمُرَاد بِزِرِّهَا بَيْضهَا، وَيُعَضِّدهُ ما عِنْد مُسْلِم عَنْ جَابِر بْن سَمُرَة " كَأَنَّهُ بَيْض حَمَامَة ".

سَمِينُ الكَفَّيْنِ (¬1) والقَدَمَيْنِ، (¬2) شَثْنُ الْكَفَّيْنِ (¬3) وَالْقَدَمَيْنِ (¬4)، إِذَا مَشَى تَقَلَّعَ كَأَنَّمَا يَمْشِي فِي صَبَبٍ وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ مَعًا، شَبْحُ الذِّرَاعَيْنِ (¬5)، ¬

_ (¬1) (وكان سبط الكفين) أي غليظهما. قال أبو عبيدة: يعني أنهما إلى الغلظ والقصر أميل. وقال غيره: هو الذي في أنامله غلظ بلا قصر. ويحتمل أن يكون كناية عن الجود، لأن العرب تقول للبخيل جعد الكف، وفي ضده سبط الكف. (¬2) قال ابن بطال: كانت كفه صلى الله عليه وسلّم ممتلئة لحماً، غير أنها مع ضخامتها كانت لينة كما تقدم في حديث أنس. (¬3) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ وَبِالنُّونِ اي لم يكن نحيف الكفين والقدمين مع ليونتهن وقِيلَ اللِّينُ فِي الْجِلْدِ وَالْغِلَظُ فِي الْعِظَامِ فَيَجْتَمِعُ لَهُ نُعُومَةُ الْبَدَنِ مَعَ الْقُوَّةِ (¬4) للإيماء إلى الشجاعة والثبات والقوّة في العبادات، ويحمد ذلك في الرجال لأنه أشد لقبضهم وأدل على قوّتهم، ويذم في النساء لفوات المطلوب منهن وهو الرعانة. ثم المراد غلظ العضو في الخلقة لا خشونة الجلد لما صح عن أنس: ما مسست ديباجة ولا حريرة ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وفي صفته صلى الله عليه وسلم: شَثْنُ الكفين والقدمين أَي أَنهما تميلان إلى الغِلَظِ والقِصَر وقيل هو الذي في أَنامله غلظ بلا قصر ويحمد ذلك في الرجال لأَنه أَشدُّ لقَبْضِهم ويذم في النساء. (¬5) أَي عريضهما وفي صفة النبي صلى الله عليه وسلم أَنه كان مَشْبُوحَ الذراعين أَي طويلَهما وقيل عريضهما وفي رواية كان شَبْح الذراعين ..

(طَويلُ الزّنْدَيْنِ)، رَحْبُ الرَّاحِةِ (¬1)، جَلِيلُ الْمُشَاشِ (¬2) وَالْكَتَدِ (¬3) سَبْطُ القصبِ (¬4)، سَائِلُ (¬5) ¬

_ (¬1) والرَحْبُ، بالفتح: الواسِعُ (¬2) والمُشاشُ كلُّ عظم لا مُخّ فيه يُمْكنك تتّبعُه، وفي صفة النبي صلى اللَّه عليه وسلم أَنه كان جليلَ المُشاشِ أَي عَظِيمَ رُءُوسِ الْعِظَامِ كَالْمِرْفَقَيْنِ والْكَتِفَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ، قال الجوهري والمُشاشةُ واحدة المُشاشِ وهي رُءُوسُ الْعِظَامِ الليّنة التي يمكن مضغُها ومنه الحديث مُلِئَ عَمّارٌ إِيماناً إِلى مُشاشِه والمُشاشةُ ما أَشرفَ من عظْم المنكِب، (¬3) والكَتَدِ الكَتِدُ بفتح التاء وكسرها مُجْتَمِعُ الْكَتِفَيْنِ وَهُوَ الْكَاهِلُ وَهُوَ مُقَدَّمُ أَعْلَى الظَّهْرِ مِمَّا يَلِي الْعُنُقَ وَهُوَ الثُّلُثُ الْأَعْلَى مِمَّا يَلِي الظَّهْرَ وَفِيهِ سِتُّ فَقَرَاتٍ، ومنه الحديث كنا يوم الخندق نَنْقُلُ الترابَ على أَكتادِنا جَمْع الكتد. (¬4) والقَصَبُ عظام الأَصابع من اليدين والرجلين وقيل هي ما بين كل مَفْصِلَيْن من الأَصابع وفي صفته عليه السلام: سَبْطُ القَصَب، القَصَبُ من العظام كلُّ عظم أَجوفَ فيه مُخٌّ واحدتُه قَصَبة وكلُّ عظمٍ عَريضٍ لَوْحٌ، والسبْطُ والسِبطُ بسكون الباء وكسرها الممتدُّ الذي ليس فيه تَعَقُّدٌ ولا نُتوء والقَصَبُ يريد بها ساعِدَيه وساقَيْه. (¬5) سائل الأَطراف أَي ممتدّها، وفي روايات: سَائِر أو سَابِل الأَطْرَافِ، وكلها بمعنى ممتد الأطراف ..

الأَطْرَافِ، خُمْصانُ الأَخْمَصَين (¬1)، مسيحُ القَدَمَيْنِ (¬2) يَنْبُو عَنْهُمَا الماءُ، إذا زالَ زالَ قلعاً، وتخطَّى تَكَفِّياً، ويمشي هوناً، ذريعُ المِشْيَة إذا مَشَى كأنَّما يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ، وإذا التَفَتَ التَفَتَ معاً، (¬3) خَافِضُ الطَّرْفِ، نظرُهُ إلى الأرض أطولُ من نظره إلى السماء، جُلُّ نظرهِ الملاحظةُ، يسوقُ أصحابَهُ، يَبْدُرُ من لَقِيَ بِالسَّلاَمِ. ¬

_ (¬1) قال ثعلب سأَلت ابن الأَعرابي عن قول عليّ كرم اللّه وجهه في الحديث كان رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خُمْصانَ الأَخْمَصَين فقال إِذا كان خَمَصُ الأَخْمَصِ بِقَدْرٍ لم يرتفِع جدّاً ولم يستوِ أَسْفلُ القدمِ جِدّاً فهو أَحسنُ ما يكون فإِذا استوى أَو ارتفع جدّاً فهو ذمّ فيكون المعنى أَن أَخْمَصَه مُعْتدل الخَمَصِ، الأَزهري: الأَخْمَصُ من القدم الموضع الذي لا يَلْصَقُ بالأَرض منها عند الوطءِ والخُمْصانُ المبالِغُ منه أَي أَن ذلك الموضع من أَسْفلِ قدَمِه شديدُ التجافي عن الأَرض الصحاح الأَخْمَصُ ما دخل من باطن القدم فلم يُصِب الأَرض والتَّخامُصُ التجافي عن الشيء انتهى من لسان العرب، والمعنى أن قدمه الشريفة فيها تقوس وسطها، لا يصيب الأرض حين يطؤها ولم تكن قدمه منبسطة. (¬2) أَراد أَنهما مَلْساوانِ لَيِّنَتانِ ليس فيهما تَكَسُّرٌ ولا شُقاقٌ إِذا أَصابهما الماء نَبا عنهما. (¬3) (وَإِذَا اِلْتَفَتَ) أَيْ أَرَادَ الِالْتِفَاتَ إِلَى أَحَدِ جَانِبَيْهِ (اِلْتَفَتَ مَعًا) أَيْ بِكُلِّيَّتِهِ، والمعنى أنه لا يلتفت بأن يدير وجهه فقط باتجاه التفاتته.

عن أنس قال

عَنْ أَنَسٍ قَالَ: مَا مَسِسْت حَرِيرًا وَلَا دِيبَاجًا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، (¬1) ¬

_ (¬1) وفي صحيح مسلم عن ثَابِت عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزْهَرَ اللَّوْنِ كَأَنَّ عَرَقَهُ اللُّؤْلُؤُ إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ وَلَا مَسِسْتُ دِيبَاجَةً وَلَا حَرِيرَةً أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا شَمِمْتُ مِسْكَةً وَلَا عَنْبَرَةً أَطْيَبَ مِنْ رَائِحَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَوْله: (أَزْهَر اللَّوْن) هُوَ الْأَبْيَض الْمُسْتَنِير، وَهِيَ أَحْسَن الْأَلْوَان. قَوْله: (كَأَنَّ عَرَقه اللُّؤْلُؤ) أَيْ فِي الصَّفَاء وَالْبَيَاض. وفي صحيح مسلم عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: دَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عِنْدَنَا [أي نَامَ وقت الظهيرة] فَعَرِقَ وَجَاءَتْ أُمِّي بِقَارُورَةٍ فَجَعَلَتْ تَسْلِتُ الْعَرَقَ فِيهَا فَاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا هَذَا الَّذِي تَصْنَعِينَ قَالَتْ هَذَا عَرَقُكَ نَجْعَلُهُ فِي طِيبِنَا وَهُوَ مِنْ أَطْيَبِ الطِّيبِ. قَوْله: (فَقَالَ عِنْدنَا فَعَرِقَ) أَيْ نَامَ لِلْقَيْلُولَةِ، قَوْله: (تَسْلُتُ الْعَرَقَ) أَيْ تَمْسَحُهُ وَتَتْبَعُهُ بِالْمَسْحِ .. وروى مسلم في صحيحه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ بَيْتَ أُمِّ سُلَيْمٍ فَيَنَامُ عَلَى فِرَاشِهَا وَلَيْسَتْ فِيهِ قَالَ فَجَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ فَنَامَ عَلَى فِرَاشِهَا فَأُتِيَتْ فَقِيلَ لَهَا هَذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَامَ فِي بَيْتِكِ عَلَى فِرَاشِكِ قَالَ فَجَاءَتْ وَقَدْ عَرِقَ وَاسْتَنْقَعَ عَرَقُهُ عَلَى قِطْعَةِ أَدِيمٍ عَلَى الْفِرَاشِ فَفَتَحَتْ عَتِيدَتَهَا فَجَعَلَتْ تُنَشِّفُ ذَلِكَ الْعَرَقَ فَتَعْصِرُهُ فِي قَوَارِيرِهَا فَفَزِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا تَصْنَعِينَ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ؟ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَرْجُو بَرَكَتَهُ لِصِبْيَانِنَا قَالَ: أَصَبْتِ. قَوْله: (كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ بَيْت أُمّ سُلَيْمٍ، فَيَنَامُ عَلَى فِرَاشهَا) وكَانَتْ مَحْرَمًا لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفِيهِ الدُّخُولُ عَلَى الْمَحَارِم، وَالنَّوْم عِنْدهنَّ، وَفِي بُيُوتهنَّ، وَجَوَاز النَّوْم عَلَى الْأُدُم، وَهِيَ الْأَنْطَاع وَالْجُلُود. قَوْله: (فَفَتَحَتْ عَتِيدَتهَا) هِيَ بِعَيْنٍ مُهْمَلَة مَفْتُوحَة ثُمَّ مُثَنَّاة مِنْ فَوْقُ ثُمَّ مِنْ تَحْتُ، وَهِيَ كَالصُّنْدُوقِ الصَّغِير، تَجْعَلُ الْمَرْأَة فِيهِ مَا يَعِزُّ مِنْ مَتَاعهَا. قَوْله: (فَفَزِعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا تَصْنَعِينَ؟) مَعْنَى فَزِعَ اِسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمه.

وفي حديث معاذ

وفي حديث مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَرْدَفَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَهُ فِي سَفَرٍ فَمَا مَسِسْت شَيْئًا قَطُّ أَلْيَنَ مِنْ جِلْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، (ولا شممت) بكسر الميم ويفتح (مسكاً ولا عنبراً أطيب من رائحة النبي.) (¬1) ¬

_ (¬1) وفي الشمائل للترمذي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم من أحسن الناس خلقاً، ولا مسست خزاً ولا حريراً قط ولا شيئاً كان ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ولا شممت مسكاً قط ولا عطراً كان أطيب من عرق رسول الله صلى الله عليه وسلّم: وفي نسخة: من عرف بالفاء، (وعن جابر بن سمرة قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم صلاة الأولى) من باب إضافة الموصوف إلى الصفة، والمتبادر أنها الصبح. قال النووي وتبعه ابن الملك: هي صلاة الظهر. (ثم خرج) أي من المسجد (إلى أهله) أي متوجهاً إلى إحدى الحجرات الشريفة (وخرجت معه. فاستقبله ولدان) جمع وليد وهو الصبي (فجعل) أي شرع (يمسح) أي بيديه الكريمتين (خدي أحدهم واحداً واحداً) حال (وأما أنا فمسح خَدَّيَّ) بصيغة التثنية، وفي نسخة بالإفراد على إرادة الجنس. (فوجدت ليده برداً) أي راحة (أو ريحاً) أي رائحة طيبة. والظاهر أن أو بمعنى الواو، أو بمعنى بل. (كأنما أخرجها) أي إذا أخرج يده من الكم فكأنه أخرجها. (من جؤنة عطار) بضم الجيم وسكون الهمز ويبدل، أي سلته أو حقته وفي النهاية: هو بضم الجيم التي يعد فيها الطيب ويحرز. قال النووي: وفي الحديث بيان طيب ريحه صلوات الله عليه [وسلامه]، وهو ما أكرمه الله سبحانه وتعالى به. قالوا: وكانت هذه الريح الطيبة صفته وإن لم يمس طيباً، ومع هذا كان يستعمل الطيب في كثير من الأوقات مبالغة في طيب ريحه لملاقاة الملائكة وأخذ الوحي الكريم ومجالسة المسلمين.

وفي وصف ابن أبي هالة

رَبْعَةٌ لا تَشْنَؤُهُ من طُوْلٍ، ولا تَقْتَحِمُهُ عَيْنٌ من قِصَرٍ، رَبْعَةٌ ليسَ بالطَّويلِ البَائِنِ ولا القَصِيْرِ، وفي وصف علي رضي الله عنه له: لَمْ يَكُنْ بِالطَّوِيلِ الْمُمَّغِطِ وَلَا بِالْقَصِيرِ الْمُتَرَدِّدِ، وَكَانَ رَبْعَةً مِنْ الْقَوْمِ، وفي رواية: كَانَ عَظِيمَ الْهَامَةِ. فالجمع بين الروايات أنه كان أقربُ إلى الطول (¬1). وفي وصف ابن أبي هالة له، -وكان وصَّافًا-: "وأطولَ مِن المربوع، وأقصرَ من المشذّب" (¬2) ¬

_ (¬1) وعن أنس رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم ليس بالطويل البائن) أي الباعد عن حد الاعتدال والمفرط طولاً، الذي يعد من قدر الرجال الطوال، أو الظاهر البين طوله، من بان إذا بعد أو ظهر. (ولا بالقصير) أي المتردد كما في رواية. والحاصل أنه كان معتدل القامة لكن إلى الطول أميل. فإن النفي نصب إلى قيد وصف البائن، فثبت أصل الطول ونوع منه، فهو بالنسبة إلى الطول البائن قصير. ولذا قيد نفي القصير بالمتردد. ويؤيده أنه جاء في رواية: أنه ربعة إلى الطول. وهذا إنما هو في حد ذاته، وإلا فما ماشاه طويل إلا غلبه في الطول، وفي النهاية: هو الذي ليس بطويل ولا قصير ولا جسيم، كأن خلقه يجيء به القصد من الأمور والمعتدل الذي لا يميل إلى أحد طرفي الإفراط والتفريط. (¬2) وهو البائن الطول مع نحافة أي نقص في اللحم من قولهم نخلة شذباء أي طويلة بشذب أي قطع عنها جريدها ووقع في حديث عائشة عند ابن أبي خيثمة لم يكن أحد يماشيه من الناس ينسب إلى الطول إلا طاله رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وربما اكتنفه الرجلان الطويلان فيطولهما فإذ فارقاه نسبا إلى الطول ونسب إلى الربعة.

غُصْنٌ بَيْنَ غُصْنَيْنِ، فَهُوَ أنْضَرُ الثَّلاثَةِ مَنْظَرَا ًًًًًًًًًًٍٍََََِْْ، وأَحْسَنُهُمْ قَدْرَا ً، لَهُ رُفَقَاءُ يحُفُّونَ بِهِ، إن قال انْصَتُوا لِقَوْلِه ِِ، وإنْ أَمَرَ تَبَادَرُوا لأمْرِهِ، مَحشُودٌ مَحفُودٌ (¬1)، وَصَفَهُ أبو هريرة رضي الله عنه فقال: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّ الشَّمْسَ تَجْرِي فِي وَجْهِهِ وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَسْرَعَ فِي مِشْيَتِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّمَا الْأَرْضُ تُطْوَى لَهُ إِنَّا لَنُجْهِدُ أَنْفُسَنَا وَإِنَّهُ لَغَيْرُ مُكْتَرِثٍ، ووصف علي رضي الله عنه مشيته فقال: إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ تَكَفُّؤًا كَأَنَّمَا انْحَطَّ مِنْ صَبَبٍ (¬2). ¬

_ (¬1) عنده جماعة من أصحابه يطيعونه (¬2) تَكَفَّا تَكَفِّيًا: قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ تَمَايَلَ إِلَى قُدَّامَ، هَكَذَا رُوِيَ غَيْرُ مَهْمُوزٍ وَالْأَصْلُ الْهَمْزُ. (كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ) بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ أَيْ يَسْقُطُ. (مِنْ صَبَبٍ) أَيْ مَوْضِعٍ مُنْحَدِرٍ مِنْ الْأَرْضِ، يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يَمْشِي مَشْيًا قَوِيًّا وَيَرْفَعُ رِجْلَيْهِ مِنْ الْأَرْضِ رَفْعًا بَائِنًا قَويَّاً، وَهِيَ مِشْيَةُ أَهْلِ الْجَلَادَةِ وَالْهِمَّةِ لَا كَمَنْ يَمْشِي اِخْتِيَالًا وَيُقَارِبُ خُطَاهُ تَنَعُّمًا، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ مَشْيِ النِّسَاءِ وَيُوصَفْنَ بِهِ، كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ بتصرف. وَالصَّبَبُ الْحُدُورُ.

وتوفَّاه الله على رأس ستين سنة وليسَ في رأسِه ولحيتِه عشرونَ شعرةً بيضاءَ (¬1) ¬

_ (¬1) وفي رواية لمسلم، قال: إنما كان البياض) أي صاحبه وهو الشعر الأبيض [أو البياض] كناية عن الشيب (في عنفقته) فتح العين وسكون النون ففاء ثم قاف، أي شعره النابت تحت شفته السفلى وفوق الذقن. (وفي الصدغين) بضم أوّله، أي الشعر المتدلي على ما بين العين والأذن. (وفي الرأس نبذ) بفتح النون وسكون الموحدة فذال معجمة، أي شيء يسير من شيب.

قلتُ: صف لي منطقه. قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم مُتَوَاصِلَ الأَحْزَانِ، دَائِمَ الْفِكْرَةِ، لَيْسَتْ لَهُ رَاحَةٌ، لاَ يَتَكَلَّمُ فِي غَيْرِ حَاجَةٍ، طَوِيلَ السَّكْتِ، يَفْتَتِحُ الْكَلاَمَ وَيَخْتِمُهُ بِأَشْدَاقِهِ، وَيَتَكَلَّمُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ، كَلاَمُهُ فَصْلٌ لاَ فُضُولَ وَلاَ تَقْصِيرَ، دَمِثٌ لَيْسَ بِالْجَافِي وَلاَ المَهِينِ، يُعَظمُ النعْمَةَ وَإِنْ دَقَّتْ، (لاَ يَذُمُّ مِنْهَا شَيْئاً) لاَ يَذُمُّ ذَوَاقَاً (طعاما) وَلاَ يَمْدَحُهُ، وَلاَ تُغْضِبُهُ الدُّنْيَا وَلاَ مَا كَانَ لَهَا، فَإِذَا تُعُوطِيَ الْحَقَّ لَمْ يَعْرِفْهُ أَحَدٌ، وَلَمْ يَقُمْ لِغَضَبِهِ شَيْءٌ، (حَتَّى يَنْتَصِرَ لَهُ)، وَلاَ يَغْضَبُ لِنَفْسِهِ وَلاَ يَنْتَصِرُ لَهَا، إِذَا أَشَارَ أَشَارَ بِكَفهِ كُلهَا، وَإِذَا تَعَجَّبَ قَلَّبَهَا، وَإِذَا تَحَدَّثَ اتَّصَلَ بِهَا فَيَضْرِبُ بِبَاطِنِ رَاحَتِهِ الْيُمْنى بَاطِنَ إِبْهَامِهِ الْيُسْراى، وَإِذَا غَضِبَ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ، وَإِذَا ضَحِكَ غَضَّ طَرْفَهُ، جُلُّ ضَحِكِهِ التَّبَسُّمُ، وَيَفْتَرُّ عَنْ مِثْلِ حَب الْغَمَامِ،.

وَكَانَ دُخُولُهُ لِبَيْتِهِ مَأْذُونٌ لَهُ فِي ذالِكَ، وَكَانَ إِذَا أَواى إِلاى مَنْزِلِهِ جَزَّأَ نَفْسَهُ ثَلاَثَةَ أَجْزَاءٍ: جِزْءٌ لِلَّهِ، وَحُزْءٌ لأِهْلِهِ، وَجُزْءٌ لِنَفْسِهِ، ثُمَّ جَزَّأَ نَفْسَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، فَيَرُدُّ ذالِكَ عَلاى الْعَامَّةِ بِالْخَاصَّةِ فَلاَ يَدَّخِرُ عَنْهُمْ شَيْئَاً، فَكَانَ مِنْ سِيرَتِهِ فِي جُزْءِ الأُمَّةِ إِيثَارُ أَهْلِ الْفَضْلِ بِأَدَبِهِ، وَقَسَمُهُ عَلاى قَدَرِ فَضْلِهِمْ فِي الدينِ، فَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَةِ، وَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَتَيْنِ، وَمِنْهُمْ ذُو الْحَوَائِجِ، فَأَقْسَمَهَا عَلَيْهِمْ فِيمَا يُصْلِحُهُمْ وَالأُمَّةَ وَإِخْبَارُهُمْ بِالَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ، وَيَقُولُ: لِيُبَلغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، وَأَبْلِغُونِي حَاجَةَ مَنْ لاَ يَسْتَطِيعُ إِبْلاَغَهَا، فَمَنْ بَلَّغَ سُلْطَانَاً حَاجَةً لاَ يَسْتَطِيعُ إِبْلاَغَهَا يُثَبتُ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ يُذْكَرُ عِنْدَهُ إِلاَّ ذالِكَ وَلاَ يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ غَيْرَهُ، يَدْخُلُونَ عَلَيْهِ رُوَّادَاً، وَلاَ يَفْتَرِقُونَ إِلاَّ مِنْ ذَوَاقٍ وَيَخْرُجُونَ أَدِلَّةً،.

قال: فسألته عن مخرجه كيف كان يصنع فيه؟ فقال: وَكَانَ يَخْزِنُ لِسَانَهُ إِلاَّ مِمَّا يُعِينُهُمْ وَيُؤَلفُهُمْ وَلاَ يُفَرقُهُمْ وَلاَ يُنَفرُهُمْ، فَيُكْرِمُ كَرِيمَ كُل قَوْمٍ وَيُوَليهِ عَلَيْهِمْ، وَيَحْذَرُ النَّاسَ وَيَحْتَرِسُ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْوِي عَنْ أَحَدٍ بُشْرَهُ وَلاَ خُلُقَهُ، يَتَفَقَّدُ أَصْحَابَهُ وَيَسْأَلُ النَّاسَ عَمَّا فِي النَّاسِ، وَيُحَسِّنُ الْحَسَنَ وَيُقَوِّيهِ، وَيُقَبِّحُ الْقَبِيحَ وَيُوهِنُهُ، مُعْتَدِلَ الأَمْرِ غَيْرَ مُخْتَلِفٍ، لاَ يَغْفَلُ مَخَافَةَ أَنْ يَغْفَلُوا أَوْ يَمَلُّوا، لِكُل حَالٍ عِنْدَ عِبَادٍ، وَلاَ يَقْصُرُ عَنِ الْحَق وَلاَ يِجُوزُهُ الَّذِينَ يَلُونَهُ مِنَ النَّاسِ، خِيَارُهُمْ أَفْضَلُهُمْ عِنْدَهُ أَعْظَمُهُمْ نَصِيحَةً وَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً أَحْسَنُهُمْ مُوَاسَاةً وَمُؤَازَرَةً،.

فسألته عن مجلسه فقال: وَكَانَ لاَ يَجْلِسُ وَلاَ يَقُومُ إِلاَّ عَنْ ذِكْرٍ، وَلاَ يُوطِنُ الأَمَاكِنَ وَيَنْهاى عَنْ إِيطَانِهَا، وَإِذَا انْتَهاى إِلاى قَوْمٍ جَلَسَ حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ المَجْلِسُ، وَيَأْمُرُ بِذالِكَ وَيُعْطِي كُلَّ جُلَسَائِهِ نَصِيبَهُ، لاَ يَحْسَبُ جَلِيسُهُ أَنَّ أَحَدَاً أَكْرَمَ عَلَيْهِ مِنْهُ، مَنْ جَالَسَهُ أَوْ فَاوَضَهُ فِي حَاجَةٍ صَابَرَهُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ المُنْصَرِفُ، وَمَنْ سَأَلَهُ فِي حَاجَةٍ لاَ يَرُدُّهُ إِلاَّ بِهَا، أَوْ بِمَيْسُورٍ مِنَ الْقَوْلِ، قَدْ وَسِعَ النَّاسَ مِنْ بَسْطِهِ وَخُلُقِهِ فَصَارَ لَهُمْ أَبَاً، وَصَارُوا عِنْدَهُ فِي الْحَق سَوَاءً، مَجْلِسُهُ مَجْلِسُ عِلْمٍ وَحَيَاءٍ وَأَمَانَةٍ، لاَ تَرْتَفِعُ فِيهِ الأَصْوَاتُ، وَلاَ تُؤَبَّنُ فِيهِ الْحُرَمُ، وَلاَ تُسَاءُ فَلَتَاتُهُ مُعَادِلِينَ مُتَوَاضِعِينَ فِيهِ بِالتَّقاوى مُتَوَاضِعِينَ، يُوَقرُونَ الْكَبِيرَ، وَيَرْحَمُونَ الصَّغِيرَ، وَيُؤْثِرُونَ ذَوِي الْحَاجَةِ، وَيَحْفَظُونَ الْغَرِيبَ،.

قال: قلت: كيف كانت سيرته في جلسائه؟ قال: وَكَانَتْ سِيرَتُهُ فِي جُلَسَائِهِ أَنَّهُ دَائِمُ الْبِشْرِ، سَهْلُ الْخُلُقِ، لَينُ الْجَانِبِ، لَيْسَ بِفَظَ وَلاَ غَلِيظٍ، وَلاَ صَخَّابٍ وَلاَ فَاحِشٍ، وَلاَ عَيَّابٍ وَلاَ سَبَّابٍ، يَتَغَافَلُ عَمَّا لاَ يَشْتَهِي وَلاَ تَجَيُّبَ فِيهِ، قَدْ تَرَكَ نَفْسَهُ مِنْ ثَلاَثٍ: المِرَاءِ، وَالإِكْثَارِ، وَمِمَّا لاَ يَعْنِيهِ، وَتَرَكَ نَفْسَهُ مِنْ ثَلاَثٍ: كَانَ لاَ يَذُمُّ أَحَدَاً وَلاَ يُعَيرُهُ، وَلاَ يَطْلُبُ عَوْرَتَهُ، وَلاَ يَتَكَلَّمُ إِلاَّ فِيمَا يُرْجاى ثَوَابُهُ، إِذَا تَكَلَّمَ أَطْرَقَ جُلَسَاؤُهُ كَأَنَّمَا عَلاى رُؤُوسِهِمُ الطَّيْرُ، وَإِذَا سَكَتَ تَكَلَّمُوا، وَلاَ يَتَنَازَعُونَ عِنْدَهُ، إِذَا تَكَلَّمَ أَنْصَتُوا لَهُ حَتَّى يَفْرُغَ، حَدِيثُهُمْ عِنْدَهُ حَدِيثُ أَوْنَسِهِمْ، يَضْحَكُ مِمَّا يَضْحَكُونَ مِنْهُ، وَيَتَعَجَّبُ مِمَّا يَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ، وَيَصْبِرُ عَلاى الْغَرِيبِ عَلاى الْجَفْوَةِ فِي مَنْطِقِهِ وَمَسْكَنِهِ حَتَّى إِذَا كَانَ أَصْحَابُهُ يَسْتَجْلِبُونَهُمْ، وَيَقُولُ: إِذَا رَأَيْتُمْ طَالِبَ الْحَاجَةِ فَأَرْشِدُوهُ، وَلاَ يَقْبَلُ الثَّنَاءَ إِلاَّ مِنْ مُكَافِىءٍ، وَلاَ يَقْطَعُ عَلاى أَحَدٍ حَدِيثَهُ حَتَّى يَجُوزَهُ فَيَقْطَعَهُ بِنَهْيٍ أَوْ قِيَامٍ،.

قال: قلت: كيف كان سكوته؟ قال: وَكَانَ سُكُوتُهُ عَلاى أَرْبَعٍ: عَلاى الْحِلْمِ، وَالْحَذَرِ، وَالتَّقْدِيرِ وَالتَّفَكُّرِ، فَأَمَّا تَقْدِيرُهُ تَسْوِيَةُ النَّظَرِ، وَاسْتِمَاعٌ بَيْنَ النَّاسِ، وَأَمَّا تَذَكُّرُهُ أَوْ تَفَكُّرُهُ فِيمَا يَبْقاى وَيَفْناى، وَجُمِعَ لَهُ الْحِلْمُ وَالصَّبْرُ، فَكَانَ لاَ يُرْضِيهِ وَلاَ يَسْتَقِرُّهُ، وَجُمِعَ لَهُ الْحَذَرُ فِي أَرْبَعٍ: أَخْذُهُ بِالْحُسْنَى لِيُعَدَّ آيَةً وَتَرْكُهُ الْقَبِيحَ لِيُنْتَهاى عَنْهُ، وَاجْتِهَادُ الرَّأْيِ فِيمَا أَصْلَحَ أُمَّتَهُ، وَالْقِيَامُ فِيمَا جَمَعَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَالآْخِرَةَ.

(أَجْوَدُ النَّاسِ صَدْرًا أَجْوَدُ النَّاسِ كَفَّا وَأَشْرَحُهُمْ صَدْرًا) (¬1). (وَأَصْدَقُ النَّاسِ لَهْجَةً) (¬2) (وَأَلْيَنُهُمْ عَرِيكَةً) (¬3) (وَأَكْرَمُهُمْ عِشْرَةً) (¬4) (مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً) (¬5) (هَابَهُ) (¬6) (وَمَنْ خَالَطَهُ مَعْرِفَةً أَحَبَّهُ) (¬7) (يَقُولُ نَاعِتُهُ) (¬8) (لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مَثَلُهُ) (¬9). ¬

_ (¬1) إِمَّا مِنْ الْجَوْدَةِ بِفَتْحِ الْجِيمِ بِمَعْنَى السَّعَةِ وَالِانْفِسَاحِ أَيْ أَوْسَعُهُمْ قَلْبًا فَلَا يَمَلُّ وَلَا يَنْزَجِرُ مِنْ أَذَى الْأُمَّةِ وَمِنْ جَفَاءِ الْأَعْرَابِ، وَإِمَّا مِنْ الْجُودِ بِالضَّمِّ بِمَعْنَى الْإِعْطَاءِ ضِدُّ الْبُخْلِ أَيْ لَا يَبْخَلُ عَلَى أَحَدٍ شَيْئًا مِنْ زَخَارِفِ الدُّنْيَا وَلَا مِنْ الْعُلُومِ وَالْحَقَائِقِ وَالْمَعَارِفِ الَّتِي فِي صَدْرِهِ، فَالْمَعْنَى أَنَّهُ أَسْخَى النَّاسِ قَلْبًا (¬2) أَيْ لِسَانًا وَقَوْلًا (¬3) الْعَرِيكَةُ الطَّبِيعَةُ يُقَالُ فُلَانٌ لَيِّنُ الْعَرِيكَةِ إِذَا كَانَ سَلِسًا مِطْوَاعًا مُنْقَادًا قَلِيلَ الْخِلَافِ وَالنُّفُورِ (¬4) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ أَيْ مُعَاشَرَةً وَمُصَاحَبَةً (¬5) أَيْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَوْ فُجَاءَةً وَبَغْتَةً (¬6) أَيْ خَافَهُ وَقَارًا وَهَيْبَةً مِنْ هَابَ الشَّيْءَ إِذَا خَافَهُ وَوَقَّرَهُ وَعَظَّمَهُ (¬7) أَيْ بِحُسْنِ خُلُقِهِ وَشَمَائِلِهِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ لَقِيَهُ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ بِهِ وَالْمَعْرِفَةِ إِلَيْهِ هَابَهُ لِوَقَارِهِ وَسُكُونِهِ فَإِذَا جَالَسَهُ وَخَالَطَهُ بَانَ لَهُ حُسْنُ خُلُقِهِ فَأَحَبَّهُ حُبًّا بَلِيغًا (¬8) أَيْ وَاصِفُهُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ وَصْفِهِ (¬9) أَيْ مَنْ يُسَاوِيهِ صُورَةً وَسِيرَةً وَخُلُقًا وَخَلْقًا

روى البخاري عن عبد الله بن عمرو

روى البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا (¬1) ¬

_ (¬1) قَوْله: (فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا) أَيْ نَاطِقًا بِالْفُحْشِ، وَهُوَ الزِّيَادَة عَلَى الْحَدّ فِي الْكَلَام السَّيِّئ، وَالْمُتَفَحِّش الْمُتَكَلِّف لِذَلِكَ أَيْ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْفُحْش خُلُقًا وَلَا مُكْتَسِبًا، وَوَقَعَ عِنْد التِّرْمِذِيّ مِنْ طَرِيق أَبِي عَبْد اللَّه الْجَدَلِيّ قَالَ " سَأَلْت عَائِشَة عَنْ خُلُق النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَلَا سَخَّابًا فِي الْأَسْوَاق، وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَح "، وَقَدْ رَوَى البخاري فِي الْأَدَب مِنْ حَدِيث أَنَس " لَمْ يَكُنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّابًا وَلَا فَحَّاشًا وَلَا لَعَّانًا، كَانَ يَقُول لِأَحَدِنَا عِنْد الْمَعْتَبَة: مَا لَهُ تَرِبَتْ جَبِينه " وَلِأَحْمَد مِنْ حَدِيث أَنَس " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يُوَاجِه أَحَدًا فِي وَجْهه بِشَيْءٍ يَكْرَههُ " وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيث عَائِشَة " كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَلَغَهُ عَنْ الرَّجُل الشَّيْء لَمْ يَقُلْ: مَا بَال فُلَان يَقُول؟ وَلَكِنْ يَقُول: مَا بَال أَقْوَام يَقُولُونَ ". وفي صحيح مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ وَاللَّهِ مَا قَالَ لِي أُفًّا قَطُّ وَلَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ لِمَ فَعَلْتَ كَذَا وَهَلَّا فَعَلْتَ كَذَا ..

وروى البخاري أن أبا هريرة قال

وَكَانَ يَقُولُ إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلَاقًا (¬1). وروى البخاري أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ وَلَا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي. قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ إِذَا رَآهُ فِي صُورَتِهِ. روى الترمذي وابن ماجه والبيهقي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: اضْطَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَصِيرٍ فَأَثَّرَ فِي جِلْدِهِ فَقُلْتُ بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ كُنْتَ آذَنْتَنَا فَفَرَشْنَا لَكَ عَلَيْهِ شَيْئًا يَقِيكَ مِنْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَنَا وَالدُّنْيَا إِنَّمَا أَنَا وَالدُّنْيَا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا. ¬

_ (¬1) قَوْله: (إِنَّ مِنْ خِيَاركُمْ أَحْسَنكُمْ أَخْلَاقًا) فِي رِوَايَة مُسْلِم " أَحَاسِنكُمْ "وَحُسْن الْخَلْق: اِخْتِيَار الْفَضَائِل، وَتَرْك الرَّذَائِل. وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَد مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة رَفَعَهُ " إِنَّمَا بُعِثْت لِأُتَمِّم صَالِح الْأَخْلَاق " وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّار مِنْ هَذَا الْوَجْه بِلَفْظِ " مَكَارِم " بَدَل " صَالِح " وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَط بِإِسْنَادٍ حَسَن عَنْ صَفِيَّة بِنْت حُيَيّ قَالَتْ " مَا رَأَيْت أَحَدًا أَحْسَن خُلُقًا مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَعِنْد مُسْلِم مِنْ حَدِيث عَائِشَة " كَانَ خُلُقه الْقُرْآن، يَغْضَب لِغَضَبِهِ وَيَرْضَى لِرِضَاهُ ".

وروى الامام أحمد عن ابن عباس

وروى الامام أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ وَهُوَ عَلَى حَصِيرٍ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَوْ اتَّخَذْتَ فِرَاشًا أَوْثَرَ مِنْ هَذَا فَقَالَ مَا لِي وَلِلدُّنْيَا مَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ سَارَ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ فَاسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا. فهذا هو غيض من فيض في وصف نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم، جمعته من كتب الحديث، وشروحها، والسير، ومعاجم اللغة، وكتب الشمائل، والتاريخ، وقد جهدت أن أجمع ما قيل في وجهه الشريف في موضع، وما قيل في عينيه الشريفتين في موضع، وهكذا، فتصرفت في مواضع تلك الأوصاف من الروايات لأقرب الصورة من الأذهان، وسألت الله تعالى أن يمتعنا برؤيته في المنام في هذه الدنيا، وأن يجمعنا به في الآخرة، فيسيقينا من يديه الشريفتين شربة ماء لا نظمأ بعدها أبدا، اللهم صل وسلم وأنعم وبارك على سيد الخلق محمد بن عبد الله، صلاة وسلاما دائمين لا ينقطعان إلى يوم الدين، ترضى بهما عنا، جزاه الله عنا وعن الاسلام والمسلمين خير الجزاء ورفعه، وآتاه المقام المحمود الذي وعدتَهُ إياه، والحمد لله رب العالمين

§1/1