التعجب من فعل المفعول بين المانعين والمجيزين

سليمان العايد

التعجب من فعل المفعول بين المانعين والمجيزين

التعجب من فعل المفعول بين المانعين والمجيزين د/ سليمان بن إبراهيم العايد الأستاذ المشارك ورئيس قسم الدراسات العليا العربية في جامعة أم القرى بسم الله الرحمن الرحيم عُنيَ أهل العربية بهذا الموضوع: فلم يخلوا مصنفاً من مصنفاتهم من إشارة إليه في أثناء حديثهم عن شروط فعلي أو صيغتي التعجب، بل قامت المناظرات العلمية من أجله، كالمناظرة التي أوردها علم الدين السخاوي (643) في كتابه "سفر السعادة" في صحيفة 580 وما بعدها. وأورد طرفاً منها أبو حيان (745) في "التذكرة" في صحيفة 599. وقد دارت بين أبي جعفر النحاس (338) وأبي العباس بن ولاّد (332) وهي مناظرة لا تخلو من مغالطة، وإلزام بما لا يلزم من قبل ابن ولاّد. وهم حين يتحدثون عن التعجب من فعل المفعول، لا يقصدون التعجب بالواسطة، وإنما يقصدون التعجب مباشرةً، أما التعجب بواسطة (ما أشد) و (أشدد) ، والإتيان بالمصدر، فلا يمنعون من ذلك اتفاقاً إذا كان المصدر مؤولاً من (ما) والفعل، لأنه لا يُوقعُ في لبسٍ، أو صريحا ولم يُلْبِس، جاء في تذكرة أبي حيان: "فإن قلت: ضُرِبَ زَيدٌ، لم يجز أن تقول فيه: ما أَضْرَبَ زَيداً!؛ لأنه كان يلتبس بالفاعل ولكن تقول: ما أشدَّ ما ضُرِبَ زَيْدٌ!، وما أَشَدَّ ضرْبَ زَيْدٍ! " 1. وقال ابن عقيل: "وإن لم يعدم الفعل إلا الصَّوغ للفاعل، جيء به صلة ل (ما) المصدرية، آخذةً ما للمتعجب منه بعد (ما أشدَّ) أو (أشدِد) ونحوهما، نحو: ما أكثر ما ضُرِبَ زَيدٌ!، وأَكثر بما ضُرِبَ زَيْدٌ! , ولا يؤتى بالمصدر (يعني الصريح) للالباس، فإن لم يُلْبِس جاز، نحو: ما أكَثَرَ شُغْلَ زيدٍ!، وأكثِرْ به! " 2.

_ 1 ص 293. 2 المساعد 2/ 165.

والخلاف الذي يرد في هذا البحث، بل يدور حوله, يتناول التعجب المباشر دون ما كان بواسطة (ما أشَدَّ) أو (أشْدِدْ) مأتياً بعدهما بالمصدر المؤول، الذي يدفع اللبس، ويرفع الشك، لورود الفعل المبني للمفعول صريحاً فيه. وأما التعجب المباشر بدون هذه الواسطة بصيغتي (ما أَفْعَلَ) و (أَفْعِلْ) , فهو الذي اشترطوا لإمكانه مباشرة عدم البناء للمفعول؛ لأن التعجب في نظر الجمهور إنما يكون من فعل الفاعل، لأن التعجب إنما يكون مما كثر حتى صار كالغريزة له، والضربُ ونحوه إذا وقع بالمحل فليس من فعل المفعول، إنما هو للفاعل، فلا يصير فعل غيره غريزة له، لأن الغريزة ما كان خِلْقَةً في المحل كالسواد والبياض، فإذا تكرر الفعل من الفاعلِ جُعل كالغريزة 1 حتى بالغ بعضهم فقال: "إنما معنى التعجب أن أجعل الفاعل مفعولا" 2. والبحث سيفصل الخلاف، ويشرحه، ويبيّن أدلَّة كل فريق، ويؤصل منزعهم ومأخذهم. وبالله أستعين، فأقول: التعجب أسلوبٌ من الأساليب الإنشائية، لا يُعْنَى به أهل البلاغة، لأنهم يقسمون أساليب الإنشاء إلى قسمين: إنشاء طلبي، وإنشاء غير طلبي, ويقصدون بغير الطلبي "مالا يستدعي مطلوباً غير حاصل وقت الطلب، ويكون بصيغ المدح والذم، وصيغ العقود, والقسم، والتعجب، والرجاء، ويكون ب (رُب) و (لعل) و (كم) الخبرية" 3. ولا يقصده البلاغيون بالنظر، ولا يخصُّونه بتبويب خاص، "لقلَّة المباحث البلاغية المتعلقة به، ولأن أكثر أنواعه في الأصل أخبار نُقِلت إلى معنى الإنشاء" 4. وأفعال التعجب كأفعال المدح والذم، مثل (نعم) و (بئس) لإنشاء المدح والذم والتعجب، وقيل: إنها أخبار تحتمل الصدق والكذب، ولهذا بُشِّر أعرابي ببنت، فقيل له: نِعْمَتِ المولودةُ، فقال: "والله ما هي بِنِعْمَتِ المولودةُ" 5. ويمر به الصرفيون مرّ الكرام عند ذكر معاني الصيغ، مثل معاني فَعُلَ، ومعاني أَفْعَلَ.

_ 1 شرح المفصل 6/ 49. 2 سفر السعادة 586، وصاحب القول أبو جعفر النحاس. 3 معجم البلاغة العربية 480. 4 بغية الإيضاح 2/ 32. 5 انظر بغية الإيضاح 2/ 32.

وُيعنى به النحويون، فيفردونه بالتبويب، ويبحثون في صيغه، وشروط صوغه, وإعراب تلك الصيغ، وأحكام تقديم معموله وتأخيره، وغير ذلك من أحكام، كما يذكرونه في الحديث عن (أفعل) التفضيل، ويحيلون على الشروط التي ذكرت في فعلي التعجب، لاتفاقهما فيها. والتعجب: "استعظام فعل فاعل ظاهر المزيّة، بسبب زيادةٍ فيه خفي سببها بحيث لا يتعجب مما لا زيادة فيه، ولا مما ظهر سببه" 1. ويُعرِّفه الرضي بأنه: "انفعال يعرض للنفس عند الشعور بأمر يخفى سببه، ولهذا قيل: "إذا ظهر السبب بطل التعجب" 2 فالتعجب إنما يكون مما ندر من الأحكام، ولم تعرف علَّته" 3. وحين يطلقون فعل التعجب فالمراد به عندهم صيغتا (ما أفعله) و (أفعِل به) ، إذ من المعلوم أن للتعجب صيغا غير هاتين، بعضها سماعي وبعضها قياسي. فالسماعي مثل قوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ} 4 وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة: "سبحان الله، إن المؤمن لا ينجُس". وقول العرب: " لله دَرُّه فارساً"، وقولهم: "يالك من ليل", "وما أنت جاره", "لله لا يُؤخر الأجل" 5 وفي تذكرة أبي حيّان: "وقد تجيء عن العرب ألفاظ مختلفة مضمنة معنى التعجب، ليست مما يدخل تحت صيغة تلزمها أحكامها، فمن ذلك قولهم: "ما أنت من رجل، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، وحسبك بزيد رجلاً، ومنها: ما جاء باللام وبالتاء في باب القسم، ومنها: (فعُل) في باب (نِعمٍ وبئسٍ) ، إذا دخلت عليه اللام, نحو: لكرم الرجل" 6. وقد عد بعض النحاة (فَعُل) صيغة قياسيةً, فيكون - على هذا - للتعجب ثلاث صيغ, قال ابن عصفور: "وللتعجب ثلاثة ألفاظ: ما أفعله، وأفعِل به، وفعُل" 7, وقال الجوهري: "صور التعجب ثلاث: "ما أحسن زيداً وأسمع به، وكبرت كلمةً" 8.

_ 1 ينظر شرح جمل الزجاجي لابن عصفور 1/ 576، والأشموني 3/ 16، ومعجم المصطلحات النحوية والصرفية 143. 2 شرح الكافية 2/ 307، وانظر المرتجل 145، وانظر شرح المفصل 7/ 142. 3 المرتجل 145. 4 سورة البقرة آية 28. 5 انظر الملخص في ضبط قوانين العربية 450. 6 ص 466-467، وانظر ص 599. 7 المقرب 1/ 72. 8 الصحاح (طمع) .

والنحاة يخصون باب التعجب للصيغتين: (ما أفعَله) و (أفعِل به) ، وأما (فعُل) فإنّ كل فعل ثلاثي استوفى شروط التعجب يجوز تحويله إلى (فعُل) ، ليلحق بالغرائز للمبالغة والتعجب، فيستعمل استعمال (نِعم) و (بئس) ، نحو: فَهم الرَّجل زيدٌ، ويصح تجريد فاعله من (أل) نحو: فهُمَ زَيْد" 1. والشروط التي اشترطوها ثمانية: 1- أن يكون فعلاً، فلا يبنيان من "الجلف" و"الحِمار"، ولا يتعجب من "اللص"، فإن جاء ما يخالف فهو شاذ، نحو: ما أذرع المرأَة، أي ماَ أخف يدها في الغزل، ومثل: ما أقمنه، وما أجدره. 2- أن يكون فعله ثلاثياً 2 مجرداً، فلا يبنيان من غيره، كدحرج، وضارب واستخرج، واختلفوا في صياغته من (أفعَل) ، وعلى هذا فقولهم: (ما أتقاه) شاذ لأنه من (اتَّقى) . 3- أن يكون متصرفاً تمام التصرف، فلا يبنيان من غيره، مثل (نعم) ، و (بئس) , و (كاد) ، و (يدع) ، و (يذرُ) ، و (هبْ) . 4- أن يكون معناه قابلا للتفاضل أي: للزيادة والنقصان، فلا يبنيان من مثل: "فني" و"مات". 5- أن يكون الفعل تاماً، فلا يبنيان من نحو: "كان"، و"ظل"، و"بات"، و"كَاد"، لأن الناقص لا يدل على الحدث، والتفضيل إنما يقع فيه. 6- أن يكون مثبتاً، فلا يبنيان من منفي، سواء كان ملازما للنفي، نحو: ما نبس بكلمة، وما عاج بالدواء، أم غير ملازم، نحو: ما قام. 7- أن يكون الوصف منه مقيساً على (أفعل فعلاء) فلا يبنيان من (فَعِلِ) المكسور العين، الدال على الألوان، والعيوب الظاهرة، والحِلىَ، مثل: عَرِجَ، وشَهِلَ، وخَضِر الزرْع. 8- أن يكون مبنياً للمعلوم، فلا يبنيان من نحو: ضُرِبَ، وهذا الشرط هو موضوع هذا البحث، وبالتفصيل فيه، وخلاف أهل العربية في التعجب منه آتٍ، إن شاء الله.

_ 1 المغني لعضيمة 72. 2 فعل التعجب يكون من (فَعَلَ) قالوا: ما أقعده! ، ويكون من (فَعِلَ) ، نحو: ما أعلمه!، ويكون من (فَعُلَ) ، نحو: ما أظرفه! . انظر الملخص في ضبط قوانين العربية ص451.

ويقرر أهل العربية أن الفعل إذا فقد تمام التصرف، والتفاوت فلا يتعجب منه البته، ويتوصل إلى التعجب مما سواهما ب (أَشَدّ) أو ب (أَشْدِدْ) ونحوهما، ويؤتى بعدهما بالمصدر منصوباً أو مجروراً، إلا أن المصدر قد يكون صريحاً مما زاد على ثلاثة ومما وصفه المنقاس على (أفْعَلَ فَعْلاَء) ويكون مؤولا عن المنفي والمبني للمفعول، وأما الناقص فمن قال: له مصدر، فيأتي به صريحاً، ومن قال: لا مصدر له، أتى به مؤوَلاً. وأما ما لا فعل له، فقيل: لا يتعجب منه، وقيل: يتعجب منه، ويؤتى بعد (ما أشدَّ) أو (أشدد) بمصدره الصناعي، نحو: ما أشدَّ حماريته. ونحن في بحثنا هذا، لم نورد ما أوردناه - وهو واضح - إلا من باب تقرير الواضح، لما سيبني عليه فيما بعد من أحكام، وأما فعل المفعول فأوّل ما يقال فيه تعيين المراد منه. لا نقصد بفعل المفعول: الفعل الذي لم يسم فاعله، أو الفعل المبني للمجهول, بل لا نفرق بين "ضُرِبَ عَمروٌ" و"ضَرَبَ زيدٌ عمراً" لأن التعجب - كما يقول الجمهور - لا يكون إلا من الفاعل لا من المفعول، وقد استدرك الرازي على الجوهري، فقال: "تعليله يوهم أنه إذا سُمّي فاعله يجوز، وليس كذلك، فإنك لو قلت: ضرب زيد عمراً، وقلت: "ما أضْرَبَ عمراً" لم يجز، لأن التعجب إنما يجوز من الفاعل لا من المفعول" 1. وقد ذهب أهل العربية في جواز التعجب من فعل المفعول بدون واسطة (أشدَّ) أو (أشْدِد) إلى أقوال: 1- المنع مطلقاً. وهو مذهب جمهور النحويين، ومنهم البصريون، وهو ظاهر كلام سيبويه. 2- الجواز مطلقاً، وهو المشهور عنِ الكوفيين، كما سيأتي. 3- الجواز إذا كان الفعل ملازما لصيغة (فُعِل) نحو: عُنِيتُ بحاجتك، وزُهِيَ علينا، فيجيز: ما أعناه بحاجتك، وما أزهاه علينا 2. 4- الجواز إذا أمن اللَّبْسُ، وهذا مذهب المحققين من النحاة، كخطّاب وابن مالك 3.

_ 1 مختار الصحاح 341. 2 أوضح المسالك 3/ 75. 3 شرح الكافية الشافية 1086-1087، ورأي خطاب في تذكرة أبي حيان ص378 ,293, 294.

وقد زعم عبد القاهر الجرجاني أنه لم ير للمانعين علة لمنعه أكثر من أنه يؤدي إلى اللبس 1. ورجع المنع - في نظره - إلى علتين: 1- اتفاقهم على أن التعجب أصله أن يدخل فيما هو غريزة. 2- أن همزة فعل التعجب همزة تعدية. والحق أن غير عبد القاهر قد سبقه إلى التنبيه إلى هاتين العلتين وكأني بعبد القاهر لم يطلع على كلامه. فالذين منعوا أن يصاغ التعجب من الفعل الواقع على المفعول قالوا: 1- إنّ فعل التعجب وأفعل التفضيل إنما يصاغان من الفعل اللازم، ولهذا يقدّر نقله من (فَعَلَ) و (فَعِلَ) المفتوح العين ومكسورها إلى (فَعُل) المضموم العين 2. فالفعل في قولهم: (ما أفعله) ، يقع النقل منه عن فعل غير متعد يدل على ذلك مساواة الفعل المتعدي الفعل غير المتعدي فيه، وذلك في قولنا: ما أحسن زيداً!، وما أضرب عمراً! , فحسن غير متعد، فإذا زيدت عليه الهمزة تعدى إلى مفعول واحد، كما أن سائر الأفعال غير المتعدية كذلك، نحو: قام زيدٌ وأقمته، فلو كان النقل عن الفعل المتعدي في هذا الباب، لوجب أن يتعدى الفعل المتعدي فيه إلى مفعول واحد إلى مفعولين، وفي امتناعه من ذلك دلالة على أن النقل وقع من فعل غير متعد" 3. قال ابن جني: "وكذلك نعتقد في الفعل المبني منه فعل التعجب أنه قد نقل عن (فَعَلَ) و (فَعِلَ) إلى (فَعُلَ) حتى صارت له صفة التمكن والتقدم، ثم بني منه الفعل، فقيل: (ما أفعله) ، نحو: ما أشعره، إنما هو من "شَعُرَ"، وقد حكاها أيضاً أبو زيد، وكذلك: ما أقتله وأكفره، وهو عندنا من "قَتُلَ " و"كَفُرَ" تقديرا، وإن لم يظهر في اللفظ استعمالا" 4.

_ 1 المقتصد 1/ 383. 2 زاد المعاد 1/ 90 وفي تذكرة أبي حيان ص 467: "إن كان الفعل متعدياً رددته إلى غير المتعدي، ثم نقلته بالهمزة التي للتعجب، فصيرته متعدياً، وصفة الرد أن ترده إلى باب (فَعُلَ) اللازم، فترد "جَهِلَ" إلى "جَهُلَ" و"بَرَدَ" إلى "بَرُدَ"، ثم تُدخل الهمزة، فتقول. ما أجهل الرجل، وما أبرد الماء، كذا حكى الرماني". وقال الفارسي: "إنّ الأفعال المتعدية تساوي الأفعال غير المتعدية في التعجب، وذلك أن الفعل ليس يقع في هذا الباب حتى يكثر من فاعله فيصير بذلك بمنزلة ما كان غريزة، وهذا الضرب من الأفعال هو غير متعد، فجعل الفارسي زوال التعدي عنه لوقوعه في هذا الباب دون أن ينقل من صيغة إلى غيرها". ص 467-468 من التذكرة. 3 العضديات 134-135 مسألة (61) . 4 الخصائص 2/ 225.

وقال عبد القاهر: "اتفقوا على أن التعجب أصله أن يدخل فيما هو غريزة، ولذلك حملوه على (فَعُلَ) ، وجعلوه علماً له في نحو: قَضُوَ الرَّجُلُ زَيْدٌ، وعَلُم الرجُل عَمْرٌو، وقالوا: إن الأفعال التي لا تكون غريزة لا يدخلها التعجب إلا بعد أن تجري مجرى الغريزة، بأن يتكرر وقوعها من أصحابها، أو تقع منهم على صفة تقتضي تمكنهم فيها، فلا يقال: ما أضربَ زيداً، وهو ضارب ضربة خفيفة، لا، بل يقال ذلك إذا كثر هذا الفعل، أو وقع بقوة، وصدر على حد يوجب فضل قدرة منه عليه، وإذا ثبت هذا الأصل وجب الامتناع عن التعجب في فعل المفعول، لأن الفعل يصح أن يصير كالغريزة والعادة للفاعل الذي منه يوجد، فأما المفعول فلا يتصور فيه ذلك، إذ لا يكون وقوع الفعل على زيد من غيره غريزة له على الحقيقة، كيف ولاحظَّ له في إيجاد الفعل؟! وأكثر ما يمكن أن يقال: إنه يعتاد الضرب بمعنى يَمْرُنُ على احتماله، واحتمال الفعل الواقع من الغير عليه معنى خارج عن الفعل، فلا يصير الفعل متمكنا فيه تمكن الغريزة، لكونه محتملاً له، فلو جاز أن يكون فعل غيرك غريزة لك لجاز أن يكون سواد عمرو صفة لزيد، وخلقةً له؟ مع كونه أبيض، فلما كان كذلك لم يبن فعل التعجب من فعل المفعول، إذ كان يؤدي إلى أن يقال: ضُرِبَ زيدٌ، بمعنى صار فعل غيره غريزة له, وذلك محال كما ترى" 1. والخلاصة أن همزة (أفْعَلَ) لتعدية ما كان لازماً بالأصالة، نحو: ما أحسنه, أو لتقوية ما صار لازماً بالنقل إِلى (فَعُلَ) إلى مفعول غير مفعوله الأول، وهو فاعل أصل الفِعْلِ، نحو: ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْراً في: ما أضْرَبَ زيداً لعمروٍ! " 2 كما يتضح فيما يأتي. 2- ولهذا اللزوم يُعدى بالهمزة إلى المفعول، فالهمزة للتعدية، كقولك: ما أظرف زيداً، وأكرم عمراً! , وأصلهما من ظَرُفَ وكَرُمَ؛ قالوا: لأن المتعجب منه فاعل في الأصل، فوجب أن يكون فعله غير متعدٍ، قالوا: وأما نحو: ما أضْرَبَ زيداً لعمروٍ!، فهو منقول من (فَعَلَ) المفتوح العين إلى (فَعُلَ) المضموم العين، ثم عُدي – والحالة هذه - بالهمزة. قال عبد القاهر: "إن فِعْلَ التعجب منقول بالهمزة من غير التعدي، فقولك: ما أحسنَ زيداً! بمنزلة: عمروٌ أذهب زيداً. في أنك نقلته من "حَسُنَ" بمعنى: شيء جعله حسناً، كما أن: عمروٌ أذهب زيداً بمعنى جعله ذاهباً، ولا يصح النقل للتعدية في فعل المفعول، لأن الغرض فيها

_ 1 المقتصد 1/ 383-384. 2 شرح الكافية 2/ 310.

جَعْلُك غيرك فاعلاً لفعل، من شأن ذلك الفعل أن يوجد منه، كقولك: أذْهَبْتُ زيداً، أي: حملته على الذهاب، جعلته يفعل، فالذهاب فعل زيدٍ إلا أنه كان تاركاً له، فحمله عليه، أو عاجزا عنه، فأعنته على فعله، فكل فعل متعد كان تعديه بنقل الهمزة، فالمفعول فيه فاعل في المعنى والأصل، والمفعول القائم مقام الفاعل في قولك: ضرِبَ زَيدٌ، لا حظَّ له في الفعل بوجه، إذ لا يتصور أن يكون لزيد في قولك: "ضُرِبَ زيدٌ" فعل تحمله عليه، وتجعله فاعلا له، لأنه بمنزله قولنا: أُوقِع به الضربُ، فالفعل لمن أوقعه دون زيد، فأنت إذاً تحاول بتعدية ضُرِبَ أن تجعل زيداً فاعلاً, وهذا الفعل الذي تزعم أنك تُعديه يقتضي أنه مفعول، فهما في طرفي نقيض, وإذا ثبت هذا، وكان فعل التعجب مفعولاً بهمزة التعدي ثبت أنه لا يجوز إدخالها على فعل المفعول، فلا يصِح: ما أَضْرَبَ زيداً! بمعنى ما أكثر ضرب غيره له، لأن (آَفْعَلَ) وضع بمعنى جعله فاعلا على إيجاد الفعل لا بمعنى جعله مفعولا، وصيَّره يوقع الفعل، فاعرِفه" 1، وقد بنوا على هذا دليلا آخر. فقالوا: 3- الدليل على ذلك مجيئهم باللام، فيقولون: ما أَضرَبَ زيداً لعمرو!، ولو كان باقياً على تعديه لقيل: ما أَضْرَبَ زيداً عمراً!؛ لأنه متعدٍ إلى واحد بنفسه، وإلى الآخر بهمزة التعدية، فلما أن عَدَّوه إلى المفعول بهمزة التعدية، عَدَّوْه إلى الآخر باللام، فهذا هو الذي أوجب لهم أن قالوا: إنهما لا يصاغان إلا من فعل الفاعل، لا من الفعل الواقع على المفعول". "وفي امتناعهم من إجارة: ما أَضْرَبَ زَيْداً عمراً! حتى يقولوا: لعمرو, دلالة على أن النقل وقع من فعل غير متعدٍ" 2. وقال ابن جني في الخاطريات: "مسألة (ما أَضْرَبَ زيداً لِعَمْروٍ!) فذا يدل على أن (أفْعَلَ) التعجب لا يُبنَى إلا من غير متعدٍ، وهو (فعُلَ) . ألا تراه لو كان "أَضْرَبَ" هنا منقولا من "ضَرَبَ " هذه المتعدية لوجب بعد النقل أن يتعدى إلى مفعولين، فيقول: ما أَضرَبَ زيداً عمراً!، أي: جعلته يضربه، فحاجته إلى اللام يدل على ضعفه، وأنه ليس منقولاً من "ضَرَبْتُ" هذه المتعدية, بل من "ضَرُبْتَ" كقولك: "ظَرُفْتَ"، وعليه حكاية الكوفيين, فيما رويناه عن ابن مِقْسَمٍ، عن ثَعْلَبَ: ضَرُبَتِ اليَدُ! أي: جاد ضرْبُها" 3.

_ 1 المقتصد 1/ 384. 2 انظر العضديات 135 مسألة (61) . 3 ص75-76.

هذا إذا كان الفعل الثلاثي متعدياً بنفسه إلى مفعوله، أما إن كان متعدياً بحرف الجر1, مثل: رغب زيدٌ في عمرو، فيعدى كما كان في الثلاثي يتعدى، إذ ليس "تحت إعماله لحرف الجر منزلة أنزل منه فينحطوا إليها، فلما لم يجدوا ذلك) ل (يبلغوه فأقاموا عليه، كما أنهم لما قالوا: مررت بزيد، ثم بنوا منه اسم الفاعل قالوا: هذا مارٌّ بزيد، فعدوا اسم الفاعل بالحرف كما عدوا الفعل به، وإن كنا نعلم ضعف اسم الفاعل في التعدي عن الفعل، ألا تراك تقول: ضَرَبْتُ زيداً، وأنا ضارِبٌ لزيدٍ، لكنهم لم يجدوا تحت حرف الجر منزلة فينْحَطُّوا إليها مع اسم الفاعل" 2. 4- ومما يدل على النقل أن الفعل إذا زاد على ثلاثة أحرف لم يدخل في هذا الباب، لأنه يلزم أن تزاد عليه الهمزة التي وضعت للتعدي، فإذا زيدت عليه الهمزة, وهو على أكثر من ثلاثة أحرف خرج عن الأمثلة التي تكون عليها الأفعال إلى ما ليس في كلامهم، فلذلك رفض إدخال الأفعال التي تقع عبارات عن الألوان في هذا الباب، لأنها تقع على أكثر من ثلاثة أحرف، نحو: أبيض، وأبياض. واشهب وأشهاب. وما امتنع من ذلك في قولهم: ما أفعله، امتنع من (أفْعِلْ به) وهو أفْعَلُ من كذا، لإجرائهم الأبنية الثلاثة مجرىً واحداً، فهذا

_ 1 وقد فصل ابن عقيل القول فيما كان مفعولا قبل التعجب، فقال:" يجر ما تعلق بفعلي التعجب إن كان غير ظرف، وحال، وتمييز ب (إلى) إن كان فاعلا في المعنى، نحو: ما أحب زيداً إلى عمرو‍! والمعنى: يحب عمرٌ زيداً حباً بليغاً, وكذا أحبب بزيد إلى عمرو!. فإن كان غير فاعل في المعنى، وأفهم علماً أو جهلاً جر بالباء، نحو: ما أعرف زيداً بعمرو! وما أجهله به!، وما أبصر خالدا بالشعر! وأبصر بعمرو بالفقه!، وأجهل بخالد به!. وإن كان متعدياً بحرف جر, جر بحرف الجر نفسه (عدي بالحرف الذي كان يتعدى به) , نحو: ما أزهد زيداً في الدنيا! , وما أبعده عن الشر! , وما أصبره على الأذى! , وكذلك (أَفْعِلْ) . وإن كان متعديا لمفعولين: جُر أولهما، ونصب الآخر، نحو: ما أكسى زيداً للفقراء الثياب!، وما أظنَّ عمراً لبشرٍ صديقاً!، من قولك: كسا زيدٌ الفقراء الثياب، وظن عمرو بشراً صديقاً, والناصب للمفعول مدلول عليه ب (أفعل) لا به عند البصريين، تقديره نحو: يكسوهم الثياب، ويظنه صديقاً، وخالف الكوفيون، فجعلوا ناصبه فعل التعجب، المساعد 2/ 158-159، وانظر 2/ 187. والتركيب جائز عند الفريقين من غير شرط، واختلفوا في تخريجه، فاتفقوا على أن نصب ما كان فاعلا ب (أَفعَلَ) ، وأجاز البصريون تعديته إلى أحد مفعوليه باللام، نحو: ما أكساك لعمروٍ أو للثياب، وإن جاء من كلامهم: ما أكساك لعمروٍ الثياب، فعلى تقدير عامل، أي: يكسوهم الثياب. وقال الكوفيون: تعدي (أَفعَلَ) بعد نصبه ما كان فاعلاً إلى الأول باللام، وإلى الثاني بنفسه. وأما باب (ظن) فاقتصر فيه البصريون على الفاعل، نصبوه ب (أَفعَلَ) ولم يعدوه إلى شيء من المفعولين، لا بحرف ولا بنفسه، وقال الكوفيون: يذكر المفعولان، ثم إن لم يلبس عُدي باللام للأول، وبنفسه للثاني، كالمثال السابق، وإن ألبس عُديَ لكل باللام، نحو: ما أظن زيداً لأخيك لأبيك!، أصله: ظن زيدٌ أخاك أباك. المساعد 2/ 159-160. 2 الخاطريات 76-77.

وجه الامتناع من قولهم: ما أبيضه، ومن قولهم: هو أبيض من كذا. وقد وجدناهم استعملوا حروفاً من هذا الباب على (ما أفْعَلَهُ) ، فقالوا للأنوك: ما أنوكه، وحروفاً نحو هذا، ووجدناهم أيضاً يحذفون من الأفعال المزيدة في هذا الباب، ويقولون: ما أعطاه للخير!، وما أولاه بالجميل!، فالهمزة التي كانت في "أعطى" وقد حذفت، وهذه التي في "أعطاه" غيرها. يدل على ذلك أن الأمر فيه لا يخلو من أن تكون: هِيَ هِيَ، أو غيرها. فلو كانت التي كانت في أصل الكلمة في قولهم: "أعطى زيداً عمراً"، لوجب أن يتعدى في التعجب إلى المفعولين اللذين كان يتعدى إليهما في "أعطيت زيداً درهماً"، فلما لم يتعد هذا التعدي، وإنما تعدى إلى مفعول واحد، علمت أن تلك التي في قولهم: أعطيت زيداً درهماً، قد حذفت واجتلبت همزة أخرى, وهي التي تكون للتعدي في هذا الباب، فتبينت من هذا أنهم قد حذفوا الزيادة من هذا الباب. وحذفوا الزيادة أيضا حذفاً مطرداً في باب ترخيم التحقير، في نحو: أسود وسويد، وحارث وحريث، وحذفوها أيضاً في التكسير في نحو: ظَريف، وظُرُوف، فإذا كَثُر حذفُهم في هذه الأبواب، وفي باب التعجب، لم ينكر أيضاً أن يقول قائل: إن الزيادة التي في باب الألوان تحذف في باب التعجب، ويستعمل فيه "هو أفعل من كذا"، كما استعملوا في: "ما أنوكه"، و"وما أحمقه"، وحروف نحوهما، ويستدل على ذلك من كلامهم بما أنشده أحمد بن يحيى، عن ابن الأعرا بي: ياليتني مِثلُك في البياض ... أبيضُ من أخت بني إِبَاضِ جارية في رمضانَ الماضي ... تقطِّع الحديث بالإيماض وقد يجوز له أن يتناول أيضاً ما يرِوى لِطَرَفَة في قوله: إن قلت ... نصر فنصر كان شرَّ فَتَى ... فيهم وأبيضهم سربال طبَّاخ فإذا ساعد القياس الذي ذكرته, وورد في السماع، لم يكن مستعمله معيباً، وإن كان غيره أشيع وأكثر 1. وقد ذهب الكوفيون إلى جواز صياغة (ما أفْعَلَ) و (أفْعِلْ) من فِعل المفعول، وأجازوا التعجب مباشرة منه، وتابعهم بعض المتأخرين، واستدلوا ب:

_ 1 العضديات 135-136 مسألة (61) .

أ- كثرة هذا في كلامهم، نثراً ونظماً، مما يمنع حمله على الشذوذ؛ لأن الشاذ ما خالف استعمالهم، ومُطَّردَ كلامهم، وهذا غير مخالف لذلك 1 ومن الألفاظ التي بني فيها التعجب 2 من فعْلِ المفعول: 1- ما أجنه! 3. 2- ما أشغله!، وأشغل من ذات النَّحْيين 4. 3- ما أبغضه إلي! 5. 4- هذا الشيء أحب من كذا, وما أحبه إلي! 6. 3- هذا المكان أخشى من هذا, أي أخوف 7 أو أشد خوفاً. 6- ما أبركه!، جاء فعل التعجب على نية المفعول 8. 7- هو أجدُّ منك 9. 8- ما أعجبه برأيه! 10.

_ 1 زاد المعاد 1/ 92. 2 لم أميز التفضيل عن التعجب، لأن حكمهما واحد. 3 انظر الصحاح (جنن) 2093 واللسان (جنن) وسفر السعادة 595-598. 4 انظر مجمع الأمثال 1/ 80-82، وفيه 1/ 84: "وأما ما أشغله! فلا ريب في شذوذه، لأنه إن حمل على الاشتغال كان شاذا، وإن حمل على أنه من المفعول فكذلك". 5 في سيبويه 4/ 99- 100: "ما أبغضه إلي! إنما تريد أنه مبغض إليك، كما أنك تقول: ما أقبحه، وإنما تريد أنه قبيح في عينك، وما أقذره! إنما تريد أنه قذر عندك,..تقول: ما أبغضه إلي! , وقد بغض، فجيء على (فَعُل) و (فَعِل) وإن لم يستعمل". وانظر مجمع الأمثال 1/ 82 وفيه 1/ 85: "ما أبغضه إلي! , يكون من البغيض بمعنى المبغض، أي: ما أشد إبغاضي له ". وانظر الصحاح (بغض) . 6 في مجمع الأمثال 1/ 85: "ما أحبه إلي! , إن جعلته من حببتُه أحبه، فهو حبيب ومحبوب، كان شاذاً، وإن جعلته من أحببته فهو محب، فكذلك". 7 اللسان "خشي"، وفيه "جاء فيه التعجب من المفعول، وهذا نادر، وقد حكة سيبويه منه أشياء قال العجاج: قطعت أخشاه إذا ما أحبجا. 8 اللسان (برك) . 9 اللسان (جدد) ، وفيه: "وقد جد، وهو أجد منك، أي: أحظ، قال ابن سيده: فإن كان هذا من مجدود فهو غريب، لأن التعجب في معتاد الأمر، إنما هو من الفاعل لا من المفعول، وإن كان من جديد، وهو حينئذ في معنى مفعول، فكذلك أيضاً، وأما إن كان من جديد في معنى فاعل، فهذا هو الذي يليق بالتعجب، أعني: أن التعجب إنما هو من الفاعل في الغالب، كما قلنا. قال أبو زيد: "رجل جديد: إذا كان ذا حظ من الرزق، ورجل مجدود مثله". 10 في مجمع الأمثال 1/ 85: "من الإعجاب لا غير، يقال: أعجب فلان برأيه، على ما لم يسم فاعله، فهو معجب"، وانظر الصحاح (عجب) 1/ 177 واللسان (عجب) .

9- ما أزهى زيداً!، وأزهى من ديكٍ 1. 10- ما أعناه بحاجتك! 2. 11- أعذر منه 3. 12- ألوم منه 4. 13- أشهر منه 5، ومنه: أشهر من الأبلق 6. 14- ما أسرني بكذا وكذا! 7، وأنا أسر بهذا منك 8. 15- هذا الشيء أهوى إلي من كذا، أي: أحب إلي 9، " قال أبو صخر الهذلي: ولليلة منها تعود لنا ... في غير ما رفث ولا إثم

_ 1 مجمع 1/ 82 وفيه 1/ 84 عن ابن دريد: "زها الرجل يزهو زهواً، أي: تكبر, ومنه قولهم: ما أزهاه!، وليس هذا من "زُهي"، لأن ما لم يسم فاعله لا يتعجب منه"، هذا كلامه، وأمر آخر، وهو: أن بين قولهم "ما أشغله! " و"ما أزهاه! " إذا حمل على "زُهي" فرقاً ظاهراً، وذلك أن المزهو - وإن كان مفعولاً في اللفظ - فهو في المعنى فاعل، لأنه لم يقع عليه فعل من غيره، كالمشغول الذي شغله غيره، فلو حُمِلَ "ما أزهاه! " على أنه تعجب من الفاعل المعنوي لم بكن بأس". وفي اللسان (زهو) : "وقال ثعلب في النوادر: زُهي الرجل، وما أزهاه! فوضعوا التعجب على صيغة المفعول، قال: وهذا شاذ، إنما يقع التعجب من صيغة فعل الفاعل، قال: ولها نظائر، وقد حكاه سيبويه". وفيه عن ابن السكيت: "زُهيتُ وزهوت، ثم قال: وفيه لغة أخرى عن ابن دريد: زها يزهو زهواً، أي: تكبر، ومنه قولهم: "ما أزهاه! " وليس هذا من زُهي، لأن ما لم يسم فاعله لا يتعجب منه…وقال خالد بن جبنة: زها فلان: إذا أعجب بنفسه". "وزُهيَ" من الأفعال التي لازمت البناء للمفعول على المشهور، يتكلم بها على سبيل المفعول، وإن كان بمعنى الفاعل، انظر اللسان (زهو) ، وانظر شرح الكافية الشافية 2/ 1086-1087. 2 شرح الكافية الشافية 2/ 1086-1087. 3 شرح المفصل 6/ 94-95. 4 شرح المفصل 6/ 94-95. 5 شرح المفصل 6/ 94-95. 6 مجمع الأمثال 1/ 80. 7 سفر السعادة 598 وقد تأوله السخاوي على وجهين: أ- أن يكون ملازما للبناء للمفعول، مثل "جُنَّ": ما أجنه. ب- أن يكون تعجباً من "سارٍ" كما يقال: زيد سار، أي: حَسَنُ الحال في نفسه، وأهله، وماله، وفرس سار، أي: حسن الحال في جسمه ولحمه، وضيعة سارة، بمعنى آهلة عامرة، فيكون سار بمعنى قولك: "ذو سرور" ثم يتعجب منه على هذا، كما قالوا: عشية راضية، أي: ذات رضًى، ورجل طاعم كاس، أي: ذو طعام وكسوة، قال الحطيئة: دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي فيكون "ما أسرني" جاريا على غير خارج عما رتبنا. 8 شرح المفصل 6/ 94. 9 الصحاح (هوى) 2538.

أهوى إلى نفسي ولو نزحت ... مما ملكت ومن بني سهم 1 16- ما أمقته إلي! 2 وما أمقته عندي! 3. 17- ما أشهاها! 4. 18- قول بعض العرب: "ما أملأ القربة! " 5. 19- ما أولعه بالشيء! 6. 20- مما يحتمل ما أنشده ابن الأعرابي: وما ضم زيد من مقيم بأرضه ... أخل إليه من أبيه وأفقرا 7 21- أعرف 8. 22- أنكر 9. 23- أرجى 10. 24- أهيب 11. 25- أرهب 12. 26- هذا أخصر من هذا، وهو من "اختصر" مبنياً للمفعول 13.

_ 1 الصحاح (هوى) 2538، وشرح أشعار الهذليين 974. 2 سيبويه 4/ 99-100، وفيه:" إنما تريد أنه مقيت…فكان "ما أمقته! "…على (فَعُلَ) وإن لم يستعمل". وانظر التعليق على "ما أبغضه إلي". وواضح من هذا أن مذهب سيبويه لو تُعجب من المفعول لوقع اللبس بينه وبين الفاعل، فقال سيبويه: "ما تعجب منه من المفعول كأنه يقدر له فعل، فإذا قال: ما أبغضه إلي، فكأن فِعلَه "بغض" وإن لم يستعمل". هامش كتاب سيبويه 4/ 99-100 نقلاً عن شرح السيرافي، وانظر المقرب 1/ 71. 3 نفس التعليق السابق. 4 سيبويه 4/ 99، وفيه: "أي: هي شهية عندي، كما تقول: ما أحظاها، أي: حظيت عندي". 5 مجمع الأمثال 1/ 82، وفيه 1/ 85: "إن حملته على الامتلاء أو على المملوء كان شاذا". 6 المقرب 1/ 71 وزاد المعاد 1/ 91. 7 اللسان (خلل) وفيه: "أخل هاهنا أفعل من قولك: خل الرجل إلى كذا: احتاج، لا من "أخل"؛ لأن التعجب إنما هو من صيغة الفاعل لا من صيغة المفعول، أي: أشد خلة إليه، وأفقر من أبيه".. 8 شرح المفصل 6/ 94. 9 شرح المفصل 6/ 94. 10 شرح المفصل 6/ 94. 11 شرح المفصل 6/ 94، وشرح قصيدة كعب بن زهير 281. 12 شرح قصيدة كعب بن زهير 281. 13 المساعد 2/ 166، وأوضح المسالك 3/ 75 وفيه شذوذان.

27- أحمد من أسماء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - 1 ويقولون: العود أحمد 2. 28- أخوف, في قول كعب بن زهير في مدح رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فلهوَ أخوفُ عندي إذ أُكلِّمه ... وقيل: إنك مسلوب ومقتول من ضيغم من ضراء الأسد مَخْدَرُهُ ... في بطن عثَّر غيلٌ دونه غِيلُ 3 ب- قيام المفعول مقام الفاعل، جاء في مناظرة النحاس وابن ولاّد: أن ابن ولاّد قال: "نحن إذا قلنا: اجعل الفاعل مفعولاً, ساغ لنا ذلك في الفاعل إذا تعجبت منه، ولم يكن في الأصل مفعولاً، كان ذلك جائزاً فيما قام مقامَه، وهو لم يُسمَّ فاعله، وإلا لم يكن في موضعه، ولا في مقامه " 4. ومما هو ذو وصلة قوية بهذا الدليل اختلاف النحاة في مجيء المصدر من الفعل المبني للمفعول: الذي لم يُسمَّ فاعله، وهي مسألة خلاف: أيجوز أن يعتقد في المصدر أنه مبني للمفعول، كما هو مذهب الأخفش، واختاره الزمخشري، فيجوز: عَجبْتُ من ضَرْب زيدٍ، على أنه مفعول، لم يسم فاعله، ثم يضاف، أم لا يجوز ذلك؟. فيه ثلاثة مذاهب، يفصّل في الثالث بين أن يكون المصدر من فعل لم يُبن إلا للمفعول الذي لم يُسمَّ فاعله، نحو: عَجِبْتُ من جُنُونِ زيدٍ بالعلم، لأنه من "جُنِنْتَ" التي 1 من أسماء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أحمد، على زنة (أفْعَل) التفضيل، مشتق من الحمد، وقد اختلف الناس فيه، هل هو بمعنى فاعل أو مفعول؟. فقالت طائفة: هو بمعنى الفاعل، أي: حمده لله من حمد غيره له، فمعناه أحمد الحامدين لربه، ورُجح هذا بأن قياس (أفْعَل) التفضيل أن يصاغ من فعل الفاعل لا من الفعل الواقع على المفعول، ومعنى هذا الاسم على هذا القول: أحمد الناس لربهم. وعلى القول الآخر بجوار أخذ (أفعل) التفضيل من فعل المفعول، فالمعنى: أحق الناس وأولاهم بأن يُحمد، فيكون كمحمد في المعنى، إلا أن الفرق بينهما أن محمداً هو كثير الخصال التي يحمد عليها، وأحمد هو الذي يحمد أفضل مما يحمد غيره، فمحمد في الكثرة والكمية وأحمد في الصفة والكيفية، فيستحق من الحمد أكثر مما يستحق غيره، وأفضل مما يستحق غيره، فيحمد أكثر حمد وأفضل حمد حُمده البشر، فالاسمان واقعان على المفعول، وهذا أبلغ في مدحه، وأكمل معنىً، ولو أريد معنى الفاعل لسمي الحماد، أي: كثير الحمد، فإنه - صلى الله عليه وسلم - كان أكثر الخلق حمداً لربه، فلو كان اسمه أحمد باعتبار حمده لربه، لكان الأولى له الحماد، كما سميت بذلك أُمته ". انظر زاد المعاد 1/ 89-90 ,93. 2 مجمع الأمثال 1/ 80. 3 المقرب لابد عصفور 1/ 71-72 وفيه " ما أخوفه عندي! ". وانظر تذكرة أبي حيان 293-294 وفيها: "ولو قلت: ما أخوف زيداً! على أنه المخوف، وما أحمى زيداً! على أنه هو المحمي، لم يجز ذلك؛ لالتباسه بالفاعل، إلا أن يأتي من ذلك ما ليس فيه التباس، وقد رُد على الرمادي قوله: ولا شبك أحمى من غزال كأنه ... من الخوف والأحراس في حبس ضيغم ولا عيب فيه عندي (القائل خطّاب الماردي) لقلة التباسه، وقد جاء مثله لكعب، فأورد البيتين ... " وانظر شرح قصيدة كعب بن زهير 280-282 وفيه "أهيب" و"أرهب" وكلاهما تعجب من فعل المفعول وانظر زاد المعاد 1/ 91 وشرح ديوان كعب 21. 4 سفر السعادة 582.

لم تُبن إلا للمفعول الذي لم يسم فاعله، أومن فعلٍ يجوز أن يُبنى للفاعل، ويجوز أن يبنى للمفعول، فيجوز في الأول، ويمتنع في الثاني، وأصحها المنع مطلقاً 1 " كما كان الخلاف في التعجب من فعل المفعول. ويصاغ مصدر المبنيِّ للمفعول على زنة مصدر المبني للفاعل تغليباً للثاني، لكثرته، أو استغناءً به، وقد ورد في كتاب الله مصادر ظاهرها أنها من المبني للمجهول، ومن ذلك قوله تعالى: {يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ} 2، {كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِين} 3 "، {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ} 4، و {هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي} 5، و {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاة} 6، الأصل: أن تُفعَل الخيرات. و {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} 7، و {وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} 8، و {فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ} 9، و {لأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ} 10. فنسبة المصادر إلى فعل المفعول مسألة فيها خلاف، كما تقدم، ولكن هذه المصادر كلها مصادر للمفعول، ونكتفي بشرح "رهبة" ف "رهبة" مصدر "رُهِبَ " المبني للمفعول، كأنه قيل: أشد مرهوبية، فالرهبة واقعة منهم لا من المخاطبين، والمخاطبون مرهوبون، وهذا كما قال: فلهو أخوف عندي إذ أكلمه ... وقيل: إنك مأسور ومقتول من ضيغم بثراء الأرض مخدعه ... ببطن عثَّر غيل دونه غيل فالمخبر عنه مخوف لا خائف 11. فحصلت إضافة المصدر إلى المفعول، ولم يمنع اللبس، وما دامت الأفعال فروع المصادر، فما المانع من نسبة الفعل إلى المفعول في التعجب، وخاصة إذا أمِنَ اللبس، وظهر المعنى؟. وقد رد على اعتراض ابن ولاّد بأن المفعول- وإن قام مقام الفاعل في أنا نحدِّث عنه كما نحدث عن الفاعل- فنحن نعلم أنه مفعول في الأصل، فكيف يقال: أقمه مقام

_ 1 دراسات لأسلوب القرآن الكريم 2/ 3/ 234-235. 2 سورة البقرة آية 165. 3 سورة البقرة آية 191. 4 سورة البقرة آية26. 5 سورة الأنبياء 24. 6 سورة الأنبياء 33. 7 سورة الأنبياء آية 104. 8 سورة الروم آية 2. 9 سورة سبأ آية 37. 10 سورة الحشر آية 13. 11 انظر دراسات لأسلوب القرآن 2/ 3/ 235-236 ومصارده التي رجع إليها.

المفعول؟!. وأيضاً فإن أقمناه مقام المفعول، فإن الفاعل هو المحدث للفعل، وليس كذلك ما يقوم مقامه 1 والشيء إذا شُبه بالشيء من جهة لا يلزم أن يشبه به من كل الجهات، ثم " إن المفعول لا تأثير له في الفعل الذي يحل به، حتى يتصور فيه الزيادة والنقصان" 2. فإن جاء عن العرب ما ظاهره أنه تعجب من فعل المفعول نحو: "ما أجَنَّه! " فيقال فيه: إنه حُملِ على المعنى، لأن الجنون داخل "في حيز الأوصاف التي لا تكون أعمالاً، وإنما تكون خصالا في الموصوفين ... فحمل "جُنَّ زيدٌ" على المعنى، لأن العرب تشبه الشيء بالشيء، ويحمل على المعنى إذا وافقه واقترب منه، فمن ذلك قولهم: "حاكم زيدٌ عمروٌ" برفع الاثنين جميعاً، لأن كل واحد منهما فاعل ... " 3. ج - عدم استقامة أدلة المانعين في نظرهم، إذ قالوا: "وأما تقديركم لزوم الفعل، ونقله إلى (فَعُلَ) فتحكُّم لا دليل عليه، وما تمسكتم به من التعدية بالهمزة ... إلى آخره". فليس الأمر فيها كما ذهبتم إليه، والهمزة في هذا البناء ليست للتعدية، وإنما هي للدلالة على معنى التعجب والتفضيل فقط، كألف (فاعل) ، وميم "مفعول"، وواوه، وتاء "الافتعال"، و"المطاوعة"، ونحوها من الزوائد التي تلحق الفعل الثلاثي لبيان ما لحقه من الزيادة على مجرده، فهذا هو السبب الجالب لهذه الهمزة، لا تعدية الفعل" 4. "ومما يدل على فساد ما ذهبوا إليه أنهم يقولون: ما أعطاه للدراهم، وأكساه للثياب "، وهذا من " أعطى" و"كسا" المتعدي، ولا يصح تقدير نقله إلى "عطو": إذا تناول، ثم أدخلت عليه همزة التعدية، لفساد المعنى، فإن التعجب إنما وقع من إعطائه لا من عطوه وهو تناوله، والهمزة التي فيه همزة التعجب والتفضيل، وحذفت همزته التي في فعله، فلا يصح أن يقال: هي للتعدية" 5. وردوا على استدلالهم بتعدية فعل التعجب للمفعول الثاني باللام بأن قالوا: "الإتيان باللام ههنا ليس لما ذكرتم من لزوم الفعل، وإنما أتي بها تقوية له لما ضعف بمنعه من

_ 1 سفر السعادة 582. 2 مجمع الأمثال 1/ 80. 3 انظر سفر السعادة 595-598. 4 زاد المعاد 1/ 92. 5 زاد المعاد 1/ 92.

التصرف، وأُلزم طريقة واحدة، خرج بها عن سنن الأفعال، فضعف عن اقتضائه وعمله فقويَ باللام كما يقوى عند تقدم معموله عليه، وعند فرعيته، وهذا المذهب هو الراجح كما تراه " 1. واللام هذه لام التقوية لا لام التعدية، وهي التي تزاد لتقوية عامل ضعف إما بتأخره، نحو: {هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} 2 ونحو: {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيا تَعْبُرُونَ} 3 أو بكونه فرعاً في العمل، نحو: {مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ} 4، و {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} 5 و {وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ} 6 "ونحو: ضربي لزيدٍ حَسَنٌ. وقد منع ابن مالك زيادة لام التقوية مع عامل يتعدى لاثنين، وعُد من الشاذ - لقوة العامل - قول ليلى الأخيلية: أحجَّاج لاتعطي العُصاة منَاهم ... ولا الله يعطي للعصاةِ مُناها7 وذهمب المجيزون للتعجب من فعل المفعول، ومنهم الفراء، وابن كيسان، والزجاج والزمخشري، وابن خروف، وابن الطراوة، ذهبوا إلى: أن المجرور بالباء بعد (أَفعِل) موضِعُهُ النصب لا الرفع، فهو في حقيقته مفعول لا فاعل 8 وبناءً على هذا قالوا: إن مما يدل على أن معنى الهمز التعجب لا التعدية " أن الفعل الذي يُعدى باطراد، يجور أن يعدى بحرف الجر، وبالتضعيف، نحو: جلست به وأجلستُه) جَلَّسْتُه (، وقمت به، وأَقمْتهُ

_ 1 زاد المعاد 1/ 92. ويعضد هذا القول ورود (أفعل) التفضيل متعديا إلى المفعول بنفسه. قال عباس بن مرداس: فلم أر مثل الحي حياً مصبحاً ... ولا مثلنا يوم التقينا فوارسا أكر وأحمي للحقيقة منهم ... وأضرب منا بالسيوف القوانسا فالقوانس منصوبة ب"أضرب". ومن خالف قال: "إن "القوانس" عندنا منصوبة على فعل آخر، هذا هو الظاهر تفسيره، فكأنه قال: "نضرب "القوانس" ونحو ذلك، انظر الخاطريات 76. 2 سورة الأعراف آية 154. 3 سورة يوسف آية 43. 4 سورة البقرة آية 91. 5 سورة البروج آية 16. 6 سورة الأحزاب آية 53. 7 انظر المغني 217-218، ودراسات لأسلوب القرآن الكريم 1/ 2/ 448-449. 8 ذكر ابن النحاس في التعليقة: أن الباء تحتمل أن تكون للتعدية كمررت به، وزائدة مثل: قرأت بالسورة، الأشباه والنظائر 22/ 156.

[وقَوِّمْتُهُ] ، ونظائرها، وهنا لا يقوم مقام الهمزة غيرها، فعلم أنها ليست للتعدية المجردة أيضا، فإنها تجامع باء التعدية، نحو: أكرم به، وأحسن به، ولا يجمع على الفعل تعديتين 1. وواضح أن هذا مبني على القول بأن (أَفْعِل) 2 في التعجب فعل أمرٍ فاعله ضمير مستتر وجوبا، والجار والمجرور متعلق به، وقد اختلف فيه، فذهب الجمهور ومنهم سيبويه إلى أن (أفعِل) صورته صورة الأمر، ومعناه الماضي من (أَفعَلَ) أي: صار ذا فعل، كألحم، أي: صار ذا لحم، والباء حرف جر زائدة زيادةً لازمة، وما دخلت عليه هو الفاعل، لأنه لا فعل إلا بفاعل, وليس معنا ما يصلح أن يكون فاعلا إلا المجرور بالباء, وهو الذي قد كرُم وحسن، فاللفظ محتمل، والمعنى عليه, وإنما لزمته الباء لتؤذن بمعنى التعجب بمخالفة سائر الأخبار. وقد ضُعّف قول الجمهور بأمور منها: 1- أن الأمر بمعنى الماضي مما لم يُعهد، بل جاء الماضي بمعنى الأمر، نحو: اتقى امرؤٌ به، وبأن (أَفعَلَ) : صار ذا كذا، قليل، والمطرد زيادتها في المعقول 3. "فقال الفراء وتبعه الزمخشرى وابن خروف: إن (أَحسِن) أمر لكل أحد بأن يجعل زيداً حسناً، وإنما يجعله حسناً كذلك بأن يصفه بالحُسن، فكأنه قيل. صفه بالحسن كيف شئت، فإن فيه منه كل ما يمكن أن يكون في شخص، كما قال: وقد وجدت مكان القول ذا سعة ... فإن وجدت لساناً قائلاً فقُلِ وهذا معنى مناسب للتعجب بخلاف تقدير سيبويه" 4. 2- التناقض في قول الجمهور حيث يجعلون المتعجب منه في (ما أفعلَه) مفعولاً، ويجعلونه في (أَفعل به) فاعلا, والشيء لا يكون فاعلا ومفعولا به في وقت واحدٍ. 3- أنكروا على الجمهور اعتبارهم الباء زائدة، وقالوا: إن الباء إذا جعلنا همزة (أَفعل)

_ 1 زاد المعاد 1/ 92. 2 هذا مبناه على اختلافهم في قولنا: (أَفعِل به) هل معناه أمر أو تعجب؟ مع إجماعهم على أن لفظه لفظ أمر، قاله ابن النحاس في التعليقة، انظر الأشباه والنظائر 2/ 155. 3 شرح الكافية 2/ 310. 4 شرح الكافية 2/ 310.

للجعل، كهمزة "ما أحسن" والباء مزيدة في المفعول للتأكيد، وهو كثير1" نحو قوله تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} 2 والمراد: أيديكم، ونحو: قرأت بالسورة، وأجاز بعض هؤلاء - وهو الزجاج- أن تكون الهمزة للصيرورة، فتكون الباء للتعدية، أي: أجعله ذا حسن، والأول أولى، لقلة همزة الصيرورة، إذ تكون نحو: نزلت بالجبل, أي: في الجبل، وذلك بعيد من الصواب3. 4- استدل أبو حيَّان في شرح التسهيل على أن الباء في موضع نصب بشيئين: أحدهما: جواز حذفه اختصاراً، كقوله تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} 4. واقتصاراً، كقول الشاعر: فذلك إن يَلْقَ المنية يلقها ... حميداً، وإن يستغن يوماً فأجدِر والآخر: أنهم لما حذفوا الباء نصبوا الاسم، كقول الشاعر: لقد طرقت رحال الحي ليلى ... فأبعد دار مرتحل مزارا وقول الآخر: فأجدر مثلَ ذلك أن يكونا أي: ما أبعد دار مرتحل مزارا، وما أجدر مثل ذلك5. بل تفارق الباء المتعجب منه إن كان (أن) وصلتها، فيجوز في "أجود بأن يكتب زيدٌ!: أجوِد أن يكتب زيدٌ!، منه: وقال نبي المسلمين تقدموا ... وأحبب إلينا أن تكون المقَّدَّما6 ولو كان ما دخلته الباء فاعلاً، ما حذف كما في الشاهد الأول، ولما نصب كما في الأمثلة بعده.

_ 1 شرح الكافية 2/ 310. وانظر شرح المفصل 7/ 148. 2 سورة البقرة آية 195. 3 انظر شرح المفصل 7/ 148، وشرح الكافية 2/ 310. 4 سورة مريم آية 38. 5 وقد تأول هذين البيتين من ذهب إلى أن المجرور ليس في موضع نصب، بأن قوله: "فأبعد دار مرتحل مزارا" يمكن أن يكون "أبعد" فيه دعاءً، على معنى: أبعد الله دار مرتحل مزارا عن مزار محبوبه، كأنه يحرص نفسه على الإقامة في منزل طروق ليلى، لأنه صار بطروقها مزاراً، وبأن "أجدر" أمر عار من التعجب، أي: اجعل مثل ذلك جديرا، وأجدر به، أي: اجعله جديراً بأن يكون، أي حقيقاً، وبأنه تعجب، ومثل في موضع رفع، وهو مبني لإضافته إلى مبني، مثل قوله تعالى: {إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} (الذريات: الآية 23) في قراءة من فتح اللام، قال صاحب الدرر: "ولن أعثر على قائله" انظر الدرر اللوامع 2/ 120، والمساعد (الحاشية) 2/ 151. 6 المساعد 2/ 150.

5- أنه لا يعهد صيغة أمر ترفع الاسم الظاهر، وإن كان خبراً في المعنى، دون هذا الأمر. 6- ذكر ابن هشام أكثر هذه الأوجه بقوله: "قول البصريين في "أحْسِنْ بزيدٍ" يلزم منه شذوذ من أوجه: أحدها: استعمال (أفعل) للصيرورة قياساً، وليس بقياس، وإنما قلنا: ذلك؛ لأن عندهم أن (أَفْعَل) أصله (أَفعَلَ) بمعنى صار ذا كذا. الثاني: وقوع الظاهر فاعلا لصيغة الأمر بغير لام. الثالث: جعلهم الأمر بمعنى الخبر. الرابع: حذف الفاعل في {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} 1. 7- سبق ابن هشام ابن الحاجب، فقال في شرح قول صاحب المفصّل: "وفي هذا الكلام ضربٌ من التعسف ": "لما فيه من مخالفة القياس, من وجوه متعددة: منها: استعمال الهمزة لصيرورة الشيء ذا كذا في "أكْرِم". ومنها: نقل الفعل عن صيغة الخبر إلى صيغة الأمر. ومنها: زيادة الباء على الفاعل. وكل ذلك خروج عن القياس 2. وقد استحسن ابن الحاجب تخريج الزمخشري: أ- أنه أمر لكل أحد بأن يجعل زيداً كريماً، أي: بأن يصفه بالكرم، والباء مزيدة، مثلها في قوله تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} . للتأكيد والاختصاص. ب- أنه أمر لكل أحد بأن يُصيره ذا كرم، والباء للتعدية 3. وقد سَلِم هذان الوجهان من المآخذ التي أخذت على تخريج الجمهور، "وإنما فيهما استعمال الهمزة للتعدي أو للتصيير، وتقدير ذلك أن يقال: إنه أمر في الأصل من "أكرمتهُ " أي: جعلته كريما، والباء مزيدة على المفعول، وفيه على هذا ضمير، فاستعمل الهمزة

_ 1 الأشباه والنظائر 2/ 88. 2 الإيضاح في شرح المفصل 2/ 110. 3 انظر المفصل 276-277.

للتعدي، وهو كثير، واستعمل الباء زائدة على المفعول، وهو كثير، واستعمل صيغة الأمر للأمر، وهو القياس، ثم نقل على التقدير الأول، فلم يلزم فيه ذلك التعسف الذي في التقدير الأول، وإنما يلزم فيه الإضمار الذي لا يتغير، وليس بمستبعد ألا ترى أن مثل هذه الصيغة في الإنشاء للمدح قد جرى الضمير فيها هذا المجرى، فلم يغير عن لفظ الوحدة في قولك: نِعمَ رجلاً، ونِعم رجلين، ونعْمَ رجالاً،، فكذلك هاهنا، وقد أجاب بقوله: إنه جرى مجرى المثل، فلم يُغيّر عن لفظ الوحدة. والوجه الثاني: أن تجعل الهمزة لما جعلت له في الوجه الأول، وهو على الأمر أيضا، كان أصله: أكرِم، أي: صِرْ ذا كرم، ثم عُدّي بالباء، فصار الفاعل فيه مُصيراً غيره صائراً ذا كرم، كما تقول: قمت، فتكون أنت القائم، ثم تقول: قمت بزيد، فتأتي بالباء للتعدي، فيُصير الداخلة هي عليه هو الفاعل لذلك قبل دخولها، فصار بمعنى أكرم بزيد! في الأصل على هذا التأويل: صَيِّر زيداً صائراً ذا كرم 1، فأفاد التصيير فيه مجيء الباء للتعدي، لأن هذا المعنى مستفاد من باء التعدي، وأما كونه صائرا ذا كذا فمستفاد من الصيغة التي هي أكرم" 2. وقد رد الجمهور على ما قاله المخالفون, فقالوا زيادة على ما ورد ذكره في أثناء عرض حجج المخالفين: "إن الفاعل هنا ليس شيئاً غير المفعول، ألا ترى أنك إذا قلت: "ما أحسن زيدا"، فتقديره: شيء أحسن زيداً، وذلك الشيء ليس غير زيدٍ، فإن الحسن لو حلّ في غيره لم يحسن هو، فكان ذلك الشيء مثلاً عينه أو وجهه، وليسا غيره، فلذلك جاز أن يكون مفعولاً في ذلك اللفظ أو فاعلاً في هذا اللفظ، إذ المعنى واحد، فإن قيل: فما وجه استعمال التعجب على لفظ الأمر، وإدخال الباء معه، قيل: أرادوا بذلك التوسع في العبارة، والمبالغة في المعنى, أما التوسع فظاهر؛ لأن تأدية المعنى بلفظين أوسع من قصره على لفظ واحد، وأما دخول الباء فلما ذكرنا من إرادة الدلالة على التعجب، إذ لو أريد الأمر لكان كسائر الأفعال، ويتعدى بما تتعدى تلك الأفعال، فكنت تقول في (أحسِن بزيدٍ) : أَحْسِن إلى زيدٍ؛ لأنك تقول: أحسنتُ إلى زيدٍ، ولا تقول: أحسنت بزيد" 3.

_ 1 وهذا أمر حقيقة، وهو ضعيف، إذ يلزم منه أن يكون الناطق به متعجبا، ولا خلاف في أن الناطق به متعجب، المساعد 2/ 149. 2 الإيضاح في شرح المفصل 2/ 110-111. 3 شرح المفصل 7/ 148.

ولهذا جاز حذف المتعجب منه في نحو قوله تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِر} 1 أي: أبصر بهم. فعلى قول من يقول بأنه مفعول لا إشكال كما تقدم. وعلى قوله الجمهور: إن المجرور في موضع رفع ب (أفعل) إنما جاز حذفه؛ لأنه في المعنى كمعمول (أَفْعَلَ) فحُمِلَ عليه، والفارسي وقوم على أنه لم يحذف، بل حُذف الحرف، فاستتر الضمير، ورُد بعدم بروزه، فلا يقال: أسمع بالزيدين وأبصروا 2. وقد ردوا على هذا الاعتراض بأن قالوا: عدم تصرف فعل التعجب سَوَّغ لزوم (أَفْعِل) وإن خُوطب به مثنى أو مجموع أو مؤنث- صورة الإفراد، وسهل ذلك انمحاء معنى الأمر فيه، كما انمحى في (ما أَفْعَل) معنى الجعل، وصار معنى (أَفعِلْ به) كمعنى (ما أَفعلَه) وهو محض إنشاء التعجب، ولم يبق فيه معنى الخطاب حتى يثنى ويجمع ويؤنث، باعتبار تثنية المخاطب وجمعه وتأنيثه". وقد جرى مجرى الأمثال، فلزم صورة واحدة في جميع أحواله 3. ثم إنه وإن كان بلفظ الأمر فليس بأمر، وإنما هو خبر محتمل للصدق والكذب، فيصح أن يقال في جوابه: صدقت أو كذبت، لأنه في معنى "حسن زيدٌ جداً". ومنها أنه لو كان أمراً لكان فيه ضمير المأمور، فكان يلزم تثنيته وجمعه وتأنيثه، على حسن أحوال المخاطبين. ومنها أنه كان يصح أن يجاب بالفاء كما يصح ذلك في كل أمر، نحو: أَكْرِمْ بعمرٍ فيشكرك، وأجمل بخالد فيعطيك, على حد قولك: أعطني فأشكرك، فلما لم يجز شيء من ذلك, دل على ما ذكرناه، فاعرفه 4. وتخريج الزجاج لبقاء "أحْسِنْ به " في الأحوال على صورة واحدة كون الخطاب لمصدر الفعلِ، أي: يا حُسْنُ أَحْسِنْ بزيدٍ. وهذا تخريج فيه تكلف وسماجة من حيث المعنى، وأيضا نحن نقول: أَحْسِنْ بزيدٍ يا عمرو، ولا يخاطب شيئان في حالة واحدة، إلا أن نقول: إن معنى خطاب الحُسْن قد انمحى 5. ثم إنه خالف من وافقه في هذا التخريج، إذ جعلوه أمراً لكل أحد بأن يجعلَ زيداً حسناً، وجعله كذلك بوصفه بالحُسْن، كأن معناه قيل: صِفْهُ

_ 1 سورة مريم آية 38. 2 المساعد 2/ 153. 3 شرح الكافية 2/ 310، وانظر شرح المفصل 7/ 148. 4 شرح المفصل 7/ 148، وانظر المساعد 2/ 150-151. 5 انظر شرح الكافية 2/ 311.

بالحُسْنِ كيف شئت، فإن فيه منه كل ما يمكن أن يكون في شخص، كما قال: وقد وجدت مكان القول ذا سعة ... فإن وجدت لساناً قائلا فقل وهذا معنى مناسب للتعجب 1. وهناك مذهب ثالث يفرق بين الفعل المبني للمفعول لزوماً، بحيث لا يأتي مبنياً للمعلوم وبين الفعل الذي يأتي مبيناً للفاعل وللمفعول، فيجيز أن يَتعجَّبَ من الأول دون الثاني, ذلك أن نائب الفاعل - وإن أفاد ظاهراً تحوله عن مفعول في اللفظ - فهو في المعنى فاعل، لأنه لم يقع عليه فعل من غيره كالمشغول الذي شغله غيره، فلو حُمل "ما أزهاه " على أنه تعجب من الفاعل المعنوي، لم يكن بأس 2. قالت العرب في التعجب من "جُن زيدٌ": ما أجنَّه! وهو محمول على المعنى، استجازوا فيه ما استجازوا فيما حُمل عليه، ألا ترى أن "جُن زيدٌ:" فهو في المعنى داخل في حيزِّ الأوصاف التي لا تكون أعمالا، وإنما تكون خصالاً في الموصوفين بغير اختيارهم، مثل: كَرُمَ فهو كريم، ولؤم فهو لئيم، خصال لا يفعلها الموصوف, فهكذا "جن زيد فهو مجنون "، إنما هي خصلة في الموصوف، لا اختيار له فيها، فأجري مجرى رقع فهو رقيع، وبلد فهو بليد إذا كان داخلاً في معناه، والدليل على صحة هذَا أن العرب لا تتعجب من "أفْعَلَ"، لا يقولون: ما أحمره! ولا: ما أسوده! ولا: ما أفطسه! , ويتعجبون من "أحمق، وأرعن، وألد، وأنوك "، فيقولون ما أحمقه! وما أرعنه! وما ألده! وما أنوكه!، لأن أحمق بمنزلة بليد، وألد بمنزلة مرس3، وأنوك بمنزلة جاهل، فحملوه على المعنى، فهكذا "جُن زيدٌ" حُمل على المعنى، لأن العرب تشبه الشيء بالشيء، ويحمل على المعنى إذا وافقه واقترب منه، فمن ذلك قولهم: "حاكم زيدٌ عمرٌو" برفع الاثنين جميعاً، لأن كل واحد منهما فاعل، قال أوس: تُواهق رجلاها يداه ورأسه ... له قتبٌ خلف الحقيبة رادف وقال القطاميُّ: فَكرَّت تبتغيه فصادفته ... على دمه ومصرعه السِّباعا لأن السباع قد دخلت في المصادفة. وقال:

_ 1 انظر شرح الكافية 2/ 310. 2 انظر مجمع الأمثال 1/ 84. 3 رجل مرس: شديد العلاج، بين المرس وهو شدة العلاج. اللسان (مرس) .

لن تراها - وإن تأمَّلت - إلا ... ولها في مفارق الرأس طيبا لأن الطيب قد دخل في الرؤية 1. وأقول (القائل علم الدين السخاوي) : إنما قالوا: ما أجنَّه!؛ لأن "جُن" لا فاعل له، فهو في المعنى تعجب من الفاعل، لأنه لا يقال: جَنَّهُ، إنما يقال: أجنَّه. وقد جوّز السخاوي أن يحمل عليه قولهم في التعجب: ما أسرني بكذا وكذا!، لأنه يجوز أن يكون تعجباً من "سررت" ويكون محمولاً على ما قدمنا ذكره في "جُن زيدٌ" فيكون بمنزلة: بُرَّ حجُّك فهو مبرور 2. والمذهب الرابع: التفريق بين ما يُلبس وما لا يُلبس، فمنعوا التعجب مباشرة من الأول دون الثاني، كراهة أن يلتبس، وهذا هو السبب الذي زعم عبد القاهر: أنه لم يقف على غيره عند أهل العربية 3. قال محمد بن بدر: "إنما لم يتعجبوا من "ضُرِبَ زيدٌ" وأشباهه إلا بالزيادة، كراهة أن يلتبس، ففرقوا بين التعجب من فعل الفاعل وفعل المفعول، وذلك انهم فرقوا بين فعل الفاعل وفعل المفعول في غير التعجب، وأرادوا أن يفرقوا بينهما أيضا في التعجب، فلو قالوا في "ضُرِبَ زيدٌ": ما أضرب زيدا! ", لالتبس فعل الفاعل بفعل المفعول، فأتوا بالزيادة، ليصلوا إلى الفرق بينهما" 4، وقال ابن الحاجب: "لأنهم لو فضّلوا على المفعول دون الفاعل لبقيت كثير من الأفعال لا يتعجب منها، وغرضهم التعميم، ولو فضلوا عليها جميعاً لأدى إلى اللبس، فلم يبق إلا التعجب من الفاعل، ولأن الفاعل هو المقصود بالنسبة في المعنى، والمفعول فضلة، فكان ما هو المقصود أولى، وهذا معنى قول سيبويه: "وهم ببيانه أعنى"، يعني: أنهم يعنون بالفاعل دون المفعول، حتى لا يذكرون فعلاً إلا ويذكرون له فاعل، أو ما يقوم مقامه، حرصا على بيان الفاعل عندهم، فلما تعجبوا، كان الأولى عندهم أن يجعل التعجب له لذلك5. والذين قالوا بأن علة المنع خوف اللبس بين التعجب من الفاعل وبين التعجب من المفعول،

_ 1 انظر سفر السعادة 595-598. 2 انظر سفر السعادة 598. 3 المقتصد 1/ 383. 4 سفر السعادة 595. 5 الإيضاح في شرح المفصل 1/ 654.

أجازوه إذا أُمِن من اللبس، وقد ذهب هذا المذهب خطّاب الماردي 1، وهو اختيار ابن مالك، قال في شرح الكافية الشافية: "على أن فعل المفعول إذا لم يُجهل معناه ببناء فعل التعجب منه جاز صوغ (أَفْعَلَ) و (أَفْعِلْ) من لفظه، نحو: ما أزهى زيداً!، وما أعناه بحاجتك!، وأصلهما: زُهِيَ وعُنيَ، فصيغ منهما فعل التعجب، لأن المراد لا يجهل، بخلاف "ضُرِبَ زيدٌ"، فإن قولك فيه: ما أضرب زيداً! , يوهم خلاف المراد، فلم يجز" 2 فذهب خطّاب وابن مالك إلى أن ما لا يُلبس لا يقتصر فيه على السماع، والجمهور لا يُجَوِزُّونه إلا فيما سمع 3. وهذا مذهب قَصْدٌ، أخذ من كل قول أحسن ما فيه، وسلم مما يمكن أن يؤخذ عليه، فاستبعد علل القوم، ولم يغد بحاجة إليها، وبُني على استقراء الوارد عن العرب، فلم يُهمل السماع كما فعل الجمهور، ولم يتسع كما اتسع الكوفيون ومن وافقهم، مما جعله أولى بالاختيار عند المحققين كابن مالك وغيره، بل هو الذي يوفق بين الأقوال جميعها، بحيث لا يُبطل القياس ولا يهمل السماع، ويسلم القائل به من تحكم المذاهب الأخرى. وقد يقال: ألا تكفي الأمثلة الواردة لاختيار مذهب الكوفيين، وترك غيره؟ فالجواب أن يقال: إن هذه االأمثلة كثيرة من حيث العدد، ولكنها لم تسلم من المعارض، إذ ورد عن العرب التعجب من فعل الفاعل كثيراً، حتى صار الكثير مما يخالفه بالنسبة شيئاً يسيراً، لا يصلح للقياس عليه؟ والكثرة والقلة في القياس نسبية، فقد نقيس على القليل، إذا لم يرد له مما ينقضه، ونمتنع من القياس على الكثير لوجود ما ينقضه.

_ 1هو ابن يوسف بن هلال. جعل في إشارة التعيين والبلغة نسبته "المازري" بالزاي ثم راء، وفي البغية وغيرها "الماردي" بالراء والدال المهملتين، من أهل قرطبة، وسكن بطليوس، له شعر فيما يذكر ويؤنث، وكتاب "الترشيح" في النحو، نقل عنه أبو حيان في تذكرته، واختصر "الزاهر" لابن الأنباري. قال عنه ابن الأنبار: "كان من جلة النحاة، ومحققيهم، والمتقدمين في المغرفة بعلوم اللسان على الإطلاق. روى عن أبي عبد الله بن الفخار، وأبي عمر أحمد بن الوليد، وهلال بن عريب، وروى عنه ابناه: عبد الله وعمر، وغيرهما، وتصدر لإقراء العربية طويلاً. نقل عنه أبو حيان وابن هشام كثيراً. توفي بعد سنة خمسين وأربعمائة. انظر ترجمته في إشارة التعيين 112 والبلغة 77 وبغية الوعاة 1/ 553 والتكملة لابن الأبّار 1/ 42 وكشف الظنون 507 و948 ومعجم المؤلفين 4/ 103. 2 ص 1086-1087 وانظر المساعد 2/ 262-263 والهمع 2/ 166. 3 انظر المساعد 2/ 162-163.

ولهذا كان اختيار مذهب خطّاب وابن مالك نتيجة مناسبة لهذا البحث، مما يمكن أن نخرج منه بقاعدة أو خلاصة: "التعجب إنما يكون من فعل الفاعل، ويجوز التعجب من فعل المفعول إذا أُمن اللبس". تم بحمد الله. والصلاة والسلام على رسوله الكريم.

مصادر ومراجع

مصادر ومراجع ... دليل المصادر والمراجع إشارة التعيين/ عبد الباقي اليماني (680-743) تحقيق د. عبد المجيد دياب، مركز الملك فيصل/ ط أولى 1406هـ. الأشباه والنظائر/ السيوطي (849 911) نشر طه عبد الرؤوف سعد/ مكتبة الكليات الأزهرية/ القاهرة/ 1395 هـ. أوضح المسالك - ضياء السالك. الإيضاح في شرح المفصّل/ أبو عمر وعثمان بن عمر المعروف بابن الحاجب (570 - 646) تحقيق د. موسى بناري العليلي/ الناشر وزارة الأوقاف في العراق/ إحياء التراث الإسلامي (50) . بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح/ عبد المتعال الصعيدي/ مكتبة الآداب بالجماميز/ مصر. تذكرة النحاة لأبي حيان محمد بن يوسف (654-745) نشر د. عفيف عبد الرحمن مؤسسة الرسالة/ ط أولى 1406هـ. الخاطريات/ أبو الفتح عثمان بن جني (392) تحقيق علي ذو الفقار شاكر/ دار الغرب الإسلامي/ ط أولى 1408/ بيروت. الخصائص/ ابن جني/ تحقيق محمد علي النجار/ صورة. الدرر اللوامع على همع الهوامع/ أحمد بن الأمين الشنقيطي (1289-1331) ط ثانية/ دار المعرفة/ بيروت. زاد المعاد في هدي خير العباد/ ابن قيم الجوزية (691- 751) تحقيق شعيب الأرناؤوط وعبد القادر الأرناؤوط/ مؤسسة الرسالة/ ط ثامنة/ 1405هـ/ بيروت. سفر السعادة/ علم الدين السخاوي (558-643) تحقيق محمد أحمد الدالي/ مجمع اللغة العربية/ دمشق/ 1403. سيبويه (الكتاب) / عمرو بن عثمان (180 تقريباً) ط عبد السلام هارون. شرح أشعار الهذليين/ أبو سعيد السكري (212-275) تحقيق عبد الستار فراج. شرح ديوان كعب بن زهير/ أبو سعيد السكري/ صورة عن ط دار الكتب المصرية سنة 1369/ القاهرة. شرح قصيدة كعب بن زهير/ محمد بن هشام الأنصاري (708-761) نشر د. محمود حسن أبو ناجي/ مؤسسة علوم القرآن/ دمشق/ ط ثانية/ 1402.

شرح الكافية/ للرضي الاسترباذي (686) دار الكتب العلمية/ بيروت/ صورة. شرح الكافية الشافية/ جمال الدين بن مالك (672) تحقيق د. عبد المنعم هريدي/ من منشورات جامعة أم القرى/ مركز إحياء التراث (16) ط أولى/ 1402. شرح المفصل/ يعيش بن يعيش (643) صورة عن الطبعة الأوى. الصحاح/ الجوهري (393) نشر أحمد عبد الغفور عطار. ضياء السالك إلى أوضح المسالك/ محمد عبد العزيز النجار/ ط أولى 1389/ القاهرة. لسان العرب/ ابن منظور (711) دار لسان العرب/ بيروت. مجمع الأمثال/ الميداني (518) تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد/ ط ثانية/ 1393. مختار الصحاح/ محمد بن أبي بكر الرازي/ (666) دار الكتاب العربي/ ط أولى/ 1967 بيروت. المرتجل/ لابن الخشاب (492-567) تحقيق علي حيدر/ 1392/ دمشق. المسائل العضديات/ لأبي علي الفارسي (288-377) تحقيق د. علي جابر المنصوري/ عالم الكتب بيروت/ ط أولى 1406. المساعد على تسهيل الفوائد/ لبهاء الدين بن عقيل (600-672) تحقيق د. محمد كامل بركات/ من منشورات جامعة أم القرى/ مركز إحياء التراث/ مكة. معجم البلاغة العربية/ د. بدوي طباته/ ط ثالثة/ 1408 دار المنارة بجدة. معجم المصطلحات النحوية والصرفية/ د. محمد سمير نجيب اللبدي/ مؤسسة الرسالة د أولى 1405/ بيروت. المغني في تصريف الأفعال/ محمد عبد الخالق عضيمة/ ط أولى/ 1374/ القاهرة. المفصل في علم العربية/ محمود بن عمر الزمخشري (538) ط الثانية/ دار الجيل/ بيروت. المقرب/ علي بن مؤمن (ابن عصفور) (669) تحقيق/ الجواري والجبوري/ منشورات الأوقاف العراقية سنة 1391 ط أولى. المقتصد في شرح الإيضاح/ عبد القاهر الجرجاني (471) تحقيق كاظم بحرمرجان/ وزارة الإعلام العراقية/ 1982. الملخص في ضبط قوانين العربية/ ابن أبي الربيع القرشي (599-688) تحقيق د. علي بن سلطان الحكمي/ ط أولى سنة 1405. همع الهوامع/ السيوطي (911) بيروت/ صورة.

§1/1