التسعينية

ابن تيمية

جَمِيع الْحُقُوق مَحْفُوظَة للناشر، فَلَا يجوز نشر أَي جُزْء من هَذَا الْكتاب، أَو تخزينه أَو تسجيله بأية وَسِيلَة، أَو تَصْوِيره أَو تَرْجَمته دون مُوَافقَة خطية مُسبقة من الناشر. الطبعة الأولى 1420 هـ - 1999 م مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، 1420 هـ فهرسة مكتبة الْملك فَهد الوطنية أثْنَاء النشر ابْن تَيْمِية، أَحْمد عبد الْحَلِيم التسعينية / تَحْقِيق مُحَمَّد إِبْرَاهِيم العجلان - الرياض. 376 ص، 17 × 24 سم ردمك: 5 - 36 - 830 - 9960 (مَجْمُوعَة) 3 - 37 - 380 - 9960 (ج 1) 1 - العقيدة الإسلامية 2 - الفلسفة الإسلامية 3 - الْفرق الإسلامية أ - العجلان، مُحَمَّد إِبْرَاهِيم (مُحَقّق) ب - العنوان ديوي 245. . . 4206/ 19 رقم الْإِيدَاع: 4206/ 19 ردمك: 5 - 36 - 830 - 9960 (مَجْمُوعَة) 3 - 37 - 830 - 9960 (ج 1) مكتبة المعارف للنشر والتوزيع هَاتِف: 4114535 - 4113350 فاكس: 4112932 - برقيًّا دفتر ص:. ب: 3281 الرياض - الرَّمْز البريدي 11471 سجل تجاري 6313 الرياض

وكذلك تسعينية فيها له ... رد على من قال بالنفساني تسعون وجهًا بينت بطلانه ... أعني كلام النَّفس ذا الوحدان

مقدمة التحقيق

المقدمة الحمد لله ربّ العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلَّا الله، وحده لا شريك له، القائل سبحانه {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} (¬1)، والقائل جلّ ذكره: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إلا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ} (¬2). وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله - صَلَّى الله عليه وسلم - تسليمًا كثيرًا بعثه الله بالهدى ودين الحق رحمة للعالمين، وقدوة للعاملين، وحجة على العباد أجمعين. فأدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح الأمة وبين لها جميع ما تحتاج إليه في أصول دينها وفروعه، حتَّى تركها على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، وعلي هذا المنهج سار أصحابه الكرام، ومن تلاهم من القرون المفضلة، حتَّى ظهرت البدع، واستبدت ظلماتها وذاق الأئمة -الذين وهبهم الله الإيمان والعمل- في سبيل إخمادها أنواع العذاب (¬3). ومن أبرز هؤلاء شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله رحمة واسعة- الذي قدم المؤلفات الكثيرة في بيان السنة وتوطيد العقيدة وهدم البدع ومما ألفه في هذا الباب (التسعينية) في الرد على الأشاعرة والكلابية القائلين بالكلام النفسي، وغيرهم. ¬

_ (¬1) سورة البقرة الآية 176. (¬2) سورة البقرة الآية 213. (¬3) سوف نتكلم عن الإمام أحمد - رحمه الله - ومحنته في الصفحات القادمة بإذن الله.

وكانت علاقتي بمؤلفات هذا العالم الجليل عندما كنت في سنوات الدراسة، حيث قرأت العقيدة الواسطية، فالحموية، فالتدمرية، وكنت أعجب من مناقشة هذا العالم لخصومه، ومدى قدرته على استنباط الأدلة العقلية الموافقة للأدلة النقلية، وصبر هذا الإمام عليهم ومجادلتهم مجادلة موضوعية عجيبة، فكنت في شغف للاطلاع الحر على مؤلفات هذا الإمام. وفي مرحلة الدراسات العليا -الماجستير- سجلت موضوعًا باسم "الإيمان- حقيقته وآثاره"، وفي هذه المرحلة يصبح الإنسان مدفوعًا إلى ضرورة القراءة الواسعة، والمراجعات الدقيقة، فاعتمدت في هذا البحث -بالدرجة الأولى- على كتاب "الإيمان" لابن تيمية، وعندئذ زادت علاقتي بمؤلفات هذا الإمام الكبير، واطلعت على قدر لا بأس به من مؤلفاته -رحمه الله- وكان ممَّا وقع في يدي كتابه "التسعينية" فما انتهيت من بحثي السابق إلّا وسارعت وبدون تردد إلى تسجيل هذا الكتاب للحصول -بتحقيقه ودراسته- على درجة الدكتوراه، للأسباب التالية: 1 - ما تقدمت الإشارة إليه من رغبتي الأكيدة في الاطلاع على مؤلفات هذا الإمام وقراءتها قراءة متأنية، وهذا ما تم بفضل الله تعالى -حيث دعاني البحث في هذا الكتاب إلى الاطلاع على بعض كتب الشَّيخ -رحمه الله- مثل: "درء تعارض العقل والنقل"، و "منهاج السنة النبوية"، و"بيان تلبيس الجهمية"، وغيرها كثير، كـ "مجموع الفتاوى"، و "بعض رسائله رحمه الله" والتي سأفيد منها -إن شاء الله- في تعليقاتي على بعض مسائل الكتاب. 2 - أن هذا الكتاب من الكتب التي ألفها -رحمه الله- في الأصول للرد على القائلين بالكلام النفسي، وهم: الأشاعرة، والكلابية، ومن سلك سبيلهم، فقد بحث الشَّيخ هذه المسألة بإفاضة وتحليل، واحتج لها ببراهين ومقدمات وأمور لم يسبق إليها، من غير محاباة ولا مداهنة، فهو بحق يعد من أهم المصادر في العقيدة التي تحتاج إلى خدمة علمية تعين القارئ على قراءته، وفهم مسائله ودقائقه. والكتاب لم يقم أحد بتحقيقه علميًّا -رغم أهميته- لذا رأيت أن تحقيقي

له بعد دراسة لأهم مسائله يعد مشاركة واجبة مني في خدمة تراث السلف الذي يحتاج من طلاب العلم إلى الجهد والتضحية في سبيل إخراجه بصورة سليمة كما أرادها أولئك. 3 - أنَّه ممَّا ألفه -رحمه الله- في ظل ظروف صعبة -فقد ألفه وهو في السجن بمصر، وطلب منه الرجوع عن بعض معتقده، وكتبوا له ورقة في أهم المسائل التي يريدون منه عدم البوح بها، وهي ما أجاب عنه الشَّيخ في هذا الكتاب، إذ هو ثمرة صبره -رحمه الله- على المحنة، ومفارقة الأهل والوطن، والثبات على العقيدة السلفية المتلقاة من كتاب الله وسنة رسوله وسيرة السلف الصالح. يقول الشَّيخ (1) -رحمه الله- مشيرًا إلى ما ذكرته: "وقد كتبت هنا بعض ما يتعلق بهذه المحنة التي طلبوها مني في هذا اليوم، وبينت بعض ما فيها من تبديل الدين واتباع غير سبيل المؤمنين، لما في ذلك من المنفعة للمسلمين، وذلك من وجوه كثيرة. . . ". 4 - أن هذا الكتاب يناقش مسألة عظيمة من أهم المسائل وهي: مسألة كلام الله -تعالى- والرد على من طعن فيه، ودحض باطل من يحاول التشكيك في القرآن الكريم الذي هو دستور المسلمين، وبه نجاتهم، إذ الإيمان به أصل الإيمان، لذا يجب على علمائهم المدافعة عنه، وبيان ضلال من قدح فيه. فإخراج هذا الكتاب محققًا مدروسًا فيه منفعة للمسلمين -إن شاء الله- ممن يهمهم الحفَّاظ على معتقدهم، كما أشار الشَّيخ -رحمه الله- في أول هذا الكتاب (¬1) حيث بين أنَّه ضمنه ما فيه المنفعة للمسلمين. 5 - أن هذا الكتاب يتحدث عن مسألة كتاب الله تعالى، ويوضح القول الحق الذي يجب على المسلمين اعتقاده، ويرد القول بخلق القرآن، وكثير من النَّاس لا يعلم أن المقصود من ذلك إبطال الصفات والشرائع (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: ص: 119 من هذا الكتاب- قسم التحقيق. (¬2) انظر: بيان تلبيس الجهمية -لابن تيمية- 2/ 18. ومختصر الصواعق المرسلة -لابن القيِّم- اختصار الموصلي- 1/ 200.

6 - أن هذا الكتاب يمثل عقيدة السلف الصالح -رضوان الله عليهم- بما يحويه -إضافة إلى مسألة الكلام- من موضوعات عقدية أبرزها شيخ الإسلام بصورة توافق الكتاب والسنة وأقوال الصّحابة والتابعين لهم بإحسان، كمسألة علو الله، وعلم الله وقدرته، ونزوله، ومجيئه، وضحكه، وغيرها. 7 - نقل الثقات من أهل العلم عن هذا الكتاب في مقام الاستشهاد كابن القيِّم -رحمه الله- والشيخ عبد العزيز بن حمد آل معمر (¬1)، وكذلك عالم الشام: جمال الدين القاسمي (¬2)، وكذلك محمد السفاريني (¬3)، وهذا على سبيل المثال لا الحصر. 8 - أن هذا الكتاب يتضمن نقولًا من مصنفات مفقودة، أو لم ييسر خروجها إلى الآن، وذلك مثل كتاب "السنة" لأبي الشَّيخ الأصبهاني، و "السنة" للطبراني، وغيرهما. 9 - أن الشَّيخ -رحمه الله- أحسن في تناوله لمسائل هذا الكتاب، بالإشارة إلى مجموعة كبيرة من المراجع التي تعين الباحثين في موضوع صفات الله -سبحانه- وهي مراجع أصيلة، منها ما يتعلق بأحاديث النَّبيِّ - صَلَّى الله عليه وسلم - ومنها ما يتعلق بمصنفات لمؤلفين عنوا بهذا الموضوع، وهذا الصنيع من شيخ الإسلام يجعل لكتابه هذا مهمة التوجيه والإرشاد البحثي في موضوع عظيم من موضوعات العقيدة (¬4). وقد واجهتني بعض الصعوبات أثناء التحقيق، والتي عادة ما تواجه الباحث، أذكر منها: 1 - كثرة البياض والتي تتفق عليه النسخ، وهو يتراوح ما بين كلمة وبضعة أسطر، وهذا أمر أعاقني كثيرًا، حيث بذلت -بالتعاون مع المشرف- وفقه الله- جهدًا في سبيل إيجاد بعض الكلمات والعبارات التي تتفق وأسلوب الشَّيخ وتكمل المعنى وتناسب السياق، وأذكر منها على سبيل المثال: ¬

_ (¬1) في كتابه "منحة القريب المجيب في الرد على عباد الصليب" ص: 134 - 142. (¬2) في كتابه "تاريخ الجهمية والمعتزلة" ص: 51 - 55، ص: 23 - 28. (¬3) في كتابه "لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية" 1/ 165 - 166. (¬4) انظر على سبيل المثال ص: 130 - 151 قسم التحقيق.

البياض في ص: 111، وفي ثلاثة أماكن، منها بقدر سطر تقريبًا. ص: 201 بقدر ثلاث كلمات. ص: 792 بقدر عدة أسطر. 2 - من عادة الشَّيخ -رحمه الله- في مصنفاته أنَّه يقوله: "وقد بسطنا هذا في غير هذا الموضع" وهذه العبارة وردت في هذا الكتاب كثيرًا، ممَّا تطلب مني جهدًا في البحث عن الموضع الذي أحال عليه الشَّيخ -رحمه الله- في مصنفاته الأخرى إلّا ما ندر. 3 - يذكر الشَّيخ -رحمه الله- كتابًا لمؤلف، وينقل منه باسم مختصر، أو يذكر اسم الكتاب بالمعنى، لاعتماده على الحفظ، ممَّا يعيق سرعة الحصول على الكتاب -إن كان موجودًا- أو التعريف به من الكتب التي تهتم بالتراث، ومن أمثلة ذلك ما ورد في ص: 323 وما ورد في ص: 325، ص: 334، 436 إلى غير ذلك. 4 - النقل من كتب مخطوطة، وقد يبلغ الكتاب مجلدات، وصعوبة العثور على بعض النقول من الكتب المخطوطة لا يخفى على من سلك هذا الطريق، لا فيما إذا كان المخطوط مصورًا، أو لم يخدم بوضع فهارس، ومن أمثلة المخطوطات التي رجعت إليها في التحقيق ونقل منها المؤلف رحمه الله: - نهاية العقول في دراية الأصول- للفخر الرازي. - السنة "المسند من مسائل أبي عبد الله أحمد بن حنبل رواية أبي بكر الخلال". - ذم الكلام- لأبي إسماعيل الهروي. - إبطال التأويلات لأخبار الصفات- للقاضي أبي يعلى. - الأسنى شرح أسماء الله الحسنى وصفاته العلى- لأبي عبد الله القرطبي. 5 - طول الكتاب وصعوبة مادته العلمية، ولا أبالغ إذا قلت: إنني أمضي الساعات الطويلة لفهم بعض العبارات.

6 - أن الشَّيخ -رحمه الله- يشير إلى بعض الروايات برموز عامة يصعب تحديدها، وخاصة إذا كانت الرواية ضعيفة أو موضوعة، ممَّا يجعل البحث عنها يتطلب وقتًا وجهدًا، وذلك مثل ما أورده في ص: 965 حيث قال: "كحديث الملائكة الأربعة" وإشارته إلى أنَّه حديث موضوع. وعلي الرغم من حجم هذه الصعوبات وتنوعها، فإن ما فيها من متاعب، كانت متاعب ممتعة، لما وجدته من إفادة طلاب العلم بمسائل هذا الكتاب، والذي يرغب الشهد، فليصبر على إبر النحل. وستكون خطتي في هذا البحث على النحو التالي: المقدمة. التمهيد: وسأذكر فيه ما يتعلق بالفرق الضَّالة وخطرها على المعتقد الصَّحيح. القسم الأول: الدراسة. وفيه بابان: الباب الأول: المؤلف، حياته وعصره. وفيه ثلاثة فصول: الفصل الأول: حياته، وفيه مبحثان: 1 - اسمه ومولده. 2 - نشأته وصفاته. الفصل الثَّاني: عصره، وفيه مباحث: 1 - الناحية السياسية. 2 - الناحية الاجتماعية. 3 - الناحية العلمية. الفصل الثالث: محنته، ووفاته. الباب الثَّاني: كتابه التسعينية ودراسة بعض مسائله. وفيه فصلان: الفصل الأول: تعريف بالكتاب، وفيه مباحث:

1 - سبب تأليف الكتاب وتسميته. 2 - تاريخ تأليفه. 3 - توثيق نسبته إلى مؤلفه. 4 - منهج المؤلف في الكتاب. 5 - نسخ الكتاب. 6 - منهجي في تحقيقه. الفصل الثَّاني: دراسة بعض مسائله، وفيه مباحث: 1 - فتنة القول بخلق القرآن. 2 - مسألة كلام الله. 3 - إلزامات. القسم الثَّاني: التحقيق. هذا وإني لست أدعي الكمال، فالكمال لله وحده، فالكل معرض للنقص والتقصير، ولكن حسبي بذلك أني بذلت جهدي، فإن أصبت فمن الله وتوفيقه وعونه، وإن أخطأت فمني، ومن الشيطان، وأستغفر الله وأتوب إليه. ولا يفوتني في ختام هذه المقدمة أن أسجل كلمة شكر وعرفان لفضيلة الدكتور: محمد رأفت سعيد، المشرف على هذه الرسالة، على ما قدمه لي من عون، وما أرشدني إليه من ملحوظات، فقد كان -وفقه الله- خير معين ومرشد، ولم يبخل علي بوقت ولا علم ولا جهد في سبيل إنجاز هذا البحث. كما أشكر كلًّا من فضيلة الشَّيخ عبد العزيز عبد الله آل الشَّيخ، وفضيلة الدكتور سالم بن عبد الله الدخيل، على توليهما مناقشة هذه الرسالة، وأعدهما أن ما يقدمانه من ملاحظات وتوجيهات سوف تكون نصب عيني، وسوف أعمل -بمشيئة الله تعالى- على تلافيها. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

التمهيد

التمهيد

التمهيد الفرق الضَّالة وخطرها على المعتقد الصَّحيح: الصراع بين الحق والباطل قديم منذ بدء الخليقة إلى يومنا هذا، وسوف يستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فبينهما صراع لا يفتر ولا يلين ولا يتوقف، صراع متنوع متعدد الأشكال، فهناك صراع عقدي، وصراع سياسي، وصراع إعلامي، وصراع اقتصادي. . . إلخ، والله شاء ذلك لحكمة، قال الله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} (¬1). والصراع الحقيقي هو الصراع العقدي، وما سواه صراعات فرعية، لكن أهل الباطل ربما يتسترون وراء عوامل فرعية خداعًا وتمويهًا، حتَّى يصلوا إلى مرادهم، وهو هدم الإسلام وزعزعة كيانه، وذلك بإثارة الشكوك والفتن بين أفراده والنيل من معينه الصافي (الكتاب والسنة) ومحاولة تحريفهما وتأويلهما (¬2). ولو تتبعنا التاريخ للفرق المختلفة في باب العقيدة لوجدنا أن الحقد الدفين الذي تكنه عناصر دخيلة على الإسلام وراء ذلك التفرق (¬3)، فعندما سيطر حكم الإسلام على أكثر البلاد في آسيا وإفريقيا، وغيرهما، دخل تحت ¬

_ (¬1) سورة هود. الآيتان 118، 119. (¬2) انظر: القضاء والقدر في الإسلام -للدسوقي- 2/ 22، 26. (¬3) وهذا لا يعني أنَّه ليس هناك عوامل أخرى كانت وراء التفرق كالغلو المتمثل في مذهب الخوارج والشيعة، والرد على البدعة ببدعة أخرى مثلها أو أشد المتمثل في مذهب المرجئة والمعتزلة، وتحكيم العقل في القضايا الشرعيّة. وقد تقصى تفصيل هذه العوامل الدكتور أحمد سعد حمدان في مقدمة تحقيقه لشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1/ 37 - 44.

حكمه أمم كثيرة، رغبة ورهبة، وكان لها أديان مختلفة، من يهودية، ومجوسية، ونصرانية، ووثنية، وغير ذلك، وقد كان لكثير من هذه الأمم سلطان كبير، مثل المجوس والرومان، فسلبهم المسلمون ذلك، وكان عند هؤلاء من الكبر والاستعلاء ما يجعلهم يأنفون من كونهم تحت سلطان المسلمين، لا سيما وقد كانوا يرون العرب من أحقر الأمم وأقلها شأنًا، كما أن اليهود واجهوا الإسلام ورسوله من أول أمره بالعداء وحاولوا القضاء عليه بأنواع من المكائد والمؤامرات، ولما يئس هؤلاء جميعًا من قدرتهم في مجابهة الإسلام بالقوة وجهًا لوجه انصرف جهدهم وكيدهم إلى الدسائس والمؤامرات والاغتيالات لرجاله العظام. ودخل في الإسلام -ظاهرًا- من هؤلاء من قصده إفساده وتمزيق وحدة أهله، ولا بد أن يكون ذلك عن دراسة، وإعمال فكر وتخطيط وربما يكون هناك جماعات متعاونة، من المجوس واليهود، والنصارى والهنود وغيرهم، وقد تكون لكل طائفة مؤسسات تعمل لإفساد عقائد المسلمين، لتيقنهم أنَّه لا يمكن هزيمة المسلمين إلَّا بإفساد عقيدتهم، فبدأت آثار المؤامرات تظهر شيئًا فشيئًا، فقتل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب بأيدٍ مجوسية (¬1)، وربما بمؤامرة مجوسية يهودية. ثم قتل الخليفة عثمان بعده بأيدٍ مشبوهة (¬2)، من غوغاء، يدفعهم بعض دهاة اليهود والمجوس (¬3). ثم ظهر القول بنفي القدر، وأول من ابتدع القول به بالعراق، رجل من أهل البصرة يقال له: سيسويه، من أبناء المجوس، وتلقاه عنه معبد الجهني (¬4). ¬

_ (¬1) حيث قتله أبو لؤلؤة المجوسي الفارسي -لعنه الله- غيلة بخنجر في خاصرته وهو في صلاة الصبح - رضي الله عنه - سنة 23 هـ. (¬2) انظر صفة مقتله - رضي الله عنه - على أيدي أولئك الأجلاف والأخلاط من النَّاس سنة 35 هـ في: البداية والنهاية- لابن كثير 7/ 196 - 207. (¬3) مقدمة شرح كتاب التوحيد من صحيح البُخاريّ للشيخ عبد الله الغنيمان 1/ 9. وانظر: الفصل في الملل والنحل -لابن حزم- 2/ 115، 116. (¬4) مجموع الفتاوى -لابن تيمية- 7/ 374.

ثم ظهرت بدعة الخوارج في عهد علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - سنة 37 هـ، حيث اعترضوا على قبول التحكيم، واستمروا في ضلالهم وعنادهم إلى أن انتهى الأمر إلى الحكم على مرتكب الكبيرة بالكفر في الدُّنيا وإباحة دمه وماله، والخلود في النَّار بالآخرة. ولا أستبعد أن يكون وراء هذه البدعة أيد خفية تسترت بالإسلام ظاهرًا. ثم ظهرت بدعة التشيع، وكان وراء هذه البدعة رجل يهودي اسمه عبد الله بن سبأ (¬1)، ادعى الإسلام، وغلا في علي - رضي الله عنه - فقال بنبوته، ثم غلا، فقال بألوهيته، ودعا إلى ذلك قومًا من غواة الكوفة (¬2). والشيعة فرق متعددة مختلفة فيما بينها يجمعها القول بإمامة علي وخلافته نصًّا ووصية، وهي من مخلفات ابن سبأ (¬3). وقد استغل أعداء الإسلام مذهب التشيع للكيد له ومحاولة الوصول إلى أهدافهم عن طريقه، لكن الله حفظه، وأتم نوره. يقول ابن حزم مقررًا هذه الحقيقة: ". . . فلما امتحنوا -يعني الفرس- بزوال الدولة عنهم على أيدي العرب، وكانت العرب أقل الأمم عند الفرس خطرًا تعاظمهم الأمر، وتضاعفت لديهم المصيبة، وراموا كيد الإسلام بالمحاربة في أوقات شتى، ففي كل ذلك يظهر الله -سبحانه وتعالى- الحق. . . " إلى أن قال: ". . . فرأوا أن كيده على الحيلة أنجع فأظهر قوم منهم الإسلام، واستمالوا أهل التشيع بإظهار محبة أهل بيت رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) ضال مضل، أصله من اليمن، طاف بلاد المسلمين ليصرفهم عن طاعة الأئمة، ويلقي بينهم الشرور والفتن، أتباعه يقال لهم: السَّبَئِيَّة إحدى فرق غلاة الشيعة. انظر: تهذيب ابن عساكر- 7/ 431 - 434. ولسان الميزان -لابن حجر- 3/ 289، 290. والملل والنحل -للشهرستاني- 1/ 174. (¬2) انظر: الفرق بين الفرق -للبغدادي- ص: 233. (¬3) انظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة -للالكائي- 1/ 23 - تحقيق د. أحمد سعد حمدان.

واستشناع ظلم علي (¬1) - رضي الله عنه - ثم سلكوا مسالك شتى حتَّى أخرجوهم عن الإسلام. . . " (¬2). ثم ظهرت المرجئة كرد فعل للخوارج والشيعة، وأرجؤوا الحكم على مرتكب الكبيرة إلى يوم القيامة، وقالوا: لا يضر مع الإيمان ذنب، ولا ينفع مع الكفر طاعة (¬3). ثم ظهرت الجهمية المعطلة لصفات الرَّبِّ -سبحانه- وأصل هذه المقالة -كما يقول الشَّيخ -رحمه الله-: "مأخوذة عن تلامذة اليهود والمشركين، وضلال الصابئين، فإن أول من حفظ عنه أنَّه قال هذه المقالة في الإسلام -أعني أن الله ليس على العرش حقيقة، وأن معنى (استوى) بمعنى (استولى) ونحو ذلك- هو الجعد بن درهم، وأخذها عنه الجهم بن صفوان، وأظهرها فنسبت مقالة الجهمية إليه". وقد قيل: إن الجعد أخذ مقالته عن أبيان بن سمعان، وأخذها أبان عن طالوت ابن أخت لبيد بن الأعصم، وأخذها طالوت من لبيد بن الأعصم اليهودي الساحر الذي سحر النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -. وكان الجعد بن درهم هذا -فيما قيل- من أهل حران، وكان فيهم خلق كثير من الصابئة والفلاسفة. . . " إلى أن قال: ". . . فيكون الجعد قد أخذها عن الصابئة الفلاسفة" (¬4). أما المعتزلة فقد ثبتت القول بالقدر -الذي قال به وكما تقدم- رجل من أبناء المجوس -وتعددت فرقها فيه، وكفر بعضهم البعض الآخر. وقد تأثر شيوخ المعتزلة- كأبي الهذيل العلاف، والنظام، وغيرهما -بما عرب من ¬

_ (¬1) علق على هذا الشَّيخ عبد الله الغنيمان أثناء نقله لهذا النص بقوله: "لم يقع على علي بن أبي طالب ظلم من الصّحابة كما زعمته الرافضة، وإنَّما هو شيء اختلق للتشنيع والوصول إلى المقصد الخبيث". (¬2) انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل -لابن حزم- 2/ 115. (¬3) انظر: القضاء والقدر -للدسوقي- 2/ 10. (¬4) مجموع الفتاوى -لابن تيمية- 5/ 20، 21.

كتب الفلاسفة، وأظهروا موافقتهم لهم (¬1). ثم ظهرت الأشعرية، وهي خليط من مذاهب عدة فرق كالمعتزلة، والكلابية والجهمية (¬2). وأبو الحسن الأشعري -الذي تنتسب إليه هذه الطائفة- أخذ عن الجبائي الاعتزال، ولازمه دهرًا طويلًا، ثم سلك طريق ابن كلاب إلى الصفات، والقدر، وغير ذلك. وسلك طريقه جماعة من العلماء، مثل: الباقلاني، وابن فورك، والإسفراييني، والشيرازي، والغزالي، والشهرستاني، والرازي، وغيرهم وملؤوا الدُّنيا بتصانيفهم، يحتجون، ويدعون أن طريقتهم هي طريقة أهل السنة والجماعة، فانتشر هذا المذهب في البلاد الإسلامية، وجاءت دولة بني أيوب، وكانوا على هذا المذهب، ثم مواليهم الأتراك، وأخذه ابن التومرت إلى المغرب، ونشره هناك، فصار هذا المذهب هو المعروف في الأمصار، بحيث نسي ما عداه من المذاهب أو جهل، حتَّى لم يبق اليوم مذهب يخالفه، إلّا أن يكون مذهب الحنابلة (¬3). ومن هذا العرض المختصر لهذه الفرق يتضح لنا مدى تأثير القوى الخفية -التي تدفعها أيد يهودية ومجوسية- عليها، وأن أعداء الإسلام لن يألوا جهدًا ولا يهنأ لهم عيش، ولا يقر لهم قرار حتَّى ينفذوا مخططاتهم -عمليًّا- التي أمضوا الوقت الطَّويل في دراستها، ولهم أساليبهم المختلفة في التنفيذ، وطرقهم الخفية في الغزو، وقد اتخذوا معتقد المسلم هدفًا أسمى يرمون إليه، فإذا استطاعوا صرفه، أو على الأقل الإخلال به وإن ما وراءه من أمور فرعية. وقد أدرك علماء المسلمين خطر هذا التفرق وما يخفيه وراءه من التستر بالإسلام والتسمي به، وأن المقصد أسمى والغاية نبيلة، وإذا حقق الأمر وجد ¬

_ (¬1) انظر بتصرف: الملل والنحل -للشهرستاني- 1/ 50، 53، 54. وبيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية -لابن تيمية- 1/ 323. وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة -للالكائي- 1/ 25، 43، 44. (¬2) انظر: شرح كتاب التوحيد من صحيح البُخاريّ- 1/ 24. (¬3) انظر: الخطط -للمقريزي- 3/ 309 - 314.

التعطيل الصرف للباري -سبحانه- وسلبه صفات الجلال والعظمة، فصنفوا المصنفات الكثيرة التي تدحض الباطل وأهله، وتبين الحق وتحث على اتباعه. فصنف حماد بن سلمة (ت: 167 هـ) كتابه في الصفات (¬1)، وكان -رحمه الله- شديدًا على المبتدعة. وصنف عبد الله بن محمد الجعفي (ت: 229 هـ) كتابه في الصفات والرد على الجهمية (¬2). وصنف الإمام أحمد بن حنبل (ت: 241 هـ) كتابه الرد على الجهمية والزنادقة (¬3). وصنف عثمان بن سعيد الدَّارميّ (ت: 280 هـ) كتاب الرد على الجهمية (¬4). وصنف أبو بكر الخلال (ت: 311 هـ) كتاب السنة (¬5). وصنف أبو الشَّيخ الأصبهاني (ت: 369 هـ) كتاب السنة (¬6). وصنف أبو عبد الله بن مندة (ت: 395 هـ) كتاب الرد على الجهمية (¬7). وصنف أبو القاسم اللالكائي (ت: 418 هـ) كتاب شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (¬8). وصنف أبو عمر الطلمنكي (ت: 429 هـ) كتاب السنة (¬9)، وصنف ¬

_ (¬1) انظر ص: 159 من هذا الكتاب قسم التحقيق. (¬2) انظر ص: 160 من هذا الكتاب قسم التحقيق. (¬3) انظر ص: 161 من قسم التحقيق لهذا الكتاب. (¬4) انظر ص: 160 من قسم التحقيق لهذا الكتاب. (¬5) انظر ص: 162 من قسم التحقيق لهذا الكتاب. (¬6) انظر ص: 165 من قسم التحقيق لهذا الكتاب. (¬7) انظر ص: 166 من قسم التحقيق لهذا الكتاب. (¬8) انظر ص: 167 من قسم التحقيق لهذا الكتاب. (¬9) انظر ص: 167 من قسم التحقيق لهذا الكتاب.

القاضي أبو يعلى (ت: 458 هـ) كتبًا في الرد على الأشعرية والكرامية والباطنية (¬1). هذا قليل من كثير ألفه علماء الإسلام ضد أهل البدع والأهواء في تلك الحقبة من الزمن. وقد تتابع التأليف والتصدي من أئمة الإسلام، وكان من بينهم تقي الدين أبو العباس بن تيمية، فقد تصدى -رحمه الله- للانتصار لمذهب السلف ورد على الأشاعرة، والرافضة، والصوفية، وغيرهم ممن ضل الطريق المستقيم، فألف الكتب الكثيرة، وأجاب على الأسئلة العديدة التي ترده من بلاد شتى. ومما ألفه في الرد على الأشاعرة -خصوصًا- وعلى طوائف أهل الأهواء -عمومًا- هذا الكتاب الذي بين أيدينا، إذ بيّن -رحمه الله- ضلال هذه الطائفة في مسألة عظيمة، وهي: مسألة كلام الله تعالى، وناقش قولهم: إنه معنى واحد قائم بالنفس لا يتعلق بمشيئته وقدرته، إن عبر عنه بالعربية كان قرآنًا، وإن عبر عنه بالسريانية كان إنجيلًا، وإن عبر عنه بالعبرية كان توراة. وبين الشَّيخ -رحمه الله- أن هذا القول ممَّا اختص به الأشعري وابن كلاب، وما سواه فمسبوقان إليه، قد تكلم فيه من سبقهما (¬2). وأستطيع القول من خلال معايشتي لهذا الكتاب إنه الكتاب الوحيد (¬3) من كتب الشَّيخ الذي تفرد بمناقشة الأشاعرة (¬4) في هذه المسألة مناقشة موضوعية ¬

_ (¬1) انظر ص: 168 من قسم التحقيق لهذا الكتاب. (¬2) انظر ص: 625 من قسم التحقيق لهذا الكتاب. (¬3) قد يتبادر إلى ذهن القارئ فيقول: إن للشيخ -رحمه الله- كتبًا في هذه المسألة وأقرب مثال على ذلك ما يحويه المجلد الثَّاني عشر من الفتاوى. وأقول: هذا المجلد عبارة عن مجموعة أسئلة وجهت إلى الشَّيخ في مناسبات مختلفة وأجاب عنها، جمعها ابن قاسم -رحمه الله- في مجلد لمًّا لشتاتها وتيسيرًا على القارئ، والشيخ -رحمه الله- في إجاباته يتعرض لأقوال النَّاس في هذه المسألة، وينقضها بما يبطلها، بخلاف الكتاب الذي بين أيدينا فهو وحدة متكاملة ألف من أجل الرد على طائفة معيّنة خصوصًا وبقية الطوائف عمومًا. (¬4) قد يستدعي النقاش والنقض من الشَّيخ -رحمه الله رحمة واسعة- التعرض =

هادئة، كانت نتيجتها -للمحايد- الاعتراف بانتصار الشَّيخ -رحمه الله- على خصومه ببيان الحق في هذه المسألة المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله وأقوال السلف الصالح -رضوان الله عليهم. * * * ¬

_ = لمذاهب النَّاس في هذه المسألة فيذكر المعتزلة للمقارنة وبيان أوجه الاتفاق والاختلاف بينهما، وهذا كثير، أما بقية المذاهب فلا يذكرها إلَّا نادرًا.

الباب الأول المؤلف حياته وعصره

الباب الأول المؤلف حياته وعصره

الفصل الأول حياته

الفصل الأول حياته اسمه ومولده: هو شيخ الإسلام أبو العباس تقي الدين أحمد بن عبد العليم (¬1) بن عبد السلام (¬2) بن عبد الله بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد الله بن تيمية (¬3) الحراني (¬4) الدّمشقيُّ (¬5). ولد -رحمه الله- بحران يوم الإثنين العاشر (¬6) من شهر ربيع الأول سنة إحدى وستين وستمائة من الهجرة النبوية. نشأته وذكر بعض صفاته: بقي -رحمه الله- بحران إلى أن بلغ سبع سنين، ثم انتقل والده به ¬

_ (¬1) أبو المحاسن شهاب الدين -الإمام العلامة- (ت: 682 هـ). (¬2) أبو البركات مجد الدين -الإمام العلامة- (ت: 652 هـ). (¬3) اختلف في علة تسمية الأسرة بـ "تيمية": فقيل: إن جده محمد بن الخضر حج على درب تيماء، فرأى هناك طفلة، فلما رجع وجد امرأته قد ولدت له بنتًا فقال: يا تيمية يا تيمية، فلقب بذلك. وقيل: إن جده محمدًا كانت أمه تسمى تيمية، وكانت واعظة، فنسب إليها، وعرف بها. راجع: الكواكب الدرية -للإمام مرعي الحنبلي- ص: 52. (¬4) نسبة إلى بلدة حران، موطن أسرته الأولى، شمال سوريا، وهي مدينة في تركيا اليوم. (¬5) انظر: العقود الدرية لابن عبد الهادي- ص: 2. والبداية والنهاية -لابن كثير- 14/ 117. وجاء فيه: "ابن أبي القاسم محمد بن الخضر بن محمد بن الخضر". (¬6) وقيل: الثَّاني عشر، لكن أكثر الروايات تعضد ما أثبته.

وبإخوته إلى الشام -عند ظهور التتار- فقدموا دمشق، ونشأ بها نشأة صالحة، وأنبته الله نباتًا حسنًا، وكانت ملامح النجابة ظاهرة عليه في صغره، وختم القرآن الكريم صغيرًا، ثم اشتغل بحفظ الحديث والفقه والعربية، حتَّى برع في ذلك، مع ملازمته لمجالس الذكر وسماع الأحاديث والآثار، فسمع دواوين الإسلام الكبار، كصحيح البُخاريّ ومسلم وسنن أبي داود والترمذي والنَّسائيُّ وابن ماجه والدارقطني، ومسند الإمام أحمد مرات عدة، وأول كتاب حفظه في الحديث "الجمع بين الصحيحين" للإمام الحميدي (¬1). يقول ابن عبد الهادي -بعد ذكره لعناية الشَّيخ -رحمه الله- بالحديث والفقه والعربية: "وأنه تأمل كتاب سيبويه حتَّى فهم النحو، وأقبل على التفسير إقبالًا كليًّا حتَّى حاز فيه قصب السبق، وأحكم أصول الفقه وغير ذلك. "وهذا كله وهو بعد ابن بضع عشرة سنة، فانبهر أهل دمشق من فرط ذكائه، وسيلان ذهنه، وقوة حافظته، وسرعة إدراكه" (¬2). ونقل ابن عبد الهادي عن الحافظ أبي عبد الله الذهبي أنَّه قال: "نشأ -يعني الشَّيخ تقي الدين -رحمه الله- في تصون تام، وعفاف وتأله وتعبد، واقتصاد في الملبس والمأكل، وكان يحضر المدارس والمحافل في صغره، ويناظر ويفحم الكبار ويأتي بما يتحير منه أعيان البلد في العلم، فأفتى وله تسع عشرة سنة، بل أقل، وشرع في الجمع والتأليف من ذلك الوقت، وأكب على الاشتغال، ومات والده -وكان من كبار الحنابلة وأئمتهم- فدرس بعده بوظائفه، وله إحدى وعشرون سنة، واشتهر أمره، وبعد صيته في العالم، وأخذ في تفسير الكتاب العزيز في الجمع على كرسي من حفظه، فكان يورد المجلس ولا يتلعثم، وكذا كان الدرس بتؤدة وصوت جهوري فصيح" (¬3). ولم يزل في ازدياد من العلوم والاشتغال بها، وبث العلم ونشره، ¬

_ (¬1) انظر: الأعلام العلية -لأبي حفص البزار- ص: 21، 22. (¬2) انظر: العقود الدرية -لابن عبد الهادي- ص: 3. (¬3) راجع: العقود الدرية -لابن عبد الهادي- ص: 4، 5.

والاجتهاد في سبل الخير، حتَّى انتهت إليه الإمامة في العلم والعمل، والزهد والورع، والشجاعة والكرم والتواضع والحلم والجلالة والمهابة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسائر أنواع الجهاد، مع الصدق والعفة وحسن القصد، ومراقبة الله والخوف منه. وقد عقد أبو حفص البزار فصولًا في مآثره الحميدة وصفاته النبيلة. فممَّا قاله في تعبده: ". . . قطع جل وقته وزمانه فيه، حتَّى إنه لم يجعل لنفسه شاغلة تشغله عن الله تعالى، وما يراد له لا من أهل ولا مال، وكان في ليله منفردًا عن النَّاس كلهم، خاليًا بربه -عزَّ وجلَّ - ضارعًا مواظبًا على تلاوة القرآن العظيم، مكررًا لأنواع التعبدات الليلية والنهارية. . . " (¬1). ومما قاله في ورعه: ". . . كان - رضي الله عنه - في الغاية التي ينتهى إليها في الورع، لأنَّ الله تعالى أجراه مدة عمره كلها عليه، فإنَّه ما خالط النَّاس في بيع ولا شراء ولا معاملة ولا تجارة ولا مشاركة ولا زراعة ولا عمارة. . . ولا كان مدخرًا دينارًا ولا درهمًا ولا متاعًا ولا طعامًا، وإنَّما كانت بضاعته مدة حياته، وميراثه بعد وفاته - رضي الله عنه - العلم، اقتداء بسيد المرسلين، وخاتم النبيين محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحبه أجمعين. . . " (¬2). ومما قاله في زهده: ". . . لقد اتفق كل من رآه، خصوصًا من أطال ملازمته أنَّه ما رأى مثله في الزهد في الدُّنيا، حتَّى لقد صار ذلك مشهورًا بحيث قد استقر في قلب القريب والبعيد من كل من سمع بصفاته على وجهها، بل لو سئل عامي من ¬

_ (¬1) راجع: الأعلام العلية- ص: 37. وانظر: الكواكب الدرية- للشيخ مرعي الحنبلي- ص: 83. (¬2) راجع: الأعلام العلية ص: 41. وانظر: الكواكب الدرية -للشيخ مرعي الحنبلي- ص: 83، 84.

أهل بلد بعيد: من كان أزهد أهل هذا العصر وأكملهم في رفض فضول الدُّنيا، وأحرصهم على طلب الآخرة؟ لقال: ما سمعت بمثل ابن تيمية. . . " (¬1). ومما قاله في إيثاره، مع فقره: ". . . كان - رضي الله عنه - مع شدة تركه للدنيا ورفضه لها، وفقره فيها، وتقلله منها، مؤثرًا بما عساه يجده منها قليلًا كان أو كثيرًا. . . لا يحتقر القليل فيمنعه ذلك عن التصدق به، ولا الكثير فيصرفه النظر إليه عن الإسعاف به، فقد كان يتصدق، حتَّى إذا لم يجد شيئًا نزع بعض ثيابه، ممَّا يحتاج إليه، فيصل به الفقير، وكان يستفضل من قوته القليل الرغيف والرغيفين، فيؤثر بذلك على نفسه. . . " (¬2). وقال في تواضعه: "ما رأيت ولا سمعت بأحد من أهل عصره مثله في ذلك، كان يتواضع للصغير والكبير. . . والغني والفقير، وكان يدني الفقير الصالح ويكرمه ويؤنسه ويباسطه بحديثه المستحلى زيادة على مثله من الأغنياء، حتَّى إنه ربما خدمه بنفسه، وأعانه بحمل حاجته، جبرًا لقلبه، وتقربًا بذلك إلى ربه. وكان لا يسأم من يستفتيه أو يسأله، بل يقبل عليه ببشاشة وجه، ولين عريكة، ويقف معه حتَّى يكون هو الذي يفارقه. . . ولا يحرجه ولا ينفره بكلام يوحشه، بل يجيبه ويفهمه ويعرفه الخطأ من الصواب بلطف وانبساط. . . " (¬3). وقال في لباسه وهيئته: "كان - رضي الله عنه - متوسطًا في لباسه وهيئته، لا يلبس فاخر الثياب ¬

_ (¬1) راجع: الأعلام العلية- ص: 44، 45. وانظر: الكواكب الدرية -للشيخ مرعي الحنبلي- ص: 84. (¬2) راجع: الأعلام العلية- ص: 47. وانظر: الكواكب الدرية -للشيخ مرعي الحنبلي- ص: 85. (¬3) راجع: الأعلام العلية- ص: 48، 49. وانظر: الكواكب الدرية -للشيخ مرعي الحنبلي- ص: 88.

بحيث يرمق ويمد إليه النظر فيها، ولا أطمارًا (¬1)، ولا غليظة تشهر حال لابسها ويميز من عامة النَّاس بصفة خاصة يراه النَّاس فيها، بل كان لباسه وهيئته كغالب النَّاس ومتوسطهم، ولم يكن يلزم نوعًا واحدًا من اللباس فلا يلبس غيره. كان يلبس ما اتفق وحصل، ويأكل ما حضر، وكانت بذاذة (¬2) الإيمان عليه ظاهرة، لا يرى متصنعًا في عمامة، ولا لباس، ولا مشية، ولا قيام، ولا جلوس، ولا يتهيأ لأحد يلقاه، ولا لمن يرد عليه من بلد. . . " (¬3). وقال في كرمه: "كان - رضي الله عنه - مجبولًا على الكرم، لا يتطبعه ولا يتصنعه، بل هو له سجية. . . وكان لا يرد من يسأله شيئًا يقدر عليه من دراهم ولا دنانير، ولا ثياب ولا كتب ولا غير ذلك، بل ربما كان يسأله بعض الفقراء شيئًا من النفقة، فإن كان حينئذ متعذرًا لا يدعه يذهب بلا شيء، بل كان يعمد إلى شيء من لباسه فيدفعه إليه، وكان ذلك المشهور عند النَّاس من حاله. . . " (¬4). ومما قاله في شجاعته وجهاده: "كان من أشجع النَّاس، وأقواهم قلبًا، ما رأيت أحدًا أثبت جأشًا منه، ولا أعظم عناء في جهاد العدو منه، كان يجاهد في سبيل الله بقلبه ولسانه ويده، ولا يخاف في الله لومة لائم. أخبر غير واحد أن الشَّيخ - رضي الله عنه - كان إذا حضر مع عسكر المسلمين في جهاد يكون بينهم أوقفهم، وقطب ثباتهم، إن رأى من بعضهم ¬

_ (¬1) الأطمار: جمع طمر- بالكسر، وهو الثوب الخلق. انظر: مختار الصحاح -لابن أبي بكر الرازي- ص: 397 (طمر). (¬2) قال ابن الأثير في "النهاية" 1/ 110: "البذاذة رثاثة الهيئة، يقال: بذّ الهيئة وباذ الهيئة: أي رث اللبسة. أراد التواضع في اللباس وترك التبجح به". (¬3) الأعلام العلية- ص: 51. وانظر: الكواكب الدرية لمرعي الحنبلي- 87. (¬4) الأعلام العلية- ص: 59. وانظر: الكواكب الدرية -لمرعي الحنبلي- ص: 86.

هلعًا أو رقة وجبانة شجعه وثبته وبشره ووعده بالنصر والظفر والغنمية، وبين له فضل الجهاد والمجاهدين، وإنزال الله عليهم السكينة، وكان إذا ركب الخيل يتحنك ويجول في العدو كأعظم الشجعان ويقوم كأثبت الفرسان، ويكبر تكبيرًا أنكى في العدو من كثير من الفتك بهم، ويخوض فيهم خوض رجل لا يخاف الموت. . . " (¬1). * * * ¬

_ (¬1) الأعلام العلية- ص: 63. وانظر: الكواكب الدرية -لمرعي الحنبلي- ص: 91، 92.

الفصل الثاني عصره

الفصل الثَّاني عصره وبعد أن تعرفنا على هذه الشخصية الفذة، وما تحويه من الصفات الحميدة والأخلاق الفاضلة التي منّ الله بها عليه، يطيب لي أن نتعرف على العصر الذي عاشت فيه، إذ من الثابت أن الظروف التي تحيط بالشخص، والبيئة التي يعيش فيها، والأحوال السياسية والاجتماعية القائمة في عصره لها أثر في تكوين الشخصية، وتعيين اتجاهها إلى الخير أو الشر. وقد يكون التاثير عكسيًّا، فكثرة الفساد تحمل على التفكير الجدي في الإصلاح، فتدفع المصلح لأنَّ يفكر في أسباب الشر فيقتلعها، وفي نواة الخير الكامنة فيغذيها، وكذلك كان التفاعل بين ابن تيمية وعصره (¬1)، والذي سوف نتكلم عنه في المباحث التالية: الناحية السياسية. الناحية الاجتماعية. الناحية العلمية. الناحية السياسية: الشَّيخ -رحمه الله- عاش في أواخر القرن السابع وأول القرن الثامن للهجرة، وقد كانت البلاد الإسلامية -في هذه الفترة- مليئة بالأحداث المحزنة التي يذكرها المؤرخون بالتفصيل، وأكتفي في هذا المقام بالإشارة إلى أمور تعد من علامات العصر الذي عاش فيه شيخ الإسلام. فقد بدأ الصليبيون غاراتهم على بلاد الشام سنة 491 هـ، كما يذكر ذلك ¬

_ (¬1) انظر: ابن تيمية -حياته وعصره وآراؤه وفقهه -لأبي زهرة- ص: 124 (بتصرف).

ابن الأثير (¬1) عن الحوادث التي جرت في هذه السنة، عندما خرج الفرنج إلى بلاد الشام. واستمر الصليبيون في غاراتهم على الشام ومصر، ينتصرون مرَّة، وينهزمون أخرى نحو قرنين من الزمان، حتَّى انتهى الأمر بطردهم نهائيًّا سنة 690 هـ على يد الملك الأشرف خليل بن المنصور قلاوون (¬2). يقول ابن كثير: "في تلك السنة فتحت "عكا" وبقية السواحل التي كانت بأيدي الفرنج من مدد متطاولة، ولم يبق فيها حجر واحد" (¬3). وقد ذكر البزار ما يدل على مشاركة الشيخ -رحمه الله- في فتح "عكا" فقال: "وحدثوا أنهم رأوا منه في فتح "عكا" أمورًا من الشجاعة يعجز الواصف عن وصفها. قالوا: ولقد كان السبب في تملك المسلمين إياها بفعله ومشورته وحسن نظره" (¬4). وبينما كان المسلمون منشغلين بقتال الصليبين، دهمهم خطر التتار الذين قدموا بقيادة زعيمهم "جانكيز خان" يجتاحون البلاد الإسلامية، وكانوا قومًا فيهم غلظة، فأسرفوا في سفك الدماء، ونهب الأموال، وتخريب البلاد حتَّى سقطت بأيديهم بغداد عاصمة الخلافة سنة 656 هـ، وأحالوا هذه المدينة العامرة إلى خراب، فأشعلوا النَّار في دورها، وقتلوا الآلاف من ¬

_ (¬1) انظر: الكامل لابن الأثير 10/ 272 - 278. (¬2) هو: خليل بن قلاوون الصالحي الملك الأشرف، من ملوك مصر، ولي بعد وفاة والده سنة 689 هـ، واستفتح بالجهاد، فقصد البلاد الشامية، وقاتل الفرنج واسترد منهم "عكا" و "صورًا" و "صيدا" و "بيروت" وبقية الساحل وتوغل في الداخل، وكان شجاعًا مهيبًا، قتل غيلة بمصر سنة 693 هـ. انظر: فوات الوفيات -للكتبي- 1/ 406 - 415. والأعلام -للزركلي- 2/ 369. (¬3) البداية والنهاية- 13/ 303. (¬4) الأعلام العلية -أبو حفص البزار- ص: 63، 64. وانظر: الكواكب الدرية -للإمام مرعي الحنبلي- ص: 92.

أهلها، وعلى رأسهم الخليفة العباسي المستعصم بالله (¬1). وبعد استيلاء التتار على العراق وخراسان وغيرها من بلاد الشرق، أصبح الطريق أمامهم مفتوحًا لغزو الشام، فسارعوا بجيوشهم عبر الفرات وما لبثوا أن استولوا على حلب ثم دمشق، حتَّى وصلوا بقيادة "هولاكو" إلى غزة في طريقهم إلى مصر، لكن الملك المظفر "قطز" (¬2) -سلطان ديار مصر- باغتهم بجيش، ودارت بينهم معركة في "عين جالوت" (¬3) سنة 658 هـ، انتهت بهزيمة التتار وفرارهم (¬4). لكن التتار عادوا مرَّة أخرى لغزو الشام سنة 699 هـ، وقصدوا دمشق، فاجتمع أعيان البلد وتقي الدين بن تيمية، واتفقوا على المسير إلى "قازان" -سلطان التتار- ومواجهته قبل دخوله دمشق، وأخذ الأمان منه لأهلها، فتوجهوا إليه، وكلمه الشَّيخ كلامًا قويًّا شديدًا فيه مصلحة عظيمة عاد نفعها على المسلمين (¬5)، فحقنت الدماء، وحميت الدَّراري واندحر التتار بعد قدوم العساكر المصرية لمساعدة أهل الشام. وكان رحمه الله يحث النَّاس على الجهاد والاستعداد له في أي لحظة، ¬

_ (¬1) انظر: البداية والنهاية لابن كثير- 13/ 79، 83 - 88، 91، 190 - 194. وقد ذكر -رحمه الله- في ص: 193 وصفًا محزنًا لبغداد وحالة أهلها بعد سقوطها بأيدي التتار. (¬2) هو: قطز بن عبد الله المعزي، سيف الدين، وثالث ملوك الترك المماليك بمصر والشام، كان مملوكًا للمعز "أيبك التركماني"، وكان شجاعًا مقدامًا حازمًا، حسن التدبير، وبعد قتال التتار وانتصاره عليهم، قتل أثناء عودته لمصر على يد بيبرس وبعض أمراء الجيش سنة 658 هـ. انظر: فوات الوفيات -للكتبي- 3/ 201 - 203. والأعلام -للزركلي- 6/ 47. (¬3) عين جالوت: بين بيسان ونابلس من أعمال فلسطين كان الروم قد استولوا عليها مدة ثم استردها منهم صلاح الدين الأيوبي سنة 579 هـ. انظر: معجم البلدان للحموي- 4/ 177. (¬4) انظر: البداية والنهاية لابن كثير- 13/ 207 - 211. (¬5) المصدر السابق 14/ 6 - 12، والأعلام العلية للبزار- ص: 64، 65.

ويتلو عليهم آيات الصبر والجهاد، ويجتمع بنواب قازان -بعد رجوعه- لتخليص أسرى المسلمين، وقد فك أسر كثير منهم بسبب جهوده -رحمه الله-. وفي سنة 700 هـ جاءت الأخبار بقصد التتار بلاد الشام، ففزع النَّاس، وشرعوا في الهروب من تلك الديار، لكن الشَّيخ -رحمه الله- حرضهم على البقاء والمدافعة بالغالي والرخيص، وذكرهم بفضل الجهاد، وكلما اقترب التتار من دمشق زاد فزع النَّاس واضطرابهم وهروب البعض منهم، خصوصًا بعد رجوع السلطان الناصر وعساكره إلى مصر من عرض الطريق، وكان خرج منها إلى الشام لمساعدة أهلها، ممَّا جعل الشَّيخ -وبطلب من نائب دمشق- يتوجه إلى مصر بالبريد لحث السلطان على حماية دمشق، إن كانت لهم بهم حاجة. وقال لهم فيما قال: "إن كنتم أعرضتم عن الشام وحمايته أقمنا له سلطانًا يحوطه ويحميه، ويستغله في زمن الأمن". ولم يزل الشَّيخ تقي الدين بهم حتَّى خرجت العساكر من مصر إلى الشام، وحثهم على الجهاد ووعدهم بالنصر المؤزر، لكن ملك التتار أحس بضعف جيشه فرجع، وكفى الله المسلمين شرهم (¬1). وفي سنة 702 هـ وردت الأخبار بعزم التتار على غزو الشام، ففزع النَّاس -كما هي حالهم في كل مرَّة- وقدموا فعلًا إلى الشام، وجاءت العساكر المصرية، وخرج الشَّيخ إلى العسكر، واجتمع بهم ووعدهم النصر وحث الأمراء على الصبر ومواصلة الجهاد وعدم التخاذل، ووقعت معركة "شقحب" (¬2) وشارك الشَّيخ -رحمه الله- فيها مشاركة فعلية بعد أن كاد يدب اليأس إلى قلوب النَّاس، وبدأت مظاهر التفرق فيهم، وأفتى -رحمه الله- بفطر النَّاس مدة قتالهم، وأفطر هو -أيضًا- فانتصر المسلمون -بحمد الله- ¬

_ (¬1) المصدر السابق 14/ 13 - 15، والعقود الدرية لابن عبد الهادي- ص: 119. (¬2) شقحب: عين ماء جنوب دمشق بعد الكسوة على يمين المذاهب إلى حوران، وهي الآن مزرعة تبعد أربعين كلم عن دمشق. انظر: ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية -محمد كرد علي،- ص: 23 ت (1).

وغنموا مغانم كثيرة، وخذل التتار وولوا مدبرين (¬1). وفي سنة 705 هـ، كان لجماعة من التتار صولة على جيش حلب، فخرج الشَّيخ أبو العباس ومعه طائفة من الجيش لغزوهم، ثم تبعه نائب السلطان بما بقي من الجيوش الشامية، وقد أبان الشَّيخ -رحمه الله- في هذه الغزوة علمًا وشجاعة ملأت قلوب أعدائه حسدًا وغمًّا (¬2). فمن هذا العرض الموجز نجد أن حياة المسلمين السياسية في الفترة التي عاش فيها الشَّيخ مضطربة، وقد أدى تلاحق الحوادث والحروب إلى عدم استقرارها، ودفع بخيرة أبناء البلاد إلى الحرب والجهاد. هذا بالنسبة للوضع السياسي خارج دولة المماليك. أما في الداخل: فكان حكمهم يزخر بالفتن والاغتيالات والمؤامرات، فما أن تهدأ الأمور وتسير في صالح سلطان حتَّى يتطاول عليه أمير من الأمراء محاولًا اغتصاب السلطة. . . وهكذا، فالقوة كانت إحدى مميزات هذه العصر (¬3)، ممَّا جعل السلاطين يعيشون في وضع غير مستقر، لما يلاقونه ويتعرضون له من القتل والعزل والإذلال. ومما لا شك فيه أن هذا الوضع المضطرب له الأثر السلبي على العلماء المعاصرين له الذين أخذوا العهد على أنفسهم بتوجيه النَّاس الوجهة الصالحة، وبيان الحق لهم، فكانوا يغضبون على تلك الطائفة التي تحاول إثارة الشغب بما تحيكه من المؤامرات ضد السلاطين، خصوصًا وأنهم أظهروا الدفاع عن البلاد الإسلامية، وحماية أهلها، وصدوا هجمات التتار المتكررة -كما رأينا- وحرصوا على مصالح الرعية، وأشاعوا العدل بينهم (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: البداية والنهاية لابن كثير 14/ 19 - 23. والكواكب الدرية -للإمام مرعي الحنبلي- ص: 96، 97. (¬2) انظر: البداية والنهاية لابن كثير- 14/ 31. (¬3) انظر: النجوم الزاهرة -لابن تغري بردي- 8/ 264 - فما بعدها. وحسن المحاضرة -للسيوطي- 2/ 105 - 114. (¬4) انظر: النجوم الزاهرة -لابن تغري بردي- 7/ 163.

الناحية الاجتماعية

الناحية الاجتماعية: المجتمع في مصر والشام -في هذه الفترة- يموج بأجناس كثيرة مختلفة في العادات والتقاليد والأخلاق، فكما تقدم جاء الصليبيون وما يحملونه من عادات وأفكار من جهة، وجاء التتار ومعهم تقاليدهم ومبادئهم من جهة، وجاء بعض البغداديين إلى مصر، وخرج البعض من مصر إلى الشام، وذهب آخرون من الشام إلى مصر، وقد امتزجت هذه الشعوب ببعضها في الحرب والسلم، فكان منهم مجتمع مضطرب لا يعرف الاستقرار والسكون. ويصور لنا المقريزي هذا المجتمع بقوله: ". . . فلما كثرت وقاع التتر في بلاد المشرق والشمال، وبلاد القبجاق، وأسروا كثيرًا منهم وباعوهم، تنقلوا في الأقطار، واشترى الملك الصالح نجم الدين أيوب جماعة منهم سماهم البحرية، ومنهم ملك ديار مصر، وأولهم المعز أيبك، ثم كانت لقطز معهم الواقعة المشهورة على عين جالوت، وهزم التتار، وأسر منهم خلقًا كثيرًا صاروا بمصر والشام. ثم كثرت الوافدية في أيَّام الملك الظاهر بيبرس، وملؤوا مصر والشام. . . فغصت أرض مصر والشام بطوائف المغول، وانتشرت عاداتهم بها وطرائقهم، هذا وملوك مصر وأمراؤها وعساكرها قد ملئت قلوبهم رعبًا من "جنكيز خان وبنيه" وامتزج بلحمهم ودمهم مهابتهم وتعظيمهم، وكانوا إنما ربوا بدار الإسلام، ولقنوا القرآن، وعرفوا أحكام الملة المحمدية، فجمعوا بين الحق والباطل، وضموا الجيد إلى الرديء، وفوضوا لقاضي القضاة كل ما يتعلق بالأمور الدينية من الصلاة والصوم والزكاة والحج، وناطوا به أمر الأوقاف والأيتام، وجعلوا إليه النظر في الأقضية الشرعية، كتداعي الزوجين وأرباب الديون ونحو ذلك" (¬1). فالمجتمع في هذا العصر تألف من: طبقة الأمراء وعلى رأسهم السلطان: وهذه الطبقة لها الحظ الأوفر في ¬

النفوذ والجاه، فقد اتخذت من ضعف البلاد، وما حققته من انتصارات على الصليبين والتتار مبررًا يبيح لها ما تستولي عليه من أموال الدولة. طبقة العلماء والفقهاء: وقد كان البعض منهم يعتمدون الوظائف التي تسند إليهم، فهم في عيش رغيد لما يقومون به من خدمة السلاطين، وتنفيذ غاياتهم، وتحقيق مآربهم (¬1). لكن هذا لا ينطبق على البعض الآخرى كابن تيمية -رحمه الله- فقد رأينا كيف كان يقف في وجه السلطان بمصر ويطلب منه التوجه إلى دمشق وحماية أهلها، وإلا أقيم سلطان آخر يحميها، ورأينا كيف وقف في وجه قازان، وكلامه له بقوة وشدة، حتَّى عاد نفع ذلك على المسلمين. فالشيخ -رحمه الله- لم يكن ممن يمد يده ليأخذ، ولا ممن يذل نفسه ليطلب، بل كانت له اليد الطولى على أولئك السلاطين، لما بذله من حث الناس على الجهاد وتهدئة فزعهم (¬2)، ولمشاركته الفعالة في الجهاد -كما مر- إضافة إلى علوه عليهم بما حباه المغربه من علم غزير دفعه إليه الحرص على إصلاح المجتمع والتزامه بتعاليم الكتاب والسنة عقيدة ومنهجًا وسلوكًا. والطبقة الثالثة: عامة الشعب، كالتجار والزراع والصناع وغيرهم، وهؤلاء لاقوا العنت والظلم، وعدم وصول أحدهم إلى ثمرة جهده وعمله، وقد وقف العلماء والفقهاء مع هؤلاء، ومنهم الشَّيخ -رحمه الله- لرفع الحيف عنهم، وتوجيه الطبقة الحاكمة إلى ما يعود عليهم بالنفع، ويدفع عنهم الأذى (¬3). ¬

__ (¬1) انظر: حسن المحاضرة -للسيوطي- 2/ 97. (¬2) يذكر ابن كثير في حوادث سنة 699 هـ أن التتار لما هزموا جيش الناصر بن قلاوون، وأصبحوا على أبواب دمشق ذعر الناس، وفر كثير من العلماء، حتى صار البلد شاغرًا من الحكام، لكن عالمًا واحدًا بقي مع العامة ولم يفر ولم يخرج ذلك هو ابن تيمية. انظر: البداية والنهاية- 14/ 7. (¬3) انظر: ابن تيمية حياته وعصره وآراؤه وفقهه -لأبي زهرة- ص: 148 - 153. ومنطق ابن تيمية ومنهجه الفكري- د. محمد حسني الزيني- ص: 22، 25.

الناحية العلمية

الناحية العلمية: القرون الثلاثة: السادس والسابع والثامن، كما يقول الشَّيخ أبو زهرة: "امتازت بكثرة العلم، لا بكثرة الفكر، فقد كانت المعلومات كثيرة جدًّا وتحصيلها كان بقدر عظيم، وعكوف النَّاس عليها كان كبيرًا، ولكن التفكير المطلق في مصادرها ومواردها، والمقايسة بين صحيح الآراء وسقيمها مقايسة حرة من التعصب الفكري، والتحيز المذهبي، لم يكن بقدر يتناسب مع تلك الثروة المثرية التي توارثتها الأجيال، فقد كانوا يتلقونها ويستحفظون عليها، ولكن لا يقدرونها حق قدرها بالنظر الفاحص المجرد، أو النظر الذي يعم كل الجوانب، لا ينحاز إلى جانب من الجوانب وينظر من زاويته دون ما سواه. فجاء ابن تيمية وفكر في هذه الثروة، ونظر إليها من كل جوانبها" (¬1). ولعل من المفيد أن نذكر بعض المدارس التي كان نشاطها ظاهرًا في تلك الفترة، وكانت من العوامل التي ساعدت على طلب العلم وتحصيله إضافة إلى الموسوعات العلمية الكبيرة، وخزائن الكتب المتفرقة في البلاد الإسلامية، وخصوصًا في مصر والشام، والرجال الذين وقفوا أنفسهم على شرح الكتب المتوارثة وتوضحيها وردها إلى مصادرها الأولى. فمن المدارس المشهورة التي قصدها طلاب العلم بمصر: 1 - المدرسة الكاملية، نسبة إلى الملك الكامل، وقد أنشئت سنة 622 هـ وتعد الدار الثَّانية للحديث بعد المدرسة العادلية الكبرى بدمشق. 2 - المدرسة الظاهرية: وتنسب إلى الظاهر بيبرس، بدأ في عمارتها سنة 660 هـ، وفرغ منها سنة 662 هـ، وقد أنشأ بها خزانة كتب تشتمل على أمهات الكتب في سائر العلوم، ودرس بها جماعة من العلماء. 3 - المدرسة المنصورية: نسبة إلى الملك المنصور قلاوون، وقد رتب بها أربعة دروس لطوائف الفقهاء الأربعة، ودرسًا للطب، وكان المدرسون ¬

_ (¬1) ابن تيمية- حياته وعصره وآراؤه وفقهه -لأبي زهرة- ص: 156.

يختارون من الفقهاء المشهورين، وبجوارها "القبة المنصورية" بها خزانة كتب في سائر أنواع العلوم. 4 - المدرسة النَّاصرية: نسبة إلى الملك الناصر محمد بن قلاوون، وقد تم بناؤها سنة 703 هـ، وأول من قام بالتدريس بها القاضي ابن مخلوف المالكي (¬1). ومن المدارس بالشام: 1 - المدرسة الظاهرية: التي بناها الملك الظاهر سنة 670 هـ، وأول من درس بها الشَّيخ صدر الدين سليمان الحنفي (¬2). 2 - المدرسة العادلية الكبرى: نسبة إلى الملك العادل سيف الدين، الذي توفي قبل إتمامها، فأتمَّها ابنه الملك المعظم، وأوقف عليها أوقافًا، وقد درس بها جماعة من القضاة (¬3). إضافة إلى الجوامع التي يلقى بها الدروس، ولقيت عناية من السلاطين، كجامع ابن طولون، والجامع الأزهر، وجامع الحاكم وغيرها (¬4). فهذه الجوامع كان لها أثر بارز في النهضة العلمية في هذا العصر ولكن -كما قلنا- كانت السمة البارزة قلة الإنتاج والجمود الفكري، وأصبح الجهد مقصورًا على جمع المعلومات المتعلقة بكلِّ فن، وتأليف الكتب المطولة والمختصرة فيها، ولا أثر للابتكار والتجديد. ولكن هذا لا يمنع من القوله: إن هناك علماء بارزين على الساحة، ¬

_ (¬1) انظر عن هذه المدارس وغيرها في: الخطط المقريزية -لأبي العباس المقريزي- 2/ 375، 378، 379، 380، 382. وحسن المحاضرة -للسيوطي- 2/ 262 - 265. (¬2) الدارس في تاريخ المدارس -للنعيمي- 1/ 349 - 359. (¬3) المصدر السابق 1/ 359 - 367. (¬4) انظر: الخطط المقريزية -لأبي العباس المقريزي- 2/ 265 - 269، 273 - 279.

أضاؤوا الشموع وبهروا العقول، فكان لهم دور كبير في النهضة العلمية لهذا العصر وما تلاه من عصور، كابن تيمية -رحمه الله- فمن طالع مؤلفاته وما أثرى به المكتبة العربية والإسلامية رأى النضوج الفكري، ومقايسة الأقوال بمقياس الكتاب والسنة، بعيدًا عن التقليد والتبعية التي مني بها علماء عصره، فكانت محل خلاف بينه وبينهم، فالشيخ -رحمه الله- يتبع الدليل ولا يهمه القائل كائنًا من كان، فإذا استقام القول مع منهجه في الاستدلال أخذه وقبله وحث عليه، وإلّا رده وحذر منه. وأختم الكلام على الناحية العلمية بذكر بعض ما قاله العلماء المعاصرون للشيخ -ممَّا يدل على غزارة علمه في كل فن، وعمق تفكيره، واستقلاله، وكثرة مطالعته: يقول الذهبي -فيما نقله عنه ابن عبد الهادي: ". . . صنف التَّصانيف، وصار من كبار العلماء في حياة شيوخه، وله من المصنفات الكبار التي سارت بها الركبان، ولعل تصانيفه في هذا الوقت تكون أربعة آلاف كراس وأكثر، وفسر كتاب الله تعالى مدة سنين من صدره أيَّام الجمع، وكان يتوقد ذكاء، وسماعاته من الحديث كثيرة، وشيوخه أكثر من مائتي شيخ (¬1)، ومعرفته بالتفسير إليها انتهى، وحفظه للحديث ورجاله وصحته وسقيمه (¬2) فيما يلحق ¬

_ (¬1) منهم -كما ذكره الذهبي في "تذكرة الحفَّاظ" 4/ 1496: زين الدين أحمد بن عبد الدائم المقدسي، أحد شيوخ الحنابلة، عالم بالحديث- توفي سنة 668 هـ. انظر: فوات الوفيات -لابن شاكر- 1/ 81، 82. وأبو محمد إسماعيل بن إبراهيم بن أبي اليسر التنوخي الدّمشقيُّ، الكاتب المنشي، أثنى عليه غير واحد- توفي سنة 672 هـ. انظر: البداية والنهاية -لابن كثير- 13/ 254. وأبو زكريا يحيى بن أبي منصور بن أبي الفتح بن رافع الحراني الحنبلي، المعروف بابن الصَّيْرفيّ، كان إمامًا عالمًا صاحب عبادة وتهجد، وصفات حميدة، توفي سنة 678 هـ. انظر: شذارت الذهب -لابن العماد- 5/ 363. (¬2) والقارئ لهذا الكتاب الذي أقوم بتحقيقه الواقف على ما فيه من أحاديث وآثار =

فيه، وأمَّا نقله للفقه ومذاهب الصّحابة والتابعين -فضلًا عن المذاهب الأربعة- فليس له نظير، وأما معرفته بالملل والنحل والأصول والكلام فلا أعلم له نظيرًا، ويدري جملة صالحة من اللغة، وعربيته قوية جدًّا، وصرفته بالتاريخ والسير فعجب عجيب. . . " (¬1). وقال: "وكان له باع طويل في معرفة مذاهب الصّحابة والتابعين، وقل أن يتكلم في مسألة إلَّا ويذكر فيها مذاهب الأربعة، وقد خالف الأربعة في مسائل معروفة، وصنف فيها، واحتج لها بالكتاب والسنة. وله الآن عدة سنين لا يفتي بمذهب معين، بل بما قام الدليل عليه عنده. ولقد نصر السنة المحضة والطريقة السلفية، واحتج لها ببراهين ومقدمات وأمور لم يسبق إليها. وأطلق عبارات أحجم عنها الأولون والآخرون وهابوا، وجسر هو عليها، حتَّى قام عليه خلق من علماء مصر والشام قيامًا لا مزيد عليه، وبدعوه وناظروه وكابروه، وهو ثابت لا يداهن ولا يحابي، بل يقول الحق المر الذي أداه إليه اجتهاده، وحدة ذهنه، وسعة دائرته في السنة والأقوال، مع ما اشتهر عنه من الورع، وكمالك الفكر، وسرعة الإدراك والخوف من الله العظيم. . . " (¬2). وقال جمال الدين أبو الحجاج المزي (¬3): ". . . ما رأيت أحدًا أعلم بكتاب الله، وسنة رسوله، ولا أتبع لهما منه" (¬4). ¬

_ = يظهر له ذلك عيانًا. (¬1) العقود الدرية -لابن عبد الهادي- ص: 23. (¬2) الكواكب الدرية -للإمام مرعي الحنبلي- ص: 63. (¬3) يوسف المزي الحافظ الناقد -صاحب تهذيب الكمال في أسماء الرجال، وتحفة الأشراف بمعرفة الأطراف، المتوفى سنة 742 هـ. انظر: الدرر الكامنة -لابن حجر- 5/ 233 - 237. (¬4) العقود الدرية -لابن عبد الهادي- ص: 7.

وقال القاضي أبو الفتح بن دقيق العيد (¬1): "لما اجتمعت بابن تيمية رأيت رجلًا كل العلوم بين عينيه، يأخذ ما يريد ويدع ما يريد. . . " (¬2). وقال العلامة ابن الزملكاني (¬3): ". . . كان إذا سئل عن فن من العلم ظن الرائي والسامع أنَّه لا يعرف غير ذلك الفن، وحكم أن أحدًا لا يعرف مثله، وكان الفقهاء من سائر الطوائف إذا جلسوا معه استفادوا في مذاهبهم منه ما لم يكونوا عرفوه قبل ذلك، ولا يعرف أنَّه ناظر أحدًا فانقطع معه، ولا تكلم في علم من العلوم، سواء أكان من علوم الشرع أم غيرها إلَّا فإن فيه أهله والمنسوبين إليه، وكانت له اليد الطولى في حسن التصنيف، وجودة العبارة والترتيب والتقسيم والتبيين" (¬4). * * * ¬

_ (¬1) هو: محمد بن علي بن وهب بن مطيع، ولي قضاء الديار المصرية، وأحد علماء وقته، وصاحب التَّصانيف الكثيرة- توفي سنة 702 هـ. انظر: شذارت الذهب -لابن العماد- 6/ 5، 6. (¬2) الكواكب الدرية -للإمام مرعي الحنبلي- ص: 56. (¬3) هو: محمد بن علي بن عبد الواحد كمال الدين بن الزملكاني الشَّافعي، انتهت إليه رئاسة المذهب، وكان يعظم الشَّيخ ويثني عليه، لكنَّه اعترض عليه في مسألتي الطلاق والزيارة، توفي سنة 727 هـ. انظر: طبقات الشَّافعية -للسبكي- 9/ 190 - 206. (¬4) العقود الدرية -لابن عبد الهادي- ص: 7، 8.

الفصل الثالث محنته

الفصل الثالث محنته ووفاته محنته: ولا شك أن عالمًا بهذه المثابة من العلم وغزارته، ومن الفكر واستقلاله، وما نتج عن ذلك من المؤلفات الكثيرة التي اعترف العلماء المعاصرون له بالعجز عن حصرها، ومن الشجاعة ما جعلته يقف في وجه التتار -كما تقدم- إضافة إلى محاربته أهل الأهواء والبدع في عصره فكان له موقف مع الشيعة الباطنية ممن مالأ التتار والنصارى (¬1) -كما نصب نفسه لكشف أستار أهل التصوف، الذين اتخذوا الشعوذة سبيلًا للتأثير على العامة، إضافة إلى ممالأتهم للتتار، كما كانت له -رحمه الله- مواقف مع الفقهاء في عصره ممن جرفهم تيار التعصب المذهبي، والجمود الفكري إلى تقليد من سبقهم، فكان كل رأي فقهي أو عقدي له أتباع يتبعونه، ويرون أنَّه الصواب، وما سواه الخطأ، حتَّى ولو ظهر لهم أن الصواب خلافه. إن عالمًا بهذه الخصال التي يفتقدها معاصروه لا بد وأن يكون له حساد يتربصون به الدوائر، ويحاولون الخلاص منه، فلم تفتر جهودهم ولم تلن عزائمهم في سبيل تحقيق هذه الغاية. فأول محنة وقعت للشيخ -كما نقلها الثقات- سنة 698 هـ، عندما أرسل إليه أهل حماة يسألونه عن الصفات التي وصف الله بها نفسه في القرآن ¬

_ (¬1) وقد كتب -رحمه الله- رسالة إلى السلطان الناصر يحذره منهم، ويبين له حقيقة أمرهم وأحوالهم. وقد أوردها ابن عبد الهادي في "العقود الدرية" ص: 182 فما بعدها.

الكريم، فألف الحموية (¬1) جوابًا لسؤالهم ورجح مذهب السلف على مذهب المتكلمين وشنع عليهم، فجرى له بسبب تأليفها أمور ومحن. يقول ابن كثير -رحمه الله: ". . . قام عليه جماعة من الفقهاء، وأرادوا إحضاره إلى مجلس القاضي جلال الدين الحنفي، فنودي في البلد في العقيدة التي كان قد مسألة عنها أهل حماة، المسماة بـ "الحموية" فانتصر له الأمير سيف الدين جاغان، وأرسل يطلب الذين قاموا عنده فاختفى كثير منهم، وضرب جماعة ممن نادى على العقيدة، فسكت الباقون، فلما كان يوم الجمعة عمل الشَّيخ تقي الدين الميعاد بالجامع على عادته، وفسر في قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (¬2)، ثم اجتمع بالقاضي إمام الدين يوم السبت، واجتمع عنده جماعة من الفضلاء، وبحثوا في الحموية وناقشوه في أماكن فيها، فأجاب عنها بما أسكتهم بعد كلام كثير، ثم ذهب الشَّيخ تقي الدين، وقد تمهدت الأمور، وسكنت الأحوال، وكان إمام الدين معتقده حسنًا، ومقصده صالحًا" (¬3). وبعد هذه الحادثة بسبع سنين (¬4) -أي في سنة 705 هـ - تحرك المناوئون والخصوم للشيخ، فجاء الأمر من مصر بأن يسأل عن معتقده، فجمع له القضاة، والعلماء بمجلس نائب دمشق الأفرم. ¬

_ (¬1) يقول مرعي الحنبلي في "الكواكب الدرية" ص: 112: "ألفها الشَّيخ -رحمه الله- وعمره دون الأربعين سنة ثم انفتح له -بعد ذلك- من الرد على الفلاسفة والجهمية وسائر أهل الأهواء والبدع ما لا يوصف، ولا يعبر عنه، وجرى له من المناظرات العجيبة، والمباحثات الدقيقة -مع أقرانه وغيرهم- في سائر العلوم ما تضيق عنه العبارة، ولا يعرف أنَّه ناظر أحدًا فانقطع معه". (¬2) سورة القلم. الآية 4. (¬3) البداية والنهاية 14/ 4، 5. وانظر: العقود الدرية -لابن عبد الهادي- ص: 195. والكواكب الدرية -للإمام مرعي الحنبلي- ص: 102. (¬4) لعل الحروب التي اجتاحت البلاد الشامية من قبل التتار في هذه الفترة شغلت الخصوم عن نفث السموم، وإشعال الفتن ضد الشَّيخ -رحمه الله.

فقال: "أنا كنت قد سئلت عن معتقد أهل السنة، فأجبت عنه في جزء من سنين" (¬1). وطلبه من داره، فأحضر وقرأه. فنازعوه في موضعين، أو ثلاثة منه، وطال المجلس، فقاموا، واجتمعوا مرتين -أيضًا- لتتمة الجزء، وحاققوه (¬2). ثم رفع الاتفاق على أن هذا معتقد سلفي جيد، وبعضهم قال ذلك كرهًا، وكان المصريون (¬3) قد سعوا في أمر الشَّيخ، وملؤوا ركن الدين الجاشنكيز (¬4) -الذي تسلطن بمصر- فطلب إلى مصر على البريد. وفي ثاني يوم من دخوله اجتمع القضاة والفقهاء بقلعة مصر، وانتصب له خصمًا شمس الدين بن عدلان، وادعى عليه عند ابن مخلوف القاضي المالكي أنَّه يقول: إن الله تكلم بالقرآن بحرف وصوت، وأنه تعالى على العرش بذاته، وأن الله يشار إليه بالإشارة الحسية (¬5). وقال: أطلب عقوبته على ذلك. فقال القاضي: ما تقول يا فقيه؟ فحمد الله وأثنى عليه. فقيل له: أسرع، ما أحضرناك لتخطب. فقال: أومنع الثّناء على الله؟ فقال القاضي: أجب، فقد حمدت الله. ¬

_ (¬1) يشير -رحمه الله- إلى العقيدة الواسطية التي ألفها قبل سبع سنين من هذه الحادثة وقبل مجيء التتار إلى الشام. (¬2) انظر ما حصل للشيخ في هذه الاجتماعات في: العقود الدرية -لابن عبد الهادي- ص: 206 - 248. والبداية والنهاية -لابن كثير- 14/ 32، 33. (¬3) كالشيخ نصر المنبجي، والقاضي ابن مخلوف، وغيرهما. (¬4) حيث أوهمه نصر المنبجي أن ابن تيمية سوف يخرجهم من الملك، ويقيم غيرهم، وأنه مبتدع. انظر: الكواكب الدرية -للإمام مرعي الحنبلي- ص: 128. (¬5) هذه المسائل هي التي دفعت الشَّيخ -رحمه الله- إلى تفصيل القول فيها في كتابه "التسعينية".

فقال: ومن الحاكم فيّ؟ قيل له: القاضي المالكي. قال: كيف يحكم فيّ وهو خصمي؟ وغضب غضبًا شديدًا، وانزعج. فأقيم مرسّمًا عليه، وحبس في برج أيامًا. ثم نقل منه ليلة عيد الفطر إلى السجن المعروف بـ "الجب" بقلعة الجبل، هو وأخواه شرف الدين عبد الله، وزين الدين عبد الرحمن (¬1). وبعد أكثر من سنة (¬2)، أحضر نائب السلطنة سيف الدين سلار القضاة الثلاثة: الشَّافعي، والمالكي، والحنفي، ومن الفقهاء الباجي، والجزري، والنمراوي، وتكلم في إخراج الشَّيخ من الحبس. فاتفقوا على أن يشترط عليه أمور، ويلزم بالرجوع عن بعض العقيدة فأرسلوا إليه من يحضره ليتكلموا معه في ذلك، فلم يجب إلى الحضور، وتكرر الرسول إليه في ذلك مرارًا، وصمم على عدم الحضور (¬3)، فطال عليهم المجلس، وانصرفوا عن غير شيء. وفي شهر ذي الحجة (¬4) من هذه السنة طلب أخوا الشَّيخ: شرف الدين، وزين الدين، من الحبس إلى مجلس نائب السلطان سلار، وحضر ابن مخلوف المالكي، وطال بينهم كلام كثير، فظهر شرف الدين بالحجة على ابن مخلوف بالنقل والدليل والمعرفة، وخطّأه في مواضع ادعى فيها دعاوى باطلة، وكان الكلام في مسألة العرش، ومسألة الكلام، ومسألة النزول. وفي ثاني يوم (¬5) أحضر الشَّيخ شرف الدين وحده إلى مجلس نائب ¬

_ (¬1) انظر: العقود الدرية -لابن عبد الهادي- ص: 196، 197 (بتصرف). (¬2) في ليلة عيد الفطر من سنة ست وسبعمائة من الهجرة. (¬3) لعل امتناع الشَّيخ -رحمه الله- عن الحضور وتصميمه على ذلك، أنَّه رأى أنهم ليسوا طلاب حجة وبحث عن الحقيقة، وإنَّما يريدون أن يفرضوا عليه رأيهم من غير مناقشة ويلزموه باعتناق عقيدتهم المخالفة للمنهج الحق. (¬4) يوم الخميس السابع والعشرين منه. (¬5) يوم الجمعة الثامن والعشرين.

السلطان، وحضر ابن عدلان، وتكلم معه الشَّيخ شرف الدين، وناظره وبحث معه، وظهر عليه (¬1). وفي شهر صفر (¬2) من سنة سبع وسبعمائة، اجتمع القاضي بدر الدين بن جماعة بالشَّيخ تقي الدين في دار الأوحدي بالقلعة بكرة الجمعة، وتفرقا قبل الصَّلاة، وطال بينهما الكلام. وفي شهر ربيع الأول (¬3) من هذه السنة دخل الأمير حسام الدين مهنا بن عيسى -ملك العرب- إلى مصر، وحضر بنفسه إلى الجب، فأخرج الشَّيخ تقي الدين -بعد أن استأذن في ذلك- إلى دار نائب السلطنة بالقلعة، وحضر بعض الفقهاء، وحصل بينهم بحث كبير، وفرقت بينهم صلاة الجمعة. ثم اجتمعوا إلى المغرب، ولم ينفصل الأمر (¬4). ثم اجتمعوا يوم الأحد بمرسوم السلطان، وحضر جماعة من الفقهاء ولم يحضر القضاة، وطلبوا، فاعتذر بعضهم بالمرض، وبعضهم بغيره (¬5)، وانفصل المجلس على خير، وبات الشَّيخ عند نائب السلطنة. وكتب -رحمه الله- بكرة الإثنين كتابًا إلى دمشق يتضمن خروجه، وإقامته بدار شقير بالقاهرة، وأن نائب السلطان طلب تأخره عن الأمير مهنا أيامًا ليرى النَّاس فضله، ويحصل لهم الاجتماع به. وكانت مدة إقامته -رحمه الله- بالسجن ثمانية عشر شهرًا (¬6). بقي الشَّيخ نحو ستة أشهر أو تزيد يدعو النَّاس ويرشدهم، وانتفع به ¬

_ (¬1) انظر: البداية والنهاية -لابن كثير- 14/ 26، 27. والكواكب الدرية -لمرعي الحنبلي- ص: 129 - 131. (¬2) يوم الجمعة رابع عشر منه. (¬3) يوم الجمعة الثالث والعشرين منه. (¬4) انظر: العقود الدرية -لابن عبد الهادي- ص: 252، 253. (¬5) وذلك كما يقول ابن كثير: "لمعرفتهم بما ابن تيمية منطوي عليه من العلوم والأدلة وأن أحدًا من الحاضرين لا يطيقه". (¬6) انظر: البداية والنهاية لابن كثير- 14/ 39. والكواكب الدرية -لمرعي الحنبلي- ص: 131.

خلق كثير، إلى أن تكلم في الاتحادية القائلين بوحدة الوجود، وهم: ابن عربي، وابن سبعين، والقونوي، وغيرهم (¬1)، فتحزب عليه الصوفية، وذهبوا إلى القلعة في جموع كثيرة يشكون ابن تيمية للسلطان، وادعوا أنَّه يسب مشايخهم، ويضع من قدرهم عند النَّاس. فأمر السلطان أن يعقد له مجلس بدار العدل. وفي يوم الثلاثاء العاشر من شهر شوال سنة سبع وسبعمائة، عقد له المجلس، فأظهر فيه -رحمه الله- من العلم، والشجاعة، وقوة القلب، وصدق التوكل، ما يتجاوز الوصف. ولكن كثرت الضجات، وزادت المجادلات، التي لم تجد الدولة سبيلًا لإخمادها إلّا بتخيير الشَّيخ بين ثلاثة أمور: - أن يسير إلى دمشق. - أو أن يذهب إلى الإسكندرية. وهو مقيد في دمشق والإسكندرية بشروط. - أو الحبس. فاختار -رحمه الله- الحبس (¬2)، لكن تلاميذه ومحبيه طلبوا منه السَّفر إلى دمشق على ما شرطوا، فأجابهم إلى ما طلبوا تطييبًا لخاطرهم وركب البريد في الثامن عشر من شهر شوال من هذه السنة، ثم أرسل من الغد بريد آخر خلفه فرده إلى مصر، وحضر عند القاضي بدر الدين بن جماعة وجماعة من الفقهاء. فقال بعضهم له: ما ترضى الدولة إلّا بالحبس، فقال القاضي ابن جماعة: وفيه مصلحة له. فاستناب شمس الدين التونسي المالكي، وأذن له أن يحكم عليه ¬

_ (¬1) من خلال التحقيق لهذا الكتاب عرفت بالاتحادية وبأصحابها. (¬2) يقول أبو زهرة -في كتابه "ابن تيمية- حياته وعصره وفقهه" ص: 66: "وأنه إذ يختار الحبس يختار تقييد الجسم من الحركة، وقد ارتضاه عن تقييد الفكر واللسان، فإن الحرية التي تملأ نفس العالم ليست هي حرية الانتقال من مكان إلى مكان، إنَّما هي حرية الفكر وجولاته، ونشر تفكيره وآرائه. . . ".

بالحبس، فامتنع، وقال: ما ثبت عليه شيء. فأذن لنور الدين الزواوي المالكي، فتحير. فلما رأى الشَّيخ -رحمه الله- توقفهم في حبسه، قال: أنا أمضي إلى الحبس وأتبع ما تقتضيه المصلحة. فقال نور الدين: يكون في موضع يصلح لمثله. فقيل له: الدولة ما ترضى إلَّا بمسمى الحبس. ثم أرسل بعد هذا إلى حبس القضاة، وأذن بأنَّ يكون عنده من يخدمه. وكان كل ذلك بإشارة نصر المنبجي، ووجاهته في الدولة (¬1). ومكث الشَّيخ في الحبس يستفتى، ويقصده النَّاس، ويزورونه، ويكتب لهم بما يحير العقول من المسائل التي عجز غيره عن الإفتاء بها، فالتف النَّاس حوله، وكثر اجتماعهم به وترددهم عليه. فأثار هذا حفيظة أعدائه، وحصرت صدورهم، ممَّا جعلهم ينقلونه إلى الإسكندرية (¬2) في آخر شهر صفر من سنة تسع وسبعمائة، وحبس ببرج منها ثمانية أشهر زاول خلالها -رحمه الله- ما عرف عنه من الوعظ وتوجيه النَّاس، فكان يقصده الأعيان والفقهاء يقرؤون عليه، ويستفيدون منه. وفي اليوم الثامن من شهر شوال من هذه السنة بادر الملك الناصر بعد دخوله إلى مصر واستعادة ملكها بإحضار الشَّيخ من الإسكندرية، فخرج منها الشَّيخ، ووصل إلى القاهرة في الثامن عشر من الشهر المذكور واجتمع بالسلطان يوم الجمعة الرابع والعشرين منه، فأكرمه وأحسن استقباله، وتلقاه في مجلس (¬3) حفل فيه قضاة وفقهاء مصر والشام، وأصلح بينه وبينهم. ¬

_ (¬1) انظر: العقود الدرية -لابن عبد الهادي- ص: 267 - 269. والكواكب الدرية -لمرعي الحنبلي- ص: 133، 134. (¬2) يذكر ابن كثير -في "البداية والنهاية" 14/ 43: أن الجاشنكيز وشيخه المنبجي أرادا من نقله إلى الإسكندرية كهيئة المنفي، لعل أحدًا من أهلها يتجاسر عليه فيقتله غيلة، لأنَّ الشَّيخ كان يتكلم فيهما وفي ابن عربي وأتباعه، وكان الأمر على خلاف ما أرادا، فازداد حب النَّاس للشيخ وتعلقهم به. (¬3) انظر ما دار في هذه المجلس من استقبال حافل للشيخ وثناء السلطان عليه في =

ثم أخذ الشَّيخ -رحمه الله- يبث العلم وينشره في القاهرة، والخلق يقرؤون عليه، ويستفتونه ويجيبهم بالكلام والكتابة، واستمر على ذلك إلى أن عاد إلى دمشق في اليوم الأول من ذي القعدة سنة اثنتي عشرة وسبعمائة ومعه أخواه وجماعة من أصحابه، وكانت مدة غيبته عنها سبع سنين وسبع جمع (¬1). وبعد وصوله دمشق واستقراره بها زاول نشاطه العلمي، فصنف الكتب، وأفتى النَّاس بالكلام والكتابة المطولة، ونفع الخلق، والإحسان إليهم، والاجتهاد في الأحكام الشرعيّة، فصار -رحمه الله- يفتي بما قام الدليل عليه عنده (¬2). وفي منتصف شهر ربيع الآخر سنة ثمان عشرة وسبعمائة، أشار القاضي شمس الدين بن مسلم الحنبلي، على الشَّيخ بترك الإفتاء في مسألة الحلف بالطلاق، فقبل الشَّيخ إشارته، وعرف نصيحته، وأجاب إلى ذلك. وفي مستهل شهر جمادى الأولى من هذه السنة ورد كتاب السلطان بمنع الشَّيخ من الإفتاء في هذه المسألة، فامتنع الشَّيخ فترة، لكنَّه عاد إلى الإفتاء بذلك، وقال: لا يسعني كتمان العلم. وفي شهر رمضان من السنة المذكورة، اجتمع القضاة والفقهاء عند نائب السلطان بدار السعادة، وأحضر الشَّيخ، وعوتب على فتياه بعد المنع، وأكد عليه المنع مرَّة أخرى. وفي شهر رجب من سنة عشرين وسبعمائة، اجتمع القضاة والفقهاء وجماعة من المفتين بدار السعادة، وحضر الشَّيخ، وعاودوه في الإفتاء بمسألة الطلاق، وعاتبوه على استمراره في الإفتاء بها، وحبسوه بالقلعة، وبقي بها خمسة أشهر وثمانية عشر يومًا. ثم ورد مرسوم بإخراجه يوم عاشوراء سنة إحدى وعشرين وسبعمائة. ¬

_ = العقود الدرية -لابن عبد الهادي- ص: 278 - 281. (¬1) انظر: الكواكب الدرية -لمرعي الحنبلي- ص: 140. (¬2) ذكر ابن عبد الهادي في "العقود الدرية" ص: 321 فما بعدها بعض فتاوى الشَّيخ في دمشق واختياراته التي خالف فيها المذاهب الأربعة، أو بعضها.

وفاته

ثم لم يزل الشيخ -على عادته- يعلم الناس، ويلقي الدروس في أنواع العلوم (¬1). وفي سنة ست وعشرين وسبعمائة وقع كلام في مسألة شد الرحال (¬2)، وإعمال المطي إلى قبور الأنبياء والصالحين، وكثر القيل والقال بسبب عثور أهل الأهواء على جواب للشيخ في هذه المسألة حرف فيه، ونقل عنه ما لم يقل به، وقد تحققت مآرب أعدائه عندما ورد مرسوم السلطان بسجنه في القلعة يوم الإثنين السادس من شهر شعبان من السنة المذكورة وقد ظهر صدق توكله -رحمه الله- واعتماده على ربه عندما أظهر السرور بذلك، وقال: أنا كنت منتظرًا ذلك، وفيه خير عظيم (¬3). وفاته: بقي الشيخ -رحمه الله- مقيمًا بالقلعة سنتين وثلاثة أشهر وأيامًا ولم يزل في هذه المدة مكبًا على العبادة والتلاوة والتصنيف والرد على المخالفين إلى أن توفي ليلة الإثنين العشرين من ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وسبعمائة من الهجرة. رحمه الله رحمة واسعة، وأجزل مثوبته، وأسكنه فسيح جناته. ¬

_ (¬1) انظر بتصرف: العقود الدرية -لابن عبد الهادي- ص: 325 - 327. والكواكب الدرية -لمرعي الحنبلي- ص: 145 - 147. (¬2) أورد ابن عبد الهادي في "العقود الدرية" ص: 330 - 360 صورة السؤال عن هذه المسألة وجواب الشيخ عنه وما وقع فيه من التحريف. وقد بسط الشيخ -يرحمه الله- الكلام على هذه المسألة في عدد من كتبه، انظر: قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة- وبخاصة ص: 71 فما بعدها. اقتضاء الصراط المستقيم- 2/ 761 - 766، 803 - 807. ومجموع الفتاوى- ج 27 - وبخاصة 25 - 35، 342 - 385. (¬3) انظر: العقود الدرية -لابن عبد الهادي- ص: 325 - 329. والكواكب الدرية -لمرعي الحنبلي- ص: 148، 149.

الباب الثاني كتابه التسعينية ودراسة بعض مسائله

الباب الثاني كتابه التسعينية ودراسة بعض مسائله

الفصل الأول التعريف بالكتاب

الفصل الأول التعريف بالكتاب سبب تأليفه: شيخ الإسلام -رحمه الله- بين السبب الداعي لتأليف هذا الكتاب في مقدمة الكتاب، وأنه رَدٌّ حَمَّله الرسولين اللذين تكرر مجيئهما من عند الأمراء والقضاة والفقهاء المجتمعين لبحث موضوع خروج الشيخ من السجن. وأن المطلوب حضوره لمخاطبة القضاة، وكان ذلك في شهر رمضان سنة ست وسبعمائة، وامتنع الشيخ من الحضور، وصمم على ذلك -كما سيرد (¬1) وقد أعطى الرسولين نسخة من العقيدة الواسطية، وحملهما بيان أن هذه اعتقاده فمن أنكر شيئًا فليكتب ما ينكره وحجته ليكتب جوابه، فأخذ الرسولان العقيدة وذهبا، ثم عادا ومعهما ورقة (¬2)، لم يذكر فيها شيء من الاعتراض على عقيدته، بل أنشؤوا فيها كلامًا لفظه: "الذي يطلب منه أن يعتقده أن ينفي الجهة عن الله والتحيز، وأن لا يقول: إن كلام الله حرف وصوت قائم به، بل هو معنى قائم بذاته، وأنه -سبحانه- لا يشار إليه بالأصابع إشارة حسية. ويطلب منه أن لا يتعرض لأحاديث الصفات وآياتها عند العوام، ولا يكتب بها إلى البلاد، ولا في الفتاوى المتعلقة بها، فلما أراني الورقة كتبت جوابها فيها مرتجلًا مع استعجال الرسول" (¬3). ¬

_ (¬1) في ص: 110. (¬2) ذكر الرسول أن هذه الورقة كتبوها بعد أن كتبوا قبلها أوراقًا ثم قطعوها. انظر: ص: 113 من قسم التحقيق لهذا الكتاب. (¬3) راجع ص: 113 من قسم التحقيق لهذا الكتاب.

تسميته

ثم ذكر -رحمه الله- إجابته المختصرة التي تتناسب مع استعجال الرسول له بسرعة الرد (¬1). ثم فصل الجواب من وجوه عديدة تألف منها هذا الكتاب الذي بين أيدينا (¬2). تسميته: نحن هنا أمام ظاهرة برزت في مؤلفات شيخ الإسلام -رحمه الله- وهي وجود أكثر من اسم للمؤلف الواحد، وأن الشيخ يستعمل -كذلك- أكثر من اسم لمؤلف من مؤلفاته، وهذا يجعلنا أمام احتمالين: الأول: أن الشيخ -رحمه الله- كان يطلق أكثر من اسم على المؤلف الواحد، لتعدد الموضوعات التي يطرقها، والأساليب التي يواجه بها الآخرين، فإذا ما جاء ذكر معنى من المعاني أثناء مناقشته يتعلق بكتاب من كتبه، فقد يذكر اسم الكتاب مغلبًا ما يتصل بالمعنى الذي يناقشه، وهذا كما جاء في حديثه عن كتاب "نقض التأسيس" فقال (¬3): ". . . بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية، ويسمى -أيضًا- تخليص التلبيس من كتاب التأسيس". الثاني: أن تلامذته قد عرفوا عنه هذا التوسع في إطلاق عناوين كتبه ورسائله فتعددت أسماء الكتب من قبلهم، وقد رجح هذا الاحتمال كثير ممن عني بكتب شيخ الإسلام -رحمه الله (¬4). والكتاب الذي بين أيدينا له أكثر من اسم. ففي الأصل (¬5). . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) راجع هذه الإجابة المختصرة من ص: 110 من قسم التحقيق لهذا الكتاب. (¬2) من ص: 119 حتى آخر الكتاب. (¬3) انظر ص: 389 من قسم التحقيق لهذا الكتاب. (¬4) انظر: ما ذكره الشيخ محب الدين الخطيب في تعليقه بالهامش رقم (1) ص: 17 من كتاب "المنتقى من منهاج الاعتدال للذهبي". (¬5) وهي النسخة التي اعتمدتها أصلًا في تحقيق هذا الكتاب.

عنوانه "التسعينية في الرد على من قال بالنفسي" لشيخ الإسلام العلامة ابن تيمية -رحمه الله-. وجاء في (س) (¬1): "هذه الرسالة المسماة بالتسعينية" من كلام شيخ الإسلام، بحر العلوم العقلية والنقلية، تقي الدين أبي العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية -قدس الله روحه-. وفي (ط) (¬2): "كتابه المنعوت بالتسعينية في الرد على الطوائف الملحدة والزنادقة والجهمية والمعتزلة، وغيرهم ممن نحا نحوهم من تسعين وجهًا". أما ابن عبد الهادي (ت 744 هـ) فإنه قال (¬3) عندما ذكر مصنفات الشيح: "وله كتاب في محنته بمصر، مجلدان رد فيه على القائلين بالكلام النفسي من نحو ثمانين وجهًا. وتابع ابن القيم (ت 751 هـ) في كتابه "أسماء مؤلفات ابن تيمية" (¬4) ابن عبد الهادي في هذه التسمية. لكن نجده -رحمه الله- في القصيدة النونية (¬5) ينص على تسمية الكتاب بالتسعينية، وأن سبب التسمية -كما سيأتي- الرد على القائلين بالكلام النفساني من تسعين وجهًا، فقال: وكذاك تسعينية فيها له ... رد على من قال بالنفساني تسعون وجهًا بينت بطلانه ... أعني كلام النفس ذا الوحدان وقال -رحمه الله- في كتابه "بدائع الفوائد" - (¬6) بعد أن ذكر أن الكلابية انفردت عن جميع الطوائف بالقول: إن معاني التوراة والإنجيل والزبور ¬

_ (¬1) وهي إحدى النسخ التي اعتمدتها في التحقيق. (¬2) وهو الكتاب المطبوع الذي اعتمدته كنسخة في التحقيق ورمزت له بـ (ط) وسيأتي الكلام على هذه النسخ الثلاث مفصلًا عند الكلام على وصفها. (¬3) العقود الدرية- ص: 36. (¬4) انظر ص: 21. (¬5) وهي المسماة بالكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية ص: 165. (¬6) 2/ 115.

سبب التسمية

والقرآن وسائر الكتب المنزلة واحد-: ". . . وهذا قول يقوم على بطلانه تسعون برهانًا لا تندفع، ذكرها شيخ الإسلام في الأجوبة المصرية. . . ". أما ابن شاكر الكتبي (¬1) - (ت 764 هـ)، وصلاح الدين الصفدي (¬2) (ت 764 هـ) فكلاهما ذكر أن من مصنفات الشيخ في الأصول: "إبطال الكلام النفساني" أبطله من نحو ثمانين وجهًا. كما ذكر ابن رجب (¬3) (ت 795 هـ) أن من أعيان المصنفات الكبار التي ألفها بمصر "المحنة المصرية" مجلدان. هكذا نجد الكتاب سمي بأكثر من اسم، وعنون له بأكثر من عنوان، لكن مما تقدم نستطيع القول بأن الاسم الذي ورد في الأصل هو المناسب لأن يكون عنوانًا لهذا الكتاب، لأنه يجمع أكثر العناوين الواردة في المصادر الآنفة الذكر، لكن نضيف إليه كلمة "بالكلام" الواردة عند ابن عبد الهادي، وابن القيم، وابن شاكر، والصفدي، ويكون اسمه: (التسعينية في الرد على من قال بالكلام النفسي) سبب التسمية: يعود سبب تسميته بـ "التسعينية" إلى الوجوه التي أبطل بها الشيخ -رحمه الله- دعوى القول: إن كلام الله معنى قائم بالنفس بنحو من تسعين وجهًا، فسمي الكتاب نسبة إلى هذه الوجوه الخاصة بهذه المسألة على جهة التغليب، وإلا فالكتاب تضمن وجوهًا أخرى رد بها الشيخ على مسائل أخرى، كمسألة الجهة والتحيز وعدم التعرض لأحاديث الصفات وآياتها عند العوام. وقد تقدم ما ورد في صفحة العنوان في (ط): ". . . ومن نحا نحوهم من تسعين وجهًا". كما نص على هذه الأوجه ابن القيم -كما تقدم- بقوله: ¬

_ (¬1) انظر: فوات الوفيات - 1/ 76. (¬2) انظر: الوافي بالوفيات- 7/ 25. (¬3) في ذيل طبقات الحنابلة - 2/ 403.

نسبته إلى المؤلف

تسعون وجهًا بينت بطلانه ... أعني كلام النفس ذا الوحدان وبقوله: "وهذا يقوم على بطلانه تسعون برهانًا لا تندفع ذكرها الشيخ في الأجوبة المصرية". فدل هذا على أن التسمية بـ "التسعينية" نسبة إلى هذه الوجوه. وأما ما أشار إليه ابن عبد الهادي وابن القيم وابن شاكر والصفدي، من أنها نحو ثمانين وجهًا، فربما يعود إلى تركهم بعض التفريعات من بعض الوجوه، وقد تكون الوجوه المقصودة بضعًا وثمانين، كما أشار إليه هؤلاء، لكن من عدها تسعين فذلك لاعتباره أن ما زاد على الثمانين يكون قد دخل في عقد التسعين- والله أعلم. نسبته إلى المؤلف: من الثابت أن الكتاب الذي بين أيدينا أحد مؤلفات شيخ الإسلام تقي الدين أبي العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية -رحمه الله- للأسباب التالية: 1 - نسبة الكتاب إلى المؤلف في جميع النسخ التي اعتمدتها في التحقيق. 2 - المصادر (¬1) التي ترجمت للشيخ واهتمت بتدوين مصنفاته تذكر هذا الكتاب وتنسبه لمؤلفه، ولو لم يكن فيها إلّا ما قاله ابن القيم في النونية: "وكذلك تسعينية فيها له" لكفى. 3 - أسلوب الشيخ -رحمه الله- المتميز الذي يدركه كل من قرأ كتبه بتمعن. 4 - ذكر الشيخ لبعض مصنفاته فيه (¬2). تاريخ تأليفه: ذكرت فيما تقدم أن سبب تأليف هذا الكتاب هو ما ورد في ورقة بعث بها ¬

_ (¬1) تقدم ذكر بعضها كالعقود الدرية لابن عبد الهادي، وأسماء مؤلفات ابن تيمية والقصيدة النونية وكلاهما لابن القيم، وفوات الوفيات لابن شاكر، والوافي بالوفيات للصفدي، وذيل طبقات الحنابلة لابن رجب. (¬2) راجع ص: 230، 389، 746.

الأمراء والقضاة والفقهاء المجتمعون للنظر في إخراج الشيخ من السجن، مع الرسولين، وطلبهم من الشيخ موافقتهم على ما تتضمنه الورقة (¬1)، وكان ذلك بعد أكثر من سنة من وصول الشيخ إلى مصر، فإذا علم أن وصوله -رحمه الله- لمصر سنة 705 هـ، دل على أن تأليف هذا الكتاب -وهو الإجابة على ما ورد من الأمراء والقضاة- كان سنة 706 هـ، وهذا أمر لا يخالجني معه شك، لا سيما وأنه نص على هذه السنة في (س) -إحدى النسخ الخطية التي اعتمدتها في التحقيق- لكن ما ورد في الأصل و (ط) من أن تكرار الرسل على الشيخ من عند الأمراء والقضاة المجتمعين كان سنة 726 هـ، وهي السنة التي كان -رحمه الله بها في دمشق- يجعلني أورد بعض الأسباب -إضافة إلى ما تقدم- التي تدل على أن تأليف الكتاب كان سنة 706 هـ: 1 - قول الشيخ -رحمه الله- في هذا الكتاب الذي بين أيدينا ص: 111: ". . . فقلت: أنا لا أحضر إلى من يحكم فِيَّ بحكم الجاهلية وبغير ما أنزل الله، ويفعل بي ما لا تستحله اليهود ولا النصارى، كما فعلتم في المجلس الأول، وقلت للرسول: قد كان ذلك بحضوركم أتريدون أن يمكروا كما مكروا بي في العام الماضي؟ هذا لا أجيب إليه، ولكن من زعم أني قلت قولًا باطلًا، فليكتب خطه بما أنكره من كلامي، ويذكر حجته، وأنا أكتب جوابي مع كلامه، ويعرض كلامي وكلامه على علماء الشرق والغرب، فقد قلت هذا بالشام، وأنا قائله هنا، وهذه عقيدتي التي بحثت بالشام بحضرة قضاتها ومشايخها وعلمائها، وقد أرسل إليكم نائبكم النسخة التي قرئت، وأخبركم بصورة أخرى". فخطاب الشيخ -رحمه الله- لهم بهذا الكلام وهو في السجن وبعد أن بقي فيه أكثر من سنة من تاريخ وصوله إلى مصر. وتصريحه بما حصل له بالشام، وما عقد له من مجالس بسبب عقيدته السلفية، وأن ما قاله بدمشق هو قائله بمصر، يدل على أن الكتاب ألف بمصر بعد سنة من وصوله إليها. ¬

_ (¬1) تقدم ذكر مضمونها.

2 - ما جاء في مجموع الفتاوى 5/ 264: "حكاية مناظرة في الجهة والتحيز" صورة ما طلب من تقي الدين بن تيمية -رحمه الله ورضي عنه- حين جيء به من دمشق على البريد، واعتقل بالجب بقلعة الجبل، بعد عقد المجلس بدار النيابة، وكان وصوله يوم الخميس السادس والعشرين من شهر رمضان، وعقد المجلس يوم الجمعة السابع والعشرين منه بعد صلاة الجمعة، وفيه اعتقل -رحمه الله. وصورة ما طلب منه أن يعتقد نفي الجهة عن الله والتحيز، وأن لا يقول: إن كلام الله حرف وصوت قائم به، بل هو معنى قائم بذاته، وأنه سبحانه -لا يشار إليه إشارة حسية، ويطلب منه ألا يتعرض لأحاديث الصفات وآياتها عند العوام، ولا يكتب بها إلى البلاد، ولا في الفتاوى المتعلقة بها. وهذا الكلام يؤكد أن تأليف الكتاب كان بمصر، وليس بالشام كما يدل عليه التاريخ المدون في الأصل، و (ط). 3 - أن الموضوعات التي عالجها هذا الكتاب هي رد على الاعتراضات التي وجهها القضاة والفقهاء عبر تلك الورقة انتقادًا على الشيخ في عقيدته. 4 - أن ابن عبد الهادي، وابن القيم -وهما من تلامذة الشيخ- قالا عند ذكرهما لمصنفات الشيخ في الأصول "كتاب محنته بمصر. . . ". كما أن ابن القيم قال في "بدائع الفوائد" -كما تقدم- مشيرًا إلى هذا الكتاب: ". . . تسعون برهانًا لا تندفع ذكرها شيخ الإسلام في الأجوبة المصرية". وقد نص ابن رجب الحنبلي -كما تقدم أيضًا- على أن من أعيان المصنفات الكبار التي ألفها بمصر "المحنة المصرية". ومعروف أن الشيخ -رحمه الله- كان بمصر من سنة 705 هـ إلى سنة 712 هـ، وهذا يؤيد أن تأليفه لهذا الكتاب كان في هذه الفترة، وبالتحديد سنة 706 هـ بمصر. 5 - أنه ورد في هذا الكتاب (¬1) أن المحكم من القضاة: أبا الحسن ¬

_ (¬1) انظر: 110، 111 من قسم التحقيق لهذا.

منهج المؤلف في الكتاب

علي بن مخلوف المالكي، قد كتب ورقة من الورقات التي جاء بها الرسولان إلى الشيخ في إحدى المرات من عند الأمراء والقضاة المجتمعين، فإذا عرفنا أن ابن مخلوف المالكي توفي سنة 718 هـ ثبت أن تأليف هذا الكتاب كان قبل هذا التاريخ. 6 - مما تقدم يتضح أن ما ورد بالأصل تصحيف من الناسخ، لما بين التاريخين من التشابه. وأما ما جاء في (ط) (¬1)، فإن الناشر أثبت ذلك متابعة للأصل من غير تثبت بدليل أنه عندما وضع فهرسًا للكتاب قال في أوله: (خطبة التسعينية المشتملة على بيان المحنة التي وقعت لابن تيمية بعد مضي ربع القرن الثامن من الأمراء والقضاة، وما افتروه عليه في الوريقات التي أرسلوها إليه، وجوابه عن الورقة الأخيرة التي طلبوا منه فيها أن يعتقد نفي الجهة والتحيز. . .). ثم ذكر مضمون الورقة -الذي تقدمت الإشارة إليه. وكما تقدم، هذه الورقة وصلت الشيخ -رحمه الله- وأجاب عنها إجابة مجملة لاستعجال الرسول له في الجواب، ثم أجاب إجابة مفصلة من وجوه عديدة حواها هذا الكتاب الذي بين أيدينا وكان ذلك بمصر سنة 706 هـ. والله أعلم. منهج المؤلف في الكتاب: 1 - اعتمد الشيخ -رحمه الله- في أدلته على الكتاب والسنة، وما ثبت عن أئمة السلف. 2 - يعرض رأي المخالف أولًا، وذلك من باب الأمانة العلمية، ويحدد النقاط التي ستكون محلًا للمناقشة. 3 - جعل رده متلائمًا مع مقولة المخالف، فإن صاغ الفكرة المخالفة صياغة فلسفية رأيناه يرد عليه بالمقولات الفلسفية التي تبين ثغرات المخالف ¬

_ (¬1) وهو الكتاب المطبوع.

وتنقض رأيه، ثم يدعم ما يراه هو بعد ذلك بالنص من القرآن الكريم أو السنة المطهرة، أو أقوال السلف. 4 - وإذا كان الرأي المخالف يمثل سوء فهم، أو تأويلًا باطلًا، فإنه يسلك معه مسلك التفريع الذي يتدرج مع المخالف من فهمه إلى الصواب عن طريق ما يمكن أن نسميه بأسلوب الإلزام، يعني أن يقول له: يلزم من قولك كذا أن يكون المعنى كذا، أو يلزم من فهمك كذا أن تقع في المحظور كذا، وبعد أن يفند ما ساء من فهم المخالف يصل إلى الرأي الذي يراه ولا يحدث معه إلزامًا فاسدًا. 5 - قد يستدعي النقاش والرد على المخالف أن يذكر -رحمه الله- أقوال جماعة من أصحاب من هو بصدد مناقشته ليصل بعرضها ومناقشتها إلى تناقض أقوالهم، وبيان أنها لا تثبت أمام التمحيص. 6 - أن الشيخ -رحمه الله- يسلك في رده على المخالف مسلك البسط الذي لا يُؤلَف عند غيره، وقد يكون مملًا لدى غيره، ولكن الموضوعية التي يتسم بها أسلوبه -رحمه الله- والأفكار الجديدة التي يعرضها في ردوده تكسر حدة البسط والإطناب. 7 - أن تفريع الشيخ -رحمه الله- في ردوده يأخذ صورة منتظمة يسلكها في هذا الكتاب فيما يسمى بالوجوه، والتي سمي الكتاب باسمها -كما سبق-. 8 - أن الشيخ -رحمه الله- يفصل قول المخالف بحيث يشمل رده المسائل التي يمكن أن تستنتج من قوله، ولو لم يصرح بها، فالكتاب كله على طوله رد على رسالة صغيرة في موضوعات محددة، وهذا المنهج مطرد في كثير من كتبه. 9 - الشيخ -رحمه الله- في تناوله لموضوعات الكتاب لا ينسى مهمته في الأستاذية الموجهة لتلاميذه وطلابه في إرشادهم إلى مواضع الإفادة في الموضوع المدروس في مثل قوله: وقد بسطنا الكلام في غير هذا الموضع. 10 - طريقة الشيخ في الرد على الخصوم تسلك مسلك التوثيق لما يقدمه

نسخ الكتاب

من نصوص، فإن كانت أحاديث ذكر درجتها، وإن كانت أقوالًا عزاها إلى أصحابها، وذكر مواطن وجودها في كتبهم. 11 - يمثل منهج الشيخ في كتابه منهج المفكر المسلم الموسوعي الذي استوعب نصوص الكتاب والسنة، وأعمل عقله فيهما، وناقش من خلالهما ما يعرض عليه من فكر، فهو يجمع بين الرواية والدراية بين النص والوعي الدقيق بمعنى النص، وما يجري في عالم الفكر من أفكار قد تكون موافقة وقد تكون مخالفة، وقلّ أن تجتمع هذه الملامح في المنهج لدى مفكر واحد. 12 - وفي ضوء ملامح المنهج السابق بدأ -رحمه الله- كتابه بذكر الرسالة التي أرسلت إليه، وتضمنت موضوع الكلام في الصفات عند العوام، وموضوع الجهة والتحيز، وموضوع كلام الله تعالى، وقد رد -رحمه الله- على الموضوع الأول بسبعة عشر وجهًا، وعلى الثاني بأربعة عشر وجهًا، وقد خصص -رحمه الله- الوجه الرابع عشر من هذه الوجوه ليقرر أن الله يتكلم بكلام قائم بمشيئته وقدرته وأنه اسم للحروف والمعاني جميعًا، وقد اقتضاه هذا التقرير مناقشة القائلين بأن القرآن مخلوق، وأنه اسم لمجرد الحروف والأصوات. وأما القائلون بأنه معنى قائم بالنفس ليس بحرف ولا صوت، وأن القرآن الذي بأيدي المسلمين إنما هو حكاية أو عبارة، فقد خصص -رحمه الله- معظم هذا الكتاب لمناقشتهم، إذ رد قولهم هذا بثمانية وسبعين وجهًا، تفرع عنها بعض الوجوه في مسائل جزئية، ذكرها الشيخ رحمه الله. نسخ الكتاب: لقد حرصت كل الحرص، وبذلت ما في وسعي في سبيل الحصول على أكبر عدد ممكن من نسخ الكتاب الخطية، وما استطعت الحصول عليه هو: النسخة الأولى: وحصلت عليها في دار الكتاب الوطنية بمصر تحت رقم 289 - عقائد تيمور، وتقع في 364 صفحة من القطع المتوسط، وبكل صفحة 26 سطرًا،

النسخة الثانية

وكتبت بخط جيد، لكنها لا تخلو من البياض (¬1)، وتاريخ نسخها سنة 1223 هـ، ولم يذكر اسم الناسح وقد كتب على صفحة العنوان ما يلي: "قد تملك هذا الكتاب الفقير إلى الله تعالى أحمد بن المرحوم -إن شاء الله تعالى- عثمان الجامع عفى الله عنه، اللهم صلي على محمد سيدنا وشفيعنا محمد وعلى آله وصحبه وأزواجه ومن تبعهم إلى يوم الدين آمين يا رب العالمين". وعلى يسار هذا كرر التملك على هذا النحو: "قد تملك هذا الكتاب الفقير إلى الله تعالى أحمد ابن المرحوم -إن شاء الله تعالى- عثمان بن جامع". وكتب أسفل التملك الأول بخط يختلف اختلافًا يسيرًا عن سابقه ما يلي: "قد تملك هذا الكتاب الفقير إلى الله أحمد بن المرحوم -إن شاء الله- عثمان بن محمد بن أحمد الجامع عفى الله عنهم". ثم كتب أسفل هذا التملك: "آمين آمين آمين، بعد هذا ورد هذا إلى الفقير جناب الأمجد الأكرم الحاج حسين بن المرحوم الحاج". وعلى يسار هذا ختم بيضوي لم أستطع قراءة ما بداخله. وقد رمزت لهذه النسخة بـ (الأصل). النسخة الثانية: وحصلت عليها في المكتبة السعودية التابعة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، وعلى صفحة العنوان -في أعلاها- ختم مستطيل كتب بداخله: "مكتبة الرياض العامة السعودية"، وأسفل ذلك رقم التسجيل العام 603، وأسفل منه رقم التسجيل الخاص 86، وأسفل منه التاريخ ¬

_ (¬1) يشارك الأصل في البياض (س) و (ط)، وقد أشرت في المقدمة أن هذه البياضات من الصعوبات التي واجهتني في التحقيق.

النسخة الثالثة

20/ 3 / 1393 هـ، وأسفل هذا الختم عنوان الكتاب -المتقدم- وعن يسار العنوان ختم بيضوي كتب داخله: "وقف الشيخ محمد بن عبد اللطيف 1381 هـ ". وأسفل الختم كتب التملك الآتي: "دخلت هذه النسخة في ملك الفقير إلى الله عز شأنه محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بالشراء الشرعي عفى الله عنه بمنه آمين سنة 1335 هـ "، ثم ختمان صغيران بيضويّان لم يتضح لي ما بداخلهما. وهذه النسخة كتبت بخط معتاد يقرأ بيسر، وتقع في 385 صفحة من القطع المتوسط، وبكل صفحة 21 سطرًا، وكتب أسفل كل صفحة كلمة أو كلمتين للدلالة على بداية الصفحة التالية، وانتهت هذه النسخة بقوله: ". . . وقد رأيت كلام قال من ذكرته من هؤلاء يثبت هذه الصفات، ومن لم أذكره -أيضًا- وكتبهم وكتب من نقل عنهم مملوءة بذلك، وبالرد على من يتأول هذه الصفات والأخبار بأن تأويلها طريق الجهمية والمعتزلة وذلك". فقد سقط ما يقارب أربعة أسطر كما في الأصل، وأيضًا سقط منها ما يقارب الصفحة والنصف، وقد جاء الكلام فيها متصلًا كتابة منفصلًا معنى (¬1) -وهذا من الأسباب التي جعلتني لا أعتمدها أصلًا في التحقيق، إضافة إلى عدم ذكر تاريخ نسخها، واسم ناسخها. النسخة الثالثة: الكتاب المطبوع، وقد طبع لأول مرة -فيما أعلم- ضمن فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية- المجلد الخامس، المشتمل على التسعينية، والسبعينية (¬2)، وشرح الأصبهانية (¬3)، بمطبعة كردستان العلمية لصاحبها فرج الله الكردي ¬

_ (¬1) انظر ص: 14 من (س). وقد نبهت على بداية السقوط ونهايته أثناء التحقيق. (¬2) وقد قام بدراسته وتحقيقه للحصول على درجة الدكتوراة الأخ: د. موسى بن سليمان الدويش. (¬3) قام الأح: د. محمد بن عودة السعوي بدراسته وتحقيقه للحصول به على درجة الدكتوراة.

بمصر سنة 1329 هـ، ويقع في 288 صفحة من القطع الكبير، وبكل صفحة 24 سطرًا، وهي طبعة مليئة بالأخطاء، والتصحيفات، نبهت عليها في أماكنها أثناء التحقيق، وسيأتي ذكر طرف منها، وينتهي الكلام فيه حيث انتهت (س)، لكن الناشر تصرف في آخر كلمة وهي "وذلك" وقال: "ونحو ذلك" حتى لا يشعر القارئ بانقطاع الكلام فجأة. ثم طبع الكتاب مرة أخرى بتقديم حسنين محمد مخلوف، بمطبعة دار الكتب الحديثة بالقاهرة، وهذه الطبعة لا تختلف عن سابقتها سوى أن الكتاب اشتمل على المجلد الخامس بكامله. لذا استبعدتها واعتمدت على الطبعة الأولى في التحقيق، ورمزت لها بحرف (ط). ومما تقدم من وصف النسخ التي اعتمدت عليها في التحقيق أستطيع أن ألخص الأسباب التي جعلتني أعتمد النسخة الأولى أصلًا فيما يلي: 1 - ذكر تاريخ نسخها. 2 - انقطاع (س) و (ط) دون أن ينتهي الكتاب، حيث سقط من آخرهما أربعة أسطر ونصف، وهي التي يتم بها الكتاب، كما في الأصل، وجاء بعدها فيه ما يقارب أربعة أخرى صرح الناسخ فيها بأن هذا آخر ما وجده من هذا التأليف لتقي الدين بن تيمية، وذكر سنة نسخه بعد ابتهال ودعاء للشيخ بالغفران والرحمة. 3 - ما أشرنا إليه من سقوط صفحة ونصف من (س). 4 - ما تقدم من أن الكتاب المطبوع مليء بالأخطاء والتصحيفات. وهناك عيب تشترك فيه جميع النسخ -الآنفة الذكر- وهي: كثرة السقط والتكرار الذي يتراوح ما بين السطرين والكلمة، لكنها لا تتفق على ذلك غالبًا، مما سهل لي مهمة اكتشاف السقط وإكماله وتلافي التكرار بحمد الله ومنته. أما الكتاب المطبوع، فبالرغم من أنه لم يخدم خدمة علمية، فقد جاء إخراجه بصورة لا تشجع على قراءته، ويصعب معها فهم بعض عباراته.

إضافة إلى كثرة التحريفات والأخطاء التي حصرتها في بيان مستقل أذكر هنا بعض ما ورد فيه مما يغير المعنى: ففي ص: 25: "الثقات" والصحيح "النفاة". وفرق بينهما. وفي ص: 27؛ "نقض الإيمان" والصحيح "نقص الإيمان". وفي ص: 33: "قال أهل الصلاح" والصحيح "قال أهل الضلال". وفي نفس الصفحة: "أحق" والصحيح "أحمق". وفي ص: 54: "فإن الله لا يغفر لأهل الإخلاص ذنوبهم" والصحيح "فإن الله يغفر لأهل الإخلاص. . . ". وفي ص: 144: "لأنها مخلوقة" والصحيح "لا أنها مخلوقة". وفي ص: 227: "الثلاثة منهم من يقول" والصحيح "الثلاثة من يقول". وفي ص: 240: "هذا عند فتواه" والصحيح "هذا عنه فتواه". وفي ص: 243: "لكثرة مطالعته" والصحيح "كثير المطالعة". في ص: 259: "وأضل البشر من" والصحيح "وأصل الشر من". وأما الزيادة على النسختين المخطوطتين، والنقص عنهما، والتصرف ببعض الكلمات حذفًا وتغييرًا وتحريفًا فكثير، مما يوحي أنه طبع على نسخ خطية لم تقع في يدي، لكني أستبعد هذا لسبب واحد فقط وهو أن التصرف من قبل الناشر يظهر في أماكن يشكل فيها فهم المعنى، كالتصرف الذي أشرنا إليه عندما انتهى الكتاب بقوله: ". . . والمعتزلة وذلك" حيث حرف العبارة لتصبح "والمعتزلة ونحو ذلك". كما جاء في ص: 67: الوجه السادس عشر حيث ابتدأه بقوله: "إنهم لو بينوا صواب ما ذكروه من القول لم يكن ذلك موجبًا. . . ". والوارد في النسختين الخطيتين: "أنهم إن لم يبينوا صواب ما ذكروه من القول لم يكن موجبًا. . . ". وكما في ص: 139، حيث حذف لفظة "أو بالدلالة" الواردة في

عملي في الكتاب، وبيان المنهج الذي سلكته في تحقيقه

النسختين الخطيتين لأن الكلام جاء فيهما نقلًا من نهاية العقول للرازي على هذا النحو: "لا يعلمون كونه فاعلًا لذلك الكلام بالدلالة، ولو كان المتكلم هو الفاعل. . . ". حيث سقطت منهما لفظة "اللهم إلّا" بين كلمة "الكلام" و"بالدلالة"، فحذف هذه اللفظة ليستمر الكلام على هذا النحو: "لذلك الكلام، ولو كان المتكلم. . . ". وكما جاء في ص: 213: حيث حذف العبارة: "ومعناه فلفظ معنى، ولفظ يقوم به"، الواردة في النسختين الخطيتين على هذا النحو: "نعم يشتركان في كون كل منهما كلامًا للمتكلم ومعناه، فلفظ معنى ولفظ يقوم به، وهذا كاشتراك الحياتين. . . ". وهكذا فما مر من هذا القبيل نبهت عليه أثناء التحقيق. عملي في الكتاب، وبيان المنهج الذي سلكته في تحقيقه: أما المنهج الذي سلكته في التحقيق فيتمثل في النقاط التالية: 1 - قارنت بين النسخ الثلاث، واعتمدت نسخة الخزانة التيمورية أصلًا لأسباب أفصحت عنها فيما تقدم. 2 - أثبت ما جاء في الأصل، وحرصت على إبقائه ما أمكن ما لم يظهر لي -بعد التأمل في النص- أن الصواب أو المناسب لسياق الكلام ما ورد في إحدى النسختين (س) و (ط) أو فيهما، أو في المصدر الذي ينقل منه الشيخ -رحمه الله- فإني أثبته في أصل المتن وأشير في الهامش إلى الفروق بعبارة "في الأصل: كذا. والمثبت من. . . "، لكي يخرج النص سليمًا يستطيع القارئ قراءته بيسر وسهولة دون أن ينشغل في البحث عن الصواب في الهامش. 3 - إذا كان هناك زيادة في الأصل، إما لسقوطها منه، أو لأن الكلام يستقيم بها، سواء كانت هذه الزيادة من إحدى النسختين أو منهما، أو من مصدر نقل منه الشيخ، أو أني رأيت الكلام يحتاج إليها، إما لبياض في

النسخ، أو لخلل في المعنى، فإني أثبتها في أصل المتن، وأضعها بين معقوفتين، وأشير إلى ذلك في الهامش بعبارة "ما بين المعقوفتين زيادة من. . . "، وأشير إلى النسخة أو المصدر الذي وردت فيه هذه الزيادة. أما إذا كانت الزيادة من عندي فإني أقول بعد العبارة السابقة "ولعل الصواب ما أثبته" أو "لعل الكلام يستقيم بها" أو "لعل ما أثبته يناسب السياق". 4 - إذا سقط من إحدى النسختين أو منهما معًا، فإني أضع ذلك بين معقوفتين في أصل المتن، وأشير في الهامش إلى ذلك بعبارة "ما بين المعقوفتين ساقط من. . . ". 5 - لم أثبت الفروق اليسيرة بين النسخ التي لا يترتب عليها إخلال بالمعنى، مثل: سبحانه وتعالى، وعزَّ وجلَّ، وجل ذكره، ونحو هذا مما اختلفت فيه النسخ. وكذا ما يرد في النسخ الخطية -عادة- من عدم استعمال الرسم الإملائي، كإهمال الهمزة المتوسطة التي تكون في وسط الكلمة، نحو: مسايل، وقريت، أو كتابتها على كرسي، مع أن الواجب كتابتها على ألف، نحو: يسئل، مسئلة، وكإهمال الهمزة التي تكون في آخر الكلمة، نحو: العلما، والخلفا، وكإهمال ألف التفريق، نحو: جعلو، نفو، وهكذا كل ما ورد من هذا القبيل لم أثبته فرقًا. 6 - توثيق النقول والأقوال التي أوردها الشيخ في هذا الكتاب، وذلك بعزوها إلى مصادرها المطبوعة والمخطوطة التي تمكنت من الوقوف عليها، وذلك بمقابلة النقل أو القول الوارد في الأصل على ما جاء في ذلك المصدر، وإثبات أوجه الاختلاف في الهامش. وإذا كان التوثيق من كتاب محقق اعتمد محققه على أكثر من نسخة، وجاء في إحدى النسخ ما يوافق النص الذي أنا بصدد توثيقه، وفي الأخرى ما يخالف، فلا أشير إلى المخالفة لوجود الموافقة، إذ من المحتمل أنها التي وقعت في يد الشيخ.

أما ما لم أقف عليه -وهو قليل- بحمد الله- فإني أحاول توثيقه من المصادر الأخرى -ما أمكن- وإذا لم أقف عليه في أي مصدر ووجدت الشيخ -رحمه الله- قد أثبته في إحدى مؤلفاته، فإني أقابله على ما جاء في هذا المؤلف حرصًا على إخراج النص بصورة سليمة. 7 - عزوت الآيات القرآنية الكريمة إلى مواضعها، وذلك بذكر اسم السورة ورقم الآية فيها. 8 - خرجت الأحاديث والآثار الواردة في الكتاب، وبينت درجة الحديث إذا لم يرد في أحد الصحيحين، وذلك بالإشارة إلى ما قاله العلماء فيه. 9 - الأعلام الوارد ذكرهم في هذا الكتاب كثيرون، ولذا اكتفيت بالترجمة للأعلام الذين يقع في أسمائهم خطأ، أو اختلاف بين النسخ، وكذا ترجمت لمن نقل عنه الشيخ نقلًا، أو نسب له قولًا، أو تكلم فيه مدحًا أو ذمًّا. 10 - حرصت على التعريف بأي مصدر يشير إليه الشيخ -رحمه الله- قدر الإمكان، وبيان ما إذا كان مخطوطًا أو مطبوعًا موجودًا أو مفقودًا، وإن كنت في الغالب لا أشير إلى الكتاب الذي وقع تحت يدي ونقلت منه اكتفاء بما سأذكره عنه في الفهرس. 11 - علقت على بعض المسائل التي تحتاج إلى تعليق، وراعيت الاختصار لئلا أثقل الكتاب بالحواشي. 12 - شرحت بعض الكلمات الغريبة والمصطلحات، وعرفت بالفرق والأماكن والبلدان تعريفًا موجزًا. 13 - اعتمدت التاريخ الهجري في التراجم ونحوها، ودونت ذلك رقمًا لا كتابة اختصارًا، أما إذا ذكرت تاريخًا كان قبل الهجرة فإني أرمز بعد التاريخ بـ (ق هـ)، وإذا كان قبل الميلاد فإني أرمز بعده بـ (ق م). 14 - قد اكتفيت بذكر كلمة الشيخ -رحمه الله- عن ذكر اسم شيخ الإسلام ابن تيمية اختصارًا، وهذا كثير.

15 - ختمت الكتاب بفهارس تعين القارئ في الحصول على طلبته ومبتغاه منه دون عناء، وذلك على النحو التالي: أ - فهرس الأحاديث والآثار. ب- فهرس الأعلام. ج- فهرس الكلمات الغريبة والمصطلحات والبلدان والفرق. د- فهرس المراجع. هـ - فهرس الموضوعات.

الفصل الثاني دراسة بعض مسائله

الفصل الثاني دراسة بعض مسائله فتنة القول بخلق القرآن: لا بد -وقبل الكلام على مسألة خلق القرآن واختلاف الناس فيها، وبيان القول السديد المعتمد على الأدلة النقلية والعقلية- من الكلام على بدعة القول بخلق القرآن، وبيان وقت ظهورها، ومن تزعمها، وما لاقاه الأئمة في سبيل إخمادها، وتجليتها على ضوء نصوص الكتاب والسنة، لا سيما وهذه أمور كثيرًا ما يتطرق إليها الشيخ -رحمه الله- في ثنايا هذا الكتاب، وأثناء مناقشته الخصوم. لذا رأيت أن أتكلم عنها، ولو بشيء من الاختصار فأقول: بدعة القول بخلق القرآن أولى من أظهرها في الإسلام -كما أوضحه الشيخ (¬1) وغيره: الجعد بن درهم (¬2) (ت 124 هـ). فقد نقل أبو القاسم اللالكائي (¬3) عن عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: "سمعت أبي يقول: أول من أتى بخلق القرآن جعد بن درهم، وقاله سنة نيف وعشرين ومائة". ولما اشتهر أمره في المسلمين طلبه خالد بن عبد الله القسري (¬4) -وكان أميرًا على العراق- حتى ظفر به، فخطب الناس يوم الأضحى وقال في خطبته: "أيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضح بالجعد بن ¬

_ (¬1) انظر: ص: 271 من هذا الكتاب- قسم التحقيق. ومجموع الفتاوى- 12/ 350. (¬2) ستأتي ترجمته في قسم التحقيق من هذا الكتاب. (¬3) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة- 3/ 382. (¬4) ستأتي ترجمته في قسم التحقيق من هذا الكتاب.

درهم، فإنه زعم أن الله لم يكلم موسى تكليمًا، ولم يتخذ إبراهيم خليلًا تعالى الله عما يقول الجعد علوًّا كبيرًا" ثم نزل فذبحه (¬1). فسكن الأمر، وانطفأت هذه البدعة. ثم حمل لواءها الجهم بن صفوان (¬2) (ت 128 هـ). يقول الشيخ (¬3) -رحمه الله-: "وأخذ ذلك عنه الجهم بن صفوان، فأنكر أن الله يتكلم، ثم نافق المسلمين، فأقر بلفظ الكلام، وقال: "كلامه يخلق في محل كالهواء وورق الشجر". وقد سلط الله على الجهم مسلم بن أحوز فقتله. لكن أظهر هذه البدعة من بعدهما بشر بن غياث المريسي (¬4) (ت 219 هـ) فجدد القول بخلق القرآن، وكان صباغًا يهوديًّا (¬5). يقول عثمان بن سعيد الدارمي (¬6): "لم يزل الأمر طامسًا دارسًا حتى درج العلماء، وقَلَّت الفقهاء، ونشأ نشءٌ من أبناء اليهود والنصارى مثل بشر بن غياث المريسي، ونظرائه، فخاضوا في شيء منه، وأظهروا طرفًا منه، وجانبهم أهل الدين والورع، وشهدوا عليهم بالكفر حتى هم بهم وبعقوبتهم قاضي القضاة يومئذ أبو يوسف، حتى فر منه المريسي (¬7). . . ¬

_ (¬1) انظر: ص: 249 من هذا الكتاب- قسم التحقيق. ومجموع الفتاوى لابن تيمية- 12/ 26، 27، 119. ومختصر الصواعق المرسلة -لابن القيم- اختصار الموصلي- 1/ 227. (¬2) ستأتي ترجمته في الكتاب المحقق. (¬3) في مجموع الفتاوى- 12/ 27. (¬4) ستأتي ترجمته في الكتاب المحقق. (¬5) انظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة -للالكائي- ص: / 382. (¬6) في كتابه الذي ألفه في الرد على بشر المريسي- ص: 108. (¬7) أخرج ابن الجوزي في مناقب الإمام أحمد ص: 385 عن محمد بن نوح قال: "سمعت هارون الرشيد أمير المؤمنين يقول: بلغني أن بشرًا المريسي زعم أن القرآن مخلوق، علي إن أظفر به لأقتلنه قتلة ما قتلتها أحدًا قط". وقال أحمد فيما نقله عنه ابن الجوزي في المصدر السابق نفس الصفحة: "كان بشر متواريًا أيام هارون نحوًا من عشرين سنة حتى مات هارون، فظهر =

ولحق بالبصرة، فلم يزالوا أذلة مقموعين، لا يقبل لهم قول، ولا يلتفت لهم إلى رأي، حتى ركنوا إلى بعض السلاطين الذين لم يجالسوا العلماء ولم يزاحموا الفقهاء. . . ". فاستغل المعتزلة (المأمون) الخليفة العباسي أبا جعفر عبد الله بن هارون الرشيد (¬1)، واتخذوه أداة لنشر ضلالتهم، وترويج بدعتهم، فزينوا له القول بخلق القرآن، فصار إلى مقالتهم، وحمل الناس عليها، وأكرههم على اعتناقها، وكان قبل ذلك مترددًا في الدعوة إلى إظهار هذه البدعة، وحمل الناس عليها، ربما كان ذلك لأنه يراقب بقايا الشيوخ الذين لهم مكانة في نفوس الناس (¬2)، لكنه في آخر أيامه عزم على إظهار هذا القول وإكراه الناس عليه. فكتب إلى نائبه ببغداد إسحاق بن إبراهيم (¬3) كتابًا (¬4) يأمره فيه بامتحان القضاة والعلماء بالقول بخلق القرآن، وأن يرسل إليه جماعة منهم عينهم بكتابه (¬5). ¬

_ = ودعا إلى الضلالة، وكان من المحنة ما كان". قال ابن الجوزي: "لما توفي الرشيد كان الأمر كذلك في زمن الأمين، فلما ولي المأمون خالطه قوم من المعتزلة فحسنوا له القول بخلق القرآن. . . ". مناقب الإمام أحمد- ص: 386. (¬1) ستأتي ترجمته في الكتاب المحقق. (¬2) انظر: مناقب الإمام أحمد -لابن الجوزي- ص: 386. (¬3) هو: أبو الحسن إسحاق بن إبراهيم بن مصعب الخزاعي، صاحب الشرطة ببغداد أيام المأمون والمعتصم والواثق والمتوكل، كان مقربًا من الخلفاء ذا رأي وشجاعة، توفي سنة 235 هـ. انظر: الكامل -لابن الأثير- 7/ 52. والأعلام -للزركلي- 1/ 283، 384. (¬4) انظر نصه في تاريخ الطبري 8/ 631، 632. (¬5) وهم: محمد بن سعد كاتب الواقدي، وأبو مسلم مستملي يزيد بن هارون، ويحيى بن معين، وأبو خيثمة زهير بن حرب، وإسماعيل بن أبي مسعود، وأحمد بن الدورقي، وإسماعيل بن داود.

فبعث بهم إسحاق إلى المأمون بالرقة (¬1)، فامتحنهم بخلق القرآن، فأجابوه إلى ذلك، وأظهروا موافقته وهم كارهون، فردهم إلى بغداد، وأمر بإشهار ذلك بين الفقهاء، وقد فعل نائبه ونفذ أمره (¬2). ثم كتب المأمون إلى إسحاق -أيضًا- بكتاب ثان (¬3) يستدل به -كما يقول ابن كثير- على القول بخلق القرآن بشبه من الدلائل لا تحقيق تحتها ولا حاصل لها، بل هي من المتشابه، وأورد من القرآن آيات هي حجّة عليه، وأمر نائبه أن يقرأ الكتاب على الناس، ويدعوهم إليه، وإلى القول بخلق القرآن. فأحضر إسحاق جماعة من الأئمة منهم الإمام أحمد بن حنبل (¬4) -رحمه الله- وقرأ عليهم الكتاب، ثم بدأ يمتحنهم رجلًا رجلًا، إلى أن وصلت النوبة إلى الإمام أحمد: فقال له: أتقول أن القرآن مخلوق؟ فقال: القرآن كلام الله لا أزيد على هذا. فقال له: ما تقول في هذه الرقعة (¬5)؟ فقال: أقول: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (¬6). فقال رجل من المعتزلة (¬7): إنه يقول: سميع بأذن، بصير بعين. ¬

_ (¬1) الرقة: مدينة مشهورة على الفرات من الجانب الشرقي بالعراق. انظر: معجم البلدان -للحموي- 3/ 59. (¬2) انظر (بتصرف): محنة الإمام أحمد بن حنبل -لأبي عبد الله حنبل بن إسحاق ص: 34، 35. والبداية والنهاية -لابن كثير- 10/ 308، 309. (¬3) أورده ابن جرير الطبري في تاريخه 8/ 634 - 637. (¬4) ترجمت له مختصرًا في هذا الكتاب- قسم التحقيق. (¬5) هذه الرقعة هي التي وافق عليها بشر بن الوليد الكندي -أحد الممتحنين- من أنه يقال: لا يشبهه شيء من خلقه في معنى من المعاني، ولا وجه من الوجوه. وكان إسحاق إذا امتنع الرجل من القول بخلق القرآن امتحنه بهذه الرقعة فيقول: نعم، كما قال بشر. (¬6) سورة الشورى. الآية 11. (¬7) ذكر ابن الأثير في الكامل 6/ 426: أنه ابن البكّاء الأصغر.

فقال له إسحاق: ما أردت بقولك: سميع بصير؟ فقال: أردت منها ما أراده الله منها، وهو كما وصف نفسه، ولا أزيد على ذلك. فكتب أجوبة القوم، وبعث بها إلى المأمون، وكان من الحاضرين من أجاب إلى القول بخلق القرآن مصانعة مكرهًا (¬1). ثم ورد كتاب (¬2) المأمون إلى نائبه أن يمتحنهم -أيضًا- فمن أجاب منهم شهر أمره في الناس، ومن لم يجب منهم يبعث إليه مقيدًا محتفظًا به. فأحضرهم إسحاق، وأخبرهم بما أمر به الخليفة، فأجاب القوم كلهم إلّا أربعة هم: أحمد بن حنبل، وسجادة (¬3)، والقواريري (¬4) ومحمد بن نوح (¬5)، فأمر بهم إسحاق فشدوا في الحديد. ¬

_ (¬1) انظر: البداية والنهاية لابن كثير 10/ 309، 310، وجاء فيه أن سبب مصانعة بعض الحاضرين: "أنهم كانوا يعزلون من لا يجيب عن وظائفه، وإن كان له رزق على بيت المال قطع، وإن كان مفتيًا منع من الإفتاء، وإن كان شيخ حديث ردع عن الإسماع والأداء". (¬2) ذكره ابن جرير مفصلًا في تاريخه 8/ 640 - 644: وقد ورد في المدح والثناء لنائبه على ما فعله، والرد على كل فرد ممن لم يجب بالقول بخلق القرآن مصرحًا باسمه، فذمهم وأعابهم، ووقع فيهم بأشياء ذكرها في هذا الكتاب. (¬3) هو: أبو الحسن بن حماد الحضرمي البغدادي المعروف بسجادة، كان ثقة صاحب سنة، وله حلقة وأصحاب، توفي سنة 241 هـ. انظر: العبر في خبر من غبر -للذهبي- 1/ 342. وشذرات الذهب -لابن العماد- 2/ 99. (¬4) هو: أبو سعيد عبيد الله بن عمر بن ميسرة الجشمي القواريري، كان ثقة صدوقًا حدث عنه البخاري ومسلم وغيرهما، توفي سنة 235 هـ. انظر: تاريخ بغداد -للخطيب البغدادي- 10/ 320 - 323. وسير أعلام النبلاء -للذهبي- 11/ 442 - 446. (¬5) محمد بن نوح بن ميمون بن عبد الحميد العجلي، يعرف والده بالمضروب كان أحد المشهورين بالسنة، مات سنة 218 هـ وصلى عليه الإمام أحمد. قال فيه الإمام أحمد -رحمه الله- فيما نقله عنه حنبل بن إسحاق: "ما رأيت أحدًا على حداثة سنه، وقلة علمه أقوم بأمر الله من محمد بن نوح، وإني لأرجو =

فلما كان من الغد دعاهم وهم مقيدون، فامتحنهم، فأجاب سجادة والقواريري، فأطلقهما، وأصر الإمام أحمد، ومحمد بن نوح على قولهما، فشدا بالحديد ووجها إلى طرسوس (¬1)، وكتب كتابًا بإرسالهما إليه (¬2). يقول الإمام أحمد -رحمه الله: "وكنت أدعو الله ألّا يريني وجهه -يعني المأمون- وذلك أنه بلغني أنه كان يقول: لئن وقعت عيني على أحمد لأقطعنه إربًا إربًا" (¬3). فاستجاب الله دعاءه ومات المأمون وهما في طريقهما إليه سنة 218 هـ فأما محمد بن نوح فمات في الطريق، وصلى عليه الإمام أحمد ودفنه (¬4). وأما الإمام أحمد فرد مقيدًا إلى بغداد -بعد خبر وفاة المأمون وتولي المعتصم- (¬5) في سفينة مع بعض الأسرى، وكان في أمر عظيم من الأذى، ثم أودع السجن نحوًا من ثمانية وعشرين شهرًا، وقيل: نيفًا وثلاثين شهرًا، ثم أخرج للضرب بين يدي المعتصم، وكان ذلك بعد مناظرات مع المعتزلة (¬6) ¬

_ = أن يكون الله قد ختم له بخير. قال لي ذات يوم وأنا معه خلوين: يا أبا عبد الله: الله الله إنك لست مثلي. أنت رجل يقتدى بك، وقد مد هذا الخلق أعناقهم إليك لما يكون منك، فاتق الله، واثبت لأمر الله". قال أبو عبد الله: "فعجبت من تقويته لي وموعظته إياي. . . ". انظر: تاريخ بغداد -للخطيب البغدادي- 3/ 322، 323. ومحنة الإمام أحمد بن حنبل -لابن إسحاق- ص: 39. (¬1) طرسوس مدينة بالشام وهي الآن مرفأ على الساحل السوري، وفيها دفن المأمون. انظر الروض المعطار في خبر الأقطار -للحميري- ص: 388. (¬2) انظر: الكامل -لابن الأثير- 6/ 427. وسيرة الإمام أحمد -لابنه صالح- ص: 49، 50. (¬3) انظر: محنة الإمام أحمد بن حنبل -لابن إسحاق- ص: 39. (¬4) في "عانة" وهي بلد مشهور بين الرقة وهيت على نهر الفرات. (¬5) ترجمته في قسم التحقيق من هذا الكتاب. (¬6) انظر تفصيل هذه المناظرات، وما دار فيها، وما حصل للإمام أحمد بعدها من الضرب وأصناف التعذيب في: سيرة الإمام أحمد -لابن صالح- ص: 55 - 66. ومحنة الإمام أحمد -لحنبل بن إسحاق- ص: 43 - 61. =

: ابن أبي دؤاد (¬1) وجمع من أصحابه، بحضور الخليفة، وقد أثبت خلالها -رحمه الله- تغلبه عليهم، ودمغهم بالحجج المدعمة بنصوص الكتاب والسنة، التي تهاوت أمامها جميع إلزاماتهم، فلم تقم لهم معه حجة، مما جعلهم -ومن خلال هذه المناظرات- يلجؤون إلى أسلوب آخر، أسلوب العجز، الذي ينتهجه عادة أعداء الإسلام عندما تتساقط أدلتهم أثناء النقاش فلجؤوا إلى تحريف قوله، وتحريض الخليفة عليه، ونسبته إلى الضلال والابتداع، وأنه حلال الدم. ويظهر ذلك من قولهم فيما بينهم- أثناء المناظرة: "يا أمير المؤمنين: أكفرنا وأكفرك". وقول الإمام أحمد -رحمه الله-: "يا أمير المؤمنين ما أعطوني شيئًا من كتاب الله ولا سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأقول به". وقول ابن أبي دؤاد: "هو -والله- يا أمير المؤمنين ضال مضل مبتدع". وبعد ما لاقاه أبو عبد الله من صنوف الأذى وأنواع التعذيب، وخيبة أمل بطانة الخليفة، أعيد -رحمه الله- إلى منزله. يقول حنبل بن إسحاق: "فلم يزل أبو عبد الله أحمد بن حنبل -رضي الله عنه- بعد أن أطلقه المعتصم، وانقضاء أمر المحنة، وبرأ من ضربه، يحضر الجمعة والجماعة، ويفتي ويحدث أصحابه، حتى مات أبو إسحاق، وولي هارون ابنه (¬2)، وهو الذي يدعى الواثق. . . " (¬3). فحسَّن له ابن أبي دؤاد امتحان الناس بخلق القرآن، ففعل ذلك (¬4) ولم ¬

_ = والبداية والنهاية -لابن كثير- 10/ 377 - 380. (¬1) ترجمته في قسم التحقيق من هذا الكتاب. (¬2) وكان ذلك سنة سبع وعشرين ومائتين من الهجرة. انظر ترجمته بقسم التحقيق من هذا الكتاب. (¬3) انظر: محنة الإمام أحمد بن حنبل -لحنبل بن إسحاق- ص: 69. (¬4) كان ممن امتحن بالقول بخلق القرآن في عهده أحمد بن نصر الخزاعي، أحد أئمة السنة القائلين: إن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، وكان نتيجة هذا الامتحان قتله -رحمه الله- على يد الواثق، بتحريض من ابن أبي دؤاد وأصحابه =

يتعرض للإمام أحمد (¬1)، لكنه أرسل له بأن لا يساكنه بأرض، ولا يأتيه ولا يجتمع به أحد، فاختفى -رحمه الله- بقية حياة الواثق (¬2). ورغم ما ناله -رحمه الله- كما مر في أيام المأمون، ثم المعتصم، ثم الواثق، وما أصابه من الحبس الطويل، والضرب الشديد، والتهديد والوعيد بالقتل، إلا أنه قابل ذلك كله بالصبر ورجاء الثواب من عند الله والتمسك بالكتاب والسنة وما عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان. إلى أن تولى المتوكل (¬3)، فأظهر الله به السنة وأعز أهلها، وقمع البدعة وأذل أهلها، فكتب إلى الآفاق بالمنع من الكلام في القول بخلق القرآن ووجه الفقهاء والمحدثين بالجلوس للناس، وأن يحدثوا بالأحاديث التي فيها الرد على المعتزلة والجهمية، وأرسل إلى نائبه ببغداد أن يبعث بأحمد بن حنبل إليه، فاستدعاه وأكرمه وأجله لما يعلمه من مكانته عند الخليفة المتوكل، ¬

_ = سنة 231 هـ. (¬1) ذكر ابن الجوزي في مناقب الإمام أحمد ص: 429 أن عدم تعرض الواثق للإمام أحمد إما لما علمه من صبره، أو لما خاف من تأثير عقوبته. (¬2) انظر: محنة الإمام أحمد بن حنبل -لحنبل بن إسحاق- ص: 72. (¬3) سنة اثنين وثلاثين ومائتين من الهجرة. انظر: ترجمته بقسم التحقيق من هذا الكتاب، وليعلم القارئ أن الوشاة والناقمين وأعداء الإسلام لا يهدأ لهم بال، ولا يهنأ لهم عيش ولا يقر لهم قرار إلا بالكيد والدس ومحاولة إخفاء الحقائق، واختلاق الدعاوي الباطلة ودعمها بالأكاذيب، وتزيينها بالباطل، وهذا ما ظهر بين فترة وأخرى في ولاية المتوكل، إذ تحدثنا كتب التاريخ والسير أن هؤلاء الأعداء ينقلون إلى الخليفة الأخبار الكاذبة، والتهم الباطلة محاولة منهم في تحريض الخليفة على الإمام أحمد -رحمه الله- لكن الخليفة استفاد من دروس سابقيه، فكان لا يتسرع في إصدار الأحكام إلا بعد ترو، ومتابعة يقف من خلالها على الحقيقة، فكان في كل مرة يكتشف براءة ساحة الإمام أحمد، وأنه لا يهدف إلى شيء سوى إظهار العقيدة السلفية النقية من غير مجاملة ولا مداهنة. ويمكن للقارئ الاطلاع على المجلد العاشر من البداية والنهاية -لابن كثير- ص: 382، 385 ليرى بعض مكائد أعداء السلف الصالح في ظل ولاية المتوكل.

وأخبره بطلب الخليفة، فاعتل الإمام أحمد بضعفه وكبره، ولكن المتوكل أكد على حضوره إليه، وبعث إليه بكتاب مفاده أنه يريد الإنس به وبقربه. فخرج الإمام أحمد من بغداد إلى الخليفة المتوكل (¬1)، وعند وصوله أكرمه إكرامًا عظيمًا -يستحقه- يرحمه الله- لكنه اعتبر ذلك ابتلاء وامتحانًا له -أيضًا- فكان لا يقبل ما يغدق به الخليفة عليه، ويقول: "سلمت منهم طول عمري، ثم ابتليت بهم في آخره". فلما رأوا منه عدم قبول الترف وملاذ الدنيا، أذنوا له بالرجوع إلى بغداد، وكان الخليفة يوفد إليه في أمور تقع له يشاوره فيها، ويسأل عنه ويطمئن عليه، إلى أن توفي (¬2) -رحمه الله رحمة واسعة. وقد كتب المتوكل إلى الإمام أحمد يسأله عن القول بالقرآن، سؤال المسترشد المستفيد، لا سؤال المتعنت الممتحن، فكتب -إليه الإمام أحمد- رسالة حسنة (¬3)، أبان فيها ما يجب اعتقاده في هذه المسألة، وضمنها بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وأقوال الصحابة والتابعين لهم بإحسان (¬4). وبعد هذا العرض لقضية الفتنة المتعلقة ببدعة القول بخلق القرآن نتعرف على موقف شيخ الإسلام في هذا الكتاب من هذه القضية، ويتمثل ذلك فيما يلي: 1 - نظر شيخ الإسلام إلى موقف الخلفاء ومن تبعهم الذين أرادوا أن يلزموا الناس بأمر لم يرد في كتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وحكم على موقفهم بأنه لا يجوز منهم هذا الإلزام للناس، واستدل على ذلك بمواقف لسلف هذه الأمة من أمور لها الصفة نفسها في عدم وجودها في كتاب الله أو سنة رسوله، وكان فعلهم منسجمًا مع هذا الحكم، فقال رحمه الله في ذلك: "ليس لأحد من الناس أن يلزم الناس ويوجب عليهم إلّا ما أوجبه الله ¬

_ (¬1) كان ذلك سنة سبع وثلاثين ومائتين من الهجرة. (¬2) سنة إحدى وأربعين ومائتين من الهجرة. (¬3) أوردها ابنه أبو الفضل صالح بن أحمد في سيرة الإمام أحمد ص: 124 - 130. (¬4) انظر (بتصرف): مناقب الإمام أحمد -لابن الجوزي- ص: 438 - 462. والبداية والنهاية -لابن كثير- 10/ 382 - 385.

ورسوله، ولا يحظر عليهم إلّا ما حظره الله ورسوله، فمن أوجب ما لم يوجبه الله ورسوله، وحرم ما لم يحرمه الله ورسوله، فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله، وهو مضاء لما ذمه الله في كتابه من حال المشركين وأهل الكتاب الذين اتخذوا دينًا لم يأمرهم الله به، وحرموا ما لم يحرمه الله عليهم، وقد بين ذلك في سورة الأنعام والأعراف وبراءة وغيرهن من السور، ولهذا كان من شعار أهل البدع إحداث قول أو فعل، وإلزام الناس به وإكراههم عليه أو الموالاة عليه والمعاداة على تركه، كما ابتدعت الخوارج رأيها وألزمت الناس به، ووالت وعادت عليه، وابتدعت الرافضة رأيها وألزمت الناس به ووالت وعادت عليه، وابتدعت الجهمية رأيها وألزمت الناس به ووالت وعادت عليه، لما كانت لهم قوة في دولة الخلفاء الثلاثة الذين امتحن في زمانهم الأئمة ليوافقهم على رأي جهم الذي مبدؤه أن القرآن مخلوق، وعاقبوا من لم يوافقهم على ذلك. ومن المعلوم أن هذا من المنكرات المحرمة بالعمل الضروري من دين المسلمين، فإن العقاب لا يجوز أن يكون إلا على ترك الواجب أو فعل محرم، ولا يجوز إكراه أحد إلا على ذلك والإيجاب والتحريم ليس إلا لله ولرسوله، فمن عاقب على فعل أو ترك بغير أمر الله ورسوله وشرع ذلك دينًا فقد جعل لله ندًّا ولرسوله نظيرًا بمنزلة المشركين الذين جعلوا لله أندادًا، وبمنزلة المرتدين الذين آمنوا بمسيلمة الكذاب، وهو ممن قيل فيه: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (¬1)، ولهذا كان أئمة السنة والجماعة لا يلزمون الناس بما يقولونه من موارد الاجتهاد، ولا يكرهون أحدًا عليه، ولهذا لما استشار هارون الرشيد مالك بن أنس في حمل الناس على موطئه، قال له: لا تفعل يا أمير المؤمنين، فإن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تفرقوا في الأمصار فأخذ كل قوم عمن كان عندهم، وإنما جمعت علم أهل بلدي، أو كما قال، وقال مالك -أيضًا-: إنما أنا بشر أصيب وأخطئ، فاعرضوا قولي على الكتاب والسنة. ¬

_ (¬1) سورة الشورى. الآية 21.

وقال أبو حنيفة: هذا رأي فمن جاءنا برأي أحسن منه قبلناه، وقال الشافعي: إذا صح الحديث فاضربوا بقولي الحائط، وقال: إذا رأيت الحجة موضوعة على الطريق فإني أقول بها. وقال المزني في أول مختصره: هذا كتاب اختصرته من علم أبي عبد الله الشافعي لمن أراد معرفة مذهبه، مع إعلامه نهيه عن تقليده وتقليد غيره من العلماء. وقال الإمام أحمد: ما ينبغي للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه ولا يشدد عليهم. وقال: ولا تقلد دينك الرجال، فإنهم لن يسلموا أن يغلطوا. فإذا كان هذا قولهم في الأمور العملية وفروع الدين، لا يستجيزون إلزام الناس بمذاهبهم مع استدلالهم عليها بالأدلة الشرعية فكيف بإلزام الناس وإكراههم على أقوال لا توجد في كتاب الله، ولا في حديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا تؤثر عن الصحابة والتابعين ولا عن أحد من أئمة المسلمين؟ ولهذا قال الإمام أحمد لابن أبي دؤاد الجهمي، الذي كان قاضي القضاة في عهد المعتصم لما دعا الناس إلى التجهم، وأن يقولوا القرآن مخلوق، وإكراههم عليه بالعقوبة، وأمر بعزل من لم يجبه وقطع رزقه، إلى غير ذلك مما فعله في محنته المشهورة، فقال له في مناظرته لما طلب منه الخليفة أن يوافقه على أن القرآن مخلوق: ائتوني بشيء من كتاب الله أو سنة رسوله حتى أجيبكم به، فقال له ابن أبي داؤد: وأنت لا تقول إلا بما في كتاب الله أو سنة رسوله، فقال له: هب أنك تأولت تأويلًا فأنت أعلم وما تأولت، فكيف تستجيز أن تكره الناس عليه بالحبس والضرب؟ فبين أن العقوبة لا تجوز إلا على ترك ما أوجبه الله أو فعل ما حرمه الله، فإن كان القول ليس في كتاب الله وسنة رسوله لم يجب على الناس أن يقولوه، لأن الإيجاب إنما يتلقى من الشارع، وإن كان القول في نفسه حقًّا، أو اعتقد قائله أنه حق، فليس له أن يلزم الناس أن يقولوا ما لم يلزمهم الرسول أن يقولوه -لا نصًّا ولا استنباطًا - وإذا كان كذلك فقول القائل: المطلوب من

فلان أن يعتقد كذا وكذا، وأن لا يتعرض لكذا وكذا، إيجاب عليه لهذا الاعتقاد وتحريم عليه لهذا الفعل؟، وإذا كانوا لا يرون خروجه من السجن إلّا بالموافقة على ذلك فقد استحلوا عقوبته وحبسه حتى يطيعهم في ذلك، فإذا لم يكن ما أمروا به قد أمر الله به ورسوله، وما نهوا عنه قد نهى الله عنه ورسوله، كانوا بمنزلة من ذكر من الخوارج والروافض والجهمية المشابهين للمشركين والمرتدين ومعلوم أن هذا الذي قالوه لا يوجد في كلام الله ورسوله بحال، وهم -أيضًا- لم يبينوا أنه يوجد في كلام الله ورسوله، فلو كان هذا موجودًا في كلام الله ورسوله لكان عليهم بيان ذلك، لأن العقوبات لا تجوز إلّا بعد إقامة الحجة، كما قال الله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (¬1)، فإذا لم يقيموا حجة الله التي يعاقب من خالفها، بل لا يوجد ما ذكروه في حجة الله، وقد نهوا عن تبليغ حجة الله ورسوله، كان هذا من أعظم الأمور مماثلة لما ذكر من حال الخوارج، المارقين المضاهين للمشركين والمرتدين والمنافقين" (¬2). 2 - أنه رحمه الله نظر إلى الفتنة على أنها أشد الفتن جرمًا، وأنه قد بذل في إذاعتها وإكراه الناس عليها ما لم يبذل في بدع أخرى، فقال -رحمه الله-: "فإن مسألة القرآن وقع فيها بين السلف والخلف من الإضراب والنزاع ما لم يقع نظيره في مسألة العلو والارتفاع، إذ لم يكن على عهد السلف من يبوح بإنكار ذلك ونفيه، كما كان على عهدهم من باح بإظهار القول بخلق القرآن، ولا اجترأ الجهمية إذ ذاك على دعاء الناس إلى نفي علو الله على عرشه، بل ولا أظهرت ذلك، كما اجترؤوا على دعاء الناس إلى القول بخلق القرآن، وامتحانهم على ذلك، وعقوبة من لم يجبهم بالحبس، والضرب، والقتل، وقطع الرزق، والعزل عن الولايات، ومنع قبول الشهادة، وترك افتدائهم من أسر العدو، إلى غير ذلك من العقوبات التي إنما تصلح لمن خرج عن الإسلام، وبدلوا بذلك الدين نحو تبديل كثير من المرتدين، فأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه، أذلة على المؤمنين، أعزة على الكافرين، يجاهدون في ¬

_ (¬1) سورة الإسراء. الآية 15. (¬2) انظر: ص: 176 - 183 من هذا الكتاب- قسم التحقيق.

سبيل الله ولا يخافون لومة لائم، فجاهدوا في الله حق جهاده، متبعين سبيل الصدّيق وإخوانه الذين جاهدوا المرتدين، بعد موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى وسمه المسلمون بالإمامة، وبأنه الصديق الثاني، من كان أحق بهذا التحقيق عن فتور الواني. فإن أولئك الجهمية جعلوا المؤمنين كفارًا مرتدين، وجعلوا ما هو من الكفر والتكذيب للرسول إيمانًا وعلمًا، ولبسوا على الأئمة والأمة الحق بالباطل، وكانت فتنتهم في الدين أعظم ضررًا من فتنة الخوارج المارقين، فإن أولئك -وإن كفّروا المؤمنين واستحلوا دماءهم وأموالهم- فلم تكن فتنتهم الجحود بكلام ربّ العالمين، وأسمائه، وصفاته، وما هو عليه في حقيقة ذاته، بل كانت فيما دون ذلك من الخروج عن السنة المشروعة وإن كان أهل المقالات قد نقلوا أن قول الخوارج في التوحيد هو قول الجهمية والمعتزلة، فهذا شر للجهمية، لكن يشبه -والله أعلم- أن يكون ذلك قد قاله من بقايا الخوارج من كان موجودًا حين حدوث مقالات جهم في أوائل المائة الثانية، فأما قبل ذلك فلم يكن قد حدث في الإسلام قول جهم في نفي الصفات، والقول بخلق القرآن، وإنكار أن يكون الله على عرشه، ونحو ذلك، فلا يصح إضافة هذا القول إلى أحد من المسلمين قبل المائة الثانية، لا من الخوارج، ولا من غيرهم، فإن لم يكن في الإسلام إذ ذاك من يتكلم بشيء من هذه السلوب الجهمية، ولا نقل أحد عن الخوارج المعروفين -إذ ذاك- ولا عن غيرهم شيئًا من هذه المقالات الجهمية" (¬1). 3 - كشف الشيخ -رحمه الله- موقف الذين خاضوا في فتنة القائلين بخلق القرآن عن تخبطهم وضلالهم في زعمهم الإيمان بما جاءت به الرسل، وهم ينكرون في الوقت نفسه مضمون ما جاءت به الرسل، فحقيقة قولهم إنكار صفات الله -تعالى-، ومنها كونه -سبحانه- متكلمًا بكلام قائم به، فقال: "إن الجهمية لما أحدثت القول بأن القرآن مخلوق، ومعناه أن الله لم ¬

_ (¬1) انظر ص: 230 - 232 من هذا الكتاب- قسم التحقيق.

يصف نفسه بالكلام أصلًا، بل حقيقته أن الله لم يتكلم ولا يتكلم كما أفصح به رأسهم الأول الجعد بن درهم، حيث زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلًا، ولم يكلم موسى تكليمًا، لأن الخلة إنما تكون من المحبة، وعنده أن الله لا يحب شيئًا في الحقيقة، ولا يحبه شيء في الحقيقة، فلا يتخذ شيئًا خليلًا، وكذلك الكلام يمتنع عنده على الرب تعالى. وكذلك نفت الجهمية من المعتزلة وغيرهم أن يكون لله كلام قائم به، أو إرادة قائمة به، وادعوا ما باهتوا به صريح العقل المعلوم بالضرورة أن المتكلم يكون متكلمًا بكلام يكون في غيره، وقالوا: -أيضًا- يكون مريدًا بإرادة ليست فيه ولا في غيره، أو الإرادة وصف عدمي، أو ليست غير الإرادات المخلوقة، وغير الأمر وهو الصوت المخلوق في غيره. فكان حقيقة قولهم: التكذيب بحقيقة ما أخبرت به الرسل من كلام الله ومحبته ومشيئته، وإن كانوا قد يقرون بإطلاق الألفاظ التي أطلقتها الرسل، وهذا حال الزنادقة المنافقين، من الصابئين والمشركين، من المتفلسفة والقرامطة ونحوهم، فيما أخبرت به الرسل في باب الإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين، بل وفيما أمرت به -أيضًا- وهم مع ذلك يقرون بكثير مما أخبرت به الرسل وتعظيم أقدارهم، فهم يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض" (¬1). 4 - أنه -رحمه الله- أدلى بدلوه في الرد على من تولى كبر فتنة القول بخلق القرآن، فرد عليهم ردًّا منطقيًّا بإيراده لمجموعة من الأمثلة التي يستحيل معها أن المتكلم بكلام يكون قائمًا بغيره ولا يقوم به، فقال -رحمه الله-: "فلما ابتدعت الجهمية هذه المقالات في أثناء المائة الثانية أنكر ذلك سلف الأمة وأئمتها، ثم استفحل أمرهم في أوائل المائة الثالثة بسبب ما أدخلوه في شركهم وفريتهم من ولاة الأمور، وجرت المحنة المشهودة، وكانت أئمة الهدى على ما جاءت به الرسل عن الله من أن القرآن كلام الله تكلم به هو سبحانه، وهو منه قائم به، وما كان كذلك لم يكن مخلوقًا، إنما ¬

_ (¬1) انظر ص: 271 - 272 من هذا الكتاب- قسم التحقيق.

المخلوق ما يخلقه من الأعيان المحدثة وصفاتها، وكثير منهم يرد قول الجهمية بإطلاق القول: بأن القرآن كلام الله، لأن حقيقة قولهم: إنه ليس كلامه ولا تكلم به ولا بغيره، فإن المستقر في فطر الناس وعقولهم ولغاتهم، أن المتكلم بالكلام لا بد أن يكون به الكلام، فلا يكون متكلمًا بشيء لم يقم به بل هو قائم بغيره، كما لا يكون عالمًا بعلم قائمًا بغيره، ولا حيًّا بحياة قائمة بغيره، ولا مريدًا بإرادة قائمة بغيره، ولا محبًا ومبغضًا ولا راضيًا وساخطًا بحب وبغض ورضى وسخط قائم بغيره، ولا متألمًا ولا متنعمًا وفرحًا وضاحكًا بتألم وتنعم وفرح وضحك قائم بغيره، فكل ذلك عند الناس من العلوم الضرورية البدهية الفطرية التي لا ينازعهم فيها إلّا من أحيلت فطرته، وكذلك عندهم لا يكون آمرًا وناهيًا بأمر ونهي لا يقوم به بل يقوم بغيره، ولا يكون مخبرًا ومحدثًا ومنبئًا بخبر وحديث ونبأ لا يقوم به بل بغيره، ولا يكون حامدًا وذامًا ومادحًا ومثنيًا بحمد وذم ومدح وثناء لا يقوم به بل بغيره، ولا يكون مناجيًا ومناديًا وداعيًا بنجاء ودعاء ونداء لا يقوم به بل لا يقوم إلا بغيره، ولا يكون واعدًا وموعدًا بوعد ووعيد لا يقوم به بل لا يقوم إلّا بغيره، ولا يكون مصدقًا ومكذبًا بتصديق وتكذيب لا يقوم به بل لا يقوم إلّا بغيره، ولا يكون حالفًا ومقسمًا وموليًا بحلف وقسم ويمين لا يقوم به إلا بغيره، بل من أظهر العلوم الفطرية الضرورية التي علمها بنو آدم وجوب قيام هذه الأمور بالموصوف بها وامتناع أنها لا تقوم به بل لا تقوم إلا بغيره، فمن قال: إن الحمد والثناء والأمر والنهي والنبأ والخبر والوعد والوعيد والحلف واليمين والمناداة والمناجاة وسائر ما يسمى ويوصف به أنواع الكلام يمتنع أن تكون قائمة بالآمر الناهي المناجي المنادي المنبيء المخبر الواعد المتواعد الحامد المثني الذي هو الله تعالى، ويجب أن تكون قائمة بغيره، فقد خالف الفطرة الضرورية المتفق عليها بين الآدميين، وبدّل لغات الخلق أجمعين ثم مع مخالفته للمعقولات واللغات فقد كذب المرسلين أجمعين، ونسبهم إلى غاية التدليس والتلبيس على المخاطبين، لأن الرسل أجمعين أخبروا أن الله أمر ونهى وقال ويقول، وقد علم بالاضطرار أن مقصودهم أن الله هو نفسه الذي

مسألة كلام الله تعالى

أمر ونهى وقال، لا أن ذلك شيء لم يقم به بل خلقه في غيره، ثم لو كان مقصودهم ذلك فمعلوم أن هذا ليس هو المعروف من الخطاب ولا المفهوم منه، لا عند الخاصة ولا عند العامة، بل المعروف المعلوم أن يكون الكلام قائمًا بالمتكلم، فلو أرادوا بكلامه وقوله أنه خلق في بعض المخلوقات كلامًا لكانوا قد أضلوا الخلق -على زعم الجهمية- ولبسوا عليهم غاية التلبيس، وأرادوا باللفظ ما لم يدلوا الخلق عليه، والله تعالى قد أخبر أن الرسل قد بلغت البلاغ المبين، فمن نسبهم إلى هذا فقد كفر بالله ورسله، وهذا قول الزنادقة المنافقين الذي هم أصل الجهمية الذي يصفون الرسل بذلك من المتفلسفة والقرامطة ونحوهم، بل كون المتكلم الآمر الناهي لا يوصف بذلك إلا لقيام الكلام بغيره مع امتناع قيامه به، أمر لا يعرف في اللغة، لا حقيقة ولا مجازًا" (¬1). مسألة كلام الله تعالى: وصف الشيخ -رحمه الله- هذه المسألة بأنها مسألة هامة، وأنها مما حيرت عقول الأنام لكثرة اختلاف الناس فيها. فقال -رحمه الله-: "إن الناس كثير نزاعهم فيها، حتى قيل: مسألة الكلام حيرت عقول الأنام" (¬2). وقال: "ومسألة القرآن كثير فيها اضطراب الناس، حتى قال بعضهم: مسألة الكلام حيرت عقول الأنام" (¬3). وقال: ". . . وإنما المقصود هنا ذكر قول مختصر جامع بين الأقوال السديدة التي دل عليها الكتاب والسنة، وكان عليها سلف الأمة في مسألة الكلام، التي حيرت عقول الأنام" (¬4). ¬

_ (¬1) انظر ص: 294 - 298 من هذا الكتاب- قسم التحقيق. (¬2) مجموع الفتاوى- 12/ 113. (¬3) المصدر السابق- 12/ 211. (¬4) مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية -كتاب مذهب السلف القويم في تحقيق مسألة كلام الله الكريم- 3/ 368.

ونعتها -رحمه الله- بأنها مسألة عظيمة، فقال: "وكثير من الكتب المصنفة في أصول علوم الدين وغيرها، تجد الرجل المصنف فيها في المسألة العظيمة، كمسألة القرآن. . . " (¬1). وبين -رحمه الله- أنها تشتمل على مسائل معضلة يصعب على من ضل عن منهج السلف فهمها، فقال -بعد أن بين سبب نزاع المتأخرين في الحروف التي في الكلام-: ". . . فمن فهم قول السلف، وفرق بين هذه الأقوال، زالت عنه الشبهات في هذه المسألة المعضلة التي اضطرب بها أهل الأرض" (¬2). وإذا كانت هذه المسألة بهذه المثابة من الأهمية وصعوبة فهمها، مما جعلها محيرة للعقول، فليعذرني القارئ عما أقصر فيه من بيان وإيضاح لهذه المسألة، ولا يعني هذا أنني ألتمس العذر لنفسي، فيعلم الله وحده ما بذلته من جهد ووقت في سبيل جمع شتات هذه المسألة الدقيقة، ولا يظن أني سوف أضيف جديدًا على ما ذكره الشيخ -رحمه الله- فلقد وفى هذه المسألة حقها من العرض والمناقشة، وإلجام المخالفين بالبراهين والأدلة العقلية والنقلية التي تؤيد رأي السلف -رحمهم الله تعالى. ... ¬

_ (¬1) مجموع الفتاوى- 12/ 115. (¬2) مجموعة الرسائل والمسائل -لابن تيمية- كتاب مذهب السلف القويم في تحقيق كلام الله الكريم - 3/ 381.

الأصل الذي تفرع منه نزاع الناس في مسألة الكلام

الأصل الذي تفرع منه نزاع الناس في مسألة الكلام الشيخ -رحمه الله- بين في هذا الكتاب وفي غيره من مؤلفاته أن الأصل الذي تفرع منه نزاع الناس في هذه المسألة "هو الكلام الذي ذمه السلف وعابوه، وهو الكلام في المشتبه المشتمل على حق وباطل، فيه ما يوافق العقل والسمع، وفيه ما يخالف العقل والسمع، فيأخذ هؤلاء جانب النفي المشتمل على نفي الحق والباطل، وهؤلاء جانب الإثبات المشتمل على إثبات حق وباطل، وجماعه هو الكلام المخالف للكتاب والسنة، وإجماع السلف، فكل كلام خالف ذلك فهو باطل، ولا يخالف ذلك إلا كلام مخالف للعقل والسمع. وذلك أنه لما تناظروا في مسألة حدوث العالم وإثبات الصانع، استدلت الجهمية والمعتزلة ومن وافقهم من طوائف أهل الكلام على ذلك بأن ما يخلو عن الحوادث فهو حادث. ثم إن المستدلين بذلك على حدوث الأجسام، قالوا: إن الأجسام لا تخلوا عن الحوادث، وما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث. ثم تنوعت طرقهم في المقدمة الأولى: فتارة يثبتونها بأن الأجسام لا تخلو عن الحركة والسكون، وهما حادثان. وتارة يثبتونها بأن الأجسام لا تخلو عن الاجتماع والافتراق، وهما حادثان. وتارة يثبتونها بأن الأجسام لا تخلو عن الأكوان الأربعة: الاجتماع، والافتراق، والحركة، والسكون، وهي حادثة. وهذه طرق المعتزلة ومن وافقهم على أن الأجسام لا تخلو عن بعض الأعراض.

وتارة يثبتونها بأن الجسم لا يخلو من كل جنس من الأعراض عن عرض منه، ويقولون: القابل للشيء لا يخلو منه وعن ضده. ويقولون: إن الأعراض يمتنع بقاؤها، لأن العرض لا يبقى زمانين، وهذه الطريقة هي التي اختارها الآمدي (¬1)، وزيف ما سواها، وذكر أن جمهور أصحابه اعتمدوا عليها (¬2). وقد وافقهم عليها طائفة من الفقهاء من أصحاب الأئمة الأربعة، كالقاضي أبي يعلى (¬3)، وأبي المعالي الجويني (¬4)، وأبي الوليد الباجي (¬5)، وأمثالهم (¬6). وقد تكلم أبو المعالي الجويني على هذا الأصل في موضعين من كتابه الإرشاد: الموضع الأول (¬7): في مسألة حدوث العالم، حيث استدل بدليل الأعراض المشهور، وهو أن الجسم لا يخلو من الأعراض، وما لا يخلو عنها فهو حادث، وهو الدليل الذي اعتمدت عليه المعتزلة قبله، وذمه الأشعري في رسالته إلى أهل الثغر (¬8)، وبين أنه ليس من طرق الأنبياء وأتباعهم. وهذ الدليل الذي استدل به الجويني مبني على إثبات أربع مقدمات: ¬

_ (¬1) له ترجمة في قسم التحقيق. (¬2) انظر: اختيار الآمدي لهذه الطريقة، وزيفه لما سواها في أبكار الأفكار -مخطوط- اللوحة 170، 171. (¬3) له ترجمة في قسم التحقيق. (¬4) له ترجمة في قسم التحقيق. (¬5) له ترجمة في قسم التحقيق. (¬6) مجموع الفتاوى -لابن تيمية- 12/ 140، 141. وانظر: قسم التحقيق- ص: 483. (¬7) انظر كلامه عن هذا الموضع في ص: 127 - 139 من قسم التحقيق. (¬8) انظر: أصول أهل السنة والجماعة المسماة برسالة أهل الثغر -لأبي الحسن الأشعري- ص: 54 - 58.

- إثبات الأعراض. - إثبات حدوثها. - إثبات استحالة تعري الجواهر عن الأعراض. - إثبات استحالة حوادث لا أول لها. والشيخ -رحمه الله- كثيرًا ما يتعرض لهذه المقدمات بالنقد والمناقشة في هذا الكتاب (¬1). الموضع الثاني (¬2): فقد قرر فيه أن مما يخالف الجوهر فيه حكم الإله: قبول الأعراض، وصحة الاتصاف بالحوادث، والرب يتقدس عن قبول الحوادث. وقد بين الشيخ -رحمه الله- ما في كلام الجويني هذا من مجانبة للصواب (¬3). أما "الهشامية" و"الكرامية" وغيرهم من الطوائف الذين يقولون بحدوث كل جسم، ويقولون: إن القديم تقوم به الحوادث، فهؤلاء إذا قالوا بأن ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث، كما هو قول الكرامية وغيرهم موافقة للمعتزلة في هذا الأصل، فإنهم يقولون: إن الجسم القديم لا يخلو عن الحوادث، بخلاف الأجسام المحدثة، فإنها لا تخلو عن الحوادث. والناس متنازعون في السكون، هل هو أمر وجودي أو عدمي؟ فمن قال: إنه وجودي، قال: إن الجسم الذي لا يخلو عن الحركة والسكون إذا انتفت عنه الحركة قام به السكون الوجودي، وهذا قول من يحتج بتعاقب الحركة والسكون على حدوث المتصف بذلك. ¬

_ (¬1) انظر قسم التحقيق ص: 720 - 726. ودرء التعارض العقل والنقل -لابن تيمية- 2/ 188 - 193. (¬2) انظر: الإرشاد للجويني- ص: 44 وما بعدها. (¬3) انظر: قسم التحقيق ص: 603 فما بعدها. ودرء تعارض العقل والنقل -لابن تيمية- 2/ 193 - 197.

ومن قال: إنه عدمي: لم يلزم من عدم الحركة عن المحل ثبوت سكون وجودي. فمن قال: إنه تقوم به الحركة أو الحوادث بعد أن لم تكن، مع قوله بامتناع تعاقب الحوادث، كما هو قول الكرامية وغيرهم، يقولون: إذا قامت به الحركة لم يعدم بقيامها سكون وجودي، بل ذلك عندهم بمنزلة قولهم مع المعتزلة والأشعرية وغيرهم إنه يفعل بعد أن لم يكن فاعلًا ولا يقولون: إن عدم الفعل أمر وجودي، كذلك الحركة عند هؤلاء. وكان كثير من أهل الكلام يقولون: ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث، أو ما لا يسبق الحوادث فهو حادث، بناء على أن هذه مقدمة ظاهرة، فإن ما لا يسبق الحادث فلا بد أن يقارنه أو يكون بعده وما قارن الحادث فهو حادث، وما كان بعده فهو حادث (¬1). وهذا الكلام كما يقول الشيخ -رحمه الله- مجمل. فإن أريد به ما لا يخلو عن الحادث المعين، أو ما لا يسبق الحادث المعين، فهو حق بلا ريب، ولا نزاع فيه، وكذلك إذا أريد بالحادث جملة ما له أول، أو ما كان بعد العدم ونحو ذلك. وأما إذا أريد بالحوادث الأمور التي تكون شيئًا بعد شيء لا إلى أول وقيل: إنه ما لا يخلو عنها، وما لم يخل عنها فهو حادث، لم يكن ذلك ظاهرًا ولا بينًا، بل هذا المقام حار فيه كثير من الأفهام، وكثر فيه النزاع والخصام، ولهذا صار المستدلون بقولهم: ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث يعلمون أن هذا الدليل لا يتم إلا إذا أثبتوا امتناع حوادث لا أول لها. وهذا الدليل الذي اعتمد عليه كثير من أهل الجدل في إثبات حدوث العالم، وبنوا عليه نفي الصفات عن الله (¬2)، واعتقدوا أن لا دليل سواه، بل ¬

_ (¬1) مجموع الفتاوى -لابن تيمية- 12/ 141، 142. (¬2) ولذا نجدهم يبرهنون على نفي الصفات عن الله تعالى بقولهم: الأعراض -التي هي الصفات- تدل على حدوث الموصوف الحامل لهذه الأعراض، فالتزموا نفيها عن الله، لأن إثباتها يستلزم حدوثها- عندهم.

ربما اعتقدوا أنه لا يصح إيمان أحد إلا به، بطلانه معلوم بالاضطرار من دين الإسلام (¬1). والشيخ -رحمه الله- تصدى لهذا الدليل الباطل، وبين وجه تناقضه، وأن الاستدلال على حدوث العالم لا يحتاج إلى الطريقة التي سلكها أولئك المتكلمون، بل يمكن إثبات حدوثه بطرق أخرى عقلية صحيحة، لا يعارضها عقل صريح ولا نقل صحيح. في مواضع من هذا الكتاب أحيل عليها (¬2) اكتفاء بذكرها هنا. وإذا عرف الأصل الذي تفرع منه النزاع في مسألة الكلام، فلا بد أن نعرف النزاع الحاصل في المسألة نفسها، وذلك على ضوء ما عرضه الشيخ -رحمه الله- في هذا الكتاب. إلزامات: ألزم السلف المعطلة النفاة لصفة الكلام بإلزامات أذكر منها: 1 - مشابهة قولهم لقول النصارى قالوا: إن عيسى نفس كلمة الله فجعلوا الكلام الذي هو من قبيل الأعراض جوهرًا قائمًا بنفسه، ولذا اتخذوه إلهًا، فقالوا: إن اللاهوت -ويعنون الكلمة- اتحدت بالناسوت -ويعنون جسد عيسى-. فعندهم أن عيسى مركب من جزئين: جزء إلهي قديم، وهو الكلمة. وجزء حادث مخلوق، وهو الجسد، لكنهما اتحدا وصارا شيئًا واحدًا هو المسيح. وهذا القول من جنس قول الكلابية والأشعرية الذين جعلوا القرآن نصفين: قديم: وهو المعنى القائم بالنفس. ¬

_ (¬1) انظر مجموع الفتاوى -لابن تيمية- 12/ 142، 143، 213، 229. (¬2) انظر ما يتعلق بهذه المسألة ومناقشة الشيخ لها في قسم التحقيق ص: 483 - 496، 621، 622، وص 747 - 803.

ومحدث: وهو المصحف. يقول الشيخ -رحمه الله-: "والجهمية الغلاط يضاهئونهم مضاهاة عظيمة، لكن المقصود هنا ذكر مضاهاة هؤلاء الذين يقولون الكلام معنى واحد قائم بذات الرب، فيقال: أنتم قلتم: الكلام معنى واحد لا ينقسم ولا يختلف، وهذا المعنى الواحد هو بعينه أمر ونهي وخبر، فجعلتم الواحد ثلاثة، وجعلتم الواحد الذي لا اختلاف فيه ثلاث حقائق مختلفة، وهذا مضاهاة قوية لقول النصارى: الرب إله واحد جوهر واحد، وهو مع ذلك ثلاثة جواهر، فجعلوه واحدًا، وجعلوه ثلاثة، ثم قلتم: هذا الكلام الذي هو واحد، وهو أمر ونهي وخبر، ينزل تارة فيكون أمرًا، وتارة فيكون خبرًا، وتارة فيكون نهيًا، وإذا نزل فكان أمرًا لم يكن خبرًا، وإذا نزل فكان خبرًا لم يكن أمرًا، فإنه إذا أنزله الله فكان آية الكرسي، وهي خبر، لم يكن آية الدين التي هي أمر، وهذا لعله من أعظم المضاهاة لقول النصارى أن الجوهر الواحد الذي هو ثلاثة جواهر ثلاثة أقانيم، إذا اتحد فإنما يكون كلمة وابنًا، لا يكون أبًا ولا روح قدس، فإن هؤلاء، كما جعلوا الشيء الذي هو واحد يتحد ولا يتحد، يتحد من كونه كلمة، ولا يتحد من كونه وجودًا، جعل أولئك الذي هو كلام واحد، ينزل لا ينزل، ينزل من جهة كونه أمرًا، لا ينزل من جهة كونه خبرًا. وأيضًا -فإنهم ضاهوا النصارى في تحريف مسمى الكلمة والكلام، فإن المسيح سمي كلمة الله، لأن الله خلقه بكلمته. . . لكن هذه الكلمة تارة يجعلونها صفة لله، ويقولون: هي العلم، وتارة يجعلونها جوهرًا قائمًا بنفسه، وهي المتحد بالمسيح، وهؤلاء حرفوا مسمى الكلام، فزعموا أنه ليس إلا مجرد المعنى، وأن ذلك المعنى ليس هو العلم، ولا الإرادة، ولا ما هو من جنس ذلك، ولكن هو شيء واحد، وهو حقائق مختلفة. . . ". وأيضًا -فهم في لفظ القرآن الذي هو حروف واشتماله على المعنى، لهم مضاهاة قوية بالنصارى في جسد المسيح الذي هو متدرع للاهوت، فإن هؤلاء متفقون على أن حروف القرآن ليست من كلام الله، بل هي مخلوقة،

كما أن النصارى متفقون على أن جسد المسيح لم يكن من اللاهوت، بل هو مخلوق، ثم يقولون: المعنى القديم لما أنزل بهذه الحروف المخلوقة، فمنهم من يسمي الحروف كلام الله حقيقة، كما يسمي المعنى كلام الله حقيقة، ومنهم من يقول: بل هي كلام الله مجازًا، كما أن النصارى منهم من يجعل لاهوتًا حقيقة لاتحاده باللاهوت واختلاطه به، ومنهم من يقول: هو محل اللاهوت ودعاؤه، ثم النصارى تقول: هذا الجسد إنما عبد لكونه مظهر اللاهوت وإن لم يكن هو إياه، ولكن صار هو إياه بطريق الاتحاد، وهو محله بطريق الحلول، فعظم ذلك، وهم لا يقولون: هذه الحروف ليست من كلام الله ولا يجوز أن يتكلم الله بها، ولا يكلم بها، بل لا يدخل في ذرته أن يتكلم بها، ولكن خلقها فأظهر بها المعنى القديم ودل بها عليه، فاستحقت الإكرام والتحريم لذلك. . . (¬1). وإلى هذا الإلزام أشار ابن القيم -رحمه الله- بقوله: يا قوم قد غلط النصارى قبل في ... معنى الكلام وما اهتدوا لبيان ولأجل ذا جعلوا المسيح إلههم ... إذ قيل كلمة خالق رحمن ولأجل ذا جعلوه ناسوتًا ولا ... هوتًا قديمًا بعد متحدان ونظير هذا من يقول كلامه ... معنى قديم غير ذي حدثان والشطر مخلوق وتلك حروفه ... ناسوته لكن هما غيران فانظر إلى ذي الاتفاق فإنه ... عجب وطالع سنة الرحمن (¬2) 2 - يلزم من قول المخالف أن يكون هناك قرآنان. هذا المصحف الذي بأيدي المسلمين، المقروء بالألسنة المحفوظ بالصدور، وهو -بزعمهم- ليس بكلام الله، وإنما هو عبارة أو حكاية عن كلام الله، وتسميته قرآنًا أو كلامًا مجازٌ، وهذا مخلوق عندهم. والمعنى القديم القائم بالنفس، وهذا هو الكلام الحقيقي عندهم ولا يكون بحروف وأصوات مسموعة، وهو معنى واحد في الأزل لا انقسام ¬

_ (¬1) انظر: قسم التحقيق- ص: 863 - 865. (¬2) القصيدة النونية -لابن القيم- المسماة بالكافية الشافية- ص: 34.

فيه ولا تبعض، فالتوراة عين الإنجيل، والإنجيل عين القرآن، إن عبر عنه بالعربية كان قرآنًا، وإن عبر عنه بالسريانية كان إنجيلًا، وإن عبر عنه بالعبرانية كان توراة. وقد ذكر الشيخ -رحمه الله- أنه يحكى عن الكلابية والأشاعرة "أنه ليس لله في الأرض كلام، وأن هذا القرآن الذي يقرؤه المسلمون ليس هو كلام الله، وأنه ليس لله في الأرض كلام، وإنما هذا حكاية أو عبارة عن كلام الله" (¬1). وقالت هذه الطائفة: "كلام الله ليس إلا مجرد معنى قائم بالنفس، وحروف القرآن ليس من كلام الله، ولا تكلم الله بها، ولا يتكلم الله بحرف ولا صوت. . . " (¬2). وقال -رحمه الله- في موضع آخر: "-وأيضًا- فجعلت هذه الطائفة معنى واحدًا قائمًا بذات الرب هو أمر ونهي وخبر واستخبار، وهو معنى التوراة والإنجيل والقرآن. . . " (¬3). وإلى هذا الإلزام أشار ابن القيم بقوله: زعموا القرآن عبارة وحكاية ... قلنا كما زعموه قرآنان هذا الذي نتلوه مخلوق كما ... قال الوليد وبعده الفئتان والآخر المعنى القديم فقائم ... بالنفس لم يسمع من الديان والأمر عين النهي واستفهامه ... هو عين إخبار وذو وحدان وهو الزبور وعين توراة وإنـ ... جيل وعين الذكر والفرقان الكل شيء واحد في نفسه ... لا يقبل التبعيض في الأذهان (¬4) 3 - إذا لم يكن الله تعالى متكلمًا كما يزعمه المعطلة والنفاة ولا موصوفًا بالكلام -الذي هو صفة مدح- لزم من ذلك مشابهته -سبحانه- للجمادات التي لا تتكلم، بل يكون الحيوان الذي يتكلم أكمل منه- تعالى الله عما يقوله هؤلاء علوًا كبيرًا. ¬

_ (¬1) انظر: قسم التحقيق ص: 438. (¬2) انظر: قسم التحقيق ص: 432. (¬3) انظر: قسم التحقيق ص: 434. (¬4) القصيدة النونية -لابن القيم- ص: 34.

يقول الشيخ -رحمه الله-: "وهؤلاء (¬1) عندهم أن الملائكة تعبر عن المعنى القائم بذات الله وأن الله نفسه لا يعبر بنفسه عن نفسه، وذلك يشبه من بعض الوجوه الأخرس الذي يقوم بنفسه معان، فيعبر غيره عنه بعبارته، وهم في ذلك مشاركون للجهمية الذين جعلوا غير الله يعبر عنه من غير أن يكون الله يتكلم، لكن هؤلاء يقولون: قام بنفسه معنى، فتجعله كالأخرس، والجهمية تجعله بمنزلة الصنم الذي لا يقوم به معنى ولا لفظ" (¬2). وإلى هذا أشار ابن القيم بقوله: وإذا انتفت صفة الكلام فضدها ... خرس وذلك غاية النقصان فلئن زعمتم أن ذلك في الذي ... هو قابل من أمة الحيوان الرب ليس بقابل صفة الكـ ... ـلام فنفيها ما فيه من نقصان فيقال سلب كلامه وقبوله ... صفة الكلام أتم للنقصان إذ أخرس الإنسان أكمل حالة ... من ذا الجماد بأوضح البرهان فجحدت أوصاف الكمال مخافة التشـ ... ـبيه والتجسيم بالإنسان ووقعت في تشبيهه بالناقصات ... الجامدات وذا من الخذلان (¬3) 4 - يلزم هؤلاء النفاة الذين نفوا صفة الكلام عن الله، وقالوا: إن كلامه هو ما يخلقه في غيره منفصلًا عنه، وإن إضافته إلى الله إضافة تشريف وتعظيم، كما يقال: بيت الله، وناقة الله، أن يكون جميع كلام الخلق حقه وباطله، جده وهزله عين كلام الله -سبحانه- وهذا ما صرح به الاتحادية. يقول الشيخ -رحمه الله-: "ومن قال: إن المتكلم من فعل الكلام لزمه أن يكون كل كلام خلقه الله في محل كلامًا له، فيكون إنطاقه للجلود كلامًا له، بل يكون إنطاقه لكل ناطق كلامًا له، وإلى هذا ذهب الاتحادية من الجهمية الحلولية الذين يقولون: إن ¬

_ (¬1) وهم الكلابية، والأشعرية ومن وافقهما. (¬2) راجع: قسم التحقيق- ص: 434. (¬3) القصيدة النونية -لابن القيم- ص: 40.

وجوده عين الموجودات، فيقول قائلهم: وكل كلام في الوجود كلامه ... سواء علينا نثره ونظامه (¬1) يقول ابن القيم مشيرًا إلى هذا الإلزام: أو ليس قد قام الدليل بأن أفعـ ... ـال العباد خليقة الرحمن من ألف وجه أو قريب الألف يحصيـ ... ـها الذي يعنى بهذا الشان فيكون كل كلام هذا الخلق ... عين كلامه سبحانه ذي السلطان إذ كان منسوبًا إليه كلامه ... خلقًا كبيت الله ذي الأركان هذا ولازم قولكم قد قاله ... ذو الاتحاد مصرحًا ببيان حذر التناقض إذا تناقضتهم ولكـ ... ـن طرده في غاية الكفران (¬2) هذه بعض الإلزامات التي لا محيد للمعطل النافي لهذه الصفة عنها، وهي -بحق- تبرز رأي السلف في هذه المسألة المستمد من كتاب الله، وسنة رسوله - عليه السلام - وأقوال الصحابة ومن تبعهم بإحسان، والمدعم بصريح المعقول الموافق لصحيح المنقول، وأنه الرأي الذي يجب على المسلم أن يعتقده، ويدين ربه -عزَّ وجلَّ- به. ... ¬

_ (¬1) انظر قسم التحقيق - ص: 962، 963. (¬2) القصيدة النونية -لابن القيم- ص: 40.

نماذج مصورة من النسخ المخطوطة

نماذج مصورة من النسخ المخطوطة

صورة الورقة الأولى من المخطوطة (س)

صورة الورقة الأخيرة من المخطوطة (س)

صورة الورقة الأولى من الأصل

صورة الورقة الأخيرة من الأصل

قسم التحقيق

خطبة الحاجة

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين (¬1) قال (¬2) شيخنا الإِمام العلامة شيخ الإِسلام أبو العباس أحمد بن تيمية - رضي الله عنه - (¬3): [الحمد لله] (¬4) نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده (¬5) الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، [وأشهد] (¬6) أن لا إله إلّا الله (¬7)، [وأشهد] (¬8) أن محمدًا عبده ورسوله- صلى الله عليه وسلم - (¬9). [أما بعد] (¬10) فإنه في آخر شهر رمضان سنة ست وسبعمائة (¬11)، ¬

_ (¬1) في س: وبه ثقتي، وهي ساقطة من: ط. (¬2) القائل -والله أعلم- هو أحد تلاميذ الشيخ -رحمه الله- ولم أقف على اسمه مصرحًا به من خلال دراستي للكتاب، واجتهادي في معرفته. (¬3) في ط: "-رحمه الله تعالى-". (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬5) في الأصل: "يهدي"، وفي ط: "يهد". (¬6) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬7) في ط: "وحده لا شريك له". (¬8) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬9) بعد كلمة "وسلم": في س، ط زيادة: "تسليمًا". وفي الأصل: بياض. وهذا جزء من خطبة الحاجة التي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلمها أصحابه، وكان السلف الصالح يفتتحون بها كتبهم ورسائلهم، وقد جرى على هذا المنهج شيخ الإِسلام ابن تيمية -رحمه الله- فكثيرًا ما يفتتح مؤلفاته بها. وقد وردت هذه الخطبة من عدة طرق استوفاها الشيخ محمَّد ناصر الدين الألباني في كتابه "خطبة الحاجة". (¬10) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬11) في الأصل، ط: "ست وعشرين وسبعمائة" وهو خطأ، انظر: ما ذكرته ص: 60.

السبب الداعي لتأليف الكتاب

جاء أميران رسولين (¬1) من عند الملأ المجتمعين من الأمراء والقضاة ومن معهم، وذكرا رسالة من عند الأمراء، مضمونها طلب الحضور، ومخاطبة القضاة لتخرج وتنفصل القضية، وأن المطلوب خروجك، وأن يكون الكلام مختصرًا (¬2)، ونحو ذلك. فقلت: سلم على الأمراء، وقيل لهم: لكم سنة، وقبل السنة مدة أخرى تسمعون كلام الخصوم الليل والنهار، وإلى (¬3) الساعة لم تسمعوا مني كلمة واحدة، وهذا عن أعظم الظلم، فلو كان الخصم يهوديًّا أو نصرانيًّا أو عدوًا آخر للإسلام ولدولتكم، لما جاز أن تحكموا عليه حتى تسمعوا كلامه، وأنتم قد سمعتم كلام الخصوم وحدهم (¬4) في مجالس كثيرة، فاسمعوا كلامي وحدي في مجلس واحد، وبعد ذلك نجتمع ونتخاطب بحضوركم (¬5)، فإن هذا من أقل العدل الذي أمر الله به في قوله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} (¬6). فطلب الرسولان أن أكتب ذلك في ورقة، فكتبته، فذهبا ثم عادا وقالا: المطلوب حضورك لتخاطبك القضاة بكلمتين وتنفصلوا (¬7)، ¬

_ (¬1) كذا في جميع النسخ، ولعل ذلك على أنها حال. وقد تكون: "رسولان" على أنها صفة. (¬2) في الأصل: "محتضرًا" وهو تصحيف، والمثبت من: س، ط. (¬3) في الأصل: "وإلا" وهو خطأ. (¬4) "وحدهم": ساقطة من: س. (¬5) في س: "لحضوركم". (¬6) سورة النساء، الآية: 58. (¬7) في س، ط: "وتنفصل". أقول: إن رغبتهم في الانفصال بعد المخاطبة بكلمتين دليل على خشية الخصوم من تفصيل الشيخ -رحمه الله- للمسائل المدعمة بالأدلة النقلية والعقلية، حتى لا يحرجوا بموافقته، وترك ما يحفظون من متون بلا أدلة.

وكان في أوائل النصف [من الشهر المذكور] (¬1) جاءنا هذان الرسولان بورقة كتبها لهم المحكم من القضاة (¬2) [أبو الحسن علي بن مخلوف المالكي] (¬3) وهي طويلة، طلبت منهم نسخها فلم [يوافقوا وتأملتها فوجدتها مكذوبة على إلا كلمة واحدة] (¬4) من أنه على العرش حقيقة وأن كلامه حرف وصوت قائم به [بلا تكييف ولا تشبيه] (¬5). قلت: [ليس هذا في كلامي ولا] (¬6) في خطي، وخاطبني بخطاب فيه طول قد ذكر في غير هذا الموضع، فندموا على كتابة تلك الورقة وكتبوا هذه، فقلت: أنا لا أحضر إلى من يحكم فيّ بحكم الجاهلية، وبغير ما أنزل الله، ويفعل بي ما لا تستحله اليهود ولا النصارى، ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. وهو بياض في الأصل. (¬2) في هامش (س) الأيمن: هو القاضي ابن مخلوف المالكي. هو: علي بن مخلوف بن ناهض بن مسلم النويري أبو الحسن المالكي، ولد سنة 634 هـ، وتوفي سنة 718 هـ. راجع: الوافي بالوفيات - للصفدي 20/ 189، والبداية والنهاية -لابن كثير 14/ 78، والدرر الكامنة -لابن حجر العسقلاني 31/ 203، وشذرات الذهب- لابن العماد 6/ 49. (¬3) ما بين المعقوفتين بياض في الأصل س. بقدر نصف سطر تقريبًا. والكلام متصل في: ط، إلا أنه رمز للبياض بحرف (ط). ولعل ما أثبته يكون مناسبًا لسياق الكلام. (¬4) ما بين المعقوفتين بياض في الأصل س. بقدر نصف سطر، ورمز للبياض. في: ط، بحرف (ظ). ولعل ما أثبته يناسب سياق الكلام. وانظر مجموع الفتاوي 2/ 217. (¬5) ما بين المعقوفتين بياض في الأصل بقدر نصف سطر تقريبًا، وبقدر سطر في: س، ورمز له في: ط، بحرف (ظ) ولعل ما أثبته يكون مناسبًا للسياق وانظر المجموع 2/ 217. (¬6) ما بين المعقوفتين بياض في الأصل، س، بقدر نصف سطر تقريبا. والكلام متصل في: ط، ورمز للبياض بحرف (ظ). ولعل ما أثبته يناسب سياق الكلام.

كما فعلتم في المجلس الأول (¬1)، وقلت للرسول: قد كان ذلك بحضوركم، أتريدون أن يمكروا (¬2) كما مكروا [بي] (¬3) في العام الماضي؟ هذا لا أجيب إليه، ولكن من زعم أني قلت قولًا باطلًا، فليكتب خطه بما أنكره من كلامي، ويذكر حجته، وأنا أكتب جوابي مع كلامه، ويعرض كلامي وكلامه على علماء الشرق والغرب، فقد قلت هذا بالشام، وأنا قائله هنا (¬4)، وهذي عقيدتي (¬5) التي بُحثت بالشام بحضرة قضاتها ومشايخها وعلمائها، وقد أرسل إليكم نائبكم النسخة التي قرئت، وأخبركم بصورة ما جرى، وإن كان قد وقع من التقصير في حقي والعدوان والإغضاء عن الخصوم ما قد علمه الله والمسلمون، ¬

_ (¬1) راجع ملخص ما حصل للشيخ -رحمه الله- في هذا المجلس، في: العقود الدرية -لابن عبد الهادي- ص: 250 فما بعدها، البداية والنهاية -لابن كثير 14/ 32. (¬2) في س، ط: "تمكروا". (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من: س. (¬4) هذا دليل على أن الرسالة كتبت في مصر ولم تكتب في الشام. وقد جاء في العقود الدرية لابن عبد الهادي ص: 203: "أنه في يوم الإثنين ثامن رجب من سنة خمس وسبعمائة طلب القضاة والفقهاء، وطلب الشيخ تقي الدين إلى القصر، إلى مجلس نائب السلطنة الأفرم، فاجتمعوا عنده وسأل الشيخ تقي الدين وحده عن عقيدته. وقال له: هذا المجلس عقد لك، وقد ورد مرسوم السلطان: أن أسألك عن اعتقادك. فأحضر الشيخ عقيدته الواسطية، وقال: هذه كتبتها من نحو سبع سنين، قبل مجيء التتار إلى الشام. فقرئت في المجلس، وبحث فيها، وبقي مواضع أخرت إلى مجلس آخر ثم اجتمعوا يوم الجمعة بعد الصلاة ثاني عشر رجب المذكور وحضر المخالفون ومعهم الشيخ صفي الدين الهندي. . . ". (¬5) هي "العقيدة الواسطية"، التي دار الكلام حولها في المجلس الأول والثاني. راجع: العقود الدرية -لابن عبد الهادي- ص: 206 فما بعدها.

لفظ ما في الورقة التي جاء بها الرسولان من عند الأمراء والقضاة وإجابة الشيخ المختصرة عليها

فانظروا النسخة التي عندكم، وكان قد حضر عندي نسخة أخرى منها، فقلت: خذ هذه النسخة فهي (¬1) اعتقادي، فمن أنكر منها (¬2) شيئًا فليكتب ما ينكره وحجته لأكتب جوابي، فأخذا العقيدة وذهبا، ثم عادا ومعهما ورقة لم يذكر فيها شيء من الاعتراض على كلامي، بل قد أنشؤوا فيها كلامًا طلبوه، وذكر الرسول أنهم كتبوا ورقة ثم أخرى (¬3)، ثم قطعوها، ثم كتبوا هذه، ولفظها (¬4): الذي يطلب (¬5) منه أن يعتقده أن ينفي الجهة عن الله والتحيز، وأن لا يقول إن كلام الله حرف وصوت قائم به، بل هو معنى قائم بذاته، وأنه -سبحانه- لا يشار إليه بالأصابع إشارة حسية، ويطلب منه أنه (¬6) لا يتعرض لأحاديث الصفات وآياتها عند العوام، ولا يكتب بها إلى البلاد ولا في الفتاوى المتعلقة بها. فلما أراني الورقة (¬7) كتبت جوابها فيها مرتجلًا مع استعجال الرسول: أما قول القائل: الذي يطلب منه أن يعتقده أن ينفي الجهة عن الله والتحيز، فليس في كلامي إثبات هذا (¬8) اللفظ؛ لأن إطلاق هذا اللفظ ¬

_ (¬1) في س، ط: فهذا. (¬2) في س، ط: منه. (¬3) "ثم أخرى" سقطت من: س، ط. (¬4) جاء لفظ ما ورد في هذه الورقة وإجابة الشيخ -رحمه الله- عليه الإجابة المختصرة في مجموع الفتاوى 5/ 264 - 266. (¬5) في ط: "نطلب". (¬6) في ط: "أن". (¬7) في س: "للورقة". (¬8) في ط: "لهذا".

نفيًا وإثباتًا بدعة (¬1)، وأنا لا أقول (¬2) إلّا ما جاء به الكتاب والسنة، واتفق عليه سلف الأمة. فإن أراد قائل هذا القول أنه ليس فوق السموات رب، ولا فوق العرش إله (¬3)، وأن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - لم يعرج (¬4) به إلى ربه وما فوق العالم ¬

_ (¬1) البدعة: الحدث، وما ابتدع من الدين بعد الإكمال. راجع: لسان العرب -لابن منظور 8/ 6 (بدع). يقول ابن الأثير: "البدعة بدعتان: بدعة هدى، وبدعة ضلال، فما كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فهو في حيز الذم والإنكار وما كان واقعًا تحت عموم ما ندب الله إليه وحض عليه الله أو رسوله فهو في حيز المدح". انظر: البداية والنهاية -لابن الأثير 1/ 106. لكن هذا التقسيم لغوي -في نظري- أما في الشرع فإن البدعة إذا أطلقت فهي مذمومة. يقول ابن رجب الحنبلي: "والمراد بالبدعة: ما أحدث مما لا أصل له في الشرع يدل عليه، أما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه فليس ببدعة شرعًا، وإن كان بدعة لغة. انظر: جامع العلوم والحكم -لابن رجب- ص: 233. ويقول ابن حجر العسقلاني: "والبدعة أصلها ما أحدث على غير مثال سابق وتطلق في الشرع مقابل السنة، فتكون مذمومة. انظر: فتح الباري 8/ 91. كتاب "صلاة التراويح" -باب فضل من قام رمضان. (¬2) في الأصل: "لم أقول". ولعلها من سهو الناسخ، والمثبت من: س، ط. (¬3) الكلام على إثبات علو الله على خلقه عند السلف بالأدلة النقلية والعقلية، وبيان بطلان مذهب المخالف، تطرقنا له في الدراسة عند موضوع: "دراسة مسائل الكتاب"، وأوضحنا رأي شيخ الإِسلام -رحمه الله- في هذه المسألة، فليرجع إليه. إضافة إلى أن شيخ الإِسلام قد ناقش هذه المسألة في هذه الرسالة. (¬4) الإسراء: هو السير ليلًا. راجع: لسان العرب -لابن منظور 14/ 381 - 382 (سرى). المعراج: مفعال من العروج، أي: الآلة التي يعرج فيها، أي: يصعد، =

إلا العلم المحض، فإذا باطل مخالف لإجماع الأمة وأئمتها. وإن أراد بذلك أن الله لا تحيط به مخلوقاته، ولا يكون في جوف الموجودات، فهذا مذكور مصرح به في كلامي (¬1)، فأي فائدة في تجديده؟ وأما قول القائل: لا يقول إن كلام الله حرف وصوت قائم به، بل هو معنى قائم بذاته [فليس في كلامي (¬2) هذا -أيضًا- ولا قلته قط، بل ¬

_ = وهو بمنزلة السلم، لكن لا يعلم كيف هو، وحكمه حكم غيره من المغيبات نؤمن به ولا نشتغل بكيفيته. راجع: تاج العروس - للزبيدي 2/ 72 (عرج). والنبي - صلى الله عليه وسلم - أسري به ليلًا من المسجد الحرام، إلى المسجد الأقصى على البراق بصحبة جبريل - عليه السلام - يقظة لا منامًا، بروحه وجسده، فنزل هناك وصلى بالأنبياء إمامًا، ثم عرج به إلى السماء الدنيا، ثم إلى بقية السموات السبع، وفي كل سماء يستفتح فيفتح له، ثم يسلم على الأنبياء الذين فيها بحسب منازلهم ودرجاتهم، حتى انتهى إلى سدرة المنتهى، ثم رفع له البيت المعمور، ثم عرج به إلى الجبار -جل جلاله- فدنا منه حتى كان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما أوحى، وفرض عليه خمسين صلاة، ثم خففها عدة مرات إلى أن وصلت إلى خمس رحمة منه ولطفًا بعباده، ثم هبط به إلى بيت المقدس، وعاد إلى مكة بغلس. وفي هذا دليل على ثبوت صفة العلو لله تعالى لمن تأمله. والإسراء والمعراج تواترت النصوص بإثباتهما في حق الرسول - صلى الله عليه وسلم - مما لا يدع مجالًا للتشكيك، أو محاولة تحكيم العقل في ثبوتهما من عدمه وقد استقصى الأدلة عليهما: ابن كثير في تفسيره 3/ 2 - 24، والآجري في الشريعة ص: 481 - 491، وانظر: الإسراء والمعراج لابن هشام مع شرحها للإمام السهيلي، وشرح الطحاوية -لصدر الدين الحنفي ص: 245 - 249، ومعارج القبول للحكمي 2/ 452 - 470. (¬1) انظر مثلًا: الرسالة التدمرية -لابن تيمية- ص: 25، 26، ومجموع الفتاوى 5/ 262 , 263. (¬2) في الأصل، س: "كلام"، وأثبت المناسب من: ط، ومجموع الفتاوى 5/ 264.

إجابة الشيخ المفصلة من وجوه كثيرة

قول القائل: إن القرآن حرف وصوت قائم به بدعة، وقوله: إنه معنى قائم بذاته] (¬1) بدعة لم يقل أحد من السلف لا هذا ولا هذا، وأنا (¬2) ليس في كلامي شيء من البدع، بل في كلامي ما أجمع عليه السلف أن القرآن كلام الله غير مخلوق (¬3). وأما قول القائل: إنه لا يشار إليه بالأصابع إشارة حسية، فليس هذا اللفظ في كلامي [بل في كلامي] (¬4) إنكار ما ابتدعه المبتدعون من الألفاظ النافية، مثل قولهم: إنه لا يشار إليه، فإن هذا النفي -أيضًا- بدعة. فإن أراد القائل أنه لا يشار إليه أنه ليس محصورًا في المخلوقات، أو غير ذلك من المعاني الصحيحة , فإذا حق، وإن أراد أن من دعا الله لا يرفع إليه يديه، فهذا خلاف ما تواترت به السنن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وما فطر الله عليه عباده من رفع الأيدي إلى الله في الدعاء، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما إليه صفرًا" (¬5)، وإذا سمى المسمي ذلك إشارة حسية، وقال: إنه ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، ومجموع الفتاوى 5/ 265. (¬2) في س: "وإذ". (¬3) الكلام على أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، تحدثنا عنه عند موضوع: "دراسة مسائل الكتاب"، وقد أوضحنا رأي شيخ الإِسلام -رحمه الله- في هذه المسألة. وهو -رحمه الله- في هذه الرسالة - فصل في هذه المسألة وبينها غاية البيان مستمدًا هذا التفصيل والبيان من نصوص الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين وتابعيهم. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، ومجموع الفتاوى 5/ 265. (¬5) رواه أبو داود في سننه عن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - مع اختلاف يسير في اللفظ 2/ 165 - كتاب الصلاة- باب الدعاء- حديث رقم 1488. ورواه الترمذي عن سلمان -أيضًا- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله حيي كريم يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرًا خائبتين"، وقال هذا حديث حسن غريب، ورواه بعضهم ولم يرفعه.

إجابته عن قولهم الذي يطلب منه ألا يتعرض لأحاديث الصفات وآياتها عند العوام ولا يكتب بها إلى البلاد ولا في الفتاوى المتعلقة بها من وجوه

لا يجوز، لم يقبل منه (¬1). وأما قول القائل: لا (¬2) يتعرض لأحاديث الصفات وآياتها عند العامة، فما فاتحت عاميًا في شيء من ذلك قط. وأما الجواب بما بعث الله به رسوله للمسترشد المستهدي فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من سئل عن علم يعلمه فكتمه، ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار" (¬3). وقال (¬4) تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} (¬5). . . الآية، فلا يؤمر العالم (¬6) بما يوجب لعنة الله عليه. ¬

_ = سنن الترمذي 5/ 556، 557 - كتاب الدعوات- الباب 105 - الحديث رقم 3556. ورواه ابن ماجه في سننه بلفظ يقرب من هذا 2/ 1271 - كتاب الدعاء- باب رفع اليدين في الدعاء- الحديث رقم 3865. (¬1) الكلام على هذه المسألة، ورأي الشيخ -رحمه الله- فيها، دخل ضمنًا في الكلام على "مسألة العلو". وراجع: مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم- للموصلي 1/ 271، 272. (¬2) في ط: "أن لا". (¬3) الحديث بهذا اللفظ رواه ابن ماجه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - إلا أنه روى لفظة "ألجمه" "ألجم"، وقد روي هذا الحديث من عدة طرق، عن عدد من الصحابة - رضوان الله عليهم في: سنن ابن ماجه 1/ 98 - المقدمة- باب من سئل عن علم فكتمه، حديث رقم وروي بألفاظ قريبة من هذا في: سنن أبي داود 4/ 67، 68 - كتاب العلم- باب كراهية منع العلم- حديث رقم 3658، وسنن الترمذي 5/ 29، 30، -كتاب العلم- باب ما جاء في كتمان العلم- الحديث رقم 2649، وقال: حديث أبي هريرة حسن، ومسند الإِمام أحمد 2/ 263، 305. (¬4) في س، ط: "وقد قال". (¬5) سورة البقرة، الآية: 159. (¬6) في س: "عالم".

فأخذا الجواب (¬1) وذهبا فأطالا الغيبة ثم رجعا, ولم يأتيا بكلام محصل إلا طلب الحضور، فأغلظت لهم في الجواب، وقلت لهم بصوت رفيع (¬2): يا مبدلين (¬3) يا مرتدين (¬4) عن الشريعة يا زنادقة (¬5) ¬

_ (¬1) هذا الجواب المختصر ذكر بحرفه في مجموع الفتاوى 5/ 264 - 266. (¬2) ليس من عادة الشيخ أن يغلظ في الكلام بل هو من أكثر الناس استعمالًا للكلام اللين لكن كل شيء في موضعه حسن {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ}. انظر: مجموع الفتاوى -لابن تيمية- 3/ 232. (¬3) جمع مبدل، والمبدل هو المغير، وتبديل الشيء: تغييره وإن لم يأت ببدل، وبدل الشيء: حرفه. انظر: لسان العرب -لابن منظور 11/ 48 (بدل). (¬4) جمع مرتد، والارتداد والردة: الرجوع في الطريق الذي جاء منه، لكن الردة تختص بالكفر، والارتداد يستعمل فيه وفي غيره. راجع: لسان العرب -لابن منظور 3/ 173 (ردد). فالردة عن الإِسلام: أي: الرجوع عنه، وارتد فلان عن دينه إذا كفر بعد إسلامه. راجع: المفردات في غريب القرآن - للأصبهاني ص: 281. والمرتد إذا مات -والعياذ باللهِ- ولم يتب فهو كافر، وفي الآخرة يخلد في النار، يقول تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} البقرة / 217. (¬5) جمع زنديق، فارسي معرب، وهو المنكر لأصل من أصول العقيدة، أو يرى رأيا يؤدي إلى ذلك. راجع: لسان العرب -لابن منظور 10/ 147 (زندق). وأطلقه كثير من أهل العلم على من بدل دينه وأحدث فيه. وأطلقه الإِمام أحمد -رحمه الله- على القائلين بتناقض القرآن. راجع: الرد على الجهمية والزنادقة. نشر: قصي محب الدين الخطيب، - ص: 7 - الحاشية رقم 1. ونفس المرجع - تحقيق: د. عبد الرحمن عميرة ص: 52.

الوجه الأول: أنه نبذ لكتاب الله وترك لما وصف الله به نفسه ووصفه به رسوله

وكلامًا (¬1) آخر كثيرًا، ثم قمت وطلبت فتح الباب والعود إلى مكاني. وقد كتبت هنا بعض ما يتعلق بهذه المحنة، التي طلبوها مني في هذا اليوم وبينت بعض ما فيها من تبديل الدين واتباع غير سبيل المؤمنين لما في ذلك من المنفعة للمسلمين، وذلك من وجوه كثيرة، نكتب منها ما يسر (¬2) الله تعالى: الوجه الأول: إن هذا الكلام أمر فيه بهذا الكلام المبتدع الذي لم يؤثر عن الله ولا عن أحد من رسله، ولا عن أحد من سلف الأمة وأئمتها، بل هو من ابتداع بعض المتكلمين الجهمية (¬3) الذي وصف ربه فيه بما وصفه، ونهى فيه عن كلام الله، وكلام رسوله الذي وصف به نفسه ووصفه (¬4) به رسوله ¬

_ = وكتب الفرق لا تطلق هذا اللفظ على طائفة معينة، وإن كان صاحب مروج الذهب -وكذا ابن النديم- يطلقه على أصحاب (ماني)، ومعتنقي مذهبه. راجع: مروج الذهب - للمسعودي 1/ 250، 251، والفهرست -لابن النديم ص: 472 فما بعدها. ولمعرفة الكثير عن الزنادقة وبعض فرقها ومعنى الزندقة -قبل الإِسلام وبعده- وأصلها، يراجع كتاب: الزندقة والزنادقة -لعاطف شكري أبو عوض- وخاصة ص: 69 - 79، 107 - 113، 123 - 172. (¬1) في س: "كلام" وهو خطأ. (¬2) في ط: "يسره". (¬3) الجهمية: هم أتباع الجهم بن صفوان، وهي إحدى الفرق الضالة، تقول بالجبر والاضطرار إلى الأعمال، وإنما تنسب الأعمال إلى المخلوقين مجازًا، وتزعم أن الإيمان هو المعرفة بالله فقط، والكفر هو الجهل به، وأن الجنة والنار تبيدان وتفنيان إلى غير ذلك من الضلالات والبدع. راجع: الفرق بين الفرق ص: 211، والملل والنحل- للشهرستاني 1/ 86. (¬4) في الأصل: "ووصف"، ولا يستقيم المعنى إلا بما أثبت.

أن يفتي به (¬1)، أو يكتب به، أو يبلغ لعموم الأمة، وهذا نهى عنه القرآن والشريعة والسنة والمعروف والهدى والإرشاد (¬2) وطاعة الله ورسوله، وعن ما تنزلت به (¬3) الملائكة من عند الله على أنبيائه، وأمر بالنفاق والحديث المفترى من دون الله، والبدعة (¬4) والمنكر والضلال (¬5) وطاعة أولياء من دون الله واتباع لما تنزلت به الشياطين، وهذا من أعظم تبديل دين الرحمن بدين الشيطان، واتخاذ أنداد (¬6) من دون الله، قال الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (¬7) وقال تعالى: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ} (¬8) الآية. وهذا الكلام نهى فيه عن سبيل المؤمنين، وأمر بسبيل (¬9) المنافقين وقال تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} إلى قوله: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} (¬10) فذم سبحانه من كان من أهل الكتاب نبذ (¬11) كتاب الله وراء ظهره، واتبع ما تقول (¬12) الشياطين، ومن ¬

_ (¬1) في س: "بها". (¬2) في س، ط: "والرشاد". (¬3) "به" ساقطة من: س. (¬4) في س: "والبدع". (¬5) في س، ط: زيادة "والغي". (¬6) في الأصل: "أندادًا" وقد أثبت الصواب من: س، ط. (¬7) سورة التوبة، الآية: 71. (¬8) سورة التوبة، الآية: 67. (¬9) في س: "بسيل". (¬10) سورة البقرة، الآيتان: 101، 102. (¬11) في س: "بنبذ". (¬12) في س، ط: "تقوله".

الوجه الثاني: أن قولهم هذا يتضمن إبطال أعظم أصول الدين

أمر بهذا الكلام فقد أمر بنبذ كتاب الله وراء الظهر، حيث أمر بترك التعرض لما وصف الله به نفسه ووصفه (¬1) به رسوله وذلك آيات الصفات وأحاديث الصفات، فأمر بأن لا يفتى بها ولا يكتب بها ولا تبلغ لعموم الأمة (¬2)، وهذا من أعظم الإعراض عنها والنبذ لها وراء الظهر، وأمر من ذلك باعتقاد هذه الكلمات المتضمنة لمخالفة ما جاءت به الرسل -كما سنبينه إن شاء الله تعالى- وقد قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ}. . . الآية، إلى قوله: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ} (¬3). . . الآية. فبين -سبحانه- أن للأنبياء عدوًا من شياطين الإنس والجن يعلم بعضهم بعضًا بالقول المزخرف غرورًا، وأخبر أن الشياطين توحي إلى أوليائها بمجادلة المؤمنين، فالكلام الذي يخالف ما جاءت به الرسل هو من وحي الشياطين وتلاوتهم، فمن أعرض عن كتاب الله واتباعه، فقد نبذ كتاب الله وراء ظهره واتبع ما تتلوه شياطين الإنس والجن. الوجه الثاني: إن قول القائل: نطلب منه أن لا يتعرض لأحاديث الصفات وآياتها عند العوام، ولا يكتب بها إلى البلاد ولا في الفتاوى المتعلقة بها: يتضمن إبطال أعظم أصول الدين ودعائم التوحيد، فإن من أعظم آيات الصفات آية الكرسي التي هي أعظم آية في القرآن، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح (¬4) وقل هو الله أحد، التي تعدل ثلث القرآن، كما ¬

_ (¬1) في الأصل: "ووصف". والمثبت من: س، ط. ليستقيم المعنى. (¬2) في س: "الآية". (¬3) سورة الأنعام، الآيات: 112، 121. (¬4) روى مسلم في صحيحه عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا أبا المنذر: أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟ " قال: قلت: الله ورسوله =

استفاضت لذلك الأحاديث (¬1) عن (¬2) النبي - صلى الله عليه وسلم - وكذلك فاتحة الكتاب التي لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها، كما ثبت ذلك في الصحيح (¬3) -أيضًا- وهي أم القرآن التي لا تجزئ ¬

_ = أعلم، قال: "يا أبا المنذر: أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟ " قال: قلت: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} قال: فضرب في صدري وقال: "ليهنك العلم أبا المنذر". راجع: صحيح مسلم كتاب صلاة المسافرين وقصرها 1/ 556 - باب فضل سورة الكهف وآية الكرسي. يقول ابن عباس - رضيِ الله عنه - أشرف آية في القرآن آية الكرسي. قال بعض العلماء: لأنه يكرر فيها اسم الله تعالى بين مضمر وظاهر ثماني عشرة مرة. راجع: الجامع لأحكام القرآن - للقرطبي 2/ 271. (¬1) روى مسلم في صحيحه عن أبي الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن؟ "، قالوا: وكيف يقرأ ثلث القرآن؟ قال: " {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن". راجع: صحيح مسلم 1/ 556 كتاب صلاة المسافرين وقصرها- باب فضل قراءة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}. وقد رواه البخاري بلفظ يقرب من هذا عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -. راجع: صحيح البخاري 6/ 105 كتاب فضائل القرآن - باب فضل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}. يقول القرطبي -رحمه الله-: "هذه الآية تضمنت التوحيد والصفات العلى. . . وهي تعدل ثلث القرآن"، راجع: تفسير القرطبي 2/ 270. ولشيخ الإِسلام -رحمه الله- رسالة تسمى: "جواب أهل العلم والإيمان أن {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن". راجع: مجموع فتاوى الشيخ 5/ 17 - 206. وقد طبعت مستقلة. وقد علمت أن الأخ سليمان الغفيص -أحد منسوبي قسم العقيدة بكلية أصول الدين، قام بتحقيق هذا الكتاب. (¬2) في س، ط: "عند". (¬3) روى البخاري في صحيحه عن أبي سعيد بن المعلى قال: كنت أصلي في =

الصلاة إلّا بها (¬1)، فإن قوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (¬2) كل ذلك من آيات الصفات باتفاق المسلمين (¬3)، وقيل هو الله أحد، قد ثبت في الصحيحين عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث رجلًا على سرية، وكان يقرأ لأصحابه فيختم بـ: ¬

_ = المسجد فدعاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم أجبه، فقلت: يا رسول الله إني كنت أصلي فقال: "ألم يقل الله: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ}؟ " ثم قال في: "لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد" ثم أخذ بيدي فلما أراد أن يخرج قلت له: ألم تقل لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن قال: "الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته". راجع: صحيح البخاري 5/ 146 كتاب تفسير القرآن - باب ما جاء في فاتحة الكتاب. وروى الترمذي عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث طويل: "والذي نفسي بيده ما أنزلت في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها وإنها سبع من المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيته". راجع: سنن الترمذي 4/ 231 أبواب فضائل القرآن - باب ما جاء في فضل فاتحة الكتاب. يقول البخاري -رحمه الله-: وسميت بأم الكتاب؛ لأنه يبدأ بكتابتها في المصاحف ويبدأ بقراءتها في الصلاة. راجع: صحيح البخاري 5/ 146 كتاب تفسير القرآن - باب ما جاء في فضل فاتحة الكتاب. (¬1) ثبت في الصحيح عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب". راجع: صحيح البخاري 1/ 184 كتاب الأذان - باب وجوب القراءة للإمام والمأموم. وقد أشار إلى هذا الحكم شيخ الإسلام -رحمه الله- عند تفسيره لسورة الفاتحة في مجموع الفتاوى 14/ 5. (¬2) سورة الفاتحة، الآيات: 1، 3. (¬3) راجع: مجموع الفتاوى لابن تيمية -تفسير سورة الفاتحة- 14/ 4 فما بعدها. وتفسير ابن كثير 1/ 25.

{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (¬1) فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟ " فسألوه فقال: لأنها صفة الرحمن، فأنا أحب أن أقرأ بها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أخبروه أن الله يحبه" (¬2). وهذا يقتضي أن ما كان صفة لله من الآيات فإنه يستحب قراءته، والله يحب ذلك، ويحب من يحب ذلك، ولا خلاف بين المسلمين في استحباب قراءة آيات الصفات في الصلاة الجهرية التي يسمعها العامي وغيره، بل بسم الله الرحمن الرحيم من آيات الصفات، وكذلك أول سورة الحديد (¬3)، إلى قوله: {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (¬4) هي من آيات الصفات، وكذلك آخر سورة الحشر، هي من أعظم (¬5) آيات الصفات، بل جميع أسماء الله الحسنى هي مما وصف الله بها (¬6) نفسه، كقوله: الغفور، الرحيم، العزيز، الحكيم، العليم، القدير، العلي، العظيم، الكبير، المتعال، القوي، العزيز، الرزاق (¬7)، ذو القوة المتين، الغفور، الودود، ذو العرش المجيد، فعّال لما يريد، ¬

_ (¬1) سورة الإخلاص، الآية: 1. (¬2) الحديث ورد في صحيح البخاري بهذا اللفظ عدا كلمة "رسول" في المواضع الثلاثة فإنها وردت بلفظ "النبي". راجع: صحيح البخاري 8/ 164 - 165 كتاب التوحيد - باب ما جاء في دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته إلى توحيد الله. وكذا ورد في صحيح مسلم بهذا اللفظ، عدا كلمة "ذكروا" فإنها وردت بلفظ "ذكر". راجع: صحيح مسلم 1/ 557 حديث رقم 263 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب فضل قراءة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}. (¬3) في الأصل، س: "أول الحديد وآخر الحشر". والمثبت من: ط. (¬4) سورة الحديد، الآيات: 1، 4. (¬5) في الأصل: "هي أعظم". والمثبت من: س، ط. (¬6) في س، ط: "به". (¬7) في الأصل: "الرازق" ولم ترد في القرآن الكريم بهذا اللفظ والمثبت من س، ط.

وما أخبر الله بعلمه، وقدرته، ومشيئته، ورحمته، وعفوه، ومغفرته، ورضاه، وسخطه، ومحبته، وبغضه، وسمعه، وبصره، وعلوه (¬1)، وكبريائه، وعظمته، وغير ذلك، كل ذلك من آيات الصفات، فهل يؤمر من آمن بالله ورسوله بأن يعرض عن هذا كله، وأن لا يبلغ المؤمنين من أمة محمَّد - صلى الله عليه وسلم - هذه الآيات ونحوها من (¬2) الأحاديث وأن لا يكتب بكلام الله وكلام رسوله الذي هو آيات الصفات وأحاديثها إلى البلاد ولا يفتى من ذلك ولا به، وقد قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} (¬3) وأسوأ أحوال العامة أن يكونوا أميين، فهل يجوز أن ينهى عن (¬4) أن يتلى على الأميين آيات الله أو عن [أن] (¬5) يعلموا الكتاب والحكمة. ومعلوم أن جميع من أرسل إليه الرسول من العرب كانوا قبل معرفة الرسالة أجهل من عامة المؤمنين اليوم، فهل كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ممنوعًا من تلاوة ذلك عليهم وتعليمهم إياه أو مأمورًا به؟ أوليس هذا من أعظم الصد عن سبيل الله؟ وقد قال (¬6) تعالى: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ} (¬7). . . . الآية، وقال: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا} (¬8) أوليس هذا نوعًا من الأمر بهجر القرآن والحديث وترك استماعه، وقد قال تعالى: ¬

_ (¬1) في س: "وعلو". (¬2) في الأصل: "في ". والمثبت من: س، ط. ولعله المناسب. (¬3) سورة الجمعة، الآية: 2. (¬4) "عن": ساقطة من: س، ط. (¬5) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬6) في س، ط: "قال الله". (¬7) سورة آل عمران، الآية: 99. (¬8) سورة النساء، الآية: 160.

{وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ} (¬1). . . . الآية، وقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} (¬2)، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} (¬3)، وقال تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (¬4)، فهل (¬5) قال: فاستمعوا له إلا لأعظم ما فيه وهو ما وصفت به نفسي فلا تستمعوه (¬6)، أو لا تسمعوه لعامتكم، وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} (¬7)، وقال تعالى: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} (¬8)، وقال تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ} (¬9). . . . الآية، وقال تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (¬10). . . الآية، وقال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا} (¬11)، وقال تعالى: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ ¬

_ (¬1) سورة الفرقان، الآيتان: 30، 31. (¬2) سورة فصلت، الآية: 26. (¬3) سورة الفرقان، الآية: 73. (¬4) سورة الأعراف، الآية: 204. (¬5) في س، ط: "فهلا". (¬6) في الأصل، س: "فلا تستمعه". والمثبت من: ط. ولعله المناسب. (¬7) سورة الأنفال، الآية: 2. (¬8) سورة الزمر، الآية: 18. (¬9) سورة المائدة، الآية: 83. (¬10) سورة الزمر، الآية: 23. (¬11) سورة الكهف، الآية: 57.

الوجه الثالث: ما يحذره المنازعون من آيات الصفات ما يزعم أن ظاهرها كفر وتجسيم

عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} , إلى قوله: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} (¬1). الوجه الثالث: إن أعظم ما يحذره المنازعون (¬2) من آيات الصفات ما يزعم (¬3) أن ظاهرها كفر وتجسيم، كقوله: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (¬4)، وقوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} (¬5)، وقوله (¬6): {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ} (¬7)، وقوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} (¬8)، وقال تعالى: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} (¬9)، وقوله (¬10) تعالى: {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ ¬

_ (¬1) سورة الإسراء، الآيات: 106، 109. (¬2) في س، ط: "المنازع". (¬3) يشير الشيخ -رحمه الله- إلى رأي الجهمية والمعتزلة وكثير من الفلاسفة والباطنية الذين يقولون: إن إثبات الصفات يوجب أن يكون الله جسمًا وليس بجسم، فلا تثبت له الصفات لأن المعقول من الصفات أعراض قائمة بجسم، لا تعقل صفته إلا كذلك. انظر: مجموع فتاوى الشيخ 17/ 299. (¬4) سورة الزمر، الآية: 67. (¬5) سورة المائدة، الآية: 64. (¬6) في س، ط: زيادة "تعالى". (¬7) سورة ص، الآية: 75. (¬8) سورة الرحمن، الآيتان: 26، 27. (¬9) سورة طه، الآية: 39. (¬10) في س، ط: "وقال".

وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} (¬1)، {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ} (¬2). . . الآية، فهل سمع أن أحدًا ممن يؤمن بالله ورسوله منع أن يقرأ هذه وتتلى على العامة؟ وهل ذلك إلَّا بمنزلة من منع من سائر الآيات التي يزعم أن ظاهرها كفر وتجسيم وخبر يخالف رأيه؟ كقوله: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} (¬3) وقوله: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} (¬4)، وقوله: {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} (¬5)، وقوله: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إلا بِمَا شَاءَ} (¬6)، وقوله تعالى: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} (¬7)، وقوله: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} (¬8)، وقوله: {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} (¬9)، وقوله: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} (¬10)، وكذلك آيات الوعد والوعيد، وأحاديث الوعد والوعيد، هل يترك تبليغها لمخالفتها لرأي الوعيدية (¬11)، ¬

_ (¬1) سورة مريم، الآية: 52. الواو: من قوله: "وقربناه" ساقطة من: ط. وهو خطأ. (¬2) سورة الأعراف، الآية: 22. (¬3) سورة الذاريات، الآية: 58. (¬4) سورة غافر، الآية: 7. (¬5) سورة النساء، الآية: 166. (¬6) سورة البقرة، الآية: 255. (¬7) سورة البروج، الآية: 16. (¬8) سورة السجدة، الآية: 13. (¬9) سورة الأعراف، الآية: 186. (¬10) سورة الأنعام، الآية: 125. (¬11) الوعيدية: كتب الفرق لم تذكر تعريفًا لها على أنها فرقة مستقلة لها آراؤها ومبادؤها، وإنما يطلق لفظ "الوعيدية" غالبًا على من قال بنفاذ وعبد الله ووعيده، ومن قال: إن مرتكب الكبيرة كافر، أو في منزلة بين المنزلتين هذا في الدنيا، أما في الآخرة فهو خالد مخلد في النار، ولا يخفى أن مثل هذا القول =

والمرجئة (¬1)، أو آيات التنزيه والتقديس كقوله: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (¬2)، وقوله: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} (¬3)، وقوله: {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ} إلى قوله: {إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} (¬4)، وقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (¬5)، وقوله: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا} (¬6)، ونحو ذلك، هل يترك تلاوتها وتبليغها لمخالفتها لرأي أهل التشبيه والتمثيل (¬7)؟! ¬

_ = الذي حمل لواءه الخوارج والمعتزلة باطل مخالف لنصوص الكتاب والسنة. راجع: أصول الدين -للبغدادي 242 - 243 (بتصرف)، والإرشاد- للجويني ص: 386. (¬1) المرجئة: طائفة من أهل الكلام. والإرجاء على معنيين: أحدهما: بمعنى التأخير؛ لأنهم يؤخرون الأعمال عن الإيمان. والثاني: إعطاء الرَّجاء، فهم يقولون: لا يضر مع الإيمان معصية، كما لا ينفع مع الكفر طاعة. وهم أربعة أصناف: المرجئة الخالصة، ومرجئة القدرية، ومرجئة الخوارج ومرجئة الجبرية. راجع: الفرق بين الفرق- للبغدادي ص: 202 وما بعدها، والتبصير في الدين - للإسفراييني ص: 97، والملل والنحل- للشهرستاني 1/ 139. (¬2) سورة الإخلاص، الآيتان: 3، 4. (¬3) سورة مريم، الآية: 65. (¬4) سورة الشعراء، الآيات: 94 - 98. (¬5) سورة الشورى، الآية: 11. (¬6) سورة البقرة، الآية: 22. (¬7) المشبهة صنفان: صنف شبهوا ذات الباري -سبحانه وتعالى- بذات غيره، وهم أصناف مختلفة. وصنف شبهوا صفاته -سبحانه وتعالى- بصفات المخلوقين، وهم أصناف -أيضًا- منهم الذين شبهوا كلام الله -عَزَّ وَجَلَّ - بكلام خلقه، فزعموا أن كلام =

الوجه الرابع: أن كتب الصحاح والسنن والمساند مشتملة على أحاديث الصفات، ولا يزال يحضر قراءتها ألوف مؤلفة قديما وحديثا من عوام المؤمنين

الوجه الرابع: إن كتب الصحاح والسنن والمسانيد هي المشتملة على أحاديث الصفات، بل قد بوب فيها أبواب، مثل كتاب التوحيد والرد على الزنادقة والجهمية، الذي هو آخر كتاب صحيح البخاري (¬1)، ومثل كتاب الرد على الجهمية في سنن أبي داود (¬2)، وكتاب النعوت في سنن ¬

_ = الله -سبحانه وتعالى- حروف وأصوات من جنس الأصوات والحروف المنسوبة للعباد، وقالوا بحدوث كلامه إلى غير ذلك مما يقتضي تشبيه الله بخلقه. وأول من أفرط في التشبيه "السبئية" من الروافض الذين قالوا بإلهية "علي" - رضي الله عنه -. راجع: الفرق بين الفرق -للبغدادي ص: 225 - 230، والتبصير في الدين - للإسفراييني ص: 119 - 221. (¬1) هو: محمَّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبة الجعفي مولاهم البخاري شيخ الإِسلام وإمام الحفاظ، أبو عبد الله. ولد سنة 194 وتوفي سنة 256 هـ، له تصانيف، منها: الصحيح الذي جمع فيه أحاديث صحيحة موثقة برواتها انتقاها من ستمائة ألف حديث، وكتابه هذا أوثق الكتب الستة المعول عليها، وشرحه عدد من العلماء كابن حجر والعيني، وغيرهما. وقد ختم هذا الصحيح بكتاب أسماه كتاب التوحيد 8/ 162 - 219، ويشتمل على 58 بابًا، رد فيه على الطوائف المنحرفة عن المنهج الصحيح كالجهمية والمعتزلة، وقد سلك فيه طريقًا واضحًا في الرد عليهم إذ اقتصر على ذكر النصوص من الكتاب والسنة التي فيها بيان بطلان مذهب هؤلاء كما ذكر فضيلة الشيخ عبد الله بن محمَّد الغنيمان في مقدمة شرحه لهذا الكتاب الذي صدر منه الجزء الأول عام 1405 هـ، نرجو من الله تعالى أن يعينه على إكماله. راجع: تذكرة الحفاظ -للذهبي- 2/ 555 - 557. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 9/ 47 - 55. وتاريخ بغداد -للبغدادي- 2/ 4 - 34. وتهذيب الأسماء واللغات -للنووي- 1/ 67 - 76. (¬2) هو: أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو الأزدي السجستاني، أحد حفاظ الحديث وعلمه وعلله، ولد سنة 202 وتوفي سنة =

النسائي (¬1)، فإن هذه مفردة لجميع (¬2) أحاديث الصفات، وكذلك قد تضمن (¬3) كتاب السنة من سنن ابن ماجه (¬4) ما تضمنه، وكذلك تضمن ¬

_ = 275 هـ، له تصانيف منها السنن جمع فيها 4800 حديث انتخبها من خمسمائة ألف حديث، وقد رد على الجهمية بأحاديث تنقض مذهبهم أوردها في باب أفرده لذلك ضمن "كتاب السنة" في آخر سننه وقد شرح هذه السنن واختصرها وهذبها عدد من العلماء كالخطابي والمنذري وابن القيم وغيرهم. انظر: تاريخ التراث العربي لفؤاد سزكين - علوم القرآن والحديث 1/ 1 / 290، 292. راجع: تذكرة الحفاظ -للذهبي- 2/ 591 - 593. وتاريخ بغداد -للبغدادي- 9/ 55 - 59. ووفيات الأعيان -لابن خلكان- 2/ 404، 405. التهذيب -لابن عساكر- 6/ 246 - 248. (¬1) هو: أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر بن دينار أبو عبد الرحمن النسائي ولد سنة 215، وتوفي سنة 303 هـ، له تصانيف منها كتاب السنن الكبرى وكتاب النعوت، الذي أشار إليه الشيخ -رحمه الله- ضمن هذه السنن ويشتمل على 56 بابًا في أسماء الله وصفاته، وكتاب السنن -مخطوط- يحقق في قسم السنة وعلومها بكلية أصول الدين. انظر: الكشاف عن أبواب مراجع تحفة الأشراف ص: 399، 400. وتاريخ التراث العربي لفؤاد سزكين، علوم القرآن والحديث 1/ 1 / 327 - 330. للاطلاع على معلومات حول هذا الكتاب وكيفية تأليفه ونسخه وشرحه. وتاريخ الأدب العربي -لبروكلمان 3/ 196، 197. راجع: تذكرة الحفاظ -للذهبي- 2/ 698 - 701. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 1/ 36 - 39. (¬2) في س، ط: لجمع. (¬3) في الأصل: تضمنت. والمثبت من: س، ط. (¬4) هو: أبو عبد الله محمَّد بن يزيد القزويني بن ماجه الربعي، الحافظ الكبير صاحب السنن والتفسير والتاريخ. ولد سنة 209 وتوفي سنة 273 هـ. وجملة ما في السنن أربعة آلاف حديث، وكتاب "السنة" المشار إليه في أولها وقد سمي بالنسبة للمطبوعة بالمقدمة، رد فيه على بعض الطوائف =

صحيح مسلم (¬1)، وجامع الترمذي (¬2)، وموطأ ¬

_ = كالخوارج والجهمية انظر: بعض أحاديث الصفات الواردة في المقدمة من سنن ابن ماجه -باب فيما أنكرت الجهمية 1/ 63 - 73 الأحاديث 177، 185، 189، 194، 195، 198، 200. وقد شرحت السنن عدة شروح استوفاها فؤاد سزكين في كتابه تاريخ التراث العربي علوم القرآن والحديث 1/ 1 / 286 - 288. وراجع: تذكرة الحفاظ -للذهبي- 2/ 636، 637. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 9/ 530 - 532. وشذرات الذهب -لابن العماد- 2/ 164. والأعلام -للزركلي- 8/ 15. (¬1) هو: أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري، أحد الأئمة ومن حفاظ الحديث رحل في طلبه إلى الأمصار. ولد سنة 202 وتوفي سنة 261 واشتهر -رحمه الله- بكتابه "الجامع الصحيح" وقد ضمنه أحاديث في الصفات. انظر مثلًا: كتاب الإيمان -باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم -سبحانه- 1/ 163: الأحاديث 296 - 298، باب معرفة طريق الرؤية 1/ 163 - 171 الأحاديث: 299 - 303. وكتاب الإمارة- باب بيان الرجلين يقتل أحدهما الآخر 3/ 1504، 1505، الحديثان 128، 129. وصحيح مسلم شرحه أكثر من إمام واختصره آخرون كالقاضي عياض والنووي والمنذري وغيرهم. وانظر عن صحيح مسلم وشروحه: تاريخ الأدب العربي لبروكلمان 3/ 179 - 185. وتاريخ التراث العربي لسزكين 1/ 1 / 263 - 276. وللترجمة راجع: تاريخ بغداد - للبغدادي 13/ 100 - 104. ووفيات الأعيان -لابن خلكان 5/ 194 - 195. وتذكرة الحفاظ - للذهبي 2/ 588 - 590. وطبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى 1/ 337 - 339. (¬2) هو: أبو عيسى محمَّد بن عيسى بن سورة بن موسى السلمي الترمذي، من أهل ترمذ على نهر جيحون، وهو من أئمة علماء الحديث وحفاظه. ولد سنة 209 وتوفي سنة 279 هـ. من مؤلفاته "الجامع الصحيح" ضمنه -رحمه الله- أحاديث في الصفات ترد على الجهمية والمعتزلة. انظر مثلًا: أبواب الصلاة - باب ما جاء في نزول الرب =

مالك (¬1)، ومسند الشافعي (¬2)، ومسند أحمد بن. . . . . . . . . . . ¬

_ = -عَزَّ وَجَلَّ- إلى السماء الدنيا كل ليلة. الحديث رقم 446، كتاب الدعوات الباب رقم 79، الحديث رقم 3498. وهذا الجامع شرح واختصر من قبل عدد من العلماء كابن العربي والسيوطي وغيرهما. يقول فؤاد سزكين في تاريخ التراث العربي - علوم القرآن والحديث 1/ 1 / 299: ". . . محمد من كتب الأصول المعتمدة، وقد امتاز في المقام الأول بملاحظاته النقدية حول الأسانيد. . . " راجع: تاريخ التراث العربي لسزكين 1/ 1 / 302 - 303. وانظر: تاريخ الأدب العربي -لبروكلمان- 3/ 189 - 192. راجع للترجمة: وفيات الأعيان -لابن خلكان- 4/ 278. وتذكرة الحفاظ -للذهبي- 2/ 633، 635. والوافي بالوفيات -للصفدي- 4/ 294 - 296. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 9/ 387 - 389. والأعلام -للزركلي- 7/ 213. (¬1) هو: أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي، أحد أعلام الإِسلام وإمام دار الهجرة، وأحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة، وإليه تنسب المالكية. ولد سنة 93 وتوفي سنة 179 هـ. من مؤلفاته "الموطأ" اختصره -رحمه الله- مرارًا، ويضم إلى جانب الحديث والفقه فتاوى العلماء الثقات كما أنه لم يخل من الأحاديث في الصفات التي تنقض رأي الجهمية والمعتزلة. انظر مثلًا: الموطأ -كتاب القرآن- باب ما جاء في الدعاء الحديث رقم 30، 31. وكتاب الجهاد -باب الشهداء في سبيل الله- الحديث 28، وغير ذلك. وكتاب الموطأ اهتم فيه العلماء بالدراسة والشرح. للاطلاع على ذلك: ينظر: تاريخ الأدب العربي - لبروكلمان 3/ 275 - 280. وتاريخ التراث العربي -لسزكين- 1/ 3 / 130 - 142. ويراجع للترجمة: وفيات الأعيان -لابن خلكان- 4/ 135 - 139. وتذكرة الحفاظ -للذهبي- 207 - 213. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 10/ 5 - 9. وشذرات الذهب -لابن العماد- 1/ 289 - 292. والأعلام -للزركلي- 6/ 128. (¬2) هو: الإِمام أبو عبد الله محمَّد بن إدريس بن العباس الشافعي، أحد الأئمة =

حنبل (¬1)، ومسند موسى أبي قرة الزبيدي (¬2)، ومسند أبي داود ¬

_ = الأربعة، وإليه ينسب المذهب الشافعي، ولد سنة 150، وتوفي سنة 204، له مؤلفات كثيرة منها: "الأم"، وله في الحديث "المسند" وقد ضمنه -رحمه الله- أحاديث في الصفات. انظر مثلًا: المسند ص: 71، 234. وقد طبع المسند عدة طبعات وشرح عدة شروحات للسيوطي وغيره. يقول فؤاد سزكين في "تاريخ التراث العربي" 1/ 3 / 187: "يضم الأحاديث التي جمعها أبو العباس محمَّد بن يعقوب الأصم من مؤلفات مختلفة للشافعي". ولمزيد من التفصيل عن هذا الكتاب يراجع: المصدر السابق 1/ 3 / 187، 188. وتاريخ الأدب العربي -لبروكلمان- 3/ 296، 297. وكشف الظنون -لحاجي خليفة- 2/ 1683. راجع للترجمة: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 3/ 2 / 201 - 204. وتاريخ بغداد -للبغدادي- 2/ 56 - 73. ووفيات الأعيان -لابن خلكان- 4/ 163 - 169. والأعلام -للزركلي- 6/ 249، 250. (¬1) هو: أبو عبد الله أحمد بن حنبل بن هلال، أصله من بني شيبان، إمام المحدثين والمناضل عن السنة، والصابر في المحنة، أحد الأئمة الأربعة، وإليه ينسب المذهب الحنبلي. ولد سنة 164 وتوفي سنة 241 هـ. له تصانيف منها: "المسند- ط" يحتوي على ثلاثين ألف حديث، وقد ضمنه -رحمه الله- أحاديث الصفات. راجع مثلًا: 2/ 269، 705، 3/ 13، 16، 4/ 13. ولمزيد من المعلومات عن "المسند" وشروحه ومختصراته وأماكن وجوده يراجع: تاريخ التراث العربي -لفؤاد سزكين- 1/ 3 / 218 - 222. وكشف الظنون لحاجي خليفة- 2/ 1680. وللترجمة: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم 1/ 292. وحلية الأولياء -لأبي نعيم- 9/ 161. وتاريخ بغداد -للبغدادي- 4/ 412. ووفيات الأعيان -لابن خلكان- 1/ 63. وطبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى 1/ 4. وتذكرة الحفاظ -للذهبي- 2/ 431. (¬2) ورد في جميع النسخ "ابن قرة" ولم أجده بهذا الاسم فيما وقع تحت يدي من =

الطيالسي (¬1)، ومسند ابن وهب (¬2)، ومسند أحمد بن ¬

_ = مراجع، ولعل الصواب ما أثبته. هو: أبو قرة موسى بن طارق الزبيدي، المحدث الإِمام الحجة قاضي زبيد، عالم بالسنن والآثار. توفي سنة 203 هـ. يقول ابن حجر -رحمه الله- صنف كتاب السنن على الأبواب في مجلد رأيته ولعله المسند الذي أشار إليه الشيخ -رحمه الله-. ولم يرد ذكره في تاريخ الأدب العربي لبروكلمان، ولا في تاريخ التراث العربي لسزكين. راجع: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 4/ 1 / 148. وميزان الاعتدال -للذهبي- 4/ 207. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 10/ 349، 350. وخلاصة تهذيب الكمال -لصفي الدين أحمد الأنصاري- ص: 391. ومعجم المؤلفين -لكحالة- 13/ 40. والأعلام -للزركلي- 8/ 273. (¬1) هو سليمان بن داود بن الجارود الطيالسي، فارسي الأصل، ومن كبار حفاظ الحديث، ولد في البصرة سنة 133، وتوفيها سنة 204 هـ. له "المسند" جمع بعض الحفاظ الخراسانيين -وهو يحقق في قسم السنة وعلومها بكلية أصول الدين بالرياض للحصول به على درجات علمية ولم يكتمل بعد. وقد ضمنه -رحمه الله- بعض أحاديث الصفات. انظر مثلًا: ص: 34، الحديث 252 ص: 63، الحديث 467 ص: 66، الحديث 490 ص: 67، الحديث 491 ص: 147، الأحاديث 1092، 1093، 1094، ص: 295، الحديث 2232. راجع: الطبقات الكبرى -لابن سعد- 7/ 298. الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 2/ 1 / 111 - 113. وتاريخ بغداد -للبغدادي- 9/ 24 - 29. وتذكرة الحفاظ -للذهبي- 1/ 351، 352. وكشف الظنون -لحاجي خليفة- 2/ 1679. وتاريخ الأدب العربي -لبروكلمان- 3/ 155، 156. وتاريخ التراث العربي -لسزكين- 1/ 1 / 182. (¬2) هو: أبو محمَّد عبد الله بن وهب بن مسلم الفهري بالولاء المصري، جمع الفقه =

منيع (¬1)، ومسند مسدد (¬2)، ومسند إسحاق بن ¬

_ = والحديث، وهو من أصحاب الإِمام مالك. ولد سنة 125 هـ وتوفي سنة 197 هـ. له مؤلفات منها: "الجامع في الحديث"- طبع سنة 1942 م بالقاهرة يقول فؤاد سزكين: "ويوجد بعنوان "مسند" في الظاهرية مجموع 40 (من 106 أ- 171 ب. في القرن الخامس الهجري) ". راجع: وفيات الأعيان -لابن خلكان- 3/ 36، 37. وتذكرة الحافظ -للذهبي- 2/ 304. وميزان الاعتدال -للذهبي- 2/ 521. وشذرات الذهب -لابن العماد- 1/ 347، 348. والأعلام للزركلي- 4/ 289. ومعجم المؤلفين -لكحالة- 6/ 162. وتاريخ الأدب العربي -لبروكلمان- 3/ 155. وتاريخ التراث العربي -لسزكين- الفقه 1/ 3 / 144. (¬1) هو: أبو جعفر أحمد بن منيع بن عبد الرحمن البغوي ثم البغدادي الأصم الحافظ الحجة صاحب المسند، ولد سنة 160 وتوفي سنة 244 هـ -رحمه الله-. لم أقف على هذا المسند، وقد طبعت زوائده ضمن المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية لابن حجر، ومن أحاديث الصفات فيه 3/ 100 الحديث 2993. ولم يذكره بروكلمان ولا سزكين في كتابيهما تاريخ الأدب العربي وتاريخ التراث العربي. راجع: تذكرة الحفاظ- 2/ 481. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 1/ 84. وشذرات الذهب -لابن العماد- 20/ 105. وكشف الظنون -لحاجي خليفة- 2/ 1685. والرسالة المستطرفة -للكتاني- ص: 49. والأعلام -للزركلي- 1/ 245. ومعجم المؤلفين -لكحالة- 2/ 184. (¬2) هو: أبو الحسن مسدد بن مسرهد بن مسربل الأسدي البصري المحدث الحافظ، يقال: إنه أول من صنف المسند بالبصرة. توفي سنة 228 هـ.

راهوية (¬1)، ومسند محمَّد بن أبي عمر ¬

_ = وذكر الكتاني في الرسالة المستطرفة ص: 47: "أنه في مجلد لطيف، وله آخر قدره ثلاث مرات، وفيه كثير من الموقوف والمقطوع". ولم يذكره بروكلمان ولا سزكين، ولم أقف عليه، وذكر الحافظ ابن حجر في مقدمة المطالب العالية- 1/ 4 - أنه وقف عليه كاملًا فأودع زوائده على الكتب الستة في الكتاب المذكور، وقد روى البخاري -رحمه الله- في صحيحه من طريقه أحاديث في الصفات - انظر مثلًا: صحيح البخاري 8/ 174 كتاب التوحيد - باب قوله تعالى (لما خلقت بيدي). راجع: طبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 1/ 341 - 345. وتذكرة الحفاظ -للذهبي- 2/ 421، 423. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 1/ 107 - 109. وكشف الظنون -لحاجي خليفة- 2/ 1684. والأعلام -للزركلي- 8/ 108. ومعجم المؤلفين -لكحالة- 12/ 224. (¬1) هو: أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي المروزي، المعروف بابن راهوية أحد أئمة الإِسلام، وعلم من أعلام الدين، ولد سنة 161 أو توفي سنة 238 هـ، له "المسند" مخطوط، قال ابن حجر في مقدمة المطالب العالية 1/ 4: "وقع لي عدة من المسانيد غير مكملة كمسند إسحاق بن راهوية ووقفت منه على قدر النصف فتتبعت ما فيه". ومما أورده من هذا القدر في المطالب في أحاديث الصفات 3/ 99 الحديث 2990، 2991. يقول بروكلمان في تاريخ الأدب العربي 3/ 157: "يوجد الجزء الرابع من مسنده في القاهرة، وهو معد للطبع في حيدر آباد". وذكر الكتاني في الرسالة المستطرفة ص: 49، أنه: "أملى المسند والتفسير من حفظه وما كان يحدث إلَّا من حفظه، وكان يحفظ سبعين ألف حديث عن ظهر قلب ومسنده هذا في ست مجلدات". راجع: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 2/ 209. وحلية الأولياء -لأبي نعيم- 9/ 234 - 238. وتاريخ بغداد -للبغدادي- 6/ 345 - 355. وطبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 1/ 109. ووفيات الأعيان لابن خلكان 1/ 199، وكشف الظنون لحاجي خليفة 2/ 1678.

العدني (¬1)، ومسند أبي بكر بن أبي شيبة (¬2)، ومسند بقي (¬3) بن ¬

_ = وتاريخ الأدب العربي -لبروكلمان- 3/ 157. وتاريخ التراث العربي -لسزكين- 1/ 1 / 209. (¬1) في جميع النسخ: العديني، ولم أجده بهذا الاسم، ولعله أبو عبد الله محمَّد بن يحيى بن أبي عمر العدني، المحدث الحافظ قاضي عدن. توفي سنة 243 هـ. من آثاره "المسند" الذي لم أقف عليه، وذكر ابن حجر في مقدمة المطالب العالية 1/ 4، أنه من المسانيد التي وقف عليها كاملة، وقد ضمن زوائده الكتاب المذكور. راجع: تذكرة الحفاظ -للذهبي- 2/ 501. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 9/ 518 - 520. والأعلام -للزركلي- 8/ 3. وكشف الظنون -لحاجي خليفة- 2/ 1678. والرسالة المستطرفة -للكتاني- ص: 50. ومعجم المؤلفين -لكحالة- 12/ 107. ولم يذكره سزكين ضمن آثاره. (¬2) هو: أبو بكر عبد الله بن محمَّد بن إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي المعروف بابن أبي شيبة، ولد سنة 159 وتوفي سنة 235. من مؤلفاته "المسند- ط". وقد ضمنه -رحمه الله- أحاديث في الصفات- انظر: المصنف 10/ 209 كتاب الدعاء -باب من كان يقول: يا مقلب القلوب- الأحاديث: 9245 - 9248، و 13/ 180 - كتاب ذكر رحمة الله- ما ذكر في سعة رحمة الله - الأحاديث 16046، 16051، 16052. راجع: الطبقات الكبرى -لابن سعد- 6/ 413. والجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 2/ 160. وتاريخ بغداد -للبغدادي- 10/ 66. وتذكرة الحفاظ -للذهبي- 2/ 432. وكشف الظنون -لحاجي خليفة- 2/ 1678. والأعلام -للزركلي- 4/ 260. وتاريخ التراث العربي -لسزكين- 1/ 1 / 206. علوم القرآن والحديث. (¬3) في س: يقي. وهو خطأ.

مخلد (¬1)، ومسند الحميدي (¬2)، ومسند الدارمي (¬3)، ومسند ¬

_ (¬1) هو: أبو عبد الرحمن بقي بن مخلد بن يزيد الأندلسي القرطبي الحافظ المفسر أحد الأئمة الأعلام. ولد سنة 201، وتوفي سنة 276 هـ. صنف "المسند" ورتب الأحاديث فيه على أسماء الصحابة، ثم رتب حديث كل صاحب على أسماء الفقه في أبواب الأحكام. وهو كتاب مفقود. انظر: تاريخ الأدب العربي -لبروكلمان- 3/ 201، 202. وتاريخ التراث العربي -لسزكين- علوم القرآن والحديث 1/ 1 / 296. وقد ذكر أن في الإصابة -لابن حجر- مقتبسات منه. راجع: التهذيب -لابن عساكر- 3/ 277. وطبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 1/ 120. وتذكرة الحفاظ -للذهبي- 2/ 629. وشذرات الذهب -لابن العماد- 2/ 169. وكشف الظنون -لحاجي خليفة- 2/ 1679. والأعلام -للزركلي- 2/ 33. ومعجم المؤلفين -لكحالة- 3/ 53. (¬2) هو: أبو بكر عبد الله بن الزبير بن عيسى، الحميدي الأسدي، أحد الأئمة في الحديث، وهو شيخ البخاري. توفي سنة 219 هـ، من آثاره "المسند" وقد طبع الكتاب بتحقيق الأستاذ: حبيب الرحمن الأعظمي، وقد ضمن الحميدي -رحمه الله- مسنده أحاديث في الصفات، انظر مثلًا: 1/ 62 الحديث 113، 2/ 350، الحديث 799، ص: 478، الحديث 1126، ص: 496، الحديث 1178. راجع: الطبقات الكبرى -لابن سعد- 5/ 205. والجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 2/ 2 / 56. وتذكرة الحفاظ -للذهبي- 2/ 413، 414. وكشف الظنون -لحاجي خليفة- 2/ 1682. والأعلام -للزركلي- 4/ 219. وتاريخ التراث العربي -لسزكين- علوم القرآن والحديث 1/ 1 / 190. (¬3) هو: أبو محمَّد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام التميمي الدارمي السمرقندي، من حفاظ الحديث، ولد سنة 181، وتوفي سنة 255 هـ، له المسند في الحديث، ذكره الخطيب البغدادي، وابن الصلاح، والذهبي وابن =

عبد بن حميد (¬1)، ومسند أبي يعلى. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = حجر، وغيرهم، وقد انتقده ابن الصلاح في عده له من المسانيد لأنه مرتب على الأبواب. وقد رجح محقق سنن الدارمي، السيد عبد الله هاشم، أن تسميتها بالسنن أولى من تسميتها بالمسند، فقال: ". . . واشتهرت عندهم -أي حفاظ المحدثين- بالمسند خلافًا لما اصطلحوا عليه من أن المسند يكون مرتبًا على أسماء الصحابة كما فعل الإِمام أحمد في مسنده" وهذه السنن مرتبة على أبواب الفقه، فتسميتها بالسنن أولى من تسميتها بالمسند، وتسميتها بالمسند فيه تجوز، وحقيق بأن تسمى بالسنن كما فعل غيرنا، وفعلناه أيضًا". قال السيوطي: ومسند الدارمي ليس بمسند، بل هو مرتب على أبواب الفقه وبعض المحدثين سموه بالصحيح. ا. هـ. قال السخاوي: "ويحتمل على بعد أن يكون -أي: ابن الصلاح- أراد مسنده الذي ذكره الخطيب في تصانيفه "فتح المغيث" 1/ 86. أقول: وهذا الاحتمال -مع بعده- لا يتأتى إلَّا إذا كان الخطيب ذكر له المسند والسنن في حين أنه لم يذكر له إلّا المسند. وقد ضمن -رحمه الله- سننه أحاديث في الصفات، انظر: سنن الدارمي 1/ 286 كتاب الصلاة، -باب ينزل الله إلى السماء الدنيا، - الأحاديث 1486، 1493، 2/ 233، -كتاب الرقاق، - باب في شأن الساعة ونزول الرب، - الحديث 2802، 2803، باب هل نرى الله تعالى، - الحديث 2804. راجع: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 2/ 2 / 99. وتاريخ بغداد -للبغدادي- 10/ 29 - 32. وعلوم الحديث -لابن الصلاح- ص: 34. وتذكرة الحفاظ -للذهبي- 2/ 534. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 5/ 294 - 299. وشذرات الذهب -لابن العماد- 2/ 130. والأعلام -للزركلي- 4/ 230. وتاريخ الأدب العربي -لبروكلمان- 3/ 199. وتاريخ التراث العربي -لسزكين- 1/ 1 / 219 - 220. (¬1) هو: أبو محمَّد عبد بن حميد بن نصر الكَسيِّ نسبة إلى كس مدينة قرب سمرقند، روى عنه البخاري ومسلم وغيرهما، توفي سنة 249 هـ. من كتبه =

الموصلي (¬1)، ومسند الحسن بن. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = "المسند الكبير" يقول فؤاد سزكين: من المرجح أنه وصلت إلينا منه مختارات في مخطوطات. ذكرها في كتابه: تاريخ التراث العربي- علوم القرآن والحديث 1/ 1 / 216. ولم أقف على المسند، وما وقفت عليه "المنتخب من مسند عبد بن حميد" الذي حققه فضيلة الشيخ: سالم بن عبد الله الدخيل للحصول على درجة الدكتوراه من قسم السنة وعلومها بكلية أصول الدين بالرياض. وقد ضمنه -ابن حميد -رحمه الله- أحاديث في الصفات، انظر: المنتخب 1/ 217، الحديث 184، ص: 346، الحديث 348، ص: 562، الحديث 561، 2/ 920، الحديث 909، ص: 937، الحديث 926، ص: 959، الحديث 947. راجع: تذكرة الحفاظ -للذهبي- 2/ 534. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 6/ 455، 457. وكشف الظنون -لحاجي خليفة- 2/ 1679. والأعلام -للزركلي- 4/ 41. ومعجم المؤلفين -لكحالة- 5/ 66. وتاريخ الأدب العربي -لبروكلمان- 3/ 157، 158. (¬1) هو: أحمد بن علي بن المثنى بن يحيى التميمي الموصلي، من علماء الحديث، وأحد الثقات، توفي سنة 307 هـ. له المسند. قال فيه إسماعيل بن محمَّد بن الفضل التميمي الحافظ، كما نقل ذلك الكتاني في الرسالة المستطرفة ص: 54: "قرأت المسانيد كمسند العدلي، ومسند ابن منيع، وهي كالأنهار، ومسند أبي يعلى كالبحر فيكون مجمع النهار". طبع منه مجموعة من الأجزاء بتحقيق حسين سليم أسد، وهو يحقق في قسم السنة وعلومها بكلية أصول الدين بالرياض تحقيقًا علميًّا للحصول به على درجات علمية من قبل مجموعة من الأخوة الأفاضل، ولم يكتمل بعد. وقد ضمنه الموصلي -يرحمه الله- أحاديث في الصفات، انظر مثلًا: 1/ 209، الحديث 243، 2/ 285، الحديث 1004، 1006. وللاطلاع على نسخة المخطوطة وأماكن وجودها يراجع: تاريخ الأدب العربي -لبروكلمان- 3/ 160. وتاريخ التراث العربي -لسزكين- علوم القرآن والحديث- 1/ 1 / 335.

سفيان (¬1)، ومسند أبي بكر البزار (¬2)، ومعجم ¬

_ = وللترجمة يراجع: تذكرة الحفاظ -للذهبي- 2/ 707 - 709. والوافي بالوفيات -للصفدي- 7/ 241. وكشف الظنون -لحاجي خليفة- 2/ 1679. وشذرات الذهب -لابن العماد- 2/ 250. والأعلام -للزركلي- 1/ 164. (¬1) هو: أبو العباس الحسن بن سفيان بن عامر بن عبد العزيز الشيباني النسوي -نسبة إلى نسا مدينة بخراسان -محدث حافظ- ولد سنة 213، وتوفي سنة 303 هـ، له "المسند" في الحديث، وذكر سزكين أن ابن حجر اقتبس منه في "الإصابة" في عدة صفحات ذكرها في كتابه تاريخ التراث العربي. علوم القرآن والحديث 1/ 1 / 332، ولم يذكر شيئًا عن الكتاب سوى ذلك، علمًا أن ابن حجر ذكر في كتابه: "المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية 1/ 4: أنه وقف على قطع منه ولم يكتب منها شيئًا، ويا ليته فعل. راجع: تهذيب ابن عساكر 4/ 181 - 185. وتذكرة الحفاظ -للذهبي- 2/ 703 - 705. وشذرات الذهب -لابن العماد- 2/ 241. وكشف الظنون -لحاجي خليفة- 2/ 1682. والأعلام -للزركلي- 2/ 206. (¬2) هو: أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البصري البزار، أصله من البصرة، حافظ، من العلماء بالحديث، توفي في الرملة سنة 292 هـ، ألف المسند المسمى "البحر الزخار" كما في مقدمة كشف الأستار عن زوائد البزار للهيثمي 1/ 5، يقول بروكلمان: هذبه ابن حجر. والكتاب مخطوط حقق الجزء الأول منه الشيخ: محفوظ الرحمن زين الدين الهندي -أعانه الله على إتمامه. وقد ضمنه -رحمه الله- أحاديث في الصفات، انظر مثلًا: كشف الأستار 1/ 51، -كتاب الإيمان- باب حب قريش والأنصار والعرب- الحديث 65، 3/ 105 - كتاب علامات النبوة- باب ذكر نبي الله موسى- الحديث 2353، 3/ 67 - كتاب التفسير- سورة يس- الحديث 2253. وللاطلاع على نسخه وأماكنها يراجع: تاريخ الأدب العربي -لبروكلمان- 3/ 158، 159.

البغوي (¬1)، والطبراني (¬2)، وصحيح أبي حاتم بن ¬

_ = وتاريخ التراث العربي -لسزكين- علوم القرآن والحديث- 1/ 1 / 316. وراجع للترجمة: تاريخ بغداد- للبغدادي- 334 - 435. الفهرسة -لابن خير- ص: 138. تذكرة الحفاظ -للذهبي- 2/ 653، 654. لسان الميزان -لابن حجر- 1/ 237، 239. كشف الظنون -لحاجي خليفة- 2/ 1682. الأعلام -للزركلي- 1/ 182. (¬1) هو: أبو القاسم عبد الله بن محمَّد بن عبد العزيز البغوي، كان محدث العراق في عصره، سمع يحيى بن معين وأحمد بن حنبل وغيرهما. توفي سنة 317. له "معجم الصحابة" وهو برواية أبي القاسم عيسى بن الجراح الوزير، ويوجد مخطوطًا في الظاهرية بدمشق، ذكر ذلك فؤاد سزكين في كتابه: تاريخ التراث العربي -علوم القرآن والحديث- 1/ 1 / 345. وانظر: تاريخ الأدب العربي -لبروكلمان- 3/ 222. راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 10/ 111 - 117. وطبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 1/ 190 - 192، وقال فيه: "صنف المعجمين الكبير والصغير". وكشف الظنون -لحاجي خليفة- 2/ 1736. والأعلام -للزركلي- 4/ 263. ومعجم المؤلفين -لكحالة- 6/ 126. (¬2) هو: أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي الطبراني -نسبة إلى طبرية من كبار المحدثين، ولد بعكا سنة 269، وتوفي في أصفهان سنة 360 هـ. من تصانيفه "المعجم الكبير". يقول بروكلمان: "وهو مجموع يشتمل على أحاديث جميع الصحابة عدا أبي هريرة، مرتبة حسب الشيوخ، أما حديث أبي هريرة فقد أفرد له كتابًا خاصًّا". والكتاب تولت طبعه ونشره وزارة الأوقاف العراقية، وقد صدر منه -فيما أعلم- حتى الآن 20 جزءًا بتحقيق حمدي عبد المجيد السلفي أعانه الله على إتمامه. والمعجم الأوسط: في غرائب شيوخه، والكتاب يشتمل على 12000 حديث وقد صدر عن مكتبة المعارف بالرياض -وذلك في عشرة أجزاء بتحقيق الدكتور محمود الطحان.

حبان (¬1)، وصحيح. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = والمعجم الصغير: في أسماء شيوخه، طبع لأول مرة سنة 1311 هـ باهتمام محمَّد عبد المجيد في مطبعة الأنصار -دهلي- ثم توالت طباعته. وقد ضمن الحافظ الطبراني -رحمه الله- معاجمه أحاديث في الصفات، مثلًا: المعجم الكبير: 2/ 139 الحديث 1566، ص: 331 - 335، الأحاديث 2224 - 2237، 3/ 43، الحديث 2255. والمعجم الأوسط: 1/ 385، الحديث 671، ص: 433، الحديث 777، ص: 507، الحديث 935، ص: 528، الحديث 994، 2/ 285، الحديث 1500، ص: 307، الحديث 1535، ص: 335، الحديث 1582، ص: 514، الحديث 1884. والمعجم الصغير: 1/ 32، 235، 257 - 2/ 21، 53، 116. راجع: تاريخ الأدب العربي -لبروكلمان- 3/ 225. وما نقله فؤاد سزكين عن هذه المعاجم ومختصراتها ومخطوطاتها في كتابه. تاريخ التراث العربي -علوم القرآن والحديث- 1/ 1 / 393 - 395. راجع للترجمة: تهذيب ابن عساكر 6/ 242 - 244. وفيات الأعيان -لابن خلكان- 2/ 407. وميزان الاعتدال -للذهبي- 2/ 195. وشذرات الذهب -لابن العماد- 3/ 30. والأعلام للزركلي- 3/ 181. (¬1) هو: أبو حاتم محمَّد بن حبان بن أحمد بن حبان التميمي الحنظلي البستي أحد أوعية العلم، ومن مشاهير حفاظ الحديث في زمانه، ولد سنة 270 وتوفي سنة 354 هـ، صاحب التصانيف الكثيرة منها "الصحيح" في الحديث، وقد نقحه أبو الحسن علي بن بلبان الفارسي (ت 739) وكتب عليه تعليقات على ابن أبي بكر بن حجر الهيثمي (ت 805). وصحيح ابن حبان مطبوع ضمنه أحاديث في الصفات، راجع مثلًا: الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان لأبي الحسن علي بن بلبان 1/ 241 - 244 باب ما جاء في الصفات، الأحاديث 265 - 270، 8/ 128، الحديث 6430، ص: 129، الحديث 6431، ص: 134، الحديث 6442. راجع: تذكرة الحفاظ -للذهبي- 3/ 920 - 923. ولسان الميزان -لابن حجر- 5/ 112 - 115. وشذرات الذهب -لابن العماد- 3/ 16. وكشف الظنون -لحاجي خليفة- 2/ 1075. والأعلام للزركلي- 6/ 306. وتاريخ =

الحاكم (¬1)، وصحيح الإسماعيلي (¬2)، ¬

_ = الأدب العربي -لبروكلمان- 3/ 206. وتاريخ التراث العربي -لسزكين- علوم القرآن والحديث 1/ 1 / 380، 381. (¬1) هو: أبو عبد الله محمَّد بن عبد الله بن حمدوية بن نعيم المعروف بالحاكم النيسابوري، صاحب المكانة العالية في الحديث، وإمام أهل عصره فيه، ولد بنيسابور سنة 321 وتوفي فيها سنة 405 هـ، صنف كتبا كثيرة جدًّا منها: "الصحيح" في الحديث، وهو الكتاب المعروف بالمستدرك على الصحيحين والكتاب مطبوع سنة 1334 هـ بحيدر آباد، وقد ضمنه -رحمه الله- أحاديث في الصفات، انظر: 1/ 26 - كتاب الإيمان, 2/ 89 - كتاب الجهاد، 4/ 582 كتاب الأهوال. راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 5/ 473 - 474. ووفيات الأعيان -لابن خلكان- 4/ 280 - 281. وتذكرة الحفاظ -للذهبي- 3/ 1039 - 1045. ولسان الميزان -لابن حجر 5/ 232 - 233. والرسالة المستطرفة- للكتاني ص: 17. وتاريخ الأدب العربي -لبروكلمان- 3/ 215، 216. وتاريخ التراث العربي -لسزكين- علوم القرآن والحديث 1/ 1 / 454، 455. (¬2) هو: أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن العباس الإسماعيلي الجرجاني، أجمع معاصروه على أنه أحد كبار المحدثين في عصره، ولد سنة 277 وتوفي سنة 371. يقول ابن الجوزي -في المنتظم 7/ 108: "وكان للإسماعيلي علم وافر بالنقل وصنف كتابًا على صحيح البخاري". وقال ابن كثير -في البداية والنهاية 11/ 334: "صنف فأفاد وأجاد وأحسن الانتقاد والاعتقاد، صنف كتابًا على صحيح البخاري فيه فوائد كثيرة وعلوم غزيرة". ولم يذكر بركلمان ولا سزكين هذا الصحيح ضمن آثار الإسماعيلي، وما ذكراه "المعجم في الأسامي" الذي حققه الأخ: زياد محمَّد منصور، للحصول على درجة الدكتوراة من شعبة السنة بالجامعة الإِسلامية بالمدينة المنورة، وقد قال المحقق عن صحيح الإسماعيلي ص: 187 - القسم الخاص بالدراسة: "اختلف المصنفون في تسميته على أقوال: فمنهم من سماه -الصحيح- ومنهم من سماه -المستخرج على الصحيحين- ومنهم من سماه -الصحيح على شرط البخاري- ومنهم من سماه -المستخرج على الصحيح- إلّا أن أدق تسمية له وأصحها هي =

والبرقاني (¬1)، وأبي. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = "المستخرج على صحيح البخاري" وإليها ذهب بعض المصنفين منهم "السخاوي" وقيدها بقوله: "استخرج على البخاري فقط". ويقع هذا المستخرج في أربع مجلدات. . . ويتضمن أحد أجزائه تعاليق البخاري بإسناد عال". وقال في ص: 190: "أما الكلام على طبيعة "مستخرج الإسماعيلي" وتحليله، فإنه سوف يكون على حسب النصوص التي وفرها ابن حجر (ذكر المحقق أن ابن حجر أخذ من المستخرج للإسماعيلي 1754 نصًّا ودونها في فتح الباري) في فتح الباري لعلها تكشف عن بعض جوانب مادته العلمية وتنوعها". قال في التعليق رقم (1) من الصفحة السابقة: لأن أصل المستخرج مفقود. وعن الإسماعيلي ومصنفه تراجع -بالإضافة إلى ما سبق- المصادر التالية: تذكرة الحفاظ -للذهبي- 3/ 947 - 950. والوافي بالوفيات -للصفدي - 6/ 213. وكشف الظنون -لحاجي خليفة- 2/ 1735. - والأعلام للزركلي - 1/ 83. ومعجم المؤلفين -لكحالة- 1/ 135. وتاريخ الأدب العربي - لبروكلمان- 3/ 210. تاريخ التراث العربي -لسزكين- علوم القرآن والحديث 1/ 1 / 408. وبحوث في تاريخ السنة المشرفة -لأكرم ضياء العمري- ص: 254. (¬1) هو: أبو بكر أحمد بن محمَّد بن أحمد بن غالب الخوارزمي الشافعي البرقاني نسبة إلى برقان قرية بخوارزم، شيخ بغداد، ولد سنة 336 وتوفي سنة 425 هـ. من مؤلفاته "المسند" يتضمن ما اشتمل عليه صحيح البخاري ومسلم- مخطوط. انظر: تاريخ الأدب العربي -لبروكلمان- 3/ 161. وتاريخ التراث العربي -لسزكين- علوم القرآن والحديث 1/ 1 / 474. وبحوث في تاريخ السنة المشرفة - د. أكرم ضياء العمري ص: 254. والظاهر أن الصحيح الذي ذكره الشيخ -رحمه الله- هو المستخرج على الصحيحين الذي ذكره ابن الصلاح في كتابه علوم الحديث ص: 17، والذهبي في تذكرة الحفاظ 3/ 1574، والكتاني في الرسالة المستطرفة ص: 24، وهو مشتمل على زيادات كثيرة في تضانيف متون الحديث. راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 4/ 373 - 376. وشذرات الذهب -لابن العماد- 3/ 228. وكشف الظنون -لحاجي خليفة- 2/ 1682. والأعلام =

نعيم (¬1)، والجوزقي (¬2)، وغير ذلك من المصنفات الأمهات التي لا يحصيها إلا الله، دع ما قبل ذلك من مصنفات حماد بن سلمة (¬3)، ¬

_ = -للزركلي- 1/ 205. ومعجم المؤلفين -لكحالة- 2/ 74. (¬1) هو: أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الأصبهاني، ولد سنة 336 وتوفي سنة 430 هـ، حافظ مؤرخ له تصانيف منها "المستخرج على الصحيحين". راجع: تذكرة الحفاظ -للذهبي- 3/ 1092 - 1098. ولسان الميزان -لابن حجر- 1/ 201. والرسالة المستطرفة -للكتاني- ص: 23. والأعلام للزركلي - 1/ 150. ومعجم المؤلفين -لكحالة- 1/ 282. (¬2) في الأصل: الجوذقي. وهو خطأ، والمثبت من س، ط. هو: أبو بكر محمَّد بن عبد الله بن محمَّد بن زكريا الشيباني الجوزقي نسبة إلى قرية جوزق من قرى نيسابور، ولد سنة 306 وتوفي سنة 388 هـ، من مؤلفاته "الصحيح" المخرج على صحيح مسلم، اختصره الحافظ أبو عوانة يعقوب بن إسحاق. راجع: تذكرة الحفاظ -للذهبي- 3/ 1013. والوافي بالوفيات -للصفدي - 3/ 316. وشذرات الذهب -لابن العماد- 3/ 129، 130. وكشف الظنون -لحاجي خليفة- 2/ 1685. والرسالة المستطرفة -للكتاني- ص: 22. والأعلام للزركلي- 7/ 99. ومعجم المؤلفين -لكحالة- 10/ 240. وتاريخ التراث العربي -لسزكين- علوم القرآن والحديث 1/ 1 / 429، ولم يذكر له من المصنفات سوى "الجمع بين الصحيحين"- مخطوط. (¬3) هو: أبو سلمة حماد بن سلمة بن دينار البصري البزاز البطائني، الحافظ المحدث النحوي مفتي البصرة، نقل الذهبي أن ابن المبارك قال: "ما رأيت أحدًا كان أشبه بمسالك الأول من حماد". له تصانيف منها السنن، وسوف يذكر الشيخ -رحمه الله- في ص: 159 أن له كتاب "الصفات". توفي سنة 167 هـ. عن حماد ومصنفاته يراجع: ميزان الاعتدال- للذهبي 1/ 590 - 595. وتهذيب التهذيب لابن حجر 3/ 11 - 16. والفهرست لابن النديم ص: 317. وهدية العارفين للبغدادي 1/ 334. والأعلام -للزركلي- 2/ 302. ومعجم المؤلفين -لكحالة- 4/ 72.

وعبد الله بن المبارك (¬1)، وجامع الثوري (¬2)، وجامع ابن عيينة (¬3)، ومصنفات. . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) هو: أبو عبد الرحمن عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي التميمي مولاهم - المروزي، أحد كبار المحدثين، ولد سنة 118، وتوفي في "هيت" على نهر الفرات سنة 181 هـ، من مؤلفاته "كتاب الزهد والرقائق" و"المسند" و"البر والصلة" وغيرها. راجع: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- التقدمة- 1/ 262 - 281. وتاريخ بغداد -للبغدادي- 10/ 152 - 169. وتذكرة الحفاظ -للذهبي- 1/ 274 - 282. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 5/ 382 - 387. وتاريخ التراث العربي -لسزكين- علوم القرآن والحديث 1/ 1 / 175. (¬2) هو: أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، كان إمامًا في علم الحديث وغيره، ويعد أول من رتب الأحاديث ترتيبًا موضوعيًّا في الكوفة، توفي سنة 161 هـ، له مصنفات منها "الجامع" وهو كتاب مفقود. يقول بروكلمان -في تاريخ الأدب العربي 3/ 152: "وضاع كثير من مصنفات القدماء في المرحلة الأولى للتدوين، مثل كتاب "الجامع" لسفيان الثوري". راجع: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- التقدمة 1/ 55 - 126. والفهرسة -لابن خير- ص: 136، 137. ووفيات الأعيان -لابن خلكان- 2/ 386 - 391. والفهرست -لابن النديم- ص: 314، 315. والأعلام -للزركلي - 3/ 158. ومعجم المؤلفين -لكحالة- 4/ 234. وتاريخ التراث العربي -لسزكين- الفقه- 1/ 3 / 247، 248. وعلوم القرآن والحديث- 1/ 1 / 123. (¬3) هو: سفيان بن عيينة بن ميمون الهلالي أبو محمَّد، محدث الحرم، ولد في الكوفة سنة 107 ونشأ في مكة وتوفي فيها سنة 198 هـ، له "الجامع" في الحديث، ولم يذكره سزكين ضمن آثار ابن عيينة بهذا الاسم، بل الذي أورده ضمن آثاره "حديث" -وهو مخطوط بالظاهرية. انظر: تاريخ التراث العربي- علوم القرآن والحديث 1/ 1 / 178، 179. وراجع: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- المقدمة- 1/ 32 - 54. وتاريخ بغداد -للبغدادي- 9/ 174 - 184. وتذكرة الحفاظ -للذهبي- 1/ 262 - 265. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 4/ 117 - 122. والأعلام -للزركلي 3/ 159. ومعجم المؤلفين -لكحالة- 4/ 235.

وكيع (¬1)، وهشيم (¬2)، وعبد الرزاق (¬3)، وما لا يحصيه إلا الله، فهل امتنع الأئمة من قراءة هذه الأحاديث على عامة المؤمنين، أو منعوا من ذلك؟ أم ما زالت هذه الكتب يحضر (¬4) قراءتها ألوف مؤلفة من عوام المؤمنين قديمًا وحديثًا؟ وأيضًا فهذه الأحاديث، لما حدث بها الصحابة والتابعون ومن اتبعهم من المخالفين، هل كانوا يخفونها عن عموم المؤمنين ويتكاتمونها ويوصون بكتمانها؟ أم كانوا يحدثون بها كما كانوا يحدثون بسائر سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ وإن نقل عن بعضهم أنه امتنع من ¬

_ (¬1) هو: أبو سفيان وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي- نسبة إلى رؤاس بطن من قيس عيلان، أحد الأئمة الأعلام، ولد في الكوفة سنة 129 وتوفي بغيد راجعًا من الحج سنة 197 هـ. له كتب منها "تفسير القرآن" و"السنن" و"المعرفة" والتاريخ". راجع: الطبقات الكبرى -لابن سعد- 6/ 394. والجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- التقدمة 1/ 219 - 232. وطبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى - 1/ 391، 392. وميزان الاعتدال -للذهبي- 4/ 335، 336. والأعلام -للزركلي- 9/ 135. (¬2) هو: أبو معاوية هشيم بن بشير بن أبي حازم قاسم بن دينار السلمي، مفسر من ثقات المحدثين من آثاره "التفسير" و"السنن" في الفقه و"المغازي" ولد سنة 104 وتوفي سنة 183 هـ. راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 14/ 85 - 94. وتذكرة الحفاظ -للذهبي - 1/ 248، 249. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 11/ 59 - 63. وطبقات المفسرين- للداودي- 2/ 353، 354. والأعلام -للزركلي- 9/ 89. (¬3) هو: أبو بكر عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري من حفاظ الحديث الثقات، ولد سنة 126 وتوفي سنة 211 هـ، له تصانيف منها "المصنف" في الحديث، و"التفسير". راجع: الطبقات الكبرى -لابن سعد- 5/ 548. والجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 3/ 1 / 38، 39. ووفيات الأعيان -لابن خلكان- 3/ 216 - 217. وتذكرة الحفاظ -للذهبي- 1/ 364. (¬4) في الأصل: يحضرها. والمثبت من: س، ط. ولعله المناسب.

رواية بعضها في بعض الأوقات (¬1)، فإذا كما قد كان هذا يمتنع عن رواية بعض أحاديث الفقه (¬2) والأحكام، وبعض أحاديث القدر والأسماء والأحكام والوعيد، وغير ذلك في بعض الأوقات، ليس ذلك مخصوصًا عنده بهذا الباب، وهذا كان يفعله بعضهم ويخالفه فيه غيره، وذلك لأنه قد يرى أن روايتها تضر ببعض (¬3) الناس في بعض الأوقات، ويرى الآخر أن ذلك لا يضر بل ينفع، فكان هذا مما قد يتنازعون فيه في بعض الأوقات. فأما المنع من تبليغ عموم أحاديث الصفات لعموم الأمة، فإذا ليس (¬4) مما ذهب إليه من يؤمن باللهِ واليوم الآخر، وإنما هذا ونحوه رأي الخارجين المارقين من شريعة الإِسلام كالرافضة (¬5) والجهمية ¬

_ (¬1) كما أثر عن أبي هريرة - رضي الله عنه - وعن غيره من الصحابة، حينما امتنعوا عن ذكر بعض ما سمعوه مراعاة لمقتضى الحال في تبليغ ما أخذوه من النبي - صلى الله عليه وسلم -. روى البخاري في صحيحه 1/ 38 - كتاب العلم- باب حفظ العلم- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "حفظت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعاءين فأما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا الحلقوم". قال ابن حجر في فتح الباري 1/ 322: "دل الحديث على أنه لم يحدث بجميع محفوظه، ومع ذلك فالموجود من حديثه أكثر من الموجود من حديث غيره من المكثرين". وكما أثر عن بعضهم كذلك، أنه بقي محتفظا ببعض ما سمعه حتى ذكره قبل موته تأثمًا، وتحرجًا، أن يموت فتموت الحقيقة العلمية معه. روى مسلم في صحيحه 4/ 2105 - كتاب التوبة- باب سقوط الذنوب بالاستغفار والتوبة - الحديث 2748 " عن أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - أنه قال حين حضرته الوفاة: كنت كتمت عنكم شيئًا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول "لولا أنكم تذنبون لخلق الله خلقًا يذنبون يغفر لهم". (¬2) في س، ط: في الفقه. (¬3) في س، ط: بعض. (¬4) في س، ط: فإذا ما ذهب. (¬5) الرافضة: سموا بذلك لرفضهم إمامة أبي بكر وعمر. وقيل: لرفضهم زيد بن علي، حينما توجه لقتال هشام بن عبد الملك وأنكر على =

الوجه الخامس: إذا قدر في ذلك نزاع، فالرد فيه إلى كتاب الله وسنة رسوله

والحرورية (¬1)، ونحوهم، وهو عادة أهل الأهواء، ثم الأحاديث التي يتنازع العلماء في روايتها أو العمل بها، ليس لأحد المتنازعين أن يكره الآخر على قوله بغير حجة من الكتاب والسنة باتفاق المسلمين، لأن الله تعالى يقول: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (¬2). الوجه الخامس: أنه إذا قدر في ذلك نزاع، فقد قال الله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ ¬

_ = أصحابه الطعن في أبي بكر وعمر، فرفضوه بقولهم: إنا نرفضك. فسموا بذلك. وهم يقولون: بأن الإمامة ركن من أركان الدين منصوص عليها، والأئمة معصومون، وأكثر الصحابة ضلوا بتركهم الاقتداء بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى غير ذلك من الأقوال الفاسدة التي تولى الرد عليها علماء المسلمين وتصدوا للقائلين بها أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في كتابه "منهاج السنة النبوية" والشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتابه "الرد على الرافضة". راجع في شأنهم وتعداد فرقهم: مقالات الإسلاميين -للأشعري- 1/ 89. فما بعدها. الفرق بين الفرق -للبغدادي- ص: 21. البداية والنهاية -لابن كثير - 9/ 371. الرد على الرافضة لأبي حامد المقدسي / تحقيق عبد الوهاب خليل الرحمن ص: 65 - 72. (¬1) الحرورية: اسم يطلق على الخوارج نسبة إلى مكان يقال له: حروراء -قرب الكوفة- نزل به الخوارج عندما اعتزلوا من جيش علي - رضي الله عنه - وأبوا أن يساكنوه في بلده فسموا بذلك، وقد أرسل إليهم علي - رضي الله عنه - ابن عباس فناظرهم، فرجع أكثرهم وبقي بقيتهم، وزعيمهم يومئذ: عبد الله بن الكواء اليشكري، وشبث بن ربعي. راجع: الفرق بين الفرق -للبغدادي- تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ص: 72 - 73، ت: (2) ص: 72. والتبصير في الدين للأسفراييني -تحقيق كمال يوسف الحوت- ص: 46، والبداية والنهاية -لابن كثير- 7/ 304. (¬2) سورة النساء، الآية: 59.

فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (2)، فأمر الله الأمة عند النزاع (¬1) بالرد إليه وإلى رسوله، وقد وصف (¬2) المعرضين عن ذلك بالنفاق والكفر، فقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إلا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا}، إلى قوله: {بَلِيغًا} (¬3). فوصف سبحانه من دعي إلى الكتاب والسنة فأعرض عن ذلك بالنفاق وإن (¬4) زعم أنه يريد التوفيق بذلك بين الدلائل النقلية والعقلية (¬5)، أو نحو ذلك، وأنه يريد إحسان العلم أو العمل، وقال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} (¬6) الآية، وقال تعالى: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} (¬7) إلى قولهم (¬8): {وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا} (¬9). ¬

_ (¬1) في ط: التنازع. (¬2) في س، ط: ووصف. (¬3) سورة النساء، الآيات: 60 - 63. (¬4) في س: وإنه. (¬5) في س، ط: العقلية والنقلية. (¬6) سورة البقرة، الآية: 170. (¬7) في س: في النار يقولون. (¬8) في س، ط: إلى قوله. والضمير في "قولهم" يرجع إلى الذين تقلب وجوههم في النار في سياق دعائهم على من أضلهم. (¬9) سورة الأحزاب، الآيات: 66 - 68.

الوجه السادس: أن من أمر بكتم ما وصف الله به نفسه ووصفه به رسوله، فقد كتم ما أنزل الله من البينات والهدى

الوجه السادس: أن الله تعالى يقول في كتابه: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} (¬1) الآية (¬2) ويقول في كتابه: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إلا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (¬3)، وقال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ} (¬4) الآية، فمن أمر بكتم ما وصف الله به نفسه ووصفه به (¬5) رسوله فقد كتم ما أنزل الله من البينات والهدى من بعد ما بينه (¬6) للناس في الكتاب، وهذا مما ذم الله به علماء اليهود، وهو من صفات الزائغين (¬7) من المنتسبين إلى العلم من هذه الأمة، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من سئل عن علم يعلمه فكتمه، ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار" (¬8)، وقد قال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ} (¬9). الوجه السابع: إن من أمر بكتمان ما بعث الله به رسوله من القرآن والحديث، كالآيات والأحاديث التي وصف الله بها نفسه ووصفه بها رسوله، وأمر مع ¬

_ (¬1) سورة البقرة، الآية: 159. (¬2) في ط: زيادة "من بعد ما بيناه للناس في الكتاب". (¬3) سورة البقرة، الآية: 174. (¬4) سورة آل عمران، الآية: 187. (¬5) في الأصل: وصف به. ولا يستقيم المعنى بهذا. والمثبت من: س، ط. (¬6) في جميع النسخ: ما بيناه. ولعل الصواب ما أثبته. (¬7) في الأصل: الزائدين. وهو تحريف. والمثبت من: س، ط. (¬8) سبق تخريج هذا الحديث ص: 117. (¬9) سورة البقرة، الآية: 140.

الوجه الثامن: أن هذا خلاف إجماع سلف الأمة وأئمتها

ذلك بوصف الله بصفات أحدثها المبتدعون تحتمل الحق والباطل، أو تجمع حقًّا وباطلًا، وزعم أن ذلك هو الحق الذي يجب اعتقاده، وهو أصل الدين، وهو الإيمان الذي أمر الله به رسوله، فهذا مضاهاة لما ذم الله به من حال أهل الكتاب، حيث قال: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} (¬1) وقال: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} إلى قوله: {مِمَّا يَكْسِبُونَ} (¬2)، فإن هؤلاء كتبوا هذه المقالات التي ابتدعوها، وقالوا للعامة: هذا دين الله الذي أمركم به، وهذا كذب وافتراء على الله، فإذا جمعوا إلى ذلك كتمان ما أنزل الله من الكتاب والحكمة فقد ضاهوا (¬3) أهل الكتاب في لبس الحق بالباطل وكتمان الحق، قال تعالى: {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ}، إلى قوله: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (¬4). وقال تعالى: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (¬5). الوجه الثامن: إن هذا خلاف إجماع سلف الأمة وأئمتها، فإنهم أجمعوا في هذا الباب وفي غيره على وجوب اتباع الكتاب والسنة، وذم ما أحدثه أهل ¬

_ (¬1) سورة البقرة، الآية: 59. (¬2) سورة البقرة، الآيات: 75 - 79. (¬3) في الأصل: ظاهوا. والمثبت من: س، ط. (¬4) سورة البقرة، الآيات: 40 - 42. (¬5) سورة آل عمران، الآية: 78.

الكلام من الجهمية ونحوهم، مثل ما رواه أبو القاسم اللالكائي (¬1) في أصول السنة عن محمد بن الحسن (¬2) صاحب أبي حنيفة (¬3)، قال (¬4): "اتفق الفقهاء -كلهم- من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاءت (¬5) بها الثقات عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صفة الرب -عزَّ وجلَّ- من غير تفسير (¬6) ولا وصف ولا تشبيه، فمن فسر اليوم شيئًا من ذلك فقد خرج مما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬7) وفارق الجماعة، فإنهم لم يصفوا ولم يفسروا، ولكن أفتوا بما في الكتاب والسنة، ثم سكتوا، فمن قال بقول جهم فقد فارق الجماعة، لأنه قد وصفه بصفة لا شيء". ¬

_ (¬1) هو: هبة الله بن الحسن بن منصور الرازي الطبري اللالكائي، حافظ للحديث ودرس الفقه على مذهب الشافعي، له "شرح السنة" وكتاب في "السنن" وغيرها. توفي سنة 418. راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 14/ 70 - 71. والمنتظم -لابن الجوزي- 8/ 34. وتذكرة الحفاظ -للذهبي- 3/ 1083 - 1085. (¬2) هو: أبو عبد الله محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة، إمام في الفقه والأصول، ألف في ذلك الكتب الكثيرة كـ "الجامع الكبير"، ولد سنة 131، وتوفي سنة 189. راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 2/ 172 - 182. ووفيات الأعيان -لابن خلكان- 4/ 184 - 185. ولسان الميزان -لابن حجر- 5/ 121، 122. (¬3) هو: النعمان بن ثابت التيمي، إمام أصحاب الرأي، وفقيه أهل العراق، وأحد الأئمة الأربعة، وإليه ينسب المذهب الحنفي، أريد على القضاء فامتنع ورعًا، فحبس إلى أن مات سنة 150 هـ -رحمه الله- وكانت ولادته سنة ثمانين. راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 13/ 323 - 454. والانتقاء -لابن عبد البر - ص: 121 - 171. ووفيات الأعيان -لابن خلكان- 5/ 405 - 414. (¬4) راجع: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة -لأبي القاسم اللالكائي - 3/ 432 - 433. (¬5) في شرح أصول اعتقاد أهل السنة: جاء. (¬6) في شرح أصول اعتقاد أهل السنة: تغيير. (¬7) وسلم: ساقطة من: س.

الوجه التاسع: ذكر محمد بن الحسن الإجماع على وجوب الإفتاء في باب الصفات بما في الكتاب والسنة

الوجه التاسع: فقد ذكر محمد بن الحسن الإجماع [على] (¬1) وجوب الإفتاء في باب الصفات بما في الكتاب أو السنة دون قول جهم المتضمن للنفي، فمن قال: لا يتعرض لأحاديث الصفات وآياتها عند العوام، ولا يكتب بها إلى البلاد، ولا في الفتاوى المتعلقة بها، بل يعتقد ما ذكره من النفي فقد خالف هذا الإجماع، ومن أقل ما قيل فيهم قول الشافعي -رضي الله عنه-: "حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال، ويطاف بهم في القبائل والعشائر، ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام" (¬2). الوجه العاشر: إن قول القائل: لا يتعرض لأحاديث الصفات وآياتها عند العوام، ولا يكتب بها إلى البلاد ولا في الفتاوى المتعلقة بها؛ إما أن يريد بذلك أنه لا تتلى هذه الآيات وهذه الأحاديث عند عوام المؤمنين، فهذا مما يعلم بطلانه بالاضطرار من دين المسلمين، بل هذا القول إذا (¬3) أخذ على إطلاقه فهو كفر صريح، فإن الأمة مجمعة على ما علموه (¬4) بالاضطرار من تلاوة هذه الآيات في الصلوات فرضها ونفلها، واستماع جميع المؤمنين لذلك، وكذلك تلاوتها وإقرائها (¬5) واستماعها خارج الصلاة هو من الدين الذي لا نزاع فيه بين المسلمين، وكذلك تبليغ الأحاديث في ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬2) راجع: الانتقاء -لابن عبد البر- ص: 80. (¬3) في س، ط: أن. (¬4) في الأصل: عملوا. والمثبت من: س، ط. ولعله الصواب. (¬5) كذا في جميع النسخ، والرفع ظاهر في الإعراب.

الجملة هو مما اتفق عليه المسلمون، وهو معلوم بالاضطرار من دين المسلمين، إذ ما من طائفة من السلف والخلف إلّا ولا بد أن تروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئًا من صفات الإثبات أو النفي، فإن الله يوصف بالإثبات وهو إثبات محامده بالثناء عليه وتمجيده، ويوصف بالنفي، وهو نفي العيوب والنقائص عنه سبحانه وتعالى عما يقولون علوًا كبيرًا. وإما أن يريد أنه لا يقال (¬1): حكمها كذا وكذا إما إقرار أو تأويل أو غير ذلك، فإن أراد هذا فينبغي لقائل ذلك أن يلتزم ما ألزم به غيره فلا ينطق في حكم هذه الآيات والأحاديث بشيء، ولا يقول: الظاهر مراد أو غير مراد، ولا التأويل سائغ، ولا هذه النصوص لها معان أخر [و] (¬2) نحو ذلك، إذ هذا تعرض لآيات الصفات وأحاديثها على هذا التقدير، وإذا التزم هو ذلك وقال لغيره: التزم ما التزمته ولا تزد عليها ولا تنقص منها، فإن هذا عدل (¬3)، بخلاف ما إذا نهى غيره [(¬4) عن الكلام عليها مع تكلمه هو عليها كما هو الواقع. وكذلك قوله: لا (¬5) يكتب بها إلى البلاد، ولا في الفتاوى المتعلقة [بها] (¬6) إن أراد أنها أنفسها لا تكتب ولا يفتى بها، فهذا مما يعلم فساده بالاضطرار من دين الإسلام -كما تقدم، وإن أراد لا يكتب بحكمها، ولا يفتى المستفتي عن حكمها، فيقال له: فعليك -أيضًا- أن تلتزم ¬

_ (¬1) في الأصل: أن يراد أن يقال. وفي س: وإما أن يراد أنه لا يقال. والمثبت من: ط. ولعله المناسب. (¬2) ما بين المعقوفتين: زيادة من: س، ط. (¬3) في الأصل، س: عدلًا. والمثبت من: ط. ولعله المناسب. (¬4) ما بين المعقوفتين ونهايتها في ص: 171 ت (1) ساقط من: س وهو ما يقارب الورقة من: الأصل. (¬5) في ط: ولا. (¬6) ما بين المعقوفتين زيادة من: ط.

الوجه الحادي عشر: أن السلف ما زالوا يتكلمون ويفتون ويحدثون العامة والخاصة بما في الكتاب والسنة من الصفات

ذلك، ولا تفتي (¬1) أحدًا فيها بشيء من الأمور النافية، وحينئذ يكون أمرك لغيرك بمثل ما فعلته عدلًا، أما أن يجيء الرجل إلى هذه النصوص فيتصرف فيها بأنواع التحريفات والتأويلات جملة أو تفصيلًا، ويقول لأهل العلم والإيمان: أنتم لا تعارضوني (¬2) ولا تتكلموا (¬3) فيها، فهذا من أعظم الجهل والظلم والإلحاد في أسماء الله وآياته. الوجه الحادي عشر: إن سلف الأمة وأئمتها ما زالوا يتكلمون ويفتون ويحدثون العامة والخاصة بما في الكتاب والسنة من الصفات، وهذا في كتب التفسير والحديث والسنن أكثر من أن يحصيه إلّا الله، حتى إنه لما جمع الناس [العلم] (¬4) وبوبوه في الكتب، فصنف ابن جريج (¬5) التفسير والسنن، ¬

_ (¬1) في الأصل: يفتى. والمثبت من: ط. (¬2) في ط: لا تعارضون. (¬3) في ط: ولا تكلموا. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: ط. (¬5) هو: أبو الوليد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، المحدث الحافظ الفقيه، أول من صنف الكتب بمكة، ولد سنة 80 وتوفي في بغداد سنة 150 هـ، من آثاره "السنن". يقول عنه فؤاد سزكين في تاريخ التراث العربي- علوم القرآن والحديث 1/ 1 / 167: "لم نعثر عليه بعد، وتوجد من أحاديثه مجموعة بتهذيب أبي عبد الله محمد بن مخلد بن حفص العطار (ت 331) بعنوان ما رواه الأكابر عن مالك بن أنس، ويحيى الأنصاري وابن جريج" خ. ومن آثاره "التفسير"، يقول فؤاد سزكين -في نفس المرجع السابق-: "ويعتمد فيما يبدو على كتب تفسير: ابن عباس، وعكرمة، ومجاهد، وعطاء بن أبي رباح، واقتبسه الطبري برواية القاسم بن الحسن الهمذاني (ت 272) عن الحسين بن داود المصيص (ت 226) عن حجاج بن محمد المصيص (ت 206). . . ". راجع للترجمة: الطبقات الكبرى لابن سعد 5/ 491 - 492. والجرح =

وصنف معمر (¬1) -أيضًا- وصنف مالك بن أنس (¬2)، وصنف حماد بن سلمة، وهؤلاء من أقدم من صنف [في] (¬3) العلم، فصنف حماد بن سلمة كتابه في الصفات (¬4)، كما صنف كتبه في سائر أبواب العلم، وقد قيل: إن مالكًا إنما صنف الموطأ تبعًا له، وقال: جمعت هذا خوفًا من الجهمية أن يضلوا الناس لما ابتدعت الجهمية النفي والتعطيل، [وكذلك كان يجمعها ويحدث بها غير واحد من أئمة السلف لما ابتدعت الجهمية ¬

_ = والتعديل -لابن أبي حاتم- 2/ 2 / 356 - 358. وتاريخ بغداد- للبغدادي - 10/ 400 - 407. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 6/ 402 - 406. وكشف الظنون -لحاجي خليفة- 1/ 437. (¬1) هو: أبو عروة معمر بن راشد بن أبي عمرو الأزدي الفقيه الحافظ، عالم اليمن، ولد بالبصرة سنة 95 هـ، واشتهر فيها، وسكن اليمن، وهو أول من صنف فيها، توفي سنة 153 هـ. من آثاره "الجامع". يقول عنه فؤاد سزكين في تاريخ التراث العربي- التدوين التاريخي 1/ 2 / 93: "هو كتاب في الحديث مرتب وفق الموضوعات غير مبوب على أبواب الفقه الأساسية. . . وقد روى هذا الكتاب تلميذه عبد الرزاق، فأضاف إليه أحاديث أخرى وجعل الكتاب ملحقًا بكتابه "المصنف". ومن آثاره -أيضًا- "التفسير"، وهو كما يقول فؤاد سزكين -في نفس المصدر السابق- "وصل إلينا بتهذيب عبد الرزاق. . . ". راجع للترجمة: الطبقات الكبرى -لابن سعد- 5/ 546. وتذكرة الحفاظ للذهبي 1/ 190. والجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 4/ 1 / 255 - 257. وانظر معمر بن راشد الصنعاني: مصادره، ومنهجه، وأثره في رواية الحديث - للدكتور محمد رأفت سعيد. (¬2) تقدمت ترجمته، وذكر بعض مصنفاته ص: 133. (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من: ط. (¬4) يقول الذهبي في تذكرة الحفاظ 1/ 203: "إنه أول من صنف التصانيف مع ابن أبي عروبة". ولم أقف على كتاب له بهذا الاسم فيما وقع تحت يدي من مصادر ولعله ضمن كتاب "السنن" المتقدم ذكره في ترجمة حماد ص: 147، والمعروف أنه كان شديدًا على أهل البدع.

النفي والتعطيل] (¬1) حتى إنه لما صنفت الكتب الجامعة صنف العلماء فيها، كما صنف نعيم بن حماد الخزاعي (¬2) شيخ البخاري كتابه في الصفات (¬3) والرد على الجهمية، وصنف عبد الله بن محمد الجعفي (¬4)، شيخ البخاري كتابه في الصفات والرد على الجهمية، وصنف عثمان بن سعيد الدارمي (¬5) كتابه في الصفات والرد على الجهمية، وكتابه في ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من: ط. (¬2) هو: أبو عبد الله نعيم بن حماد بن معاوية بن الحارث الخزاعي المروزي الإمام العلامة الفرضي، صاحب التصانيف، كان شديد الرد على الجهمية وأهل الأهواء، له "المسند"، ويقال: إنه أول من جمعه وصنفه، ويذكر أنه وضع ثلاثة عشر كتابًا في الرد على الجهمية، توفي محبوسًا لامتناعه من القول بخلق القرآن سنة 228 هـ ببغداد في خلافة المعتصم. راجع: الطبقات الكبرى -لابن سعد- 7/ 519. الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 8/ 463 - 464. تاريخ بغداد -للبغدادي- 13/ 306 - 314. سير أعلام النبلاء -للذهبي- 10/ 595 - 612. هدية العارفين -للبغدادي- 2/ 497. تاريخ التراث العربي -لسزكين- علوم القرآن والحديث 1/ 1 / 196 - 197. (¬3) لعله أحد الكتب الثلاثة عشر المشار إليها في ترجمة نعيم بن حماد. (¬4) هو: أبو جعفر عبد الله بن محمد بن عبد الله بن جعفر بن اليمان الجعفي البخاري المعروف بـ "المسندي" لكثرة اعتنائه بالأحاديث المسندة، أو لأنه أول من جمع "مسند الصحابة" فيما وراء النهر، توفي سنة 229 ولم تشر المصادر -التي رجعت إليها في ترجمته- إلى مصنفات له سوى "المسند". يقول فؤاد سزكين في تاريخ التراث العربي- علوم القرآن والحديث - 1/ 1 / 149: ". . . ولم يصل إلينا أي كتاب لعبد الله بن محمد المسندي. . . ". راجع: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 5/ 162. وتاريخ بغداد -للبغدادي- 10/ 64 - 65. وسير أعلام النبلاء -للذهبي- 10/ 658 - 660. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 6/ 9. وشذرات الذهب -لابن العماد- 2/ 67. والأعلام -للزركلي- 4/ 260. ومعجم المؤلفين -لكحالة- 6/ 127. (¬5) هو: أبو سعيد عثمان بن سعيد بن خالد الدارمي السجستاني محدث هرات. قال الذهبي: "كان عثمان الدارمي جذعًا في أعين المبتدعة، وهو الذي قام على =

النقض على المريسي (¬1)، وصنف الإمام أحمد (¬2) رسالته في إثبات الصفات والرد على الجهمية (¬3)، وأملى في أبواب ذلك حتى جمع كلامه ¬

_ = محمد بن كرّام وطرده من هراة، فيما قيل". توفي سنة 280 هـ. راجع: الجرح والثعديل -لابن أبي حاتم- 3/ 153 (ت 837). وطبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 1/ 221. وسير أعلام النبلاء- للذهبي- 13/ 319 - 326. (¬1) كتابه "الرد على الجهمية"- ط- بتحقيق زهير الشاويش، وكذا كتابه "النقض على بشر المريسي"- ط- بتصحيح وتعليق محمد حامد الفقي، وقد سماه: رد الدارمي عثمان بن سعيد على بشر المريسي العنيد. والكتابان أثنى عليهما الكثير من أئمة السلف رحمهم الله. يقول ابن القيم -في كتابه اجتماع الجيوش الإسلامية- ص: 143، "وكتاباه: "النقض على بشر المريسي"، و"الرد على الجهمية" من أجل الكتب المصنفة في السنة وأنفعها، وينبغي لكل طالب سنة مراده الوقوف على ما كان عليه الصحابة والتابعون والأئمة أن يقرأ كتابيه، وكان شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يوصي بهما أشد الوصية، ويعظمهما جدًّا، وفيهما من تقرير التوحيد والأسماء والصفات بالعقل والنقل ما ليس في غيرهما". أقول: وذكر شيخ الإسلام -رحمه الله- لهما هنا يدل على عظمهما، ونقل منهما في ثنايا هذه الرسالة أثناء مناقشته لبعض الطوائف التي ضلت في باب الأسماء والصفات، كما سيأتي. (¬2) تقدمت ترجمته ص: 134. (¬3) لعله كتاب "الرد على الجهمية والزنادقة- ط- وقد نشر بتحقيق محمد حامد الفقي- القاهرة سنة 1374 هـ - ضمن مجموع شذرات البلاتين من طيبات كلمات سلفنا الصالحين، كما نشر أيضًا بتحقيق الدكتور عبد الرحمن عميرة- الرياض سنة 1397 هـ. وهذا الكتاب رد فيه الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- على الجهمية القائلين بخلق القرآن ويجادلون في رؤية الله ويشككون في أفعال العباد. وقد ذكر ابن القيم -رحمه الله- في كتابه "اجتماع الجيوش الإسلامية" ص: 131، أن القاضي أبا الحسين بن القاضي أبي يعلى قال: "قرأت في كتاب أبي جعفر محمد بن أحمد بن صالح بن أحمد بن حنبل قال: قرأت على أبي =

أبو بكر الخلال (¬1) في كتاب السنة (¬2)، وصنف عبد العزيز الكناني (¬3) ¬

_ = صالح بن أحمد هذا الكتاب فقال: هذا كتاب عمله أبي في مجلسه ردًّا على من احتج بظاهر القرآن-، وترك ما فسره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما يلزم اتباعه". (¬1) هو: أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون البغدادي الحنبلي المشهور بالخلال، الفقيه العلامة المحدث، مؤلف علم أحمد بن حنبل وجامعه ومرتبه، صنف كتاب "السنة وألفاظ أحمد والدليل على ذلك من الأحاديث" في ثلاث مجلدات، وصنف الجامع لعلوم الإمام أحمد في الفقه الحنبلي، وهو كبير جدًّا، قيل: لم يصنف في مذهبه مثله. ولد سنة 234 وتوفي سنة 311 هـ. راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 5/ 112 - 113. وتذكرة الحفاظ -للذهبي- 3/ 785 - 786. وطبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 2/ 12 - 15. وكشف الظنون -لحاجي خليفة- 1/ 576. والأعلام -للزركلي- 1/ 196. ومعجم المؤلفين -لكحالة- 2/ 166. (¬2) يقول الشيخ -رحمه الله- عن هذا الكتاب في مجموع الفتاوى 12/ 238: "جمع فيه كلام الإمام أحمد وغيره من أئمة السنة في أبواب الاعتقاد". ويقول ابن القيم -رحمه الله- في كتابه اجتماع الجيوش الإسلامية ص: 124 - 125. ". . . وقد ذكر هذا الكتاب كله -كتاب الرد على الجهمية- أبو بكر الخلال في كتاب السنة، الذي جمع فيه نصوص أحمد وكلامه، وعلى منواله جمع البيهقي في كتابه الذي سماه "جامع النصوص من كلام الشافعي" وهما كتابان جليلان لا يستغني عنهما عالم". فهذا الكتاب من أهم الكتب المصنفة في عقيدة أهل السنة والجماعة، وهو مخطوط -المتحف البريطاني، والملحق 168، مخطوطات شرقية 2675 باسم المسند من مسائل أبي عبد الله أحمد بن حنبل، رواية أبي بكر أحمد بن محمد الخلال الموجود منه سبعة أجزاء، حقق الثلاثة الأولى منها د. عطية عتيق الزهراني للحصول على درجة الدكتوراه في العقيدة من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وعنون لها بـ "تحقيق ودراسة الثلاثة الأجزاء الأولى من كتاب السنة". وشيخ الإسلام -رحمه الله- ينقل منه كثيرًا في كتبه، ومنها الكتاب الذي بين أيدينا، كما سيتضح للقارئ في الصفحات القادمة. وعن الكتاب ومخطوطاته يراجع تاريخ التراث العربي لسزكين- الفقه 1/ 3 / 233 - 234. (¬3) هو: أبو الحسن عبد العزيز بن يحيى بن عبد العزيز بن مسلم الكناني المكي =

صاحب الشافعي كتابه في الرد على الجهمية (¬1)، وصنف كتب السنة في الصفات طوائف مثل: عبد الله بن أحمد (¬2)، وحنبل (¬3) بن إسحاق (¬4)، ¬

_ = الشافعي، قدم بغداد في أيام المأمون، فجرت بينه وبين بشر المريسي مناظرة في القرآن، صاحب تصانيف منها كتاب "الحيدة والاعتذار في رد من قال بخلق القرآن"، توفي سنة 240 هـ. راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 10/ 449 - 450. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 6/ 363 - 364. وشذرات الذهب -لابن العماد- 2/ 95. وكشف الظنون -لحاجي خليفة- 6/ 694. والأعلام -للزركلي- 4/ 154، 155. ومعجم المؤلفين -لكحالة- 5/ 263. (¬1) لعله كتاب "الحيدة"- ط- وقد نشر بتحقيق الدكتور جميل صليبا. والكتاب مناظرة عبد العزيز الكناني لبشر المريسي في مسألة خلق القرآن بين يدي المأمون. (¬2) هو: الحافظ أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل الشيباني البغدادي، كان إمامًا خبيرًا بالحديث وعلله مقدمًا فيه، وكان من أروى الناس عن أبيه، سمع منه "المسند" و"التفسير" و"الناسخ والمنسوخ" وغيرها من المصنفات. ولد سنة 213 هـ، وتوفي سنة 290 هـ. له تصانيف منها "كتاب السنة" وهو كتاب مطبوع كانت طبعته الأولى عام 1349 هـ بالقاهرة، ثم طبع سنة 1405 هـ بتحقيق محمد السعيد زغلول في مجلد، وفي عام 1406 هـ طغ بتحقيق ودراسة الدكتور محمد بن سعيد القحطاني في مجلدين، وذكر في مقدمة الكتاب 1/ 15، أن الكتاب لأول مرة يخرج كاملًا. راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 9/ 375 - 376. وطبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 1/ 180 - 188. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 5/ 141 - 143. والمنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد للعليمي 1/ 294 - 298. وكشف الظنون -لحاجي خليفة- 2/ 956. وهدية العارفين -للبغدادي- 1/ 442. والأعلام -للزركلي- 4/ 189. وتاريخ التراث العربي -لسزكين- 1/ 3 / 232. (¬3) في الأصل: بن حنبل. وهو خطأ. والمثبت من: ط. (¬4) هو: أبو علي حنبل بن إسحاق بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني ابن عم الإمام =

وأبي بكر الأثرم (¬1)، وخشيش بن أصرم (¬2)، شيخ أبي داود (¬3)، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة (¬4)، وأبي بكر بن أبي ¬

_ = أحمد وتلميذه، كان ثقة ومن حفاظ الحديث، له مصنفات منها "التاريخ". يقول فؤاد سزكين: "يبدو أنه ضاع مع الزمن". و"الفتن"- خ، و"محنة ابن حنبل" خ. ولد سنة 193 هـ وتوفي بواسط سنة 273 هـ. راجع: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 1/ 2 / 320. وطبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 1/ 143 - 145. وتذكرة الحفاظ- للذهبي 2/ 600 - 601. والأعلام -للزركلي- 321. ومعجم المؤلفين -لكحالة- 4/ 86. وتاريخ التراث العربي -لسزكين- المجلد الأول -الجزء الثالث- الفقه ص: 230 - 231. (¬1) هو: أبو بكر أحمد بن محمد بن هانئ الطائي الإسكافي الأثرم، صاحب الإمام أحمد بن حنبل، ويعد من الثقات، له كتاب في علل الحديث، وله "السنن" وهو كتاب نفيس كما يقول الذهبي، توفي سنة 261 هـ. راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 5/ 110 - 112. وطبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 1/ 66 - 74. وتذكرة الحفاظ -للذهبي- 2/ 570 - 572. والأعلام -للزركلي- 1/ 194. (¬2) هو: أبو عاصم خشيش بن أصرم بن الأسود النسائي الحافظ الحجة، حدث عنه أبو داود والنسائي وغيرهما. له "كتاب الاستقامة" في الرد على أهل البدع، مات بمصر سنة 253 هـ. راجع: تذكرة الحفاظ -للذهبي- 2/ 551. وتهذيب التهذيب -لابن حجر - 3/ 142. وإيضاح المكنون لإسماعيل باشا- 2/ 266. والأعلام -للزركلي - 2/ 353. ومعجم المؤلفين -لكحالة- 4/ 99 - 100. (¬3) تقدمت ترجمته ص: 130 (¬4) هو: أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة بن صالح بن بكر السليمي النيسابوري الحافظ الكبير، كان من رواته البخاري ومسلم خارج صحيحيهما ولد سنة 223 وتوفي بنيسابور سنة 311 هـ. له كتاب "التوحيد وإثبات صفات الرب"- طبع لأول مرة سنة 1353 هـ ثم أعيدت طباعته سنة 1388 هـ بتعليق ومراجعة محمد خليل هراس في مجلد، ثم قام الدكتور عبد العزيز الشهوان بدراسة الكتاب وتحقيقه تحقيقًا علميًّا للحصول على درجة الدكتوراه- قسم =

عاصم (¬1)، والحكم بن معبد الخزاعي (¬2)، وأبي بكر الخلال (¬3)، وأبي القاسم الطبراني (¬4)، وأبي الشيخ الأصبهاني (¬5)، وأبي أحمد ¬

_ = العقيدة والمذاهب المعاصرة بكلية أصول الدين بالرياض، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وطبع سنة 1408 هـ في مجلدين. راجع: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 3/ 2 / 196. وتذكرة الحفاظ -للذهبي- 2/ 720 - 731. وطبقات الشافعية -للسبكي- 3/ 109 - 119. وشذرات الذهب -لابن العماد- 2/ 262 - 263. (¬1) هو: أبو بكر أحمد بن عمرو بن النبيل أبي عاصم الضحاك الشيباني الحافظ الكبير قاضي أصبهان له تصانيف نافعة منها "المسند" وكتاب "السنة" في أحاديث الصفات- ط- ولد سنة 206 وتوفي سنة 287 هـ. راجع: تذكرة الحفاظ -للذهبي- 2/ 640 - 641. والبداية والنهاية -لابن كثير- 11/ 95. وكشف الظنون -لحاجي خليفة- 2/ 1425. وشذرات الذهب -لابن العماد 2/ 195. والأعلام -للزركلي- 1/ 181 - 182. (¬2) هو: أبو عبد الله الحكم بن معبد بن أحمد بن عبيد الخزاعي الحنفي، الفقيه المحدث من أهل أصبهان له كتاب "السنة". توفي سنة 295 هـ. راجع: كشف الظنون -لحاجي خليفة- 2/ 1425. وشذرات الذهب -لابن العماد- 2/ 218. ومعجم المؤلفين -لكحالة- 4/ 71. (¬3) تقدمت ترجمته وذكر بعض مصنفاته ص: 162. (¬4) تقدمت ترجمته وذكر بعض مصنفاته ص: 143. (¬5) هو: أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان الأنصاري الأصبهاني أحد حفاظ الحديث وصاحب المصنفات في الأحكام والتفسير، يعرف بأبي الشيخ صنف "التاريخ" على السنن، وكتاب "الثواب" و"عظمة الله ومخلوقاته" و"السنة" وغيرها. ولد سنة 274 وتوفي سنة 369 هـ. راجع: تذكرة الحفاظ -للذهبي- 3/ 945 - 947. وكشف الظنون -لحاجي خليفة- 2/ 1406 - 1407. وهدية العارفين -للبغدادي- 1/ 447. والأعلام للزركلي 4/ 264. ومعجم المؤلفين -لكحالة- 6/ 114.

العسال (¬1)، وأبي بكر الآجري (¬2)، وأبي الحسن الدارقطني (¬3)، كتاب الصفات، وكتاب الرؤية، وأبي عبد الله بن منده (¬4)، وأبي عبد الله بن ¬

_ (¬1) هو: أبو أحمد محمد بن أحمد بن إبراهيم بن سليمان الأصبهاني المعروف بالعسال أحد الأئمة في علم الحديث، وصاحب التصانيف. له كتاب "المعرفة" في السنة و "الرؤية" و"العظمة" و"المسند" على الأبواب وغيرها. ولي القضاء بأصبهان. ولد سنة 269. وتوفي سنة 349 هـ. راجع: تذكرة الحفاظ -للذهبي- 3/ 886 - 888. وشذرات الذهب -لابن العماد- 2/ 380 - 381. وهداية العارفين -للبغدادي- 2/ 43. ومعجم المؤلفين -لكحالة- 8/ 226. (¬2) هو: أبو بكر محمد بن الحسين بن عبد الله الآجري البغدادي الإمام المحدث الفقيه الشافعي. له تصانيف كثيرة منها كتاب "الشريعة" في السنة، وكتاب "الأربعين حديثًا" و"التصديق بالنظر إلى الله في الآخرة وما أعده الله لأوليائه". جاور بمكة وتوفي بها سنة 360 هـ. راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 2/ 243. ووفيات الأعيان -لابن خلكان- 4/ 292. وتذكرة الحفاظ -للذهبي- 3/ 936. وطبقات الشافعية -للسبكي- 3/ 149. وتاريخ التراث العربي -لفؤاد سزكين- المجلد الأول الجزء الأول علوم القرآن والحديث ص: 389 - 392. (¬3) هو: أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي البغدادي الدارقطني، الحافظ الشهير وصاحب السنن، قام برحلات علمية كثيرة تلقى أثناءها العلم على أكبر العلماء المشهورين في عصره، صنف إضافة إلى السنن كتبًا كثيرة منها كتاب "الصفات" وكتاب فيه ما ورد من النصوص الواردة في كتاب الله والأحاديث المتعلقة برؤية الباري. وفي بغداد سنة 385 هـ. ولمعرفة الكثير عن هذه الكتب وغيرها لهذا الإمام وأماكن وجودها يراجع: تاريخ التراث العربي -لسزكين- علوم القرآن والحديث- 1/ 1 / 418 - 424. يراجع للترجمة: تاريخ بغداد -للبغدادي- 12/ 34 - 40. وفيات الأعيان -لابن خلكان- 3/ 297 - 299. وتذكرة الحفاظ -للذهبي- 3/ 991 - 995. وشذرات الذهب -لابن العماد- 3/ 116 - 117. (¬4) هو: هو أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن منده العبدي، من كبار الحفاظ الراحلين في طلبه، وأحد الثقات، صنف العديد من الكتب منها =

بطة (¬1)، وأبي القاسم اللالكائي (¬2)، وأبي عمر الطلمنكي (¬3)، وغيرهم، وأيضًا فقد جمع العلماء من أهل الحديث والفقه والكلام والتصوف هذه الآيات والأحاديث، وتكلموا في إثبات معانيها، وتقرير صفات الله التي دلت عليها هذه النصوص، لما ابتدع (¬4) الجهمية جحد ذلك والتكذيب ¬

_ = "الرد على الجهمية" و "التوحيد ومعرفة أسماء الله عزَّ وجلَّ وصفاته على الاتفاق والتفرد" وغيرها. ولد سنة 31 هـ، وتوفي سنة 395 هـ. راجع: طبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 2/ 167. وتذكرة الحفاظ -للذهبي- 3/ 1031 - 1037. ولسان الميزان -لابن حجر- 5/ 70 - 72. والأعلام -للزركلي- 6/ 253. (¬1) هو: أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان العكبري المعروف بابن بطة، عالم بالحديث، فقيه من كبار الحنابلة، له مصنفات كثيرة منها: كتاب "الإبانة الكبرى" ويختص هذا الكتاب بمناقشة المذاهب الكلامية فيما خالفت فيه مذهب السلف، وكتاب "الشرح والإبانة على أصول السنة والديانة ومجانبة المخالفين ومباينة أهل الأهواء المارقين" ويسمى "الإبانة الصغرى"، وكتاب "السنن" إلى غير ذلك من المصنفات. ولد سنة 304 هـ، وتوفي سنة 387 هـ. راجع: طبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 2/ 144 - 153. والبداية والنهاية -لابن كثير- 11/ 360. وشذرات الذهب -لابن العماد- 3/ 122 - 123. وهدية العارفين -للبغدادي- 1/ 647. والأعلام -للزركلي- 4/ 354. (¬2) تقدمت ترجمته وذكر بعض مصنفاته ص: 155. (¬3) هو: أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد الله بن لب بن يحيى المعافري الأندلسي الطلمنكي الحافظ الإمام المقرئ، عالم أهل قرطبة، كان سيفًا على أهل الأهواء والبدع قامعًا لهم، صنف كتبًا كثيرة في السنة يلوح فيها فضله وحفظه وإمامته واتباعه للأثر مثل كتاب "الدليل إلى معرفة الجليل" وكتاب "السنة" و"رسالة في أصول الديانات" وغيرها. ولد سنة 339 هـ وتوفي سنة 429 هـ. راجع: سير أعلام النبلاء -للذهبي- 17/ 566 - 569. وطبقات المفسرين -للداودي- 1/ 79 - 80. وشذرات الذهب -لابن العماد- 3/ 243 - 244. ومعجم المؤلفين -لكحالة- 2/ 123. (¬4) في ط: ابتدعت.

له، كما فعل عبد العزيز الكناني (¬1)، وأحمد بن حنبل (¬2)، وإسحاق بن راهوية (¬3)، وكما فعل عثمان بن سعيد الدارمي (¬4)، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة (¬5)، وأبو عبد الله بن حامد (¬6)، والقاضي أبو يعلى (¬7)، وكما فعل أبو محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب (¬8)، وأبو ¬

_ (¬1) تقدمت ترجمته ص: 162. (¬2) تقدمت ترجمته ص: 134. (¬3) تقدمت ترجمته ص: 137. (¬4) تقدمت ترجمته ص: 161. (¬5) تقدمت ترجمته ص: 165. (¬6) هو: أبو عبد الله الحسن بن حامد بن علي بن مروان البغدادي الوراق، إمام الحنابلة في زمانه ومدرسهم ومفتيهم. له المصنفات في العلوم المختلفات كـ "الجامع" في المذهب و"شرح أصول الدين" وغيرها، توفي سنة 403 هـ. راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 7/ 303 - 304. وطبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 2/ 171 - 177. وسير أعلام النبلاء -للذهبي- 17/ 203. والوافي بالوفيات -للصفدي- 11/ 415. (¬7) هو: أبو يعلى محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن الفراء، عالم عصره في الأصول والفروع وأنواع الفنون من أهل بغداد، ارتفعت مكانته عند القادر والقائم العباسيين. له تصانيف كثيرة منها "الإيمان" و"أربع مقدمات في أصول الديانات" و"إبطال التأويلات لأخبار الصفات" و"الرد على الأشعرية" و"الرد على الكرامية"، و"الرد على الباطنية"، و"الرد على المجسمة"، وغيرها، ولد سنة 380 هـ، وتوفي سنة 458 هـ. راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 2/ 256 - 257. وطبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 2/ 193 - 230. وشذرات الذهب -لابن العماد- 3/ 206 - 207. والمنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد- للعليمي 2/ 128 - 142. (¬8) هو: أبو محمد عبد الله بن سعيد بن محمد بن كلاب القطان البصري، رأس المتكلمين بالبصرة في زمانه، صاحب التصانيف في الرد على المعتزلة وربما وافقهم، وأصحابه هم "الكلابية" يقول الذهبي: والرجل أقرب المتكلمين إلى السنة. توفي 240. يقول فؤاد سزكين في تاريخ التراث العربي- العقائد والتصوف 1/ 4 / 29: =

الحسن علي بن إسماعيل الأشعري (¬1)، وأبو الحسن علي بن مهدي الطبري (¬2)، والقاضي أبو بكر الباقلاني (¬3). ¬

_ = "يبدو أن جميع كتبه قد ضاعت غير أننا نجد بقايا منها في مقالات الأشعري. . . ". راجع: سير أعلام النبلاء -للذهبي- 11/ 174 - 176. ولسان الميزان -لابن حجر- 3/ 290 - 291. وطبقات الشافعية -للسبكي- 20/ 299 - 300. ومعجم المؤلفين -لكحالة- 6/ 59. (¬1) هو: أبو الحسن علي بن إسماعيل بن إسحاق بن سالم بن إسماعيل الأشعري. كان معتزليًّا ثم رجع، وإليه تنسب الطائفة "الأشعرية" له مصنفات كثيرة منها "اللمع" و"الإبانة" و"مقالات الإسلاميين" وغيرها مما رد فيه على الملاحدة وغيرهم من المعتزلة والرافضة والجهمية والخوارج وسائر أصناف المبتدعة، ولد سنة 260، وتوفي سنة 324 هـ، على اختلاف في ذلك. راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 11/ 346 - 347. ووفيات الأعيان -لابن خلكان- 3/ 284 - 286. وطبقات الشافعية -للسبكي- 3/ 347 - 424. والبداية والنهاية -لابن كثير- 11/ 210. (¬2) هو: أبو الحسن علي بن محمد بن مهدي الطبري الأشعري، صحب أبا الحسن الأشعري بالبصرة وأخذ عنه، صنف التصانيف، وتبحر في علم الكلام. له كتاب "تأويل الأحاديث المشكلات الواردة في الصفات". يقول فؤاد سزكين في تاريخ التراث العربي -المجلد الأول- الجزء الرابع -العقائد- ص: 45: ". . وله تأويل الآيات المشكلة الموضحة وبيانها بالحجة والبرهان". توفي في حدود سنة 380 هـ. راجع: تبيين كذب المفتري -لابن عساكر- ص: 195 - 196. وطبقات الشافعية -للسبكي- 3/ 466 - 468. وطبقات المفسرين -للداودي- 1/ 436 - 437. والوافي بالوفيات -للصفدي- 22/ 143. ومعجم المؤلفين -لكحالة - 7/ 234. (¬3) هو: القاضي أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد الباقلاني من كبار علماء الكلام، انتهت إليه الرئاسة في مذهب الأشاعرة. له مصنفات منها: "التمهيد في الرد على الملحدة المعطلة والرافضة والخوارج والمعتزلة"، وكتاب "الإبانة =

الوجه الثاني عشر: أن الله بعث رسوله بالهدى ودين الحق وأكمل له ولأمته الدين، وبين جميع ما تحتاج إليه أمته

الوجه الثاني عشر: إن الله تعالى بعث رسوله بالهدى ودين الحق، وأكمل له ولأمته الدين، وأتم عليهم (¬1) النعمة وترك أمته على البيضاء ليلها كنهارها (¬2)، وبين لهم جميع ما يحتاجون إليه، وكان أعظم ما يحتاجون إليه تعريفهم ربهم بما يستحقه من أسمائه الحسنى وصفاته العلى (¬3) و [ما] (¬4) يجوز ¬

_ = عن إبطال مذهب أهل الكفر والديانة" وغيرها كثير، ولد بالبصرة سنة 338 هـ، وسكن بغداد وتوفي بها سنة 403 هـ. راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 5/ 379 - 383. وتبيين كذب المفتري -لابن عساكر- ص: 217 - 226. والبداية والنهاية -لابن كثير- 11/ 390 - 391. وتاريخ التراث العربي -لفؤاد سزكين- المجلد الأول- الجزء الرابع - العقائد- ص: 47 - 51. (¬1) في الأصل: عليه. والمثبت من: ط. ولعله المناسب. (¬2) كما جاء في الحديث الذي رواه ابن ماجة عن العرباض بن سارية قال: "وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظة ذرفت منها الدِون، ووجلت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله إن هذه لموعظة مودع فماذا تعهد إلينا؟ قال: "قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلّا هالك". . الحديث. المقدمة -باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين 1/ 16 الحديث / 43. ورواه الإمام أحمد في مسنده بهذا اللفظ 4/ 126. قال الألباني: الحديث أخرجه الحاكم من طريقين، وذكرهما، ثم قال: وسنده صحيح. انظر: السنة لابن أبي عاصم ومعه ظلال الجنة في تخريج السنة للألباني 1/ 19، 20. وقد شرح هذا الحديث ابن رجب -رحمه الله- في كتابه "جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثًا من جوامع الكلم" ص: 225 - 236. (¬3) في ط: العليا. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: ط.

الجهم بن صفوان وأتباعه عطلوا حقيقة أسمائه الحسنى وصفاته العلى

عليه ويثبت له، ويحمد ويثنى به عليه ويمجد به، وما يمتنع عليه فينزه عنه ويقدس] (¬1). ثم حدث بعد المائة الأولى الجهم بن صفوان (¬2) وأتباعه، الذين عطلوا حقيقة أسمائه الحسنى وصفاته العلى (¬3)، وسلكوا مسلك إخوانهم المعطلة الجاحدين للصانع، وصار أغلب ما يصفون به الرب هو الصفات السلبية العدمية، ولا يقرون إلّا بوجود مجمل، ثم يقرنونه بسلب ينفي الوجود. ومن أبلغ العلوم الضرورية أن الطريقة التي بعث الله بها أنبياءه ورسله، وأنزل بها كتابه مشتملة على الإثبات المفصل والنفي المجمل، كما يقرر ذلك (¬4) في كتابه: علمه وقدرته وسمعه وبصره ومشيئته ورحمته وغير ذلك، ويقول في النفي: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (¬5)، {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين بدايتها ص: 157 ت (4): ساقط من: س. (¬2) هو: أبو محرز الجهم بن صفوان السمرقندي، من موالي بني راسب رأس الجهمية الضال المبتدع، قتل سنة 128 هـ على يد مسلم بن أحوز المازني بمرو في آخر ملك بني أمية، وقد زرع شرًّا عظيمًا، فكان يفول: "إن القرآن مخلوق، وإنه لا يقال: إن الله لم يزل عالمًا بالأشياء قبل أن تكون، وإنه لا يوصف بالصفات التي يتصف بها المخلوق، لأن ذلك يقتضي التشبيه، إلى غير ذلك من الضلالات المنكرة". راجع: مقالات الإسلاميين -للأشعري- 1/ 338. والملل والنحل - للشهرستاني 1/ 86. وميزان الاعتدال -للذهبي- 12/ 426. ولسان الميزان -لابن حجر- 2/ 142. وانظر: ما ذكرته عن الجهمية ص: 119. (¬3) في ط: العليا. (¬4) ذلك: ساقطة من: س، ط. (¬5) سورة الشورى، الآية: 11.

الجهمية ومن وافقهم جمعوا بين القرمطة في السمعيات والسفسطة في العقليات

سَمِيًّا} (¬1)، {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (¬2) وعلى هذا أهل العلم والإيمان أتباع المرسلين من الأولين والآخرين. وأما طريقة هؤلاء فهي نفي مفصل ليس بكذا ولا كذا (¬3)، وإثبات مجمل، يقولون: هو الوجود المطلق لا يوصف إلّا بسلب أو إضافة أو مركب منها ونحو ذلك، وكل من علم ما جاءت به الرسل، وما يقوله هؤلاء، علم أن هؤلاء في غاية المشاقة والمحادة والمحاربة لله ورسوله (¬4)، وانتدب هؤلاء في تقرير شبه (¬5) عقلية ينفون بها الحق، وتأولوا كتاب الله على غير تأويله، فحرفوا الكلم عن مواضعه، وألحدوا في أسماء الله وآياته بحيث حملوها على ما يعلم بالاضطرار أنه خلاف مراد الله ورسوله؛ كما فعل إخوانهم القرامطة (¬6). . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) سورة مريم، الآية: 65. (¬2) سورة الإخلاص، الآيتان: 3، 4. (¬3) ولا كذا: ساقطة من: س، ط. (¬4) في س، ط: ورسله. (¬5) في الأصل: بشبه. والمثبت من: س، ط. ولعله المناسب. (¬6) القرامطة: من الباطنية ولقبوا بذلك نسبة إلى رجل من دعاتهم يقال له: حمدان بن قرمط، ويعود في أصله إلى خوزستان -الأهواز- أظهر التقشف والزهد في أول عهده فاستمال إليه بعض الناس فسموا "قرامطة" وهؤلاء قوم تبعوا طريق الملحدين، وجحدوا الشرائع، وظاهر مذهبهم الرفض، وباطنه الكفر، ومفتتحه حصر مدارك العلوم في قول الإمام المعصوم، وعزل العقول أن تكون مدركة للحق لما يعترضها من الشبهات، والمعصوم يطلع من جهة الله على جميع أسرار الشرائع، ولا بد في كل زمان من إمام معصوم يرجع إليه. إضافة إلى أقوالهم الباطلة وآرائهم الشنيعة في الإله والنبوة، والقيامة والتكاليف الشرعية، والتي يتضح من خلالها أنها فرقة ملحدة ضالة، وحركة باطنية هدامة. راجع تفاصيل أخبارهم وعقيدتهم وأهدافهم: فضائح الباطنية -للغزالي - ص: 12 فما بعدها. القرامطة -لابن الجوزي (وهو فصل مطول عن القرامطة =

والباطنية (¬1) وجحدوا الحقائق العقلية، كما فعل إخوانهم السوفسطائية (¬2) فجمعوا بين السفسطة في العقليات، والقرمطة في ¬

_ = في المنتظم 5/ 110 - 119. قام بتحقيقه محمد الصباغ وإفراده بكتاب مستقل) - ص: 29 - 72. الكامل لابن الأثير- 7/ 493. فما بعدها. 8/ 143 البداية والنهاية -لابن كثير 11/ 91، 180. القرامطة- لمحمود شاكر- ص: 5 فما بعدها. (¬1) الباطنية: جماعة ترى أن لظواهر القرآن والأخبار بواطن، تجري مجرى اللب من القشر، وأنها توهم الأغبياء صورًا، وتفهم الفطناء رموزًا وإشارات إلى حقائق خفية، وأن من تقاعد عن الغوص على الخفايا والبواطن متعثر، ومن ارتقى إلى علم الباطن انحط عنه التكليف واستراح من أعبائه، ويزعمون أنهم أصحاب التعاليم، والمخصوصون بالاقتباس من الإمام المعصوم. وقد أسس دعوة الباطنية جماعة منهم: ميمون بن ديصان المعروف بالقداح، ومحمد بن حسين الملقب بدندان. ولمعرفة الكثير عن هذه الفرقة، وبيان ضلالها وعظم خطرها يراجع: الفرق بين الفرق -لعبد القاهر- ص: 281 - 312. التبصير في الدين -للإسفراييني- ص: 140 - 147. فضائح الباطنية -للغزالي - ص: 11 فما بعدها. القرامطة -لابن الجوزي (وهو فصل مطول عن القرامطة في المنتظم 5/ 110 - 119 قام بتحقيقه محمد الصباغ- وإفراده بكتاب مستقل) - ص: 36 - 72. (¬2) في الأصل: س: السوفسطائية. والمثبت من: ط. السوفسطائية: هم قوم كانوا قبل دولة الإسلام في القرن الخامس قبل الميلاد، يقولون بنفي الحقائق. وقد قسم ابن تيمية السفسطة إلى أربعة أنواع: الأول: السوفسطائية المتجاهلة اللا أدرية الذين يقولون: لا نعلم هل الحقائق ثابتة أو منتفية، وهل يمكن العلم أو لا يمكن؟. الثاني: قول أهل التكذيب والجحود والنفي الذين يجزمون بنفي الحقائق والعلم بها. الثالث: الذين يجعلون الحقائق تتبع العقائد، فمن اعتقد ثبوت الشيء كان في حقه ثابتًا ومن نفاه كان في حقه منتفيًا، ولا يجعلون للحقائق أمرًا هي عليه في أنفسها. الرابع: قول من يقول: الحقائق موجودة لكن لا سبيل إلى العلم بها، إما لكون العالم في السيلان فلا يمكن العلم بحقيقته، وإما لغير ذلك.

السمعيات (¬1)، فلهذا انتدب سلف الأمة وأئمتها وغيرهم للرد عليهم وتقرير ما أثبته الله ورسوله ورد تكذيبهم وتعطيلهم، وذكروا دلائل الكتاب والسنة على بيان الحق ورد باطلهم، ولما احتج أولئك بشبه عقلية بينوا لهم -أيضًا- (¬2) أن العقل يدل على فساد قولهم، وصحة ما جاءت به الرسل كما قال تعالى: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ} (¬3)، وإذا (¬4) كان الأمر كذلك، فمن نهى عن بيان ما بعث الله به رسوله من الإثبات، وأمر بما أحدث من النفي الذي لا يؤثر عن الرسل، كان قد أخذ من مشاقة الله ورسوله ومحادة الله ورسوله، ومحاربة الله ورسوله، بحسب ما سعى فيه من ذلك، حيث أمر بترك ما بعث به الرسول، وبإظهار ما يشتمل على مخالفته. ¬

_ = وهذا الاسم -أعني السوفسطائية- اسم المهنة التي بها يقدر الإنسان على المغالطة والتمويه والتلبيس بالقول والإيهام، وهو مركب في اليونانية من "سوفيا" وهي الحكمة، من "أسطس" وهي المموهة، فمعناها الحكمة المموهة. راجع: التبصير في الدين -للإسفراييني- ص: 149. والصفدية -لشيخ الإسلام ابن تيمية- 1/ 97 - 98 ت (2) نفس الصفحة. وص 170 - 171 من هذا الكتاب. والتعريفات -للجرجاني- ص: 118 - باب السين. وتاريخ الفلسفة اليونانية -ليوسف كرم- ص: 57. (¬1) كثيرًا ما يشير الشيخ -رحمه الله- إلى هذه العبارة في كتبه. راجع مثلًا: السبعينية ص: 7. ودرء تعارض العقل والنقل- 2/ 15 وكلاهما لابن تيمية، أي: يفعلون فعل القرامطة، فيجعلون للنص ظاهرًا وباطنًا كي يتفق مع مذهبهم الباطل. (¬2) في س، ط: أيضًا لهم. (¬3) سورة سبأ، الآية: 6. (¬4) في س، ط: وإن.

الوجه الثالث عشر: على الناس أن يجعلوا كلام الله ورسوله هو الأصل المتبع، سواء علموا معناه أو لم يعلموه

الوجه الثالث عشر (¬1): إن الناس عليهم أن يجعلوا كلام الله ورسوله، هو الأصل المتبع، والإمام المقتدى به، سواء علموا معناه أو لم (¬2) يعلموه، فيؤمنون بلفظ النصوص ولو لم (¬3) يعرفوا حقيقة معناها، وأما ما سوى كلام الله ورسوله، فلا يجوز أن يجعل أصلًا بحال، ولا يجب التصديق بلفظ له حتى يفهم معناه، فإن كان معناه موافقًا له، جاء به الرسول كان مقبولًا، وإن كان مخالفًا كان مردودًا، وإن كان مجملًا مشتملًا على حق وباطل لم يجز إثباته -أيضًا- ولا يجوز نفي جميع معانيه، بل يجب المنع من إطلاق نفيه وإثباته أو (¬4) التفصيل والاستفسار. وهؤلاء جعلوا هذه الألفاظ المبتدعة المجملة أصلًا أمروا بها، وجعلوا ما جاء به الرسول من الآيات والأحاديث فرعًا يعرض عنها ولا يتكلم بها ولا فيها، فكيف يكون تبديل الدين إلّا هكذا؟ الوجه الرابع عشر: ليس لأحد من الناس أن يلزم الناس ويوجب عليهم إلّا ما أوجبه الله ورسوله، ولا يحظر عليهم إلّا ما حظره الله ورسوله، فمن أوجب ما لم يوجبه الله ورسوله، وحرم ما لم يحرمه الله ورسوله، فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله، وهو مضاه لمن ذمه الله في كتابه من حال المشركين وأهل الكتاب الذين اتخذوا دينًا لم يأمرهم الله به، وحرموا ما لم ¬

_ (¬1) في س: الوجه الثاني عشر. وهو خطأ. (¬2) في س: ولم. وهو خطأ. (¬3) في س، ط: وإن لم. (¬4) في س، ط: والتفصيل.

يحرمه (¬1) الله عليهم، وقد بين ذلك في سورة الأنعام والأعراف وبراءة وغيرهن من السور، ولهذا كان من شعار (¬2) أهل البدع إحداث (¬3) قول أو فعل، وإلزام الناس به وإكراههم عليه أو (¬4) الموالاة عليه والمعاداة على تركه، كما ابتدعت الخوارج (¬5) رأيها وألزمت الناس به، ووالت وعادت عليه، وابتدعت الرافضة رأيها وألزمت الناس به ووالت وعادت عليه، وابتدعت الجهمية رأيها وألزمت الناس به ووالت وعادت عليه، لما كانت (¬6) لهم قوة في دولة الخلفاء الثلاثة الذين امتحن في زمانهم الأئمة ¬

_ (¬1) في ط: يحرموا. وهو تصحيف. (¬2) في الأصل: إشعار. والمثبت من: س، ط. ولعله المناسب. (¬3) في الأصل: من إحداث. والكلام يستقيم بما أثبته من: س، ط. (¬4) في ط:. . والموالاة. (¬5) الخوارج: اسم يطلق على كل من خرج على الإمام الحق الذي اتفقت الجماعة عليه، سواء كان الخروج في أيام الصحابة على الأئمة الراشدين، أو كان بعدهم على التابعين لهم بإحسان، والأئمة في كل زمان. لكن صار هذا الاسم علمًا على أول من خرج على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في حرب صفين، وهم عشرون فرقة يجمعها القول بتكفير علي وعثمان وأصحاب الجمل والحكمين وكل من رضي بالحكمين، وبتكفير من اقترف ذنبًا من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - فهو كافر في الدنيا، مخلد في النار في الآخرة، إلا النجدات منهم فإنهم قالوا: إن الفاسق كافر على معنى أنه كافر بنعمة ربه، ومما يجمعهم جميعًا تجويزهم الخروج على الإمام الجائر، وكان من ذلك حروب كثيرة -كما هو معروف-. راجع في شأن هذه الفرقة الضالة: مقالات الإسلاميين -للأشعري- 167 - 168. والفرق بين الفرق -للبغدادي- ص: 72 - 73. والتبصير في الدين -للإسفراييني- ص: 45. والملل والنحل -للشهرستاني- 1/ 114 - 115. والبداية والنهاية -لابن كثير- 7/ 304. وانظر: ما ذكرته عن الحرورية ص: 151. (¬6) في س، ط: كان.

أئمة السنة والجماعة لا يلزمون الناس بما يقولونه من موارد الاجتهاد، ولا يكرهون أحدا عليه

ليوافقهم (¬1) على رأي جهم (¬2) الذي مبدؤه أن القرآن مخلوق، وعاقبوا من لم يوافقهم على ذلك. ومن المعلوم أن هذا من المنكرات المحرمة بالعلم الضروري من دين المسلمين، فإن العقاب لا يجوز أن يكون على ترك واجب أو فعل محرم، ولا يجوز إكراه أحد على ذلك والإيجاب والتحريم ليس إلّا لله ولرسوله، فمن عاقب على فعل أو ترك بغير أمر الله ورسوله، وشرع ذلك دينًا فقد جعل لله ندًّا، ولرسوله نظيرًا، بمنزلة المشركين الذين جعلوا لله أندادًا (¬3)، وبمنزلة المرتدين الذين آمنوا بمسيلمة الكذاب (¬4)، وهو ممن قيل فيه (¬5): {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (¬6)، ولهذا كان أئمة (¬7) السنة والجماعة لا يلزمون الناس بما يقولونه من موارد الاجتهاد ولا يكرهون أحدًا عليه، ولهذا لما استشار هارون الرشيد (¬8) مالك بن. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) في ط: لتوافقهم. (¬2) سبق التعريف به وبمذهبه ص: 119، 171. (¬3) في س: أنداد. وهو خطأ. (¬4) هو: أبو ثمامة مسيلمة بن ثمامة بن كبير بن حبيب الحنفي الوائلي متنبيء كذاب، أكثر من وضع أسجاع يضاهي بها القرآن، أرسل إليه أبو بكر خالد بن الوليد، فقضى عليه وعلى فتنته، ومات مقتولًا سنة 12 هـ. راجع: الكامل -لابن الأثير- 2/ 360 فما بعدها. والبداية والنهاية -لابن كثير- 6/ 364 - فما بعدها. وشذرات الذهب -لابن العماد- 1/ 23. والأعلام -للزركلي- 8/ 125. (¬5) فيه: ساقطة من: س. (¬6) سورة الشورى، الآية: 21. (¬7) في س، ط: أهل. (¬8) هو: أبو جعفر هارون (الرشيد) بن محمد (المهدي) بن المنصور العباسي أمير المؤمنين، وخامس خلفاء الدولة العباسية في العراق، ولد بالري سنة 149 هـ، وبويع له بالخلافة سنة 170 هـ بعد وفاة أخيه الهادي وازدهرت الدولة في أيامه، =

أنس (¬1) في حمل الناس على موطئه، قال له: (لا تفعل يا أمير المؤمنين، فإن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تفرقوا في الأمصار فأخذ كل قوم عمن كان عندهم وإنما جمعت علم أهل بلدي)، أو كما قال (¬2)، وقال ¬

_ = وتوفي سنة 193 هـ. راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 14/ 5 - 13. والبداية والنهاية -لابن كثير - 10/ 242 فما بعدها. والأعلام -للزركلي- 9/ 43 - 44. (¬1) في الأصل، س: لمالك، والمثبت من: ط. ولعله المناسب. تقدمت ترجمته ص: 133. (¬2) أخرج أبو نعيم في الحلية 6/ 332: "عن عبد الله بن عبد الحكم قال: سمعت مالك بن أنس يقول: شاورني هارون الرشيد في ثلاث، في أن يعلق الموطأ في الكعبة، ويحمل الناس على ما فيه. . .، فقلت: يا أمير المؤمنين، أما تعليق الموطأ في الكعبة، فإن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اختلفوا في الفروع وتفرقوا في الآفاق، وكل عند نفسه مصيب. . . ". وفي الانتقاء لابن عبد البر ص: 41: ". . أن مالك بن أنس قال: لما حج أبو جعفر المنصور دعاني، فدخلت عليه، فحادثته، وسألني فأجبته، فقال: إني عزمت أن آمر بكتبك هذه التي قد وضعت -يعني "الموطأ"- فتنسخ نسخًا، ثم أبعث إلى كل مصر من أمصار المسلمين منها نسخة، وآمرهم أن يعملوا بما فيها، ولا يتعدوها إلى غيرها، ويدعوا ما سوى ذلك. . . قال: فقلت يا أمير المؤمنين: لا تفعل هذا، فإن الناس قد سبقت إليهم أقاويل، وسمعوا أحاديث، ورووا روايات، وأخذ كل قوم بما سبق إليهم وعملوا به ودانوا به. . . وإن ردهم عما اعتقدوه شديد، فدع الناس وما هم عليه. وورد نحو هذا في: ترتيب المدارك -للقاضي عياض- 2/ 72. وسير أعلام النبلاء -للذهبي- 8/ 78. وفي تذكرة الحفاظ -للذهبي- 1/ 209: "أن إسماعيل القاضي قال: حدثنا أبو مصعب قال: سمعت مالكًا يقول: دخلت على أبي جعفر أمير المؤمنين وهو على فراشه. . . قال: ثم سألني عن أشياء منها حلال ومنها حرام، ثم قال لي: أنت والله أعقل الناس، وأعلم الناس، قلت: لا والله يا أمير المؤمنين. قال: بلى ولكنك تكتم، لئن بقيت لأكتبن قولك كما يكتب المصاحف، =

مالك أيضًا: (إنما أنا بشر أصيب وأخطئ، فاعرضوا قولي على الكتاب والسنة). وقال أبو حنيفة (¬1): (هذا رأي فمن جاءنا برأي أحسن منه قبلنا). وقال الشافعي (¬2): (إذا صح الحديث فاضربوا بقولي الحائط)، وقال: (إذا رأيت الحجة موضوعة على الطريق فإني أقول بها). وقال المزني (¬3) في أول. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ولأبعثن به إلى الآفاق فأحملهم عليه". وانظر نحو هذا في: ترتيب المدارك -للقاضي عياض- 2/ 71. ومهما اختلفت الرواية في هذا فإن المعنى واحد، وهو أن الإمام مالك بن أنس طلب من أمير المؤمنين -في أي رواية- أن لا يحمل الناس على موطئه. ولئن تضاربت الروايات حول من عزم على حمل الناس على موطأ مالك، هل هو أبو جعفر أم هارون الرشيد؟ فيمكن أن نجمع بين هاتين الروايتين بأن أصل الفكرة انبجست في ذهن أبي جعفر، إلّا أنها اتضحت وتأكدت عند هارون الرشيد فخر الخلفاء العباسيين، فأراد تنفيذها طلبًا لتوحيد الأمة على كتاب واحد في السنة، إلّا أن مالكًا أبي ذلك تورعًا وخوفًا من ضياع أحاديث كثيرة حملها الجم الغفير من صحابة الرسول - عليه السلام -، الذين تفرقوا في الآفاق يحملون كلمة التوحيد وينشرون الإسلام. (¬1) تقدمت ترجمته ص: 155. (¬2) تقدمت ترجمته ص: 134. (¬3) هو: أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيي بن عمرو بن مسلم المزني -نسبة إلى مزينة بنت كلب قبيلة مشهورة- صاحب الشافعي، كان عالمًا فقيهًا، راجح المعرفة، جليل القدر، عارفًا بوجوه الكلام والجدل، له تصانيف كثيرة منها "المختصر"، وقد شرحه قوم منهم: أبو إسحاق المروزي، وأبو العباس بن سريج وغيرهما كثير، ذكرهم فؤاد سزكين في تاريخ التراث العربي -المجلد الأول- الجزء الثالث- 1/ 3 - الفقه- ص: 159. ولد المزني سنة 175، وتوفي سنة 264 هـ. راجع: الانتقاء -لابن عبد البر- ص: 110. ووفيات الأعيان -لابن خلكان =

مختصره (¬1): (هذا كتاب اختصرته من علم أبي عبد الله الشافعي (¬2) لمن أراد معرفة مذهبه، مع إعلامه نهيه (¬3) عن تقليده وتقليد غيره من العلماء). وقال الإمام أحمد (¬4): (ما ينبغي للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه ولا يشدد عليهم). [قال] (¬5): (ولا تقلد دينك الرجال، فإنهم لن يسلموا من أن يغلطوا). فإذا كان هذا قولهم في الأمور العملية (¬6) وفروع الدين، لا يستجيزون إلزام الناس بمذاهبهم (¬7)، مع استدلالهم عليها بالأدلة الشرعية، فكيف بإلزام الناس وإكراههم على أقوال لا توجد في كتاب الله، ولا في حديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا تؤثر عن الصحابة والتابعين ولا عن أحد من أئمة المسلمين؟ ولهذا قال الإمام أحمد (¬8) [لابن] (¬9) أبي دؤاد (¬10) الجهمي، الذي كان قاضي القضاة في عهد ¬

_ = - 1/ 217 - 219. وطبقات الشافعية -للسبكي- 2/ 93 - 109. (¬1) مختصر المزني- ص: 1 - مطبوع ضمن كتاب "الأم" للشافعي. (¬2) تقدمت ترجمته ص: 134. (¬3) في جميع النسخ، والمختصر: إعلامية نهبة. ولعله المناسب. (¬4) تقدمت ترجمته ص: 134. (¬5) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬6) في س، ط: الأصول العلمية. والعملية مفرد عمليات. ولعل العمليات ما يسميها البعض الفروع والشرع والفقه. راجع: معارج الوصول إلى معرفة أن أصول الدين وفروعه قد بينها الرسول -لابن تيمية- ص: 21. (¬7) في الأصل: بمذهبهم. والمثبت من: س، ط. ولعله المناسب. (¬8) تقدمت ترجمته ص: 134. (¬9) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬10) في س، ط: داود. وهو خطأ. =

المعتصم (¬1) لما دعا الناس إلى التجهم، وأن يقولوا القرآن مخلوق، وإكراههم (¬2) عليه بالعقوبة وأمر بعزل من لم يجبه، وقطع رزقه إلى غير ذلك مما فعله في محنته المشهورة (¬3)، فقال له في مناظرته لما طلب منه الخليفة أن يوافقه على أن القرآن مخلوق: "ائتوني بشيء من كتاب الله أو سنة رسوله [حتى أجيبكم به، فقال له ابن أبي دؤاد: وأنت لا تقول إلّا بما في كتاب الله أو سنة رسوله] (¬4)، فقال له: هب أنك تأولت تأويلًا فأنت أعلم وما تأولت، فكيف تستجيز أن تكره الناس عليه بالحبس والضرب (¬5)؟ ". فبين أن العقوبة لا تجوز إلّا على ترك ما أوجبه الله أو فعل ما حرمه ¬

_ = هو: أبو عبد الله أحمد بن دؤاد فرج بن جرير بن مالك الإيادي أحد القضاة المشهورين من المعتزلة، ورأس فتنة القول بخلق القرآن، ولي القضاء للمعتصم والواثق، وحمل الخلفاء على امتحان الناس بخلق القرآن. قال عنه الذهبي: جهمي بغيض، ولد سنة 160 هـ، وتوفي مصابًا بالفالج سنة 240 هـ. راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 4/ 141 - 156. ووفيات الأعيان -لابن خلكان- 1/ 81 - 91. وباب ذكر المعتزلة من كتاب: مقالات الإسلاميين -لأبي القاسم البلخي- ص: 101. (¬1) هو: أمير المؤمنين أبو إسحاق محمد المعتصم بن هارون الرشيد بن المهدي بن المنصور العباسي أحد خلفاء الدولة العباسية، بويع بالخلافة سنة 218 هـ، ولد سنة 179 هـ، وتوفي سنة 227 هـ. راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 3/ 342 - 347. الكامل لابن الأثير - 6/ 523 - 524. والبداية والنهاية -لابن كثير- 1/ 334. (¬2) في س، ط: وأكرههم. (¬3) مناقب الإمام أحمد -لابن الجوزي- ص: 397 - فما بعدها. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬5) مناقب الإمام أحمد -لابن الجوزي- ص: 401.

الله، فإذا كان القول ليس في كتاب الله وسنة رسوله لم يجب على الناس أن يقولوه، لأن الإيجاب إنما يتلقى من الشارع، وإن كان القول في نفسه حقًّا، أو اعتقد قائله أنه حق، فليس له أن يلزم الناس أن يقولوا ما لم يلزمهم الرسول أن يقولوه -لا نصًّا ولا استنباطًا. وإذا (¬1) كان كذلك فقول القائل: المطلوب من فلان أن يعتقد كذا وكذا، وأن لا يتعرض لكذا وكذا إيجاب عليه لهذا الاعتقاد وتحريم عليه لهذا الفعل، وإذا كانوا لا يرون خروجه من السجن إلّا بالموافقة على ذلك فقد استحلوا عقوبته وحبسه حتى يطيعهم في ذلك، فإذا لم يكن ما أمروا به قد أمر الله به ورسوله، وما نهوا عنه قد نهى الله عنه ورسوله، كانوا بمنزلة من ذكر من الخوارج (¬2) والروافض (¬3) والجهمية (¬4) المشابهين للمشركين والمرتدين، ومعلوم أن هذا الذي قالوه لا يوجد في كلام الله ورسوله بحال، وهم -أيضًا- لم يبينوا أنه يوجد في كلام الله ورسوله، فلو كان هذا موجودًا في كلام الله ورسوله لكان عليهم بيان ذلك، لأن العقوبات لا تجوز إلّا بعد إقامة الحجة، كما قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (¬5)، فإذا لم يقيموا حجة الله (¬6) التي يعاقب من خالفها، بل لا يوجد ما ذكروه في حجة الله، وقد نهوا عن تبليغ حجة الله ورسوله، كان هذا من أعظم الأمور مماثلة لما ذكر من حال الخوارج (¬7) المارقين المضاهين للمشركين والمرتدين والمنافقين. ¬

_ (¬1) في س، ط: وإن. (¬2) سبق التعريف بهم وبمذهبهم ص: 176. (¬3) سبق التعريف بهم وبمذهبهم ص: 151. (¬4) سبق التعريف بهم وبمذهبهم ص: 119، 171. (¬5) سورة الإسراء، الآية: 15. (¬6) في س: لله. (¬7) سبق التعريف بهم وبمذهبهم ص: 176.

الوجه الخامس عشر: أن القول الذي قالوه إن لم يكن حقا يجب اعتقاده لم يجز الإلزام به

الوجه الخامس عشر: إن القول الذي قالوه إن لم يكن حقًّا يجب اعتقاده لم يجز الإلزام به، وإن كان حقًّا (¬1) يجب اعتقاده، فلا بد من بيان دلالته، فإن العقوبة لا تجوز قبل إقامة الحجة باتفاق المسلمين، فإن [كان] (¬2) القول مما أظهره الرسول وبينه، فقد قامت الحجة ببيان رسوله، وإن لم يكن ذلك فلا بد من بيان حجته وإظهارها، التي يجب موافقتها ويحرم مخالفتها. ولهذا قال الفقهاء (¬3) في أهل البغي المتأولين: إن (¬4) ذكروا مظلمة أزالها الإمام، وإن ذكروا شبهة بينها (¬5) لهم، فإذا لم يبينوا صواب القول أصلًا، بل ادعوه دعوى مجردة فكيف يجب التزام (¬6) مثل ذلك القول من غير الرسول؟ وهل يفعل هذا (¬7) من له عقل أو دين؟. الوجه السادس عشر: إنهم لو بينوا صواب ما ذكروه من القول لم يكن ذلك موجبًا لعقوبة تاركه (¬8)، فليس كل مسألة فيها نزاع إذا أقام أحد الفريقين الحجة على صواب قوله مما يسيغ له عقوبة مخالفه، بل عامة المسائل التي تنازعت ¬

_ (¬1) حقًّا: ساقطة من: س. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬3) كما ذكر ذلك ابن قدامة في المغني 8/ 108. (¬4) إن: ساقطة من: س. (¬5) في ط: بينوها. وهو تصحيف. (¬6) في الأصل: الالتزام. وأثبت ما يستقيم به الكلام من: س، ط. (¬7) في س: بهذا. (¬8) في الأصل أنهم لم يبنوا صواب ما ذكروه من القول لم يكون موجبًا. . . في (س) أنهم إن لم يبينوا صواب ما ذكروه من القول لم يكن موجبًا والمثبت من (ط) ولعله المناسب للسياق.

الوجه السابع عشر: على فرض صحة قولهم، ووجوب عقوبة تاركه، لم يذكروه إلا في هذا الوقت بعد الطلب والحبس؟

فيها الأمة لا يجوز لأحد الفريقين المتنازعين أن يعاقب الآخر على ترك اتباع قوله، فكيف إذا لم يذكروا حجة أصلًا ولم يظهروا صواب قولهم؟ الوجه السابع عشر: إنه لو فرض أن هذا القول الذي ألزموا به حق وصواب، قد ظهرت حجته ووجبت عقوبة تارك التزامه، فهذا لم يذكروه إلّا في هذا الوقت، بعد هذا الطلب والحبس والنداء على الشخص المعين بالمنع من موافقته، ونسبته إلى البدعة والضلالة ومخالفة جميع العلماء والحكام، وخروجه عما كان عليه الصحابة والتابعون إلى أنواع أخر مما قالوه وفعلوه في حقه من الإيذاء، والعقوبة والضرر، زاعمين أن ما صدر عنه من الفتاوى والكتب يتضمن ذلك، فإذا أعرضوا عن ذلك بالكلية، ولم يبينوا في كلامه المتقدم شيئًا من الخطأ والضلال الموجب للعقوبة، لم يكن ابتداؤهم بالدعاء (¬1) إلى مقالة أنشؤوها مبيحًا لما فعلوه قبل ذلك من الظلم والعدوان (¬2) والكذب والبهتان والصد عن سبيل الله والتبديل لدين الله، إنما هذا انتقال من ظلم إلى ظلم ليقروا (¬3) بالظلم المتأخر حسن الظلم المتقدم، كمن يستجير من الرمضاء بالنار (¬4)، وهذا يزيدهم ظلمًا (¬5) وعذابًا، فهب أن هذا الشخص وافقهم الآن على [ما] (¬6) أنشؤوه من ¬

_ (¬1) في الأصل: بالد. وهو من سهو الناسخ. (¬2) العدوان: ساقطة من: س، ط. (¬3) في س، ط: ليقرروا. (¬4) هذا اقتباس من قول الشاعر: المستجير بعمرو عند كربته ... كالمستجير من الرمضاء بالنار ويقال: إن أول من قاله التكلام الضبعي. انظر: فصل المقال للبكري ص: 377. (¬5) في س، ط: إثمًا. (¬6) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.

القول، أي شيء في ذلك مما يدل على خطئه وضلاله في أقواله المتقدمة، إذا لم تناف هذا القول، دع استحقاق العقوبة والكذب والبهتان، فما لم يبينوا أن فيما (¬1) صدر عنه [قبل طلبه وحبسه وإعلام ما ذكروه من أمره ما يوجب ذلك، لم ينفعهم هذا، وهم قد عجزوا عن إبداء خطأ أو ضلال فيما صدر عنه] (¬2) من المقال، وهم دائمًا يمتنعون من المحاجة (¬3) والمناظرة بلفظ أو خط، وقد قيل لهم مرات متعددة (¬4): من أنكر شيئًا فليكتب ما ينكره بخط يده، ويذكر حجته ويكتب جوابه، ويعرض الأمران على علماء المشرق والمغرب، فأبلسوا وبهتوا وطلب منهم غير مرة (¬5) المخاطبة في المحاضرة والمحاجة (¬6) والمناظرة، فظهر (¬7) منهم من العي في الخطاب والنكوص على الأعقاب والعجز عن الجواب ما قد اشتهر واستفاض بين أهل المدائن والأعراب، ومن قضاتهم الفضلاء من كتب اعتراضًا على الفتيا الحموية (¬8) وضمنه أنواعًا ¬

_ (¬1) في س: إذا لم يبينوا فيما. . . (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬3) في الأصل: يسحنون من المحاقة. وفي س، ط: يستعفون من المحاقة. ولعل ما أثبت يستقيم به الكلام. (¬4) في س: بتعدده. (¬5) في الأصل: غيره. والمثبت من: س، ط. ولعله المناسب. (¬6) في جميع النسخ: المحاقة. ولعل ما أثبت يستقيم به الكلام. (¬7) في الأصل: فنظر. والمثبت من: س، ط. ولعله المناسب. (¬8) ألفها -رحمه الله- بين الظهر والعصر، وهي جواب عن سؤال ورد من حماة سنة 698 هـ عن آيات الصفات وأحاديثها، وجرى بسبب تأليفها أمور ومحن وقد اعترض عليها بكتاب "الاعتراضات المصرية على الفتيا الحموية" وأجاب الشيخ -رحمه الله- على هذه الاعتراضات بكتابه "جواب الاعتراضات المصرية على الفتيا الحموية" في أربع مجلدات، عده ابن القيم من كتب الأصول، وسوف نتحدث عن هذا الكتاب فيما بعد. راجع: العقود الدرية -لابن عبد الهادي- ص: 29، 67، 195، 198. =

من الكذب وأمورًا لا تتعلق بكلام المعترض عليه، وقد كتبت جوابه في مجلدات، ومنهم من كتب شيئًا ثم خبأه وطواه عن الأبصار، وخاف من نشره ظهور العار وخزي أهل الجهل والصغار، إذ مدار القوم على أحد أمرين: (إما) (¬1) الكذب الصريح، وإما الاعتقاد القبيح، فهم لن يخلوا من كذب كذبه بعضهم وافتراه، وظن باطل خاب من تقلده وتلقاه، وهذه حال سائر المبطلين من المشركين، وأهل الكتاب الكفار والمنافقين. * * * ¬

_ = ومؤلفات ابن تيمية -لابن القيم- ص: 19. (¬1) في الأصل: أحدها.

إجابة الشيخ على قولهم: الذي يطلب منه أن يعتقده أن ينفي الجهة عن الله والتجيز من وجوه

فصل وأما قولهم: الذي نطلب منه أن يعتقده أن ينفي الجهة عن الله والتحيز (¬1). فالجواب من وجوه: أحدها: أن هذا اللفظ ومعناه الذي أرادوه، ليس هو في شيء من كتب الله المنزلة من عنده، ولا هو مأثورًا عن أحد من أنبياء الله ورسله، لا خاتم المرسلين، ولا غيره، ولا هو -أيضًا- محفوظًا عن سلف (¬2) الأمة وأئمتها أصلًا، وإذا كان بهذه المثابة، وقد [علم أن الله] (¬3) أكمل لهذه الأمة دينها، وأن الله بين لهذه الأمة (¬4) ما تتقيه (¬5)، كما قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (¬6). . . الآية، وقال: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} (¬7)، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بين للأمة الإيمان الذي أمرهم الله به، وكذلك سلف الأمة وأئمتها، علم بمجموع (¬8) هذين الأمرين، أن هذا الكلام ليس من دين الله، ولا من ¬

_ (¬1) في س: "والتحيز به". (¬2) في س، ط: "عن أحد من سلف. . . ". (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من س، ط. (¬4) "الأمة": ساقطة من ط. (¬5) في الأصل "تنفيه" والمثبت من: س، ط. (¬6) سورة المائدة، الآية: 3. (¬7) سورة التوبة، الآية: 115. (¬8) في الأصل، س: "المجموع"، والمثبت من: ط.

الوجه الثاني: أن الله نزه نفسه في كتابه عن النقائص تارة بنفيها وتارة بإثبات أضدادها

الإيمان، ولا من سبيل المؤمنين، ولا من طاعة الله ورسوله. وإذا كان كذلك، فمن ألزم (¬1) اعتقاده فقد جعله من الإيمان والدين وذلك تبديل (¬2) للدين، كما بدل من بدل من مبتدعة اليهود والنصارى ومبتدعة هذه الأمة دين المرسلين. يوضح ذلك: الوجه الثاني: أن الله نزه نفسه في كتابه عن النقائص، تارة بنفيها، وتارة بإثبات أضدادها، كقوله تعالى: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (¬3)، وقوله تعالى: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ} (¬4) وقوله: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} (¬5). . . الآية، وقوله: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} (¬6)، وقوله: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ} (¬7) إلى قوله: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (¬8) وقوله: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} إلى قوله: {فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (¬9) وقوله: ¬

_ (¬1) في ط: "التزم". (¬2) في س: "بتبديل". (¬3) سورة الإخلاص، الآيتان: 3، 4. (¬4) سورة الإسراء، الآية: 111. (¬5) سورة الفرقان، الآية: 1. (¬6) سورة البقرة، الآية: 255. (¬7) سورة الأنعام، الآية: 100. في س، ط: "بغير علم". (¬8) سورة الأنعام، الآية: 103. (¬9) سورة المؤمنون، الآيات: 91 - 92. وفي الأصل: "فتعالى الله عما يشركون". وفي ط: "وتعالى عما يشركون" وهو خطأ.

{حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (¬1) إلى قوله: {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (¬2) وقوله: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} (¬3). . . الآية، وقوله: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} (¬4). . . الآية، وما في القرآن من خبره عن نفسه أنه بكل شيء عليم، وأنه لا يعزب عنه مثقال ذرة من الأرض ولا في السماء، وأنه على كل شيء قدير، وأنه ما شاء الله (¬5) لا قوة إلّا بالله، وأن رحمته وسعت كل شيء، وأنه العلي العظيم الأعلى المتعال العظيم الكبير، وكذلك الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - موافقة لكتاب الله، كقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: "إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط (¬6) ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار (¬7)، وعمل النهار قبل عمل الليل (¬8)، حجابه النور أو النار (¬9)، لو (¬10) كشفه لأحرقت سبحات وجهه (¬11) ما انتهى إليه ¬

_ (¬1) سورة فصلت، الآية: 20. (¬2) سورة فصلت، الآية: 23. (¬3) سورة المائدة، الآية: 64. في س، ط: لم تذكر "غلت أيديهم". (¬4) سورة آل عمران، الآية: 181. (¬5) في ط: "ما شاء الله كان". (¬6) القسط: هو الميزان. انظر: لسان العرب 7/ 377 (قسط). (¬7) في الأصل: "قبل النهار"، والمثبت من: س، ط، وصحيح مسلم. (¬8) في الأصل: "قبل الليل"، والمثبت من: س، ط، وصحيح مسلم. (¬9) صحيح مسلم 1/ 162 - كتاب الإيمان- باب 79، وفي رواية أبي بكر: النار". (¬10) في س، ط: "ولو". (¬11) سبحات وجهه: أي: نوره وجلاله وعظمته. انظر: لسان العرب 2/ 473 (سبح).

بصره (¬1) من خلقه" (¬2)، وقوله - صلى الله عليه وسلم - أيضًا- فيما يروي عن ربه "شتمني (¬3) ابن آدم وما ينبغي له ذلك، وكذبني ابن آدم، وما ينبغي له ذلك، فأما شتمه إياي فقوله: إنّي اتخذت ولدًا، وأنا الأحد الصمد، الذي لم ألد ولم أولد، وأما تكذيبه إياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته" (¬4)، وقوله في حديث السنن للأعرابي: "ويحك إن الله لا يستشفع له على أحد مر، خلقه، شأن الله أعظم من ذلك، إن عرشه على سمواته و (¬5) قال بيده: مثل القبة، وإنه ليئط به أطيط (¬6) الرحل الجديد. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) في الأصل، س: "ما أدركه بصره" والمثبت من: ط، وصحيح مسلم، وابن ماجة 1/ 70 - المقدمة- الباب رقم 13، ومسند الإمام أحمد 4/ 405. وقد ورد في سنن ابن ماجة 1/ 71، حديث 196، ومسند الإمام أحمد 4/ 401: ". . . لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره". (¬2) الحديث في صحيح مسلم 1/ 161 - 162 - كتاب الإيمان- باب في قوله -عليه السلام- إن الله لا ينام. . عن أبي موسى قال: قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخمس كلمات فقال:. . . ". وسنن ابن ماجة 1/ 70 - 71 - المقدمة- الباب رقم 13 - الحديث 195، ومسند الإمام أحمد 4/ 405. (¬3) الشتم: هو السب والوصف بما يقتضي النقص. انظر: لسان العرب 12/ 318. (شتم). وفتح الباري 13/ 9 - كتاب بدء الخلق. (¬4) الحديث مع اختلاف في الألفاظ رواه البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - في كتاب بدء الخلق 4/ 73 الباب الأول. وكتاب التفسير- تفسير سورة البقرة 5/ 149 - باب (وقالوا اتخذ الله ولدًا سبحانه) رقم 8. وكتاب التفسير -أيضًا- باب تفسير (قل هو الله أحد) 6/ 95. وانظره في سنن النسائي 4/ 91، كتاب الجنائز- باب أرواح المؤمنين. ومسند الإمام أحمد 2/ 317، 350، 351، 393، 394. (¬5) في ط: "أو". (¬6) في س: "أطيل" وهو خطأ.

براكبه" (¬1) وقوله في الحديث الصحيح: "أنت الأول فليس (¬2) قبلك شيء، وأنت الآخر فليس (¬3) بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء" (¬4). إلى أمثال ذلك. ¬

_ = وأطيط الرحل: هو صوتها من ثقل أحمالها، وهو كلام تقريب، أريد به تقرير عظمة الله عزَّ وجلَّ (لسان العرب 7/ 256 - "أطط"). (¬1) الحديث مع اختلاف في اللفظ رواه أبو داود في كتاب السنة- باب الرد على الجهمية 5/ 94، 95 - الحديث رقم 4726. ورواه الدارمي في سننه -كتاب الرقائق- باب في شأن الساعة، ونزول الرب تبارك وتعالى 2/ 233 - الحديث رقم 2803. كما أخرجه الآجري في الشريعة ص: 293. والحديث سنده ضعيف فيه محمد بن إسحاق مدلس (تهذيب التهذيب 9/ 38). يقول محمد ناصر الدين الألباني -عند تخريجه لهذا الحديث في شرح الطحاوية ص: 310، 317 - المكتب الإسلامي: "إنه ضعيف الإسناد، ولا يصح في أطيط العرش حديث". وقال في تعليقه على هذا الحديث في كتاب السنة لابن أبي عاصم 1/ 252، الحديث رقم 575: "وإسناده ضعيف، ورجاله ثقات لكن ابن إسحاق مدلس، ومثله لا يحتج به إلَّا إذا صرح بالتحديث، وهذا ما لم يفعله فيما وقفت عليه من الطرق إليه. (¬2) في الأصل: "فلا شيء" والمثبت من س، ط، وصحيح مسلم. (¬3) في الأصل: "فلا شيء"، والمثبت من س، ط، وصحيح مسلم. (¬4) صحيح مسلم 4/ 2084 كتاب الذكر والدعاء. . باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع- الحديث رقم 2713. والحديث يروى عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول إذا أوى إلى فراشه: "اللهم رب السموات ورب الأرض، ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، اللهم. . . ". وراجعه في سنن الترمذي 5/ 518 - كتاب الدعوات- باب 68 - الحديث رقم 3481.

الوجه الثالث: أن قولهم: مجمل فيه حق وباطل والذي يعنيه جمهور الجهمية المعنى الباطل

[وليس في شيء] (¬1) من ذلك نفي الجهة والتحيز (¬2) عن الله، ولا وصفه بما يستلزم لزومًا بينًا نفي (¬3) ذلك، فكيف يصح مع كمال الدين وتمامه، ومع كون الرسول قد بلغ البلاغ المبين أن يكون هذا من الدين والإيمان ثم لا يذكره الله ورسوله قط؟ وكيف يجوز أن يدعى الناس ويؤمرون باعتقاد في أصول الدين ليس له أصل عن من (¬4) جاء بالدين؟ هل هذا إلّا صريح تبديل الدين؟ الوجه الثالث (¬5): أني (¬6) قد قلت لهم: قائل هذا القول: إن أراد به أن ليس في السموات رب، ولا فوق العرش إله، وأن محمدًا لم يعرج به إلى ربه، وما فوق العالم إلّا العدم المحض، فهذا باطل مخالف لإجماع سلف الأمة وأئمتها، وهذا المعنى هو الذي يعنيه جمهور الجهمية (¬7) من مشايخ الممتحنين ونحوهم، يصرحون به في كلامهم وكتابهم. وإن أراد به أن الله لا يحيط به مخلوقاته، ولا يكون في جوف الموجودات فهذا مذكور مصرح به في كلامي، وإثبات هذا المعنى، وهو ¬

_ = وسنن ابن ماجة 2/ 1274 كتاب الدعاء -باب ما يدعو به إذا أوى إلى فراشه- الحديث رقم 3873. (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬2) في الأصل: "الحيز" وهو تصحيف، والمثبت من: س، ط. (¬3) في س "ينفي". (¬4) في س: "غير من"، وفي ط: "عمن". (¬5) في هذا الوجه يناقشهم شيخ الإسلام -رحمه الله- باصطلاحهم، إذ أن مخاطبة أهل الاصطلاح باصطلاحهم ولغتهم ليس بمكروه، إذا احتيج إلى ذلك وكانت المعاني صحيحة. راجع: درء تعارض العقل والنقل 1/ 43. (¬6) "إني": ساقطة من س، ط. (¬7) الجهمية: سبق التعريف بهم ص: 10، 56.

أنه بذاته في الموجودات ليس خارجًا عنها، هو قول كثير من الجهمية -أيضًا- الذين ينفون أنه على العرش أيضًا، سواء قالوا (¬1): إنه بذاته في كل مكان، أو قالوا: إنه هو في (¬2) الموجودات، كما يقوله الاتحادية (¬3) منهم، وذلك أن الجهمية الذين ينفون أن يكون الله فوق عرشه، بائنًا من خلقه، منهم من يقول: [إنه] (¬4) لا داخل العالم ولا خارجه، ومنهم من يقول: إنه داخل العالم، ومنهم من يقول: إنه داخله وخارجه، ¬

_ (¬1) في الأصل: "سواء أن قالوا. . . " والكلام يستقيم بالمثبت من: س، ط. (¬2) "في": ساقطة من س، ط. (¬3) الاتحادية: هم القائلون بأن الله متحد بمخلوقاته كاتحاد الماء باللبن، والنار بالحديد، فوجود الخالق عين وجود المخلوق. وحقيقة قولهم: تعطيل الصانع بالكلية، والقول بقول الدهرية الطبيعية دون الإلهية. والقائل بهذا غلاة الصوفية والفلاسفة، كابن عربي، وابن سبعين، والتلمساني، وغيرهم. انظر: درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية 3/ 75، 6/ 152 - 154. يقول ابن القيم -رحمه الله-: "الاتحادية هم القائلون بوحدة الوجود، فالله -سبحانه- عندهم هو عين هذا الوجود، فصفاته هي صفات الله، وكلامه هو كلام الله، وأصل هذا المذهب إنكار مسألة المباينة والعلو". انظر: مختصر الصواعق المرسلة 2/ 286، 287. يقول محب الدين الخطيب: ". . . وهي في الأصل عقيدة برهمية تقوم عليها مؤلفات تاغور، أحد البراهمة المعاصرين، ويدعو إليها جميع المنافقين من ملاحدة الشرق والغرب". انظر: مختصر منهاج السنة النبوية لابن تيمية -للذهبي. تحقيق محب الدين الخطيب ص: 55، الحاشية رقم 1. وسوف يتكلم عليهم الشيخ بشيء من التفصيل في ص: 573 - 575. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.

الوجه الرابع: الأمر باعتقاد قول من الأقوال لا يخلو من تقديرين

متناهيًا أو غير متناه، جسمًا أو غير جسم، كما بينا مقالاتهم في غير هذا الموضع (¬1). فصارت الجهمية (¬2) الذين ينفون عن الله الجهة والحيز، مقصودهم أنه ليس فوق العرش رب، ولا فوق السموات إله، والجهمية الذين يقولون: إنه في الموجودات يثبتون له الجهة والحيز، فبينت في الجواب بطلان قول فريقي الجهمية النفاة والمثبتة، فإن نفاة الجهمية لا يعبدون شيئًا ومثبتتهم يعبدون كل شيء، وذكرت هذين القسمين (¬3)، لأنها هي التي جرت عادة المتكلمين بنفي الجهة والحيز عن الله أنهم يعنونها، فإن كانوا عنوا معنى آخر كان عليهم بيانه، إذ اللفظ لا يدل عليه؛ وليس لأحد أن يمتحن الناس بلفظ مجمل، ابتدعه هو من غير بيان لمعناه. الوجه الرابع: أنهم طلبوا اعتقاد نفي الجهة والحيز عن الله، ومعلوم أن الأمر بالاعتقاد لقول من الأقوال إما أن يكون تقليدًا (¬4) للآمر، أو لأجل الحجة ¬

_ (¬1) أشار الشيخ -رحمه الله- إلى رأي الجهمية هذا في كثير من كتبه، منها كتابه: "بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية" 1/ 314، 600، تعليق محمد بن قاسم. (¬2) الجهمية: سبق التعريف بهم ص: 119، 171. (¬3) أشار الشيخ -رحمه الله- إلى هذين القسمين في مجموع الفتاوى 6/ 38 - 39، جمع وترتيب: عبد الرحمن بن قاسم. (¬4) التقليد في اللغة: وضع الشيء في العنق مع الإحاطة به، ويسمى ذلك قلادة والجمع قلائد. وفي عرف الفقهاء: قبول قول الغير من غير حجة. . . فلا يسمى الأخذ بقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - والإجماع تقليدًا، لأن ذلك هو الحجة في نفسه. قال ابن قدامة: قال أبو الخطاب: العلوم على ضربين: منها ما لا يسوغ التقليد فيه، وهو معرفة الله ووحدانيته وصحة الرسالة ونحو ذلك. . وأما التقليد في الفروع فجائز إجماعًا.

الوجه الخامس: أن الناس تنازعوا في جواز التقليد في مسائل أصول الدين وأما ما يقال عنها أنها عقليات فلم يجوز أحد التقليد فيها

والدليل، فإن كانوا أمروا بأن يعتقد هذا تقليدًا لهم، ولمن قال ذلك، فهذا باطل بإجماع المسلمين منهم ومن غيرهم، وهم يسلمون أنه لا يجب التقليد في مثل ذلك لغير الرسول، لا سيما وعندهم هذا القول لم يعلم بأدلة الكتاب والسنة والإجماع، وإنما علم بالأدلة العقلية، والعقليات لا يجب التقليد فيها بالإجماع (¬1)، وإن كان الأمر بهذا الاعتقاد لقيام الحجة عليه، فهم لم يذكروا حجة لا مجملة ولا مفصلة، ولا أحالوا عليها، بل هم يفرون من المناظرة والمحاجة بخطاب أو كتاب، فقد ثبت أن أمرهم لهذا الاعتقاد حرام باطل على التقديرين بإجماع المسلمين، وأن فعل ذلك من أفعال الأمة المضلين، وأنه أمر للناس (¬2) أن يقولوا على الله ما لا يعلمون. الوجه الخامس: أن الناس تنازعوا في جواز التقليد في مسائل أصول الدين، لمن يجوز تقليده في الدين من أئمة المسلمين المتبعين فيما يقولونه لما ثبت عن المرسلين، كما يقلد مثل هؤلاء في فروع الدين. فأما التقليد في الأمور التي يقولون: إنها عقليات وإنها معلومة بالعقل يحتاج فيها إلى تأويل السمع، وإنها من أصول الدين، فما نعلم أحدًا جوز التقليد في مثل ذلك، بل الناس فيها قسمان: منهم من ينكرها على أصحابها ويبين أنها جهليات لا عقليات، ومنهم من يقول بل ¬

_ = انظر: "روضة الناظر، وجنة المناظر" لابن قدامة ص: 205 - 206. و"الإحكام في أصول الأحكام" للآمدي 4/ 221. (¬1) التقليد الباطل المذموم الذي حرمه الله ورسوله واتفق المسلمون على تحريمه أشار إليه الشيخ -رحمه الله- في مجموع الفتاوى 19/ 260 - 262، 20/ 15 - 18. (¬2) في الأصل، س: "الناس" والمثبت من ط، وهو ما يستقيم به الكلام.

الوجه السادس: أنه لو فرض جواز التقليد أو وجوبه في مثل هذا لكان لمن يسوغ تقليده في الدين كالأئمة المشهورين

[من] (¬1) نظر في أدلتها العقلية علم صحتها. فأما أن يقول قائل: إن هذه الأمور التي تنازعت فيها الأمة، وادعى كل فريق أن الحق معهم، إني أقلد من يدعي أن قوله معلوم بالعقل قبل أن أعلم صحة ما يقوله بالعقل، فهذا لا يقوله عاقل، فإن العقل لا يرجح في موارد النزاع قولًا على قول، وقائلًا على قائل إلّا بموجب. أما مجرد التقليد لأحد القائلين بغير حجة، فلا يسوغ في عقل ولا دين، وإذا كان كذلك لم يكن لهم أن يسوغوا لأحد أن يقول هذا القول حتى يعلمه بأدلته العقلية، فكيف وقد أوجبوا اعتقاده إيجابًا مجردًا لم يذكروا عليه دليلًا أصلًا؟ وهل هذا إلّا في غاية المناقضة والتبديل للعقل والدين؟ فإن من أباح المحرمات من الأفعال كان خارجًا عن الشريعة، فكيف بمن أوجبها وعاقب عليها؟ وكيف (¬2) إذا كان ذلك من الاعتقادات التي هي أعظم من الأفعال؟ الوجه السادس: أنه لو فرض جواز التقليد أو وجوبه في مثل هذا، لكان لمن يسوغ تقليده في الدين كالأئمة المشهورين الذين أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم، وهذا القول لم يقله أحد ممن يسوغ للمسلمين تقليده في فروع دينهم، فكيف يقلدونه [في] (¬3) أصول دينهم التي هي أعظم من فروع الدين، فإن هذا القول (¬4) وإن قاله طائفة من المنتسبين إلى مذاهب الأئمة الأربعة، فليس من قائليه من هو من أئمة ذلك المذهب الذين لهم قول متبوع بين أئمة ذلك المذهب، فإن أصحاب الوجوه من أصحاب ¬

_ (¬1) "من": زيادة من: س، ط. (¬2) في جميع النسخ: "فكيف"، ولعل ما أثبت هو المناسب. (¬3) "في ": زيادة أثبتها لاقتضاء السياق لها. (¬4) في الأصل: "لا القول"، وهو تصحيف، والمثبت من: س، ط.

الشافعي (¬1)، كأبي العباس بن سريج (¬2)، وأبي علي بن أبي هريرة (¬3)، وأبي سعيد الإصطخري (¬4)، وأبي علي بن خيران (¬5)، والشيخ أبي حامد الإسفراييني (¬6) ونحو هؤلاء ليس فيهم من يقول هذا القول، بل المحفوظ ¬

_ (¬1) الشافعي: تقدمت ترجمته ص: 134. (¬2) في الأصل، س: "سريح" وهو خطأ. وهو: أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج البغدادي الشافعي، الإمام المشهور أحد أصحاب الشافعي، وناشر مذهبه ومبسطه، له مؤلفات منها: "الأقسام والخصال في فروع الفقه الشافعي"، ولد سنة 229 هـ، وتوفي سنة 306. راجع: تاريخ بغداد -للخطيب البغدادي- 4/ 287. وتهذيب الأسماء واللغات- للنووي 2/ 251 - 252. ووفيات الأعيان -لابن خلكان 1/ 66 - 67. (¬3) هو: أبو علي الحسن بن الحسين بن أبي هريرة الفقيه الشافعي، شرح مختصر المزني، وله مسائل في الفروع، كان أحد شيوخ الشافعيين، توفي سنة 345 راجع: تاريخ بغداد- للخطيب البغدادي 7/ 298 - 299. ووفيات الأعيان -لابن خلكان 2/ 75. (¬4) هو: الحسن بن أحمد بن يزيد بن عيسى الإصطخري الشافعي، فقيه، تولى القضاء بقم، وتولى الحسبة ببغداد، له كتاب الأقضية، ولد سنة 244 وتوفي سنة 328 هـ. راجع: تاريخ بغداد -للخطيب البغدادي 7/ 268 - 270. وتهذيب الأسماء واللغات للنووي 2/ 237 - 239. ووفيات الأعيان لابن خلكان 2/ 74 - 75. (¬5) هو: أبو علي الحسين بن صالح بن خيران، الفقيه الشافعي، كان من جلة الفقهاء المتورعين وأفاضل الشيوخ، عرض عليه القضاء ببغداد في خلافة المقتدر فلم يفعل، توفي سنة 320 هـ. راجع: تاريخ بغداد -للخطيب البغدادي- 8/ 53 - 54. ووفيات الأعيان -لابن خلكان 2/ 133 - 134. وطبقات الشافعية -للسبكي 3/ 271 - 274. (¬6) هو: أبو حامد أحمد بن أبي طاهر محمد بن أحمد الإسفراييني، الفقيه الشافعي، انتهت إليه الرئاسة ببغداد، علق على مختصر المزني، وله في المذهب الشافعي: "التعليقة الكبرى" ولد سنة 344، وتوفي سنة 406 هـ.

أبو المعالي الجويني لا يجوز تقليده في شيء من فروع الدين عند أصحاب الشافعي

عمن حفظ عنه كلام في هذا ضد هذا القول، وغايته (¬1) أن يحكي عن مثل أبي المعالي الجويني (¬2)، وهو أجل من يحكي عنه ذلك من المتأخرين، وأبو المعالي ليس له وجه في المذهب، ولا يجوز تقليده في شيء من فروع الدين عند أصحاب الشافعي (¬3)، فكيف يجوز أو يجب تقليده في أصول الدين؟ وهذا هو الذكي اللوذعي (¬4)، وكتابه (¬5) في المذهب هو ¬

_ = راجع: تاريخ بغداد -للخطيب البغدادي- 4/ 368 - 370. وتهذيب الأسماء واللغات -للنووي 2/ 208 - 210. ووفيات الأعيان -لابن خلكان 1/ 72 - 74. وطبقات الشافعية -للسبكي 4/ 61 - 74. (¬1) في الأصل: "وعاينه"، والمثبت من: س، ط. (¬2) في الأصل: "أبو العالي الحوني". وهو خطأ. هو: أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجويني -نسبة إلى "جوين" قرية من قرى نيسابور -الشافعي الأشعري، الملقب بإمام الحرمين، لمجاورته بمكة أربع سنين، رحل إلى بغداد ثم عاد إلى نيسابور فبنى له الوزير نظام الملك "المدرسة النظامية" وتولى بها الخطابة والتدريس، ولد سنة 419، وتوفي سنة 478 هـ، وله مؤلفات منها: "العقيدة النظامية" ط، و"الشامل في أصول الدين" ط، و"الإرشاد". راجع: تبيين كذب المفتري -لابن عساكر 278 - 285. ووفيات الأعيان -لابن خلكان 3/ 167 - 170. وطبقات الشافعية -للسبكي 5/ 165. فما بعدها. والبداية والنهاية -لابن كثير 12/ 138. (¬3) الشافعي: تقدمت ترجمته ص: 134. (¬4) هو: الخفيف الذكي، الظريف الذهن، الحديد الفؤاد، واللسان الفصيح، كأنه يلذع بالنار من ذكائه. راجع: تاج العروس -للزبيدي- 5/ 499 (لذع). (¬5) لعله "نهاية المطلب في دراية -أو رواية- المذهب". وهو كتاب ما صنف مثله في المذهب في رأي ابن خلكان (وفيات الأعيان 3/ 168) وابن العماد الحنبلي (شذرات الذهب 3/ 359)، وهو اثنا عشر مجلدًا في الفقه الشافعي -خ- جمعه بمكة وأتمه بنيسابور، واختصره أبو سعد عبد الله بن محمد اليمني، المعروف بابن أبي عصرون -المتوفى سنة 585 هـ، وسماه "صفوة المذهب من نهاية المطلب" وهو سبع مجلدات.

الذي رفع قدره، وفخم أمره، فإذا لم يجز تقليده فيما ارتفع به قدره، وعظم به أمره عند الأصحاب، فكيف يقلد في الأمر الذي كثر فيه الاضطراب، وأقر عند موته بالرجوع عنه وتاب (¬1)؟ وهجره على بعض مسائله (¬2)، مثل أبي القاسم. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = راجع: الأعلام -للزركلي 4/ 306. وكشف الظنون -لحاجي خليفة 2/ 1990. (¬1) ذكر ابن الجوزي: أن الحافظ أبا جعفر قال: سمعت أبا المعالي يقول: "ركبت البحر الخضم، وغصت في الذي نهى أهل الإسلام عنه، كل ذلك في طلب الحق، وكنت أهرب في سالف الدهر من التقليد، والآن فقد رجعت عن الكل إلى كلمة الحق، عليكم بدين العجائز، فإن لم يدركني الحق بلطيف بره، وإلا فالويل لابن الجويني". راجع: المنتظم 9/ 19. وقد ذكر هذا الخبر: الذهبي في سير أعلام النبلاء 18/ 470 - 471. والسبكي في طبقاته 5/ 185. وإقرار الجويني بهذا عند موته، يدل على أن المنهج الحق هو ما استمد من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وما كان عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان من أهل العلم والعرفان، وأن الاشتغال بالكلام تكون نهايته الضياع. (¬2) كمسألة: "إن الله يعلم الكليات لا الجزئيات". وقد أشار إلى هذه المسألة ابن الجوزي، وتعجب من هذه المقالة، ونقل عن ابن عقيل أنها في غاية الضلالة. راجع: المنتظم 9/ 19. وقال المازري: "وددت لو محوتها بدمي" وقيل: لم يقل بهذه المسألة تصريحًا، بل ألزم بها، لأنه قال بمسألة الاسترسال فيما ليس بمتناه من نعيم أهل الجنة، فالله أعلم. راجع: شرح البرهان. يقول الذهبي -بعد ذكره لما تقدم: "هذه هفوة اعتزال هجر أبو المعالي عليها، وحلف أبو القاسم القشيري لا يكلمه، ونفي بسببها فجاور وتعبد وتاب -ولله الحمد- منها كما أنه في الآخر رجح مذهب السلف في الصفات وأقره. راجع: سير أعلام النبلاء 18/ 472. وذكر هذه المسألة: السبكي، لكن في معرض الإنكار والتكذيب.

أبو المعالي قليل المعرفة بالكتاب والسنة

القشيري (¬1)، وغيره من الأصحاب، وإذا كان هذا حال من يقلد إمام الحرمين الأستاذ (¬2) المطاع، فكيف بمن يقلد من هو دونه بلا نزاع، وذلك لأن التقليد في الفروع، دع (¬3) الأصول، إنما يكون لمن كان عالمًا بمدارك الأحكام الشرعية من الكتاب والسنة والإجماع، وأبو المعالي (¬4) لم يكن من هذا الصنف، فإنه كان قليل (¬5) المعرفة بالكتاب والسنة، وعامة ما يعتمد عليه في الشريعة الإجماع في المسائل القطعية والقياس، والتقليد (¬6) في المسائل الظنية، وكذلك هو في مسائل أصول الدين، ¬

_ = راجع: طبقات الشافعية 5/ 188 - فما بعدها. (¬1) هو: أبو القاسم عبد الكريم بن هوزان بن عبد الملك بن طلحة بن محمد القشيري النيسابوري، الفقيه الشافعي، والإمام القدوة، صاحب "الرسالة القشيرية" في الكلام على رجال الطريقة، له "التفسير الكبير" الذي قال عنه الذهبي: "هو من أجود التفاسير" ولد سنة 375 وتوفي سنة 465 هـ. راجع: تاريخ بغداد -للخطيب البغدادي- 11/ 83. وتبيين كذب المفتري -لابن عساكر- ص: 271 - 276. ووفيات الأعيان -لابن خلكان 3/ 205 - 208. وسير أعلام النبلاء -للذهبي 18/ 227 - 233. (¬2) في الأصل، س: "للأستاذ"، والمثبت من: س، ط. (¬3) في ط: "دون". (¬4) في الأصل: "أبو العالي" وهو خطأ، والمثبت من: س، ط. أبو المعالي: تقدمت ترجمته ص: 198. (¬5) يقول ياقوت الحموي، بعد ذكره لأبي المعالي: ". . . وكان قليل الرواية معرضًا عن الحديث. . . ". راجع: معجم البلدان 2/ 193. وقال الذهبي: "كان هذا الإمام مع فرط ذكائه وإمامته في الفروع وأصول المذهب وقوة مناظرته، لا يدري الحديث كما يليق به، لا متنًا ولا سندًا. . . ". راجع: سير أعلام النبلاء 18/ 471. (¬6) في س، ط: "أو التقليد".

غالب أمره، الدوران بين الإجماع السمعي القطعي والقياس العقلي الذي يعتمد (¬1) أنه قطعي. [فإنه في الفروع على] (¬2) مذهب الشافعي (¬3)، وبالخلاف المنصوب مع أبي حنيفة (¬4)، وأما بالأصول فبالدلائل والمسائل المذكورة في كتب المعتزلة (¬5). . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) في س: "يعتقد". (¬2) ما بين المعقوفتين بياض في جميع النسخ، ولعل ما أثبته يستقيم به الكلام. (¬3) الشافعي: سبقت ترجمته ص: 134. (¬4) أبو حنيفة: سبقت ترجمته ص: 155. (¬5) المعتزلة: فرقة من أشهر الفرق الإِسلامية، ويسمون أصحاب العدل والتوحيد، ويلقبون بالقدرية والعدلية. وقد اختلف في سبب تسميتهم بالمعتزلة، لكن أشهر ما قيل: إن الحسن البصري سئل عن مرتكب الكبيرة -وكان في مجلسه واصل بن عطاء- ففكر الحسن، وقبل أن يجيب قال واصل: أنا لا أقول: إن صاحب الكبيرة مؤمن ولا كافر، بل هو في منزلة بين المنزلتين، ثم قام واعتزل إلى أسطوانة من أسطوانات المسجد يقرر ما أجاب به على جماعة من أصحاب الحسن، فقال الحسن: "اعتزل عنا واصل" فسمي هو وأصحابه معتزلة. والمعتزلة فرق متعددة يجمعها القول بخمسة أصول هي: التوحيد، والعدل، الوعد والوعيد، المنزلة بين المنزلتين، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهذه الأصول هي ملجؤهم، وأصل مذهبهم، يوالون عليها ويعادون. وقد ظهر الاعتزال في البصرة ثم امتد من هناك إلى بغداد، ولذا فهم فرعان: فرع البصرة، وفرع بغداد، وبينهما اختلاف كثير في عدد من المسائل. انظر عن المعتزلة وفرقها، وما اتفقت عليه من أصول، وما اختلفت فيه من فروع: -طبقات المعتزلة- باب ذكر المعتزلة من مقالات الإِسلاميين لأبي القاسم البلخي ص: 59 - 115. -طبقات المعتزلة- فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة للقاضي عبد الجبار ص: 125 - 199. "شرح الأصول الخمسة، والمغني في أبواب العدل والتوحيد للقاضي عبد الجبار. -مقالات الإِسلاميين للأشعري =

والأشعرية (¬1). هذا وهو أجل من يقرن به من المناظرين، وعمدة من يسلك سبيله من المستأخرين (¬2)، فكيف بمن لم يبلغ شأوه (¬3) في العلم والذكاء ومقاومة الخصوم الفضلاء. وأما من تكلم في ذلك من فقهاء المالكية المتأخرين كالباجي (¬4)، ¬

_ = 1/ 235 - 249، 2/ 298 - 338. التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع للملطي ص: 35 - 43. -الملل والنحل للشهرستاني 1/ 43 - 85. - التبصير في الدين للإسفراييني ص: 63 - 95. -مذاهب الإِسلاميين- لعبد الرحمن بدوي 1/ 37 فما بعدها. -ضحى الإِسلام- لأحمد أمين 3/ 21 فما بعدها. (¬1) الأشعرية: هم أتباع أبو الحسن الأشعري، وقد تقدمت ترجمته ص: 169 الواردة في إثباتها -أبي الحسن الأشعري صرح في كتابه (الإبانة) - آخر مصنف له - رجوعه عن معتقده واتباعه للإمام) أحمد -رحمه الله- إلَّا أن أتباعه- على معتقده السابق -يحاولون- عبثًا- التشكيك في نسبة هذا الكتاب إليه، لما يتضمنه من أصول العقيدة السلفية التي كان عليها -رحمه الله-. يقول الدكتور صالح الفوزان -في تقديمه لهذا الكتاب، وإشارته إلى أنه كتاب نفيس يتضمن أصول عقيدة أهل السنة والجماعة: "وفي ذلك رد على الذين ينتسبون إلى هذا الإِمام، وهم يخالفونه في هذه العقيدة، ويستمرون مع الفرق المخالفة، فتبين بذلك أن انتسابهم إليه غير صحيح- بل هو ظلم له وكذب عليه". الإبانة -لأبي الحسن الأشعري- تحقيق د. صالح الفوزان ص: 3، 15. وانظر: تبيين كذب المفتري -لابن عساكر- ص: 152. مذاهب الإِسلاميين -تأليف: د. عبد الرحمن بدوي - 1/ 487 - 564، 592 - 632، 675 - 678، 699 - 748. والأشعري: د. حمودة غرابة- ص: 60 - 200. ونشأة الأشعرية وتطورها- د. جلال موسى- ص: 163 فما بعدها. (¬2) في ط: "المتأخرين". (¬3) في الأصل: "ثناؤه"، وأثبت ما رأيته الصواب من: س، ط. والشأو: الغاية والأمل. (¬4) في الأصل: "الناجي" وهو خطأ. هو: أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعيد التجيبي القرطبي الباجي الفقيه المالكي من رجال الحديث، له تصانيف كثيرة منها: "المنتقى" في الفقه، =

وأبي بكر بن العربي (¬1)، ونحوهما، فإنهم في ذلك يقلدون لمن أخذوا ذلك عنه من أهل المشرق المتكلمين معترفين (¬2) بأنهم لهم من التلامذة المتبعين، ليس في كلام أحد من هؤلاء استيفاء الحجة في هذا الباب من الطرفين، ولا النهوض بأعباء هذا العمل الذي يحتاج إلى فصل الخطاب في القولين المتعارضين (¬3). وأما أئمة المالكية الذين إليهم المرجع في الدين، كابن القاسم (¬4)، وابن وهب (¬5)، وأشهب (¬6)،. . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وكتاب "التسديد إلى معرفة التوحيد" وغيرهما, ولد سنة 403 وتوفي سنة 474. راجع: تبيين كذب المفتري -لابن عساكر 6/ 250 - 252. وتذكرة الحفاظ -للذهبي 3/ 1178 - 1183. والوافي بالوفيات -للصفدي 15/ 372 - 374. (¬1) في الأصل: "ابن الفرس" وهو خطأ. هو: أبو بكر محمَّد بن عبد الله بن محمَّد الإشبيلي المالكي المعروف بابن العربي، الفقيه الحافظ القاضي، صنف كتبًا في مختلف الفنون منها: "عارضة الأحوذي في شرح الترمذي " و"العواصم من القواصم" مطبوعان وغيرهما, ولد سنة 468 هـ وتوفي سنة 543 هـ. راجع: وفيات الأعيان -لابن خلكان 4/ 296 - 297. وتذكرة الحفاظ -للذهبي 4/ 1294 - 1298. والوافي بالوفيات - للصفدي 3/ 330. (¬2) في س: "معترفون". وفي ط: "ومعترفون". (¬3) في الأصل: "المتفاوضين" وأثبت ما رأيته الصواب من: س، ط. (¬4) هو: أبو عبد الله عبد الرحمن بن القاسم بن خالد بن جنادة، مولى زبيد بن الحارث العتقي، روى الموطأ عن مالك رواية صحيحة قليلة الخطأ، وكان فقيها ورجلًا صالحًا، انتقل إلى المدينة وسمع بها دروس الإِمام مالك عشرين عامًا، وهو شيخ لسحنون. ولد بمصر سنة 128 هـ وتوفي فيها سنة 191. راجع: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 2/ 2 / 279. والانتقاء -لابن عبد البر ص: 50 - 51. وتذكرة الحفاظ -للذهبي 356 - 357. (¬5) ابن وهب: تقدمت ترجمته ص: 136. (¬6) هو: أبو عمر أشهب بن عبد العزيز بن داود بن إبراهيم القيسي ثم الجعدي، من =

وسحنون (¬1)، وابنه (¬2)، وعبد الملك بن حبيب (¬3)، وابن وضاح (¬4)، ¬

_ = أصحاب مالك، وكان ثقة فيما يروى عنه، كان تلميذًا لابن وهب، ولد سنة 145 هـ، وتوفي بمصر سنة 204 هـ. راجع: الانتقاء -لابن عبد البر ص: 51 - 52. ووفيات الأعيان -لابن خلكان 1/ 238 - 239. وتهذيب التهذيب -لابن حجر 1/ 359 - 362. (¬1) هو: أبو سعيد عبد السلام بن سعيد بن حبيب التنوخي الملقب بسحنون الفقيه المالكي، لا يهاب سلطانًا في حق يقوله، انتهت الرئاسة في العلم إليه في المغرب، صنف كتاب "المدونة" في مذهب الإِمام مالك، ولد بالقيروان سنة 160 هـ، وتوفيها سنة 240 هـ. راجع: وفيات الأعيان -لابن خلكان 3/ 180 - 182. وسير أعلام النبلاء -للذهبي 12/ 63 - 69. وشذرات الذهب -لابن العماد 2/ 94. (¬2) هو: أبو عبد الله محمَّد بن سحنون عبد السلام بن سعيد التنوخي، فقيه المغرب تفقه على والده سحنون، كان محدثًا بصيرًا بالآثار، وخبيرًا بمذهب الإِمام مالك، له مصنفات منها: "السير" و"التاريخ"، ولد سنة 202 هـ بالقيروان، وتوفي سنة 265 هـ. راجع: سير أعلام النبلاء -للذهبي 13/ 60 - 63. والوافي بالوفيات -للصفدي 3/ 86. ولسان الميزان -لابن حجر 5/ 259. وشذرات الذهب -لابن العماد 2/ 150. (¬3) هو: أبو مروان عبد الملك بن حبيب بن سليمان السلمي القرطبي، الفقيه المالكي عالم الأندلس، كان رأسًا في المذهب المالكي. له تصانيف كثيرة منها: "تفسير موطأ مالك" و"الواضحة" في السنن والفقه، ولد سنة 174 هـ وتوفي سنة 238 هـ. راجع: تذكرة الحفاظ -للذهبي 2/ 537 - 538. ولسان الميزان -لابن حجر 4/ 59 - 60. وشذرات الذهب -لابن العماد 2/ 90. (¬4) هو: أبو عبد الله محمَّد بن وضاح بن بزيح القرطبي، محدث الأندلس مع بقي بن مخلد، وأخذ عن أصحاب مالك والليث، رحل إلى المشرق مرتين طلبًا للمعرفة. له كتاب فيه "ما جاء من الحديث في النظر إلى الله تعالى"- خ. ولد بقرطبة سنة 199 هـ، وتوفي سنة 286 هـ. راجع: ميزان الاعتدال -للذهبي 4/ 59. ولسان الميزان -لابن حجر 5/ 416 - 417. وشذرات الذهب -لابن العماد 2/ 194. والأعلام -للزركلي =

الوجه السابع: أن هذا القول لو فرض أنه حق معلوم بالعقل لم يجب اعتقاده بمجرد ذلك

وغيرهم، فهم براء من هذا النفي والتكذيب، ولهم في الإثبات من الأقوال ما يعرفها العالم اللبيب. الوجه السابع: أن هذا القول لو فرض أنه حق معلوم بالعقل لم يجب اعتقاده بمجرد ذلك، إذ وجوب اعتقاد شيء معين لا يثبت إلّا بالشرع بلا نزاع. وأما (¬1) المنازعون فهم يسلمون أن الوجوب كله لا يثبت إلا بالشرع، وأن العقل لا يوجب شيئًا، وإن عرفه. وأما من يقول: إن الوجوب قد (¬2) يعلم بالعقل، فهو يقول ذلك فيما يعلم وجوبه بضرورة العقل أو نظره، واعتقاد كلام معين من تفاصيل مسائل الصفات لا يعلم وجوبه (¬3) بضرورة العقل ولا بنظره، ولهذا اتفق عامة أئمة الإِسلام على أن من مات مؤمنًا بما جاء به الرسول، [و] (¬4) لم يخطر على قلبه (¬5) هذا النفي المعين، لم يكن مستحق للعذاب، ولو كان واجبًا لكان تركه سببًا لاستحقاق العذاب، وإن فرض أن بعض غالية الجهمية من المعتزلة ونحوهم، يزعم أن معرفة هذا النفي من الواجبات أو من أجلها، وأن من لم يعتقده من الخاصة والعامة كان مستحقًا للعذاب، أو فرض أن بعض الناس يقول: إن هذا الاعتقاد يجب على الخاصة دون العامة، فنحن نعلم بالاضطرار من دين الإِسلام فساد القول بإيجاب هذا؛ لأنا نعلم بالاضطرار أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، والصحابة والتابعين، وسائر ¬

_ = 7/ 358. (¬1) في س، ط: "أما". (¬2) في الأصل: "إذا". وأثبت ما رأيته مناسبًا للكلام من: س، ط. (¬3) في الأصل: "بوجوبه" ولعل ما أثبت من: س، ط، هو المناسب للسياق. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة أثبتها لتوضح المعنى. (¬5) في س، ط: "بقلبه".

أئمة المسلمين، لم يوجبوا اعتقاد هذا النفي لا على الخاصة، ولا على العامة، وليس وجوب هذا من الحوادث التي تجددت، فإن وجوب هذا الاعتقاد على الأولين والآخرين سواء [لوجوب] (¬1) اعتقاد أنه (¬2) لا إله إلّا الله، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور (¬3). وإذا كان معلومًا (¬4) بالاضطرار عدم إيجاب الشارع لهذا الاعتقاد، كان دعوى وجوبه بالعقل مردودًا، فإن الشارع أقر الواجبات العقلية، وأوجبها، كما أوجب الصدق والعدل، وحرم الكذب والظلم، وإذا كان وجوب هذا القول منتفيًا، لم يكن لأحد أن يوجبه على الناس، فضلًا عن أن يعاقب تاركه، ويجعل (¬5) محنة، من وافقه عليه والاه، و [من] (¬6) خالفه فيه عاداه (¬7)، وهذا المسلك هو أحد ما سلكه العلماء (¬8) في الرد ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬2) "أنه" ساقطة من: س. (¬3) بعد كلمة "القبور" بياض في: س، ط، بقدر كلمة، ولعله نهاية كلام وبداية آخر. (¬4) في الأصل، س: "معلوم". وأثبت ما رأيته الصواب من: ط. (¬5) في س، ط: "يجعله". (¬6) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬7) في الأصل: "وعاداه"، وأثبت ما رأيته الصواب من: س، ط. (¬8) مثل الإِمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- عندما امتحن بالقول بخلق القرآن في أيام المأمون ثم المعتصم ثم الواثق، وما أصابه من الحبس الطويل، والضرب الشديد، والتهديد بالقتل وسوء العذاب وأليم العقاب، بإيعاز من جلساء السوء كابن أبي دؤاد وإسحاق بن إبراهيم نائب بغداد وغيرهما، وقد صبر -رحمه الله- على ذلك وأصر على القول "بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق" المستمد من كتاب الله وسنة رسوله وأقوال الصحابة والتابعين لهم بإحسان، كما أوضحت ذلك مفصلًا أثناء الدراسة لهذه المسألة عند الكلام على فتنة القول بخلق القرآن. وكالإمام أحمد بن نصر الخزاعي، والذي امتحن بالقول بخلق القرآن في خلافة الواثق، وأصر على القول بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، فقتله =

على الجهمية الممتحنين للناس، كابن أبي دؤاد (¬1) وأمثاله، لما (¬2) ناظرهم من ناظرهم قدام الخلفاء، كالمعتصم (¬3)، والواثق (¬4)، فإنهم بينوا لهم أن القول الذي أوجبوه على الناس، وعاقبوا تاركه، وهو القول بخلق القرآن لم يقله النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أحد من خلفائه، وأصحابه، ولا أئمة المسلمين وعامتهم، ولا أمروا به، ولا عاقبوا عليه، ولو كان من الدين الذي يجب دعاء الخلق إليه وعقوبة تاركيه، لم يجز إهمالهم لذلك، وإن القائل (¬5) لهذا القول، لو فرض أنه مصيب، لم يكن له أن يوجب على ¬

_ = ضربًا بالسيف -رحمه الله- بعد تحريض من القاضي أحمد بن دؤاد الجهمي سنة 231 هـ، وعبد الرحمن بن إسحاق، ولقد ذكره الإِمام أحمد -رحمه الله- يومًا فقال: "ما كان أسخاه بنفسه لله، لقد جاد بنفسه له". راجع: تاريخ الطبري 8/ 637، 639، 644 و 9/ 135 - 139. ومناقب الإِمام أحمد -لابن الجوزي ص: 385 فما بعدها. والبداية والنهاية -لابن كثير 10/ 344 - 346، 374 - 381. وتاريخ بغداد -للخطيب البغدادي 5/ 176 - 180. (¬1) في جميع النسخ: "ابن أبي داود". وما أثبت هو الصواب، وقد تقدمت ترجمته ص: 181. (¬2) في الأصل: "بما" وأثبت من: س، ط، المناسب لفهم المعنى. (¬3) المعتصم: تقدمت ترجمته ص: 181. (¬4) هو: أبو جعفر الخليفة هارون الواثق بن محمَّد المعتصم بن هارون الرشيد بن المهدي بن المنصور العباسي، هلك بعلة الاستسقاء سنة 232 هـ وكان ممن أساء إلى أهل السنة -هو وأبوه المعتصم وعمه المأمون- وقرب أهل البدعة والضلال من المعتزلة وغيرهم، وامتحن الناس في خلق القرآن وكانت ولادته ببغداد سنة 196 هـ. راجع: تاريخ بغداد -للخطيب البغدادي- 14/ 15 - 21. والكامل لابن الأثير 7/ 29 - 31. والبداية والنهاية لابن كثير 10/ 247، 249. وشذرات الذهب -لابن العماد 2/ 75 - 77. (¬5) في الأصل: "القول" وقد أثبت ما يستقيم به المعنى من: س، ط.

الوجه الثامن: الاعتقاد الذي يجب على المؤمنين خاصتهم وعامتهم ويعاقب تاركوه هو ما بينه الرسول -عليه السلام-

الناس ويعاقبهم على ترك كل قول يعتقد أنه صواب، وهذا ما اتفق عليه المسلمون، وذلك يتضح بـ: الوجه الثامن: وهو أن الاعتقاد الذي يجب على المؤمنين خاصتهم وعامتهم ويعاقب تاركوه، هو ما بينه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأخبر به وأمر بالإيمان به، إذ أصول الإيمان التي يجب اعتقادها على المكلفين، وتكون فارقة بين أهل الجنة والنار، والسعداء والأشقياء، هي من أعظم ما يجب على الرسول بيانه وتبليغه، ليس حكم هذه كحكم الآحاد (¬1) الحوادث التي لم تحدث في زمانه، حتى شاع الكلام فيها باجتهاد الرأي، إذ الاعتقاد في أصول الدين للأمور الخبرية الثابتة التي (لا تتجدد) (¬2) أحكامها مثل أسماء الله وصفاته نفيًا وإثباتًا ليست مما يحدث سبب العلم به، أو سبب وجوبه، بل (¬3) العلم بها ووجوب ذلك مما يشترك فيه الأولون والآخرون، والأولون أحق بذلك من الآخرين، لقربهم من ينبوع الهدى ومشكاة النور الإلهي، فإن أحق الناس بالهدى هم الذين باشرهم الرسول بالخطاب من خواص أصحابه وعامتهم، وهذه العقائد الأصولية من أعظم الهدى، فهم بها أحق. فإذا كان وجوب ذلك منتفيًا فيما جاء به الرسول من الكتاب والسنة وفيما اتفق عليه سلف الأمة، كان عدم وجوبه معلومًا (¬4) علمًا يقينًا (¬5)، وكان غايته أن يكون مما يقال باجتهاد الرأي، وحينئذ فنقول: إن هذه ¬

_ (¬1) في الأصل أحاديث والمثبت من س، ط. (¬2) في الأصل: "لم تجدد"، وقد أثبت ما رأيته مناسبًا للمعنى من: س، ط. (¬3) في س: "هل". (¬4) في ط: "معلوم". (¬5) في ط: "يقينيًّا".

القول باجتهاد الرأي وإن اعتقد صاحبه أنه عقلي مقطوع به لا يحتمل النقيض، فإنه قد يكون غير مقطوع به

الأقوال التي تسمى العقليات غايتها أن (يجهد) (¬1) فيها (¬2) أصحابها عقولهم وآراءهم (¬3). والقول باجتهاد الرأي، وإن اعتقد صاحبه أنه عقلي، مقطوع به لا يحتمل النقيض، فإنه قد يكون غير مقطوع به، وإن اعتقد هو أنه مقطوع به، فإن هذا من أكثر ما يوجد بينهم من أقوال يقول أصحابها: إنه مقطوع بها في العقل، وتكون بخلاف ذلك، حتى إن الواحد منهم هو الذي يقول في القول: إنه مقطوع به، ويقول فيه تارة أخرى: إنه باطل. وإذا لم يكن مقطوعًا به، فقد يكون مظنونًا غير معلوم الصحة والفساد، وقد يكون خطأ معلوم الفساد أو مظنونه، وقد يكون مشكوكًا فيه. فعامة هذه الأقوال المتنازع فيها التي يقول قائلها: إنها مقطوع بها تعتورها (¬4) هذه الاحتمالات: عدم (¬5) القطع بها، بل ظنها والشك فيها وظن نقيضها، والقطع بنقيضها، ثم غاية ما يقدر أن يكون (¬6) صوابًا معلومًا أنها صواب عند صاحبها، فليس كل ما كان كذلك يجب على جميع المسلمين (¬7) اعتقاده، إذ (¬8) طرق العلم بذلك قد تكون خفية مشتبهة، فلا يجب التكليف بموجبها لجميع المؤمنين، ولو كانت عقلية (¬9) ظاهرة معلومة بأدنى نظر، لم يجب في كل ما كان كذلك أن ¬

_ (¬1) في الأصل، س: "يجتهد"، وقد أثبت ما رأيته الصواب من: ط. (¬2) في س: "منها". (¬3) في ط: "وآرائهم". (¬4) في الأصل: "تواترها"، وأثبت ما رأيته الصواب من: س، ط. والمعنى: تتداولها. (¬5) في ط: "وعدم". (¬6) في س، ط: "أن يكون". (¬7) في س، ط: "المؤمنين". (¬8) في الأصل: "إذا"، وأثبت المناسب من: س، ط. (¬9) في س: "عقيله" وهو خطأ.

الوجه التاسع: أنه إذا كان أحد القولين هو الذي قاله الرسول -عليه السلام- دون الآخر فالسكوت عنه وكتمانه من باب كتمان ما أنزل الله من البينات والهدى

يكون اعتقاده واجبًا على كل المؤمنين، مثل كثير من مسائل الطب (¬1) والهيئة وغير ذلك، فهذه ثلاث مقدمات عظيمة: أحدها: أنه ليس ما اعتقد قائله: أنه حق مقطوع به معلوم بالعقل أو بالشرع يكون كذلك. والثانية: أنه ليس ما علم الواحد أنه حق مقطوع به عنده، يجب اعتقاده على جميع الناس. الثالثة (¬2): أنه ليس ما كان معلومًا مقطوعًا به بأدنى نظر يجب اعتقاده، وإذا كان كذلك فغاية ما يبين من يوجب هذه المقالات أنها حق مقطوع به عقلي معلوم بأدنى نظر، وإذا كان مع هذا لا يجب اعتقاد ذلك على المكلفين حتى يعلم وجوب ذلك بالأدلة الشرعية التي يعلم بها الوجوب، لم يكن له أن يوجب على الناس هذا الاعتقاد، ويعاقب تاركيه حتى يبين أن الشارع أوجب ذلك على الناس على هذا الوجه، وهذا مما لم يذكروه ولا سبيل إليه، فكيف والأمر بالعكس عند من يبين أن ما قالوه خطأ، مخالف للعقل الصريح وللنقل الصحيح معلوم الفساد بضرورة العقل، ونظره مخالف للكتاب وللسنة (¬3) وإجماع سلف الأمة، وإن الشارع أخبر بنقيضه وأوجب اعتقاد ضده. الوجه التاسع: أنه لا ريب أن من لقي الله بالإيمان بجميع ما جاء به الرسول مجملًا مقرًا بما بلغه من تفصيل الجملة، غير جاحد لشيء من تفاصيلها، أنه يكون بذلك من المؤمنين، إذ الإيمان بكل فرد من تفصيل ما أخبر به الرسول وأمر به غير مقدور للعباد، إذ لا يوجد أحد إلّا وقد خفي عليه ¬

_ (¬1) في س: "الطلب". (¬2) في س، ط: "الثالث". (¬3) في ط: "الكتاب والسنة".

بعض ما قاله الرسول، ولهذا يسع الإنسان في مقالات كثيرة ألّا (¬1) يقر فيها بأحد النقيضين، لا (¬2) ينفيها ولا يثبتها إذا لم يبلغه أن الرسول نفاها، أو أثبتها، ويسع الإنسان (¬3) السكوت عن النقيضين في أقوال كثيرة، إذا لم يقم دليل شرعي بوجوب قول أحدهما. أما إذا كان أحد القولين هو الذي قاله الرسول دون الآخر، فهنا يكون السكوت عن هذا (¬4) وكتمانه من باب كتمان ما أنزل الله من البينات والهدى من بعد ما بينه للناس في الكتاب، ومن باب كتمان شهادة عند (¬5) العبد من الله، وفي كتمان العلم النبوي من الذم واللعنة لكاتمه ما يضيق عنه هذا الموضع (¬6). وكذلك إذا كان أحد القولين متضمنًا لنقيض ما أخبر به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والآخر لا يتضمن مناقضة الرسول، لم يجز السكوت عنهما جميعًا، بل يجب نفي القول المتضمن لمناقضة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولهذا أنكر الأئمة على الواقفة (¬7) في مواضع كثيرة حين تنازع الناس، فقال قوم بموجب السنة، ¬

_ (¬1) في س، ط: "لا". (¬2) في الأصل: "إلا"، وقد أثبت الأقرب لفهم المعنى من: س، ط. (¬3) "الإنسان" ساقطة من: س. (¬4) في س، ط: "ذلك". (¬5) "عند": ساقطة من: س، ط. (¬6) تقدم في ص: 153، 154 ذكر بعض الآيات والأحاديث التي تدل على ما ذكره الشيخ -رحمه الله- فليرجع إليه. (¬7) الواقفة: أطلق أبو سعيد الدارمي، هذا الاسم على ناس -ممن كتبوا العلم بزعمهم، وادعوا معرفته- وقفوا في القرآن، فقالوا: لا نقول مخلوق ولا غير مخلوق، ونسبوا إلى البدعة من خالفهم. وقد رد عليهم -رحمهم الله- قولهم هذا، وبين بطلانه وبعده عن الصواب في باب أفرده ذلك، فقال: "باب الاحتجاج على الواقفة". راجع: الرد على الجهمية ص: 102. وشيخ الإِسلام ابن تيمية -رحمه الله- يطلق هذا الاسم على من توقف في =

الواقفة قالوا: لا نقول القرآن مخلوق ولا غير مخلوق

وقال قوم بخلاف السنة، وتوقف قوم فأنكروا على الواقفة، كالواقفة الذين قالوا: لا نقول القرآن مخلوق، ولا نقول: إنه غير مخلوق، هذا مع أن كثيرًا من الواقفة يكون في الباطن مضمرًا للقول المخالف للسنة، ولكن يظهر الوقف نفاقًا ومصانعة، فمثل هذا موجود. أما القول الذي لا يوجد في كلام الله ورسوله، لا منصوصًا ولا مستنبطًا، بل يوجد في الكتاب والسنة مما يناقضه ما لا يحصيه إلّا الله، فكيف يجب على المؤمنين -عامة أو خاصة- اعتقاده، ويجعل ذلك محنة لهم؟ ومن المعلوم أنه ليس في الكتاب والسنة ولا في كلام أحد من سلف الأمة ما يدل -نصًّا ولا استنباطًا- على أن الله ليس فوق العرش، وأنه ليس فوق (¬1) المخلوقات، وأنه ما فوق العالم رب يعبد، ولا على العرش إله يدعى ويقصد، وما هناك إلّا العلم المحض، وسواء سمى ثبوت هذا المعنى قولًا بالجهة والتحيز (¬2) أو لم يسم، فتنوع العبارات لا يضر إذا عرف المعنى المقصود، وإذا كان هذا المعنى ليس مما جاء به ¬

_ = الحكم على الشيء، لا نفيًا ولا إثباثًا، وقد أشار إليهم، فذكر أنهم الذين يجوزون إثبات صفات زائدة، لكنهم يقولون: لم يقم الدليل عندنا على نفي ذلك ولا إثباته، ثم بين -رحمه الله- أن هذه طريقة محققي من لم يثبت الصفات الخبرية، وهذا اختيار الرازي والآمدي وغيرهما. راجع: درء تعارض العقل والنقل- 3/ 383. وذكر عبد الله بن أحمد بن حنبل، أن أباه سئل عن الواقفة فقال: "من كان منهم يخاصم ويعرف بالكلام، فهو جهمي، ومن لم يكن يعرف بالكلام، يجانب حتى يرجع، ومن لم يكن له علم يسأل يتعلم". راجع: كتاب السنة -لعبد الله بن أحمد بن حنبل- ص: 43. (¬1) في الأصل: "في" وهو خطأ، والمثبت من: س، ط. (¬2) تقدم أن الشيخ -رحمه الله- بين أن إطلاق هذا اللفظ نفيا وإثباتًا بدعة، وأنه ليس في كلامه إثباته.

الرسول، كان الإعراض عنه -ولو كان حقًّا- جائزًا، بحيث لو لم يعتقد الرجل فيه نفيًا ولا إثباتًا، لم يؤمر بأحدهما. وقد بسطنا الكلام فيما يذكر لهذا القول من الدلائل السمعية والعقلية في مواضع منها الكلام على ما ذكره أبو عبد الله الرازي (¬1)، في كتابه الذي سماه: "تأسيس التقديس" (¬2)، وكتابه "نهاية العقول في دراية الأصول" (¬3)، وغير ذلك، إذا كان قد جمع في ذلك غاية ما يقوله ¬

_ (¬1) هو: أبو عبد الله محمَّد بن عمر بن الحسين بن الحسن بن علي التميمي البكري الطبرستاني الرازي، الملقب بفخر الدين الرازي المعروف بابن الخطيب الشافعي، فيه تجهم قوي، لكن يقال: إنه رجع في آخر عمره، له تصانيف كثيرة في فنون مختلفة منها في علم الكلام "المطالب العالية" و"الأربعين" و"المحصل" وغيرها, ولد سنة 544 هـ، وتوفي سنة 606 هـ. راجع: وفيات الأعيان -لابن خلكان 4/ 248 - 252. وسير أعلام النبلاء -للذهبي 21/ 500 - 501. والوافي بالوفيات -للصفدي 4/ 248 - 259. وشذرات الذهب -لابن العماد 5/ 21 - 22. (¬2) ألفه الرازي للملك العادل سيف الدين أبي بكر أيوب، وأرسله إليه هدية. راجع: أساس التقديس - للرازي ص: 3. وكشف الظنون -لحاجي خليفة - 1/ 333. وبيان تلبيس الجهمية -لابن تيمية 1/ 3. والكتاب جمع فيه مؤلفه عامة حجج الجهمية، وتكلم فيه على تأسيس أصولهم، يقول عنهم شيخ الإِسلام: "لم أر لهم مثله. . . ". وقد نقض الشيخ -رحمه الله- هذه الحجج، ودحض شبههم العقلية، وأبطل تأويلاتهم للأدلة السمعية راجع: مجموع الفتاوى 6/ 289. ونقض تأسيس الجهمية، أو بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية / ط- مطبعة الحكومة 1391 هـ في مجلدين كبيرين بتعليق: محمد بن عبد الرحمن القاسم. (¬3) ذكره حاجي خليفة، فقال: "نهاية العقول في الكلام في دراية الأصول" يعني أصول الدين. . . ورتبة على عشرين أصلًا. راجع: كشف الظنون -لحاجي خليفة- 2/ 1988. والكتاب لا زال مخطوطًا -في دار الكتب بمصر- تحت رقم 748 - توحيد- =

الوجه العاشر: أن قولهم لا يخلو من أمرين

الأولون والآخرون من حجج النفاة، (¬1) الذين يقولون: إن الله ليس في جهة ولا حيز، فليس هو (¬2) على العرش ولا فوق العالم. الوجه العاشر: أن قولهم: الذي نطلب (¬3) منه أن يعتقده أن ينفي الجهة عن الله والتحيز، لا يخلو: إما أن يتضمن هذا نفي كون الله على العرش، وكونه فوق العالم، بحيث يقال: إنه ما فوق العالم رب ولا إله، أو ما هناك (¬4) شيء موجود، وما هناك (¬5) إلّا العدم الذي ليس بشيء، أو لا يتضمن هذا الكلام نفي ذلك، فإن كان هذا الكلام لم يتضمن نفي ذلك كان النزاع لفظيًّا، وأنا ليس في شيء من كلامي -قط- إثبات الجهة والتحيز لله مطلقا حتى يقال: نطلب منه نفي ما قاله أو أطلقه من اللفظ، بل كلامي فيه ألفاظ القرآن والحديث وألفاظ سلف الأمة، ومن نقل مذاهبهم، أو التعبير عن ذلك تارة بالمعنى المطابق الذي يعلم المستمع أنه موافق لمعناهم ¬

_ = ولم يطبع فيما أعلم، ولم يذكره سزكين في تاريخ التراث العربي. وقد ذكر شيخ الإِسلام أن هذا الكتاب من أجل كتب الرازي الكلامية، وأن مؤلفه ذكر أنه أورد فيه من الحقائق والدقائق ما لا يكاد يوجد في شيء من كتب الأولين والآخرين، والسابقين واللاحقين، من الموافقين والمخالفين ووصفه بصفات تطول. ثم بين الشيخ -رحمه الله- أن الرازي غالب مادته في كلام المعتزلة والفلاسفة والأشاعرة ما يجده في كتبهم، فكتبه تدل على أنه لم يكن يعرف ما فيها. راجع: درء تعارض العقل والنقل 2/ 157 - 159. (¬1) في ط: "الثقات" وهو خطأ. (¬2) في س، ط: "هذا". (¬3) في س: "يطلب". (¬4) في س، ط: "هنالك". (¬5) في س: "هنالك".

كلام الإمام أحمد في أهل الأهواء والبدع

وما يذكرون (¬1) من الألفاظ المجملة، فإني أبينه وأفصله؛ لأن أهل الأهواء، كما قال الإِمام أحمد (¬2) فيما خرجه في الرد على الزنادقة والجهمية (¬3) فيما شكت فيه من متشابه القرآن وتأولت غير تأويله، قال: "الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل، بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وما أقبح (¬4) أثر الناس عليهم. ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عنان (¬5) الفتنة، فهم مخالفون للكتاب، مختلفون في الكتاب (¬6)، مجتمعون على مفارقة الكتاب، يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من (¬7) الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن المضلين (¬8). فقد أخبر أن أهل البدع والأهواء يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ¬

_ (¬1) في الأصل، ط: "بذكر" والمثبت من: س. (¬2) راجع: الرد على الجهمية والزنادقة -للإمام أحمد ص: 85. (¬3) تقدم الكلام على هذا الكتاب الجليل للإمام أحمد الذي يرد فيه على القائلين بخلق القرآن، ويجادلون في رؤية الله، ويشككون في أفعال العباد. (¬4) في الرد على الجهمية والزنادقة: "وأقبح". (¬5) في الرد على الجهمية: "عقال". (¬6) في الرد على الجهمية: "فهم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب مجمعون. . . ". (¬7) في الأصل: "في" والمثبت من: س، ط، والرد على الجهمية. (¬8) في الرد على الجهمية: "الضالين". وهو نهاية كلام الإِمام أحمد - رضي الله عنه -.

ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم، وذلك مثل قولهم: ليس بمتحيز ولا في جهة، ولا كذا ولا كذا، فإن هذه ألفاظ مجملة متشابهة يمكن تفسيرها بوجه حق، ويمكن تفسيرها بوجه باطل، فالمطلقون لها يوهمون عامة المسلمين أن مقصودهم تنزيه الله عن أن يكون محصورًا في بعض المخلوقات، ويفترون الكذب على أهل الإثبات، إنهم يقولون ذلك يقول بعض قضاتهم (¬1) لبعض الأمراء: إنهم يقولون: إن الله في هذه الزاوية. وقول آخر من طواغيتهم: إنهم يقولون: إن الله في حشو السموات، ولهذا سموا حشوية (¬2)، إلى أمثال هذه الأكاذيب التي ¬

_ (¬1) لعل الشيخ -رحمه الله- يشير إلى القاضي ابن دؤاد. يقول الشيخ -رحمه الله- مشيرًا إلى هذا المعنى: "فإن كثيرًا من النفاة وإن كان مشهورًا عند الناس بعلم أو مشيخة أو قضاء أو تصنيف، قد يظن أن قول من قال: إنه في السماء أو في جهة، معناه أن السموات تحيط به وتحوزه، وكذلك إذا قال: متحيز. يظن أن معناه التحيز اللغوي، وهو كونه تحيز في بعض مخلوقاته، حتى ينقلون ذلك عن منازعهم، إما عمدًا، أو خطأ، وربما صغروا الحيز حتى يقولوا: إن الله في هذه البقعة، أو هذا الموضع، أو نحو ذلك من الأكاذيب". راجع: بيان تلبيس الجهمية 2/ 13. (¬2) الحشو من الكلام: الفضل الذي لا يعتمد عليه، وكذلك هو من الناس، وحشوة الناس: رُذالَتُهم. انظر: لسان العرب -لابن منظور- 14/ 180 (حشا). وهذه التسمية أول من ابتدعها المعتزلة، فإنهم يسمون الجماعة والسواد الأعظم: الحشو، كما تسميهم الرافضة: الجمهور، ولفظ "حشوية" -كما يقول شيخ الإِسلام- ليس له مسمى معروف لا في الشرع، ولا في اللغة، ولا في العرف العام، ولكن يذكر أن أول من تكلم بهذا اللفظ: عمرو بن عبيد -رئيس المعتزلة- فإنه ذكر له عن ابن عمر شيء يخالف قوله، فقال: كان ابن عمر حشويا، نسبة إلى الحشو، وهم العامة والجمهور، وأصل ذلك أن كل طائفة قالت قولًا تخالف به الجمهور والعامة ينسب إلى أنه قول "الحشوية" =

إذا لم يرد قائل هذا القول نفي علو الله لم ينازع في المعنى الذي أراده، وعليه التصريح بذلك

يفترونها على أهل الإثبات، ثم يأتون بلفظ مجمل متشابه يصلح لنفي هذا المعنى الباطل، ولنفي ما هو حق، فيطلقونه فيخدعون بذلك جهال الناس، فإذا وقع الاستفصال والاستفسار، انكشفت الأسرار، وتبين الليل من النهار، وتميز أهل الإيمان واليقين من أهل النفاق المدلسين، الذين لبسوا الحق بالباطل، وكتموا الحق وهم يعلمون. فالمقصود أن قائل هذا القول إن لم يرد به نفي علو الله على عرشه وأنه فوق خلقه (¬1)، لم ينازع من المعنى الذي أراده، ولكن لفظه ليس بدال على ذلك، بل هو مفهم أو موهم لنفي ذلك، فعليه أن يقول: لست أقصد بنفي الجهة والتحيز نفي (¬2) أن يكون الله فوق عرشه، وفوق خلقه، وحينئذ فيوافقه أهل الإثبات على نفي الجهة والتحيز بهذا التفسير بعد استفصاله وتقييد كلامه بما يزيل الالتباس. أما إن تضمن هذا الكلام أن الله ليس على العرش ولا فوق العالم، فليصرح بذلك تصريحًا بينًا حتى يفهم المؤمنون قوله وكلامه، ويعلموا مقصوده ومرامه، فإذا كشف للمسلمين حقيقة هذا القول، وأن مضمونه: أنه ليس فوق السماوات (¬3) رب، ولا على العرش إله، وأن ¬

_ = أي: الذين هم حشو في الناس ليسوا من المتأهلين عندهم. فالمعتزلة تسمي من أثبت القدر حشويا، والجهمية تسمي مثبتة الصفات حشوية والقرامطة الباطنية تسمي من أوجب الصلاة والزكاة والصيام والحج حشويًّا، والفلاسفة تسمي من أقر بالمعاد الجسمي والنعيم الحسي حشويًّا، فعند هذه الطوائف الإِمام أحمد -رحمه الله- وأتباعه من أهل السنة حشوية. راجع: مجموع فتاوى شيخ الإِسلام 12/ 176. وبيان تلبيس الجهمية -لابن تيمية 1/ 240 - 244. والعقود الدرية -لابن عبد الهادي ص: 238. ومختصر منهاج السنة النبوية -للذهبي ص: 93. (¬1) في الأصل: "عرشه" وقد أثبت ما رأيته مناسبًا من: س، ط. (¬2) في س: "والتحيز بهذا نفي". (¬3) في الأصل: "العرش"، والمثبت من: س، ط.

الملائكة لا تعرج إلى الله، ولا تصعد إليه، ولا تنزل من عنده، وأن عيسى لم يرفع إليه ومحمد لم يعرج (¬1) به إليه، وأن العباد لا يتوجهون بقلوبهم إلى إله هناك يدعونه ويقصدونه، ولا يرفعون أيديهم من دعائهم إليه، فحينئذ ينكشف للناس حقيقة هذا الكلام، ويظهر الضوء من الظلام. ومن المعلوم أن قائل ذلك لا يجترئ أن يقوله في ملأ من المؤمنين، وإنما يقوله بين إخوانه من المنافقين (¬2)، الذين إذا اجتمعوا يتناجون، وإذا افترقوا يتهاجون، وهم وإن زعموا أنهم أهل المعرفة المحققين، فقد شابهوا من سبق من إخوانهم المنافقين، قال الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ} (¬3) إلى قوله: {وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} (¬4)، وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} (¬5) إلى قوله: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إلا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا}. ¬

_ (¬1) الكلام عن الإسراء والمعراج وتعريفهما وحقيقتهما: تقدم الكلام عليهما ص: 115. (¬2) المنافقون: جمع منافق، وفعله: نفاق. والنفاق لغة: مصدر نفق، وهو مشتق من نافقاء اليربوع، موضع يرققه من جحره، فإذا أوذي من قبل القاصعاء وضرب النافقاء برأسه فخرج، فهو يظهر أحدهما ويخفي الآخر. وعلى هذا عرف النفاق بأنه: إظهار الإيمان وكتمان الكفر، أو الدخول في الإِسلام من وجه، والخروج عنه من وجه آخر. راجع: لسان العرب -لابن منظور- 10/ 358، 359 (نفق). وتاج العروس -للزبيدي- 7/ 79 (نفق). والتعريفات -للجرجاني- ص: 245. (¬3) سورة البقرة، الآيات: 13 - 15. (¬4) في: س، ط: (ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالًا بعيدًا). (¬5) سورة النساء، الآيتان: 60 - 62.

ولا ريب أن كثيرًا من هؤلاء قد لا يعلم أنه منافق، بل يكون معه أصل الإيمان, لكن يلتبس عليه أمر المنافقين، حتى يصير لهم من السماعين، قال تعالى: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إلا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} (¬1)، وكان المعلوم أن كلام أهل الإفك (¬2) في عائشة (¬3)، كان مبدؤه من المنافقين، وتلطخ به طائفة ¬

_ (¬1) سورة التوبة، الآية: 47. (¬2) المنافقون لم تسترح نفوسهم من الكيد للإسلام والمسلمين، حتى استهدفوا صاحب الرسالة محمدًا - عليه السلام - فرموه في عرضه في عائشة أم المؤمنين بنت الصديق، وروجوا ارتكابها فاحشة الزنى التي هي من أقبح الجرائم وأشنعها، وكان الذي تولى كبر هذه التهمة وزعامتها، وأشاع الإفك المفترى، رأس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول، والذي ما فتئ يكيد للإسلام وأهله حتى أهلكه الله. وقد أنزل الله تعالى في شأن هذا المنافق وغيره من المنافقين قرآنا يتلى إلى يوم القيامة، ليكون ذلك درسًا وعبرة للأمة الإِسلامية لتعرف من خلاله خطر النفاق والمنافقين وضررهم عليها، كما أنزل الله براءة أم المؤمنين مما رميت به. والآيات الكريمة تبتدئ من قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ. . .} وتنتهي بقوله تعالى: {. . . أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [سورة النور، الآيات: 11 - 26]. والقصة وتفاصيلها معروفة، رواها البخاري ومسلم في صحيحيهما مطولة، ولذا أكتفي هنا بالإحالة عليهما: البخاري: 6/ 5 - تفسير سورة النور- باب قوله تعالى: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا. . .} إلى قوله: {. . . لكَاذِبُونَ}. مسلم: 4/ 2129 - كتاب التوبة- باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف. (¬3) هي: أم عبد الله عائشة بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما - أفقه نساء المسلمين، وأعلمهن بالدين والأدب، روي عنها (2210) حديثًا فهي أكثر نساء النبي - عليه السلام - رواية للحديث عنه، توفيت بالمدينة سنة 58 هـ، رضي الله عنها. راجع: الطبقات الكبرى -لابن سعد 8/ 58 - 81. والإصابة في تمييز الصحابة =

الوجه الحادي العشر: أنهم إذا بينوا مقصودهم فيقال لهم: هذا معلوم الفساد بالضرورة، بالفطرة العقلية والأدلة النقلية والعقلية

من المؤمنين، وهكذا كثير من البدع، كالرفض والتجهم مبدؤها من المنافقين، وتلوث ببعضها كثير من المؤمنين، لكن كان فيهم من نقص (¬1) الإيمان بقدر ما شاركوا فيه أهل النفاق والبهتان (¬2). الوجه الحادي عشر: أنهم (¬3) إذا بينوا مقصودهم -كما يصرح به أئمتهم وطواغيتهم- من أنه ليس فوق العرش رب، ولا فوق العالم موجود، فضلًا عن أن يكون فوقه واجب الوجود. فيقال لهم: هذا معلوم الفساد بالضرورة، بالفطرة (¬4) العقلية، وبالأدلة النظرية العقلية، وبالضرورة الإيمانية السمعية الشرعية، وبالنقول المتواترة المعنوية عن خير البرية، وبدلالة القرآن على ذلك من آيات تبلغ "مئين" (¬5)، وبالأحاديث المتلقاة بالقبول من علماء الأئمة في جميع القرون وبما اتفق عليه سلف الأمة، وأهل الهدى من أئمتها، وبما اتفق عليه الأمم بجبلتها وفطرتها، وما يذكر في خلاف ذلك من الشبه، ¬

_ = -لابن حجر 4/ 359 - 361. وأعلام النساء - عمر رضا كحالة 3/ 9 - 131. (¬1) في ط: "نقض" وهو خطأ. والإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، هذا هو مذهب السلف الصالح -رضوان الله عليهم- وسوف نتحدث عن هذه المسألة، ونبين الرأي المخالف عند الكلام علي حقيقة الإيمان. (¬2) في س: "والبهتان أنهم" وهو تصحيف. (¬3) في الأصل: "أنه"، والمثبت من: س، ط، ولعله المناسب. (¬4) في جميع النسخ: "الفطرة" ولعل ما أثبت يكون مناسبًا للكلام. (¬5) في الأصل: س "مائتين" ولعل الصواب ما أثبته من (ط). يقول شيخ الإِسلام: "قال بعض كبار أصحاب الشافعي: في القرآن ألف دليل أو أزيد، تدل على أن الله عال على الخلق، وأنه فوق عباده". وقال غيره: فيه ثلاثمائة دليل تدل على ذلك. . راجع: مجموع فتاوى ابن تيمية 5/ 226.

الوجه الثاني عشر: أن لفظ الجهة عند من قاله إما أن يكون معناه وجوديا أو عدميا

التي يقال: إنها براهين عقلية، أو دلائل سمعية، فقد تكلمنا عليها بالاستقصاء حتى تبين أنها من القول الهراء (¬1)، فهاتوا برهانكم إن كنتم صادقين. ولولا أن المقصود هنا التنبيه على مجامع الضلال فيما أوجبوا اعتقاده، لبسطنا القول هنا وبينا سداده، لكن قد أحلنا على ما هو موجود مكتوب -أيضًا- قد كتبناه في هذا الزمان (¬2)، والحمد لله ولي الإحسان. الوجه الثاني عشر: أن لفظ الجهة عند من قاله، إما أن يكون معناه وجوديًّا أو عدميًّا، فإن كان معناه وجوديًّا، فنفي (¬3) الجهة عن الله نفي عن أن يكون الله في شيء موجود، وليس [شيء] (¬4) موجودًا سوى الله إلا العالم، فإذا أحد القسمين الذين ذكرناهما من جوابهم، وهو أن يراد أنه [ليس] (¬5) محصورًا في المخلوقات، داخلًا في المصنوعات، هذا أحد أقوال الجهمية الذين يقولون: إنه ليس على العرش، ونفيه مصرح به في كلامنا. وإن كان معناه عدميًّا، كان المعنى أن الله لا يكون حيث لا موجود غيره، وهو ما فوق العالم، فإن كون الموجود في العلم ليس معناه أن ¬

_ (¬1) في ط: "الهزا". (¬2) لعل الشيخ -رحمه الله- يشير إلى كتابه القيم "تلبيس الجهمية في تأسيس بعدهم الكلامية"، كما سيتضح من كلامه من الصفحات التالية. (¬3) في الأصل: "ففي" وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬5) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.

العلم يحويه أو يحيط به، إذ (¬1) العلم ليس بشيء أصلًا حتى يوصف بأنه يحيط أو يحاط به، بل المعنى (¬2) بذلك أن يكون الموجود بحيث لا موجود غيره، أو أن (¬3) يكون القائم بنفسه بحيث لا قائم بنفسه غيره، فإن الموجود نوعان: قائم بنفسه، وقائم بغيره. فالقائم بغيره من الصفات والأعراض يكون بحيث يكون غيره، فإن الصفات والأعراض تقوم بالمحل الواحد. وأما القائم بنفسه، فلا يكون حيث يكون آخر قائم بنفسه، [بل يجب أن يكون مباينًا لغيره، فيكون حيث لا موجود غيره] (¬4)، أو حيث لا قائم بنفسه غيره، وهو المعنيّ بكون الله على العرش، وفوق العالم، وإذا كان هذا المعقول من الجهة العدمية، فأكثر عقلاء بني آدم من المسلمين واليهود والنصارى والمشركين والمجوس (¬5) والصابئين (¬6)، ¬

_ (¬1) في س: "إذا". (¬2) في س: "بالمعنى". (¬3) في س، ط: "وأن". (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬5) المجوس هم: عبدة النار، ويقولون: إن للعالم أصلين مدبرين هما: النور والظلمة، ويزعمون أن الخير من فعل النور، والشر من فعل الظلمة، وقد نشأت هذه النحلة في بلاد فارس. والمجوسية دين قديم يقال له: -كذبًا- الدين الأكبر، والملة العظمى، وهي فرق ذكرها أصحاب المقالات. راجع: تاج العروس -للزبيدي 4/ 245. والتبصير في الدين- للإسفراييني ص: 150. والملل والنحل -للشهرستاني 1/ 230 - 244. واعتقادات فرق المسلمين والمشركين -للرازي، مع ذيله كتاب "المرشد الأمين" لكل من طه عبد الرؤوف، ومصطفى الهواري ص: 134 - 137. (¬6) جمع صابئ، وهو من خرج ومال من دين إلى دين، يقال: صبأ فلان يصبأ إذا خرج من دينه. والصابئون: هم عبدة الكواكب والنجوم، ولما كانت هذه تغيب وتختفي، لم يكن بد من أن يصوروها ويسموا هذه الصور بأسماء الكواكب، =

من الناس من يعني بالجهة ما ليس مغايرا لذي الجهة

على أن نفيه هذا عن الموجود، واجبه وممكنه (¬1) معلوم الفساد بالضرورة العقلية، وهو أن يعلم بالضرورة العقلية أنه يمتنع وجود قائم بنفسه، حيث يكون موجود آخر قائم بنفسه، أو لا يكون إلّا حيث يكون موجودا (¬2) آخر قائم النهيه (¬3)، وأن كل موجود إما أن يكون مباينا لغيره منفصلًا عنه فيكون في الجهة العدمية، وإما أن يكون محايثًا له داخلا فيه، فيكون في الجهة الوجودية، ووجود موجود لا في جهة وجودية ولا جهة عدمية ممتنع عندهم في صريح العقل، ثم إن قول هؤلاء موافق لما عليه بنو آدم من الفطرة، موافق لما جاء به (¬4) الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها. وبالجملة فالنزاع في ذلك ظاهر مشهور، وإذا كان كذلك لم يكن نفي ذلك بالهين حتى يدعي دعوى مجردة (¬5)، بلا دليل سمعي ولا عقلي، ثم يوجب اعتقاد ذلك ويعاقب تاركه. ومن الناس من قد يعني بالجهة [ما ليس مغايرًا لذي الجهة] (¬6) ¬

_ = واشتغلوا بعبادتها. وقيل: هم قوم يشبه دينهم دين النصارى، إلا أن قبلتهم نحو مهب الجنوب ويزعمون أنهم على دين نوح، وهم كاذبون. وقيل: هم قوم باقون على فطرتهم، ولا دين مقرر لهم يتبعونه ويقتفونه، وجعل ابن كثير -رحمه الله- هذا القول من أظهر الأقوال. راجع: لسان العرب -لابن منظور 1/ 107 - 108 (صبأ). والملل والنحل -للشهرستاني 2/ 5. واعتقادات فرق المسلمين والمشركين -للرازي- مع ذيله كتاب المرشد الأمين ص: 143 - 144. وتفسير ابن كثير 1/ 104. (¬1) في الأصل: "واجبة وممكنة". (¬2) في ط: "حيث لا يكون موجود". (¬3) من قوله: "أو أن يكون. . . " إلى قوله: "قائم بنفسه": ساقطة من س. (¬4) "به": ساقطة من س. (¬5) في الأصل: "حجره" وهو تصحيف، والمثبت من: س، ط. (¬6) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.

فيكون كونه في جهة بحيث يتوجه إليه أو يشار إليه، ولا يعني بالجهة موجودًا منفصلًا عنه، ولا يعني عدميًّا، وهؤلاء قد يقولون: الجهة من الأمور الإضافية، فكون الشيء من الجهة معناه أنه مباين (¬1) لغيره، وكل موجود قائم بنفسه فإنه مباين لغيره. وقد يقولون كونه في الجهة معناه: أنه متميز بذاته محقق الوجود، وإن لم يقدر موجود سواه، وهؤلاء يقولون: هو في الجهة قبل وجود العالم، والأولون يقولون: لا نعقل الجهة إلا بعد وجود العالم. وأصل ذلك (¬2) أن هؤلاء يقولون: إن مسمى الجهة نوعان: إضافي متنقل، وثابت لازم. فأما الأول فهي الجهات الست للحيوان -أمامه وهو ما يؤمه، وخلفه وهو ما يخلفه، ويمينه، ويساره، وفوقه، وتحته، وهو ما يحاذي ذلك، وهذه الجهات ليست جهات لمعنى يقوم بها (¬3)، ولا ذلك صفة لازمة لها، بل تفسير (¬4) اليمين يسارًا، واليسار يمينًا، والعلو سفلًا، والسفل علوًا بتحرك (¬5) الحيوان من غير تغير في الجهات. وأما الثاني: فهو جهتا (¬6) [العالم وهي] (¬7). . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) في س: "مباينًا". (¬2) أي: منشأ غلطهم. وقد أشار إلى هذين النوعين الشيخ -رحمه الله- في كتابه بيان تلبيس الجهمية 2/ 121. وانظر كلام الشيخ -رحمه الله- عن الجهة وتنازع الناس فيه، في الرسالة التدمرية ص: 26، ومجموع الفتاوى 5/ 262. (¬3) بل هي جهات تتغير وتتبدل بحسب حركته. (¬4) في الأصل: "نظير"، وأثبت ما يناسب المعنى من: س، ط. (¬5) في س، ط: "يتحرك". (¬6) في س: "جهة". (¬7) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.

العلو والسفل، فليس للعالم إلّا جهتان: أحدهما: العلو، وهو جهة السموات وما فوقها. و [الأخرى] (¬1): السفل، وهو جهة الأرض وما تحتها وفي جوفها، وعلى هذا المعنى فكل ما كان خارج العالم مباينًا للعالم فهو فوقه، وهو في الجهة العليا، فالباري -تعالى- إما أن يكون مباينًا للعالم منفصلًا عنه، أو لا يكون مباينًا له منفصلًا عنه، فإن كان الأول (¬2) كان خارجًا عنه عاليًا عليه بالجهة العليا، وإن كان الثاني كان حالًا في العالم قائمًا به محمولًا فيه. قال هؤلاء: وهذا كله معلوم بالفطرة العقلية، فالباري قبل أن يخلق العالم كان هو وحده سبحانه لا شريك له، ولما خلق الخلق فإنه لم يخلقه في ذاته، فيكون هو محلًا للمخلوقات، ولا جعل ذاته فيه فيكون مفتقرًا محمولًا قائمًا بالمصنوعات، بل خلقه بائنًا عنه فيكون فوقه وهو بجهة (¬3) العلو. وقد بسطنا كلام هؤلاء وخصومهم في الحكومة العادلة، فيما ذكره الرازي في تأسيسه من المجادلة (¬4). وإذا كان كذلك، فالداعي للناس إلى اعتقاد نفي الجهة، إما أن يدخل معهم في هذه الدقائق ويكشف هذه الحقائق، وإما أن يعرض عن هذه ويقف عند الجمل التي وقف عليها (¬5) المؤمنون، فأما أن يدعو (¬6) إلى قول لا يبين حقيقته وأقسامه، ولا يبين حجته التي تصحح مرامه ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين إضافة تناسب الكلام. (¬2) في س: "للأول" وهو تصحيف. (¬3) في س: "الجهة". وفي ط: "جهة". (¬4) راجع "بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية -لابن تيمية 2/ 121. (¬5) في الأصل، ط: "التي عليها"، والمثبت من: س، ولعله المناسب. (¬6) في الأصل، س: "يدعوا".

الوجه الثالث عشر: قولهم بنفي التحيز بلفظ مجمل

و [لا] (¬1) يكون القول موجودًا في كتاب الله وسنة رسوله وكلام أئمة الإِسلام، فإذا غاية ما يكون من الجهل والضلال والظلم في الكلام. الوجه الثالث عشر: أن قولهم بنفي (¬2) التحيز لفظ مجمل، فإن التحيز المعروف في اللغة (¬3): هو أن يكون الشيء بحيث يحوزه ويحيط به موجود غيره، كما قال تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} (¬4). فإن التحيز مأخوذ من حازه يحوزه، فإذا المعنى هو أحد المعنيين الذين ذكرناهما بقولنا: إن أراد أنه لا يحيط (¬5) به المخلوقات، ولا يكون في جوف الموجودات، فهذا مذكور مصرح به في كلامي، فأي فائدة في تجديده (¬6)؟ وأما التحيز الذي يعنيه المتكلمون فأعم من هذا، فإنهم (¬7) ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. يقتضيها السياق. (¬2) في س: "ينبغي" وهو تصحيف. (¬3) ذكر ابن فارس: "أن كل من ضم شيئًا إلى نفسه فقد حاز حوزًا". راجع: معجم مقاييس اللغة 2/ 118 (حوز). وقد أورد ابن منظور نحو هذا. راجع: لسان العرب 5/ 341 (حوز). أما الزبيدي فقد ذكر ما يقرب من ذلك. راجع: قال العروس 4/ 29 (حوز). (¬4) سورة الأنفال، الآية: 16. (¬5) في س، ط: "تحيط". (¬6) في س: "فائدة تحديده". في ط: "فائده في تحديده". (¬7) في س: "لأنهم".

يقولون: العالم كله متحيز، وإن لم يكن في شيء آخر موجود، إذ كل موجود سوى الله فإنه من العالم. وقد يفرقون بين الحيز والمكان، فيقولون: الحيز تقدير المكان، وكل قائم بنفسه مباين لغيره بالجهة فإنه متحيز عندهم، وإن لم يكن في شيء موجود، ولهذا يقول بعضهم: الحيز (¬1) من لوازم الجسم، ويقول بعضهم: هو من لوازم القياس بالنفس كالتميز والمباينة. وعلى هذا التفسير، فالحيز إما وجودي، وإما عدمي، فإن كان عدميًّا فالقول فيه كالقول في معنى الجهة العدمية، وإن كان وجوديًّا، فإما أن يراد به ما ليس خارجًا، أو ما هو خارج (¬2) عنه (¬3)، [فالأول مثل حدود المتحيز وجوانبه، فلا يكون الحيز شيئًا خارجًا على المتحيز] (¬4) على هذا التفسير، وإما أن يعني به شيء موجود منفصل (¬5) عن المتحيز خارج (¬6) عنه، فإذا هو التفسير الأول، وليس غير الله إلا العالم، فمن قال: إنه في حيز موجود منفصل فقد قال: إنه في العالم أو بعضه، وهذا مما قد صرحنا بنفيه (¬7)، وإذا كان كذلك، فلا بد من تفصيل المقال ليزول هذا الإبهام (¬8) والإجمال. ¬

_ (¬1) في س، ط: "التحيز". (¬2) في الأصل، س: "خارجًا". وقد أثبت ما لعله الصواب من: ط. (¬3) في الأصل: "عن التحيز" والكلام يستقيم بالمثبت من: س، ط. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬5) في الأصل: "ينفصل" وأثبت المناسب للكلام من: س، ط. (¬6) في الأصل: "خارجًا" والمثبت من: س، ط. (¬7) في الأصل: نفيه. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط. وقد صرح شيخ الإِسلام -رحمه الله- بنفي التحيز بمعنى أن الله تحوزه المخلوقات. راجع: الرسالة التدمرية ص: 25، 26. (¬8) في س: الإيهام.

الوجه الرابع عشر: مناقشة قولهم: ولا يقول أن كلام الله حرف وصوت قائم به، بل هو معنى قائم بذاته

الوجه الرابع عشر: وأما قولهم: ولا يقول: إن كلام الله حرف وصوت قائم به، بل هو معنى قائم بذاته. فقد قلت في الجواب المختصر البديهي (¬1): ليس في كلامي هذا -أيضًا- ولا قلته قط، بل قول القائل: إن القرآن حرف وصوت قائم به بدعة، وقوله: إنه معنى قائم به بدعة، ثم يقل أحد من السلف لا هذا ولا هذا، وأنا ليس في كلامي شيء من البدع، بل في كلامي ما أجمع عليه السلف أن القرآن كلام الله مخلوق. وذلك أني قد أجبت (¬2) في مسألة القرآن والحرف والصوت، وما وقع في ذلك من النزاع والاضطراب في جواب الفتيا الدمشقية (¬3)، ¬

_ (¬1) كذا في جميع النسخ، ولعل الأوضح: "بدهي". والجواب المختصر الذي كتبه الشيخ مع استعجال الرسول - راجع ص: 5، 9. (¬2) في الأصل: "ما أجبت". والمثبت من: س، ط. (¬3) كتاب "الفتيا الدمشقية" لم أجده بهذا الاسم فيما وقع تحت يدي من الكتب التي تذكر مؤلفات الشيخ، ولعله سمي بغير هذا الاسم، فكثير من كتب الشيح يعنون لها بأكثر من عنوان، كما هو الحال في هذا الكتاب الذي بين أيدينا فله أكثر من اسم. أو أنه لم يشتهر، فالشيخ -رحمه الله- كما يقول ابن عبد الهادي -في العقود الدرية ص: 65 - كتب في فنون كثيرة، فإن وجد من نقله من خطه وإلا لم يشتهر، ولم يعرف، وربما أخذه بعض أصحابه فلا يقدر على نقله، ولا يرده إليه فيذهب. وقد نقل ابن عبد الهادي أن الشيخ -رحمه الله- قال: "وأحضرت جواب مسألة كنت سئلت قديمًا عنها، فيمن حلف بالطلاق في مسألة الحرف والصوت، ومسألة الظاهر في العرش، وقلت: هذا جوابي. وكانت هذه المسألة قد أرسل بها طائفة من المعاندين المتجهمة ممن كان بعضهم حاضرًا في المجلس. فلما وصل إليهم الجواب أسكتهم. وكانوا قد ظنوا أني إن أجبت بما في ظنهم أن أهل السنة تقوله حصل =

وفصلت القول فيها وفي مسألة العرش وبينته، وكذلك في جواب الفتيا المصرية (¬1) قد بينته وفصلته في هذا وفي هذا، وأزلت ما وقع فيه أكثر الناس من الاختلاف والشقاق الذي خرجوا به عن السنة والجماعة، إلى البدعة والافتراق، وبسطت ذلك بسطًا متوسطًا في جواب (¬2) الاستفتاء (¬3) الذي ورد به (¬4) قاضي. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = مقصودهم من الشناعة، وإن أجبت بما يقولونه هم حصل مقصودهم من الموافقة. فلما أجيبوا بالفرقان الذي عليه أهل السنة، وليس هو ما يقولونه ولا ما ينقلونه عن أهل السنة، إذ يقوله بعض الجهال، بهتوا لذلك. وفيه: "أن القرآن كلام الله حروفه ومعانيه، ليس القرآن اسمًا لمجرد الحروف، ولا لمجرد المعاني" ا. هـ. وقد علق على هذا الكلام الشيخ محمَّد حامد الفقي، بنقل من هذا الكتاب "التسعينية" يفيد أن جواب هذه المسألة هي "الفتيا الدمشقية". راجع: العقود الدرية- ص: 222، 223. والسؤال والإجابة عليه في الفتاوى 33/ 169 - 189، وسوف يورده الشيخ -رحمه الله- في هذا الكتاب ص: 547 - 573. (¬1) كتاب "جواب الفتيا المصرية" لم تيسر الكتب التي اهتمت بذكر مؤلفات الشيخ إلى هذا الكتاب بهذا الاسم. ولعلها المسألة المصرية في القرآن المطبوعة ضمن الفتاوى 12/ 162 - 245. يؤيد هذا أن الشيخ -رحمه الله- سوف يشير إلى هذه الفتيا في ص: 529، ويذكر أنه قد قيل فيها: المسؤول بيان ما يجب على الإنسان أن يعتقده ويصير به مسلمًا بأوضح عبارة وأبينها من أن ما في المصاحف هو كلام الله القديم؟ أم هو عبارة عنه لا نفسه. . . وهذا السؤال والإجابة عنه مذكوران في الفتاوى 12/ 235 - 245. (¬2) الغالب أنها "الرسالة الكيلانية" وهي كما يقول ابن القيم في أسماء مؤلفات الشيخ "جواب في مسألة القرآن" في مجلد لطيف ص: 20، وهي مطبوعة ضمن الفتاوى 12/ 323 - 502. (¬3) في س: الاسفتتا. ولا معنى لها. (¬4) به: ساقطة من الأصل. والمثبت من: س، ط.

مسألة القرآن وقع فيها بين السلف والخلف من الاضطراب والنزاع ما لم يقع نظيره في مسألة العلو والارتفاع

جيلان (¬1) لما وقع بينهم من الفتنة في كلام الآدميين، وأظهروا من البدعة والغلو في الإثبات ونفي الخلق عن كثير من المخلوقات ما هو من أعظم الجهالات والضلالات، وقد كتبت جملًا من الكلام [في ذلك] (¬2) في جواب الاعتراضات المصرية على الفتيا الحموية (¬3)، وفي فتاوى أخر، ومواضع أخر. فإن مسألة القرآن وقع فيها بين السلف والخلف من الاضطراب والنزاع ما لم يقع نظيره في مسألة العلو والارتفاع، إذ لم يكن على عهد السلف من يبوح بإنكار ذلك ونفيه، كما كان على عهدهم من باح (¬4) بإظهار القول بخلق القرآن، ولا اجترأ الجهمية إذ ذاك على دعاء الناس إلى نفي علو الله على عرشه، بل ولا أظهرت ذلك، كما اجترؤوا على دعاء الناس إلى القول بخلق القرآن، وامتحانهم على ذلك، وعقوبة من لم يجبهم بالحبس، والضرب، والقتل، وقطع الرزق، والعزل عن ¬

_ (¬1) جيلان: بالكسر: اسم لبلاد كثيرة من وراء طبرستان، وليس في جيلان مدينة كبيرة، إنما هي قرى في مروج بين جبال، وقد نسب إليها من لا يحصى من أهل العلم في كل فن وعلى الخصوص في الفقه. راجع: معجم البلدان -لياقوت الحموي- 2/ 201. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. توضح المعنى. (¬3) كتاب "جواب الاعتراضات المصرية على الفتيا الحموية" من كتب الأصول، ومن المصنفات الكبار التي كتبها الشيخ -رحمه الله تعالى- وهو بالسجن في مصر ويقع في أربع مجلدات. ذكره: ابن عبد الهادي -في العقود الدرية ص: 29 - وقال عنه: "كتاب عزيز الفوائد سهل التناول" كما ذكره: ابن القيم في "أسماء مؤلفات ابن تيمية" ص: 19. وابن شاكر في "ذوات الوفيات" 1/ 76. وابن رجب في "الذيل على طبقات الحنابلة" 2/ 403. وغيرهم ممن كتب عن الشيخ ومؤلفاته. وذكر الدكتور محمَّد رشاد سالم -رحمه الله- محقق كتاب "الاستقامة" لشيخ الإِسلام- 1/ 139 ت: رقم (1)، أن هذا الكتاب مفقود. (¬4) في ط: "ممن أباح".

الولايات ومنع قبول الشهادة، وترك افتدائهم من أسر العدو، إلى غير ذلك من العقوبات التي إنما تصلح لمن خرج عن الإِسلام، وبدّلوا بذلك الدين نحو تبديل كثير من المرتدين، فأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه، أذلة على المؤمنين، أعزة على الكافرين، يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون (¬1) لومة لائم، فجاهدوا في الله حق جهاده، متبعين سبيل الصديق وإخوانه الذين جاهدوا المرتدين (¬2)، بعد موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى وسم المسلمون بالإمامة، وبأنه الصديق الثاني، من كان أحق بهذا التحقيق عند فتور الواني. فإن أولئك الجهمية جعلوا المؤمنين كفارًا مرتدين، وجعلوا ما هو من الكفر والتكذيب للرسول إيمانًا وعلمًا، ولبسوا على الأئمة والأمة الحق بالباطل، وكانت فتنتهم في الدين أعظم ضررًا من فتنة الخوارج المارقين (¬3)، فإن أولئك -وإن كفروا المؤمنين واستحلوا دماءهم ¬

_ (¬1) في ط: "يخالفون". (¬2) بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - سنة إحدى عشرة من الهجرة، ارتد بعض قبائل العرب، وامتنعوا عن دفع الزكاة، فأشار بعض الصحابة على أبي بكر الصديق -رضي الله عنه وعنهم- بتركهم وتأليفهم حتى يتمكن الإيمان من قلوبهم، ثم هم بعد ذلك يزكون، فامتنع الصديق من ذلك، وأصر على قتالهم، وقال: ". . . والله، لو منعوني عناقًا- وفي رواية: عقالًا- كانوا يؤدونه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأقاتلنهم على منعها، إن الزكاة حق المال، والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة. . . ". وقد ذكرت أحداث الردة مفصلة في: تاريخ الطبري- 3/ 223 فما بعدها. الكامل لابن الأثير- 2/ 342 فما بعدها. والبداية والنهاية -لابن كثير 6/ 350 - 354. وفي كثير من المراجع الأخرى. (¬3) الخوارج: تقدم التعريف بهم ص: 176. المارقة: الذين مرقوا من الدين لغلوهم فيه. والمروق: سرعة الخروج من الشيء، ومنه سميت الخوارج مارقة.

حدوث مقالات جهم في نفي الصفات كان في أوائل المائة الثانية

وأموالهم- فلم تكن فتنتهم الجحود لكلام رب العالمين، وأسمائه، وصفاته، وما هو عليه في حقيقة ذاته، بل كانت فيما دون ذلك من الخروج عن السنة المشروعة. وإن كان أهل المقالات قد نقلوا (¬1) أن قول الخوارج في التوحيد، هو قول الجهمية المعتزلة، فهذا (¬2) شر (¬3) للجهمية، لكن يشبه -والله أعلم- أن يكون ذلك قد قاله من بقايا الخوارج من كان موجودًا حين حدوث مقالات (¬4) جهم في أوائل المائة الثانية، فأما قبل (¬5) ذلك فلم يكن حدث في الإِسلام قول جيهم في نفي الصفات، والقول بخلق القرآن، وإنكار أن يكون الله على عرشه (¬6)، ونحو ذلك، فلا يصح إضافة هذا القول إلى أحد من المسلمين قبل المائة الثانية، لا من الخوارج، ولا من غيرهم، فإنه لم يكن في الإِسلام إذ ذاك من يتكلم بشيء من هذه السلوب الجهمية، ولا نقل أحد عن الخوارج المعروفين -إذ ذاك- ولا عن غيرهم شيئًا من هذه المقالات الجهمية. ومن أعظم أسباب بدع المتكلمين من الجهمية وغيرهم، قصورهم في مناظرة الكفار والمشركين، فإنهم يناظرونهم، ويحاجونهم، بغير الحق والعدل لينصروا الإِسلام، زعموا بذلك، فيستطيل (¬7) عليهم أولئك، ¬

_ = راجع: لسان العرب -لابن منظور 10/ 341 (مرق). وفي الحديث، عن أبي سعيد الخدري، أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: ". . . يمرقون من الدين كمروق السهم من الرمية. . . ". راجع: صحيح البخاري -كتاب الأدب- باب ما جاء في قول الرجل "ويلك" 7/ 111. (¬1) في س: "نلقوا" وهو تصحيف. (¬2) في ط: "فهذ". (¬3) في س، ط: "سر". (¬4) في س، ط: "مقالة". (¬5) "قبل" ساقطة من: س. (¬6) في س، ط: "العرش". (¬7) في س، ط: "فيسقط".

لما فيهم من الجهل والظلم، ويحاجونهم بممانعات ومعارضات، فيحتاجون حينئذ إلى جحد طائفة من الحق الذي جاء به الرسول، والظلم والعدوان لإخوانهم المؤمنين بما استظهر (¬1) عليهم أولئك المشركون، فصار قولهم مشتملًا على إيمان وكفر، وهدى وضلال، ورشد وغي، وجمع بين النقيضين، وصاروا مخالفين للكفار والمؤمنين، كالذين يقاتلون الكفار والمؤمنين، ومثلهم في ذلك مثل من فرط في طاعة الله وطاعة رسوله من ملوك النواحي والأطراف، حتى تسلط عليهم العدو، تحقيقًا لقوله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا} (¬2) يقاتلون العدو قتالًا مشتملًا على معصية الله من الغدر والمثلة والغلول والعدوان، حتى احتاجوا في مقاتلة ذلك العدو إلى العدوان على إخوانهم المؤمنين، والاستيلاء على نفوسهم، وأموالهم، وبلادهم، وصاروا يقاتلون إخوانهم المؤمنين بنوع مما كانوا يقاتلون به المشركين، وربما رأوا قتال المسلمين أوكد (¬3)، وبهذا وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - لخوارج حيث قال: "يقتلون أهل الإِسلام ويدعون أهل الأوثان" (¬4). ¬

_ (¬1) في الأصل: "استظهروا". والمثبت من: س، ط. (¬2) سورة آل عمران، الآية: 155. (¬3) في ط: "آكد". (¬4) جزء من حديث رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ". . . إن من ضئضئ هذا قومًا يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الإِسلام مروق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإِسلام ويدعون أهل الأوثان، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد". صحيح البخاري -كتاب التوحيد- باب قول الله تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} وقوله جل ذكره: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} 8/ 178 حديث رقم 143. صحيح مسلم -كتاب الزكاة- باب ذكر الخوارج وصفاتهم- 2/ 741. =

ذكر الإمام أحمد لحال جهم وشيعته

وهذا موجود في سيرة كثير من ملوك الأعاجم وغيرهم، وكثير من أهل البدع، وأهل الفجور، فحال أهل الأيدي والقتال، يشبه حال أهل الألسنة والجدال. وهكذا ذكر العلماء مبدأ حال يهم، فقال الإِمام أحمد -فيما أخرجه- في الرد على الزنادقة والجهمية (¬1): قال (¬2) أحمد: "وكذلك الجهم وشيعته، دعوا (¬3) الناس إلى المتشابه من القرآن والحديث، فضلوا وأضلوا بكلامهم بشرًا كثيرًا، فكان مما بلغنا من أمر الجهم -عدو الله- أنه كان من أهل خراسان، من أهل ترمذ (¬4)، وكان صاحب خصومات وكلام، وكان أكثر كلامه في الله ¬

_ = ومعنى "ضئضئ": أي: أصله ونسله. راجع: لسان العرب -لابن منظور- 1/ 110 (ضأضأ). وهذا: إشارة إلى الرجل الذي قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: اتق الله يا محمَّد، كما في هذا الحديث، وفي بعض الروايات أنه قال: اعدل يا محمَّد -عندما قسم الرسول - صلى الله عليه وسلم - قسمًا. وفي بعض الروايات أن رجلًا من بني تميم يقال له: "ذو الخويصرة" قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - عندما قسم قسمًا: اعدل يا رسول الله. صحيح مسلم -كتاب الزكاة- ذكر الخوارج وصفاتهم - 2/ 744 - الحديث رقم 148. (¬1) تقدم الكلام على كتاب "الرد على الجهمية والزنادقة- للإمام أحمد. (¬2) الرد على الجهمية والزنادقة -للإمام أحمد- ص: 101 - 105. (¬3) في س: "ردعو". وهو تصحيف. (¬4) في جميع النسخ: "الترمذي". والمثبت من كتاب "الرد على الجهمية والزنادقة. وهي: مدينة مشهورة من أمهات المدن في خراسان، على نهر جيحون من الجانب الشرقي، يحيط بها سور وأسواقها مفروشة بالآجر، وإليها ينسب بعض العلماء، كالترمذي صاحب الصحيح، وغيره. راجع: معجم البلدان -للحموي- 2/ 26، 27. والروض المعطار - للحميري ص: 132.

تبارك وتعالى، فلقي ناسًا (¬1) من المشركين يقال لهم: السمنية (¬2) فعرفوا الجهم، فقالوا له: نكلمك، فإن ظهرت حجتنا عليك دخلت في ديننا، وإن ظهرت حجتك علينا دخلنا في دينك، فكان مما كلموا به الجهم أن قالوا له: ألست تزعم أن لك إلهًا؟ قال الجهم: نعم. فقالوا له: فهل رأيت إلهك؟ قال: لا. فقالوا له: هل (¬3) سمعت كلامه؟ قال: لا. قالوا: فشممت له رائحة؟ قال: لا. قالوا: فوجدت له حسًّا؟ قال: لا. قالوا: فوجدت له مجسًا؟ قال: لا. قالوا: فما يدريك أنه إله؟ فتحير الجهم، فلم يدر من يعبد أربعين يومًا، ثم إنه استدرك حجة من جنس [حجة] (¬4) الزنادقة من النصارى، وذلك أن زنادقة (¬5) النصارى يزعمون أن الروح الذي (¬6) في عيسى هي من روح (¬7) الله من ذات الله، وإذا أراد [الله] (¬8) أن يحدث أمرًا دخل في بعض خلقه فتكلم على لسان ¬

_ (¬1) في الرد على الجهمية والزنادقة: "أناسًا". (¬2) السمنية: إحدى الفرق الضالة، كانت قبل دولة الإِسلام، ينفون النظر والاستدلال، ويقولون بقدم العالم، ويزعمون أنه لا معلوم إلا من جهة الحواس الخمس، وأنكر أكثرهم المعاد والبعث بعد الموت، وقال فريق منهم بتناسخ الأرواح في الصور المختلفة. . . إلى غير ذلك من أقوالهم الباطلة. راجع: الفرق بين الفرق -للبغدادي- ص: 270 - 271. والتبصير في الدين -للإسفراييني- ص: 149. وكشاف اصطلاحات الفنون -للتهانوني- 4/ 52. (¬3) في الرد على الجهمية والزنادقة: "قالوا: هي. . . ". (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. وفي الرد على الجهمية والزنادقة: ". . . حجة مثل حجة الزنادقة. . . ". (¬5) في الأصل: "زندقة". والمثبت من: س، ط، والرد على الجهمية. (¬6) في ط: "التي". (¬7) في الرد على الجهمية: "هي روح الله". (¬8) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، وهامش كتاب الرد على الجهمية.

خلقه (¬1)، فيأمر بما شاء، وينهى عن ما شاء (¬2)، وهو روح غائب (¬3) عن الأبصار. فاستدرك الجهم حجة مثل هذه الحجة فقال للسمني: ألست تزعم أن فيك روحًا؟ فقال (¬4): نعم. قال (¬5): فهل رأيت روحك؟ قال: لا. قال: فتسمعت كلامه؟ قال: لا. قال: فهل (¬6) وجدت له حسًّا؟ قال: لا. قال: فكذلك (¬7) الله لا يرى له وجه، ولا يسمع له صوت ولا يشم له رائحة، وهو غائب عن الأبصار، ولا يكون في مكان دون مكان قال (¬8): ووجد ثلاث آيات (¬9) من القرآن (¬10) من المتشابه قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (¬11) {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ} (¬12) و {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} (¬13). فبنى أصل كلامه كله (¬14) على هؤلاء الآيات، وتأول القرآن على ¬

_ (¬1) في س، ط: "بعض خلقه". (¬2) في الرد على الجهمية: "بما شاء وينهى عما شاء". (¬3) في الرد على الجهمية: "غائبة". (¬4) في الرد على الجهمية: "قال". (¬5) في الرد على الجهمية: "فقال". (¬6) "فهل" ساقطة من: س، ط. (¬7) في الأصل "فذلك". والمثبت من: س، ط، والرد على الجهمية. (¬8) "قال" ساقطة من كتاب الرد على الجهمية. (¬9) "آيات" ساقطة من: س. (¬10) في س، ط: "في القرآن". "من القرآن" ساقطة من كتاب "الرد على الجهمية". (¬11) سورة الشورى، الآية: 11. في س: (وهو السميع البصير). (¬12) سورة الأنعام، الآية: 3. (¬13) سورة الأنعام، الآية: 103. (¬14) "كله" ساقطة من: س.

وصف العلماء حال جهم

غير تأويله، وكذب بأحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وزعم أن من وصف من الله شيئًا (¬1) مما وصف الله به نفسه في كتابه، أو حدث عنه رسوله - صلى الله عليه وسلم - (¬2) كان كافرًا، وكان من المشبهة، فأضل بكلامه بشرًا كثيرا (¬3)، وتبعه على قوله رجال من أصحاب أبي حنيفة، وأصحاب عمرو بن عبيد (¬4) بالبصرة، ووضع دين الجهمية (¬5). وهكذا وصف العلماء حال يهم (¬6) كما قال أبو عبد الله محمَّد بن ¬

_ (¬1) في الرد على الجهمية: ". . . ومن وصف الله بشيء. . ". (¬2) " - صلى الله عليه وسلم - " ساقطة من: الأصل، ط. والمثبت من: س. (¬3) في جميع النسخ: "وأضل بشرًا كثيرًا". والمثبت من الرد على الجهمية. (¬4) هو: أبو عثمان عمرو بن عبيد بن باب البصري، من أبناء فارس، شيخ المعتزلة في عصره، وأتباعه يسمون "العمروية". قال الخطيب البغدادي: جالس الحسن البصري وحفظ عنه واشتهر بصحبته، ثم أزاله واصل بن عطاء عن مذهب أهل السنة فقال بالقدر، ودعا إليه، واعتزل أصحاب الحسن. . قال عنه يحيى بن معين: رجل سوء، وكان من الدهرية الذين يقولون: إنما الناس مثل الزرع. ولد سنة 80 هـ، وتوفي سنة 142 هـ. راجع: تاريخ بغداد -للخطيب البغدادي- 12/ 166 - 188. ولسان الميزان -لابن حجر- 3/ 273 - 280. والبداية والنهاية -لابن كثير- 10/ 91 - 93. (¬5) نهاية كلام الإِمام أحمد -رحمه الله-. (¬6) حال جهم وقصته مع السمنية، ذكرها البخاري عن ضمرة عن ابن شوذب -خلق أفعال العباد- تحقيق د. عبد الرحمن عميرة ص: 31. وسوف يوردها الشيخ فيما بعد. كما ذكرها اللالكائي بسند ينتهي بأبي معاذ البلخي أنه قال: "كان جهم على معبر ترمذ، وكان رجلًا كوفي الأصل، فصيح اللسان، لم يكن له علم، ولا مجالسة لأهل العلم، كان يتكلم كلام المتكلمين، وكلمه السمنية فقالوا له: صف لنا ربك الذي تعبده، فدخل البيت لا يخرج كذا ولا كذا. قال: ثم خرج عليهم بعد أيام فقال: هو هذا الهواء مع كل شيء وفي كل شيء، ولا يخلو منه =

سلام البيكندي (¬1)، شيخ البخاري في كتاب السنة والجماعة (¬2)، من تأليفه: ما جاء في بدو الجهمية والسمنيّة، وكيف كان شأنهم وكفرهم بآيات الله. [عن] (¬3) حفص بن عبد الرحمن البلخي (¬4) قال: حدثنا سعيد بن ¬

_ = شيء". وقال أبو معاذ: "كذب عدو الله، إن الله في السماء على عرشه، كما وصف نفسه". راجع: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة -للالكائي- تحقيق د. أحمد سعد حمدان - 3/ 380 - 381. كما أوردها من هذا الطريق الذهبي، في مختصر العلو -تحقيق محمَّد ناصر الدين الألباني ص: 163. (¬1) هو: أبو عبد الله محمَّد بن سلام بن فرج السلمي، مولاهم البخاري البيكندي، الإِمام الحافظ الناقد، ومحدث "ما وراء النهر"، كان من أوعية العلم، وأئمة الأثر، حدث عنه البخاري، وأبو محمَّد الدارمي، وغيرهم، له مصنفات في كل باب من العلم. ولم يذكره سزكين، ولا أشار غيره من أصحاب الكتب التي تهتم بالتراث أن له مؤلفًا بعينه. ولد سنة 160 هـ، وتوفى سنة 225. راجع: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 3/ 2 / 278. والجمع بين رجال الصحيحين -لابن القيسراني 2/ 459. والأنساب -للسمعاني- 2/ 404. وسير أعلام النبلاء -للذهبي- ص: 628 - 630. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 9/ 212 - 213. (¬2) لم أقف على هذا الكتاب في مظانه، ولم تشر المصادر التي رجعت إليها في ترجمة محمد بن سلام، إلى مؤلف له بعينه -كما ذكرت ذلك في الهامش السابق- سوى أنه صنف في كل باب من العلم. (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، يقتضيها السياق. (¬4) في جميع النسخ: "البجلي". ولم أجده بهذا الاسم فيما وقع تحت يدي من مصادر. ولعله: أبو عمر حفص بن عبد الرحمن بن عمر بن فروخ بن فضالة البلخي ثم =

أبي عروبة (¬1)، عن أيوب بن أبي تميمة (¬2)، قال: ما أعلم أحدًا من أهل الضلال (¬3) أكذب على كتاب الله من السمنية، قال: وهو عندنا كما قال، لا أعلم أحدًا (¬4) أجهل ولا أحمق قولًا منهم، لا يتعلقون من كتاب الله بشيء، ولا يحتجون، إنما هو حب وبغض من أحب دخل الجنة، ومن أبغض دخل النار، فصارت (¬5) طائفة جهمية لم تكن على عهد رسول الله ¬

_ = النيسابوري الحنفي الإِمام الفقيه مفتي خراسان. قال فيه ابن المبارك: اجتمع فيه الفقه والوقار والورع، توفي سنة 199 هـ. يقول الذهبي: كان من أبناء الثمانين، حدث عن أبي حنيفة، وسعيد بن أبي عروبة، وغيرهم. راجع: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 1/ 2 / 176. وسير أعلام النبلاء -للذهبي- 9/ 310 - 311. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 2/ 404 - 405. (¬1) هو: أبو النضر سعيد بن أبي عروبة مهران العدوي البصري، ثقة حافظ للحديث، ثم اختلط في آخر عمره. يقول عنه الذهبي: إمام أهل البصرة في زمانه، ولد حوالي سنة 80 هـ. وتوفي سنة 156 هـ. راجع: الطبقات الكبرى -لابن سعد- 7/ 273 - 274. ولسان الميزان -لابن حجر- 2/ 151 - 153. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 4/ 263 - 266. (¬2) هو: أبو بكر أيوب بن أبي تميمة كيسان السختياني البصري. قال عنه ابن سعد: كان ثقة ثبتًا في الحديث، جامعًا عدلا ورعًا كثير العلم حجة. ولد سنة 68 هـ، وتوفي سنة 131 هـ. راجع: الطبقات الكبرى -لابن سعد- 7/ 246 - 251. والجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 1/ 1 / 255 - 256. وتهذيب التهذيب -لابن حجر - 1/ 397 - 399. (¬3) في س، ط: "الصلاح" وهو خطأ. (¬4) في س، ط: ". . أن أحد". (¬5) في س، ط: "وصارت".

- صلى الله عليه وسلم - ولا على عهد الصحابة، وإنما هو رأي محدث، ويرون أن أول من تكلم فيه (¬1) جهم بن صفوان، وكان جيهم -فيما بلغنا- لا يعرف بفقه ولا ورع ولا صلاح، أعطي لسانًا منكرًا فكان يجادل ويقول برأيه، يجادل السمنية، وهم شبه المجوس، يعتقدون الأصنام، فكلمهم فأحرجوه (¬2) حتى ترك الصلاة أربعين يومًا، لا يعرف ربه، وكلامهم يدعو إلى الزندقة، وكلامهم وصفناه (¬3) لغير واحد من أهل الفقه (¬4) والبصر، فمالوا (¬5) آخر أمرهم إلى الزندقة، والرجل إذا رسخ في كلامهم ترك الصلاة، واتبع الشهوات. وكان أبو الجوزاء (¬6) صاحب جهم، وكان أقوى في أمرهم من جهم -فيما بلغنا- وكان يسكن الفارياب (¬7)، وأخبرنا أناس من أهلها من صالحيهم، أنه ترك الصلاة، وشرب الخمر، واتبع الشهوات، وأفسد عالمًا من الناس، فنعوذ بالله من الضلالة بعد الهدى، ما أعلم من تكلم في الإِسلام قوم أخبث من كلامهم، القرآن كله نقض على كلامهم. وبلغنا أن منهم من يقول: إن ما يفسد علينا كلامنا (¬8) القرآن ¬

_ (¬1) "فيه": ساقطة من س، ط. (¬2) في جميع النسخ: "فأخرجوه". ولعل ما أثبت هو المناسب. (¬3) في ط: "وضعناه". (¬4) في ط: "اللغة". (¬5) في الأصل، س: "فقالوا". والمثبت من: ط. (¬6) أبو الجوزاء لم أعثر له على ترجمة. (¬7) في جميع النسخ: "الفاريات". ولعل الصواب ما أثبته. والفارياب: مدينة مشهورة بخراسان من أعمال جوزجان، قرب "بلخ" ينسب إليها جماعة من الأئمة. راجع: معجم البلدان -لياقوت الحموي- 4/ 229. (¬8) "كلامنا" ساقطة من: س.

ويكسره ولا يرون أن في السماء ساكنًا، وذكر طرفًا من كلامهم ثم قال (¬1): قال: علي (¬2) سمعت عبد الله (¬3) يقول (¬4): إنّا لنحكي كلام اليهود والنصارى، ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية. وقال في شعر له (¬5): ولا أقول يقول الجهم إن له ... قولًا يضارع قول الشرك أحيانًا ثم قال: حدثنا عبيد الله، يعني ابن واصل، ثنا عبد الله بن محمَّد، شيخ من أهل بغداد، ثنا ابن صالح، قال: لقيت جهمًا فقلت: نطق الله؟ قال: لا، قلت: فهو ينطق؟ قال: لا، قلت: فمن يقول يوم القيامة: لمن الملك اليوم؟ ومن يرد عليه: لله الواحد القهار؟ قلت: إنهم زادوا في القرآن ونقصوا منه. ¬

_ (¬1) القائل هو: محمَّد بن سلام البيكندي - شيخ البخاري. (¬2) هو: أبو عبد الرحمن علي بن الحسين بن شقيق بن دينار المروزي، الإِمام الحافظ، شيخ خراسان، لزم ابن المبارك زمنًا، وسمع كتبه مرارًا، حدث عنه البخاري، والإمام أحمد، وغيرهما. ولد سنة 137 هـ، وتوفي بمرو سنة 215 هـ. انظر: الطبقات الكبرى -لابن سعد- 7/ 376. والجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 3/ 180. وسير أعلام النبلاء -للذهبي- 10/ 349 - 352. (¬3) يعني: عبد الله بن المبارك، وقد تقدمت ترجمته ص: 148. (¬4) أورد عبد الله بن الإِمام أحمد، قول عبد الله بن المبارك في "السنة- ص: 41 ". قال: حدثني عبد الله بن أحمد بن شبويه أبو عبد الرحمن قال: سمعت علي بن الحسين، يعني ابن شقيق، يقول: سمعت عبد الله يقول: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، وسمعته يقول: إنا لنحكي كلام اليهود. . . (¬5) أورد البخاري في كتابه -خلق أفعال العباد ص: 31 - ثلاثة أبيات لابن المبارك، مطلعها ما ذكره الشيخ -رحمه الله- هنا. وسوف يوردها -رحمه الله- بعد صفحات قليلة من هذا الكتاب.

وروى (¬1) أبو داود [و] (¬2) الخلال وغيرهما عن أبي شوذب (¬3)، قال: ترك جهم الصلاة أربعين يومًا، وكان فيمن خرج مع الحارث بن سريج (¬4). وعن مروان بن معاوية الفزازي (¬5)، وذكر جهمًا فقال: قبح الله جهمًا، حدثني ابن عم لي أنه شك في الله أربعين صباحًا. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود السجستاني في مسائل الإِمام أحمد ص: 269، قال: أخبرنا أبو بكر، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا أحمد بن هاشم الرملي، قال: حدثنا ضمرة. . . (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. يقتضيها الكلام. (¬3) هو: أبو عبد الرحمن عبد الله بن شوذب البلخي ثم البصري نزيل بيت المقدس، وثقه أحمد وغيره، روى عنه ابن المبارك وغيره. ولد سنة 86 هـ وتوفي سنة 156. راجع: الجرح والتعديل -لابن أبي هاشم- 2/ 2 / 82 - 83. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 5/ 255 - 256. وسير أعلام النبلاء -للذهبي- 7/ 92 - 93. (¬4) في الأصل: "سريح" والمثبت من: س، ط. هو: الحارث بن سريج التميمي، كان من سكان خراسان، وخرج على أميرها سنة 116 هـ في خلافة هشام بن عبد الملك، ثم خرج منها هو وأتباعه واستولى على بلخ، والجوزجان وغيرها، وعظم أمره، ثم عاد إلى مرو سنة 127 هـ، وجرت بينه وبين نصر بن سيار، أمير خراسان فتنة قتل بسببها هو والجهم بن صفوان سنة 128 هـ. راجع: الكامل -لابن الأثير- 5/ 342 فما بعدها. والبداية والنهاية -لابن كثير- 10/ 31 فما بعدها. والأعلام -للزركلي- 2/ 155 - 156. (¬5) هو: أبو عبد الله مروان بن معاوية بن الحارث بن عثمان الفزازي الكوفي، ثم الدمشقي، الإِمام الحافظ، وثقه النسائي وغيره، كان جوالًا في طلب الحديث، توفي سنة 193 هـ. راجع: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 4/ 1 / 272 - 273. وسير أعلام النبلاء -للذهبي- 9/ 51 - 54. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 10/ 96 - 98.

ما ذكره البخاري

وذكر البخاري (¬1) في كتاب "خلق الأفعال" (¬2) عن يحيى بن أيوب (¬3)، قال: كنا يومًا (¬4) عند مروان بن معاوية الفزاري فسأله رجل عن حديث الرؤية، فلم يحدثه به، قال (¬5): إن لم تحدثني به فأنت جهمي. فقال مروان: أتقول لي: جهمي، وجهم مكث أربعين ليلة (¬6) لا يعرف ربه؟! قال البخاري: وقال ضمرة (¬7)، [عن] (¬8) ابن شوذب: ¬

_ (¬1) في خلق أفعال العباد ص: 38 للبخاري قال: حدثني أبو جعفر، قال: سمعت يحيى بن أيوب قال:. . . (¬2) هو كتاب "خلق أفعال العباد والرد على الجهمية - للبخاري". ويعتبر من أنفس الكتب التي كتبها السلف -رحمهم الله- في الرد على المعطلة من الجهمية وغيرهم. وقد طبع الكتاب في دلهي عام 1306 هـ بتحقيق شمس الحق عبد العظيم أبادي، وطبع بعد ذلك عدة طبعات. راجع بتصرف: تاريخ التراث العربي -لفؤاد سزكين- المجلد الأول -الجزء الأول- علوم القرآن والحديث ص: 259، والمقدمة التي كتبها د. عبد الرحمن عميرة -محقق الكتاب- ص: 24 - 26. (¬3) هو: أبو زكريا يحيى بن أيوب المعروف بالمقابري البغدادي، أحد أئمة الحديث والسنة، وثقه غير واحد، ولد سنة 157 هـ، وتوفي سنة 233 هـ. راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 14/ 188 - 189. وطبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 1/ 400 - 401. وشذرات الذهب -لابن العماد- 2/ 79. (¬4) في خلق أفعال العباد: ". . ذات يوم. . ". (¬5) في خلق أفعال العباد: ". . فقال له. . ". (¬6) في خلق أفعال العباد: "يومًا". (¬7) هو: أبو عبد الله ضمرة بن ربيعة الرملي من أهل دمشق، الإِمام الحافظ القدوة، محدث فلسطين، قال عنه الإِمام أحمد: ذلك الثقة المأمون رجل صالح مليح الحديث. توفي سنة 202 هـ. راجع: الطبقات الكبرى لابن سعد- 7/ 471. وتهذيب ابن عساكر - 7/ 39 - 40. وسير أعلام النبلاء -للذهبي- 9/ 325 - 327. (¬8) ما بين المعقوفتين ساقط من جميع النسخ. والمثبت من: "خلق أفعال العباد ص: 31 " وهو سهو من الناسخ.

ترك جهم الصلاة أربعين يومًا (¬1) على وجه الشك، فخاصمه بعض السمنية، فشك فأقام أربعين يومًا لا يصلي، قال ضمرة: وقد رآه ابن شوذب. قال البخاري (¬2): وقال عبد العزيز بن أبي سلمة (¬3): كلام جهم صفة (¬4) بلا معنى، وبناء بلا أساس، ولم يعد قط من أهل العلم. وروى (¬5) أبو داود [و] (¬6) الخلال عن إبراهيم بن طهمان (¬7)، قال: "ما ذكرته ولا ذكر عندي إلا دعوت الله عليه، ما أعظم ما أورث (¬8) أهل القبلة من منطقه هذا العظيم" يعني جهمًا. ¬

_ (¬1) "يومًا" ساقطة من: س. (¬2) خلق أفعال العباد ص: 32. وقد ذكره الذهبي في: سير أعلام النبلاء 7/ 312. (¬3) في س: "مسلمة" وهو تصحيف. هو: أبو عبد الله عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون التميمي مولاهم المدني الفقيه، كان إماما مفتيًا، قال عنه ابن سعد: "كان ثقة" توفي سنة 164. راجع: الطبقات الكبرى -لابن سعد- 7/ 323. والجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 2/ 2 / 386. وسير أعلام النبلاء -للذهبي- 7/ 309 - 312. (¬4) في خلق أفعال العباد: "صنعة". والمثبت من: سير أعلام النبلاء 7/ 312. (¬5) أخرجه أبو داود السجستاني في مسائل الإِمام أحمد ص: 269، قال: أخبرنا أبو بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا أحمد بن حفص بن عبد الله قال: حدثني أبي قال: قال إبراهيم بن طهمان. . . ما ذكرت. . . (¬6) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬7) هو: أبو سعيد إبراهيم بن طهمان الهروي ثم النيسابوري، عالم خراسان، كان ثقة شديدًا على الجهمية جاور بمكة في آخر عمره، وتوفي سنة 163 هـ. راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 6/ 105 - 111. والجمع بين رجال الصحيحين للقيسراني- 1/ 16. وتذكرة الحفاظ -للذهبي- 1/ 213. (¬8) في س: "ورث".

وعن (¬1) يحيى بن شبل (¬2) قال: "كنت جالسًا مع مقاتل بن سليمان (¬3)، وعباد بن كثير (¬4)، إذ جاء شاب فقال: ما تقولون (¬5) في قوله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إلا وَجْهَهُ} (¬6) فقال مقاتل: هذا جهمي، ثم قال: ويحك إن جهمًا -والله- ما حج هذا البيت قط (¬7)، ولا جالس العلماء، إنما كان رجلًا أعطي لسانًا هذاء (¬8). وقد ذكر البخاري (¬9) قال: "وقال ابن مقاتل (¬10): سمعت ابن ¬

_ (¬1) أخرجه بهذا السند أبو داود في مسائل الإِمام أحمد. ص: 269. (¬2) يحيى بن شبل البلخي، روى عن عباد بن كثير، ومقاتل بن سليمان. قال عنه الذهبي: لا يعرف، روى عنه مكي بن إبراهيم. انظر: ميزان الاعتدال -للذهبي- 4/ 385. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 11/ 229. (¬3) هو: أبو الحسن مقاتل بن سليمان البلخي، صاحب التفسير. قال عنه ابن سعد: أصحاب الحديث يتقون حديثه وينكرونه. ويقول الذهبي: أجمعوا على تركه، توفي سنة نيف وخمسين ومائة. راجع: الطبقات الكبرى -لابن سعد- 7/ 373. وتهذيب الأسماء واللغات -للنووي- 2/ 111. وسير أعلام النبلاء -للذهبي- 7/ 201 - 202. (¬4) في جميع النسخ: "عبد الله بن كثير" والمثبت من مسائل الإِمام أحمد، ولعله الصواب، فهو الذي يروي عنه يحيى بن شبل، وهو ضعيف الحديث. انظر: لسان الميزان -لابن حجر- 2/ 270 - 275. (¬5) في مسائل الإِمام أحمد: "تقول". (¬6) سورة القصص، الآية: 88. (¬7) "قط" ساقطة من: مسائل الإِمام أحمد. (¬8) "هذاء" ساقطة من: مسائل الإِمام أحمد. (¬9) انظر: خلق أفعال العباد. ص: 31. وقد أخرجه عبد الله بن أحمد في السنة ص: 12 - من طرق أخرى. (¬10) لعله: محمَّد بن مقاتل المروزي أبو الحسن (ت 226 هـ). أو: محمَّد بن مقاتل أبو جعفر العباداني (236 هـ). وكلاهما ثقة، روى عن عبد الله بن المبارك. راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 3/ 375 - 376. وتهذيب التهذيب -لابن =

المبارك يقول: من قال: "إني أنا الله لا إله إلّا أنا" مخلوق فهو كافر، ولا (¬1) ينبغي لمخلوق أن يقول ذلك، قال: وقال أيضًا: ولا (¬2) أقول بقول الجهم إن له ... قولًا يضارع قول الشرك أحيانًا ولا أقول تخلى من بريته ... ربّ العباد وولي الأمر شيطانًا ما قال فرعون هذا في تجبره ... فرعون موسى ولا فرعون هامانا قال البخاري: وقال ابن المبارك: لا نقول كما قالت الجهمية: إنه في الأرض ها هنا، بل على العرش استوى، وقيل له: كيف نعرف ربنا؟ قال: فوق سماواته على عرشه، وقال لرجل (¬3) منهم: أبطنك خال منه (¬4)؟ فبهت الآخر، وقال: من قال لا إله إلَّا هو، مخلوق، فهو (¬5) كافر، وإنا لنحكي كلام اليهود والنصارى، ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية. قال البخاري (¬6): وقال سعيد بن عامر (¬7): الجهمية ¬

_ = حجر - 9/ 468 - 471. (¬1) في خلق أفعال العباد: ". . . لا ينبغي. . ". (¬2) في خلق أفعال العباد: "فلا". (¬3) في س، ط: "الرجل". (¬4) في خلق أفعال العباد: "أتظنك خاليًا منه". (¬5) في ط: "فهر". (¬6) وأخرجه الذهبي في "العلو" عن طريق عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: حدثنا أبي قال: حدثت عن سعيد بن عامر الضبيعي أنه ذكر الجهمية فقال: هم شر. . انظر: مختصر العلوم للذهبي -اختصار وتحقيق محمَّد ناصر الدين الألباني ص: 168. (¬7) هو: أبو محمَّد سعيد بن عامر الضبيعي البصري، كان ثقة صالحًا. قال ابن معين: ثقة مأمون. أخذ عنه الإِمام أحمد وإسحاق بن راهوية وغيرهما. ولد سنة 122 هـ، وتوفي بالبصرة سنة 208 هـ. راجع: الطبقات الكبرى -لابن سعد- 7/ 296. وتذكرة الحفاظ -للذهبي- 1/ 351. والوافي بالوفيات -للصفدي- 15/ 231.

أشر (¬1) قولًا من اليهود والنصارى، قد اجتمعت (¬2) اليهود والنصارى وأهل الأديان (على) (¬3) أن الله تعالى على العرش، وقالوا: هم ليس على العرش (¬4). وروى البخاري (¬5) عن وكيع بن الجراح، أنه قال: لا تستخفوا بقولهم: القرآن مخلوق، فإنه من شر قولهم، إنما يذهبون إلى التعطيل. فهذا الذي ذكره الإِمام أحمد من مبدأ حال جهم إمام هؤلاء المتكلمين النفاة يبين ما ذكرته، فإنه لما ناظر (¬6) من ناظره من المشركين السمنية من الهند، وجحدوا الإله، لكون الجهم لم يدركه شيء من حواسه، لا ببصره، ولا بسمعه، ولا بشمه، ولا بذوقه، ولا بحسه، كان مضمون هذا الكلام أن كل ما لا يحسه الإنسان بحواسه الخمس، فإنه ينكره ولا (¬7) يقربه، فأجابهم الجهم: أنه قد يكون في الموجود ما لا يمكن إحساسه (¬8) بشيء من هذه الحواس وهي الروح التي في العبد، وزعم أنها لا تختص بشيء من الأمكنة، وهذا الذي قاله هو قول الصابئية (¬9) الفلاسفة المشائين (¬10). ¬

_ (¬1) في جميع النسخ: "شر". والمثبت من: خلق أفعال العباد. (¬2) في س: "أجمعت". (¬3) "على" ساقطة من: الأصل، س. والمثبت من: ط. (¬4) في خلق أفعال العباد: ". . العرش من شيء". (¬5) في خلق أفعال العباد - ص: 37 - عن أبي جعفر محمَّد بن عبد الله، حدثني محمَّد بن قدامة السلال الأنصاري قال: سمعت وكيعًا يقول. . . (¬6) في الأصل: "ناظره" والمثبت من: س، ط. (¬7) في الأصل: "أولًا". والمثبت من: س، ط. (¬8) في الأصل، س: "الإحساس". والمثبت من: ط. ولعله المناسب. (¬9) في ط: "الصابئة". وتقدم التعريف بها ص: 222. (¬10) المشائي: هو الأرسطي، سمي مشائيًّا؛ لأن أرسطو كان يعلم تلاميذه. =

وقد قال البخاري (¬1): قال قتيبة، يعني ابن سعيد (¬2)، بلغني أن جهمًا كان يأخذ هذا (¬3) الكلام من الجعد بن درهم (¬4). وقال البخاري (¬5): ثنا قتيبة، حدثني القاسم بن محمَّد (¬6)، حدثنا عبد الرحمن بن محمَّد بن حبيب (¬7) بن أبي حبيب، عن أبيه عن جده (¬8) ¬

_ = ماشيًا والمشاؤون: هم أتباع أرسطو صاحب التعاليم، وبينه وبين أتباعه من الخلاف ما يطول وصفه. راجع: المعجم الفلسفي - لجميل صليبا 2/ 373. ودرء تعارض العقل والنقل 1/ 157. (¬1) خلق أفعال العباد- ص: 30. (¬2) هو: أبو رجاء قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف الثقفي مولاهم البغلاني -نسبة إلى بغلان قرية من قرى بلخ- محدث ثقة، روى عنه البخاري ومسلم في صحيحهما، وروى عنه غيرهما. ولد سنة 150 وتوفي سنة 240 هـ. راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 12/ 464 - 470. وسير أعلام النبلاء -للذهبي- 11/ 13 - 24. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 8/ 358 - 361. (¬3) "هذا" ساقطة من: خلق أفعال العباد. (¬4) هو: الجعد بن درهم مبتدع ضال يقول بخلق القرآن، ويزعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلًا، ولا كلم موسى تكليمًا، وهو مؤدب مروان الحمار، وشيخ الجهم بن صفوان، قتله خالد بن عبد الله القسري. راجع: ميزان الاعتدال -للذهبي- 1/ 399. وسير أعلام النبلاء -للذهبي- 5/ 432. والبداية والنهاية لابن كثير- 9/ 394 - 395، 10/ 23. (¬5) خلق أفعال العباد - ص: 29 - 30. وأورده بهذا السند الذي ذكره البخاري الذهبي في سير أعلام النبلاء 5/ 432. (¬6) هو: أبو محمَّد القاسم بن أبي سفيان محمَّد بن حميد المعمري البغدادي -روى عنه قتيبة بن سعيد ووثقه، توفي سنة 228 هـ. راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 12/ 425. وميزان الاعتدال -للذهبي - 3/ 378. وخلاصة تهذيب الكمال -لصفي الدين الأنصاري- ص: 313. (¬7) في خلق أفعال العباد: "حبيبة". (¬8) هو: عبد الرحمن بن محمد بن حبيب بن أبي حبيب الجرمي -بفتح الميم- صاحب الأنماط، عن أبيه عن جده قال الذهبي: لا يعرف هؤلاء.

قال: شهدت خالد بن عبد الله القسري (¬1). . . . بواسط (¬2) يوم أضحى، وقال (¬3): ارجعوا فضحوا تقبل الله (¬4) منكم، فإني مضح بالجعد بن درهم، زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم (¬5) خليلًا، ولم يكلم موسى تكليمًا، سبحانه وتعالى عما يقول الجعد علوًا كبيرًا، ثم نزل فذبحه. وهذا الجعد قد ذكروا (¬6) أنه من (¬7) أهل. . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = راجع: ميزان الاعتدال -للذهبي- 2/ 585. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 6/ 265. وسير أعلام النبلاء -للذهبي- 5/ 432 هامش رقم (1). (¬1) هو: أبو الهيثم خالد بن عبد الله بن يزيد بن أسد بن كرز البجلي أمير العراقيين لهشام، وولي قبل ذلك مكة للوليد بن عبد الملك ثم لسليمان، كان جوادًا وخطيبًا مفوهًا. قال عنه الذهبي: صدوق لكنه ناصبي بغيض ظلوم، وقال ابن معين: رجل سوء يقع في علي، قتل الجعد بن درهم وهذه من حسناته مات مقتولًا عام 126. راجع: وفيات الأعيان -لابن خلكان- 2/ 226 - 232. وميزان الاعتدال -للذهبي- 1/ 633. وسير أعلام النبلاء -للذهبي- 5/ 425 - 432. في الأصل: القشيري" وهو خطأ. (¬2) "بواسط" ساقطة من: سير أعلام النبلاء. "وواسط" مدينة بدأ الحجاج بناءها عام 84 هـ وفرغ منها عام 86 هـ وسميت بذلك لتوسطها بين البصرة والكوفة، وهي بلدة عظيمة ذات بساتين ونخيل. راجع معجم البلدان 4/ 347 - 350. (¬3) في ط: "قال". وفي سير أعلام النبلاء: "يقول ضحوا. . ". (¬4) سقط لفظ الجلالة من: ط. (¬5) في الأصل: ". . من إبراهيم". والمثبت من: س، ط، وسير أعلام النبلاء. (¬6) أشار ابن كثير في البداية والنهاية 10/ 23 - أن الجعد بن درهم من أهل الشام، وهو مؤدب مروان الحمار، ولهذا يقال له: مروان الجعدي، فنسب إليه. ونقل الشيخ -رحمه الله- في درء تعارض العقل والنقل 1/ 313 - عن الإِمام أحمد أنه قال: "كان يقال: إنه من أهل حران وعنه أخذ الجهم بن صفوان مذهب نفاة الصفات، وكان بحران أئمة هؤلاء الصابئة الفلاسفة. . . (¬7) في س، ط: "كان من. . . ".

حران (¬1) وهو معلم مروان بن محمَّد (¬2)، ولهذا يقال له: الجعدي (¬3)، وكانت حران إذ ذاك دار الصابئية (¬4) الفلاسفة الباقين على ملة سلفهم أعداء إبراهيم الخليل، فإن إبراهيم (¬5) كان منهم ودعاهم إلى الحنيفية، وكان من قصته ما ذكره الله في كتابه، والحجة التي ذكرها مشركوا الهند الباطلة، والجواب الذي أجاب به مبتدعة الصابئين، ومن اتبعهم من مبتدعة هذه الأمة باطل، وذلك أن قول القائل: ما لا يحس به (¬6) العبد لا يُقِرُّ به أو ينكره. إما أن يريد (¬7) به أن كل أحد من العباد لا يقر إلّا بما أحسه هو بشيء من حواسه الخمس. أو يريد به أنه لا يقر العبد إلا بما أحس به العباد في الجملة أو بما يمكن الإحساس به في الجملة. ¬

_ (¬1) حران: مدينة عظيمة مشهورة على طريق الموصل والشام والروم، كانت منازل الصابئة، وهم الحرانيون الذين يذكرهم أصحاب كتب الملل والنحل، فتحت أيام عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على يد عياض بن غنم، وينسب إليها جماعة من أهل العلم. راجع: معجم البلدان -لياقوت الحموي- 2/ 234 - 236. (¬2) هو: أبو عبد الملك مروان بن محمَّد بن مروان بن الحكم الأموي، آخر خلفاء بني أمية، يعرف بمروان الحمار لجرأته في الحروب واشتهر بمروان الجعدي، نسبة إلى مؤدبه الجعد بن درهم، ولد سنة 72 هـ، ومات مقتولًا سنة 132 هـ. راجع: سير أعلام النبلاء -للذهبي 6/ 74 - 77. والبداية والنهاية لابن كثير - 10/ 54 - 56. والأعلام -للزركلي- 8/ 96 - 97. (¬3) في س: "الجعد". (¬4) في ط: "الصابئة". (¬5) في س، ط: "إبراهيم الخليل". (¬6) في س: "له". (¬7) في الأصل: "إما أن يراد". وفي ط: أو أن يريد". والمثبت من: س.

السمنية ينكرون من العلوم ما سوى الحسيات

فإن كان أرادوا الأول، وهو الذي حكاه عنهم طائفة (¬1) من أهل المقالات، حيث ذكروا عن السمنية أنهم ينكرون من العلوم ما سوى الحسيات، فينكرون المتواترات (¬2) والمجربات والضروريات العقلية، وغير ذلك، إلَّا أن هذه الحكاية لا تصح على إطلاقها من جميع العقلاء (¬3) في مدينة أو قرية، وما ذكر (¬4) من مناظرة الجهم لهم يدل على إقرارهم بغير ذلك، وذلك أن حياة بني آدم وعيشهم في الدنيا لا يتم إلّا (¬5) بمعاونة (¬6) بعضهم لبعض في الأقوال، أخبارها وغير أخبارها، ودي الأعمال -أيضًا- فالرجل منهم لا بد أن يقرّ أنَّه مولود، وأن له أبًا وطئ أمه، وأمًّا ولدته وهو لم يبيح بشيء من ذلك من حواسه الخمس، بل أخبر بذلك، ووجد في قلبه ميلًا إلى ما أخبر به، وكذلك علمه بسائر أقاربه من الأعمام والأخوال والأجداد، وغير ذلك، وليس في بني آدم أمة تنكر الإقرار بهذا، وكذلك لا ينكر أحد من بني آدم أنَّه ولد صغيرًا، وأنه ربي بالتغذية والحضانة، ونحو ذلك حتَّى كبر، وهو إذا كبر لم يذكر إحساسه بذلك قبل تميزه، بل لا ينكر طائفة من بني آدم أمورهم الباطنة مثل جوع أحدهم، وشبعه (¬7)، ولذته، وألمه، ورضاه، وغضبه، وحبه وبغضه، وغير ذلك ممَّا لم يشعر به بحواسه الخمس الظاهرة، بل يعلمون أن غير [هم من] (¬8) بني آدم يصيبهم ذلك، ¬

_ (¬1) كعبد القاهر البغدادي في الفرق بين الفرق ص: 270 - 271. وأبي المظفر الإسفراييني في التبصير في الدين ص: 149. (¬2) في س: "المتواتر". (¬3) في س، ط: "عن جمع من العقلاء". (¬4) في س، ط: "ذكره". (¬5) في س: "لا". (¬6) في الأصل: "بمهاونة" وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط. (¬7) في الأصل: "شبعته". (¬8) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.

قول من يقول إن السوفسطائية قوم ينكرون حقائق الأمور

وذلك (¬1) لم يشعروا به بالحواس الخمس الظاهرة، وكذلك ليس في بني آدم من لا يقر بما كان في غير مدينتهم من المدائن والسير والمتاجر وغير ذلك، ممَّا هم متفقون على الإقرار به، وهم مضطرون إلى ذلك، وكذلك لا ينكرون أن الدور التي سكنوها قد بناها البناؤون، والطبيخ الذي يأكلونه طبخه الطباخون، والثياب المنسوجة التي يلبسونها نسجها النساجون، وإن كان ما يقر (¬2) به من ذلك لم يحسه أحدهم بشيء من حواسه الخمس، وهذا باب واسع، فمن قال: إن أمة من الأمم تنكر هذه الأمور فقد قال الباطل. وقول من يقول من المتكلمين: إن السوفسطائية (¬3) قوم ينكرون حقائق الأمور وإنهم منتسبون إلى رئيس لهم يقال له: "سوفسطا" (¬4)، وإن منهم من ينكر العلم بشيء من الحقائق، ومنهم من ينكر الحقائق الموجودة -أيضًا- مع العلوم، ومنهم اللاأدرية (¬5): الذين يشكون، فلا ¬

_ (¬1) في س، ط: "ممَّا". (¬2) في س، ط: "يقرون". (¬3) في الأصل؛ س: "السوفسطانية" والمثبت من: ط. وتقدم التعريف بهم ص: 58. (¬4) سوف يبين الشَّيخ -رحمه الله- في الصفحة التالية، أن بعض المتكلمين ظن أن سوفسطا- اسم رجل انتسبت إليه السوفسطائية، والأصل غير ذلك، فهي كلمة يونانية أصلها "سوفسطيا" أي: الحكمة المموهة، فـ "سو" تعني: الحكمة و "فسطيا" أي: المموهة، فعربت وقيل: "سوفسطا". (¬5) في س: "للادرية". واللاأدرية هم: الذين ينكرون العلم بثبوت شيء ولا ثبوته، ويزعمون أنَّه شاك وشاك في أنَّه شاك، وهلم جرًّا. .، فهم يقولون بالتوقف في وجود كل شيء وعلمه. وهم فرقة من السوفسطائية، وقد جعلهم الشَّيخ -رحمه الله- النوع الأول من أنواع السفسطة عند تقسيمه لها، وقد تقدم ذكر هذه الأنواع عند التعريف بالسوفسطائية، فليرجع إليه ص: 174.

لفظ السوفسطائيه، ومعناها

يجزمون بنفي ولا إثبات، ومنهم من لا يقر إلَّا بما أحسه، قد ردّ هذا النقل والحكاية من عرف حقيقة الأمر وقال: إن لفظ السوفسطائية (¬1) في الأصل كلمة يونانية معربة، أصلها سوفسطيا؛ أي: الحكمة المموهة، فإن لفظ "سو" معناه في لغة اليونان الحكمة، ولهذا يقولون (¬2): فيلاسوفا؛ أي: محب (¬3) الحكمة، ولفظ فسطيا، معناها: المموهة، ومعلم المستأخرين المبتدعين منهم أرسطو (¬4)، لما قسم حكمتهم التي هي علمهم إلى برهانية وخطابية وجدلية وشعرية ومموهة (¬5)، وهي المغاليط سموها "سوفسطيا" (¬6) فعربت وقيل: "سوفسطا" ثم ظن بعض المتكلمين أن ذلك اسم رجل، وإنما أصلها ما ذكر، وإن كان لفظ ¬

_ = راجع: التعريفات- للجرجاني ص: 191 - باب اللام. وكشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي 2/ 311، 3/ 173. والصفدية -لابن تيمية- 1/ 97 - 98. (¬1) في الأصل، س: "السوفسطانية" والمثبت من ط. (¬2) راجع حول هذا المعنى: الملل والنحل- للشهرستاني 2/ 58. (¬3) في س: "يحب". (¬4) هو: أرسطوطاليس بن نيقوماخس، الفيلسوف اليوناني، والمعلم الأول -ولد سنة 384 ق. م في "أسطاغيرا" مدينة مقدونية شمال "أثينا" تبعد عنها بنحو مئتي ميل، انتقل إلى "أثينا" لما بلغ الثامنة عشرة من عمره ليستكمل علومه، فانضم إلى المدرسة التي أسسها أفلاطون، وتتلمذ عليه عشرين سنة ثم اختلف معه بعد ذلك واستقل بآرائه. له كتب كثيرة في فنون مختلفة. توفي سنة 322 ق. م. راجع: الملل والنحل للشهرستاني 2/ 119 - 120. وقصة الفلسفة- و. ل. ديورانت- ترجمة فتح الله المشعشع ص: 67 - 125 وفي سبيل موسوعة فلسفية- أرسطو- د. مصطفى غالب ص: 15 وما بعدها. (¬5) في س، ط: "مموه". (¬6) في ط: سوفسقيا.

السفسطة (¬1) قد صار في عرف المتكلمين عبارة عن جحد (¬2) الحقائق، فلا ريب أن هذا يكون في كثير من الأمور، فمن الأمم من ينكر كثيرًا من الحقائق بعد معرفتها، كما قال تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} (¬3)، وقد يشتبه كثير من الحقائق على كثير من النَّاس، كما قد يقع الغلط للحس أو العقل في أمور كثيرة، فهذا كله موجود كوجود الكذب عمدًا أو خطأ، أما اتفاق أمة على [إنكار] (¬4) جميع العلوم والحقائق، أو على إنكار كل منهم لما لم يحسه، فهو كاتفاق أمة على الكذب في كل خبر أو التكذيب بكلِّ خبر، ومعلوم أن هذا لم يوجد في العلم (¬5)، والعلم بعدم وجود أمة على هذا الوصف، كالعلم بعدم وجود أمة بلا ولادة ولا اغتذاء، وأمة لا يتكلمون ولا يتحركون، ونحو ذلك ممَّا يعلم أن البشر لا يوجدون (¬6) على هذا الوصف، فكيف والإنسان هو حي ناطق، ونطقه هو أظهر صفاته (¬7) اللازمة له، كما قال تعالى: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} (¬8) والنطق إما إخبار، وإما إنشاء، والإخبار أصل، فالقول بوجود أمة لا تقر بشيء من المخبرات إلَّا أن تحس المخبر بعينه ينافي ذلك، وإذا كان كذلك، فأولئك المتكلمون من المشركين والسمنية الذين ناظروا الجهم، قد غالطوا الجهم، ولبسوا (¬9) ¬

_ (¬1) في الأصل: "السفسنطة"، والمثبت من: س، ط. (¬2) في ط: حجر. (¬3) سورة النمل، الآية: 14. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. يقتضيها الكلام. (¬5) في س، ط: "العلما". (¬6) في جميع النسخ: "يوجدن". ولعل ما أثبته يستقيم به الكلام. (¬7) في الأصل: "صفات". والمثبت من: س، ط. (¬8) سورة الذاريات، الآية: 23. (¬9) في س: "غالطوا الجهم ليسوا". وفي ط: "غالطوا. . . ".

عليه في الجدال، حيث أوهموه أن ما لا يحسه الإنسان بنفسه لا يقربه، وكأن الأصل أن ما لا يتصور الإحساس به لا يقرّ به، فكان حقه أن يستفسرهم عن قولهم ما لا يحسه الإنسان لا يقرّ به، هل المراد به هذا (¬1) أو هذا؟. فإن أراد أولئك المعنى الأول أمكن بيان فساد قولهم بوجوه كثيرة، وكان أهل بلدتهم وجميع بني آدم يرد عليهم ذلك. وإن أرادوا المعنى الثَّاني، وهو أن ما لا يمكن الإحساس به لا يقر به، فهذا لا يضر تسليمه لهم، بل يسلم لهم، يقال لهم (¬2): فإن الله تعالى يمكن (¬3) رؤيته ويسمع كلامه، بل قد سمع بعض البشر كلامه، وهو ¬

_ (¬1) في س: "و". (¬2) "لهم": ساقطة من: س. (¬3) في ط: "تمكن رؤيته". وهذا هو مذهب السلف الصالح -رضوان الله عليهم- المستمد من الكتاب والسنة وأقوال الصّحابة والتابعين لهم بإحسان، والأمر الذي يجب اعتقاده على كل مسلم يسير على نهجهم. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في الرسالة التي أرسلها إلى أهل البحرين، وهي مذكورة ضمن الفتاوى 6/ 485 فما بعدها: ". . وإنَّما المهم الذي يجب على كل مسلم اعتقاده: أن المؤمنين يرون ربهم في الدار الآخرة في عرصة القيامة وبعد ما يدخلون الجنة على ما تواترت به الأحاديث عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عند العلماء بالحديث، فإنَّه أخبر - صلى الله عليه وسلم - أنا نرى ربنا كما نرى القمر ليلة البدر والشمس عند الظهيرة لا يضام في رؤيته". ورؤيته -سبحانه- هي أعلى مراتب نعيم الجنة، وغاية مطلوب الذين عبدوا الله مخلصين له الدين، وإن كانوا في الرؤية على درجات على حسب قربهم من الله ومعرفتهم به. والذي عليه جمهور السلف أن من جحد رؤية الله في الدار الآخرة فهو كافر، فإن كان ممن لم يبلغه العلم في ذلك عرف ذلك. كما يعرف من لم تبلغه شرائع الإسلام، فإن أصر على الجحود بعد بلوغ العلم له فهو كافر. . ". والأدلة على ثبوت الرؤية من الكتاب والسنة وأقوال الصّحابة والتابعين =

الأصل الذي ضل به جهم وشيعته

موسى - عليه السلام -، وسوف يراه عباده في الآخرة، وليس من شرط كون الشيء موجودًا أن يحس به كل أحد في كل وقت، أو أن يمكن إحساس كل أحد به في كل وقت، فإن أكثر الموجودات على خلاف ذلك، بل متى كان الإحساس به ممكنًا، ولو لبعض النَّاس في بعض الأوقات صح القول بأنه يمكن الإحساس به، وقد قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} (¬1) وهذا هو الأصل الذي ضل به جهم وشيعته، حيث زعموا أن الله لا يمكن أن يرى، ولا يحس به شيء من الحواس، كما أجاب إمامهم الأول للسمنية بإمكان وجود موجود لا يمكن إحساسه، ولهذا كان أهل الإثبات قاطبة متكلموهم وغير متكلميهم (¬2) على نقض هذا الأصل الذي بناه الجهمية، وأثبتوا ما جاء به الكتاب والسنة من أن الله يرى ويسمع كلامه وغير ذلك، وأثبتوا -أيضًا- بالمقاييس العقلية (¬3) أن ¬

_ = وأتباعهم استوفاها ابن القيِّم في كتابه "حادي الأرواح" ص: 202 - 246. وهذه الأدلة والأقوال تثبت رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة عيانًا بأبصارهم، وترد على المعتزلة والجهمية المنكرين لرؤيته تبارك وتعالى، فمن أراد الاطلاع عليها فليرجع إلى الكتاب المذكور، وإلى: الشريعة -للآجري- ص: 251 - 276. والإيمان -لابن منده- 3/ 758 - 889. والرد على الجهمية- للدارمي ص: 53 - 68. (¬1) سورة الشورى، الآية: 51. (¬2) في الأصل: "متكلموهم". والمثبت من: س، ط. (¬3) يقول ابن القيِّم -رحمه الله-: "ثبت بالعقل إمكان رؤيته تعالى، وبالشرع وقوعها في الآخرة، فاتفق الشرع والعقل على إمكان الرؤية ووقوعها، فإن الرؤية أمر وجودي لا يتعلق إلَّا بموجود، وما كان أكمل وجودًا كان أحق أن يرى. فالباري -سبحانه- أحق أن يرى من كل ما سواه، لأنَّ وجوده أكمل من كل موجود سواه". راجع: مختصر الصواعق المرسلة -لابن القيِّم للموصلي- 1/ 280.

الرؤية يجوز تعلقها بكلِّ (¬1) موجود، فيصح إحساس كل موجود، فما لا يمكن إحساسه يكون معدومًا، ومنهم من طرَّد ذلك في اللمس، ومنهم من طرده في سائر الحواس، كما فعله طائفة من متكلمة الصفاتية (¬2) الأشعرية وغيرهم. والمقصود هنا أن أولئك المشركين المناظرين قالوا كلامًا مجملًا، فجعلوا الخاص عامًّا، والمعين مطلقًا، حيث قالوا: أنت لم تحسه وما لم تحسه أنت لا يكون موجودًا، والمقدمة الثَّانية باطلة لكن موهوها بالمعنى الصَّحيح، وهو أن ما لا يمكن (¬3) إحساسه بحال لا يكون موجودًا، فناظرهم المناظرون من الصابئية (¬4)، والمقتدى بهم جهم وأصحابه في هذه المقدمة، حتَّى أنكروا الحق الذي عليه أولئك الذين موهوه بالباطل، وزعم هؤلاء أنَّه قد يكون موجودًا ما لا يمكن إحساسه بحال في وقت من الأوقات لشيء من الموجودات، وزعموا أن الروح كذلك، ثم أخذوا هذه المقدمة الباطلة التي نازعوا فيها أولئك المشركين، فنازعوا فيها إخوانهم المؤمنين، فصاروا مجادلين للمؤمنين بمثل ما جادلوا به المشركين، كمن (¬5) قاتل المؤمنين كما قاتل المشركين زعمًا منه أنَّه إن لم يقاتل ذلك القتال استولى عليه المشركون، كما زعم هؤلاء أنهم إن لم يناظروا المشركين هذه المناظرة استعلى عليهم المشركون، وانقطعت حجة المؤمنين في المناظرة، وصاروا عاجزين في النظر والمناظرة، إذ لم يجدوا بزعمهم طريقًا إلَّا هذه الطريق المبتدعة ¬

_ (¬1) في الأصل: "بغير". والمثبت من: س، ط. (¬2) في ط: "الصفائية". وسوف يعرف بهم الشَّيخ -رحمه الله- فيما بعد. راجع ص: 270. (¬3) في الأصل: "ما لم يكن". والمثبت من: س، ط. (¬4) في ط: "الصابئة". (¬5) في س: "لمن".

لفظ الإحساس عام يستعمل في الرؤية والمشاهدة الظاهرة والباطنة

التي أحدثوها، المشتملة على حق وباطل، المتضمنة لجدال المشركين والمؤمنين، كما أن أولئك المقاتلين لم يجدوا -بزعمهم- قتالًا إلّا هذا القتال المبتدع، المشتمل على قتال المشركين والمؤمنين. ولفظ الإحساس عام (¬1) يستعمل في الرؤية والمشاهدة الظاهرة، أو الباطنة، كما قال تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا} (¬2)، وقال تعالى: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} (¬3). ومعلوم أن الخلق كلهم ولدوا على الفطرة (¬4)، ومن المعلوم بالفطرة أن ما لا يمكن إحساسه -لا باطنًا ولا ظاهرًا- لا وجود له، ¬

_ (¬1) في الأصل، س: "عامة ما. . . ". والمثبت من: ط. يقول ابن الأثير: "الإحساس: العلم بالحواس، وهي مشاعر الإنسان كالعين والأذن والأنف واللسان واليد". انظر: النهاية لابن الأثير 1/ 384. ونقل ابن منظور عن الفراء: "الإحساس الوجود، نقول في الكلام: هل أحسست منهم أحدًا؟ ". وعن الزجاج: "أن معنى أحس علم ووجد في اللغة". ويقال: هل أحسست صاحبك؟ أي: هل رأيته؟ وهل أحسست الخبر؟ أي: هل عرفته وعلمته؟ انظر: لسان العرب -لابن منظور 6/ 50 (حسس). (¬2) سورة مريم، الآية: 98. (¬3) سورة آل عمران، الآية: 52. (¬4) روى البُخاريّ في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كمثل البهيمة تنتج البهيمة، هل ترى فيها جدعاء". راجع: صحيح البُخاريّ 2/ 104 - كتاب الجنائز- باب ما قيل في أولاد المشركين. ومعنى "جدعاء": أي: مقطوعة الأذن.

التجهم والرفض من أعظم البدع التي أحدثت في الإسلام

والعقل هو [الذي] (¬1) ضبط القدر المشترك الكلي الذي بين أفراد الموجودات التي أحسها، والكلي لا (¬2) وجود له كليًّا، إلَّا في الأذهان لا في الأعيان، فهذه المقدمة الفطرية هي التي عليها أهل الإيمان، ومن كان باقيًا على الفطرة فيها من المشرفين واليهود والنصارى والصابئين وغيرهم. كما أن أهل الفطر كلها متفقون على الإقرار بالصانع، وأنه فوق العالم، وأنهم حين دعائه يتوجهون إلى فوق بقلوبهم وعيونهم وأيديهم. ولما كان أصل قول جهم هو قول المبدلين من الصابئية (¬3)، وهؤلاء شر من اليهود والنصارى، وإن كانوا خيرًا من المشركين، كالذين ناظرهم جهم ونحوهم ممن يعطل وجود الصانع، أو يوجب عبادة إله معه، فإن هؤلاء الصابئية (3) ليسوا كذلك، لكنهم وإن لم يوجبوا الشرك فقد لا يحرمونه، بل يسوغون التوحيد والإشراك جميعًا، ولا ينكرون هذا ولا هذا، كما هو موجود في كلامهم ومصنفاتهم، لكن ليس النَّاس في التجهم على مرتبة واحدة، بل انقسامهم في التجهم يشبه انقسامهم في التشيع (¬4)، فإن التجهم والرفض هما أعظم البدع، أو من أعظم البدع ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: ط. (¬2) في ط: "ولا". (¬3) في س، ط: "الصابئة". (¬4) في س: "التشنيع". وهو تصحيف. وتشيع الرجل: إذا ادعى دعوى الشيعة، أو صار شيعيًّا. والشيعة هم: الذي شايعوا عليًّا - رضي الله عنه - على الخصوص، وقالوا بإمامته وخلافته نصًّا ووصية، إما جليًّا، وإما خفيًّا، واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده، وإن خرجت فبظلم يكون من غيره. أو بتقية من عنده. وهم فرق كثيرة يكفر بعضهم بعضًا، وأصولهم ثلاث فرق: الغالية، والزيدية، والرافضة (الإمامية)، وسوف يذكرها الشَّيخ -رحمه الله- ص: 263 من هذا الكتاب.

التي أحدثت في الإسلام، ولهذا كان الزنادقة (¬1) المحضة مثل الملاحدة من القرامطة ونحوهم، إنَّما يتسترون بهذين بالتجهم والتشيع. قال (¬2) الإمام أبو عبد الله البُخاريّ في كتاب خلق الأفعال: عن أبي عبيد (¬3) "قال: ما أبالي أصليت (¬4) خلف الجهمي أو الرافضي، أو صليت خلف اليهودي والنصراني (¬5)، ولا يسلم عليهم، ولا يعادون، ولا يناكحون، ولا يشهدون ولا تؤكل ذبائحهم. قال (¬6): وقال عبد الرحمن بن مهدي (¬7). . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = راجع: التعريفات للجرجاني ص: 129. وكشاف اصطلاحات الفنون -للتهانوي 4/ 136. وتاج العروس- للزبيدي 5/ 407 (شيع). والملل والنحل -للشهرستاني 1/ 146 فما بعدها. ومقالات الإسلاميين- للأشعري 1/ 65 فما بعدها. وأصل الشيعة وأصولها -لمحمد الحسين آل كاشف الغطاء- ص: 42 فما بعدها. والشيعة في الميزان -لمحمد جواد مغنية- ص: 14 - 19، 32 - 41. وفجر الإسلام -لأحمد أمين- ص: 266 - 278. (¬1) في الأصل: "الزندقة". وفي ط: "ازنادقة". والمثبت من: س. (¬2) انظر: خلق أفعال العباد -للبخاري- ص: 35. (¬3) في س: "عبد الله". و"عن أبي عبيد": ساقطة من خلق أفعال العباد. ولعلّه: القاسم بن سلام البغدادي الفقيه اللغوي القاضي صاحب التَّصانيف أبو عبيد: قال عنه أحمد بن حنبل: أبو عبيد أستاذ، وهو يزداد كل يوم خيرًا. ولد سنة 157 هـ، وتوفي بمكة سنة 224 هـ -رحمه الله-. راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 12/ 403 - 416. ووفيات الأعيان -لابن خلكان- 4/ 60 - 63. وتذكرة الحفَّاظ -للذهبي- 2/ 417 - 418. (¬4) في خلق أفعال العباد: "صليت". (¬5) في خلق أفعال العباد: ". . والرافضي أم صليت خلف اليهود والنصارى". (¬6) قال: أي: البُخاريّ. وهي إضافة من الشَّيخ -رحمه الله- والكلام متصل بما قبله في خلق أفعال العباد. (¬7) هو: أبو سعيد عبد الرحمن بن مهدي بن حسَّان العندي. . . . . . . . . . . . =

هما ملتان: الجهمية والرافضة. هذا وقد (¬1) كان أمرهم إذ ذاك لم ينتشر ويتفرع ويظهر فساده، كما ظهر فيما بعد ذلك، فإن الرافضة القدماء لم يكونوا جهمية، بل كانوا مثبتة للصفات، وغالبهم يصرح بلفظ الجسم، وغير ذلك. كما (¬2) قد ذكر النَّاس مقالاتهم، كما ذكره (¬3) أبو الحسن الأشعري وغيره في كتاب المقالات (¬4). والجهمية لم يكونوا رافضة، بل كان الاعتزال فاشيًا فيهم، والمعتزلة كانوا ضد الرافضة، وهم إلى النصب أقرب، فإن الاعتزال ¬

_ = البصري اللؤلؤي من كبار حفاظ الحديث. قال عنه الشَّافعي: لا أعرف له نظيرًا في الدُّنيا، ولد بالبصرة سنة 135 وتوفي بها سنة 198 هـ. راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 10/ 240 - 248. وتذكرة الحفَّاظ -للذهبي- 1/ 329 - 332. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 6/ 279 - 281. (¬1) في ط: "هذان آن وقد" وهو تصحيف. (¬2) في الأصل: "ممَّا" والمثبت من س، ط. (¬3) ذكر أبو الحسن الأشعري مقالات الرافضة في كتابه "مقالات الإسلاميين. . . " 1/ 106 فما بعدها. (¬4) مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين -لأبي الحسن الأشعري، واختصر هذه المقالات محمد بن مطرف الإستراباذي الضبي. ونشر كتاب المقالات باستنبول سنة 1929 م، ثم طبع مرَّة ثانية بألمانية الغربية سنة 1963 م، ونشر الجزء الأول منه محمد محيي الدين عبد الحميد سنة 1950 م، ثم نشر الجزأين سنة 1969 م، وأشار في مقدمة الكتاب إلى أن هذه هي الطبعة الثَّانية. راجع: تاريخ التراث العربي - لفؤاد سزكين- المجلد الأول -الجزء الرابع - العقائد والتصوف- ص: 37 - 38. وراجع: مقدمة الكتاب -تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد. وقد أطال الكلام عن هذا الكتاب ومخطوطاته وطبعاته وطريقة مؤلفه في تأليفه وتسميته، د. عبد الرحمن بدوي- في كتابه "مذاهب الإسلاميين" 1/ 523 - 528.

حدث من البصرة، والرفض حدث من الكوفيين، والتشيع أكثر في الكوفة وأهل البصرة كانوا بالضد، فلما كان بعد زمن (¬1) البُخاريّ من عهد بني بويه (¬2) الديلمي (¬3)، فنشأ في الرافضة التجهم، وأكثر أصول المعتزلة، وظهرت القرامطة ظهورًا كثيرًا، وجرى (¬4) حوادث عظيمة، والقرامطة بنوا أمرهم على شيء من دين المجوس، وشيء من دين الصابئية (¬5)، فأخذوا عن هؤلاء الأصليين النور والظلمة (¬6)، وعن هؤلاء العقل والنفس، ورتبوا لهم دينًا آخر ليس هو هذا ولا هذا، وجعلوا على ظاهره من سيما الرافضة ما يظن الجهال به أنهم رافضة، وإنَّما هم زنادقة منافقون، اختاروا ذلك لأنَّ الجهل والهوى في الرافضة أكثر منه في سائر أهل الأهواء (¬7). ¬

_ (¬1) في س: "زمان من". (¬2) بنوبويه: هم ثلاثة أخوة، عماد الدولة أبو الحسن علي، وركن الدولة أبو علي الحسن، ومعز الدولة أبو الحسين أحمد، أولاد أبي شجاع بويه بن فنّاخسرو بن تمام، ويقال لهم: الديالمة، لأنهم جاوروا الديلم، وكانوا بين أظهرهم مدة، وكان والدهم فقيرًا مدقعًا، وقد ظهر أمرهم وابتدأت دولتهم سنة 321 هـ. انظر: الكامل لابن الأثير 8/ 264 فما بعدها. والبداية والنهاية لابن كثير 11/ 194 فما بعدها. (¬3) في س، ط: "الديلم". (¬4) في س: "أجرى" وهو تصحيف. (¬5) في ط: "الصابئة". (¬6) في ط: "الظلمة". (¬7) روى أبو سعيد الدَّارميّ في كتابه "الرد على الجهمية- ص: 112 " قال: "حدَّثنا الزهراني أبو الرَّبيع قال: كان من هؤلاء الجهمية رجل، وكان الذي يظهر من رأيه الترفض، وانتحال حب علي - رضي الله عنه - فقال رجل ممن يخالطه ويعرف مذهبه: قد علمت أنكم لا ترجعون إلى دين الإسلام، ولا تعتقدونه فما الذي حملكم على الترفض، وانتحال حب علي؟ قال: إذًا أصدقك: إنّا، وإن أظهرنا رأينا الذي نعتقده، رمينا بالكفر والزندقة =

الشيعة ثلاث درجات

والشيعة (¬1) هم ثلاث درجات: شرها الغالية (¬2): الذين جعلوا (¬3) لعلي شيئًا من الإلهية، أو يصفونه بالنبوة، وكفر هؤلاء بين لكل مسلم يعرف الإسلام، وكفرهم من جنس كفر النصارى من هذا الوجه، وهم يشبهون اليهود من وجوه أخر (¬4). ¬

_ = وقد وجدنا أقوامًا ينتحلون حب علي ويظهرونه، ثم يقعون بمن شاؤوا، ويعتقدون ما شاؤوا، ويقولون ما شاؤوا، فنسبوا بذلك إلى الترفض والتشيع، فلم نر لمذهبنا أمرًا ألطف من انتحال حب هذا الرجل، ثم نقول ما شئنا، ونعتقد ما شئنا ونقع بمن شئنا، فلأن يقال لنا: رافضة أو شيعة أحب إلينا من أن يقال: زنادقة كفار، وما علي عندنا أحسن حالًا من غيره ممن نقع بهم. قال أبو سعيد -رحمه الله- وصدق هذا الرجل فيما عبر عن نفسه ولم يراوغ، وقد استبان ذلك من بعض كبرائهم وبصرائهم أنهم يستترون بالتشيع، يجعلونه تثبيتًا لكلامهم وخطبهم، وسلمًا وذريعة لاصطياد الضعفاء وأهل الغفلة ثم يبذرون بين ظهراني خطبتهم بذر كفرهم وزندقتهم ليكون أنجع في قلوب الجهال وأبلغ فيهم. . ". (¬1) في هامش الأصل: "مطلب: ذكر فرق الرافضة وبعدهم فرق الجهمية". وفي هامش س: "تقسيمه للشيعة". (¬2) الغالية: هم الذين غلوا في حق أئمتهم، وحكموا فيهم بأحكام الإلهية وأباحوا محرمات الشريعة، وأسقطوا فرائضها. وشبهاتهم نشأت من مذاهب الحلولية، ومذاهب التناسخية ومذاهب اليهود والنصارى، إذ اليهود شبهت الخالق بالخلق، والنصارى شبهت الخلق بالخالق، فسرت هذه الشبهات في أذهان الشيعة الغلاة، حتَّى حكمت بأحكام الإلهية في حق بعض الأئمة. وهم فرق متعددة يجمعها القول بالتشبيه، والبداء، والرجعة، والتناسخ. راجع في شأنهم: مقالات الإسلاميين -للأشعري 1/ 66 - 88. والفرق بين الفرق- للبغدادي ص: 23. والملل والنحل- للشهرستاني 1/ 173 - 189. واعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازي ص: 86 - 93. (¬3) في س، ط: "يجعلون". (¬4) في س، ط: "أخرى".

والدرجة الثَّانية، وهم الرافضة، المعروفون كالإمامية (¬1) وغيرهم: الذين يعتقدون أن عليًّا هو الإمام الحق بعد النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بنص جلي أو خفي، وأنه ظلم (ومنع) (¬2) حقه، ويبغضون أبا بكر وعمر، ويشتمونهما، وهذا عند (¬3) الأئمة فيما الرافضة، وهو بغض أبي بكر وعمر وسبهما. والدرجة الثالثة: المفضِّلة من الزيدية (¬4) وغيرهم: الذين يفضلون عليًّا على (أبي) (¬5) بكر وعمر، ولكن يعتقدون إمامتهما وعدالتهما ويتولونهما، فهذه الدرجة -وإن كانت باطلة- فقد نسب إليها طوائف من أهل الفقه والعبادة، وليس أهلها قريبًا ممن قبلهم، بل هم إلى أهل السنة أقرب منهم إلى الرافضة، لأنهم ينازعون الرافضة في إمامة الشيخين وعدلهما وموالاتهما، وينازعون أهل السنة في فضلهما على علي، والنزاع الأول أعظم، ولكنهم (¬6) هم المرقاة (¬7) التي تصعد منه الرافضة فهم لهم باب. ¬

_ (¬1) تقدم التعريف بهم. راجع ص: 259. (¬2) في الأصل: "ومنعه". والمثبت من: س، ط. ولعلّه المناسب. (¬3) في س، ط: "وهذا هو عند". (¬4) الزيدية: فرقة من الشيعة، وهم المنسوبون إلى زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وهم فرق: الجارودية، والسليمانية، والصالحية، والبترية، وهذه يجمعها القول بإمامة زيد بن علي في أيَّام خروجه في زمن هشام بن عبد الملك. راجع: الفرق بين الفرق -للخطيب البغدادي ص: 22 - 23. والملل والنحل - للشهرستاني 1/ 154 - 162. واعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازي ص: 77 - 78. وكشاف اصطلاحات الفنون- للتهانوي 3/ 113. (¬5) في الأصل: "أبا". وهو خطأ. والمثبت من: س، ط. (¬6) في س، ط: "ولكن هم". (¬7) المرقاة: بفتح الميم وكسرها: الدرجة، واحدة من مراقي الدرج. انظر: لسان العرب لابن منظور 14/ 332 (رقا).

الجهمة ثلاث درجات، شرها الغالية

وكذلك (¬1) الجهمية على ثلاث درجات: فشرها الغالية (¬2): الذين ينفون أسماء الله وصفاته، وإن سموه بشيء من أسمائه الحسنى، قالوا: هو مجاز فهو في الحقيقة عندهم ليس بحي ولا عالم ولا قادر ولا سميع ولا بصير ولا تكلم (¬3) ولا يتكلم، وكذلك وصف العلماء حقيقة قولهم كما ذكره الإمام أحمد فيما أخرجه في الرد على الزنادقة والجهمية (¬4): قال (¬5): فعند ذلك تبيّن للناس أنهم لا يثبتون شيئًا، ولكنهم (¬6) يدفعون عن أنفسهم الشنعة بما يقرون في (¬7) العلانية، فإذا قيل لهم: فمن تعبدون؟ قالوا: نعبد من يدبر أمر هذا الخلق. فقلنا: فهذا الذي يدبر أمر هذا الخلق، هو مجهول لا يعرف بصفة؟ ¬

_ (¬1) في هامش س: "قف على تقسيم الجهمية". (¬2) الشَّيخ -رحمه الله تعالى- كثيرًا ما يطلق لفظ الجهمية على من يشترك معهم في بعض ما يعتقدونه، لأنهم دخلوا فيهم وشاركوهم الرأي، فمذهب الجهمية يقوم مثلًا على نفي أسماء الله وصفاته، ومن نفى عن الله شيئًا من الأسماء أو الصفات ممَّا أثبته لنفسه أو أثبته له رسوله -عليه الصَّلاة والسلام- فقد شارك الجهمية فيما نفاه وإن أثبت البعض، بل ويصح أن يطلق عليه جهمي. وتقسيم الشَّيخ -رحمه الله- للجهمية مبني على هذا الأساس -كما سنراه على الصفحات التالية. والغالية: التي وصمها الشَّيخ -رحمه الله- بأنها شر الدرجات الثلاث هم القرامطة الباطنية وأبرزهم: (الإسماعيلية)، كما سيأتي كلام الشَّيخ -رحمه الله- ص: 149. (¬3) في ط: "متكلم". (¬4) الرد على الجهمية والزنادقة -للإمام أحمد بن حنبل ص: 105 - 106. (¬5) في الأصل: "قالوا". والمثبت من: س، ط. (¬6) في الرد على الجهمية-: "ولكن". (¬7) في الرد على الجهمية-: "من".

ذكر أبو الحسن الأشعري لحقيقة قول الجهمية

قالوا: نعم. قلنا: قد عرف المسلمون أنكم لا تثبتون شيئًا، إنَّما تدفعون عن أنفسكم الشنعة بما تظهرون (¬1). فقلنا لهم: هذا الذي [يدبر] (¬2) هو الذي كلم موسى. قالوا: لم يتكلم ولا يتكلم، لأنَّ الكلام لا يكون إلّا بجارحة والجوارح عن الله (¬3) منتفية (¬4)، وإذا (¬5) سمع الجاهل قولهم يظن أنهم من أشد النَّاس تعظيمًا لله، ولا يعلم أنهم إنَّما يعود (¬6) قولهم إلى ضلالة (¬7) وكفر. وقال (¬8) أبو الحسن الأشعري في كتاب "الإبانة" (¬9) باب الرد على الزنادقة (¬10) الجهمية، في نفيهم علم الله وقدرته (¬11)، قال الله عزَّ وجلَّ: ¬

_ (¬1) في الرد على الجهمية-: "بما تطهرونه". (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والرد على الجهمية. . . (¬3) "عن الله": ساقطة من: الرد على الجهمية. (¬4) في س، والرد على الجهمية. .: "منفية". (¬5) في الرد على الجهمية. .: "فإذا". (¬6) في الأصول: "يقولون". وفي س، ط: "يقودون". والمثبت من: الرد على الجهمية. . (¬7) في س، ط: "ضلال". (¬8) الإبانة عن أصول الديانة -للأشعري ص: 107 - 108. (¬9) الإبانة عن أصول الديانة: هو آخر كتاب لأبي الحسن الأشعري، شرح فيه عقيدته، وبين انتسابه للإمام أحمد -رحمه الله-، ورد على المعتزلة آراءهم وأقام الحجج والبراهين على بطلانها، وقد طبع الكتاب سنة 1321 هـ بحيدر أباد، وفي القاهرة سنة 1348 هـ، ثم توالت بعد ذلك طبعاته. انظر: تاريخ الأدب العربي -لبروكلمان- 4/ 40. وتاريخ التراث العربي - العقائد والتصوف -لسزكين- 1/ 4 / 38 - 39. ومذاهب الإسلاميين - عبد الرحمن بدوي 1/ 515 - 518. والمقدمة لكتاب الإبانة -تحقيق عبد القادر الأرناؤوط- والتي كتبها بشير عيون- ص: 3 - 6. (¬10) "الزنادقة": ساقطة من: س، ط، والإبانة. (¬11) في الأصل: "وقوته". والمثبت من: س، ط، والإبانة.

{أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} (¬1)، وقال سبحانه وتعالى: {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إلا بِعِلْمِهِ} (¬2) وقال سبحانه: {فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ} (¬3) وذكر العلم في خمسة مواضع من كتابه، وقال سبحانه: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إلا بِمَا شَاءَ} (¬4) وذكر تعالى القوة، فقال: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} (¬5) وقال: {ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} (¬6) وقال سبحانه: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} (¬7). وزعمت الجهمية والقدرية (¬8) أن الله لا علم له ولا قدرة ولا حياة ¬

_ (¬1) سورة النساء، الآية: 166. (¬2) سورة فاطر، الآية: 11. (¬3) سورة هود، الآية: 14. ولم تذكر هذه الآية في: س. وفي الأصل: (. . أنزل بعلمه). (¬4) سورة البقرة، الآية: 255. (¬5) سورة فصلت، الآية: 15. (¬6) سورة الذاريات، الآية: 58. (¬7) سورة الذاريات، الآية: 47. (¬8) "القدرية" ساقطة من: الإبانة. والقدرية هم: جاحدوا القدر ونفاته، وأول من تكلم به في زمن الصّحابة معبد الجهني بالبصرة، وعنه أخذ عيلان الدّمشقيّ، وأخذ معبد هذه المقالة عن رجل من أهل العراق، يقال له: سوسن، كان نصرانيًّا فأسلم، ثم تنصر، وقد ذم الصّحابة - رضي الله عنهم - والتابعون لهم القدرية. وهم أصناف ذكر منهم شيخ الإسلام. 1 - القدرية الشركية. 2 - القدرية المجوسية. 3 - القدرية الإبليسية. راجع: تاج العروس -للزبيدي- 3/ 483 (قدر). ومجموع فتاوى شيخ الإسلام 8/ 256 - 261. والتبصير في الدين -للإسفراييني ص: 21. وسير أعلام النبلاء -للذهبي- 4/ 185 - 187.

ولا سمع ولا بصر (¬1)، وأرادوا أن [ينفو] (¬2) أن الله عالم قادر [حي] (¬3) سميع بصير، فمنعهم خوف (¬4) السيف من إظهار نفي ذلك، فأتوا بمعناه لأنهم [إذا] (¬5) قالوا: لا علم ولا قدرة لله (¬6)، فقد قالوا: إنه ليس بعالم ولا قادر، ووجب ذلك عليهم. قال (¬7): وهذا إنما أخذوه عن أهل الزندقة والتعطيل، لأنَّ الزنادقة قال كثير منهم: ليس (¬8) بعالم ولا قادر ولا حي ولا سميع ولا بصير، فلم تقدر المعتزلة أن تفصح بذلك، فاتت بمعناه، وقالت: إن الله عز وجل عالم قادر حي سميع بصير من طريق التّسمية، من غير أن تثبت (¬9) له علمًا أو قدرة أو سمعًا أو بصرًا (¬10). وكذلك [قال] (¬11) في كتاب "المقالات" (¬12): الحمد لله الذي بصرنا خطأ المخطئين، وعمى العمين، وحيرة المتحيرين، الذين نفوا ¬

_ (¬1) في الإبانة: "ولا بصر له". (¬2) في الأصل: "ينفون". والمثبت من: س، ط، والإبانة. (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والإبانة. (¬4) في جميع النسخ: "من ذلك خوف". والمثبت من: الإبانة. ليستقيم السياق. (¬5) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والإبانة. (¬6) في الإبانة: "لا علم لله ولا قدرة له". (¬7) يعني: أبا الحسن الأشعري. وكلمة "قال": إضافة من الشَّيخ، والكلام متصل بما قبله. (¬8) في الإبانة: "إن الله ليس. . . ". (¬9) في ط: "تثبت". وفي الإبانة: "يثبتوا". (¬10) في الإبانة: ". . . له حقيقة العلم والقدرة والسمع والبصر". (¬11) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬12) مقالات الإسلاميين 2/ 176 - 177.

صفات رب العالمين، وقالوا (¬1): إن الله -جل ثناؤه وتقدست أسماؤه- لا صفات له، وإنه (¬2) لا علم له، ولا قدرة [له] (¬3)، ولا حياة له، ولا سمع له، ولا بصر له، ولا عزة (¬4) له، ولا جلال له، ولا عظمة له، ولا كبرياء له، وكذلك قالوا في [سائر] (¬5) صفات الله تعالى التي وصف بها نفسه (¬6). "قال" (¬7): وهذا قول أخذوه عن إخوانهم من المتفلسفة، الذين يزعمون أن للعالم صانعًا لم يزل، ليس بعالم ولا قادر ولا حي ولا سميع ولا بصير ولا قدير (¬8)، وعبروا عنه بأنَّ قالوا نقول: عين (¬9) لم يزل، ولم يزيدوا على ذلك، غير أن هؤلاء الذين وصفنا قولهم من المعتزلة في الصفات، لم يستطيعوا أن يظهروا من ذلك ما كانت الفلاسفة تظهره، فأظهروا معناه فنفوا (¬10) أن يكون للباري علم وقدرة وحياة وسمع وبصر، ولولا الخوف لأظهروا ما كانت (¬11) الفلاسفة تظهره [من ذلك] (¬12) ¬

_ (¬1) في الأصل: "وقال". والمثبت من: س، ط، والمقالات. (¬2) "أنَّه": ساقطة من: س. (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من: المقالات. (¬4) في المقالات: "عز". (¬5) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والمقالات. (¬6) في الأصل، س: "لنفسه". والمثبت من: ط. وفي المقالات: ". . يوصف بها لنفسه. . ". (¬7) يعني: أبو الحسن الأشعري. "قال": إضافة من الشَّيخ، والكلام متصل بما قبله. (¬8) في المقالات: "ولا قديم". (¬9) في الأصل: "عن". وفي س، ط: "غير". والمثبت من: المقالات. (¬10) في المقالات: "بنفيهم". (¬11) في س: "مانت". وهو تصحيف. (¬12) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والمقالات.

الدرجة الثانية من التجهم، تجهم المعتزلة ونحوهم

ولأفصحوا به، غير أن خوف السيف يمنعهم من إظهار ذلك. "قال" (¬1): وقد أفصح بذلك رجل يعرف بابن الإيادي (¬2)، كان ينتحل قولهم، فزعم أن الباري عالم قادر سميع بصير في المجاز لا في الحقيقة. وهذا القول الذي هو قول الغالية النفاة للأسماء حقيقة هو قول القرامطة الباطنية، ومن سبقهم من إخوانهم الصابئية الفلاسفة. والدرجة الثَّانية من التجهم: هو تجهم المعتزلة ونحوهم الذين يقرون بأسماء الله الحسنى في الجملة، لكن ينفون صفاته، وهم -أيضًا- لا يقرون بأسماء الله الحسنى كلها على الحقيقة، بل يجعلون كثيرًا منها على المجاز، وهؤلاء هم الجهمية المشهورون. وأمَّا الدرجة الثالثة: فهم (¬3) الصفاتية المثبتون (¬4) المخالفون للجهمية، لكن فيهم نوع من التجهم، كالذين يقرون بأسماء الله وصفاته في الجملة، لكن يردون طائفة من أسمائه وصفاته الخبرية، أو غير الخبرية، ويتأولونها كما تأول الأولون صفاته كلها، ومن هؤلاء من يقر بصفاته الخبرية الواردة في القرآن دون الحديث، كما عليه كثير من أهل الكلام والفقه وطائفة من أهل الحديث، ومنهم من يقر بالصفات الواردة في الأخبار -أيضًا- في الجملة، لكن مع نفي لبعض ما ثبت بالنصوص وبالمعقول، وذلك كأبي محمد بن كلاب ومن اتبعه، وفي هذا القسم يدخل أبو الحسن الأشعري وطوائف من أهل الفقه والكلام والحديث ¬

_ (¬1) يعني: أبو الحسن الأشعري. (¬2) في ط: "الأباري". وابن الإيادي لم أعثر له على ترجمة. (¬3) "فهم" ساقطة من: س. (¬4) في س: "المشتون" وهو تصحيف.

النزاع في مسألة الحرف والصوت

والتصوف، وهؤلاء (¬1) إلى أهل السنة المحضة أقرب منهم إلى الجهمية والرافضة والخوارج والقدرية، لكن انتسب إليهم طائفة هم إلى الجهمية أقرب منهم إلى أهل السنة المحضة، فإن هؤلاء ينازعون المعتزلة نزاعًا عظيمًا فيما يثبتونه من الصفات وأعظم من منازعتهم سائر أهل الإثبات فيما ينفون. وأمَّا "المتأخرون" (¬2) فإنهم والوا المعتزلة وقاربوهم أكثر، وقدموهم على أهل السنة والإثبات، وخالفوا أوليهم، ومنهم من يتقارب نفيه وإثباته، وأكثر النَّاس يقولون: إن هؤلاء يتناقضون فيما يجمعونه من النفي والإثبات. وفي (¬3) هذه الدرجة حصل النزاع في مسألة الحرف والصوت، والمعنى القائم بالنفس، وذلك [أن الجهمية] (¬4) لما أحدث (¬5) القول بأنَّ القرآن مخلوق، ومعناه أن الله لم يصف نفسه بالكلام أصلًا، بل حقيقته أن الله لم يتكلم ولا يتكلم (¬6)، كما أفصح به رأسهم الأول الجعد بن درهم، حيث زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلًا، ولم يكلم موسى تكليمًا، لأنَّ الخلة إنَّما تكون من المحبة، وعنده أن الله لا يحب شيئًا في الحقيقة ولا يحبه [شيء] (¬7) في الحقيقة، فلا يتخذ شيئًا خليلًا، وكذلك الكلام يمتنع عنده على الرَّبُّ تعالى. ¬

_ (¬1) "وهؤلاء": مكررة في الأصل، والكلام يستقيم بالمثبت. (¬2) في الأصل وس: المستأخرون. (¬3) في هامش س: "النزاع في مسألة الحرف والصوت". (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬5) في الأصل: "لما أن حدثت". والمثبت من: س، ط. (¬6) "ولا يتكلم": ساقطة من: س. (¬7) في الأصل؛ س: "شيئًا". والمثبت من: ط. وهو الصواب.

الجهمية من المعتزلة وغيرهم نفوا أن يكون لله كلام قائم به أو إرادة قائمة به

وكذلك نفت الجهمية من المعتزلة وغيرهم أن يكون لله كلام (¬1) قائم به، أو إرادة قائمة به، وادعوا ما باهتوا به صريح العقل المعلوم بالضرورة أن المتكلم يكون متكلمًا بكلام يكون (¬2) في غيره، وقالوا -أيضًا- يكون مريدًا بإرادة ليست فيه ولا في غيره، أو الإرادة وصف عدمي، أو ليست غير المرادات (¬3) المخلوقة، وغير الأمر هو الصوت المخلوق في غيره. فكان حقيقة قولهم: التكذيب بحقيقة ما أخبرت به الرسل من كلام الله ومحبته ومشيئته، وإن كانوا قد يقرون بإطلاق الألفاظ التي أطلقتها الرسل، وهذا حال الزنادقة، المنافقين، من الصابئين والمشركين، من المتفلسفة والقرامطة ونحوهم فيما أخبرت به الرسل في باب الإيمان بالله [واليوم الآخر] (¬4) والملائكة والكتاب والنبيين، بل وفيما أمرت (¬5) به -أيضًا- وهم مع ذلك يقرون بكثير ممَّا (¬6) أخبرت به الرسل وتعظيم أقدارهم، فهم يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض. لكن هؤلاء المتفلسفة يقولون: إن كلام الله هو ما يفيض على نفوس الأنبياء الصافية القدسية من العقل الفعال (¬7). . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) في س: "كلامًا". وهو خطأ. (¬2) "يكون" ساقطة من: س. (¬3) في الأصل: الإيرادات والمثبت من س وط. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬5) في الأصل: "أخبرت". والمثبت من: س، ط. وهو المناسب. (¬6) في الأصل: "ما". والمثبت من: س، ط. وهو المناسب. (¬7) الفلاسفة يرون أن العالم كله مفعول ومصنوع لشيء يسمى العقل الفعال، فهو -بزعمهم- رب الكائنات، ومبدع الأرض والسموات، ولكنه لازم للواجب بنفسه ومعلول له، وأنه يلزمه عقل ونفس وذلك، ثم يلزم ذلك العقل عقل ونفس وذلك حتَّى ينتهي الأمر إلى العقل العاشر، الذي يفيض العلم والنبوة في أنفس العباد، وعنه صدر القرآن والتوراة وغير ذلك. =

الذي (¬1) يزعمون أنَّه الروح المفارق للأجسام، الذي هو العقل العاشر كفلك القمر، ويزعمون (¬2) أنَّه الذي يفيض منه ما في هذا العالم من الصور والأعراض، ويزعم من يزعم من منافقيهم الذين يحاولون (¬3) الجمع بين النبوة وبين قولهم بأنَّ ذلك هو جبرائيل (¬4). ويقولون: إن تلك المعاني التي تفيض على نفس النَّبيِّ والحروف التي تتشكل في نفسه هي كلام الله، كما يزعمون أن ما يتصور في نفسه من ¬

_ = يقول شيخ الإسلام -رحمه الله-: ". . . وأمَّا هؤلاء فيقولون: إن العقول -التي يسميها من يتظاهر بالإسلام منهم ملائكة- يقولون: إنَّها معلولة متولدة عن الله لم يخلقها بمشيئته وقدرته، ويقولون: إنَّها هي رب العالم. فالعقل الأول أبدع كل ما سوى الله عندهم، والثاني أبدع ما سوى الله وسوى العقل الأول، حتَّى ينتهي الأمر إلى العقل العاشر الفعال المتعلق بفلك القمر، فيقولون: إنه أبدع ما تحت الفلك، فهو عندهم المبدع لما تحت السماء من هواء وسحاب وجبال وحيوان ونبات ومعدن، ومنه يفيض الوحي والعلم على الأنبياء وغيرهم، والخطاب الذي سمعه موسى - عليه السلام - إنَّما كان عندهم في نفسه لا في الخارج، وهو فيض فاض عليه من هذا العقل الفعال، ومنهم من يقول: جبريل". انظر: الصفدية لابن تيمية 1/ 8، 9. وقد بين -رحمه الله- في هذا الكتاب أن أصل قولهم: إن الصانع لا يمكنه تغيير العالم ولا قدرة له ولا اختيار في تصريفه من حال إلى حال، ولكي يطَّرد قولهم ويسلم من التناقض نسبوا جميع الحوادث إلى أمور طبيعية. ونقضه -رحمه الله- بما يكفي ويشفي وبين أن كفرهم أعظم من كفر النصارى الذين يقرون بأنَّ له خلق جميع المخلوقات لكنَّه اتحد بالمسيح. راجع: درء تعارض العقل والنقل 5/ 82، 384، 385، 386. (¬1) في الأصل، س: "الذين". والمثبت من: ط. ولعلّه المناسب للفهم. (¬2) في س، ط: "يزعمون" بدون "واو". (¬3) في الأصل: "يجادلون" والمثبت من: س، ط. (¬4) في ط: "جبريل".

حقيقة قولهم إن الكلام إنشاء الرسول وكلامه

الصور النورانية هي ملائكة الله، فلا وجود لكلام الله عندهم خارجًا عن نفس النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - (¬1) وكذلك الملائكة غير العقول العشرة والنفوس التسعة التي هم (¬2) متنازعون (¬3) فيها، هل هي جواهر أو أعراض؟ إنَّما الملائكة ما يوجد في [النفوس و] (¬4) الأبدان من القوى الصالحة، والمعارف والإرادات الصالحة ونحو ذلك. وحقيقة ذلك أن القرآن إنشاء الرسول وكلامه، كما قال ذلك فيلسوف (¬5) قريش وطاغوتها الوحيد: الوليد بن المغيرة (¬6)، الذي قال الله فيه: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12) وَبَنِينَ شُهُودًا (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا (16) سَأُرْهِقُهُ ¬

_ (¬1) " - صلى الله عليه وسلم - ": ساقطة من: س، ط. يقول شيخ الإسلام -رحمه الله-: إن المتفلسفة: "يجعلون النبوة فيضًا يفيض من العقل الفعال على نفس النَّبيِّ، ويجعلون ما يقع في نفسه من الصور هي ملائكة الله، وما يسمعه في نفسه من الأصوات هو كلام الله، ولهذا يجعلون النبوة مكتسبة، فإذا استعد الإنسان بالرياضة والتصفية، فاض عليه ما فاض على نفوس الأنبياء". انظر: درء تعارض العقل والنقل -لابن تيمية- 5/ 353. (¬2) في س، ط: "أكثرهم". (¬3) "متنازعون" مكررة في الأصل. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬5) في الأصل: "فيالسوف". والمثبت من: س، ط. (¬6) هو: أبو عبد شمس الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، من قضاة العرب في الجاهلية، ومن زعماء قريش، ومن زنادقتها، وهو والد سيف الله خالد بن الوليد، أدرك الإسلام وهو شيخ هرم، ومات بعد الهجرة بثلاثة أشهر، وولادته كانت سنة 95 ق. هـ. راجع: الكامل لابن الأثير 2/ 71 - 72. والأعلام -للزركلي- 9/ 144.

قول المعتزلة تبديل للحقيقة التي فطر الله عليها عباده واللغة التي اتفق عليها بنو آدم والكتب التي أنزلها الله

صَعُودًا (17) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18)} (¬1) إلى قوله: {إِنْ هَذَا إلا قَوْلُ الْبَشَرِ} (¬2). وهذا قول وقع فيه طوائف من متأخري غالية المتكلمة والمتصوفة، الذين ضلوا بكلام المتفلسفة، فوقعوا فيما ينافي أصلي الإسلام: شهادة أن لا إله إلّا الله، وأن محمدًا رسول الله، بما وقعوا فيه من الإشراك، وجحود حقيقة الرسالة، فهذا قول من قاله (¬3) من غالية الجهمية. وأمَّا (¬4) الجهمية المشهورون من المعتزلة ونحوهم فقالوا: إنه يخلق كلامًا في غيره، إما في الهواء، وإما بين ورق الشجرة التي كم منها موسى، وإما غير ذلك، فذلك هو كلام الله عندهم، وإذا قالوا: إن الله متكلم حقيقة، وأن له كلامًا حقيقة، فهذا معناه عندهم. وهذا (¬5) تبديل للحقيقة التي فطر الله عليها عباده، واللغة التي اتفق (¬6) عليها بنو آدم، والكتب التي أنزلها الله من السماء، ولما كان من المعلوم بالفطرة الضرورية التي اتفق عليها بنو آدم إلّا من اجتالت (¬7) ¬

_ (¬1) في س: (. . . فقتل كيف قدر). (¬2) سورة المدثر، الآيات: 11 - 25. (¬3) في ط: "قال". (¬4) في الأصل: "وأمَّا قول". والمثبت من: س، ط. وهو ما يستقيم به الكلام. (¬5) في س، ط: "وهو". (¬6) في س: "ابقوا". (¬7) في س: اجتالته". وقد روى مسلم في صحيحه عن عياض المجاشعي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ذات يوم في خطبته: "ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم ممَّا علمني يومي هذا. كل مال نحلته عبدًا حلالًا، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم - (اجتالتهم الشياطين: أي: استخفتهم، فجالوا معهم في الضلال. وجال واجتال: إذا ذهب وجاء، والجائل: الزائل عن مكانه. انظر لسان العرب -لابن منظور- 11/ 131 (جول) - عن دينهم وحرمت عليهم =

رد الأئمة على من قال: إن القرآن مخلوق

الشياطين فطرته أن المتكلم هو الذي يقوم به الكلام، ويتصف به، كذلك المحب والمريد ومن تقوم به المحبة والإرادة، كما أن العليم (¬1) [والقدير] (¬2) من يقوم به العلم والقدرة، وقد قالوا: إنه (¬3) ليس لله كلام إلّا ما يكون قائمًا بغيره كالشجرة، لزم أن تكون الشجرة هي المتكلمة بالكلام الذي خاطب الله به موسى، ولهذا قال (¬4) عبد الله بن المبارك: "من قال: إنني أنا الله لا إله إلّا أنا: مخلوق، فهو كافر ولا ينبغي لمخلوق أن يقول ذلك". لأنَّ حقيقة قولهم: إن المخلوق هو القائل لذلك. وكذلك قال (¬5) يحيى بن سعيد القطان (¬6)، وذكر له أن قومًا يقولون: "القرآن مخلوق، فقال: كيف يصنعون (¬7) بـ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ ¬

_ = ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانًا. . . " الحديث. راجع صحيح مسلم 4/ 2197 - كتاب الجنة، وصفة نعيمها وأهلها - الصفات، التي يعرف بها أهل الجنة وأهل النَّار. حديث 63. (¬1) العليم: مكررة في: الأصل. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. يقتضيها الكلام. (¬3) "إنه" ساقطة من: س، ط. (¬4) رواه البُخاريّ في خلق أفعال العباد ص: 31 عن ابن مقاتل قال: سمعت ابن المبارك يقول:. . . (¬5) رواه البُخاريّ في خلق أفعال العباد ص: 33 عن أبي الوليد قال: سمعت يحيى. (¬6) هو: أبو سعيد يحيى بن سعيد بن فروخ القطان، أمير المؤمنين في الحديث، قال عنه ابن سعد: كان ثقة مأمونًا رفيعًا حجة. وقال عنه الإمام أحمد: ما رأيت بعيني مثل يحيى بن سعيد. ولد سنة 120 هـ. وتوفي بالبصرة سنة 198 هـ. راجع: الطبقات الكبرى -لابن سعد 7/ 293. والجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 4/ 2 / 150 - 151. وسير أعلام النبلاء -للذهبي- 9/ 175 - 188. (¬7) في خلق أفعال العباد: "تصنعون".

أَحَدٌ} (¬1)؟ كيف يصنعون (¬2) يقول: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إلا أَنَا} (¬3)؟ ". وقال (¬4) سليمان بن داود الهاشمي (¬5): "من قال: القرآن مخلوق فهو كافر، وإن كان القرآن مخلوقًا -كما زعموا- فلم صار فرعون أولى بأن يخلد في النَّار، إذ قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} (¬6) [وزعموا أن هذا مخلوق، والذي قال:] (¬7) {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إلا أَنَا فَاعْبُدْنِي} (¬8) هذا (¬9) -أيضًا- قد (¬10) ادعى ما ادعى فرعون، فلم صار فرعون أولى بأنَّ يخلد في النَّار من هذا؟ وكلاهما (¬11) عنده مخلوق". فأخبر بذلك أبو عبيد (¬12) فاستحسنه (¬13). ¬

_ (¬1) سورة الإخلاص، الآية: 1. (¬2) في خلق أفعال العباد: "تصنعون". (¬3) سورة طه، الآية: 14. (¬4) رواه البُخاريّ في خلق أفعال العباد ص: 36: عن سليمان بن داود. . (¬5) هو: أبو أيوب سليمان بن داود بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي البغدادي الفقيه. روى عن ابن عيينة والشّافعيّ وغيرهما. ثقة صدوق. توفي سنة 219 هـ. راجع: تهذيب التهذيب -لابن حجر- 4/ 187 - 188. وخلاصة تهذيب تهذيب الكمال- لصفي الدين الأنصاري ص: 151. (¬6) سورة النازعات، الآية: 24. (¬7) في جميع النسخ: "وقال غيره". والمثبت بين المعقوفتين من خلق أفعال العباد. (¬8) سورة طه، الآية: 14. في الأصل: "إنِّي" والمثبت هو الصواب. (¬9) في ط: "فهذا". (¬10) في الأصل، س: "فقد" والمثبت من: ط، وخلق أفعال العباد. (¬11) في خلق أفعال العباد: "وكلًّا منهما". (¬12) لعله أبو عبيد القاسم بن سلام. وقد تقدمت ترجمته ص: 260. (¬13) في خلق أفعال العباد: "فاستحسنه وأعجبه".

قال البُخاريّ (¬1): وقال علي بن عاصم (¬2): الذين قالوا: إن لله ولدًا أكفر من الذين قالوا: إن الله لا يتكلم. وقال (¬3): احذر من (¬4) المريسي وأصحابه، فإن كلامهم يستجلب (¬5) الزندقة، وأنا كلمت أستاذهم جهمًا (¬6) فلم يثبت أن في السماء إلهًا. قال البُخاريّ (¬7): وقال عبد الرحمن بن عفَّان (¬8): سمعت سفيان بن عيينة يقول: في السنة التي ضرب فيها المريسي، فقام ابن عيينة من مجلسه مغضبًا فقال: ويحكم القرآن كلام الله، وقد صحبت ¬

_ (¬1) في خلق أفعال العباد ص: 32: "عن علي. . . ". (¬2) هو: أبو الحسن علي بن عاصم بن صهيب القرشي التَّيميّ، الإمام العالم شيخ المحدثين، روى عنه الإمام أحمد وغيره، ولد سنة 109 هـ، وتوفي بواسط سنة 201 هـ. راجع: الطبقات الكبرى لابن سعد 7/ 313. وسير أعلام النبلاء -للذهبي 9/ 249 - 262. وتهذيب التهذيب لابن حجر 344 - 348. (¬3) يعني: علي بن عاصم. (¬4) في ط: "ابن" وهو تصحيف. (¬5) في الأصل: "أبي جد". وفي س: "أبي جاد". وفي ط: ". . كلًّا منهم ابن جد الزندقة. والمثبت من: خلق أفعال العباد. وهو ما يستقيم به الكلام. (¬6) في الأصل: "جمعًا". وهو تصحيف. وفي ط: "جعدًا". وهو خطأ. والمثبت من: س، وخلق أفعال العباد. (¬7) في خلق أفعال العباد ص: 33: عن عبد الرحمن بن عفَّان أنَّه قال: ذكر أمام سفيان بن عيينة التي ضرب فيها المريسي فقام ابن. . . (¬8) هو: أبو بكر عبد الرحمن بن عفَّان السرخسي، سكن بغداد، وروى عن السماك وفضيل بن عياض وغيرهما، وذكره ابن حبان في الثقات. راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 10/ 264، 265. ولسان الميزان -لابن حجر 3/ 423، 424.

النَّاس وأدركتهم، هذا عمرو بن دينار (¬1)، وهذا ابن المنكدر (¬2) [حتَّى] (¬3) ذكر منصورًا (¬4)، والأعمش (¬5)، ومسعر بن كدام (¬6)، فقال ¬

_ (¬1) هو: أبو محمد عمرو بن دينار المكيِّ الجمحي مولاهم، الحافظ الإمام، عالم الحرم ومفتي أهل مكّة في زمانه، قال شعبة: ما رأيت أحدًا أثبت في الحديث من عمرو، ولد سنة 46 هـ، وتوفي سنة 126 هـ. راجع: تهذيب الأسماء واللغات للنووي 2/ 27. وتذكرة الحفَّاظ -للذهبي 1/ 113، 114. وتهذيب التهذيب -لابن حجر 8/ 28 - 30. (¬2) هو: أبو عبد الله محمد بن المنكدر بن عبد الله بن الهدير بن عبد العزى بن عامر بن الحارث التَّيميّ، أحد الأئمة الأعلام، سمع أبا هريرة وابن عباس - رضي الله عنهما - وغيرهما، وكان من سادات القراء. يقول الذهبي: مجمع على ثقته وتقدمه في العلم والعمل، توفي سنة 130 هـ. راجع: تذكرة الحفَّاظ -للذهبي 1/ 127، 128. وتهذيب التهذيب -لابن حجر 9/ 473 - 475. وخلاصة تهذيب تهذيب الكمال لأحمد بن عبد الله الخزرجي ص: 360. (¬3) في الأصل: "قد". والمثبت من: س، ط، وخلق أفعال العباد. (¬4) في خلق أفعال العباد: "ذكروا منصور. . . ". وهو: أبو عتاب منصور بن المعتمر بن عبد الله بن ربيعة -بضم الراء وتشديد الباء السلمي الكوفيِّ أحد الأعلام ومن كبار التّابعين، يقول الثوري: ما خلفت بالكوفة آمن على الحديث من منصور. توفي سنة 132 هـ. راجع: الطبقات الكبرى لابن سعد 6/ 337. وتهذيب الأسماء واللغات للنووي 2/ 114، 115. وسير أعلام النبلاء -للذهبي 5/ 402 - 412. (¬5) هو: أبو محمد سليمان بن مهران المعروف بالأعمش، مولى بني كاهل بن أسد شيخ المقرئين والمحدثين، روى عنه أبو حنيفة والأوزاعي وخلق كثير، قال عنه النَّسائيّ: ثقة ثبت. ولد سنة 60 هـ، وتوفي سنة 148 هـ. راجع: تاريخ بغداد- للبغدادي 9/ 3 - 13. ووفيات الأعيان -لابن خلكان 2/ 400 - 403. وسير أعلام النبلاء -للذهبي 6/ 226 - 248. (¬6) هو: أبو سلمة مسعر بن كدام بن ظهير بن عبيدة بن الحارث الهلالي الكوفيِّ الإمام الثبت شيخ العراق، روى عنه الثوري وابن عيينة وابن المبارك وغيرهم. توفي سنة 155 هـ.

كلام الذراع للنبي، وتسليم الحجر عليه

ابن عيينة: قد تكلموا في الاعتزال والرفض والقدر، وأمرونا (¬1) باجتناب القوم، فما نعرف القرآن إلّا كلام الله فمن (¬2) قال غير هذا فعليه لعنة الله، ما أشبه هذا القول بقول النصارى، لا (¬3) تجالسوهم ولا تسمعوا كلامهم. قال البُخاريّ (¬4): حدثني الحكم بن محمد الطبري (¬5)، حدَّثنا سفيان بن عيينة قال: أدركت مشائخنا منذ سبعين سنة منهم عمرو بن دينار يقولون (¬6): القرآن كلام الله وليس بمخلوق. وكذلك -أيضًا- فالله تعالى قد خلق كلامًا في غيره، كما قال تعالى: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} (¬7) ومن ذلك كلام الذراع (¬8) للنبي - صَلَّى الله عليه وسلم - وتسليم. . . . . . . . . . . ¬

_ = راجع: تهذيب الأسماء واللغات للنووي 2/ 89. وسير أعلام النبلاء -للذهبي 7/ 163 - 173. وتهذيب التهذيب -لابن حجر 10/ 113 - 115. (¬1) في خلق أفعال العباد: "وأمروا". (¬2) في خلق أفعال العباد: "ومن". (¬3) في خلق أفعال العباد: "ولا. . ". (¬4) في خلق أفعال العباد ص: 29. (¬5) هو: أبو مروان الحكم بن محمد الطبري نزيل مكّة، روى عن ابن عيينة وغيره، وثقه ابن حبان وقال: توفي سنة بضع عشرة ومائتين. راجع: تهذيب التهذيب -لابن حجر 2/ 438. وخلاصة تهذيب تهذيب الكمال -لصفي الدين الأنصاري- ص: 90. (¬6) في الأصل: "يقول" والمثبت من: س، ط، وخلق أفعال العباد. (¬7) سورة فصلت، الآية: 21. (¬8) إشارة إلى ما ورد في حديث جابر وغيره في قصة خيبر، وأن الذراع أخبر الرسول - صَلَّى الله عليه وسلم - بأنها مسمومة. فقد روى أبو داود وغيره عن ابن شهاب الزُّهريّ قال: كان جابر بن عبد الله يحدث "أن امرأة يهودية من أهل خيبر سمت شاة مصلية -مصلية أي: مشوية- ثم أهدتها لرسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم - فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذراع، فأكل منها، وأكل رهط =

العصر (¬1) عليه، وغير ذلك ممَّا (¬2) يطول، ومعلوم أن ذلك ليس كلام الله، لا سيما من علم أن الله خالق كل شيء، وهو خالق أفعال العباد من كلامهم وحركاتهم وغير ذلك، فكل ذلك يجب أن يكون كلامًا لله، إن ¬

_ = من أصحابه معه، ثم قال لهم رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم -: "ارفعوا أيديكم" وأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليهودية فدعاها، فقال لها: "أسممت هذه الشَّاةِ؟ " قالت اليهودية: من أخبرك؟ قال: "أخبرتني هذه في يدي" للذراع، قالت: نعم، قال: "فما أردت إلى ذلك؟ " قال: قلت: إن كان نبيًّا فلن يضره، وإن لم يكن نبيًّا استرحنا منه، فعفا عنها رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم - ولم يعاقبها، وتوفي بعض أصحابه الذين أكلوا من الشَّاةِ. . . " الحديث. راجع: سنن أبي داود 4/ 648 كتاب الديات- باب فيمن سقى رجلًا سمًّا أو أطعمه فمات أيقاد منه؟. وسنن الدَّارميِّ 1/ 34 - المقدمة- باب ما أكرم به نبيه - صلى الله عليه وسلم - من كلام الموتى. وجامع الأصول لابن الأثير 11/ 328 حديث / 8888 - الباب الخامس- الفصل الأول- في إخباره عن المغيبات. يقول الشَّيخ عبد القادر الأرناؤوط -محقق جامع الأصول لابن الأثير 11/ 328 ت: (1) - ". . وإسناده منقطع فإن الزُّهريّ لم يسمع من جابر بن عبد الله، لكن يشهد له الأحاديث التي قبله فهو بها صحيح. والأحاديث التي قبله هي أحاديث الشَّاةِ المسمومة، وليس فيها ذكر للذراع وهي أحاديث صحيحة رواها البُخاريّ ومسلم وغيرهما. وروى الهيثمي -في مجمع الزوائد 6/ 153 باب غزوة خيبر- عن عروة قال: لما فتح الله عزَّ وجلَّ خيبر على رسول الله، وقتل من قتل منهم، أهدت زينب بنت الحرث اليهودية -وهي بنت أخي مرحب- شاة مصلية. . . وذكر نحو حديث جابر. (¬1) يشير الشَّيخ -رحمه الله- إلى الحديث الذي رواه مسلم وغيره عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنِّي لأعرف حجرًا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث. إنِّي لأعرفه الآن". راجع: صحيح مسلم 4/ 1782 - كتاب الفضائل- باب فضل نسب النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وتسليم الحجر عليه قبل النبوة. حديث / 2277. وسنن التِّرمذيِّ 5/ 592، 593 كتاب المناقب- باب في آيات إثبات نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - وما قد خصه الله عز وجل به- حديث رقم 3624، قال التِّرمذيُّ: هذا حديث حسن غريب. (¬2) في س: "عما".

كان ما خلقه من الكلام في غيره يكون كلامًا له، وهذا ممَّا يعلم فساده بالضرورة ويوجب أن يكون الكفر والكذب، وقول الشَّاةِ: إنِّي مسمومة فلا تأكلني (¬1)، وقول البقرة: إنا لم نخلق لهذا، إنَّما خلقنا للحرث (¬2)، وشهادة الجلود والأيدي والأرجل كلام الله، ولا (¬3) يفرق بين نطقه وبين إنطاقه لغيره. وأيضًا فقد قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} (¬4) فأخبر أنَّه (¬5) ليس لأحد من البشر أن يكلمه الله إلَّا على هذه الوجوه الثلاثة، فلو (¬6) كان تكليمه ليس هو نفسه المتكلم به، ولا هو قائم به، بل هو بأن يخلق كلامًا في شجرة، أو نحوها من المخلوقات، لم يكن لاشتراط هذه الوجوه ¬

_ (¬1) لعله يقصد قول الذراع كما ورد في الحديث الآنف الذكر. . . قالت: من أخبرك؟ قال: "هذه في يدي" يعني الذراع، كما ورد في بعض الروايات قال "أخبرتني هذه الذراع التي بيدي". راجع: جامع الأصول لابن الأثير 11/ 327، 328 حديث / 8888. أو أن المقصود قول أحد أعضاء الشَّاةِ المسمومة، كما ورد في الرّواية التي ذكرها البيهقي -في دلائل النبوة 4/ 260 - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: ". . . أمسكوا، فإن عضوًا من أعضائها يخبرني أنها مسمومة. . . ". (¬2) هذا جزء من حديث رواه البُخاريّ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: صَلَّى رسول الله صلاة الصبح، ثم أقبل على النَّاس فقال: "بينا رجل يسوق بقرة إذ ركبها فضربها فقالت: إنا لم نخلق لهذا إنَّما خلقنا للحرث. . . ". راجع: صحيح البُخاريّ 4/ 149 - كتاب الأنبياء باب رقم 54. ورواه مسلم في صحيحه 4/ 1857 كتاب فضائل الصّحابة- باب من فضائل أبي بكر رضي الله عنه حديث / 2388 عن أبي هريرة بلفظ قريب من هذا. (¬3) في س، ط: "وإلا. . ". (¬4) سورة الشورى، الآية: 51. (¬5) في ط: "بأنه". (¬6) في الأصل: "فليس" والمثبت من: س، ط. وهو ما يستقيم به الكلام.

معنى، لأنَّ (¬1) ما يقوم بالمخلوقات يسمعه كل أحد كما يسمعون ما يحدثه في الجمادات من الإنطاق، كما سمعوا ما يحدثه في الأحياء من الإنطاق، ولأنه فرق بين الوحي وبين التكليم من وراء حجاب، فلو كان كلامه هو ما يخلق في غيره من غير أن يقوم به كلام لم يحصل الفرق، ولأنه فرق بين ذلك وبين أن يرسل رسولًا فيوحي بإذنه ما يشاء، فلو كان ذلك الرسول لم يسمع إلَّا ما خلق في بعض المخلوقات لكان هذا من جنس ما يخلق فيسمعه البشر، وحينئذ فيكون كلاهما من وراء حجاب، فلا يكون الله مكلمًا للملائكة -قط- إلَّا من وراء حجاب. وقوله: {مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} هو دليل على أنَّه قد يكلم من شاء بلا حجاب، كما استفاضت بذلك السنن (¬2) عن النَّبيِّ - صَلَّى الله عليه وسلم -، فلما ابتدعت الجهمية هذه المقالات، أنكر ذلك سلف الأمة وأئمتها من بقايا التّابعين وأتباعهم، وصاروا يظهرون أعظم المقالات شبهة كقولهم: القرآن ¬

_ (¬1) في الأصل: "لا أن". والمثبت من: س، ط. والكلام يستقيم به. (¬2) روى التِّرمذيُّ عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: لقيني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لي: "يا جابر ما لي أراك منكسرًا؟! " قلت: يا رسول الله استشهد أبي قتل يوم أحد، وترك عيالًا ودينًا، قال: "أما أبشرك بما لقي الله به أباك؟ " قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال: "ما كلم الله أحدًا قط إلّا من وراء حجاب، وأحيا أباك فكلمه كفاحًا- كفاحًا: أي: لقيه مواجهة. والمكافحة: مصادفة الوجه بالوجه مفاجأة. راجع: لسان العرب لابن منظور 2/ 573 (كفح) - فقال: يا عبدي تمنّ علي أعطك، قال: يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية، قال الرَّبُّ عزَّ وجلَّ: إنه قد سبق مني {أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ}، قال: وأنزلت هذه الآية {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا. . .} الآية. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلَّا من حديث موسى ابن إبراهيم. رواه عنه كبار أهل الحديث. راجع: سنن التِّرمذيِّ -كتاب التفسير- باب ومن سورة آل عمران- الحديث رقم 3010. وسنن ابن ماجه -المقدمة- باب فيما أنكرت الجهمية- الحديث رقم 190 - كتاب الجهاد- باب فضل الشهادة في سيبل الله حديث رقم 2800.

مخلوق، لأنهم يشبهون بهذا على العامة ما لا يشبهونه بغيرهم، إذ يقول القائل: كل ما سوى الله مخلوق، ولأن نقيض هذا اللفظ ليس مشهورًا كشهرة أحاديث الرؤية والعرش وغير ذلك، ومع هذا فكان إنكار السلف والأئمة لذلك من أعظم الإنكار، دع ما هو أظهر فسادًا. قال الإمام الحافظ أبو القاسم الطبري (¬1) اللالكائي- وقد ذكر أقوال السلف والأئمة بأنَّ القرآن كلام الله غير مخلوق، وما ورد عنهم من تكفير من يقول ذلك، ثم قال (¬2): (فهؤلاء خمسمائة وخمسون نفسًا (¬3) وأكثر من التّابعين وأتباع التّابعين والأئمة المرضيين سوى الصّحابة الخيرين (¬4) على اختلاف الأمصار ومضي السنين والأعوام، وفيهم نحو من مائة إمام ممن أخذ الناس بقولهم وتدينوا (¬5) بمذهبهم). قال: (ولو اشتغلت بنقل قول المحدثين لبلغت أسماؤهم ألوفًا كثيرة، لكني (¬6) اختصرت فنقلت (¬7) عن هؤلاء عصرًا بعد عصر لا ينكر عليهم منكر، ومن أنكر قولهم استتابوه (أو) (¬8) أمروا بقتله أو نفيه أو صلبه). قال: (ولا خلاف بين الأمة أن أول من قال: القرآن مخلوق ¬

_ (¬1) "الطبري" ساقطة من: س، ط. (¬2) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لأبي القاسم اللالكائي 2/ 312. (¬3) في شرح أصول اعتقاد أهل السنة. . .: "أو". (¬4) في ط: "الخبرين". (¬5) في الأصل: "تداينوا". والمثبت من: س، ط، وشرح أصول اعتقاد. (¬6) في س، ط: "لكن". (¬7) في شرح أصول اعتقاد أهل السنة. . .: "لكني اختصرت وحذفت الأسانيد للاختصار ونقلت. . . ". (¬8) في جميع النسخ: "وأمروا" والمثبت من: شرح أصول اعتقاد أهل السنة.

الجعد (¬1) بن درهم في سني نيف وعشرين (¬2)، ثم الجهم (¬3) بن صفوان. فأمَّا جعد فقتله خالد بن عبد الله القسري (¬4)، وأما جهم فقتل بمرو في خلافة هشام بن عبد الملك (¬5)، وسأذكر قصتهما (¬6) إن شاء الله تعالى. * * * ¬

_ (¬1) في شرح أصول اعتقاد أهل السنة. . .: "جعد". (¬2) أي: ومائة، كما تقدم في ترجمته. (¬3) في شرح اعتقاد أهل السنة. . .: "جهم". (¬4) في الأصل: "القشيري". وهو خطأ والمثبت من: س. وفي ط: "القسيري" وهو تصحيف. (¬5) هو: أبو الوليد هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم الأموي الدّمشقيُّ أحد ملوك الدولة الأموية، كان حسن السياسة يقظًا في أمره يكره سفك الدماء ولد سنة 71 هـ بدمشق وتوفي سنة 125 هـ. راجع: تاريخ الطبري 7/ 200 وما بعدها. والكامل لابن الأثير 5/ 261 فما بعدها. والبداية والنهاية -لابن كثير 9/ 395 - 399. والأعلام -للزركلي 9/ 84 / 85. (¬6) في الأصل: "قصتهم". والمثبت من: س، ط، وشرح اعتقاد أهل السنة. . .

(فصل) ما حفظ عن أئمة الصحابة حجة على من يزعم أن أقوال الأئمة بدون الصحابة ليس بحجة

فصل ومع هذا فقد حفظ عن أئمة الصّحابة كعلي وابن مسعود وابن عباس هذا القول، وفي ذلك حجة على من يزعم أن أقوال هؤلاء الأئمة بدون الصّحابة ليس بحجة. فروى اللالكائي (¬1) من طريقين: من طريق محمد بن المصفى (¬2)، ومن طريق الفضل بن عبد الله الفارسي (¬3) كلاهما عن عمرو بن جميع أبي المنذر (¬4) عن ميمون بن مهران (¬5) عن ابن عباس قال: لما حكَّم علي الحكمين قالت له الخوارج: حكَّمت رجلين، قال: ما حكَّمت مخلوقًا إنَّما حكَّمت القرآن. ¬

_ (¬1) شرح اعتقاد أهل السنة والجماعة 2/ 228، 229. (¬2) لعله: أبو عبد الله محمد بن مصفى بن بهلول القرشي الحمصي الحافظ. قال عنه الذهبي: ثقة صاحب سنة، من علماء الحديث. توفي سنة 246 هـ. راجع: ميزان الاعتدال -للذهبي 4/ 43. تهذيب التهذيب -لابن حجر 9/ 460، 461. الوافي بالوفيات- للصفدي 5/ 33. (¬3) لم أجده. (¬4) هو: أبو المنذر عمرو بن جميع البصري، كوفي، وكان على قضاء حلوان، روى عن الأعمش وغيره، وروى عنه الكوفيون، قال عنه البُخاريّ: منكر الحديث. راجع: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 3/ 224. وميزان الاعتدال -للذهبي 3/ 251. ولسان الميزان -لابن حجر- 4/ 358، 359. (¬5) هو: أبو أيوب ميمون بن مهران الرقي، عالم أهل الجزيرة، استعمله عمر بن عبد العزيز على خراجها وقضائها، ثقة في الحديث، روى عن عائشة وأبي هريرة وابن عباس وغيرهم، ولد سنة 37 هـ، وتوفي سنة 117 هـ. راجع: حلية الأولياء -لأبي نعيم 4/ 82 - 97. وتذكرة الحفَّاظ -للذهبي 1/ 98، 99. وتهذيب التهذيب -لابن حجر 10/ 390 - 392.

ورواه عبد الرحمن بن أبي حاتم (¬1) بإسناد آخر إلى علي، وقال: ثنا محمد بن حجاج الحضرمي المصري (¬2)، ثنا [معلى (¬3) بن عبد العزيز، ثنا عتبة بن السكن الفزازي (¬4)، ثنا] (¬5) الفرج بن يزيد ¬

_ (¬1) هو: أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس الرازي، حافظ الري وابن حافظها، الثبت، كان ممن جمع علو الرّواية، ومعرفة الفن، صاحب الكتب النافعة ككتاب الجرح والتعديل، والتفسير الكبير وغيرهما. توفي سنة 327 هـ. راجع: ميزان الاعتدال -للذهبي 2/ 587، 588. وطبقات الشَّافعية -للسبكي- 3/ 324 - 328. وفوات الوفيات- للكتبي 2/ 287، 288. (¬2) في الأصل: "المغري". وفي س، ط: "المضري". وصحة اسمه: المصري، وهو: محمد بن الحجاج الحضرمي المصري، قال عنه ابن أبي حاتم: صدوق ثقة. راجع: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 2/ 3 / 235 ت 1284. وميزان الاعتدال -للذهبي 3/ 511. (¬3) في ط: "يعلى". وهو خطأ. هو: معلى بن الوليد بن عبد العزيز بن القعقاع القيسي، روى عن موسى بن أعين ويزيد بن سعيد بن ذي عصران. راجع: لسان الميزان -لابن حجر 6/ 65، 66. (¬4) في شرح اعتقاد أهل السنة: "الغزاري"، وهو خطأ فقد ورد اسمه: "الفَزَاريُّ" في الجرح والتعديل (2/ 3 / 86 ت 486) عندما ذكر ابن أبي حاتم فرج بن يزيد الكلاعي وأن عتبة الفَزَاريّ يروي عنه. وهو: عتبة بن السكن الفراري، روى عن الأوزاعي. قال عنه الدارقطني: متروك الحديث. وذكر ابن حجر أن ابن حبان قال في الثقات: إنه يخطئ ويخالف. راجع: ميزان الاعتدال -للذهبي 3/ 28. ولسان الميزان -لابن حجر 4/ 128. (¬5) ما بين المعقوفتين ساقط من س.

الكلاعي (¬1)، قال: قالوا لعلي يوم صفين: حكمت كافرًا ومنافقًا؟ قال: ما حكمت مخلوقًا، ما حكمت إلَّا القرآن. وهذا السياق يبطل تأويل من يفسر كلام السلف بأنَّ المخلوق هو المفترى المكذوب، والقرآن غير مفترى ولا مكذوب، فإنهم لما قالوا: حكمت مخلوقًا، إنَّما أرادوا مربوبًا مصنوعًا خلقه الله، لم يريدوا مكذوبًا فقوله: "ما حكمت مخلوقًا" نفي ما (¬2) ادعوه، وقوله: "ما حكمت إلَّا القرآن" نفي لهذا الخلق عنه. وقد روي ذلك عن علي من طريق ثالث (¬3). وأمَّا قول (¬4) ابن مسعود، فمن المحفوظ الثابت عنه (¬5) الذي رواه ¬

_ (¬1) هو: فرج بن يزيد الكلاعي الشَّاميّ، روى عن يزيد بن أبي مالك، والفضيل بن فضالة الهوزني، روى عنه بقية، وعتبة بن السكن الفَزَاريّ. راجع: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 2/ 3 / 86 ت 486. (¬2) في س، ط: "لما". (¬3) فقد روى أبو القاسم اللالكائي- في شرح اعتقاد أهل السنة والجماعة 2/ 229، 230 - أن الحارث بن سويد قال: قال علي: يذهب النَّاس حتَّى لا يبقى أحد يقول: لا إله إلَّا الله، فإذا فعلوا ذلك ضرب يعسوب الدين ذنبه، فيجتمعون إليه من أطراف الأرض كما يجمع قرع الخريف. ثم قال علي: إنِّي لأعرف اسم أميرهم ومناخ ركابهم يقولون: القرآن مخلوق. وليس بخالق ولا مخلوق، ولكنه كلام الله منه بدأ وإليه يعود. وقد ذكر محقق الكتاب -نفس الجزء والصفحة- د. أحمد حمدان في تعليقه على هذا الأثر أن في سنده من لا يعرف، ومن يضع الحديث معتمدًا في ذلك على ميزان الاعتدال للذهبي. (¬4) رواه أبو القاسم اللالكائي في شرح اعتقاد أهل السنة بنفس السند الذي ذكره الشَّيخ -رحمه الله- 2/ 232. ورواه عبد الرَّزاق في مصنفه عن الثوري عن الأعمش عن إبراهيم عن ابن مسعود 8/ 472 - تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي. (¬5) في الأصل: "عن" والمثبت من: س، ط، ولعلّه المناسب.

النَّاس من وجوه كثيرة صحيحة من حديث يَحْيَى بن سعيد القطان وغيره عن سفيان الثوري عن الأعمش عن عبد الله بن مرَّة (¬1) [عن أبي كنف] (¬2) قال: قال عبد الله: من حلف بالقرآن فعليه بكلِّ آية يمين، قال: فذكرت ذلك لإبراهيم (¬3)، فقال: قال (¬4) عبد الله: من حلف بالقرآن فعليه بكلِّ آية يمين، ومن كفر بحرف منه فقد كفر به أجمع (¬5). ¬

_ (¬1) هو: عبد الله بن مرَّة الهمذاني الخارقي الكوفيِّ، روى عن ابن عمرو البراء ومسروق وغيرهم، وروى عنه الأعمش ومنصور، تابعي ثقة، مات في خلافة عمر بن عبد العزيز. راجع: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 2/ 2 / 164 ت: 763. وتهذيب التهذيب -لابن حجر 6/ 24، 25. والوافي بالوفيات- للصفدي 17/ 603. (¬2) ما بين المعقوفتين بياض في الأصل، وأثبت الاسم من: س، ط، وشرح اعتقاد أهل السنة والجماعة. قال ابن أبي حاتم: أبو كنف سمع سعد بن مالك وعبد الله بن مسعود وأبا هريرة، روى عنه الشعبي وعبد الله بن مرَّة وغيرهما. راجع: الجرح والتعديل 2/ 4 / 431 ت 2139. (¬3) هو: أبو عمران إبراهيم بن يزيد بن قيس النَّخعيّ الكوفيِّ، الإمام الحافظ. فقيه العراق، قال عنه الإمام أحمد بن حنبل: كان ذكيًّا حافظًا صاحب سنة. ولد سنة 50 هـ، وتوفي سنة 96 هـ. راجع: الطبقات الكبرى لابن سعد 6/ 270 - 284. وسير أعلام النبلاء -للذهبي 4/ 520 - 529. وتهذيب التهذيب لابن حجر 1/ 177، 178. (¬4) في جميع النسخ "قال: فقال: " ولعل ما أثبت هو الصَّحيح. (¬5) يقول د. أحمد سعد حمدان -محقق كتاب شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي- 2/ 232 هامش 4 - في تعليقه على هذا الأثر: "ليس لإبراهيم ذكر في السند ولكن لعل أبا كنف روى جزءه الأول ثم لقي إبراهيم بن يزيد النَّخعيّ فذكر له قول عبد الله بن مسعود فذكر له: أن عبد الله بن مسعود قال الجزء الأول وزاد عليه قوله: ومن كفر بحرف منه. . . إلخ، والذي يؤكد هذا: أن إبراهيم قد روى عنه عبد الرَّزاق هذا الأثر الذي هنا بكامله /: المصنف رقم 15946 ".

وروى (¬1) محمد بن هارون الروياني (¬2) ثنا أبو الرَّبيع (¬3)، ثنا أبو عوانة (¬4) عن أبي سنان (¬5) عن عبد الله بن أبي الهذيل (¬6) عن حنظلة بن ¬

_ = ثم قد يقال إن إبراهيم لم يلق ابن مسعود فكيف يروي عنه؟ لقد روى ابن سعد في طبقاته- 6/ 272 - عن الأعمش قال: قلت لإبراهيم: إذا حدثتني عن عبد الله فأسند. قال: إذا قلت: قال عبد الله، فقد سمعت من غير واحد من أصحابه، وإذا قلت: حدثني فلان. فحدثني فلان. (¬1) رواه أبو القاسم اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة- 2/ 231، 232 - بنفس السند الذي ذكره الشَّيخ -رحمه الله-. (¬2) هو: أبو بكر محمد بن هارون الروياني الحافظ الإمام، وثقه أبو يعلى الخليلي وذكر أن له تصانيف في الفقه، وأنه توفي سنة 307 هـ. راجع: تذكرة الحفَّاظ -للذهبي 2/ 752، 753. والوافي بالوفيات- للصفدي 5/ 148. وشذرات الذَّهب 2/ 251. (¬3) هو: أبو الرَّبيع سليمان بن داود العتكي الزهراني البصري، الحافظ الثقة، روى عن البُخاريّ ومسلم وغيرهما. يقول الذهبي: أجمعوا على الاحتجاج به، توفي سنة 234 هـ. راجع: تذكرة الحفاظ للذهبي 2/ 468، 469. وسير أعلام النبلاء للذهبي 10/ 676، 677. وتهذيب التهذيب لابن حجر 4/ 190، 191. (¬4) هو: أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطيِّ البزاز، محدث البصرة، قال ابن عبد البر: أجمعوا على أنَّه ثقة ثبت حجة فيما حدث من كتابه، وقال: إذا حدث من حفظه ربما غلط. توفي سنة 176 هـ. راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي 13/ 490 - 495. وتذكرة الحفَّاظ -للذهبي 1/ 236، 237. وتهذيب التهذيب 11/ 116 - 120. (¬5) هو: أبو سنان ضرار بن مرَّة الشيباني الكوفيِّ، روى عن سعيد بن جبير وعبد الله بن الحارث وغيرهما، روى عنه الثوري وشعبة. يقول ابن عبد البر: أجمعوا على أنَّه ثقة ثبت، توفي سنة 132 هـ. راجع: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم 1/ 2 / 465 ت: 2044. وتهذيب التهذيب -لابن حجر 4/ 457. (¬6) هو: أبو المغيرة عبد الله بن أبي الهذيل العنزي الكوفيِّ، الإمام القدوة العابد، روى عن عمر وعلي وعمار بن ياسر وغيرهم. قال النَّسائيّ: ثقة، توفي في =

لا نزاع بين الأمة أن المخلوقات لا يجب في الحلف بها يمين إلا ما نازع فيه بعض من الحلف برسول الله -عليه السلام-

خويلد العنزي (¬1) قال: أخذ عبد الله بيدي، فلما أشرفنا على السد (¬2) إذ نظر إلى السوق فقال (¬3): اللَّهم إنِّي أسألك خيرها وخير أهلها، وأعوذ بك من شرها وشر أهلها، قال: فمر برجل يحلف بسورة من القرآن أو (¬4) آية، قال: فغمزني (¬5) عبد الله بيدي ثم قال: أتراه مكفرًا؟ أم أن كل آية فيها يمين (¬6). ولا نزاع (¬7) بين الأمة أن المخلوقات لا يجب في الحلف بها بيمين كالكعبة وغيرها، إلّا ما نازع فيه بعضهم من الحلف برسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم - لكون الإيمان به أحد ركني الإيمان (¬8). ¬

_ = ولاية خالد القسري. راجع: الطبقات الكبرى لابن سعد 6/ 115، 116. والجرح والتعديل -لابن أبي حاتم 2/ 2 / 196 ت: 908. وتهذيب التهذيب لابن حجر 6/ 62. (¬1) في شرح أصول اعتقاد أهل السنة. .: "عن حنظلة عن خويلد العنزي" وهو خطأ. وهو: حنظلة بن خويلد العنزي، روى عن عمرو ابن مسعود. قال الدَّارميُّ عن ابن معين: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات. راجع: الجرح والتعديل -لابن بي حاتم 2/ 1 / 240 ت: 1067. وتهذيب التهذيب لابن حجر 3/ 59، 60. (¬2) في شرح أصول اعتقاد أهل السنة. . .: "السدة". السدة: بضم السِّين -باب الدار والبيت. والسد: بضم السِّين وفتحها: الجبل، والحاجز أو الردم. انظر: لسان العرب لابن منظور- 3/ 207، 209 (سدد). (¬3) في جميع النسخ: "قال". والمثبت من شرح أصول اعتقاد أهل السنة. . . (¬4) في س، ط: "و". (¬5) في س: "فغمرني". وفي شرح أصول اعتقاد أهل السنة. .: "فغمز". (¬6) وقد روى نحوه عبد الرَّزاق في مصنفه 8/ 472 - رقم 15947 عن الثوري عن الأعمش عن عبد الله بن مرَّة عن أبي كنف أن ابن مسعود مر برجل وهو يقول: وسورة البقرة فقال: أتراه مكفرًا أما إن عليه بكلِّ آية منها يمينًا. (¬7) في س: "ونزاع". وهو تصحيف. (¬8) يقول ابن قدامة: "ولا يجوز الحلف بغير الله وصفاته نحو: أن يحلف بأبيه أو =

هل تتداخل الأيمان إذا كان المحلوف عليه واحدا؟ فيه قولان للعلماء

وقوله: عليه بكلِّ آية يمين، قد اتبعه (¬1) الأمة وعملوا به، كالإمام أحمد وإسحاق وغيرهما، لكن هل تتداخل (¬2) الأيمان إذا كان ¬

_ = الكعبة أو صحابي أو إمام. قال الشَّافعي: أخشى أن يكون معصية. وقال ابن عبد البر: "وهذا أصل مجمع عليه". ويقول: "ولا تنعقد اليمين بالحلف بمخلوق كالكعبة والأنبياء وسائر المخلوقات ولا تجب الكفارة بالحنث فيها، هذا ظاهر كلام الخرقي، وهو قول أكثر الفقهاء. وقال أصحابنا: الحلف برسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم - يمين موجب الكفارة، وقال أصحابنا: أنَّه أحد شرطي الشهادة فالحلف به موجب للكفارة كالحلف باسم الله تعالى. ووجه الأول: قول النَّبيِّ - صَلَّى الله عليه وسلم -: "من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت". رواه عن ابن عمر البُخاريّ 7/ 221 كتاب الإيمان والنذور- باب: النَّهي عن الحلف بغير الله. باب لا تحلفوا بآبائكم. ومسلم 3/ 1267 - كتاب الأيمان- باب: النَّهي عن الحلف بغير الله. ولأنه حلف بغير الله فلم يوجب الكفارة كسائر الأنبياء، ولأنه مخلوق فلم تجب الكفارة بالحلف به كإبراهيم - عليه السلام -، ولأنه ليس بمنصوص عليه ولا في معنى المنصوص ولا يصح قياس اسم غير الله على اسمه لعدم الشبه وانتفاء المماثلة. . ". راجع: المغني لابن قدامة 8/ 677، 704، 705. ويقول في نفس المرجع والجزء السابق ص: 695: "والحلف بالقرآن أو بآية منه أو بكلام الله يمين منعقدة تجب الكفارة بالحنث فيها، وبهذا قال ابن مسعود والحسن وقتادة ومالك والشّافعيّ وأبو عبيدة وعامة أهل العلم. . ". وهذا يدل على أن القرآن كلام الله غير مخلوق إذ لو كان مخلوقًا لما جاز الحلف به أو بآية منه، وهذا ما قصده الشَّيخ -رحمه الله- من إيراده لهذين الأثرين المرويين عن ابن مسعود - رضي الله عنه. (¬1) في الأصل: "اتبعوه". والمثبت من: س، ط. (¬2) في الأصل: "لم يتداخل". وفي س: "هل يتداخل". والمثبت من: ط.

المحلوف (¬1) عليه واحدًا؟ كما لو حلف بالله لا يفعل، ثم حلف بالله لا يفعل، هذا فيه قولان للعلماء: هما روايتان عن أحمد (¬2)، وأمَّا قول ابن عباس - رضي الله عنهما - (¬3): فقال الإمام عبد الرحمن بن أبي حاتم: حدثني أبي ثنا ابن صالح بن جابر الأنماطي (¬4)، ثنا علي بن عاصم [قال أبي: ¬

_ (¬1) في س: "المخلوف" وهو تصحيف. (¬2) القولان ذكرهما ابن قدامة في المغني 8/ 705، 706، ورجح -رحمه الله- القول بأنَّ الحالف إذا كرر اليمين على شيء واحد فحنث فليس عليه إلَّا كفارة واحدة، وهذا يعني أن الأيمان تتداخل في بعضها إذا كررت وكان المحلوف عليه شيئًا واحدًا فتصير كاليمين الواحدة. والروايتان ذكرهما ابن قدامة في المقنع في فقه إمام السنة أحمد بن حنبل 4/ 210 فقال: "وإن كرر أيمانًا قبل التكفير فعليه كفارة واحدة، وعنه لكل يمين كفارة، والظاهر أنها إن كانت على فعل واحد فكفارة واحدة. . ". وعلى هذا فمن حلف بالقرآن فعليه بكلِّ آية يمين، فإذا حنث وكان ما حلف عليه شيئًا واحدًا فعليه كفارة واحدة، إذا عجز عن الكفارات بعدد الآيات. يقول ابن قدامة في المغني- 8/ 708 - : "ويحتمل أن كلام الإمام أحمد في كل آية كفارة على الاستحباب لمن قدر عليه فإنَّه قال: عليه بكلِّ آية كفارة فإن لم يمكنه فكفارة واحدة، ورده إلى واحدة عند العجز دليل على أن ما زاد عليها غير واجب، وكلام ابن مسعود يحمل على الاختيار والاحتياط لكلام الله والمبالغة في تعظيمه. . . ". إلى أن يقول: ". . ولأن إيجاب كفارات بعدد الآيات، ينفي إلى المنع من البر والتقوى، والإصلاح بين النَّاس، لأنَّ من علم أنَّه بحنثه تلزمه هذه الكفارات كلها ترك المحلوف عليه كائنًا ما كان، وقد يكون برًّا وتقوى وإصلاحًا فتمنعه منه. . . ". (¬3) ذكره أبو القاسم اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 20/ 230 بنفس السند الذي ذكره الشَّيخ -رحمه الله-. (¬4) في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: علي بن صالح، وإذا كان هو فقد قال عنه الذهبي -في ميزان الاعتدال 3/ 133 - لا يعرف وذكر له خبرًا باطلًا اتهمه بوضعه، وإذا كان غيره فلم أجده في مظانه.

وحدثني الصهيبي علي بن عمر بن عاصم (¬1) عن علي بن عاصم] (¬2) عن عمران بن حدير (¬3) عن عكرمة (¬4) قال: كان ابن عباس في جنازة، فلما وضع الميت في لحده قام رجل فقال: اللَّهم رب القرآن اغفر له، فوثب إليه ابن عباس فقال: مه (¬5) القرآن منه. زاد الصهيبي في حديثه فقال ابن عباس: القرآن كلام الله وليس بمربوب، منه خرج وإليه يعود. فلما ابتدعت الجهمية هذه المقالات في أثناء المائة الثَّانية أنكر ذلك سلف الأمة وأئمتها، ثم استفحل أمرهم في أوائل المائة الثالثة بسبب ما أدخلوه في شركهم وفريتهم من ولاة الأمور، وجرت المحنة (¬6) ¬

_ (¬1) في شرح أصول اعتقاد أهل السنة: "الصهيبي عم علي بن عاصم" ولم أجده. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من: س، ط. (¬3) في الأصل: "عمرو بن جدير". وهو خطأ. والمثبت من: س، ط، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة. وهو: أبو عبيدة عمران بن حدير السدوسي البصري الإمام الحجة الثقة، روى عنه حماد بن زيد ووكيع وغيرهما. قال أحمد بن حنبل عنه: صدوق صدوق. توفي سنة 149 هـ. راجع: سير أعلام النبلاء -للذهبي- 6/ 363، 364. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 8/ 125. وخلاصة تهذيب الكمال لصفي الدين الأنصاري ص: 295. (¬4) هو: أبو عبد الله عكرمة بن عبد الله القرشي مولاهم المدني، البربري الأصل مولى ابن عباس، العلامة الحافظ المفسر الثقة، روى عنه خلق كثير من جلة التابعين وأتباعهم، قال محمد بن نصر المروزي: قد أجمع عامة أهل الحديث على الاحتجاج بحديث عكرمة، واتفق على ذلك رؤساء أهل العلم بالحديث أهل عصرنا. توفي سنة 107 هـ. راجع: وفيات الأعيان -لابن خلكان- 3/ 265، 266. وسير أعلام النبلاء -للذهبي- 5/ 12 - 26. وتهذيب التهذيب -لابن حجر 7/ 263 - 273. (¬5) "مه" يعني: اكفف. (¬6) وهي محنة القول بخلق القرآن، ذلك أن المأمون قد استحوذ عليه جماعة من =

المشهورة: وكان أئمة الهدى على ما جاءت به الرسل عن الله من أن ¬

_ = المعتزلة فأزاغوه عن طريق الحق إلى الباطل، وزينوا له القول بخلق القرآن ونفي الصفات عن الله عزَّ وجلَّ. يقول ابن كثير: قال البيهقي: ولم يكن في الخلفاء قبله من بني أميَّة وبني العباس خليفة إلَّا على مذهب السلف ومنهاجهم، فلما ولي هو الخلافة اجتمع به هؤلاء فحملوه على ذلك وزينوا له. وفي سنة 218 هـ كتب إلى نائبه ببغداد إسحاق بن إبراهيم بن مصعب يأمره أن يمتحن القضاة والمحدثين بالقول بخلق القرآن، وأن يرسل إليه جماعة منهم -عينهم المأمون- فامتحنهم المأمون بخلق القرآن فأجابوا إلى ذلك، وأظهروا موافقته وهم كارهون، فردهم إلى بغداد وأمر بإشهار أمرهم بين الفقهاء ففعل نائبه ذلك، ووقعت فتنة عظيمة بين النَّاس. ثم أرسل المأمون إلى نائبه كتابًا آخر أمره فيه أن يمتحن جماعة أخرى منهم الإمام أحمد -رحمه الله- من أجاب منهم ترك ومن امتنع فليرسل مقيدًا بالحديد محتفظًا به، وكان ممن امتنع عن القول بخلق القرآن الإمام أحمد، ومحمد بن نوح، فأرسلا إلى المأمون وقبل أن يصلا إليه بمرحلة جاء خبر وفاته، ثم ولي الخلافة المعتصم، وقد انضم إليه أحمد بن أبي دؤاد، فردا إلى بغداد ومات محمد بن نوح في الطريق، وأدخل الإمام أحمد السجن، نحوًا من ثمانية وعشرين شهرًا، وقيل نيفًا وثلاثين شهرًا، ثم أخرج وضرب -رحمه الله- بين يدي المعتصم، بعد مناظرة بينه وبين قضاة المعتصم وبعض الفقهاء، واستمر الأمر في خلافة الواثق، وكان ممن يقول بخلق القرآن، وقتل محمد بن نصر وجماعة معه بسبب ذلك، إلى أن ولي المتوكل وكان من خيار الخلفاء لأنَّه أحسن الصنيع لأهل السنة، فأكرم الإمام أحمد ورفع المحنة عن النَّاس وكتب إلى الآفاق بعدم القول بخلق القرآن، وقد أورد المؤرخون هذه المحنة مفصلة ومطولة اكتفيت بمجملها هنا، وانظر ما كتبته عنها في القسم الخاص بالدراسة. وصبر الإمام أحمد في هذه المحنة وثبوته على دفع هذا القول ثبوتًا لم يثبته غيره لئلا يتطرق إلى القرآن ما يمحو تعظيمه من النفوس ويخرجه عن الإضافة إلى الله تعالى. راجع: تاريخ الطبري 8/ 631 فما بعدها. والكامل -لابن الأثير 6/ 423 فما بعدها، 7/ 20 فما بعدها. والبداية والنهاية -لابن كثير 10/ 308 - 310، 343 - 347، 374 - 380.

المستقر في فطر الناس وعقولهم ولغاتهم أن المتكلم بالكلام لابد أن يقوم به الكلام

القرآن كلام الله تكلم به هو سبحانه، وهو منه قائم (¬1) به، وما كان كذلك لم يكن مخلوقًا، إنَّما المخلوق ما (¬2) يخلقه من الأعيان المحدثة وصفاتها، وكثير منهم يرد قول الجهمية بإطلاق القول: بأنَّ القرآن كلام الله، لأنَّ حقيقة قولهم: إنه ليس كلامه، ولا تكلم، ولا يتكلم به ولا بغيره، فإن المستقر في فطر النَّاس وعقولهم ولغاتهم، أن المتكلم بالكلام لا بد أن يقوم به الكلام، فلا يكون متكلمًا بشيء لم يقم (¬3) به، بل هو قائم بغيره (¬4)، كما لا يكون عالمًا بعلم قائمًا بغيره ولا حيًّا (¬5) بحياة قائمة بغيره، ولا مريدًا (¬6) بإرادة قائمة بغيره، ولا محبًا ومبغضًا (¬7) ولا راضيًا وساخطًا بحب وبغض ورضى وسخط قائم بغيره، ولا متألمًا ولا متنعمًا وفرحًا وضاحكًا بتألم وتنعم وفرح وضحك قائم بغيره، فكل ذلك عند النَّاس من العلوم الضرورية البدهية (¬8) الفطرية التي لا ينازعهم فيها إلّا من أحيلت فطرته، وكذلك عندهم لا يكون آمرًا (¬9) وناهيًا بأمر ونهي لا يقوم به بل يقوم بغيره، ولا يكون مخبرًا ومحدثًا ومنبئًا (¬10) بخبر ¬

_ (¬1) في س، ط: "وقائم". (¬2) في الأصل: "من" والمثبت من: س، ط. ولعلّه المناسب للمعنى. (¬3) في الأصل: "يقر". والمثبت من: س، ط. (¬4) يقول البيهقي- في كتابه: الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد تحقيق أحمد عصام الكاتب ص: 95 - "ولا يجوز أن يكون كلام المتكلم قائمًا بغيره، ثم يكون هو به متكلمًا مكلمًا دون ذلك الغير، كما لا يجوز ذلك في العلم والسمع والبصر. . . ". (¬5) في س: "حي". (¬6) في الأصل: "ولا مريد". (¬7) في الأصل: "ومبغضًا لأمر. . . " والكلام يستقيم بدون كلمة "لأمر". (¬8) في س، ط: "البديهية". (¬9) في الأصل: "آمر". والمثبت من: س، ط. (¬10) في س: "مبينًا" وهو تصحيف.

وحديث ونبأ لا يقوم به بل بغيره، ولا يكون حامدًا وذامًا ومادحًا ومثنيًا بحمد وذم ومدح وثناء لا يقوم به بل بغيره، [ولا يكون مناجيًا ومناديًا وداعيًا بنجاء ودعاء ونداء لا يقوم به بل لا يقوم إلّا بغيره] (¬1)، ولا يكون واعدًا وموعدًا بوعد ووعيد لا يقوم به بل (¬2) لا يقوم إلّا بغيره، ولا يكون مصدقًا ومكذبًا بتصديق وتكذيب لا يقوم به بل لا يقوم إلّا بغيره، ولا يكون حالفًا ومقسمًا وموليًا بحلف وقسم ويمين لا يقوم به ولا يقوم إلّا بغيره، بل من أظهر العلوم الفطرية الضرورية التي علمها (¬3) بنو آدم وجوب قيام هذه الأمور بالموصوف (¬4) بها وامتناع أنَّها لا تقوم به، بل لا تقوم (¬5) إلّا بغيره، فمن قال: إن الحمد والثناء [والأمر] (¬6) والنهي والنبأ والخبر والوعد والوعيد والحلف واليمين والمناداة والمناجاة وسائر ما يسمى ويوصف به أنواع الكلام، يمتنع أن تكون (¬7) قائمة بالآمر الناهي والمناجي المنادي المنبيء المخبر الواعد (¬8) المتواعد الحامد المثني الذي هو الله تعالى، ويجب أن تكون قائمة بغيره، فقد خالف الفطرة الضرورية المتفق عليها بين الآدميين، وبدل لغات الخلق أجمعين، ثم مع مخالفته للمعقولات واللغات فقد كذب المرسلين أجمعين، ونسبهم إلى غاية التدليس والتلبيس على المخاطبين، لأنَّ الرسل أجمعين أخبروا أن الله أمر ونهى وقال ويقول، وقد علم بالاضطرار أن مقصودهم أن الله هو نفسه ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقطة من ت س. (¬2) لا يقوم به بل: مكررة في: س. (¬3) في الأصل: "عليها". والمثبت من: س، ط. ولعلّه المناسب. (¬4) في الأصل: "الوصوف" وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط. (¬5) في س: "لا يقوم". (¬6) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. يقتضيها الكلام. (¬7) في س: "يكون". (¬8) في الأصل: "الموعد" والمثبت من: س، ط. ولعلّه المناسب للكلام.

زعمت الجهمية من المعتزلة ونحوهم أن المتكلم في اللغة من فعل الكلام وإن كان قائما بغيره

الذي أمر ونهى وقال، لا أن (¬1) ذلك شيء لم يقم به بل خلقه في غيره، ثم لو كان مقصودهم ذلك فمعلوم أن هذا ليس هو المعروف من الخطاب ولا المفهوم منه، لا عند الخاصة ولا عند العامة، بل المعروف المعلوم أن يكون الكلام قائمًا بالمتكلم، فلو أرادوا بكلامه وقوله: إنه (¬2) خلق في بعض المخلوقات كلامًا لكانوا قد أضلوا الخلق -على زعم الجهمية- ولبسوا عليهم غاية التلبيس، وأرادوا باللفظ ما لم يدلوا الخلق عليه، والله تعالى قد أخبر أن الرسل قد (¬3) بلغت البلاغ المبين، فمن نسبهم إلى هذا فقد كفر بالله ورسله، وهذا قول (¬4) الزنادقة المنافقين الذين هم (¬5) أصل الجهمية، الذين يصفون الرسل بذلك من المتفلسفة والقرامطة ونحوهم، بل كون المتكلم الآمر الناهي لا يوصف بذلك إلّا لقيام الكلام بغيره (¬6) مع امتناع قيامه به، أمر لا يعرف في اللغة، لا حقيقة ولا مجازًا. وزعمت الجهمية الملحدة في أسماء الله وآياته، المحرفة للكلم عن مواضعه، المبدلة لدين الله من المعتزلة ونحوهم، أن المتكلم في اللغة من فعل الكلام، وإن كان قائمًا بغيره كالجني المتكلم على لسان الإنسي المصروع، فإنَّه هو المتكلم بما يسمع من المصروع، لأنَّه فعل ذلك وإن كان الكلام لم يقم إلّا بالإنسي دون الجني وهذا من التمويه (¬7) والتدليس. ¬

_ (¬1) في الأصل، س: "لأنَّ". والمثبت من: ط. ولعلّه المناسب للمعنى. (¬2) في الأصل: "أن". والمثبت من: س، ط. (¬3) "قد": ساقطة من: س، ط. (¬4) ذكر شيخ الإسلام مقالة المعطلين لأسماء الله وصفاته، والمنحرفين عن منهج السلف وبين أصنافهم في مجموع الفتاوى 5/ 5 فما بعدها. ونقله بتلخيص الإمام مرعي الحنبلي في كتابه "أقاويل الثقات في تأويل الأسماء والصفات. . . ص: 225 - 239. (¬5) "هم" مكررة في: س، ط. (¬6) في الأصل: "بغير". والمثبت من: س، ط. (¬7) في الأصل: "بالتمويه". والمثبت من: س، ط.

فأمَّا قولهم: المتكلّم مَنْ فعل الكلام، فقد نازعهم فيه طائفة من الصفاتية (¬1) وقالوا: بل المتكلم من قام به الكلام وإن لم يفعله كما يقوله الكلابية (¬2) والأشعرية (¬3)، وبين الفريقين في ذلك نزاع طويل (¬4). وأمَّا السلف والأئمة وأكثر النَّاس فلم ينازعوهم هذا النزاع، بل قالوا: الكلام وإن قيل: إنه فعل للمتكلم، فلا بد أن يكون قائمًا به، فلا يكون الكلام كلامًا لمتكلم يمتنع أن يقوم به الكلام، وجميع المسموع من اللغات والمعلوم في فطرة البريات يوافق ذلك. وأمَّا تكلم الجني على لسان الإنسي فلا بد أن يقوم بالجني كلام، ولكن تحريكه مع ذلك لجوارح الإنسي يشبه تحريك روح الإنسي لجوارحه بكلامه، ويشبه تحريك الإنسان بكلامه وحركته وتصويته كما يصوت بقصبة (¬5) ونحوها، مع أنَّه في ذلك كله قد قام به من الفعل ما يصح به نسبته (¬6) ذلك إليه. وقولهم: المتكلم من فعل الكلام وإن كان قائمًا بغيره: كلام ¬

_ (¬1) عرف بهم الشَّيخ -رحمه الله- فيما تقدم. راجع ص: 269. (¬2) الكلابية هم: أتباع أبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب. وقول ابن كلاب وأتباعه في كلام الله، ذكره الشَّيخ -رحمه الله- في الفتاوى 12/ 49 فما بعدها ورد عليه. كما ذكر رأيهم -أيضًا- أبو الحسن الأشعري في المقالات 2/ 257، 258. والجويني في الإرشاد ص: 119، 120. (¬3) في س: "الأشرية". وهو تصحيف. وقد تقدم التعريف بهم ص: 202. (¬4) ذكره أبو المعالي الجويني في الإرشاد ص: 109 - 118، حيث عقد لذلك فصلًا قال فيه: "المتكلم من قام به الكلام" وذكر في هذا الفصل رأي المعتزلة، وأن المتكلم عندهم من فعل الكلام، وناقشهم في قولهم هذا. (¬5) في الأصل: "يصيح بقصته". والمثبت من: س، ط. (¬6) في الأصل: "نسبته". والمثبت من: س، ط.

من بدع الجهمية قول من يقول: الخلق لا يكون إلا بمعنى المخلوق

متناقض، فإن الفعل -أيضًا- لا يقوم بغير الفاعل، وإنَّما الذي يقوم بغيره هو المفعول. وإما قول من يقول: إن الخلق لا يكون إلّا بمعنى المخلوق، فهو من بدع الجهمية، وعامة أهل الإسلام على خلاف هذا، وكذلك قال الأئمة مثل ما ذكره الإمام أحمد فيما خرجه في الرد على الزنادقة والجهمية قال (¬1): ففيما (¬2) يسأل عنه الجهمي (¬3) يقال له: تجد في كتاب الله أنَّه يخبر عن القرآن أنَّه مخلوق؟ فلم (¬4) يجد فيقال له: فلم (¬5) قلت؟ فيقول (¬6) من قول الله: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} (¬7). وزعم أن كل مجعول مخلوق (¬8)، فادعى كلمة من الكلام المتشابه، يحتج بها من أراد أن يلحد في تنزيلها ويبتغي الفتنة في ¬

_ (¬1) الرد على الجهمية والزنادقة للإمام أحمد ص: 106 - 110 ط / دار اللواء 1397 هـ تحقيق د. عبد الرحمن عميرة. وهو ما درجت على مقابلة النصوص منه. وص 27 - 29 ط / القاهرة 1399 هـ نشر قصي محب الدين الخطيب، وسوف تكون مقابلة النص الآتي الطبعتين للاختلاف بينهما فيه. (¬2) في الرد على الجهمية- الطبعتين: "فممَّا". (¬3) "الجهمي": ساقطة من الرد على الجهمية ط / دار اللواء وتوجد في ط / القاهرة. (¬4) في س، ط، والرد على الجهمية- المطبوعتين: "فلا". (¬5) في س: "فما". وفي ط: "فيم". وفي الرد على الجهمية -المطبوعتين: "فمن أين". وقد ورد قبلها العبارة التالية: "فيقال له: فتجده في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: إن القرآن مخلوق- فلا يجد فيقال له. . . ". (¬6) في الرد على الجهمية ط / القاهرة: "فسيقول". (¬7) سورة الزخرف، الآية: 3. (¬8) في الرد على الجهمية -الطبعتين: "وزعم أن -جعل- بمعنى -خلق- فكل مجعول بمعنى مخلوق. . . ".

تأويلها (¬1)، وذلك أن جعل في القرآن من المخلوقين على وجهين على معنى التسمية (¬2)، وعلى معنى فعل من أفعالهم [و] (¬3) قوله: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} (¬4) قالوا: هو شعر وأنباء (¬5) الأولين وأضغاث أحلام، فهذا على معنى تسميته (¬6) وقال (¬7): {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} (¬8) [يعني: أنهم سموهم إناثًا] (¬9). ثم ذكر جعل على غير معنى التسمية (¬10)، فقال: {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} (¬11) فهذا على معنى (¬12) فعل من أفعالهم، وقال: {حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا} (¬13) هذا على معنى فعل، هذا جعل المخلوقين. (¬14) ثم ذكر جعل من الله على معنى (خلق) وجعل على غير معنى ¬

_ (¬1) في الأصل، س: "يلحد في تنزيلهما ويبتغي الفتنة في تأويلهما". وفي الرد على الجهمية - المطبوعتين: "يلحد في تنزيله. . ". والمثبت من: ط. ولعل الكلام يستقيم به. (¬2) في الأصل، س: "تسمية. والمثبت من: ط، والرد على الجهمية -المطبوعتين- وقد ورد في الرد على الجهمية ط / القاهرة: "التسمية وهي معنى فعل. . . " وهو خطأ. (¬3) "و": زيادة من الرد على الجهمية -الطبعتين- يستقيم بها الكلام. (¬4) سورة الحجر، الآية: 91. (¬5) في جميع النسخ: "أو أنباء" والمثبت من الرد على الجهمية- الطبعتين. يستقيم به الكلام. (¬6) راجع هامش رقم (2) في هذه الصفحة. (¬7) في س، ط: "وقالوا". وفي الرد على الجهمية - الطبعتين: "قال". (¬8) سورة الزخرف، الآية: 19. (¬9) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والرد على الجهمية- الطبعتين. (¬10) في جميع النسخ: "تسمية". والمثبت من الرد على الجهمية- الطبعتين. (¬11) سورة البقرة، الآية: 19. (¬12) "معنى": ساقطة من: الرد على الجهمية / ط القاهرة. (¬13) سورة الكهف، الآية: 96. (¬14) من هنا تصرف الشيخ بالنص تصرفًا لا تمكن معه المقابلة.

(خلق)، والذي قال الله جل جلاله (جعل) على معنى (خلق) لا يكون إلّا خلقًا ولا يقوم إلا مقام خلق لا يزول عنه (¬1) المعنى. فممّا (¬2) قال الله (جعل) على معنى (خلق)، قوله (¬3) {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} (¬4) [يعني: خلق الظلمات والنور] (¬5)، [وقال] (¬6): {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ} (¬7) يقول: خلقنا الليل والنهار آيتين، وقال: {وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا} (¬8) وقال: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} (¬9) يقول: خلق منها زوجها، خلق من آدم حوى، وقال: {وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ} (¬10) ومثله في القرآن كثير، فهذا وما كان أمثاله (¬11) لا يكون (¬12) إلّا على معنى خلق. وقوله {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ} (¬13) لا يعني ما خلق الله من بحيرة، وقال الله لإبراهيم: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} (¬14) لا يعني إني خالقك ¬

_ (¬1) في ط: "عن". (¬2) في جميع النسح: "فما". وهو تصحيف. والمثبت من الرد على الجهمية. (¬3) في جميع النسخ: ". . خلق كذلك قوله" والكلام لا يستقيم بدون كلمة "كذلك". (¬4) سورة الأنعام، الآية: 1. في س: "الحمد الله" بدلًا من "الحمد لله". وهو خطأ. (¬5) ما بين المعقوفتين ساقط من: س. (¬6) ما بين المعقوفتين زيادة يقتضيها السياق. (¬7) سورة الإسراء، الآية: 12. (¬8) سورة نوح، الآية: 16. في جميع النسخ: "وجعلنا الشمس. . " وهو خطأ. (¬9) سورة الأعراف، الآية: 189. (¬10) سورة النمل، الآية: 61. (¬11) في س، ط: "مثاله". (¬12) في س، ط: "لا يكون مثاله". (¬13) سورة المائدة، الآية: 103. (¬14) سورة البقرة، الآية: 124.

للناس إمامًا، لأن خلق إبراهيم كان متقدمًا، قال إبراهيم: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا} (¬1)، وقال: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ} (¬2) لا يعني أخلقني (¬3) مقيم الصلاة، وقال: {يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ} (¬4) لا يعني يريد الله ألا يخلق لهم حظًّا في الآخرة، وقال لأم موسى: {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} (¬5) لا يعني وخالقوه من المرسلين، لأن الله تعالى وعد أم موسى أن يرده إليها ثم يجعله من بعد ذلك مرسلًا، وقال: {وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ} (¬6) لا يعني فيخلقه في جهنم، وقال: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} (¬7). وقال: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} (¬8) لا يعني خلقه دكًّا ومثله في القرآن كثير. فهذا (¬9) وما كان على مثاله لا يكون على معنى خلق، فإذا قال تعالى (جعل) على معنى (خلق)، وقال (جعل) على معنى غير (¬10) (خلق) فبأي حجة قال الجهمي: (جعل) على معنى الخلق؟، فإن رد ¬

_ (¬1) سورة إبراهيم، الآية: 35. (¬2) سورة إبراهيم، الآية: 40. (¬3) في ط: "خلقني". (¬4) سورة آل عمران، الآية: 176. (¬5) سورة القصص، الآية: 7. (¬6) سورة الأنفال، الآية: 37. (¬7) سورة القصص، الآية: 5. (¬8) سورة الأعراف، الآية: 143. (¬9) من هنا يمكن مقابلة النص الذي نقله الشيخ من كتاب "الرد على الجهمية. . . ". (¬10) في س وط والرد على الجهمية الطبعتين "على غير معنى".

ما قاله البخاري

[الجهمي] (¬1) الجعل إلى المعنى الذي وصفه الله فيه، وإلا كان من الذين يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعدما عقلوه وهم يعلمون، فلما قال الله عزَّ وجلَّ: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} (¬2) يقول: جعله جعلًا على معنى فعل من أفعال (¬3) الله غير معنى (¬4) خلق، وقال في سورة يوسف: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (¬5) وقال: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} (¬6) وقال: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ} (¬7) فلما جعل الله القرآن عربيًّا ويسره بلسان نبيه، كان ذلك فعلًا (¬8) من أفعال الله جعل به القرآن (¬9) عربيًّا، ففي (¬10) هذا بيان لمن أراد الله هداه. وقال البخاري في صحيحه (¬11): باب ما جاء في تخليق السموات والأرض وغيرهما من الخلائق، وهو فعل الرب وأمره، فالرب بصفاته وفعله وأمره وكلامه (¬12) هو الخالق المكون (¬13) غير مخلوق، وما كان ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والرد على الجهمية في الطبعتين. (¬2) سورة الزخرف، الآية: 3. في ط: وفي الرد على الجهمية- الطبعتين: تكملة الآية {. . لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}. (¬3) في س: "أفعل". (¬4) في الأصل: "معنى غير" وأثبت الأقرب لفهم اللفظ من: س، ط. (¬5) الآية 2. وفي الأصل: "جعلنا" وهو خطأ. وهذه الآية والكلام الذي قبلها لم يرد في الرد على الجهمية- الطبعتين. (¬6) سورة الشعراء، الآية: 195. (¬7) سورة مريم، الآية: 97. (¬8) في جميع النسخ: "فعل". والمثبت من الرد على الجهمية- الطبعتين. (¬9) في الرد على الجهمية- الطبعتين: ". . القرآن به. . ". (¬10) في الرد على الجهمية في الطبعتين: "يعني". (¬11) صحيح البخاري 8/ 187 - كتاب التوحيد- باب رقم 27. (¬12) "كلامه": لا توجد في صحيح البخاري. وقد أشير إليها بالحاشية ب. . . وأمره وكلامه نخـ. . . (¬13) في صحيح البخاري: "وهو الخالق هو المكون. . . ".

ما قاله الإمام أحمد في الرد على الجهمية - أيضا

بفعله وأمره وتخليقه وتكوينه فهو مفعول مخلوق مكون (¬1). وقال (¬2) الإمام أحمد فيما أخرجه في الرد على الجهمية بيان ما أنكرت الجهمية أن (¬3) يكون الله كلم موسى صلى الله عليه وعلى نبينا وعلى سائر الأنبياء: (قلنا لم (¬4) أنكرتم ذلك؟ قالوا: لأن (¬5) الله لم يتكلم ولا يتكلم، إنما كوّن شيئًا فعبر عن الله، وخلق صوتًا فسمع، فزعموا (¬6) أن الكلام لا يكون إلّا من جوف وفم وشفتين ولسان (¬7)، فقلنا: فهل [يجوز] (¬8) لمكون أو لغير (¬9) الله أن يقول لموسى: {لَا إِلَهَ إلا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (¬10) و {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ} (¬11) فمن زعم ذلك فقد زعم أن غير الله ادعى الربوبية ولو كان (¬12) كما زعم الجهمية أن الله كون شيئًا كان يقول ذلك المكون: {يَامُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (¬13) لا (¬14) يجوز أن ¬

_ (¬1) في صحيح البخاري: "ومكون" وقد أشير بالحاشية: "مخلوق مكون نخـ". (¬2) في الرد على الجهمية والزنادقة ص: 130 - 134. (¬3) في الرد على الجهمية. .: "من أن. . ". (¬4) في الأصل، س: "قلنا لما". وفي الرد على الجهمية: "فقلنا لما". والمثبت من: ط. (¬5) في س: "لا أن". وفي الرد على الجهمية: "أن. . . ". (¬6) في الرد على الجهمية: "فأسمع، وزعموا. . ". (¬7) في الأصل: ". . ولسانًا". (¬8) "يجوز" زيادة من: س، ط. والرد على الجهمية: "فهل يجوز". (¬9) في الرد على الجهمية: "أو غير. . ". (¬10) سورة طه، الآية: 14. (¬11) سورة طه، الآية: 12. وفي الرد على الجهمية ذكر الآية 12 قبل الآية 14. (¬12) "ولو كان" ساقطة من: الرد على الجهمية. . . (¬13) سورة القصص، الآية: 30. في س، ط: "أن الله" وهو خطأ. (¬14) في ط: "ولا".

يقول: {إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (¬1) وقد قال الله جل ثناؤه: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (¬2) وقال: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} (¬3) وقال: {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي} (¬4) فهذا منصوص القرآن. قال (¬5): وأما (¬6) ما قالوا: إن الله لم يتكلم ولا يتكلم (¬7) فكيف يصنعون بحديث سليمان الأعمش عن خيثمة (¬8) عن عدي بن حاتم الطائي (¬9). . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) سورة القصص، الآية: 30. قوله: "لا يجوز أن يقول: {إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} " لا توجد في الرد على الجهمية والزنادقة. (¬2) سورة النساء، الآية: 164. (¬3) سورة الأعراف، الآية: 143. (¬4) سورة الأعراف، الآية: 144. (¬5) يعني الإمام أحمد -رحمه الله. (¬6) في الرد على الجهمية: "فإما. . ". (¬7) في الرد على الجهمية: "إن الله لا يتكلم فكيف. . ". (¬8) هو: خيثمة بن عبد الرحمن بن أبي سبرة يزيد بن مالك بن عبد الله الجعفي الكوفي، تابعي، لأبيه وجده صحبة قال عنه ابن معين والنسائي: ثقة. مات بعد 80 هـ. راجع: الطبقات الكبرى لابن سعد 6/ 286، 287. والجرح والتعديل -لابن أبي حاتم 2/ 1 / 393 ت: 1808. وتهذيب التهذيب -لابن حجر 3/ 178، 179. (¬9) هو: أبو طريف عدي بن حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس بن عدي الطائي، له صحبة، وهو ولد حاتم طي الذي يضرب المثل بجوده أسلم سنة 9 هـ، وثبت على إسلامه في الردة، وأحضر صدقة قومه إلى أبي بكر الصديق وشهد فتح العراق، كما شهد صفين مع علي - رضي الله عنه - توفي سنة 68 هـ. راجع: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم 2/ 3 / 82 ت: 1. وسير أعلام =

قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله ليس (¬1) بينه وبينه ترجمان" (¬2). قال: وأما قولهم: إن الكلام لا يكون إلّا من جوف وفم وشفتين ولسان، أليس الله عزَّ وجلَّ قال للسموات والأرض: {ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} (¬3)، أترى (¬4) أنها قالت: بجوف وشفتين ولسان (¬5)؟، وقال الله: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ} (¬6)، أتراها أنها سبحت بجوف وفم (¬7) ولسان وشفتين؟ والجوارح إذا شهدت على الكافر فقال (¬8): {لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} (¬9) أتراها ¬

_ = النبلاء -للذهبي 3/ 162 - 165. والإصابة في تمييز الصحابة -لابن حجر - 2/ 468. (¬1) في الرد على الجهمية: "ربه ما بينه وبينه". (¬2) رواه مسلم بهذا اللفظ وبقيته: ". . فينظر أيمن منه فلا يرى إلّا ما قدم، وينظر أشأم منه -أي: إلى جانبه الأيسر- فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا الله ولو بشق تمرة". راجع: صحيح مسلم 2/ 703، 704 كتاب الزكاة- باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة أو كلمة طيبة، وأنها حجاب من النار. حديث / 67. ورواه البخاري 8/ 202 كتاب التوحيد / باب كلام الرب عزَّ وجلَّ يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم. مع اختلاف يسير في اللفظ. (¬3) سورة فصلت، الآية: 11. (¬4) في س، ط: "أتراه". وفي الرد على الجهمية: "أتراها". (¬5) في الرد على الجهمية: "بجوف وفم وشفتين ولسان وأدوات. . ". (¬6) سورة الأنبياء، الآية: 79. (¬7) في س، ط: ". . بفم وجوف. . ". وفي الرد على الجهمية: "أتراها سبحت. . ". (¬8) في س، ط، والرد على الجهمية: "فقالوا". (¬9) سورة فصلت، الآية: 21.

نطقت (¬1) بجوف وشفتين (¬2) وفم ولسان؟ ولكن الله أنطقها كيف شاء [وكذلك الله تكلم كيف شاء] (¬3) من غير أن يقول [بـ] (¬4) فم ولسان وشفتين (¬5). قال: فلما خنقته الحجج قال (¬6): إن الله كلم موسى، إلا أن كلامه غيره، فقلنا: وغيره مخلوق؟ قال: نعم. قلنا (¬7): هذا مثل قولكم الأول، إلّا أنكم تدفعون الشنعة عن أنفسكم (¬8) بما تظهرون. وحديث الزهري (¬9) قال: لما سمع موسى كلام ربه قال: يا رب هذا الكلام (¬10) الذي سمعته هو كلامك؟ قال: نعم يا موسى هو كلامي، [وإنما كلمتك بقوة عشرة آلاف لسان، ولي قوة الألسن كلها، وأنا أقوى من ذلك] (¬11)، وإنما كلمتك على قدر ما يطيق بدنك، ولو كلمتك بأكثر ¬

_ (¬1) في الرد على الجهمية: "أنها نطقت". (¬2) "وشفتين": ساقطة من: الرد على الجهمية. (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من: الرد على الجهمية. أرى أن الكلام يستقيم بها. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة أضفتها ليستقيم بها الكلام. (¬5) في ط: "وشفتان". وفي الرد على الجهمية: "بجوف ولا فم ولا شفتين ولا لسان". (¬6) في س: "وقال". (¬7) في الرد على الجهمية: "فقلنا". (¬8) في الرد على الجهمية: "تدفعون عن أنفسكم الشنعة. . ". (¬9) هو: أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب القرشي الزهري، أعلم الحفاظ. قال عنه عمرو بن دينار: ما رأيت أنص للحديث من الزهري. وقال الإمام مالك: بقي ابن شهاب، وماله في الدنيا نظير، ولد سنة 50 هـ، وتوفي سنة 124 هـ. راجع: حلية الأولياء -لابن نعيم- 3/ 360 - 381. وتهذيب الأسماء واللغات للنووي 1/ 390 - 392. وتذكرة الحفاظ -للذهبي 1/ 108 - 113. (¬10) "الكلام" ساقطة من: الرد على الجهمية. (¬11) ما بين القوسين ساقطة من: الرد على الجهمية.

من ذلك مت (¬1)، قال: فلما رجع موسى إلى قومه قالوا له: صف لنا كلام ربك، فقال (¬2): سبحان الله!! وهل أستطيع أن أصفه لكم. قالوا: فشبهه (¬3)، قال: أسمعتم (¬4) أصوات الصواعق التي تقبل في أحلى حلاوة سمعتموها فكأنه مثله (¬5). قال: وقلنا (¬6) للجهمية: من القائل لعيسى يوم القيامة {يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} (¬7) أليس الله هو القائل؟ قالوا: يُكَوِّن (¬8) الله شيئًا يعبر عن الله، كما كَوَّن [شيئًا فعبر] (¬9) لموسى. فقلنا (¬10): فمن القائل: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ ¬

_ (¬1) في الرد على الجهمية: "لمت". (¬2) في الرد على الجهمية: "قال". (¬3) في س، ط: "قال تشبهه". (¬4) في الرد على الجهمية: "هل سمعتم". (¬5) رواه البيهقي في الأسماء والصفات ص: 275. ورواه أيضًا -ابن كثير في تفسيره 1/ 588 تفسير سورة النساء الآية 163، كلاهما عن جابر بن عبد الله بلفظ قريب مما ذكره الشيخ عن الإمام أحمد لكنهما ذكرا أن في سنده الفضل بن عيسى الرقاش، وهو ضعيف. (¬6) في الأصل: فقلنا، ولعل الصواب ما أثبته من س وط والرد على الجهمية. (¬7) سورة المائدة، الآية: 116. (¬8) في الرد على الجهمية: "فيكون". (¬9) ما بين المعقوفتين زيادة من: الرد على الجهمية. وفي س: "كما كون لموسى فعبر". وفي ط: "كون فعبر لموسى". ولعل الكلام يستقيم بهذه الزيادة. (¬10) في الرد على الجهمية: "قلنا".

الْمُرْسَلِينَ} (¬1) أليس الله هو الذي يسأل؟ قالوا: هذا كله إنما (¬2) يُكَون الله (¬3) شيئًا فيعبر عن الله، قلنا: قد أعظمتم على الله (¬4) الفرية حين (¬5) زعمتم أن الله لا يتكلم، فشبهتموه بالأصنام التي تعبد من دون الله، لأن الأصنام لا تتكلم ولا تتحرك ولا تزول (¬6) من (¬7) مكان إلى مكان. فلما ظهرت عليه الحجة قال: أقول: إن الله قد (¬8) يتكلم ولكن كلامه مخلوق. قلنا: وكذلك بنو آدم كلامهم مخلوق [فقد شبهتم الله -تبارك وتعالى- بخلقه حين زعمتم أن كلامه مخلوق] (¬9)، ففي مذهبكم أن الله قد كان في وقت من الأوقات لا يتكلم حتى خلق التكلم، وكذلك بنو آدم كانوا لا يتكلمون حتى خلق لهم (¬10) كلامًا، فقد (¬11) جمعتم بين كفر وتشبيه فتعالى (¬12) الله عن هذه الصفة، بل نقول (¬13): إن الله -جل ثناؤه- لم يزل متكلمًا إذا شاء، ولا نقول: إنه كان ولا يتكلم حتى خلق كلامًا (¬14)، ولا نقول: إنه قد ¬

_ (¬1) سورة الأعراف، الآية: 6. (¬2) في س: "أيما". وهو تصحيف. (¬3) لفظ الجلالة غير موجود في: الرد على الجهمية. (¬4) لفظ الجلالة غير موجود في: س. (¬5) في س، ط: "حتى". (¬6) في ط: "أو لا تزول". (¬7) في س، ط: "عن". (¬8) "قد": ساقطة من: الرد على الجهمية. (¬9) ما بين القوسين ساقطة من: س، ط. (¬10) في الرد على الجهمية: الله لهم. (¬11) في الرد على الجهمية: وقد. (¬12) في الرد على الجهمية: وتعالى. (¬13) في الأصل: فنقول. والمثبت من: س، ط، والرد على الجهمية. (¬14) في الرد على الجهمية: الكلام.

كان لا يعلم حتى خلق علمًا فعلم، ولا نقول: إنه [قد] (¬1) كان ولا قدرة (¬2) حتى خلق لنفسه قدرة (¬3)، ولا نقول: إنه [قد] (¬4) كان ولا نور له حتى خلق لنفسه نورًا، ولا نقول: إنه كان ولا عظمة (¬5) حتى خلق لنفسه عظمة. فقالت الجهمية لنا (¬6): لما وصفنا من الله هذه الصفات (¬7): إن زعمتم أن الله ونوره، والله وقدرته، والله وعظمته، فقد قلتم بقول النصارى حين زعمتم (¬8) أن الله لم يزل ونوره، ولم يزل وقدرته. فقلنا (¬9): لا نقول: إن الله لم يزل وقدرته ولم يزل ونوره، ولكن نقول: لم يزل بقدرته ونوره لا متى قدر (¬10) ولا كيف قدر؟. فقالوا (¬11): لا تكونون موحدين أبدًا حتى تقولوا: كان الله ولا شيء. فقلنا: نحن نقول: كان (¬12) الله ولا شيء، ولكن إذا قلنا: إن الله لم يزل بصفاته كلها، أليس إنما نصف إلهًا واحدًا بجميع صفاته؟ وضربنا ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والرد على الجهمية. (¬2) في الرد على الجهمية: ولا قدرة له. (¬3) في الرد على الجهمية: القدرة. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، الرد على الجهمية. (¬5) في الرد على الجهمية: قد كان ولا عظمة له. . . (¬6) لنا: ساقطة من الرد على الجهمية. (¬7) في الرد على الجهمية: لما وصفنا الله بهذه الصفات. (¬8) في الرد على الجهمية "زعموا". (¬9) في الرد على الجهمية: قلنا. (¬10) في الأصل: وقد. وهو تصحيف والمثبت من: س، ط، والرد على الجهمية. (¬11) في الأصل: تقولون. وفي س: تقول. والمثبت من: ط، والرد على الجهمية. . وفيه: قد كان. (¬12) في الرد على الجهمية: قد كان.

لهم مثلًا في (¬1) ذلك فقلنا لهم (¬2): أخبرونا عن هذه النخلة أليس لها جذع (¬3) وكرب وليف وسعف وخوص وجمار؟ واسمها اسم واحد، سميت (¬4) نخلة بجميع صفاتها، فكذلك الله -جل ثناؤه- وله المثل الأعلى بجميع صفاته إله واحد، لا نقول: إنه قد كان في وقت من الأوقات ولا قدرة له حتى خلق قدرة (¬5)، والذي ليس له قدرة هو عاجز، ولا نقول: إنه (¬6) قد كان في وقت من الأوقات ولا علم له حتى خلق فعلم (¬7)، والذي لا يعلم فهو (¬8) جاهل، ولكن نقول: لم يزل الله قادرًا عالمًا مالكًا (¬9) لا متى ولا كيف؟ وقد سمى الله رجلًا كافرًا اسمه الوليد بن المغيرة المخزومي فقال: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} (¬10) وقد كان لهذا (¬11) الذي سماه الله (وحيدًا) عينان (¬12) وأذنان ولسان وشفتان ويدان ورجلان، وجوارح كثيرة، فقد سماه الله (وحيدًا) بجميع صفاته، فكذلك الله وله المثل الأعلى، هو بجميع صفاته إله واحد (¬13). ¬

_ (¬1) في الرد على الجهمية:. . لهم في ذلك مثلًا. . (¬2) "لهم" ساقطة من: الرد على الجهمية. (¬3) في س، ط: جذوع. (¬4) في الرد على الجهمية:. . . شيء واحد وسميت. . . (¬5) في الرد على الجهمية:. . له قدرة. . (¬6) إنه: ساقطة من: الرد على الجهمية. (¬7) في الرد على الجهمية:. . خلق له علمًا فعلم. (¬8) في الرد على الجهمية: هو. (¬9) مالكًا: ساقطة من: الرد على الجهمية. (¬10) سورة المدثر، الآية: 11. (¬11) في ط: أو قد كان. . . وفي الرد على الجهمية، وقد كان هذا. (¬12) في الرد على الجهمية: له عينان. (¬13) انتهى كلام الإمام أحمد -رحمه الله.

ذكر الأشعري لاختلاف المعتزلة في أن الباري متكلم

وكذلك ذكر الأشعري في المقالات (¬1) اختلاف المعتزلة في أن الباري متكلم فقال: (اختلفت المعتزلة في ذلك، فمنهم من أثبت الباري متكلمًا، ومنهم من امتنع أن يثبت الباري متكلمًا، وقال: لو أثبته (¬2) متكلمًا لثبته (¬3) منفعلًا (¬4)، والقائل لهذا (¬5) الإسكافي (¬6) وعباد بن سليمان (¬7)). قلت: وأما نقل أبي الحسين البصري (¬8) اتفاق المسلمين على أن ¬

_ (¬1) مقالات الإسلاميين 1/ 262. (¬2) في س: ولو قال: لو ثبته. وفي ط: ولو قال: ولو أثبته. وفي المقالات:. . . ثبته. . (¬3) في ط: لأثبته. (¬4) في س، ط: منفصلًا. وفي المقالات: متفعلًا. (¬5) في المقالات: بهذا. (¬6) هو: أبو جعفر محمد بن عبد الله السمرقندي الإسكافي، من متكلمي المعتزلة وأحد أئمتهم، تنسب إليه الطائفة الإسكافية منهم، أعجب به المعتصم كثيرًا فأدناه وأجزل له عطاءه، له مناظرات مع الكرابيسي وغيره. توفي سنة 240 هـ. انظر: الأنساب -للسمعاني 1/ 234، 235. وسير أعلام النبلاء -للذهبي 10/ 550، 551. والأعلام -للزركلي 7/ 92. (¬7) هو: أبو سهل عباد بن سليمان البصري المعتزلي، من أصحاب هشام الفوطي، خالف المعتزلة في أشياء كثيرة اخترعها لنفسه، وله كتب عديدة في الاعتزال وكان في أيام المأمون، وهو من الطبقة السابعة من المعتزلة، قال عنه أبو الحسين الملطي: كان أحد المتكلمين فملأ الأرض كتبًا وخلافًا وخرج عن حد الاعتزال إلى الكفر والزندقة. راجع: لسان الميزان -لابن حجر 3/ 229، 230. وسير أعلام النبلاء -للذهبي 10/ 551، 552. والتنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع -للملطي - ص: 39. (¬8) هو: أبو الحسين محمد بن علي بن الطيب البصري المتكلم على مذهب =

الباري متكلم، ونقل من أخذوا ذلك عنه كالرازي (¬1) وغيره فليس بمستقيم، فإن أبا الحسين كان يأخذ ما يذكره مشايخه البصريون وما نقلوه، وهؤلاء يوافقون [المسلمين على إطلاق القول بأن الله متكلم فيوافقون] (¬2) أهل الإيمان في اللفظ، وهم في المعنى قائلون بقول من نفى ذلك، فإذا ذكر الإجماع على هذا الإطلاق (¬3)، ظن المستمع ¬

_ = المعتزلة، وهو أحد أئمتهم الأعلام المشار إليه في هذا الفن، قال عنه ابن حجر: ليس بأهل للرواية. له تصانيف منها: شرح الأصول الخمسة. توفي ببغداد سنة 436. راجع: وفيات الأعيان -لابن خلكان 4/ 271. ولسان الميزان -لابن حجر 5/ 298. والأعلام- للزركلي 7/ 161. (¬1) أبو الحسين له كتاب المعتمد -وهو كتاب كبير منه أخذ الرازي كتاب المحصول. راجع: وفيات الأعيان -لابن خلكان 4/ 271. وقد تكلم الرازي -في المحصول 1/ 1 / 235، 236، تحقيق د. طه جابر فياض- عن ماهية الكلام فقال: "اعلم أن لفظة الكلام عند المحققين -منا- تقال بالاشتراك على المعنى القائم بالنفس، وعلى الأصوات المتقطعة المسموعة. ثم أوضح القسم الأول في كتابه: محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين. . . مراجعة طه عبد الرؤوف ص: 172 - 174، فعقد لذلك مسألة قال فيها: "اتفق المسلمون على إطلاق لفظ المتكلم على الله تعالى، ولكنهم اختلفوا في معناه. . . ". وذكر احتجاج أصحابه بأن الله متكلم بكلام النفس غير متكلم بالكلام الذي هو الحروف والأصوات. وناقش المعتزلة لإنكارهم هذه الماهية. (¬2) ما بين المعقوفتين: ساقط من: س. (¬3) في س: لإطلاق.

ما ذكره أبو الشيخ الأصبهاني في كتاب السنة

لذلك (¬1) أن التنازع (¬2) في تفسير (¬3) اللفظ كالنزاع في تفسير (¬4) بعض آيات القرآن وليس كذلك، بل النفاة حقيقة قولهم نفي أن يكون الله متكلمًا كما يصرح بذلك من يصرح منهم، ولكن وافقوا المسلمين على إطلاق اللفظ، نفاقًا من زنادقتهم، وجهلًا من سائرهم. وهذا الذي بينه الإمام أحمد هو محض السنة وصريحها الذي كان عليه أئمتها، وقد خلصه تخليصًا لا يعرف قدره إلا خواص الأمة الذين يعرفون مزال أقدام الأذكياء الفضلاء في هذه المهمة الغبراء، حتى كثر بين الفرق من الخصومات والأهواء، وسائر الناس يقولون بذلك من وجه دون وجه. قال الحافظ أبو الشيخ الأصبهاني (¬5): في كتاب السنة (¬6) قرأت كتاب شاكر عن أبي زرعة (¬7) قال: إن الذي عندنا أن القوم لم يزالوا ¬

_ (¬1) في الأصل: ذلك. والمثبت من: س، ط. (¬2) في ط: النزاع. (¬3) في س، ط: تغيير. (¬4) في س، ط: تغيير. (¬5) تقدم التعريف به ص: 166. (¬6) ذكر هذا الكتاب خير الدين الزركلي في الأعلام 4/ 264 ضمن آثار ابن الشيخ دون ذكر أية معلومات عنه. أما الكتب التي تهتم بهذا الأمر فلم تشر إليه ككشف الظنون وهدية العارفين ومعجم المؤلفين، وتاريخ التراث العربي -لسزكين. لكن تاريخ الأدب العربي -لبروكلمان- ذكر أن كتاب عظمة الله ومخلوقاته -والذي تذكره المصادر التي كتبت عن أبي الشيخ- يبحث أكثر ما يبحث في السنة لكن هل هو أو لا؟ هذا ما لم أصل إليه. وشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- ذكر هذا المؤلف لأبي الشيخ في: درء تعارض العقل والنقل 7/ 108، كما ذكره ابن القيم في زاد المعاد 3/ 56. (¬7) هو: عبيد بن عبد الكريم بن يزيد بن فروخ الرازي، أحد الأئمة الحفاظ، ومحدث =

تعليق الشيخ عليه

يعبدون خالقًا كاملًا بصفاته (¬1)، ومن زعم أن الله كان ولا علم ثم خلق علمًا فعلم بخلقه، أولم يكن متكلمًا فخلق كلامًا ثم تكلم به، أو لم يكن سميعًا بصيرًا ثم خلق سمعًا وبصرًا فقد نسبه إلى النقص، وقائل هذا كافر، ولم يزل الله كاملًا بصفاته لم يحدث فيه صفة ولا تزول عنه صفة قبل أن يخلق الخلق، وبعدما خلق الخلق كاملًا بصفاته، فمن وجه أن الرب -تبارك وتعالى- يتكلم كيف يتكلم بشفتين ولسان، وتبدو (¬2) لهواته (¬3) فهذه (¬4) السماوات والأرض قال لها (¬5): {ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} (¬6) أفهاهنا شفتان ولسان ولهوات؟ قلت: أبو زرعة الرازي كان يشبّه بأحمد بن حنبل، في حفظه وفقهه ودينه ومعرفته، وأحمد كان عظيم الثناء عليه وداعيًا له، وهذا المعنى الذي ذكره هو في كلام الإمام أحمد في مواضع، كما ذكره الخلال في كتاب السنة عن حنبل، وقد ذكره حنبل في كتبه مثل: كتاب السنة والمحنة (¬7) لحنبل. ¬

_ = الري، روى عنه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وغيرهم. يقول ابن أبي شيبة: ما رأيت أحفظ من أبي زرعة. ولد سنة 200 هـ، وتوفي سنة 264 هـ. راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 10/ 326 - 327. وتذكرة الحفاظ -للذهبي 2/ 557، 558. وتهذيب التهذيب -لابن حجر 7/ 30 - 33. (¬1) في س، ط: لصفاته. (¬2) تبدو: بياض في: س، وساقطة من: ط. (¬3) اللهوات: جمع لهات، وهي أقصى الفم. راجع: لسان العرب -لابن منظور 15/ 262 (لها). (¬4) في الأصل، س: فهذا. والمثبت من: ط. (¬5) في س، ط: لهما. (¬6) سورة فصلت، الآية: 11. (¬7) لعله كتاب "المحنة" أو "محنة ابن حنبل" الذي أشارت إليه الكتب التي ترجمت لحنبل بن إسحاق، والكتاب مطبوع بتحقيق محمد نغش- القاهرة 1397 ويتكون من 118 صفحة، والنقول التي ذكرها الشيخ عن حنبل لم أجدها =

قول حنبل بن إسحاق

قال حنبل: سألت أبا عبد الله عن الأحاديث التي تروي أن الله -تبارك وتعالى- ينزل إلى سماء الدنيا، وأن الله يرى، وأن الله يضع قدمه، وما أشبه هذه الأحاديث، فقال أبو عبد الله: نؤمن بها ونصدق بها، ولا كيف؟ ولا معنى ولا نرد منها شيئًا، ونعلم أن ما جاء به الرسول حق إذا (¬1) كانت بأسانيد صحاح، ولا نرد على الله قوله، ولا يوصف (¬2) الله -تبارك وتعالى- بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية ليس كمثله شيء. وقال حنبل في موضع آخر، قال: ليس كمثله شيء في ذاته، كما (¬3) وصف به نفسه، وقد (¬4) أجمل تبارك وتعالى بالصفة لنفسه فحد لنفسه صفة: ليس يشبهه شيء، فنعبد الله بصفاته، غير محدودة ولا معلومة إلا بما وصف به نفسه، قال الله -تبارك وتعالى-: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (¬5). ¬

_ = في هذا الكتاب المطبوع، والذي يظهر أنه جزء من كتاب "المحنة". قال المحقق في المقدمة: ". . إذن ما زالت مشكلات التحقيق قائمة لعدم وجود الجزء الأول من المحنة". راجع: هدية العارفين -للبغدادي- 1/ 338. ومعجم المؤلفين -لكحالة 4/ 86. والأعلام- للزركلي 2/ 321، 322. وتاريخ التراث العربي لسزكين 1/ 3 / 230، 231. وانظر: عن طباعته الفهرس الموحد الذي أعده قسم الفهرسة والتصنيف بجامعة الإمام. . . 2/ 1018. (¬1) في س: إذ. (¬2) في الأصل: نوصف. والمثبت من: س، ط. (¬3) في الأصل: "وكما". والمثبت من: س، ط. (¬4) في الأصل: "قد". والمثبت من: س، ط. (¬5) سورة الشورى، من الآية: 11.

قال حنبل في موضع آخر: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (¬1) بلا حد ولا تقدير، ولا يبلغه (¬2) الواصفون. وصفاته منه وله ولا نتعدى القرآن والحديث، فنقول كما قال ونصفه كما وصف نفسه ولا نتعدى ذلك ولا تبلغه صفة الواصفين (¬3)، نؤمن بالقرآن كله محكمه ومتشابهه، ولا نزيل عنه صفة من صفاته -بشناعة شنعت- (¬4) ووصفًا وصف به نفسه من كلام ونزول (¬5) وخلوة بعبده يوم القيامة، ووضعه كنفه (¬6) عليه، هذا كله يدل على أن الله -تبارك وتعالى- يرى في الآخرة (¬7)، والتحديد في هذا بدعة، والتسليم لله بأمره بغير صفة ولا حد، إلّا بما وصف به نفسه سميع بصير لم يزل متكلمًا عليمًا (¬8) غفورًا عالم الغيب والشهادة علام ¬

_ (¬1) {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} زيادة من: س، ط. (¬2) في الأصل، س: "يبلغ". والمثبت من: ط. (¬3) في الأصل: "الواصفون". والمثبت من: س، ط. (¬4) في الأصل: "بشفاعة شفعت". ولعله خطأ من الناسخ. والمثبت من: س، ط. (¬5) في س: "ونزوله". (¬6) كنف الله: رحمته وستره. راجع: لسان العرب 9/ 308 (كنف). ووضع الرب كنفه على عبده ثابت، فقد روى البخاري في صحيحه 7/ 89 كتاب الأدب -باب ستر المؤمن على نفسه- عن صفوان بن محرز أن رجلًا سأل ابن عمر كيف سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في النجوى، قال: "يدنو أحدكم من ربه حتى يضع كنفه عليه، فيقول: عملت كذا وكذا، فيقول: نعم، ويقول: عملت كذا وكذا، فيقول: نعم، فيقرره، ثم يقول: إني سترت عليك في الدنيا فأنا أغفرها لك اليوم". ورواه مسلم بلفظ آخر في صحيحه 4/ 2120 كتاب التوبة -باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله. الحديث رقم 52. (¬7) راجع ص: 255. (¬8) في س، ط: "عالمًا".

الغيوب، فهذه صفات وصف بها نفسه لا ترد ولا تدفع (¬1)، وهو على العرش بلا حد، كما قال تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (¬2) كيف شاء، المشيئة إليه -عزَّ وجلَّ- والاستطاعة له، ليس كمثله شيء، وهو خالق كل شيء، وهو كما وصف نفسه سميع بصير بلا حد ولا تقدير، [وقال تعالى حكاية عنه] (¬3) قول إبراهيم لأبيه: {لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ} (¬4) فثبت أن الله سميع بصير، فصفاته منه لا نتعدى القرآن والحديث، والخبر بضحك الله (¬5)، ولا نعلم كيف ذلك إلّا بتصديق الرسول ¬

_ (¬1) في الأصل: لا نرد ولا ندفع. والمثبت من: س، ط. (¬2) سورة الأعراف، الآية: 54. (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من: ط. وبياض بقدر كلمة في الأصل. وبياض بقدر أربع كلمات في: س. (¬4) سورة مريم، الآية: 42. (¬5) الأخبار الثابتة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في إثبات الضحك لله تعالى كثيرة، أذكر منها ما يروى عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة، يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل ثم يتوب الله على القاتل فيستشهد". راجع: صحيح البخاري 3/ 210 كتاب الجهاد- باب الكافر يقتل المسلم ثم يسلم فيسدد بعد ويقتل. ورواه مسلم في صحيحه 3/ 1504 كتاب الإمارة -باب بيان الرجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة. بلفظ قريب من لفظ البخاري وإثبات الضحك لله تعالى مذهب أهل الحق من غير كيف، بل يثبتون له هذه الصفة على الوجه الذي وردت به النصوص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير تكييف ولا تمثيل (ليس كمثله شيء). يقول محمد بن الحسين الآجري، في كتابه "الشريعة ص: 277 " تحت باب الإيمان بالله -عزَّ وجلَّ- يضحك: "اعلموا -وفقنا الله وإياكم للرشاد من القول والعمل- أن أهل الحق يصفون الله عزَّ وجلَّ بما وصف به نفسه -عزَّ وجلَّ- وبما وصفه به رسوله - صلى الله عليه وسلم - وبما وصفه به الصحابة -رضي الله عنهم- وهذا مذهب العلماء ممن اتبع ولم يبتدع، ولا يقال فيه: كيف؟ بل التسليم له، والإيمان به: أن الله -عزَّ وجلَّ- =

وتثبيت (¬1) القرآن، لا يصفه الواصفون ولا يحده أحد، تعالى الله عما يقوله (¬2) الجهمية والمشبهة. قلت له: والمشبهة ما يقولون؟ قال: من قال بصر كبصري، ويد كيدي -وقال حنبل في موضع آخر: وقدم كقدمي- فقد شبه الله بخلقه، وهذا يحده، وهذا كلام سوء، وهذا محدود، الكلام في هذا لا أحبه. قال عبد الله: جردوا القرآن (¬3). وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يضع قدمه" (¬4) نؤمن به ولا نحده ولا نرده على ¬

_ = يضحك. كذا روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن صحابته -رضي الله عنهم- فلا ينكر هذا إلّا من لا يحمد حاله عند أهل الحق. . ". ثم ذكر -رحمه الله- الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عن عدد من الصحابة من طرق مختلفة. ثم قال بعد إيرادها ص: 284: "هذه السنن كلها نؤمن بها ولا نقول فيها: كيف؟ والذين نقلوا هذه السنن، هم الذين نقلوا إلينا السنن في الطهارة، وفي الصلاة، وفي الزكاة والصيام والحج والجهاد وسائر الأحكام من الحلال والحرام، فقبلها العلماء منهم أحسن قبول، ولا يرد هذه السنن إلّا من يذهب مذهب المعتزلة، فمن عارض فيها أوردها أو قال: كيف؟ فاتهموه واحذروه". (¬1) في ط: وتبيين. (¬2) في س، ط: يقول. (¬3) يعني: عبد الله بن مسعود، وتتمة قوله: ". . . ولا تكتبوا فيه شيئًا إلا كلام الله". راجع: السنة: لعبد الله بن أحمد بن حنبل ص: 23. (¬4) رواه البخاري في صحيحه 6/ 47 تفسير سورة (ق) - باب قوله: {وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} عن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يلقى في النار وتقول هل من مزيد؟ حتى يضع قدمه فتقول قط قط". ورواه الترمذي بلفظ آخر عن أنس بن مالك 5/ 390 - كتاب تفسير القرآن - باب ومن سورة (ق) - الحديث رقم 3272.

رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بل نؤمن به، قال الله -تبارك وتعالى-: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (¬1)، فقد أمرنا الله -عزَّ وجلَّ- بالأخذ بما جاء، والنهي عما نهى، وأسماؤه وصفاته غير مخلوقة، ونعوذ بالله من الزلل والارتياب والشك، إنه على كل شيء قدير. قال الخلال: وزادني (¬2) أبو القاسم ابن (¬3) الجبلي (¬4) عن (¬5) حنبل في هذا الكلام، وقال تبارك وتعالى: {لَا إِلَهَ إلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (¬6) {لَا إِلَهَ إلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ} (¬7) هذه صفات الله عزَّ وجلَّ وأسماؤه تبارك وتعالى. وقد روى البخاري في صحيحه (¬8) عن سعيد بن جبير (¬9) عن ابن ¬

_ (¬1) سورة الحشر، الآية: 7. (¬2) في الأصل، ط: وناداني، والمثبت من: س. (¬3) في ط: أين. (¬4) هو: أبو القاسم إسحاق بن إبراهيم المعروف بابن الجبلي، كان يفتي الناس بالحديث، يقول عنه الخطيب البغدادي: كان يذكر بالفهم ويوصف بالحفظ، ولد سنة 212 هـ، وتوفي سنة 281 هـ. راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 6/ 378. والوافي بالوفيات -للصفدي 8/ 395. وسير أعلام النبلاء -للذهبي 13/ 343، 344. (¬5) في ط: من. (¬6) سورة البقرة، الآية: 255. (¬7) سورة الحشر، الآية: 23. (¬8) صحيح البخاري 6/ 35، 36 - تفسير سورة (حم السجدة). (¬9) هو: أبو محمد سعيد بن جبير بن هشام الأسدي مولاهم الكوفي، أحد الأعلام، الحافظ المقرئ المفسر الشهيد، يقول ابن حجر: قال أبو القاسم الطبري، هو ثقة إمام حجة على المسلمين. . مات مقتولًا على يد الحجاج سنة 95 هـ رحمه الله. راجع: الطبقات الكبرى -لابن سعد 6/ 256 - 267. وسير أعلام النبلاء للذهبي 4/ 321 - 342. وتهذيب التهذيب -لابن حجر 4/ 11 - 14.

عباس قال: قال رجل (¬1) لابن عباس: إني أجد في القرآن أشياء تختلف علي، قال: {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} (¬2) {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} (¬3)، {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} (¬4)، {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} (¬5) فقد كتموا في هذه الآية، وقال: {أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} إلى قوله: {دَحَاهَا} (¬6)، فذكر خلق السماء قبل خلق الأرض، ثم قال: {أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا} إلى {طَائِعِينَ} (¬7)، فذكر في هذه الآية خلق الأرض قبل السماء، وقال: وكان الله غفورًا رحيمًا، وكان الله (¬8) عزيزًا حكيمًا، وكان الله (4) سميعًا بصيرًا، فكأنه كان، ثم مضى. فقال: لا أنساب (¬9) في النفخة الأولى: ثم نفخ (¬10) في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، فلا أنساب بينهم (¬11) عند ذلك ولا يتساءلون. ثم في النفخة الآخرة أقبل بعضهم على بعض يتساءلون. ¬

_ (¬1) قال العيني في عمدة القاري 19/ 150: الظاهر أنه نافع بن الأزرق الذي صار بعد ذلك رأس الأزارقة من الخوارج، وكان يجالس ابن عباس بمكة ويسأله ويعارضه. (¬2) سورة المؤمنون، الآية: 101. (¬3) سورة الصافات، الآية: 27. (¬4) سورة النساء، الآية: 42. (¬5) سورة الأنعام، الآية: 23. (¬6) سورة النازعات، الآيات: 27 - 30. (¬7) سورة فصلت، الآيات: 9 - 11. {وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا} لم ترد في: س، ط، صحيح البخاري. (¬8) وكان الله: لم ترد في: س، ط، صحيح البخاري. (¬9) في صحيح البخاري: فلا أنساب بينهم. (¬10) في الأصل، س: نفح. وفي ط: ونفح. والمثبت من: صحيح البخاري. (¬11) بينهم: زيادة من: صحيح البخاري.

وأما قوله: {مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} (¬1) {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} (¬2) فإن الله يغفر (¬3) لأهل الإخلاص ذنوبهم [و] (¬4) قال المشركون تعالوا نقول (¬5): لم نكن (¬6) مشركين، فختم على أفواههم فتنطق أيديهم، فعند ذلك عرف (¬7) أن الله لا يكتم حديثًا وعنده {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} (¬8) الآية، وخلق الأرض في يومين، ثم خلق السماء، ثم استوى إلى السماء فسواهن في يومين آخرين، ثم دحا الأرض، ودحيها (¬9) أن أخرج منها الماء والمرعى، وخلق الجبال (¬10) والآكام وما بينهما في يومين آخرين، فخلقت (¬11) الأرض وما فيها من شيء في أربعة أيام، وخلقت السموات في يومين، وكان الله غفورًا رحيمًا، سمى نفسه بذلك (¬12)، وذلك قوله: إني (¬13) لم أزل كذلك، فإن الله لم يرد شيئًا إلّا أصاب به الذي أراد، فلا يختلف عليك القرآن فإن كلًّا من عند الله. هكذا رواه البخاري مختصرًا. ¬

_ (¬1) سورة الأنعام، الآية: 23. (¬2) سورة النساء، الآية: 42. (¬3) في ط: "لا يغفر". وهذا تحريف. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: صحيح البخاري. (¬5) في ط: نقل. (¬6) في الأصل: ما كنا. والمثبت من: س، ط، وصحيح البخاري. (¬7) في ط: عرفوا. (¬8) سورة النساء، الآية: 42. (¬9) في س، ط: ودحاها. وفي صحيح البخاري: ودحوها. (¬10) في صحيح البخاري: الجبال والجمال. (¬11) في صحيح البخاري: فذلك قوله (دحاها) وقوله (خلق الأرض في يومين فجعلت الأرض. . . (¬12) في س، ط، صحيح البخاري: ذلك. (¬13) في صحيح البخاري: أي.

ورواه البرقاني في صحيحه (¬1) من الطريق التي (¬2) أخرجها البخاري بعينها من طريق شيخ البخاري (¬3) بعينه بألفاظه التامة (¬4) أن ابن عباس جاءه رجل فقال: يا ابن عباس إني أجد في القرآن أشياء تختلف علي، فقد وقع ذلك (¬5) في صدري، فقال ابن عباس: أتكذيب (¬6)؟ فقال الرجل: ¬

_ (¬1) تقدم التعريف بالبرقاني، ولم أجد له كتابًا باسم "صحيح البرقاني" وإنما الذي أشارت إليه المصادر التي تهتم بهذا الشأن أن له مسندًا ضمنه ما اشتمل عليه صحيح البخاري ومسلم لا يزال مخطوطًا، وتقدم عليه الكلام ص: 146. كما أن له: "التخريج لصحيح الحديث" وهو مخطوط أيضًا، ولعل المذكور أحد هذين الكتابين ورمز له الشيخ بـ "الصحيح" اختصارًا. راجع: هدية العارفين -للبغدادي 1/ 74. وتاريخ الأدب العربي- لبروكلمان - 3/ 161. وتاريخ التراث العربي -لسزكين- المجلد الأول 1/ 474. ومعجم المؤلفين 2/ 74. والأعلام -للزركلي- 1/ 205. (¬2) في س، ط: الذي. (¬3) هو: يوسف بن عدي بن زريق بن إسماعيل. الإمام الثقة الحافظ أبو يعقوب التميمي الكوفي. توفي سنة 222 هـ. قال الذهبي: وليس ليوسف في صحيح البخاري سوى حديث طويل حدث به أبو إسحاق بن الدرجي وأجازه لي عن أبي جعفر الصيدلاني وجماعة، ثم ذكر سنده إلى أن انتهى بابن عباس وساق طرفًا من الحديث. راجع: سير أعلام النبلاء -للذهبي 10/ 484 - 487. (¬4) ذكر هذا الأثر ابن حجر من الطريق الذي أشار إليه الشيخ رحمه الله في تغليق التعليق 4/ 301 - تحقيق سعيد عبد الرحمن القزقي وقال: إن البرقاني ذكره موصولًا في كتاب المصافحة، لكن ابن حجر لم يذكره بطوله، بل اكتفى بذكر سنده وجزء منه. كما روى الأثر بتمامه يعقوب بن سفيان الفسوي في كتابه: "المعرفة والتاريخ" وقد أشار الشيخ -رحمه الله- إلى ذلك بعد إكماله لنقل الأثر. كما سيأتي ص: 327. (¬5) ذلك: ساقطة من: تغليق التعليق. (¬6) في تغليق التعليق: تكذيب.

ما هو بتكذيب ولكن اختلاف، قال (¬1): فهلم ما وقع في نفسك، فقال له الرجل: أسمع الله يقول: {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} (¬2)، وقال في آية أخرى: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} (¬3)، وقال في آية أخرى: {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} (¬4)، وقال في آية أخرى {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} (¬5)، فقد كتموا في هذه الآية، وفي قوله: {أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا} (¬6)، فذكر في هذه الآية خلق السماء قبل الأرض، وقال في الآية الأخرى: {أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} (¬7) وقوله: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (¬8) {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} (¬9) {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} (¬10) وكأنه كان ثم انقضى، فقال ابن عباس: هات ما في نفسك من هذا، فقال السائل: إذا أنبأتني بهذا ¬

_ (¬1) في تغليق التعليق: قال ابن عباس. (¬2) سورة المؤمنون، الآية: 101. (¬3) سورة الصافات، الآية: 27. في جميع النسح: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ. .} وهو خطأ. (¬4) سورة النساء، الآية: 42. (¬5) سورة الأنعام، الآية: 23. (¬6) سورة النازعات، الآيات: 27 - 31. {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا} لم تذكر في: س، ط. (¬7) سورة فصلت، الآيات: 9 - 11. (¬8) سورة النساء، الآيات: 96، 100، 152. في س: "غفورًا حكيمًا" وهو خطأ. (¬9) سورة النساء، الآية: 158. (¬10) سورة النساء، الآية: 134.

فحسبي، قال ابن عباس: قوله فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون [فهذا في النفخة الأولى ينفخ في الصور فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلّا من شاء الله، فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون] (¬1) ثم إذا كان في النفخة الأخرى قاموا فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون، وأما قول الله -عزَّ وجلَّ-: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} (¬2) وقوله: {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} (¬3) فإن الله تعالى يغفر يوم القيامة (¬4) لأهل الإخلاص ذنوبهم لا يتعاظم عليه ذنب أن يغفره، ولا يغفر شركًا، فلما رأى (¬5) المشركون، قالوا: إن ربنا يغفر الذنوب ولا يغفر الشرك، تعالوا نقول: إنا كنا أهل ذنوب ولم نك (¬6) مشركين، فقال الله تعالى: أما إذا كتموا الشرك فأختم على أفواههم، فتنطق أيديهم وأرجلهم بما كانوا يكسبون، فعند ذلك عرف المشركون أن الله لا يكتم حديثًا فذلك قوله: {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} (¬7). وأما قوله: {أمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} (¬8) فإنه خلق الأرض في يومين قبل خلق السماء، ثم استوى إلى السماء فسواهن في يومين آخرين يعني: ثم دحى الأرض، ودحيها أن أخرج منها الماء والمرعى وشق فيها الأنهار وجعل ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من: س. (¬2) سورة الأنعام، الآية: 23. (¬3) سورة النساء، الآية: 42. (¬4) في س، ط:. . . تعالى يوم القيامة يغفر. (¬5) في س: رى. وهو تصحيف. (¬6) في س، ط: نكن. (¬7) سورة النساء، الآية: 42. (¬8) سورة النازعات، الآيات: 27 - 30.

فيها السبل، وخلق الجبال والرمال والآكام وما فيها، في يومين آخرين، فذلك قوله: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} (¬1)، وقوله: {أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} (¬2) وجعلت السماوات (¬3) في يومين آخرين. وأما قوله {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} (¬4) {غَفُورًا رَحِيمًا} (¬5) {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} (¬6) فإن الله جعل نفسه ذلك، وسمى نفسه ذلك، ولم ينحله أحدًا (¬7) غيره، وكان الله، أي: لم يزل كذلك، ثم قال ابن عباس: احفظ عني ما حدثتك واعلم أن ما اختلف عليك من القرآن أشباه ما حدثتك، فإن الله لم ينزل شيئًا إلّا أصاب به الذي أراد، ولكن الناس لا يعلمون، فلا يختلف عليك القرآن، فإن كلًّا من عند الله. وهكذا رواه يعقوب بن سفيان (¬8) في. . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) سورة النازعات، الآية: 30. (¬2) سورة فصلت، الآيتين: 9، 10. (¬3) في الأصل: السموات والأرض. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط، والمعرفة والتاريخ. (¬4) سورة النساء، الآية: 134. (¬5) سورة النساء، الآية: 96. (¬6) سورة النساء، الآية: 158. (¬7) في ط: أحد. وسوف يبين الشيخ في ص: 579 أن في قول ابن عباس هذا ما يدل على فساد قول الجهمية من وجوه، وذكرها. (¬8) هو: أبو يوسف يعقوب بن سفيان بن جوان الفارسي الفسوي، الإمام الحافظ روى عنه الترمذي والنسائي وابن خزيمة وغيرهم. قال أبو زرعة الدمشقي: قدم علينا من نبلاء الرجال يعقوب بن سفيان يعجز أهل العراق أن يرو مثله. توفي سنة 277 هـ. راجع: تذكرة الحفاظ -للذهبي 2/ 582، 583. البداية والنهاية -لابن كثير 11/ 68. تهذيب التهذيب -لابن حجر 11/ 385 - 388.

ما ذكره أئمة السنة والحديث من أن الله لم يزل كاملا بصفاته لم تحدث له صفة

تاريخه (¬1) عن شيخ البخاري، كما رواه البرقاني، وإنما يختلفان في يسير من الأحرف (¬2). وما ذكره أئمة السنة والحديث متعين (¬3) لما جاء من الأثار من أنه سبحانه لم يزل كاملًا بصفاته، لم تحدث له صفة ولا تزول عنه صفة ليس هو بمخالف لقولهم: إنه ينزل كما يشاء (¬4)، ويجيء يوم القيامة كما يشاء (¬5)، وإنه استوى على العرش بعد أن خلق السموات، وأنه يتكلم إذا ¬

_ (¬1) في س: نا تاريخه. وهو تصحيف. والأثر بتمامه في كتاب المعرفة والتاريخ -لأبي يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي 1/ 527 - 530. (¬2) في الأصل: بعد كلمة (الأحرف) بياض بمقدار أربع كلمات. وفي س: بياض بمقدار كلمتين، لكنه نهاية سطر. والكلام متصل في: ط. وفي الحاشية: قوله: "قف على تجدد الفعل ومنع تجدد الصفة". ولعل البياض المشار إليه: نهاية كلام. وبداية كلام آخر. (¬3) في الأصل: متبعين. والمثبت من: س، ط. ولعله المناسب للسياق. (¬4) سوف نبين قول السلف -رحمهم الله- في نزول الرب -سبحانه وتعالى- عند كلامنا على حديث النزول الذي أورده الشيخ -رحمه الله- في ص: 516. (¬5) الرب تبارك وتعالى -يجيء يوم القيامة لفصل القضاء بين الناس على ما يليق بجلاله وعظمته -سبحانه- ونزوله ومجيئه وإتيانه من أفعاله الاختيارية. وقد أنكر ذلك النفاة المعطلة من الجهمية والمعتزلة ومن نحا نحوهم ممن تبع هواه وقدم رأيه. وقد تصدى لهم أئمة الإسلام بالبيان والإيضاح على ضوء النصوص الواردة في ذلك. يقول ابن القيم -رحمه الله-: ". . . أن النزول والمجيء والإتيان والاستواء والصعود والارتفاع، كلها أنواع أفعاله، وهو الفعال لما يريد، وأفعاله كصفاته قائمة به، ولولا ذلك لم يكن فعالًا ولا موصوفًا بصفات كماله، فنزوله ومجيئه واستواؤه وارتفاعه وصعوده ونحو ذلك كلها أفعال من أفعاله التي إن كانت مجازًا فأفعاله كلها مجاز، ولا فعل له في الحقيقة، بل هو بمنزلة الجمادات وهذا =

شاء، وأنه خلق آدم بيديه (¬1)، ونحو ذلك من الأفعال القائمة ¬

_ = حقيقة من عطل أفعاله، وإن كان فاعلًا حقيقة فأفعاله نوعان: لازمة، ومتعدية كما دلت النصوص التي هي أكثر من أن تحصر على هذين النوعين، وبإثبات أفعاله وقيامها به تزول عنك جميع الإشكالات، وتصدق النصوص بعضها بعضًا وتعلم مطابقتها للعقل الصريح. وإن أنكرت حقيقة الأفعال وقيامها به -سبحانه- اضطرب عليك هذا الباب أعظم اضطراب، وبقيت حائرًا في التوفيق بين النصوص، وبين أصول النفاة، وهيهات لك بالتوفيق بين النقيضين، والجمع بين الضدين. يوضحه: أن الأوهام الباطلة، والعقول الفاسدة، لما فهمت من نزول الرب ومجيئه وإتيانه وهبوطه ودنوه ما يفهم من مجيء المخلوق وإتيانه وهبوطه ودنوه، وهو أن يفرغ مكانًا ويشغل مكانًا، نفت حقيقة ذلك فوقعت في محذورين: محذور التشبيه، ومحذور التعطيل، ولو علمت هذه العقول الضعيفة أن نزوله -سبحانه- ومجيئه وإتيانه لا يشبه نزول المخلوق وإتيانه ومجيئه، كما أن سمعه وبصره وعلمه وحياته كذلك، بل يده الكريمة ووجهه الكريم كذلك، وإذا كان نزولًا ليس كمثله نزول، فكيف تنفي حقيقته، فإن لم تنف المعطلة حقيقة ذاته وصفاته وأفعاله بالكلية، وإلّا تناقضوا، فإنهم أيَّ معنى أثبتوه لزمهم في نفيه ما ألزموا به أهل السنة المثبتين لله ما أثبت لنفسه، ولا يجدون إلى الفرق سبيلًا. راجع: مختصر الصواعق المرسلة -لابن القيم- اختصار الموصلي 2/ 228، 229. وانظر رأي السلف -رحمهم الله- في مسألة مجيء الله تعالى يوم القيامة، والرد على مخالفيهم في المصادر التالية: الرد على الجهمية -للدارمي ص: 44 - 53. رد الإمام الدارمي على بشر المريسي ص: 148، 149. مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 6/ 8 - 11. الروضة الندية شرح العقيدة الواسطية للشيخ زيد الفياض ص: 99 - 103. (¬1) الله -سبحانه وتعالى- خلق آدم بيديه. قال تعالى لإبليس {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ} سورة ص / 75. وفي الحديث: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "احتج آدم وموسى -عليهما السلام- عند ربهما، فحج آدم موسى قال موسى: أنت آدم الذي خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، وأسكنك في جنته". . الحديث. صحيح مسلم 4/ 2043 - كتاب القدر- باب =

الكلامية يقولون: لم يزل الله متكلما بمشيئته القديمة

بذاته (¬1)، فإن الفعل الواحد من هذه الأفعال ليس مما يدخل في مطلق صفاته، ولكن كونه بحيث يفعل إذا شاء هو صفته، والفرق بين الصفة والفعل ظاهر، فإن تجدد الصفة أو زوالها يقتضي تغير الموصوف واستحالته، ويقتضي تجدد كمال له بعد نقص، أو تجدد نقص له بعد كمال، كما في صفات (¬2) الموجودات كلها إذا حدث للموصوف ما لم يكن عليه من الصفات، مثل ما تجدد العلم بما لم يكن يعلمه، والقدرة على ما لم يكن يقدر عليه، ونحو ذلك، أو زال (¬3) عنه ذلك بخلاف الفعل، وهكذا يقوله طوائف من أهل الكلام المخالفين للمعتزلة والذين هم أقرب إلى السنة منهم من المرجئة والكرامية وطوائف من الشيعة، كما نقلوه (¬4) عن الكرامية، الذين يقولون: إنه تحله الحوادث من القول والإرادة والاستماع (¬5) والنظر، ويقولون مع ذلك: لم يزل الله متكلمًا، ¬

_ = حجاج آدم وموسى عليهما السلام- الحديث / 15. إلى غير ذلك من النصوص الصريحة الواضحة في خلق الله لآدم بيده، التي ذكر طرفًا منها الآجري في كتابه "الشريعة" ص: 323 - 325، وقال قبل ذكرها: "يقال للجهمي الذي ينكر أن الله -عزَّ وجلَّ- خلق آدم بيده: كفرت بالقرآن ورددت السنة، وخالفت الأمة". وقد عقد ابن منده -رحمه الله- في كتابه الرد على الجهمية ص: 68 - 72 بابًا قال فيه: "باب ذكر قول الله عزَّ وجلَّ: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}، ثم قال: ذكر ما يستدل من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - على أن الله -جل وعز- خلق آدم - عليه السلام - بيدين حقيقة". ثم أورد بعض الأحاديث الواردة في ذلك. (¬1) في الأصل: بذلك. والمثبت من: س، ط. (¬2) في الأصل: صفة. وأثبت المناسب من: س، ط. (¬3) في س: أو زوال. (¬4) في س، ط: نقلوا. (¬5) في س: الامتناع.

ولم يزل بمشيئته القديمة، ولم يزل سميعًا بصيرًا، أجمعوا على أن هذه الحوادث لا توجب لله سبحانه وصفًا، ولا هي صفات له سبحانه، والذين ينازعون في هذا من المعتزلة ومن اتبعهم من الأشعرية وغيرهم، فيقولون: لو قام فعل حادث بذات (¬1) القديم لا تصف به وصار الحادث صفة له، إذ لا معنى لقيام المعاني واختصاصها بالذوات إلا (¬2) كونها صفات لها (¬3)، فلو قامت الحوادث من الأفعال والأقوال والإرادات بذات القديم لا تصف بها كما اتصف بالحياة والقدرة والعلم والمشيئة، ولو اتصف بها لتغير (¬4)، والتغير عليه ممتنع، وهذا نزاع لفظي، فإن تسميته هذا صفة وتغيرًا لا يوافقهم الأولون عليه، وليست اللغة -أيضًا- موافقة عليه، فإنها لا تسمي قيام الإنسان وقعوده تغيرًا له، ولا يطلق القول بأنه صفة له، وإن أطلق ذلك فالنزاع اللفظي لا يضر إلّا إذا خولفت ألفاظ الشريعة، وليس في الشريعة ما يخالف ذلك، ولكن هؤلاء كثيرًا ما يتنازعون في الألفاظ المجملة المتشابهة، قد قيل: أكثر اختلاف العقلاء من جهة اشتراك الأسماء. قال الإمام أحمد (¬5) في وصف أهل البدع: "فهم مخالفون للكتاب (¬6) مختلفون في الكتاب، مجتمعون (¬7) على مفارقة الكتاب، يقولون على الله، وفي الله، وفي كتاب الله بغير علم، ويتكلمون ¬

_ = في ط: الاستمتاع. (¬1) في الأصل: بحال. والمثبت من: س، ط. (¬2) في الأصل: لا. والمثبت من: س، ط. (¬3) في الأصل: له. والمثبت من: س، ط. (¬4) في س، ط: لتغير بها. (¬5) الرد على الجهمية والزنادقة -للإمام أحمد- ص: 85، 86. (¬6) في ط: الكتاب. (¬7) في الرد على الجهمية: فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب مجمعون. .

بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم". والذي يبين أن مجرد الحركة في الجهات ليس تغيرًا ما ثبت في صحيح مسلم (¬1) عن أبي سعيد (¬2) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان". فأمر بتغيير المنكر باليد أو اللسان، ومعلوم أن تغير المنكر هو: ما يخرجه عن أن يكون منكرًا، وذلك لا يحصل إلّا بإزالة صورته وصفته لا بتحريكه من حيز إلى حيز، فتغيير (¬3) الخمر لا يحصل بمجرد نقلها من حيز إلى حيز، بل بإراقتها أو إفسادها مما فيه استحالة صورتها (¬4)، وكذلك من رأى من يقتل غيره، لم يكن تغيير ذلك بمجرد النقل الذي ليس فيه زوال صورة القتل، بل لا بد من زوال صورة القتال، وكذلك الزانيان (¬5) وكذلك المتكلم بالبدعة، والداعي ليس تغيير هذا المنكر بمجرد التحويل من حيز إلى حيز، وأمثال ذلك كثيرة، فإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) صحيح مسلم 1/ 69 كتاب الأيمان -باب بيان كون النهي عن المنكر من الأيمان الحديث 78. وانظر: سنن الترمذي 4/ 469، 470 كتاب الفتن- باب ما جاء في تغيير المنكر باليد أو باللسان أبو بالقلب. الحديث 2172. وراجع: مسند الإمام أحمد 3/ 20، 49. (¬2) هو: أبو سعيد الخدري: سعد بن مالك بن سنان الأنصاري الخزرجي، مشهور بكنيته، من أعيان الصحابة وفقهائهم، شهد الخندق وبيعة الرضوان وغيرهما، توفي سنة 74 هـ. راجع: تذكرة الحفاظ -للذهبي- 1/ 44. والإصابة في تمييز الصحابة -لابن حجر- 2/ 35. وشذرات الذهب -لابن العماد- 1/ 81. (¬3) في س: فتغير. (¬4) في س: صورته. (¬5) في س: الزانيات.

خلاف أصحاب الإمام أحمد في معنى القرآن غير مخلوق

قد أمر بتغيير المنكر، وذلك لا يحصل -قط- بمجرد النقل في الأحياز والجهات، إذ الأحياز والجهات متساوية، فهو منكر هنا (¬1)، كما أنه منكر هناك (¬2)، علم أن هذا لا (¬3) يدخل في مسمى التغيير، بل لا بد في التغيير من إزالة صورة موجودة، وأن ذلك قد يحصل بالنقل، لكن الغرض أن مجرد الحركة كحركة الشمس والقمر والكواكب لا يسمى تغييرًا، بخلاف ما يعرض للجسد من الخوف والمرض والجوع، ونحو ذلك، مما يغير صفته. قلت: وفي هذا الكلام الذي ذكره الإمام أحمد رد على الطائفتين المختلفتين في معنى قول أحمد وسائر السلف في معنى: أن القرآن غير مخلوق، هل المراد أنه قديم لازم لذاته، لا يتعلق بالمشيئة والقدر كالعلم أو المراد أنه لم يزل متكلمًا؟. كما يقال: لم يزل خالقًا، وقد ذكر الخلاف في ذلك عن أصحاب الإمام أحمد أبو بكر عبد العزيز (¬4) في ¬

_ (¬1) في س: هذا. (¬2) في الأصل، س: هنا. والمثبت من: ط. (¬3) في س: له. (¬4) هو: أبو بكر عبد العزيز بن جعفر بن أحمد البغوي، المعروف بغلام الخلال، من أعيان الحنابلة، كان تلميذًا لأبي بكر الخلال. يقول عنه القاضي أبو يعلى: كان أحد أهل الفهم، موثوقًا به في العلم، متسع الرواية، مشهورًا بالديانة، موصوفًا بالأمانة، مذكورًا بالعبادة، ولد سنة 285، وتوفي سنة 363 هـ. راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 10/ 459، 460. وطبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 2/ 119 - 127. والبداية والنهاية -لابن كثير 11/ 311.

كتاب المقنع (¬1)، وذكره عنه (¬2) القاضي أبو يعلى في كتاب "البيان في القرآن" (¬3)، مع أن القاضي وأتباعه يقولون بالقول الأول، ويتأولون كلام أحمد المخالف لذلك على الأسماع ونحوه، وليس الأمر كذلك. ¬

_ (¬1) كتاب المقنع لأبي بكر، في الفقه، أشارت إليه المصادر السابقة. يقول ابن الجوزي في المنتظم 7/ 72: ". . له المصنفات الحسنة منها المقنع نحو مائة جزء". ولم يذكره بروكلمان في تاريخ الأدب العربي، ولا سزكين في تاريخ التراث العربي ضمن آثار أبي بكر. وذكر الشيخ -رحمه الله- القولين عن أبي بكر في كتابه درء تعارض العقل والنقل 2/ 74، فقال: قال أبو بكر لما سأله: "إنكم إذا قلتم: لم يزل متكلمًا، كان ذلك عبثًا، فقال: لأصحابنا قولان: أحدهما: أنه لم يزل متكلمًا كالعلم، لأن ضد الكلام الخرس، كما أن ضد العلم الجهل. قال: ومن أصحابنا من قال: قد أثبت -سبحانه- لنفسه أنه خالق، ولم يجز أن يكون خالقًا في كل حال، بل قلنا: إنه خالق في وقت إرادته أن يخلق، وإن لم يكن خالقًا في كل حال، ولم يبطل أن يكون خالقًا، كذلك وإن لم يكن متكلمًا في كل حال لم يبطل أن يكون متكلمًا، بل هو متكلم خالق، وإن لم يكن خالقًا في كل حال ولا متكلمًا في كل حال. (¬2) في الأصل: عند. وفي س: عن. والمثبت من: ط. (¬3) هو: كتاب "إيضاح البيان في مسألة القرآن" للقاضي أبي يعلى، وقد أشار إليه الشيخ -رحمه الله- في كتابه "درء تعارض العفل والنقل 2/ 74. والشيخ -رحمه الله- كثيرًا ما يختصر اسم الكتاب، وهذا ما أوقعني في حرج عندما أريد التعريف بالكتاب. وقد ذكر -رحمه الله- قول القاضي أبي يعلى في هذه المسألة.

هذه المسألة هي التي وقعت الفتنة بها بين ابن خزيمة وبعض أصحابه

وهذه المسألة هي التي وقعت الفتنة بها بين الإمام أبي بكر بن خزيمة (¬1) وبعض أصحابه (¬2). ¬

_ (¬1) هو: أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة بن بكر السلمي النيسابوري الشافعي، الملقب بإمام الأئمة، بحر من بحور العلم، صاحب التصانيف حدث عنه البخاري ومسلم في غير الصحيحين. قال عنه الدارقطني: "كان ابن خزيمة إمامًا ثبتًا معدوم النظير". ولد سنة 223، وتوفي سنة 311 هـ. راجع: المنتظم -لابن الجوزي- 6/ 184 - 186. سير أعلام النبلاء -للذهبي - 14/ 365 - 382. البداية والنهاية -لابن كثير- 11/ 167. (¬2) لقد دس الجهمية والمعتزلة لبعض تلامذة ابن خزيمة المتقدمين وأصحابه المحققين شبهًا أغروهم بها عليه، وأوقعوا الفتنة بينهم حسدًا منهم، ومحاولة لإظهار مذهبهم. وقد أورد الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ 2/ 720 فما بعدها -بعض ما حدث في هذه الواقعة، فمما ذكره أن الحاكم قال: "حدثني أبو بكر محمد بن حمدون وجماعة- إلا أن أبا بكر أعرفهم بالواقعة، قال: لما بلغ ابن خزيمة من السن والرياسة والتفرد منهما ما بلغ كان له أصحاب صاروا أنجم الدنيا، مثل: أبي علي الثقفي، وأبي بكر بن إسحاق الصبغي، خليفة ابن خزيمة في الفتوى وأحسن الجماعة تصنيفًا وسياسة في مجالس السلاطين، وأبي بكر بن أبي عثمان، وهو آدبهم وأكثرهم جمعًا للعلوم، وأبي محمد يحيى بن منصور، وكان من أكابر البيوتات وأعرفهم بمذهب ابن خزيمة وأصلحهم للقضاء، فلما ورد منصور الطوسي كان يختلف إلى ابن خزيمة للسماع وهو معتزلي، وعاين ما عاين من الأربعة الذين سميناهم، حسدهم واجتمع مع أبي عبد الرحمن الواعظ (القدري) فقالا: هذا إمام لا يسرع في الكلام وينهى عنه، وقد نبغ له أصحاب يخالفونه وهو لا يدري فإنهم على مذهب الكلابية، فاستحكم طمعهما في إيقاع الوحشة بينهم". ومما ذكره الحافظ أن الحاكم قال: "سمعت أبا سعيد عبد الرحمن بن أحمد المقرئ سمعت ابن خزيمة يقول: إن القرآن كلام الله ووحيه وتنزيله غير مخلوق ومن قال: شيء منه مخلوق، أو يقول: إن الله لا يتكلم بعد ما تكلم به في الأزل، أو يقول: إن أفعاله تعالى مخلوقة، أو يقول: إن القرآن محدث فهو جهمي"، ومن نظر في كتبي بان له أن الكلابية -لعنهم الله- كذبة فيما يحكون عني. . " إلى أن =

كلام الإمام أحمد والأئمة ليس هو قول هؤلاء ولا هو قول هؤلاء

وكلام أحمد، والأئمة، ليس هو قول هؤلاء، ولا قول هؤلاء، بل فيه ما أثبته هؤلاء من الحق، وما أثبته هؤلاء من الحق، وكل من الطائفتين أثبت من الحق ما أثبته، فإن الإمام أحمد قد بين أنه لم يزل (¬1) متكلمًا إذا شاء [وإذا] (¬2) نظر ذلك بالعلم والقدرة والنور فليس كالمخلوقات البائنة عنه، لأن الكلام من صفاته، وليس كالصفة القائمة به التي لا تتعلق بمشيئته [لأن الكلام متعلق بمشيئته] (¬3) ولهذا قال أحمد في رواية حنبل (¬4): لم يزل الله متكلمًا عالمًا غفورًا، وقد ذكرنا كلام ابن عباس في دلالة القرآن على ذلك، فذكر أحمد ثلاث صفات: متكلمًا عالمًا غفورًا، فالمتكلم يشبه العلم من وجه، ويشبه المغفرة من وجه، فلا يشبه بأحدهما دون الآخر (¬5)، فالطائفة التي جعلته كالعلم من كل وجه، والطائفة التي جعلته كالمغفرة من كل وجه، قصرت في معرفته، ¬

_ = قال: وقد صح عندي أن الثقفي والصبغي ويحيى بن منصور كذبة، قد كذبوا عليّ في حياتي، فمحرم على مقتبس علم أن يقبل منهم شيئًا يحكونه عني، وابن أبي عثمان أكذب عندي وأقولهم عليّ ما لم أقله. يقول الذهبي في سير أعلام النبلاء 14/ 380 بعد ذكره لهذا الكلام: "ما هؤلاء بكذبة، بل أئمة أثبات، وإنما الشيخ تكلم على حسب ما نقل له عنهم فقبح الله من ينقل البهتان، ومن يمشي بالنميمة". إلى غير ذلك من النصوص الواردة في هذه الفتنة والتي لا يتسع المجال لاستقصائها، وما ذكرناه فيه الكفاية للدلالة على المقصود. (¬1) في س، ط: لم يزل الله. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: ط. (¬3) ما بين المعقوفتين: ساقط من: س، ط. (¬4) ذكر القاضي أبو يعلى قول الإمام أحمد في رواية حنبل في كتابه "إبطال التأويلات لأخبار الصفات" -مخطوط- اللوحة 147. وانظر ما نقله الشيخ عن الخلال. . . عن حنبل بن إسحاق أن أبا عبد الله قال لم يزل الله عالمًا متكلمًا- ص: 359. (¬5) في س: لاخر.

إنكار الإمام أحمد على من قال: القرآن محدث إذا كان معناه عندهم معنى الخلق المخلوق

وليس هذا وصفًا له بالقدرة على الكلام، بل هو وصف له بوجود الكلام، إذا شاء، وسيجيء كلام أحمد في رواية المروذي (¬1). وقوله: إن الله لم يخل من العلم والكلام، وليسا من الخلق، لأنه لم يخل منهما، ولم يزل الله متكلمًا عالمًا، فقد نفى عنهما الخلق في ذاته، أو غير ذاته، وبين أنه لم يخل منهما، وهذا (¬2) يبين أنه لم يخلق القرآن لا في ذاته، ولا خارجًا عنه، وفي كلامه دليل على أن قول القائل: تحله الحوادث أو لا تحله الحوادث، كلاهما منكر عنده، وهو مقتضى (¬3) أصوله، لأن في ذلك بدعة، وفي إثباته -أيضًا- بدعة، ولهذا أنكر أحمد على من قال: القرآن محدث إذا كان معناه عندهم معنى الخلق المخلوق، كما روى الخلال عن الميموني (¬4) أنه قال لأبي عبد الله: ¬

_ (¬1) في س، ط: المروزي. وكذا ورد في البداية والنهاية. وهو خطأ. والمروذي من "مرو الروذ" والنسبة إليه "مروذي" المنتسبون إليه قليل، وأما مرو الكبرى "مرو الشاهجان" فالنسبة إليه "مروزي" على غير قياس، والمنتسبون إليه كثير، ولهذا يقع في بعض الكتب نسبة صاحب الإمام أحمد "المروزي". راجع: معجم البلدان -للحموي- 5/ 112 - 116. والمنتظم -لابن الجوزي - 6/ 111 ت: (3). هو: أبو بكر أحمد بن محمد بن الحجاج بن عبد العزيز المروذي، شيخ بغداد، وأجل أصحاب الإمام أحمد، وممن يأنس به، روى عنه مسائل كثيرة، توفي سنة 275 هـ. راجع: طبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 1/ 56 - 63. تذكر الحفاظ -للذهبي- 2/ 631 - 633. والبداية والنهاية -لابن كثير- 11/ 62. (¬2) في ط: وهنا. (¬3) في ط: تقتضي. (¬4) هو: أبو الحسن عبد الملك بن عبد الحميد بن ميمون بن مهران الميموني، تلميذ الإمام أحمد، ومن كبار الأئمة، عالم الرقة ومفتيها في زمانه، روى عنه النسائي ووثقه، ولد سنة 181 هـ، وتوفي سنة 274 هـ. =

ما تقول فيمن قال: إن أسماء الله محدثة؟ فقال: كافر. ثم قال لي: الله من أسمائه، فمن قال: إنها (¬1) محدثة فقد زعم أن (¬2) الله مخلوق وأعظم أمرهم عنده (¬3)، وجعل يكفرهم وقرأ عليّ {اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ} (¬4) وذكر آية أخرى. وقال الخلال (¬5): سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل، يحكي عن أبيه كلامه في داود الأصبهاني (¬6)، وكتاب محمد بن يحيى النيسابوري (¬7)، قال: جاءني داود، فقال: تدخل على أبي عبد الله وتعلمه قصتي، وأنه ¬

_ = راجع: طبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 1/ 212 - 216. وسير أعلام النبلاء -للذهبي- 110/ 89، 90. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 6/ 400. (¬1) في الأصل: أنهم. والمثبت من: س، ط. (¬2) أن: ساقطة من: س. (¬3) في الأصل: عندهم. والمثبت من: س، ط. (¬4) سورة الصافات، الآية: 126. (¬5) لم أقف عليه في السنة -للخلال- لعدم وضوح بعض لوحاته، رغم اجتهادي في معرفة مضمونها. (¬6) هو: أبو سليمان داود بن خلف الأصبهاني، الفقيه، والمشهور بالظاهري، صاحب مذهب مستقل، تبعه جمع كثير من الظاهرية، سمع إسحاق بن راهوية، وأبا ثور، وغيرهما، ولد سنة 200، وتوفي سنة 270 هـ. راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 8/ 369 - 375. والمنتظم -لابن الجوزي - 5/ 75 - 77. والوافي بالوفيات -للصفدي- 13/ 473 - 477. (¬7) هو: أبو عبد الله محمد بن يحيى بن عبد الله الذهلي النيسابوري، عالم أهل المشرق، وإمام أهل الحديث بخراسان. قال عنه ابن أبي حاتم: ثقة صدوق، إمام من أئمة المسلمين. توفي سنة 258 هـ. راجع: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 4/ 1 / 125 / ت: 561. طبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 1/ 327. وسير أعلام النبلاء -للذهبي- 12/ 273 - 285.

لم يكن مني -يعني ما حكوا عنه- قال: فدخلت على أبي فذكرت له ذلك، قال: ولم أعلم أنه على الباب، فقال لي: كذب. قد جاءني كتاب محمد بن يحيى، هات تلك الضبارة (¬1). قال الخلال: وذكر الكلام فلم أحفظه جيدًا، فأخبرني (¬2) أبو يحيى زكريا (¬3) بن (¬4) الفرج البزاز، قال: جئت يومًا إلى أبي بكر المروذي (¬5)، وإذا عنده عبد الله بن أحمد، فقال له أبو بكر: أحب أن تخبر أبا يحيى (¬6) ما (¬7) سمعت من أبيك في داود الأصبهاني، فقال عبد الله: لما قدم داود ¬

_ (¬1) في الأصل، س: الضيارة. والمثبت من: ط. الضبارة: لغة من إضبارة. والإضبارة: هي الحزمة من الصحف. راجع: لسان العرب -لابن منظور- 4/ 479 (ضبر). (¬2) روى القاضي أبو الحسين ابن أبي يعلى، في طبقات الحنابلة - 1/ 58 - أن أبا يحيى زكريا بن الفرج البزاز قال: جئت يومًا. . ". وذكر القصة التي رواها الخلال عن أبي يحيى، ولذا سوف أقابل النص على ما ورد في الطبقات. (¬3) ورد في جميع النسخ: أبو يحيى عن زكريا. ولعل صحة اسمه كما هو مثبت من: الطبقات. والسنة "المسند من مسائل أبي عبد الله أحمد بن حنبل" مخطوط- اللوحتان: 196، 198. (¬4) في الأصل: زكريا بن الفرج الرازي: وفي: س، ط: زكريا أبو الفرج الرازي. ولم أقف على ترجمته. ولعل الصواب ما أثبته من الطبقات، والسنة "المسند من مسائل أبي عبد الله أحمد بن حنبل". (¬5) في جميع النسح: المروزي. وهو تصحيف. والمثبت من الطبقات. تقدمت ترجمته ص: 337. (¬6) في الأصل: أبا بكر يحيى. وهو خطأ. والمثبت من: س، ط، والطبقات. (¬7) في الأصل: أما. وفي الطبقات: بما. والمثبت من: س، ط.

من خراسان جاءني فسلم علي فسلمت عليه، فقال لي: قد علمت شدة محبتي لكم وللشيخ، وقد بلغه عني كلام، فأحب أن تعذرني عنده وتقول له: أن ليس هذا مقالتي، أو ليس كما قيل لك، فقلت: لا يريد، فأبى، فدخلت (¬1) إلى أبي فأخبرته أن داود جاء، فقال: إنه لا يقول بهذه المقالة وأنكر، قال: جئني بإضبارة (¬2) الكتب تلك، فأخرج منها كتابًا فقال: هذا كتاب محمد بن يحيى النيسابوري وفيه: أنه يعني داود الأصبهاني (¬3)، أحل في بلدنا الحال والمحل، وذكر في كتابه أنه قال القرآن محدث. فقلت له: إنه ينكر ذلك، فقال: محمد بن يحيى أصدق منه لا يقبل قوله العدو لله (¬4)، أو نحو ما قال أبو يحيى. وأخبرني أبو بكر المروذي (¬5) بنحو ذلك. قال (¬6) الخلال: وأخبرني الحسين بن عبد الله -يعني الخرقي- (¬7) ¬

_ (¬1) في الطبقات: فقلت له لا يريد، فإني قد دخلت. . (¬2) في الأصل: الإضيارة. والمثبت من: س، ط. وفي الطبقات: الضبارة الكتب فجئه بها. (¬3) قوله: "إنه -يعني داود الأصبهاني". ساقط من الطبقات. (¬4) في س، ط: لا نقبل قول عدو الله. وفي الطبقات: لا تقبل قول العدو لله. (¬5) في ط: المروزي. (¬6) أورده الذهبي في "سير أعلام النبلاء" 13/ 103. وذكره السبكي في "طبقات الشافعية" 2/ 286. ولم أقف عليه في "السنة" للخلال. وسوف أقابل النص على ما ذكره الذهبي. (¬7) هو: أبو علي الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرقي -بكسر الخاء وفتح الراء- نسبة إلى بيع الثياب والخرق- صحب جماعة من أصحاب أحمد وكان يدعى خليفة المروذي روى عنه أبو بكر الشافعي وعبد العزيز بن جعفر الحنبلي وغيرهما توفي سنة 299. راجع: طبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 2/ 45 - 47. والأنساب -للسمعاني- 5/ 99. والوافي بالوفيات -للصفدي 12/ 386.

والد أبي القاسم (¬1) صاحب المختصر - (¬2) قال: سألت أبا بكر المروذي (¬3) عن قصة داود الأصبهاني وما أنكر عليه أبو عبد الله، فقال: كان داود خرج إلى خراسان إلى إسحاق (¬4) بن راهوية، فتكلم بكلام شهد عليه أبو نصر بن عبد المجيد وشيخ (¬5) من أصحاب الحديث من قطيعة الربيع (¬6) شهدوا. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) هو: أبو القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرقي، الفقيه الحنبلي قرأ العلم على أبيه وأبي بكر المروذي وغيرهما، خرج من بغداد مهاجرًا إلى دمشق لما كثر بها الشر وسب الصحابة -رضوان الله عليهم- توفي سنة 334 هـ. راجع: طبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 2/ 75 - 118. ووفيات الأعيان -لابن خلكان 3/ 441. وشذرات الذهب -لابن العماد- 2/ 336. (¬2) قوله: "يعني الخرقي والد أبي القاسم صاحب المختصر": ساقط من السير. المختصر: في الفقه على مذهب الإمام أحمد، يعرف بمختصر الخرقي، وعدد مسائله (2300) مسألة لم ينتشر لأبي القاسم غيره مع كثرة مصنفاته وتخريجاته على المذهب التي أودعها في دار ببغداد عندما خرج منها، وقد احترقت الدار فعدمت مصنفاته قبل أن تنتشر، طبع هذا المختصر عدة طبعات آخرها سنة 1403 هـ، بتحقيق زهير الشاويش، وقد شرحه عدد من العلماء كالقاضي أبو يعلى في مجلدين، وابن قدامة المقدسي (ت: 620 هـ) الذي سمى شرحه بـ (المغني) وهو كتاب قيم. راجع: المنتظم -لابن الجوزي- 6/ 346. والبداية والنهاية -لابن كثير - 11/ 240، 241. ومقدمة المختصر- تحقيق زهير الشاويش ص: 7 - 10 - التعريف بمختصر الخرقي الذي كتبه الشيخ محمد بن مانع. (¬3) في ط: المروزي. (¬4) إسحاق: ساقطة من: السير. (¬5) في السير: وآخر. وسقط قوله: "وشيخ من أصحاب الحديث من قطيعة الربيع". (¬6) تنسب إلى الربيع بن يونس حاجب المنصور، وكانت قطيعة الربيع بالكرخ مزارع الناس من قرية يقال لها: بياورى، وهما قطيعتان داخلة أقطعه إياها المنصور وخارجة أقطعه إياه المهدي، وكان التجار يسكنونها حتى صارت ملكًا لهم دون ولد الربيع. راجع: معجم البلدان -لياقوت الحموي- 4/ 377.

عليه (¬1) أنه قال: القرآن محدث، فقال لي أبو عبد الله: من داود بن علي (¬2)، لا فرج الله عنه؟ فقلت (¬3): هذا من غلمان أبي ثور (¬4)، قال: جاءني كتاب محمد بن يحيى النيسابوري أن داود الأصبهاني قال ببلدنا: إن القرآن محدث [ثم إن داود قدم إلى ها هنا فذكر نحو قصة عبد الله] (¬5). قال المروذي (¬6): وحدثثي محمد بن إبراهيم النيسابوري، أن إسحاق بن إبراهيم (¬7) بن راهوية لما سمع كلام داود في بيته وثب عليه إسحاق فضربه (¬8) وأنكر عليه. هذه قصته. قال الخلال (¬9): أخبرني محمد بن جعفر الراشدي (¬10)، قال: ¬

_ (¬1) في السير: شهدا عليه. (¬2) في س، ط: ". . . بن علي الأصبهاني. . ". (¬3) في السير: "قلت". (¬4) هو: أبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي البغدادي، الإمام الفقيه الثقة مفتي العراق حدث عنه أبو داود وابن ماجة وغيرهما. قال ابن حيان: كان أحد أئمة الدنيا فقهًا وعلمًا وورعًا وفضلًا، صنف الكتب وفرع على السنن. ولد 170 وتوفي 240. راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 6/ 65 - 69. وتذكرة الحفاظ -للذهبي- 2/ 512، 513. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 1/ 118، 119. (¬5) ما بين المعقوفتين: ساقط من: السير. (¬6) في ط: المروزي. (¬7) ابن إبراهيم: ساقطة من السير. (¬8) في السير: ". . . وثب على داود وضربه. . ". (¬9) لم أقف عليه في السنة -للخلال- لعدم وضوح بعض لوحاته. (¬10) هو: أبو جعفر محمد بن جعفر بن عبد الله بن جابر الراشدي -نسبة إلى الراشدية، قرية من نواحي بغداد، قال الخطيب البغدادي: كان ثقة، توفي سنة 301 هـ. راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 2/ 131، 132. والأنساب -للمسمعاني - 6/ 39، 40. واللباب في تهذيب الأنساب -لابن الأثير 2/ 7.

إنكار الأئمة على داود الأصبهاني في قوله: إن القرآن محدث لوجهين

لقيت محمد بن يحيى (¬1) بالبصرة، عند بندار (¬2)، فسألته عن داود، فأخبرني بمثل ما كتب به محمد بن يحيى إلى أحمد بن حنبل، وقال: خرج من عندنا من خراسان بأسوأ حال، وكتب لي (¬3) بخطه، وقال. شهد عليه بهذا القول بخراسان علماء نيسابور. [قلت] (¬4) أما الذي تكلم به عند إسحاق، فأظنه كلامه في مسألة اللفظ، فإنه قال الأمرين كما قال (¬5) الخلال: (سمعت أحمد بن محمد بن عبد الله بن صدقة (¬6)، سمعت أبا عبد الله محمد بن الحسن بن ¬

_ (¬1) في الأصل، ط: ابن محمد بن يحيى. والمثبت من: س، ولعله الصواب. وتقدمت ترجمته ص: 388. (¬2) هو: أبو بكر محمد بن بشار بن عثمان بن داود بن كيسان العبدي البصري، راوية الإسلام، الملقب ببندار، لأنه كان بندار الحديث في عصره ببلده، والبندار الحافظ، روى عنه الستة في كتبهم، قال أبو حاتم الرازي: صدوق. ولد سنة 167 هـ، وتوفي سنة 252 هـ. راجع: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 3/ 2 / 214 / ت: 1187. وتاريخ بغداد -للبغدادي- 2/ 101 - 105. وسير أعلام النبلاء -للذهبي- 12/ 144 - 149. (¬3) في س: إليّ. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: ط. وفي الأصل: بياض في نهاية السطر بمقدار أربعة كلمات. وفي س: بياض بمقدار ثلاث كلمات. (¬5) أورده الذهبي في سير أعلام النبلاء 13/ 103. وكذا السبكي في طبقات الشافعية 2/ 286، ولم أقف عليه في السنة. (¬6) هو: أبو بكر أحمد بن محمد بن عبد الله بن صدقة البغدادي، الإمام الحافظ الفقيه، موصوف بالإتقان والتثبت، ذكره الدارقطني فقال: ثقة ثقة، روى القراءات عن جماعة، ونقل عن الإمام مسائل كثيرة. توفي سنة 293 هـ. راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 5/ 40، 41. وطبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 1/ 64، 65. وتذكرة الحفاظ -للذهبي- 2/ 745، 746.

ما ذكره الأشعري من الأقوال فى القرآن

صبيح قال: سمعت داود الأصبهاني يقول: القرآن محدث، ولفظي بالقرآن مخلوق). [قلت] (¬1) فأنكر الأئمة على داود قوله: إن القرآن محدث لوجهين (¬2): أحدهما: أن معنى هذا عند الناس كان معنى قول من يقول: القرآن مخلوق، وكانت الواقفة: الذين يعتقدون أن الخلق مخلوق، ويظهرون الوقف، فلا يقولون: مخلوق ولا غير مخلوق، يقولون: إنه محدث، ومقصودهم مقصود الذين قالوا: هو مخلوق، فيوافقونهم في المعنى ويستترون بهذا اللفظ، ويمتنعون عن (¬3) نفي الخلق عنه، وكان إمام الواقفة في زمن أحمد، محمد بن شجاع الثلجي (¬4) يفعل ذلك، وهو تلميذ بشر المريسي، وكانوا يسمونه ترس (¬5). . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: ط. وفي الأصل: بياض بنهاية السطر بمقدار خمس كلمات. وفي س: بياض بمقدار كلمتين. (¬2) في الأصل: لأمرين. والمثبث من: س، ط. لقول الشيح: فهذا أحد الوجهين. ص: 425. (¬3) في س: عند. (¬4) هو: أبو عبد الله محمد بن شجاع يعرف بالثلجي، الفقيه البغدادي الحنفي. قال عنه الإمام أحمد: مبتدع صاحب هوى. وقال ابن الجوزي: حدث عن يحيى بن آدم وابن علية ووكيع وصحب الحسن بن زياد اللؤلؤي، إلّا أنه كان رديء المذهب في القرآن. وقال الذهبي: جاء من غير وجه أنه كان ينال من أحمد وأصحابه. ولد سنة 181 هـ، وتوفي سنة 266. راجع: المنتظم -لابن الجوزي 5/ 57، 58. وميزان الاعتدال -للذهبي - 3/ 577 - 579. وتهذيب التهذيب -لابن حجر 9/ 220، 221. (¬5) الترس: بضم التاء، جمعه أتراس أو تروس، والترس من السلاح ما يتوقى به، وتترس بالترس: تستر به وتوقى. =

الجهمية، ولهذا ذكر (¬1) أهل المقالات عنه ذلك. قال الأشعري في كتاب المقالات (¬2): "القول في القرآن، قالت المعتزلة والخوارج وأكثر الزيدية والمرجئة وكثير من الرافضة: إن القرآن كلام الله وإنه مخلوق لله، لم يكن ثم كان". وقال (¬3) هشام بن الحكم (¬4) ومن ذهب مذهبه: إن القرآن صفة لله لا يقال (¬5): إنه مخلوق ولا إنه خالق، هكذا (¬6) الحكاية عنه. وزاد البلخي (¬7) في الحكاية عنه (¬8) أنه قال: لا يقال غير مخلوق ¬

_ = راجع: لسان العرب -لابن منظور- 6/ 32. والمعنى: أن الجهمية تتستر بابن الثلجي. (¬1) في س، ط: حكى. (¬2) مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين -لأبي الحسن الأشعري 2/ 256 - 259. (¬3) في س: وكان. وهو تصحيف. (¬4) هو: أبو محمد هشام بن الحكم الشيباني، من أهل الكوفة، سكن بغداد، وكان من كبار الرافضة ومشاهيرهم، كان مجسمًا، ذكر له ابن قتيبة أقوالًا شنيعة. توفي حوالي سنة 190 هـ على اختلاف في ذلك. راجع: تأويل مختلف الحديث -لابن قتيبة- ص: 35. وسير أعلام النبلاء -للذهبي- 10/ 543، 544. ولسان الميزان -لابن حجر- 6/ 194. (¬5) في المقالات: لا يجوز أن يقال. . . (¬6) في جميع النسح: هذه. والمثبت من المقالات. وهو يستقيم به الكلام. (¬7) في جميع النسح: الثلجي. والمثبت من المقالات. ولعله الصواب. هو: أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبي البلخي صاحب كتاب مقالات الإسلاميين. توفي سنة 319 هـ. انظر ترجمته وما كتب عن أتباعه ص: 1091. ورأي الثلجي سوف يأتي فيما بعد، وقد ورد في المقالات 1/ 114: "وزاد بعض من يخبر على المقالات في الحكاية عن هشام فزعم أنه كان يقول:. . ". (¬8) عنه: ساقطة من: المقالات.

-أيضًا- كما لا يقال: مخلوق، لأن الصفات لا توصف. وحكى زرقان (¬1) عنه (¬2) أن القرآن على ضربين: إن كنت تريد المسموع، فقد خلق الله الصوت المقطع وهو رسم القرآن، وأما القرآن ففعل الله مثل العلم والحركة منه، لا هو هو، ولا هو غيره. قال محمد بن شجاع الثلجي ومن وافقه من الواقفة (¬3): إن القرآن كلام الله، وإنه محدث، كان بعد أن لم يكن، وبالله كان، وهو الذي أحدثه، وامتنعوا من إطلاق القول: بأنه مخلوق أو غير مخلوق. وقال زهير الأثري (¬4): إن القرآن كلام (¬5) الله محدث غير مخلوق، وإنه يوجد في أماكن كثيرة في وقت واحد. وبلغني عن بعض المتفقهة (¬6) [أنه] (¬7) كان يقول: إن الله لم يزل ¬

_ (¬1) هو: أبو يعلى محمد بن شداد بن عيسى المسمعي المعتزلي، يعرف بزرقان، له كتب منها "المقالات"، وهو من أصحاب النظام. توفي سنة 278 هـ. راجع: طبقات المعتزلة -للقاضي عبد الجبار- ص: 271. ميزان الاعتدال -للذهبي- 3/ 579. والوافي بالوفيات -للصفدي- 3/ 148، 149. (¬2) أي: عن هشام بن الحكم. وقد نص على ذلك أبو الحسن الأشعري في المقالات 1/ 114. (¬3) في الأصل: الموافقة وهو تصحيف، والمثبت من: س، ط، والمقالات. (¬4) في الأصل، س: الأبري، وفي ط: الأيري. وهو خطأ والمثبت من: المقالات، ولم أقف على ترجمته. قال د. محمد رشاد سالم -رحمه الله- محقق كتاب "درء تعارض العقل والنقل" 2/ 19، ت: 6 " وزهير الأبري: كذا في جميع النسخ، ولم أعرف من هو زهير الأثري، ولكن الأشعري يتكلم عن آرائه بالتفصيل في المقالات. . . " كما في 1/ 351. (¬5) في الأصل: كان. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط، والمقالات. (¬6) في ط: المتفقهين. (¬7) ما بين المعقوفتين زيادة من: المقالات. يستقيم بها الكلام.

متكلمًا بمعنى أنه لم يزل قادرًا على الكلام، ويقول: إن كلام الله محدث غير مخلوق. قال (¬1): وهذا قول داود الأصبهاني. وقال أبو معاذ التومني (¬2): القرآن كلام الله، [وهو] (¬3) حدث وليس بمحدث، وفعل وليس بمفعول، وامتنع أن يزعم أنه خلق، و [يقول] (¬4) ليس بخلق ولا مخلوق، وأنه قائم بالله، ومحال أن يتكلم الله بكلام قائم بغيره، كما يستحيل أن يتحرك بحركة قائمة بغيره. وكذلك يقول في إرادة الله ومحبته وبغضه: إن ذلك أجمع قائم بالله. وكان يقول: [إن] (¬5) بعض القرآن أمر، وهو الإرادة من الله للإيمان (¬6)، لآ (¬7) معنى أن الله أراد الإيمان هو أنه أمر به. وحكى زرقان عن معمر (¬8) أنه قال: إن الله تعالى خلق الجوهر، ¬

_ (¬1) قال: إضافة من عند الشيخ للإيضاح، والكلام متصل بما قبله في المقالات. (¬2) في س: أبو امعاذ. وهو تصحيف. هو: أبو معاذ التومني، نسبة إلى تومن، أحد أئمة المرجئة، وإليه تنسب الفرقة التومنية- المعاذية، منها التي تزعم أن الإيمان ما عصم من الكفر، وهو اسم لخصال إذا تركها التارك أو ترك خصلة منها كان كافرًا. . كما زعم أبو معاذ أن الموصوف بالفسق من أصحاب الكبائر ليس بعدو لله ولا ولي له، إلى غير ذلك من أقواله الشاذة التي ذكرها عنه أصحاب المقالات. راجع في شأنه ومذهبه: مقالات الإسلاميين -للأشعري- 1/ 221، 351. الفرق بين الفرق -للبغدادي- ص: 203 - 204. الأنساب- للسمعاني 3/ 111. (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من: المقالات. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والمقالات. (¬5) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والمقالات. (¬6) في س، ط: الإيمان. (¬7) في س: لا. وهو تصحيف. (¬8) هو: أبو عمرو معمر بن عباد السلمي، معتزلي من الغلاة من أهل البصرة ثم =

قول عبد الله بن كلاب

والأعراض التي هي فيه [هي] (¬1) فعل الجوهر، وإنما (¬2) هي فعل الطبيعة فالقرآن فعل الجوهر الذي هو فيه بطبعه، فهو لا خالق ولا مخلوق، وهو محدث للشيء (¬3) الذي هو حال فيه بطبعه. وحكى عن ثمامة بن أشرس النميري (¬4) أنه قال: يجوز أن يكون من الطبيعة (¬5)، ويجوز أن يكون الله -تعالى- يبتدئه (¬6)، فإن كان الله ابتدأه فهو مخلوق، وإن كان فعل الطبيعة فهو لا خالق ولا مخلوق. قال (¬7): وهذا قول عبد الله بن كلاب. ¬

_ = سكن بغداد، من أعظم القدرية غلوًا فضائحه كثيرة ذكرها أصحاب المقالات، إليه تنسب الفرقة المعمرية من المعتزلة. توفي سنة 215 هـ. راجع: الفرق بين الفرق -للبغدادي- ص: 151 - 155. وطبقات المعتزلة -للقاضي عبد الجبار- ص: 252، 253. ولسان الميزان -لابن حجر 6/ 71. والأعلام -للزركلي- 8/ 190. (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والمقالات. (¬2) في ط: إنما. (¬3) في س: للنش. وهو تصحيف. (¬4) هو: أبو معين ثمامة بن أشرس النميري البصري، من كبار المعتزلة، ومن رؤوس الضلالة، وإليه تنسب الفرقة الثمامية، انفرد عن أصحابه بمسائل ذكرها أصحاب المقالات، نقل الذهبي وابن حجر أن ابن حزم قال: كان ثمامة يقول: إن العالم فعل الله بطباعه، وإن المقلدين من أهل الكتاب وعباد الأصنام لا يدخلون النار، بل يصيرون ترابًا. . . توفي سنة 213 هـ. راجع في شأنه ومذهبه: الفرق بين الفرق -للبغدادي- 173 - 175. الملل والنحل للشهرستاني- 1/ 70، 71. ميزان الاعتدال -للذهبي- 1/ 371، 372. لسان الميزان -لابن حجر- 2/ 83، 84. طبقات المعتزلة -للقاضي عبد الجبار- ص: 258 - 261. (¬5) في جميع النسح: الله، والمثبت من: المقالات. (¬6) في ط: يبتدؤه. (¬7) كلمة (قال) إضافة من الشيخ -رحمه الله- ويعني بها أبو الحسن الأشعري، والكلام متصل بما قبله في: المقالات.

قال عبد الله بن كلاب: إن الله لم يزل متكلمًا، وإن كلام الله صفة له قائمة به، وإنه قديم بكلامه، وإن كلامه قائم به، كما أن العلم قائم به، والقدرة قائمة به، وهو قديم بعلمه وقدرته، وإن الكلام ليس بحرف (¬1) ولا صوت، ولا ينقسم، ولا يتجزأ، ولا يتبعض، ولا يتغاير وإنه معنى واحد بالله تعالى، وإن الرسم هو الحروف المتغايرة وهو قراءة القرآن (¬2)، وإنه خطأ أن يقال: كلام الله هو هو أو بعضه أو غيره وإن العبارات عن كلام الله تعالى تختلف وتتغاير، وكلام الله ليس بمختلف ولا متغاير، كما أن ذكرنا لله يختلف ويتغاير، والمذكور لا يختلف ولا يتغاير، وإنما سمي كلام الله عربيًّا، لأن الرسم الذي هو العبارة (¬3) عنه وهو قراءته عربي، فسمي عربيًّا لعلة، وكذلك يسمى عبرانيًّا لعلة، وهي أن الرسم الذي هو عبارة عنه عبراني، وكذلك سمي أمرًا لعلة، ونهيًا (¬4) لعلة، [وخبرًا لعلة] (¬5) ولم يزل الله متكلمًا قبل أن يسمي كلامه أمرًا، و (¬6) قبل وجود العلة التي بها سمى (¬7) كلامه أمرًا، ¬

_ (¬1) في المقالات: بحروف. (¬2) في جميع النسح: دون قراءة القارئ. والمثبت من: المقالات. وهو ما يستقيم به الكلام. ويوافق رأيه في أن القراءة غير المقروء، والمقروء قائم بالله، كما أن ذكر الله غير الله، فالمذكور قديم لم يزل موجودًا، وذكره محدث، فكذلك المقروء لم يزل الله متكلمًا به، والقراءة محدثة مخلوقة وهي كسب الإنسان. راجع: مقالات الإسلاميين -للأشعري - 2/ 270. (¬3) في جميع النسح: والمداول. والمثبت من: المقالات. والكلام يستقيم به. (¬4) في المقالات: وسمي نهيًا. (¬5) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والمقالات. (¬6) الواو ساقطة من: ط. (¬7) في ط: يسمى. وفي المقالات: لها سمي.

وكذلك القول في تسمية كلامه نهيا وخبرًا، وأنكر أن يكون الباري [لم يزل] (¬1) مخبرًا، ولم (¬2) يزل ناهيًا، وقال: إن الله لا يخلق شيئًا إلا قال له (كن) ويستحيل (¬3) أن يكون قوله (كن) مخلوقًا. قال (¬4): وزعم عبد الله بن كلاب أن ما يسمع الناس (¬5) يتلونه هو عبارة عن كلام الله، وأن موسى سمع الله متكلمًا بكلامه، وأن معنى قوله: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} (¬6) معناه حتى يفهم كلام الله. قال (¬7): ويحتمل على مذهبه أن يكون معناه: حتى يسمع التالين يتلونه. قال (¬8): وقال بعض من أنكر خلق القرآن: إن القرآن قد يكتب ويسمع (¬9)، وإنه متغاير غير مخلوق، وكذلك العلم غير القدرة، والقدرة غير العلم، وإن الله تعالى لا يجوز أن يكون غير صفاته، وصفاته متغايرة، وهو غير متغاير. قال (¬10): وقد حكي عن صاحب هذه المقالة أنه قال: بعض القرآن مخلوق وبعضه غير مخلوق، فما كان منه مخلوقًا فمثل صفات المخلوقين ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والمقالات. (¬2) في س، ط: أو لم. (¬3) في جميع النسح: كن فيكون فيستحيل. والمثبت من: المقالات. (¬4) قال: إضافة من الشيخ، والكلام متصل بما قبله في: المقالات. (¬5) في المقالات: أن ما نسمع التالين. (¬6) سورة التوبة، الآية: 6. (¬7) قال: إضافة من الشيخ، والكلام متصل بما قبله في: المقالات. (¬8) قال: إضافة من الشيخ، يعني بها أبو الحسن الأشعري، والكلام متصل بما قبله في: المقالات. (¬9) في المقالات: يسمع ويكتب. (¬10) قال: إضافة من الشيخ، والكلام متصل بما قبله في المقالات.

وغير ذلك من أسمائهم والإخبار عن أفعالهم (¬1). قال (¬2): وزعم هؤلاء أن الكلام غير محدث، وأن الله تعالى لم يزل به متكلمًا، وأنه مع ذلك حروف وأصوات، وأن هذه الحروف الكثيرة لم يزل الله بها متكلمًا (¬3). وحكي عن ابن الماجشون أن نصف القرآن مخلوق، ونصفه غير مخلوق. وحكى بعض من يخبر عن المقالات أن قائلًا من أصحاب الحديث قال: ما كان علمًا من علم الله في القرآن، فلا نقول مخلوق، ولا نقول غير الله [وما كان منه] (¬4) أمرًا ونهيًا فهو مخلوق. وحكاه (¬5) هذا الحاكي عن سليمان بن جرير (¬6). قال (¬7): وهو غلط (¬8) عندي. ¬

_ (¬1) في المقالات: أفاعيلهم. (¬2) قال: إضافة من الشيخ -رحمه الله- والكلام متصل بما قبله في: المقالات. (¬3) في س، ط، والمقالات: الله متكلمًا بها. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. وفي المقالات: وما كان فيه من أمر ونهي. . . (¬5) في جميع النسخ: وحكى. والمثبت من: المقالات. (¬6) هو: سليمان بن جرير الزيدي، إليه تنسب الفرقة السليمانية أو الجريرية من فرق الزيدية، كفر عثمان وعائشة والزبير وطلحة - رضي الله عنهم - وكان يقول: إن الصحابة تركوا الأصلح بتركهم مبايعة علي - رضي الله عنه - لأنه كان أولاهم بها. . إلى غير ذلك من الضلالات التي ذكرها عنه أصحاب المقالات. راجع في شأنه ومذهبه: الفرق بين الفرق -للبغدادي- ص: 32، 33. الملل والنحل -للشهرستاني- 1/ 159 - 160. لسان الميزان -لابن حجر - 3/ 79، 80. (¬7) يعني: أبو الحسن الأشعري، والكلام متصل بما قبله. (¬8) في الأصل: ثقة. وفي س، ط: معه. والمثبت من: المقالات.

نقل محمد بن شجاع الثلجي وزرقان ونحوهما عن أهل السنة فيه تحريف

قال (¬1): وحكى محمد بن شجاع، أن فرقة قالت: إن القرآن هو الخالق، وإن فرقة قالت: هو بعضه، وحكى زرقان أن القائل بهذا وكيع بن الجراح (¬2)، وأن فرقة قالت: إن الله هو (¬3) بعض القرآن، وذهب إلى أنَّه مسمى فيه، فلما كان اسم الله في القرآن، والاسم هو المسمى كان الله في القرآن، وإن فرقة قالت: هو أزلي قائم بالله لم يسبقه. قال الأشعري (¬4): وكل القائلين إن (¬5) القرآن ليس بمخلوق -كنحو عبد الله بن كلاب- ومن قال: إنه محدث -كنحو زهير- ومن قال: إنه حدث -كنحو أبي معاذ التومني (¬6) - يقولون: إن القرآن ليس بجسم ولا عرض. [قلت] (¬7) محمد بن شجاع وزرقان ونحوهما هم من الجهمية، ونقلهم عن أهل السنة فيه تحريف في النقل، وقد ذكر الأشعري في أول كتابه في المقالات (¬8) أنَّه وجد ذلك في نقل المقالات، فإنه قال: ¬

_ (¬1) القائل: أبو الحسن الأشعري، والكلام متصل بما قبله في: المقالات. (¬2) سوف يذكر الشيخ -رحمه الله- أن محمد بن شجاع وزرقان من الجهمية ونقلهم عن أهل السنة فيه تحريف، وأن نسبة هذا القول إلى وكيع هو من باب النقل بتأويلهم الفاسد، ثم يذكر الشيخ -رحمه الله- أن الَّذي جعل زرقان، سمي وكيعًا وينسب إليه هذا القول أن وكيع بن الجراح كان من أعلم الأئمة بحر الجهمية ومن أعظمهم ذمًّا لهم وتنفيرًا عنهم، وقد أورد -رحمه الله- نصوصًا تدل على ذلك. (¬3) هو: ساقطة من: المقالات. (¬4) قال الأشعري: إضافة من الشيخ -رحمه الله تعالى- للإيضاح والبيان. والكلام متصل بما قبله في: المقالات. (¬5) في س، ط: بأن. (¬6) في س، ط: التوني. وهو خطأ. وقد تقدم التعريف به ص: 347. (¬7) في الأصل: بياض بمقدار أربع كلمات. وما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬8) مقالات الإسلاميين 1/ 33.

تعليق الشيخ على كلام أبي الحسن الأشعري وأنه نقل عن مثل هؤلاء فيما لم يقف عليه من كتبهم وكلامهم

(أما بعد، فإنه لا بد لمن أراد معرفة الديانات والتمييز بينها من معرفة المذاهب والمقالات، ورأيت الناس في حكاية ما يحكون من ذكر المقالات، ويصنفون في النحل والديانات، من بين مقصر (¬1) فيما يحكيه، وغالط فيما يذكره من قول مخالفيه [وبين متعمد للكذب في الحكاية إرادة التشنيع على من خالفه] (¬2) ومن بين تارك للتقصي في روايته لما يرويه من اختلاف المختلفين، ومن بين من يضيف إلى قول مخالفيه ما يظن أن الحجة تلزمهم به. قال (¬3): وليس هذا سبيل الربانيين، ولا سبيل الفطناء (¬4) المتميزين فحداني ما رأيت من ذلك، على شرح ما التمست شرحه من أمر المقالات واختصار ذلك. [قلت] (¬5): وهو نفسه وإن تحرى (¬6) فيما ينقله ضبطًا وصدقًا، لكنه أكثر ما (¬7) ينقله من مذاهب الذين لم يقف على كتبهم، وكلامهم هو من نقل هؤلاء المصنفين في المقالات كالزرقان وهو معتزلي -وابن الراوندي (¬8). . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) في الأصل: تقصير. والمثبت من: س، ط، والمقالات. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والمقالات. ولكن ورد فيه: "ومن بين. . . على من يخالفه". (¬3) قال: إضافة من الشيخ -رحمه الله- والكلام متصل بما قبله في: المقالات. (¬4) في جميع النسخ: سبيل الديانين ولا سبيل ألفاظ. . .، والمثبت من المقالات. (¬5) ما بين المعقوفتين زيادة من: ط، وهو بياض في الأصل بمقدار أربع كلمات، وفي س: بمقدار خمس كلمات مع بداية السطر. (¬6) في ط: تحدى. وهو تصحيف. (¬7) في الأصل: مما. والمثبت من: س، ط. (¬8) هو: أبو الحسن أحمد بن يحيى بن إسحاق، يعرف بابن الراوندي، كان أولًا من متكلمي المعتزلة ثم تزندق واشتهر بالإلحاد، قيل: إنه لا يستقر على مذهب ولا يثبت على شيء، صنف كتبًا كثيرة يطعن فيها على الإسلام. توفي سنة 245 هـ. =

معنى كلام الأئمة: القرآن من الله

وهو شيعي، وكتب أبي [علي] (¬1) الجبائي ونحوهم، فيقع في النقل ما فيه من جهة هؤلاء مثل هذا الموضع، فإن ما ذكره محمد بن شجاع (¬2) عن فرقة أنها قالت: إن القرآن هو الخالق، وفرقة قالت: هو بعضه، وحكاية زرقان أن القائل بهذا هو وكيع بن الجراح، هو من باب النقل بتأويلهم الفاسد، وكذلك قوله: إن فرقة قالت: إن الله بعض القرآن، وذهب إلى أن مسمى فيه، فلما كان اسم الله في القرآن، والاسم هو المسمى، كان الله في القرآن، وذلك أن الَّذي قاله وكيع وسائر الأئمة: إن القرآن من الله يعنون: أن القرآن صفة لله (¬3)، وأنه -تعالى- هو المتكلم به، وأن الصفة هي مما تدخل في مسمى الموصوف. كما روى الخلال (¬4): حدثني أبو بكر السالمي، حدثني [ابن] (¬5) ¬

_ = راجع: المنتظم -لابن الجوزي- 6/ 99 - 105. ووفيات الأعيان -لابن خلكان- 1/ 94، 95. ولسان الميزان -لابن حجر- 1/ 323، 324. (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. هو: أبو علي محمد بن عبد الوهاب بن سلام الجبائي البصري، شيخ المعتزلة، وأبو شيخها عبد السلام أبو هاشم الجبائي، تلقى الاعتزال على أبي يعقوب الشحام وغيره من متكلمي زمانه، إليه تنسب الفرقة الجبائية من فرق المعتزلة، له ضلالات ذكرها أصحاب المقالات. راجع في شأنه ومذهبه: الفرق بين الفرق -للبغدادي- ص: 183، 184. ووفيات الأعيان -لابن خلكان- 4/ 267 - 269. والعبر -للذهبي- 1/ 445. وطبقات المعتزلة -للقاضي عبد الجبار- ص: 273 - 272. (¬2) في الأصل: أبو شجاع. والمثبت من: س، ط. وتقدم التعريف به ص: 344. (¬3) في ط: الله. (¬4) المسند من مسائل أبي عبد الله أحمد بن حنبل رواية أبي بكر أحمد بن محمد الخلال مخطوط - لوحة: 161. يقول الخلال: أخبرني أبو بكر المروذي قال: حدثني أبو بكر السالمي قال: حدثني ابن أبي أويس قال: سمعت مالك بن أنس يقول: القرآن كلام من الله عزَّ وجلَّ وليس من الله شيء مخلوق. (¬5) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، المسند.

أبي أويس (¬1) سمعت مالك بن أنس (¬2) يقول: القرآن كلام الله من الله، وليس شيء من الله مخلوق. ورواه اللالكائي (¬3) من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني محمد (¬4) بن يزيد الواسطي (¬5)، سمعت أبا بكر أحمد بن محمد العمري (¬6) سمعت ابن أبي أويس يقول: سمعت خالي مالك بن أنس، ¬

_ (¬1) هو: أبو عبد الله إسماعيل بن أبي أويس عبد الله بن عبد الله بن أويس الأصبحي المدني، محدث المدينة، روى عنه الشيخان وغيرهما، قال: عنه الإمام أحمد: لا بأس به. ولد سنة 139 هـ، وتوفي سنة 226 هـ. راجع: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 1/ 1 / 180، 181 ت 613. تذكرة الحفاظ -للذهبي- 1/ 409، 410. تهذيب التهذيب -لابن حجر 1/ 310 - 312. (¬2) في س: أنس بن مالك. وهو خطأ. (¬3) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 2/ 249. وانظر: السنة -لعبد الله بن أحمد - ص: 24، 25. (¬4) في س، ط: عبد الله. وهو خطأ. (¬5) هو: أبو سعيد محمد بن يزيد الواسطي الكلاعي، وثقه ابن معين وغيره وقال أبو حاتم: صالح الحديث. توفي سنة 190 هـ. راجع: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 4/ 1 / 126 ت 568. وسير أعلام النبلاء -للذهبي- 9/ 302، 303. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 9/ 527 - 528. (¬6) في جميع النسخ: المعمري. والمثبت من: شرح أصول اعتقاد أهل السنة. والسنة لعبد الله بن أحمد ص: 25. والشريعة - للآجري ص: 179. يقول الذهبي في لسان الميزان 4/ 506: "أبو بكر العمري لا يدرى من ذا". ويقول الألباني في مختصر العلو للذهبي ص: 143، ت: 114: "أخرجه عبد الله في السنة، ورجاله ثقات، غير أبي بكر أحمد بن محمد العمري فلم أعرفه".

ما قاله الأئمة في ذلك

وجماعة العلماء بالمدينة فذكروا (¬1) القرآن فقالوا: كلام الله، وهو منه، وليس (¬2) من الله شيء مخلوق. وقال الخلال (¬3): أخبرني علي بن عيسى أن حنبلًا حدثهم، سمعت أبا نعيم الفضل بن دكين يقول: أدركت الناس ما يتكلمون في هذا، ولا عرفنا هذا إلا بعد منذ سنين القرآن كلام الله منزل من عند الله، لا يؤول إلى خالق ولا مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، هذا الَّذي [لم] (¬4) نزل عليه ولا نعرف غيره. قال الخلال (¬5): أنبأنا (¬6) المروذي (¬7) أخبرني (¬8) أبو سعيد بن أخي (¬9) حجاج الأنماطي، أنَّه سمع عمه يقول (¬10): القرآن كلام الله، وليس من الله شيء مخلوق وهو منه (¬11). ¬

_ (¬1) في جميع النسخ: ويذكرون. والمثبت من: شرح أصول اعتقاد أهل السنة. (¬2) في ط: منه ليس. (¬3) السنة "المسند من مسائل أبي عبد الله أحمد بن حنبل رواية أبي بكر أحمد بن محمد الخلال" - مخطوط - لوحة: 161. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والمسند. (¬5) المصدر السابق. وانظره في السنة لعبد الله بن أحمد ص: 27، قال: حدثني عباس، حدثني أبو سعيد -صاحب لنا- حدثنا عطاء ابن أخي حجاج. (¬6) في المسند: أخبرنا أبو بكر. (¬7) في ط: المروزي. (¬8) في المسند: قال: حدثني. (¬9) في الأصل: بن أبي حجاج، والمثبت من: س، ط، والمسند، والسنة. وحجاج هو: أبو محمد حجاج بن المنهال الأنماطي السلمي البصري، ثقة، وكان صاحب سنة، توفي سنة 217 هـ. ولم أقف على ترجمة أبو سعيد. راجع: تذكرة الحفاظ -للذهبي - 2/ 403، 404. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 2/ 206، 207. (¬10) في المسند "الأنماطي قال: سألت عمي حجاج عن القرآن فقال:. . . (¬11) قوله: وهو منه: ساقطة من: المسند.

وروى اللالكائي (¬1) من حديث أحمد بن الحسن الصوفي (¬2): حدثنا عبد الصمد -مردوية- قال: اجتمعنا إلى إسماعيل بن علية بعدما رجع من كلامه (¬3)، فكنت أنا وعلي فتى هشيم، وأبو الوليد خلف الجوهري، وأبو كنانة الأعور، وأبو محمد مسرور مولى المعلى صاحب هشيم، فقال له علي فتى هشيم: نحب أن نسمع منك ما نؤديه إلى الناس في أمر القرآن، فقال: القرآن كلام الله، وليس من الله شيء مخلوق، ومن قال: إن شيئًا من الله مخلوق (¬4) فقد كفر، وأنا أستغفر الله مما كان مني في المجلس. وروى (¬5) من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل (قال: أخبرت عن ¬

_ (¬1) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 2/ 258. (¬2) في الأصل: الصرفي. وهو خطأ. والمثبت من: س، ط، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، ولكن ورد في الشرح: "أحمد بن الحسين الصوفي ". هو: أبو عبد الله بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي، مشهور وثقه الدارقطني، سمع يحيى بن معين وأبا الربيع الزهراني وغيرهما. توفي سنة 306 هـ. راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 4/ 82 - 86. ولسان الميزان -لابن حجر - 1/ 151 - 153. (¬3) بدت من ابن علية هفوات تتعلق بالكلام في القرآن، لكنه رجع وتاب فلم تغير رتبته، فهو كما قال يحيى بن معين: ثقة تقيًّا ورعًا. روى القاضي أبو الحسين بن أبي يعلى من طريق أحمد بن الحسن بن عبد الجبار قال: حدثنا عبد الصمد بن يزيد مردوية قال: سمعت إسماعيل بن علية يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق. راجع: طبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى 1/ 102. والمنهج الأحمدي للعليمي 1/ 110 - 112. وتقدم التعريف بابن علية. (¬4) في الأصل: إن أشياء من الله مخلوقة. والمثبت من: س، ط، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة. (¬5) روى أبو القاسم اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة 2/ 260، 261.

محرز بن عون قال: قال محمد بن يزيد الواسطي: علمه (¬1) وكلامه منه وهو غير مخلوق). وقال عبد الله (¬2) أنبأنا (¬3) إسحاق بن بهلول (¬4)، سمعت ابن أبي أويس يقول: القرآن كلام الله ومن الله، وما كان من الله فليس بمخلوق. وقال الخلال في كتاب السنة (¬5): (أخبرني محمد بن سليمان قال: قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: ما تقول (¬6) في القرآن؟ [قال] (¬7): عن أبي (¬8) قالة تسأل؟ قلت: كلام الله، قال: كلام الله وليس بمخلوق ولا تجزع أن تقول ليس بمخلوق، فإن كلام الله من الله، ومن ذات الله وتكلم الله به، وليس من الله شيء مخلوق). ¬

_ = وانظره في السنة لعبد الله بن أحمد ص: 26. (¬1) في الأصل: عمله. والمثبت من: س، ط، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة. (¬2) ابن أحمد بن حنبل. وقوله في شرح أصول اعتقاد أهل السنة 2/ 262. والسنة لعبد الله بن أحمد ص: 26. (¬3) في شرح أصول اعتقاد أهل السنة. .: "حدثنا". (¬4) في جميع النسخ: البهلول. والمثبت من شرح أصول أهل السنة ومصادر الترجمة. هو: إسحاق بن بهلول بن حسان الأنباري، قال عنه أبو حاتم: صدوق. توفي 252 هـ. راجع: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 1/ 1 / 214، 215. وتاريخ بغداد -للبغدادي- 6/ 366 - 369. (¬5) المسند من مسائل أبي عبد الله أحمد بن حنبل -رواية أبي بكر أحمد بن محمد الخلال - مخطوط - لوحة: 159، 160. وهو كتاب السنة، وتقدم الكلام عليه. (¬6) في الأصل: تقولون. والمثبت من: س، ط، والمسند. (¬7) ما بين المعقوفتين زيادة من هامش: س. (¬8) في الأصل: أبي. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط، والمسند.

وروي عن جماعة (¬1) عن أحمد بن الحسن الترمذي (¬2) قال: سألت أحمد فقلت: يا أبا عبد الله قد وقع في أمر القرآن ما قد وقع (¬3) فإن سئلت عنه ماذا أقول؟ فقال لي: ألست أنت مخلوقًا (¬4)؟ قلت: نعم، فقال: أليس كل شيء منك مخلوقًا (¬5)؟ قلت: نعم، قال: [فكلامك أليس هو منك وهو مخلوق، قلت: نعم، قال] (¬6) فكلام الله أليس هو منه؟ قلت: نعم، قال: فيكون شيء من الله عزَّ وجلَّ مخلوقًا (¬7)؟!. قال الخلال (¬8): (وأخبرني عبد الله بن حنبل، حدثني حنبل (¬9) سمعت أبا عبد الله يقول: قال الله في كتابه {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} (¬10)، فجبرائيل سمعه من الله تعالى، وسمعه النبي من جبرائيل صلى الله عليهما (¬11) وسلم، وسمعه (¬12) ¬

_ (¬1) قال الخلال: أخبرني محمد بن يحيى ومحمد بن المنذر وأحمد بن يحيى، قالوا: أنبأنا أحمد بن الحسن الترمذي، قال: سألت أحمد. . . المسند من مسائل الإمام أحمد -رواية الخلال مخطوط- لوحة: 160. (¬2) هو: أبو الحسن أحمد بن الحسن بن حنيدب الترمذي الحافظ الثقة، قال عنه ابن خزيمة: كان أحد أوعية الحديث. توفي سنة 250 هـ. راجع: تذكرة الحفاظ -للذهبي- 2/ 536. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 1/ 24. (¬3) في الأصل: ما وقع. والمثبت من: س، ط، والمسند. (¬4) في المسند: ألست مخلوق. (¬5) في المسند: مخلوق. (¬6) ما بين المعقوفتين زيادة من: المسند. (¬7) في المسند:. . . من الله شيء مخلوق. (¬8) المسند لأبي بكر الخلال -مخطوط- لوحة: 161. (¬9) في المسند: حدثني أبي حنبل قال. . . (¬10) سورة التوبة، الآية: 6. (¬11) في س، ط: عليه. وفي المسند: عليهما السلام. (¬12) في س: وسمع.

أصحاب النبي من النبي - صلى الله عليه وسلم - فالقرآن كلام الله غير مخلوق، ولا نشك ولا نرتاب فيه (¬1)، وأسماء الله تعالى في القرآن وصفاته في القرآن. القرآن (¬2) من علم الله وصفاته منه، فمن زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر، والقرآن كلام الله غير مخلوق، منه بدأ، وإليه يعود، فقد (¬3) كنا نهاب الكلام في هذا حتَّى أحدث هؤلاء ما أحدثوا، وقالوا [ما قالوا] (¬4) ودعوا الناس إلى ما دعوهم إليه، فبان لنا أمرهم، وهو الكفر بالله العظيم). ثم قال أبو عبد الله: لم يزل الله عالمًا متكلمًا، نعبد الله بصفات (¬5) غير محدودة ولا معلومة إلَّا بما وصف بها نفسه، سميع عليم غفور رحيم عالم الغيب والشهادة علام الغيوب، فهذه صفات الله - تبارك وتعالى - وصف بها نفسه لا تدفع (¬6) ولا ترد، وهو على العرش بلا حد، كما قال {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (¬7)، كيف شاء، المشيئة إليه، والاستطاعة له {ليَسَ كَمِثلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ الْسَّمِيْعُ الْبَصَيْرُ} (¬8) لا يبلغ وصفه الواصفون (¬9)، وهو كما وصف نفسه، نؤمن بالقرآن محكمه ومتشابهه، كل من عند ربنا، قال الله - تعالى - {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ ¬

_ (¬1) في المسند: ولا يشك ولا يرتاب فيه. (¬2) في ط: إن القرآن. . . القرآن: ساقطة من: المسند. (¬3) في س، ط: وقد. (¬4) ما بين المعقوفتين: زيادة من: س، ط، والمسند. (¬5) في المسند: بصفاته. (¬6) في المسند: ولا تدفع. (¬7) سورة الأعراف. الآية 54. (¬8) سورة الشورى. الآية 11. (¬9) في الأصل: "لا يبلغه صفة الواصفون". وفي س، ط: "لا يبلغه صفة الواصفين". والمثبت من: المسند. مع عدم وضوح كلمة "وصفه".

عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} (¬1) نترك الجدال في القرآن والمراء فيه (¬2)، لا نجادل ولا نماري، ونؤمن به كله، ونرده إلى عالمه - تبارك وتعالى - فهو أعلم به، منه بدأ، وإليه يعود. قال أبو عبد الله: وقال لي عبد الرحمن بن إسحاق: كان الله ولا قرآن، فقلت مجيبًا له: كان الله، ولا علم، فالعلم من الله وله، وعلم الله منه، والعلم غير مخلوق، فمن قال: إنه مخلوق، فقد كفر بالله وزعم أن الله مخلوق، فهذا الكفر الصريح البين (¬3). قال (¬4): (وسمعت عبد الله بن أحمد قال: ذكر أبو بكر الأعين قال: سئل أحمد بن حنبل عن تفسير قوله: القرآن كلام الله منه خرج وإليه يعود. فقال أحمد: منه خرج: هو المتكلم [به] (¬5) وإليه يعود). قال الخلال (¬6): (أخبرني حرب بن إسماعيل الكرماني، حدثنا (¬7) أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم، يعني ابن راهوية، عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال: أدركت الناس منذ سبعين سنة، أدركت أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فمن دونهم يقولون: الله خالق وما سواه مخلوق، إلَّا القرآن، فإنه كلام الله، منه خرج، وإليه يعود. قال الخلال (¬8): حدثني عبد الله بن أحمد، حدثني محمد بن ¬

_ (¬1) سورة الأنعام، الآية: 68. (¬2) في ط: والمراد فيه. وهو تصحيف. (¬3) في س، ط: الكفر البين الصراح. وفي المسند: الكفر الصراح. (¬4) يعني الخلال، وهي إضافة من الشيخ، والكلام متصل بما قبله في المسند. (¬5) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والمسند. (¬6) المسند -لأبي بكر الخلال- مخطوط - لوحة: 161. (¬7) في المسند: قال. (¬8) المصدر السابق - نفس اللوحة.

إسحاق الصاغاني (¬1)، حدثني أبو حاتم الطويل قال: قال وكيع: من قال: إن كلام الله ليس منه فقد كفر، ومن قال: إن شيئًا منه مخلوق (¬2) فقد كفر). وروى أبو القاسم اللالكائي (¬3) قال: (ذكر أحمد بن فرح (¬4) الضرير، (قال) حدثنا (¬5) علي بن الحسن (¬6) الهاشمي [قال] (¬7) ¬

_ (¬1) في الأصل: الصنعاني. وفي س، ط: الصافاني. وهو خطأ. والمثبت من: المسند. هو: أبو بكر محمد بن إسحاق بن جعفر الصاغاني، أحد الأئمة الأثبات المتقنين رحل في طلب العلم إلى بلدان شتى، قال عنه الدارقطني: ثقة وفوق الثقة. توفي سنة 290 هـ. راجع: طبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 1/ 269، 270. والمنهج الأحمد - للعليمي - 1/ 236. (¬2) في المسند: إن منه شيء مخلوق. (¬3) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة - للالكائي - 2/ 219. (¬4) في الأصل، س: فرج. وهو خطأ. هو: أبو جعفر أحمد بن فرح بن جبريل الضرير المقرئ، قال عنه الخطيب البغدادي: كان ثقة مأمونًا، عالما بالعربية واللغة، عالمًا بالقرآن. توفي سنة 303 هـ. راجع: تاريخ بغداد - للبغدادي - 4/ 345، 346. (¬5) في جميع النسخ: ". . . الضرير وحدثني. . " والمثبت من شرح اعتقاد أهل السنة. (¬6) في جميع النسخ: الحسين. والمثبت من: شرح أصول اعتقاد أهل السنة. هو: أبو الحسن علي بن الحسن بن عبد العزيز بن عبد الله الهاشمي، حدث عن محمد بن يحيى المروذي وجعفر الفرياني وغيرهما، وروى عنه أبو نعيم الأصبهاني وغيره. . راجع: تاريخ بغداد - للبغدادي - 11/ 383، 384. (¬7) ما بين المعقوفتين زيادة من شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة.

قول الأئمة كلام الله من الله يراد به شيئين

حدثنا (¬1) عمي قال: سمعت وكيع بن الجراح يقول: من زعم أن القرآن مخلوق فقد زعم أن شيئًا من الله مخلوق، فقلت: يا أبا سفيان من أين قلت هذا؟ قال: لأن (¬2) الله يقول: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} (¬3) ولا يكون شيء من الله مخلوقًا (¬4)). قال اللالكائي (¬5): (وكذلك فسره أحمد بن حنبل، ونعيم بن حماد والحسن بن الصبّاح البزار، وعبد العزيز بن يحيى الكناني) (¬6). فهذا لفظ وكيع بن الجراح -الَّذي سماه زرقان - (¬7) وهو لفظ سائر الأئمة الذين (¬8) حرف محمد بن شجاع قولهم، فإن قولهم: كلام الله من الله: يريدون به شيئين: أحدهما: أنَّه صفة من صفاته، والصفة مما تدخل (¬9) في مسمى اسمه وهذا كما قال الإمام أحمد (¬10): فالعلم من الله وله، وعلم الله ¬

_ (¬1) في الأصل: حدثني. والمثبت من: س، ط، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة. (¬2) في س: لا أن. (¬3) سورة السجدة، الآية: 13. (¬4) في الأصل، س: مخلوق. وفي شرح أصول اعتقاد أهل السنة:. . يكون من الله شيء مخلوق. والمثبت من: ط. (¬5) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة - اللالكائي - 2/ 220. (¬6) في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة:. . يحيى الكناني. وقد تقدم. (¬7) أي: ذكر اسمه عندما نسب إليه قول الفرقة التي تقول: إن القرآن هو بعض الخالق، وقد نقل شيخ الإسلام -رحمه الله- رأي وكيع لبيان أن هؤلاء الجهمية يحرفون النقل عن أهل السنة بما يوافق أهوائهم. (¬8) في س: الَّذي. (¬9) في الأصل: س: يدخل. والمثبت من: ط. (¬10) عندما قال له عبد الرحمن بن إسحاق: كان الله ولا قرآن، فأجابه الإمام أحمد: كان الله ولا علم فالعلم من الله. .

منه، وكقوله: صفاته منه، وقوله وقول غيره من الأئمة: ما وصف الله من نفسه وسمى من نفسه، ولاريب أن هذا يقال في سائر الصفات كالقدرة والحياة والسمع والبصر وغير ذلك، فإن هذه الصفات كلها من الله، أي: مما تدخل في مسمى اسمه. والثاني: يريدون بقولهم: كلام الله منه: أي خرج منه وتكلم به كقوله تعالى: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إلا كَذِبًا} (¬1) وذلك كقوله: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} (¬2) وقوله: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} (¬3). وهذا اللفظ والمعنى مما (¬4) استفاضت به الآثار، كما قد تقدم روايته (¬5) عن ابن عباس (¬6) أنَّه كان في جنازة، فلما وضع الميت في لحده ¬

_ (¬1) سورة الكهف، الآية: 5. (¬2) سورة السجدة، الآية: 13. (¬3) سورة الزمر، الآية: 1. (¬4) في س: فما. (¬5) في ط: رواية. (¬6) أورده البيهقي في الأسماء والصفات ص: 242، قال: "أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه أنبأنا أبو محمد بن حيان حدثنا محمد بن العباس ثنا إسحاق بن حاتم العلاف ثنا علي بن عاصم عن عمران بن حدير عن عكرمة قال: حمل ابن عباس رضي الله عنهما جنازة، فلما وضع الميت في قبره قال له رجل: اللهم رب القرآن اغفر له، فقال له ابن عباس رضي الله عنه: مه لا تقل مثل هذا، منه بدأ وإليه يعود". تابعه أحمد بن منصور الرمادي عن علي بن عاصم وقال في متنه: صلى ابن عباس رضي الله عنهما على جنازة فقال رجل من القوم: اللهم رب القرآن العظيم اغفر له، فقال له ابن عباس رضي الله عنهما: ثكلتك أمك إن القرآن منه. وقد أخرجه السيوطي في الدر المنثور 5/ 326. وقد تقدم الكلام على هذا الأثر ص: 294، 295. وسوف يذكر الشيخ -رحمه الله- في الصفحة الآتية أن الطبراني رواه في كتاب =

قام رجل وقال: اللهم رب القرآن اغفر له، فوثب إليه ابن عباس فقال: مه القرآن منه، وفي الرواية الأخرى، فقال ابن عباس: القرآن كلام الله، وليس بمربوب منه خرج وإليه يعود. وقد رواه الطبراني في كتاب السنة (¬1) -أيضًا- ثنا أحمد بن القاسم بن مساور الجوهري، ثنا عاصم بن علي، حدثنا أبي، عن عمران بن حدير عن عكرمة، قال: كان ابن عباس في جنازة، فلما وضع الميت في لحده قام رجل فقال: اللهم ربّ القرآن أوسع عليه مدخله، اللهم ربّ القرآن اغفر له، فالتفت إليه ابن عباس فقال: مه القرآن كلام الله وليس بمربوب منه خرج وإليه يعود. وقال الخلال (¬2): حدثني المروذي في الكتاب (¬3) الَّذي عرضه على ¬

_ = السنة. (¬1) ذكر هذا الكتاب البغدادي في هدية العارفين 1/ 396. والذهبي في سير أعلام النبلاء 16/ 128، وقال: إنه في مجلد. والصفدي في الوافي للوفيات 15/ 346. ولم يذكره عمر كحالة في معجم المؤلفين 4/ 253. ولا سزكين في تاريخ التراث العربي 1/ 1 علوم القرآن والحديث 393 - 396. عند إيرادهما لآثار الطبراني، ولم أقف على من أشار إلى وجوده، ولذا فإن محقق المعجم الكبير حمدي عبد المجيد السلفي، أورد ترجمة للحافظ في آخر المجلد الخامس والعشرين وضمنها أسماء مصنفاته ودرج على التعليق على الكتاب إذا كان موجودًا ومكان وجوده وهل هو مطبوع أم لا؟ وعند ذكره لكتاب السنة لم يذكر عنه شيئًا. ولذا أكتفي بما ذكرته عن هذا الأثر في التعليق السابق. (¬2) المسند من مسائل أبي عبد الله أحمد بن حنبل رواية أبي بكر أحمد بن محمد الخلال - مخطوط - اللوحة: 174، وبداية الكتاب ورقة رقم 172. (¬3) هذا الكتاب كتبه أبو بكر أحمد بن محمد بن الحجاج المروزي بأمر من الإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل، وكتابته غير واضحة في صورة المخطوط التي رجعت إليها، إذ أصل المخطوط في المتحف البريطاني غير واضحة لكن الَّذي فهمته أن =

أحمد بن حنبل قال (¬1): قد أخبرني شيخ أنَّه سمع ابن عيينة يقول: القرآن خرج من الله. قال (¬2): وحدثنا أبو عبد الله، يعني: أحمد بن حنبل (¬3)، حدثنا ابن مهدي عن معاوية بن صالح، عن العلاء بن الحارث، عن زيد بن أرطأة، عن جبير بن نفير، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنكم لن ترجعوا إلى الله بشيء أفضل مما خرج منه" يعني القرآن (¬4). قال (¬5): وحدثنا عباس الوراق وغيره عن أبي النضر هاشم بن القاسم ثنا (¬6) بكر بن خنيس (¬7) عن ليث بن أبي سليم، عن زيد بن ¬

_ = الكتاب أرسل إلى محمد بن هارون لشكه في القرآن، وأنه لا يقول: إنه غير مخلوق، حثه فيه على التمسك بكتاب الله والعمل بطاعته والعدول عن قوله موضحًا له الرأي الصحيح ذاكرًا له بعض الآيات والأحاديث التي يجب الأخذ بها في هذه المسألة، وأمر -رحمه الله- أن يكتب الكتاب من نسختين فهو لا يأمن غدرهم، وقد ذكر أبو بكر المروذي أن الإمام أحمد زاد في الكتاب ونقص بعد ما عرضه عليه ثم أمره بالتوجه به إليه. وقد ذكر الخلال هذا الكتاب في الجزء السادس من المسند - المصدر السابق تحت عنوان: جامع الرد على من قال: القرآن مخلوق. (¬1) في الأصل: قال أخبرني. والمثبت من: س، ط، والمسند. (¬2) قال: إضافة من الشيخ -رحمه الله- ويعني أبو بكر المروذي، والكلام متصل بما قبله في المسند. (¬3) قوله: يعني أحمد بن حنبل وهو إيضاح من الشيخ. ولا يوجد في المسند. (¬4) سنن الترمذي 5/ 177 - كتاب فضائل القرآن - الباب 17 الحديث 2912. وقد أورده بلفظ: "إنكم لن ترجعوا إلى الله بأفضل مما خرج منه" يعني القرآن". وذكره الهندي صاحب كنز العمال 1/ 514 رقم 2287 بلفظ: "إنكم لا ترجعون الله بشيء أفضل مما خرج منه" يعني القرآن. وسوف يذكره الشيخ باللفظ الَّذي رواه الترمذي به، والحكم عليه ص: 368. (¬5) يعني: أبو بكر المروذي. (¬6) في المسند:. . . قال ثنا. . . (¬7) في الأصل: حبيش. وفي ط: حنيس. وهو خطأ. والمثبت من: س، =

أرطأة، عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ". . . ما تقرب العباد إلى الله بمثل ما خرج منه" (¬1) يعني القرآن (¬2)، الحديث. قلت: والأول المرسل (¬3) أثبت من هذا، وقد رواهما [الترمذي] (¬4) فقال: حدثنا أحمد بن منيع، ثنا أبو النضر، ثنا بكر بن خنيس (¬5)، عن ليث بن أبي سليم، عن زيد بن أرطأة، عن أبي أمامة ¬

_ = والمسند. هو: بكر بن خنيس الكوفي العابد، نزل بغداد، روى عن ليث بن أبي سليم وثابت البناني وغيرهما، وعنه أبو النصر ووكيع وإبراهيم بن طهمان وغيرهم قال عنه النسائي وغيره: ضعيف، وقال الدارقطني: متروك، وقال أبو حاتم: صالح ليس بقوي، وقال ابن أبي شيبة: ضعيف الحديث موصوف بالرواية والزهد. راجع: ميزان الاعتدال -للذهبي - 1/ 344. وتهذيب التهذيب -لابن حجر - 1/ 481، 482. (¬1) جزء من حديث رواه الترمذي بالسند الَّذي ذكره الشيخ وأوله: "ما أذن الله لعبد في شيء. . ". راجع: سنن الترمذي 5/ 176 - كتاب فضائل القرآن باب 17 الحديث 2911. وذكره الهندي صاحب كنز العمال بلفظ: "ما تقرب العباد إلى الله بشيء أحب إليه مما خرج منه" 1/ 529. وذكره الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 7/ 88. وسوف يذكره الشيخ -رحمه الله تعالى- بتمامه، والحكم عليه وما قاله الترمذي فيه بعد أسطر قليلة. (¬2) في سنن الترمذي: "قال أبو النضر: يعني القرآن". (¬3) قال ابن الصلاح في كتابه علوم الحديث ص: 47: "وصورته التي لا خلاف فيها حديث التابعي الكبير الَّذي لقي جماعة من الصحابة وجالسهم، كعبيد الله بن عدي بن الخيار، ثم سعيد بن المسيب، وأمثالهما، إذا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. . والمشهور التسوية بين التابعين أجمعين في ذلك - رضي الله عنهم. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. وقد تقدم تخريجهما ص: 366. (¬5) في الأصل: حنيش. وفي ط؛ حنيس. والمثبت من: س. وقد تقدم التعريف =

قال: قال رسول الله (¬1) - صلى الله عليه وسلم -: "ما أذن الله لعبد في شيء أفضل من ركعتين يصليهما، وإن البر ليذر على رأس العبد ما دام في صلاته، وما تقرب العباد إلى الله بمثل ما خرج منه". قال أبو النضر يعني القرآن. قال الترمذي (¬2): هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وبكر بن خنيس (¬3)، قد تكلم فيه ابن المبارك، وتركه في آخر أمره. وقد روى هذا الحديث عن زيد بن أرطأة عن جبير بن نفير عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا (¬4)، حدثنا بذلك إسحاق بن منصور ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية عن العلا بن الحارث، عن زيد بن أرطاة، عن جبير بن نفير، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنكم لن ترجعوا إلى الله بأفضل مما خرج منه" يعني القرآن (¬5). وروى أبو القاسم اللالكائي (¬6) حديث عمرو بن دينار المتقدم، وذكره من طريق محمد بن جرير الطبري، ثنا (¬7) محمد بن أبي منصور الأملي (¬8)،. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = به قريبًا من ص: (367). (¬1) في س، ط: النبي. (¬2) سنن الترمذي 5/ 176 - كتاب فضائل القرآن باب 17 الحديث 2911. (¬3) في الأصل: حنيش. وفي ط: حنيس، والمثبت من: س. وتقدم التعريف به. (¬4) في سنن الترمذي: مرسل. (¬5) بعد كلمة (القرآن) بياض في: الأصل، س. بمقدار سطرين، وفي: ط: بمقدار خمس كلمات في نهاية السطر. ولعله نهاية النقل عن الترمذي وبداية الرواية عن اللالكائي. (¬6) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة - للالكائي - 2/ 234، 235. (¬7) في شرح أصول اعتقاد أهل السنة: "قال ثنا". (¬8) في الأصل: محمد بن منصور الأبلي. والمثبت من: س، ط، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، مع اختلاف بينهما في النسبة حيث وردت في: س، ط: الأيلي. وفي شرح =

ثنا (¬1) الحكم بن محمد أبو (¬2) مروان الأبلي (¬3) ثنا (¬4) ابن (¬5) عيينة، سمعت (¬6) عمرو بن دينار يقول: أدركت مشايخنا والناس منذ سبعين سنة يقولون: القرآن كلام الله، منه بدأ وإليه يعود. قال اللالكائي (¬7): وروى عبد العزيز بن منيب المروزي (¬8)، عن ابن عيينة بهذا اللفظ. قال (¬9): ورواه عبد الرحمن بن أبي حاتم عن محمد بن عمار بن ¬

_ = أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: الأملي. ولم أقف على ترجمة له. (¬1) في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: قال حدثنا. . . (¬2) في الأصل، س: ابن. والمثبت من: ط، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة. ولعله الصواب. وتقدم التعريف به ص: 158. (¬3) في ط: الأيلي. وفي شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: الأملي. ولم أجد هذه النسبة في ترجمته. (¬4) في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: قال حدثنا. (¬5) في ط: ابن أبي. وهو تصحيف. (¬6) في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: قال سمعت. (¬7) في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، والكلام متصل بما قبله. (¬8) في ط: المروذي. وفي شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ابن عبد العزيز بن منيب. . . هو: أبو الدرداء عبد العزيز بن منيب المروزي، مولى عبد الرحمن بن سمرة القرشي، قال عنه أبو حاثم الرازي: صدوق. وقال الدارقطني: ليس به بأس. توفي سنة 277 هـ. راجع: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 2/ 2 / 397، 398. وتاريخ بغداد -للبغدادي- 10/ 450، 451. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 6/ 360. (¬9) يعني: اللالكائي. والكلام متصل بما قبله في: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة. وانظره في خلق أفعال العباد -للبخاري- ص: 29.

الحارث (¬1) ثنا (¬2) أبو مروان الطبري بمكة، وكان فاضلًا، ثنا (¬3) سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار، سمعت (¬4) مشيختنا (¬5) منذ سبعين سنة يقولون: القرآن كلام الله غير مخلوق. قال محمد بن عمار: ومن مشيخته (¬6) أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن عباس، وجابر، وذكر جماعة. قال (¬7): ورواه محمد بن مقاتل المروزي (¬8)، سمعت (¬9) أبا وهب -وكان من ساكني مكة، وكان رجل صدق- عن ابن عيينة: بهذا اللفظ. ¬

_ (¬1) في جميع النسخ: حديث. وهو خطأ. والمثبت من: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة. هو: أبو جعفر محمد بن عمار بن الحارث الرازي، قال عنه ابن أبي حاتم: كتبت عنه، وهو صدوق ثقة. راجع: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 4/ 1 / 43. (¬2) في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: قال حدثنا. (¬3) في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: قال حدثنا. (¬4) في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: قال سمعت. (¬5) في ط: شيختنا. (¬6) في س: وابن مشيخته. وفي ط: وإن شيخته. وهو تصحيف. وفي شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: "ومن مشيخته؟ إلا أصحاب. . (¬7) يعني: اللالكائي. والكلام متصل بما قبله في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة. (¬8) في ط: المروذي. هو: أبو الحسن محمد بن مقاتل المروزي، قال عنه أبو حاتم: صدوق، روى عنه البخاري، وإبراهيم الحربي، وأبو زرعة، وغيرهم. توفي سنة 226 هـ. راجع: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 4/ 1 / 105. الوافي بالوفيات -للصفدي - 5/ 52. (¬9) في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: قال: سمعت.

وكذلك رواه يزيد بن وهب (¬1)، عن سفيان ومحمد بن عبد الله بن ميسرة (¬2)، عن سفيان، بهذا اللفظ. قلت: وكذلك رواه البخاري (¬3) عن الحكم بهذا اللفظ، لكنه اقتصر به على سفيان فقال: (حدثني الحكم بن محمد الطبري -كتبت عنه بمكة- ثنا (¬4) سفيان ابن عيينة قال: أدركت مشيختنا (¬5) منذ سبعين سنة، منهم عمرو بن دينار يقولون: القرآن كلام الله، وليس بمخلوق). ولم يروه اللالكائي هكذا عن غير البخاري. وإسحاق بن راهوية، قد أثبت اللفظين (¬6) جميعًا عن ابن عيينة، عن عمرو، مكتمل الإسناد والمتن، وإنما سمى - والله أعلم - زرقان وكيعًا، لأنه كان من أعلم الأئمة بكفر الجهمية وباطن قولهم، وكان من أعظمهم ذمًّا لهم وتنفيرًا عنهم (¬7)، فبلغ الجهمية من ذمه لهم ما لم يبلغهم من ذم غيره، إذ هم من أجهل الناس بالآثار النبوية وكلام السلف والأئمة، كما يشهد بذلك كتبهم، ومحمد بن شجاع هو (¬8) مجروح متهم ¬

_ (¬1) في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: موهب. (¬2) في س، ط: مسرة. (¬3) في خلق أفعال العباد ص: 29. (¬4) في ط: شيختنا. وفي خلق أفعال العباد: مشائخنا. (¬5) في خلق أفعال العباد: قال حدثنا. (¬6) اللفظتان هما: "القرآن كلام الله، منه بدأ وإليه يعود" و"القرآن كلام الله غير مخلوق" وقد رويتا عن عمرو بن دينار - كما تقدم. (¬7) أورد البخاري -رحمه الله- في كتابه "خلق أفعال العباد ص: 39 " ما يدل على أن وكيعًا كان من أعلم الأئمة بكفر الجهمية، حيث فصل للسائل عن حكم الصلاة خلفهم ومناكحتهم -ما أجمله الأئمة قبله- ممن توجه السائل بالسؤال إليهم. وسوف يذكره الشيخ -رحمه الله- نقلًا عن البخاري ص: 374. (¬8) في ط: هذا.

وكيع بن الجراح من أعلم الأئمة بكفر الجهمية وباطن قولهم

في روايته، وترجمته في كتب الجرح والتعديل ترجمة معروفة، وتجريح حكام الجرح والتعديل له مشهور (¬1). قال البخاري في كتاب خلق الأفعال (¬2): (حدثني أبو جعفر محمد بن عبد الله، حدثني محمد بن قدامة اللؤلؤي (¬3) الأنصاري قال: سمعت وكيعًا يقول: لا تستخفوا بقولهم: القرآن مخلوق، فإنه من شر قولهم إنما (¬4) يذهبون إلى التعطيل. قال البخاري (¬5): (وقال وكيع: الرافضة (¬6) شر من القدرية، والحرورية شر منهما، والجهمية شر هذه الأصناف، قال الله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (¬7). . . . . . . ¬

_ (¬1) نقل ابن حجر -رحمه الله- في تهذيب التهذيب 9/ 220 - أن زكريا الساجي قال: "فأما ابن الثلجي فكان كذابًا احتال في إبطال حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورده نصرة لمذهبه. وقال ابن عدي: كان يضع أحاديث في التشبيه، وينسبها إلى أصحاب الحديث، يبليهم بذلك. وقال الأزدي: كذاب لا تحل الرواية عنه لسوء مذهبه وزيغه عن الدين. انظر: ما ذكرته في ترجمته ص: 344. (¬2) خلق أفعال العباد ص: 37. (¬3) في جميع النسخ: اللال. وفي خلق أفعال العباد: السلال. وما أثبته هو الصواب. وهو: أبو جعفر محمد بن قدامة اللؤلؤي الأنصاري الجوهري، روى عن ابن عيينة ووكيع وغيرهما، وروى عنه محمد بن عبد الله المخرمي وابن أبي الدنيا وغيرهما، توفي سنة 237 هـ. راجع: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 4/ 1 / 66. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 9/ 410، 411. (¬4) في خلق أفعال العباد: وإنما. (¬5) خلق أفعال العباد -للبخاري- ص: 39، 40. (¬6) في خلق أفعال العباد: الرافضية. (¬7) سورة النساء، الآية: 164.

ويقولون: لم يكلم، ويقولون: الإيمان بالقلب (¬1). قال البخاري (¬2): (وقال وكيع: احذروا هؤلاء المرجئة، وهؤلاء الجهمية (¬3)، والجهمية كفار، والمريسي (¬4) جهيمي، وعلمتم كيف كفروا، قالوا: تكفيك (¬5) المعرفة، وهذا كفر، والمرجئة يقولون: الإيمان قول بلا فعل، وهذا بدعة، فمن قال: القرآن مخلوق فهو كافر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - يستتاب، فإن تاب وإلّا ضربت عنقه. قال (¬6): وقال وكيع: على المريسي (¬7) لعنة الله، يهودي هو (¬8) أو نصراني. فقال (¬9) له رجل: كان أبوه أو جده يهوديًّا أو نصرانيًّا؟ قال وكيع: وعلى أصحابه (¬10) لعنة الله، القرآن كلام الله، وضرب وكيع إحدى يديه على الأخرى وقال (¬11): سيئ ببغداد يقال له المريسي يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه. ¬

_ (¬1) الإيمان: قول باللسان وتصديق بالقلب وعمل بالجوارح، وهذا مذهب السلف وخالفهم في هذا طوائف من أهل الكلام كالجهمية والمرجئة والأشاعرة وغيرهم. والكلام عن هذه المسألة مستوفى في كتاب "الإيمان" لشيخ الإسلام، وقبله كتاب "الإيمان" لأبي عبيد القاسم بن سلام، وكذا كتاب "الإيمان" لأبي بكر بن أبي شيبة، وغيرها من كتب السلف -رحمهم الله. وسوف يأتي مزيد تفصيل لها في ص: 646 - 648 إن شاء الله. (¬2) خلق أفعال العباد - للبخاري - ص: 34. (¬3) في خلق أفعال العباد: "قال وكيع: أحدثوا هؤلاء المرجئة والجهمية. . (¬4) في خلق أفعال العباد: المريس. (¬5) في خلق أفعال العباد: يكفيك. (¬6) القائل البخاري، والكلام متصل بما قبله في خلق أفعال العباد. (¬7) في خلق أفعال العباد: المريس. (¬8) هو: ساقطة من: خلق أفعال العباد. (¬9) في خلق أفعال العباد: قال. (¬10) في خلق افعال العباد: عليه وعلى أصحابه. . (¬11) في جميع النسخ: فقال هو. والمثبت من خلق أفعال العباد.

قال البخاري (¬1): (وسئل عبد الله بن إدريس (¬2) عن الصلاة خلف أهل البدع فقال: لم يزل في الناس إذا كان فيهم مرضي (¬3) أو عدل فصلّ خلفه، قلت: فالجهمية؟ قال: لا هذه من المقاتل، هؤلاء لا يصلى خلفهم، ولا يناكحون، وعليهم التوبة. وسئل حفص بن غياث (¬4)، فقال فيهم ما قال ابن إدريس، قيل: فالجهمية؟ قال: لا (¬5) أعرفهم (¬6)، قيل له: قوم يقولون القرآن مخلوق، قال: لا جزاك الله خيرًا (¬7)، أوردت على قلبي شيئًا لم يسمع به قط. قلت: فإنهم (¬8) يقولونه، قال: هؤلاء لا يناكحون ولا تجُوز شهادتهم. ¬

_ (¬1) في خلق أفعال العباد ص: 39. (¬2) هو: أبو محمد عبد الله بن إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي الكوفي، وثقه الأئمة، وحدث عنه الإمام مالك وابن المبارك وغيرهما. توفي سنة 192 هـ. قال عنه الإمام أحمد: كان ابن إدريس نسيج وحده. وقال أبو حاتم: هو إمام من أئمة المسلمين حجة. راجع: تذكرة الحفاظ -للذهبي- 1/ 282 - 284. والوافي بالوفيات - للصفدي - 17/ 64 - 65. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 5/ 144 - 146. (¬3) في خلق أفعال العباد: مرض. (¬4) هو: أبو عمر حفص بن غياث بن طلق النخعي الكوفي، أحد الأئمة الثقات، ولي قضاء الجانب الشرقي ببغداد، ثم بعث على قضاء الكوفة، روى عنه الإمام أحمد ويحيى بن معين وغيرهما. قال البغدادي: كان حفص كثير الحديث حافظًا له ثبتًا فيه. توفي سنة 194 هـ. راجع: تاريخ بغداد - للبغدادي - 8/ 188 - 200. وميزان الاعتدال -للذهبي - 1/ 567. والوافي بالوفيات - للصفدي - 13/ 98، 99. (¬5) لا: ساقطة من: س. (¬6) ورد في خلق أفعال العباد: ". . . ما قال ابن إدريس في قتل الجهمية، وقال لا أعرفه. . (¬7) في الأصل: خير. والمثبت من: س، ط، وخلق أفعال العباد. (¬8) في خلق أفعال العباد: فقلت: إنهم.

حماد بن سلمة كان معتنيا بجمع أحاديث الصفات وإظهارها ومعاذ بن معاذ قاضي البصرة رد شهادة الجهمية والقدرية

وسئل ابن عيينة فقال: نحو ذلك، قال (¬1): فأتيت وكيعًا فوجدته من أعلمهم بهم، فقال: يكفرون من وجه كذا، ويكفرون من وجه كذا، حتَّى أكفرهم من كذا وكذا وجهًا. قلت: وهكذا رأيت الجاحظ (¬2)، قد شنع على حماد بن سلمة (¬3) ومعاذ بن معاذ (¬4) قاضي البصرة بما لم يشنع به [على] (¬5) غيرهما، لأن حمادًا كان معتنيًا بجمع أحاديث الصفات وإظهارها، ومعاذًا لمّا تولى القضاء رد شهادة الجهمية والقدرية، فلم يقبل شهادة المعتزلة، ورفعوا عليه إلى الرشيد، فلما اجتمع به حمده على ذلك وعظمه، فلأجل معاداتهم لمثل هؤلاء، الذين هم أئمة في السنة، يشنعون عليهم. بما إذا (¬6) حقق لم يوجد مقتضيًا لذم. وأما ما حكاه الأشعري عن محمد بن شجاع أن فرقة قالت: إن ¬

_ (¬1) القائل: هو السائل. ولم يصرح باسمه في خلق أفعال العباد. (¬2) هو: أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الكناني، الشهير بالجاحظ، أحد أئمة المعتزلة، وإليه تنسب الجاحظية منهم، تتلمذ على أبي إسحاق النظام، له ضلالات وفضائح ذكرها مؤرخو الفرق. توفي سنة 255 هـ. انظر: تاريخ بغداد - للبغدادي - 12/ 212 - 225. لسان الميزان -لابن حجر- 4/ 355 - 357. الفرق بين الفرق - للبغدادي - ص: 175 - 178. طبقات المعتزلة -للقاضي عبد الجبار- ص: 261 - 263. (¬3) له مصنف في الصفات. راجع ترجمته ص: 147. (¬4) هو: أبو المثنى معاذ بن معاذ بن نصر بن حسان العنبري التميمي، قاضي البصرة، ولي قضاءها مرتين، كان من الأثبات في الحديث، يقول النسائي فيه: معاذ ثقة ثبت. توفي سنة 196 هـ. انظر: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم - 4/ 1 / 248 - 249. وسير أعلام النبلاء -للذهبي - 9/ 54 - 57. وتهذيب التهذيب -لابن حجر - 10/ 194، 195. (¬5) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬6) في الأصل: بماذا. والمثبت من: س، ط.

ابن الثلاج من أصحاب بشر المريسي، فأظهر التوبة والوقف في لفظ المخلوق، دون لفظ المحدث

القرآن هو الخالق، وفرقة قالت: هو بعضه، فقد ذكر الخلال في كتاب السنة ترجمة محمد بن شجاع، وسبب أمر أحمد أهل السنة بهجره. فروى الخلال (¬1) من مسائل أبي الحارث قال: قلت لأبي عبد الله: قال لي ابن الثلاج: سمعت رجلًا يقول: القرآن هو الله، فقال له (¬2) عمه: إنا بتنا عند أحمد بن نصر وكان ابن الثلاج معنا، وكان عباس الأعور، فتلى عباس (¬3) هذه الآية: {فَإِنَّ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ} (¬4) قال: إلى كتاب الله، فهو يتأول عليه هذا، قلت له: إنا قلنا (¬5) لابن الثلاج: تقول (¬6) إن لله علمًا؟ قال: أنا لا أقول إن لله علمًا، فقال أبو عبد الله: استغفر الله (¬7). وقلت له: إني سمعته يقول: كلام الله غير الله، فقال: دعه يقول ما شاءكم يقول لي، قال: ابن الثلاج وشكاني. قلت: فقد تبين بهذا أصل حكايته، وهو أَنْ ذكر أنّ الرد إلى الله هو الرد إلى القرآن، فنقل عنه أن القرآن هو الله، ولعله كان من مقصود ذاك أن يستدل على أن القرآن صفة الله، وأن الرد إليه هو الرد إلى الله نفسه، لأنه هو كلامه القائم به، كما أن الرد إلى الرسول هو الرد إلى كلامه الَّذي قام به، وأنه لو كان القرآن إنما هو قائم ببعض الأجسام المخلوقة، لكان الرد إليه ردًّا إلى ذلك الجسم المخلوق، لا إلى الله تعالى، فنقل عنه أنَّه جعل القرآن هو الخالق، وهذا ابن الثلاج كان من ¬

_ (¬1) لم أقف عليه في مسائل أبي عبد الله أحمد بن حنبل - رواية أبي بكر الخلال - مخطوط لعدم وضوح بعض لوحاته، رغم اجتهادي في ذلك. (¬2) في س، ط: لي. (¬3) في س، ط: ابن عباس. وهو تصحيف. (¬4) سورة النساء، الآية: 59. (¬5) في س: قلت. (¬6) في س، ط: يقول. (¬7) في الأصل: والله. والمثبت من: س، ط.

أصحاب بشر المريسي فأظهر التوبة من ذلك، وأظهر الوقف في لفظ المخلوق، دون لفظ المحدث، كما حكاه الأشعري عنه (¬1)، ومقصوده مقصود من يقول: هو مخلوق، وعرف الأئمة حقيقة حاله، فلم يقبل الإمام أحمد وسائر أهل السنة هذه التوبة، لأنها توبة غير صحيحة، حتَّى كان يعادي أهل السنة ويكذب عليهم، حتَّى كذب على الإمام أحمد غير مرة (¬2)، وقد ذكر قصته أبو عبد الله الحسين بن عبد الله الخرقي - خليفة المروذي (¬3)، والد أبي القاسم صاحب المختصر في الفقه (¬4) - في قصص الذين أمر أحمد بهجرانهم، ومسألته للمروذي عنهم واحدًا واحدًا (¬5)، وأخبار المروذي (¬6) له بما كان عنده في ذلك. ونقل الخلال من (¬7) أخباره في كتاب السنة ما يوضح الأمر، فقال: ¬

_ (¬1) قال الأشعري في المقالات 2/ 256: "وقال محمد بن شجاع الثلجي ومن وافقه من الواقفة: إن القرآن كلام الله، وإنه محدث كان بعد أن لم يكن، وبالله كان، وهو الَّذي أحدثه، وامتنعوا من إطلاق القول بأنه مخلوق، أو غير مخلوق". (¬2) يقول الذهبي في ميزان الاعتدال 3/ 577: "جاء من غير وجه أنَّه كان ينال من أحمد وأصحابه. . " فذكر في ص: 578: "أن ابن الثلاج يقول: أصحاب أحمد بن حنبل يحتاجون أن يذبحوا،. . وقال عبد السلام القاضي: سمعت ابن الثلاج يقول: عند أحمد بن حنبل كتب الزندقة". ولا يخفى ما في هذا من النيل للإمام أحمد وأصحابه، ولذا أمر -رحمه الله- بهجره. كما ذكره الشيخ. (¬3) في الأصل: المروزي. والمثبت من: س، ط. وهو أبو بكر أحمد بن الحجاج. وقد تقدم التعريف بهما. (¬4) تقدم الكلام عليه وعلى مختصره. (¬5) في الأصل: واحد. والمثبت من: س، ط. (¬6) في الأصل: المروزي. والمثبت من: س، ط. وتقدم التعريف به. (¬7) من: ساقطة من: ط.

أخبرني الحسين بن عبد الله قال: سألت أبا بكر المروذي (¬1) عن قصة ابن الثلاج، فقال، قال لي: أبو عبد الله جاءني هارون الحمال (¬2) فقال: إن ابن الثلاج تاب من صحبة المريسي، فأجيء به إليك؟ قال قلت: لا ما (¬3) أريد أن يراه أحد على بابي، قال: أحب أن أجيء به بين المغرب والعشاء، فلم يزل يطلب إلي، قال قلت: هو ذا يقول أجب (¬4)، فأي شيء أقول لك، قال: فجاء به، فقلت له: اذهب حتَّى تصح توبتك (¬5) وأظهرها، ثم رجع فبلغنا أنَّه أظهر الوقف، قال أبو بكر المروذي (¬6): فمضيت ومعي نفسان من أصحابنا فقلت له: قد بلغني عنك شيء (¬7)، ولم أصدق به، قال: وما هو؟ قلت: تقف (¬8) في القرآن، فقال: أنا أقول كلام الله، فجعل يحتج بيحيى بن آدم وغيره أنهم وقفوا، فقلمت له: هذا من الكتاب الَّذي أوصى لكم به عبيد بن نعيم، فقال: لا تذكر الناس فقلت له: أليس أجمع المسلمون جميعًا أنَّه من حلف بمخلوق أنَّه لا كفارة عليه؟ قال: نعم، قلت: فمن حلف بالقرآن أليس قد أوجبوا عليه كفارة لأنه حلف بغير مخلوق؟ فقال: هذا متاع أصحاب الكلام، ¬

_ (¬1) في الأصل: المروزي. والمثبت من: س، ط. (¬2) هو: أبو موسى هارون بن عبد الله بن مروان البغدادي البزاز، المعروف بالحمال، من حفاظ الحديث الثقات، روى عنه مسلم والنسائي وغيرهما توفي سنة 243 هـ. انظر: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم - 4/ 2 / 92. وتذكرة الحفاظ -للذهبي - 2/ 478. وتهذيب التهذيب -لابن حجر - 11/ 8، 9. (¬3) في الأصل: نا. والمثبت من: س، ط. (¬4) في الأصل: نقول: أجب. والمثبت من: س، ط. ولعله المناسب. (¬5) في س: تبوتك. (¬6) في الأصل: المروزي. والمثبت من: س، ط. (¬7) في س: بشي. (¬8) في ط: نقف.

ثم قال: إنما أقول كلام الله كما أقول سماء (¬1) الله وأرض الله (¬2)، ثم قال: وأي شيء (¬3) قام به أحمد بن حنبل؟ ثم قال: قد (¬4) علموكم الكلام، وأومأ إلى ناحية الكرخ (¬5) يريد أبا ثور وغيره، فقمنا من عنده فما كلمناه حتَّى مات. وروى الخلال من وجهين عن زياد بن أيوب (¬6) قال: قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: يا أبا عبد الله علماء الواقفة جهمية؟ قال: نعم مثل ابن الثلجي وأصحابه الذين يجادلون. قلت: ولو فرض أن بعض أهل الإثبات أطلق القول بأن القرآن أو غيره من الصفات بعضه (¬7)، فهذا إما أن ينكر لأنه يقال: الصفة القائمة بالموصوف كالعلم والكلام لا يقال: هي بعضه، أو لأن الرب تبارك ¬

_ (¬1) في ط: أسماء. (¬2) في س، ط: فإنه من الله -بدلًا من- أرض الله. (¬3) ورد في لسان الميزان -للذهبي- 3/ 577: "إيش قام به أحمد؟ "، وقد أورد هذا الذهبي ليبرهن على أن ابن الثلجي ينال من الإمام أحمد وأصحابه. (¬4) قد: ساقطة من: س، ط. (¬5) الكرخ: بفتح الكاف وسكون الراء والخاء المعجمة - بالعراق. يقول ياقوت الحموي: "وما أظنها عربية، إنما هي نبطية. . . " وهي صغيرة عامرة بشرقي دجلة، وهي في الجانب الغربي من بغداد. راجع: معجم البلدان - لياقوت - 4/ 447. والروض المعطار في جند الأقطار - ص: 490، 491. (¬6) هو: أبو هاشم زياد بن أيوب بن زياد الطوسي، يعرف بدلوية، حدث عنه البخاري وأبو داود والنسائي وغيرهم، قال أبو حاتم: صدوق. توفي سنة 252 هـ. انظر: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 1/ 2 / 525. وطبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 1/ 156 - 158. وسير أعلام النبلاء -للذهبي - 12/ 120 - 123. (¬7) يعني: بعض الله.

ما ذكره الأشعري عن ضرار بن عمرو أنه قال: الألوان والطعوم أبعاض الأجسام

وتعالى لا يقال: إن له بعضًا كما للأجسام بعض، فإن كان الإنكار (¬1) لأجل الأول فأهل الكلام متنازعون في صفات الجسم، هل يقال: إنها بعض الجسم؟ أو يقال: هي غيره؟ أو لا يقال: هي غيره؟. فذكر الأشعري (¬2): عن ضرار بن عمرو (¬3) أنَّه قال: (الألوان والطعوم والأراييح (¬4) والحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والرقة (¬5) أبعاض الأجسام وأنها متجاورة، قال: وحكى عنه مثل ذلك في الاستطاعة والحياة. وزعم أن الحركات والسكون وسائر الأفعال التي تكون من الأجسام أعراض لا أجسام. وحكى عنه في التأليف (¬6) أنَّه كان يثبته بعض الجسم. ¬

_ (¬1) في الأصل: للإنكار. والمثبت من: س، ط. (¬2) مقالات الإسلاميين 2/ 37. (¬3) هو: ضرار بن عمرو، أحد رؤوس المعتزلة، وإليه تنسب الفرقة الضرارية، كان يقول: الأجسام إنما هي أعراض مجتمعة من لون وطعم ورائحة ونحوها من الأعراض التي لا يخلوا الجسم منها، انفرد بأشياء منكرة ذكرها البغدادي وغيره. راجع في شأنه ومذهبه: الفرق بين الفرق - للبغدادي - 213 - 215. وميزان الاعتدال -للذهبي - 2/ 328. ولسان الميزان -لابن حجر - 3/ 203. (¬4) في الأصل: الأرانيح. وفي س: الأرانيج. وفي ط: الروائح. والمثبت من المقالات. والريح: مفرد جمعه: أرواح وأرياح ورياح وريح، وجمع الجمع: أراويح وأراييح. والأرج: محركة، والأريج والأريجة: توهج ريح الطيب، والجمع الأرائج. انظر: لسان العرب -لابن منظور - 2/ 207 (أرج) و 2/ 455 (روح). وهذه الكلمة سوف ترد كثيرًا وتختلف النسخ فيها. (¬5) في المقالات: الزنة. (¬6) التأليف لغة: إيقاع الإلف بين شيئين أو أكثر. وعرفًا: جعل الأشياء الكثيرة بحيث يطلق عليها اسم الواحد سواء كان لبعض =

فأما غيره ممن كان يذهب إلى (¬1) قوله في الأجسام، فإنه كان (¬2) يثبت التأليف والاجتماع والافتراق والاستطاعة غير الأجسام. وقطع عنه الأشعري في موضع (¬3) أنَّه: "كان يزعم أن الاستطاعة قبل الفعل ومع الفعل، وأنها بعض المستطيع، وأن الإنسان أعراض مجتمعة وكذلك الجسم أعراض مجتمعة من لون، وطعم، ورائحة، وحرارة، وبرودة، ومجسة (¬4)، وغير ذلك. وأن الأعراض قد يجوز (¬5) أن تنقلب (¬6) أجسامًا، ووافقه على ذلك حفص الفرد (¬7)، وغيره (¬8)، ¬

_ = أجزائه نسبة إلى البعض بالتقدم والتأخر أم لا. فعلى هذا يكون التأليف أعم من الترتيب. راجع: التعريفات - للجرجاني - ص: 50 باب التاء. وكشف اصطلاحات الفنون - للتهانوني - 1/ 114، 115. (¬1) في س، ط: ينافي قوله. (¬2) كان: ساقطة من: المقالات. (¬3) في الأصل: موضع. والمثبت من: س. والمواضع في المقالات 1/ 339، 2/ 16، 58. (¬4) في س، ط: ومحبة. (¬5) في س: تجوز. (¬6) في الأصل: تتقلب. وفي س: تتقلب. والمثبت من: ط، والمقالات. (¬7) في الأصل: الزد. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط، والمقالات. هو: أبو عمرو حفص الفرد، كان متابعًا لضرار بن عمرو في بعض آرائه. قال الذهبي: مبتدع، وقال النسائي: صاحب كلام لكنه لا يكتب حديثه، وكفره الشافعي في مناظرته. راجع: ميزان الاعتدال للذهبي 1/ 564. ولسان الميزان لابن حجر 2/ 230، 331. والفرق بين الفرق - للبغدادي - ص: 214. (¬8) قوله: "ووافقه على ذلك حفص الفرد وغيره" ساقط من: المقالات. وغيره: كالحسين النجار فإنهما يوافقان ضرار بن عمرو في مقالته التي ذكرها الشيخ. راجع رأي الجميع مصرحًا به في المقالات 2/ 16، 58.

وإن الإنسان (¬1) قد يفعل الطول والعرض والعمق وإن [كان] (¬2) ذلك أبعاض الجسم). قال (¬3): (وقال الأصم: وهو عبد الرحمن بن كيسان الأصم، أستاذ إبراهيم بن إسماعيل بن علية (¬4) الَّذي كان يناظر: لا (¬5) أثبت إلا الجسم الطويل العريض العميق، ولم يثبت حركة غير الجسم، ولا يثبت سكونًا غيره، ولا قيامًا غيره (¬6)، ولا قعودًا غيره، ولا اجتماعًا غيره (¬7)، ولا حركة ولا سكونًا ولا لونًا ولا صوتًا ولا طعمًا غيره، ولا رائحة. قال الأشعري: فأما بعض أهل النظر ممن يزعم أن الأصم قد علم الحركات والسكون والألوان ضرورة، وإن لم يعلم أنها غير الجسم -فإنه يحكي عنه أنَّه كان لا يثبت الحركة والسكون وسائر الأفعال غير (¬8) الجسم. . . ولا يحكي عنه أنَّه كان لا يثبت حركة ولا سكونًا ولا قيامًا ولا قعودًا ولا اجتماعًا ولا افتراقًا على وجه من الوجوه، وكذلك يقول في سائر الأعراض). قلت: هذا القول الثاني إنها ثابتة لكن ليست غير الجسم هو الَّذي ¬

_ (¬1) في المقالات:. . وأبى ذلك أكثر الناس، وإن الإنسان. . ". (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من المقالات. وقد ورد فيه: "وإن كان ذلك أبعاضًا للجسم". (¬3) يعني: الأشعري في المقالات 2/ 35، 36. (¬4) قوله: "وهو عبد الرحمن بن كيسان الأصم أستاذ إبراهيم بن إسماعيل بن علية الَّذي كان يناظر" ساقط من: المقالات. (¬5) في جميع النسخ زيادة: "قال الأشعري: فقال الأصم: لا أثبت. . ". والكلام يستقيم بدون هذه الزيادة ولذا لم أثبتها. (¬6) في المقالات: "ولا فعلًا غيره ولا قيامًا غيره. . ". (¬7) في المقالات: "ولا افتراقًا ولا اجتماعًا ولا حركة. . ". (¬8) في جميع النسخ: وغير. والمثبت من: المقالات.

هشام بن الحكم يقول: إن صفات الله إنها ليست هو ولا غيره

قد يقوله بعض العقلاء، فأما نفي وجودها فهو سفسطة (¬1) من جنس نفي الجسم، وهذا القول هو قول غير هذا مثل هشام بن الحكم وغيره. قال الأشعري (¬2): (وقال هشام بن الحكم: الحركات وسائر الأفعال من القيام والقعود والإرادة والكراهة والطاعة والمعصية وسائر ما يثبت المثبتون أعراضًا، إنها صفات الأجسام (¬3) لا هي الأجسام ولا غيرها، إنها ليست بأجسام فيقع عليها التغاير. قال: وقد حكي هذا عن بعض المتقدمين، وأنه كان يقول كما حكينا عن هشام، وأنه لم يكن يثبت أعراضًا غير الأجسام. وحكي (¬4) عن هشام أنَّه كان لا يزعم أن صفات الإنسان أشياء، لأن الأشياء هي الأجسام عنده، وكان يزعم أنها معان وليست بأشياء). قلت: وهشام يقول ذلك -أيضًا- في صفات الله: إنها ليست هو ولا غيره، وطرد القول في جميع الصفات (¬5)، ودفع (¬6) بذلك ما كانت المعتزلة تورده على الصفاتية من التناقض (¬7)، قال (¬8): (وقال قائلون منهم أبو الهذيل، وهشام وبشر بن المعتمر، وجعفر (¬9) بن حرب، ¬

_ (¬1) في الأصل: سفصطة. والمثبت من: س، ط. (¬2) المقالات ص: 36. (¬3) في س: إنها صفات الأعراض الأجسام". وفي المقالات: "المثبتون الأعراض أعراضًا إنها صفات الأجسام. (¬4) في المقالات: ويحكى. (¬5) هشام بن الحكم ضل في صفات الله تعالى. راجع تفصيل هذا في الفرق بين الفرق - للبغدادي ص: 67. والملل والنحل للشهرستاني 1/ 184، 185. (¬6) في س: رفع. (¬7) في الأصل: التناهن. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط. (¬8) أبو الحسن الأشعري في المقالات 2/ 37. (¬9) في الأصل: جعثم. وهو خطأ. والمثبت من: س، ط، والمقالات. هو: جعفر بن حرب الهمداني من كبار معتزلة بغداد درس الكلام بالبصرة =

والإسكافي وغيرهم: الحركات والسكون، والقيام والقعود، والاجتماع والافتراق، والطول والعرض، والألوان والطعوم والأراييح (¬1) والأصوات والكلام والسكوت والطاعة والمعصية، والكفر والإيمان، وسائر أفعال الإنسان، والحرارة والبرودة، والرطوبة واليبوسة، واللين والخشونة، أعراض غير الأجسام). قال (¬2): (وحكى زرقان عن جهم بن صفوان أنَّه كان يزعم أن الحركة جسم، ومحال أن تكون غير الجسم، لأن غير الجسم هو الله تعالى ولا يكون (¬3) شيء يشبهه). قال (¬4): وكان إبراهيم النظام -فيما حكي عنه- يزعم أن الطول هو الطويل، وأن العرض هو العريض، وكان يثبت الألوان والطعوم والأرانيج (¬5) والأصوات والآلام والحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة أجسامًا لطافًا، ويزعم أن حيز اللون هو حيز الطعم والرائحة، وأن الأجسام اللطاف قد تحل في حيز (¬6) واحد، وكان لا يثبت عرضًا إلَّا الحركة فقط). قال (¬7): (وكان عباد بن سليمان يثبت الأعراض غير الأجسام، ¬

_ = على أبي الهذيل العلاف. له تصانيف معروفة عند المتكلمين. مات بعد سنة 230 هـ. راجع: تاريخ بغداد - للبغدادي - 7/ 162، 163. وميزان الاعتدال -للذهبي- 1/ 405. ولسان الميزان -لابن حجر- 2/ 113. (¬1) في الأصل، س: الأرايح. وفي ط: الروائح. والمثبت من المقالات. (¬2) أبو الحسن الأشعري في المقالات 2/ 37. (¬3) في المقالات: فلا يكون. (¬4) المصدر السابق 2/ 38، 39. (¬5) راجع ص: 380. ت (4). (¬6) في الأصل: حل. والمثبت من: س، ط، والمقالات. (¬7) المصدر السابق 2/ 38، 39.

فإذا قيل له: تقول الحركة غير المتحرك، والأسود غير السواد؟ امتنع من ذلك، وقال: قولي في الجسم متحرك إخبار عن جسم وحركة، فلا يجوز أن أقول: الحركة غير المتحرك). قال (¬1): وقال قائلون من أصحاب الطبائع: إن الأجسام كلها من أربع طبائع: حرارة، وبرودة، ورطوبة ويبوسة، وإن الطبائع الأربع (¬2) أجسام، ولم يثبتوا أشياء إلَّا هذه الطبائع الأربع (¬3)، وأنكروا الحركات، وزعموا أن الألوان والطعوم والأراييج (¬4) هي الطبائع الأربع. وقال قائلون منهم: إن الأجسام من أربع طبائع، وأثبتوا الحركات ولم يثبتوا عرضًا غيرها، وأثبتوا (¬5) الألوان والأرايح (¬6) من هذه الطبائع. وقال قائلون: الأجسام من أربع طبائع، وروح سابحة (¬7) فيها، وإنهم لا يعقلون جسمًا إلَّا هذه الخمسة الأشياء، وأثبتوا الحركات أعراضًا. قال (¬8): وقال قائلون: بإبطال الأعراض والحركات والسكون، وأثبتوا السواد وهو [عين] (¬9) الشيء الأسود لا غيره، وكذلك البياض وسائر الألوان وكذلك الحلاوة والحموضة وسائر الطعوم، وكذلك قولهم في الأرايح (¬10). . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) أي: الأشعري. والكلام متصل في المقالات. (¬2) في جميع النسخ: الأربعة. والمثبت من: المقالات. (¬3) في ط: الأربعة. (¬4) راجع ص: 380. ت (4). (¬5) في جميع النسخ: ويثبتون. والمثبت من: المقالات. (¬6) راجع ص: 380. ت (4). (¬7) في جميع النسخ:. . طبائع روح سائحة. والمثبت من: المقالات. (¬8) يعني: الأشعري. والكلام متصل في المقالات. (¬9) ما بين المعقوفتين زيادة من المقالات. (¬10) راجع ص: 380. ت (4).

ما ذكره الأشعري عن أبي الهذيل العلاف أن علم الله هو هو، وكذلك قدرته وسمعه وبصره

وفي (¬1) الحرارة: إنها [عين] (¬2) الشيء الحار (¬3)، وكذلك قولهم في الرطوبة والبرودة واليبوسة، وكذلك قولهم في الحياة: إنها هي الحي، وهؤلاء منهم من يثبت حركة الجسم وفعله غيره، ومنهم من لا يثبت عرضًا غير الجسم على وجه من الوجوه. قلت: هذا القول في صفات المخلوقين يضاهي قول شيخ المعتزلة أبي الهذيل في صفات الله. قال الأشعري (¬4): (قال شيخهم أبو الهذيل العلّاف: إن علم الباري تعالى هو هو، وكذلك قدرته وسمعه وبصره وحكمته وكذلك كان [قوله] (¬5) في سائر صفات ذاته. وكان يزعم [أنَّه] (¬6) إذا زعم أن الباري عالم فقد ثبت (¬7) علمًا هو الله، ونفى عن الله جهلًا، ودل على معلوم كان أو يكون. وإذا قال: إن الباري قادر فقد ثبت (¬8) قدرة هي الله تعالى، ونفى عن الله عجزًا (¬9)، ودل على مقدور كان أو يكون (¬10)، وكذلك [كان] (¬11) قوله في سائر صفات الذات على هذا التثبيت (¬12). وكان إذا ¬

_ (¬1) في: ساقطة من جميع النسخ. وأثبتها من: المقالات. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: المقالات. (¬3) في س: الحال. وهو تصحيف. (¬4) مقالات الإسلاميين 2/ 177 - 178. (¬5) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والمقالات. (¬6) ما بين المعقوفتين زيادة من المقالات أثبتها لتوضيح المعنى. (¬7) في ط: أثبت. (¬8) في ط: أثبت. (¬9) في الأصل: حجز. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط، والمقالات. (¬10) في المقالات: على مقدور يكون أو لا يكون. (¬11) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والمقالات. (¬12) في المقالات: الترتيب.

قول أرسطو طاليس وأصحابه أن العقل والعاقل والمعقول شيء واحد

قيل له: حدثنا عن علم الله الَّذي هو الله، أتزعم أنَّه قدرته؟ أبى (¬1) ذلك، وإذا (¬2) قيل له: فهو غير قدرته؟ أنكر ذلك، وهذا نظير ما أنكره من قول مخالفيه: إن علم الله لا يقال: هو الله، ولا يقال غيره. وكان إذا قيل له: [إذا قلت: إن علم الله هو الله] (¬3)، فقل: إن الله علم، ناقض ولم يقل إنه علم مع قوله: إن علم الله هو الله. قال (¬4): (وكان يسأل من يزعم أن طول الشيء هو هو (¬5)، وكذلك عرضه: هل طوله هو عرضه؟ قال (¬6): وهذا راجع عليه في قوله: إن علم الله هو الله، وإن قدرته هي هو لأنه إذا كان علمه هو هو، وقدرته هو هو، فواجب أن يكون علمه هو قدرته وإلّا لزم التناقض. قال (¬7): وهذا أخذه أبو الهذيل عن أرسطاطاليس، وذلك أن أرسطاطاليس قال في بعض كتبه: إن الباري علم كله، قدرة كله، حياة كله، بصر كله، فحسن اللفظ عند نفسه، وقال: علمه هو هو) [وقدرته هي هو] (¬8). ¬

_ (¬1) في الأصل: أذلك. وفي س: أي: أبي ذلك. والمثبت من: ط، والمقالات. (¬2) في المقالات: فإذا. (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من: المقالات، يقتضيها السياق. (¬4) مقالات الإسلاميين - للأشعري - 3/ 178. (¬5) في الأصل؛ س: فقل: إن. وفي ط: فيقول. والمثبت من: المقالات. (¬6) يعني الأشعري، وهي إضافة من الشيخ، والكلام متصل بما قبله في المقالات. (¬7) أي: الأشعري. والكلام متصل بما قبله. (¬8) ما بين المعقوفتين زيادة من: المقالات.

قلت: هو قول أرسطو وأصحابه: إن العقل والعاقل والمعقول شيء واحد (¬1)، وكذلك العلة (¬2). ¬

_ (¬1) ذكر الشهرستاني في الملل والنحل 2/ 121، 122: أن أرسطوطاليس يرى "أن واجب الوجود لذاته: عقل لذاته، وعاقل ومعقول لذاته، عقل من غيره، أو لم يعقل". أما أنَّه عقل، فلأنه مجرد عن المادة، منزه عن اللوازم المادية فلا تحتجب ذاته عن ذاته. وأما أنَّه عاقل لذاته، فلأنه مجرد لذاته. وأما أنَّه معقول لذاته، فلأنه غير محجوب عن ذاته بذاته أو بغيره". وقد بين شيخ الإسلام أن المتفلسفة المشائين القائلين هو عاقل ومعقول وعقل، وذلك كله شيء واحد، فيجعلون الصفة هي الموصوف، وهذه الصفة هي الأخرى، قالوا: ليس له صفة ثبوتية: لا علم ولا قدرة إذ لو كان كذلك -بزعمهم- لكان مركبًا من ذات وصفة، وهذا أكثر تناقضًا من قول النصارى، وجحد للعلوم الضرورية، وتصوره التام يكفي في العلم بفساده. انظر بتصرف: درء تعارض العقل والنقل -لابن تيمية - 5/ 247، 6/ 268. وبيان تلبيس الجهمية -لابن تيمية- 1/ 1507. وانظر: مجموعة الرسائل والمسائل -كتاب مذهب السلف القويم في تحقيق مسألة كلام الله الكريم -لابن تيمية - 1/ 3 / 373. (¬2) في الأصل، ط: العناية. وفي س: الغاية. ولعل الصواب ما أثبته. يؤيد ذلك ما ذكره الشيخ في مجموعة الرسائل والمسائل -كتاب مذهب السلف القويم في تحقيق مسألة كلام الله الكريم 1/ 3 / 373 بعد كلامه السابق على قول الفلاسفة: إنه عاقل ومعقول وعقل. . فقال: "ويقولون: إنه علة تامة في الأزل فيجب أن يقارنها معلولها في الأزل في الزمن وإن كان متقدمًا عليها بالعلة لا بالزمان. ويقولون: إن العلة التامة ومعلولها يقترنان في الزمان ويتلازمان فلا يوجد معلول إلا بعلة تامة، ولا تكون علة تامة إلا مع معلولها في الزمان، ثم يعترفون بأن حوادث العالم حدثت شيئًا بعد شيء من غير أن يتجدد من المبدع الأول ما يوجب أن يصير علة للحوادث المتعاقبة بل حقيقة قولهم: إن الحوادث حدثت بلا محدث وكذلك عدمت بعد حدوثها من غير سبب يوجب عدمها على أصلهم". =

إطلاق طوائف من أئمة أهل الكلام وفرسانهم القول بأن الصفة بعض الموصوف أو أنها ليست غيره

قلت: فهذه نقول أهل الكلام بعضهم عن بعض، أنهم يجعلون الصفة هي الموصوف في الخالق والمخلوق، فأولاء يناسب قولهم: إن الكلام هو المتكلم. وأما أهل السنة والإثبات فقد ظهر كذب النقل عنهم. وأما إطلاق القول بأن الصفة بعض الموصوف، أو أنها ليست غيره فقد قال ذلك طوائف من أئمة أهل الكلام وفرسانهم، وإذا حقق الأمر في كثير من هذه المنازعات، لم يجد (¬1) العاقل السليم العقل يخالف (¬2) ضرورة العقل لغير غرض، بل كثير من المنازعات يكون لفظيًّا أو اعتباريًّا فمن قال: إن الأعراض بعض الجسم، أو إنها ليست غيره، ومن قال: إنها غيره، يعود النزاع بين محققيهم إلى لفظ واعتبار (¬3)، واختلاف اصطلاح في مسمى بعض وغير. كما قد أوضحنا ذلك في بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية (¬4)، ويسمى -أيضًا- تخليص التلبيس من كتاب التأسيس، الَّذي وضعه أبو عبد الله الرازي في نفي الصفات الخبرية [وبنى نفي ذلك] (¬5) على أن ثبوتها يستلزم افتقار الرب - تعالى - إلى غيره، وتركيبه من الأبعاض، وبينا ما في ذلك من الألفاظ المشتركة المجملة، فهذا إن كان أحد أطلق لفظ البعض على الذات وغيره من الصفات، وقال: إنه بعض الله، وأنكر ذلك عليه، لأن الصفة ليست (¬6) ¬

_ = انظر: أقسام العلل عند أرسطو في المعجم الفلسفي - مجمع اللغة العربية بالقاهرة ص: 122. (¬1) في الأصل: يوجد. والمثبت من: س، ط. (¬2) في ط: ما نحالف. (¬3) في الأصل: أو اعتباريًّا فمن قال. . والمثبت من: س، ط. (¬4) انظر مثلًا: 1/ 48 - 55، 100 - 102، 508. (¬5) في الأصل، ط: بين ذلك والمثبت من: س. (¬6) ليست: ساقطة من: س.

لفظ "البعض" نطق به أئمة الصحابة والتابعين وتابعيهم ذاكرين وآثرين

غير الموصوف مطلقًا، وإن كان الإنكار لأنه لا يقال في صفات الله لفظ البعض، فهذا اللفظ قد نطق به أئمة الصحابة والتابعين وتابعيهم، ذاكرين وآثرين. قال أبو القاسم الطبراني في كتابه السنة (¬1): حدثنا حفص بن عمرو حدثنا عمرو بن عثمان الكلابي، حدثنا موسى بن أعين، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: (إذا أراد الله أن يخوف عباده أبدى عن بعضه للأرض، فعند ذلك تزلزلت، وإذا أراد الله أن يدمدم على قوم تجلى لها عزَّ وجلَّ). وقد جاء في الأحاديث المرفوعة في تجليه - سبحانه - للجبل، ما رواه الترمذي في جامعه (¬2): ثنا عبد الله بن عبد الرحمن، يعني ¬

_ (¬1) تقدم الكلام على كتاب السنة للطبراني، وتعذر وجوده ص: 365. ت (1). وقد ذكره القاضي أبو يعلى في كتابه إبطال التأويلات لأخبار الصفات مخطوط اللوحة: 98، وسوف يذكره الشيخ مرة أخرى بلفظ آخر عن عكرمة وعن ابن عباس في ص: 403. (¬2) الجامع الصحيح وهو سنن الترمذي 5/ 265 - كتاب التفسير - باب ومن سورة الأعراف حديث / 3074. ورواه ابن جرير الطبري عند تفسيره لقوله تعالى {. . . . فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا. . .} [الأعراف: 143] قال: حدثني المثنى قال: حدثني الحجاج بن المنهال قال: حدثنا حماد عن ثابت عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ هذه الآية {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} قال: هكذا بإصبعه، ووضع النبي - صلى الله عليه وسلم - الإبهام على المفصل الأعلى من الخنصر فساخ الجبل. راجع: جامع البيان عن تأويل آي القرآن 9/ 53. وابن كثير عند تفسيره لهذه الآية -أيضًا- 2/ 244، وذكر أن الحاكم رواه في مستدركه من طرق عن حماد بن سلمة، وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. راجع: السيوطي في الدر المنثور 3/ 169.

الدارمي (¬1)، أنبأنا (¬2) سليمان بن حرب، ثنا حماد بن سلمة، عن ثابت عن أنس، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ هذه الآية {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} (¬3) قال حماد: هكذا، وأمسك سليمان بطرف إبهامه على أنملة إصبعه اليمنى قال: فساخ (¬4) الجبل {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} (3). قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب (¬5)، لا نعرفه إلَّا من حديث حماد بن سلمة. وقال أبو بكر بن أبي عاصم في كتاب السنة (¬6): (ثنا حسين بن الأسود، ثنا عمرو بن محمد العنقزي (¬7)، ثنا أسباط، عن السدي، عن عكرمة عن ابن عباس {فَلَمَّا تَجَلى رَبَّهُ لِلْجَبَلِ} (¬8) قال: ما تجلى منه (¬9) إلَّا مثل الخنصر قال فجعله {دَكًّا} (8) قال: ترابًا (وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} (8) ¬

_ (¬1) يعني الدارمي: لا توجد في السنن. (¬2) في السنن: أخبرنا. (¬3) سورة الأعراف، الآية: 143. (¬4) فساخ الجبل: أي: غاص في الأرض وغاب فيها. انظر: لسان العرب -لابن منظور- 3/ 27 (سوخ). (¬5) في س، ط، والسنن: غريب صحيح. (¬6) السنة -لابن أبي عاصم 1/ 212. وأخرجه الطبري في تفسيره 9/ 52، 53. والسيوطي في الدر المنثور 3/ 119. وقال الألباني في كتابه ظلال الجنّة في تخريج السنة - مطبوع - ضمن كتاب السنة لابن أبي عاصم 1/ 212: "إسناده ضعيف، حسين بن الأسود العجلي كوفي صدوق، يخطئ كثيرًا. . ورجاله ثقات، إلَّا أن أسباط يخطئ كثيرًا. (¬7) في جميع النسخ: العنقري. وهو خطأ. والمثبت من: السنة. هو: عمرو بن محمد العنقزي أبو سعيد عمرو بن محمد العنقزي، ثقة، قال أبو حاتم: محله الصدق، وقال ابن معين: ليس به بأس. راجع: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 3/ 262 ت 1450. (¬8) سورة الأعراف، الآية: 143. (¬9) في السنة: عنه.

غشي عليه {فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ} (¬1) من (¬2) أن أسألك الرؤية {وَأنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} (1) قال: أول من آمن بك من بني إسرائيل). ورواه الطبراني (¬3) قال: ثنا محمد بن إدريس بن عاصم الحمال، ثنا إسحاق بن راهوية، ثنا عمرو بن محمد العنقزي (¬4)، فذكره عن ابن عباس {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} (¬5) قال (¬6): ما تجلى منه إلَّا مثل الخنصر فـ {جَعَلَهُ دَكًّا} (5) قال: ترابًا. ورواه البيهقي في كتاب إثبات الرؤية (¬7) له: أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن إسحاق، يعني الصاغاني (¬8)، ثنا عمرو بن طلحة في التفسير، ثنا أسباط عن السدي عن عكرمة عن ابن عباس أنَّه قال: تجلى منه مثل طرف الخنصر، فجعله دكًّا. ¬

_ (¬1) سورة الأعراف، الآية: 143. (¬2) في س: عن أسألك. وفي ط: عن أن. . (¬3) كتاب السنة للطبراني: تقدم الكلام عنه ص: 365. ت (1). ولم أجده في المعجم الكبير للطبراني. وقد أخرجه السيوطي في الدر المنثور 3/ 119، قال: وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، والبيهقي في الرؤية عن ابن عباس. وذكره. (¬4) في جميع النسخ: العنقري. والمثبت هو الصواب. وسبق التعريف به في الصفحة السابقة ت 7. (¬5) سورة الأعراف. الآية 143. (¬6) في س، ط: لم يذكر {جَعَلَهُ دَكًّا}. (¬7) أخرجه السيوطي - في الدر المنثور - 3/ 119 - عن البيهقي في الرؤية وغيره عن ابن عباس. راجع ص: 391. ت (6). (¬8) في الأصل: الصنعاني. وفي س، ط: العدفاني. وهو خطأ. وصحة اسمه ما أثبت. تقدم التعريف به ص: 362.

والصاغاني (¬1) ومن فوقه إلى عكرمة روى لهم مسلم في صحيحه، وعكرمة روى له البخاري في صحيحه، وروى الثوري، وحماد بن سلمة، وسفيان بن عيينة (¬2) بعضهم عن ابن أبي نجيح، [وبعضهم عن منصور، (¬3) عن مجاهد عن عبيد بن عمير في قوله في قصة داود {وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَئَابٍ} (¬4) قال يدنيه حتَّى يمس بعضه، وهذا متواتر عن هؤلاء. وممن رواه الإمام أبو بكر أحمد بن عمرو بن [أبي] (¬5) عاصم النبيل في كتابه السنة (¬6): ثنا أبو بكر بن أبي شيبة [عن] (¬7) وكيع عن سفيان عن منصور (¬8)، عن مجاهد عن عبيد بن عمير {وَإِنَ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى} (¬9) قال: ذلك (¬10) الدنو منه حتَّى إنه يمس بعضه (¬11). وقال (¬12): حدثنا أبو بكر ثنا ابن فضيل عن ليث، عن مجاهد ¬

_ (¬1) في س: الصغاني. وفي ط: الصغاني. وراجع التعريف به هامش الصفحة السابقة ت (8). (¬2) في ط: عينية. (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬4) سورة ص، الآية: 40. (¬5) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والسنة. (¬6) السنة 1/ 305، وفيه: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا ابن فضيل عن الليث عن مجاهد عن عبيد بن عمير. . . ولم يذكر في السنة وكيعًا ولا سفيان ولا منصورًا. (¬7) في الأصل بياض بمقدار كلمة وبمقدار كلمتين في (س). وقد أثبت ما بين المعقوفتين من: ط. (¬8) قوله: "وكيع عن سفيان عن منصور" ساقط من: السنة. (¬9) سورة ص، الآية: 40. (¬10) في جميع النسخ: ذكر. والمثبت من: السنة. (¬11) في السنة: ببعضه. (¬12) ابن أبي عاصم في السنة 1/ 305 بالسند الَّذي ذكره الشيخ. يقول الألباني في =

{عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُوْدًا} (¬1) قال: يقعده معه على العرش. وقال الإمام أبو بكر بن أبي عاصم في كتاب السنة (¬2): (ثنا فضيل بن سهل، ثنا عمرو بن طلحة القناد (¬3)، ثنا أسباط بن نصر، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس أنَّه (¬4) قال: {وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَى} (¬5) قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى ربه فقال له رجل: أليس قد قال الله {لَا ¬

_ = كتابه ظلال الجنّة في تخريج السنة مطبوع ضمن المصدر السابق - نفس الجزء والصفحة: إسناده ضعيف مقطوع، والليث مختلط. ورواه ابن جرير الطبري في تفسيره 15/ 145 بالسند المتقدم. والمقام المحمود: اختلف فيه وضعف ابن جرير القول بأن المقام المحمود هو: أن يقعده معه على العرش، وهو القول المروي عن مجاهد، وقال: إن هذا القول قول غير مدفوع صحته لا من جهة خبر، ولا نظر، وذلك لأنه لا خبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أحد من أصحابه ولا عن التابعين بإحالة ذلك. فأما من جهة النظر، فإن جميع من ينتحل الإسلام إنما اختلفوا في معنى ذلك. . " 15/ 147. ورجح القول بأن المقام المحمود ما ذهب إليه أكثر أهل العلم، من أنَّه المقام الَّذي يقومه - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة للشفاعة للناس ليريحهم ربهم من عظيم ما هم فيه من شدة ذلك اليوم. ثم أورد الحديث الَّذي رواه أبو هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُوْدًا} سئل عنها قال: "هي الشفاعة" 15/ 143 - 145. (¬1) سورة الإسراء، الآية: 79. (¬2) السنة 1/ 189. قال الألباني في ظلال الجنّة في تخريج السنة - مطبوع ضمن كتاب السنة لابن أبي عاصم 1/ 189: "إسناده ضعيف ورجاله ثقات، غير أسباط بن نصر فإنه كثير الخطأ. . ". وقد أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره 27/ 52. (¬3) القناد: لم ترد في السنة. (¬4) أنَّه: ساقطة من: س، ط. (¬5) سورة النجم، الآية: 13.

تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} (¬1)؛ فقال له عكرمة: أليس ترى السماء؟ قال: بلى. قال: أفكلها (¬2) ترى؟. ففي هذا (¬3) أن عكرمة أخبر قدام ابن عباس أن إدراك البصر هو (¬4): رؤية المدرك كله دون رؤية بعضه، فالذي يرى السماء ولا يراها كلها لا يكون (¬5) مدركًا لها (¬6)، وجعل هذا تفسيرًا لقوله {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} (¬7) وأقره ابن عباس على ذلك، ومع هذا فهؤلاء (¬8) الذين نقل عنهم هذا اللفظ قد (¬9) نقل عنهم -أيضًا- إنكار تبعضه - سبحانه وتعالى - وبين الناقلون معنى ذلك. قال الحافظ أبو الشيخ (¬10) الأصبهاني، في كتاب السنة: حدثني عبد الرحمن بن محمد الآملي، عن موسى بن عيسى بن حماد بن زغبة، ثنا نعيم بن حماد، ثنا نوح بن أبي (¬11) مريم، عن إبراهيم بن ميمون، ¬

_ (¬1) سورة الأنعام، الآية: 103. (¬2) في السنة: فكلها. (¬3) في، س، ط: هذه. (¬4) في س، ط: هي. (¬5) في س، ط: ولا يكون. (¬6) في الأصل: مدركها. والمثبت من: س، ط. (¬7) سورة الأنعام، الآية: 103. (¬8) في س، ط:. . . هذا هؤلاء. (¬9) في جميع النسخ: فقد. ولعل ما أثبت يستقيم به الكلام. (¬10) في الأصل: قال الشيخ أبو الأصبهاني. والمثبت من: س، ط. وتقدم الكلام عليه وعلى كتابه "السنة" ص: 166. وسوف يذكر الشيخ في نهاية النقل أن في صحته عن ابن عباس نظر، وأن الغالب على الظن أنَّه كلام غيره. (¬11) أبي: ساقطة من: ط. هو: أبو عصمة نوح بن أبي مريم يزيد بن عبد الله المروزي، قاضي مرو، يعرف بنوح الجامع. توفي سنة 173 هـ.

عن عكرمة قال: جاء (¬1) نجدة الحروري إلى ابن عباس فقال: يا ابن عباس نبئنا كيف معرفتك بربك تبارك تعالى -فإن من قبلنا اختلفوا علينا؟ فقال ابن عباس: من نصب دينه (¬2) على القياس لم يزل الدهر في التباس مائلًا عن المنهاج ظاعنًا (¬3) في الاعوجاج، ضالًا عن السبيل، قائلًا غير جميل، أعرفه بما عرف به نفسه - تبارك وتعالى - من غير رؤية. قال نعيم: يعني في الدنيا، وأصفه بما وصف به (¬4) نفسه، لا يدرك (¬5) بالحواس، ولا يقاس بالناس، معروف بغير شبيه، ومتدان في بعده. قال نعيم: يقول: هو على العرش، ولا يخفى عليه خافية، لا نتوهم ديمومته (¬6)، ولا يمثل بخليقته، ولا يجور في قضية (¬7). الخلق إلى ما (¬8) علم ينقادون (¬9)، وعلى ما سطر في ¬

_ = قال عنه أحمد: لم يكن بذاك في الحديث، وكان شديدًا على الجهمية والرد عليهم. وقال مسلم وغيره: متروك الحديث. راجع: ميزان الاعتدال -للذهبي- 4/ 289، 290. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 10/ 486 - 489. (¬1) جاء: ساقطة من: س. (¬2) في الأصل: نفسه. والمثبت من: س، ط. (¬3) في الأصل: خلاعنا. والمثبت من: س، ط. والمعنى: سائرًا وذاهبًا. راجع: لسان العرب -لابن منظور- 13/ 270 (ظعن). (¬4) في الأصل: بها. والمثبت من: س، ط. (¬5) في الأصل: ألا يدرك. والمثبت من: س، ط. (¬6) في الأصل: لا تتوهم على ديمومته. وفي ط: لا نتوهم ديموميته. والمثبت من: س. (¬7) أي: في قضائه. (¬8) في س: مدا. (¬9) في س، ط: ينقادون.

لفظ "البعض" و"الجزء" و"الغير" ألفاظ مجملة فيها إيهام وإبهام

المكنون (¬1) من كتابه ماضون، لا يعلمون بخلاف، ما منهم علم، ولا غيره يريدون، فهو قريب غير ملتزق يعني: قريبًا بعلمه، وبعيد (¬2) غير منقض، يحقق ولا يمثل، ويوجد ولا يبعض، قال نعيم: لا يقال بعضه على العرش وبعضه على الأرض، يدرك بالآيات، ويثبت بالعلامات، هو الكبير المتعال (¬3) - تبارك وتعالى -. قلت: هذا الكلام في صحته عن ابن عباس نظر، والذي يغلب على الظن أنَّه ليس من كلام ابن عباس، ونوح بن أبي مريم له مفاريد من هذا النمط، ولكن لا ريب أن نعيم بن حماد ذكر ذلك في كتبه التي صنفها في الرد على الجهمية، وهو قد نفى تبعيضه بالمعنى الَّذي فسره، وهذا مما (¬4) لا يستريب فيه المسلمون، وهذا مما دل عليه قوله سبحانه {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2)} (¬5) كما قد بسطنا الكلام فيه في موضعه (¬6) في الكلام على من تأول هذه السورة على غير تأويلها. ولا ريب أن لفظ البعض والجزء والغير ألفاظ مجملة فيها إيهام وإبهام، فإنه قد يقال ذلك على ما يجوز أن يوجد منه شيء دون شيء بحيث يجوز أن يفارق بعضه بعضًا، وينفصل بعضه عن بعض، أو يمكن ¬

_ (¬1) في س: المنكون. وهو تصحيف. (¬2) في ط: بعيدًا. (¬3) في س: المتعالي. (¬4) في س، ط: ما. (¬5) سورة الصمد، الآية: 1، 2. (¬6) الشيخ -رحمه الله تعالى - تكلم وبسط هذا في مواضع من كتبه مثل بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية 1/ 474 - وسوف يحيل عليه الشيخ في الصفحة التالية. وكتاب: تفسير سورة الإخلاص ضمن الفتاوى -أيضًا- 17/ 214 فما بعدها وخاصة ص: 297، 351، 449 وغيرها.

ذلك فيه (¬1)، كما يقال حد الغيرين (¬2): ما جاز مفارقة أحدهما للآخر، كصفات الأجسام المخلوقة من أجزائها وأعراضها، فإنه يجوز أن يتفرق وينفصل (¬3)، والله سبحانه منزه عن ذلك كله، مقدس عن النقائص والآفات. وقد يراد بذلك ما يعلم منه شيء دون شيء، فيكون المعلوم ليس هو غير المعلوم، وإن كان لازمًا له لا يفارقه، والتغاير بهذا المعنى ثابت لكل موجود، فإن العبد قد يعلم وجود الحق، ثم يعلم أنَّه قادر ثم أنَّه عالم، ثم أنَّه سميع بصير، وكذلك رؤيته تعالى كالعلم به، فمن نفى عنه وعن صفاته التغاير والتبعيض بهذا المعنى فهو معطل جاحد للرب، فإن هذا التغاير لا ينتفي إلا عن المعدوم، وهذا قد بسطناه في كتاب بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية (¬4) في الكلام على سورة الإخلاص وغير ذلك بسطًا بينًا، ومن علم ذلك زالت عنه الشبهات في هذا الباب، فقول (¬5) السلف والأئمة: ما وصف الله من الله وصفاته منه وعلم الله من الله وله، ونحو ذلك مما استعملوا فيه (¬6) لفظ من. وإن قال قائل معناه (¬7) التبعيض -فهو تبعيض بهذا الاعتبار، كما ¬

_ (¬1) في الأصل: عنه. والمثبت من: س، ط. (¬2) في الأصل: الغبرين. وهو سهو من الناسخ. والمثبت من: س، ط. وقد ذكر الشيخ اصطلاح السلف -رحمهم الله - والأشعرية ومن وافقتهم، والمعتزلة، والكرامية، وغيرهم في لفظ (الغير). في بيان تلبيس الجهمية 1/ 508. (¬3) في ط: تتفرق وتنفصل. (¬4) 1/ 460 فما بعدها وخاصة ص: 465، 474، 475، 508. (¬5) في الأصل: فنقول. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط. (¬6) في س: في. (¬7) في س، ط: معناها.

يقال: إنه تغاير بهذا الاعتبار، ثم كثير (¬1) من الناس يمتنع أو ينفي لفظ التغاير والتبعيض ونحو ذلك، وبعض الناس لا يمتنع من لفظ التغاير ويمتنع من لفظ التبعيض، وبعضهم لا يمتنع من اللفظين إذا فسر المعنى وأزيلت عنه الشبهة والإجمال الَّذي في اللفظ. ولا ريب أن الجهيمية تقول في هذا الباب ما هم متناقضون فيه تناقضًا معلومًا بالبديهة، ثم إن الَّذي ينفونه لا (¬2) يتصف به إلّا المعدوم فيتناقضون ويعطلون، فإنهم يقولون: إن كونه واحدًا يمتنع أن يكون له صفة بوجه من الوجوه، لأن ذلك يوجب الكثرة والعددية، قالوا: ويجب تنزيهه عن ثبوت عدد وكثرة في وصفه أو قدره (¬3)، ثم إنهم يضطرون إلى أن يقولوا: هو قديم حق، رب حي عليم قدير، ونحو ذلك من المعاني التي يمكن علمنا ببعضها دون بعض، والمعلوم ليس هو الَّذي ليس بمعلوم، وذلك يقتضي ما فروا منه مما سموه تعددًا وكثرة وتبعيضًا وتغايرًا، فهذا تناقضهم، ثم إن سلب ذلك لا يكون (¬4) إلّا عن المعدوم، وأما الموجود فإما قديم وإما محدث، وإما موجود (¬5) بنفسه وإما ممكن مفتقر إلى غيره، وإن (¬6) الموجود إما قائم بنفسه، وإما قائم بغيره إلى غير ذلك من المعاني التي تتميز (¬7) بها الموجودات بعضها عن بعض، إذ لكل موجود حقيقة خاصة يتميز بها، يعلم منها شيء دون شيء ¬

_ (¬1) في س، ط: كثيرًا. (¬2) في س: الذين ينفون لا. . . وفي ط: الذين ينفون أن لا. . . (¬3) في ط: في وصف وقدرة. (¬4) لا يكون: مكررة في: س. (¬5) في الأصل: موجودًا. والمثبت من: س، ط. (¬6) في الأصل: وأما. والمثبت من: س، ط. (¬7) في س: يتميز.

وذلك هو التبعيض والتغاير الَّذي يطلقون إنكاره، وهذا أصل نفاة (¬1) الجهيمية المعطلة، وهم كما قال الأئمة: لا يثبتون (¬2) شيئًا في الحقيقة. ولهذا قال الإمام أبو عمر بن عبد البر (¬3): (الَّذي أقول: إنه إذا نظر (¬4) إلى إسلام (¬5) أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وسعد وسعيد وعبد الرحمن (¬6)، وسائر المهاجرين والأنصار، وجميع الوفود الذين دخلوا في دين الله أفواجًا، علم أن الله عزَّ وجلَّ لم يعرفه واحد منهم إلّا بتصديق النبيين وبأعلام (¬7) النبوة، ودلائل الرسالة، لا من قبل حركة ولا سكون (¬8)، ولا من باب الكل والبعض، ولا من باب كان ويكون، ولو كان النظر في الحركة والسكون عليهم واجبًا، وفي الجسم ونفيه والتشبيه ونفيه لازمًا [ما] (¬9) أضاعوه، ولو أضاعوا الواجبات لما نطق (¬10) القرآن بتزكيتهم وتقديمهم، ولا أطنب في ¬

_ (¬1) في س: نفاه. (¬2) في الأصل: يثبون. والمثبت من: س، ط. (¬3) في التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد 7/ 152. هو: يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري القرطبي الحافظ، شيخ علماء الأندلس، وكبير محدثيها في وقته، له مصنفات كثيرة استقصى ذكرها القاضي عياض. يقول الذهبي: كان دينًا صينًا ثقة حجة صاحب سنة واتباع. توفي رحمه الله سنة 463 هـ. راجع: ترتيب المدارك -للقاضي عياض 8/ 127 - 130. شجرة النور الزكية -لمحمود مخلوف - 1/ 119. تذكرة الحفاظ -للذهبي- 3/ 128 - 130. (¬4) في التمهيد: إنه من نظر. (¬5) في الأصل، س: الإسلام. والمثبت من: ط، والتمهيد. (¬6) في التمهيد:. . . وعلي وطلحة وسعد وعبد الرحمن. (¬7) في التمهيد:. . . بتصديق النبيين بأعلام. . . (¬8) ولا سكون: ساقطة من: التمهيد. (¬9) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والتمهيد. (¬10) في التمهيد: الواجب ما نطق. .

مدحهم وتعظيمهم، ولو كان ذلك من علمهم (¬1) مشهورًا، ومن (¬2) أخلاقهم معروفًا لاستفاض عنهم، واشتهروا [به كما اشتهروا] (¬3) بالقرآن والروايات. وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ينزل ربنا إلى سماء الدُّنيا" (¬4) عندهم، ¬

_ (¬1) في التمهيد: عملهم. . (¬2) في التمهيد: أو من. . (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. وفي التمهيد: ولشهروا به كما شهروا. . . (¬4) جزء من حديث رواه البُخاريّ ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدُّنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له". راجع: صحيح البخاري 2/ 47 كتاب التهجد- باب الدعاء والصلاة من آخر الليل، 7/ 149 كتاب الدعوات- باب الدعاء نصف الليل. وصحيح مسلم 1/ 521 كتاب صلاة المسافرين وقصرها- باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل والإجابة فيه. ونزول الرَّبِّ تبارك وتعالى على ما يليق بجلاله من غير تكييف هو مذهب السلف -رحمهم الله تعالى- والأخبار الواردة فيه صحيحة لا تقبل الشَّك، وحديث النزول رواه عدد من الصّحابة عن رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم - وخالف في ذلك طوائف المتكلمين، وحاولوا إنكار هذه الصفة كما هو ديدنهم في سائر الصفات، وقد تولى الرد عليهم أئمة الإسلام وناقشوا حججهم، وأثبتوا أنها كسراب بقيعة. وللاطلاع على ما قيل في هذه المسألة يراجع: الرد على الجهمية -للدارمي- ص: 38 - 53. والتوحيد -لابن خزيمة- ص: 126 - 136. والشريعة -للآجري- ص: 306 - 314. والتمهيد -لابن عبد البر- 7/ 128 فما بعدها، وغيرها ممَّا لا يحصى. وقد أفرد شيخ الإسلام كتابًا لشرح حديث النزول ردًّا على سؤال ورد إليه في رجلين تنازعا في حديث النزول. أحدهما مثبت، والآخر ناف. وقد تناول السؤال الإشكال الذي قد يطرأ على الذهن، أو يثيره من هو بعيد =

مثل قول الله {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} (¬1) ومثل قوله {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} (¬2) كلهم يقول: ينزل ويتجلى ويجيء بلا كيف، ولا يقولون: كيف يجيء؟ وكيف يتجلى؟ وكيف ينزل؟ (¬3) وفي قوله: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} (1) دلالة واضحة أنَّه لم يكن قبل ذلك متجليًا للجبل، وفي ذلك ما يفسر لك (¬4) حديث النزول (¬5)، ومن أراد أن يقف على أقاويل (¬6) العلماء في قوله {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} (¬7) فلينظر في تفسير بقي بن مخلد وتفسير محمد بن جرير، وليقف على ما ذكرا من ذلك- والله أعلم) (¬8). وقد ذكر القاضي أبو يعلى في كتاب إبطال التأويلات لأخبار الصفات (¬9): وما رواه عبد الله بن أحمد بن حنبل: حدثني (¬10) أبي، ¬

_ = عن منهج السلف في عقيدته، أو تأثر بمذاهب المعتزلة والجهمية والفلاسفة. وحقق هذا الكتاب الأخ: محمد بن عبد الرحمن الخميس، أحد منسوبي قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة بكلية أصول الدين للحصول به على درجة الماجستير. (¬1) سورة الأعراف، الآية: 143. (¬2) سورة الفجر، الآية: 22. (¬3) في التمهيد بعد كلمة "ينزل" ما يلي: ولا من أين جاء؟ ولا من أين تجلى؟ ولامن أين ينزل؟ لأنَّه ليس كشيء من خلقه، وتعالى عن الأشياء ولا شريك له. . . (¬4) في التمهيد: معنى. (¬5) في الأصل، ط: التنزل. وفي التمهيد: التنزيل. والمثبت من: س. (¬6) في هامش س: تأويل. (¬7) سورة الأعراف. الآية 143. (¬8) نهاية كلام ابن عبد البر. وقد ورد في التمهيد:. . . على ما ذكرا من ذلك ففيما ذكرا منه كفاية، وبالله العصمة والتوفيق. (¬9) إبطال التأويلات لأخبار الصفات -للقاضي أبي يعلى- مخطوط- لوحة: 98. (¬10) في إبطال التأويلات: قال: حدثني.

ثنا (¬1) أبو المغيرة الخولاني، ثنا (¬2) الأوزاعي، حدثني (¬3) يَحْيَى بن أبي كثير، عن عكرمة قال: إن الله إذا أراد أن يخوف عباده أبدى عن بعضه إلى الأرض، فعند ذلك تزلزل (¬4)، وإذا أراد أن يدمر على قوم تجلى لها. قال (¬5): ورواه ابن فورك، عن يَحْيَى بن أبي كثير، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن الله -تبارك وتعالى- إذا أراد أن يخوف أهل الأرض أبدى عن بعضه، وإذا أراد أن يدمر عليهم (¬6) تجلى لها. ثم قال (¬7): أما قوله: أبدى عن بعضه فهو على ظاهره، وأنه راجع إلى الذّات، إذ ليس في حمله على ظاهره ما يحيل صفاته ولا يخرجها عما تستحق. فإن قيل: بل في حمله على ظاهره ما يحيل صفاته، لأنَّه يستحيل وصفه بالكل والبعض والجزء، فوجب حمله على إبداء بعض (¬8) آياته وعلاماته، تحذيرًا وإنذارًا (¬9). قيل: لا يمتنع إطلاق هذه الصفة على وجه لا يفضي إلى التجزئة والتبعيض، كما أطلقنا تسمية يد ووجه لا على وجه التجزئة والتبعيض (¬10)، وإن كُنَّا نعلم أن اليد في الشاهد بعض الجملة (¬11). ¬

_ (¬1) في إبطال التأويلات: قال: أبو المغيرة. (¬2) في إبطال التأويلات: قال: حدثنا. (¬3) في إبطال التأويلات: قال: حدثني (¬4) في س: تزلز. وهو سهو من الناسخ. (¬5) القائل: القاضي أبو يعلى في المصدر السابق. والكلام فيه متصل. (¬6) في جميع النسخ: عليها. والمثبت من إبطال التأويلات. (¬7) أبو يعلى في المصدر السابق. والكلام متصل بما قبله. (¬8) في س: بعضه. (¬9) في إبطال التأويلات: ونذيرًا. (¬10) في س: ولا التبعيض. وفي إبطال التأويلات: البعض. (¬11) في إبطال التأويلات: بعض من الجملة.

قال (¬1): وجواب آخر: وهو أنه لو جاز أن يحمل قوله: أبدى عن بعضه على بعض آياته لوجب (¬2) أن يحمل قوله: وإذا أراد أن يدمر على قوم (¬3) تجلى لها على جميع آياته، ومعلوم أنه لم يدمر قرية بجميع آياته، لأنه قد أهلك بلادًا، كل بلد بغير ما أهلك به الآخر (¬4). وكذلك قال الإمام أحمد: فيما خرجه (¬5) في الرد على الجهمية (¬6) لما ذكر قول (¬7) جهم قال: (فتأول القرآن على غير تأويله، وكذب بأحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وزعم أن من وصف من الله شيئًا (¬8) مما يصف به نفسه في كتابه، أو حدث عنه رسوله كان كافرًا). فبين أحمد -في كلامه- أن من الله ما يوصف، وأنه يوصف بذلك فذلك موصوف والرب موصوف به، وأنه يوصف بذلك (¬9)، وهذا كلام سديد فإن الله في كلامه وصف ما وصف من علمه وكلامه وخلقه بيده (¬10) وغير ذلك، وهو موصوف بهذه المعاني التي وصفها، ولذلك سميت صفات، فإن الصفة أصلها وصفه، مثل جهة أصلها وجهه، وعدة وزنة أصلها وعده ووزنه، وهذا المثال (¬11) وهو فعله قد يكون في الأصل مصدرًا كالعدة والوعد، فكذلك الصفة والوصف، وقد يكون بمعنى ¬

_ (¬1) القائل القاضي أبو يعلى في المصدر السابق. والكلام متصل. (¬2) في الأصل: كما لو وجب. والمثبت من: س، ط، والتأويلات. (¬3) على قوم: ساقطة من إبطال التأويلات. (¬4) في الأصل: الأخرى. والمثبت من: س، ط، وإبطال التأويلات. (¬5) في ط: أخرجه. (¬6) الرد على الجهمية والزنادقة. ص: 104. (¬7) في الأصل: قوم. والمثبت من: س، ط. (¬8) في الرد على الجهمية. .: وصف الله بشيء. (¬9) وإنه يوصف بذلك: ساقطة من: س، ط. (¬10) في س، ط: بيديه. (¬11) يعني: المعتل الأول كوعده ووزنه.

المفعول كقولهم: لحلية (¬1) ووجهة وشرعة وبدعة، فإن فعلًا يكون بمعنى المفعول، كقوله (¬2) {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} (¬3) أي: بمذبوح، والشرعة المشروعة، والبدعة المبدعة (¬4)، والوجهة (¬5) هي: الجهة التي يتوجه إليها، فكذلك قد يقال في لفظ الصفة إذا (¬6) لم تنقل عن المصدر أنها الموصوفة (¬7)، وعلي هذا ينبغي نزاع النَّاس، هل الوصف والصفة في الأصل بمعنى واحد، بمعنى الأقوال؟ ثم استعملا في المعاني تسمية للمفعول باسم المصدر إذ الوصف (¬8) هو القول [الذي هو المصدر والصفة هي المفعول الذي يوصف بالقول] (¬9) وأكثر الصفاتية على هذا الثَّاني وقولهم -أيضًا- يصح على القول الأول، كما كُنَّا نقرره قبل ذلك، إذ أهل العرف قد يخصون أحد اللفظين بالنقل دون (¬10) الآخر، لكن تقرير قولهم على هذه الطريقة الثَّانية أكمل وأتم- كما ذكرناه هنا. فقول أحمد وغيره: "فمن وصف من الله شيئًا ممَّا يصف به نفسه" فالشيء الموصوف هو الصفة كعلمه ويديه، وهذه الصفة الموصوفة وصف الله بها نفسه، أي: أخبر بها عن نفسه وأثبتها لنفسه كقوله {أَنْزَلَهُ ¬

_ (¬1) في س، ط: حلية. (¬2) في س، ط: كقولهم. (¬3) سورة الصافات، الآية: 107. (¬4) في س: البدعة. (¬5) في الأصل: الجهة. والمثبت من: س، ط. (¬6) في س، ط: أن. (¬7) في س: الموصوف. (¬8) في س: إذا الوصف. وفي ط: إذ لوصف. (¬9) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬10) في الأصل: هو دون. وقد أثبت ما رأيته صوابًا من: س، ط.

بِعِلْمِهِ} (¬1) وقوله: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} (¬2). ثم قال أحمد (¬3): (فإذا قيل لهم: من (¬4) تعبدون؟). قالوا: نعبد من يدبر أمر هذا الخلق. فقلنا: هذا الذي يدبر أمر هذا الخلق هو مجهول لا يعرف بصفة؟ قالوا: نعم. فقلنا: قد عرف المسلمون [أنكم] (¬5) لا تأتمون (¬6) بشيء، وإنَّما تدفعون عن أنفسكم الشنعة بما تظهرون (¬7). إلى أن قال لهم (¬8): (فقد (¬9) جمعتم في مسألة الكلام -كما تقدم- ذكر لفظه (¬10) بين كفر وتشبيه فتعالى (¬11) عن هذه الصفة) إلى قوله: قال (¬12): (فقالوا: لا تكونون (¬13) موحدين أبدًا حتَّى تقولوا: قد كان الله ولا شيء). فقلنا: نحن نقول: قد كان الله ولا شيء، ولكن إذا قلنا: إن الله ¬

_ (¬1) سورة النساء، الآية: 166. (¬2) سورة ص، الآية: 75. (¬3) في الرد على الجهمية والزنادقة ص: 105، 106. (¬4) في الرد على الجهمية. .: فمن. (¬5) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والرد على الجهمية. . (¬6) في الرد على الجهمية: لا تؤمنون. (¬7) في الرد على الجهمية: تظهرونه. (¬8) في المصدر السابق ص: 133. (¬9) في الرد على الجهمية: وقد. (¬10) في مسألة الكلام كما تقدم ذكر لفظه: إضافة من الشَّيخ. والكلام متصل في: الرد على الجهمية. (¬11) في الرد على الجهمية: وتعالى الله. (¬12) يعني: الإمام أحمد في المصدر السابق ص: 133، 134. (¬13) في الرد على الجهمية: لا تكونوا.

لم يزل بصفاته كلها أليس إنَّما نصف إلهًا واحدًا بجميع صفاته؟ وضربنا لهم في ذلك مثلًا. فقلنا: أخبرونا عن هذه النخلة، أليس لها جذع وكرب وليف وسعف وخوص وجمار؟ واسمها اسم شيء واحد (¬1)، وسميت نخلة بجميع صفاتها، فكذلك الله -وله المثل الأعلى- بجميع صفاته إله واحد، لا نقول: إنه قد كان في وقت من الأوقات [ولا قدرة حتَّى خلق قدرة والذي ليس له قدرة هو عاجز ولا نقول: إنه (¬2) كان في وقت من الأوقات] (¬3) لا (¬4) يعلم حتَّى خلق فعلم (¬5)، والذي لا يعلم هو جاهل ولكن نقول: لم يزل الله عالمًا قادرًا مالكًا (¬6)، لا متى ولا كيف، وقد سمى الله رجلًا كافرًا اسمه الوليد بن المغيرة المخزومي فقال: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} (¬7) وقد سماه (¬8) وحيدًا وله (¬9) عينان وأذنان ولسان وشفتان ويدان ورجلان وجوارح كثيرة، فقد سماه وحيدًا بجميع صفاته، فكذلك الله -وله المثل الأعلى-[هو] (¬10) بجميع صفاته إله واحد). فقد بين أن ما لا يعرف بصفة فهو معدوم، وهذا حق، وبين أنَّه ¬

_ (¬1) في الأصل: واحدًا. والمثبت من: س، ط، والرد على الجهمية. (¬2) في الرد على الجهمية: قد. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من: س، ط. (¬4) في الرد على الجهمية: ولا. . . (¬5) في الرد على الجهمية: خلق له علمًا فعلم. (¬6) مالكًا: ساقطة من: الرد على الجهمية. (¬7) سورة المدثر، الآية: 11. (¬8) في س، ط: وقد كان الله سماه. وفي الرد على الجهمية: وقد كان هذا الذي سماه الله. (¬9) في الأصل، ط: له. بدون واو. والمثبت من: س. (¬10) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والرد على الجهمية.

متعال عن الصفة التي وصفه (¬1) بها الجهمية، وذكر أنَّه إذا قلنا: لم يزل بصفاته كلها إنَّما نصف إلهًا واحدًا. وبين أن النبات والحيوان يسمى واحدًا، وإن كان له صفات هي: كالجذع والتقريب من النخلة، وكاليد والرجل من الإنسان، فالرب أولى أن يكون واحدًا وإن كان له صفات، إذ هو أحق بالوحدانية، واسم الواحد من المخلوقات التي قد تتفرق صفاتها، وتتبعض، وتكون مركبة منها، والرب تعالى أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، والمقصود أنَّه سمى هذه الأمور صفات أيضًا. ونظير ذلك ما ذكره أبو عمر بن عبد البر في التمهيد (¬2) في شرح الموطأ (¬3) بعد أن قال: (أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة، والإيمان بها، وحملها على الحقيقة، لا على المجاز، إلّا أنهم لا يكيفون شيئًا من ذلك، ولا يحدون (¬4) فيه صفة محصورة. وأما أهل البدع والجهمية والمعتزلة كلها، والخوارج فكلهم ينكرها، ولا يحمل شيئًا منها على الحقيقة، ويزعمون أن من أقرّ بها مشبه، وهم عند من أقرّ بها (¬5) نافون (¬6) للمعبود. والحقُّ (¬7) فيما قاله القائلون بما ينطق (¬8) به كتاب الله وسنة رسوله، ¬

_ (¬1) في الأصل: وصف. والمثبت من: س، ط. (¬2) في س، تمهيده. (¬3) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد 7/ 145، 146. (¬4) في ط: يجدون. (¬5) في التمهيد: أثبتها. (¬6) في الأصل: نافعوك. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط، والتمهيد. (¬7) في الأصل: للمعبود بلا سو والحق. وفي س، ط: للمعبود بلا سوف والحق. والكلام يستقيم بدون الزيادة، كما أثبته من التمهيد. (¬8) في التمهيد: نطق.

وهم أئمة الجماعة. والحمد لله. روى حرملة بن يَحْيَى [قال] (¬1)، سمعت عبد الله بن وهب يقول: سمعت مالك بن أنس يقول: من وصف شيئًا من ذات الله، مثل قوله: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} (¬2)، فأشار (¬3) بيده (¬4) إلى عنقه، ومثل قوله: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (¬5) فأشار إلى عينه (¬6) أو أذنه (¬7) أو شيئًا من بدنه (¬8)، قطع ذلك منه، لأنَّه شبه الله بنفسه. ثم قال مالك: أما سمعت قول البراء حين حدث أن النبي - صَلَّى الله عليه وسلم -[قال] (¬9): "لا يضحى بأربع من الضحايا" (¬10) وأشار البراء بيده، كما ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: التمهيد. (¬2) سورة المائدة، الآية: 64. في س: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ}. وفي ط: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ}. (¬3) في التمهيد: وأشار. (¬4) بيده: ساقطة من: س. (¬5) سورة الشورى، الآية: 11. (¬6) في التمهيد: عينيه. (¬7) في س، ط: وأذنه. (¬8) في جميع النسخ: يديه. وهو تصحيف. والمثبت من: التمهيد. (¬9) ما بين المعقوفتين زيادة من: التمهيد. (¬10) رواه مالك في الموطأ -كتاب الأضاحي- باب ما ينهى عنه من الضحايا -حديث 1035 ص: 322 عن البراء بن عازب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل ماذا يتقى من الضحايا؟ فأشار بيده وقال: "أربعًا -وكان البراء يشير بيده ويقول: يدي أقصر من يد رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم - العرجاء البين ضلعها، والعوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعجفاء التي لا تنقى". ورواه بلفظ قريب من هذا أبو داود في سننه 3/ 235 كتاب الضحايا -باب ما يكره من الضحايا- حديث / 2802. والترمذي 4/ 85 كتاب الأضاحي -باب ما لا يجوز من الأضاحي- حديث / 1497 وقال: هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلَّا من حديث عبيد بن =

كلام عبد العزيز بن الماجشون في الصفات

أشار النَّبيُّ - صَلَّى الله عليه وسلم - قال البراء: ويدي أقصر من يد رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم -[فكره البراء أن يصف يد رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم -] (¬1) إجلالًا له وهو مخلوق، فكيف الخالق الذي ليس كمثله شيء؟. والمقصود (¬2) قوله: من وصف شيئًا من ذات الله، فجعل الموصوف من ذات الله، وغالب كلام السلف على هذا يقول (¬3) عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، نظير مالك (¬4) في كلامه المشهور في الصفات، وقد رواه بالإسناد أبو بكر الأثرم، وأبو عمر الطلمنكي، وأبو عبد الله بن بطة، في كتبهم (¬5) وغيرهم. ¬

_ = فيروز عن البراء. والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم. ورواه ابن ماجه 2/ 1050 كتاب الأضاحي -باب ما يكره أن يضحى به، حديث / 3144. والإمام أحمد في مسنده 4/ 200، 201. (¬1) ما بين المعقوفتين مكرر في: س، وهو سهو من الناسخ. (¬2) في الأصل، س: المقصود. والمثبت من: ط. (¬3) أورده بسنده الذهبي في سير أعلام النبلاء 7/ 311، 312. ومختصر العلو -للذهبي- اختصار الألباني- ص: 144، 145 والمقابلة عليهما. وذكره الشَّيخ -رحمه الله- في الفتوى الحموية ص: 42 - 46 ضمن الفتاوى جـ / 5. وذكر بعضه شيخ الإسلام في كتابه "درء تعارض العقل والنقل" 1/ 35 - 37. كما ذكر بعضه اللالكائي في شرح اعتقاد أهل السنة والجماعة 3/ 502، 503. (¬4) أي: مفتي المدينة وعالمها مع مالك. (¬5) ذكر الشَّيخ في الفتوى الحموية ص: 42: أن أبا بكر الأثرم رواه في "السنة" وابن بطة في "الإبانة" بإسناد صحيح. وفي درء تعارض العقل والنقل 2/ 35 أن أبا عمر الطلمنكي رواه في كتابه "الأصول". وقد اطلعت على "المختار من كتاب الإبانة" لابن بطة -مخطوط- لأحمد بن علي الحنفي، وقد ذكر فيه قول عبد العزيز بن أبي سلمة- اللوحات 181 - 183 وسوف أقابل عليه عند نهاية النقل من السير والمختصر.

قال: (أما بعد، فقد فهمت ما سألت [عنه] (¬1) فيما تتابعت (¬2) الجهمية، ومن خلفها (¬3)، في صفة الرَّبِّ العظيم، الذي فاقت (¬4) عظمته الوصف والتقدير، وكلّت الألسن عن تفسير صفته، وانحسرت العقول دون معرفة قدره، ردت عظمته العقول (¬5)، فلم تجد مساغًا فرجعت خاسئة (¬6)، وإنما أمروا بالنظر والتفكير فيما خلق بالتقدير (¬7)، وإنَّما يقال: كيف؟ لمن لم يكن مرَّة ثم كان، فأمَّا الذي لا يحول (¬8) ولا يزول (¬9) ولم يزل وليس له مثل، فإنَّه لا يعلم كيف هو إلّا هو [وكيف يعرف قدر من لم يبدأ، ومن لا يموت ولا يبلى؟ وكيف يكون لصفة شيء منه حد أو منتهى يعرفه عارف أو يحد قدره واصف، على أنَّه الحق المبين لا حق أحق منه ولا شيء أبين منه] (¬10) الدليل (¬11) على عجز العقول عن تحقيق صفته، عجزها عن تحقيق صفة أصغر خلقه (¬12) لا تكاد تراه صغرًا (¬13) يحول ويزول، ولا يرى له سمع ولا بصر [لما ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: السير، والمختصر. (¬2) في المختصر: تتايعت. (¬3) في هامش الأصل: وافقها. وفي س: خالفهما. ومن خلفها: ساقطة من: السير، والمختصر. والمثبت من: ط، والفتوى الحموية. (¬4) في س: فاتت. وهو تصحيف. (¬5) قوله: "ردت عظمته العقول" ساقط من: السير، والمختصر. (¬6) في السير، والمختصر: خاسئة حسيرة. (¬7) بالتقدير: ساقطة من: السير، والمختصر. (¬8) في السير، والمختصر: أما من لا يحول. (¬9) ولا يزول: ساقطة من السير. (¬10) ما بين المعقوفتين ساقط من: السير، والمختصر. ومذكور في: الفتوى الحموية. (¬11) في السير، والمختصر: فالدليل. (¬12) في ط: مخلوقاته. (¬13) في ط: صغيرًا.

يتقلب به ويحتال (¬1) من عقله أعضل بك، وأخفى عليك ممَّا ظهر من سمعه وبصره، فتبارك الله أحسن الخالقين، وخالقهم، وسيد السادة، وربهم {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (¬2)] (¬3). اعرف -رحمك (¬4) الله تعالى- غناك عن تكلف صفة ما لم يصف الربّ من نفسه، بعجزك عن معرفة قدر (¬5) ما وصف منها إذا (¬6) لم تعرف قدر ما وصف فما تكلفك علم (¬7) ما لم يصف؟ هل يستدل بذلك على شيء من طاعته أو ينزجر (¬8) به عن معصيته؟. فأمَّا الذي جحد ما وصف الرب من نفسه تعمقًا وتكلف (¬9)، فقد (¬10) استهوته الشياطين في الأرض حيران [فصار يستدل -بزعمه- على جحد ما وصف الرب وسمى من نفسه بأنَّ قال: لا بد إن كان له كذا من أن يكون له كذا، فعمي عن البيِّن بالخفي بجحد (¬11) ما سمى الرَّبُّ من ¬

_ (¬1) في س: يجتال. (¬2) سورة الشورى، الآية: 11. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من: السير، والمختصر. ومذكور في: الفتوى الحموية. (¬4) في الأصل: هناك رحمك. والمثبت من: س، ط. وفى السير، والمختصر: فاعرف غناك. (¬5) قدر: ساقطة من: السير، والمختصر. (¬6) في س: إذ. (¬7) في الأصل: تكلفك قدر علم. وسوف يعيد الشَّيخ العبارة بدون كلمة "قدر". وفي س: تكلفك علمه. وفي ط: كلفك علم. والمثبت من: السير، والمختصر، والفتوى الحموية. (¬8) في س: أو يقرجر. وهو تصحيف. وفي السير والمختصر: أو تنزجر به عن شيء من معصيته. (¬9) في الأصل: تكلف. والمثبت من: س، ط، والسير، والمختصر. (¬10) في جميع النسخ: قد. والمثبت من: السير، والمختصر، والفتوى الحموية. (¬11) في الأصل، س: بجحد. والمثبت من: ط، والفتوى الحموية.

نفسه لصمت الرَّبُّ عما لم يسمّ منها] (¬1) فلم (¬2) يزل يملي له الشيطان حتَّى جحد قول الله عزَّ وجلَّ {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} (¬3) فقال: لا يراه أحد (¬4) يوم القيامة (¬5) [فجحد -والله- أفضل كرامة الله التي أكرم بها أولياءه يوم القيامة من النظر إلى وجهه ونضرته إياهم {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} (¬6) فهم بالنظر إليه ينضرون إلى أن قال: وإنَّما جحد (¬7) رؤيته يوم القيامة إقامة للحجة الضَّالة المضلة، لأنَّه قد عرف [أنَّه] (¬8) إذا تجلى لهم يوم القيامة رأوا منه ما كانوا به قبل ذلك مؤمنين، وكان له جاحدًا] (¬9). وقال المسلمون يا رسول الله: هل نرى ربنا؟ فقال رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم -: "هل تضارون (¬10) في رؤية الشَّمس ليس دونها سحاب" قالوا: لا، قال: "فهل تضارون (¬11) في رؤية القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب" قالوا: لا، قال: "فإنكم ترون ربكم يومئذٍ كذلك" (¬12). ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من: السير، والمختصر، عدا عبارة "فعمي عن البين بالخفي" فذكرت في المختصر. (¬2) في السير، والمختصر: ولم. (¬3) سورة القيامة. الآيتان 22، 23. (¬4) في السير والمختصر: لا يرى يوم. . . (¬5) انتهى ما في السير، والمقابلة فيما بقي على المختصر والفتوى الحموية. (¬6) سورة القمر، الآية: 55. (¬7) في الأصل: جحدوا. والمثبت من: س، ط، والفتوى الحموية. (¬8) ما بين المعقوفتين زيادة من: الفتوى الحموية. (¬9) ما بين المعقوفتين ساقط من: السير والمختصر، ومذكور في الفتوى الحموية. (¬10) في الأصل: تضاهئون. والمثبت من: س، ط. (¬11) في الأصل: تضاهئون. والمثبت من: س، ط، ومصادر تخريج الحديث. (¬12) الحديث أخرجه الشيخان في صحيحيهما مع اختلاف يسير في بعض الألفاظ في صحيح البُخاريّ 8/ 179 كتاب التوحيد- باب قول الله تعالى {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} 22، 23 / القيامة.

وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تمتلئ النَّار حتَّى يضع الجبار فيها قدمه، فتقول: قط، قط، وينزوي بعضها إلى بعض" (¬1). وقال لثابت بن قيس: "لقد ضحك الله ممَّا فعلت بضيفك البارحة" (¬2). ¬

_ = وفي صحيح مسلم 1/ 163 كتاب الإيمان -باب معرفة طريق الرؤية- حديث / 299. وأخرجه ابن أبي عاصم في السنة من طرق وألفاظ مختلفة 1/ 193 - 201 - باب ما ذكر عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - كيف نرى ربنا في الآخرة. (¬1) الحديث يروى بألفاظ مختلفة عن أبي هريرة وغيره. فرواه البُخاريّ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ". . . فأمَّا النَّار فلا تمتلئ حتَّى يضع رجله فتقول: قط قط فهنالك تمتلئ ويزوي بعضها إلى بعض، ولا يظلم الله -عزَّ وجلَّ- من خلقه أحدًا. . ". صحيح البُخاريّ 6/ 48 كتاب التفسير- تفسير سورة (ق). ورواه بلفظ آخر في صحيحه 8/ 167 كتاب التوحيد- باب قول الله تعالى: {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ} عن أنس عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يزال يلقي فيها وتقول: هل من مزيد؟ حتَّى يضع فيها رب العالمين قدمه فينزوي بعضها إلى بعض ثم تقول قد قد بعزتك وكرمك. . ". وراجع صحيح مسلم 4/ 2186 - كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها - الأحاديث / 35، 36، 37، 38. وسنن التِّرمذيّ 5/ 390 - كتاب التفسير- تفسير سورة (ق). (¬2) انتهى الكلام في المختصر ومقابلة الباقي على ما في الفتوى الحموية والمختار من كتاب الإبانة -لابن بطة- اللوحة: 182 فما بعدها. والحديث رواه البُخاريّ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم - قال: ". . ضحك الله الليلة، أو عجب من فعالكما، فأنزل الله {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} 9 / الحشر. صحيح البُخاريّ 4/ 226 - كتاب مناقب الأنصار- باب {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى =

وقال- فيما بلغنا: "إن الله ليضحك من أزلكم وقنوطكم وسرعة إجابتكم" فقال له رجل من العرب: إن ربنا ليضحك؟ قال: "نعم" قال: لا نعدم من رب يضحك خيرًا (¬1). . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = أَنْفُسِهِمْ. . .} الآية، 6/ 59، 60 - كتاب التفسير- سورة الحشر- باب {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ. . .} الآية. يقول الألباني في كتابه "مختصر العلو" للذهبي- ص: 146: "أخرجه البُخاريّ. . وابن أبي عاصم في السنة (570) ومسلم أيضًا، إلَّا أنَّه ليس عنده ذكر الضحك، وليس عندهم جميعًا ذكر لثابت ابن قيس، بل عند مسلم أنَّه أبو طلحة- رجل من الأنصار". أقول: والحديث يروى بروايات متعددة، ولعل ذلك راجع إلى تعدد القصة، وقد نقل ابن حجر في "فتح الباري" 14/ 271 - كتاب مناقب الأنصار- باب قول الله عزَّ وجلَّ {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ. . .} الآية أن رجلًا من الأنصار عبر عليه ثلاثة أيَّام لا يجد ما يفطر عليه، ويصبح صائمًا حتَّى فطن له رجل من الأنصار يقال له ثابت بن قيس. . قال: وهذا لا يمنع التعدد في الصنيع مع الضيف، وفي نزول الآية. قال السيوطي في -الدر المنثور- 6/ 195: "أخرج مسدد في مسنده وابن أبي الدُّنيا في كتابه: "قرى الضيف"، وابن المنذر عن أبي المتوكل الناجي، أن رجلًا من المسلمين مكث صائمًا ثلاثة أيَّام. . إلى أن قال: فلما أصبح ثابت غدًا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يا ثابت لقد عجب الله البارحة منكم ومن ضيفكم" فنزلت هذه الآية {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ. . .} الآية. (¬1) الحديث رواه بلفظ آخر ابن ماجه في سننه 1/ 64 المقدمة- باب: فيما أنكرت الجهمية- حديث / 281 - عن أبي رزين قال: قال رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم -: "ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره" قال: قلت يا رسول الله: أويضحك الرَّبُّ؟ قال: "نعم"، قلت: لن نعدم من رب يضحك خيرًا. ورواه الإمام أحمد في مسنده 4/ 11، 12 باللفظ الذي ذكره ابن ماجه. ذكر محمد فؤاد عبد الباقي -محقفي سنن ابن ماجه- 1/ 64، بعد الحديث ما يلي: "في الزوائد: وكيع ذكره ابن حبان في الثقات، وباقي رجاله احتج بهم مسلم". ووكيع المشار إليه هو: وكيع بن حدس الراوي عن عمه أبي رزين.

إلى (¬1) أشباه لهذا ممَّا لم (¬2) نحصِهِ. وقال الله تعالى: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (¬3) وقال: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} (¬4) وقال: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} (¬5) وقال: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} (¬6) وقال: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (¬7) فوالله ما دلهم على عظم ما وصف (¬8) من نفسه وما تحيط به قبضته إلّا صغر نظيرها (¬9) منهم عندهم، إن ذلك الذي ألقى في روعهم، وخلق على معرفة قلوبهم، فما وصف الله من نفسه فسماه (¬10) على لسان رسوله سميناه كما سماه، ولم نتكلف منه [صفة] (¬11) ما سواه -لا هذا ولا هذا- لا نجحد ما وصف، ولا نتكلف معرفة ما لم يصف. أعلم -رحمك الله- أن العصمة في الدين تنتهي حيث انتهى بك، ولا تجاوز ما قد حد لك، فإن من قوام الدين معرفة المعروف وإنكار المنكر، فما بسطت عليه المعرفة، وسكنت إليه الأفئدة، وذكر أصله في الكتاب والسنة، وتوارث (¬12) علمه الأمة، فلا تخافن في ذكره وصفته من ¬

_ (¬1) في جميع النسخ: في. والمثبت من: الفتوى الحموية، والمختار. (¬2) في الفتوى الحموية: لا. (¬3) سورة الشورى، الآية: 11. (¬4) سورة الطور، الآية: 48. (¬5) سورة طه، الآية: 39. (¬6) سورة ص، الآية: 75. (¬7) سورة الزمر، الآية: 67. (¬8) في الفتوى الحموية: وصفه. وفي المختار: من وصف. (¬9) في الأصل: نظيرًا. والمثبت من: س، ط، والفتوى الحموية، والمختار. (¬10) في الفتوى الحموية: وسماه. (¬11) ما بين المعقوفتين زيادة من: ط، والفتوى الحموية، والمختار. وهي في س: صنعة. (¬12) في الفتوى الحموية، والمختار: توارثت.

تعليق الشيخ عليه

ربك ما وصف من نفسه عيبًا، ولا تتكلفن (¬1) بما وصف [لك] (¬2) من ذلك قدرًا. وما أنكرَتْه نفسك ولم تجد ذكره في كتاب ربك، ولا في الحديث (¬3) عن نبيك -من ذكر صفة ربك- فلا تتكلَّفن (¬4) علمه بعقلك، ولا تصفه بلسانك، واصمت عنه كما صمت الرَّبُّ عنه من نفسه، فإن تكلفك معرفة ما لم يصف من (¬5) نفسه مثل إنكارك ما وصف منها، فكما أعظمت ما جحد (¬6) الجاحدون ممَّا وصف (¬7) من نفسه، فكذلك أعظم تكلف ما وصف الواصفون ممَّا لم يصف منها. فقد -والله- عز المسلمون الذين يعرفون المعروف وبمعرفتهم يعرف (¬8)، وينكرون المنكر وبإنكارهم ينكر، يسمعون (¬9) ما وصف الله به نفسه من هذا في كتابه، وما يبلغهم (¬10) مثله عن نبيه، فما مرض من ذكر هذا وتسميته من الرَّبِّ (¬11) قلبُ مسلم (¬12)، ولا تكلف صفة قدره ولا تسمية غيره من الرَّبِّ مؤمن. ¬

_ (¬1) في جميع النسخ: عينًا ولا تكلفن. وفي المختار: عبثًا ولا تكلفن. والمثبت من: الفتوى الحموية. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: الفتوى الحموية، والمختار. وقد ورد في المختار: لما وصف لك. (¬3) في الفتوى الحموية: حديث. (¬4) في الفتوى الحموية، والمختار: تكلفن. (¬5) في س، ط: به. (¬6) في الفتوى الحموية: جحده. (¬7) في المختار: وصفه. (¬8) في الفتوى الحموية:. . . المعروف وبهم يعرف. (¬9) في الأصل: يسمون. والمثبت من: س، ط، والفتوى الحموية، والمختار. (¬10) في جميع النسخ: يبلغهم. والمثبت من: الفتوى الحموية. (¬11) من الرَّبِّ: ساقطة من الفتوى الحموية. (¬12) في س: قلت نسلم. وهو تصحيف.

وما ذكر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنَّه سماه من صفة ربه، فهو بمنزلة ما سمى ووصف الرب -تعالى- من نفسه. والراسخون (¬1) في العلم -الواقفون حيث انتهى علمهم، الواصفون لربهم بما (¬2) وصف من نفسه، التاركون لما ترك من ذكرها- لا ينكرون صفة ما سمَّى منها جحدًا، ولا يتكلفون وصفه بما لم يسم تعمقًا، لأنَّ الحق ترك ما ترك، وتسمية (¬3) ما سمى فمن {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (¬4) أوهب (¬5) الله لنا ولكم حكمًا وألحقنا بالصالحين. فتدبر كلام هذا الإمام (¬6)، وما فيه من المعرفة والبيان. والمقصود هنا: تكلمه بلفظ (من) في مواضع (¬7) عديدة كقوله: كيف (¬8) يكون لصفة شيء منه [حد أو منتهى يعرفه عارف أو يحد قدره واصف، فذكر أن صفته شيء منه] (¬9) لا يعرف أحد حدها ولا قدرها. ثم قال: الدليل على عجز العقول عن تحقيق صفته عجزها عن تحقيق صفة أصغر مخلوقاته، فجعل الصفة هنا له لا لشيء منه، لأنَّه استدل بالعجز عن تحقيق صفة المخلوق، ثم أمر بمعرفة ما ظهر علمه ¬

_ (¬1) في المختار: من نفسه من أجل ما وصفنا كالجاحد المنكر لما وصفنا منها. (¬2) في الأصل: ممَّا. والمثبت من: س، ط، والفتوى الحموية، والمختار. (¬3) في س: وتسميته. وفي ط: وسمى. (¬4) سورة النساء، الآية: 115. وقد ورد في الأصل: اتبع. وفي س، ط: وسارت. وهو تصحيف. (¬5) في س، ط، والفتوى الحموية: وهب. (¬6) المتقدم ذكره هو: عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون. وقد تقدم التعريف به. (¬7) في س: موضع. (¬8) في ط وكيف. (¬9) ما بين المعقوفتين زيادة من: ط.

بالكتاب والسنة، والسكوت عما لم يظهر علمه، وذم من نفى ما ذكر و (¬1) تكلف علم ما لم يذكر فقال: اعرف غناك عن تكلف صفة ما لم يصف الرب من نفسه بعجزك عن معرفة قدر ما وصف منها، فذكر أن [من] (¬2) نفسه ما لم يصفه، ونهى عن تكلف (¬3) صفته، لأنَّ الذي وصفه من نفسه يعجز عن معرفة قدره، فالعجز عن ما لم يذكر أولى، قال: إذا لم تعرف قدر ما وصف فما تكلفك (¬4) علم ما لم يصف؟ ثم قال: فأمَّا الذي جحد ما وصف الرب من نفسه تعمقًا وتكلفًا، مضاه يستدل بزعمه على جحد ما وصف الرب وسمى من نفسه بأنَّ قال: لا بد إلي كان له كذا من أن يكون له كذا، فجحد ما سمى الرَّبّ من نفسه بصمت الرَّبِّ عما لم يسم منها، فذكر (¬5) -أيضًا- في هذا الكلام أن الرَّبَّ وصف من نفسه وسمى من نفسه ما وصف وسمى، وصمت عن ما لم يسم من نفسه، وأن الجهمية يجحدون الموصوف المسمى من نفسه بأنَّ ذلك يستلزم كذا، وينفون اللازم الذي صمت الرَّبّ عنه فلم يذكره بنفي ولا إثبات. ثم بين أن الجهمي ينكر الرؤية (¬6)، لأنَّه قد عرف إذا تجلى لهم يوم القيامة رأوا منه ما كانوا به قبل ذلك مؤمنين وكان له جاحدًا، فذكر أن المؤمنين يرون منه يوم القيامة ما صدقوا به في الدُّنيا وجحدته الجهمية، وأن الجهمي علم أن رؤيته تستلزم ثبوت ما جحده، فلذلك أنكرها ¬

_ (¬1) في ط: أو. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬3) في س: تكليف. (¬4) في س، ط: كلفك. (¬5) في الأصل: فصار. والمثبت من: س، ط. (¬6) في الأصل: والرؤية. والمثبت من: س، ط. وقد تقدم الكلام على الرؤية.

[هكذا هو فإن] (¬1) الرؤية تستلزم ثبوت ذلك لا ريب، ولهذا كان من أثبت الرؤية ووافق الجهمي على نفي لوازمها، مخالفًا للفطرة العقلية عند عامة العقلاء المثبتة والنافية. ثم قال: لما ذكر قوله {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} (¬2) فوالله ما دلهم على عظم (¬3) ما وصف من نفسه، وما تحيط به قبضته [إلَّا صغر نظيرها منهم، فذكر أن ما دلت عليه الآية (¬4) هو ما وصفه] (¬5) من نفسه، وأن هذا الموصوف منه نظيره منهم صغير، فإذا كان هذا عظمة الذي هو صغير بالنسبة إلى ما لم يذكر، فكيف بعظمة ما لم يصف من نفسه سبحانه وتعالى؟!!. ثم قال: فما وصف من نفسه فسماه سميناه كما سماه، ولم نتكلف من صفة ما سواه، فذكر أنا نسمي ونصف ما سمى ووصف من نفسه، ولا نتكلف أن نصف منه ما سوى ذلك، لا نجحد الموصوف من نفسه ولا نتكلف معرفة (¬6) ما لم يصفه من نفسه. وسائر كلامه يوافق هذا، يبين أنَّه وصف من نفسه موصوفات وسكت عما لم يصفه من نفسه كقوله: فإن (¬7) تكلفك معرفة ما لم يصف من نفسه مثل إنكارك ما وصف منها، فكما أعظمت ما جحد الجاحدون ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س. وقد دون في الأصل: ولهذا كان من أثبت. ولا يستقيم بها. وفي ط: هكذا فإن. (¬2) سورة الزمر. الآية 67. (¬3) في الأصل: علم. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط. وتقدمت كما هو مثبت. (¬4) في الأصل: الأئمة. وهو تصحيف. والمثبت من: ط. (¬5) ما بين المعقوفتين ساقط من: س. (¬6) في س: موفأت. وهو تصحيف. (¬7) في س. فا. وهو سهو من الناسخ.

ممَّا وصف من نفسه، فكذلك أعظم تكلف (¬1) ما وصف الواصفون ممَّا لم يصف منها فقد -والله- عز المسلمون الذي يعرفون المعروف وبمعرفتهم يعرف، وينكرون المنكر وبإنكارهم ينكر يسمعون (¬2) ما وصف الله به نفسه من هذا في كتابه، وما يبلغهم مثله عن نبيه فما مرض من ذكر هذا وتسميته من الرَّبّ قلب مسلم، ولا تكلف صفة قدره ولا تسميته غيره من الرَّبّ قلب مؤمن. قوله: في هذا الموضع يسمعون (¬3) ما وصف الرب من نفسه من هذا في كتابه، فإنَّه قال هنا: ما وصف الرب به نفسه من هذا، وفي سائر المواضع يقول: ما وصف من نفسه، وذلك لأنَّه هنا قال: تسمعون (¬4) فلا بد أن يذكر الكلام الذي وصف الله به نفسه، والمسموع (¬5) يتضمن ما وصف من نفسه، فلهذا قال: تسمعون ما وصف الله به نفسه من هذا، وفي غير هذا الموضوع كقوله: فما وصف من نفسه فسماه سميناه كما سماه، أراد ما دل عليه الكلام وبينه ووصفه، وهو الذي وصفه الله من نفسه وسماه، وذلك يعلم ويعرف ويذكر ولا يسمع، إلّا إذا وصف وذكر، وسيأتي بيان أن هذه (¬6) الموصوفات التي وصفها الله من نفسه يوصف بها -أيضًا- فهي موصوفة (¬7) باعتبار، والرب يوصف بها باعتبار. ¬

_ (¬1) في س: نكلف. (¬2) في الأصل: يسمون. وفي س: الكلمة غير واضحة. والمثبت من: ط. وتقدمت في كلام عبد العزيز بن الماجشون. (¬3) في الأصل: يسمون. والمثبت من: س، ط. (¬4) في ط: يسمعون. (¬5) في س: المسمعوع. وهو تصحيف. (¬6) في الأصل: هذا. وقد أثبت الصواب من: س، ط. (¬7) في س: موصوف.

كلام أبي الشيخ الأصبهاني في الصفات

وذكر أبو الشَّيخ الأصبهاني في كتاب السنة له (¬1) قال: وفيما أجاز لي (¬2) جدي -رحمه الله- قال: قال إسحاق بن راهوية إن الله -تبارك وتعالى- وصف نفسه في (¬3) كتابه بصفات استغنى الخلق كلهم عن أن يصفوه بغير ما وصف به نفسه، وأجمله في كتابه، فإنَّما فسر النَّبيُّ - صَلَّى الله عليه وسلم - معنى إرادة الله -تبارك وتعالى- قال الله في كتابه حيث ذكر عيسى بن مريم فقال: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} (¬4) وقال في محكم كتابه {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} (¬5) {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} (¬6)، وقال: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} (¬7)، وقال: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} (¬8) وقال {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} (¬9) وقال في آيات كثيرة {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (¬10) وقال {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} (¬11) وكل ما وصف الله به نفسه من الصفات التي ذكرناها ممَّا هي موجودة في القرآن، وما لم تذكّر فهو كما ذكر، وإنَّما يلزم العباد الاستسلام لذلك والتعبد، لا نزيل صفة ممَّا وصف الله بها (¬12) ¬

_ (¬1) تقدم الكلام على أبي الشَّيخ وكتابه "السنة" ص: 166. (¬2) في ط: أجازني. (¬3) في ط: من. (¬4) سورة المائدة، الآية: 116. (¬5) سورة الزمر، الآية: 68. (¬6) سورة الزمر، الآية: 67. (¬7) سورة المائدة، الآية: 64. (¬8) سورة الفتح، الآية: 10. (¬9) سورة ص، الآية: 75. (¬10) سورة الشورى، الآية: 11. (¬11) سورة طه، الآية: 39. (¬12) في س، ط: به.

نفسه، أو وصف الرسول عن جهته، لا بكلام ولا بإرادة، إنَّما يلزم (¬1) المسلم الأداء، ويوقن بقلبه أن ما وصف به نفسه في القرآن إنَّما هي صفاته، ولا يعقل نبي مرسل ولا ملك مقرب تلك الصفات إلّا بالأسماء التي عرفهم الرَّبّ -تبارك وتعالى-، فأما أن يدرك أحد من بني آدم معنى تلك الصفات فلا يدركه أحد، وذلك أن الله تعالى إنَّما وصف من صفاته قدر ما تحتمله (¬2) عقول ذوي الألباب، ليكون إيمانهم بذلك. ومعرفتهم بأنه الموصوف بما وصف به نفسه، ولا يعقل أحد منتهاه ولا منتهى صفاته، وإنَّما يلزم المسلم أن يثبت معرفة صفات الله بالاتباع والاستسلام كما جاء، فمن جهل معرفة ذلك حتَّى يقول: إنما أصف ما قال الله ولا أدري (¬3) ما معاني ذلك، حتَّى يفضي إلى أن يقول بمعنى قول الجهمية: يده (¬4) نعمة، ويحتج بقوله: {أَيْدِينَا أَنْعَامًا} (¬5) ونحو ذلك فقد ضل سواء (¬6) السبيل، هذا محض كلام الجهمية حيث يؤمنون بجميع ما وصفناه (¬7) من صفات الله، ثم يحرفون معنى الصفات عن جهتها التي وصف الله بها نفسه، حتَّى يقولوا: معنى {السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (¬8) معنى السميع هو: البصير، ومعنى البصير هو السميع، ويجعلون اليد يد ¬

_ (¬1) في الأصل: يستلزم. والمثبت من: س، ط. (¬2) في الأصل: تحمله. والمثبت من: س، ط. (¬3) في الأصل: ولا يدري. والمثبت من: س، ط. (¬4) في س، ط: يد. (¬5) سورة يس، الآية: 71. في الأصل: أنعامنا. وهو سهو من الناسخ. (¬6) في س، ط: عن سواء. (¬7) في س، ط: وصفنا. (¬8) سورة الشورى، الآية: 11. معنى السميع البصير: ساقطة من: س، ط.

محمد بن شجاع إمام الواقفة هو وأصحابه يطلقون على القرآن بأنه محدث

نعمة، وأشباه ذلك يحرفونها عن جهتها، لأنهم هم (¬1) المعطلة. [قلت] (¬2): فقد تبيّن مستند حكاية ابن شجاع الثلجي وزرقان وغيرهما لما ينقلونه عن أهل الإثبات من التحريف كقولهم: إن الله هو القرآن، أو إن القرآن بعضه، وظهر (¬3) أن محمد بن شجاع -إمام الواقفة (¬4) - هو وأصحابه الذين لا يقولون: القرآن مخلوق ولا غير مخلوق، يطلقون عليه أنَّه محدث بمعنى أنَّه أحدثه في غيره، وهو معنى قول (¬5) من قال: إنه مخلوق ليس بينهما فرق إلّا في اللفظ، وقد سلك هذا المسلك طوائف من أهل البدع من الرافضة وغيرهم يقولون: هو محدث مجعول، ولا يقولون: هو مخلوق، ويزعمون أن لفظ الخلق يحتمل المفترى، وهم في المعنى موافقون لأصحاب المخلوق، وقد وافقهم على الترادف طوائف الكلابية والأشعرية وخلائق من (¬6) أهل الفقه والحديث والتصوف يقولون: المحدث هو المخلوق في غيره، ¬

_ (¬1) في الأصل: هو، والمثبت من: س، ط. (¬2) ما بين المعقوفتين بياض في الأصل بمقدار أربع كلمات في بداية السطر. وبمقدار ثلاث كلمات في: س. والكلام متصل في: ط. ولعلّه نهاية كلام ابن راهوية وبداية كلام الشَّيخ، لذا وضعت ما بين المعقوفتين ليستقيم الكلام. وقد ورد بهامش الأصل: "ذكر ما حكى زرقان وابن شجاع عن بعض أئمة أهل السنة من البهتان، وقولهم عنهم ما لم يقولوا (ها هنا). كل ذلك بيان من شيخ الإسلام لكذب زرقان وابن شجاع وأن هؤلاء الأئمة براء ممَّا نسبه إليهم المفترون. وكلمة (ها هنا) التي بين القوسين في الكلام السابق كتب في هامش الأصل: "لا هنا". والمعنى لا يستقيم بها. (¬3) في س، ط: وذكر. (¬4) في س، ط: الواقف. وقد تقدم الكلام على الواقفة. (¬5) في س: قوله. (¬6) في ط: طوائف.

داود وأبو معاذ وغيرهما لم يزيدوا بقولهم: إنه محدث أنه بائن عن الله

لا يسمون محدثًا إلّا ما كان كذلك، فهؤلاء كلهم يقولون: من قال: إنه محدث كان معنى قوله: إنه مخلوق، ولزمه القوله بأنه مخلوق. فهذا (¬1) أحد الوجهين للإنكار على داود الأصبهاني وغيره ممن قال: إنه محدث (¬2) وأطلق القوله بذلك، وإن كان داود وأبو معاذ وغيرهما لم يريدوا بقولهم: إنه محدث أنَّه بائن عن الله، كما يريد الذين يقولون: إنه مخلوق، بل مذهب (¬3) داود وغيره ممن قال: إنه محدث وليس بمخلوق من أهل الإثبات: إنه هو الذي تكلم به، وإنه قائم به (¬4) ليس بمخلوق منفصل عنه، ولعل هذا كان (¬5) مستند داود في قوله لعبد الله: أحب أن تعذرني عنده، وتقوله له: ليس هذا مقالتي، أو ليس كما قيل لك، فإنَّه قد يكون قصد بذلك أني لا أقول: إنه محدث بالمعنى الذي فهموه وأفهموه -وهو أنَّه مخلوق- وليس هذا مذهبي، ولم يقبل أحمد قوله، لأنَّ هذا القول منكر، ولو فسره بهذا التفسير لما ذكرناه (¬6)، ولأنه أنكر مطلقًا، فلم يقر باللفظ الذي قاله، وقد قامت عليه البينة به، فلم يقبل إنكاره بعد الشهادة عليه، ولأنه أظهر مع هذه البدعة بدعة أخرى وهي: إباحة التحليل (¬7)، وهو مذهبه، وأهل الحديث لم يكونوا ¬

_ (¬1) في س، ط: فهو. وتقدم ذكر الوجه الأول في ص: 344. (¬2) في الأصل: مخلوق. والمثبت من: س، ط. (¬3) في س، ط: ذهب. (¬4) في س، ط: بذاته. (¬5) كان: ساقطة من: س. (¬6) من أن طوائف من أهل الكلام والفقه والحديث والتصوف يقولون: المحدث هو المخلوق في غيره، ولا يسمون محدثًا إلَّا ما كان كذلك، فمن قال: إنه محدث كان معنى قوله إنه مخلوق. (¬7) وهي قوله بجواز تحليل المطلقة ثلاثًا لزوجها الأول من الزوج الثَّاني، إذا لم يعلم الزوجان، وقد نقل رأيه هذا في هذه المسألة القرطبي في تفسيره 3/ 150 فقال: ". . وقال سالم والقاسم: لا بأس أن يتزوجها ليحلها إذا لم يعلم =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = الزوجان، وهو مأجور، وبه قال ربيعة ويحيى بن سعيد، وقاله داود بن علي إذا لم يظهر ذلك في اشتراطه في حين العقد". وقد وافقه في هذا الرأي ابن حزم فقال في المحلى 10/ 180: "مسألة: فلو رغب المطلق ثلاثًا إلى من يتزوجها ويطأها ليحلها له فذلك جائز، إذا تزوجها بغير شرط لذلك في نفس عقده لنكاحه إياها، فإذا تزوجها فهو بالخيار، إن شاء طلقها، وإن شاء أمسكها، فإن طلقها حلت للأول فلو شرط في عقد نكاحها أنَّه يطلقها إذا وطئها فهو عقد فاسد مفسوخ أبدًا ولا تحل له به". والمفهوم من هذا القول جواز التحليل من الزوج الثَّاني إذا نوى ذلك ولم يظهره في العقد. وهذا القول فيه مخالفة صريحة للنصوص الصحيحة الواردة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في لعن وذم المحلل والمحلل له. يقول ابن قدامة في المغني 7/ 275: ". . ولأن النَّبيَّ - صَلَّى الله عليه وسلم - لعن المحلل والمحلل له، فسماه محللًا مع فساد نكاحه. . وأمَّا تسميته محللًا فلقصده التحليل فيما لا يحل، ولو أحل حقيقة لما لعن، ولا لعن المحلل له". وقال ابن كثير في تفسيره 1/ 278 - 280: "فصل: والمقصود من الزوج الثَّاني أن يكون راغبًا في المرأة قاصدًا لدوام عشرتها، كما هو المشروع من التزويج". . إلى أن قال: ". . فأمَّا إذا كان الثَّاني إنَّما قصده أن يحلها للأول فهذا هو المحلل الذي وردت الأحاديث بذمه ولعنه، ومتى صرح بمقصوده في العقد بطل النكاح عند جمهور الأئمة". ثم أورد -رحمه الله- جملة من الأحاديث والآثار بسندها تنص على ذم ولعن المحلل والمحلل له من طرق مختلفة. ولشيخ الإسلام ابن تيمية كتاب "إقامة الدليل على إبطال التحليل" ذكر فيه الأدلة النقلية والعقلية على إبطال الحيل في الدين عمومًا والتحليل خصوصًا. والكتاب في الجزء الثالث من مجموع فتاوى ابن تيمية من ص: 98 إلى 385. وعقد ابن القيِّم في أعلام الموقعين 3/ 47، 48 فصلًا في مساوئ التحليل والتشنيع على فاعله، وضمنه -رحمه الله- الأحاديث الواردة عن رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم - بلعن وذم المحلل والمحلل له، وطرق روايتها والحكم عليها وأماكنها في كتب السنة. =

لفظ "محدث" هل هو مرادف للفظ المخلوق، أم لا؟ على قولين

يتنازعون في تحريم ذلك، كما جاءت [به] (¬1) الأحاديث الصحيحة عن النَّبيِّ - صَلَّى الله عليه وسلم - والتابعين. وكان محمد بن يَحْيَى (¬2) من أئمة أهل الحديث، كما قال أبو نعيم الأصبهاني (¬3): أنبأنا محمد بن عبد الله -يعني الحاكم- سمعت يَحْيَى (¬4) بن منصور القاضي يقول: سمعت خالي عبد الله بن علي بن الجارود، يقول: سمعت محمد بن سهل بن عسكر يقول: كُنَّا عند أحمد بن حنبل، فدخل محمد بن يَحْيَى، فقام إليه أحمد، وتعجب منه النَّاس، ثم قال لبنيه وأصحابه: اذهبوا إلى أبي عبد الله فاكتبوا عنه. وقد تنازع النَّاس في لفظ (محدث) هل هو مرادف للفظ المخلوق أم ليس كذلك؟ على قولين: ¬

_ = كما عقد فصلًا آخر في رأي الإسلام في التحليل قال في آخره: ". . ونكاح المحلل لم يبح في ملة من الملل قط، ولم يفعله أحد من الصّحابة، ولا أفتى به واحد منهم". (¬1) ما بين المعقوفتين زياد من: س، ط. (¬2) هو: محمد بن يَحْيَى بن عبد الله الذهلي النيسابوري أبو عبد الله. وتقدم التعريف به ص: 338. (¬3) ذكره الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 3/ 416 بالسند واللفظين اللذين ذكرهما الشَّيخ -رحمه الله. وأورده الذهبي في سير أعلام النبلاء 12/ 280. (¬4) في الأصل: أبا يَحْيَى. وهو خطأ. والمثبت من: س، ط، وتاريخ بغداد، وسير أعلام النبلاء. هو: أبو محمد يَحْيَى بن منصور بن يَحْيَى بن عبد الملك، قاضي نيسابور. نقل الذهبي عن الحاكم أنَّه قال: ولي القضاء بضع عشرة سنة، ثم عزل بأبي أحمد الحنفي في سنة 339 هـ. وكان محدث نيسابور في وقته، وحمد في القضاء. ا. هـ مات سنة 351 هـ. راجع: سير أعلام النبلاء للذهبي- 16/ 28. وشذارت الذَّهب -لابن العماد - 3/ 9.

قال الأشعري في المقالات (¬1) -لما ذكر النزاع في الخلق والكسب والفعل، قال: (واتفق أهل الإثبات على أن معنى مخلوق معنى محدث ومعنى محدث [معنى] (¬2) مخلوق، وهذا هو الحق عندي، وإليه أذهب، وبه أقول. وقال زهير الأثري (¬3)، وأبو معاذ التومني: معنى مخلوق أنَّه وقع عن إرادة من الله وقول (¬4) له (كن). وقال كثير من المعتزلة بذلك، منهم أبو الهذيل. وقد قال قائلون: معنى المخلوق أن (¬5) له خلقًا، ولم يجعلوا الخلق قولًا على وجه من الوجوه، منهم أبو موسى (¬6)، وبشر من المعتمر. [و] (¬7) الفرق بين المخلوق والمحدث، هو اصطلاح أئمة أهل الحديث، وهو موافق للغة التي نزل بها القرآن، ومنهم من يفرق بين حدث ومحدث، كما حكى القولين الأشعري (¬8). ¬

_ (¬1) مقالات الإسلاميين 2/ 220. وقد ورد في هامش (س): نقل الأشعري اتفاق أهل الإثبات على أن معنى مخلوق معنى محدث، ومعنى محدث معنى مخلوق. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والمقالات. (¬3) في جميع النسخ: الأبري. والمثبت من: المقالات. وقد تقدم الكلام عليه. (¬4) في ط: قوله. (¬5) في س: إنه. (¬6) أبو موسى المردار. (¬7) ما بين المعقوفتين أضفتها ليستقيم الكلام. (¬8) في المقالات: 1/ 351، 2/ 53. فقد ذكر أن زهير الأثري يزعم أن القرآن كلام الله محدث، غير مخلوق وأنه يوجد في أماكن كثيرة في وقت واحد. وأمَّا أبو معاذ التومني فإنَّه يزعم أن كلام الله حدث غير محدث ولا مخلوق، وهو قائم بالله لا في مكان.

قال البُخاريّ في صحيحه (¬1) في كتاب الرد على الجهمية -في أثناء أبواب القرآن- باب ما جاء به في تخليق السماوات والأرض وغيرها من الخلائق: (وهو فعل الرَّبّ وأمره، فالرب (¬2) بصفاته وفعله وأمره وكلامه هو الخالق المكون (¬3) غير مخلوق، وما كان بفعله وأمره وتخليقه وتكوينه فهو مفعول مخلوق مكون). ثم قال (¬4) بعد ذلك باب (¬5) قول الله تعالى: {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} (¬6) (ولم يقل: ماذا خلق ربكم). وقال: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلا بِإِذْنِهِ} (¬7). وقال مسروق، عن ابن مسعود (¬8): إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماوات شيئًا، حتَّى إذا (¬9) فزع عن قلوبهم، وسكن الصوت عرفوا أنَّه الحق، ونادوا: ماذا قال ربكم: قالوا الحق. قال (¬10): ويذكر عن جابر بن عبد الله بن أنيس (¬11): سمعت (¬12) ¬

_ (¬1) صحيح البُخاريّ- 8/ 187 - كتاب التوحيد. (¬2) فالرب: ساقطة من: س. (¬3) في صحيح البُخاريّ: وهو الخالق هو المكون. (¬4) في المصدر السابق 8/ 194. (¬5) في س، ط: قال باب. (¬6) سورة سبأ، الآية: 23. في الأصل: بمن. وفي ط: من. وكلاهما خطأ. (¬7) سورة البقرة، الآية: 255. (¬8) في الأصل: ابن عباس. وهو خطأ. والمثبت من: س، ط، وصحيح البُخاريّ. (¬9) في صحيح البُخاريّ: شيئًا فإذا فزع. (¬10) يعني البُخاريّ: والكلام متصل في الصَّحيح. (¬11) في س، ط: جابر بن عبد الله عن عبد الله بن أنيس. وهو خطأ. (¬12) في صحيح البُخاريّ: قال سمعت.

النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يحشر الله العباد فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب أنا الملك أنا الديان". ثم روى (¬1) عن عكرمة، عن أبي هريرة: بلغ به (¬2) النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قضى الله الأمر في السماء، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانًا لقوله، كأنه سلسلة على صفوان (¬3) {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} (¬4). ثم قال (¬5) بعد أبواب: باب قول الله تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} (¬6)، {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} (¬7) وقوله: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} (¬8) وأن حديثه لا يشبه حدث المخلوقين لقوله {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (¬9). ¬

_ (¬1) صحيح البُخاريّ 8/ 194 كتاب التوحيد- باب: (ولا تنفع الشفاعة عنده إلَّا بإذنه. . . (¬2) في صحيح البُخاريّ: يبلغ به. . (¬3) في جميع النسخ: الصفوان. والمثبت من: صحيح البُخاريّ. وقد ورد بعدها في صحيح البُخاريّ: "قال على وقال غيره: صفوان يَنْفُذُهُم ذلك. وذكر في هامش الصَّحيح أن قوله: يَنْفُذُهُم ذلك. ساقط في بعض الروايات كما في الشارح. والصفوان: الحجر الأملس، وجمعه: صَفى. وقيل: هو جمع، وواحده: صفوانة. انظر: النهاية لابن الأثير 3/ 41. (¬4) سورة سبأ، الآية: 23. في الصَّحيح: {حَتَّى فإِذَا فُزِّعَ. . .} الآية. وهو خطأ. (¬5) صحيح البُخاريّ 8/ 207 كتاب التوحيد. (¬6) سورة الرحمن، الآية: 29. (¬7) سورة الأنبياء، الآية: 2. (¬8) سورة الطلاق، الآية: 1. (¬9) سورة الشورى، الآية: 11.

الذي عليه السلف والأئمة وأهل السنة والجماعة أن القرآن الذي هو كلام الله له حروف ومعاني

وقال ابن مسعود عن النَّبيِّ - صَلَّى الله عليه وسلم -: "إن الله يحدث من أمره ما يشاء، وإن ممَّا أحدث أن لا تكلموا في الصَّلاة". وروى (¬1) عن (¬2) أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: "كيف تسألون أهل الكتاب عن كتبهم؟ وعندكم كتاب الله أقرب الكتب عهدًا بالله تقرؤونه محضًا لم يشب (¬3) ". وروى (¬4) الزُّهريّ، أخبرني عبيد الله بن عبد الله أن عبد الله (¬5) بن عباس قال: (يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء؟ وكتابكم الذي أنزل الله على (¬6) نبيكم أحدث الأخبار بالله محضًا لم يشب (¬7) وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب قد بدلوا من كتب الله وغيروا، فكتبوا بأيديهم الكتب (¬8)، وقالوا: هو من عند (¬9) الله ليشتروا بذلك ثمنًا قليلًا، أَوَلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم؟ فلا والله ما رأينا رجلًا منهم يسألكم عن الذي أنزل إليكم) (¬10). [قلت] (¬11) والذي كان عليه السلف الأئمة، ¬

_ (¬1) صحيح البُخاريّ 8/ 207 كتاب التوحيد. (¬2) عن: ساقطة من: ط. (¬3) في الأصل: يثبت. وفي ط: يشك فيه. والمثبت من: س، وصحيح البُخاريّ. ومعنى "لم يشب" بضم الياء وفتح الشين. أي: لم يخالطه غيره. راجع: فتح الباري 28/ 294. (¬4) صحيح البُخاريّ 8/ 208 كتاب التوحيد. (¬5) أن عبد الله: ساقطة من: س. (¬6) في الأصل: أنزل على نبيكم. والمثبت من: س، ط، وصحيح البُخاريّ. (¬7) في الأصل: يثب. وفي ط: يشك فيه. والمثبت من: س، وصحيح البُخاريّ. (¬8) الكتب: ساقطة من: صحيح البُخاريّ. (¬9) عند: ساقطة من: س، ط. (¬10) في الصَّحيح: عليكم. وهو نهاية النقل من الصَّحيح. (¬11) ما بين المعقوفتين إضافة توضح بداية كلام الشَّيخ -رحمه الله. . . . . . . . =

وأهل" (¬1) السنة والجماعة، أن القرآن الذي هو كلام الله، هو القرآن الذي يعلم المسلمون أنَّه القرآن، والقرآن وسائر الكلام (¬2) له حروف ومعاني، فليس الكلام ولا القرآن إذا أطلق اسمًا لمجرد الحروف، ولا اسمًا (¬3) لمجرد المعاني، بل الكلام اسم للحروف والمعاني جميعًا، فنشأ بعد السلف والأئمة ممن هو موافق للسلف -والأئمة على إطلاق القول بأنَّ القرآن كلام الله غير مخلوق- طائفتان: طائفة (¬4) قالت: كلام الله ليس إلّا مجرد معنى قائم بالنفس، وحروف القرآن ليست من كلام الله، ولا تكلم بها (¬5)، ولا يتكلم الله بحرف ولا صوت، و {الم} و {طس} و {ن} وغير ذلك ليس من كلام الله الذي تكلم هو به، ولكن خلقها، ثم منهم من قال: خلقها في الهواء ومنهم من قال: خلقها مكتوبة في اللوح المحفوظ، ومنهم من قال: جبريل هو الذي أحدثها، وصنفها بإقدار الله له على ذلك، ومنهم من زعم أن محمدًا هو الذي أحدثها وصنفها بإقدار الله له على ذلك (¬6)، ¬

_ = وفي الأصل، س: بياض بقدر ثلاث كلمات، وفي ط: نجمة. (¬1) في س، ط: والأئمة أهل السنة. . . (¬2) في هامش س: الكلام اسم للحروف والمعاني جميعًا. (¬3) في الأصل: أسماء المجرد الحروف ولا أسماء. . وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط. (¬4) وهم الكلابية ومن وافقهم، كالأشاعرة وغيرهم. انظر تفصيل مذهبهم في مقالات الإسلاميين 2/ 257، 258، 270، 274. ومجموعة الرسائل والمسائل -لابن تيمية- كتاب مذهب السلف القويم في تحقيق مسألة كلام الله الكريم 1/ 3 / 377، 378، 454، 455. ومجموع الفتاوى -لابن تيمية- 12/ 120. (¬5) في س، ط: الله بها. (¬6) هذه الأقوال تفريع على قول الكلابية والأشاعرة ومن وافقهما: إن القرآن العربي ليس هو كلام الله، وإنَّما كلامه المعنى القائم بذاته، والقرآن خلق ليدل على ذلك المعنى.

قول الكرامية والسالمية في القرآن

وهؤلاء وافقوا الجهمية في نفيهم عن الله من الكلام ما نفته الجهمية، وفي أنهم جعلوا هذا مخلوقًا كما جعلته الجهمية مخلوقًا، ولكن فارقوهم في أنهم أثبتوا معنى القرآن [غير] (¬1) مخلوق، وقالوا: إن كلام (¬2) الله اسم لما يقوم به ويتصف به، لا لما يخلقه في غيره، وأطلقوا القول بأنَّ القرآن غير مخلوق، وإن كانوا لا يريدون جميع المعنى الذي أراد (¬3) السلف والأئمة والعامة، بل بعضه، كما أن الجهمية تطلق القول بأنَّ القرآن كلام الله، ولا يعنون به المعنى الذي يعنيه السلف والأئمة والعامة، ولكن هؤلاء منعوا أن تكون هذه الحروف من كلام الله، والجهمية المحضة سموها كلام الله، لكن قالوا: هي مع ذلك مخلوقة، وأولئك لا يجعلون ما يسمونه كلام الله مخلوقًا، ومنهم من يسمي (¬4) كلام الله -أيضًا- على سبيل الاشتراك (¬5)، وأكثرهم يقولون: نسميها بذلك مجازًا (¬6). وأيضًا -فجعلت هذه الطائفة (¬7) معنى واحدًا قائمًا بذات الرَّبّ، هو ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬2) في س: الكلام. (¬3) في س، ط: أراده. (¬4) في س، ط: يقول يسمى. (¬5) ذكر الشَّيخ -رحمه الله- في مجموع الفتاوى 12/ 121: أن هذا قول طائفة من متأخريهم، لكن هذا ينقض أصلهم في إبطال قيام الكلام بغير المتكلم. (¬6) ذكر الشَّيخ -رحمه الله تعالى- في المصدر السابق أن هذا قول أئمتهم وجمهورهم. (¬7) ابن كلاب والأشعري ومن اتبعهما حيث قالوا: لا نسلم أن الكلام لا يكون إلَّا بحرف وصوت، بل الكلام معنى قائم بذات المتكلم، والحروف والأصوات عبارة أو حكاية عنه، وذلك المعنى القائم بذات الله يتضمن الأمر بكلِّ ما أمر به، والخبر عن كل ما أخبر عنه، فإن عبر عنه بالسريانية كان إنجيلًا، وإن عبر عنه بالعبرانية كان توراة، وإن عبر عنه بالعربية كان قرآنًا. انظر: مجموع الرسائل والمسائل -لابن تيمية- كتاب مذهب السلف القويم في تحقيق مسألة كلام الله الكريم 1/ 3 / 493، 494. ومجموع الفتاوى -لابن تيمية -أيضًا- 12/ 49.

النزاع بين الكلابية والأشاعرة والكرامية فيما أثبتوه من المعنى في شيئين

أمر ونهي وخبر واستخبار، وهو معنى التوراة والإنجيل والقرآن وكل ما تكلم [الله] (¬1) به، هو معنى آية الكرسي، وآية الدين، وجمهور عقلاء بني آدم يقولون: إن فساد هذا معلوم بضرورة العقل وفطرة بني آدم، وهؤلاء عندهم: إن الملائكة تعبر (¬2) عن المعنى القائم بذات الله، وأن الله نفسه لا يعبر بنفسه عن نفسه، وذلك يشبه -من بعض الوجوه- الأخرس الذي يقوم بنفسه معان، فيعبر غيره عنه بعبارته، وهم في ذلك مشاركون للجهمية الذين جعلوا غير الله يعبر عنه من [غير] (¬3) أن يكون الله يتكلم، لكن هؤلاء يقولون: قام بنفسه معنى فتجعله كالأخرس، والجهمية تجعله بمنزلة الصنم الذي لا يقوم به معنى ولا لفظ. فعارض هؤلاء (¬4) طائفة (¬5) قالت: إن القرآن هو الحرف والصوت، أو الحروف والأصوات، وقالوا: إن حقيقة الكلام هو الحروف والأصوات، ولم يجعلوا المعاني داخلة في مسمى الكلام، وهؤلاء وافقوا المعتزلة والجهمية في قولهم: إن الكلام ليس هو إلَّا الحروف والأصوات، لكن المعتزلة لا يقولون: إن الله تكلم بكلام قائم به (¬6)، ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬2) في س: يعبر. (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬4) في س: من هؤلاء. (¬5) هذه هي الطائفة الثَّانية التي نشأت بعد السلف والأئمة، وهي توافق السلف في إطلاق القول: بأنَّ كلام الله غير مخلوق، لكنهم يخالفونهم في القول: بأنَّ كلام الله ليس هو إلّا الحروف والأصوات، وأن المعاني ليست داخلة في مسمى الكلام. وهم الكرامية والسالمية ومن وافقهما من أهل الكلام والحديث والفقه والتصوف. ولم ينقل عن الأئمة الأربعة ونحوهم من أئمة المسلمين أنَّه قال بهذا. (¬6) فهم يقولون: إن كلامه محدث، وهو مخلوق. ويمكن الاطلاع على رأيهم في هذه المسألة في: شرح الأصول الخمسة -للقاضي عبد الجبار- ص: 528. ومقالات الإسلاميين -للأشعري- 2562. ومجموع الفتاوى -لابن تيمية =

هل الكلام اسم للفظ أو للمعنى أو لهما، في ذلك أربعة أقوال

وحقيقة قولهم: إن الله لم يتكلم بشيء، وهؤلاء يقولون: إن الله تكلم بذلك، وأن كلام الله قائم به، وأن كلام الله غير مخلوق، وهؤلاء أخرجوا المعاني أن تكون داخلة في مسمى الكلام وكلام الله، كما أخرج الأولون (¬1) الحروف والأصوات أن تكون داخلة في مسمى الكلام وكلام الله، لكن هؤلاء الذين يقولون: إن الكلام ليس هو إلّا الحروف والأصوات، لا يمنعون أن يكون للكلام (¬2) معنى، بل النَّاس كلهم متفقون على أن الحروف والأصوات التي يتكلم بها المتكلمون (¬3) تدل على معان، وإنَّما النزاع بينهم في شيئين: أحدهما: أن تلك المعاني هل هي من جنس العلوم والإرادات؟، [أم هي حقيقة أخرى ليست هي العلوم والإرادات؟] (¬4). فالأولون يقولون: ذلك المعنى حقيقته (¬5) غير حقيقة العلم والإرادة (¬6). والآخرون يقولون: ليست حقيقته تخرج عن ذلك. والنزاع الثَّاني: أن مسمى الكلام هل هو المعنى أو هو اللفظ؟ ¬

_ = - 12/ 163، 164. (¬1) الكلابية والأشاعرة ومن وافقهما. (¬2) في س، ط: الكلام. (¬3) في س، ط: المتكلم. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬5) في س، ط: حقيقة. (¬6) يقول الآمدي في غاية المرام ص: 88: "ذهب أهل الحق من الإسلاميين إلى كون الباري -تعالى- متكلمًا بكلام قديم أزلي نفساني، إحدى الذّات، ليس بحروف ولا أصوات، وهو -مع ذلك- ينقسم بانقسام المتعلقات، مغاير للعلم والقدرة والإرادة، وغير ذلك من الصفات". وانظر: ما ذكره الإيجي في المواقف ص: 294.

إنكار الأئمة على من قال: إن أصوات العباد أو المداد الذي يكتب به القرآن قديم أزلي غير مخلوق

فالذين (¬1) يقولون: القرآن كلام الله غير مخلوق، ويقولون: الكلام هو الحروف والأصوات. هم وإن وافقوا المعتزلة في مسمى الكلام -فإنهم يقولون: إن معنى الكلام سواء كان هو العلم والإرادة، أو أمرًا (¬2) آخر قائمًا بذات الله. والجهمية من المعتزلة ونحوهم، لا تثبت معنى قائمًا بذات الله، بل هؤلاء يقولون: إن الكلام الذي هو الحروف قائم بذات الله- أيضًا، فموافقة هؤلاء المعتزلة أقل من موافقة الأولين بكثير. والصّواب الذي عليه سلف الأمة وأئمتها، أن [الكلام اسم للحروف والمعاني جميعًا (¬3)، فاللفظ والمعنى داخل في] (¬4) مسمى الكلام. والأقوال في ذلك أربعة: الأول: إن الكلام حقيقة في اللفظ مجاز (¬5) في المعنى، كما تقوله الطائفة الثَّانية. والثاني: إنه حقيقة في المعنى مجاز في اللفظ، كما يقوله جمهور الأولين. والثالث: إنه مشترك بينهما، كما يقوله طائفة من الأولين. والرابع (¬6): إنه حقيقة في المجموع، وإذا أريد به أحدهما دون الآخر احتاج إلى قرينة، وهذا قول أهل الجماعة. وقد يحكي الأولون عن الآخرين: أنهم يقولون: إن القرآن قديم ¬

_ (¬1) في س: فالذي. (¬2) في س: أمر. (¬3) في الأصل: ضعا. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط. (¬4) ما بين المعقوفتين مكرر في: س. (¬5) في الأصل: مجازًا. والمثبت من: س، ط. (¬6) في س: الرابعة.

غير مخلوق، وإن القديم الذي ليس بمخلوق هو الحروف والأصوات القائمة بالمخلوقات، وهي أصوات العباد، ومداد المصاحف، فيحكون عنهم: أن نفس صوت العبد، ونفس المداد قديم أزلي غير مخلوق (¬1). وهذا ممَّا يعلم كل أحد فساده بالحس والاضطرار، وما وجدت أحدًا من العلماء المعروفين يقر بذلك، بل ينكرون ذلك، ولكن قد يوجد مثل هذا القول في بعض الجهال من [أهل] (¬2) البوادي والجبال ونحوهم. وإنكار ذلك مأثور عن الأئمة المتقدمين، كما ذكره البُخاريّ في كتاب خلق الأفعال (¬3) قال: (وقال إسحاق بن إبراهيم: فأمَّا الأوعية فمن شك (¬4) في خلقها؟ قال الله تعالى: {وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3)} (¬5) وقال: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22)} (¬6). فذكر محمد بن نصر المروزي (¬7) في كتابه، عن أحمد بن عمر عن عبدان، عن ابن المبارك، قال: الورق والمداد مخلوق، فأمَّا القرآن فليس بخالق ولا مخلوق، ولكنه كلام الله. ¬

_ (¬1) وقد ذكر الشَّيخ -رحمه الله- أن من قال: إن أصوات العباد أو المداد الذي يكتب به القرآن قديم أزلي، فهو ملحد مبتدع. انظر: مجموع الرسائل والمسائل -لابن تيمية- كتاب مذهب السلف القويم في تحقيق مسألة كلام الله الكريم 1/ 3 / 440. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬3) خلق أفعال العباد. ص: 47. (¬4) في جميع النسخ: شك. والمثبت من: خلق أفعال العباد. (¬5) سورة الطور، الآيتان 2، 3. (¬6) سورة البروج، الآيتان 21، 22. (¬7) في س، ط: المروزي. وهو خطأ. وتقدم التعريف به.

الأشعري موافق لابن كلاب على عامة أصوله

ولكن منهم طائفة يقولون: إن لفظهم بالقرآن أو (¬1) الصوت المسموع منهم غير مخلوق، أو أنَّه يسمع منهم الصوت المخلوق والصوت الذي ليس بمخلوق لكن هذا ممَّا أنكره عليهم أئمتهم وجماهيرهم (¬2). والآخرون يحكون عن الأولين: أنَّه ليس لله في الأرض كلام، وأن هذا القرآن الذي يقرؤه المسلمون ليس هو كلام الله، وأنه ليس لله في الأرض كلام، وإنَّما هذا حكاية أو عبارة عن كلام الله، وهؤلاء صادقون (¬3) في هذا النقل، فإن هذا قول الأولين، وهم أول من ابتدع في الإسلام القول بالحكاية والعبارة، وهي البدعة التي أضافها المسلمون إلى ابن كلاب والأشعري. فإن ابن كلاب قال: الحروف حكاية عن كلام الله وليست من كلام الله، لأنَّ الكلام لا بد أن يقوم بالمتكلم، والله يمتنع أن يقوم به حروف وأصوات، فوافق الجهمية [و] (¬4) المعتزلة في هذا النفي، فجاء (¬5) الأشعري بعده -وهو موافق لابن كلاب- على عامة أصوله فقال: الحكاية تقتضي أن تكون مثل المحكي، وليست (¬6) الحروف مثل المعنى، بل هي عبارة عن المعنى ودلالة (¬7) عليه، وهم وأتباعهم يقولون: إن تسمية ذلك كلامًا لله مجازًا لا حقيقة، ويطلقون القول الحقيقي بأنَّ أحدًا من المسلمين لم يسمع كلام الله، وأمثال ذلك سواء ¬

_ (¬1) في س: أن. (¬2) في الأصل: وجماهير. والمثبت من: س، ط. (¬3) الأصل: صاقون. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬5) في الأصل: في. والمثبت من: س، ط. (¬6) في الأصل: وليس. والمثبت من: س، ط. (¬7) في ط: ودالة.

قالوا: إن الحروف تسمى كلامًا مجازًا أو بطريق (¬1) الاشتراك [بينها وبين المعاني، لأنها وإن سميت كلامًا بطريق الاشتراك (¬2)] (¬3) فالكلام عندهم وعند الجماعة لا بد أن يقوم بالمتكلم، فيصح على حد قولهم (¬4) أن تكون الحروف والأصوات كلامًا للعباد حقيقة، لقيامها بهم، ولا يصح أن تكون (¬5) كلامًا لله حقيقة، لأنَّها لا تقوم به عندهم بحال، فلو قال أحد منهم: إن الحروف التي يخلقها الله في الهواء تسمى كلامًا له حقيقة، أو إن ما يسمع من العباد، أو يوجد في المصاحف يسمى كلام الله حقيقة لزمه (¬6) أن يجعل مسمى الكلام ما لا يقوم بالمتكلم، بل يكون دلالة على ما يقوم بالمتكلم وإن كان مخلوقًا له، وهذا ما وجدته لهم، وهو ممكن أن يقال، لكن متى قالوه انتقض (¬7) عليهم عامة الحجج التي أبطلوا بها مذهب المعتزلة وصار للمعتزلة عليهم حجة قوية. وقد يحكي الآخرون عن الأولين: أنهم يستهينون بالمصاحف، فيطؤونها، وينامون عليها (¬8) ويجعلونها مع نعالهم، وربما كتبوا القرآن بالعذرة، وغير ذلك ممَّا هو من أفعال المنافقين الملحدين، وهذا يوجد في أهل الجفاء والغلو منهم، لما ألقى عليهم (¬9) أئمتهم أن هذا ليس هو كلام الله، صاروا يفرعون على ذلك فروعًا من عندهم، لم يأمرهم بها ¬

_ (¬1) في س: وبطريق. (¬2) في س: الاشتراط. وهو تصحيف. (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬4) في الأصل: أحد قوليهم. وفي س، ط: أحد قولهم. ولعل ما أثبت يستقيم به الكلام. (¬5) في الأصل، س: يكون. والمثبت من: ط. (¬6) في س، ط: للزمه. (¬7) في س: أن يقضي. (¬8) في الأصل: عليهم. والمثبت من: س، ط. (¬9) في س، ط: إليهم.

الطائفة التي جعلت القرآن مجرد الحروف والأصوات وافقوا الجهمية من المعتزلة وغيرهم

أئمتهم وإنَّما هي من أفعال الزنادقة المنافقين، وإلا فلا خلاف بين من يعتقد الإسلام في وجوب احترام المصاحف، وإكرامها وإجلالها، وتنزيهها، وفي العمل بقول (¬1) النَّبيِّ - صَلَّى الله عليه وسلم -: "لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو" (¬2) وإن كان أهل البدعة يتناقضون في الجمع بين ما جاءت به الشريعة، وما اعتقدوه من البدعة، لكن التناقض جائز على العباد، وهو أيسر عليهم من التزام الزندقة والنفاق والإلحاد (¬3)، وإن كانت (¬4) تلك البدعة هي المرقاة إلى هذا الفساد (¬5). وأمَّا الطائفة الثَّانية: التي جعلت القرآن مجرد الحروف والأصوات فإنهم وافقوا الجهمية من المعتزلة وغيرهم على ذلك، فإن أولئك جعلوا ¬

_ (¬1) في س: يقول. (¬2) الحديث رواه الشيخان في صحيحيهما بلفظ آخر عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: نهى رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم - أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو وزاد مسلم وغيره: مخافة أن يناله العدو. ورواه مسلم بلفظ آخر عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تسافروا بالقرآن فإني لا آمن أن يناله العدو". صحيح البُخاريّ 4/ 15 كتاب الجهاد -باب السَّفر بالمصاحف إلى أرض العدو. وصحيح مسلم 3/ 1490، 1491 كتاب الإمارة- باب النَّهي أن يسافر بالمصحف إلى أرض الكفار إذا خيف وقوعه بأيديهم. الحديث / 92، 93، 94. وسنن ابن ماجه 2/ 961 كتاب الجهاد- باب النَّهي أن يسافر القرآن إلى أرض العدو. الحديث / 2879، 2880. ومسند أحمد 2/ 6، 8، 10، 55، 63، 76، 128. (¬3) في س: وإلا لحال. (¬4) في س: كان. (¬5) بعد كلمة (الفساد) بياض في: الأصل، س- بمقدار خمس كلمات. وفي ط؛ الكلام متصل. ولعل الناسخ ترك هذا البياض لانتهاء كلام وبداية آخر.

القرآن وسائر الكلام هو مجرد الحروف والأصوات الدّالة على المعاني، لكنهم لم يجعلوا لله كلامًا تكلم هو به، وقام به، ولا جعلوا لهذه الحروف معاني تقوم بالله أصلًا، إذ عندهم لم يقم بالله لا علم، ولا إرادة ولا غير ذلك، بل جعلوا الحروف والأصوات مخلوقة خلقها الله في بعض الأجسام، كما يزعمون أنَّه خلق في نفس الشجرة صوتًا سمعه موسى، حروف ذلك الصوت: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إلا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (¬1). ولا ريب أن هذا يوجب أن تكون الشجرة هي القائلة: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إلا أَنَا فَاعْبُدْنِي} (¬2)، إذ المتكلم بالكلام هو الذي يقوم به، كما أن المتحرك بالحركة، والعالم بالعلم، وغير ذلك من الصفات والأفعال وغيرها هو من يقوم به الصفة، ولا يجوز أن يكون الشيء (¬3) متكلمًا بكلام يقوم بغيره ولا يقوم به أصلًا، كما لا يكون عالمًا قادرًا بعلم وقدرة لا تقوم إلَّا بغيره، ومتحركًا بحركة لا تقوم إلَّا بغيره، وطرد ذلك عند المحققين من الصفاتية أنَّه (¬4) لا يكون فاعلًا خالقًا ومكونًا بفعل وخلق وتكوين لا يقوم إلَّا بغيره، كما هو مذهب أهل الحديث والصوفية والفقهاء وطوائف من أهل الكلام (¬5). ومما ينبغي أن يعلم أن الجهمية لما كانت في نفس الأمر، قولها ¬

_ (¬1) سورة طه، الآية: 14. في الأصل: {إِني أَنَا اللَّهُ. . .} الآية وهو خطأ. (¬2) سورة طه، الآية: 14. (¬3) في ط: لشي. (¬4) في س: أن. (¬5) في هامش س: قف على هذا التحقيق النفيس. رحمة الله عليه من إمام.

قول أهل الشرك والتعطيل، وليس (¬1) [هو] (¬2) قول أحد من أهل الكتب المنزلة، ولكن لم يكن لهم بد من موافقة (¬3) أهل الكتب في الظاهر وكانوا في ذلك منافقين عالمين بنفاق أنفسهم، كما عليه طواغيتهم الذين علموا بمخالفة أنفسهم للرسل، وأقدموا على ذلك، وهؤلاء منافقون زنادقة. وأمَّا الجهال (¬4) بنفاق أنفسهم، صاروا في الجمع بين تكذيبهم الباطن وتصديقهم الظاهر جامعين بين النقيضين، مضطرين إلى السفسطة في العقليات والقرمطة في السمعيات، مفسدين للعقل والدين وقولهم بخلق القرآن، ونفي الصفات، من أصول نفاقهم، وذلك أنَّه من المعلوم ببدائه (¬5) العقول أن الحي لا يكون حيًّا إلّا بحياة تقوم به، ولا يكون (¬6) حيًّا بلا حياة أو بحياة تقوم بغيره، وكذلك العالم والقادر لا يكون عالمًا قادرًا إلّا بعلم وقدرة تقوم به، ولا يكون (¬7) عالمًا قادرًا بلا علم ولا قدرة، أو بعلم وقدرة تقوم بغيره، وكذلك الحكيم والرحيم والمتكلم والمريد، لا يكون (¬8) حكيمًا ولا رحيمًا أو متكلمًا أو مريدًا إلَّا بحكمة ورحمة أو كلام وإرادة تقوم به، ولا يكون (¬9) حكيمًا بلا حكمة ورحيمًا بلا رحمة أو بحكمة ورحمة تقوم بغيره، ولا يكون متكلمًا ولا مريدًا بلا كلام ولا إرادة أو بكلام وإرادة تقوم بغيره. ¬

_ (¬1) في الأصل، س: ليس. والمثبت من: ط. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬3) في الأصل: من يوافقه. والمثبت من: س، ط. (¬4) في الأصل، س: جهال. والمثبت من: ط. (¬5) في الأصل، ط: ببداية. والمثبت من: س. (¬6) في الأصل، س: به لا يكون. والمثبت من: ط. (¬7) في الأصل، س: لا يكون. والمثبت من: ط. (¬8) في الأصل، ولا يكون. والمثبت من: س، ط. (¬9) في الأصل، س: لا يكون. والمثبت من: ط.

معنى قول من قال من أهل الإثبات: إن الصفة إذا قامت بمحل عاد حكمها على ذلك المحل دون غيره

وكذلك من المعلوم ببدائه (¬1) العقول أن الكلام والإرادة والعلم والقدرة لا تقوم إلّا بمحل، إذ هذه الصفات (¬2) لا تقوم بأنفسها، ومن المعلوم ببدائه (¬3) العقول أن المحل الذي يقوم به (¬4) العلم يكون عالمًا، والذي تقوم به القدرة يكون قادرًا، والذي يقوم به الكلام يكون متكلمًا والذي تقوم به الرحمة يكون رحيمًا، والذي تقوم به الإرادة يكون مريدًا، فهذه الأمور مستقرة (¬5) في فطر النَّاس، تعلمها قلوبهم علمًا فطريًّا ضروريًّا، والألفاظ المعبرة عن هذه المعاني هي من اللغات التي اتفق عليها بنو آدم فلا يسمون عالمًا قادرًا إلَّا من قام به العلم والقدرة، ومن قام به العلم والقدرة سموه عالمًا قادرًا، وهذا معنى قول من قال من أهل الإثبات: إن الصفة إذا قامت (¬6) بمحل عاد حكمها على ذلك [المحل دون غيره، أي: إذا قام العلم والكلام بمحل] (¬7) كان ذلك المحل هو العالم المتكلم دون غيره، ومعنى قولهم: إن الصفة إذا قامت بمحل اشتق له منها اسم، كما يشتق لمحل (¬8) العلم عليم، ولمحل الكلام متكلم، ومعنى قولهم: إن صدق المشتق لا ينفك عن صدق المشتق منه؛ أي: أن لفظ العليم والمتكلم مشتق من لفظ العلم والكلام، فإذا صدق على (¬9) الموصوف أنَّه عليم [متكلم] (¬10). . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) في الأصل، ط: ببداية. والمثبت من: س. (¬2) في س، ط: صفات. (¬3) في الأصل، ط: ببداية. والمثبت من: س. (¬4) به: ساقطة من: س. (¬5) في الأصل: مستقر. والمثبت من: س، ط. (¬6) في س: قامة. (¬7) ما بين المعقوفتين ساقط من: س. (¬8) في الأصل: يستحق المحل. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط. (¬9) في س: في. (¬10) ما بين المعقوفتين إضافة يستقيم بها الكلام.

اختلفت الجهمية في تسمية الله تعالى متكلما بالكلام المخلوق على ثلاثة أقوال

لزم أن يصدق حصول العلم والكلام له. ولهذا كان أئمة السلف الذين عرفوا حقيقة قول من قال: مخلوق وأن معنى ذلك أن الله لم يقم به كلام، بل الكلام قام بجسم من الأجسام غيره، وعلموا أن هذا يوجب بالفطرة الضرورية أن يكون ذلك الجسم هو المتكلم بذلك الكلام دون الله، وأن الله لا يكون متكلمًا أصلًا، صاروا (¬1) يذكرون قولهم بحسب ما هو عليه في نفسه، وهو أن الله لا يتكلم وإنَّما خلق شيئًا تكلم به (¬2)، وهكذا كانت الجهمية تقول أولًا، [ثمّ] (¬3) إنَّها زعمت أن المتكلم من فعل الكلام، ولو في غيره، واختلفوا هل يسمى متكلمًا حقيقة أو مجازًا؟ على قولين: فلهم في تسمية الله تعالى متكلمًا بالكلام المخلوق ثلاثة أقوال: أحدها: وهو حقيقة قولهم وهم فيه أصدق لإظهارهم كفرهم أن الله لا تكلم ولا يتكلم. والثاني: وهم فيه متوسطون في النفاق أنَّه يسمى متكلمًا بطريق المجاز. والثالث: وهم فيه منافقون نفاقًا محضًا أنَّه يسمى متكلمًا بطريق الحقيقة، وأساس النفاق الذي ينبغي (¬4) عليه الكذب، فلهذا كانوا من أكذب النَّاس في تسمية الله متكلمًا بكلام ليس قائمًا به، وإنَّما هو مخلوق في غيره، كما كانوا كاذبين مفترين في تسمية الله عالمًا قادرًا مريدًا متكلمًا، بلا علم يقوم به، ولا قدرة، ولا إرادة، ولا كلام، فكانوا وإن نطقوا بأسمائه فهم (¬5) كاذبون بتسميته بها، وهم ملحدون في الحقيقة ¬

_ (¬1) في ط: وصاروا. (¬2) في س، ط: عنه. (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬4) في الأصل: بين. وفي ط: بني. والمثبت من: س. (¬5) في الأصل: منهم. والمثبت من: س، ط.

وصف الإمام أحمد للجهمية الذين يزعمون أن الله متكلم بكلام مخلوق في غيره

كإلحاد الذين نفوا عنه أن يسمى الرحمن {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا *} (¬1)، وبذلك وصفهم الأئمة وغيرهم ممن أخبر بمقالاتهم (¬2). كما قال الإمام أحمد فيما خرجه في الرد على الجهمية (¬3): "فإذا قيل لهم: من (¬4) تعبدون؟ قالوا: نعبد من يدبر أمر هذا (¬5) الخلق [قلنا (¬6): فهذا الذي يدبر أمر هذا الخلق] (¬7) هو مجهول لا يعرف بصفة؟ قالوا: نعم، قلنا (¬8): قد عرف المسلمون أنكم لا تثبتون شيئًا و (¬9) إنَّما تدفعون عن أنفسكم الشنعة بما تظهرون (¬10). وقلنا (¬11) لهم: هذا الذي يدبر الأمر (¬12) هو الذي كلم موسى؟ قالوا: لم يتكلم ولا يتكلم (¬13)، لأنَّ الكلام لا يكون إلّا بجارحة، والجوارح عن الله (¬14) منفية. ¬

_ (¬1) سورة الفرقان، الآية: 60. في س: {وَزَاهُمْ نُفُورًا} الآية. وهو خطأ من الناسخ. (¬2) في الأصل: أخبر مقالاتهم. وفي س، ط: خبر مقالاتهم. ولعل ما أثبت يستقيم به الكلام. (¬3) الرد على الجهمية والزنادقة- ص: 105، 106. (¬4) في الرد على الجهمية والزنادقة: فمن. (¬5) في س: هذه. (¬6) في الرد على الجهمية: فقلنا. (¬7) ما بين المعقوفتين مكرر في الأصل. (¬8) في الرد على الجهمية: فقلنا. (¬9) الواو ساقطة من: ط، والرد على الجهمية. (¬10) في الرد على الجهمية: تظهرونه. (¬11) في الرد على الجهمية: فقلنا. (¬12) الأمر: ساقطة من: الرد على الجهمية والأصل. (¬13) في الرد على الجهمية: ولا يكلم. (¬14) عن الله: ساقطة من: الرد على الجهمية.

فإذا سمع الجاهل قولهم يظن أنهم من أشد النَّاس تعظيمًا لله، ولا يعلم أنهم إنَّما يقودون بقولهم (¬1) إلى ضلالة وكفر. وقال (¬2) -بعد ذلك-: (بيان ما أنكرت الجهمية أن يكون الله كم موسى [صَلَّى الله على نبينا وعليه وعلى سائر الأنبياء] (¬3). قلنا: لم (¬4) أنكرتم ذلك؟ قالوا: إن الله لم يتكلم ولا يتكلم، إنَّما كون شيئًا فعبر عن الله، وخلق صوتًا فأسمع، وزعموا أن الكلام لا يكون إلّا من جوف وفم ولسان وشفتين. فقلنا: هل يجوز لمكون أو لغيره (¬5) أن يقول: {يَامُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ} (¬6)، أو {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إلا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (¬7)؛ فمن زعم ذلك فقد زعم أن غير الله أدعى لربوبيته، ولو كان (¬8) كما زعم الجهمي (¬9) أن الله كون شيئًا كان يقول ذلك المكون: يا موسى إن الله (¬10) رب العالمين، لا يجوز أن يقول: {إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (¬11) وقد قال الله جل ثناؤه: ¬

_ (¬1) في الأصل، س: يقودون قولهم. وفي الرد على الجهمية: يعود قولهم. والمثبت من: ط. (¬2) الرد على الجهمية والزنادقة: ص: 130 - 134. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من: الرد على الجهمية. (¬4) في الأصل، س: قلنا لما. وفي الرد على الجهمية: فقلنا لما. والمثبت من: ط. (¬5) في الرد على الجهمية: أو لغير الله. (¬6) سورة طه، الآيتان: 11، 12. (¬7) سورة طه، الآية: 14. وقد ورد في جميع النسخ تقديم وتأخير على النحو: {يا موسى إنني أنا الله لا إله إلَّا أنا فاعبدني} أو {إنِّي أنا ربك}. والمثبت من: الرد على الجهمية. (¬8) ولو كان: ساقطة من: الرد على الجهمية. (¬9) في الرد على الجهمية: الجهم. (¬10) في الأصل {يا موسى إنِّي أنا الله. .}. (¬11) سورة القصص، الآية: 30. =

{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (¬1)، وقال: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} (¬2)، وقال: {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي} (¬3)، فهذا منصوص القرآن، وأمَّا (¬4) ما قالوا: إن الله لم يتكلم ولا يتكلم، فكيف يصنعون بحديث سليمان (¬5) الأعمش، عن خيثمة عن عدي بن حاتم الطَّائي، قال: قال رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم -: "ما منكم من أحد إلّا وسيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان" (¬6). وأمَّا قولهم: إن الكلام لا يكون إلّا من جوف وفم وشفتين ولسان أليس الله قال للسماوات والأرض: {ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} (¬7)، أتراها أنها قالت بجوف وشفتين ولسان (¬8)؟ وقال الله -جل ثناؤه: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ} (¬9)، أتراها أنها سبحت بجوف وفم وشفتين ولسان (¬10)؟ والجوارح إذا شهدت على الكافر فقالوا (¬11): {لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا ¬

_ = ولم ترد في الأصل وكذا قوله: "ولا يجوز أن يقول". (¬1) سورة النساء، الآية: 164. (¬2) سورة الأعراف، الآية: 143. (¬3) سورة الأعراف، الآية: 144. (¬4) في الرد على الجهمية: فأمَّا. (¬5) سليمان: ساقطة من: الرد على الجهمية. (¬6) في الرد على الجهمية: إلَّا سيكلمه ربه ما بينه. . وقد تقدم تخريج هذا الحديث ص: 307. (¬7) سورة فصلت، الآية: 11. (¬8) في الرد على الجهمية: بجوف وفم وشفتين ولسان وأدوات. (¬9) سورة الأنبياء، الآية: 79. (¬10) في الرد على الجهمية: ولسان وشفتين. (¬11) في س، ط: وقالوا.

قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} (¬1)، أتراها نطقت (¬2) بجوف وفم (¬3) وشفتين (¬4) ولسان؟ ولكن الله أنطقها كيف (¬5) شاء، فكذلك تكلم الله (¬6) كيف شاء من غير أن نقول: جوف ولا فم ولا شفتان ولا لسان (¬7). فلما (¬8) خنقته الحجج قال: إن الله كلم موسى إلّا أن كلامه غيره. قلنا: غيره (¬9) مخلوق؟ قال: نعم. قلنا (¬10): هذا مثل قولكم الأول إلَّا أنكم تدفعون الشنعة عن أنفسكم (¬11) بما تظهرون. وحديث الزُّهريّ (¬12) قال: لما سمع موسى كلام ربه، قال يا رب: هذا الكلام (¬13) الذي سمعته هو كلامك؟ قال: نعم يا موسى هو كلامي، وإنَّما (¬14) كلمتك بقوة عشرة آلاف لسان، ولي قوة الألسن كلها، وأنا أقوى من ذلك [وإنَّما كلمتك على قدر ما يطيق بدنك (¬15)، ولو كلمتك بأكثر من ذلك] (¬16) لمت، قال: فلما رجع موسى إلى قومه ¬

_ (¬1) سورة فصلت، الآية: 21. (¬2) في الرد على الجهمية: أنها نطقت. (¬3) "فم" ساقطة من الأصل. (¬4) شفتين: ساقطة من: الرد على الجهمية. (¬5) في س، ط: كما. والمثبت من: الرد على الجهمية. (¬6) في الرد على الجهمية: وكذلك الله تكلم. (¬7) في الرد على الجهمية: من غير أن يقول بجوف ولا فم ولا شفتين ولا لسان. . (¬8) في الرد على الجهمية: قال أحمد رضي الله عنه. . . (¬9) في الرد على الجهمية: فقلنا: وغيره. . (¬10) في الرد على الجهمية: فقلنا. . . (¬11) في الرد على الجهمية: تدفعون عن أنفسكم الشنعة. (¬12) تقدم 308. (¬13) الكلام: ساقطة من: الرد على الجهمية. (¬14) في الرد على الجهمية: إنَّما. (¬15) في س: نطيق بذلك. وفي ط: تطيق بذلك. وهو تصحيف في الموضعين. (¬16) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والرد على الجهمية.

قالوا [له] (¬1): صف لنا كلام ربك. قال: سبحان الله وهل أستطيع أن أصفه لكم؟!. قالوا: فشبهه لنا (¬2). قال: أسمعتم الصواعق (¬3) التي تقبل في أحلى حلاوة سمعتموها؟ فكأنه مثله. وقلنا للجهمية: من القائل يوم القيامة: {يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} (¬4) أليس الله هو القائل؟ قالوا: يكون (¬5) الله شيئًا فيعبر عن الله كما كون (¬6) فعبر لموسى، قلنا: فمن القائل: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7)} (¬7) أليس الله هو الذي يسأل؟ قالوا: هذا كله إنَّما يكون شيئًا فيعبر عن الله. قلنا: قد أعظمتم على الله القرية، حين زعمتم أن الله لا يتكلم فشبهتموه بالأصنام التي تعبد من دون الله، لأنَّ الأصنام لا تتكلم ولا تتحرك (¬8) ولا تزول من مكان إلى مكان. فلما ظهرت عليه الحجة قال: إن الله قد (¬9) يتكلم، ولكن كلامه مخلوق. قلنا (¬10): وكذلك بنو آدم - عليه السلام - كلامهم مخلوق، فقد شبهتم الله تعالى بخلقه حين زعمتم أن كلامه مخلوق، ففي مذهبكم أن الله كان في وقت من الأوقات لا يتكلم حتَّى خلق التكلم، وكذلك بنو ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: الرد على الجهمية. (¬2) لنا: ساقطة من: الرد على الجهمية. (¬3) في الرد على الجهمية: هل سمعتم أصوات الصواعق. (¬4) سورة المائدة، الآية: 116. (¬5) في الرد على الجهمية: فيكون. (¬6) في الرد على الجهمية: كون شيئًا. (¬7) سورة الأعراف، الآيتان: 6، 7. (¬8) في جميع النسخ: لا تكلم ولا تحرك. والمثبت من: الرد على الجهمية. (¬9) قد: ساقطة من: الرد على الجهمية. (¬10) في س، ط: فقلنا.

آدم كانوا لا يتكلمون حتَّى خلق لهم (¬1) كلامًا، فقد (¬2) جمعتم بين كفر وتشبيه فتعالى (¬3) الله -جل ثناؤه- عن هذه الصفة، بل نقول: إن الله -جل ثناؤه- لم يزل متكلمًا إذا شاء، ولا نقول: إنه كان (¬4) [ولا يتكلم حتَّى خلق الكلام (¬5)، ولا نقول: إنه قد كان لا يعلم حتَّى خلق علمًا فعلم ولا نقول: إنه قد كان] (¬6) ولا قدرة له حتَّى خلق لنفسه قدرة (¬7)، ولا نقول: إنه قد كان ولا نور له حتَّى خلق لنفسه نورًا، ولا نقول: إنه قد كان ولا عظمة (¬8) حتَّى خلق لنفسه عظمة. فقالت الجهمية لنا لما وصفنا من الله هذه الصفات (¬9): إن زعمتم أن الله ونوره، والله وقدرته، والله وعظمته، فقد قلتم بقول النصارى حين زعمتم (¬10) أن الله لم يزل ونوره لم يزل وقدرته. فقلنا (¬11): لا نقول: إن الله لم يزل وقدرته، ولم يزل ونوره، ولكن [نقول] (¬12): لم يزل بنوره وبقدرته (¬13)، لا متى قدر؟ ولا كيف قدر؟. ¬

_ (¬1) في الرد على الجهمية: الله لهم. (¬2) في الرد على الجهمية: فقد. (¬3) في الرد على الجهمية: وتعالى. (¬4) في س، ط: "أنَّه قد كان". (¬5) الكلام: ساقطة من: ط. (¬6) ما بين المعقوفتين زيادة من: ط، الرد على الجهمية. (¬7) في الرد على الجهمية: القدرة. (¬8) في الرد على الجهمية: ولا عظمة له. (¬9) في الرد على الجهمية: فقالت الجهمية لما وصفنا الله بهذه الصفات. . . (¬10) في الرد على الجهمية: زعموا. (¬11) في الرد على الجهمية: قلنا. (¬12) ما بين المعقوفتين زيادة من: الرد على الجهمية. (¬13) في الرد على الجهمية: لم يزل بقدرته ونوره.

فقالوا: لا تكونون (¬1) موحدين أبدًا حتى تقولوا: كان الله ولا شيء. فقلنا: نحن نقول: كان (¬2) الله ولا شيء، ولكن إذا قلنا: إن الله لم يزل بصفاته كلها أليس إنما نصف إلهًا واحدًا بجيمع صفاته؟ وضربنا لهم مثلًا في ذلك فقلنا لهم (¬3): أخبرونا عن هذه النخلة، أليس لها جذع (¬4) وكرب وليف وسعف وخوص وجمار؟ واسمها اسم واحد (¬5) سميت نخلة بجميع صفاتها، فكذلك الله -جل جلاله- وله المثل الأعلى -بجميع صفاته إله واحد لا نقول: إنه [قد] (¬6) كان في وقت من الأوقات ولا قدرة حتى خلق قدرة، والذي ليس له قدرة هو عاجز، ولا نقول: قد كان في وقت من الأوقات، ولا يعلم حتى خلق فعلم، والذي لا يعلم هو (¬7) جاهل، ولكن نقول: لم يزل الله عالمًا قادرًا (¬8) مالكًا (¬9) لا متى ولا كيف؟ وقد سمى الله رجلًا كافرًا اسمه الوليد بن المغيرة المخزومي، فقال: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} (¬10) وقد كان ¬

_ (¬1) في الرد على الجهمية: لا تكونوا. (¬2) في الرد على الجهمية: قد كان. (¬3) لهم: ساقطة من الرد على الجهمية. (¬4) في س، ط: جذوع. (¬5) في الرد على الجهمية: شيء واحد. (¬6) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والرد على الجهمية. (¬7) في جميع النسح: فهو. والمثبت من: الرد على الجهمية. (¬8) في س، ط: قادرًا عالمًا. (¬9) مالكًا: ساقطة من الرد على الجهمية. (¬10) سورة المدثر، الآية: 11.

وصف الأشعري للمعتزلة نفاة الصفات

[هذا] (¬1) الذي (¬2) سماه (¬3) وحيدًا له عينان وأذنان ولسان وشفتان ويدان ورجلان وجوارح كثيرة، فقد سماه (¬4) وحيدًا بجميع صفاته [فكذلك الله -وله المثل الأعلى- هو بجميع صفاته] (¬5) إله واحد. وقال أبو الحسن الأشعري في كتاب المقالات (¬6): وهذا ذكر اختلاف الناس في الأسماء والصفات: الحمد لله الذي بصرنا (¬7) خطأ المخطئين، وعمى العمين، وحيرة المتحيّرين الذين نفوا صفات رب العالمين، وقالوا: إن (¬8) الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه لا صفات له، وإنه لا علم له، ولا قدرة (¬9) ولا حياة له، ولا سمع له، ولا بصر له، ولا عز له، ولا جلال له، ولا عظمة له، ولا كبرياء له، وكذلك قالوا في سائر صفات الله التي يصف بها نفسه (¬10). قال (¬11): وهذا قول أخذوه عن إخوانهم من المتفلسفة الذين يزعمون أن للعالم صانعًا [لم يزل] (¬12)، ليس بعالم ولا قادر ولا حي ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: الرد على الجهمية. (¬2) في س: الله. (¬3) في الرد على الجهمية: الله. (¬4) في الرد على الجهمية: سماه الله. (¬5) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والرد على الجهمية. (¬6) مقالات الإسلاميين 2/ 176، 177. (¬7) في س: الحمد الذي بصرنا. وفي ط: الحمد لله بصرنا. (¬8) في الأصل، س: لأن. والمثبت من: ط، والمقالات. (¬9) في المقالات: ولا قدرة له. (¬10) في ط: لنفسه. (¬11) يعني: الأشعري. والكلام متصل بما قبله في المقالات. (¬12) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والمقالات.

ولا سميع ولا بصير ولا قديم (¬1)، وعبروا عنه بأن قالوا: عين (¬2) لم يزل، ولم (¬3) يزيدوا على ذلك، غير أن هؤلاء الذين وصفنا قولهم من المعتزلة في الصفات لم يستطيعوا أن يظهروا من ذلك ما كانت الفلاسفة تظهره [فأظهروا معناه بنفيهم أن يكون للباري علم وقدرة وحياة وسمع وبصر، ولولا الخوف لأظهروا ما كانت الفلاسفة تظهره] (¬4) من ذلك، ولأفصحوا به، غير أن خوف السيف يمنعهم من ذلك (¬5). وقد أفصح بذلك رجل يعرف بابن الإيادي كان ينتحل قولهم، فزعم أن الباري تعالى عالم قادر سميع بصير في المجاز لا في الحقيقة. ومنهم رجل يعرف بعباد بن سليمان يزعم أنه لا يقال (¬6): إن الباري عالم قادر سميع بصير حكيم جليل في حقيقة القياس (¬7). [قال: لأني [لو] (¬8) قلت: إنه عالم في حقيقة القياس] (¬9) لكان لا عالم إلّا هو. وكان يقول: القديم لم يزل في حقيقة القياس، لأن القياس ينعكس لأن القديم لم يزل، ومن لم يزل فقديم، فلو كان الباري عالمًا في حقيقة القياس لكان لا عالم إلّا هو. قال (¬10): وقد اختلفوا فيما بينهم اختلافًا تشتت فيه ¬

_ (¬1) في جميع النسخ: قدير. والمثبت من: المقالات. (¬2) في المقالات: قالوا: نقول عين. (¬3) في جميع النسخ: لم. بدون الواو. والمثبت من: المقالات. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والمقالات. (¬5) في المقالات: من إظهار ذلك. (¬6) أنه لا يقال: ساقطة من: المقالات. (¬7) نهاية النقل من المقالات وما بعده نقله الشيخ بالمعنى من المقالات 2/ 186. (¬8) ما بين المعقوفتين زيادة من: ط. (¬9) ما بين المعقوفتين زيادة من: س. (¬10) أي: الأشعري في المقالات 2/ 177.

المستقر في المعقول والمسموع أن الحي العالم القادر المتكلم المريد لابد أن تقوم به الحياة والعلم والقدرة والكلام والإرادة

أهواؤهم (¬1)، واضطربت فيه أقاويلهم، ثم ساق اختلافهم. وكذلك قال في الإبانة (¬2): فصل (¬3): (وزعمت الجهمية أن الله لا علم له ولا قدرة ولا حياة ولا سمع ولا بصر له، وأرادوا أن ينفوا أن الله عالم قادر حي سميع بصير، فمنعهم خوف السيف من إظهارهم نفي ذلك، فأتوا بمعناه، لأنهم إذا قالوا: لا علم لله ولا قدرة له، فقد قالوا: إنه ليس بعالم ولا قادر، ووجب ذلك عليهم، وهذا إنما أخذوه عن أهل الزندقة والتعطيل، لأن الزنادقة قال كثير منهم: إن الله ليس بعالم ولا قادر ولا حي ولا سميع ولا بصير، فلم تقدر (¬4) المعتزلة أن تفصح بذلك، فأتت بمعناه، وقالت: إن الله عالم قادر حي سميع بصير من طريق التسمية، من غير أن يثبتوا له حقيقة العلم والقدرة والسمع والبصر). ومقصودنا التنبيه على أنه من المستقر في المعقول والمسموع ما تقدم ذكرنا له، من أن الحي العالم القادر المتكلم المريد، لا بد أن تقوم به الحياة [والعلم] (¬5) والقدرة والكلام والإرادة، وأن (¬6) ما قام به ذلك استحق أن يوصف بأنه حي عالم قادر متكلم مريد، فهذه أربعة أمور: ثبوت حكم الصفة لمحلها، وانتفاؤه عن غير محلها، وثبوت الاسم المشتق من اسمها لمحلها، وانتفاء الاسم (¬7) عن غير محلها. ¬

_ (¬1) في س: أهواهم. (¬2) الإبانة عن أصول الديانة -لأبي الحسن الأشعري- ص: 107، 108. (¬3) كلمة (فصل) غير واردة في الإبانة، بل الوارد: باب: في الرد على الجهمية في نفيهم علم الله تعالى وقدرته وبجميع صفاته، ثم ذكر الأشعري بعض الآيات التي تدل على اتصافه سبحانه بالعلم والقدرة ثم قال: "وزعمت الجهمية. . . (¬4) في س: يقدر. (¬5) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬6) في الأصل، س: وأنه. والمثبت من: ط. (¬7) في س: لاسم. وهو تصحيف.

الجهمية من المعتزلة وغيرهم خالفوا ذلك من ثلاثة أوجه

[والجهمية من المعتزلة وغيرهم خالفوا ذلك من ثلاثة أوجه] (¬1): أحدها: زعمهم أن الله حي عليم قدير، من غير أن تقوم به حياة ولا علم ولا قدرة، فأثبتوا الأسماء والأحكام مع نفي الصفات. الثاني: أبعد من ذلك من وجه أنهم قالوا: هو متكلم بكلام يقوم بغيره، وليس الجسم الذي قام به الكلام متكلمًا به، فأثبتوا الاسم والحكم بدون الصفة، ونفوا الاسم والحكم عن موضع الصفة لكنهم لم يجعلوا متكلمًا إلّا من له كلام، وجعلوا هناك عالمًا قادرًا (¬2) من لا علم له ولا قدرة. الثالث: أبعد من ذلك من وجه آخر، وهو ما قالوه في الإرادة: تارة ينفونها، وتارة يقولون: هو مريد بإرادة لا في محل، فأثبتوا الاسم والحكم بدون الصفة، وجعلوا الصفة تقوم بغير محل. وكل هذه الأمور الثلاثة مما يعلم ببدائه (¬3) العقل، وبما فطر الله عليه العباد بالعلوم الضرورية أن ذلك باطل، وهو من النفاق، لكنهم احتجوا في ذلك بحجة ألزمها لهم الكلابية والأشعرية ومن وافقهم، وهو الصفات الفعلية مثل كونه خالقًا رازقًا عادلًا محييًا مميتًا، وتسمى صفة التكوين، وتسمى الخلق، وتسمى صفة الفعل، وتسمى التأثير، فقالوا: هو خالق فاعل مكون عادل، من غير أن يقوم به خلق ولا تكوين ولا فعل ولا تأثير [ولا عدل] (¬4)، فكذلك المتكلم والمريد، وقالوا: إن الخلق هو نفس المخلوق واتبعهم على ذلك الكلابية والأشعرية فصار (¬5) للأولين عليهم حجة بذلك، وإنما قرن هؤلاء بين الأمرين لأنهم قالوا: إن قلنا إن ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬2) في الأصل، س: عالم وقادر. والمثبت من: ط. (¬3) في الأصل، ط: ببداية. والمثبت من: س. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬5) في س: فصار عليهم.

الفقهاء وأهل الحديث والصوفية وطوائف من أهل الكلام يقولون: لا يكون فاعلا إلا بفعل يقوم بذاته

التكوين قديم لزم قدم المكونات والمخلوقات كلها، وهذا معلوم الفساد بالحس، وإن قلنا: إنه محدث لزم قيام الحوادث به. وأما الفقهاء وأهل الحديث والصوفية وطوائف من أهل الكلام من الرادين على المعتزلة من المرجئة والشيعة والكرامية وغيرهم فيطردون ما ذكر من الأدلة (¬1) ويقولون: لا يكون فاعلًا إلّا بفعل يقوم بذاته، وتكوين يقوم [بذاته] (¬2) والخلق الذي يقوم بذاته غير الخلق الذي هو المخلوق وهذا هو الذي ذكره الفقهاء من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وأحمد [ومالك] (¬3) في كتبهم، كما ذكره فقهاء الحنفية كالطحاوي (¬4)، وأبي منصور الماتريدي (¬5) وغيرهم، وكما ذكره البغوي في شرح السنة (¬6)، وكما ذكره أصحاب أحمد كأبي إسحاق (¬7) وأبي بكر عبد ¬

_ (¬1) في الأصل: الدلالة. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬4) في كتابه عقيدة أهل السنة والجماعة ص: 6، 7 تعليق الشيخ محمد بن مانع. (¬5) في كتاب التوحيد -لأبي منصور الماتريدي- ص: 44 - 49. (¬6) شرح السنة -للبغوي- 1/ 177 - 180 باب الرد على الجهمية. (¬7) هو: أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن شاقلا البغدادي، شيخ الحنابلة، جليل القدر، كثير الرواية، حسن الكلام في الأصول والفروع. توفي سنة 369 هـ. راجع: طبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 2/ 128 - 139. وشذرات الذهب -لابن العماد- 3/ 68. وقد ذكر القاضي أبو يعلى في كتابه "إبطال التأويلات" مخطوط- اللوحة 147 "فصل: وجميع الأسماء والصفات التي وصف الله تعالى بها نفسه أو وصفه بها رسوله قديمة موصوف بها فيما لم يزل، ولم يزل بصفاته خالقًا رازقًا موجودًا معدمًا محييًا مميتًا". . ما نصه. ". . . وقد ذكر أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن شاقلا هذه المسألة مفردة نقلتها من خط أبي بكر الكشي من أصحابنا فقال: وزعم. . ".

العزيز، والقاضي (¬1) وغيرهم، لكن القاضي ذكر (¬2) في الخلق هل هو المخلوق؟ أو غيره قولين، لكن استقر قوله على أن الخلق غير المخلوق، وإن خالفهم ابن عقيل، وكما ذكره أبو بكر محمد بن إسحاق الكلاباذي في كتاب اعتقاد الصوفية (¬3)، وكما ذكره أئمة الحديث والسنة. قال البخاري في آخر الصحيح (¬4) في كتاب الرد على الجهمية والزنادقة (باب ما جاء في تخليق السموات والأرض وغيرها (¬5) من الخلائق، وهو فعل الرب وأمره، فالرب بصفاته وفعله وأمره وكلامه، ¬

_ (¬1) هو القاضي أبو يعلى. تقدم التعريف به. (¬2) ذكر ذلك في كتابه "إبطال التأويلات لأخبار الصفات" مخطوط- اللوحة 147 - 150 - في الفصل المشار إليه آنفًا. (¬3) هو: أبو بكر محمد بن إسحاق بن إبراهيم الكلاباذي الحنفي، المتوفى سنة 380 هـ. ولم أجد له كتابًا بهذا الاسم، وإنما الذي أشارت إليه المصادر هو كتاب "التعرف لمذهب أهل التصوف" وقد طبع على هامش الأحياء للغزالي سنة 1321 هـ، كما نشر بالقاهرة سنة 1933 هـ، وشرح عدة شروحات. راجع: كشف الظنون -لحاجي خليفة- 1/ 53، 163، 225. وهداية العارفين -للبغدادي- 2/ 54. ومعجم المؤلفين -لكحالة- 8/ 222. وتاريخ الأدب العربي -لبروكلمان- 4/ 81. وتاريخ التراث العربي -لسزكين - 1/ 4 / 173 - العقائد والتصوف. وقد أشار الشيخ إلى ذلك الكتاب -كتاب التعرف- في رسالة في الجواب عمن يقول: إن صفات الله نسب وإضافات، ضمن جامع الرسائل والمسائل 1/ 160. جاء فيه: فقد عقد الكلاباذي بابًا لذلك قال فيه: ". . والخلق والتكوين والفعل صفات لله تعالى، وهو بها في الأزل موصوف، والفعل غير المفعول وكذلك التخليق والتكوين. . ". راجع: التعرف لمذهب أهل التصوف -للكلاباذي- ص: 38. (¬4) صحيح البخاري -كتاب التوحيد- 8/ 187. (¬5) في الأصل: ونحوهما. وفي س، ط: ونحوها. والمثبت من: صحيح البخاري.

هو الخالق المكون (¬1) غير مخلوق، وما كان بفعله وأمره وتخليقه وتكوينه فهو مفعول مخلوق مكون). ولا ريب أن هذا القول الذي عليه [أهل] (¬2) السنة والجماعة هو الحق، فإن ما ذكر من الحجة أن العالم القادر المتكلم المريد لا يكون إلّا بأن يقوم به العلم والقدرة والكلام والإرادة، وهو (¬3) بعينه يقال في الخالق والفاعل، فإنه من المعلوم ببدائه (¬4) العقول وضرورتها أن الصانع الفاعل لا يكون صانعًا فاعلًا إلّا أن يقوم به ما يكون به فاعلًا [صانعًا، ولا يسمى الفاعل فاعلًا] (¬5) كالضارب والقاتل والمحسن والمطعم، وغير ذلك إلّا إذا قام به الفعل الذي يستحق به الاسم، ولكن الجهمية نفت هذا كله، وفروخهم وافقتهم في البعض دون البعض. وأما أهل الإثبات فباقون على الفطرة، كما وردت به الشريعة، وكما جاء به الكتاب والسنة، فإن الله وصف نفسه في غير موضع بأفعاله، كما وصف نفسه بالعلم والقدرة والكلام، ومن ذلك المجيء والإتيان والنزول والاستواء، ونحو ذلك من أفعاله، لكن (¬6) هنا أخبر بأفعاله، وهناك ذكر أسماءه المتضمنة للأفعال. ولم يفرق السلف الأئمة بين أسماء الأفعال وأسماء الكلام، كما في صحيح البخاري (¬7)، عن سعيد بن جبير أن رجلًا سأل ابن عباس قال: إني أجد في القرآن أشياء تختلف عليّ، فذكر مسائله، ومنها ¬

_ (¬1) في صحيح البخاري: وهو الخالق وهو المكون. . (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬3) في س، ط: هو. (¬4) في الأصل، ط: ببداية. والمثبت من: س. (¬5) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬6) في ط: ولكن. (¬7) تقدم تخريجه ص: 322.

الله -سبحانه- وصف نفسه بأفعاله، كما وصف نفسه بالعلم والقدرة والكلام

قال: وقوله: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (¬1)، {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} (¬2)، {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} (¬3)، فكأنه كان ثم مضى، فقال ابن عباس: وقوله: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (¬4) سمى نفسه ذلك، وذلك قوله، أي لم أزل (¬5) كذلك. . . هذا لفظ البخاري واختصر (¬6) الحديث. ورواه البرقاني (¬7) من طريق شيخ البخاري بتمامه، فقال ابن عباس: فأما قوله: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (¬8)، {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} (¬9)، {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} (¬10)، فإن الله جعل نفسه ذلك، وسمى نفسه ذلك، ولم ينحله أحدًا غيره، {وَكَانَ اللَّهُ}، أي: لم يزل كذلك، هذا لفظ الحميدي صاحب الجمع (¬11). ¬

_ (¬1) سورة الفتح، الآية: 14. (¬2) سورة النساء، الآية: 157. (¬3) سورة النساء، الآية: 134. (¬4) سورة النساء، الآية: 96. (¬5) في صحيح البخاري: يزل. (¬6) في س، ط: بتمامه واختصر. . . (¬7) تقدم التعريف به والكلام على روايته ص: 146، 324. (¬8) سورة الفتح، الآية: 14. (¬9) سورة النساء، الآية: 158. (¬10) سورة النساء، الآية: 134. (¬11) وهو كتاب "الجمع بين الصحيحين" للحميدي (لم يطبع). قال عنه الذهبي: رتبه أحسن ترتيب. مؤلفه: أبو عبد الله محمد بن أبي نصر فتوح بن عبد الله الحميدي، مؤرخ محدث، كان ظاهري المذهب، صاحب ابن حزم وتلميذه، توفي سنة 488 هـ. راجع: الأنساب -للسمعاني- 4/ 262 - 264. وسير أعلام النبلاء -للذهبي - 19/ 120 - 127. وت: (2) ص: 121. من سير أعلام النبلاء. وكشف الظنون -لحاجي خليفة- 1/ 599.

ورواه البيهقي (¬1) عن البرقاني من حديث محمد بن إبراهيم البوشنجي (¬2)، عن يوسف بن عدي شيخ البخاري قال: إن الله سمى نفسه ذلك، ولم ينحله غيره، فذلك قوله {وَكَانَ اللَّهُ} أي: لم يزل كذلك. ورواه البيهقي (¬3) من رواية يعقوب بن سفيان [عن يوسف] (¬4) ولفظ السائل فكأنه كان ثم مضى، ولفظ ابن عباس: فإن الله سمى نفسه ذلك، ولم يجعله [لأحد] (¬5) غيره، فذلك قوله {وَكَانَ اللَّهُ} أي: لم يزل (¬6). [قلت] يقال: جعلتَ زيدًا عالمًا، إذا جعلته في نفسك، وجعلتُه عالمًا إذا جعلتُه في نفسي (¬7)، أي: اعتقدته عالمًا، كما قال تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} (¬8)، أي: ¬

_ (¬1) رواه البيهقي في الأسماء والصفات ص: 382. (¬2) في الأصل، س: البوسنجي. والمثبت من: ط. هو: أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن سعيد بن عبد الرحمن الفقيه المالكي البوشنجي، شيخ أهل الحديث في عصره بنيسابور. توفي سنة 290 هـ. راجع: طبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 1/ 264، 265. وسير أعلام النبلاء -للذهبي- 13/ 581 - 589. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 9/ 7 - 10. (¬3) رواه البيهقي في الأسماء والصفات ص: 381. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬5) ما بين المعقوفتين زيادة من: الأسماء والصفات- للبيهقي. (¬6) بعد كلمة (لم يزل) بياض في الأصل في نهاية السطر بقدر كلمتين، وكذا في "س"، والكلام متصل في: ط. وهو نهاية كلام ابن عباس، وبداية تعليق للشيخ، يفسر به ما تقدم. ولذا أضفت كلمة (قلت) بين المعقوفتين. (¬7) في الأصل: نفس. والمثبت من: س، ط. (¬8) سورة الزخرف، الآية: 19. .

اعتقدوهم {وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا} (¬1)، أي: في نفوسكم بما عقدتموه من اليمين. فقوله: جعل نفسه ذلك، وسمى [نفسه ذلك، يخرج على الثاني أي: هو الذي حكم بذلك وأخبر بثبوته (¬2) له، وسمى] (¬3) به نفسه، لم ينحله (¬4) أحدًا غيره (¬5). وقوله: وكان [الله] (¬6) أي: لم يزل كذلك، والمعنى: أنه أخبر أن هذا أمر لم يزل عليه، وهو الذي حكم به لنفسه، وسمى به نفسه، لم يكن الخلق هم الذين حكموا بذلك له، وسموه بذلك، فأراد بذلك أنه لو كان ذلك مستفادًا من نحلة الخلق له لكان محدثًا له بحدوث الخلق، فأما إذا كان هو الذي سمى نفسه [وجعل نفسه] (¬7) كذلك، فهو سبحانه لم يزل ولا يزال كذلك، فلهذا أخبر بأنه كان كذلك. ولهذا اتبع أئمة السنة ذلك كقول (¬8) أحمد في رواية حنبل: لم يزل الله عالمًا متكلمًا غفورًا. ¬

_ (¬1) سورة النحل، الآية: 91. (¬2) في س: ثبوته. (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬4) في س، ط: ينحله ذلك. (¬5) بعد كلمة "غيره" بياض بقدر كلمة في: الأصل، س. ونجمة في: ط. والذي يظهر لي أنه نهاية كلام وبداية آخر. (¬6) ما بين المعقوفتين بياض بقدر كلمة في: الأصل، س. ورمز له بنجمة في (ط). ولعل ما أثبته يستقيم به الكلام، وهو ما ظهر لي من السياق. (¬7) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬8) ذكر قول الإمام أحمد في رواية حنبل القاضي أبو يعلى في كتابه "إبطال التأويلات لأخبار الصفات -مخطوط- اللوحة: 147 - فصل: وجميع الأسماء والصفات التي وصف الله بها نفسه.

احتجاج الإمام أحمد وغيره على أن كلام الله غير مخلوق

وقال في الرد على الجهمية (¬1): (لم يزل الله عالمًا قادرًا مالكًا، لا متى، ولا كيف)؟. ولهذا احتج الإمام أحمد وغيره على أن كلام الله غير مخلوق بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - استعاذ بكلمات الله التامات (¬2) في غير حديث فقال: أعوذ بكلمات الله التامة. ففي صحيح البخاري، عن ابن عباس، قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعوذ الحسن والحسين: "أعيذكما بكلمات الله التامة" (¬3) وذكر الحديث. وفي صحيح مسلم عن خولة بنت حكيم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لو أن أحدكم إذا نزل منزلًا قال: أعوذ بكلمات الله التامات" (¬4)، [وذكر ¬

_ (¬1) الرد على الجهمية والزنادقة ص: 134. (¬2) التامات: ساقطة من: س، ط. (¬3) رواه البخاري في صحيحه عن ابن عباس بلفظ: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعوذ الحسن والحسين ويقول: "إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق، أعوذ بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة". صحيح البخاري 4/ 119 كتاب الأنبياء الباب رقم 10. والحديث باللفظ الذي ذكره الشيخ رواه أبو داود في سننه 5/ 104 كتاب السنة - باب في القرآن حديث / 4737. قال أبو داود: وهذا دليل على أن القرآن ليس بمخلوق. والترمذي في سننه -أيضًا- 4/ 396 كتاب الطب- باب رقم 18 - الحديث / 2060. وابن ماجة 2/ 1164 كتاب الطب- باب ما عوذ به النبي - صلى الله عليه وسلم - وما عوذ به - الحديث / 3525. (¬4) رواه مسلم عن خولة بنت حكيم السلمية قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من نزل منزلًا ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء، حتى يرتحل من منزله ذلك". والحديث باللفظ الذي ذكره الشيخ -رحمه الله- رواه ابن ماجة في سننه -كتاب الطب- باب الفزع والأرق وما يتعوذ منه- الحديث / 3547 (2/ 1174) والدارمي 2/ 200 - كتاب الاستئذان- باب ما يقول إذا نزل منزلًا، الحديث / =

الحديث] (¬1). وفي صحيح مسلم -أيضًا- عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال حين يمسي: أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق" (¬2) وذكر الحديث، وذلك في أحاديث أخر. قال أحمد وغيره: ولا يجوز أن يقال: أعيذك بالسماء أو بالجبال أو بالأنبياء أو بالملائكة أو بالعرش أو بالأرض، أو بشيء مما خلق الله، ولا يتعوذ إلّا بالله أو بكلماته. ¬

_ = 2683. ورواه بلفظ آخر عن خولة -أيضًا- قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا نزل أحدكم منزلًا فليقل: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، فإنه لا يضره شيء حتى يرتحل منه". صحيح مسلم 4/ 2080، 2081، - كتاب الذكر والدعاء. . باب في التعوذ من سوء القضاء ودرك الشقاء وغيره. الحديث / 54، 55. (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬2) رواه مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة، قال: "أما لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم تضرك". صحيح مسلم 4/ 2081 كتاب الذكر والدعاء -باب في التعوذ ودرك الشقاء وغيره. الحديث / 550. ورواه الإمام أحمد في مسنده بلفظ قريب مما ذكره الشيخ: "من قال إذا أمسى ثلاث مرات: أعوذ بكلمات. . . " 2/ 290. يقول ابن خزيمة -رحمه الله- في كتابه "التوحيد وإثبات صفات الرب. . " ص: 165، 166، بعد أن أورد بعض الأحاديث التي تدل على أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - استعاذ بكلمات الله التامات، فقال: "أفليس العلم محيطًا -يا ذوي الحجا- أنه غير جائز أن يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتعوذ بخلق الله من شر خلقه؟ هل سمعت عالمًا يجيز أن يقول: أعوذ بالكعبة من شر خلق الله؟ أو يجيز أن يقول: أعوذ بالصفا والمروة، أو أعوذ بعرفات ومنى من شر ما خلق الله؟ هذا لا يقوله ولا يجيز القول به مسلم يعرف دين الله، محال أن يستعيذ بخلق الله من شر خلقه".

وقد ذكر الاحتجاج بهذا البيهقي في كتاب الأسماء والصفات (¬1)، لكن نقل احتجاج أحمد على غير وجهه، وعورض بمعارضة فلم يجب عنها. ثم قال البيهقي (¬2): (ولا يصح أن يستعيذ بمخلوق من مخلوق (¬3)، فدل على (¬4) أنه استعاذ بصفة من صفات ذاته، وهي غير مخلوقة، كما أمره الله أن يستعيذ بذاته، وذاته غير مخلوقة (¬5)). ثم قال (¬6): (وبلغني عن أحمد بن حنبل أنه كان يستدل بذلك على أن القرآن غير مخلوق، قال: وذلك أنه ما من مخلوق إلا وفيه نقص). قلت: احتجاج أحمد هو من الوجه الذي تقدم، كما حكينا لفظ المروذي (¬7) في كتابه الذي عرض على أحمد. والمقصود هنا (¬8) الكلام على قول الطائفة الثانية الذين قالوا: إن القرآن هو الحروف والأصوات دون المعاني، ثم إن قولهم هذا: متناقض في نفسه، فإن الحروف والأصوات التي سمعها موسى عبرية، والتي ذكرها الله عنه في القرآن عربية، فلو لم يكن الكلام إلّا مجرد الحروف والأصوات، لم يكن بين الكلام الذي سمعه موسى، والذي ¬

_ (¬1) في الأسماء والصفات ص: 186. وسوف يبين الشيخ -رحمه الله- في الصفحات التالية أن البيهقي نقل احتجاج أحمد بهذه الأحاديث على أن القرآن غير مخلوق على غير وجهه. (¬2) المصدر السابق نفس الصفحة. (¬3) في س، ط: من مخلوق بمخلوق. (¬4) على: ساقطة من الأسماء والصفات. (¬5) في الأسماء والصفات: مخلوق. (¬6) أي: البيهقي بعد عدة أسطر في المصدر السابق. (¬7) في الأصل: المروزي. والمثبت من: س، ط. (¬8) في ط: هنا، ثم. . .

قول من يقول: إن القرآن هو الحروف والأصوات دون المعاني متناقض في نفسه

ذكره الله أنه سمعه قدر مشترك أصلًا (¬1)، بل كان يكون الإخبار بأنه سمع هذه الأصوات التي لم يسمعها كذب، وكذلك سائر من حكى الله في القرآن أنه قال من الأمم المتقدمة الذين تكلموا بغير العربية، فإنما تكلموا بلغتهم، وقد حكى الله ذلك باللغة التي أنزل بها القرآن وهي العربية، وكلام الله صدق، فلو كان قولهم: مجرد الحروف والأصوات، والحروف والأصوات التي قالوها ليست مثل هذه، لم تكن الحكاية عنهم مطلقًا، بل كلامهم كان حروفًا (¬2)، ومعاني، فحكى الله ذلك عنهم (¬3) بلغة أخرى، والحروف تابعة للمعاني، والمعاني هي المقصود الأعظم، كما يترجم كلام سائر المخلوقين (¬4). وهؤلاء المثبتة (¬5) الذين وافقوا أهل السنة والجماعة على أن القرآن كلام الله غير مخلوق، ووافقوا المعتزلة على أن الكلام ليس هو إلا مجرد الحروف والأصوات يقولون: إن كلام الله القائم به ليس هو إلا مجرد الحروف والأصوات، وهذا هو الذي بينته أيضًا في جواب المحنة (¬6)، وبينت أن هذا لم يقله أحد من السلف، ولا قالوا- أيضًا: إنه معنى قائم بذاته، بل كلاهما بدعة وأنا ليس في كلامي شيء من البدع. ثم منهم من (¬7) يقول: هو مع ذلك قديم غير حادث، لموافقتهم ¬

_ (¬1) في س، ط: أصله. (¬2) في الأصل: حروف. والمثبت من: س، ط. (¬3) في ط: عنهم ذلك. (¬4) في س، ط: المتكلمين. (¬5) من الكرامية والسالمية ومن وافقهما من أهل الكلام والفقه والحديث والتصوف. (¬6) لعله يشير -رحمه الله- إلى جوابه المختصر الذي كتبه مع استعجاله الرسول. وقد تقدم هذا في بداية هذا الكتاب. (¬7) من: ساقطة من: س. هم: السالمية ومن وافقهم من أهل الكلام والفقه والحديث والتصوف حيث قالوا بقول المعتزلة، وبقول الكلابية، فوافقوا هؤلاء في قولهم: "إنه قديم"، =

الطائفة الأولى على أن معنى قول السلف: إن (¬1) القرآن كلام الله غير مخلوق، أنه صفة قديمة قائمة بذاته لا يتعلق بمشيئته واختياره قط. ومنهم (¬2) من لا يقول ذلك، بل يقول: هو وإن كان مجرد الحروف والأصوات وهو قائم به، فإنه يتعلق بمشيئته واختياره، وأنه إذا شاء تكلم بذلك، وإذا شاء سكت، وإن كان لم يزل كذلك. وظن الموافقون (¬3) للسلف على أن القرآن كلام الله غير مخلوق، من القائلين (¬4): بأن الكلام ليس إلّا معنى في النفس، وكثير من ¬

_ = ووافقوا أولئك في قولهم: "إنه حروف وأصوات" وأحدثوا قولًا مبتدعًا -كما أحدث غيرهم- فقالوا: "القرآن قديم وهو حروف وأصوات قديمة أزلية لازمة لذات الرب أزلًا وأبدًا، لا يتكلم بها بمشيئته وقدرته ولا يتكلم بها شيئًا بعد شيء"، واحتجوا بحجج الكلابية على أنه قديم وبحجج المعتزلة على أنه حروف وأصوات. وقد تفرع عن قولهم هذا أقوال أخرى في الحرف والصوت، يمكن الاطلاع عيها في مجموعة الرسائل والمسائل -لابن تيمية- كتاب مذهب السلف القويم في تحقيق مسألة الله الكريم 1/ 3 / 366 - 368. وانظر: الأسماء والصفات -للبيهقي- 1/ 3 / 377، 378. (¬1) في الأصل: على أن. ولا يستقيم المعنى بذلك. وما أثبته من: س، ط. (¬2) وهم الكرامية فإنهم قالوا: "إنه سبحانه يتكلم بمشيئته وقدرته، كلامًا قائمًا بذاته، وهو يتكلم بحروف وأصوات بمشيئته وقدرته ليتخلصوا بذلك من بدعتي المعتزلة والكلابية، لكن قالوا: "صار الكلام ممكنًا له بعد أن كان ممتنعًا عليه، من غير حدوث سبب أوجب إمكان الكلام وقدرته عليه". وقد وافق الكرامية على هذا القول كثير من أهل الكلام والفقه والحديث، لكن ليس من الأئمة الأربعة ونحوهم من أئمة المسلمين من نقل عنه مثل هذا القول. انظر: مجموعة الرسائل والمسائل -لابن تيمية- كتاب مذهب السلف القويم في تحقيق مسألة كلام الله الكريم 1/ 3 / 363، 455. (¬3) سوف يبين الشيخ -رحمه الله- من هم الموافقون للسلف بعد صفحة -تقريبًا- وأن أولهم عبد الله بن كلاب. (¬4) في الأصل: الموافقين. والمثبت من: س، ط.

القائلين: بأنه ليس إلّا الحروف والأصوات أن (¬1) معنى قول السلف: القرآن كلام الله غير مخلوق، أنه صفة قديمة قائمة بذاته لا يتعلق بمشيئته واختياره وإرادته وقدرته، وهذا اعتقدوه في جميع الأمور المضافة إلى الله أنها [إما] (¬2) أن تكون مخلوقة منفصلة عن الله، وإما أن تكون قديمة غير متعلقة بمشيئته وإرادته وقدرته (¬3). ومنعوا أن يقال: إنه يتكلم إذا شاء، أو يتكلم بما شاء (¬4)، أو إنه لم يزل متكلمًا إذا شاء، أو أنه قادر على الكلام أو التكلم، أو إنه يستطيع أن يتكلم بشيء دون شيء، أو إنه إن (¬5) شاء تكلم، وإن شاء سكت أو إنه يقدر على الكلام والسكوت. كما يمتنع أن يقال: إنه يحيى إذا شاء، أو إنه يقدر على أن يحيى وعلى أن لا يحيى (¬6)، إذ (¬7) الحياة صفة لازمة لذاته يمتنع أن يكون إلّا حيًّا قيومًا- سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا. فاعتقد هؤلاء في الكلام والإرادة والمحبة والبغض والرضا والسخط والإتيان والمجيء والاستواء على العرش والفرح والضحك مثل الحياة. وأول من أظهر هذا القول من الموافقين لأهل السنة في الأصول الكبار (¬8) هو عبد الله بن سعيد بن كلاب، وهذا مقتضى ما ذكره الأشعري ¬

_ (¬1) في س: أنه. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬3) في س، ط: وقدرته وإرادته. (¬4) أو يتكلم بما شاء: ساقطة من: ط. (¬5) في الأصل: إذا. والمثبت من: س، ط. (¬6) في الأصل: أن يجي. والمثبت من: س، ط. (¬7) في س، ط: إن. (¬8) في الأصل: الكبائر. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط.

ذكر الأشعري جملة ما عليه أصحاب الحديث وأهل السنة

في المقالات (¬1)، فإنه لم يذكر ذلك عن أحد قبله، لكن (¬2) ذكر عن بعض المرجئة أنه يقول بقوله (¬3)، وذكر عن بعض الزيدية ما يحتمل أن يكون موافقًا لبعض قوله (¬4). وذكر (¬5) أبو الحسن في كتاب المقالات (¬6) قول أهل الحديث، وأهل السنة: فقال: (هذه حكاية قول جملة (¬7) أصحاب الحديث، وأهل السنة). جملة ما عليه أصحاب (¬8) الحديث وأهل (¬9) السنة: الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله، وما جاء من عند الله، وما رواه الثقات عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يردون من ذلك شيئًا، والله تعالى إله واحد فرد صمد، لا إله غيره، لم يتخذ صاحبة ولا ولدًا، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأن الله على عرشه كما قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (¬10)، وأن له يدين بلا كيف، كما قال: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} (¬11)، ¬

_ (¬1) مقالات الإسلاميين 1/ 350، 351. وانظر: قول ابن كلاب في القرآن في مقالات الإسلاميين 2/ 257، 258. (¬2) في ط: بل. (¬3) المقالات 2/ 256. (¬4) المصدر السابق 2/ 256. (¬5) في هامش الأصل: حكاية الأشعري جملة قول أصحاب الحديث. (¬6) مقالات الإسلاميين 1/ 345 - 350. (¬7) في المقالات: جملة قول. والكلام إلى نهاية السطر عنوان لما بعده. (¬8) في المقالات: أهل. (¬9) أهل: ساقطة من: المقالات. (¬10) سورة طه، الآية: 5. (¬11) سورة ص، الآية: 75. في س، ط، والمقالات: (خلقت بيدي).

وكما قال: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} (¬1)، وأن له عينين بلا كيف، كما قال: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} (¬2)، وأن له وجهًا، كما قال: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} (¬3). وأن أسماء الله لا يقال: إنها غير الله، كما قالت المعتزلة والخوارج وأقروا أن لله علمًا كما قال: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} (¬4) وكما قال: {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إلا بِعِلْمِهِ} (¬5). وأثبتوا السمع والبصر، ولم ينفوا ذلك عن الله، كما نفته المعتزلة وأثبتوا لله القوة، كما قال: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} (¬6). وقالوا: إنه لا يكون في الأرض من خير ولا شر (¬7) إلّا ما شاء الله، وإن الأشياء تكون بمشيئة الله تعالى، كما قالت: {وَمَا تَشَاءُونَ إلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} (¬8)، وكما (¬9) قال المسلمون: ما شاء الله كان وما لا (¬10) يشاء لا يكون. وقالوا: إن أحدًا لا يستطيع أن يفعل شيئًا قبل أن يفعله، أو يكون ¬

_ (¬1) سورة المائدة، الآية: 64. في س: (بل يدان. .) وهو خطأ من الناسخ. (¬2) سورة القمر، الآية: 14. (¬3) سورة الرحمن، الآية: 27. (¬4) سورة النساء، الآية: 166. (¬5) سورة فاطر، الآية: 11. (¬6) سورة فصلت، الآية: 15. (¬7) في الأصل: من خير وشر. والمثبت من: س، ط، والمقالات. (¬8) سورة التكوير، الآية: 29. (¬9) في الأصل: وما. وفي س، ط: ولما. والمثبت من: المقالات. (¬10) في ط: ولم.

أحد يقدر أن يخرج عن (¬1) علم الله، أو أن يفعل شيئًا علم الله أنه لا يفعله. وأقروا أنه لا خالق إلّا الله (¬2)، وأن أعمال العباد يخلقها الله تعالى وأن العباد لا يقدرون أن يخلقوا شيئًا. وأن الله وفق المؤمنين لطاعته، وخذل الكافرين، ولطف بالمؤمنين (¬3) ونظر [لهم] (¬4) وأصلحهم وهداهم، ولم يلطف بالكافرين (¬5)، ولا أصلحهم ولا هداهم، ولو أصلحهم لكانوا صالحين، ولو هداهم لكانوا مهتدين. وأن الله يقدر أن يصلح الكافرين (¬6)، ويلطف بهم (¬7) حتى يكونوا مؤمنين ولكنه أراد أن يكونوا كافرين كما علم، وخذلهم، ولم يصلحهم (¬8)، وطبع على قلوبهم. وأن الخير والشر بقضاء الله وقدره، ويؤمنون بقضاء الله وقدره خيره وشره حلوه ومره، ويؤمنون أنهم لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًّا إلا ما شاء الله، كما قال، ويُلْجئون أمرهم إلى الله، ويثبتون الحاجة إلى الله في كل وقت، والفقر إلى الله في كل حال. ويقولون: إن القرآن كلام الله غير مخلوق، و (¬9) الكلام في الوقف ¬

_ (¬1) عن: كررت في: س. (¬2) بعد لفظ الجلالة ورد في المقالات: وأن سيئات العباد يخلقها الله. (¬3) في الأصل، س: للمؤمنين. والمثبت من: ط، والمقالات. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: المقالات. (¬5) في الأصل، س: للكافرين. والمثبت من: ط، والمقالات. (¬6) في الأصل، س: للكافرين. والمثبت من: ط، والمقالات. (¬7) في الأصل، س: لهم. والمثبت من: ط، والمقالات. (¬8) في المقالات: وأضلهم. (¬9) الواو ساقطة من: ط. ويظهر أن العبارة: -الكلام في الوقف واللفظ- عنوان لما بعدها.

واللفظ، من قال بالوقف أو باللفظ (¬1): فهو مبتدع عندهم، لا يقال: اللفظ بالقرآن مخلوق، ولا يقال: غير مخلوق. ويقولون: إن الله يُرى بالأبصار يوم القيامة، كما يرى القمر ليلة البدر، يراه المؤمنون، ولا يراه الكافرون، لأنهم عن الله محجوبون، قال الله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} (¬2)، وإن موسى -عليه السلام- سأل الله الرؤية في الدنيا، وإن الله تجلى للجبل فجعله دكًّا، فأعلمه بذلك أنه لا يراه (¬3) في الدنيا، بل يراه في الآخرة. ولا يكفرون أحدًا من أهل القبلة بذئب يرتكبه، كنحو الزنا والسرقة، وما أشبه ذلك من الكبائر، وهم بما معهم من الإيمان مؤمنون، وإن ارتكبوا الكبائر (¬4). ¬

_ (¬1) في س، ط، والمقالات: باللفظ أو بالوقف. (¬2) سورة المطففين، الآية: 15. (¬3) في جميع النسخ: فأعلمهم بذلك لأنه لا يراه. . والمثبت من: المقالات. (¬4) فمرتكب الكبيرة مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، فهو مؤمن ناقص قد نقص إيمانه بقدر ما ارتكبه من المعاصي، فالسلف -رحمهم الله- لا يعطون مرتكب الكبيرة اسم الإيمان المطلق، ولا يكفرونه بذنب ما لم يستحله. هذا بالنسبة للتسمية والمعاملة الدنيوية، وأما في الآخرة فهو تحت مشيئة الله تعالى، إن شاء عذبه، وهذا بعدله وحكمته، وإن شاء عفا عنه وغفر له، وهذا بفضله ورحمته. وقد خالف السلف بعض طوائف المتكلمين كالخوارج والمعتزلة والمرجئة الخالصة. فالخوارج يكفرون مرتكب الكبيرة ويخرجونه من دائرة الإسلام، هذا في الدنيا، أما في الآخرة فهو -عندهم- مخلد في النار. وقد أشارت بعض كتب الفرق إلى مخالفة النجدات والإباضية للخوارج في حكمهم على مرتكب الكبيرة. أما المعتزلة فإنهم يقولون: مرتكب الكبيرة في منزلة بين المنزلتين لا يسمى

والإيمان -عندهم- هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وبالقدر خير وشره وحلوه (¬1) ومره، وأن ما (¬2) أخطأهم لم يكن ليصيبهم، وأن (¬3) ما أصابهم لم يكن ليخطئهم، والإسلام أن يشهدوا أن لا إله إلّا الله على ما جاء (¬4) في الحديث (¬5)، والإسلام عندهم غير. . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = مؤمنًا ولا كافرًا، وأما في الآخرة فيتفقون مع الخوارج في التخليد في النار إذا مات ولم يتب. وأما المرجئة فإنهم يقولون: مرتكب الكبيرة مؤمن كامل الإيمان لأنه لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة، وبناء على هذا فإنه في الآخرة يدخل الجنة ولا يدخل النار. هذا مجمل آراء هذه الطوائف، ولكل منها أدلة ينقض بعضها البعض الآخر ومجانبتها للصواب ظاهر. ومن أراد الوقوف على هذه المسألة فليراجع الكتب التالية: - الإيمان -لابن تيمية- ص: 185، 186، 202، 301.- الإيمان -لأبي عبيد القاسم بن سلام- ص: 89، 93، 94، 95.- الشريعة- للآجري - ص: 146، 147.- التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع- للملطي - ص: 45، 153، 154.- أصول الدين -للبغدادي- ص: 242، 249، 250.- الفصل في الملل والنحل -لابن حزم- 3/ 229، 230، 231، 235، 236.- شرح الأصول الخمسة -للقاضي عبد الجبار- ص: 657، 660، 666، 701، 702، 712، 713، 714. (¬1) في المقالات: وشره حلوه. . (¬2) في ط: وما. (¬3) أن: ساقطة من: س، ط. (¬4) جاء: ساقطة من: س. (¬5) الإشارة في ذلك إلى الحديث المروي عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - قال: حدثني أبي عمر بن الخطاب قال: بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم، إذ طلع علينا رجل. . وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلّا الله وأن محمدًا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلًا. . . " الحديث.

الإيمان (¬1). ¬

_ = صحيح مسلم 1/ 36 - 38 - كتاب الإيمان- باب بيان الإيمان والإسلام، والإحسان. . الحديث / 1. (¬1) ظاهر هذا الكلام التفريق بين الإيمان والإسلام، وهذا أحد الأقوال في هذه المسألة، وممن قال به الحسن البصري وابن سيرين وإبراهيم النخعي وأبو جعفر الباقر وغيرهم. انظر: لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية للسفاريني 1/ 426. وبه قال جمهور الأشاعرة من المتكلمين. انظر: العقيدة النظامية -للجويني- ص: 63. وشرح جوهرة التوحيد -للقاني - ص: 61، 60. والقول الثاني: إن الإسلام والإيمان مترادفان وأنهما اسمان لمسمى واحد، وبه قال جماعة من السلف -رحمهم الله- منهم الإمام البخاري، والمزني، وأبو محمد البغوي، ومحمد بن نصر المروزي. انظر: فتح الباري -لابن حجر- 1/ 105. والإيمان -لابن تيمية - ص: 310، 314، 320. وبه قالت المعتزلة وبعض الأشاعرة من المتكلمين. انظر: شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار- ص: 705، 706. ومتشابه القرآن -للقاضي عبد الجبار- ص: 149، 150. وشرح جوهرة التوحيد -للقاني- ص: 61، 60. والقول الثالث: أن بين الإسلام والإيمان تلازمًا مع افتراق اسميهما فإذا اجتمعا افترقا فيكون الإيمان هو الأعمال الباطنة كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، ويكون الإسلام الأعمال الظاهرة كإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت. وإذا افترقا اجتمعا، فإذا ذكر أحدهما دخل فيه الآخر، فإذا ذكر الإيمان وحده دخل فيه الإسلام ليصبح الإيمان هو مجموع ما تقدم من أعمال باطنة وظاهرة، وكذا إذا ذكر الإسلام وحده دخل فيه الإيمان فيصبح الإسلام هو مجموع ما تقدم -أيضًا-. وإلى هذا القول كان يذهب شيخ الإسلام ابن تيمية. انظر: الإيمان -لابن تيمية- ص: 1313. وجامع العلوم والحكم -لابن رجب- ص: 26. وفتح الباري -لابن حجر- 1/ 105. وشرح الطحاوية لصدر الدين الحنفي- ص: 393، 394. وهذا القول (القول الثالث) -في نظري- هو أرجح الأقوال المتقدمة فهو رأي وسط بين الرأيين =

ويقرون بأن الله مقلب القلوب. ويقرون بشفاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنها لأهل الكبائر من أمته (¬1)، وبعذاب القبر، وأن الحوض (¬2) حق، والصراط حق، والبعث بعد الموت حق، والمحاسبة من الله للعباد حق، والوقوف بين يدي الله حق. ويقرون بأن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، ولا يقولون: مخلوق ولا غير مخلوق، ولا يقولون: أسماء الله هي الله، ولا غير الله، ولا يشهدون (¬3) على أحد من أهل الكبائر بالنار، ولا يحكمون بالجنة لأحد من الموحدين، حتى يكون الله ينزلهم حيث شاء، ويقولون: أمرهم إلى الله إن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم، ويؤمنون (¬4) بأن الله تعالى يخرج قومًا من الموحدين من النار، على ¬

_ = السابقين، وفيه تجتمع النصوص وتأتلف. (¬1) الشفاعة ثمانية أنواع أحدها: شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهل الكبائر من أمته، وقد ذكرها مفصلة بأدلتها ابن كثير في النهاية 2/ 139 فما بعدها، وشرح الطحاوية ص: 252 فما بعدها. وسيأتي مزيد تفصيل لها، والكلام على من أنكرها في ص: 697. (¬2) في ط: الحشر. (¬3) في س، ط، والمقالات: ويقولون أسماء الله هي الله، ولا يشهدون. . وقد ورد بهامش الأصل تصحيح كما هو مثبت. وسوف ينقل الشيخ -رحمه الله- في ص: 480 عن الأشعري، أثناء كلامه على موافقة أصحاب ابن كلاب لأهل السنة في كثير من الأصول- قوله: "ويقولون: أسماء الله تعالى وصفاته لا يقال: هي غيره، ولا يقال: إن علمه غيره، كما قالت الجهمية، ولا يقال: إن علمه هو هو كما قال بعض المعتزلة". (¬4) في س: يقولون. وقد ورد في جميع النسخ بين قوله "غفر لهم" وقوله: "ويؤمنون" ما يلي: "ويؤمنون بأن الله تعالى إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم والكلام يستقيم بالمثبت من: المقالات.

ما جاءت به الروايات عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1)، وينكرون الجدل والمراء في الدين، والخصومة في القدر، والمناظرة فيما يتناظر فيه أهل الجدل ويتنازعون فيه من دينهم، بالتسليم (¬2) للروايات الصحيحة، ولما جاءت به الآثار التي رواها الثقاة عدلًا عن عدلٍ حتى ينتهي ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ولا يقولون: كيف؟ ولا لِمَ؟ لأن ذلك بدعة. ويقولون: إن الله لم يأمر بالشر، بل نهى عنه، وأمر بالخير، ولم يرض بالشر، وإن كان مريدًا له. ويعرفون حق السلف الذين اختارهم الله لصحبة نبيه، ويأخذون بفضائلهم، ويمسكون عما شجر بينهم صغيرهم وكبيرهم، ويقدمون أبا بكر ثم عمر، ثم عثمان، ثم عليًّا (¬3) -رضي الله تعالى عنهم- ويقرون أنهم الخلفاء الراشدون المهديون، أفضل الناس كلهم بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -. ويصدقون بالأحاديث التي جاءت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أن الله ينزل إلى السماء الدنيا فيقول: هل من مستغفر. . . " (¬4) كما جاء الحديث عن ¬

_ (¬1) فمن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يخرج من النار من قال: لا إله إلّا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، ثم يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن برة، ثم يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن ذرة". صحيح مسلم 1/ 182 كتاب الإيمان- باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها، الحديث / 325. وخروج من قال لا إله إلّا الله من النار يروى بألفاظ كثيرة مختلفة، يمكن الوقوف عليها في المصدر السابق- نفس الجزء والكتاب والباب، والأحاديث تحت الأرقام: 316، 317، 318، 319، 320، 321، 322، 326. (¬2) في هامش الأصل: لعله: ويأمرون بالتسليم. . . (¬3) في جميع النسخ: علي. والمثبت من: المقالات. (¬4) الحديث مع اختلاف يسير في اللفظ رواه مسلم في صحيحه عن أبي سعيد وأبي هريرة - رضي الله عنهما - قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله يمهل حتى إذا =

رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ويأخذون بالكتاب والسنة، كما قال الله: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (¬1)، ويرون اتباع من سلف من أئمة الدين، وأن لا يبتدعوا في دينهم ما لم يأذن به الله. ويقرون أن الله تعالى يجيء يوم القيامة، كما قال: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} (¬2)، وأن الله يقرب من خلقه كيف شاء، كما قال (¬3): {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} (¬4). ويرون العيد والجمعة والجماعة خلف كل إمام بر وفاجر، ويثبتون المسح على الخفين سنة، ويرونه (¬5) في الحضر والسفر. ويثبتون فرض الجهاد للمشركين منذ بعث [الله] (¬6) نبيه - صلى الله عليه وسلم - إلى آخر عصابة تقاتل الدجال، وبعد ذلك. ويرون الدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح، وأن لا يخرجوا عليهم ¬

_ = ذهب ثلث الليل الأول نزل إلى السماء الدنيا فيقول: هل من مستغفر؟ هل من تائب؟ هل من سائل؟ هل من داع؟ حتى ينفجر الفجر". صحيح مسلم 1/ 523 كتاب صلاة المسافرين وقصرها- باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل والإجابة فيه. الحديث / 172. وقد روى مسلم تحت هذا الباب عدة أحاديث بألفاظ مختلفة في نزول الرب -تبارك وتعالى- إلى سماء الدنيا. وكذلك ابن أبي عاصم في كتاب السنة 2/ 216 - 223. وابن خزيمة في كتاب التوحيد- ص: 125 - 136. (¬1) سورة النساء، الآية: 59. (¬2) سورة الفجر، الآية: 22. (¬3) في س: قال: شاء. وهو تصحيف. (¬4) سورة ق، الآية: 16. (¬5) في الأصل: يرون. والمثبت من: س، ط، والمقالات. (¬6) ما بين المعقوفتين زيادة من: المقالات.

بالسيف، وأن لا يقاتلوهم في الفتنة. ويصدقون (¬1) بخروج الدجال، وأن عيسى بن مريم يقتله. ويؤمنون بمنكر ونكير، والمعراج، والرؤيا في المنام، وأن الدعاء لموتى المسلمين والصدقة عنهم بعد موتهم تصل إليهم. ويصدقون بأن في الدنيا سحرة، وأن الساحر [كافر] (¬2)، كما قال الله (¬3) وأن السحر (¬4) كائن موجود في الدنيا (¬5). ¬

_ (¬1) في الأصل، ط: يصدقو. والمثبت من: س، والمقالات. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والمقالات. (¬3) قال تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إلا بِإِذْنِ اللَّهِ} 102 / البقرة. (¬4) السحر: الأخذة، وكل ما لطف مأخذه ودق فهو سحر. وسحره -أيضًا- بمعنى خدعه. وأصله التمويه بالحيل وهو أن يفعل الساحر أشياء ومعاني، فيخيل للمسحور أنها بخلاف ما هي به، كالذي يرى السراب من بعيد فيخيل إليه أنه ماء. انظر: مختار الصحاح- ص: 288 (سحر). وتفسير القرطبي- 1/ 2 / 44. (¬5) أي: له حقيقة، وهذا خلاف ما تذهب إليه المعتزلة، ومن وافقهم. وقد نقل القرطبي -رحمه الله- في تفسيره 1/ 2 / 46 - الاختلاف في هذه المسألة فقال: "ذهب أهل السنة إلى أن السحر ثابت وله حقيقة، وذهب عامة المعتزلة، وأبو إسحاق الإستراباذي من أصحاب الشافعي إلى أن السحر لا حقيقة له، وإنما هو تمويه وتخييل وإيهام لكون الشيء على غير ما هو به، وأنه ضرب من الخفة والشعوذة، كما قال تعالى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} 66 / طه. ولم يقل تسعى على الحقيقة، ولكن قال: (يخيل إليه) وقال أيضًا: {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ} 116 / الأعراف. وهذا لا حجة فيه، لأنا لا ننكر أن يكون التخييل وغيره من جملة السحر، ولكن ثبت وراء ذلك أمور جوزها العقل وورد بها السمع. . . ". ثم أورد -رحمه الله- الأدلة على ثبوته ووقوعه ثم قال بعد ذلك: "فدل على =

ويرون الصلاة على كل من مات من أهل القبلة مؤمنهم (¬1) وفاجرهم ومواراتهم. ويقرون بأن الجنة والنار مخلوقتان، وأن من مات مات بأجله، وكذلك من قتل قتل بأجله. وأن الأرزاق من قبل الله -تعالى- يرزقها عباده، حلالًا كانت أو حرامًا. وأن الشيطان يوسوس للإنسان ويشككه ويتخبطه (¬2). وأن الصالحين قد يجوز أن يخصهم الله بآيات تظهر عليهم. وأن السنة لا تنسخ القرآن (¬3). وأن الأطفال أمرهم إلى الله تعالى، إن شاء عذبهم، وإن شاء فعل بهم ما أراد. [وأن الله] (¬4) عالم ما العباد عاملون، وكتب أن ذلك يكون، وأن الأمور بيد الله تعالى. ¬

_ = أن له حقًّا وحقيقة فهو مقطوع به لإخبار الله تعالى ورسوله على وجوده ووقوعه، وعلى هذا أهل الحل والعقد الذين ينعقد بهم الإجماع، ولا عبرة مع اتفاقهم بحثالة المعتزلة ومخالفتهم أهل الحق". وللاطلاع على رأي الجمهور في هذه المسألة، وعلى رأي مخالفيهم، تراجع الكتب التالية: - شرح الطحاوية- لصدر الدين الحنفي- ص: 569، 570.- تفسير ابن كثير - 1/ 133 - 148.- فتح الباري- 21/ 351 - 364. وقد أشار إلى أن من المخالفين لرأي الجمهور ابن حزم الظاهري.- متشابه القرآن -للقاضي عبد الجبار- ص: 99 - 103.- التفسير الكبير- للرازي- 3/ 213، 214. (¬1) في المقالات: برهم. (¬2) في جميع النسخ: يخبطه. والمثبت من: المقالات. (¬3) في الأصل: بالقرآن. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: المقالات.

ما ذكره أبو الحسن الأشعري عن أصحاب عبد الله بن كلاب وأنهم يقولون بأكثر قول أهل السنة

ويرون الصبر على حكم الله، والأخذ بما أمر الله تعالى به، والانتهاء عما نهى عنه (¬1)، وإخلاص العمل، والنصيحة للمسلمين، ويدينون بعبادة الله تعالى في العابدين، والنصيحة لجماعة المسلمين، واجتناب الكبائر، والزنا، وقول الزور، والعصبية (¬2)، والفخر، والكبر والإزراء (¬3) على الناس، والعجب. ويرون مجانبة كل داع إلى بدعة، والتشاغل بقراءة القرآن، وكتابة الآثار، والنظر في الفقه، مع التواضع والاستكانة وحسن الخلق، وبذل المعروف، وكف الأذى، وترك الغيبة والنميمة، والسعاية، وتفقد (¬4) المأكل والمشرب. قال (¬5): فهذه جملة ما يأمرون به، ويستعملونه، ويرونه، وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول، وإليه نذهب، وما توفيقنا إلّا بالله، وهو حسبنا (¬6)، وبه نستعين، وعليه نتوكل، وإليه المصير. قال (¬7): فأما أصحاب عبد الله بن سعيد فإنهم يقولون بأكثر ما (¬8) ذكرناه عن أهل السنة، ويثبتون أن الباري لم يزل حيًّا عالمًا قادرًا سميعًا بصيرًا عزيزًا عظيمًا جليلًا كبيرًا كريمًا مريدًا متكلمًا جوادًا. ويثبتون العلم والقدرة والحياة والسمع والبصر والعظمة والجلال ¬

_ (¬1) في س، ط، والمقالات: الله عنه. (¬2) في جميع النسخ: المعصية. والمثبت من: المقالات. (¬3) أزرى عليه إزراء: قصر به وحقره وهونه. انظر: لسان العرب -لابن منظور- 14/ 356 (زرى). (¬4) في س، ط: ونفقة. (¬5) في ط: وقال. والقائل هو: أبو الحسن الأشعري. والكلام متصل بما قبله في: المقالات. (¬6) في المقالات: وهو حسبنا ونعم الوكيل. (¬7) يعني: أبو الحسن الأشعري في المقالات والكلام متصل بما قبله. (¬8) في ط: مما.

قول عبد الله بن كلاب في القرآن

والكبرياء والإرادة والكلام صفات لله تعالى. وقال (¬1): ويقولون أسماء الله تعالى وصفاته، لا يقال: هي غيره، ولا يقال: إن علمه غيره، كما قالت الجهمية، ولا يقال: إن علمه هو هو، كما قال بعض المعتزلة، وكذلك قولهم في سائر الصفات. فذكر الأشعري أن أصحاب ابن كلاب يقولون بأكثر قول أهل الحديث، وأن لهم زيادة أخرى، وذلك دليل على أنهم ينقصون عن أقوالهم. فأما قول ابن كلاب في القرآن فلم يذكره الأشعري إلا عنه وحده، وجعل له ترجمة، فقال (¬2): وهذا قول عبد الله بن كلاب. قال (¬3) عبد الله بن كلاب: إن الله لم يزل متكلمًا، وإن كلام الله صفة له قائمة به، وإنه قديم بكلامه (¬4)، وإن كلامه قائم به كما أن العلم قائم به والقدرة قائمة به، وهو قديم بعلمه وقدرته، وإن الكلام ليس بحرف (¬5) ولا صوت ولا ينقسم ولا يتجزأ ولا يتبعض ولا يتغاير، وإنه معنى واحد بالله تعالى، وإن الرسم هو الحروف المتغايرة، وهو قراءة القارئ وأنه خطأ أن يقال: كلام الله هو هو أو بعضه أو غيره، وإن العبارات عن كلام الله تختلف وتتغاير، وكلام الله ليس بمختلف ولا متغاير، كما أن ذكرنا لله يختلف ويتغاير، والمذكور لا يختلف ولا يتغاير، وإنما سمي كلام الله عربيًّا، لأن الرسم (¬6) الذي هو العبارة ¬

_ (¬1) أبو الحسن الأشعري في المقالات، والكلام متصل بما قبله. (¬2) مقالات الإسلاميين -للأشعري- 2/ 357، 358. (¬3) في هامش س: قف: حكاية كلام ابن كلاب في كلام الله تعالى. (¬4) وإنه قديم بكلامه: مكررة في: س. (¬5) في المقالات: بحروف. (¬6) في الأصل: الاسم. والمثبت من: س، ط، والمقالات.

عنه وهو قراءته عربي فسمي عربيًّا لعلة، وكذلك سمي عبرانيًّا لعلة (¬1)، وكذلك سمي أمرًا لعلة، وسمي نهيًا لعلة، وخبرًا لعلة، ولم يزل الله متكلمًا قبل أن يسمى كلامه أمرًا، وقبل وجود العلة التي بها (¬2) سمي كلامه أمرًا، وكذلك القول في تسميته نهيًا وخبرًا، وأنكر أن يكون الباري لم يزل مخبرًا، وكذلك (¬3) لم يزل ناهيًا). فهذه حكاية الأشعري عن ابن كلاب أنه يقول: إن الله لم يزل متكلمًا، وإن كلامه صفة قائمة (¬4) به كعلمه وقدرته، وكذلك سائر الصفات التي يثبتها لله تعالى هي عنده قديمة قائمة بالله غير متعلقة بمشيئته وقدرته. وأما الجهميّة المحضة من المعتزلة وغيرهم فعندهم لا يقوم (¬5) به شيء من هذه الصفات ولا غيرها، بل كل ما يضاف إليه فإنما يعود معناه إلى أمر مخلوق منفصل عنه، كما قالوه في الكلام، ولما قال أولئك لهؤلاء: إن الحروف لا تكون إلّا متعاقبة ولا بد لها من مخارج، وكلاهما يمنع قدمها، قال لهم هؤلاء: هذا بعينه وارد في المعنى، فإن المعاني مطابقة للحروف في الترتيب، وهي مفتقرة إلى محل كافتقار الحروف، فما قيل في أحدهما قيل في الآخر، ولما زعم أولئك أن الكلام كله هو معنى واحد، قال هؤلاء: إن جاز أن يعقل أن المعاني المتنوعة تعود إلى معنى (¬6) واحد، جاز أن يعقل أن الحروف المتنوعة ¬

_ (¬1) لعلة: ساقطة من: س، ط. وفي المقالات: لعلة وهي أن الرسم الذي هو عبارة عنه عبراني. (¬2) في المقالات: لها. (¬3) وكذلك: ساقطة من: المقالات. (¬4) في س، ط: له قائم. (¬5) في الأصل: لا يقدم. والمثبت من: س، ط. (¬6) في س: حروف. وفي ط: حرف. وهو تصحيف.

تعود إلى حرف واحد، وقالوا لهم -أيضًا- الترتيب نوعان (¬1): ترتيب ذاتي، وترتيب وجودي (¬2)، فالأول: كترتيب العلم على الحياة والمعلول على العلة التامة، وهؤلاء الذين فسروا قولهم بأنه غير مخلوق: بأنه لا يتعلق بمشيئته وقدرته سواء قالوا: إنه معنى أو هو حروف أو هو حرف ومعنى (¬3)، يقولون: إن المخلوق هو المحدث وهو ما يحدثه الله تعالى منفصلًا عنه، وإنه ما ثم (¬4) إلا قديم أو مخلوق، وما كان قديمًا (¬5) فإنه لازم لذات الله -تعالى- ولا يتعلق بمشيئته وقدرته، ولا يكون فعلًا له، وما كان محدثًا فهو المخلوق المنفصل عن الله -تعالى- وهو المتعلق بمشيئته وقدرته، ولا يقوم (¬6) عندهم بذات الله فعل ولا كلام ولا إرادة، ولا غير ذلك مما يتعلق بمشيئته وقدرته، ويقولون: لا تحل الحوادث بذاته، ولا يجوز عليه الحركة، ولا فعل حادث، ولا غير ذلك، وهؤلاء يتأولون كل ما ورد في الكتاب والسنة مما يخالف ذلك، وهو كثير جدًّا، كقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (¬7)، {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} (¬8)، وكما وصف به نفسه من المجيء، والإتيان، والنزول، وغضبه يوم القيامة، ورضاه على أهل الجنة، وتكليمه لموسى ولعباده يوم القيامة (¬9)، وتكلمه بالوحي إذا تكلم به فسمعته الملائكة. ¬

_ (¬1) في س: نوعًا. (¬2) ذكرهما الشيخ -رحمه الله- في: درء تعارض العقل والنقل 4/ 126. (¬3) في س، ط: معنىً وحرف. (¬4) في س: تم. (¬5) في الأصل: قديم. والمثبت من: س، ط. (¬6) في الأصل: لا يقدم. والمثبت من: س، ط. (¬7) سورة الأعراف، الآية: 54. (¬8) سورة البقرة، الآية: 29. (¬9) وتكليمه لموسى ولعباده يوم القيامة: كررت في س.

الأشعري وأصحابه والقاضي أبو يعلى وابن عقيل وابن الزاغوني وغيرهم احتجوا على قدم القرآن بحجتهم المشهورة التي هي أصل المذهب

وهؤلاء جميعًا يحتجون على قدم القرآن، بحجتهم المشهورة التي هي أصل (¬1) المذهب، التي احتج بها الأشعري وأصحابه، والقاضي أبو يعلى (¬2)، وابن عقيل (¬3)، وأبو الحسن الزاغوني (¬4)، وغيرهم، وهي التي تقدم ذكرها (¬5) في بيان أصل الطائفة الأولى عن أبي المعالي، لأنه اعتقد أنه صاغها على وجه يدفع بها بعض الأسئلة، وقد ذكرنا ذلك، ونبين أنه بناها على امتناع حلول الحوادث به، ونحن نذكرها هنا كما ذكرها هؤلاء، فإن هذا مشهور في كلامهم كلهم، وقد اعترف أصحاب الأشعري أن هذه الطريقة هي عمدته، وعمدة غيره من أئمتهم كالقاضي أبي بكر (¬6)، وأبي إسحاق (¬7)، وابن. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) في س: أهل. (¬2) تقدم التعريف به. (¬3) هو: علي بن محمد بن عقيل الفقيه البغدادي أبو الوفاء، أحد الأعلام، وفرد زمانه في العلم والنقل والذكاء، ولد سنة 432 هـ، وتوفي سنة 513 هـ. راجع: طبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 2/ 259. والمنتظم -لابن الجوزي - 9/ 212 - 215. وميزان الاعتدال -للذهبي- 3/ 146. وقد بين شيخ الإسلام -رحمه الله- في كتابه "درء تعارض العقل والنقل 8/ 61 " أنه: "يوجد في كلامه من الكلام الحسن البليغ ما هو معظم مشكور ومن الكلام المخالف للسنة والحق ما هو مذموم مدحور". (¬4) هو: علي بن عبيد الله بن نصر بن عبيد الله بن سهل بن الزاغوني البغدادي الحنبلي أبو الحسن، كان بحرًا من بحور العلم، وصاحب تصانيف كثيرة منها "الإيضاح في أصول الدين" وله مقال في الحرف والصوت عليه فيه مآخذ. توفي سنة 527 هـ. راجع: المنتظم -لابن الجوزي- 10/ 32. وسير أعلام النبلاء -للذهبي - 19/ 605 - 607. وشذارت الذهب -لابن العماد- 4/ 80، 81. (¬5) في س: ذكرهما. (¬6) تقدم التعريف به. (¬7) هو: إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران الإسفراييني أبو إسحاق الملقب بركن الدين، أحد المجتهدين في عصره، ذكر ابن خلكان أن الحاكم قال: أخذ عنه =

فورك (¬1)، وأبي منصور (¬2) على قدم الكلام (¬3). قال (¬4): لو كان كلام الباري حادثًا لم يخل من أن يقوم (¬5) بذات الباري تعالى (¬6) فيكون محلًا للحوادث بمثابة الجواهر، أو يحدث لا في محل وذلك محال، لأنه يؤدي إلى إبطال التفرقة بين ما يقوم بنفسه وبين ¬

_ = الكلام والأصول عامة شيوخ نيسابور، له مصنفات منها: "جامع الحلي في أصول الدين"، و"الرد على الملحدين" في خمسة مجلدات. توفي سنة 418 هـ. راجع: وفيات الأعيان -لابن خلكان- 1/ 28. وسير أعلام النبلاء -للذهبي - 17/ 353 - 355. ومعجم المؤلفين -لكحالة- 1/ 83. (¬1) تقدم التعريف به. (¬2) تقدم التعريف به. (¬3) هذه الحجة التي أشار إليها الشيخ -رحمه الله- وبين أنها عمدة الأشعري وأصحابه وهي قولهم: لو كان كلام الله حادثًا، لم يخل من أن يقوم بذات الباري، ويلزم من هذا أن يكون الله محلًا للحوادث، وهذا مستحيل. أو يحدث لا في محل، وهذا محال -أيضًا- لأنه يؤدي إلى التفرقة بين ما يقوم بنفسه وما لا يقوم بنفسه. . . ذكرها القاضي أبو بكر في "التمهيد" ص: 237، 238. وأشار إليها ابن فورك في "مشكل الحديث وبيانه" ص: 469 - 475. (¬4) القائل: أبو المعالي الجويني، ولم أقف على هذا النقل، وقد بين أبو المعالي في "الشامل في أصول الدين" ص: 539: أن العمدة في المسألة على أن ما يقبل الحوادث لا يخلو منها. وقال في "الإرشاد" ص: 25: "الدال على استحالة قيام الحوادث بذات الرب -سبحانه وتعالى- أنه لو قامت به لم يخل عنها، وذلك يفضي لحدثه". وانظر: العقيدة النظامية -للجويني- ص: 27. وذكر نحو ما أورده الشيخ -رحمه الله- هنا أبو منصور عبد القاهر البغدادي في كتابه "أصول الدين" ص: 106، 157. (¬5) في الأصل: يكون. والمثبت من: س، ط. (¬6) في س: يقال.

ما لا يقوم بنفسه، على أن في نفي المحل نفي اختصاصه، [إذ أليس (¬1) اختصاصه به -سبحانه- أولى من اختصاصه] (¬2) بغيره، وإن حدث في محل آخر وقام به كان كلامًا لذلك المحل، وكان المحل به متكلمًا آمرًا ناهيًا، لأن كل قائم بمحل اختص به اختصاصًا يجب أن يضاف إليه عند العبارة بأخص أوصافه، يشتق له أو للجملة التي المحل منها وصف منه إما من أخص (¬3) وصفه أو أعم [أوصافه] (¬4) أو من معناه، أو يصح إضافته إليه بأخص وصفه فإذا لم يكن ذلك بطل أن يخلق كلامه في محل، وإذا بطلت هذه الأقسام بطل كونه حادثًا. وقال طائفة: منهم القاضيان: أبو علي بن [أبي موسى] (¬5)، ¬

_ (¬1) في ط: إذ ليس. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من: الأصل. (¬3) في الأصل: اختص. والمثبت من: س، ط. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬5) ما بين المعقوفتين بياض في جميع النسخ. ولعل ما أثبته هو الصواب. هو: القاضي أبو علي محمد بن أحمد بن أبي موسى الهاشمي البغدادي، أحد فقهاء الحنابلة، كان ثقة، وله تصانيف في مذهب الإمام أحمد، وكان يقول: القرآن كلام الله، وصفة من صفات ذاته غير مخلوق ولا محدث، توفي سنة 428 هـ. انظر: تاريخ بغداد -للبغدادي- 1/ 354. وطبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى - 2/ 182 - 186. والوافي بالوفيات للصفدي- 2/ 63، 64. وقد ذكر الشيخ -يرحمه الله- في درء تعارض العقل والنقل 8/ 98 - أن كثيرًا من متكلمة أهل الحديث كأبي الحسن بن الزاغوني، وأبي بكر بن العربي، يحكون الإجماع على امتناع قيام الحوادث به. قال: "وأظن أن أبا علي بن أبي موسى ذكر ذلك، وهذا من جملة الإجماعات التي يطلقها من يطلقها بحسب ما ظنه. وسوف يذكر الشيخ في ص: 492 أن أبا علي وأبا الحسن الزاغوني ظنًّا أن الأمة قاطبة اتفقت على أنه لا يقوم به الحوادث، وجعلوا ذلك الأصل الذي اعتمدوه، وهذا نظير الإجماعات الباطلة المدعاة في الكلام وغيره، وهذا يرجح =

وأبو يعلى، وابن عقيل، وأبو الحسن الزاغوني -وهذا لفظه (¬1) -. قال: والطريق الثاني المعقول، وفيه أدلة نذكر منها الجلي من معتمداتها، فمن ذلك نقول (¬2): لو كان كلام الله مخلوقًا، لم يخل أن يكون مخلوقًا في محل أو لا في محل، فإن كان في محل، فلا يخلو أن يكون محله ذات الباري سبحانه، أو ذاتًا (¬3) غير ذاته مخلوقة، ومحال أن يكون خلقه الله في ذاته، لأن ذلك يوجب كون ذاته -تعالى- محلًا للحوادث، وهذا محال اتفقت الأئمة قاطبة على إحالته. ومحال أن يكون في محل هو ذات غير ذاته- تعالى، لأن ذلك ¬

_ = أن ما أثبته هو الصواب- إن شاء الله. إضافة إلى أن من ورد ذكرهم من علماء الحنابلة وما أثبته أحدهم. وقد جاء ترتيبهم على حسب قدم وفاة كل منهم. فالقاضي أبو يعلى توفي سنة 458 هـ، وابن عقيل سنة 513 هـ، وابن الزاغوني سنة 527 هـ. يضاف إلى ما تقدم موافقته لأبي الحسن الأشعري في بعض المسائل. انظر: الدرء- 3/ 322، 324، 325، 7/ 74، 10/ 233. (¬1) أي: لفظ الجويني. (¬2) في هامش س: قف على كلام الإمام أبي الحسن ابن الزاغوني -رحمه الله تعالى-. وقد ذكر الشيخ -رحمه الله- في كتابه "درء تعارض العقل والنقل 2/ 244، 245 " أن هذه هي الطريقة المعروفة التي سلكها الأشعري وأصحابه في مسألة القرآن، ومن وافقهم على هذا الأصل من أصحاب أحمد، والشافعي ومالك، وأبي حنيفة. وقد سبقهم إلى هذا التقسيم: عبد العزيز الكناني -صاحب الحيدة- ثم قال رحمه الله: "وقد يظن الظان أن كلامهم هو كلامه بعينه، وأنه كان يقول بقولهم، وأن الله لا يقوم بذاته ما يتعلق بقدرته ومشيئته، وأن قوله من جنس قول ابن كلاب، وليس الأمر كذلك. . ". (¬3) في الأصل: ذاة. وفي س: ذات. والمثبت من: ط.

يوجب أن يكون كلامًا لتلك الذات ولا يكون كلامًا لله -تعالى- ولأنه لو جاز أن يكون كلامًا لله -تعالى- يقال له كلامه وصفته، لجاز أن يقال مثل ذلك في سائر الصفات، مثل الكون واللون والحركة والسكون والإرادة، إلى غير ذلك من الصفات، وهذا مما اتفقنا (¬1) على بطلانه. ومحال أن يكون خلقه لا في محل من جهة أن الكلام صفة، والصفات لا بد لها من محل تقوم به، ولو جاز أن يقال: كلام الله لا في محل، لجاز أن يقال: إرادة وحركة وشهوة وفعل ولون لا في محل، وهذا مما يعلم إحالته قطعًا، وإذا بطلت هذه الأقسام ثبت أنه غير مخلوق. ثم قال (¬2): قالوا: قد وصفنا (¬3) الباري بأشياء حدثت في غيره، ألا ترى أنا نصفه بأنه محسن بإحسان أحدثه في حق عباده، ونصفه بأنه كاتب لوجود كتابة أحدثها في اللوح المحفوظ، فما كان يمتنع بأن (¬4) يكون ها هنا مثله؟ قلنا: الإحسان صفة قائمة بنفس المحسن، وليس (¬5) توقف وصفه بهذه الصفة على وجود الإحسان منه، وإذا ظهر إحسانه على خلقه كان ¬

_ (¬1) في ط: اتفقنا. (¬2) أورد نحوه البغدادي في "أصول الدين" ص: 107، فقال: "فإن قالوا: أليس قد يحدث الله تعالى في غيره نعمة وفعلًا وفضلًا، ويكون هو المنعم المتفضل الفاعل به، دون المحل الذي وقع فيه الفعل والنعمة والفضل، فما أنكرتم أنه يحدث -أيضًا- كلامًا في غيره فيكون هو المتكلم به دون المحل. . . قيل: إن الأوصاف الصادرة من خصوص أوصاف هذه الأفعال راجعة إلى محلها، لأن الفعل أو النعمة أو الفضل إن كان حياة فالمحل بها هي وإن كان قدرة أو علمًا أو لذة أو حركة فالمحل بها قادر عالم أو ملتذ متحرك، كذلك خصوص أوصاف الكلام يجب أن يرجع إلى محله دون فاعله". (¬3) في س، ط: وصفت. (¬4) في س، ط: أن. (¬5) في س: لئن.

أبو المعالي لئلا ترد عليه المعارضات لم يلتزم أن الصفة إذا قامت بمحل عاد حكمها على ذلك المحل

ذلك أثر (¬1) وصفه بالإحسان، لأن ما فعله هو صفته، وجرى ذلك مجرى وصفه بأنه صانع، فإنه يوصف بذلك، لأنه عالم بحقيقة المصنوع، لا أن الصنعة (¬2) هي المصنوع، وكذلك القول في وصفه بأنه كاتب، لأن الكتابة تجري مجرى الصنعة (¬3) في أنها نوع من أنواع العلوم بكيفيات المنفعل في إيجاد فعله، وذلك أمر غير المصنوع وهذا بين واضح. قلت: هذا الإلزام (¬4) بالمحسن والكاتب والعادل والخالق ونحو ذلك، هو إلزام مشهور للمعتزلة على قول أهل الإثبات، باطنه أن المتكلم لا بد أن يقوم به الكلام، فألزموهم أسماء الأفعال، وهذا السؤال هو الذي ضعضع هذه الحجة عند أبي المعالي الجويني والرازي وغيرهم، لما ألزمهم (¬5) المعتزلة بذلك، ولهذا عدل عنها أبو المعالي إلى أن قال (¬6): قد حصل الاتفاق على أنه سبحانه متكلم بكلامه، وأنه لا بد من ضرب من الاختصاص في إضافة الكلام إليه، ثم الاختصاص: إما اختصاص قيام، وإما أن يكون اختصاص فعل بفاعل، والثاني باطل، لأنه لا فرق بين خلق الأجسام وأنواع الأعراض، وبين خلق الكلام، في أنه لا يرجع إلى القديم سبحانه صفة حقيقة من جميع ما خلقه. قلت: فهو في هذا لم يلتزم أن الصفة إذا قامت بمحل عاد حكمها على ذلك المحل، لئلا ترد عليه المعارضات، لكن قال: يزول ¬

_ (¬1) كلمة: أثر. ساقطة من: س. (¬2) في س: لأن الصفة. وفي ط: لا أن الصفة. (¬3) في س: الصفة. (¬4) في الأصل، س: لا لزام. (¬5) في الأصل: ألزموهم. والمثبت من: س، ط. (¬6) انظر نحوه في "الإرشاد" لأبي المعالي- ص: 111، 118.

الرازي عدل عن تقرير الطريقة المشهورة وأثبت ذلك بطريقة في غاية الضعف وهي الإجماع المركب

الاختصاص، وهذا الذي ذكره في الحقيقة مستلزم (¬1) لذلك وملزوم له، فإن الكلام له اختصاص، فإن لم يكن بفاعله كان بمحله، والمعارضات واردة لا محالة. وأجاب غيره عن أسماء (¬2) العادل والمحسن ونحوهما بأن قالوا: العادل من تمام الأسماء عندنا، لأنه فاعل العدل، وإنما يشترط قيام العدل بالعادل منّالا (¬3) من حيث كان فاعلًا للعدل، بل لخصوص وصف ذلك الفعل، فإن العدل قد يكون حركة أو سكونًا أو نحوهما، فمن ذلك الوجه يجب قيامه به، وكل معنى له ضد فشرط قيامه بالموصوف به، والذي يسمى عدلًا فينا من (¬4) الأفعال، فله ضد وهو الجور، فمن ذلك يجب قيامه بالفاعل منا. قلت: هذه فروق لا حقيقة لها عند التأمل، فإن قيام الكلام بالمتكلم، كقيام الفعل بالفاعل سواء، لا فرق بينهما في الشاهد، ولا في اللغة والاشتقاق، ولا في القياس العقلي، ولهذا عدل الرازي عن تقرير الطريقة المشهورة بأن (¬5) المتكلم من قام به الكلام إذا (¬6) كانت تحتاج إلى هذه المقدمة، وإلى نفي جواز كونه محلًا للحوادث، وأثبت ذلك بطريقة في غاية الضعف، وهي الإجماع الجدلي المركب (¬7). ¬

_ (¬1) في س، ط: يستلزم. (¬2) في س، ط: اسم. (¬3) في "س": مقالًا. (¬4) في س: في. (¬5) في س، ط: من أن. (¬6) في س: إذ. (¬7) أبو عبد الله الرازي، لم يعتمد في مسألة القرآن على الطريقة المعروفة للأشعري، وهي امتناع أن يحدث في نفسه كلام، لكونه ليس محلًا للحوادث، لأنه ضعف هذا الأصل، فلا يمكنه أن يبني عليه، وإنما أثبت ذلك بإجماع مركب فقرر أن الكلام له معنى غير العلم والإرادة، خلافًا للمعتزلة ونحوهم، =

والمعتزلة طردوا هذا الأصل الفاسد لهم في مسائل الصفات والقدر، فجعلوه موصوفًا بمفعولاته القائمة بغيره، حتى قالوا: من فعل الظلم فهو ظالم، ومن فعل السفه فهو سفيه، ومن فعل الكذب فهو كاذب، ونحو ذلك، فكل هذا باطل، بل الموصوف بهذه الأسماء من قامت به هذه الأفعال، لا من جعلها دعلًا لغيره أو قائمة بغيره. والأشعرية عجزوا عن مناظرتهم في هذا المقام، في مسألة القرآن، ومسائل القدر، بكونهم سلموا لهم أن الرب لا تقوم به صفة فعلية، فلا يقوم به عدل ولا إحسان ولا تأثير أصلًا (¬1)، لزمهم أن يقولوا: هو موصوف بمفعولاته، فلا يجب أن يكون القرآن قائمًا به، ويكون مسمى بأسماء القبائح التي خلقها. لكن أبو محمد بن كلّاب يقول (¬2): لم يزل كريمًا جوادًا، فهذا قد ¬

_ = وإذا كان كذلك فكل من قال بذلك قال: إنه معنى واحد قديم قائم بذات الله تعالى فلو لم يقل بذلك لكان خلاف الإجماع فهذا هو العمدة التي اعتمد عليها في كتابه "نهاية العقول في دراية الأصول -مخطوط- اللوحة: 131. يقول شيخ الإسلام -رحمه الله- بعد ذكره لما تقدم: "وهو ضعيف، فإن الأقوال في المسألة متعددة غير قول المعتزلة والكلابية". راجع: درء تعارض العقل والنقل 2/ 324. وانظر: جامع الرسائل -لابن تيمية- 2/ 9. (¬1) فهم يفرقون بين صفات الذات وصفات الأفعال، فعندهم أن قوله: إني خالق رازق عادل محسن، صفات ذات وهي غير صفات الأفعال المحدثة كالخلق والرزق والعدل والإحسان لأنها قد كانت موجودة مع عدمها، فوجب أن يدل ذلك على تغايرها لأنفسها. انظر: التمهيد -لأبي بكر بن الباقلاني- ص: 215. (¬2) ذكر الأشعري في "المقالات 1/ 257، 260 ": "أن عبد الله بن كلاب قال: إن الوصف لله بأنه كريم ليس من صفات الفعل وإن الله لم يزل جوادًا، وأثبت الجود صفة لله، لا هي هو، ولا هي غيره.

سائر أهل الإثبات من أهل الحديث والفقه والتصوف والكلام يقولون: إن الرب تقوم به الأفعال

يجب [عن صفة] (¬1) الإحسان (¬2) وحدها بذلك. وأما سائر أهل الإثبات من أهل الحديث والفقه والتصوف والكلام، من المرجئة والشيعة والكرامية وغيرهم، فيقولون: إن الرب تقوم به الأفعال، فيتصف به طردًا لما (¬3) ذكر في الكلام، وأن الفاعل من قام به الفعل، فالعادل والمحسن من قام به العدل والإحسان، كما أشرنا إلى هذا فيما تقدم، وبهذا (¬4) أجاب القاضي (¬5) وأبو الحسن بن الزاغوني وغيرهم، فجواب (¬6) هؤلاء للمعتزلة جيد (¬7)، لكن تنازع هؤلاء هل ما يقوم به يمتنع تعلقه بمشيئته وقدرته؟ فالقاضي وابن الزاغوني وغيرهم، مشوا على أصلهم في امتناع قيام الحوادث به، ولكن تفسيرهم للصانع والكاتب بالعالم، ليس بمستقيم على هذا الأصل، فإنه إذا جاز أن تفسر (¬8) الأفعال بالعلم قيل مثل ذلك في الجميع فبطل الأصل، بل الكتابة والصنعة (¬9) فعل يقوم به وإن استلزم العلم، وهل يجب أن يكون قديمًا لا يتعلق بمشيئته وقدرته؟ أو يجوز أن يكون من ذلك ما يتعلق ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬2) في الأصل: الإنسان. والمثبت من: س، ط. (¬3) في ط: لماء. (¬4) في الأصل، س: ولهذا. والمثبت من: ط. (¬5) لعله: القاضي أبو علي بن أبي موسى، وتقدم الكلام عليه. (¬6) في الأصل: وغيرهم مشوا على أصلهم في امتناع فجواب. . . وهو سهو من الناسخ. أما عبارة "مشوا على أصلهم في امتناع" سوف ترد بعد سطر في مكانها المناسب. (¬7) في جميع النسخ: "هؤلاء المعتزلة جيد" ولعل الصواب ما أثبته. فالإشارة ترجع إلى القاضي وابن الزاغوني وغيرهم، لا إلى المعتزلة. (¬8) في الأصل: أن تفسير. (¬9) في س: الصفة.

بمشيئته وقدرته؟ على القولين في الكلام والأفعال (¬1). وقد ظن من ذكر من هؤلاء كأبي علي وأبي الحسن بن الزغواني، أن الأمة قاطبة اتفقت على أنه لا تقوم به الحوادث، وجعلوا ذلك الأصل الذي اعتمدوه، وهذا مبلغهم من العلم (¬2)، وهذا الإجماع نظير غيره من الإجماعات (¬3) الباطلة المدعاة في الكلام وغيره (¬4) -وما أكثرها- فمن تدبر (¬5) وجد عامة المقالات الفاسدة يبنونها على مقدمات لا تثبت إلّا بإجماع مدعى أو قياس، وكلاهما عند التحقيق يكون باطلًا. ثم إن من العجب أن بعض متكلمة أهل الحديث، من أصحاب أحمد وغيرهم (¬6)، يدعون مثل هذا الإجماع، مع النصوص الكثيرة عن أصحابهم بنقيض ذلك، بل عن إمامهم وغيره (¬7) من الأئمة، حتى في لفظ الحركة والانتقال بينهم في ذلك نزاع مشهور، وقد أثبت ذلك [طوائف] (¬8) مثل ابن حامد (¬9) وغيره، وقد ذكر إجماع أهل السنة على ¬

_ (¬1) سوف يذكرهما الشيخ -رحمه الله- في ص: 499. وانظرهما في درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية 2/ 18 - 20، 256، 257. (¬2) ذكر الشيخ -رحمه الله- حكاية ابن الزاغوني والقاضي وغيرهما للإجماع على امتناع قيام الحوادث به في درء تعارض العقل والنقل 8/ 98، ثم قال: "وهذا من جملة الإجماعات التي يطلقها من يطلقها بحسب ما ظنه وهذا لأن هذه أقوال مجملة، قد يفهم منها ما هو باطل بالإجماع والمطلقون لها أدرجوا فيها معاني كثيرة، لا يفهمها إلا خواص الناس". (¬3) في الأصل: الإجماع. والمثبت من: س، ط. (¬4) في س، ط: ونحوه. (¬5) في س، ط، تدبرها. (¬6) غيرهم: مكررة في: س. (¬7) في الأصل: وغيرهم. والمثبت من: س، ط. (¬8) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬9) هو: الحسن بن حامد بن علي بن مروان البغدادي الوراق، أبو عبد الله، شيخ =

ذلك حرب الكرماني (¬1)، وعثمان بن سعيد الدارمي (¬2) وغيرهما من علماء السنة المشهورين. فليتدبر العاقل ما وقع في هذه الأصول من الاضطراب، وليحمد الله على الهداية، وليقل: ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا للإيمان ¬

_ = الحنابلة ومفتيهم في زمانه، وهو أكبر تلامذة أبو بكر غلام الخلال، له مصنفات منها "الجامع" في الفقه الحنبلي، وشرح أصول الدين، توفي سنة 403 هـ. راجع: سير أعلام النبلاء -للذهبي- 17/ 203، 204. والمنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد 2/ 98 - 101. والأعلام -للزركلي- 2/ 201. (¬1) تقدم التعريف به. (¬2) تقدم التعريف به. يقول شيخ الإسلام -رحمه الله- في كتابه "درء تعارض العقل والنقل" 2/ 7، ما نصه: "وأئمة السنة والحديث على إثبات النوعين - يشير -رحمه الله- إلى القولين في الكلام والأفعال، وقد أشار إليهما الشيخ -رحمه الله- قبل قليل-، وهو الذي ذكره عنهم من نقل مذهبهم، كحرب الكرماني، وعثمان بن سعيد الدارمي، وغيرهما، بل صرح هؤلاء بلفظ الحركة، وإن ذكر هو مذهب أئمة السنة والحديث من المتقدمين والمتأخرين، وذكر حرب الكرماني: أنه قول من لقيه من أئمة السنة كأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهوية، وعبد الله بن الزبير الحميدي، وسعيد بن منصور". "وقال عثمان بن سعيد وغيره: إن الحركة من لوازم الحياة، فكل حي متحرك، وجعلوا نفي هذا من أقوال الجهمية نفاة الصفات الذين اتفق السلف والأئمة على تضليلهم وتبديعهم". "وطائفة أخرى من السلفية، كنعيم بن حماد الخزاعي، والبخاري صاحب الصحيح، وأبي بكر بن خزيمة، وغيرهم كأبي عمر بن عبد البر وأمثاله يثبتون المعنى الذي يثبته هؤلاء، ويسمون ذلك فعلًا ونحوه". ومن هؤلاء من يمتنع عن إطلاق لفظ الحركة، لكونه غير مأثور. وأصحاب أحمد منهم من يوافق هؤلاء كأبي عبد العزيز، وأبي عبد الله بن بطة، وأمثالهما". "ومنهم من يوافق الأولين، كأبي عبد الله بن حامد، وأمثاله". ومنهم طائفة ثالثة -كالتميميين وابن الزاغوني وغيرهم- يوافقون النفاة من أصحاب ابن كلاب وأمثالهم".

ولا تجعل في قلوبنا غِلًا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم، ولكن نعرف أن هذه الحجة تبين فساد قول الجهمية من المعتزلة (¬1) الذين يقولون: خلق الله كلامه في محل، فما ذكروه يبين فساد هذا القول، الذي اتفق (¬2) سلف الأمة وأئمتها على ضلالة قائله، بل ذلك عند من يعرف ما جاء به الرسول معلوم الفساد بالاضطرار من دين الإسلام، ولكن هذا يسلم ويطرد لمن جعل الأفعال قائمة به، وجعل صفة التكوين قائمة به، ولهذا انتقضت على الأشعرية دون الجهمية (¬3)، ويبين أن كلام الله قائم به، وهذا حق. وأما كونه لا يتكلم إذا شاء، ولا يقدر أن يتكلم بما شاء، فهذا لا يصح إلّا بما ابتدعته الجهمية من قولهم: لا يتحرك، ولا تحل به الحوادث، وبذلك نفوا أن يكون استوى على العرش بعد أن لم يكن مستويًا، وأن يجيء يوم القيامة، وغير ذلك مما وصف به نفسه في الكتاب والسنة. وأما قول هؤلاء (¬4): لو خلقه في نفسه لكانت ذاته محلًا للحوادث، فالذين يقولون: إنه يتكلم إذا شاء لا يقولون: إنه يخلق في نفسه شيئًا، إذ (¬5) الخلق هو فعل -أيضًا- قائم به عندهم بمشيئته، فلا يكون للخلق خلق آخر، وإلّا لزم الدور والتسلسل، ولهذا لم يقل أحد ¬

_ (¬1) في س، ط: المعتزلة وغيرهم. (¬2) في جميع النسخ: اتفقت. ولعل ما أثبت يناسب السياق. (¬3) في ش، ط: الجمهور. لأن الأشعرية تقول: المتكلم من قام به الكلام، والجهمية والمعتزلة يقولون: المتكلم من فعل الكلام. (¬4) القاضي أبو علي وابن الزاغوني وغيرهم. (¬5) في س: إذا.

إذا تدبر اللبيب النزاع بين الذين يقولون: هو مخلوق أو محدث والذين يقولون: هو قديم لا يتعلق بمشيئته وقدرته، وجد أن كل طائفة تقيم الحجج على إبطال قول خصمها

ممن قال بذلك: إن كلامه مخلوق، بل كل من قال: إن (¬1) كلامه مخلوق، فإنما مراده أنه يخلقه منفصلًا عنه، والسلف علموا أن هذا مرادهم، فجعلوا يبينون فساد (¬2) ذلك، كقول مالك وأحمد وغيرهما: كلام الله من الله، ولا يكون من الله شيء مخلوق (¬3)، وقولهم: كلام الله من الله ليس ببائن عنه، وقول أحمد لمن سأله: أليس كلامك (¬4) منك؟ قال: بلى، قال: فكلام الله من الله (¬5)، ومثل هذا كثير في كلامهم، فلو أن المحتج قال: اتفق المسلمون على أنه لا يخلق في ذاته شيئًا، ¬

_ (¬1) في س: إنه. (¬2) في س: فساد قول. (¬3) انظر: السنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل- ص: 25. وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة- للالكائي- 2/ 272. (¬4) في الأصل: كلامنا. والمثبت من: س، ط. والمعنى: أن ابتداء كلامك منك، وأنت مخلوق، فكلامك إذًا مخلوق. (¬5) أخرجه الخلال في السنة (المسند من مسائل أبي عبد الله أحمد بن حنبل)، اللوحة: 160. أن أحمد بن الحسن الترمذي قال: سألت أحمد، فقلت: يا أبا عبد الله قد وقع من أمر القرآن ما قد وقع، فإن سئلت عنه ماذا أقول؟ فقال لي: ألست مخلوقًا؟ قلت: نعم. فقال: أليس كل شيء منك مخلوق؟ قلت: نعم. قال: فكلامك أليس هو منك وهو مخلوق؟ قلت: نعم. قال: وكلام الله -عزَّ وجلَّ- أليس هو منه؟ قلت: نعم. قال: فيكون من الله شيء مخلوق؟! انظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة- للالكائي- 1/ 263، 264.

لكان هذا كلامًا صحيحًا، فإن أحدًا لم يطلق عليه أنه يخلق في نفسه شيئًا -فيما أعلم- بخلاف اللفظ الذي ادعاه، فإن النزاع فيه [من] (¬1) أشهر الأمور، والذين أثبتوا ذلك أكثر من الذين نفوه من أهل الحديث وأهل الكلام جميعًا، ولكن اتفاق الأمة -فيما أعلم- على (¬2) أنه لا يخلق في نفسه شيئًا يبطل مذهب المعتزلة، ولا يدل على أنه قديم لا يتعلق بمشيئته وقدرته ولعل هذه هي (¬3) حجة عبد العزيز الكناني (¬4). ولهذا النزاع العظيم بين الذين يقولون (¬5): هو مخلوق أو محدث، بمعنى أنه أحدثه في غيره، والذين يقولون (¬6): هو قديم لا يتعلق بمشيئته وقدرته، إذا تدبره اللبيب، وجد كل طائفة أنما تقيم الحجج على إبطال ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬2) على: ساقطة من: س، ط. (¬3) هي: ساقطة من: ط. (¬4) احتج عبد العزيز الكناني على بشر بحجتين عقليتين هما: إحداهما: "أنه لو كان كلام الله مخلوقًا، ولم يخلقه في غيره ولا خلقه قائمًا بنفسه: لزم أن يكون مخلوقًا في نفس الله، وهذا باطل. وثانيهما: أن المخلوقات المنفصلة عن الله خلقها الله بما ليس من المخلوقات: إما القدرة -كما أقر به بشر- وإما فعله وأمره وإرادته -كما قال عبد العزيز. وعلى التقديرين: ثبت أنه كان قبل المخلوقات من الصفات ما ليس بمخلوق، فبطل أصل قول بشر والجهمية: إنه ليس لله صفة، وإن كل ما سوى الذات المجردة فهو مخلوق، وتبين أن الذات يقوم بها معان ليست مخلوقة، وهذه حجة مثبتة الصفات القائلين بأن القرآن كلام الله غير مخلوق على من نفى الصفات وقال بخلق القرآن، فإن كل من قال بنفي الصفات لزمه القول بخلق القرآن". راجع: درء تعارض العقل والنقل -لابن تيمية- 2/ 256. وانظر: إلزام عبد العزيز الكناني لبشر أمام المأمون في كتابه "الحيدة" ص: 126 - 131. (¬5) وهم: الجهمية والمعتزلة ومن وافقهم. (¬6) وهم: الأشاعرة والكلابية ومن وافقهم.

تنازع أصحاب الإمام أحمد كما تنازع غيرهم في الأفعال القائمة بذاته هل هي متعلقة بمشيئته وقدرته على قولين

قول خصمها، لا على صحة قولها. أما الذين ينفون الخلق عنه (¬1)، فأدلتهم عامتها مبنية على أنه لا بد من قيام الكلام به، وأنه يمتنع أن يكون متكلمًا بكلام لا يقوم إلا بغيره وهذا أصل صحيح وهو من أصول السلف الذين بينوا [به] (¬2) فساد قول الجهمية. وأما الذين قالوا: مخلوق فليس لهم حجة إلّا ما يتضمن أنه متعلق بمشيئته وقدرته، وأن ذلك يمنع كونه قديمًا، وذلك كقوله: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا} (¬3) {وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ} (¬4)، {أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ} (¬5)، لا يكون إلّا بعد وجود المخبر عنه وإلّا كان كذابًا، لأنه إخبار عن الماضي، وكذلك إخباره عن أقوال الأمم المتقدمة، ومخاطبة (¬6) بعضهم بعضًا بقوله: قالوا، وقالوا كذلك، فهذا لا يكون إلّا بعد وجود المخبر عنه. وقولهم (¬7): إنه موصوف بأنه مجعول عربيًّا، وإنه أحكمت آياته ثم فصلت، وهذا إخبار بفعل منه تعلق به، وذلك يوجب تعلقه بمشيئته وقدرته، وقد نص أحمد على أن (الجعل) فعل من الله غير (الخلق) كما تقدم ذكر لفظه (¬8). وقد حققوا (¬9) ذلك بأن الله ذكر أنه جعله عربيًّا على وجه الامتنان علينا به، والامتنان إنما يكون بفعله المتعلق بمشيئته وقدرته، لا بالأمور ¬

_ (¬1) في س، ط: عنهم. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬3) سورة نوح، الآية: 1. (¬4) سورة النساء، الآية: 163. (¬5) سورة يونس، الآية: 13. (¬6) في س: مخاطبتهم. (¬7) في س: قوله. (¬8) راجع: ص: 303. وانظر: الرد على الجهمية للإمام أحمد ص: 108، 109. (¬9) في س: حقوا.

اللازمة لذاته، ومن خالف ذلك أجابوا بجواب ضعيف، كقول ابن الزاغوني: جعلناه: أي أظهرناه وأنزلناه. فيقال لهم: يكفي في ذلك أن يقال: أنزلناه قرآنًا عربيًّا، فإنه عندكم لا يقدر على أن ينزله ويظهره غير عربي، ولا يمكن ذلك، فإذا كان ذلك ممتنعًا لذاته فكيف يمتن بترك فعله؟ وإنما الممكن أن ينزله أو لا ينزله، أما أن ينزله عربيًّا وغير عربي، فهذا ممتنع عندهم، وقد قال تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} (¬1) فعلم أن جعله عجميًّا كان ممكنًا، وعندهم ذلك غير ممكن، وهذا -أيضًا- حجة على من جعل العبارة مخلوقة منفصلة عن الله، لأنه جعل القرآن نفسه عربيًّا وعجميًّا، وعندهم لا يكون ذلك إلّا في العبارة المخلوقة، لا في نفس القرآن الذي هو غير مخلوق، وعندهم (¬2) المعنى الذي عبارته عربية هو الذي عبارته سريانية (¬3) وعبرانية (¬4)، فإن جاز أن يقال: هو عربي لكون عبارته كذلك، كان كلام الله هو عربي عجمي سرياني عبراني، لأن الموصوف بذلك شيء واحد عندهم (¬5). وكتاب الله يدل على أن كلامه يقدر أن يجعله عربيًّا، وأن يجعله ¬

_ (¬1) سورة فصلت، الآية: 44. (¬2) في س: عند. (¬3) السريانية: إحدى اللغات السامية وأقرب اللغات إلى اللغة الآرامية، بل هي فرع عنها، ولمعرفة أصل هذه اللغة وتتطورها يراجع: السريانية -نحوها وصرفها - د. زاكية رشدي- ص: 9 - 27. تاريخ اللغات السامية- د. إسرائيل ولفنسون - ص: 145 - 160. (¬4) العبرانية: لغة اليهود والمتكلم بها يقال له: عبراني. وهي فرع من اللغات السامية. وعن هذه اللغة وتاريخها يراجع: تاج العروس -للزبيدي- 3/ 377 (عبر). واللغة العبرية -قواعد ونصوص- د. رمضان عبد التواب. ودائرة معارف القرن الرابع عشر (العشرين) -محمد فريد وجدي- 6/ 89. (¬5) في س، ط: عندهم شيء واحد.

المنصوص عن الإمام أحمد وغيره يوافق القول بأن الأفعال القائمة بذاته تتعلق بمشيئته وقدرته

عجميًّا، وهو متكلم به ليس مخلوقًا منفصلًا عنه. وأما أئمة أهل الحديث والفقهاء والصوفية وطوائف أهل الكلام الذين خالفوا المعتزلة قديمًا من المرجئة والشيعة ثم الكرامية وغيرهم فيخالفون في ذلك، ويجعلون هذه الأفعال القائمة بذاته متعلقة بمشيئته وقدرته. وأصحاب الإمام أحمد قد تنازعوا في ذلك (¬1) كما تنازع غيرهم، وذكر أبو بكر عبد العزيز عنهم في المقنع قولين (¬2). وحكى الحارث المحاسبي (¬3) القولين (¬4) عن أهل السنة، ولكن المنصوص الصريح عن الإمام أحمد وغيره من أئمة السنة يوافق هذا ¬

_ (¬1) أشار إلى هذا النزاع شيخ الإسلام -رحمه الله- في درء تعارض العقل والنقل: 2/ 18 , 19. (¬2) القولان ذكرهما الشيخ -رحمه الله- في درء تعارض العقل والنقل- 2/ 18 - وبين أن أبا بكر ذكرهما في كتاب "الشافي" فقال: "وقد ذكر أبو بكر عبد العزيز في كتاب "الشافي" عن أصحاب أحمد في معنى أن القرآن مخلوق قولين مبنيين على هذا الأصل: أحدهما: أنه قديم لا يتعلق بمشيئته وقدرته. وثانيهما: أنه لم يزل متكلمًا إذا شاء". أقول: أبو بكر عبد العزيز بن جعفر غلام الخلال له كتاب "المقنع" وتقدم الكلام عليه ص: 333، وله "الشافي "، ولعله ذكر فيهما القولين عن أصحاب الإمام أحمد -رحمه الله. (¬3) هو: الحارث بن أسد المحاسبي، أبو عبد الله، من كبار الصوفية، هجره الإمام أحمد وأمر أصحابه بهجره لأنه تكلم بشيء من الكلام. توفي ببغداد سنة 243 هـ. راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 8/ 211 - 216. وميزان الاعتدال -للذهبي - 1/ 430، 431. وشذارت الذهب -لابن العماد- 2/ 103. (¬4) ذكر الحارث في كتاب "فهم القرآن" ص: 245، عن أهل السنة في هذه المسألة قولين: ورجح قول ابن كلاب، وذكر ذلك في قوله تعالى {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} 105 / التوبة.

القول، كما ذكرناه من كلامه في الرد على الجهمية (¬1)، فإن الجهمي لما قال: إن الله لم يتكلم ولا يتكلم، فنفى المستقبل كما نفى الماضي. قال أحمد (¬2): فكيف يصنعون بحديث عدي بن حاتم؟ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما منكم من أحد إلّا سيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان" (¬3). ثم قال أحمد: والجوارح إذا شهدت على الكافرين [فقالوا: لم شهدتم علينا] (¬4) {قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} (¬5) أتراها نطقت بجوف وشفتين وفم ولسان؟ ولكن الله أنطقها كما شاء، فكذلك تكلم الله كيف شاء، من غير أن نقول: جوف ولا فم ولا شفتان ولا لسان. فذكر أن الله يتكلم كيف [يشاء] (¬6)، ومن يقول بالأول يقول: إن تكلمه لا يتعلق بالمشيئة، إذ لا يتعلق بالمشيئة عندهم إلّا المحدث، الذي هو مخلوق منفصل. ثم قال (¬7) أحمد: (وحديث الزهري قال: لما سمع موسى كلام ربه قال: يا رب هذا الكلام (¬8) الذي سمعته هو كلامك؟ قال: نعم يا موسى هو كلامي، وإنما كلمتك بقوة عشرة آلاف لسان، ولي قوة الألسن كلها، وأنا أقوى من ذلك، وإنما كلمتك على قدر ما يطيق بدنك (¬9)، ولو كلمتك بأكثر من ذلك لمت. ¬

_ (¬1) الرد على الجهمية والزنادقة -للإمام أحمد- ص: 130، 131. (¬2) في الرد على الجهمية والزنادقة- ص: 131. (¬3) سبق تخريجه ص: 307. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والرد على الجهمية. (¬5) سورة فصلت، الآية: 21. (¬6) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬7) الرد على الجهمية والزنادقة ص: 132. (¬8) الكلام: ساقطة من: الرد على الجهمية والزنادقة. (¬9) في ط: تطيق بذلك. وهو خطأ.

قال: فلما رجع موسى إلى قومه قالوا (¬1): صف لنا كلام ربك، فقال: سبحان الله!! وهل أستطيع أن أصفه لكم؟. قالوا: فشبهه، قال: أسمعتم (¬2) الصواعق التي تقبل في أحلى حلاوة سمعتموها، فكأنه مثله (¬3). فقوله: إنما كلمتك بقوة عشرة آلاف لسان، أي: لغة، ولي قوة الألسن كلها، أي: اللغات كلها، وأنا أقوى من ذلك (¬4). فيه بيان أن الكلام يكون بقوة الله وقدرته، وأنه يقدر أن يتكلم بكلام أقوى من كلام، وهذا صريح في قول هؤلاء، كما هو صريح في أنَّه كلمه بصوت، وكان (¬5) يمكنه أن يتكلم بأقوى من ذلك الصوت، وبدون ذلك الصوت. وكذلك قول أحمد (¬6): وقلنا للجهمية: من القائل يوم القيامة {يَا عِيسَى} (¬7). وقلنا (¬8): فمن القائل: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} (¬9). ¬

_ (¬1) في الرد على الجهمية والزنادقة: قالوا له. (¬2) في الرد على الجهمية: قال: هل سمعتم أصوات الصواعق. . . (¬3) هذا الحديث تقدم. (¬4) بعد كلمة "ذلك" بياض بقدر كلمة في: الأصل، س، ونجمة في: ط. وهو فاصل بين بيانه لمفردات الحديث ووجه الاستشهاد منه. (¬5) في الأصل، س: وكأنه. والمثبت من: ط. (¬6) في الرد على الجهمية والزنادقة ص: 132. (¬7) سورة المائدة، الآية: 116. في الرد على الجهمية: {يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ}. (¬8) في الرد على الجهمية: قلنا. (¬9) سورة الأعراف، الآية: 6. =

فإنه دليل على أنَّه سألهم عن تكليمه في المستقبل [حيث أنكروا أن يكون منه تكليم في المستقبل] (¬1). ثم لما قالوا: يكون (¬2) شيئًا فيعبر عن الله قال (¬3): قلنا: قد أعظمتم على الله الفرية، حيث (¬4) زعمتم أن الله لا يتكلم، فشبهتموه بالأصنام التي تعبد من دون الله، لأن الأصنام لا تتكلم، ولا تتحرك (¬5)، ولا تزول من مكان [إلى مكان] (¬6). فقد حكى عنهم منكرًا عليهم نفيهم عن الله تعالى أن يتكلم، أو يتحرك، أو يزول من مكان إلى مكان. ثم إنه قال (¬7): فلما ظهرت عليه الحجة قال: إن الله قد (¬8) يتكلم، ولكن كلامه مخلوق. فقلنا (¬9): وكذلك بنو آدم كلامهم مخلوق، فقد شبهتم الله تبارك وتعالى بخلقه، حين زعمتم أن كلامه مخلوق، ففي مذهبكم أن الله تعالى [قد] (¬10) كان في وقت من الأوقات لا يتكلم حتَّى خلق التكلم، وكذلك ¬

_ = في الرد على الجهمية: أضاف من الآية (7) {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ}. وبنهاية الآية انتهى ما نقله الشيخ عن الإمام أحمد -رحمهما الله. (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬2) في س، ط: إنما يكون. (¬3) أي: الإمام أحمد -رحمه الله. وهو بداية نقل الشيخ عنه من المصدر السابق ص: 132، 133. (¬4) في س، ط، والرد على الجهمية والزنادقة: حين. (¬5) في جميع النسخ: لا تكلم ولا تحرك. والمثبت من: الرد على الجهمية. . (¬6) ما بين المعقوفتين زيادة من: الرد على الجهمية. وبياض بقدر كلمة في: الأصل، س. ونجمة في: ط. (¬7) الرد على الجهمية والزنادقة - ص: 133. (¬8) قد: ساقطة من: الرد على الجهمية. . (¬9) في الرد على الجهمية: قلنا. (¬10) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والرد على الجهمية.

الذين قالوا: كلامه مخلوق أرادوا أنه لم يكن متكلما حتى خلق الكلام

بنو آدم كانوا لا يتكلمون حتَّى خلق لهم (¬1) كلامًا، فقد (¬2) جمعتم بين كفر وتشبيه، فتعالى الله - جل ثناؤه - عن هذه الصفة، بل نقول: إن الله - جل ثناؤه - لم يزل متكلمًا إذا شاء، ولا نقول: إنه كان ولا يتكلم حتَّى خلق [فتكلم] (¬3)، ولا نقول: إنه قد كان لا يعلم حتَّى خلق فعلم (¬4) ولا نقول: إن الله قد (¬5) كان ولا قدرة (¬6) حتَّى خلق لنفسه قدرة (¬7). فهذا من كلامه يبين أن أولئك الذين قالوا: كلامه مخلوق أرادوا أنَّه لم يكن متكلمًا حتَّى خلق الكلام إذ هذا معنى قولهم: قد يتكلم ولكن كلامه مخلوق، إذ المخلوق هو القائم ببعض الأجسام، فعندهم تكلمه مثل بعض الأعيان المخلوقة، ولهذا يمتنع عندهم أن يكون قبل ذلك متكلمًا، فرد أحمد هذا بأن هذا تشبيه بالإنسان الَّذي كان عاجزًا عن التكلم لصغره حتَّى خلق الله له كلامًا، فمن مر عليه وقت وهو غير موصوف فيه بأنه متكلم إذا شاء، مقتدر على الكلام، كان ناقصًا، ففي ذلك كفر لجحد (¬8) كمال الرب وصفته، وتشبيهه له بالإنسان العاجز، ولهذا قال: بل نقول لم يزل متكلمًا إذا شاء، فجمع بين الأمرين، بين كونه لم يزل متكلمًا، وبين كون ذلك متعلقًا بمشيئته، وأنه لا يجوز نفي التكلم عنه إلى (¬9) أن يخلق التكلم، كما لا يجوز نفي العلم والقدرة ¬

_ (¬1) في الرد على الجهمية: الله لهم. (¬2) في الرد على الجهمية: وقد. (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من: هامش "س". (¬4) في الرد على الجهمية: علمًا فعلم. (¬5) في الرد على الجهمية: إنه قد. (¬6) في الرد على الجهمية: ولا قدرة له. (¬7) في الرد على الجهمية: القدرة. (¬8) في س، ط: بجحد. (¬9) في س، ط: إلا.

والنور، وهذا هو (¬1) الكمال في الكلام أن يتكلم المتكلم إذا شاء، فأما العاجز عن الكلام فهو ناقص قبيح، وأما الَّذي يلزمه الكلام ولا يتعلق بمشيئته واختياره فإنه يكون -أيضًا- عاجزًا ناقصًا، كالذي يصوت بغير اختياره، كالأصوات الدائمة التي تلزم الجمادات بغير اختيارها، مثل النواعير (¬2). ولما أقام الحجة بتكليم الله تعالى موسى، وأنه تكلم ويتكلم، وأن ذلك ممكن، من غير حاجة إلى جوف وفم وشفتين ولسان، إذا (¬3) كان من المخلوقات ما (¬4) يتكلم، وينطقها الله - تعالى - بدون حاجة إلى ذلك، فالخالق - سبحانه - أولى بالغناء من المخلوق، إذ كل ما ثبت للمخلوق من صفة كمال كالغناء، فالله - تعالى - أولى به، فالله - سبحانه - أحق بالاستغناء عن ما استغنت عنه المخلوقات في كلامها، ذكر أن الجهمي لما خنقته الحجج قال (¬5): إن الله كلم موسى إلّا أن كلامه غيره. قلنا: غيره مخلوق؟ قال: نعم. قلنا: هذا مثل قولكم الأول، إلّا أنكم تدفعون الشنعة عن أنفسكم (¬6) بما تظهرون. ¬

_ (¬1) هو: ساقطة من: س. (¬2) النواعير: جمع ناعور، وهو آلة يسقى بها يديرها الماء ولها صوت. والناعورة: الدولاب. انظر: لسان العرب -لابن منظور - (5/ 22) (نعر). (¬3) في س: إذ. (¬4) في ط، "و". (¬5) الرد على الجهمية: ص: 132. (¬6) في الرد على الجهمية: تدفعون عن أنفسكم الشنعة. . .

لفظ "الغير" مجمل

فأحمد -رحمه الله تعالى- لم ينكر عليه إطلاق لفظ الغير على القرآن حتَّى يستفسره (¬1) ما أراد به، إذ لفظ (الغير) مجمل (¬2) يراد به الَّذي يفارق الآخر، وهو قولهم: إنه مخلوق، ويراد به ما لا يكون هو إياه، وهذا يبين أن إطلاق القول على الصفة بأنها هي الموصوف أو غيره كلام مجمل، يقبل بوجه ويرد بوجه، فمتى أريد بالغير المباينة للرب كان المعنى فاسدًا، وإنما ذكر هذا لأن أهل البدع كما وصفهم به يتمسكون بالمتشابه من الكلام، ولفظ الغير من المتشابه، فإذا قال: هو غيره. ¬

_ (¬1) في ط: استفسره. (¬2) شيخ الإسلام -رحمه الله- في كتابه "بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية" 1/ 508، أوضح اصطلاح المتكلمين في لفظ "الغير" وبين أن السلف -رحمهم الله - يمتنعون عن إطلاق اللفظ المجمل نفيًا وإثباتًا، فقال: "فلفظ الغير مجمل يراد بالغير المباين، فالغيران ما جاز مفارقة أحدهما الآخر بزمان أو مكان أو وجود، وهذا اصطلاح الأشعرية ومن وافقهم من الفقهاء أتباع الأئمة الأربعة. ويراد بالغيرين ما ليس أحدهما الآخر، أو ما جاز العلم بأحدهما مع الجهل بالآخر، وهذا اصطلاح طوائف من المعتزلة والكرامية وغيرهم. أما السلف كالإمام أحمد وغيره فلفظ الغير عندهم يراد به هذا، ويراد به هذا، ولهذا لم يطلقوا القول بأن علم الله غيره، ولا أطلقوا القول بأنه ليس غيره، ولا يقولون هو هو، ولا هو غيره، بل يمتنعون عن إطلاق المجمل نفيًا وإثباتًا لما فيه من التلبيس، فإن الجهمية يقولون: ما سوى الله مخلوق وكلامه غيره فيكون مخلوقًا. فقال أئمة السنة: إذا أريد بالغير والسوى ما هو مباين له فلا يدخل علمه وكلامه في لفظ "الغير" و"السوى" كما لم يدخل في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "من حلف بغير الله فقد أشرك". وقد ثبت في السنة جواز الحلف بصفاته، كعزته، وعظمته، فعلم أنها لا تدخل في مسمى "الغير" عند الإطلاق. وإذا أريد بـ "الغير" أنَّه ليس هو إياه، فلا ريب أن العلم ليس هو العالم والكلام ليس هو المتكلم".

فقيل له: نعم، لأنه ليس هو إياه. قال: وما كان غير الله فهو مخلوق و (غير) في هذا الموضع الثاني إنما يصح، إذا أريد بها ما كان باينًا عن الله - تعالى - فهو مخلوق، فيستعمل لفظ (الغير) في إحدى المقدمتين بمعنى، وفي المقدمة الأخرى بمعنى آخر، لما فيها من الإجمال والاشتراك، فلهذا استفسره الإمام أحمد، فلما فسر مراده قال: فهذا هو القول الأول، متى قلت: هو مخلوق. فقد قلت: بأنه خلق شيئًا فعبر عنه، وأنه لا تكلم ولا يتكلم، ثم احتج عليهم بما دل عليه القرآن من تكلمه في الآخرة خطابه للرسل، فلما أقروا بنفي التكلم عنه أزلًا وأبدًا، ولم يفسروا ذلك إلا بخلق الكلام في غيره، قال: قد أعظمتم الفرية على الله (¬1) حين زعمتم أن الله تعالى لا يتكلم (¬2)، فشبهتموه بالأصنام التي تعبد من دون الله، لأن الأصنام لا تتكلم ولا تتحرك (¬3) ولا تزول من مكان إلى مكان. وهذه الحجة من باب قياس الأولى (¬4)، وهي من جنس الأمثال التي ¬

_ (¬1) في الرد على الجهمية: "أعظمتم على الله الفرية". (¬2) في الرد على الجهمية: أنَّه لا يتكلم. (¬3) في جميع النسخ: لا تتكلم ولا تحرك. والمثبت من: الرد على الجهمية. (¬4) شيخ الإسلام -رحمه الله- بين في كتابه (بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية" 1/ 337، 338. ما لا يجوز في حق الله تعالى من الأقيسة فقال: "والله تعالى له المثل الأعلى فلا يجوز أن يقاس على غيره قياس تمثيل يستوي فيه الأصل والفرع، ولا يقاس مع غيره قياس شمول تستوي أفراده في حكمه، فإن الله - سبحانه - ليس مثلًا لغيره، ولا مساويًا له أصلًا، بل مثل هذا القياس هو ضرب الأمثال لله. . ". إلى أن قال: "وهم في مثل هذه المقاييس داخلون في حقيقة التمثيل والتشبيه والعدل بالله وجعل غيره له كفوًا وندًّا وسميًّا، كما فعلوا في مسائل الصفات والقدر وغير ذلك.

ضربها الله في كتابه، فإن الله تعالى علي الأصنام بأنها لا ترجع قولًا، وأنها لا تملك ضرًّا ولا نفعًا، وهذا من المعلوم ببدائه (¬1) العقول، أن كون الشيء لا يقدر على التكلم صفة نقص، وأن المتكلم أكمل من العاجز عن الكلام، وكل ما تنزه المخلوق عنه من صفة نقص فالله -تعالى- أحق بتنزيهه عنه، وكلما أثبت لشيء من صفة -كمال فالله تعالى أحق باتصافه بذلك، فالله أحق بتنزيهه عن كونه لا يتكلم من الأحياء الآدميين وأحق بالكلام منهم، وهو - سبحانه - منزه عن مماثلة الناقصين، المعدوم والموات. ¬

_ = ولهذا ذكر الوزير أبو المظفر بن هبيرة في كتاب "الإيضاح في شرح الصحاح" أن أهل السنة يحكون أن النطق بإثبات الصفات وأحاديثها يشتمل على كلمات متداولات بين الخالق وخلقه، وتحرجوا من أن يقولوا: مشتركة، لأن الله تعالى لا شريك له، بل لله المثل الأعلى وذلك هو قياس الأولى والأخرى، فكل ما ثبت للمخلوق من صفات الكمال فالخالق أحق به وأولى وأحرى به منه، لأنه أكمل منه، ولأنه هو الَّذي أعطاه ذلك الكمال، فالمعطي الكمال لغيره أولى أن يكون هو موصوفًا به، إذ ليس أعطى وأنه سلب نفسه ما يستحق وجعله لغيره فإن ذلك لا يمكن، بل وهب له من إحسانه وعطائه ما وهبه من ذلك، كالحياة والعلم والقدرة. وكذلك ما كان منتفيًا عن المخلوق لكونه نقصًا وعيبًا، فالخالق هو أحق بأن ينزه عن ذلك". ثم قال الشيخ -رحمه الله- مبينًا استعمال السلف لقياس الأولى: "فهذا أصل ينبغي معرفته، فإذا أثبت له صفات الكمال من الحياة والعلم والقدرة والكلام والسمع والبصر وغير ذلك بهذه الطريقة القياسية العقلية التي لله فيها المثل الأعلى، كان ذلك اعتبارًا صحيحًا". وكذلك إذا نفى عنه الشريك والولد والعجز والجهل ونحو ذلك بمثل هذه الطريقة. ولهذا كان الإمام أحمد وغيره من الأئمة يستعملون مثل هذه الطريقة في الأقيسة العقلية التي ناظروا بها الجهمية". (¬1) في ط: ببداية.

وأما قول أحمد (¬1): فلما ظهرت عليه الحجة قال: إنه قد يتكلم (¬2) ولكن كلامه مخلوق. فقلنا (¬3): وكذلك بنو آدم كلامهم مخلوق، فقد شبّهتم الله بخلقه حين زعمتم أن كلامه مخلوق، ففي مذهبكم أن الله قد كان في وقت من الأوقات لا يتكلم حتَّى خلق التكلم، وكذلك بنو آدم لا يتكلمون حتَّى خلق لهم كلامًا، فقد (¬4) جمعتم بين كفر وتشبيه، فتعالى الله - جل ثناؤه - عن هذه الصفة، بل نقول: إن الله - جل ثناؤه - لم يزل متكلمًا إذا شاء، ولا نقول: إنه كان (¬5) ولا يتكلم حتَّى خلق [الكلام] (¬6) ولا نقول: إنه كان (¬7) لا يعلم حتَّى خلق فعلم، ولا نقول: إنه كان (¬8) ولا قدرة حتَّى خلق لنفسه قدرة، ولا نقول: إنه كان (¬9) ولا نور له حتَّى خلق لنفسه نورًا، ولا نقول: إنه كان (¬10) ولا عظمة حتَّى خلق لنفسه عظمة. فهذا يدل على أن هذا القول أراد به الجهمي أنَّه قد يتكلم بعد أن لم يكن متكلمًا بكلام مخلوق، يخلق لنفسه في ذاته، أو يخلقه قائمًا بنفسه، ليكون هذا القول غير الأول الذي قال: إنه يخلق شيئًا فيعبر عن الله تعالى. وقال: إنكم شبهتموه بالأصنام التي لا تتكلم، ولا تتحرك، ¬

_ (¬1) الرد على الجهمية والزنادقة - ص: 132. (¬2) في الرد على الجهمية والزنادقة: إن الله يتكلم. (¬3) في الرد على الجهمية والزنادقة: قلنا. (¬4) في الرد على الجهمية والزنادقة: وقد. (¬5) في س، ط: إنه قد كان. (¬6) ما بين المعقوفتين زيادة من: الرد على الجهمية والزنادقة. (¬7) في س، ط، والرد على الجهمية والزنادقة: إنه قد كان. (¬8) في س، ط، والرد على الجهمية والزنادقة: إنه قد كان. (¬9) في س، ط، والرد على الجهمية: إنه قد كان. (¬10) في س، ط، والرد على الجهمية: إنه قد كان.

ولا تزول من مكان إلى مكان، ثم انتقل الجهمي عن ذلك القول (¬1) إلى هذا القول. وقال أحمد (¬2) في الجواب: (فقلنا: كذلك بنو آدم كلامهم مخلوق، فقد شبهتم الله - تعالى - بخلقه، حين زعمتم أن كلامه مخلوق، ففي مذهبكم أن الله قد كان في وقت من الأوقات لا يتكلم حتَّى خلق التكلم، وكذلك بنو آدم لا يتكلمون (¬3) حتَّى خلق لهم كلامًا، فقد جمعتم بين كفر وتشبيه) إلى آخر كلامه. ففي هذا كله دليل على أنَّه أنكر عليهم كونه كان لا يتكلم حتَّى خلق لنفسه كلامًا في نفسه، فصار حينئذ متكلمًا بعد أن لم يكن متكلمًا، وبين أن ذلك يستلزم أنَّه كان ناقصًا فصار كاملًا، لأن عدم التكلم صفة نقص، وهذا هو الكفر، فإن وصف الله بالنقص كفر، وفيه تشبيه له بمن كان ناقصًا عاجزًا عن الكلام حتَّى خلق له الكلام، ولهذا قال: (بل نقول: إنه لم يزل متكلمًا إذا شاء). فبين أن كونه موصوفًا بالتكلم إذا شاء، أمر لم يزل، لا يجوز أن يكون ذلك محدثًا، لأنه يستلزم لكماله (¬4) بعد نقصه، وفيه تشبيه له بالآدميين، كما أن منع تكلمه بالكلية تشبيه له بالجمادات من الأصنام التي تعبد من دون الله - تعالى - وغيره، ثم إنه بين أن ثبوت هذه الصفة له فيما لم يزل كثبوت العلم والقدرة والنور والعظمة، لم يزل موصوفًا بها لا يقال: إنه كان بدون هذه الصفات حتَّى أحدثها، لأن ذلك يستلزم أنَّه كان ناقصًا فكمل بعد نقصه - سبحانه وتعالى (¬5) - عن ذلك. ¬

_ (¬1) القول: ساقطة من: س. (¬2) الرد على الجهمية والزنادقة - ص: 132. (¬3) في الرد على الجهمية: كانوا لا يتكلمون. (¬4) في ط: كماله. (¬5) في ط: وتعالى الله.

ولهذا كان كلام أحمد وغيره من الأئمة مع الجهمية في هذه المسألة، فيه بيان الفصل بين كلام الله - تعالى - وقوله، وبين خلقه، وأن هذا ليس هذا، ويذكرون هذا الفرق في المواضع التي أخبر الله ورسوله بأنه تكلم بالوحي، وأنه إذا تكلم بالوحي كان (¬1) هذا من أعظم الحجج لهم، فإن من يقول: القرآن مخلوق. يقول: إن الله خلقه منفصلًا عنه كسائر المخلوقات، وليس يعود إليه من خلق حكم من الأحكام أصلًا، بل ذلك بمنزلة خلق السماء والأرض، وكلام الذراع المسموم (¬2)، ونطق الأيدي والأرجل (¬3) وغير ذلك، مما خلقه الله تعالى من الموصوفات والأفعال والصفات، ومما يعلم باضطرار أن ما كان كذلك فلا بد أن يصفه الله - تعالى - بالخلق كما وصف غيره من المخلوقات، ولا يجوز -أيضًا- أن يضاف إلى الله - تعالى - إضافة اختصاص يتميز بها عن غيره من المخلوقات إذ لا اختصاص له أصلًا، فلا يكون كلامًا لله - تعالى - ولا قولًا أصلًا. والقرآن كله يثبت له صفة الاختصاص بالقول والكلام، ولم يثبت قط له الصفة المشتركة بينه وبين سائر المخلوقات من صفة الخلق، فالقرآن دل على الفرق بين القول والمقول، وبين المخلوق المفعول. قال الإمام أحمد (¬4): (وقد ذكر الله - تعالى - كلامه في غير موضع ¬

_ (¬1) في الأصل، س: وكان. والمثبت من: ط. (¬2) إشارة إلى ما ورد في حديث جابر - رضي الله عنه - في قصة خيبر، وأن الذراع أخبرت الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنها مسمومة. وقد تقدم الكلام على هذا الحديث ص: 280. (¬3) كما دل على ذلك قوله تعالى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يس: 65]. (¬4) الرد على الجهمية والزنادقة - ص: 117، 118.

من القرآن، فسماه كلامًا ولم يسمه خلقًا، قال (¬1) {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} (¬2)، وقال: {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ} (¬3)، وقال: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} (¬4) وقال: {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي} (¬5)، وقال: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (¬6) وقال: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ} (¬7). فأخبرنا (¬8) الله - عَزَّ وَجَلَّ - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يؤمن بالله، وبكلام الله، وقال: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ} (¬9)، وقال: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي} (¬10)، وقال: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} (¬11) ولم يقل حتَّى يسمع خلق الله، فهذا المنصوص (¬12) بلسان عربي مبين لا يحتاج إلى تفسير، هو بين والحمد لله (¬13)). قلت: وقد تضمن هذا أن الله (¬14) سماه كلامًا في مواضع كثيرة، ¬

_ (¬1) في الأصل، س، والرد على الجهمية: قوله. والمثبت من: ط. (¬2) سورة البقرة، الآية: 37. (¬3) سورة البقرة، الآية: 75. (¬4) سورة الأعراف، الآية: 143. (¬5) سورة الأعراف، الآية: 144. (¬6) سورة النساء، الآية: 164. (¬7) سورة الأعراف، الآية: 158. (¬8) في س، ط: أخبر. (¬9) سورة الفتح، الآية: 15. (¬10) سورة الكهف، الآية: 109. وفي الرد على الجهمية: {لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي}. (¬11) سورة التوبة، الآية: 6. (¬12) في الرد على الجهمية: فهذه نصوص. (¬13) في الرد على الجهمية: بحمد الله. (¬14) في س، ط: الله إذا.

المستقر في فطر الناس الذي تلقته الأمة خلفا عن سلف أن القرآن جميعه كلام الله

ولم يسمه خلقًا، ومن المعلوم المستقر في الفطر أن الكلام هو ما تكلم به المتكلم لا يكون منفصلًا، ولهذا قال: (فهذا المنصوص (¬1) بلسان عربي [مبين] (¬2) لا يحتاج إلى تفسير هو بين). يعني: أن بيان الله مما ذكره من كلامه (¬3)، وأنه (¬4) كلامه، هو بين لكل أحد، ليس من الخفي ولا من المتشابه الَّذي يحتاج إلى تفسير، بل (¬5) الجهمي الَّذي يجعله مخلوقًا منفصلًا عنه كسائر المخلوقات، حرف هذا الكلم عن مواضعه، وألحد في آيات الله، تحريفًا وإلحادًا يعلمه كل ذي فطرة سليمة. ولهذا تجد ذوي الفطر السليمة إذا ذكر لهم هذا المذهب يقولون: هذا يقول: إن القرآن ليس كلام الله، حتَّى إنهم يقولون ذلك عمن يقول: حروف القرآن مخلوقة، هذا يقول: القرآن ليس كلام الله، لا يقولون: مخلوق ولا غير مخلوق، لما استقر في فطرهم أن ما يكون مخلوقًا منفصلًا عن الله لا يكون كلام الله، فمن قال: إن الله لم يتكلم بحروف القرآن، بل جعله خالقًا لها في جسم من الأجسام، فهو عندهم يقول: إن القرآن ليس بكلام الله، سواء (¬6) جعل تلك الحروف هي القرآن أو ادعى أن [ثم] (¬7) معنى قديمًا هو كلام الله دون سائر الحروف. فإن المستقر في فطر الناس الَّذي تلقته الأمة خلفًا عن سلف عن نبيها أن القرآن [جميعه] (¬8) كلام الله، وكلهم فهم هذا المعنى المنصوص ¬

_ (¬1) في الرد على الجهمية: فهذه نصوص. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والرد على الجهمية. (¬3) في س: كلام الله. (¬4) في الأصل، ط: أن. والمثبت من: س. (¬5) بل: ساقطة من: س، ط. (¬6) في س: وسواء. (¬7) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬8) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.

تعليق الشيخ على كلام الإمام أحمد بأن ما ذكره حجة قوية

بلسان عربي مبين، كما ذكر أحمد أنَّه تكلم به، لا أنَّه خلقه في بعض المخلوقات. ثم ذكر أحمد ما أمر الله به من القول، وما نهى عنه من القول، وأنه (¬1) لم يذكر من المأمور به: قولوا عن القرآن: إنه مخلوق، ولا من المنهي عنه: لا تقولوا: إنه كلامي. قال أحمد (¬2): (وقد سألت الجهمية أليس إنما قال الله - جل ثناؤه -: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ} (¬3)، {وَقُولُوا للِنَّاسِ حُسْنًا} (¬4)، {وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ} (¬5)، {وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} (¬6)، {فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (¬7)، وقال: {وَقُلِ الْحَقُّ} (¬8)، وقال: {فَقُلْ سَلَامٌ} (¬9). ولم نسمع الله يقول: قولوا: إن كلامي خلق. وقال: {وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا} (¬10)، وقال: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} (¬11) وقال: {لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا ¬

_ (¬1) في س: واأن. (¬2) الرد على الجهمية والزنادقة - ص: 118، 119. (¬3) سورة البقرة، الآية: 136. (¬4) سورة البقرة، الآية: 83. (¬5) سورة العنكبوت، الآية: 46. (¬6) سورة الأحزاب، الآية: 70. (¬7) سورة آل عمران، الآية: 64. (¬8) سورة الكهف، الآية: 29. (¬9) سورة الأنعام، الآية: 54. في جميع النسخ: (وقل) وهو خطأ. (¬10) سورة النساء، الآية: 171. (¬11) سورة النساء، الآية: 94. ولم ترد الآية في: س، ط.

انْظُرْنَا} (¬1)، {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ} (¬2)، {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} (¬3)، وقال (¬4): {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا} (¬5) وقال: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (¬6)، {فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} (¬7)، وقال: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ} (¬8)، وقال (¬9): {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29)} [الإسراء: 29] {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ} (¬10)، {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلا بِالْحَقِّ} (¬11)، {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (¬12)، {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا} (¬13)، ومثله في القرآن كثير. فهذا ما نهى الله عنه، ولم يقل لنا: لا تقولوا: إن القرآن كلامي. قلت: وهذه حجة قوية، وذلك أن القرآن لو كان كما يزعمه الجهمية مخلوقًا منفصلًا، كالسماء والأرض وكلام الذراع والأيدي ¬

_ (¬1) سورة البقرة، الآية: 104. ولم ترد الآية في: س، ط. (¬2) سورة البقرة، الآية: 154. (¬3) سورة الكهف، الآية: 23. وقد ورد في الرد على الجهمية: {. . إلا أَنْ يَشَاءَ اللهُ} الآية. (¬4) وقال: كررت في الأصل. وهو سهو من الناسخ. (¬5) سورة الإسراء، الآية: 23. (¬6) سورة الإسراء، الآية: 36. ولم ترد في الرد على الجهمية. (¬7) سورة القصص، الآية: 88. (¬8) سورة الأنعام، الآية: 151. (¬9) قال: ساقطة من: س، ط، والرد على الجهمية. (¬10) سورة الإسراء، الآية: 29. (¬11) سورة الأنعام، الآية: 151. (¬12) سورة الأنعام، الآية: 152. (¬13) سورة لقمان، الآية: 18.

والأرجل؛ لكان معرفة ذلك واجبًا، لا سيما وعند الجهمية من المعتزلة وغيرهم أن معرفة ذلك من أصول الإيمان الَّذي لا يتم إلا به. وقد يقولون: إن (¬1) معرفة ذلك واجبة قبل (¬2) معرفة الرسالة، وأن معرفة الرسالة لا تتم إلا بتنزيه الله عن كلام يقوم به، لأن الكلام لا يقوم إلَّا بجسم متحيز (¬3)، ونفي ذلك عندهم واجب قبل الإقرار بالرسول، فإن (¬4) الجسم يستلزم أن يكون محدثًا مخلوقًا يجوز عليه الحاجة، وذلك يمنع ما بنوا عليه العلم بصدق الرسول، وقد صرحوا بذلك في كتبهم (¬5)، فإن كان الأمر كذلك كان بيان ذلك من الواجبات، فإذا لم يأمر الله به قط مع حاجة المكلفين إليه، ومع أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز؛ علم أنَّه ليس مأمورُا به ولا واجبًا (¬6)، وذلك يبطل قولهم. -وأيضًا- فلم ينه العباد عن أن يسموه كلامه، مع العلم بأن هذه التسمية ظاهرة في أنَّه هو المتكلم به، ليس هو الَّذي خلقه في جسم غيره. ¬

_ (¬1) في س: إنه. (¬2) معرفة ذلك واجبة قبل: مكررة في: س. وهو سهو من الناسخ. (¬3) في الأصل: إلَّا عن متحيز. والمثبت من: س، ط. (¬4) في س، ط: فإذا. (¬5) انظر مثلًا: شرح الأصول الخمسة -للقاضي عبد الجبار- ص: 112. وقد أجمعت المعتزلة على نفي الجهة والتحيز عن الله - تعالى - لأنهم اعتقدوا أن إثباتها يوجب إثبات المكان والجسمية. وقد نقل إجماعهم على نفي الجسم: أبو الحسن الأشعري في المقالات 1/ 235. وانظر: مختصر الصواعق المرسلة -لابن القيم اختصار الموصلي- 1/ 200. وفيه: أن حقيقة النبوة والرسالة إنباء الله لرسوله وأمره تبليغ كلامه إلى عباده، وعند المعطلة أن الله لا يتكلم ولا يقوم به كلام. (¬6) في س: وجاجبًا. وهو تصحيف.

احتجاج أبي عبد الرحمن الأذرمي على ابن أبي دؤاد إمام الواثق

والجهمي وإن زعم أن الكلام يقال لمن فعله بغيره (¬1)، كما مثله من تكلم الجني على لسان المصروع، فهو لا ينازع في أن غالب الناس لا يفهمون (¬2) من الكلام إلّا ما يقوم بالمتكلم، بل لا يعرفون كلامًا منفصلًا عن متكلمه قط، وأمر الجني فيه من الإشكال والنزاع (¬3)، بل بطلان قول المستدل به ما (¬4) يمنع أن يكون ذلك ظاهرًا لعموم الناس. وإذا كان كذلك، كان (¬5) الواجب على قول الجهمي إما (¬6) نهي الناس عن أن يقولوا: القرآن كلام الله، حتَّى لا يقولوا (¬7) بالباطل، وإما البيان بأن قولهم: كلام الله أن الله خلق ذلك الكلام في جسم غيره، كما ذكره الجهمية من أنَّه خلق شيئًا فعبر عنه، فلما لم يؤمروا بهذا ولم ينهوا عن ذلك، مع الحاجة إلى هذا الأمر والنهي -على زعم الجهمي- علم أن قوله المستلزم لازم للأمر والنهي الَّذي لم يقع من الشارع باطل. ولهذا كان أحمد يقول لهم فيما يقوله في المناظرة الخطابية: كيف أقول ما لم يُقل؟ أي هذا القول لم يقله أحد قبلنا، ولو كان من الدين لكان قوله واجبًا، فعدم قول أولئك له يدل على أنَّه ليس من الدين. وكذلك احتجاج أبي عبد الرحمن الأذرمي (¬8)، وهو الشيخ ¬

_ (¬1) في الأصل: بغير. والمثبت من: س، ط. (¬2) في س: يهتمون. (¬3) وللاطلاع عليه يراجع مقالات الإسلاميين - للأشعري - 2/ 122. (¬4) في س، ط: مما. (¬5) في جميع النسخ: وكان. ولعل ما أثبت مناسب سياق الكلام. (¬6) في س، ط: ما. (¬7) في س: يقوا. (¬8) في جميع النسخ: الأدرمي. والصحيح ما أثبته من الكتب التي ذكرت قصته مع الواثق وعرفت به. وهو: أبو عبد الرحمن عبد الله بن محمد بن إسحاق الأذرمي، روى عن ابن عيينة وغيره، وروى عنه أبو داود والنسائي وغيرهما. قال عنه أبو حاتم: كان =

الأذني (¬1) الَّذي قدمه ابن أبي دواد على الواثق فناظره أمامه كما حكاه ابنه المهتدي (¬2) وقطعه الأذني في المناظرة، والقصة. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ثقة. راجع في ترجمته وصحة اسمه: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم - 2/ 2 / 161 ت: 743. وتاريخ بغداد - للبغدادي - 10/ 74 - 89. واللباب -لابن الأثير - 1/ 38. وقد علق محقق كتاب "درء تعارض العقل والنقل" -رحمه الله تعالى- في الحاشية رقم (1) 1/ 234 على ذلك بما يلي: "في س: فقط أبو عبد الرحمن الأذرمي الأدنى، وهو عبد الرحمن بن يزيد بن المهلب الأزدي من أمراء هذا البيت الأزدي. قتل بالموصل سنة 133 هـ ". وفيما علق عليه نظر، فالشيخ -رحمه الله- أوضح أن أبا عبد الرحمن ذكر هذا الاحتجاج قدام الواثق عندما ناظره ابن أبي دواد، وابن أبي دواد، ولد سنة 160 هـ -كما تقدم في التعريف به- وهذا يدل على أن المقصود غير ما ذكر المحقق، وهو ما أثبته وعرفت به. (¬1) في جميع النسخ "الأدنى" ولعل الصواب ما أثبته من: تاريخ بغداد 10/ 79، ومناقب الإمام أحمد -لابن الجوزي ص: 433، 434. والأذني: نسبة إلى أذنة، وهي من مشاهير البلدان بساحل الشام عند طرسوس. انظر: اللباب -لابن الأثير 1/ 39. نقل ابن الجوزي في مناقب الإمام أحمد ص: 433، 434، وهو يروي قصة الأذرمي مع ابن أبي دواد، والمناظرة التي جرت بينهما أمام الواثق، أن صالح بن علي بن يعقوب الهاشمي قال: "ما زلت أقول: إن القرآن مخلوق صدرًا من أيام الواثق حتَّى أقدم أحمد بن أبي دواد علينا شيخًا من أهل الشام من أهل أذنة، فأدخل الشيخ على الواثق مقيدًا. . . ". (¬2) هو: المهتدي بالله أبو عبد الله محمد بن الواثق بن المعتصم، أحد خلفاء الدولة العباسية، بويع بالخلافة سنة 255 هـ بعد خلع المعتز، ولد سنة 222 هـ، وتوفي سنة 256 هـ. راجع: الكامل -لابن الأثير- 7/ 198 - 235. والبداية والنهاية -لابن كثير- 11/ 20 - 28. والأعلام - للزركلي - 7/ 351، 352.

مشهورة (¬1)، وقال لابن أبي دواد: يا أحمد أرأيت مقالتك هذه التي (¬2) تدعو الناس إليها، هل هي داخلة في عقد الدين لا يتم الدين إلّا بها؟ وهل علمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الله عليه وسلم - وهل أمر بها؟ وهل وسعه و (¬3) وسع خلفاءه السكوت عنها؟ فكانت هذه الحجج كلها تبين أن هذا القول لو كان من الدين لوجب بيانه، وعدم ذلك مع قيام المقتضى له دليل على أنَّه ليس من الدين وإذا لم يكن من الدين كان باطلًا، لأن الدين لا بد فيه من أحد (¬4) أمرين: إما أن يكون الله - تعالى - تكلم بالقرآن وبسائر (¬5) كلامه، وإما أن يكون خلقه في غيره لا يحتمل الأمر وجهًا ثالثًا (¬6)، فإذا بطل أن يكون خلقه في غيره من الدين، تعين (¬7) أن يكون القول الآخر من الدين، وهو أنَّه هو المتكلم به، فمنه بدأ، ومنه يعود، ومنه حق القول، ومن لدنه نزل ولو كان مخلوقًا (¬8) في جسم غيره، لكان بمثابة ما يخلق في الأيدي والأرجل والذراع والصخر [وغير ذلك من الأجسام] (¬9) فإنه وإن كان منه، أي: من خلقه فليس من لدنه، ولا هو قولًا منه، ولا بدأ (¬10) منه. ¬

_ (¬1) القصة ذكرها الخطيب البغدادي في تاريخه 4/ 151، 152، 10/ 75 - 79. وابن الجوزي في مناقب الإمام أحمد ص: 431 - 437. (¬2) في س، ط: الَّذي. (¬3) "و": ساقطة من: س. (¬4) في س: إحدى. (¬5) في س: وسائر. (¬6) في س: ثابتًا. (¬7) في س: يقين. (¬8) في س: مخلوق. وهو خطأ. (¬9) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬10) في الأصل: بداء.

احتجاج الإمام أحمد بأن الملائكة سمت كلام الله كلاما ولم تسمه خلقا

قال (¬1) الإمام أحمد (¬2): وقد سمت الملائكة كلام الله كلامًا ولم تسمه خلقًا [في] (¬3) قوله: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ} (¬4). وذلك أن الملائكة لم يسمعوا صوت الوحي [ما] (¬5) بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم وبينهما ستمائة سنة (¬6). فلما أوحى الله جل - ثناؤه - إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - سمع الملائكة صوت الوحي كوقع الحديد على الصفا، وظنوا (¬7) أنَّه أمر من أمر الساعة، ففزعوا وخرّوا لوجوههم سجدًا، فذلك قوله - عَزَّ وَجَلَّ - {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} (¬8)، يقول: حتَّى إذا تجلى الفزع عن قلوبهم رفع الملائكة رؤوسهم، فسأل بعضهم بعضًا فقالوا: {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} (2) ولم يقولوا: ماذا خلق ربكم. فهذا بيان لمن أراد الله هداه. ¬

_ (¬1) في هامش الأصل ورد: "قف على كلام الإمام أحمد". (¬2) الرد على الجهمية والزنادقة: ص: 119. (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من: ط. (¬4) سورة سبأ، الآية: 23. (¬5) ما بين المعقوفتين زيادة من: الرد على الجهمية. (¬6) في الرد على الجهمية: وبينهما كذا وكذا سنة. وقد اختلف فيما بين عيسى ومحمد - عليهما السلام - ولكن ما ذكره الشيخ -رحمه الله - هو الأرجح، يؤيده ما رواه البخاري عن سلمان الفارسي قال: "فترة ما بين عيسى ومحمد - صلى الله عليه وسلم - ستمائة سنة". صحيح البخاري 4/ 270 - كتاب المناقب - باب إسلام سلمان. وقد نقل هذا الاختلاف ابن حجر -رحمه الله- في فتح الباري 15/ 139، فقال: "ونقل ابن الجوزي الاتفاق على ما اقتضاه حديث سلمان هذا، وتعقب بأن الخلاف في ذلك منقول، فعن قتادة خمسمائة وستين سنة، أخرجه عبد الرزاق عن معمر عنه، وعن الكلبي خمسمائة وأربعين، وقيل: أربعمائة سنة". (¬7) في الرد على الجهمية: فظنوا. (¬8) سورة سبأ، الآية: 23.

تعليق الشيخ بأن الإمام أحمد احتج بما سمعته الملائكة من الوحي إذا تكلم الله به

قلت: احتج أحمد بما سمعته الملائكة من الوحي إذا تكلم الله به، كما قد جاءت بذلك الآثار (¬1) المتعددة، وسمعوا صوت الوحي فقالوا: {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} (¬2)، ولم يقولوا: ماذا خلق ربكم، فبين أن تكلم الله بالوحي الَّذي سمعوا صوته هو قوله، ليس هو خلقه، ومثل هذه العبارة ذكر البخاري الإمام صاحب الصحيح، إما تلقيًا له عن أحمد أو غيره، أو موافقة اتفاقية، وقد ذكر ذلك في كتاب (¬3) الصحيح، وفي كتاب خلق الأفعال (¬4)، فقال في الصحيح في آخره في كتاب الرد على الجهمية (¬5): باب قول الله: {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} (¬6)، ولم يقل: ماذا خلق ربكم (¬7)، وقال: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلا بِإِذْنِهِ} (¬8). قال (¬9): وقال مسروق عن ابن مسعود (¬10): إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماوات شيئًا، فإذا فزع عن قلوبهم وسكن الصوت عرفوا أنَّه ¬

_ (¬1) سوف يذكر الشيخ - بعد عدة أسطر - بعض هذه الآثار التي ذكرها البخاري في صحيحه. (¬2) سورة سبأ، الآية: 23. (¬3) كتاب: ساقطة من: س. (¬4) خلق أفعال العباد ص: 40، 41، 98، 99. (¬5) صحيح البخاري 8/ 194، 195 - كتاب التوحيد -باب قول الله تعالى: {وَلَا تَنْفَعُ الْشَّفَاعَةُ. .} الآية. (¬6) سورة سبأ، الآية: 23. (¬7) في ط: لكم. وهو تصحيف. (¬8) سورة البقرة، الآية: 255. (¬9) القائل هو الإمام البخاري. وهي إضافة من الشيخ للإيضاح، والكلام متصل بما قبله في الصحيح. (¬10) في الأصل: عن ابن عباس مسعود. وهو خطأ. والمثبت من: س، ط، وصحيح البخاري.

الحق من ربكم (¬1)، ونادوا: {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ} (¬2). قال (¬3): ويذكر عن جابر بن عبد الله (¬4)، عن عبد الله بن أنيس [قال] (¬5) سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يحشر الله العباد فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك أنا الديان" (¬6). ثم قال (¬7): حدثنا علي بن عبد الله، ثنا سفيان عن عمرو عن عكرمة عن أبي هريرة يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قضى الله الأمر في السماء، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانًا لقوله، كأنه سلسلة على صفوان"، [قال علي] (¬8) وقال غيره: صفوان يَنْفُذُهُم [ذلك] (¬9) {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُم} (¬10)، للذي قال (¬11): {الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} (1). قال علي (¬12): وثنا سفيان، ثنا عمرو، عن عكرمة، عن أبي هريرة بهذا. ¬

_ (¬1) في س: ربهم. (¬2) سورة سبأ، الآية: 23. (¬3) صحيح البخاري 8/ 194، 195. (¬4) ابن عبد الله: ساقطة من: الصحيح. (¬5) ما بين المعقوفتين زيادة من: صحيح البخاري. (¬6) الحديث في صحيح البخاري 8/ 194، 195. (¬7) ثم قال: إضافة من الشيخ للبيان، والكلام متصل بما قبله في الصحيح. (¬8) ما بين المعقوفتين زيادة من صحيح البخاري، وفي: ط: قال: وقال غيره. . . (¬9) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والصحيح. وقد ورد في هامش صحيح البخاري: "قوله: ينْفُذُهُم ذلك ساقط في بعض الروايات كما في الشارح". (¬10) سورة سبأ، الآية: 23. (¬11) للذي قال: ساقط من: صحيح البخاري. (¬12) علي: ساقطة من: س، ط.

قال (¬1) سفيان، قال عمرو: سمعت (¬2) عكرمة، ثنا أبو هريرة، قال علي: قلت لسفيان، قال (¬3) [سمعت عكرمة قال: سمعت أبا هريرة، قال: نعم، قلت لسفيان] (¬4): إن إنسانًا روى عن عمرو، عن عكرمة، عن أبي هريرة، يرفعه، أنَّه قرأ: فرّغ (¬5)، قال سفيان: هكذا قرأ عمرو، فلا أدري سمعه (¬6) هكذا أم لا؟ قال سفيان: وهي قراءتنا. وما ذكره أحمد من الفترة، وتكلمه بالوحي بعدها، قاله طوائف من السلف، كما ذكره عبد الرزاق (¬7) في تفسيره (¬8)، أنبأنا معمر، عن ¬

_ (¬1) في الأصل، س: فقال. والمثبت من: ط، والصحيح. (¬2) في الأصل، س: قال عمرو سمعت عمرو سمعت. . وهو خطأ. والمثبت من: ط، والصحيح. (¬3) في الأصل: قال عمرو. والمثبت من: س، ط، والصحيح. (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من: س. (¬5) في جميع النسخ: فزع. والمثبت من: صحيح البخاري. وهو ما يدل عليه السياق. (وفرغ): قراءة ذكرها ابن جرير الطبري ونسبها إلى الحسن فقال: "وروى عن الحسن أنَّه قرأ ذلك {حَتَّى إِذَا فرغ عَنْ قُلُوْبِهمْ} بالراء والغين. . ". إلى أن قال: [والصواب من القراءة في ذلك القراءة بالزاء والعين لإجماع الحجة من القراء وأهل التأويل عليها". انظر: تفسير الطبري - 22/ 39. (¬6) في الأصل: سمعته. والمثبت من: س، ط، والصحيح. (¬7) في ط عبد الرزاق. وهو خطأ، وتقدم التعريف به. (¬8) تفسير عبد الرزاق لا زال مخطوطًا، وللاطلاع على أماكن نسخه وأرقامها يراجع "تاريخ التراث العربي" لسزكين - 1/ 1 / 185 - علوم القرآن والحديث، وجاء فيه: "إن هذا الكتاب في جوهره صورة معدلة لكتاب معمر بن راشد". وأخرجه السيوطي في الدر المنثور - 6/ 700 - عن عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة والكلبي في قوله: {حتَّى إذا فزع عن قلوبهم} قالا: لما كانت الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم - فنزل الوحي مثل صوت الحديد، فأفزع الملائكة عليهم السلام ذلك {حتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوْبِهِمْ} قالوا: إذا جلي عن قلوبهم {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالَواْ الَحَقَّ وَهُوْ الْعَلِّي الْكَبِيْرِ}.

ما في قوله تعالى: {حتى إذا فزع عن قلوبهم. . . .} من أصول الإيمان

قتادة والكلبي في قوله: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} (¬1) قالا (¬2): لما كانت الفترة بين عيسى ومحمد، فنزل الوحي، قال قتادة: نزل مثل صوت الحديد على الصخر، فأفزع الملائكة ذلك، فقال: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} (1)، يقول: إذا جلى (¬3) عن قلوبهم {قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} (1). وهذه الآية وما فيها من الأحاديث المتعددة في الصحاح والسنن والمساند والآثار المأثورة عن السلف في تفسيرها، فيها أصول من أصول الإيمان، يبين بها ضلال من خالف ذلك من المتفلسفة الصابئية (¬4) والجهمية ونحو هؤلاء. ففيها ما دل عليه القرآن من أن الملائكة لا يشفعن إلّا من (¬5) بعد أن يأذن الله لهم، فضلًا عن أن يتصرفوا ابتداء، كما قال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلا بِإِذْنِهِ} (¬6) وقال سبحانه: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إلا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} (¬7) وقال: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إلا مِنْ ¬

_ (¬1) سورة سبأ. الآية 23. (¬2) في س: قال. (¬3) في جميع النسخ "خلى" والمثبت من تفسير الطبري، وابن كثير، والدر المنثور، عند تفسيرهم لقوله تعالى: {. . حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ. . .} الآية 23 من سورة سبأ. وسوف يذكر الشيخ -رحمه الله- معناها في الصفحة التالية. (¬4) في ط: الصابئة. (¬5) من: ساقطة من: س، ط. (¬6) سورة القرة، الآية: 255. (¬7) سورة الأنبياء، الآيات: 26 - 28.

بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} (¬1)، وقال: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا} (¬2) فأخبر سبحانه أنهم لا يسبقونه بالقول، ولا يعملون إلّا بأمره، وأنهم لا يتكلمون بالشفاعة إلّا من (¬3) بعد أن يأذن (¬4) لهم، وأنهم مع ذلك لا يعلمون ما قال {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} (¬5)، أي: جلى (¬6) عن قلوبهم فأزيل الفزع كما يقال: قردت البعير: إذا أزلت قراده، وتحوب (¬7) وتحرج وتأثم وتحنث إذا أزال (¬8) عن نفسه الحوب (¬9) والإثم والحرج والحنث، فإذا أزيل الفزع عن قلوبهم قالوا حينئذ: {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوْا الْحَقَّ} (¬10)، وفي كل ذلك تكذيب للمتفلسفة من الصابئية (¬11) ونحوهم، ومن أتباعهم من أصناف المتكلمة والمتصوفة والمتفقهة (¬12) الذين خلطوا الحنيفية بالصابئية (¬13) فيما يزعمونه من تعظيم العقول والنفوس التي يزعمون أنها هي الملائكة، وأنها متولدة عن الله لازمة ¬

_ (¬1) سورة النجم، الآية: 26. (¬2) سورة النبأ، الآية: 38. (¬3) من: ساقطة من: س، ط. (¬4) في س، ط: يأذن الله. (¬5) سورة سبأ، الآية: 23. (¬6) في جميع النسخ: خلى. والمثبت من: تفسير الطبري، وابن كثير، والدر المنثور. وتقدمت اللفظة في الصفحة السابقة. (¬7) في ط: تحرب. والحوب: الإثم. انظر: مختار الصحاح ص: 160، (حوب). (¬8) في الأصل: زال. والمثبت من: س، ط. (¬9) في ط: الحرب. وهو خطأ. (¬10) سورة سبأ، الآية: 23. (¬11) في ط: الصابئة. (¬12) في ط: المتعمقة. (¬13) في س، ط: الصابئة.

لذاته، وهي المدبرة للعالم بطريق التولد والتعليل، لا بأمر من الله وإذن يكون إذا شاء، بل يجعلون الَّذي (¬1) يسمونه العقل الفعال هو المدبر لهذا العالم من غير أن يحدث الله نفسه شيئًا أصلًا، ولهذا عبد هؤلاء الملائكة والكواكب وعظموا ذلك جدًّا، وهذه النصوص المتواترة تكذبهم، وتبين بعدهم عن الحق بمراتب متعددة خمسة وأكثر. فإن المرتبة الأولى: أن الملائكة هل تتصرف وتتكلم، كما يفعل ذلك سائر الأحياء بغير إذن من الله وأمر وقول؟ وإن كان الله خالق (¬2) أفعالهم، كما هو خالق أفعال الحيوان كله، فإن الحيوان من الجن والإنس والبهائم، وإن كان الله خالق أفعالهم فإن أفعالهم قد تكون معصية، وقد تكون غير مأمور بها ولا منهي عنها، بل يتصرفون بموجب إرادتهم، وإن كانت مخلوقة والملائكة ليسوا كذلك، بل لا يسبقونه بالقول، وهم بأمره يعملون، فلا يفعلون ما يكون من جنس المباحات والمنهيات، بل لا يفعلون إلّا ما هو من الطاعات. والمرتبة الثانية: أنهم لا يشفعون إلّا لمن ارتضى، فلا يشفعون عنده لمن لا يحب الشفاعة له، كما قد يفعله بعض من يدعو الله بما لا يحبه. والمرتبة الثالثة: أنهم (¬3) لا يبتدئون بالشفاعة، فلا يشفعون إلّا بعد أن يأذن لهم في الشفاعة. والمرتبة الرابعة: أنهم لا يستأذنون في أن يشفعوا إذ هم لا يسبقونه بالقول، بل هو يأذن لهم في الشفاعة ابتداء، فيأمرهم بها فيفعلونها عبادة لله وطاعة. ¬

_ (¬1) في س: الذين. (¬2) في الأصل: خلق. والمثبت من: س، ط. (¬3) في س، ط: أنهم أيضًا.

والمرتبة الخامسة: أنهم يسجدون إذا سمعوا كلامه وأمره وإذنه، لم يطيقوا فهمه ابتداء، بل خضعت وفزعت وضربت بأجنحتها وصعقت وسجدت، فإذا فزع عن قلوبهم فجلى عنهم الفزع {قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} (¬1)، فهذا (¬2) حالهم عند (¬3) تكلمه بالوحي، وأما وحي كلامه الَّذي يبعث به رسله، كما أنزل القرآن، وأما أمره الَّذي يقضي به من أمر بكونه، فذلك حاصل في أمر التشريع وأمر التكوين، ولهذا قال سبحانه {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} (2) و (حتَّى) حرف غاية يكون ما بعدها داخلًا فيما قبلها، ليست بمنزلة (إلى) التي قد يكون ما بعدها خارجًا عما قبلها، كما في قوله: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى الْلَّيلِ} (¬4)، وهي سواء كانت حرف عطف أو حرف جر تتضمن (¬5) ذلك، وما بعدها يكون النهاية التي ينبه بها على ما قبلها فتقول: قدم الحجاج (¬6) حتَّى المشاة، فقدوم المشاة تنبيه على قدوم الركاب، وتقول: أكلت السمكة حتَّى رأسها، فأكل رأسها تنبيه على غيره، فإن أكل رؤوس السمك قد يبقى (¬7) في العادة. وهذه الآية أخبر فيها - سبحانه - أنَّه ليس لغير ملك ولا شرك في الملك، ولا معاونة ولا شفاعة إلّا بعد إذنه، فقال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22) وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إلا لِمَنْ ¬

_ (¬1) سورة سبأ، الآية: 23. (¬2) في س، ط: فهذه. (¬3) في س: عن. (¬4) سورة البقرة، الآية: 187. (¬5) في الأصل، س: يتضمن. والمثبت من: ط. (¬6) في س: الحاج. (¬7) في الأصل: ينفي. والمثبت من: س، ط.

أَذِنَ لَهُ} (¬1)، ثم قال: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} (¬2)، والضمير في قوله (عن قلوبهم) يعود إلى ما دل عليه قوله (من أذن له)، فإن الملائكة يدخلون في قوله: (من أذن له)، ودل عليه قوله: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ} (¬3)، فإن الملائكة تدخل في ذلك، فسلبهم الملك والشركة والمعاونة والشفاعة إلّا بإذنه، ثم بين ذلك حتَّى إنه إذا تكلم لا يثبتون لكلامه ولا يستقرون بل يفزعون، ثم إذا (¬4) أزيل عنهم الفزع يقولون {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ} (¬5)، وذلك أن ما بعد (حتَّى) هنا جملة تامة، وقوله: {إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} والعامل في (إذا) هو قوله: (قالوا ماذا) وإذا ظرف لما يستقبل من الزمان متضمن معنى الشرط، أي: لما زال الفزع عن قلوبهم، قالوا ماذا قال ربكم، والغاية بعد حتَّى يكون مفردًا كما تقدم، ويكون جملة، ومنه قوله: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ} (¬6)، وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ} (¬7). ¬

_ (¬1) سورة سبأ، الآيتان: 22، 23. (¬2) سورة سبأ، الآية: 23. (¬3) سورة سبأ، الآية: 22. (¬4) في س: بل يفزعون ولا يفهمون بل هم يفزعون ثم إذا. . . وفي ط: بل يفزعون ولا يفهمون ثم إذا. . . (¬5) سورة سبأ. الآية: 23. تكرر في الأصل كلمة (الحق) في الآية. (¬6) سورة الزخرف، الآيات: 36 - 38. (¬7) سورة يونس، الآية: 22.

فأخبر عن ضلال أولئك إلى تلك الغاية، وعن تسيير هؤلاء إلى هذه الغاية. وكذلك قوله: {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا} (¬1). . . الآية. وكذلك قوله: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا} (¬2). وكذلك قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إلا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ} إلى قوله: {لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ (109) حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} (¬3). * * * ¬

_ = (البحر) ساقطة من: س. (¬1) سورة الأعراف، الآية: 38. (¬2) سورة الأنعام، الآية: 44. (¬3) سورة يوسف، الآيتان: 109، 110. في الأصل: (يوحي) بدلًا من (نوحي). وهو خطأ.

(فصل) ولما قالوا: ولا تقول إن كلام الله حرف وصوت قائم به

فصل ولما (¬1) قالوا: ولا تقول (¬2): إن كلام الله حرف وصوت قائم به، بل هو معنى قائم بذاته. قلت إخبارًا عما وقع مني قبل ذلك: ليس في كلامي هذا -أيضًا- بل قول القائل: إن القرآن حرف وصوت قائم به بدعة، وقوله: إنه معنى قائم به بدعة، لم يقله (¬3) أحد من السلف، لا هذا، ولا هذا، وأنا ليس في كلامي شيء من البدع، بل في كلامي ما أجمع عليه السلف أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وهذا كلام صحيح، فلم أقل: إن الحروف ليست من كلام الله، وإن المعاني ليست من كلام الله، ولا إن الله -تعالى- لم يتكلم بالحروف والأصوات ومعاني قائمة في نفسه، ولكن بينت أن من جعل القرآن مجرد حرف وصوت قائم بالله فإنه مبتدع، وقوله يتضمن أن المعاني ليست من القرآن، ولا من كلام الله، ومن جعل القرآن مجرد معنى قائم به مبتدع، وقوله يتضمن أن حروف (¬4) القرآن ليست من (¬5) القرآن، ولم يتكلم الله بها وأن جميع كلام الله ليس إلّا معنى واحدًا (¬6)، وقد قلت قبل هذا في جواب الفتيا المصرية (¬7)، وقد قيل فيها: ¬

_ (¬1) في س، ط: فلما. (¬2) في الأصل: نقول، وفي س: تقولوا. والمثبت من: ط. (¬3) في س، ط: يقل. (¬4) في الأصل: الحروف. والمثبت من: س، ط. (¬5) من: غير واضحة في: الأصل. وأثبتها من: س، ط. (¬6) في الأصل، س: واحد. والمثبت من: ط. (¬7) تقدم الكلام عليها ص: 299 وانظر السؤال والإجابة عليه في مجموع الفتاوى =

إجابة الشيخ

المسؤول (¬1) بيان ما يجب على الإنسان أن يعتقده ويصير به مسلمًا بأوضح عبارة وأبينها من أن ما في المصاحف هو كلام الله القديم؟ أم هو عبارة عنه لا نفسه، وأنه حادث أو قديم؟ وأن كلام الله حرف وصوت؟ أم كلامه صفة قائمة به لا تفارقه؟ وأن قوله تعالى (¬2): {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (¬3)، حقيقة أم لا؟ وأن الإنسان إذا أجرى القرآن على ظاهره من غير أن يتأول شيئًا منه، ويقول (¬4) أؤمن به كما أنزل هل يكفيه ذلك [في] (¬5) الاعتقاد؟ أم يجب عليه التأويل؟ فقلت في الجواب: الَّذي يجب على الإنسان اعتقاده في ذلك وغيره، ما دل عليه كتاب الله، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، واتفق عليه سلف المؤمنين، الذين أثنى الله -تعالى- على من اتبعهم، وذم من اتبع غير سبيلهم (¬6)، وهو أن القرآن الَّذي أنزله على عبده ورسوله كلام الله - تعالى - وأنه منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، وأنه قرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلّا المطهرون، وأنه قرآن مجيد في لوح محفوظ، وأنه كما قال: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} (¬7)، وأنه في الصدور، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "استذكروا القرآن فلهو أشد (¬8) تفصيًا (¬9) ¬

_ = 12/ 235 - 245. (¬1) في س: المسؤول فيها. (¬2) تعالى: كررت في: س. (¬3) سورة طه، الآية: 5. (¬4) في الأصل، س، ونقول. والمثبت من: ط والمجموع. (¬5) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والمجموع. (¬6) في الأصل، س: سبيله. والمثبت من: ط والمجموع. (¬7) سورة الزخرف، الآية: 4. (¬8) في س: اشتد. وهو خطأ. (¬9) تفصيًا: أي: تخلصًا وخروجًا. انظر: النهاية -لابن الأثير- 3/ 452.

من صدُور الرجال من النعم من عقلها" (¬1). وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الجوف الَّذي ليس فيه شيء من القرآن كالبيت الخرب" (¬2). وإن ما بين لوحي المصحف الَّذي كتبته الصحابة - رضي الله عنهم - كلام الله كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن تناله أيديهم" (¬3). فهذه الجملة تكفي المسلم في هذا الباب. وأما تفصيل ما وقع في ذلك من النزاع، فكثير منه يكون كلا الإطلاقين (¬4) خطأ، ويكون الحق في التفصيل، ومنه ما يكون مع كل من ¬

_ (¬1) الحديث بهذا اللفظ رواه مسلم في صحيحه 1/ 544 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها - باب فضائل القرآن وما يتعلق به. الحديث / 28، وقد ورد فيه: "من النعم بعقلها". وأول الحديث: عن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بئسما لأحدهم يقول: نسيت آية كيت وكيت، بل هو نسيّ استذكروا القرآن. . ". ورواه البخاري 6/ 109 كتاب فضائل القرآن - باب استذكار القرآن وتعاهده مع اختلاف يسير في اللفظ. (¬2) رواه الترمذي عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الَّذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب". وقال: هذا حديث حسن صحيح. وسنن الترمذي 5/ 177 كتاب فضائل القرآن - الباب رقم 18 - الحديث / 2913. ورواه الدارمي وأحمد - رضي الله عنهما - عن ابن عباس بلفظ: "إن الرجل الَّذي. . . " الحديث. سنن الدارمي 2/ 308 - كتاب فضائل القرآن - باب فضل من قرأ القرآن الحديث / 3309. ورواه الإمام أحمد في مسنده 1/ 223. (¬3) سبق تخريجه ص: 440. (¬4) في جميع النسخ "كالإطلاقين" ولعل الصواب ما أثبته من المجموع.

النهي عن التفرق والاختلاف

المتنازعين نوع من الحق، ويكون كل منهما ينكر (¬1) حق صاحبه، وهذا من التفرق والاختلاف الَّذي ذمه الله تعالى، ونهى عنه فقال: {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} (¬2)، وقال: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} (¬3)، وقال: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (¬4)، وقال: {وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إلا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} (¬5). فالواجب على المسلم أن يلزم سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسنة خلفائه الراشدين، والسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، وما تنازعت فيه الأمة وتفرقت فيه إن أمكنه أن يفصل النزاع بالعلم والعدل، وإلَّا استمسك بالجمل (¬6) الثابتة بالنص والإجماع، وأعرض عن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا، فإن مواضع التفرق والاختلاف عامتها تصدر عن اتباع الظن وما تهوى الأنفس، ولقد جاءهم من ربهم الهدى. وقد بسطت القول في جنس هذه المسائل ببيان ما كان عليه سلف الأمة الَّذي اتفق عليه العقل والسمع، وبيان ما يدخل في هذا الباب من الاشتراك والاشتباه والغلط في مواضع متعددة (¬7)، ولكن نذكر منها جملة ¬

_ (¬1) في الأصل: ولا يكون كل منهما يذكر. والمثبت من: س، ط والمجموع. (¬2) سورة البقرة، الآية: 176. (¬3) سورة آل عمران، الآية: 105. في س: (جاءتهم) وهو خطأ. (¬4) سورة آل عمران، الآية: 103. (¬5) سورة البقرة، الآية: 213. (¬6) في الأصل: الجملة. والمثبت من: س، ط والمجموع. (¬7) شيخ الإسلام -رحمه الله- بسط القول في هذا في كتابه القيم "درء تعارض العقل والنقل 1/ 256 - 257 " وأوضح افتراق أهل الحديث في هذه المسألة وما سببه هذا الافتراق. فليراجع.

التفصيل المختصر: أن من اعتقد أن المداد الذي في المصحف وأصوات العباد قديمة أزلية فهو ضال مخطئ

مختصرة، بحسب حال السائل (¬1)، بعد الجواب بالجمل (¬2) الثابتة بالنص والإجماع، ومنعهم من الخوض في التفصيل الَّذي يوقع بينهم الفرقة والاختلاف، فإن الفرقة والاختلاف من أعظم ما نهى الله عنه ورسوله. والتفصيل المختصر (¬3) أن نقول: من اعتقد أن المداد الَّذي في المصحف وأصوات العباد قديمة أزلية فهو ضال مخطئ، مخالف للكتاب والسنة وإجماع الأولين وسائر علماء المسلمين (¬4)، ولم يقل أحد قط من علماء المسلمين أن ذلك قديم، لا من أصحاب (¬5) أحمد ولا من غيرهم، ومن نقل قدم ذلك عن أحد من علماء أصحاب الإمام أحمد، فهو مخطئ في النقل، أو متعمد للكذب، بل المنصوص عن الإمام أحمد وعامة أصحابه تبديع (¬6) من قال: لفظي بالقرآن غير مخلوق، كما جهموا من قال: اللفظ بالقرآن مخلوق (¬7). ¬

_ (¬1) في الأصل: المسائل. والمثبت من: س، ط والمجموع. (¬2) في الأصل: الجملة. والمثبت من: س، ط والمجموع وقد جاء فيه: والواجب أمر العامة بالجمل. . . (¬3) في س: المختص. (¬4) في س، ط: الإسلام. (¬5) في س، ط: أصحاب الإمام. (¬6) في س: بتبديع. (¬7) نقل اللالكائي في كتابه "شرح اعتقاد أهل السنة والجماعة 2/ 355 " عن محمد بن جرير الطبري قال: "وأما القول في ألفاظ العباد بالقرآن فلا أثر فيه نعلمه عن صحابي مضى ولا عن تابعي قفا إلَّا عن من في قوله الشفا والغناء، وفي اتباعه الرشد والهدى ومن يقوم لدينا مقام الأئمة الأولى: أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، فإن أبا إسماعيل الترمذي حدثني قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل يقول: اللفظية جهمية، قال الله تعالى: {حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامُ اللهِ} ممن يسمع؟ قال ابن جرير: وسمعت جماعة من أصحابنا لا أحفظ أسماءهم يحكون عنه أنَّه كان يقول: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال غير مخلوق =

وقد صنف أبو بكر المروذي أخص أصحاب الإمام أحمد به في ذلك رسالة كبيرة (¬1) مبسوطة، ونقلها عنه أبو بكر الخلال في كتاب "السنة" الَّذي جمع فيه كلام الإمام أحمد وغيره من أئمة المسلمين في أبواب الاعتقاد، وكان بعض أهل الحديث (¬2) إذ ذاك أطلق القول: بأن لفظي بالقرآن غير مخلوق معارضة لمن قال: لفظي بالقرآن مخلوق، فبلغ ذلك الإمام أحمد فأنكر (¬3) ذلك إنكارًا شديدًا، وبدع من. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = فهو مبتدع. قال ابن جرير: ولا قول عندنا في ذلك يجوز أن نقوله غير قوله إذا لم يكن لنا إمام نأتم به سواه وفيه الكفاية والمقنع، وهو الإمام المتبع". وقد نقل عبد الله عن أبيه الإمام أحمد -رحمه الله- بعض أقواله في اللفظية في كتاب "السنة ص: 28، 29 " كما أثبت الخلال في كتابه "السنة" مخطوط - اللوحة: 187 فما بعدها بعض أقوال الإمام أحمد -رحمه الله- وأنه جهم من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، وبدع من قال: غير مخلوق. (¬1) تقدم الكلام على هذه الرسالة. (¬2) يقول شيخ الإسلام -رحمه الله- في "درء تعارض العقل والنقل 1/ 262 ": "وكان أهل الحديث قد افترقوا في ذلك. فصار طائفة منهم يقولون: لفظنا بالقرآن مخلوق، ومرادهم أن القرآن المسموع غير مخلوق، وليس مرادهم صوت العبد، كما يذكر ذلك عن أبي حاتم الرازي، ومحمد بن داود المصيصي، وطوائف غير هؤلاء. وفي أتباع هؤلاء من قد يدخل صوت العبد أو فعله في ذلك أو يقف فيه. ففهم ذلك بعض الأئمة فصار يقول: أفعال العباد أصواتهم مخلوقة ردًّا لهؤلاء، كما فعل البخاري ومحمد بن نصر المروزي وغيرهما من أهل العلم والسنة. وصار يحصل بسبب كثرة الخوض في ذلك ألفاظ مشتركة، وأهواء للنفوس، حصل بسبب ذلك نوع من الفرقة والفتنة". وذكر ابن قتيبة في كتابه "اختلاف اللفظ" ضمن مجموعة عقائد السلف جمع علي سامي النشار وعمار الطالبي ص: 245 فما بعدها" اختلاف أهل الحديث في هذ المسألة. (¬3) إنكار الإمام أحمد -رحمه الله- وغيره من أئمة السنة على هؤلاء وتبديعهم ذكره شيخ الإسلام في "درء تعارض العقل والنقل 1/ 260، 261 ".

خطأ من جعل ثبوت القرآن في الصدور والألسنة مثل ثبوت ذات الله في ذلك

قال (¬1) ذلك (¬2)، وأخبر أن أحدًا من العلماء لم يقل ذلك، فكيف بمن يزعم أن صوت العبد قديم؟ وأقبح من ذلك من يحكي عن بعض العلماء أن المداد الَّذي في المصحف قديم، وجميع أئمة أصحاب الإمام وغيرهم أنكروا ذلك، وما علمت أن عالمًا يقول ذلك، إلّا ما يبلغنا عن بعض الجهال، وقد ميز الله في كتابه بين الكلام والمداد (¬3) فقال تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} (¬4)، فهذا خطأ من هذا الجانب. وكذلك من زعم أن القرآن محفوظ في الصدور، كما أن الله معلوم بالقلوب، وأنه متلو بالألسن، كما أن الله مذكور بالألسن، وأنه مكتوب في المصحف، كما أن الله مكتوب، وجعل ثبوت القرآن في الصدور والألسن والمصاحف مثل ثبوت ذات الله تعالى في هذه المواضع، فهذا -أيضًا- مخطئ في ذلك، فإن الفرق بين ثبوت الأعيان في المصحف وبين ثبوت الكلام فيها بين واضح، فإن الموجودات (¬5) لها أربع مراتب: مرتبة في الأعيان، ومرتبة في الأذهان، ومرتبة في اللسان، ومرتبة في البنان، فالعلم يطابق العين، واللفظ يطابق العلم، والخط يطابق اللفظ. فإذا قيل: إن العين في الكتاب كما في (¬6) قوله: {وَكُلُّ شَيْءٍ ¬

_ = وتقدمت الإشارة إلى كتابي: "السنة" لعبد الله بن أحمد بن حنبل، وأبي بكر الخلال وما ذكراه من أقوال الإمام أحمد وتبديعه لمن قال: لفظي بالقرآن غير مخلوق. (¬1) في ط: قاله. (¬2) ذلك: ساقطة من: س، ط. (¬3) فكلامه - سبحانه - غير مخلوق، والمداد الذي يكتب به كلامه مخلوق. (¬4) سورة الكهف، الآية: 109. (¬5) في هامش الأصل: بيان أن الموجودات لها أربع مراتب. . . (¬6) في: مكررة في: س.

خطأ من قال: إن المداد قديم، ومن قال: ليس في المصحف كلام الله، وإنما فيه المداد الذي هو عبارة عن كلام الله

فَعَلُوهُ فِي الْزُّبُرِ} (¬1) فقد علم أن الَّذي في الزبر إنما هو الخط المطابق للعلم، فبين الأعيان وبين المصحف (¬2) مرتبتان، وهما (¬3): اللفظ والخط. وأما الكلام نفسه فليس بينه وبين الصحيفة مرتبة، بل نفس الكلام يجعل في الكتاب، وإن كان بين الحرف الملفوظ والحرف المكتوب فرق من وجه آخر، إلَّا إذا أريد أن الَّذي في المصحف هو ذكره والخبر عنه مثل قوله: {إِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ}، إلى قوله: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ} (¬4). فالذي في زبر الأولين ليس هو نفس القرآن المنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - فإن هذا القرآن لم ينزل على أحد قبله - صلى الله عليه وسلم - ولكن في زبر الأولين ذكر القرآن وخبره، كما فيها ذكر محمد - صلى الله عليه وسلم - وخبره، كما أن أفعال العباد في الزبر، كما قال تعالى: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ} (¬5)، فيجب الفرق بين كون هذه الأشياء في الزبر، وبين كون الكلام نفسه في الزبر، كما قال تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ} (¬6)، وقال تعالى: {رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} (¬7). فمن قال: إن المداد قديم فقد أخطأ، ومن قال ليس في المصحف كلام الله وإنما فيه المداد الَّذي هو عبارة عن كلام الله فقد أخطأ، بل القرآن ¬

_ (¬1) سورة القمر، الآية: 52. (¬2) في الأصل: الصحف. والمثبت من: س، ط. (¬3) في جميع النسخ: وهي. ولعل ما أثبته يستقيم به الكلام. (¬4) سورة الشعراء، الآيات: 192 - 196. في س، ط: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ. . .}. (¬5) سورة القمر، الآية: 52. (¬6) سورة الواقعة، الآيتان: 77، 78. (¬7) سورة البينة، الآيتان: 2، 3.

السؤال عما في المصحف هل هو حادث أو قديم؟ سؤال مجمل

في المصحف، كما أن سائر الكلام في الورق، كما عليه الأمة مجمعة، وكما هو في قطر المسلمين، فإن كل مرتبة لها حكم يخصها وليس (¬1) وجود الكلام في الكتاب كوجود الصفة بالموصوف، مثل وجود العلم والحياة [في] (¬2) محلها (¬3)، حتَّى يقال: إن صفة الله حلت بغيره، أو فارقته، ولا وجود (¬4) فيه كالدليل المحض، مثل وجود العالم الدال على الباري تعالى: حتَّى يقال: ليس فيه إلّا ما هو علامة على كلام الله - عز وجل -، بل هو قسم آخر، ومن لم يعط كل مرتبة مما يستعمل فيها أداة الظرف حقها، فيفرق بين وجود الجسم في الحيز وفي المكان، ووجود العرض للجسم، ووجود الصورة بالمرأة، ويفرق بين رؤية الشيء بالعين يقظة، وبين رؤيته بالقلب يقظة ومنامًا، ونحو ذلك، وإلا اضطربت عليه الأمور. وكذلك سؤال السائل عما في المصحف هل هو حادث أو قديم؟ سؤال مجمل، فإن لفظ القديم (¬5) أولًا ليس مأثورًا عن السلف، وإنما ¬

_ (¬1) في س: ولئن. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: ط والمجموع. (¬3) في الأصل: مثل وجود العلم بالحياة محلها. والمثبت من: س، ط والمجموع. (¬4) في س، ط: ولا وجوده. (¬5) السلف -رحمهم الله تعالى- لم يؤثر عنهم إطلاق لفظ "القديم" على الكلام المعين نفسه، ولا على القرآن، مرادًا به المداد الَّذي كتب به القرآن والأوراق والجلد المحفوظ، بأنه قديم، ولذا نجد شيخ الإسلام -رحمه الله- يقول: "إن السلف قالوا: كلام منزل غير مخلوق، وقالوا: لم يزل متكلمًا إذا شاء فبينوا أن كلام الله: قديم لم يزل -أي: جنسه قديم- ولم يقل أحد منهم: إن نفس الكلام المعين قديم، ولا قال أحد منهم: القرآن قديم، بل قالوا: إن كلام الله منزل غير مخلوق، وإذا كان الله قد تكلم بالقرآن بمشيئته كان القرآن كلامه، وكان منزلًا منه غير مخلوق، ولم يكن مع ذلك أزليًّا قديمًا بقدم الله وإن كان الله لم يزل متكلمًا إذا شاء فجنس كلامه قديم". . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . =

الَّذي اتفقوا عليه أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وهو كلام الله حيث تلي وحيث كتب، وهو قرآن واحد، وكلام واحد، وإن تنوعت الصور التي يتلى فيها ويكتب، من أصوات العباد ومدادهم، فإن الكلام (¬1) كلام من قاله مبتدئًا لا كلام من بلغه مؤديًا. فإذا سمعنا محدثًا يحدث بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الأعمال بالنيات" (¬2). قلنا: هذا كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لفظه ومعناه، مع علمنا أن الصوت صوت المبلغ، لا صوت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهكذا كل من بلغ كلام غيره من نظم ونثر، ونحن إذا قلنا هذا كلام الله، لما نسمعه من القارئ ونرى في المصحف، فالإشارة إلى الكلام من حيث هو هو، مع قطع النظر عما اقترن به البلاع من صوت المبلغ ومداد الكاتب، فمن قال: ¬

_ = راجع: مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية -كتاب مذهب السلف القويم في تحقيق مسألة كتاب الله الكريم - 3/ 1 / 380، 381. وشيخ الإسلام -رحمه الله- بين هذه المسألة غاية البيان في كتابه العظيم "درء تعارض العقل والنقل 2/ 310 - 323 ". (¬1) في س: الكلام. (¬2) أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنما الأعمال. . . " الحديث. صحيح البخاري 1/ 2 باب كيف كان بدء الوحي. ومسلم بلفظ: "إنما الأعمال بالنِّيَّة. . . " 3/ 1515 كتاب الإمارة - باب قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الأعمال بالنِّيَّة" الحديث / 155. وهذا الحديث اتفق العلماء على صحته، وتلقيه بالقبول، وهو أحد الأحاديث التي يدور الدين عليها. يقول الشافعي -رحمه الله-: "هذا الحديث ثلث العلم، ويدخل في سبعين بابًا من الفقه". وعن الإمام أحمد -رحمه الله- قال: "أصول الإسلام على ثلاثة أحاديث. . . " وذكر أن أحدها حديث عمر - رضي الله عنه. انظر: جامع العلوم والحكم -لابن رجب- ص: 5.

صوت القارئ، ومداد الكاتب، كلام الله الَّذي ليس بمخلوق، فقد أخطأ، وهذا الفرق الَّذي بينه الإمام أحمد لمن سأله، وقد قرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (¬1)، فقال: هذا كلام الله غير مخلوق، فقال: نعم، فنقل السائل عنه أنَّه قال: لفظي بالقرآن غير مخلوق، فدعا به وزبره زبرًا (¬2) شديدًا، وطلب عقوبته وتعزيره، وقال أنا قلت لك: لفظي بالقرآن غير مخلوق؟ فقال: لا، ولكن قلت لي لما قرأت: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (¬3) هذا كلام الله غير مخلوق، قال: فلم تنقل عني ما لم أقله (¬4)؟. ¬

_ (¬1) سورة الصمد، الآية: 1. (¬2) زبره زبرًا شديدًا: أي: نهاه وانتهره. والزبر: الزجر والمنع. انظر: لسان العرب -لابن منظور - 4/ 315 (زبر). (¬3) سورة الصمد، الآية: 1. (¬4) أورده نحوه أبو بكر الخلال في المسند من مسائل أبي عبد الله أحمد بن حنبل (السنة -مخطوط- اللوحة 196 - فقال: "أخبرني محمد بن علي الوراق، حدثنا صالح قال: تناهى إلى أبي أن أبا طالب يحكي عن أبي أنَّه يقول: لفظي بالقرآن غير مخلوق، فأخبرت أبي بذلك. فقال: من أخبرك؟ قلت: فلان. قال: ابعث إلى أبي طالب، فوجهت إليه فجاء، وجاء فوران. فقال له أبي: أنا قلت لك لفظي بالقرآن غير مخلوق؟! وغضب وجعل يرعد فقال: قرأت عليك {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، فقلت لي: ليس هذا بمخلوق. قال له: لم حكيت عني أني قلت اك: لفظي بالقرآن غير مخلوق؟ وبلغني أنك وضعت ذلك في كتابك وكتبت به إلى قوم، فإن كان في كتابك فامحه أشد المحو، واكتب إلى القوم الذين كتبت إليهم أني لم أقل هذا، وغضب، وأقبل عليه فقال: تحكي عني ما لم أقل لك. فجعل فوران يعتذر إليه. . فعاد أبو طالب وذكر أنَّه حك ذلك من كتابه، وأنه كتب إلى القوم يخبرهم أنَّه وهم على أبي عبد الله". يقول الذهبي -في سير أعلام النبلاء 11/ 288، 289 - بعد ذكره لما تقدم: =

كلام الله هل هو حرف وصوت أم لا؟ إطلاق الجواب نفيا وإثباتا خطأ

فبين الإمام أحمد أن القائل إذا قال لما سمعه من المبلغين المؤدين هذا كلام الله، فالإشارة إلى حقيقته التي تكلم الله بها، وإن كنا إنما سمعناها (¬1) ببلاغ المبلغ وحركته وصوته، فإذا أشار إلى شيء من صفات المخلوق لفظه أو صوته (¬2) أو فعله، وقال: هذا غير مخلوق، فقد ضل وأخطأ. فالواجب أن يقال: القرآن كلام الله غير مخلوق، فالقرآن في المصاحف كما أن سائر الكلام في المصحف ولا يقال: إن شيئًا من المداد والورق غير مخلوق، بل كل ورق ومداد في العالم فهو مخلوق. ويقال -أيضًا-: القرآن الَّذي في المصحف كلام الله غير مخلوق، والقرآن الَّذي يقرؤه المسلمون كلام الله غير مخلوق. ويتبين هذا بالجواب عن المسألة الثانية، وهو قوله: إن كلام الله هل هو حرف وصوت أم لا؟ فإن إطلاق الجواب في هذه المسألة نفيًا وإثباتًا خطأً، وهي من البدع المتولدة (¬3) الحادثة بعد المائة الثالثة، لما قال قوم من متكلمة الصفاتية (¬4): إن كلام الله الَّذي أنزله على أنبيائه كالتوراة والإنجيل والقرآن والذي لم ينزله، والكلمات التي كون بها الكائنات، والكلمات المشتملة على أمره وخبره، ليس إلَّا مجرد معنى واحد، هو صفة واحدة ¬

_ = "الَّذي استقر الحال عليه أن أبا عبد الله كان يقول: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق فهو مبتدع وأنه قال: من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي. فكان -رحمه الله- لا يقول هذا ولا هذا، وربما أوضح ذلك فقال: "من قال لفظي بالقرآن مخلوق يريد به القرآن فهو جهمي". (¬1) في س: سمعنا. (¬2) في الأصل: صورته. والمثبت من: س، ط والمجموع. (¬3) في س، ط: المولده. (¬4) مثل ابن كلاب والأشعري وغيرهما.

الصواب الذي عليه سلف الأمة

قامت (¬1) بالله إن عبر عنها بالعبرانية كانت التوراة [وإن عبر عنها بالسريانية كانت الإنجيل] (¬2)، وإن عبر عنها بالعربية كانت القرآن، وإن الأمر والنهي والخبر صفات لها، لا أقسام لها، وإن حروف القرآن مخلوقة خلقها الله ولم يتكلم بها وليست من كلامه، إذ كلامه لا يكون بحرف وصوت. عارضهم آخرون من المثبتة (¬3) فقالوا: بل القرآن هو الحروف والأصوات وتوهم قوم أنهم يعنون بالحروف المداد، وبالأصوات أصوات العباد، وهذا لم يقله عالم. والصواب الَّذي عليه سلف الأمة، كالإمام أحمد، والبخاري صاحب الصحيح في كتاب خلق أفعال العباد وغيره، وسائر الأئمة قبلهم وبعدهم، اتباع النصوص الثابتة، وإجماع سلف الأمة، وهو أن القرآن جميعه كلام الله، حروفه ومعانيه، ليس شيء (¬4) من ذلك كلامًا لغيره، ولكن أنزله على رسوله (¬5)، وليس القرآن اسمًا لمجرد المعنى، ولا لمجرد الحرف، بل لمجموعهما (¬6)، وكذلك سائر الكلام ليس هو الحروف فقط، ولا المعاني فقط، كما أن الإنسان المتكلم الناطق ليس هو مجرد الروح، ولا مجرد الجسد، بل مجموعهما، وأن الله تعالى ¬

_ (¬1) في س: قائمة. (¬2) ما بين المعقوفتين أضفته لإتمام الكلام. (¬3) عندما رأى جمهور أهل السنة من الفقهاء وأهل الحديث ما في كلام الأشعرية الكلابية وأتباعهم من البدعة أظهروا خلاف ذلك، وأطلق من أطلق منهم أن كلام الله حرف وصوت. وهم لا يعنون بالحروف المداد، ولا بالأصوات أصوات العباد، فإن هذا لم يؤثر عنهم. (¬4) في الأصل، س: شيئًا. والمثبت من: ط والمجموع. (¬5) في جميع النسخ: رسله. ولعل الصواب ما أثبت من المجموع. (¬6) في س: لمجموعها.

متكلم بصوت، كما جاءت به الأحاديث الصحاح (¬1)، وليس ذلك كأصوات العباد، لا صوت القارئ ولا غيره، وأن الله ليس كمثله شيء، لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، فكما لا يشبه علمه وقدرته وحياته علم المخلوق وقدرته وحياته فكذلك لا يشبه كلامه كلام المخلوقين (¬2)، ولا معانيه تشبه معانيه، ولا حروفه تشبه حروفه، ولا صوت الرب يشبه صوت العبد، فمن شبه الله بخلقه فقد ألحد في أسمائه وآياته [ومن جحد ما وصف به نفسه فقد ألحد في أسمائه وآياته] (¬3) وقد كتبت في الجواب المبسوط المستوفي (¬4) مراتب مذاهب ¬

_ (¬1) فمن ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن عبد الله بن أنيس قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يحشر الله العباد فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك، أنا الديان". صحيح البخاري 8/ 194 كتاب التوحيد - باب قوله تعالى {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} الآية. ومن ذلك -أيضًا- ما رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يقول الله يا آدم، فيقول: لبيك وسعديك، فينادي بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثًا إلى النار". المصدر السابق: نفس الجزء والكتاب والباب ص: 195. وتقدم نقل الشيخ -رحمه الله- عن البخاري في خلق أفعال العباد. والإمام أحمد في الرد على الجهمية والزنادقة: أن الله يتكلم بصوت يليق بجلاله وعظمته لا يشبه صوت المخلوقين انظر ص: 380 - 384. (¬2) في س، ط: المخلوق. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من: س. (¬4) سوف يذكر الشيخ -رحمه الله- بعد قليل - أن هذا لفظ الجواب في الفتيا المصرية - ولعله المقصود هنا بالجواب المبسوط. تقدم الكلام على الفتيا المصرية. وانظر مذاهب الناس في هذه المسألة في: مجموع فتاوى ابن تيمية 12/ 162 - 167. وجامع الرسائل والمسائل -كتاب مذهب السلف القويم في تحقيق مسألة كلام =

قول الفلاسفة والجهمية ومتكلمة الصفاتية في كلام الله

أهل الأرض في ذلك، وأن المتفلسفة تزعم أن كلام الله ليس له وجود إلَّا في نفوس (¬1) الأنبياء تفيض (¬2) عليهم المعاني من العقل الفعال، فيصير في نفوسهم حروفًا، كما أن ملائكة (¬3) الله عندهم ما يحدث في نفوس الأنبياء من الصور النورانية، وهذا من جنس قول فيلسوف (¬4) قريش: الوليد بن المغيرة {إِنْ هَذَا إلا قَوْلُ الْبَشَرِ} (¬5). فحقيقة قولهم: إن القرآن تصنيف الرسول الكريم، لكنه كلام شريف صادر عن نفس صافية. وهؤلاء هم (¬6) الصابئية (¬7)، فتقربت منهم الجهمية فقالوا: إن الله لم يتكلم ولا يتكلم ولا قام به كلام، وإنما كلامه ما يخلقه في الهواء أو غيره، فأخذ (¬8) ببعض ذلك قوم من متكلمة الصفاتية فقالوا: بل نصْفُه -وهو المعنى- كلام الله، ونصفه -وهو الحروف- ليس كلام الله، بل هو خلق من خلقه. وقد تنازع الصفاتية القائلون بأن القرآن غير مخلوق، هل يقال: إنه قديم لم يزل ولم يتعلق بمشيئته؟ أم يقال: يتكلم إذا شاء ويسكت إذا شاء؟ على قولين مشهورين في ذلك، ذكرهما الحارث المحاسبي (¬9) عن ¬

_ = الله الكريم 1/ 3 / 358، 359 - 368، 372 - 382، 454 - 464. (¬1) في س: إلا نفوس. (¬2) في ط: تفاض. (¬3) في الأصل: الملائكة. والمثبت من: س، ط. (¬4) في الأصل: فيلفوس. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط. (¬5) سورة المدثر، الآية: 25. (¬6) هم: ساقطة من: س. (¬7) في س، ط: الصابئة. (¬8) في س: فأخذه. (¬9) ذكر الحارث المحاسبي القولين عن أهل السنة في كتاب "فهم القرآن" ص: 345 ورجح قول ابن كلاب في هذه المسألة، ولهذا أمر الإمام أحمد -رحمه الله- =

أهل السنة، وذكرهما أبو بكر عبد العزيز (¬1) عن أهل السنة من أصحاب الإمام أحمد وغيرهم. وكذلك النزاع بين أهل الحديث والصوفية، وفرق الفقهاء من المالكية والشافعية والحنفية والحنبلية، بل وبين فرق المتكلمين والفلاسفة في جنس هذا الباب، وليس هذا موضع بسط (¬2) ذلك، هذا لفظ الجواب في الفتيا المصرية. قلت (¬3): وأما سؤال السائل عن قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (¬4) فهو حق كما أخبر الله به، وأهل السنة متفقون على ما قاله ربيعة بن أبي عبد الرحمن (¬5)، ومالك بن أنس، وغيرهما من ¬

_ = بهجره. وقد ذكر شيخ الإسلام -رحمه الله- أن غير واحد ذكر أن الحارث رجع عن ذلك كأبي بكر الكلاباذي ومعمر بن زياد. انظر: درء تعارض العقل والنقل 2/ 6 - 7، 7/ 147 - 149. والتعريف لمذهب أهل التصوف - للكلاباذي - ص: 40. (¬1) تقدم أن الشيخ -رحمه الله- بين في درء تعارض العقل والنقل 2/ 18 أن أبا بكر عبد العزيز ذكر في كتاب "الشافي" القولين عن أصحاب أحمد -رحمه الله. (¬2) في س: لبسط. وفي ط: موضعًا لبسط. وقد أشار الشيخ -رحمه الله- في كتابه "درء تعارض العقل والنقل 2/ 19 - 20 " إلى هذا النزاع وفصل فيه قليلًا. (¬3) في هامش الأصل: قف على الكلام على قوله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}. (¬4) سورة طه، الآية: 5. (¬5) هو: أبو عثمان ربيعة بن أبي عبد الرحمن فروخ التيمي المدني، كان إمامًا فقيهًا مجتهدًا، بصيرًا بالرأي، ولذلك يقال له: ربيعة الرأي، روى عنه مالك بن أنس، وسفيان الثوري وغيرهما. قال عنه أحمد بن حنبل: ربيعة ثقة. توفي سنة 136 هـ. راجع: تاريخ بغداد - للبغدادي - 8/ 420 - 426. وتذكرة الحفاظ -للذهبي 1 - 1/ 157، 158.

خطأ من زعم أن الله مفتقر إلى عرش يقله أو أنه محصور فى سماء تظله

الأئمة (¬1): أن الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عن الكيف بدعة. فمن زعم أن الله مفتقر إلى عرش (¬2) يُقِلُّه، أو أنَّه محصور في سماء تظله، أو أنَّه محصور في شيء من مخلوقاته، أو أنَّه يحيط به جهة من جهات مصنوعاته (¬3) فهو مخطئ ضال، ومن قال: إنه ليس على العرش ربّ ولا فوق السماوات خالق، بل ما هناك (¬4) إلَّا العدم المحض، والنفي الصرف، فهو معطل جاحد لرب العالمين، مضاه لفرعون الَّذي قال: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} (¬5). بل أهل السنة والحديث، وسلف الأمة متفقون على أنَّه فوق سماواته [على عرشه] (¬6) بائن من خلقه، ليس في ذاته شيء من مخلوقاته ولا في مخلوقاته شيء من ذاته، وعلى ذلك نصوص الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمة السنة، بل على ذلك جميع المؤمنين والأولين والآخرين. وأهل السنة وسلف الأمة متفقون على أن من تأول (استوى) بمعنى استولى [أو بمعنى آخر ينفي (¬7) أن يكون الله فوق سماواته] (¬8) فهو جهمي ضال. ¬

_ (¬1) راجع قول ربيعة ومالك مع اختلاف يسير في اللفظ. وشرح اعتقاد أهل السنة والجماعة - للالكائي - 3/ 398. والأسماء والصفات - للبيهقي - ص: 408. (¬2) في الأصل: عرشه. والمثبت من: س، ط. (¬3) في الأصل، س: مصنوعات. والمثبت من: ط. (¬4) في س، ط: هنالك. (¬5) سورة غافر، الآيتان: 36، 37. (¬6) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬7) في س: يبقى. (¬8) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.

لفظ "الظاهر" فيه اشتراك في عرف المستأخرين

قلت: وأما سؤاله عن إجراء القرآن على ظاهره، فإنه إذا آمن بما وصف الله به نفسه ووصفه (¬1) به رسوله من غير تحريف ولا تكييف، فقد اتبع سبيل المؤمنين، ولفظ "الظاهر" في عرف المستأخرين قد صار فيه اشتراك، فإن أراد بإجرائه على الظاهر الَّذي هو (¬2) من خصائص المخلوقين حتَّى يشبه الله بخلقه، فهذا ضلال، بل يجب القطع بأن الله تعالى ليس كمثله شيء، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، وقد قال ابن عباس - رضي الله عنهما - ليس في الدنيا مما في الجنّة إلا الأسماء (¬3)، يعني أن موعود الله في الجنّة من الذهب والحرير والخمر واللبن تخالف حقائقه حقائق هذه الأمور الموجودة في الدنيا، فالله -تعالى- أبعد عن (¬4) مشابهة مخلوقاته بما لا يدركه العباد ليست (¬5) حقيقته كحقيقة شيء منها. وأما إن أراد بإجرائه على الظاهر الَّذي هو الظاهر في عرف سلف الأمة، بحيث لا يحرف الكلم عن مواضعه، ولا يلحد في أسماء الله - تعالى - ولا يفسر القرآن والحديث بما يخالف تفسير سلف الأمة وأهل السنة بل يجري ذلك على ما اقتضته النصوص، وتطابق عليه دلائل الكتاب والسنة، وأجمع عليه سلف الأمة، فهذا مصيب في ذلك، وهو الحق. ¬

_ (¬1) في الأصل: وصف. والمثبت من: س، ط. (¬2) هو: ساقطة من: س. (¬3) هذا الأثر عن ابن عباس - رضي الله عنه - رواه ابن جرير الطبري في تفسيره 1/ 174 عند تفسيره لقوله تعالى: {. . . وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا} [البقرة: 25]، مع اختلاف يسير في اللفظ. ورواه ابن كثير عند تفسيره للآية السابقة 1/ 63. والسيوطي في الدر المنثور 1/ 96 في تفسيره للآية المتقدمة. (¬4) في الأصل: من. والمثبت من: س، ط. (¬5) في س، ط: ليس.

سئل الشيخ عن رجل حلف بالطلاق الثلاث أن القرآن حرف وصوت، وإجابة الشيخ عليه

وهذه (¬1) جملة لا يسع هذا الموضع تفصيلها، وقلت في جواب الفتيا الدمشقية (¬2)، وقد سئلت فيها عن رجل حلف بالطلاق الثلاث أن القرآن حرف وصوت، وأن الرحمن على العرش استوى على (¬3) ما يفيده الظاهر ويفهمه الناس من ظاهره، هل يحنث هذا أم لا؟ فقلت في الجواب: إن كان مقصود هذا الحالف أن أصوات العباد بالقرآن، والمداد الَّذي يكتب به حروف القرآن قديمة أزلية، فقد حنث في يمينه، وما علمت أحدًا من الناس يقول ذلك. وإن (¬4) كان يكره تجريد الكلام في المداد الَّذي في المصحف وفي صوت العبد لئلا يتذرع بذلك إلى القول بخلق القرآن، ومن الناس من تكلم في صوت العبد، وإن كنا نعلم أن الَّذي نقرؤه هو كلام الله حقيقة لا كلام غيره، وأن الَّذي بين اللوحين هو كلام الله حقيقة، ولكن ما علمت أحدًا حكم على مجموع المداد المكتوب به، وصوت العبد بالقرآن بأنه قديم. ¬

_ (¬1) في س، ط: هذا. (¬2) لم أقف عليه بهذا الاسم، وقد وجه إلى الشيخ -رحمه الله- عدد من الأسئلة فيما يحل من الطلاق ويحرم، وأجاب عنها بما يكفي ويشفي. ومما وجه إليه: "سئل شيخ الإسلام - الشجاع المقدام، ليث الحروب، وأسد السنة، والصابر في ذات الله على المحنة، والعلم الحجة، أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية -رحمه الله رب البرية- عن رجل حلف بالطلاق الثلاث أن القرآن حرف وصوت. . . ". مجموع فتاوى ابن تيمية - كتاب الطلاق - 33/ 169. . . وهل الإجابة عن هذه الأسئلة في المجموع 33/ 170 - 186 والتي ذكرها الشيخ هنا ص: 547 فما بعدها هي المقصودة بالفتيا الدمشقية؟ هذا ما لم يتبين لي بعد. وانظر ما ذكرته عن الفتيا الدمشقية ص: 228. (¬3) على: ساقطة من: س. (¬4) في الأصل، س: فإن. والكلام يستقيم بالمثبت من: ط، والمجموع.

الذين في قلوبهم زيغ لا يفهمون من كلام الله وكلام رسوله في باب صفات الله إلا المعاني التي تليق بالخلق لا بالخالق

ولكن الذين في قلوبهم زيغ من أهل الأهواء لا يفهمون من كلام الله، وكلام رسوله، وكلام السابقين الأولين، والتابعين لهم بإحسان في (باب صفات الله تعالى) إلَّا المعاني (¬1) التي تليق بالخلق لا بالخالق، ثم يريدون تحريف الكلم عن مواضعه، في كلام الله، وكلام رسوله إذا وجدوا ذلك فيهما، وإن وجدوه في كلام التابعين للسلف افتروا الكذب عليهم، ونقلوا عنهم بحسب الفهم الباطل الَّذي فهموه، أو زادوا عليهم في الألفاظ، أو غيّروها قدرًا أو وصفًا (¬2)، كما نسمع من ألسنتهم، ونرى في كتبهم. ثم إن بعض من يحسن الظن بهؤلاء النقلة قد يحكي هذا المذهب عمن حكوه عنهم، ويذم ويحنث مع من لا وجود له، وذمه واقع على موصوف غير موجود، نظير ما وصف الله تعالى عن رسوله - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: "ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش يشتمون مذممًا وأنا محمد" (¬3) - صلى الله عليه وسلم -. وهذا نظير ما تحكي الرافضة عن أهل السنة من أهل الحديث والفقه ¬

_ (¬1) في س: المطاني. وهو تصحيف. (¬2) في س، ط: ووصفًا. (¬3) الحديث بهذا اللفظ رواه الإمام أحمد -رحمه الله- في مسنده 2/ 369، عن أبي هريرة، وبدون ذكر للفظ الجلالة، وتمامه: (ويلعنون مذممًا وأنا محمد). ورواه البخاري عن أبي هريرة بلفظ (. . . شتم قريش ولعنهم يشتمون مذممًا ويلعنون مذممًا وأنا محمد). صحيح البخاري - 4/ 162 - كتاب المناقب - باب ما جاء في أسماء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. . وأخرجه النسائي في سننه - 6/ 129، 130 - كتاب الطلاق -باب الإبانة والإفصاح بالكلمة الملفوظ بها. . مع اختلاف يسير في اللفظ.

الافتراء على أهل السنة بأنهم ناصبة ومجبرة ومشبهة

والمعرفة أنهم ناصبة (¬1)، وتحكي (¬2) القدرية عنهم أنهم مجبرة، وتحكي الجهمية عنهم أنهم مشبهة، ويحكي من خالف الحديث ونابذ أهله عنه أنهم نابتة (¬3) وحشوية وغثاء (¬4) وغثر (¬5)، إلى غير ذلك من الأسماء المكذوبة (¬6). ¬

_ (¬1) طائفة يبغضون عليًّا - رضي الله عنه - وأصحابه، وقد نصبوا لهم العداء، وأظهروا مخالفتهم. راجع: تاج العروس -للزبيدي- 1/ 487 (نصب). والكليات -لأبي البقاء الكفوي- 4/ 363. (¬2) في س، ط: تحكي. بدون واو. (¬3) النابتة والنوابت: من ألقاب السوء التي رمى المبتدعة بها أهل السنة، وهي بذور الزرع التي لا خير فيها. انظر: فتح رب البرية بتلخيص الحموية -لابن عثيمين - ص: 110. (¬4) الغثاء: ما يحمله السيل من القش. وحدده الزجاج بأنه الهالك البالي من ورق الشجر الَّذي إذا خرج السيل رأيته مخالطًا لزبده. راجع: لسان العرب -لابن منظور - 15/ 115، 116 (غثا). (¬5) الغثراء والغثر: سفلة الناس، الواحد: أغثر. راجع: لسان العرب -لابن منظور - 5/ 7 (غثر). (¬6) كتسمية المرجئة لهم بالشكاكية، والأشعرية بالمجسمة، إلى غير ذلك من الألقاب التي أطلقها أهل البدع على أهل السنة، والتي استوفاها السكسكي -رحمه الله- في كتابه "البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان ص: 517 - 519 " تحقيق د. علي بن حسن ناصر. قال -رحمه الله- قبل إيرادها: "وقد سمتها كل فرقة من فرق الضلالة باسم غير موافق للحق حسدًا منهم لها، وافتراء عليها، ونسبة لها إلى غير ما تعتقده". ثم يقول -رحمه الله- مبينًا أن هذه الألقاب غير صحيحة في حق أهل السنة: "جميع ذلك غير صحيح في حقها، بل هي الفرقة الناجية الهادية المهدية، واعتقادها هو الاعتقاد الصحيح والإيمان الصريح، الَّذي نزل به القرآن، ووردت به السنة، وأجمعت عليه علماء الأمة من أهل السنة والجماعة". =

ومن تأمل كتب المتكلمين الذين يخالفون هذا القول وجدهم لا يبحثون في الغالب أو (¬1) في الجميع إلَّا مع هذا القول الَّذي ما علمنا لقائله وجودًا. وإن كان مقصود الحالف أن القرآن الَّذي أنزله الله تعالى على محمد - صلى الله عليه وسلم - هو هذه المائة والأربع عشرة سورة حروفها ومعانيها وأن القرآن ليس الحروف دون المعاني، ولا المعاني دون الحروف، بل هو مجموع (¬2) الحروف والمعاني، وأن تلاوتنا للحروف وتصورنا للمعاني لا يخرج المعاني والحروف عن أن تكون موجودة قبل وجودنا، فهذا مذهب المسلمين، ولا حنث عليه. وكذلك إن كان مقصوده أن هذا القرآن الَّذي يقرؤه المسلمون ويكتبونه في مصاحفهم هو كلام الله - سبحانه - حقيقة لا مجازًا، وأنه لا يجوز نفي كونه كلام الله، إذ الكلام يضاف حقيقة لمن قاله متصفًا به مبتدئًا، وإن كان قد قاله غيره مبلغًا مؤديًا، وهو كلام لمن اتصف به مبتدئًا لا لمن بلغه مؤديًا (¬3)، فإنا باضطرار نعلم من دين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودين سلف الأمة أن قائلًا لو قال: إن هذه الحروف -حروف القرآن- ما هي من القرآن، وإنما القرآن اسم لمجرد المعاني، لأنكروا ذلك عليه غاية الإنكار، وكان عندهم بمنزلة من يقول: إن جسد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ = وشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- ذكر أن أبا إسحاق إبراهيم بن درباس صنف جزءًا سماه "تنزيه أئمة الشريعة عن الألقاب الشنيعة" ذكر فيه كلام السلف وغيرهم في معاني هذا الباب، وذكر أن أهل البدع كل صنف منهم يلقب أهل السنة بلقب افتراه عليهم، وقد سبقهم المشركون فكانوا يلقبون النبي - صلى الله عليه وسلم - بألقاب افتروها". انظر: مجموع الفتاوى 5/ 111. (¬1) في الأصل: وفي. والمثبت من: س، ط والمجموع. (¬2) في الأصل: بل مجموعها. والمثبت من: س، ط والمجموع. (¬3) في س، ط: مرويًّا.

القول بحدوث حروف القرآن قول محدث

ما هو داخلًا (¬1) في اسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنما هذا اسم للروح دون الجسد، أو يقول: إن الصلاة ليست اسمًا لحركات القلب والبدن، وإنما هي اسم لأعمال القلب فقط. ولذلك ذكر الشهرستاني (¬2) -وهو من أخبر الناس بالملل والنحل والمقالات- في (نهاية الإقدام) (¬3) أن القول بحدوث حروف القرآن قول محدث وأن مذهب سلف الأمة نفي الخلق عنها، وهو من أعيان الطائفة القائلة بحدوثها. ولا يحسب اللبيب أن في العقل وفي السمع ما يخالف ذلك، بل من تبحر في المعقولات، ووقف على أسرارها علم قطعًا أن ليس في العقل الصريح الذي لا يكذب قط ما يخالف مذهب (¬4) السلف وأهل الحديث، بل يخالف ما قد يتوهمه المنازعون لهم بظلمة قلوبهم، وأهواء نفوسهم، أو ما قد يقترفونه عليهم لعدم التقوى وقلة الدين. ولو فرض على سبيل التقدير أن العقل الصريح الذي لا يكذب يناقض بعض الأخبار، للزم أحد الأمرين: إما تكذيب الناقل، أو تأويل المنقول، لكن -ولله الحمد- هذا لم يقع، ولا ينبغي أن يقع قط، فإن حفظ الله تعالى لما أنزله من الكتاب والحكمة يأبى ذلك. نعم يوجد مثل هذا في أحاديث وضعتها الزنادقة ليشينوا بها أهل ¬

_ (¬1) في ط: داخل. (¬2) هو: أبو الفتح محمَّد بن عبد الكريم بن أحمد الشهرستاني، المتكلم على مذهب الأشعري، له معرفة في أديان الأمم ومذاهب الفلاسفة، من مؤلفاته "الملل والنحل" و"نهاية الإقدام"، ولد سنة 479 هـ، وتوفي سنة 548 هـ. راجع: لسان الميزان -لابن حجر- 5/ 263، 264. والوافي بالوفيات -للصفدي- 3/ 278، 279. والأعلام -للزركلي- 7/ 83، 84. (¬3) نهاية الإقدام -للشهرستاني- ص: 313 - 317. (¬4) في الأصل، س: مذاهب. والمثبت من: ط، والمجموع.

الحديث، كحديث عرق الخيل (¬1)، والجمل الأورق (¬2)، وغير ذلك مما ¬

_ (¬1) حديث عرق الخيل الموضوع هو: أن ابن الثلجي روى عن حبان بن هلال عن حماد بن سلمة عن أبي المهزم عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله خلق الفرس فأجراها فعرقت ثم خلق نفسه منها". ويقول أبو عبد الله الجوزقاني في كتابه "الأباطيل والمناكير" 1/ 57، بعد ذكره لهذا الحديث: "هذا حديث موضوع، باطل كفر، لا أصل له عند العلماء، ما قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا رواه عنه أبو هريرة، وأبو المهزم وإن كان متروكًا فلا يحتمل مثل هذا, ولا حماد بن سلمة يستجيز أن يروي عنه مثل هذا الحديث، ولا يعرف له أصل في كتاب حبان بن هلال، فإنما العمل فيه على محمَّد بن شجاع الثلجي". ويقول الذهبي -رحمه الله- في "ميزان الاعتدال" 3/ 578، 579: "هذا مع كونه من أبين الكذب هو من وضع الجهمية ليذكروه في معرض الاحتجاج به على أن نفسه اسم لشيء من مخلوقاته، فكذلك إضافة كلامه إليه من هذا القبيل إضافة ملك وتشريف، كبيت الله، وناقة الله، ثم يقولون: إذا كانت نفسه -تعالى- إضافة ملك فكلامه بالأولى". وبكل حال فما عد مسلم هذا في أحاديث الصفات، تعالى الله عن ذلك. وقد بين ابن تيمية -رحمه الله- في كتابه " نقض المنطق ص: 119 " أن غالية المثبتة يروون أحاديث موضوعة في الصفات كحديث عرق الخيل ونزوله عشية عرفة على الجمل الأورق حتى يصافح المشاة ويعانق الركبان وتجليه لنبيه في الأرض، أو رؤيته له على كرسي بين السماء والأرض، أو رؤيته إياه في الطواف، أو في بعض سكك المدينة، إلى غير ذلك من الأحاديث الموضوعة". ثم يقول الشيخ -رحمه الله-: "فقد رأيت من ذلك أمورًا من أعظم المنكرات والكفران، وأحضر لي غير واحد من الناس من الأجزاء والكتب ما فيه من ذلك ما هو من الافتراء على الله وعلى رسوله، وقد وضع لتلك الأحاديث أسانيد". وراجع ما ذكره العلماء عن هذا الحديث الموضوع، والمنسوب إلى أهل السنة للنيل منهم والتشنيع عليهم في: -الأسماء والصفات- للبيهقي- ص: 372، 373.- الموضوعات -لابن الجوزي- 1/ 105، 106.- لسان الميزان -لابن حجر- 2/ 239، 240.-رد الإِمام الدارمي على بشر المريسي- ص: 143. (¬2) الأورق من الإبل: الذي في لونه بياض إلى سواد، والورقة: سواد في غبرة، وقيل: سواد وبياض، كدخان الرمث يكون ذلك من أنواع البهائم، وأكثر ذلك =

استفاض عن علماء المسلمين أفكارهم على من زعم أن لفظ القرآن مخلوق

يعلم العلماء بالحديث أنه كذب. ومما يوضح هذا ما قد استفاض عن علماء الإِسلام مثل الشافعي وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهوية، والحميدي، وغيرهم من إنكارهم على من زعم أن لفظ القرآن مخلوق، والآثار بذلك مشهورة في كتاب ابن أبي حاتم (¬1)، وكتاب اللالكائي (¬2)، تلميذ أبي حامد ¬

_ = في الإبل. راجع: لسان العرب -لابن منظور- 10/ 376 (ورق). ولفظ حديث الجمل الأورق: "رأيت ربي بمنى يوم النفر على جمل أورق، عليه جبة صوف، أمام الناس". قال علي القاري: موضوع لا أصل له. راجع: المصنوع في معرفة الحديث الموضوع -للقاري- ص: 102. وانظر: كشف الخفاء ومزيل الإلباس -لإسماعيل العجلوني- 1/ 526. وقد وضع بلفظ آخر: "رأيت ربي -عَزَّ وَجَلَّ- على جمل أحمر عليه إزار وهو يقول: قد سمعت، قد غفرت إلّا المظالم، فإذا كانت ليلة المزدلفة لم يصعد إلى السماء الدنيا وتنصرف الناس إلى منى". يقول ابن الجوزي -رحمه الله- بعد ما أورده: "هذا حديث لا يشك أحد في أنه موضوع محال، ولا يحتاج لاستحالته أن ينظر في رجاله، إذ لو رواه الثقات كان مردودًا، والرسول منزه أن يحكي عن الله -عَزَّ وَجَلَّ- ما يستحيل عليه وأكثر رجاله مجاهيل وفيهم ضعفاء. أنبأنا محمَّد بن ناصر عن يحيى عبد الوهاب بن مندة قال: حديث الجمال باطل موضوع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". انظر: الموضوعات -لابن الجوزي- 1/ 124، 125. (¬1) لعله كتاب "الرد على الجهمية" ولم يقع تحت يدي، وقد أشار إلى هذا الكتاب حاجي خليفة في "كشف الظنون 1/ 838 "، وفؤاد سزكين في "تاريخ التراث العربي 1/ 1 / 355 - علوم القرآن والحديث". (¬2) أقوال هؤلاء الأئمة الذين ذكرهم الشيخ -رحمه الله- وغيرهم مستوفاة في كتاب "شرح اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي". راجع مثلًا: قول الشافعي 2/ 252 - 254. وقول الإِمام أحمد 2/ 263، 264. وقول إسحاق بن راهوية 2/ 263. وقول الحميدي 2/ 275.

الإسفراييني، وكتاب الطبراني (¬1) وكتاب شيخ الإِسلام (¬2)، وغيرهم ممن يطول ذكره، وليس هذا موضع التقرير بالأدلة والأسئلة (¬3) والأجوبة. وكذلك إن كان مقصود الحالف بذكر الصوت التصديق بالآثار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته، وتابعيهم، التي وافقت القرآن وتلقاها السلف بالقبول، مثلما خرج البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يقول الله يا آدم (¬4)، فيقول: لبيك وسعديك، فينادي بصوت إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثًا إلى النار" (¬5). وما استشهد به البخاري -أيضًا- في هذا الباب من: "أن الله ينادي عباده يوم القيامة بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب" (¬6). ومثل: "إن الله إذا تكلم بالوحي القرآن أو غيره سمع أهل السماوات صوته" (¬7). وفي قول ابن عباس: سمعوا صوت الجبار، وأن الله كلم موسى بصوت (¬8)، إلى غير ذلك من الآثار التي قالها، إما ذاكرًا وإما أثرًا (¬9)، ¬

_ (¬1) هو كتاب "السنة" للطبراني. وقد تقدم التعريف به ص: 365. (¬2) لعله كتاب "ذم الكلام" لأبي إسماعيل الأنصاري الهروي المعروف بشيخ الإِسلام. والكتاب لا زال مخطوطًا في الظاهرية بدمشق تحت رقم 1128 ويوجد صورة منه في قسم المخطوطات بجامعة الإِمام تحت رقم 5992، وسوف ينقل منه الشيخ -رحمه الله- بعض النقول في صفحات تالية. (¬3) في جميع النسخ: الأسوله. ولعل المناسب ما أثبت. (¬4) في الأصل: يا بن آدم. وهو خطأ. والمثبت من: س، ط، والمجموع، وصحيح البخاري. (¬5) تقدم تخريجه ص: 542. (¬6) تقدم تخريجه ص: 430، 542. (¬7) تقدم تخريجه. (¬8) تقدم. (¬9) في الأصل: ذاكروا ما آثر. والمثبت من: س، ط، والمجموع.

مثل: عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، وأبي هريرة، وعبد الله بن أنيس، وجابر بن عبد الله، ومسروق أحد أعيان كبار التابعين، وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام (¬1) أحد الفقهاء السبعة (¬2)، وعكرمة مولى ابن عباس، والزهبري، وابن المبارك، وأحمد بن حنبل، ومن لا يحصى كثرة. ولا ينقل عن أحد من علماء الإِسلام قبل المائة الثانية أنه أنكر ذلك ولا قال خلافه، بل كانت الآثار مشهورة بينهم متداولة في كل عصر ¬

_ (¬1) هو: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة القرشي المخزومي المدني، الفقيه، قيل إن اسمه محمَّد، والصحيح أن اسمه كنيته. توفي سنة 94 هـ. قال العجلي: مدني تابعي ثقة. انظر: تاريخ الثقات -للعجلي- ص: 492. وتذكرة الحفاظ -للذهبي- 1/ 63، 64. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 12/ 30، 32. (¬2) الفقهاء السبعة: ذكرهم ابن القيم -رحمه الله- في "أعلام الموقعين 1/ 23 " فقال: "وكان المفتون بالمدينة من التابعين: ابن المسيب، وعروة، وابن الزبير، والقاسم بن محمَّد، وخارجة بن زيد، وأبا بكر بن عبد الرحمن بن هشام، وسليمان بن يسار، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وهؤلاء هم الفقهاء". وقد نظمهم القائل فقال: إذا قيل من في العلم سبعة أبحر ... روايتهم ليست عن العلم خارجة فقل: هم عبيد الله، عروة، قاسم ... سعيد، أبو بكر، سليمان، خارجة وعن هؤلاء السبعة انتشر فقه أهل المدينة، وعلى يدهم تخرج من جاء بعدهم من الفقهاء، وتعتبر مدرسة الفقهاء السبعة المدرسة الفقهية الأولى في هذا العصر، حتى سمي باسمهم، فقل: عصر الفقهاء السبعة، وكان علمهم الفقهي أساسًا لمنهج الفقه الإِسلامي في البحث والنظر. انظر: التشريع والفقه في الإِسلام -تاريخًا ومنهجًا- لفضيلة الشيخ: مناع خليل القطان- ص: 170.

ومصر، بل أنكر ذلك شخص (¬1) في زمن الإِمام أحمد (وهو أول الأزمنة) (¬2) التي (¬3) نبعت (¬4) فيها البدع بإنكار ذلك على الخصوص، وإلا فقبله قد نبع من أنكر ذلك وغيره، فهجر أهل الإِسلام من أنكر ذلك، وصار بين المسلمين كالجمل الأجرب. فإن أراد الحالف ما هو المنقول عن السلف نقلًا صحيحًا، فلا حنث عليه. قلت: وأما حلفه أن الرحمن على العرش استوى، على ما يفيده ¬

_ (¬1) لعل الشيخ -رحمه الله- يقصد: الحسين بن علي الكرابيسي، وكانت بينه وبين الإِمام أحمد -رحمه الله- صداقة وكيدة، كما يقول ابن عبد البر، لكنها عادت عداوة بسبب مخالفة الكرابيسي للإمام أحمد -رحمه الله- في القرآن، فكان الإِمام أحمد يقول: من قال: القرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال: القرآن كلام الله، ولا يقول غير مخلوق ولا مخلوق فهو واقفي، ومن قال: لفظي بالقرآن مخلوق فهو مبتدع. وكان الكرابيسي وعبد الله بن كلاب، وأبو ثور وداود بن علي وطبقتهم يقولون: إن القرآن الذي تكلم الله به صفة من صفاته، لا يجوز عليه الخلق، وإن تلاوة التالي وكلامه بالقرآن كسب له وفعل له، وذلك مخلوق، وإنه كحكاية عن كلام الله، وليس هو القرآن الذي تكلم الله به، وشبهوه بالحمد والشكر لله، وهو غير الله، فكما يؤجر في الحمد والشكر والتهليل والتكبير، فكذلك يؤجر في التلاوة. وهجرت الحنبلية أصحاب الإِمام أحمد حسينًا الكرابيسي وبدعوه وطعنوا عليه وعلى كل من قال بقوله في ذلك. راجع: الانتقاء -لابن عبد البر- ص: 106. أما الذهبي -رحمه الله- فيقول: "إنه أول من فتق اللفظ ونقل أن الكرابيسي يقول في القرآن: لفظي به مخلوق، فبلغ قوله أحمد فأنكره وقال: هذه بدعة". انظر: سير أعلام النبلاء - 12/ 80، 81. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والمجموع. (¬3) التي: ساقطة من: س. (¬4) في الأصل: نفت. والمثبت من: س، ط، والمجموع.

الظاهر من لفظ "استوى" في الفطرة السليمة واللسان العربي ولسان السلف غير الظاهر في عرف كثير من المستأخرين

الظاهر ويفهمه الناس من ظاهره، فلفظة (الظاهر) قد صارت مشتركة فإن الظاهر في الفطر السليمة واللسان العربي والدين القيم ولسان السلف غير الظاهر في عرف كثير من المستأخرين (¬1)، فإن أراد الحالف بالظاهر شيئًا من المعاني التي هي من خصائص المحدثين، أو ما يقتضي نوع نقص بأن يتوهم أن الاستواء مثل استواء الأجسام على الأجسام، أو كاستواء الأرواح (¬2) إن كانت عنده لا تدخل في اسم (¬3) الأجسام فقد حنث في ذلك وكذب (¬4)، وما أعلم أحدًا يقول ذلك إلَّا ما يروى عن مثل داود الجواربي البصري (¬5)، ومقاتل بن سليمان الخرساني (¬6)، وهشام بن ¬

_ (¬1) في س، ط: المتأخرين. (¬2) في الأصل: الكلمة غير واضحة. وفي س: أرواح. والمثبت من: ط والمجموع. (¬3) في س، ط: أمم. (¬4) في الأصل: بعد كلمة (كذب) غير واضحة. وما ظهر منها و"على الله. . . " والكلام يستقيم بدونها كما أثبته من: س، ط، والمجموع. (¬5) قال عنه الذهبي في "لسان الميزان 2/ 23 ": رأس في الرفض والتجسيم من مرامي جهنم. وقال أبو بكر بن أبي عون: سمعت يزيد بن هارون يقول: الجواربي والمريسي كافران. وفي لسان الميزان -لابن حجر- 2/ 427: أن ابن حزم ذكر أن داود هذا كان يزعم أن ربه لحم ودم على صورة الإنسان. وللاطلاع على رأيه في التجسيم يراجع: -أصول الدين- للبغدادي - ص: 74.- والملل والنحل -للشهرستاني- 1/ 87. (¬6) تقدم التعريف به ص: 245 وترك أصحاب الحديث لروايته. قال الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد 13/ 163 ": " .. متهم متروك الحديث، مهجور القول، وكان يتكلم بالصفات بما لا يحل الرواية عنه" ونقل -في المصدر السابق ص: 166 - عن أبي حنيفة أنه قال: أفرط مقاتل في التشبيه حتى جعل الله مثل خلقه. وانظر رأيه في التجسيم والتشبيه في مقالات الإِسلاميين لأبي الحسن الأشعري =

الحكم الرافضي (¬1) ونحوهم، إن صح النقل عنهم. فإنه يجب القطع بأن الله تعالى ليس كمثله شيء، لا في نفسه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، وأن مباينته للمخلوقين وتنزهه عن مشاركتهم أكبر وأعظم مما يعرفه العارفون من خليقته ويصفه الواصفون، وأن كل صفة تستلزم حدوثه أو نقصًا غير الحدوث فيجب نفيها عنه، ومن حكى عن أحد من أهل السنة أنه قاس صفاته بصفات خلقه، فهو إما كاذب أو مخطئ. وإن أراد الحالف بالظاهر ما هو الظاهر في فطر المسلمين قبل ظهور الأهواء وتشتت الآراء، وهو الظاهر الذي يليق بجلاله -سبحانه وتعالى- كما أن هذا هو الظاهر في سائر ما يطلق (¬2) عليه -سبحانه- من أسمائه وصفاته، كالحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام والإرادة، والمحبة والغضب والرضا و {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} (¬3)، و (ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا) (¬4) إلى غير ذلك، فإن ظاهر هذه الألفاظ إذا أطلقت علينا أن تكون أعراضًا أو (¬5) أجسامًا؛ لأن ذواتنا كذلك، وليس ظاهرها إذا أطلقت على الله -سبحانه وتعالى- إلّا ما يليق بجلاله ويناسب ¬

_ = 1/ 283 حيث ذكر أن قوله في الله سبحانه وتعالى عن قول المضلين -مثل قول الجواربي- الآنف الذكر. (¬1) هو: هشام بن الحكم الرافضي، إليه تنسب الهشامية منهم، وقد تقدم التعريف به ص: 345. وللاطلاع على ضلالته في التجسيم وبدعته في التشبيه يراجع: مقالات الإِسلاميين -للأشعري- 1/ 281، 282، 284، والفرق بين الفرق -للبغدادي- ص: 65 - 68. (¬2) في الأصل: يليق. والمثبت من: س، ط، والمجموع. (¬3) سورة ص، الآية: 75. (¬4) سبق تخريجه ص: 401. (¬5) في ط: و.

قدماء الجهمية ينكرون جميع الصفات

نفسه، فكما أن لفظ "ذات" و"وجود" و"حقيقة" يطلق على الله وعلى عباده، وهو على ظاهره في الإطلاقين، مع القطع بأنه ليس ظاهره في حق الله تعالى مساويًا لظاهره في حقنا, ولا مشاركًا له فيما يوجب نقصًا وحدوثًا، سواء جعلت هذه الألفاظ متواطئة أو مشتركة أو مشككة، كذلك قوله: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} (¬1) {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} (¬2)، و {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} (¬3) {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (¬4) الباب في الجميع واحد. وكان قدماء الجهمية ينكرون جميع الصفات التي هي فينا أعراض. كالعلم والقدرة، وأجسام: كالوجه واليد، وحدثاؤهم أقروا بكثير من الصفات [التي هي فينا أعراض] (¬5) كالعلم والقدرة، وأنكروا بعضها، والصفات التي هي فينا أجسام هي فينا أعراض، ومنهم من أقر ببعض الصفات التي هي فينا أجسام كاليد. وأما السلفية فعلى ما حكاه الخطابي (¬6) وأبو بكر ¬

_ (¬1) سورة النساء، الآية: 166. (¬2) سورة الذاريات، الآية: 58. (¬3) سورة ص، الآية: 57. (¬4) سورة طه، الآية: 5. (¬5) ما بين المعقوفتين زيادة من: المجموع. أرى أن السياق يقتضيها. (¬6) هو: أبو سليمان حمد بن محمَّد بن إبراهيم الخطابي البستي، أحد المشاهير الأعيان، والفقهاء المجتهدين المكثرين من تصانيفه "شرح الأسماء الحسنى" وكتاب "الغنية عن الكلام وأهله" توفي سنة 388 هـ. انظر: طبقات الشافعية -للسبكي- 3/ 282 - 290. والبداية والنهاية -لابن كثير- 11/ 363. وراجع قوله في آيات الصفات وأحاديثها على ما نقله عنه الشيخ -رحمه الله- في كتابه "معالم السنن" ضمن سنن أبي داود 5/ 101، 102، كتاب السنة - باب الرد على الجهمية.

مذهب السلف في آيات الصفات وأحاديثها

الخطيب (¬1)، وغيرهما، قالوا: مذهب السلف إجراء آيات الصفات وأحاديث الصفات على ظاهرها، مع نفي الكيفية والتشبيه عنها، فلا نقول: إن معنى اليد القدرة، ولا إن معنى السمع العلم، وذلك أن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات يحتذى فيه حذوه ويتبع فيه مثاله، فإذا كان إثبات الذات إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات الصفات إثبات وجود لا إثبات كيفية. فقد أخبرك الخطابي والخطيب -وهما إمامان من أصحاب الشافعي - رضي الله عنه - متفق على علمهما بالنقل، وعلم الخطابي بالمعاني -أن مذهب السلف إجراؤها (¬2) على ظاهرها مع نفي الكيفية والتشبيه عنها، والله -تعالى- يعلم أني قد بالغت في البحث عن مذهب (¬3) السلف، فما علمت أحدًا منهم خالف ذلك. ومن قال من المتأخرين: إن مذهب السلف أن الظاهر غير مراد، فيجب لمن أحسن به الظن أن يعرف أن معنى قوله (الظاهر) الذي يليق بالمخلوق لا بالخالق، ولا شك أن هذا غير مراد، ومن قال: إنه مراد فهو -بعد قيام الحجة عليه- كافر. فهنا بحثان: لفظي ومعنوي. ¬

_ (¬1) هو: أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي، كان من الحفاظ المتقنين والعلماء المتبحرين وله تصانيف كثيرة منها "تاريخ بغداد" توفي سنة 463 هـ. راجع: المنتظم -لابن الجوزي- 8/ 265 - 270. ووفيات الأعيان -لابن خلكان- 1/ 92، 93. وطبقات الشافعية -للسبكي- 4/ 29 - 37. وراجع ما نقله عنه الشيخ -رحمه الله- في آيات الصفات وأحاديثها في "تذكرة الحفاظ" -للذهبي- 3/ 1142، 1143. (¬2) في الأصل، س: أجراها. والمثبت من: ط، والمجموع. (¬3) في س، ط: مذاهب.

المذهب في الإستواء

أما المعنوي: فالأقسام ثلاثة في قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (¬1) ونحوه. أن يقال: استواء كاستواء مخلوق، أو يفسر باستواء مستلزم (¬2) حدوثًا أو نقصًا، فإذا هو الذي يحكى عن الضلال المشبهة والمجسمة، وهو باطل قطعًا بالقرآن وبالعقل. وإما أن يقال: ما تم استواء حقيقي أصلًا، ولا على العرش إله، ولا فوق السماوات رب، فهذا (¬3) مذهب الجهمية الضالة المعطلة، وهو باطل قطعًا بما علم بالاضطرار من دين الإِسلام، لمن أمعن النظر في العلوم النبوية، وبما فطر الله عليه خليقته من الإقرار بأنه فوق خلقه، كإقرارهم بأنه ربهم. قال ابن قتيبة (¬4): ما زالت الأمم -عربها وعجمها، في جاهليتها وإسلامها- معترفة بأن الله في السماء، أي: على السماء. أو يقال: بل استوى -سبحانه- على العرش على الوجه الذي يليق بجلاله، ويناسب كبرياءه، وأنه فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه، مع أنه -سبحانه- هو حامل للعرش، ولحملة العرش، وأن الاستواء معلوم، الكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، كما قالته (¬5) أم سلمة، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، ومالك بن ¬

_ (¬1) سورة طه، الآية: 5. (¬2) في س، ط: يستلزم. (¬3) في س، ط: فإذا هو؛ (¬4) انظر نحوه في: تأويل مختلف الحديث -لابن قتيبة- ص: 183. (¬5) في س، ط: قالت. وانظر قول أم سلمة - رضي الله عنها - في "شرح اعتقاد أهل السنة والجماعة -للالكائي- 3/ 397 - بلفظ: "الكيف غير معقول والاستواء غير مجهول والإقرار به إيمان والجحود به كفر". أما قول ربيعة ومالك فقد تقدم ص: 544.

أنس، فهذا مذهب المسلمين. وهو الظاهر من لفظ (استوى) عند عامة المسلمين الباقين على الفطرة السالمة التي لم تنحرف إلى تعطيل، ولا إلى (¬1) تمثيل، وهذا هو الذي أراده يزيد بن هارون الواسطي (¬2)، المتفق على إمامته وجلالته وفضله، وهو من أتباع التابعين، حيث قال (¬3): (من زعم أن الرحمن على العرش استوى خلاف ما يقر في نفوس العامة فهو جهمي). فإن الذي أقره الله -تعالى- في فطر عباده وجبلهم عليه، أن ربهم فوق سماواته، كما أنشد عبد الله بن رواحة (¬4) - رضي الله عنه (¬5) - النبي - صلى الله عليه وسلم - فأقره (¬6) النبي - صلى الله عليه وسلم -: شهدت بأن وعد الله حق ... وأن النار مثوى الكافرينا وأن العرش فوق الماء طاف ... وفوق العرش رب العالمينا (¬7) ¬

_ (¬1) في س: وإلى. (¬2) هو: أبو خالد يزيد بن هارون بن زاذي السلمي الواسطي، روى عنه الإِمام أحمد، وأبو بكر بن أبي شيبة وغيرهما، قال عنه أبو حاتم: يزيد ثقة إمام صدوق لا يسأل عن مثله، وكان رحمه الله شديدًا على الجهمية منكرًا عليهم. توفي سنة 206 هـ. راجع: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 4 /. وتاريخ بغداد - للبغدادي - 14/ 337 - 347. وسير أعلام النبلاء -للذهبي- 9/ 358 - 371. (¬3) أورده البخاري في: خلق أفعال العباد - ص: 36. وعبد الله بن الإِمام أحمد في: السنة- ص: 17. (¬4) هو: أبو محمَّد عبد الله بن رواحة بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي، صحابي جليل، شهد بدرًا وما بعدها إلى أن استشهد بمؤتة سنة 8 هـ. راجع: الطبقات الكبرى -لابن سعد- 3/ 525 - 530. والإصابة -لابن حجر- 2/ 306، 307. (¬5) عنه: ساقطة من: س. (¬6) في س: فأقر. (¬7) وتتمة البيتين: =

وقال عبد الله بن المبارك -الذي أجمعت فرق الأمة على إمامته وجلالته، حتى قيل: إنه أمير المؤمنين في كل شيء (¬1)، وقيل: ما أخرجت خراسان مثل ابن المبارك (¬2)، وقد أخذ عن عامة علماء وقته، مثل: الثوري ومالك وأبي (¬3) حنيفة والأوزاعي وطبقتهم [حين] (¬4) قيل له: بماذا نعرف (¬5) ربنا؟ ¬

_ = وتحمله ملائكة كرام ... ملائكة الإله مسومينا وقد أوردها: أبو سعيد الدارمي في كتابه "الرد على الجهمية" ص: 27. وأوردها ابن عساكر في "تهذيب تاريخ دمشق" 7/ 395، 396. وذكر المناسبة التي قيلت فيها فقال: (قال عبد العزيز الماجشون بلغنا أنه كانت لابن رواحة جارية، وكان يستسرها سرًّا عن أهله، فأبصرت به امرأته يوما قد خلا بها فقالت له: قد اخترت أمتك على حرتك، فجاحدها ذلك، فقالت له: إن كنت صادقًا فاقرأ آية من القرآن فقال: شهدت بأن. . . البيت. فقالت: زدني آية أخرى. فقال: وأن العرش فوق. . . البيت. فقالت: زدني آية أخرى. فقال: وتحمله ملائكة. . . البيت. فقالت: آمنت بالله وكذبت البصر، فأتى ابن رواحة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحدثه بذلك، فضحك ولم يغير عليه". (¬1) تقدم التعريف به ص: 148. وجاء في تاريخ بغداد -للخطيب البغدادي- 10/ 165: أن يحيى بن معين قال عن ابن المبارك: ذاك أمير المؤمنين في الحديث. (¬2) أورده الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" 10/ 155 بلفظ: إن عمرو بن عبد الله الغازي قال: سمعت محمَّد بن عبد الوهاب الفراء يقول: ما أخرجت خراسان مثل هؤلاء الثلاثة: ابن المبارك، والنضر بن شميل ويحيى بن يحيى. وروى الخطيب -أيضًا- في نفس المصدر ص: 162 - أن أبا الوزير قال: قدمت على سفيان بن عيينة فقالوا له: هذا وصى عبد الله، فقال: رحم الله عبد الله ما خلف بخراسان مثله. (¬3) في الأصل: أبو. والمثبت من: س، ط، والمجموع. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: ط. يقتضيها السياق. (¬5) في ط: تعرف.

قال (¬1): (بأنه فوق سماواته على عرشه، بائن من خلقه). وقال (¬2) محمَّد بن إسحاق بن خزيمة -الملقب إمام الأئمة، وهو ممن يفرح (¬3) أصحاب الشافعي بما ينصره من مذهبه، ويكاد يقال: ليس فيهم أعلم بذلك منه-: (من لم يقل: إن الله فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه، وجب أن يستتاب، فإن تاب، وإلّا ضربت عنقه، وألقي على مزبلة لئلا يتأذى بنتن ريحه أهل الملة (¬4)، ولا أهل الذمة، وكان ماله فيئًا). وقال (¬5) مالك بن أنس -الإِمام- فيما رواه عنه عبد الله بن نافع وهو مشهور عنه: (الله في السماء وعلمه في كل مكان لا يخلو من علمه مكان). ¬

_ (¬1) أورده البخاري في خلق أفعال العباد ص: 31. بدون ذكر لـ "بائن من خلقه". وانظره في الرد على الجهمية -للدارمي- ص: 23. (¬2) هذا النقل عن أبي بكر محمد بن إسحاق، لم أقف عليه في كتابه "التوحيد وإثبات صفات الرب -عَزَّ وَجَلَّ-". وقد أورده الشيخ -رحمه الله- في كتابه "درء تعارض العقل والنقل 6/ 264 " وقال في نهايته: "وهذا معروف عنه رواه الحاكم في "تاريخ نيسابور" وأبو عثمان النيسابوري في رسالته المشهورة". ويبدو أن أصل كتاب "تاريخ نيسابور" مفقود. راجع: تاريخ التراث العربي -لسزكين- 1/ 1 / 456. (¬3) في الأصل: يفوح. وهو تصحيف، إذ لا معنى لها. والكلام يستقيم بالمثبت من: س، ط. وفي مجموع الفتاوى: يعرج. وهو تصحيف -أيضًا. (¬4) في الأصل: الملل. والمثبت من: س، ط، والمجموع. وفي درء تعارض العقل والنقل: أهل القبلة. (¬5) أورده: عبد الله بن أحمد بن حنبل في "السنة" ص: 11. والآجري في "الشريعة" ص: 289.

وقال (¬1) الإِمام أحمد بن حنبل مثل ما قال مالك، وما قال ابن المبارك. والآثار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وسائر علماء الأمة بذلك متواترة (¬2) عند من تتبعها، قد جمع العلماء فيها مصنفات صغارًا وكبارًا، ومن تتبع الآثار علم -أيضًا- قطعًا أنه لا يمكن أن ينقل عن أحد منهم حرف واحد يناقض ذلك، بل كلهم مجمعون على كلمة واحدة وعقيدة واحدة، يصدق بعضهم بعضًا، وإن كان بعضهم أعلم من بعض كما أنهم متفقون على الإقرار بنبوة محمَّد - صلى الله عليه وسلم - وإن كان فيهم من هو أعلم بخصائص النبوة ومزاياها وحقوقها وموجباتها وحقيقتها وصفاتها. ثم ليس أحد منهم قال يومًا من الدهر: ظاهر هذا غير مراد، ولا قال: ظاهر (¬3) هذه الآية أو (¬4) هذا الحديث مصروفة عن ظاهره، مع أنهم قد قالوا مثل ذلك في آيات الأحكام المصروفة عن عمومها وظهورها، وتكلموا فيما يستشكل مما قد يتوهم أنه متناقض، وهذا مشهور لمن تأمله، وهذه الصفات أطلقوها بسلامة، وطهارة وصفاء، لم يشوبوه (¬5) بكدر ولا غش. ولو لم يكن هذا هو الظاهر عند المسلمين لكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم ¬

_ (¬1) فمن ذلك ما رواه ابن القيم -رحمه الله- في كتابه "اجتماع الجيوش" ص: 123 حيث قال: "قال الخلال في كتاب السنة: حدثنا يوسف بن موسى قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد قال: قيل لأبي: ربنا تبارك وتعالى فوق السماء السابعة على عرشه بائن من خلقه، وقدرته وعلمه بكل مكان؟ قال: نعم، لا يخلو شيء من علمه". إلى غير ذلك مما نقل عن الإِمام أحمد في هذا الباب. (¬2) في س، ط: متوافرة. (¬3) ظاهر: ساقطة من: س، ط. (¬4) في س: وا. (¬5) في ط: يشربوه.

سلف الأمة، قالوا للأمة: الظاهر الذي تفهمونه غير مراد، أو (¬1) لكان أحد (¬2) من المسلمين استشكل هذه الآية وغيرها. فإن كان بعض المتأخرين قد زاغ قلبه، حتى صار يظهر له من الآية معنى فاسد (¬3)، مما يقتضي حدوثًا أو نقصًا، فلا شك أن الظاهر لهذا الزائغ غير مراد، وإذا رأينا رجلًا يفهم من (¬4) الآية هذا الظاهر الفاسد، قررنا عنده أولًا: أن هذا المعنى ليس مفهومًا من (3) ظاهر الآية، ثم قررنا عنده ثانيًا: أنه في نفسه معنى فاسد، حتى لو فرض أنه ظاهر الآية -وإن كان هذا فرض ما لا حقيقة له- لوجب صرف الآية عن ظاهرها كسائر الظواهر التي عارضها ما أوجب أن المراد بها غير الظاهر. واعلم أن من لم يحكم (¬5) دلالات اللفظ، ويعلم أن ظهور المعنى من اللفظ، تارة يكون (¬6) بالوضع اللغوي، أو العرفي، أو الشرعي، إما في الألفاظ المفردة، وإما في المركبة، وتارة بما اقترن باللفظ المفرد من التركيب الذي يتغير به دلالته في نفسه، وتارة بما اقترن به من القرائن اللفظية التي تجعلها مجازًا، وتارة بما يدل عليه حال المتكلم، والمخاطب والمتكلم فيه، وسياق الكلام الذي يعين أحد محتملات اللفظ، أو يبين أن المراد به هو مجازه، إلى غير ذلك من الأسباب التي تعطي اللفظ صفة الظهور، وإلا فقد يتخبط في هذه المواضع، نعم إذا لم يقترن باللفظ قط شيء من القرائن المتصلة تبين مراد المتكلم، بل علم مراده، بدليل آخر لفظي منفصل، فهنا أريد به خلاف الظاهر، ¬

_ (¬1) في س: و. (¬2) في الأصل، س: أحدًا. وهو خطأ. والمثبت من: ط، والمجموع. (¬3) في س: فاسدًا. وهو خطأ. (¬4) في س: عن. (¬5) في الأصل: يحك. والمثبت من: س، ط، والمجموع. (¬6) في س: ويكون.

كالعموم (¬1) المخصوص بدليل منفصل، وإن كان الصارف عقليًّا ظاهرًا ففي تسميته المراد خلاف الظاهر خلاف مشهور في أصول الفقه (¬2). وبالجملة: فإذا عرف المقصود فقولنا: هذا هو الظاهر، أو ليس هو الظاهر خلاف لفظي فإن كان الحالف ممن في عرف خطابه أن ظاهر هذه الآية ما (¬3) هو مماثل لصفات المخلوقين فقد حنث، وإن كان في عرف خطابه أن ظاهرها هو ما يليق بالله تعالى لم يحنث، وإن لم يعلم عرف (¬4) أهل ناحيته في هذه اللفظة، ولم يكن سبب يستدل به على مراده، وتعذر العلم بنيته، فقد جاز أن يكون أراد معنى صحيحًا، وجاز أن يكون أراد معنى باطلًا، فلا يحنث بالشك. وهذا كله تفريع على قول من يقول: إن من حلف على شيء يعتقده كما حلف عليه فتبين بخلافه حنث، وأما على قول من لم يحنثه (¬5) فالحكم في يمينه ظاهر. واعلم أن عامة من ينكر هذه الصفة وأمثالها، إذا بحثت (¬6) عن ¬

_ (¬1) في ط: العام. (¬2) يمكن الاطلاع عليه في: المحصول في علم أصول الفقه -للرازي- 1/ 3 / 111 - 113. وإحكام الأحكام -للآمدي- 2/ 314 - 317. فقد ذكر الآمدي: أن مذهب الجمهور من العلماء جواز تخصيص العموم بالدليل العقلي، خلافًا لطائفة شاذة من المتكلمين، وأورد أدلة الجمهور وأدلة مخالفيهم، وأجاب عنها. أما ابن قدامة المقدسي، فبين أن الأدلة التي يخص بها العموم تسعة، وذكر منها الدليل العقلي. انظر: روضة الناظر وجنة المناظر - ص: 127. (¬3) في س، ط: مما. (¬4) في الأصل: في عرف. والكلام يستقيم بالمثبت من: س، ط، والمجموع. (¬5) في س، ط: يحتث. (¬6) في الأصل: بحث. والمثبت المناسب للسياق من: س، ط، والمجموع.

الوجه الذي أنكروه، وجدتهم قد اعتقدوا أن ظاهر هذه الآية كاستواء المخلوقين، أو استواء يستلزم حدوثًا أو نقصًا، ثم حكوا عن مخالفهم هذا القول ثم تعبوا (¬1) في إقامة الأدلة على (¬2) بطلانه، ثم يقولون: فيتعين تأويله، إما بالاستيلاء، أو بالظهور والتجلي، أو بالفضل والرجحان الذي هو علو القدر والمكانة، ويبقى المعنى الثالث: وهو استواء يليق بجلاله، تكون دلالة هذا اللفظ عليه كدلالة لفظ العلم والإرادة والسمع والبصر على معانيها، قد دل السمع عليه. بل من أكثر النظر في آثار الرسول - صلى الله عليه وسلم - علم بالاضطرار أنه قد ألقى إلى الأمة أن ربكم [الذي] (¬3) تعبدونه فوق كل شيء، وعلى كل شيء، فوق العرش، وفوق (¬4) السماوات، وعلم أن عامة السلف كان هذا عندهم مثل ما عندهم أن الله بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وأنه لا ينقل عن واحد لفظ يدل -لا نصًّا ولا ظاهرًا- على خلاف ذلك، ولا قال أحد منهم يومًا من الدهر: إن ربنا ليس فوق العرش، أو إنه ليس على العرش أو إن استواءه على العرش كاستوائه على البحر، إلى غير ذلك من ترهات الجهمية، ولا مثّل استواءه باستواء المخلوقين، ولا أثبت له صفة تستلزم حدوثًا أو نقصًا. والذي يبين لك خطأ من أطلق (الظاهر) (¬5) على المعنى الذي يليق ¬

_ (¬1) في الأصل: أتعبوا. وفي س: بقوا. والمثبت من: ط، والمجموع. وهو المناسب، إذ هم الذين أتعبوا أنفسهم في البحث عن الأدلة. (¬2) على: ساقطة من: س. (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والمجموع. (¬4) في جميع النسخ: فوق. بدون واو. والمثبت من: المجموع، ولعله المناسب. (¬5) في الأصل: القول. والمثبت من: س، ط، والمجموع. لأن الكلام على صفة "الاستواء" ومفهوم المخالف من ظاهر الآية الدالة عليها.

الألفاظ نوعان

بالخلق، أن الألفاظ نوعان: أحدهما: ما معناه مفرد كلفظ الأسد والحمار والبحر والكلب، فهذا إذا قيل: أسد الله وأسد رسوله أو قيل للبليد: حمار (¬1)، أو قيل: للعالم أو السخي أو الجواد من الخيل: بحر، أو قيل للأسد: كلب، فإذا مجاز، ثم إن قرنت (¬2) به قرينة تبين المراد، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لفرس أبي طلحة (وإن (¬3) وجدناه لبحرًا) (¬4) وقوله: (إن خالدًا سيف من سيوف ¬

_ (¬1) في الأصل، س: حمارًا. والمثبت من: ط، والمجموع. ولعله الصواب. (¬2) في س: ثم اقترنت. (¬3) في الأصل: أنا. والمثبت من: س، ط، والمجموع، وصحيح البخاري. (¬4) هذا جزء من حديث، وأوله: عن قتادة قال: سمعت أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: كان بالمدينة فزع، فاستعار النبي - صلى الله عليه وسلم - فرسًا لأبي طلحة يقال له: مندوب، فركبه وقال: "ما رأينا من فزع وإن وجدناه لبحرًا". صحيح البخاري 3/ 218 - كتاب الجهاد- باب الركوب على الدابة الصعبة. وصحيح مسلم - 4/ 1803 - كتاب الفضائل- باب في شجاعة النبي -عليه السلام- الحديث / 49. وانظره في سنن أبي داود 5/ 263 كتاب الأدب -باب ما روي في الرخصة في ذلك- الحديث / 4988. وسنن الترمذي 4/ 198، 199 - كتاب الجهاد- باب ما جاء في الخروج عند الفزع- الحديثان / 1685، 1686. وقال ابن حجر في "فتح الباري" 11/ 55 قوله: "وإن وجدناه لبحرا" في رواية المستملي: وإن وجدنا بحذف الضمير. قال الخطابي: "إن" هي النافية، واللام في "البحرا" بمعنى: إلا، أي: ما وجدناه إلّا بحرا. قال ابن التين: هذا مذهب الكوفيين، وعند البصريين "إن" مخففة من الثقيلة، والسلام زائدة، كذا قال. وقال الأصمعي: يقال للفرس بحر، إذا كان واسع الجري، أو لأن جريه لا ينفد كما لا ينفد البحر. ويؤيده: ما في رواية سعيد عن قتادة "وكان بعد ذلك لا يجارى".

الله على المشركين) (¬1)، وقوله لعثمان (إن الله قمصك قميصًا) (¬2)، وقول ابن عباس: (الحجر الأسود يمين الله في الأرض، فمن استلمه ¬

_ (¬1) الحديث رواه الإِمام أحمد -رحمه الله- في مسنده 1/ 8 بلفظ قريب مما ذكر الشيخ -رحمه الله- ولفظه: أن أبا بكر - رضي الله عنه - عقد لخالد بن الوليد على قتال أهل الردة وقال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "نعم عبد الله وأخو العشيرة خالد بن الوليد سيف من سيوف الله سله الله - عَزَّ وَجَلَّ - على الكفار والمنافقين". وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 9/ 348 - باب ما جاء في خالد بن الوليد بعد أن ذكر الحديث "رواه أحمد والطبراني بنحوه ورجالهما ثقات". وأخرجه الترمذي في سننه 5/ 688، 689 - كتاب المناقب- باب مناقب خالد بن الوليد. الحديث / 3846 عن زيد بن أسلم عن أبي هريرة قال: نزلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منزلًا فجعل الناس يمرون فيقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "من هذا يا أبا هريرة؟ " حتى مر خالد بن الوليد فقال: "من هذا؟ " فقلت: هذا خالد بن الوليد، فقال: "نعم عبد الله خالد بن الوليد سيف من سيوف الله". قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، ولا نعرف لزيد بن أسلم سماعًا من أبي هريرة، وهو عندي حديث مرسل. (¬2) الحديث -مع اختلاف يسير في اللفظ- رواه الإِمام أحمد -رحمه الله- في مسنده 6/ 75: عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: استأذن عثمان فأذن له فدخل فناجاه النبي - صلى الله عليه وسلم - طويلًا، ثم قال: "يا عثمان إن الله - عَزَّ وَجَلَّ - مقمصك قميصًا، فإن أرادك المنافقون على أن تخلعه فلا تخلعه لهم ولا كرامة" يقولها له مرتين أو ثلاثًا. وأخرجه الترمذي في سننه عن عائشة - رضي الله عنها - 5/ 628 - كتاب المناقب- باب مناقب عثمان - رضي الله عنه - الحديث / 3705 - بلفظ: "يا عثمان إنه لعل الله يقمصك قميصًا. . . ". قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وأورده ابن ماجه في سننه -أيضًا- بلفظ آخر- 1/ 41 - المقدمة- باب في فضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - الحديث / 112.

وصافحه فكأنما بايع ربه) (¬1)، أو كما قال، ونحو ذلك. فهنا اللفظ (¬2) فيه تجوز، وإن كان قد ظهر من اللفظ مراد صاحبه، وهو محمول على هذا الظاهر في استعمال هذا المتكلم، لا على الظاهر في الوضع الأول، وكل من سمع هذا القول عدم المراد به وسبق ذلك إلى ذهنه، بل أحال إرادة المعنى الأول، وهذا يوجب أن يكون نصًّا لا محتملًا، وليس حمل اللفظ على هذا المعنى من التأويل الذي هو صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح في شيء، وهذا أحد مثارات غلط الغالطين في هذا الباب، حيث يتوهم أن المعنى المفهوم من هذا اللفظ مخالف للظاهر، وأن اللفظ يؤول. النوع الثاني: -من الألفاظ- ما في معناه إضافة، إما بأن يكون المعنى إضافة محضة، كالعلو والسفول وفوق وتحت، ونحو ذلك، أو [أن] (¬3) يكون معنى ثبوتيًّا فيه إضافة، كالعلم والحب والقدرة والعجز والسمع والبصر، فإذا النوع من الألفاظ لا يمكن أن يوجد له معنى مفرد بحسب بعض موارده لوجهين: أحدهما: [أنه] (¬4) لم يستعمل مفردًا قط. والثاني: أن ذلك يلزم منه الاشتراك أو المجاز، بل يجعل حقيقته (¬5) في القدر المشترك بين موارده. ¬

_ (¬1) هذا الأثر يروى بألفاظ متعددة عن ابن عباس وغيره. وراجعه في: المصنف -لعبد الرزاق الصنعاني- 5/ 39. وإتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين -للزبيدي- 4/ 451. وكشف الخفاء ومزيل الإلباس - للعجلوني 1/ 417. (¬2) في الأصل: اللفظة. ولا يستقيم المعنى بها. والمثبت من: س، ط، والمجموع. (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والمجموع. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والمجموع. (¬5) في س، ط: حقيقة.

وما نحن فيه من هذا الباب فإن لفظ (استوى) لم تستعمله العرب في خصوص جلوس الآدمي [-مثلًا- على سريره حقيقة، حتى يصير في غيره مجازًا، كما أن لفظ (العلم) لم تستعمله العرب في خصوص] (¬1) العرض القائم بقلب البشر المنقسم إلى ضروري ونظري حقيقة، واستعملته (¬2) في غيره مجازًا، بل هذا المعنى تارة يستعمل بلا تعدية، كما في قوله -تعالى-: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} (¬3)، وتارة يعلى بحرف الغاية، كقوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} (¬4) وتارة يعلى بحرف الاستعلاء. ثم هذا تارة يكون صفة لله، وتارة يكون صفة لخلقه، فلا يجب أن يجعل في أحد الموضعين حقيقة، وفي الآخر مجازًا. ولا يجوز أن يفهم من استواء الله -تعالى- الخاصية التي تثبت للمخلوق دون الخالق، كما في قوله تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} (¬5)، وقوله تعالى: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا} (¬6)، وقوله تعالى: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} (¬7)، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ} (¬8)، {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ} (¬9). فهل يستحل مسلم أن يثبت لربه خاصية الآدمي الباني الصانع العامل الكاتب؟ أم يستحل أن ينفي (¬10) عنه حقيقة العمل والبناء كما يختص به ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين كرر في: س، ط. (¬2) في س: استعمله. (¬3) سورة القصص، الآية: 14. (¬4) سورة البقرة، الآية: 29. (¬5) سورة الذاريات، الآية: 47. (¬6) سورة يس، الآية: 71. في س، ط: سقطت من الآية كلمة (أنعامًا). (¬7) سورة النمل، الآية: 88. (¬8) سورة الأنبياء، الآية: 105. (¬9) سورة الأعراف، الآية: 145. (¬10) في س: ينبغي.

ويليق بجلاله؟ أم يستحل (¬1) أن يقول: هذه الألفاظ مصروفة عن ظاهرها أم الذي يجب أن يقول: عمل كل أحد بحسبه، فكما أن ذاته ليست مثل ذوات خلقه فعمله وصنعه وبناؤه ليس مثل عملهم وصنعهم وبنائهم. ونحن لم نفهم من قولنا: بني فلان وكتب فلان ما في عمله من المعالجة والتأثرة إلّا من جهة علمنا بحال الباني، لا من جهة مجرد اللفظ، ففرق -أصلحك الله- بين ما دل عليه مجرد اللفظ الذي هو لفظ الفعل، وما يدل عليه بخصوص إضافة إلى الفاعل المعين (¬2). وبهذا ينكشف لك كثير مما يشكل على كثير من الناس، ونرى مواقع اللبس (¬3) في كثير من هذا الباب، والله يوفقنا وسائر إخواننا المؤمنين لما يحبه ويرضاه من القول والعمل، ويجمع قلوبنا على دينه الذي ارتضاه لنفسه وبعث به رسوله - صلى الله عليه وسلم - (¬4). (¬5) ... ¬

_ (¬1) في س: يستحيل. (¬2) في الأصل: على المعين. والمثبت من: س، ط، والمجموع. (¬3) في س: اللبن. وهو تصحيف. (¬4) لفظ الجلالة ساقط من: س. (¬5) نهاية الإجابة على سؤال السائل عن رجل حلف بالطلاق الثلاث أن القرآن حرف وصوت وأن الرحمن على العرش استوى على ما يفيده الظاهر ويفهمه الناس من ظاهره هل يحنث في هذا أم لا؟. والذي بدأ في ص: 547.

المنصوص عن الأئمة والسلف أن القرآن كلام الله حروفه ومعانيه

فصل وهذا والذي ذكرناه من أن القرآن كلام الله (¬1) حروفه ومعانيه، هو المنصوص عن الأئمة والسلف، وهو الموافق للكتاب والسنة. فأما نصوصهم التي فيها بيان أن كلامه (¬2) ليس مجرد الحروف والأصوات بل المعنى -أيضًا- من كلامهم فكثير في كلام أحمد وغيره، مثل ما ذكر الخل الذي كتاب السنة (¬3) عن الأثرم (¬4)، وإبراهيم بن الحارث العبادي، أنه دخل على أبي عبد الله الأثرم، وعباس بن عبد العظيم العنبري، فابتدأ عباس فقال: (يا أبا عبد الله قوم قد حدثوا يقولون: لا نقول مخلوق ولا غير مخلوق، هؤلاء أضر من الجهمية على الناس ويلكم فإن لم تقولوا: ليس (¬5) بمخلوق. فقولوا: مخلوق، فقال أبو عبد الله: قوم سوء. فقال العباس: ما تقول يا أبا عبد الله؟ فقال: الذي أعتقده وأذهب إليه ولا أشك فيه أن القرآن غير مخلوق، ثم قال: سبحان الله من يشك في هذا؟ ثم تكلم أبو عبد الله مستعظمًا للشك في ذلك. فقال: سبحان الله في هذا شك؟ قال الله تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ ¬

_ (¬1) لفظ الجلالة ساقط من: س. (¬2) في الأصل: الكلامه. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط. (¬3) راجع هذا النقل في: كتاب السنة "المسند من مسائل أبي عبد الله أحمد بن حنبل" للخلال -مخطوط- اللوحتان: 156، 157. (¬4) هو: أحمد بن محمَّد بن هاني -صاحب الإِمام أحمد. وقد تقدم التعريف به ص: 164. (¬5) في الأصل: أليس. والمثبت من: س، ط، والسنة. وليس في الكلام ما يدل على هذا الاستفهام.

وَالْأَمْرُ} (¬1) ففرق بين الخلق والأمر. قال أبو عبد الله: فالقرآن من علم الله، ألا تراه يقول: {عَلَّمَ الْقُرْآنَ} (¬2) والقرآن فيه (¬3) أسماء الله -عز وجل- أي شيء يقولون؟ لا يقولون: أسماء (¬4) الله غير مخلوقة، ومن زعم أن أسماء الله مخلوقة فقد كفر، لم يزل الله -تعالى- قديرًا عليمًا عزيزًا حكيمًا سميعًا بصيرًا، لسنا نشك أن أسماء الله ليست بمخلوقة، ولسنا نشك أن علم الله ليس بمخلوق وهو كلام الله ولم يزل الله متكلمًا. ثم قال أبو عبد الله: وأي أمر (¬5) أبين من هذا، وأي كفر أكفر من هذا، إذا (¬6) زعموا أن القرآن مخلوق فقد زعموا أن أسماء الله مخلوقة [وأن علم الله مخلوق] (¬7)، ولكن الناس يتهادنون بهذا ويقولون، إنما يقولون (¬8): القرآن مخلوق [فيتهاونون به ويظنون أنه هين ولا يدرون ما فيه من الكفر] (¬9). قال: وأنا أكره أن أبوح بهذا (¬10) لكل أحد، وهم يسألونني فأقول إني أكره الكلام في هذا، فيبلغني أنهم يدعون علي أني أمسك. ¬

_ (¬1) سورة الأعراف، الآية 54. (¬2) سورة الرحمن، الآية: 2. (¬3) فيه: ساقطة من: س. (¬4) في السنة: أن أسماء. (¬5) في السنة: كفر. (¬6) في الأصل: إذ. والمثبت من: س، ط، والسنة. وسوف ترد بعد قليل في تعليق الشيخ على كلام الإِمام أحمد. (¬7) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والسنة. (¬8) في السنة: نقولون. (¬9) ما بين المعقوفتين ساقط من: س. (¬10) في جميع النسخ: بها. والمثبت من: السنة.

قَال الأثرم (¬1): فقلت لأبي عبد الله: فمن قال: إن القرآن مخلوق، وقال: لا أقول: إن (¬2) أسماء الله مخلوقة ولا علمه لم يزد على هذا أقول: هو كافر؟ فقال: هكذا هو عندنا. قال أبو عبد الله: أنحن (¬3) نحتاج أن نشك في هذا؟ القرآن عندنا فيه أسماء الله، وهو من علم الله، فمن (¬4) قال مخلوق فهو عندنا كافر. ثم قال أبو عبد الله: بلغني أن أبا خالد (¬5) وموسى بن منصور (¬6) وغيرهما يجلسون في ذلك الجانب فيعيبون قولنا، ويدعون إلى (¬7) هذا القول أن لا يقال: مخلوق ولا غير مخلوق، ويعيبون من يكفر، ¬

_ (¬1) قال الأثرم: ساقطة من: السنة. ولعلها إضافة من الشيخ -رحمه الله- للإيضاح. والكلام متصل بما قبله. (¬2) إن: ساقطة من: السنة. (¬3) في السنة: نحن. وهو استفهام إنكاري. (¬4) في الأصل: فهو. ولا معنى لها. والمثبت من: س، ط، والسنة. (¬5) في الأصل: أبا موسى. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط، والسنة. هو: عبد العزيز بن أبان الأموي الكوفي، أحد المتروكين، نزل بغداد وحدث بها إلى أن مات سنة 207 هـ. قال عنه يحيى بن معين: كذاب خبيث، حدث بأحاديث موضوعة. وقال أحمد: لا يكتب حديثه. انظر: ميزان الاعتدال -للذهبي- 2/ 622، 623. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 6/ 329 - 331. (¬6) في الأصل: خالد بن منصور. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط، والسنة. هو: موسى بن منصور بن هشام اللخمي، قال ابن يونس: منكر الحديث. راجع: ميزان الاعتدال -للذهبي- 4/ 224. ولسان الميزان -لابن حجر - 6/ 132. (¬7) في جميع النسخ: أن. والكلام يستقيم بالمثبت من: السنة.

ويقولون: إنا نقول يقول الخوارج، ثم تبسم أبو عبد الله كالمغتاظ ثم قال: هؤلاء قوم سوء. ثم قال أبو عبد الله لعباس: وذاك السجستاني الذي عندكم بالبصرة ذاك الخبيث، بلغني أنه قد وضع في هذا -أيضًا- يقول: لا أقول مخلوق ولا غير مخلوق، ذاك خبيث، ذاك الأحول. فقال العباس: كان يقول مرة بقول جهم، ثم صار إلى أن يقول بهذا القول، فقال أبو عبد الله: ما بلغني أنه كان يقول يقول جهم إلّا الساعة). فقول الإِمام أحمد: إذا زعموا أن القرآن مخلوق فقد زعموا أن أسماء الله مخلوقة، وأن علم الله مخلوق يبين (¬1) أن العلم الذي تضمنه القرآن داخل في مسمى القرآن، وقد نبهنا -فيما تقدم- على أن كل كلام حق فإن العلم أصل معناه. فإن كان قد ينضم إلى العلم معنى الحب والبغض، وذلك أن الكلام خبر (¬2) وطلب، أما الخبر الحق فإن معناه علم بلا ريب، وأما الإنشاء كالأمر والنهي فإنه مسبوق بتصور المأمور والمأمور به وغير ذلك، فالعلم -أيضًا- أصله، واسم القرآن والكلام يتضمن هذا كله، فقول القائل: القرآن مخلوق يتضمن أن علم الله مخلوق، وكذلك أسماء الله هي في القرآن، فمن قال هو مخلوق، والمخلوق هو الصوت القائم (¬3) ببعض الأجسام، يكون ذلك الجسم هو الذي سمى الله بتلك الأسماء، ولم يكن قبل ذلك الجسم وصوته لله اسم، بل يكون ذلك الاسم قد نحله إياه ذلك الجسم. ¬

_ (¬1) في الأصل، س: تبين. والكلام يستقيم بالمثبت من: ط. لأن الضمير يعود إلى قول الإِمام أحمد. (¬2) في س: خبرا. (¬3) في الأصل: والمخلوق أسماء الله القائم. والمثبت من: س، ط. وهو ما يدل عليه سياق الكلام.

ولهذا روى البخاري في صحيحه (¬1) عن سعيد بنِ جبير عن ابن عباس (أنه سأله سائل عن قوله: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (¬2) {عَزِيزًا حَكِيمًا} (¬3) {سَمِيعًا بَصِيرًا} (¬4) فكأنه كان ثم مضى، فقال ابن عباس: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (¬5) سمى نفسه ذلك، وذلك قوله، أي: لم يزل كذلك (¬6). . .) هذا لفظ البخاري وهو رواه مختصرًا. ولفظ البوشنجي (¬7) محمَّد بن إبراهيم الإِمام، عن شيخ البخاري (¬8) الذي رواه من جهته البرقاني في صحيحه (¬9): (فإن الله سمى نفسه ذلك ولم ينحله غيره، فذلك قوله: (وكان الله) أي: لم يزل كذلك) هكذا رواه البيهقي (¬10) عن البرقاني. وذكر الحميدي لفظه: (فإن الله جعل نفسه وسمى نفسه، وجعل نفسه ذلك ولم ينحله أحد (¬11) غيره (وكان الله) أي: لم يزل كذلك). ولفظ يعقوب بن سفيان (¬12) عن يوسف بن عدي شيخ البخاري: ¬

_ (¬1) تقدم تخريجه ص: 321. (¬2) سورة الفتح، الآية: 14. (¬3) سورة النساء، الآية: 165. (¬4) سورة النساء، الآية: 134. (¬5) سورة الفتح، الآية: 14. (¬6) في جميع النسخ: ". . أني لم أزل كذلك". والمثبت من: صحيح البخاري. (¬7) في الأصل، س: البوسنجي. وهو خطأ. وتقدم التعريف به ص: 460. (¬8) يوسف بن عدي. تقدمت ترجمته ص: 324. (¬9) تقدم التعريف بالبرقاني والكلام على صحيحه وروايته ص: 146، 324. (¬10) في الأسماء والصفات. ص: 382. (¬11) في ط: أحدًا. وهو خطأ. (¬12) في التاريخ والمعرفة. وقد تقدم ص: 327.

ما قاله ابن عباس في قوله {وكان الله. . . .} يدل على فساد قول الجهمية من أربعة وجوه

(فإن الله سمى نفسه ذلك، ولم يجعله غيره (وكان الله) أي: لم يزل كذلك). فقد أخبر ابن عباس أن معنى القرآن: أن الله سمى نفسه بهذه الأسماء لم ينحله ذلك غيره، وقوله: (وكان الله) يقول: إني لم أزل كذلك. ومن المعلوم أن الذي قاله ابن عباس هو مدلول الآيات، ففي هذا دلالة على فساد قول الجهمية من وجوه: أحدها: أنه إذا كان عزيزًا حكيمًا، ولم يزل عزيزا (¬1) حكيمًا، والحكمة تتضمن كلامه ومشيئته، كما أن (¬2) الرحمة تتضمن مشيئته، دل على أنه لم يزل متكلمًا مريدًا، وقوله: {غَفُورًا} أبلغ، فإنه إذا كان لم يزل غفورًا فأولى أنه لم يزل متكلمًا، وعند الجهمية بل لم يكن متكلمًا ولا رحيمًا ولا غفورًا، إذ هذا لا يكون إلّا بخلق أمور منفصلة عنه، فحينئذ كان كذلك. والثاني: قول ابن عباس: فإن الله سمى نفسه ذلك، يقتضى أنه هو الذي سمى نفسه بهذه الأسماء، لا أن (¬3) المخلوق هو الذي سماه بها، ومن قال: إنها مخلوقة في جسم، لزمه أن يكون ذلك الجسم هو الذي سماه بها. الثالث: قوله: ولم ينحله ذلك غيره (¬4)، وفي (¬5) اللفظ الآخر: ولم يجعله ذلك غيره، وهذا يتبين (¬6) بجعله ذلك في ¬

_ (¬1) عزيزًا: ساقطة من: س. (¬2) في س، كمان. وهو تصحيف. (¬3) في الأصل: لأن. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط. (¬4) في الأصل: ذا كهذا. والمثبت من: س، ط. (¬5) في س: ومن. (¬6) في ط: يبين.

الرواية (¬1). أي: هو الذي حكم لنفسه بذلك لا غيره، ومن جعله مخلوقًا لزمه أن يكون الغير هو الذي جعله كذلك ونحله ذلك. الرابع: أن ابن عباس ذكر ذلك في بيان معنى قوله: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}، {عَزِيزًا حَكِيمًا}، {سَمِيعًا بَصِيرًا} , ليبين حكمة الإتيان بلفظ كان في مثل هذا، فأخبر في ذلك أنه هو الذي سمى نفسه ذلك ولم ينحله (¬2) ذلك غيره. ووجه مناسبة هذا الجواب، أنه إذا نحل ذلك غيره كان ذلك مخلوقًا بخلق ذلك الغير، فلا يخبر عنه بأنه كان كذلك، وأما إذا كان هو الذي سمى به نفسه ناسب أن يقال: إنه كان كذلك وما زال كذلك؛ لأنه هو لم يزل -سبحانه وتعالى- وهذا التفريق إنما يصح إذا كان غير مخلوق، ليصح أن يقال: لما كان هو المسمي لنفسه بذلك، كان لم يزل كذلك. فذكر الإِمام أحمد أن قول القائل: القرآن مخلوق يتضمن القول بأن علم الله مخلوق وأن أسماءه مخلوقة؛ لأن ظهور عدم خلق هذين للناس أبين من ظهور عدم القول بفساد إطلاق القول بخلق هذين، ولو كان القرآن اسمًا لمجرد الحروف والأصوات لم يصح ما ذكره الإِمام أحمد من الحجة، فإن خلق الحروف وحدها لا يستلزم خلق العلم، وهكذا القائلون بخلق القرآن إنما يقولون بخلق الحروف والأصوات في بعض الأجسام لأن هذا هو عندهم القرآن، ليس العلم (¬3) عندهم داخلًا (¬4) في مسمى القرآن. ولهذا لما قال له الأثرم: (فمن قال القرآن مخلوق، وقال: ¬

_ (¬1) في ط: في رواية. (¬2) في الأصل: ينحل. والمثبت من: س، ط. (¬3) في ط: للعلم. (¬4) في ط: دخل.

لا أقول أسماء الله مخلوقة، ولا علمه، لم يزد على هذا، أقول هو كافر؟ فقال: هكذا هو عندنا، ثم استفهم استفهام المنكر، فقال: نحن (¬1) نحتاج أن نشك في هذا؟ القرآن عندنا فيه أسماء الله، وهو من علم الله، فمن قال: مخلوق فهو عندنا كافر. فأجاب أحمد بأنهم وإن [لم] (¬2) يقولوا بخلق أسمائه وعلمه، فقولهم يتضمن ذلك، ونحن لا نشك في ذلك حتى نقف فيه، فإن ذلك يتضمن خلق أسمائه وعلمه، ولم يقبل أحمد قولهم: القرآن مخلوق، وإن لم يدخلوا فيه أسماء الله وعلمه؛ لأن دخول ذلك فيه لا ريب فيه، كما أنهم لما قالوا: القرآن مخلوق خلقه الله في جسم، لكن هو المتكلم به لا (¬3) ذلك الجسم، لم يقبل ذلك منهم؛ لأنه من المعلوم أنه إنما يكون كلام ذلك الجسم لا كلام الله، كإنطاق الله لجوارح (¬4) العبد وغيرها (¬5)، فإنه يفرق بين نطقه وبين إنطاقه لغيره من الأجسام. وقال أحمد: (فيه أسماء الله وهو من علم الله) ولم يقل فيه علم الله؛ لأن كون أسماء الله في القرآن يعلمه كل أحد، ولا يمكن أحد أن ينازع فيه، وأما اشتمال القرآن على العلم، فإذا ينازع فيه من يقول: إن القرآن هو مجرد الحروف والأصوات، فإن هؤلاء لا يجعلون (¬6) القرآن فيه علم الله، بل والذين يقولون: الكلام معنى قائم بالذات، الخبر والطلب، وأن معنى الخبر ليس هو العلم، ومعنى الطلب لا يتضمن الإرادة ينازعون في أن مسمى القرآن يدخل فيه العلم. ¬

_ (¬1) في ط: أنحن. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬3) في الأصل، س: لأن. ولا يستقيم المعنى بذلك. والمثبت من: ط. (¬4) في س، ط: كإنطاق جوارح. (¬5) في س: وغيرهما. (¬6) في الأصل: هؤلاء يجعلون. والمثبت من: س، ط. لأن المعنى يدل عليه.

أطلق الإمام أحمد على القرآن أنه من علم الله

فذكر الإِمام أحمد ما يستدل به على أن علم الله في القرآن، وهو قوله: (فإن القرآن من علم الله؛ لأن الله أخبر بذلك). فذكر أحمد لفظ القرآن الذي يدل على موارد النزاع، فإن قوله: (القرآن من علم الله) مطابق لقوله -تعالى: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} (¬1)، وقوله تعالى: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} (¬2)، ولقوله: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ} (¬3)، الآية، ولقوله: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ} (¬4). ومعلوم أن المراد بالذي جاءهم من العلم في هذه الآيات إنما هو ما جاءه من القرآن، كما يدل عليه سياق الآيات، فدل ذلك على أن مجيء القرآن إليه مجيء ما جاءه من علم الله إليه، وذلك دليل على أن مِنْ علم الله في القرآن. ثم قد يقال: هذا الكلام (¬5) فيه علم عظيم، وقد يقال: هذا الكلام (¬6) علم عظيم، فأطلق أحمد على القرآن أنه من علم الله؛ لأن الكلام الذي فيه علم هو نفسه يسمى علمًا، وذلك هو من علم الله، كما ¬

_ (¬1) سورة البقرة، الآية: 120. (¬2) سورة البقرة، الآية: 145. (¬3) سورة آل عمران، الآية: 61. (¬4) سورة الرعد، الآية: 37. (¬5) في س: لكلام. (¬6) في س: لكلام.

قال: {مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} (¬1)، ففيه من علم الله ما شاءه الله (¬2) -سبحانه- لا جميع علمه. ومثل هذا كثير في كلام الإِمام أحمد كما رواه الخلال (¬3) عن أبي الحارث (¬4) قال: سمعت أبا عبد الله يقول: (القرآن كلام الله غير مخلوق، ومن زعم أن القرآن مخلوق فقد كفر؛ لأنه يزعم أن علم الله مخلوق، وأنه لم يكن له علم حتى خلقه). وكما روي (¬5) عن محمَّد بن إبراهيم الهاشمي (¬6) قال: (دخلت على أحمد بن حنبل، أنا وأبي، فقال له أبي: يا أبا عبد الله ما تقول في القرآن؟ قال: القرآن من علم الله، ومن قال: إن من علم الله شيئًا مخلوقا (¬7) فقد كفر). وذكر ذلك لأن من الجهمية من يقول: علم الله بعضه مخلوق وبعضه غير مخلوق، وقد يقول: إن الله وإن جعل القرآن من علمه فبعض ذلك مخلوق. ¬

_ (¬1) سورة آل عمران، الآية: 61. (¬2) لفظ الجلالة لم يرد في: س، ط. (¬3) لم أقف عليه في السنة (المسند من مسائل أبي عبد الله أحمد بن حنبل) رواية أبي بكر الخلال، لعدم ظهور بعض لوحاته. وانظر نحوه: في "السنة" لعبد الله بن أحمد بن حنبل- ص: 4. (¬4) لم أقف عليه. (¬5) أي: الخلال في السنة "المسند من مسائل أبي عبد الله أحمد بن حنبل" مخطوط اللوحة: 162. (¬6) قال عنه الذهبي في "ميزان الاعتدال" 3/ 449: "محمَّد بن إبراهيم الهاشمي، عن إدريس الأودي، وعنه حرمي بن عمارة. لا يعرف". (¬7) في السنة: ومن قال من علم الله شيء مخلوق. .

كما روى الخلال (¬1) عن الميموني (¬2) أنه سأل أبا عبد الله قال: قلت من قال كان الله ولا علم؟ فتغير وجهه تغيرًا شديدًا وأكبر غيظه، ثم قال لي: كافر، وقال في: في كل يوم أزداد في القوم بصيرة. قال: وقال (¬3) أبو عبد الله [علمت] (¬4) أن بشر (¬5) المريسي كان يقول: العلم علمان، فعلم مخلوق، وعلم ليس بمخلوق فإذا أيش (¬6) يكون هذا؟ قلت: يا أبا عبد الله كيف يكون ذا؟ قال: لا أدري أيكون علمه كله بعضه مخلوق وبعضه ليس بمخلوق؟ لا أدري كيف ذا؟ بشر كذا كان يقول، وتعجب أبو عبد الله تعجبًا شديدًا. وروى (¬7) عن المروذي قال: قال أبو عبد الله: قلت لابن الحجام -يعني: يوم المحنة- ما تقول في علم الله؟ فقال: مخلوق، فنظر ابن رباح إلى ابن الحجام نظرًا منكرًا عليه لما أسرع. فقلت لابن رباح: إيش (¬8) تقول أنت (¬9)؟ فلم يرض ما قال ابن الحجام، فقلت له: كفرت. قال أبو عبد الله يقول: إن الله كان لا علم له، فهذا الكفر بالله. ¬

_ (¬1) في المصدر السابق - نفس اللوحة. (¬2) عبد الملك بن عبد الحميد. وقد تقدم التعريف به ص: 337. (¬3) في السنة: وقال لي أبو عبد الله. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والسنة. (¬5) في ط: بشرا. (¬6) في جميع النسخ: أي شيء. والمثبت من: السنة. (¬7) أي: الخلال في المصدر السابق، نفس اللوحة. (¬8) في جميع النسخ: أي: شيء. والمثبت من: السنة. (¬9) أنت: ساقطة من: س.

[وقد كان المريسي يقول: إن علم الله وكلامه مخلوق وهذا الكفر بالله] (¬1). وعن عبد الله بن أحمد (¬2) سمعت أبي يقول: من قال: القرآن مخلوق فهو عندنا كافر؛ لأن القرآن من علم الله وفيه أسماء الله، قال الله -تعالى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} (¬3). وعن المروذي (¬4) سمعت أبا عبد الله يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق، ومن قال: القرآن مخلوق فهو كافر بالله واليوم الآخر، والحجة: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ} (¬5). . . الآية، وقال: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} (¬6)، وقال: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} (¬7) وقال: ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والسنة. (¬2) كلام عبد الله بن أحمد، في المصدر السابق، نفس اللوحة. والكلام متصل بما قبله. وانظره في: "السنة" لعبد الله بن أحمد بن حنبل- ص: 4. (¬3) سورة آل عمران، الآية: 61. في ط: (من ما جاءك من بعد) وهو خطأ. (¬4) السنة "المسند من مسائل أبي عبد الله أحمد بن حنبل" رواية أبي بكر الخلال -مخطوط- اللوحة 163. وورد نحوه في "السنة" لعبد الله بن أحمد- ص: 25. (¬5) سورة آل عمران، الآية: 61. (¬6) سورة البقرة، الآية: 145. وهذه الآية ساقطة من: س. (¬7) سورة البقرة، الآية: 120. وهذه الآية ساقطة من: س.

{وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ} (¬1). والذي جاء النبي (¬2) - صلى الله عليه وسلم - القرآن (¬3) وهو العلم الذي جاءه. العلم (¬4) غير مخلوق، والقرآن من العلم، وهو كلام الله، وقال: {الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ} (¬5)، وقال: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} (¬6)، فأخبر أن الخلق خلق، والخلق غير الأمر (¬7)، وأن الأمر غير الخلق وهو كلامه وأن الله -عَزَّ وَجَلَّ - لم ينحل من العلم، وقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (¬8) والذكر هو القرآن، وإن الله لم يخل منهما ولم يزل الله متكلمًا عالمًا. وقال في موضع آخر: إن الله لم يخل من العلم والكلام وليسا من الخلق لأنه لم يخل منهما، فالقرآن من علم الله. وعن (¬9) الحسن بن ثواب (¬10) أنه قال لأبي عبد الله: من أين ¬

_ (¬1) سورة الرعد، الآية: 37. في س: (لأهواءهم من بعد) وهو خطأ. وحصل في السنة: تقديم وتأخير بين هذه الآية والآية التي قبلها. (¬2) في س: لنبي. وفي ط: به النبي. (¬3) في ط: والقرآن. (¬4) في ط: والعلم. (¬5) سورة الرحمن، الآيات: 1 - 3. (¬6) سورة الأعراف، الآية: 54. (¬7) والخلق غير الأمر: لم ترد في: السنة. (¬8) سورة الحجر، الآية: 9. (¬9) النقل عن الحسن في السنة "المسند من مسائل أبي عبد الله أحمد بن حنبل" رواية الخلال -مخطوط- اللوحة: 165. (¬10) في س: تواب. هو: أبو علي الحسن بن ثواب المخرمي، قال عنه الخلال: كان شيخًا جليل القدر، وكان له بأبي عبد الله أنس شديد. وقال الدارقطني: بغدادي ثقة. توفي سنة 268 هـ. =

فسر طائفة منهم ابن حزم كلام الإمام أحمد بأنه أراد بلفظ القرآن المعنى فقط، وأن معنى القرآن يعود إلى العلم

أكفرتهم؟ قال: قرأت في كتاب الله غير موضع: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} (¬1)، [فذكر الكلام] (¬2). قال ابن ثواب: ذاكرت ابن الدورقي (¬3) فذهب إلى أحمد ثم جاء فقال في: سألته فقال لي كما قال لك، إلّا أنه قال (¬4): زادني: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} (¬5) ثم قال لي أحمد: إنما أرادوا الإبطال. وقد فسر طائفة منهم: ابن حزم (¬6)، كلام أحمد بأنه أراد بلفظ ¬

_ = راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 7/ 291، 292. وطبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 1/ 131، 132. (¬1) سورة الرعد، الآية: 37. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والسنة. (¬3) هو: أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن كثير بن زيد العبدي، المعروف بالدورقي، كان ثقة متقنًا. قال أبو حاتم: صدوق. توفي سنة 252 هـ. انظر: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 4/ 2 / 202. وطبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 1/ 414، 415. وتهذيب التهذيب -لابن حجر - 11/ 381، 382. (¬4) في ط: قد. (¬5) سورة النساء، الآية: 166. (¬6) هو: أبو محمَّد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري. يقول ابن كثير -رحمه الله-: "والعجب كل العجب منه أنه كان ظاهريًّا حائرًا في الفروع، لا يقول بشيء من القياس، لا الجلي ولا غيره، وهذا الذي وضعه عن العلماء، وأدخل عليه خطأ كبيرًا في نظره وتصرفه، وكان مع هذا من أشد الناس تأويلًا في باب الأصول، وآيات الصفات، وأحاديث الصفات. . ". توفي سنة 456 هـ. انظر: وفيات الأعيان -لابن خلكان- 3/ 325 - 330. وسير أعلام النبلاء -للذهبي- 18/ 184 - 212. والبداية والنهاية -لابن كثير- 12/ 99، 100. كما يقول الشيخ -رحمه الله- في "درء تعارض العقل والنقل 5/ 249، 250 " "وابن حزم مع معرفته بالحديث، وانتصاره لطريقة داود وأمثاله من نفاة

القرآن المعنى فقط، وأن معنى القرآن يعود إلى العلم، فهو من علم الله، ولم يرد بالقرآن الحروف والمعاني، فمن جعل القرآن كله ليس له معنى إلّا العلم فقد كذب. وأما من قال عن هذه الآيات التي احتج بها أحمد أن معناها العلم، لأنها [كلها] (¬1) من باب الخبر، ومعنى الخبر [العلم فإذا أقرب من الأول، وهذا إذا صح يقتضي أنه قد يراد بالكلام المعنى] (¬2) تارة كما يراد به الحروف أخرى، فأما أن يكون أحمد يقول: إن الله لا يتكلم بالحروف، فإذا خلاف نصوصه الصريحة عنه، لكن قد يقال: القرآن الذي هو قديم لا يتعلق بمشيئته هو المعنى الذي سماه الله علمًا، وذلك هو الذي يكفر من قال بحدوثه. قال الخلال في كتاب السنة (¬3): الرد على الجهمية الضلال أن الله ¬

_ = القياس أصحاب الظاهر، قد بالغ في نفي الصفات وردها إلى العلم، مع أنه لا يثبت علمًا هو صفة". يقول في "الفصل" 3/ 8: "ونقول -أيضًا- إن القرآن هو كلام الله -تعالى-، وهو علمه، وليس شيئًا غير الباري -تعالى- برهان ذلك قول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} 14 / الشورى. وقال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} 115 / الأنعام. وباليقين يدري كل ذي فهم أنه تعالى إنما عنى سابق علمه الذي سلف بما ينفذه ويقضيه". ويقول في ص: 9: "وأما علم الله تعالى فلم يزل وهو كلام الله تعالى، وهو القرآن، وهو غير مخلوق، وليس هو غير الله تعالى أصلًا، ومن قال: إن شيئًا غير الله تعالى لم يزل مع الله - عَزَّ وَجَلَّ - فقد جعل لله - عَزَّ وَجَلَّ - شريكًا". (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬3) لم أقف عليه في كتاب السنة "المسند من مسائل أبي عبد الله أحمد بن حنبل" لعدم وضوح بعض لوحاته، رغم اجتهادي في ذلك. وذكره الشيخ -رحمه الله- في كتابه "درء تعارض العقل والنقل" 2/ 38.

الله تبارك وتعالى متكلم بصوت

لا يتكلم بصوت: "وروي عن يعقوب بن بختان أن أبا عبد الله سئل عمن زعم أن الله لا يتكلم بصوت، قال: بلى تكلم بصوت، وهذه الأحاديث كما جاءت نرويها, لكل حديث وجه، يريدون أن يموهوا على الناس، من زعم أن الله لم يكلم موسى، فهو كافر. حدثنا عبد الرحمن بن المحاربي، عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، عن عبد الله (¬1)، قال (¬2): إذا تكلم الله بالوحي سمع صوته أهل السماء فيخرون سجودًا حتى إذا فزع عن قلوبهم - قال: سكن (¬3) عن قلوبهم، نادى أهل السماء: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق، قال: كذا وكذا". وكذلك ذكر عبد الله في كتاب السنة، وذكره عنه الخلال (¬4) "قال: سألت أبي عن قوم يقولون: لما كلم الله موسى لم يتكلم بصوت، فقال أبي: بل تكلم الله -تبارك وتعالى- بصوت، وهذه الأحاديث نرويها كما جاءت، وقال أبي: حديث ابن مسعود إذا تكلم الله بالوحي سمع له صوت كجر سلسلة على الصفوان (¬5)، قال أبي: والجهمية تنكره، قال (¬6) أبي: وهؤلاء (¬7) كفار يريدون أن يموهوا على الناس، من زعم أن الله لم يتكلم فهو كافر، إنما نروي هذه الأحاديث كما جاءت. يروي (¬8) المروذي عن أحمد حديث ابن مسعود، قال المروذي: ¬

_ (¬1) يعني ابن مسعود. (¬2) هذا الأثر عن ابن مسعود تقدم تخريجه ص: 521. (¬3) في س: أسكن. (¬4) لم أقف عليه. وراجعه في "درء تعارض العقل والنقل 2/ 39 ". (¬5) تقدم ص: 430 بلفظ آخر. (¬6) في س، ط: وقال. (¬7) في س، ط: هؤلاء. (¬8) في س، ط: وروى.

سمعت أبا عبد الله - وقيل له: إن عبد الوهاب (¬1) قد تكلم وقال: من زعم أن الله كلم موسى بلا صوت فهو جهمي عدو الله وعدو الإِسلام، [أي حقًّا جهمي عدو الله. من موسى بن عقبة (¬2) يا ضالًا مضلًا من ذب عن موسى بن عقبة؟ من كان من الناس يجانب أشد (¬3) المجانبة؟ وأبو عبد الله سأل حتى انتهى إلى آخر كلام عبد الوهاب] (¬4) فتبسم أبو عبد الله ¬

_ (¬1) هو: أبو الحسن عبد الوهاب بن عبد الحكم بن نافع البغدادي الوراق، روى عنه أبو داود والنسائي والترمذي وغيرهم، صحب الإِمام أحمد -رحمه الله- وسمع منه. قال المروذي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: عبد الوهاب الوراق رجل صالح، مثله يوفق لإصابة الحق. وقال أحمد -رحمه الله-: عافاه الله، قل أن ترى مثله. توفي سنة 251 هـ. راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 11/ 25 - 28. وطبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 1/ 209 - 212. (¬2) هو: أبو محمَّد موسى بن عقبة بن أبي عياش القرشي مولاهم، الأسدي المطرفي، عداده في صغار التابعين، وثقه يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وأبو حاتم، وغيرهم. قال الواقدي: كان موسى فقيهًا مفتيًا. توفي سنة 141 هـ. راجع: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 4/ 1 / 154، 155. وتذكرة الحفاظ للذهبي- 1/ 148. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 10/ 360 - 362. (¬3) أشد: ساقطة من: س. (¬4) ما بين المعقوفتين مقحم في السياق المذكور، والذي وجدته في النسخ جميعًا. والدليل على أنه مقحم: 1 - أن النصوص الواردة في الموضوع بأسانيدها لم يرد فيها اسم موسى بن عقبة. 2 - بالبحث عن ترجمة موسى بن عقبة لم أجد له رأيًا في كلام الله سبحانه وتعالى، بل ذكر أنه ثقة - كما تقدم في ترجمته. 3 - وجدت الرواية بلا إقحام في كتاب "درء تعارض العقل والنقل"، 2/ 38، 39، ونصها: "قال الخلال: وأنبأنا أبو بكر المروزي: سمعت أبا عبد الله -وقيل له: إن =

وقال: ما أحسن ما تكلم! عافاه الله! ولم ينكر منه شيئًا. وقال الإِمام أبو عبد الله البخاري: صاحب الصحيح في "كتاب خلق الأفعال" (¬1): "ويذكر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "أن الله ينادي بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب" (¬2) فليس هذا لغير الله -عَزَّ وَجَلَّ. قال البخاري (¬3): وفي هذا دليل أن صوت الله لا يشبه أصوات الخلق؛ لأن صوت الله يسمع من بعد كما يسمع من قرب، وأن الملائكة يصعقون من صوته، فإذا تنادى الملائكة لم يصعقوا، وقال: لا تجعلوا لله ندًّا (¬4)، فليس لصفة الله ند ولا مثل، ولا يوجد شيء من صفاته في المخلوقين. حدثنا به داود بن شيبة (¬5)، حدثنا همام، أنبأنا (¬6) القاسم بن عبد الواحد، حدثني عبد الله بن محمَّد بن عقيل أن جابر بن عبد الله حدثهم ¬

_ = عبد الوهاب قد تكلم وقال: من زعم أن الله كلم موسى بلا صوت فهو جهمي عدو الله وعدو الإِسلام - فتبسم أبو عبد الله وقال: ما أحسن ما قال! عافاه الله". 4 - الأسلوب ركيك لا يماثل أسلوب المخطوطة. (¬1) خلق أفعال العباد- ص: 98 - 100. (¬2) تقدم تخريجه ص: 430، 542 بلفظ "يحشر الله العباد فيناديهم بصوت. . ". (¬3) في خلق أفعال العباد: قال أبو عبد الله. (¬4) في خلق أفعال العباد: وقال عَزَّ وَجَلَّ: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا}. (¬5) في خلق أفعال العباد: شيبة. وهو خطأ. هو: أبو سليمان داود بن شبيب الباهلي البصري، روى عنه البخاري وأبو داود وغيرهما. قال أبو حاتم: صدوق. توفي سنة 222 هـ. راجع: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 1/ 2 / 415 ت: 1899. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 3/ 187. (¬6) في ط: أخبرنا. وفي خلق أفعال العباد: ثنا.

أنه سمع عبد الله بن أنيس يقول: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يحشر الله العباد فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب أنا الملك، أنا الديان، لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة واحد من أهل النار يطلبه بمظلمة" (¬1)، وهذا قد استشهد به في صحيحه (¬2). وقال (¬3): حدثنا عمرو بن حفص بن غياث، حدثنا أبي (¬4)، ثنا الأعمش، ثنا أبو (¬5) صالح عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يقول الله يوم القيامة يا آدم، فيقول: لبيك ربنا (¬6) وسعديك، فينادي بصوت أن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثًا إلى النار، قال: يا رب ما بعث النار؟ قال: من كل ألف -أراه قال- تسعمائة وتسعة وتسعين، فحينئذ تضع الحامل حملها {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} (¬7). وهذا الحديث رواه في صحيحه (¬8)، وقال (¬9): حدثنا عبدان، عن أبي حمزة، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، قال: من كان يحدثنا بهذه الآية لولا ابن ¬

_ (¬1) تقدم تخريجه ص: 430، 542. (¬2) قوله: "وهذا قد استشهد به في صحيحه" إضافة من الشيخ -رحمه الله- لبيان أن هذا الحديث أورده البخاري في صحيحه -كتاب التوحيد- باب (ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له) 8/ 194. (¬3) يعني البخاري في خلق أفعال العباد. (¬4) حدثنا أبي: ساقطة من: خلق أفعال العباد. (¬5) في خلق أفعال العباد: عن أبي. . (¬6) كذا في جميع النسخ، وفي خلق أفعال العباد، ولم ترد لفظة "ربنا" في صحيح البخاري. (¬7) سورة الحج، الآية: 2. (¬8) صحيح البخاري 4/ 109، 110 كتاب الأنبياء -باب قصة يأجوج ومأجوج. و 8/ 195 كتاب التوحيد - باب قوله تعالى: {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ. . .}. (¬9) يعني: البخاري في خلق أفعال العباد.

مسعود سألناه {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} (¬1)، قال يسمع أهل السماوات صلصلة مثل صلصة السلسلة على الصفوان فيخرون حتى إذا فزغ عن قلوبهم سكن الصوت عرفوا أنه الوحي، ونادوا: {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ} (¬2). وقال (¬3): ثنا عمر (¬4) بن حفص، ثنا أبي، ثنا الأعمش، ثنا مسلم، عن مسروق، عن عبد الله بهذا. وقال (3): ثنا الحميدي، ثنا سفيان، ثنا عمرو (4) [قال سمعت عكرمة يقول] (¬5) سمعت أبا هريرة يقول: إن نبي الله (¬6) - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة أجنحتها خضعانًا لقوله، كأنه سلسلة على صفوان (¬7) فإذا {إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} (¬8). ¬

_ (¬1) سورة سبأ، الآية: 23. (¬2) سورة سبأ، الآية: 23. (¬3) أي: البخاري في خلق أفعال العباد. (¬4) في س: عمرو. وهو خطأ في اسمه. هو: أبو حفص عمر بن حفص بن غياث بن طلق بن معاوية النخعي، حدث عنه الشيخان في صحيحيهما، قال أبو حاتم: كوفي ثقة. توفي سنة 222 هـ. راجع: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 3/ 103 ت: 544. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 7/ 435. (¬5) ما بين المعقوفتين زيادة من صحيح البخاري، وخلق أفعال العباد. (¬6) لفظ الجلالة لم يرد في: س. (¬7) في جميع النسخ: الصفوان. والمثبت من صحيح البخاري، وخلق أفعال العباد. وقد أخرجه البخاري في صحيحه 6/ 28 - كتاب التفسير- تفسير سورة سبأ. (¬8) سورة سبأ، الآية: 23.

قال (¬1): وقال الحكم بن أبان: حدثني عكرمة، عن ابن عباس، إذا قضى الله أمرًا تكلم رجفت السماوات والأرض والجبال (¬2)، وخرت الملائكة كلهم سجدًا. حدثنا عمرو بن زرارة، ثنا زياد، عن محمَّد بن إسحاق (¬3)، ثنا (¬4) محمد بن مسلم بن شهاب (¬5) الزهريّ، عن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب، عن عبد الله بن عباس، عن نفر من الأنصار، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال [لهم] (¬6): "ما كنتم (¬7) تقولون في هذا النجم الذي يرمى به؟ " قالوا (¬8): كنا يا رسول الله نقول حين رأيناها (¬9) يرمى بها: مات ملك أو ولد مولود، فقال (¬10) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس ذلك كذلك، ولكن الله إذا قضى في خلقه (¬11) أمرًا يسمعه أهل العرش. . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) أي: البخاري، والكلام متصل في خلق أفعال العباد. (¬2) في خلق أفعال العباد: الأرض والسماء والجبال. . . (¬3) في خلق أفعال العباد: محمَّد بن الحسن. وهو خطأ. هو: أبو بكر محمَّد بن إسحاق بن يسار المطلبي المدني، الإِمام الحافظ، كان أحد أوعية العلم، حبرًا في معرفة المغازي والسير. قال عنه الإِمام أحمد بن حنبل: حسن الحديث. توفي سنة 151 هـ. راجع: تذكرة الحفاظ -للذهبي- 1/ 172 - 173. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 9/ 38 - 46. (¬4) في خلق أفعال العباد: حدثني. (¬5) في خلق أفعال العباد:. . . مسلم بن عبيد الله بن شهاب. . . ". وقد تقدمت ترجمته ص: 308. (¬6) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، وخلق أفعال العباد. (¬7) كنتم: ساقطة من: خلق أفعال العباد. (¬8) في جميع النسخ: قال. والمثبت من: خلق أفعال العباد. (¬9) في س: رأينا هذا. (¬10) في خلق أفعال العباد: قال. (¬11) في س، ط حقه. وهو خطأ.

فيسبحون (¬1) فيسبح [من تحتهم] (¬2) بتسبيحهم، فيسبح من تحت ذلك، فلم يزل التسبيح يهبط حتى ينتهي إلى السماء الدنيا حتى (¬3) يقول بعضهم لبعض: لم سبحتم؟ فيقولون: سبح من فوقنا فسبحنا بتسبيحهم فيقولون: أفلا تسألون من فوقكم مم سبحوا (¬4)؟ فيسألونهم، فيقولون: قضى الله في خلقه كذا وكذا الأمر الذي كان، فيهبط به الخبر من سماء إلى سماء، حتى ينتهي إلى السماء الدنيا، فيتحدثون به فتسترقه (¬5) الشياطين بالسمع على توهم منهم واختلاف، ثم يأتون به إلى الكهان (¬6) ¬

_ (¬1) في س، وخلق أفعال العباد: فيسبحوا. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، وخلق أفعال العباد. (¬3) في خلق أفعال العباد: ثم. (¬4) في الأصل: لم سبحتم. وهو تصحيف. وفي س: بم سبحوا. والمثبت من: ط، وخلق أفعال العباد. (¬5) في خلق أفعال العباد: فيسترقه. (¬6) الكهان: جمع كاهن، والكاهن الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان، ويدعي معرفة الأسرار، ومطالعة علم الغيب، وحرفته الكهانة -بفتح الكاف وكسرها. راجع: لسان العرب -لابن منظور- 13/ 362، 363 (كهن). والتعريفات -للجرجاني- ص: 183. وتاج العروس -للزبيدي- 9/ 326، 327 (كهن). والكهانة على ثلاثة أضرب -كما قال القاضي عياض، فيما نقله عنه النووي في شرحه لصحيح مسلم 7/ 14 / 223: أحدها: يكون للإنسان ولي من الجن يخبره بما يسترقه من السمع من السماء. الثاني: أن يخبره بما يطرأ أو يكون في أقطار الأرض، وما خفي عنه مما قرب أو بعد. الثالث: المنجمون، وهذا الضرب يخلق الله فيه لبعض الناس قوة، لكن الكذب فيه أغلب، ومن هذا الفن (العرافة). وصاحبها عراف، وهو الذي يستدل على الأمور بأسباب ومقدمات يدعي معرفته بها، وقد يعتضد بعضهم في ذلك بالزجر والطرق والنجوم. وانظر: فتح الباري لابن حجر 21/ 344 - 346. وشرح السنة للبغوي =

كلام أبي عبد الله الرازي في نهاية العقول في كونه تعالى متكلما

من أهل الأرض فيحدثونهم، فيخطئون ويصيبون، فتحدث به الكهان، ثم إن الله حجب الشياطين عن السماء بهذه النجوم وانقطعت الكهانة اليوم فلا كهانة" (¬1). قال أبو عبد الله محمَّد بن عمر الرازي في كتاب "نهاية العقول في دراية الأصول" (¬2) الذي زعم أنه أورد فيه من الدقائق ما لا يوجد في شيء من كتب الأولين والآخرين والسابقين واللاحقين والمخالفين (¬3) والموافقين: ¬

_ = 12/ 182 تحقيق زهير الشاويش وشعيب الأرناؤوط وهذه الأضرب كلها تسمى كهانة، وقد كذبهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - وذمهم ونهى عن تصديقهم وإتيانهم. فقد روى أبو هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أتى. . . كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمَّد - صلى الله عليه وسلم -". أخرجه الترمذي في سنته 1/ 243 - أبواب الطهارة - باب ما جاء في كراهية إتيان الحائض- الحديث / 135. وأبو داود في سننه 4/ 225 - كتاب الطب -باب في الكاهن- الحديث رقم 3904. والدارمي في سننه 1/ 207 - كتاب الطهارة. والإمام أحمد في المسند - 2/ 476. قال محققًا كتاب "شرح السنة" 12/ 182: "إسناده قوي، وصححه الحاكم، وقواه الذهبي، وقال الحافظ العراقي في أماليه: حديث صحيح". (¬1) وقد أخرجه مسلم في صحيحه بلفظ آخر 4/ 1750، 1751 - كتاب السلام -باب في تحريم الكهانة وإتيان الكهان- الحديث / 124. والترمذي في سننه 5/ 362، 363 كتاب تفسير القرآن - باب ومن سورة سبأ الحديث / 3224. وبنهاية هذا الحديث انتهى النقل من: خلق أفعال العباد. (¬2) "نهاية العقول في دراية الأصول" - مخطوط- اللوحة 130. (¬3) المخالفين: ساقطة من: س، ط. وراجع هذا الزعم في الورقة الأولى من "نهاية العقول" -مخطوط- معهد المخطوطات العربية - القاهرة.

الأصل التاسع (¬1) في كونه تعالى متكلمًا. وفيه أربعة فصول: الفصل الأول: في البحث عن محل النزاع: أجمع المسلمون على أن الله تعالى متكلم، لكن المعتزلة زعموا أن المعنى بكونه متكلمًا أنه خلق هذه الحروف والأصوات في جسم، ونحن نزعم (¬2) أن كلام الله تعالى صفة حقيقة مغايرة (¬3) لهذه (¬4) الحروف والأصوات، وأن (¬5) ذاته تعالي موصوفة بتلك الصفة (¬6). واعلم (¬7) أن التحقيق أنه لا نزاع بيننا وبينهم [في كونه متكلمًا بالمعنى * الذي ذكروه، لأن النزاع بيننا (¬8) وبينهم] (¬9) إما في المعنى * (¬10) وإما في اللفظ (¬11). أما في المعنى فإما أن يقع في الصحة أو في الوقوع، أما النزاع في الصحة (¬12) فذلك غير ممكن؛ لأنا توافقنا جميعَّا عَلى ¬

_ (¬1) في هامش س: كلام الفخر الرازي في نهاية العقول. (¬2) في نهاية العقول: وأما نحن فنزعم. (¬3) في الأصل: متغايرة. والمثبت من: س، ط، ونهاية العقول. وهو ما يستقيم به الكلام. (¬4) في جميع النسخ: لهذا. والصواب ما أثبت. (¬5) في نهاية العقول: ولكن. (¬6) في نهاية العفول: الصفات. (¬7) في نهاية العقول: اعلم. (¬8) في نهاية العقول: الذي بيننا. (¬9) ما بين المعقوفتين زيادة من: ط، ونهاية العقول. وقد ورد في س: في كونه متكلمًا بالمعنى. وسقط الباقي. (¬10) ما بين النجمتين ساقط من: س. وقد ورد في نهاية العقول: إما أن يقع في المعنى. (¬11) في نهاية العقول: أو في اللفظ. (¬12) في س: الحق.

أنه (¬1) تعالى يصح منه إيجاد الحروف والأصوات، أما في الوقوع فذلك عندنا (¬2) غير ممكن؛ لأنه تعالى موجد لجميع أفعال العباد، ومنها هذه الحروف والأصوات، فكيف يمكننا إنكار كونه موجدًا لها على مذهبهم وهم يثبتون (¬3) ذلك بالسمع. ومعلوم أن الجزم بوقوع الجائزات التي لا تكون محسوسة لا يستفاد إلا من السمع، فإذا كان المعنى بكونه متكلمًا عندهم أنه (¬4) خلق هذه الحروف والأصوات، ولم يثبتوا له من كونه تعالى خالقًا صفة (¬5) أو حالة أو حكمًا (¬6) أزيد من كونه خالقًا لها، فقد (¬7) تعين أنه لا يمكن منازعتهم في ذلك ثبت أنه لا نزاع بيننا وبينهم من جهة (¬8) المعنى في كونه متكلمًا بالتفسير الذي قالوه. وأما النزاع من جهة اللفظ فهو أن يقال: لا نسلم أن لفظة (¬9) المتكلم في اللغة موضوعة لموجد الكلام، والناس قد أطنبوا من الجانبين في هذا المقام، وليس ذلك (¬10) مما يستحق الإطناب، لأنه بحث لغوي ¬

_ (¬1) في نهاية العقول: أن الله. (¬2) عندنا: ساقطة من: نهاية العقول. (¬3) في نهاية العقول: وأما على مذهبهم فهم يثبتون. . . . (¬4) في الأصل، س: إلا أنه. ولا يستقيم المعنى بذلك. وقد وردت العبارة في نهاية العقول: "وإذا كان لا معنى لكونه متكلمًا عندهم إلا أنه. . " والمثبت من: ط. (¬5) في نهاية العقول: ولم يثبتوا له تعالى من كونه خالقًا لها صفة. . (¬6) في س، ط: وحكمًا. (¬7) في نهاية العقول: وقد. (¬8) في نهاية العقول: من حيث. (¬9) في نهاية العقول: لفظ. (¬10) في نهاية العقول: هو.

أقوى ما تمسك به أصحابه في هذه المسألة

وينبغي أن يرجع فيه إلى (¬1) الأدباء، وليس هذا من المباحث العقلية في شيء، وأقوى ما تمسك به أصحابنا في هذه المسألة اللفظية أمور أربعة: أولها: أن أهل اللغة متى سمعوا من إنسان (¬2) كلامًا سموه متكلمًا، مع أنهم لا يعلمون كونه فاعلًا لذلك الكلام [اللهم إلا] (¬3) بالدلالة (¬4)، ولو كان المتكلم هو الفاعل للكلام لما أطلقوا اسم المتكلم عليه إلا بعد العلم بكونه فاعلًا [له] (¬5). ثانيها: أن الاستقراء (¬6) لما دل على (¬7) أن الأسود هو الموصوف بالسواد وكذلك الأبيض والعالم والقادر، وجب أن يكون المتكلم في اللغة هو (¬8) من قام به الكلام. وثالثها: أن الله تعالى خلق الكلام في السماء والأرض، حين قال {ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} (¬9) ثم إنه أضاف ذلك القول إليهما، ¬

_ (¬1) في الأصل، س: في. وأثبت المناسب للسياق من: ط، وقد وردت العبارة في نهاية العقول: وينبغي أن يراجع فيها الأدباء. (¬2) في نهاية العقول: الإنسان. (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من: نهاية العقول. توضح العبارة. (¬4) في الأصل: أو بالأدلة. وفي س: أو بالدلالة. وساقطة من: ط. والمثبت من: نهاية العقول. والذي يظهر لي -والله أعلم- أن طابع الكتاب أسقط هذه الكلمة تعمدًا لعدم فهمه العبارة، ولو رجع إلى نهاية العقول -مخطوط- واطلع عليه لاتضحت له، لكنه لم يكلف نفسه عناء الرجوع إليه فحذف الكلمة، وفي هذا إساءة إلى الكتاب وتصرف فيه. (¬5) ما بين المعقوفتين زيادة من: نهاية العقول. (¬6) في س، ط: الاستقرار. (¬7) في الأصل: عليه. والمثبت من: س، ط، ونهاية العقول. (¬8) هو: ساقطة من: نهاية العقول. (¬9) سورة فصلت، الآية: 11.

وأيضًا فلو كان ذلك كلام الله (¬1) تعالى لزم أن يكون الله تعالى متكلمًا بقوله {ائْتِيَا طَوْعًا} وذلك باطل وخطأ (¬2). ورابعها: أنه تعالى خلق الكلام في الذراع التي أكلها النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: لا تأكل مني فإني مسمومة (¬3)، وذلك باطل، وأقوى ما تمسك به المعتزلة أن العرب يقولون: تكلم الجني على لسان المصروع، فأضافوا الكلام القائم بالمصروع إلى الجني، لاعتقادهم كون الجني فاعلًا له، فلولا اعتقادهم أن المتكلم هو الفاعل للكلام وإلا لما صح ذلك. والجواب عنه يحتمل أن يكون ذلك مجازًا، وإن (¬4) كان حقيقة فربما كان مرادهم أن ذلك الكلام هو كلام الجني حال كونه قريبًا من لسان المصروع، فإذا القدر كاف من (¬5) البحث اللغوي الخالي عن الفوائد العقلية فإذا هو البحث عن كونه متكلمًا على مذهب المعتزلة. فأما (¬6) على مذهبنا، فنحن نثبت لله تعالى كلامًا مغايرًا لهذه الحروف والأصوات، وندعي قدم ذلك الكلام، وللمعتزلة فيه (¬7) ثلاث مقامات: الأول: مطالبتهم إيانا بإفادة تصور ماهية هذا الكلام. الثاني: المطالبة بإقامة الدلالة على اتصافه تعالى بها. الثالث: المطالبة بإقامة الدلالة على كونه قديمًا، فثبت أن الخلاف ¬

_ (¬1) في نهاية العقول: كلامًا لله. (¬2) خطأ: ساقطة من: نهاية العقول. (¬3) في نهاية العقول: مسموم. وقد تقدم تخريجه ص: 282. (¬4) في نهاية العقول: أو إن. . (¬5) في نهاية العقول: عن. (¬6) في نهاية العقول: وأما. (¬7) في نهاية العقول: معنا فيه.

بيننا وبينهم (¬1) ليس في كيفية الصفة فقط، بل في وجه تصور ماهيتها أولًا (¬2) ثم في إثباتها ثانيًا (¬3)، ثم في إثبات قدمها [ثالثًا] (¬4)، وهذا القدر لا بد من معرفته لكل من أراد (¬5) أن يكون كلامه في هذه المسألة ملخصًا، ونحن بعون الله تعالى نذكر دلالة وافية بالأمور الثلاثة. الفصل (¬6) الثَّاني: في كونه متكلمًا وإثبات قدم كلامه: الدليل (¬7) عليه (¬8) حصول الاتفاق على أنَّه آمر ناه مخبر، لا يخلو (¬9) إما أن يكون أمره ونهيه عبارة عن مجرد الألفاظ، أو لا يكون كذلك (¬10)، والأول باطل، لأنَّ اللفظة الموضوعة للأمر قد كان من (¬11) الجائز (¬12) أن يضع اللفظة الموضوعة للأمر (¬13) لإفادة معنى الخبر وبالعكس، فإذن كون اللفظة المعنية أمرًا ونهيًا أو خبرًا إنَّما كان لدلالته (¬14) على ماهيته (¬15): الطّلب والزجر والحكم، وهذه الماهيات ¬

_ (¬1) في نهاية العقول: وبين المعتزلة. (¬2) في الأصل: أم لا. وهو خطأ- والمثبت من: س، ط، ونهاية العقول. (¬3) ثم في إثباتها ثانيًا: ساقطة من: س، ط. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: نهاية العقول. (¬5) في نهاية العقول: لمن أراد. (¬6) في س: فصل. (¬7) في ط: فالدليل. وفي نهاية العقول: والدليل. (¬8) عليه: ساقطة من: س، ط. (¬9) في نهاية العقول: آمر وناه ومخبر فلا يخلو. . . (¬10) كذلك: ساقطة من: نهاية العقول. (¬11) من: كررت في: س. (¬12) في س، ط: الجائزات. (¬13) في جميع النسخ: اللفظة التي وضعها لأن إفادة معنى الأمر. . ولعل الكلام يستقيم بما أثبت من: نهاية العقول. (¬14) في نهاية العقول: إنَّما كانت لدلالتها. (¬15) في الأصل: هية. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط، ونهاية العقول.

ليست أمورًا وضعية (¬1)، لأنا نعلم بالضرورة أن [ماهية] (¬2) السواد لا ينقلب بياضًا أو غيره وبالعكس، وكذلك ماهية (¬3) الطّلب لا تنقلب ماهية الزجر، ولا الواحدة منها (¬4) ماهية الحكم. وإذا أثبت ذلك فنقول: لما كان الله تعالى آمرًا ناهيًا مخبرًا، وثبت أن ذلك لا يتحقق إلّا إذا (¬5) كان الله موصوفًا بطلب وزجر وحكم، فهذه الأمور الثلاثة ظاهر (¬6) أنها ليست عبارة عن العلم والقدرة والحياة والسمع والبصر والبقاء، بل الذي يشتبه الحال (¬7) فيه إما في الطّلب والزجر (¬8) فهي (¬9) الإرادة والكراهة (¬10)، وإما في الحكم فهو (¬11) العلم. والأول: باطل لما ثبت في خلق الأعمال (¬12) وإرادة الكائنات، أن الله تعالى قد يأمر بما لا يريد وينهى (¬13) عما يريد، ¬

_ (¬1) في جميع النسخ: وصفية. ولعلّه تصحيف. والمثبت من: نهاية العقول. وهو ما يدل عليه السياق. (¬2) ما بين المعقوفتين: زيادة من: نهاية العقول. (¬3) في نهاية العقول: وكذلك نعلم بالضرورة أن ماهية. . . (¬4) في الأصل، ط: ولا الزجر منها. وفي س: ولا الزاجر منها. ولا يستقيم الكلام بذلك، والمثبت من: نهاية العقول. (¬5) في س: فنقول لما. وهو تصحيف. (¬6) في س، ط: ظاهرًا. وفي نهاية العقول: ظاهره. (¬7) الحال: ساقطة من: نهاية العقول. (¬8) في ط: ولزجر. (¬9) في نهاية العقول: فهو. (¬10) في س، ط: الكراهية. (¬11) في جميع النسخ: وهو. والمثبت من: نهاية العقول. ولعلّه المناسب للسياق. (¬12) في الأصل: الأفعال لعمال. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط، ونهاية العقول. (¬13) في نهاية العقول: وقد ينهى.

فوجب (¬1) أن يكون معنى (افعل) و (لا تفعل) (¬2) في حق الله شيئًا سوى الإرادة، وذلك هو المعني بالكلام (¬3). والثاني (¬4): باطل، لأنَّه (¬5) في الشاهد قد يحكم الإنسان بما لا يعلمه ولا يعتقده ولا يظنه، فإذن الحكم الذهني في الشاهد مغاير (¬6) لهذه الأمور، وإذا ثبت ذلك في الشاهد ثبت في الغائب، لانعقاد الإجماع على أن ماهية الخبر لا تختلف في الشاهد والغائب. قال (¬7): فثبت أن أمر الله ونهيه وخبره صفات حقيقة (¬8) قائمة بذاته مغايرة (¬9) لإرادته (¬10) وعلمه، وأن الألفاظ الواردة في الكتب المنزلة دليل عليها، وإذا ثبت ذلك وجب القطع بقدمها، لأنَّ الأمة على قولين (¬11) في هذه المسألة، منهم من نفى كون الله موصوفًا بالأمر والنهي والخبر بهذا المعنى، ومنهم من أثبت ذلك، وكل من أثبته موصوفًا بهذه الصفات زعم أن هذه الصفات قديمة، فلو أثبتنا (¬12) كونه -تعالى- موصوفًا بهذه الصفات، ثم حكمنا بحدوث هذه الصفات، كان ذلك قولًا ثالثًا خارقًا للإجماع وهو باطل. ¬

_ (¬1) في س، ط: فموجب. (¬2) في نهاية العقول: أن يكون المرجع بما دلت عليه لفظة: افعل أو لا تفعل. (¬3) في نهاية العقول: ولا معنى بالكلام سوى ذلك. (¬4) في نهاية العقول: والثاني أيضًا. (¬5) في نهاية العقول: لأن. (¬6) في س: مغايرًا. (¬7) أي: الرازي في نهاية العقول. والكلام متصل بما قبله. (¬8) في ط: حقيقية. (¬9) في الأصل: متغايرة. والمثبت من: س، ط، ونهاية العقول. ولعلّه المناسب. (¬10) في جميع النسخ: لذاته. والمثبت من: نهاية العقول. وبه يستقيم الكلام. (¬11) في س: القولين. (¬12) في س، ط: أثبت.

ثم أورد على نفسه (¬1) أسئلة، منها ممانعات (¬2) تارة في إثبات هذه المعاني لله، وتارة في قدمها، وقال (¬3): "ومنها لم (¬4) لا يجوز أن يكون المرجع بالحكم الذي هو معنى الخبر إلى كونه عالمًا بذلك؟ ولئن (¬5) سلمنا كونه -تعالى- موصوفًا بالأمر والنهي والخبر على الوجه الذي ذكرتموه، لكن لم قلتم: إن تلك المعاني قديمة بقولكم (¬6): كل من أثبت هذه المعاني أثبتها قديمة؟ قلنا (¬7): القول في إثباتها مسألة، والقول في قدمها مسألة أخرى، فلو لزم من ثبوت إحدى المسألتين ثبوت (¬8) المسألة الأخرى، لزم من إثبات كونه تعالى عالمًا بعلم قديم إثبات كونه -تعالى- متكلمًا بكلام قديم، وإذا كان ذلك باطلًا، فكذا ما ذكرتموه، ثم لئن سلمنا أن هذا النوع [من الإجماع يقتضي (¬9) عدم كلام الله، لكنَّه معارض بنوع آخر] (¬10) من الإجماع، وهو أن أحدًا من الأمة لم يثبت قدم كلام الله بالطريق الذي ذكرتموه فيكون التمسك بما ذكرتموه خرقًا للإجماع". ¬

_ (¬1) يعني: الرازي في نهاية العقول. وهذه الأسئلة تقع في لوحة تقريبًا من الكتاب رقمها 131. (¬2) في س: ممانعًا. وفي ط: ممانعاة. (¬3) في نهاية العقول -مخطوط- اللوحة: 131. (¬4) لم: ساقطة من: س، ط. (¬5) في س: وإن. (¬6) في الأصل، س: قولكم. وفي نهاية العقول: قوله. وأثبت المناسب من: ط. (¬7) في جميع النسخ: قلت. وهو خطأ إذ يفهم منه أنَّه بداية كلام الشَّيخ -رحمه الله-. والمثبت من: نهاية العقول. (¬8) في س: بثبوت. (¬9) في نهاية العقول: في أنَّه يقتضي. (¬10) ما بين المعقوفتين ساقط من: س.

ثم ذكر معارضات المخالف بوجوه عقلية ونقلية تسعة (¬1). وقال (¬2) في الجواب: "قوله: سلمنا أن خبر الله دليل (¬3) على أن الله حكم بنسبة (¬4) أمر إلى أمر، لكن لم لا يجوز أن يكون ذلك الحكم هو العلم؟ قلنا: هذا باطل لوجهين: أما أولًا: فلأن القائل في المسألة (¬5) قائلان: قائل يقول نثبت لله -تعالى- خبرًا قديمًا، ونثبت كونه مغايرًا للعلم، وقائل: لا نثبت له خبرًا قديمًا أصلًا، فلو قلنا: إن الله له خبر قديم (¬6)، ثم قلنا: إنه هو العلم، كان ذلك خرقًا للإجماع. وأمَّا ثانيًا: فلأنّا بيّنا في أول الاستدلال أن فائدة الخبر في الشاهد [ليست هي الظن والعلم (¬7) والاعتقاد، وإذا بطل ذلك في الشاهد] (¬8) وجب أن يكون في الغائب (¬9) كذلك، لانعقاد الإجماع على أن فائدة الخبر لا تختلف في الشاهد والغائب. ¬

_ (¬1) خمسة عقلية، وأربعة نقلية، ذكرها الرازي في نهايته في اللوحات: 131، 132، 133. (¬2) الرازي في نهاية العقول- مخطوط- اللوحة: 133. (¬3) في الأصل: بدليل، ولا يستقيم الكلام به. والمثبت من: س، ط، ونهاية العقول. (¬4) في الأصل: بنسبته. ولا يناسب السياق. والمثبت من: س، ط، ونهاية العقول. (¬5) في س، ط: في هذه المسألة. (¬6) في نهاية العقول: قلنا: إن لله خبرًا قديمًا. . (¬7) في نهاية العقول: هي العلم والظن. . . (¬8) ما بين المعقوفتين ساقط من: س. (¬9) في الأصل: الغالب. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط، ونهاية العقول. وهو المناسب للسياق.

قوله: سلمنا بثبوت معاني (¬1) هذه الألفاظ لله، فلم قلتم: إنَّها قديمة؟ قلنا: للإجماع المذكور. قوله: لو لزم من القول بإثبات هذه الصفة لله إثبات قدمها، لأنَّ كل من قال بالأول قال بالثاني، لزم من القول بإثبات العلم القديم إثبات الكلام القديم، لأنَّ [كل] (¬2) من قال بالأول قال بالثاني. قلنا: الفرق بين الموضوعين مذكور في "المحصول في علم الأصول" (¬3)، فإن المعتزلة يساعدوننا (¬4) على الفرق بين الموضعين فلا يكون. قوله: إثبات قدم كلام الله بهذه الطريقة (¬5) على خلاف الإجماع. قلنا: قد بينا في كتاب المحصول (¬6) أن إحداث دليل لم يذكره أهل الإجماع لا يكون خرقًا للإجماع. وقال (¬7): في الجواب عن المعارضة: "وأمَّا المعارضة الخامسة (¬8) وما بعدها من الوجوه السمعية، فالجواب عنها حرف واحد، وهو أنا لا ننازع في إطلاق لفظ القرآن وكلام الله على هذه الحروف والأصوات، وما ذكروه من الأدلة فهو إنَّما يفيد حدوث القرآن بهذا ¬

_ (¬1) معاني: ساقطة من: س، ط. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، ونهاية العقول. (¬3) "المحصول في علم أصول الفقه" -لأبي عبد الله الرازي. (¬4) في جميع النسخ: يساعدونا. والمثبت من: نهاية العقول. (¬5) في س، ط، ونهاية العقول: الطريق. (¬6) انظر: المحصول في علم أصول الفقه -لأبي عبد الله الرازي 2/ 1 / 224 - 228. (¬7) الرازي في نهاية العقول -مخطوط- اللوحة: 134. (¬8) الإجابة عن المعارضات الأربع في نصف صفحة تقريبًا من اللوحة: 133.

التفسير، وذلك متَّفقٌ عليه، وأمَّا نحن (¬1) بعد ذلك ندعي صفة قائمة بذات الله -تعالى- وندعي قدمها، وقد بينا أن تلك الصفة يستحيل وصفها بكونها عربية وعجمية ومحكمة ومتشابهة، لأنَّ كل ذلك من صفات الكلام الذي حاولوا (¬2) إثبات حدوثه، فنحن لا ننازعهم في حدوثه، والكلام الذي ندعي قدمه لا يجري فيه ما ذكروه من الأدلة". ثم قال (¬3): في الأصل العاشر الذي هو في الكلام على بقية الصفات في القسم الثالث منه. الفصل الثَّاني (¬4): في بيان (¬5) [أن] (¬6) كلام الله واحد. المشهور اتفاق الأصحاب على ذلك، وقد نقل أبو القاسم الإسفرائيني (¬7) منا عن بعض قدماء أصحابنا أنهم أثبتوا لله خمس كلمات، الأمر والنهي والخبر والاستخبار والنداء. قال (¬8): وأعلم أن هذه المسألة إما أن يتكلم فيها مع القول بنفي الحال (¬9)، أو مع القول بإثباته، فإن كان. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) في س، ط: وإنما نحن. (¬2) ورد في "نهاية العقول بعد الاسم الموصول"، وقبل كلمة "حاولوا" ما يلي: "هو عبارة عن الحروف والأصوات، فالحاصل أن الكلام الذي. . . ". (¬3) الرازي في نهاية العقول -مخطوط- اللوحة: 157. (¬4) في الأصل: الثالث. وهو خطأ. والمثبت من: س، ط، ونهاية العقول. (¬5) بيان: ساقطة من: نهاية العقول. (¬6) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، ونهاية العقول. (¬7) هو: أبو القاسم عبد الجبار بن علي بن محمد الإسفراييني، الأصم المتكلم على مذهب أبي الحسن الأشعري، المعروف بالإسكاف، وهو تلميذ أبي إسحاق الإسفراييني، وشيخ إمام الحرمين الجويني. توفي سنة 452 هـ. انظر: "تبيين كذب المفتري" -لابن عساكر- ص: 265. "طبقات الشَّافعية"- للسبكي - 5/ 99، 100. "سير أعلام النبلاء" -للذهبي- 18/ 117. (¬8) أي: الرازي في نهاية العقول. والكلام متصل بما قبله. (¬9) الحال كما يقول الجويني في الإرشاد ص: 80: "صفة لموجود غير متصفة بالوجود =

الأول (¬1) صعبت (¬2) المسألة جدًّا لأنَّ (¬3) وجود كل شيء عين حقيقته، فإذا كانت حقيقة الطّلب مخالفة لحقيقة الخبر، كان وجود الطّلب مخالفًا لوجود الخبر -أيضًا- إذ لو اتحدا في الوجود مع اختلافهما في الحقيقة كان الوجود غير الحقيقة، وذلك يقتضي إثبات الأحوال، لا يقال: لا نسلم أن يكون (¬4) الكلام خبرًا وطلبًا حقائق مختلفة، بل حقيقة الكلام هو الخبر، ألا ترى أن من طلب من غيره فعلًا أو تركًا، فقد أخبر ذلك الغير بأنه لو لم يفعله لعاقبه، أو بأنه يجب على العاقل الإحلال، ومن استفهم فقد أخبر أنَّه يطلب منه الإفهام، وإذا صار الكلام كله خبرًا زال الإشكال (¬5)، لأنا نقول: ليس هذا. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ولا بالعدم". أي: الواسطة بين الوجود والعدم. والحال أثبتها إمام الحرمين والباقلاني من الأشاعرة، وأبو هاشم وأتباعه من المعتزلة، وأبطلها غير هؤلاء من المتكلمين. وللاطلاع على تفاصيل أقوال مثبتي الأحوال، ونفاتها تراجع الكتب التالية: "الإرشاد" -للجويني- ص: 80 - 84. "محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين" -للرازي- ص: 60، 61. "غاية المرام في علم الكلام" -للآمدي- ص: 27 - 37. "التمهيد" -للبقلاني- ص: 200 - 202. (¬1) في الأصل: الكلام. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط، ونهاية العقول. (¬2) في جميع النسخ: ضعفت. ويظهر أنَّه تصحيف. والمثبت من: نهاية العقول. (¬3) في س: الآن. (¬4) في نهاية العقول: لا نسلم كون. . (¬5) بعد كلمة الإشكال ورد في نهاية العقول الكلام التالي: "ثم لئن سلمنا اختلاف هذه الأمور في حقائقها، ولكن لا نسلم أن الشيء الواحد يستحيل أن يكون خبرًا وطلبًا. بيانه أن إنسانًا لو قال لبعض عبيده: متى قلت لك هذه الصيغة فاعلم أني أطلب منك الترك، وقال للآخر: متى قلت لك افعل فاعلم أني أطلب منك الفعل، وقال للآخر: متى قلت لك هذه الصيغة فاعلم أني أخبر عن كون العالم محدثًا، فإذا حضروا بأمر وخاطبهم دفعة واحدة بهذه الصيغة كانت تلك الصيغة الواحد أمرًا نهيًا خبرًا معًا، فإذا عقل ذلك في الشاهد فليقل مثله في الغائب، لأنا نقول. . ".

شيء (¬1)، لأنَّ حقيقة الطّلب مغايرة لحقيقة حكم الذهن بنسبة أمر إلى أمر، وتلك المغايرة معلومة بالضرورة، ولهذا يتطرق التصديق والتكذيب إلى أحدهما دون الآخر". قال (¬2): "وإن تكلمنا على القول بالحال، فيجب أن ينظر في (¬3) أن الحقائق الكثيرة هل يجوز أن تتصف بوجود واحد أم لا؟. فإن قلت: جاز (¬4) ذلك، فحينئذ يجوز أن تكون الصفة الواحدة حقائق مختلفة، وإلّا بطل القول بذلك، وأنا إلى الآن لم يتضح لي فيه دليل، لا نفيًا ولا إثباتًا. والذي يقال في امتناعه: أنا لو قدرنا شيئًا واحدًا يكون (¬5) له حقيقتان، فإذا طرأ عليهما ما يضاد إحدى الحقيقتين [دون الأخرى] (¬6) لزم أن تعدم (¬7) تلك الصفة من أحد (¬8) الوجهين، ولا تعدم (¬9) من الوجه الآخر. قال (¬10): وهذا ليس بشيء، لأنا حكينا عن المعتزلة (¬11) استدلالهم ¬

_ (¬1) في نهاية العقول: "لأنا نقول: إن القول بأنَّ كل كلام خبر ليس بشيء. . ". (¬2) الرازي في نهاية العقول- اللوحة: 157. (¬3) في: ساقطة من: نهاية العقول. (¬4) في الأصل، س: فإن قلنا يجوز. وفي ط: فإن قلنا بجواز. والمثبت من: نهاية العقول. لأنَّ الرازي يناقش خصومه. (¬5) في جميع النسخ: واحدًا له يكون له. والمثبت من: نهاية العقول. والكلام يستقيم بدون لفظة "له". (¬6) ما بين المعقوفتين زيادة من: نهاية العقول. (¬7) في س، ط: نقدم. وهو تصحيف. (¬8) في ط: إحدى. (¬9) في س، ط: نقدم. وفي نهاية العقول: وإن لم تعدم. . (¬10) القائل: هو الرازي في نهاية العقول. وهي إضافة من الشَّيخ -رحمه الله- للبيان، والكلام متصل بما قبله. (¬11) في نهاية العقول: عن المعتزلة في إثبات المعدوم. .

بمثل هذا الكلام، على أن صفات الأجناس لا تقع بالفاعل، ثم زيفنا ذلك من وجوه عديدة (¬1)، وتلك الوجوه بأسرها عائدة ها هنا، فهذا هو الكلام على من استدل على امتناع أن يكون الكلام الواحد أمرًا ونهيًا وخبرًا واستخبارًا (¬2) معًا. وأمَّا الذي يدل على أن الأمر كذلك فلا يمكن أن يعول (¬3) فيه على الإجماع من الحكاية (¬4) التي ذكرها أبو إسحاق الإسفرائيني، ولم نجد لهم نصًّا، ولا يمكن أن يقال (¬5) فيه دلالة عقلية (¬6)، فبقيت المسألة بلا دليل. وإنَّما قال: لا يمكن التعويل فيها على الإجماع، لأنَّ الذي اعتمد عليه في أن علم الله واحد (¬7) ما نقله عن القاضي أبي بكر أنَّه عول فيها على الإجماع فقال (¬8): "القائل قائلان: قائل يقول: الله عالم [بالعلم] (¬9) قادر بالقدرة، وقائل يقول: [إن (¬10) الله ليس بعالم (¬11) بالعلم، ولا قادرًا بالقدرة] (¬12)، وكل من قال بالقول الأول قال: إنه عالم بعلم واحد، قادر (¬13) بقدرة واحدة، فلو قلنا: إنه عالم بعلمين أو أكثر كان ¬

_ (¬1) في نهاية العقول: عدة. (¬2) في نهاية العقول: أمرًا نهيًا خبرًا استخبارًا. (¬3) في س: نقول. وفي ط: نعول. (¬4) في نهاية العقول: للحكاية. وسوف يشير إليها الشَّيخ فيما بعد. (¬5) قوله: ولا يمكن أن يقال: ساقط من: نهاية العقول. (¬6) في س: عقيله. (¬7) في س: واحدًا. (¬8) في نهاية العقول -مخطوط- اللوحة: 157 - الأصل العاشر- القسم الثالث الفصل الأول في وحدة علم الله وقدرته. (¬9) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، ونهاية العقول. (¬10) إن: ساقطة من: س، ط، ونهاية العقول. (¬11) في نهاية العقول: ليس عالمًا. . (¬12) ما بين المعقوفتين مكرر في: س. (¬13) في نهاية العقول: وقادر.

مناقشة الشيخ لكلام الرازي من وجوه

ذلك قولًا ثالثًا خارقًا للإجماع وهو باطل" (¬1). وقد ذكر (¬2) عن أبي سهل (¬3) الصعلوكي أنَّه قال: إنه عالم بعلوم غير متناهية، لكن قال: هو مسبوق بهذا الإجماع. قلت: وهذا الكلام فيه أمور (¬4) يتبين بها من الهدى لمن يهديه الله ما ينتفع به. أحدها: أنَّه لم يعتمد في كون كلام الله قديمًا على حجة عقلية، ولا على كتاب ولا سنة، ولا كلام أحد من السلف والأئمة، بل ادعى فيها الإجماع قال: لأنَّ الأمة في هذه المسألة على قولين: منهم من نفى كون الله موصوفًا بالأمر والنهي والخبر بهذا المعنى، ومنهم من أثبت ذلك، وكل من أثبته موصوفًا بهذه الصفات زعم أن هذه الصفات قديمة فلو أثبتنا كونه موصوفًا بهذه الصفات، ثم حكمنا بحدوث هذه الصفات كان ذلك ¬

_ (¬1) في نهاية العقول:. . . ثالثًا خارجًا عن الإجماع، وإنه باطل. (¬2) أي: الرازي في المصدر السابق، نفس اللوحة والأصل والقسم والفصل. (¬3) في الأصل: أبو بكر الصعلوكي. وهو خطأ. والمثبت من: س، ط، ونهاية العقول. هو: أبو سهل محمد بن سليمان بن محمد بن سليمان بن هارون الحنفي نسبًا -من بني حنيفة- العجلي الصعلوكي النيسابوري، الفقيه الشَّافعي المتكلم الصُّوفي. ذكر الذهبي أن الحاكم قال فيه: أبو سهل مفتي البلدة وفقيهها وأجدل من رأينا من الشَّافعية بخراسان، وهو مع ذلك أديب شاعر نحوي كاتب عروضي صحب الفقراء، توفي بنيسابور سنة 269 هـ. راجع: وفيات الأعيان لابن خلكان- 4/ 204، 205. سير أعلام النبلاء -للذهبي- 16/ 235 - 239. طبقات الشَّافعية -للسبكي- 3/ 167 - 173. (¬4) الأولى أن تكون: "وجوه". لأنَّ الشَّيخ -رحمه الله- عند ذكره لها عدا الأول يذكر "الوجه. . ".

الوجه الثاني: لم يقل أحد من السلف أن القرآن قديم وأنه لا يتعلق بمشيئته وقدرته

قولًا ثالثًا خارقًا للإجماع. يقال له: ليس كل من أثبت اتصافه وأنه يقوم به معنى الأمر والنهي والخبر يقول بقدمه، بل كثير من هؤلاء لا يقول بقدمه، فمن أهل الكلام كالشيعة والكرامية وغيرهم، وأمَّا من أهل الحديث والفقهاء فطوائف كثيرة، وهذا مشهور في الكتب الحديثية والكلامية، وليس له أن يقول هؤلاء يقولون: إنه يقوم به حروف ليست قديمة، ولكن لا يقولون: إنه يقوم به معان ليست قديمة، لأنَّ أقوالهم المنقولة تنطق بالأمرين جميعًا. الوجه الثَّاني: أن أحدًا من السلف والأئمة لم يقل: إن القرآن قديم، وإنه لا يتعلق بمشيئته وقدرته، ولكن اتفقوا على أن القرآن كلام الله غير مخلوق، والمخلوق عندهم ما خلقه الله من الأعيان والصفات القائمة بها، والذين قالوا: هو مخلوق، قالوا: إنه خلقه في جسم كما نقله عنهم". فقال السلف: إن ذلك يستلزم أن لا يكون الله متكلمًا، وإن الكلام كلام ذلك الجسم المخلوق، فتكون الشجرة هي القائلة لموسى: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إلا أَنَا فَاعْبُدْنِي} (¬1). ولهذا صرحوا [بخطأ] (¬2) من يقول: إن ذلك مخلوق لأنَّ عندهم أنَّه من المعلوم بالفطرة شرعًا وعقلًا ولغة أن المتكلم بهذا الذي يقوم به وربما قد يقولون: إنه لم يكن متكلمًا حتَّى خلق الكلام، فصار متكلمًا بعد أن كان عاجزًا عن الكلام، فتوهم هؤلاء أن السلف عنوا بقولهم: القرآن كلام الله غير مخلوق أنَّه معنى واحد قديم، كتوهم من توهم من المعتزلة والرافضة أنهم عنوا به أنَّه غير مفترى مكذوب، كما ذكره هو في ¬

_ (¬1) سورة طه، الآية: 14. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: ط. وفي الأصل، س: بياض بقدر كلمة.

هذه المسألة، فقال" (¬1): الحجة الرابعة لهم من السمعيات: "ما روى أبو الحسين البصري (¬2) في الغرر (¬3) عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "ما خلق الله من سماء ولا أرض ولا سهل ولا جبل أعظم من آية الكرسي" (¬4)، وروى عنه - عليه السلام - أنَّه كان يقول في دعائه: "يا رب طه" ويس "ويا رب القرآن العظيم" (¬5). قال (¬6): ولا يقال هذا معارض بمبالغة السلف من الامتناع عن القول بخلق القرآن، لأنا نقول: يحمل ذلك على (¬7) الامتناع من إطلاق هذا اللفظ (¬8)، لأنَّ لفظ (¬9) الخلق قد يستعمل في الافتراء ضرورة التوفيق بين الروايات". قلت: وجواب هذه الحجة سهل، فإنَّه لا خلاف بين أهل العلم بالحديث أن هذين الحديثين كذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهل الحديث ¬

_ (¬1) أبو عبد الله الرازي في نهاية العقول -مخطوط- اللوحة: 132. (¬2) في نهاية العقول: أبو الحسن، وهو خطأ. وتقدمت ترجمته ص: 314. (¬3) الغرر: سوف يرد الكلام عليه في ص: 648. (¬4) الشَّيخ رحمه الله بين أن هذا الحديث مكذوب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جوابه على هذه الحجة بعد أسطر قليلة، وأنه لا يوجد في شيء من كتب الحديث. وقد ورد هذا الحديث المكذوب في نهاية العقول بلفظ: "ما خلق الله في السماء والأرض ولا في سهل ولا جبل. . . ". (¬5) أيضًا هذا الحديث مكذوب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد بين ذلك الشَّيخ -رحمه الله- فيما بعد، وأوضح أن هذا الحديث والذي قبله لا يوجدان في شيء من كتب الحديث، ولا في شيء من كتب المسلمين أصلًا بإسناد معروف. (¬6) أي: الرازي في نهاية العقول. قال: إضافة من الشَّيخ للبيان. والكلام متصل. (¬7) في س: على أن. (¬8) في نهاية العقول:. . . الامتناع من هذه اللفظة. (¬9) لفظ: ساقطة من: نهاية العقول.

يعلمون أن ذلك مفترى عليه بالضرورة، كما يعلمون ذلك في أشياء كثيرة من الموضوعات عليه، ويكفي أن نقل ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يوجد في شيء من كتب الحديث، ولا في شيء من كتب المسلمين أصلًا بإسناد معروف، بل الذي رووه في كتب أهل الحديث بالإسناد المعروف عن ابن عباس أنَّه أنكر على من قال ذلك. فروي من [غير] (¬1) وجه عن عمران بن حدير (¬2) عن عكرمة قال: "صليت مع ابن عباس على رجل، فلما دفن قام رجل فقال: يا رب القرآن اغفر له، فوثب إليه ابن عباس فقال: مه إن القرآن منه". وفي رواية: "القرآن كلام الله ليس بمربوب، منه خرج وإليه يعود" (¬3). فهذا الأثر المأثور عن ابن عباس هو ضد ما رووه، وأمَّا ما رووه فلا يؤثر لا عن النَّبيِّ - صَلَّى الله عليه وسلم - ولا عن أحد من الصّحابة ولا التّابعين أصلًا. وكذلك الحديث الآخر: "ما خلق (¬4) الله من سماء ولا أرض" فإن هذا لا يؤثر عن -النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أصلًا، ولكن يؤثر عن ابن مسعود نفسه (¬5). ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬2) في جميع النسخ: جدير. وهو خطأ. وتقدم التعريف به. (¬3) سبق تخريجه ص: 294، 365. (¬4) في س، ط: وهو قوله ما خلق. . (¬5) أخرجه البُخاريّ في خلق أفعال العباد بلفظ آخر سوف يذكره الشَّيخ -رحمه الله- بعد عدة أسطر. وأخرجه البيهقي في الأسماء والصفات ص: 288. وأبو عبد الله الجوزقاني في الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير 2/ 295، 296، 297. والسيوطي في الدر المنثور 2/ 7. وكلهم بلفظ: "ما من سماء. . . ". وقد أخرج السيوطي في المصدر السابق ص: 8: عن ابن الضريس ومحمد بن نصر والهراوي في فضائله عن ابن عباس قال: ما خلق الله من سماء ولا أرض ولا سهل ولا جبل أعظم من سورة البقرة، وأعظم آية فيها آية الكرسي.

وقد ثبت عن ابن مسعود بنقل العدول أنَّه قال: من حلف بالقرآن فعليه بكلِّ آية يمين، ومن كفر بحرف منه فقد كفر به أجمع" (¬1). وقد اتفق المسلمون على أن الكفارة لا تجب بما يخلقه في الأجسام، فعلم أن القرآن كان عند ابن مسعود صفة لله، لا مخلوقًا له، وأن معنى ذلك الأثر أنَّه ليس في الموجودات المخلوقة ما هو أفضل من آية الكرسي، لا أنها (¬2) هي مخلوقة، كما يقال: الله أكبر من كل شيء، وإن كان ذلك الكبير مخلوقًا، والله تعالى ليس بمخلوق، وبذلك فسر الأئمة قول ابن مسعود. ذكر الخلال في كتاب السنة (¬3)، عن سفيان ابن عيينة أنَّه ذكر هذا الحديث الذي يروى = ما خلق الله من سماء ولا أرض ولا جبل أعظم من آية الكرسي، قال (¬4): فقال ابن عيينة (¬5) هو هكذا: "ما خلق الله من شيء إلَّا وآية الكرسي أعظم ممَّا خلق". ¬

_ = وسوف يبين الشَّيخ في مناقشته القريبة المراد من هذا الأثر. وانظر: الأسماء والصفات -للبيهقي- ص: 288. (¬1) تقدم تخريجه ص: 292. (¬2) في ط: لأنها. وهو خطأ كبير يحيل المعنى. (¬3) لم أجد هذا النقل، وكذا ما بعده في السنة للخلال، ولعل هذه النقول في بقية الكتاب المخطوط الذي لم يقع تحت يدي. وكلام ابن عيينة أورده التِّرمذيُّ في سننه 5/ 161 كتاب فضائل القرآن -باب ما جاء في سورة آل عمران- رقم 2884 بلفظ: "حدَّثنا محمد بن إسماعيل قال: حدَّثنا الحميدي، حدَّثنا سفيان بن عيينة في تفسير حديث عبد الله بن مسعود قال: ما خلق الله من سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسي، قال سفيان: لأنَّ آية الكرسي هي كلام الله وكلام الله أعظم من خلق الله من السماء والأرض. (¬4) قال: ساقطة من: س، ط. (¬5) في س: عينه. وهو خطأ وتقدم التعريف به.

وروى الخلال عن أبي عبيد قال: وقد قال رجل (¬1): ما خلق الله من سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسي، أفليس يدلك على أن هذا مخلوق. قال أبو عبيد: إنَّما قال: ما خلق الله من سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسي، فأخبر الله أن السماء والأرض أعظم من خلق، وأخبر أن آية الكرسي التي هي من صفاته أعظم من هذا العظيم المخلوق. وروى عن أحمد بن القاسم قال: قال أبو عبد الله: هذا الحديث ما خلق الله من سماء ولا أرض ولا كذا أعظم فقلت لهم: إن الخلق ها هنا وقع على السماء والأرض، وهذه الأشياء لا على القرآن، لأنَّه قال: ما خلق الله من سماء ولا أرض، فلم يذكر خلق القرآن ها هنا. وقال البُخاريّ في كتاب خلق الأفعال (¬2): "وقال الحميدي، ثنا سفيان، ثنا حصين، عن مسلم بن صبيح، عن شتير بن شكل (¬3)، عن عبد الله (¬4)، قال: ما خلق الله من أرض ولا سماء ولا جنة ولا نار أعظم من {اللَّهُ لَا إِلَهَ إلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (¬5). ¬

_ (¬1) في س: زحل. وهو خطأ. (¬2) خلق أفعال العباد -للبخاري- ص: 33، 34. (¬3) في س: تستير. وفي ط: تستر. هو: أبو عيسى شتير بن شكل بن حميد العبسي الكوفيِّ، روي له مسلم والأربعة، وثقه النَّسائيّ وغيره، توفي في حدود التسعين للهجرة. راجع: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 2/ 1 / 387 ت: 1688. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 4/ 311، 312. والوافي بالوفيات -للصفدي- 16/ 112. (¬4) هو عبد الله بن مسعود، وقد أخرج هذا الأثر عنه السيوطي في الدر المنثور 2/ 7. (¬5) سورة البقرة، الآية: 255.

قال سفيان [في] (¬1) تفسيره: إن كل شيء مخلوق، والقرآن ليس بمخلوق، وكلامه أعظم من خلقه، لأنَّه إنَّما يقول للشيء كن فيكون، فلا يكون شيء أعظم ممَّا يكون به الخلق، والقرآن كلام الله. وأمَّا تأويلهم أن السلف امتنعوا من لفظ الخلق لدلالته على الافتراء فألفاظ السلف منقولة عنهم بالتواتر عن نحو خمسمائة من السلف كلها تصرح بأنهم أنكروا الخلق الذي تعنيه الجهمية من كونه مصنوعًا في بعض الأجسام، كما أنهم (¬2) سألوا جعفر بن محمد عن القرآن هل هو خالق أو مخلوق (¬3)؟ فقال: ليس بخالق ولا مخلوق، ولكنه كلام الله. ومثل قول (¬4) علي - رضي الله عنه - لما قيل له: حكمت مخلوقًا، فقال: ما حكمت مخلوقًا وإنما حكمت القرآن، وأمثال ذلك ممَّا يطول ذكره. والمقصود هنا أن السلف اتفقوا على أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وهذا الذي أجمع عليه السلف ليس معناه ما قالته المعتزلة، ولا ما قالته الكلابية، وهذا الرازي ادعى الإجماع، وإجماع السلف ينافي ما ادعاه من الإجماع، فإن أحدًا من السلف لم يقل هذا ولا هذا (¬5)، فضلًا عن أن يكون إجماعًا، [ويكفي أن يكون اعتصامه في هذا الأصل العظيم بدعوى إجماع] (¬6)، والإجماع المحقق على خلافه، فلو كان فيه ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: خلق أفعال العباد. (¬2) قول جعفر بن محمد بن علي بن الحسين الصادق يروى من طرق متعددة فراجعه في: السنة -لعبد الله بن أحمد بن حنبل- ص: 29، 30. وشرح اعتقاد أهل السنة والجماعة -للالكائي- 2/ 241 - 243. والأسماء والصفات -للبيهقي- ص: 247. (¬3) في س، ط: أو هو. (¬4) تقدم. (¬5) أي: لم يقولوا مخلوق ولا مفترى، وإنَّما قالوا: إنه كلام الله. (¬6) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.

الوجه الثالث: أن الرازي أقر أنه لا نزاع بينهم وبين المعتزلة من جهة المعنى في خلق الكلام وإنما النزاع لفظي

خلاف لم تصح الحجة، فكيف إذا كان الإجماع المحقق السلفي على خلافه. الوجه الثالث: أن الرجل (¬1) قد أقر أنَّه لا نزاع بينهم وبين المعتزلة من جهة المعنى في خلق الكلام بالمعنى الذي يقوله المعتزلة، وإنَّما النزاع لفظي حيث إن المعتزلة سمت ذلك المخلوق كلام الله، وهم لم يسموه كلام الله. ومن المعلوم بالاضطرار أن الجهمية من المعتزلة وغيرهم لما ابتدعت القول بأنَّ القرآن مخلوق، أو بأنَّ كلام الله مخلوق أنكر ذلك عليهم سلف الأمة وأئمتها، وقالوا: القرآن كلام الله غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود، فلو كان ما وصفته المعتزلة بأنه مخلوق وهو مخلوق عندهم -أيضًا- وإنَّما خالفوهم في تسمية كلام الله أو في إطلاق اللفظ لم تحصل هذه المخالفة العظيمة والتكفير العظيم بمجرد نزاع لفظي، كما قال هو: إن الأمر في ذلك يسير، وليس هو ممَّا يستحق الإطناب، لأنَّه بحث لغوي وليس هو من الأمور المعقولة المعنوية، فإذا كانت المعتزلة فيما أطلقته لم تنازع إلَّا في بحث لغوي لم يجب تكفيرهم وتضليلهم وهجرانهم بذلك، كما أنَّه هو وأصحابه لا يضللونهم في تأويل ذلك وإن نازعوهم في لفظ، ومجرد النزاع اللفظي لا يكون كفرًا ولا ضلالًا في الدين. الوجه الرابع: أنَّه قد استخف بالبحث في مسمى المتكلم، وقال: إنه ليس ممَّا يستحق الإطناب، لأنَّه بحث لغوي، وهذا غاية الجهل بأصل هذه ¬

_ (¬1) هو: الرازي، وإقراره تقدم في النقل من نهاية العقول فراجعه في ص: 597، 598.

المسألة، وذلك أن هذه المسألة هي سمعية (¬1) كما قد ذكر هو ذلك فإنَّه إنما أثبت ذلك بالنقل المتواتر عن الأنبياء -عليهم السلام- أن الله يتكلم. ولهذا لما قال له المنازع: إثبات كونه متكلمًا آمرًا ناهيًا مخبرًا بالإجماع لا يصح لتنازعهم في معنى الكلام. أجاب بأنا نثبتها بالنقل المتواتر عن الأنبياء -عليهم السلام- أنهم كانوا يقولون: إن الله أمر بكذا ونهى عن كذا وأخبر بكذا وقال كذا وتكلم بكذا، وإنا (¬2) نثبتها -أيضًا- بالإجماع- كما قرره (¬3). وإذا كان أصل هذه المسألة هو (¬4) الاستدلال بالنقل المتواتر بالإجماع على أن الله متكلم آمر ناه، كان العلم بمعنى المتكلم الآمر الناهي هل هو الذي قام به الكلام؟ كالأمر والنهي والخبر، أو هو من فعله ولو (¬5) في غيره؟ هو أحد مقدمتي دليل المسألة الذي لا تتم إلَّا به، فإنَّه إذا جاز أن يكون القائل الآمر الناهي المخبر لم يقم به كلام ولا أمر ولا نهي ولا خبر، بطلت حجة أهل الإثبات في المسألة من كل وجه، فالإطناب في هذا الأصل هو أهم ما في هذه المسألة، بل ليس في المسألة أصل أهم من هذا، وبهذا الأصل كفر الأئمة الجهمية، لأنهم علموا أن المتكلم هو الذي يقوم به الكلام، وأن ذلك معلوم بالضرورة من الشرع والعقل واللغة عند الخاصة والعامة (¬6)، وليس هذا بحثًا لغويًّا كما زعمه بل هو بحث عقلي معنوي شرعي، مع كونه -أيضًا- لغويًّا كما نذكره في: ¬

_ (¬1) في س: سمعته. وهو تصحيف. (¬2) في س، ط: وبأنا. (¬3) في س، ط: قرروه. (¬4) في الأصل: هي. ولعل ما أثبت من: س، ط: يكون مناسبًا للسياق. (¬5) في الأصل: وكو. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط. (¬6) في س: الطامة. وهو تصحيف.

الوجه الخامس: أن البحث في هذه المسألة بحث عقلي معنوي شرعي وليس بحثا لغويا كما زعم

الوجه الخامس: وذلك أن كون المتكلم هو الذي يقوم به الكلام أو لا يقوم به الكلام، وكون الحي يكون متكلمًا بكلام يقوم بغيره، هو مثل كونه حيًّا عالمًا وقادرًا وسميعًا وبصيرًا ومريدًا بصفات تقوم بغيره، وكون الحي العليم القدير لا تقوم به حياة ولا علم ولا قدرة، وهذه كلها بحوث معقولة معنوية لا تختص بلغة دون لغة، بل تشترك فيها الأمم كلها (¬1)، وهي -أيضًا- داخلة فيما أخبرت به الرسل عن الله، فإن ثبوت حكم الصفة للمحل (¬2) الذي تقوم به الصفة أو لغيره، أمر معقول يعلم بالعقل، فعلم أنَّه مقام عقلي، وهو مقام سمعي، ولهذا يبحث معهم في سائر الصفات كالعلم والقدرة بأنَّ الحي لا يكون عليمًا قديرًا إلَّا بما يقوم به من الحياة والعلم. الوجه السادس: أنَّه لولا ثبوت هذا المقام لما أمكنه أن يثبت (¬3) قيام معنى الأمر والنهي والخبر، لأنَّه قرر بالإجماع أن الله آمر وناه ومخبر، وأن ذلك ليس هو اللفظ، بل هو معنى هو الطّلب والزجر والحكم، وهذه المعاني سواء كانت هي الإرادة والعلم أو غير ذلك. يقال له: لا نسلم أنها قائمة بذات الله إن لم يثبت أن الأمر الناهي المخبر هو من قام به معنى الأمر والنهي والخبر، بل يمكن أن يقال فيها ما يقوله المعتزلة في الإرادة والعلم، إما أن يقولوا: يقوم بغير محل، أو يقولوا: كونه آمرًا ومخبرًا مثل كونه عالمًا، وذلك حال أو صفة، فإنَّه إذا ¬

_ (¬1) في س، ط: كلهم. (¬2) في الأصل: لمحل. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط. (¬3) في س: ثبت.

الوجه السابع: أنه عدل عن الطريقة المشهورة لأصحابه في هذا الأصل

جاز أن يكون الآمر والمخبر لم يقم به خبر ولا أمر، لم يمكنه ثبوت هذه المعاني قائمة بذات الله، بل يقال له: هب أن لها معاني وراء الألفاظ ووراء هذه، لكن لم قلت: إن الآمر الناهي هو من قام به تلك المعاني، دون أن يكون من فعل تلك المعاني؟ الوجه السابع: أنَّه عدل عن الطريقة المشهورة لأصحابه في هذا الأصل، فإنهم يثبتون أن المتكلم من قام به الكلام، وأن معنى الكلام هو الطّلب والزجر والحكم -كما ذكره - (¬1) ثم يقولون: ولا يجوز أن يكون ذلك حادثًا في غيره لا في ذاته، لأنَّ ذاته لا تكون محلًا للحوادث [وبذلك أثبتوا قدم الكلام، فقالوا: لو كان محدثًا لكان إما أن يحدثه في نفسه فيكون محلًا للحوادث] (¬2) وهو محال (¬3) أو غيره فيكون كلامًا لذلك المحل، أو [لا (¬4)] محل فيلزم قيام الصفة بنفسها وهو محال، وإنَّما عدل عنها لأنه قد بين أنَّه لم يقم دليل على أن قيام الحوادث به محال، بل ذلك لازم لجميع الطوائف، ومن المعلوم أنَّه إذا جوز قيام الحوادث به، بطل قول أصحابه في هذه المسألة، وامتنع أن يقال: هو قديم، لأنَّه إذا ثبت أن المتكلم هو من قام به الكلام، أو ثبت (¬5) أن الله آمر ناه مخبر بمعنى يقوم به لا بغيره، فإذا جاز أن يكون حادثًا ويكون صفة لله، كما يقوله من يقول: إن الله يتكلم إذا شاء ويسكت إذا شاء كما يقوله جماهير أهل ¬

_ (¬1) كما ذكره: ساقطة من: س، ط. وتقدم ذكره لذلك في: نهاية العقول -مخطوط- اللوحة: 130. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من: س. (¬3) في الأصل: أو محال. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. وأثبتها لاقتضاء السياق لها. (¬5) في ط: أثبت.

الوجه الثامن: أنه احتج بإجماع الطائفتين

الحديث والفقهاء، وطوائف من أهل الكلام من المرجئة والشيعة والكرامية وغيرهم، لم يجزأ (¬1) أن يحكم بقدمه بلا دليل، إلَّا كما يقوله من يقول من أئمة السنة -إن الله لم يزل متكلمًا إذا شاء فيريدون أنَّه لم يزل متصفًا بأنه متكلم إذا شاء [وهو لا يقول بذلك] (¬2) فتبين أن الأصل الذي قرره يبطل قول المعتزلة وقول أصحابه، ولا ينفع حينئذ احتجاجه باجتماع هاتين الطائفتين، إذ ليس ذلك إجماع الأمة. الوجه الثامن: أنَّه لما عارض الإجماع الذي ادعاه بنوع آخر من الإجماع، وهو أن أحدًا من الأمة لم يثبت قدم كلام الله بالطريق الذي ذكرتموه، فيكون التمسك بما ذكرتموه خرقًا للإجماع. أجاب: بأنا قد بينا في كتاب المحصول (¬3) أن إحداث دليل لم يذكره أهل الإجماع لا يكون خرقًا للإجماع. فيقال له: هذا إن (¬4) كان قد استدل بدليل آخر منضمًا إلى دليل أهل الإجماع، فإن ذلك لا يستلزم تخطئة أهل الإجماع، وأمَّا إذا بطل معتمد أهل الإجماع ودليلهم، وذكر دليلًا (¬5) آخر كان هذا تخطئة منه لأهل الإجماع (¬6)، والأمر هنا كذلك، لأنَّ الذين قالوا بقدمها إنَّما قالوا ذلك ¬

_ (¬1) في س: لم يجر. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. وقد ورد في الأصل: "وهو لا يقوم بذلك" غير أن الناسخ قد شطبها. (¬3) تقدم الإشارة إلى أنَّه في "المحصول في عدم أصول الفقه" للرازي 2/ 1 / 224 - 225. (¬4) في س، ط: إذا. (¬5) في الأصل: دليل. والمثبت من: س، ط. (¬6) نص على ذلك الآمدي في كتابه "إحكام الأحكام" 1/ 273.

الوجه التاسع: إذا لم يكن في المسألة دليل قطعي سوى ما ذكره ولم يستدل به أحد قبله لزم ألا يكون أحد علم الحق في هذه المسألة قبله

لامتناع قيام الحوادث به [عندهم] (¬1) والذين قالوا بخلقها قالوا ذلك لامتناع قيام الصفات به، وعنده كلتا (¬2) الحجتين باطلة، وهو احتج بإجماع الطائفتين، وقد أقر بأنَّ حجة كل منهما باطلة، فلزم إجماعهم على باطل. الوجه التاسع: أنَّه إذا لم يكن في المسألة دليل قطعي سوى ما ذكره، ولم يستدل به أحد قبله، لم يكن أحد قد علم الحق في هذه المسألة قبله، وذلك حكم على الأمة قبله بعدم علم الحق في هذه المسألة وذلك يستلزم أمرين: أحدهما: إجماع الأمة على ضلالة في هذا الأصل. وثانيهما: عدم صحة الاحتجاج بإجماعهم الذي احتج به، فإنهم إذا قالوا بلا علم ولا دليل لزم (¬3) هذان المحذوران. الوجه العاشر: أن هذا إجماع مركب، كالاستدلال (¬4) على قدم الكلام بقدم العلم، وتفريقه بينهما فرق صوري، وقوله للمعتزلة: نسلم ذلك، ليس كذلك، وذلك أن الأمة إذا اختلفت في مسألة على قولين لم يكن لما بعدهم إحداث قول ثالث (¬5)، والمعتزلة توافق على ذلك، وقد اعتقد هو ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬2) في الأصل: كل. وفي س، ط: كلام. ولعل ما أثبت هو الصواب. (¬3) لزم: مكررة في الأصل. (¬4) في س: كا استدلال. (¬5) هذا مذهب الجمهور، خلافًا لبعض الشيعة، وبعض الحنفية، وبعض أهل الظاهر. راجع: إحكام الأحكام -للآمدي- 1/ 268. والمحصول في علم أصول الفقه -للرازي- 2/ 1 / 179، 180. وانظر ما كتبته مفصلًا عن هذه المسألة في ص:.

النزاع في مسألة الكلام في مسائل كل واحدة غير مستلزمة للأخرى

أن هذه المسألة من ذاك (¬1)، وإذا (¬2) اختلفت في مسألتين على قولين فهل (¬3) يجوز لمن بعدهم أن يقول بقول طائفة في مسألة، وبقول طائفة أخرى في مسألة أخرى بناء على المنع في الأولى؟ على قولين: وقيل بالتفصيل، وهو أنَّه إن (¬4) اتحد مأخذهما (¬5) لم يجز الفرق، وإلّا جاز، وقيل: إن صرح أهل الإجماع بالتسوية لم يجز الفرق، وإلّا جاز (¬6)، وإذا كان كذلك فهذه المسألة من هذا (¬7) القسم، فإن النزاع في مسألة الكلام في مسائل كل واحدة غير مستلزمة للأخرى. إحداهن: أن الكلام هل هو قائم به أم لا؟ والثانية: الكلام هل هو الحروف والأصوات، أو المعاني، أو مجموعهما؟ والثالثة: أن القائم به (¬8) هل يجب أن يكون لازمًا له قديمًا، أو يتكلم إذا شاء؟ والرابعة: أن المعاني هل هي من جنس العلم والإرادة، أو جنس آخر؟ ¬

_ (¬1) في ط: ذلك. (¬2) في الأصل: وإذ. وأثبت المناسب من: س، ط. (¬3) في س: فهو. (¬4) في الأصل: إذ. وأثبت المناسب من: س، ط. (¬5) في الأصل: مأخذهم. وأثبت المناسب من: س، ط. (¬6) يقول ابن قدامة رحمه الله: "لأنَّ قوله في كل مسألة موافق مذهب طائفة، ودعوى المخالفة للإجماع ها هنا جهل بمعنى المخالفة، إذ المخالفة نفي ما أثبتوه، أو إثبات ما نفوه. . . ". راجع: روضة الناظر وجنة المناظر- ص: 76. (¬7) في الأصل: هذه. والمثبت من: س، ط. (¬8) به: ساقطة من: ط.

خاصة مذهب الأشعري وابن كلاب التي تميزا بها هو القول بأن كلام الله معنى واحد قديم قائم بنفسه

الخامسة: أن المعاني هل هي معنى واحد، أو خمس معان أو معان كثيرة؟ وهذا كله فيه نزاع، فكيف يعتقد (¬1) أن هذا هو اختلاف الأمة في مسألة على قولين لم يكن لمن بعدهم إحداث قول ثالث. ومما يوضح ذلك أنَّه أثبت بالدليل أن معنى الكلام الطّلب والزجر والحكم، ثم احتج بقول الذين قالوا هذا على أن هذه المعاني قديمة لكونهم قالوا بهذا وبهذا، وهذا بعينه احتجاج بالإجماع المركب، وهو لزوم موافقتهم في مسألة قد قام عليها الدليل لموافقتهم في مسألة لم يقم عليها دليل (¬2)، وأولئك قالوا: هو محدث وليس هو هذه المعاني، فلم لا يجوز أن يوافق هؤلاء في الحدوث (¬3)، وهؤلاء في هذه المعاني وهو في بنائه خاصة مذهب الأشعري على هذا الأصل، بمنزلة الرافضة في بنائهم لإمامة علي التي هي خاصة مذهبهم على نظير (¬4) هذا الأصل. ومعلوم أن خاصة مذهب الأشعري وابن كلاب التي تميز بها هو ما ادعاه من أن كلام الله معنى واحد قديم قائم بنفسه، إذ ما سوى ذلك من المقالات في الأصول هما مسبوقان إليه، إما من أهل الحديث وإما من أهل الكلام. كما أن خاصة مذهب الرافضة الإمامية من الاثني عشرية ونحوهم هو إثبات الإمام المعصوم، وادعاء ثبوت إمامة علي بالنص عليه، ثم على غيره واحدًا بعد واحد (¬5)، وهم وإن كانوا يدعون في ذلك نقلًا متواترًا ¬

_ (¬1) في الأصل: يعتمد. والمثبت من: س، ط. (¬2) في ط: الدليل. (¬3) في س، ط: الحروف. (¬4) في ط: نظر. (¬5) الرافضة يقولون بوجوب عصمة الإمام، ومتى كان كذلك، كان الإمام هو عليًّا - رضي الله عنه - لأنَّ أبا بكر وعمر وعثمان لم يكونوا معصومين اتفاقًا -بزعمهم =

بينهم، فقد علموا أن جميع الأمة تنكر ذلك، وتقول: إنَّها تعلم بالضرورة وبأدلة كثيرة بطلان ما ادعوه من النقل، وبطلان كونه صحيحًا من جهة الآحاد (¬1)، فضلًا عن التواتر، وقد علم متكلموا الإمامية أنَّه لا يقوم على أحد حجة بما يدعونه من التواتر أو الإجماع (¬2)، فإن الشيء ¬

_ = وعلي - رضي الله عنه - معصوم فيكون هو الإمام. ويقولون -أيضًا: يجب أن يكون منصوصًا عليه، وغير علي - رضي الله عنه - لم يكن منصوصًا عليه بالإجماع، فتعين أن يكون هو الإمام. انظر: منهاج الكرامة في معرفة الإمامة -لابن المطهر- ص: 145، 146. وعقائد الإمامية الاثني عشرية -للزنجاني- 1/ 41 - 43، 77، 78، 3/ 189، 181، 182. وقد عرف العصمة بأنها: "عبارة عن قوة العقل من حيث لا يغلب مع كونه قادرًا على المعاصي كلها. . . ". وقد رد شيخ الإسلام -رحمه الله- هذا القول وناقشه مناقشة موضوعية من وجوه عدة يستطيع القارئ الاطلاع عليها في "منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية" 3/ 246 - 270. ويمكن الوقوف على رد الشَّيخ -رحمه الله- على الرافضة فيما قالوه من وجوب عصمة الإمام والنص عليه -باختصار- في: مختصر منهاج السنة النبوية لابن تيمية -للحافظ الذهبي- ص: 405 - 415. وانظر: الرد على الرافضة -للشيخ محمد بن عبد الوهاب- ص: 27، 28، 34. ومختصر التحفة الاثني عشرية -للدهلوي- ص: 116، 120، 122، 177 - 179، 181، 182. (¬1) في الأصل: الاتحاد. وهو خطأ. والمثبت من: س، ط. والمتواتر: هو الخبر الذي ينقله من يحصل العلم بصدقه ضرورة، ولا بد في إسناده من استمرار هذا الشرط في رواته من أوله إلى منتهاه، وينقسم إلى: متواتر لفظي ومتواتر معنوي. والآحاد: ما سوى المتواتر. انظر: علوم الحديث -لابن الصلاح- ص: 241، 242. ونزهة النظر -لابن حجر- ص: 18 - 25. وتدريب الراوي -للسيوطي- 2/ 176 - 179. (¬2) في ط: والإجماع.

حجة الرازي ومن وافقه نظير حجة الرافضة

إذا لم يتواتر عند غيرهم لم يلزمهم اتباعه، وإجماعهم الذي يسمونه إجماع الطائفة المحقة لا يصح حتَّى يثبت أنهم الطائفة المحقة، وذلك فرع ثبوت المعصوم، وهم يجعلون من أصول دينهم الذي لا يكون الرجل مؤمنًا إلّا به.، هو الإقرار بالإمام المعصوم المنتظر، ويضم إلى ذلك جمهور متأخريهم الموافقين للمعتزلة: التوحيد والعدل الذي ابتدعته المعتزلة (¬1). فهذه ثلاثة أصول مبتدعة، والأصل الرابع: هو الإقرار بنبوة محمد - صَلَّى الله عليه وسلم - وهذا هو الذي وافقوا فيه المسلمين. والغرض هنا بيان أن هذه الحجة نظير حجة الرافضة، فإنهم يقولون: يجب على الله أن ينصب في كل وقت إمامًا معصومًا، لأنَّه لطف في التكليف، واللطف على الله واجب، ويحتجون على ذلك بأقيسة يذكرونها (¬2). ¬

_ (¬1) أصول المعتزلة التي يبنون عليها مذهبهم الباطل خمسة منها: التوحيد والعدل. (¬2) الرافضة يعتقدون أن اللطف واجب على الله تعالى، ويبينون معنى اللطف بأنه ما يقرب العبد إلى الطاعة، ويبعده عن المعصية، بحيث لا يؤدي إلى الإلجاء. ومن اللطف عندهم نصب الإمام، ونصرته وتمكينه. وقد أورد معتقدهم هذا الدهلوي في مختصر التحفة الاثني عشرية، ورده بأدلة من الكتاب وبحجج عقلية يمكن الاطلاع عليها في الصفحات التالية: 87، 88، 116، 117. وانظر: عقائد الإمامية الاثني عشرية- للزنجاني 1/ 74. وأمَّا اللطف عند المعتزلة فهو كما وصفه القاضي عبد الجبار في المغني 13/ 9 حيث قال: "أعلم أن المراد بذلك عند شيوخنا -رحمهم الله- ما يدعو إلى فعل الطاعة على وجه يقع اختيارها عنده، أو يكون أولى أن يقع عنده، فعلى هذين الوجهين يوصف الأمر الحادث بأنه لطف، وكلاهما يرجع إلى معنى واحد وهو ما يدعو -إلى الفعل- لكن طريقة الدواعي إليه تختلف. . . ". وهم أوجبوا اللطف على الله بأقيسة أطالوا في تفصيلها، كما في الجزء الثالث عشر من المغني، إذ أفرده القاضي عبد الجبار في الكلام على اللطف وذكر =

كما ثبّت هذا ونحوه أن الكلام معنى مباين للعلم والإرادة بأقيسة يذكرونها (¬1)، فإذا زعموا أنهم أثبتوا ذلك بالقياس العقلي، ويقولون: إن المعصوم يجب أن يكون معلومًا بالنص، إذ لا طريق إلى العلم بالعصمة إلّا النص، ثم يقولون: ولا منصوص عليه بعد النَّبيِّ - صَلَّى الله عليه وسلم - إلَّا علي لأنَّه ليس في الأمة من ادعى النص لغيره، فلو لم يكن هو منصوصًا عليه لزم إجماع الأمة على الباطل، إذ القائل قائلان: قائل بأنه منصوص [عليه] (¬2)، وقائل بأنَّ لا نص عليه ولا على غيره، وهذا القول باطل فيما زعموا بما يذكرونه من وجوب النص عقلًا، فيتعين صحة القول الأول، وهو أنَّه هو المنصوص عليه، لأنَّ الأمة إذا أجمعت (¬3) في مسألة على قولين كان أحدهما هو الحق، ولم يكن الحق في ثالث، فهذا نظير حجته. ولهذا لما تكلمنا على بطلان هذه الحجة لما خاطبت الرافضة وكتبت في ذلك ما يظهر به المقصود، وأبطلنا ما ذكروه من ¬

_ = الخلاف فيه. وانظر: شرح الأصول الخمسة -للقاضي عبد الجبار- ص: 518 - 525، "فصل في وجوب الألطاف وذكر الخلاف فيه". (¬1) يقول الإيجي: "وأنه غير العلم، إذ قد يخبر الرجل عما لا يعلمه، بل يعلم خلافه أو يشك فيه. وغير الإرادة، لأنَّه قد يأمر بما لا يريده، كالمختبر لعبده، هل يطيعه أم لا؟ وكالمعتذر من ضرب عبده بعصيانه، فإنَّه قد يأمره وهو يريد ألّا يفعل المأمور به. فإذا هو صفة ثالثة قائمة بالنفس. . . ". راجع: المواقف -للإيجي- ص: 294. وقد أطال بذكر الأقيسة "الآمدي" في غاية المرام في علم الكلام ص: 99، 100. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬3) في س، ط: اجتمعت.

الدلالات (¬1) على وجوب معصوم، وبينت (¬2) تناقض هذا الأصل، وامتناع توقف التكليف عليه، وأنه يفضي إلى تكليف ما لا يطاق (¬3)، وخاطبت بذلك أفضل من رأيته منهم واعترف بصحة ذلك بالإنصاف في مخاطبته، وليس هذا موضع ذلك (¬4). لكن المقصود الاحتجاج (¬5) بالإجماع، فإنا قلنا لهم: لا نسلم أن أحدًا من الأئمة (¬6) لم يدع النص على غير علي، بل طوائف من أهل السنة يقولون: إن خلافة أبي بكر ثبتت بالنص، ثم منهم من يقول: بنص جلي، ومنهم من يقول: بنص خفي. وأيضًا فالراوندية (¬7) تدعي. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) في س، ط: الدلالة. (¬2) في س: بننت. (¬3) في س: مال يطاق. وهو تصحيف. (¬4) لعل الشَّيخ -رحمه الله- يقصد ابن المطهر العلي (648 - 726) أحد صناديد التشيع ومؤلف كتاب "مناهج الكرامة في معرفة الإمامة" الذي نقضه شيخ الإسلام في كتابه العظيم "منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية" بعد إلحاح ممن أحضر الكتاب للشيخ -رحمه الله- وطلبهم بيان ما في هذا الكتاب من الضلال وباطل الخطاب، لما في ذلك من نصر عباد الله المؤمنين، وبيان بطلان أقوال المفترين الملحدين. انظر: الصفحة الأولى والثانية من "منهاج السنة النبوية" لابن تيمية. (¬5) في س، ط: والاحتجاج. (¬6) في الأصل: الأئمة. وأثبت ما رأيته صوابًا من: س، ط. (¬7) في ط: الراوندية. والراوندية: من فرق المعتزلة، وتنسب إلى أبي الحسين أحمد بن يَحْيَى بن إسحاق الراوندي، أو ابن الراوندي -نسبة إلى راوند من قرى أصبهان- فيلسوف مجاهر بالإلحاد، طعن في القرآن الكريم. قال ابن حجر: كان أولًا من متكلمي المعتزلة، ثم تزندق، واشتهر بالإلحاد، مات سنة 298 هـ. راجع: المنتظم -لابن الجوزي- 6/ 99 - 105. ولسان الميزان -لابن حجر =

[النص] (¬1) على العباس. وأيضًا فالمدعون للنص على علي مختلفون في أن يقال النص عنه في ولده اختلافًا كثيرًا، فلا يمكن أن يقال: إنه لم يدع أحد النص على واحد بعد واحد، إلَّا ما ادعوه في المنتظر، بل إخوانهم الشيعة يدعون دعاوى مثل دعاويهم لغير المنتظر، فبطل الأصل الذي بنوا عليه إمامة المعصوم، الذي يجب على أهل عصره طاعته. ولو فرض أن عليًّا كان هو الإمام فإنَّه لا يجب علينا طاعة من قد مات بعينه إلَّا الرسول (¬2)، وإنَّما المتعلق بنا ما يدعونه من وجوب طاعتنا لهذا الحي المعصوم، ولو فرض أنَّه لم يدع النص غيرهم (¬3)، فهذه الحيلة التي سلكوها في تقرير النص على علي، مبنية على كذب افتروه، وقياس وضعوه (¬4)، لنفاق (¬5) ذلك الكذب، فإنهم افتروا النص، ثم زعموا أن ما ابتدعوه وافتروه من القياس (¬6)، مع ما ادعوه من الإجماع، يقتضي بثبوت هذا الذي افتروه، كما أن هؤلاء ابتدعوا مقالة افتروها في كلام الله لم يسبقوا إليها (¬7)، ثم ادعوا أن ما ابتدعوه وافتروه ¬

_ = - 1/ 323، 324. والأعلام -للزركلي- 1/ 252، 253. والملل والنحل -للشهرستاني- 1/ 59، 76. (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬2) في س: الاسول. وهو تصحيف. (¬3) في الأصل: على غيرهم. وأثبت ما رأيته الصواب من: س، ط. (¬4) في س: ومنعوه. (¬5) أي: لترويجه. يقال: نفق البيع نفاقًا: راج. انظر: لسان العرب -لابن منظور- 10/ 357 (نفق). (¬6) في س، ط: عن العباس. (¬7) وهي قولهم: إن كلام الله معنى واحد قائم بنفسه، إذ ما سوى هذه المقالة من المقالات سبقوا إليها، كما بينه الشَّيخ -رحمه الله- فيما تقدم ص: 625. انظر: درء العقل والنقل -لابن تيمية- 2/ 98، 99.

عامة أصول أهل الأهواء والبدع مبنية على نوع من القياس الذي وضعوه ونوع من الإجماع الذي يدعونه

من (¬1) القياس مع ما ادعوه من الإجماع، يحقق هذه القرية (¬2). وعامة أصول أهل البدع والأهواء الخارجين عن الكتاب والسنة تجدها مبنية على ذلك، على نوع (¬3) من القياس الذي وضعوه، وهو مثل ضربوه يعارضون به ما جاءت به الرسل، ونوع من الإجماع الذي يدعونه، فيركبون من ذلك القياس العقلي، ومن هذا الإجماع السمعي، أصل دينهم. ولهذا تجد أبا المعالي -وهو أحذق (¬4) المتأخرين- إنَّما يعتمد فيما يدعيه من القواطع على نحو ذلك. وهكذا أئمة أهل الكلام في الأهواء، كأبي الحسين البصري (¬5) ومشايخه (¬6) ونحوهم، لا يعتمدون لا على كتاب، ولا على سنة- ولا على إجماع مقبول في كثير من المواضع، بل يفارقون أهل الجماعة ذات الإجماع المعلوم، بما يدعونه هم من الإجماع المركب، كما يخالفون صرائح المعقول بما يدعونه من المعقول (¬7)، وكما يخالفون الكتاب والسنة اللذين هما أصل الدين، بما يضعونه من أصول الدين. ¬

_ (¬1) في س، ط: عن. (¬2) في س: القربة. (¬3) في س، ط: أنواع. (¬4) في س، ط: أحد. (¬5) البصري: ساقطة من: س. (¬6) في س، ط: مشائحهم. (¬7) فرق الشَّيخ -رحمه الله- بين صريح المعقول وبين المعقول المدعى الذين فيه تلبيس من أهل الأهواء. .

الوجه الحادي عشر: أن هذا الإجماع نظير الحجج الإلزامية التي قرر أنها من الأدلة الباطلة

الوجه الحادي عشر: أن هذا الإجماع نظير الحجج الإلزامية، وقد قرر في أول كتابه أنَّه من الأدلة الباطلة التي لا تصلح لا بالنظر ولا بالمناظرة (¬1)، وذلك أن المنازع له يقول (¬2): إن ما قلت بقدمها لا متناع قيام الحوادث به، فإما أن يصح هذا الأصل أو لا يصح، فإن صح كان هو الحجة في المسألة، ولكن قد ذكرت أنَّه لا يصح، وإن [لم (¬3) يصح بطل مستند قول من يقول بالقدم، وصح منه القدم على هذا التقدير وهو أن يقول: لا نسلم -إذا جاز أن تحله الحوادث- وجوب قدم ما يقوم به، وهذا منع ظاهر، وذلك أنَّه لا فرق بين إقامة قوله بحجة إلزامية وبين إبطال قول منازعيه بحجة إلزامية. الوجه الثَّاني عشر: أنَّه لم يثبت أن معنى الأمر والنهي ليس هو الإرادة والكراهة، إلَّا بما ذكره في مسألة خلق الأفعال وإرادة الكائنات (¬4) وذلك إنَّما يدل على الإرادة العامة الشاملة لكل موجود، المنتفية عن كل معدوم، فإنَّه ما شاء ¬

_ (¬1) في س، ط: لا للنظر ولا للمناظرة. وانظر: كتاب نهاية العقول في دراية الأصول -لأبي عبد الله الرازي- مخطوط - اللوحة الأولى، حيث قرر أن ممَّا تميز به كتابه هذا عن سائر الكتب المصنفة في أصول الدين، استنباط الأدلة الحقيقية، والبراهين اليقينية، المفيدة للعلم الحقيقي، واليقين التَّام، لا الإلزامات التي منتهى المقصود من إيرادها مجرد التعجيز والإفحام. (¬2) في س، ط: يقول له. (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، يقتضيها السياق. (¬4) يشير الشَّيخ -رحمه الله- إلى قوله -المتقدم- في نهاية العقول أن الله تعالى قد يأمر بما لا يريد، وينهى عما يريد، فوجب أن يكون معنى "افعل" و "لا تفعل" في حق الله شيئًا سوى الإرادة.

الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وتلك الإرادة ليست (¬1) هي الإرادة التي هي مدلول الأمر والنهي فإن هذه الإرادة مستلزمة للمحبة والرضا. وقد فرق الله تعالى بين الإرادتين (¬2) في كتابه، فقال في الأولى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} (¬3) وقال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} (¬4)، وقال: {وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} (¬5)، وقال في الثَّانية: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (¬6)، وقال: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} (¬7)، وقال تعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ ¬

_ (¬1) في الأصل: ليس. والمثبت من: س، ط. (¬2) المحققون من أهل السنة يقولون: الإرادة في كتاب الله نوعان: الأولى: إرادة قدرية كونية خلقية، وهي المشيئة الشاملة لجميع الموجودات، فهي المذكورة في قول المسلمين: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. والثانية: إرادة دينية شرعية أمرية، وهي المتضمنة للمحبة والرضا، فهي المذكورة في قول النَّاس لمن يفعل القبائح: هذا يفعل ما لم يرده الله؛ أي: لا يحبه ولا يرضاه ولا يأمر به. وقد مثل الشَّيخ -رحمه الله- للنوعين من كتاب الله في المتن. انظر: منهاج السنة النبوية لابن تيمية 2/ 34، 35. وشرح الطحاوية -لصدر الدين الحنفي- ص: 116، 117. (¬3) سورة الأنعام، الآية: 125. (¬4) سورة المائدة، الآية: 41. (¬5) سورة هود، الآية: 34. (¬6) سورة البقرة، الآية: 185. (¬7) سورة المائدة، الآية: 1.

الوجه الثالث عشر: لما طولب الرازي بالفرق بين ماهية الطلب والإرادة ذكر وجهين

عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (¬1) وقال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} (¬2). الوجه الثالث عشر: أنَّه لما طولب بالفرق بين ماهية الطّلب والإرادة ذكر وجهين: أحدهما: أن القائل قد يقول لغيره: إنِّي أريد منك الأمر الفلاني وإن كنت لا آمرك به. والثاني: هب أنَّه لم يتخلص لنا في الشاهد الفرق بين طلب الفعل وإرادته لكنا دللنا على أن لفظ "افعل" إذا وردت في كتاب الله فإنَّه لا بد وأن تكون دالة على طلب الفعل، وبينا أن ذلك الطّلب لا يجوز أن يكون نفس تصور الحروف ولا إرادة (¬3) الفعل، فلا بد أن يكون أمرًا مغايرًا لهما، فليس كل ما نجد له في الشاهد نظيرًا وجب نفيه غائبًا وإلا تعذر (¬4) إثبات الإله، وهذان الجوابان ضعيفان. أما الأول فقد يقال: هو مستلزم للإرادة، وقد يقال: هو نوع خاص من الإرادة على وجه الاستعلاء، فإذا قيل: أريد منك فعل هذا ولا آمرك به؛ أي: لا أستعلي عليك، فإن المريد قد يكون سائلًا خاضعًا كإرادة العبد من ربه. ¬

_ (¬1) سورة المائدة، الآية: 6. في الأصل: ليطهرهم. وهو خطأ من الناسخ. (¬2) سورة النساء، الآيات: 26 - 28. في ط: يميلوا. وهو خطأ. (¬3) في س: والإرادة. (¬4) في الأصل: ولا تعذر. وفي س: ولا نقدر. وأثبت المناسب للسياق من: ط.

الوجه الرابع عشر: أن النهي مستلزم لكراهية النهي عنه كما أن الأمر مستلزم لمحبة المأمور به

وأمَّا الثَّاني: فيقال له: إذا ثبت أن معنى الأمر في الشاهد إنما هو من جنس الإرادة كانت هذه حقيقته، والحقائق لا تختلف شاهدًا ولا غائبًا، وذلك أن كون هذه الصفة هي هذه، أو مستلزمة لهذه، أو غيرها (¬1)، إنَّما يعلمه (¬2) بما نعلمه في الشاهد. الوجه الرابع عشر: أن النَّهي مستلزم لكراهة (¬3) المنهي عنه، كما أن الأمر مستلزم لمحبة المأمور به، والمكروه لا يكون مرادًا، فلا بد أن تكون الإرادة المنتفية (¬4) عن المكروه الواقع غير الإرادة اللازمة له، وهذا أورده عليه في مسألة إرادة الكائنات، ولم يجب عنه إلَّا بأنَّ قال: "لا نسلم أنها مكروهة، بل هي منهي عنها". ومعلوم أن هذا الجواب مخالف إجماع (¬5) المسلمين، بل ما (¬6) علم بالضرورة من الدين، ويخالف ما قرره هو في أصول الفقه (¬7)، وقد قال تعالى: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} (¬8). الوجه الخامس عشر: أن طوائف يقولون لهم: معنى الخبر لم لا يجوز أن يكون هو العلم، لا سيما أن كثيرًا من النَّاس يقولون: إن معنى الكلام يؤول إلى ¬

_ (¬1) في س، ط: أو غيره. (¬2) في ط: نعلمه. (¬3) في س، ط: لكراهية. (¬4) في س، ط: المنفية. (¬5) في ط: لإجماع. (¬6) في ط: لما. (¬7) انظر: المحصول في علم أصول الفقه -لأبي عبد الله الرازي. (¬8) سورة الإسراء، الآية: 38.

الخبر، وإذا (¬1) كان معنى الكلام يؤول إلى الخبر ومعنى الخبر يؤول إلى العلم كان الكلام يؤول إلى العلم، لكن قول من يقول: إن الكلام يؤول كله إلى الخبر المحض كما يقوله طائفة منهم (¬2)، هو قول ضعيف، فإنَّه وإن كان الطّلب الذي هو الأمر والنهي يستلزم علمًا وخبرًا، لكن ليس هو نفس ذلك، بل حقيقة الطّلب يجدها الإنسان من نفسه ويعلمها بالإحساس الباطن، ويجد الفرق بين ذلك (¬3) وبين كونه مخبرًا محضًا، مع أن الخبر -أيضًا- وقد يستلزم طلبًا وإرادة في مواضع كثيرة لكن تلازم الخبر والطلب والعلم والإرادة لا تمنع أن يعلم أن أحدهما ليس هو الآخر، فالإنسان يخبر عن الأمور التي لا تتعلق بفعله بالإثبات والنفي خبرًا محضًا، وقد يتعلق بذلك غرض من حب وبغض وما يتبع ذلك، لكن معنى قوله: السماء فوقنا والأرض تحتنا خبر محض، وكذلك معنى قوله: محمد رسول الله خبر، لكن يتبعه محبة وتعظيم وطاعة، وأمَّا معنى قوله: اذهب وتعال وأطعمني واسقني ونحو ذلك، فهو طلب محض، ولكنه مسبوق مستلزم للعلم والشعور بذلك كالأفعال الإرادية كلها، فالأمر والنهي كالأفعال الإرادية، كل ذلك مستلزم لما يقوم بالنفس من حب وطلب وإرادة، وما يتبع ذلك من بغض وكراهة، والخبر مستلزم للعلم والعلم يستلزم الحب والبغض والعمل -أيضًا- في عامة الأمور، ولهذا يختلط باب الإنشاء بباب الأخبار لتلازم النوعين، حيث ¬

_ (¬1) في الأصل: إذ. وفي س: إذا. والمثبت من: ط. (¬2) بعد كلمة: "منهم" ورد في جميع النسخ "ابن" ثم بياض بقدر كلمة في: الأصل وكلمتين في: س، ط. ثم وردت كلمة "وطائفة". ولعل الكلام يستقيم بما أثبت، ففي هذه الزيادة ركاكة في الأسلوب ليست من خصائص أسلوب الشَّيخ -رحمه الله- في كتابه الذي بين أيدينا. (¬3) في الأصل: نما. ولا معنى لها. والمثبت من: س، ط.

تلازما، ولهذا يستعمل (¬1) صيغة الخبر في الطّلب كثيرًا، كما يستعمل (1) في الدعاء في باب غفر الله لفلان، ويغفر الله له، وفي الأمر مثل (¬2): {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} (¬3) وذلك أكثر من استعمال صيغة الطّلب في الخبر المحض، كما قد قيل -إن كان من هذا الباب- في قوله: {قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} (¬4) و"إذا لم تستح فاصنع ما شئت" (¬5)، وذلك لأنَّ المعنيين متلازمان في الأمر العام، فإذا استعمل صيغة الخبر في الطّلب فإنَّما استعمله (¬6) في لازمه، وجعل اللازم لقوة الطلب له والإرادة كأنه موجود محقق مخبر عنه، فكان هذا طلبًا مؤكدًا ولهذا يكثر ذلك في الدعاء الذي يجتهد فيه الداعي، وهذا أحسن الكلام (¬7). أما إذا استعمل صيغة الخبر في الأمر المحض، فالأمر فيه الطّلب المستلزم للعلم الذي هو بمعنى الخبر، فإذا لم يفد إلَّا معنى الخبر فإنَّه يكون قد سلب معناه الذي هو الطّلب ونقض ذلك ولم يبق فيه شيء من معناه، وذلك لأنَّ العلم الذي يستلزم الطّلب والإرادة هو تصور ¬

_ (¬1) في ط: تستعمل. في الموضعين. (¬2) في س، ط: ومثل. (¬3) سورة البقرة، الآية: 228. (¬4) سورة مريم، الآية: 75. قل: ساقطة من: س، ط. (¬5) جزء من حديث يروى عن أبي مسعود عقبة بن عمرو البدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن ممَّا أدرك النَّاس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت". صحيح البُخاريّ 7/ 100 كتاب الأدب- باب رقم 78. وورد بلفظ: ". . . إذا لم تستح فافعل ما شئت" عن أبي مسعود. صحيح البُخاريّ 4/ 152 كتاب الأنبياء- الباب رقم 54. وسنن أبي داود 5/ 148 - كتاب الأدب- باب في الحياء- الحديث / 4797 ومسند الإمام أحمد 5/ 273. (¬6) في س، ط: استعمل. (¬7) في س، ط: حسن في الكلام.

المطلوب، ليس هو العلم بوقوعه أو عدم وقوعه، فإذا استعمل اللفظ في الإخبار عن (¬1) وقوع المطلوب أو عدم وقوعه كان قد استعمل في شيء ليس من معنى اللفظ ولا من لوازمه، ولهذا قال من قال من أهل التحقيق: إن استعمال صيغة الأمر في الخبر لم يقع، لأنَّه ليس على ذلك شاهد، والقياس يأباه، لأنَّه استعمال (¬2) للفظ في شيء ليس من لوازم معناه، ولا من ملزوماته فهو أجنبي عنه، وما ذكر (¬3) من الآية والحديث فليس المراد به الخبر، بل الآية على ظاهرها، ومن كان في الضلالة فالله مسؤول مدعو بأنَّ يمد له من العذاب مدًّا، وإن كان -سبحانه- هو المتكلم بطلب نفسه ودعاء نفسه، كما في الدعاء الذي يدعو به وهو صلاته [ولعنته] (¬4) كما قال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} (¬5)، وقوله: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ} (¬6) فإن صلاته تتضمن ثناءه ودعاءه -سبحانه وتعالى- فإن طلب الطالب من نفسه أمر ممكن في حق الخالق والمخلوق كأمر الإنسان لنفسه، كما قال: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} (¬7)، وقد يقال من ذلك قوله: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا ¬

_ (¬1) في الأصل: من. ولا معنى لها. والمثبت من: س، ط. (¬2) في الأصل: استعمل. وأثبت المناسب من: س، ط. (¬3) في ط: ذكره. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. وبياض بقدر كلمة بالأصل. والآيات التي تتضمن لعنة الله على من يستحقها من خلقه كثيرة كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} 57 / الأحزاب. وقوله: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً. . .} 13 / المائدة. (¬5) سورة الأحزاب، الآية: 56. (¬6) سورة الأحزاب، الآية: 43. (¬7) سورة يوسف، الآية: 53.

أكثر الناس بل عامة الناس يقولون: إن معنى الخبر هو العلم

يَفْقَهُونَ} (¬1)، وهذا القول أورده (¬2) الرازي سؤالًا في مسألة وحدة الكلام، كما تقدم لفظه في ذلك (¬3). وأجاب عنه بما ذكره من قوله: ليس هذا بشيء، لأنَّ حقيقة الطّلب كحقيقة حكم الذهن بنسبة أمر إلى أمر، وتلك المغايرة معلومة بالضرورة، ولهذا يتطرق (¬4) التصديق والتكذيب إلى أحدهما دون الآخر. وهذا الذي ذكره من الفرق صحيح كما ذكرناه، ونحن إنَّما ذكرناه لتوكيد الوجه الأول وهو المقصود هنا، وهو أن يقال: إن معنى الخبر هو العلم، وبابه (¬5) من الاعتقاد ونحو ذلك، فإن هذا قاله طوائف، بل أكثر النَّاس، بل عامة النَّاس يقولون ذلك، ولا تجد النَّاس في نفوسهم شيئًا (¬6) غير ذلك يكون (¬7) معنى الخبر، وكون معنى الخبر هو العلم أو نوع منه أظهر من كون الطّلب هو الإرادة أو نوعها منها (¬8)، لأنَّه هناك أمكنهم دعوى الفرق بأنَّ الله قد أمر بمأمورات، وهو لم يرد وجودها، كما أمر به من لم يطعه (¬9)، وهذا متَّفقٌ عليه بين أهل الإثبات، وإنَّما تنازع فيه القدرية (¬10)، ثم كون الأمر مستلزمًا لإرادة ليست هي إرادة الوقوع كلام ¬

_ (¬1) سورة التوبة، الآية: 127. في الأصل: سقطت كلمة (سورة) من الآية. (¬2) في س، ط: قد أورده. (¬3) راجع ص: 464، 465. (¬4) في الأصل: يطرق. والمثبت من: س، ط. وتقدمت في كلام الرازي. (¬5) في س، ط: وبأنه. (¬6) في الأصل: جنسًا. وفي س: حسًّا. وأثبت ما رأيته مناسبًا للكلام من: ط. (¬7) في الأصل، س: يكون. وأثبت المناسب للمعنى من: ط. (¬8) كذا في جميع النسخ. والمراد في هذا الموضع أن الطّلب نوع من الإرادة. (¬9) في الأصل: يعطه. ولا معنى لها. والمثبت من: س، ط. (¬10) وللاطلاع على نزاعهم ومناقشته يراجع: أصول الدين -للقاضي عبد الجبار- ص: 196. وشرح الطحاوية -لصدر الدين الحنفي- ص: 115 - 119. =

آخر، وأمَّا هنا فلم يمكنهم أن يقولوا: إن الله أخبر بما لا يعلمه أو بما يعلم ضده، بل علمه من لوازم خبره، سواء كان هو معنى الخبر أو لازمًا لمعنى الخبر، ولهذا أخبر الله بأنَّ القرآن لما جاءه (¬1) العلم، فقال: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} (¬2)، وقال: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} (¬3). وهذا ممَّا احتج به الأئمة (¬4) في تكفير من قال بخلق القرآن، وقالوا قولهم يستلزم أن يكون علم الله مخلوقًا، لأنَّ الله أخبر أن هذا الذي جاءه من العلم، ولم يعن علم غيره، فلا بد أن يكون عني أنَّه من علمه ومن جعل علم الله مخلوقًا قائمًا بغيره فهو كافر، ولا ريب أن كل واحد من أمر الله وخبره يتضمن علمه -سبحانه- كما تقدم، لكن أمره فيه الطّلب الذي وقع النزاع (¬5) فيه، هل هو حقيقة غير الإرادة، أو هو مستلزم لنوع من الإرادة، أو هو نوع منها، أو هو الإرادة؟ وهذا ليس هو العلم. وأمَّا الخبر فلا ريب أنَّه متضمن لعلم الله، ولا يمكن أن يتنازع في كون معنى خبر الله يوجد بدون علمه، فظهر الأمر في هذا الباب. ¬

_ = والمواقف -للإيجي- ص: 320 - 323. والمحصول في علم أصول الفقه -للرازي- 1/ 2 / 19، 24. والإرشاد -للجويني- ص: 243 - 254. (¬1) الضمير يعود على النَّبيِّ - صَلَّى الله عليه وسلم - أي: جاء النَّبيّ القرآن. (¬2) سورة آل عمران، الآية: 61. (¬3) سورة البقرة، الآية: 120. (¬4) تقدم بعض أقوال الأئمة كالإمام أحمد -رحمه الله- وغيره، واحتجاجهم بمثل هاتين الآيتين على أن القرآن غير مخلوق، لأنَّ قولهم يتضمن خلق أسماء الله وعلمه، والقرآن فيه أسماء الله وهو من علم الله. فراجعه في: ص: 581 فما بعدها. (¬5) في س، ط: التنازع. وهذا النزاع ذكره بشكل مفصل: الرازي -في المحصول في علم أصول الفقه 1/ 2 / 23 - 32. وأبو الحسين البصري- في المعتمد 1/ 43 - 49.

الوجه السادس عشر: أن هذه الحجة التي ذكروها فى معنى الخبر وأنه غير العلم، قد أقروا هم بفسادها

ولهذا لم يكن لهم حجة على ذلك إلَّا ما ادعوه (¬1) من إمكان وجود معنى خبر بدون العلم والاعتقاد والظن في حق المخلوق، وهو الخبر الكاذب، فقدروا أن الإنسان يخبر بخبر هو فيه كاذب، وذلك يكون مع علمه بخلاف المخبر، كما قدروا أن يأمر أمر امتحان (¬2) بما لا يريده، ثم ادعوا أن هذا الخبر له حكم ذهني في النَّفس غير الإرادة، وهذه الحجة قد نوزعوا في صحتها نزاعًا عظيمًا ليست هي مثل ما أمكن إثباته في حق الله من وجود آمر لم يرد وقوع مأموره. الوجه السادس عشر: أن هذه الحجة التي ذكروها في معنى الخبر وأنه غير العلم، قد أقروا هم بفسادها (¬3)، فإنَّه قد تقدم لفظ الرازي في هذه الحجة بقوله (¬4): وأمَّا شبيه معنى الأمر والنهي بالإرادة والكراهة، ومعنى الخبر بالعلم، والأول: باطل لما ثبت في خلق الأفعال وإرادة الكائنات أن الله قد يأمر بما لا يريد وينهى عما يريد، فوجب أن يكون معنى "افعل" و "لا تفعل" في حق الله شيئًا سوى الإرادة، وذلك هو معنى الكلام. والثاني: باطل لأنَّه في الشاهد قد يحكم الإنسان بما لا يعلمه ولا يعتقده ولا يظنه، فإذن الحكم الذهني في الشاهد مغاير لهذه الأمور، وإذا ثبت ذلك في الشاهد ثبت في الغائب لانعقاد الإجماع على أن ماهية الخبر لا تختلف في الشاهد والغائب. وهذا هو الأصل الذي اعتمد عليه في محصوله -أيضًا- حيث جعل ¬

_ (¬1) في س، ط: ادعاه. (¬2) في ط: آمر امتحانًا. (¬3) في س، ط: أيضًا بفسادها. (¬4) قول الرازي تقدم في ص: 603، وأورده الشَّيخ هنا بتصرف يسير واختلاف في بعض الألفاظ.

أبو المعالي ونحوه لم يذكروا دليلا على إثبات كلام النفس سوى ما دل على ثبوت الطلب الذي ادعوا أنه مغاير للإرادة

معنى الخبر هو الحكم الذهني، الذي انفردوا بإثباته دون سائر العقلاء (¬1). وأمَّا أبو المعالي ونحوه، فلم يذكروا دليلًا على إثبات كلام النَّفس سوى ما دل على ثبوت الطّلب الذي ادعوا أنَّه مغاير (¬2) للإرادة، وذلك إن دل فإنَّما يدل على أن معنى الأمر غير الإرادة لا يدل (¬3) على أن معنى الخبر غير العلم، لكن استدل على ثبوت التصديق النفساني بأنه مدلول المعجزة، ولم يبين أنَّه غير العلم. فيقال لهم: أنتم مصرحون بنقيض هذا، وهو أنَّه -يمتنع بثبوت الحكم الذهني على خلاف العلم وأنه إن جاز وجوده فليس هو كلامًا على التحقيق، وإذا نفيتم (¬4) وجود هذا الحكم الذهني المخالف للعلم أو كونه ¬

_ (¬1) الرازي ذكر في المحصول في علم أصول الفقه 2/ 1 / 307 - 314 الأقوال في حد الخبر، وناقشها مناقشة توصل من خلالها إلى أنها تعريفات رديئة باطلة. ثم قال في ص: 315، 316: "وإذا ثبت هذا فنقول: إن كان المراد من الخبر هو الحكم الذهني، فلا شك أن تصوره -في الجملة- بديهي، مركوز في فطرة العقل. وإن كان المراد منه اللفظة الدّالة على الماهية، فالإشكال غير وارد -أيضًا- لأنَّ مطلق اللفظ الدال على المعنى البديهي التصور يكون -أيضًا- بديهي التصور". (¬2) في س: ادعوه مغايرًا. يقول أبو المعالي الجويني في كتابه "البرهان في أصول الفقه" 1/ 200، 201: "نقول: الآمر يجد في نفسه اقتضاء وطلبًا للمأمور به، والصيغة التي تتضمنها دالة عليه، وهذا المعني بكلام النَّفس. فإن قيل: ذلك الذي سميتموه اقتضاء، هو إرادة امتثال الأمر. قلنا: قد يأمر الآمر غيره، ويفهم المأمور منه الاقتضاء فهمًا ضروريًّا، مستندًا إلى قرائن الأحوال، والآمر يريد من المأمور أن يخالفه لغرض له". (¬3) في الأصل: لا دل. (¬4) في الأصل، س: تقسم.

كلامًا على التحقيق امتنع منكم حينئذ إثبات وجوده ودعوى أنَّه هو الكلام على التحقيق، وذلك أنهم يحتجون على وجوب الصدق لله بأنَّ الكلام النفساني يمتنع فيه الكذب لوجوب (¬1) العلم لله وامتناع الجهل، وهذا الدليل قد ذكره جميع أئمتهم حتَّى الرازي ذكره، لكن قال: إنَّما يدل على صدق الكلام النفساني لا على صدق الحروف الدالة عليه، وإن (¬2) جاز أن يتصف الحي بحكم نفساني لا يعلمه ولا يعتقده ولا يظنه بل يعلم خلافه امتنع حينئذ أن يقال: الحكم النفساني مستلزم للعلم أو أنَّه -يمتنع أن يكون بخلاف العلم فيكون كذبًا، وهذا الذي قالوه تناقض في عين الشيء ليس تناقضًا من جهة اللزوم، فإنهم لما أثبتوا أن معنى الخبر ليس هو العلم أثبتوا حكمًا نفسانيًّا ينافي العلم فيكون كذبًا ويكون مع عدم العلم، ولما أثبتوا الصدق قالوا: إن معنى الخبر الذي هو الحكم النفساني يمتنع أن يحقق (¬3) بدون العلم أو خلافه فيمتنع أن يكون كذبًا. قال أبو القاسم الأنصاري (¬4): شيخ الشهرستاني، وتلميذ أبي المعالي في شرح الإرشاد: فصل: كلام الله صدق، والدليل عليه إجماع المسلمين والكذب ¬

_ = وقد صححها ناسخها في الهامش كما أثبته. وفي ط: انقسم. (¬1) في الأصل: لوجود. وأئبت ما رأيته مناسبًا من: س، ط. (¬2) في س، ط: إذا. (¬3) في ط: يتحقق. (¬4) هو: أبو القاسم سليمان بن ناصر بن عمران الأنصاري الجويني الشَّافعي من أهل نيسابور، توفي سنة 512 هـ. من مؤلفاته: شرح الإرشاد -لأستاذه إمام الحرمين في علم الكلام، ولم تذكر الكتب التي عرفت به شيئًا عن هذا الكتاب. راجع: طبقات الشَّافعية -للسبكي- 7/ 96 - 99. ومعجم المؤلفين -لكحالة - 4/ 240. والإعلام -للزركلي- 3/ 200. وكشف الظنون -لحاجي خليفة - 1/ 68. وهداية العارفين -للبغدادي- 1/ 398.

نقص: قال (¬1): ومما تمسك به الأستاذ أبو إسحاق والقاضي أبو بكر (¬2) وغيرهما: أن قالوا: الكلام القديم هو القول الذي لو كان كذبًا لنافى العلم به من حيث أن العالم بالشيء من حقه أن يقوم (¬3) به إخبار عن المعلوم على الوجه الذي هو معلوم له، وهكذا القول في الكلام القائم بالنفس شاهدًا و (¬4) هو الذي يسمى التدبير أو حديث النَّفس، وهو ما يلازم العلم. قال (¬5): فإن قيل: لو كان العلم ينافي (¬6) الكذب، لم يصح من الواحد منا كذب على طريق الجحد، وليس كذلك فإن ذلك متصور (¬7) موهوم. قلنا: الجحد إنما يتصور من العالم بالشيء في العبارة (¬8) باللسان دون القلب، وصاحب الجحد وإن جحده باللسان هو معترف بالقلب، فلا يصح منه الجحد بالقلب. فإن قالوا: لا يمتنع تصور الجحد بالقلب، وتصور (¬9) العلم في النَّفس جميعًا. قلنا: إن قدر ذلك على ما تصورونه فلم يكن ذلك كلامًا على ¬

_ (¬1) القائل: أبو القاسم الأنصاري. (¬2) أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الإسفراييني، والقاضي أبو بكر الباقلاني. وقد تقدمت ترجمتهما. (¬3) في الأصل: تقوم. والمثبت من: س، ط. (¬4) في ط: شاهد أو. . . (¬5) أي: أبو القاسم النصاري. (¬6) في الأصل: من. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط. (¬7) في س: مقصور. (¬8) في س: العبادة. (¬9) في الأصل: س: تصوير. والمثبت من: ط.

التحقيق وإنَّما هو تقدير كلام، كما أن العالم بوحدانيته قد يقدر في نفسه مذهب الثنوية (¬1)، ثم لا يكون ذلك منافيًا لعلمه بالوحدانية، ولو كان ذلك اعتقادًا حقيقيًّا لنافاه، فإذا ثبت أن العلم يدل على الخبر الصدق، فإذا تعلق الخبر بالمخبر على وجه الصدق فتقدير خبر خلف مستحيل مع الخبر القديم، إذ لا يتجدد الكلام. قال (¬2): فإن قيل: فإذا جاز أن يكون الكلام أمرًا من وجه نهيًا من وجه، فكذلك يجوز أن يكون صدقًا من وجه كذبًا من وجه. قلنا: الأمر في حقيقته (¬3) هو النَّهي، لأنَّ الأمر بالشيء نهي عن ضده، والآمر بالشيء ناه عن ضده ولا تناقض فيه، ولا يجوز أن يكون الصدق كذبًا بوجه، وتعلق الخبر بالمخبر بمثابة تعلق العلم بالمعلوم وإذا تعلق العلم بوجود الشيء فلا يكون علمًا بعدمه في حال وجوده. وقال أبو المعالي في إرشاده (¬4) المشهور الذي هو زبور المستأخرين من أتباعه، كما أن الغرر، وتصفح الأدلة لأبي الحسين (¬5) زبور ¬

_ (¬1) الثنوية: هم القائلون بأصلين -للعالم- أزليين قديمين هما (النور والظلمة) وهما متساويان في القدم، وإن كانا مختلفين في الجوهر والطبع والفعل والمكان والأبدان والأرواح، وغير ذلك، وعنهما كان كل الموجودات، فهم بخلاف المجوس الذين قالوا بحدوث الظلمة. وهم فرق: المانوية، الديصانية، المرقونية، المزدكية. راجع في شأنها: الملل والنحل -للشهرستاني 1/ 244 - 253. اعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازي، ومعه المرشد الأمين إلى اعتقادات فرق المسلمين والمشركين، تأليف: طه عبد الرؤوف سعد، ومصطفى الهواري - ص: 138 - 142. (¬2) القائل: أبو القاسم الأنصاري. (¬3) في ط: الحقيقة. (¬4) الإرشاد -لأبي المعالي الجويني- ص: 396، 397. (¬5) هو: أبو الحسين البصري المعتزلي -تقدمت ترجمته- له كتاب "غرر الأدلة" يقع في مجلد كبير، وله "تصفح الأدلة في أصول الدين" في مجلدين ولم أجد =

ما ذكره أبو المعالي من أقوال الناس في حقيقة الإيمان

المستأخرين من المعتزلة، وكما أن الإشارات لابن سينا (¬1) زبور المستأخرين من الفلاسفة، تقطعوا أمرهم بينهم زبرًا كل حزب بما لديهم فرحون، وإن كانت طائفة أبي المعالي أمثل وأولى بالإسلام، قال: فصل: في الأسماء والأحكام: اعلموا أن غرضنا من هذا الفصل يستدعي ذكر (¬2) حقيقة الإيمان، وهذا ممَّا تباينت فيه مذاهب الإسلاميين. ¬

_ = أي معلومات عن هذين الكتابين سوى ما ذكرته في المراجع التي تهتم بالتراث مثل: كشف الظنون -لحاجي خليفة- 1/ 413، 2/ 1200. وهدية العارفين -للبغدادي- 2/ 69. والأعلام -للزركلي- 7/ 161. ومعجم المؤلفين -لكحالة - 11/ 20. ولم يذكرهما فؤاد سزكين في تاريخ التراث العربي عندما تحدث عن أبي الحسين وآثاره في 1/ 4 / 86، 87. (¬1) هو: أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا، صاحب التَّصانيف في الفلسفة والطب والمنطق، مات سنة 428 هـ. قال عنه الشَّيخ -رحمه الله-: "وابن سينا تكلم في أشياء من الإلهيات والنبوات والمعاد والشرائع، ولم يتكلم فيها سلفه، ولا وصلت إليها عقولهم ولا بلغتها علومهم، فإنَّه استفادها من المسلمين، وإن كان إنما أخذ عن الملاحدة المنتسبين إلى المسلمين كالإسماعيلية، وكان أهل بيته من أهل دعوتهم من أتباع الحاكم العبيدي الذي كان هو وأهل بيته وأتباعه معروفين عند المسلمين بالإلحاد أحسن ما يظهرونه دين الرفض، وهم في الباطن يبطنون الكفر المحض". ومن مصنفاته الكثيرة كتاب "الإشارات والتبيهات" في المنطق والحكمة، وهو كتاب صغير الحجم، أورد فيه المنطق في عشرة مناهج، والحكمة في عشرة أنماط والكتاب مطبوع، وله عدة شروح منها شرح فخر الدين الرازي، ونصير الدين الطُّوسي، وسراج الدين الأموي، وغيرهم. راجع: وفيات الأعيان -لابن خلكان- 2/ 157 - 162. والرد على المنطقيين -لابن تيمية- ص: 141، 142. وسير أعلام النبلاء -للذهبي- 17/ 531 - 536. وكشف الظنون -لحاجي خليفة- 1/ 94، 95. (¬2) في الإرشاد: يستدعي تقديم ذكر. . .

فذهب الخوارج (¬1) إلى أن الإيمان هو الطاعة، ومال إلى ذلك كثير من المعتزلة (¬2)، واختلفت مذاهبهم في تسمية النوافل إيمانًا، وصار أصحاب الحديث (¬3) إلى أن الإيمان معرفة بالجنان وإقرار باللسان وعلم بالأركان، وذهب بعض القدماء (¬4) إلى أن الإيمان هو المعرفة بالقلب والإقرار بها، وذهبت الكرامية (¬5) إلى أن الإيمان هو الإقرار باللسان ¬

_ (¬1) راجع رأيهم هذا في: أصول الدين -للبغدادي- ص: 249. والفصل في الملل والأهواء والنحل 3/ 188. والإيمان -لابن تيمية- ص: 186. (¬2) اختلفت المعتزلة في حقيقة الإيمان، وتباينت أقوال علمائهم في معرفته، وللوقوف على ذلك تراجع المصادر التالية: شرح الأصول الخمسة -للقاضي عبد الجبار- ص: 707. ومقالات الإسلاميين -للأشعري- 1/ 329 - 331. والفصل في الملل والأهواء والنحل -لابن حزم- 3/ 188. وأصول الدين -للبغدادي- ص: 249. (¬3) راجع قول السلف -رحمهم الله- في الإيمان، وأنه تصديق بالجنان، وإقرار باللسان وعمل بالأركان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية في: السنة -لعبد الله بن أحمد بن حنبل- ص: 81 - 119. والشرح والإبانة على أصول السنة والديانة -لابن بطة- ص: 176 - 179. وهناك كتب أوضحت حقيقة الإيمان عند السلف مع الرد على المخالف لا يمكن تحديد صفحات معينة منها، مثل: كتاب الإيمان لابن مندة، والإيمان لابن أبي شيبة، والإيمان لأبي عبيد القاسم بن سلام، والإيمان لابن تيمية -رحمهم الله تعالى. وراجع قولهم في: مجموع فتاوى الشَّيخ -رحمه الله- 7/ 170، 171. وشرح الطحاوية -لصدر الدين الحنفي- ص: 373 فما بعدها. (¬4) أي: بعض المتقدمين من أصحابه، والإيمان بهذا المفهوم هو رأي المرجئة وهم أصناف، وقد اختلفوا في حقيقته، ولكن الرأي الذي يجمع أغلب فرقهم القول بأنه تصديق بالقلب، وإقرار باللسان. وراجع رأيهم في: فتح الباري -لابن حجر- 1/ 94. ومجموع فتاوى شيخ الإسلام- 7/ 195. وممّا لأنَّه الإسلاميين -للأشعري- 1/ 213 - 223. والتنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع -للملطي- ص: 146 - 156. (¬5) الكرامية يذهبون إلى أن الإيمان هو الإقرار دون التصديق، والأعمال غير داخلة في مسماه. وللاطلاع على رأيهم، تراجع الكتب التالية: الملل والنحل -للشهرستاني =

أبو المعالي صرح بأن كلام النفس لا يثبت إلا مع العلم

فحسب، ومضمر الكفر إذا أظهر الإيمان مؤمن حقًّا عندهم، غير أنَّه يستوجب الخلود في النَّار، ولو أضمر الإيمان ولم يتيقن (¬1) منه إظهاره فهو ليس بمؤمن، وله الخلود في الجنة. قال (¬2): والمرضي عندنا (¬3) أن حقيقة الإيمان التصديق بالله، فالمؤمن بالله من صدقه، ثم التصديق على الحقيقة (¬4) كلام النَّفس، ولا يثبت كلام النَّفس كذلك إلّا مع العلم، فإنا أوضحنا أن كلام النَّفس يثبت على حسب الاعتقاد، والدليل على أن الإيمان هو التصديق صريح اللغة، وأصل (¬5) العربية، وهو (¬6) لا ينكر فيحتاج إلى إثباته ومن (¬7) التنزيل: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} (¬8) معناه: ما أنت (¬9) بمصدق لنا. ثم الغرض من هذا الفصل (¬10) أن من خالف أهل الحق لم يصف ¬

_ = - 1/ 113. ومقالات الإسلاميين للأشعري- 1/ 223. والفصل في الملل والأهواء والنحل -لابن حزم- 3/ 188. (¬1) في الإرشاد: ولم يتفق. (¬2) القائل: الجويني في الإرشاد، والكلام متصل بما قبله. (¬3) هذا هو مذهب الأشاعرة في حقيقة الإيمان، وأنه تصديق فقط. وراجع رأيهم في الكتب التالية: اللمع -لأبي الحسن الأشعري- ص: 123. وأصول الدين -لعبد القاهر البغدادي- ص: 248. والتمهيد -للبقلاني- ص: 346، 347. والمواقف -للإيجي- ص: 384 - 388. (¬4) في الإرشاد: التحقيق. (¬5) في الأصل: وأهل. وأثبت المناسب من: س، ط، والإرشاد. (¬6) في الإرشاد: وهذا. (¬7) في الإرشاد: وفي. (¬8) سورة يوسف، الآية: 17. (¬9) في الإرشاد: وما أنت. (¬10) في س: الفضل. وهو تصحيف.

أبو القاسم الأنصاري ذكر عن أبي الحسن الأشعري قولين في معنى التصديق

الفاسق بكونه مؤمنًا. فقد صرح بأنَّ كلام النَّفس لا يثبت إلّا مع العلم، وأنه إنَّما يثبت على حسب الاعتقاد، وهذا تصريح بأنه لا يكون مع [عدم] (¬1) العلم، ولا يكون على خلاف المعتقد، وهذا يناقض ما أثبتوا به كلام النَّفس وادعوا أنَّه مغاير للعلم. وقال (¬2) صاحبه أبو القاسم الأنصاري -شيخ الشهرستاني- في شرح الإرشاد- بعد أن ذكر شرح قول الخوراج والمعتزلة والكرامية: قال: "وأمَّا مذهب (¬3) أصحابنا، فصار أهل التحقيق من أصحاب الحديث والنظار منهم إلى أن الإيمان هو التصديق، وبه قال شيخنا أبو الحسن، واختلف جوابه في معنى التصديق، فقال مرَّة: هو المعرفة بوجوده وقدمه وإلاهيته (¬4)، وقال مرَّة: التصديق قوله في النَّفس غير أنَّه يتضمن المعرفة ولا يوجد دونها، وهذا ممَّا ارتضاه القاضي، فإن الصدق والكذب والتصديق والتكذيب وبالأقوال أجدر، فالتصديق إذا قول في النَّفس، ويعبر عنه باللسان فتوصف العبارة بأنها تصديق، لأنها عبارة عن التصديق هذا ما حكاه شيخنا الإمام. قلت: فقد ذكر عن أبي الحسن الأشعري قولين: ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬2) راجع هذا النقل مع اختلاف في الألفاظ -في كتاب "الإيمان" لابن تيمية -رحمه الله- ص: 122، 123. وقد نسب هذا القول فيه إلى أبي المعالي الجويني، وهو خطأ، والصّواب كما أورده الشَّيخ -رحمه الله- هنا ونسبه إلى تلميذه أبي القاسم الأنصاري ولم أجد هذا النقل في: الإرشاد -لأبي المعالي- باب: في الأسماء والأحكام، فصل في معنى الإيمان ص: 396 - 400. (¬3) في س، ط: مذاهب. (¬4) في س: والإلهية. وفي ط: وآلهيته.

أحدهما: إن التصديق هو المعرفة (¬1)، وهذا قول جهم. ¬

_ (¬1) الأشاعرة يفرقون بين المعرفة والتصديق، لكي لا يفهم من رأيهم في حقيقة الإيمان -وهو التصديق- أنه رأي الجهمية والدليل على ذلك ما يقوله سعد الدين التفتازاني في شرح المقاصد 2/ 250، 251: ". . والمذهب أنَّه (يعني التصديق) غير العلم والمعرفة، لأنَّ من الكفار من كان يعرف الحق ولا يصدق به عنادًا واستكبارًا، قال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ 146 / البقرة. وقال: {وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} 144 / البقرة. وقال {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا. . .} 14 / النمل. وقال حكاية عن موسى - عليه السلام - لفرعون {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إلا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ} 102 / الإسراء. فاحتيج إلى الفرق بين العلم بما جاء به النَّبيُّ - عليه السلام - وهو معرفته وبين التصديق ليصبح كون الأول حاصلًا للمعاندين دون الثَّاني، وكون الثَّاني إيمانًا دون الأول، فاقتصر بعضهم على أن ضد التصديق هو الإنكار والتكذيب، وضد المعرفة النكارة والجهالة، وإليه أشار الإمام الغزالي -رحمه الله- حيث فسر التصديق بالتسليم، فإنَّه لا يكون مع الإنكار والاستكبار بخلاف العلم والمعرفة". وفصل بعضهم زيادة تفصيل وقال: التصديق عبارة عن ربط القلب بما علم من إخبار المخبر، وهو أمر كسبي يثبت باختيار المصدق، ولهذا يؤمر ويثاب عليه، بل يجعل رأس العبادات، بخلاف المعرفة فإنَّها ربما تحصل بلا كسب، كمن وقع بصره على جسم فحصل له معرفة أنَّه جدار أو حجر". فالأشاعرة يفرقون بينهما -كما تقدم- فإنهم يجعلون المعرفة ضد النكارة والجهل وهي حاصلة للمعاندين كإبليس وفرعون، وهي تقع ضرورة وبلا كسب واختيار بخلاف التصديق فهو ضد الإنكار والتكذيب، وهو غير حاصل للمعاندين، ويقع بالكسب والاختيار. وشيخ الإسلام -رحمه الله- فيما أظن -لا يميل إلى التَّفريق بينهما، ويصف الفرق بينهما بأنه أمر دقيق وأكثر العقلاء ينكره فيقول -رحمه الله- في كتابه "الإيمان" ص: 340: ". . والفرق بين معرفة القلب وبين مجرد تصديق القلب الخالي عن الانقياد الذي يجعل قول القلب أمر دقيق، وأكثر العقلاء ينكرونه، وبتقدير صحته لا يجب على كل أحد أن يوجب شيئين لا يتصور الفرق بينهما، وأكثر النَّاس =

والثاني: أن التصديق قول في النفس يتضمن المعرفة، هو اختيار ابن الباقلاني وابن الجويني، وهؤلاء قد صرحوا بأنه يتضمن المعرفة، ولا يتصور أن يقوم في النفس تصديق مخالف لمعرفة كما (¬1) ذكروه، ولو جاز أن يصدق بنفسه بخلاف علمه واعتقاده لانتقض (¬2) أصلهم في الإيمان إذا (¬3) كان التصديق لا ينافي اعتقاد خلاف ما صدق به، فلا يجب أن يكون مؤمنًا بمجرد تصديق النفس على هذا التقدير، وكل من القولين ينقض ما استدل به على أن التصديق غير العلم. قال النيسابوري (¬4): "وحكى الإمام أبو القاسم الإسفرائيني اختلافًا عن أصحاب أبي الحسن (¬5) في التصديق"، ثم قال (¬6) والصحيح ¬

_ = لا يتصورون الفرق بين معرفة القلب وتصديقه، ويقولون: إن ما قاله ابن كلاب والأشعري من الفرق كلام باطل لا حقيقة له". وفي نظري: أنَّه لا فرق بين المعرفة والتصديق، ذلك أنَّه لا يمكن لأحد أن يصدق بشيء ما لم يعرفه. وهناك فرق بين رأي الأشاعرة والجهمية في الإيمان: فرأي الجهمية: والذي هو أقبح قول قيل في الإيمان وأفسده: تصديق بالقلب فقط، ولم يجعلوا أعمال القلوب -من محبة الله ورسوله، ومحبة ما يحبه الله ورسوله، وبغض ما يبغضه الله ورسوله، والتوكل على الله وخشيته، وغير ذلك من أعمال القلوب- من الإيمان. ورأي الأشاعرة هو تصديق بالقلب فقط، ولكن أعمال القلوب داخلة فيه، ومن هنا يظهر الفرق بين الرأيين، وأن رأي الجهمية أشنع وأفسد. (¬1) في الأصل: ما. وأثبت ما رأيته مناسبًا لسياق الكلام من: س، ط. (¬2) في الأصل: لا ينتقض. وأثبت المناسب للكلام من: س، ط. (¬3) في الأصل: إذ. والمثبت من: س، ط. (¬4) هو: أبو القاسم سليمان بن ناصر الأنصاري النيسابوري، شارح الإرشاد للجويني وقد تقدم الكلام عليه وعلى شرحه ص: 643. (¬5) في الأصل: الحسين. والمثبت من: س، ط. وهو الصحيح في كنيته. وتقدم التعريف به ص: 167. (¬6) القائل: الإسفرائيني.

من الأقاويل في معنى التصديق ما يوافق اللغة، لأن التكليف بالإيمان ورد بما يوافق اللغة، والإيمان بالله ورسوله على موافقة اللغة هو العلم بأن الله ورسوله صادقان في جميع ما أخبرا به، والإيمان في اللغة مطلقًا هو اعتقاد صدق المخبر في خبره، إلّا أن الشرع جعل هذا التصديق علمًا، ولا يكفي أن يكون اعتقادًا من غير أن يكون علمًا، لأن من صدق الكاذب واعتقد صدقه فقد آمن به، ولهذا قال في صفة اليهود: {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} (¬1) يعني: يعتقدون صدقهما". قلت: ليس الغرض هنا ذكر تناقضهم في مسمى الإيمان، وفي التصديق هل هو التصديق بوجود الله وقدمه وإلاهيته، كما قاله الأشعري؟ أو [هو] (¬2) تصديق (¬3) فيما أخبر به كما ذكره غيره؟ أو التناقض كما في كلام صاحب الإرشاد؟ حيث قال: الإيمان هو التصديق بالله، فالمؤمن بالله من صدقه، فجعل التصديق بوجوده هو تصديقه في خبره مع تباين الحقيقتين (¬4) فإنه فرق بين التصديق بوجود الشيء وتصديقه، ولهذا يفرق القرآن بين الإيمان بالله ورسوله، وبين الإيمان للرسول، إذ الأول هو الإقرار بذلك والثاني هو الإقرار له، كما في قوله: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤمِنٍ لَنَا} (¬5) وفي قوله {يُؤمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤمِنُ لِلْمُؤمِنِيْنَ} (¬6)، وفي قوله: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ} (¬7)، وقد قال: ¬

_ (¬1) سورة النساء، الآية: 51. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬3) في الأصل، س: تصديقه، والمثبت من: ط. وهو المناسب للسياق. (¬4) في الأصل: الحقيقين. والمثبت من: س، ط. (¬5) سورة يوسف، الآية: 17. (¬6) سورة التوبة، الآية: 61. (¬7) سورة التوبة، الآية: 94.

صرح هؤلاء بأن التصديق هو العلم أو هو الاعتقاد إذا لم يكن علما

{فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ} (¬1)، فميز الإيمان به من الإيمان بكلماته وكذلك قوله: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} (¬2) الآية، وقوله: {كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} (¬3) فليس الغرض أنهم (لم) (¬4) يهتدوا لمثل هذا في مثل هذا الأصل (¬5) الَّذي لم يعرفوا فيه لا الإيمان ولا القرآن، وهما نور الله الَّذي بعث به رسوله كما قال: {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} (¬6). وإنما الغرض أن التصديق قد صرح هؤلاء بأنه هو العلم، أو هو الاعتقاد إذا لم يكن علمًا، وأنهم مضطرون إلى أن يقولوا ذلك، وهو أبلغ من قول بعضهم: إنه مستلزم للعلم في تمام ما ذكره عن أبي القاسم الإسفراييني. وقال (¬7): "حكى الإمام أبو بكر بن فورك عن أبي الحسن أنَّه قال: الإيمان هو اعتقاد صدق المخبر فيما يخبر به، ثم من الاعتقاد ما هو علم، ومنه ما هو ليس بعلم، فالإيمان بالله هو اعتقاد صدقه، إنما يصح إذا كان عالمًا بصدقه في إخباره، وإنما يكون كذلك إذا كان عالمًا بأنه ¬

_ (¬1) سورة الأعراف، الآية: 158. (¬2) سورة البقرة، الآية: 136. (¬3) سورة البقرة، الآية: 285. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬5) في س، ط: الأصلي. (¬6) سورة الشورى، الآيتان: 52، 53. (¬7) القائل: النيسابوري أبو القاسم. وراجع حكاية ابن فورك عن أبي الحسن الأشعري في كتاب الإيمان -لابن تيمية ص: 125 مع اختلاف في الألفاظ.

متكلم، والعلم بأنه متكلم بعد العلم [بأنه] (¬1) حي، والعلم بأنه حي بعد العلم بأنه فاعل بعد (¬2) العلم بالفعل وكون العالم فعلًا له، وذلك يتضمن العلم بكونه قادرًا [وله قدرة (¬3)، وعالمًا وله علم، ومريدًا وله (¬4) إرادة، وسائر ما لا يصح العلم بالله تعالى إلا بعد العلم به من شرائط الإيمان (¬5) ". قال (¬6): "ثم السمع قد ورد بضم شرائط أخر إليه، وهو أن لا يقترن به ما يدل على كفر من يأتيه فعلًا وتركًا، وهو أن الشرع أمره (¬7) بترك السجود والعبادة للصنم، فلو أتى به دل على كفره، وكذلك لو قتل نبيًّا أو استخف به دل على كفره، وكذلك لو ترك تعظيم المصحف والكعبة دل على كفره، وكذلك لو خالف إجماع الخاص والعام في شيء أجمعوا عليه دل خلافه إياهم على كفره، فأي واحد مما استدللنا به على كفره مما منع الشرع أن يقرنه بالإيمان إذا وجب ضمه إلى الإيمان -لو وجد- دلنا ذلك على [أن] (¬8) التصديق الَّذي هو الإيمان مفقود من قلبه، ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والإيمان لابن تيمية. (¬2) في ط: وبعد. (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من: الإيمان. (¬4) في س: ومريدًا له وله. وهو تصحيف. (¬5) بعد كلمة "الإيمان" علق شيخ الإسلام -رحمه الله- على كلام أبي الحسن الأشعري المتقدم في كتاب "الإيمان" ص: 125، بقوله: "قلت: هذا مما اختلف فيه قول الأشعري، وهو أن الجهل ببعض الصفات هل يكون جهلًا بالموصوف، أم لا؟ على قولين، والصحيح الَّذي عليه الجمهور وهو آخر قوليه، أنَّه لا يستلزم الجهل بالموصوف، وجعل إثبات الصفات من الإيمان مما خالف فيه الأشعري جهمًا، فإن جهمًا غالى في نفي الصفات، بل وفي الأسماء". (¬6) القائل: أبو الحسن الأشعري. الإيمان ص: 125. (¬7) في الأصل: أمر. وأثبت المناسب من: س، ط، والإيمان. (¬8) ما بين المعقوفتين زيادة يستقيم بها الكلام من كتاب الإيمان.

فكذلك كلما كفرنا به المخالف من طريق التأويل، فإنما كفرناه به لدلالته على فقد ما هو إيمان من قلبه، لاستحالة أن يقضي (¬1) السمع بكفر من معه الإيمان والتصديق بقلبه". قال (¬2): "ومن أصحابنا من قال بالموافاة (¬3)، فيشترط في الإيمان الحقيقي أن يوافي ربه به، ويختم عليه، ومنهم من لم يجعل ذلك شرطًا فيه في الحال، وهل يشترط في الإيمان الإقرار؟ اختلفوا فيه بعد (¬4) أن لم ¬

_ (¬1) في الأصل: يغض. ولا معنى لها. والمثبت من: س، ط. (¬2) القائل: أبو القاسم الأنصاري. (¬3) الموافاة عند الأشاعرة يبينها التفتازاني بقوله: "ومعنى الموافاة: الإتيان والوصول إلى آخر الحياة، وأول منازل الآخرة، ولا خفاء في أن الإيمان المنجي، والكفر المهلك هو ما يكون في تلك الحال، وإن كان مسبوقًا بالضد، لا ما ثبت أولًا وتغير إلى الضد، فلهذا يرى الكثير من الأشاعرة القول بأن العبرة بإيمان الموافاة وسعادتها، بمعنى أن ذلك هو المنجي، لا بمعنى أن إيمان الحال ليس بإيمان وكفره ليس بكفر، وكذا السعادة والشقاوة، والولاية والعداوة. . ". راجع: شرح المقاصد -لسعد الدين التفتازاني- 2/ 263، 264. فجمهور الأشاعرة يرون عدم جواز الاستثناء في الإيمان في الماضي والحاضر، لأن ذلك يعتبر عندهم شكًّا في الإيمان. أما في المستقبل -أي: باعتبار الموافاة- فيرون جواز الاستثناء في الإيمان، وحجتهم في ذلك أن الإنسان لا يدري ما يوافي الله تعالى به من الإيمان فخاتمته مجهولة، فيستثنى في ذلك رجاء حسن العاقبة. وشيخ الإسلام -رحمه الله- بين في كتابه "الإيمان" ص: 120، 121: أن القول بأن الإيمان هو ما يوافي به العبد ربه قول محدث لم يقله أحد من السلف -رحمهم الله- بل ليس في الشرع ما يدل عليه، لكن هؤلاء ظنوا أن الذين استثنوا في الإيمان من السلف كان هذا مأخذهم، لأن هؤلاء وأمثالهم لم يكونوا خبيرين بكلام السلف، بل ينصرون ما يظهر من أقوالهم بما تلقوه عن المتكلمين من الجهمية ونحوهم من أهل البدع. (¬4) في الأصل: بل. وأثبت ما رأيته مناسبًا من: س، ط.

يختلفوا في ترك العناد شرطًا (¬1)، وهو أن يعتقد أنَّه متى طولب بالإقرار أتى به، فأما قبل أن يطالب به، مثهم من قال: لا بد من الإتيان به حتَّى يكون مؤمنًا، وهذا القائل يقول: التصديق هو المعرفة والإقرار جميعًا، وهذا قول الحسين بن الفضل البجلي (¬2)، وهو مذهب أبي حنيفة ¬

_ (¬1) كذا في جميع النسخ. ولعل الصواب "شرعًا". وقد نقل شيخ الإسلام -رحمه الله- في كتابه "الإيمان" ص: 123، عن أبي المعالي الجويني -كذا في كتاب الإيمان، ولعل الصواب عن أبي القاسم الأنصاري، وقد رجعت إلى كتاب الإرشاد لأبي المعالي باب في الأسماء والأحكام فصل في معنى الإيمان فلم أجد هذا النقل- ص: 396 - 400 وهذا النقل في كتاب الإيمان بعد النقل مباشرة عن أبي القاسم المتقدم في ص: 504 - قوله: "ومنهم من اكتفى بترك العناد، فلم يجعل الإقرار أحد ركني الإيمان فيقول: الإيمان هو التصديق بالقلب، وأوجب ترك العناد بالشرع، وعلى هذا الأصل يجوز أن يعرف الكافر الله، وإنما يكفر بالعناد، لا لأنه ترك ما هو الأهم في الإيمان. وعلى هذا الأصل يقال: إن اليهود كانوا عالمين بالله ونبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - إلّا أنهم كفروا عنادًا وبغيًا وحسدًا، وعلى قول شيخنا أبي الحسن: كل من حكمنا بكفره فنقول: إنه لا يعرف الله أصلًا، ولا عرف رسوله ولا دينه". ثم قال الشيخ -رحمه الله-: "قال أبو القاسم الأنصاري تلميذه: كأن المعنى لا حكم لإيمانه ولا لمعرفته شرعًا". وعلق على ذلك شيخ الإسلام -رحمه الله- في المصدر السابق ص: 123، 124 بقوله: "قلت: وليس الأمر على هذا القول كما قاله الأنصاري هذا، ولكن على قولهم: المعاند كافر شرعًا، فيجعل الكفر تارة بانتفاء الإيمان الَّذي في القلب وتارة بالعناد، ويجعل هذا كافرًا في الشرع وإن كان معه حقيقة الإيمان الَّذي هو التصديق، ويلزمه أن يكون كافرًا في الشرع، مع أن معه الإيمان الَّذي هو مثل إيمان الأنبياء والملائكة، والحذاق في هذا المذهب، كأبي الحسن، والقاضي ومن قبلهم من أتباع جهم، عرفوا أن هذا تناقض يفسد الأصل، فقالوا: لا يكون واحد كافرًا إلَّا إذا ذهب ما في قلبه من التصديق، والتزموا أن كل من حكم الشرع بكفره، فإنه ليس في قلبه شيء من معرفة الله ولا معرفة رسوله، ولهذا أنكر عليهم جماهير العقلاء، وقالوا: هذا مكابرة وسفسطة". (¬2) هو: أبو علي الحسين بن الفضل بن عمير البجلي الكوفي، ثم النيسابوري الإمام =

وأصحابه، وبقريب (¬1) من هذا كان يقول (¬2) الإمام أبو محمد عبد الله بن سعيد القطان (¬3) من متقدمي أصحابنا. ونحن نقول: من أتى بالتصديق بالقلب واللسان فهو المؤمن باطنًا وظاهرًا، ومن صدق بقلبه وامتنع من الإقرار فهو معاند كافر، يكفر كفر عناد، ومن أقر بلسانه وجحد بقلبه فهو كافر عند الله وعند نفسه، ويجري عليه أحكام الإيمان لما أظهر (¬4) من علامات الإيمان. ومن أصحابنا من جعل الممعارف مجموعة تصديقًا واحدًا، أو هو المعرفة بالله وصفاته ورسوله وبأن دين الإسلام حق. قال (¬5): "وهذه الجملة تصديق واحد"، ثم قال: "هذا ما ذكره أبو القاسم الإسفرائيني". قلت: ليس المقصود هنا بيان ما ذكروه من قول الجهمية والمرجئة في الإيمان، وما في ذلك من التناقض، حيث جَعْله التصديق الَّذي في القلب، ثم سلبه عمن ترك النطق عنادًا، وأن عنده كلما سمي كفرًا فلأنه مستلزم لعدم هذا التصديق، ولكن دلالته على العدم تعلم تارة بالعقل وتارة بالشرع، لأن ما يقوم بالقلب من الاستكبار على الله والبغض له ولرسوله (¬6) ونحو ذلك يكون هو في نفسه كفرًا وما ذكروه من التصديق ¬

_ = المفسر. قال عنه الحاكم: إمام عصره في معاني القرآن. توفي سنة 282 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء -للذهبي- 13/ 414 - 416. ولسان الميزان -لابن حجر- 1/ 307، 308. وطبقات المفسرين -للداودي- 1/ 159، 160. (¬1) في الأصل: تقريب. وفي ط: ويقرب. والمثبت من: س. وهو المناسب للسياق. (¬2) في س: كأنه يقول. وفي ط: ما كان يقوله. (¬3) وهو: ابن كلاب. وقد تقدم التعريف به ص: 169. (¬4) في الأصل، س: ظهر. وأثبت المناسب للكلام من: ط. (¬5) القائل: أبو القاسم الأنصاري. (¬6) في س، ط: ولرسله.

الفرق بين المعرفة والتصديق عند الأشاعرة

الخاص الَّذي وصفوه وهو تصديق بأصول الكلام الَّذي وضعوه. وإنما الغرض أنهم يجعلون التصديق هو نفس المعرفة كما في كلام هذا وغيره، وكما ذكروه عن أبي الحسن. وغايتهم إذا لم يجعلوه مستلزمًا للمعرفة أن يجعلوه مستلزمًا لها. قال النيسابوري: "وقال الأستاذ أبو إسحاق في المختصر (¬1): "الإيمان في اللغة والشريعة، التصديق ولا يتحقق ذلك إلّا بالمعرفة والإقرار، وتقوم الإشارة والانقياد مقام العبارة (¬2) ". قال: "وتحقيق المعرفة تحصيل ما قدمناه من المسائل في هذا الكتاب وتحقيقه". قال النيسابوري: "أراد بالكتاب هو المختصر وأشار بما قدمه فيه [إلى] (¬3) جملة ما قدمه من قواعد العقائد. قال: وقال في هذا الكتاب: "الإيمان هو المعرفة واعتقاد (¬4) الإقرار عند الحاجة أو ما يقوم مقام الإقرار". [وقال] (¬5) في كتاب الأسماء والصفات (¬6): "واتفقوا على أن ¬

_ (¬1) لم يذكر هذا الكتاب ضمن مؤلفات أبي إسحاق في المصادر التي وقفت عليها، فلعل هذا الاسم اختصار لاسم كتاب لم أقف عليه. راجع: كشف الظنون -لحاجي خليفة- 1/ 45، 2/ 51، 2/ 1157، 1257. وهدية العارفين -للبغدادي- 1/ 8. ومعجم المؤلفين -لكحالة- 1/ 83. بالإضافة إلى مصادر ترجمته المتقدمة في ص: 483. وراجع هذا القول في "الإيمان" لابن تيمية - ص: 122. (¬2) في س: العبادة. (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من: ط. توضح المعنى. (¬4) في الأصل: والاعتقاد. والمثبت من: س، ط. (¬5) ما بين المعقوفتين زيادة من كتاب الإيمان لابن تيمية يستقيم بها الكلام. (¬6) في كتاب "الإيمان" لابن تيمية - ص: 122: "وقال أيضًا أبو إسحاق في كتاب =

ما يستحق به المكلف اسم الإيمان في الشريعة أوصاف كثيرة، وعقائد مختلفة، وإن اختلفوا فيها على تفصيل ذكرناه، واختلفوا في إضافة ما لا يدخل في جملة التصديق إليه لصحة الاسم، فمنها ترك قتل الرسول، وترك إيذائه (¬1)، وترك تعظيم الأصنام، فهذا من المتروك، ومن الأفعال نصرة الرسول والذب عنه، فقالوا: إن جميعه مضاف (¬2) إلى التصديق شرعًا، وقال آخرون إنه من الكبائر، لا يخرج المرء بالمخالفة فيه عن الإيمان. قال النيسابوري (¬3): "هذه جملة كلام مشايخنا في ذلك، قال (¬4): وذهب أهل الأثر إلى أن الإيمان جميع الطاعات فرضها ونفلها، وعبروا عنه بأنه إتيان ما أمر الله به فرضًا ونفلًا، والانتهاء عما نهى (¬5) عنه تحريمًا وإذنًا (¬6)، وبهذا كان يقول أبو علي الثقفي (¬7)، ¬

_ = الأسماء والصفات: اتفقوا. . . ". وكتاب الأسماء والصفات لم تذكره المصادر التي عرفت بأبي إسحاق ومؤلفاته -وتقدم ذكر بعضها- وإنما أشارت إلى أن له مؤلفات كثيرة يصعب حصرها منها: الجامع في أصول الدين، والرد على الملحدين في خمس مجلدات. ولعل هذا المصنف والذي قبله ذكرا ضمن هذا الجامع. والله أعلم. (¬1) في جميع النسخ: تعظيمه، والمثبت من الإيمان، ولعله المناسب للسياق. (¬2) في الإيمان: وقالوا: إن جميعه يضاف. . (¬3) في شرح الإرشاد -للجويني، وراجعه في كتاب "الإيمان" لابن تيمية- ص: 121. مع اختلاف في بعض الألفاظ. (¬4) القائل: النيسابوري. (¬5) نهى: ساقطة من: س. (¬6) كذا في جميع النسخ، ولعل الصواب: "وأدبًا" كما وردت اللفظة في كتاب الإيمان لابن تيمية، وأشار ناشر الكتاب إلى أن الكلمة وردت بلفظ "إذنًا" في كتاب الإيمان طبع الهند سنة 1311 هـ، والتي اعتمد عليها في نشر الكتاب لمقابلتها على نسخة خطية في نجد. (¬7) هو: أبو علي محمد بن عبد الوهاب بن عبد الرحمن الثقفي النيسابوري، الفقيه =

ومن (¬1) متقدمي أصحابنا أبو العباس القلانسي (¬2). وقد مال إلى هذا المذهب أبو عبد الله بن مجاهد (¬3)، وهو قول مالك بن أنس (¬4)، ومعظم أئمة السلف، وكانوا يقولون: الإيمان معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان. قلت: وذكر الكلام إلى آخره مما ليس هذا موضعه (¬5)، فإنه ليس الغرض هنا ذكر أقوال السلف والأئمة، واعتراف هؤلاء بما اجترؤوا عليه ¬

_ = الواعظ، وأحد الأئمة، قال فيه الحاكم: الإمام المقتدى به في الفقه والكلام والوعظ والورع والعقل والدين. توفي سنة 328 هـ. راجع: طبقات الشافعية -للسبكي- 3/ 192 - 194. والعبر -للذهبي- 2/ 31. وشذرات الذهب -لابن العماد- 2/ 315. (¬1) في س: من. (¬2) هو: أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن خالد القلانسي الرازي، من معاصري أبي الحسن الأشعري، واعتقاده موافق لاعتقاده في الإثبات، ولم أقف على ترجمة له في كتب الرجال التي بين يدي. راجع: "تبيين كذب المفتري" -لابن عساكر- ص: 398. وللوقوف على رأيه في الإيمان يراجع: الإرشاد -للجويني- ص: 399. (¬3) هو: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب بن مجاهد، الطائي المتكلم صاحب أبي الحسن الأشعري، وهو من أهل البصرة، سكن بغداد وعليه درس القاضي أبو بكر الباقلاني الكلام، قال الخطيب البغدادي: له كتب حسان في الأصول. راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 1/ 343. وسير أعلام النبلاء -للذهبي- 16/ 305. وطبقات الشافعية -للسبكي- 3/ 368. (¬4) راجع قول مالك بن أنس وأئمة السلف في الإيمان، وأنه قول وعمل يزيد وينقص، في: كتاب السنة -لعبد الله بن الإمام أحمد- ص: 81 - 101. والشريعة -للآجري- ص: 116 - 120، 130 - 132. والشرح والإبانة على أصول السنة والديانة -لابن بطة- ص: 176 - 178. والإيمان -لابن أبي شيبة- ص: 21. وشرح الطحاوية -لصدر الدين الحنفي- ص: 373. (¬5) راجع بعضه مما لم يذكره الشيخ هنا في كتابه "الإيمان" ص: 121.

أبو إسحاق الإسفراييني قرر أن التصديق لا يتحقق إلا بالمعرفة والإقرار

من مخالفة السلف والأئمة وأهل الحديث في الإيمان، مع علمهم بذلك لِما عَنَتَ (¬1) لهم من شبهة الجهمية المرجئة. وإنما الغرض بيان ما ذكره الإسفراييني، من أن التصديق لا يتحقق إلّا بالمعرفة والإقرار، وإن كان أراد المعرفة كما قرره هو من قواعده، ولم يُحل ذلك على ما جاء به الرسول من أصول الإيمان، فإذا كان التصديق لا يتحقق [إلا] (¬2) بالمعرفة وبالإقرار -أيضًا- باللسان، كان هذا من كلامهم دليلًا على امتناع وجود التصديق بالقلب وتحققه إلا مع الإقرار باللسان وهذا يناقض قولهم: إن الكلام مجرد ما يقوم بالنفس، فهذه مناقضة ثابتة، فإن التصديق الَّذي في القلب إن تحقق بدون لفظ بطل هذا، وإن لم يتحقق إلَّا بلفظ أو ما يقوم مقامه بطل ذاك، فهذا كلامهم، وهو يقتضي أنهم لم يكتفوا بأن جعلوا العلم ينافي الكذب النفساني، حتَّى جعلوه يوجب الصدق النفساني، فيمتنع وجود العلم بدون الصدق، فصار هذا مبطلًا لما أثبتوا به الخبر النفساني، من أنَّه يمكن ثبوته بدون العلم وعلى خلاف العلم وهو الكذب، وهم كما احتجوا بالعلم على انتفاء الكذب النفساني وثبوت الصدق النفساني، فقد احتجوا به -أيضًا- على أصل ثبوت الكلام النفساني. قال أبو القاسم النيسابوري: "ومما ذكره الأستاذ أبو إسحاق -يعني في إثبات كلام الله النفساني الَّذي أثبتوه- أن قال: الأحكام لا ترجع إلى صفات الأفعال، ولا إلى أنفسها، وإنما ترجع إلى قول الله، وهذا من أدل الدليل على ثبوت الأمر والنهي والوعد والوعيد، فورود التكليف على العباد دليل على كلام الله، وجواز إرسال الرسل ¬

_ (¬1) أي: وقع. والعنت: الوقوع في أمر شاق. انظر: مختار الصحاح -لأبي بكر الرازي- ص: 456 (عنت). (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة أضفتها ليستقيم بها السياق.

تعليق الشيخ على استدلالهم على ثبوت كلام الله بالتكليف والإحكام

وورود التكليف دال على علمه، وعلمه دال على ثبوت الكلام الصدق أولًا، إذ العالم بالشيء لا يخلو عن نطق النفس بما يعلمه، وذلك هو التدبير والخبر، وربما يعبر عن هذا بأنه لو لم يكن القديم - سبحانه - متكلمًا لاستحال منه التعريف والتنبيه على التكليف، لأن طرق التعريف معلومة، وذلك كالكتابة والعبارة والإشارة، وشيء من هذا لا يقع به التعريف دون أن يكون ترجمة عن الكلام القائم بالنفس، ومن لا كلام له استحال أن ينبه غيره على المعنى الَّذي يستند إلى الكلام. قال: ومما يدل على ثبوت الكلام لله آيات الرسل - عليهم السلام - فإنها كانت أدلة، ولا تدل على الصدق لأنفسها، وإنما كانت دالة من حيث كانت نازلة منزلة، قوله لمدعي الرسالة: صدقت، والتصديق من قبل الأقوال، ولا يكون المصدق مصدقًا لغيره بفعله التصديق، وإنما يكون مصدقًا له لقيام التصديق بذاته بأمر الله وبنهيه (¬1) ". قلت: أما استدلالهم على ثبوت كلام الله بالتكليف والأحكام، فهذا من باب الاستدلال على الشيء بنفسه، بل من باب الاستدلال على الشيء بما هو أخفى منه مع الاستغناء عنه، فإنه إذا كان التكليف والأحكام إنما ثبت (¬2) بالرسل، فالرسل كلهم مطبقون على تبليغ كلام الله ورسالته، وأن الله يقول وقال ويتكلم، ومن المعلوم أن نطق الرسل بإثبات كلام الله وقوله أكثر وأشهر وأظهر من نطقهم بلفظ تكليف وأحكام، فإذا كان هذا الدليل لا يثبت إلَّا بعد الإيمان بالرسل، وبما أخبروا (¬3) به، فإخبارهم بكلام الله وقوله لا يُحتاج فيه إلى دليل، ولهذا عدل غير هؤلاء عن هذا الدليل الغث، واحتجوا على ثبوت كلام الله ¬

_ (¬1) في الأصل، س: ومنهيون بنهيه. وفي ط: منهيًا بنهيه. والكلام يستقيم بدون الزيادة. (¬2) في س: يثبت. وفي ط: تثبت. (¬3) في الأصل: أخبر. وأثبت المناسب من: س، ط.

بمجرد قول المرسلين. وقوله: الأحكام من أول الدليل على ثبوت الأمر والنهي. يقال له: فهل الأحكام عندك شيء غير الأمر والنهي حتَّى (¬1) يستدل بأحدهما على الآخر؟ أم اسم الأحكام هل هو أظهر في كلام الرسل والمؤمنين بهم من اسم الأمر والنهي؟. وأعجب من ذلك قوله: فورود التكليف على العباد دليل على كلام الله وجواز إرسال الرسل، فإن التكليف إذا كان عنده لم يثبت إلَّا بالرسل كان العلم بجواز إرسأل الرسل سابقًا للعلم (¬2) بالتكليف، فكيف يستدل بما يتأخر علمه على ما يتقدم علمه، ومن حق الدليل أن يكون العلم به قبل العلم بالمدلول حيث جعل دليلًا على العلم به، ولو قدر أنَّه ممن يسوغ التكليف العقلي فذاك عند القائلين به يرجع إلى صفات تقوم بالأفعال، فلا يفتقر إلى ثبوت الكلام. وليس المقصود بيان هذا، وإنما المقصود قولهم: ورود التكليف دال على علمه، وعلمه دال على ثبوت الصدق (¬3) إذ العالم بالشيء لا يخلو عن نطق النفس بما يعلمه، وذلك هو التدبير والخبر، فقد جعلوا العلم مستلزمًا للكلام بنوعية الخبر الصدق (¬4) والتدبير الَّذي هو الطلب، وهذا إلى التحقيق أقرب من غيره، فإذا كان الأمر كذلك كيف يتصور اجتماع العلم والكذب النفساني؟. فإن قيل: لا ريب أن هذا تناقض منهم في الشيء الواحد المعين، بإثباته تارة وجعله كلامًا محققًا، ونفيه أخرى ونفي تسميته كلامًا محققًا -إذا قدر وجوده- لكن التناقض يدل على بطلان أحد القولين المتناقضين ¬

_ (¬1) في س: حق. وهو خطأ. (¬2) في ط: على العلم. (¬3) في س، ط: المصدق. (¬4) في س، ط: والصدق. وهو خطأ.

الوجه السابع عشر: أن هذا يهدم عليهم إثبات العلم بصدق الكلام النفساني القائم بذات الله

غير معين، فقد يكون الباطل ما ادعوه من استلزام العلم للصدق النفساني ومنافاته للكذب، دون ما ذكروه من إمكان اجتماعهما وعدم استلزامه للصدق. قيل: نقول في الجواب عن هذا وهو: الوجه السابع عشر: إن هذا يهدم عليهم إثبات العلم بصدق الكلام النفساني القائم بذات الله، وإذا فسد ذلك لم ينفعهم إثبات كلام له يجوز أن يكون صدقًا أو كذبًا، بل لم ينفعهم إثبات كلام لم يعلموا وجوده إلّا وهو كذب، فإنهم لم يثبتوا الخبر النفساني إلا بتقدير الخبر الكذب، فهم لم يعلموا وجود خبر نفساني إلا ما كان كذبًا، فإن أثبتوا لله ذلك كان كفرًا باطلًا خلاف مقصودهم، وخلاف إجماع الخلائق، إذ أحد لم (¬1) يثبت لله كلامًا لازمًا لذاته هو كذب، وإن لم يثبتوا ذلك لم يكن لهم طريق إلى إثبات الخبر النفساني بحال، لأنا حينئذ لم نعلم وجود معنى نفساني صدق (¬2) غير العلم ونحوه لا شاهدًا ولا غائبًا، فإن خبر الله لا ينفك عن العلم، وإذا امتنع إثبات ما ادعوه (¬3) من الخبر امتنع حينئذ وصفه بكونه صدقًا، فإن ثبوت الصفة بدون الموصوف محال، فعلم أن الطريقة التي سلكوها في إثبات صدق الخبر تبطل (¬4) عليهم إثبات أصل الخبر النفساني، فلا يثبت حينئذ لا خبر نفساني ولا صدقه، والطريقة التي سلكوها في إثبات الكلام النفساني، إنما يثبت بها -لو قدر صحتها- خبر هو كذب، وذلك ممتنع ¬

_ (¬1) في س، ط: لا. (¬2) في ط: نفسانيًّا صدقًا. (¬3) في الأصل: ما دعوه. والمثبت من: س، ط. (¬4) في جميع النسخ: يبطل. وأثبت المناسب للسياق.

الوجه الثامن عشر: أنهم أثبتوا للخبر معنى ليس هو العلم وبابه

في حقه (¬1)، فعلم أنهم مع التناقض لم يثبتوا لا (¬2) الكلام النفساني ولا صدقه، فلم يثبتوا واحدًا من المتناقضين. فإن قيل: كيف يخلو الأمر عن النقيضين ويمكن رفعهما جميعًا؟ قيل: هذا لا يمكن في الحقائق الثابتة (¬3)، ولكن يمكن في المقدرات الممتنعة، فإن من فرض تقديرًا ممتنعًا لزمه اجتماع النقيضين وانتفاؤهما (¬4)، وذلك محال، لأنه لازم للمحال الَّذي قدره، وهذا دليل آخر وهو: الوجه الثامن عشر: وهو أنهم أثبتوا للخبر معنى ليس هو العلم وبابه، فهذا إثبات أمر ممتنع، وإذا كان ممتنعًا من صفة بأنه صدق أو كذب ممتنع - أيضًا إذ (¬5) لا حقيقة له، فقولهم بعد هذا: العلم يستلزم الصدق منه وينافي الكذب، وإن كان يناقض قولهم: العلم لا يستلزم الصدق ولا ينافي الكذب، فهذان النقيضان كلاهما منتف، لأن كليهما (¬6) إنما يلزم على تقدير ثبوت معنى للخبر ليس هو العلم وبابه، فإذا كان ذلك تقديرًا باطلًا ممتنعًا كان ما يلزمه من نفي أو إثبات قد يكون باطلًا، إذ حاصله لزوم [اجتماع] (¬7) النقيضين، ولزوم (¬8) الخلو عن النقيضين على هذا التقدير وهذه اللوازم تدل على فساد الملزوم الَّذي هو معنى للخبر ليس هو العلم ونحوه، ¬

_ (¬1) في الأصل، س: حق. والمثبت من: ط. (¬2) في الأصل: إلا. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط. (¬3) في س: الثانية. وهو خطأ. (¬4) في س: وانتفائهما. وفي ط: وانتفاؤها. (¬5) إذ: ساقطة من: س، ط. (¬6) في جميع النسخ: كلاهما. وهو خطأ على القياس. (¬7) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬8) في س، ط: لزم.

ولهذا يجعل فساد اللوازم دليلًا على فساد الملزوم، وإذا أريد تحرير الدليل بهذا الوجه قيل: لو كان للخبر معنى ليس هو العلم ونحوه، فإما أن يكون العلم مستلزمًا لصدقه أو لا يكون، فإن كان مستلزمًا لصدقه لم يعلم حينئذ أنَّه غير العلم، إذ لا دليل على ذلك إلا إمكان تقدير الكذب مع العلم، إذا كان العلم مستلزمًا للصدق النفساني منافيًا للكذب النفساني كان هذا التقدير ممتنعًا، فلا يعلم حينئذ بثبوت معنى للخبر (¬1) غير العلم، لا في حق الخالق ولا في حق العباد، فيكون قائل ذلك قائلًا بلا علم ولا دليل أصلًا في باب كلام الله وخبره، وهذا محرم بالاتفاق، وهذا بعينه يبطل ببطلان قولهم - أي: أنهم قالوا بلا حجة أصلًا. وإن لم يكن العلم مستلزمًا للصدق النفساني ولا منافيًا للكذب النفساني لم يكن لهم طريق إلى إثبات كلام نفساني هو الصدق (¬2)، لأن العلم لا يستلزمه ولا ينافي ضده، فلا يستدل عليه بالعلم وسائر ما يذكر غير العلم فيدل على أن الله صادق في الجملة وأن الكذب ممتنع عليه، وهذا مما لا نزاع بين الناس فيه، لكنهم (¬3) لا يمكنهم إثبات كلام نفساني هو صدق، وقيام دليل على أن الله صادق كقيام دليل على أن الله متكلم، وهذا لا ينفعهم في إثبات (¬4) الكلام النفساني الَّذي ادعوه منفردين به، فكذلك هذا لا ينفعهم في إثبات معنى الخبر النفساني الصادق، الَّذي انفردوا بإثباته من بين فرق الأمة وابتدعوه، وفارقوا به جماعة المسلمين كما أقروا هم بهذا الشذوذ والانفراد، كما ذكره في المحصول (¬5). ¬

_ (¬1) في الأصل: الخبر. والمثبت من: س، ط. (¬2) في س، ط: صدق. (¬3) في س، ط: ولكنهم. (¬4) في الأصل: الإثبات. وأثبت المناسب لسياق الكلام من: س، ط. (¬5) المحصول في علم أصول الفقه - 2/ 1 / 314، 315.

الوجه التاسع عشر: أن قولهم: إن العلم ينافي الكذب النفساني هو الصواب دون قولهم: إنه قد يجامع الكذب النفساني

الوجه التاسع عشر: هو متضمن للجواب عما ذكرناه من السؤال عن أن المتناقضين لا يعين (¬1) الصادق، وهو أن نقول (¬2): لا ريب أن قولهم: إن العلم ينافي الكذب النفساني هو الصواب، دون قولهم: إنه قد يجامع الكذب النفساني، وإن لم يكن العلم مستلزمًا لخبر نفساني صدق، وهذا أمر يجده المرء من نفسه ويعلمه بالضرورة أن ما (¬3) علمه لم (¬4) يمكن أن يقوم بنفسه خبر ينافي ذلك، بل لو كلف ذلك كلف الجمع بين النقيضين، ولهذا لم يتنازع الناس في أنَّه يمتنع تكليف الإنسان أن يعتقد خلاف ما يعلمه، ولو كان في الإمكان خبر نفساني ينافي العلم لأمكن أن يطلب ذلك من الإنسان، فإنه يمكن أن يطلب منه كل ما يقدر عليه (¬5) سواء قيل إن ذلك جائز في الشريعة أو لم يمكن، كما أن طلب الكذب ممكن والتكليف به ممكن (¬6)، وأما طلب كذب نفساني يخالف العلم، فهذا مما ¬

_ (¬1) في الأصل، س: لا معين. والمثبت من: ط. وبه يتضح المعنى. (¬2) في الأصل: الصادق أن يقولوا. وفي س: الصادق أن يقول. والمثبت من: ط. وبه يتضح المعنى. (¬3) في س: أما. (¬4) في س، ط: لا وهو الصواب. (¬5) عليه: ساقطة من: س. (¬6) طلب الكذب يكون ممكنًا كأن يؤمر الإنسان به في بعض الحالات، كالصلح بين المتخاصمين، أو التخذيل في الحرب، كما ورد في الحديث عن أم كلثوم - رضي الله عنها - قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ليس بالكاذب من أصلح بين الناس، فقال خيرًا، أو نمى خيرًا". قال الترمذي: حديث حسن صحيح. سنن الترمذي 4/ 331 - كتاب البر والصلة - باب ما جاء في إصلاح ذات البين - الحديث / 1938. وقد ورد في قصة طويلة أن نعيم بن مسعود الأشجعي جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - =

الوجه العشرون: أن الإنسان قد يخبر بما لا يعلمه ولا يظنه وما يعلم أو يظن خلافه

لا يمكن طلبه والتكليف به، إذ (¬1) هو أمر لا حقيقة له. فتبين أن قولهم: إن الجحد إنما يتصور من العالم (¬2) بالشيء في العبارة باللسان دون [القلب. وصاحب] (¬3) الجحد وإن جحده باللسان هو معترف بالقلب، فلا يصح الجحد بالقلب، هو أصدق من قولهم: العالم بالشيء قد يقوم بقلبه كذب نفساني ينافي علمه، وإذا كان كذلك بطل ما احتجوا به على إثبات الخبر النفساني الَّذي ادعوه وراء العلم، وهو المقصود. الوجه العشرون: أن يقال: لا ريب أن الإنسان قد يخبر بما لا يعلمه ولا يظنه، وبما يعلم أو يظن خلافه، ولا ريب أن هذا الخبر له معنى يقوم بنفسه وراء العلم، ولهذا يمكن تقدير هذا المعنى قبل تقدير العبارة عنه، فضلًا عن وجود التعبير عنه، فإن من يريد أن يخبر بخلاف علمه ويعتقد ذلك، يقدره ويصوره في نفسه قبل التعبير عنه، ويدل على ذلك أن الكذب لفظ ¬

_ = فقال: يا رسول الله إني أسلمت، ولم يعلم بي أحد من قومي، فمرني بما شئت، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما أنت فينا رجل واحد، فخذل عنا ما استطعت، فإنما الحرب خدعة". انظر القصة بكاملها في: سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم -لابن هشام- 3/ 247 - 250. ودلائل النبوة - للبيهقي - 3/ 445 - 447. والبداية والنهاية -لابن كثير - 4/ 126 - 128. وانظر حديث "الحرب خدعة" بدون ذكر لقصة نعيم في: صحيح البخاري 4/ 24 - كتاب الجهاد - باب الحرب خدعة. وصحيح مسلم 3/ 1361 كتاب الجهاد - باب جواز الخداع في الحرب، الحديثان / 17، 18. (¬1) في س: إذا. (¬2) في ط: العلم. (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.

له معنى، كما أن الصدق لفظ له معنى، ولو (¬1) كان لفظًا لا معنى له في النفس لكان بمنزلة الأصوات والألفاظ المهملة، وليس الأمر كذلك، لكن يقال: هذا لا يخرجه عن أن يكون من جنس الاعتقاد الَّذي يكون من جنس العلم والجهل المركب، فإن المعتقد بالشيء (¬2) بخلاف ما هو به، لا ريب أن هذا (¬3) ليس بعالم به وإن اعتقد أنَّه عالم به، فالكذب من هذا الجنس، لكن الكذب يعلم صاحبه أنَّه باطل، والجهل المركب لا يعلم صاحبه أنَّه باطل، ومعلوم أن الاعتقادات في كونها (¬4) حقًّا أو باطلًا أو معلومة أو مجهولة، لا يخرج عن الاشتراك في مسمى الاعتقاد والخبر النفساني، كما لا تخرج العبارة عنها بكونها حقًّا أو باطلًا أو معلومة أو مجهولة، من أن تكون (¬5) لفظًا وعبارة وكلامًا، فإذا كانت العبارات على اختلاف أنواعها يجمعها النطق اللساني، فالمعنى الَّذي هو الاعتقاد على اختلاف أنواعه يجمعه النطق النفساني، والخبر النفساني، وهذا كما أن الإرادة أو الطلب سواء كانت إرادة خير أو إرادة (¬6) شر، أو كان صاحبها عالمًا بحقيقة مراده وعاقبته (¬7)، أو كان جاهلًا بعاقبته (6)، فإن ذلك لا يخرجها عن الاشتراك في مسمى الإرادة أو الطلب. ¬

_ (¬1) في الأصل: وإن. وأثبت المناسب للكلام من: س، ط. (¬2) في س، ط: للشيء. (¬3) في س، ط: أنَّه ليس. (¬4) في الأصل: كونه. وأثبت ما يناسب السياق من: س، ط. (¬5) في س: يكون. (¬6) في الأصل: وإرادة. وفي س: وارادت. وأثبت ما رأيته مناسبًا من: ط. (¬7) في س: عاقبة.

الوجه الحادي والعشرون: أن الله تعالى نفى عن الظالمين تكذيب القلب وأثبت الجحود

الوجه الحادي والعشرون: أنَّه تعالى قال: {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} (¬1)، فنفى عنهم التكذيب وأثبت الجحود، ومعلوم أن التكذيب باللسان لم يكن منتفيًا عنهم، فعلم أنَّه نفى عنهم تكذيب القلب، ولو كان المكذب الجاحد لِمَا عَلِمَه يقوم بقلبه خبر نفساني لكانوا مكذبين بقلوبهم، فلما نفى عنهم تكذيب القلوب، علم أن الجحود الَّذي هو ضرب من الكذب والتكذيب بالحق المعلوم، ليس هو كذبًا في النفس ولا تكذيبًا فيها وذلك يوجب أن العالم بالشيء لا يكذب به، ولا يخبر في نفسه بخلاف علمه. فإن قيل: العالم بالشيء العارف به قد يؤمن بذلك وقد يكفر، كما (¬2) قال الله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيقَنَتهَا أَنْفُسُهُمْ} (¬3) وذلك مثل المعاندين من المشركين وأهل الكتاب، وليس كفرهم لمجرد لفظهم، فإنهم ¬

_ (¬1) سورة الأنعام، الآية: 33. (¬2) من هنا وقع في الأصل تمزق، وألصقت الورقة ببعضها، ولم يكن اللاصق محترفًا مما يجعل بعض الكلمات في الورقة اللاحقة تظهر بين كلمتين في الورقة المصورة، فمثلًا ظهر بين كلمة "كما قال" و"تعالى" كلمة غير واضحة، وسقط لفظ الجلالة وكذا كلمة "المشركين" التي توازيها في السطر التالي ظهر بينها وبين كلمة "أهل" حرف "كا" من الورقة اللاحقة، وهكذا يستمر التمزق تقريبًا في ورقة من: الأصل. أي: زاد أو نقص في كل سطر منها كلمة أو كلمتان تقريبًا، وباقي الورق سليم وسوف أشير إلى نهايته. وقد حاولت الوقوف على الأصل، لكن المسؤولين في دار الكتب الوطنية بالقاهرة لم يمكنوني -مع الأسف- من الوقوف عليه رغم محاولاتي الكثيرة معهم التي لم تفلح إلَّا في الوقوف على الميكروفلم الَّذي يوافق ما بين يدي من صور. وقد أكملت بعض الكلمات الناقصة، وأخرجت النص بصورة سليمة من باقي النسخ. (¬3) سورة النمل، الآية: 14.

-أيضًا- قد يقولون بألسنتهم ما يعلمونه، ولا يكونون مؤمنين، مثل ما كان يقوله أبو طالب (¬1) من الإخبار بأن محمدًا رسول الله، ومثله إخبار كثير من اليهود والنصارى بعضهم لبعض برسالته (¬2)، ومع هذا فليسوا ¬

_ (¬1) هو: أبو طالب بن عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم، والد علي - رضي الله عنه - وعم النبي - صلى الله عليه وسلم - وكافله ومربيه ومناصره، وقد نشأ النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيته، وسافر معه إلى الشام في صغره، دعاه النبي - عليه السلام - إلى الإسلام فامتغ خوفًا من أن تعيره العرب بتركه دين آبائه. توفي سنة 3 ق. هـ. انظر: الطبقات الكبرى -لابن سعد- 1/ 119 - 125. الكامل -لابن الأثير- 2/ 37، 38، 90، 91. الأعلام -للزركلي- 4/ 315. ومما قاله أبو طالب: ودعوتني وعلمت أنك ناصحي ... فلقد صدقت وكنت قدم أمينا وعرضت دينا قد عرفت بأنه ... من خير أديان البرية دينا لولا الملامة أو حذاري سبة ... لوجدتني سمحًا بذلك مبينا راجع: البداية والنهاية -لابن كثير- 3/ 47. (¬2) يقول الله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: 157]. يقول ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره 2/ 251: "وهذه صفة محمد - صلى الله عليه وسلم - في كتب الأنبياء، بشروا أممهم ببعثه، وأمروهم بمتابعته، ولم تزل صفاته موجودة في كتبهم، يعرفها علماؤهم وأحبارهم". ونقل ابن إسحاق في سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - 1/ 196، 197 أن راهبًا يقال له بحيرى -وكان إليه علم أهل النصرانية- لما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - مع عمه أبي طالب في بصرى من أرض الشام، وكان أبو طالب قد خرج في ركب تاجرًا إلى الشام - قال لأبي طالب: ارجع بابن أخيك إلى بلده واحذر عليه من اليهود، فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغنه شرًّا، فإنه كائن لابن أخيك هذا شان عظيم، فأسرع به إلى بلاده. ونقل -أيضًا- أن نفرًا من أهل الكتاب لما رأوا من الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما رآه بحيرى =

الوجه الثاني والعشرون: أن ما أخبرت به الرسل من الحق ليس إيمان القلب مجرد العلم بذلك

مؤمنين ولا مصدقين، ومنهم اليهود الَّذي جاوروه، وقالوا: نشهد أنك رسول الله. قيل (¬1): الجواب عن هذا هو: الوجه الثاني والعشرون: وهو أن ما أخبرت به الرسل من الحق، ليس إيمان القلب مجرد العلم بذلك، فإنه لو علم بقلبه أن ذلك حق، وكان مبغضًا له وللرسول الَّذي جاء به ولمن أرسله، معاديًا لذلك، مستكبرًا عليهم، ممتنعًا عن الانقياد لذلك الحق، لم يكن هذا مؤمنًا مثابًا في الآخرة باتفاق المسلمين، مع تنازعهم الكثير في مسمى الإيمان ولهذا لم يختلفوا في كفر إبليس مع أنَّه كان عالمًا عارفًا، بل لا بد في الإيمان من علم في القلب، وعمل في القلب - أيضًا، ولهذا كان عامة أئمة المرجئة الذين يجعلون الإيمان مجرد ما في القلب، أو ما في القلب واللسان، يدخلون في ذلك محبة القلب وخضوعه للحق، لا يجعلون ذلك مجرد علم القلب، ولفظ التصديق يتناول العلم الَّذي في القلب، ويتناول -أيضًا- ذلك العمل في القلب الَّذي هو موجب العلم ومقتضاه، فإنه يقال: صدق ¬

_ = -في ذلك السفر الَّذي كان فيه مع عمه- فأرادوه فردهم عنه بحيرى، وذكرهم بما يجدون في الكتاب من ذكره وصفته. ولصفية بنت حيي بن أخطب النضرية - رضي الله عنها - قبل زواجها برسول الله - صلى الله عليه وسلم - قصة، فقد رأت في منامها، كان قمر السماء قد سقط في حجرها، فقصت رؤياها على ابن عمها -زوجها- فلطم وجهها، وقال: أتتمنين ملك يثرب أن يصير بعلك؟ فما كان إلَّا مجيء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحصاره إياهم، فكانت صفية في جملة السبي، وزوجها في جملة القتلى، ثم تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. انظر بتصرف: المغازي -للواقدي- 2/ 674، 675. والبداية والنهاية -لابن كثير- 4/ 219. (¬1) في س: قبل.

علمه بعمله، وذلك لأن وجود العلم مستلزم لوجود هذا العمل الَّذي في القلب، الَّذي هو إسلام القلب بمحبته وخشوعه، فإذا عدم مقتضى العلم فإنه قد يزول العلم (¬1) من القلب بالكلية، ويطبع على القلب حتَّى يصير منكرًا لما عرفه، جاهلًا بما كان يعلمه، وهذا العلم وهذا العمل (¬2) كلاهما يكون من معاني الألفاظ. فلفظ الشهادة والإقرار والإيمان والتصديق ينتظم (¬3) هذا (¬4) كله، لكن لفظ الخبر والنبأ ونحو ذلك هو العلم، وإن استلزم هذا الأعمال فهو كما يستلزم العلم لذلك، فإذا قال أحد هؤلاء العالمين الجاحدين الذين ليسوا بمؤمنين: محمد (¬5) رسول الله، كقول (¬6) أولئك اليهود وغيرهم، فهذا خبر محض مطابق لعلمهم الَّذي قال الله فيه: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (¬7) لكن كما لا ينفعهم مجرد العلم لا ينفعهم مجرد الخبر، بل لا بد أن يقترن بالعلم في الباطن مقتضاه من العمل الَّذي هو المحبة والتعظيم والانقياد ونحو ذلك، كما أنَّه لا بد أن يقترن بالخبر الظاهر مقتضاه من الاستسلام والانقياد وأصل الطاعة (¬8)، فهؤلاء الذين يعلمون الحق الَّذي بعث الله به رسوله - ولا يؤمنون به ويقرون به، يوصفون بأنهم كفار وبأنهم جاحدون، ويوصفون بأنهم مكذبون بألسنتهم، وأنهم يقولون بألسنتهم ¬

_ (¬1) فإنه قد يزول العلم: كررت في: س. وقد علق عليها الناسخ بكلمة: كذا. (¬2) في الأصل: العلم. وأثبت المناسب من: س، ط. (¬3) في ط: ينظم. (¬4) هذا: ساقطة من: س. (¬5) في الأصل: محمدًا. والمثبت من: س، ط. (¬6) في س: كقوله. (¬7) سورة البقرة، الآية: 146. (¬8) في س، ط: وأهل الطاعة.

خلاف ما في قلوبهم، وقد أخبر الله في كتابه أنهم ليسوا بمكذبين بما علموه، أي: مكذبين بقلوبهم وإن لم يكونوا مؤمنين مقرين مصدقين إذ (¬1) العبد يخلو في الشيء الواحد عن التصديق والتكذيب، والكفر أعم من التكذيب، فكل من كذب الرسول كافر وليس كل كافر مكذبًا، بل من يعلم (¬2) صدقه ويقر به، وهو مع ذلك يبغضه أو يعاديه كافر (¬3)، ومن (¬4) أعرض فليس (¬5) يعتقد لا صدقه ولا كذبه كافر، وليس بمكذب، وكذلك العالم بالشيء قد يخلو عن التكذيب به (¬6) عن التصديق به الَّذي هو مستلزم لعمل القلب، وإن لم يخل (¬7) عن التصديق الَّذي هو مجرد علم القلب. فأما أن يقوم بالقلب تصديق قولي غير العلم فهذا الَّذي ادعاه هؤلاء الشذاذ عن الجماعة، وهو مورد النزاع. ولهذا قال الجنيد بن محمد (¬8): "التوحيد قول القلب، والتوكل عمل القلب" (¬9). ¬

_ (¬1) في س: إذا. (¬2) في الأصل، س: تعلم. وأثبت المناسب لسياق الكلام من: ط. وهو نهاية التمزق المشار إليه في ص: 670، فقد سقط ما بين كلمة "كل كافر" وكلمة "يعلم"، وظهرت كلمات مقلوبة من الورقة اللاحقة. (¬3) في س: كافرًا. (¬4) في ط: أو من. (¬5) في س، ط: فلم. (¬6) به: ساقطة من: س، ط. (¬7) في الأصل، س: وأن لا يخلوا. وأثبت ما يصير به الكلام مفهوما من: ط. (¬8) هو: أبو القاسم الجنيد بن محمد بن جنيد الخزاز، ويقال: القواريري، شيخ الصوفية، أصله من نهاوند وولد ونشأ ببغداد، وسمع بها الحديث وتفقه على أبي ثور، واشتهر بصحبة الحارث المحاسبي، توفي سنة 298 هـ. انظر: تاريخ بغداد -للبغدادي- 7/ 241 - 249. والمنتظم -لابن الجوزي- 6/ 105، 106. والبداية والنهاية -لابن كثير- 11/ 128، 129. (¬9) قول الجنيد ذكره أبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء =

الوجه الثالث والعشرون: أن يقال: لا ريب أن النفس الذي هو القلب يوصف بالنطق والقول

وقال الحسن البصري (¬1): "ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلوب، وصدقه العمل" (¬2). وقال الحسن -أيضًا-: "ما زال أهل العلم يعودون بالتذكر على التفكر، وبالتفكر على التذكر (¬3)، ويناطقون القلوب حتَّى نطقت، فإذا لها أسماع وأبصار فنطقت بالحكمة، وأورثت العلم" (¬4). الوجه الثالث والعشرون: أن يقال: لاريب أن النفس الَّذي هو القلب يوصف بالنطق والقول، كما يوصف بذلك اللسان، وإن كان القول والنطق عند الإطلاق يتناول مجموع الأمرين، ولهذا كان من جعل النطق والقول هولما في اللسان فقط بمنزلة من جعله (¬5) لما في القلب فقط، ومن جعل اللفظ مشتركا بينهما فقد جمع البعيدين، بل أثبت النقيضين، فإنه يجعل اللفظ الشامل لهما مانعًا من كل منهما، فإنه إذا قال: أريد به هذا وحده، أو هذا وحده، مع أن اللفظ أريد به كلاهما كان نافيًا لكل منهما في حال ¬

_ = 10/ 256 بلفظ: ". . . فالتوكل عمل القلب، والتوحيد قول العبد، فإذا عرف القلب التوحيد وفعل ما عرف فقد تم. . . ". (¬1) هو: أبو سعيد الحسن بن يسار البصري، من التابعين، إمام أهل البصرة، وحبر الأمة في زمانه، وثقه العجلي وغيره، وقال عنه الذهبي: كان ثقة في نفسه حجة رأسًا في العلم والعمل عظيم القدر. . " توفي سنة 110 هـ. انظر: وفيات الأعيان -لابن خلكان- 2/ 69 - 73. وميزان الاعتدال -للذهبي- 1/ 527. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 2/ 263 - 270. (¬2) راجع قول الحسن في: "الشريعة" للآجري - ص: 130 ز وكتاب "الزهد" للإمام أحمد بن حنبل - ص: 263. مع اختلاف يسير في اللفظ. (¬3) في س: وبالتذكر على التفكر. (¬4) لم أقف عليه. (¬5) من هنا يبدأ التمزق في الأصل في نصف صفحة تقريبًا، وأشرنا إلى نظيره في ص: 670 وسوف أشير إلى نهايته.

إثبات اللفظ له، وإنما اللفظ المطلق من القول والنطق والكلام ونحو ذلك يتناولهما جميعًا، كما أن لفظ الإنسان يتناول الروح والبدن جميعًا، وإن كان أحدهما قد يسمى بالاسم مفردًا، ومن لم يسلك هذا المسلك انهالت (¬1) عليه الحجج لما نفاه من الحق، فإن دلالة الأدلة الشرعية واللغوية والعرفية على شمول الاسم لهما، وعلى تسمية أحدهما به أكثر من أن تحصر. لكن هذا النطق والكلام الَّذي هو معنى الخبر القائم بالنفس هل هو شيء مخالف للعلم (¬2) ممكن أن يكون ضدًّا له؟ أو هو هو؟ أو هو مستلزم (¬3) له؟ فدعوى إمكان مضادته للعلم (¬4) مما يحس الإنسان بنفسه (¬5) خلافه، ودعوى مغايرته للعلم -أيضًا- فإن الإنسان لا يحس من نفسه بنسبتين جازمتين كل منهما يتناول المفردين أحدهما علم والأخرى غير العلم (¬6). ولهذا لم يتنازع في ذلك لا المسلمون (¬7) ولا من قبلهم من الأمم، حتَّى أهل المنطق الذين يثبتون نطق النفس ويسمونها النفس الناطقة هم عند التحقيق يردون ذلك إلى العلم والتمييز (¬8). ولهذا لما أراد حاذق الأشعرية المستأخرين أبو الحسن الآمدي (¬9) ¬

_ (¬1) في جميع النسخ: وإلا انهالت. والكلام يفهم بدون: وإلا. (¬2) في الأصل: للعالم. وهو تصحيف. والمثبث من: س، ط. (¬3) نهاية التمزق الَّذي أشرنا إلى بدايته في الحاشية (5) من الصفحة السابقة. (¬4) في الأصل: العالم. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط. (¬5) في الأصل: لنفسه. وأثبت المناسب للسياق من: س، ط. (¬6) في ط: علم. (¬7) في ط: المسلمين. (¬8) راجع رأيهم في النفس الناطقة، وحججهم في المواقف -للآيجي- ص: 258، 259. (¬9) هو: أبو الحسن علي بن أبي علي محمد بن سالم الثعلبي الآمدي، الملقب =

حد العلم عند الآمدي

أن يحد العلم بعد أن تعقب حدود الناس بالإبطال (¬1)، ورد قول من زعم أنَّه غني عن الحد (¬2)، وأنه (¬3) يعرف بالتقسيم والتمثيل. قال (¬4): هو صفة جازمة قائمة بالنفس يوجب لمن قام به ¬

_ = بسيف الدين، الأصولي المتكلم أحد أئمة الأشاعرة وصاحب التصانيف في المذهب الأشعري، توفي سنة 631 هـ. راجع: طبقات الشافعية -للسبكي- 8/ 306، 307. وشذرات الذهب -لابن العماد- 5/ 144، 145. والأعلام -للزركلي- 5/ 153. (¬1) راجع تعقب الآمدي لحدود الناس للعلم في كتابه "أبكار الأفكار" - مخطوط في دار الكتب المصرية تحت رقم 1603 - علم الكلام - الجزء الأول - اللوحات 1 - 16. والكتاب حقق الجزء الأول منه د. أحمد المهدي محمد المهدي للحصول به على درجة الدكتوراة. ولم أقف على الكتاب بعد تحقيقه إلّا على الجزء المتعلق بالدراسة. (¬2) ذهب القاضي -أحد أئمة الأشاعرة- إلى أن الحد راجع إلى قول الحاد المبني عن حقيقة المحدود وصفته، معتمدًا في ذلك على أنَّه لو كان الحد هو الحقيقة لصدق إطلاق الحد على كل ما يصدق عليه إطلاق الحقيقة، وهو غير مطرد في حق الله تعالى حيث يقال له حقيقة ولا يقال له حد. وقد رد عليه الآمدي في أبكار الأفكار -اللوحة 17 من الجزء الأول زعمه هذا واختار أن الحد لا يكون بنفس الحقيقة، بل بما هو خارج عنها، وهو دليل عليها. (¬3) في س، ط: أو أنَّه. (¬4) في الأصل، س: وقال. والمثبت من: ط. وهو المناسب للسياق. وقد ورد في "أبكار الأفكار" الجزء الأول - اللوحة 2 - قوله: ". . والأشبه في تحديده أن يقال: العلم عبارة عن حصول صورة معنى في النفس لا يتطرّق إليه في النفس احتمال كونه على غير الوجه الَّذي حصل عليه، ونعني بحصول المعنى في النفس تميزه في النفس عما سواه، وتدخل فيه العلم بالإثبات والنفي والمفرد والمركب وتخرج عنه الاعتقادات والظنون. . ". وذكر محقق الجزء الأول من "أبكار الأفكار" في القسم الخاص بالدراسة ص: 133، أن الآمدي بعد ذكره لتعريفات إمام الحرمين والغزالي والرازي ومناقشتها قال: "والأشبه في تحديده أن يقال: العلم عبارة عن صفة يحصل بها =

تمييزًا (¬1). ومعلوم أنَّه إذا (¬2) كان في النفس معنى للخبر غير العلم فهذا الحد منطبق عليه، ولهذا لما قسم الأولون والآخرون العلم إلى تصور وتصديق (¬3) وجعلوا التصور هو العلم بالمفردات الَّذي هو مجرد تصورها، والتصديق العلم بالمركبات الخبرية من النفي والإثبات، فسموا العلم بذلك تصديقًا (¬4) وجعلوا نفس العلم هو نفس التصديق، ولو كان في النفس تصديق لتلك القضايا الخبرية ليس هو العلم، لوجب الفرق بين العلم بها وتصديقها ولا ريب أن هذا العلم والتصديق قد يعتقده الإنسان، فيعقله ويضبطه ويلتزم موجبه، وقد لا يعتقده ولا يعقله ¬

_ = لنفس المتصف تمييز حقيقة ما غير محسوسة في النفس. . ". (¬1) في الأصل: بها ميزا. وفي س: به ميزا. وأثبت المناسب لسياق الكلام من: ط. (¬2) في س، ط: إن. (¬3) قال الآمدي في أبكار الأفكار الجزء الأول - الورقة رقم 3: "ومن قال بالفرق بين التصور والتصديق فقد احتج بحجج، وقد أبطلناها في دقائق الحقائق". ومراده أنَّه أبطلها في كتابه "دقائق الحقائق". وهذا الكتاب -مخطوط في مكتبة جامعة برنستون بأمريكا- ذكر ذلك د. أحمد المهدي - محقق الجزء الأول من كتاب "أبكار الأفكار" - راجع القسم الأول- دراسة الكتاب - ص: 94. (¬4) يقول الآيجي في "المواقف" ص: 11: "المرصد الثالث في أقسام العلم، وفيه مقاصد: المقصد الأول: أنَّه إن خلا عن الحكم فتصور وإلا فتصديق، وهما نوعان متمايزان بالذات، وباعتبار اللازم المشهور، وهو احتمال الصدق والكذب وعدمه". وقد بين الجرجاني في شرحه للمواقف - 1/ 87، 88: أن المتبادر أن التصديق هو الإدراك المقارن للحكم، كما تقتضيه عبارة المتأخرين لا نفس الحكم، كما هو مذهب الأوائل، ولا المجموع المركب منه ومن تصورات النسبة وطرفيها، كما اختاره أبو عبد الله الرازي.

الوجه الرابع والعشرون: أن ما ذكروه في إثبات معنى الأمر والخبر ليس هو العلم ولا الإرادة

و [لا] (1) يضبطه و [لا] (¬1) يلتزم موجبه، فالأول هو المؤمن، والثاني هو الكافر - إذا كان ذلك فيما جاءت به الرسل عن الله ليس كل من علم شيئًا عقله واعتقده، أي: ضبطه وأمسكه والتزم موجبه، كما أنَّه ليس كل من اعتقد شيئًا كان عالمًا به، فلفظ العقد والاعتقاد شبيه بلفظ العقل والاعتقال، ومعنى كل منهما يجامع (¬2) العلم تارة، ويفارقه أخرى، فمن هنا قد يتوهم أن في النفس خبرًا غير العلم، ولفظ العقد والعقل لما كان جاريًا على من يمسك العلم فيعيه (¬3)، ويحفظه تارة ويعمل بموجبه كان مشعرًا بأنه يوصف بذلك تارة، وبضده تارة، وهو الخروج عن العلم وعن موجبه، وقد يستعمل اللفظ فيمن يمسك بما ليس بعلم (¬4)، ومن هذين الوجهين امتنع أن يوصف الله بالاعتقاد، فإنه - سبحانه - عالم لا يجوز أن يفارقه علمه، ولا يعتقد ما ليس بعلم، فوصفه به يدل على جواز وصفه بضد العلم، ولفظ الفقه ولفظ الفهم كلاهما يستلزم علمًا مسبوقًا بعدمه، وهذا في حق الله ممتنع. الوجه الرابع والعشرون: أن ما ذكروه في إثبات أن معنى الأمر والخبر ليس هو العلم ولا الإرادة، وما يتبع ذلك من ضرب المثل بأمر الامتحان وخبر الكاذب. يقال في ذلك: لا ريب أن الكاذب المخبر يقدر في نفسه الشيء على خلاف ما هو به، ويخبر به بلسانه، لكن ذلك المقدر هو تقدير العلم، فإن الخبر الصدق الَّذي يعلم صاحبه أنَّه صدق لما كان معناه العلم ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: ط. لتوضيح المعنى. (¬2) في الأصل: بجامع. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط. (¬3) في الأصل: فيعيد. وفي س: فيعيبه. وهو خطأ. والمثبت من: ط. (¬4) في الأصل: يعلم. والمثبت من: س، ط.

المطابق للخارج، فالمخبر الكاذب الَّذي يعلم أنَّه كاذب قدر في نفسه تقديرًا مضاهيًا للعلم، فإن تقدير الموجود معدومًا، والمعدوم موجودًا في الأذهان واللسان أكثر من أن تحصر (¬1)، فمعنى خبره هو علم مقدر لا علم محقق أن (¬2) مخبر الخبر في الخارج وجود مقدر لا وجود محقق، والمقدر ليس بمحقق لا في الذهن ولا في الخارج، لكن لما قدر هو أنَّه عالم قدر -أيضًا- وجود المخبر في الخارج، والمستمع لما اعتقد صدقه وحسب أنَّه صادق (¬3) وأن لما قاله حقيقة، لم يظنه مقدرًا بل حسبه محققًا، وكل اعتقاد فاسد تقديرات (¬4) ذهنية لا حقيقة لها في الخارج، وهي أخبار واعتقادات وإن لم تكن علومًا (¬5)، لكن هي في الصورة من جنس المحقق، كما أن لفظ الكاذب من جنس لفظ الصادق، وخطه من جنس خطه، فهما متشابهان في الدلالة خطًا ولفظًا وعقدًا. فكذلك أمر الممتحن، هو في الحقيقة ليس بطالب ولا مريدٍ أصلًا، بل هو مقدر لكونه طالبًا مريدًا، لأنه يظهر بتقدير ذلك من طاعة المأمور وامتثاله ما يظهر بتحقيقه، ثم إظهار ذلك هو من باب المعاريض قد يجوز ذلك، وقد لا يجوز، مثل أن يفهم المتكلم للمستمع معنى لم يرده المتكلم، واللفظ قد يدل عليه بوجه ولا يدل عليه بوجه، فمعناه في نفسه هو الَّذي لا يفهمه المستمع، ومفهوم المستمع شيء آخر، وكذلك الممتحن مدلول الصيغة في نفسه طلب مقدر (¬6) وإرادة مقدرة، وبالنسبة ¬

_ (¬1) في ط: يحصر. (¬2) في ط: لأن. (¬3) في س، ط: وحسبانه صادق. (¬4) في س: تقريرات. (¬5) في الأصل: معلومًا. وأثبت ما رأيته مناسبًا للكلام من: س، ط. (¬6) في الأصل: طلبًا مقدرًا. والمثبث من: س، ط.

الوجه الخامس والعشرون: أن يقال لهم: أنتم قررتم أن اللفظ المشهور لا يجوز أن يكون موضوعا لمعنى دقيق لا يدركه إلا الخواص

إلى المستمع طلب محقق وإرادة محققة، إذا لم يعلم باطن (¬1) الأمر، وكذلك مدلول الصيغة عند الكذاب هو ما اختلقه، والاختلاق: هو التقدير، وهو ما قدره في ذهنه مما ليس له حقيقة، وعند المستمع هو ما يجب أن يعنى باللفظ من المعاني المحققة. الوجه الخامس والعشرون: أن يقال لهم: أنتم قررتم في أصول الفقه (¬2) أن اللفظ المشهور الَّذي تتداوله الخاصة والعامة، لا يجوز أن يكون موضوعًا لمعنى دقيق لا يدركه إلّا خواص الناس، وهذا حق، وذلك لأن تكلم الناس باللفظ الَّذي له معنى يدل على اشتراكهم في فهم ذلك المعنى خطابًا وسماعًا، فإذا كان ذلك المعنى لا يفهمه إلّا بعض الناس بدقيق الفكرة، امتنع أن يكون ذلك المعنى هو المراد بذلك اللفظ، لأن معنى ذلك اللفظ يعرفه العامة والخاصة بدون فكرة دقيقة، وقد مثلوا ذلك بلفظ الحركة، هل هو (¬3) اسم لكون الجسم متحركًا؟ أو لمعنى يوجب كونه متحركًا؟ وإذا كان كذلك فمن المعلوم أن أظهر الأسماء ومسمياتها هو اسم (¬4) القول والكلام والنطق، وما يتفرع من ذلك كالأمر والنهي والخبر والاستخبار، إذ أظهر صفات الإنسان هو النطق، كما قال تعالى: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ ¬

_ (¬1) في س: با. . . ثم بياض بقدر كلمة. ويبدو أنَّه سهو من الناسخ. (¬2) وقد عقد الرازي لذلك مبحثًا في كتابه "المحصول في علم أصول الفقه" 1/ 1 / 271 - 273 قال فيه: "المبحث الرابع: في أن اللفظ المشهور المتداول بين الخاصة والعامة لا يجوز أن يكون موضوعًا لمعنى خفي لا يعرفه إلَّا الخواص، مثاله ما يقوله مثبتوا الأحوال من المتكلمين: أن الحركة معنى يوجب للذات كونه متحركًا. . . ". (¬3) في الأصل: هو هل. وهو سهو من الناسخ والمثبت من: س وط. (¬4) في س: هذا سم.

مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} (¬1)، والألفاظ الدالة على هذه المعاني من أشهر الألفاظ، ومعانيها من أظهر المعاني في قلوب العامة والخاصة. والمعنى الَّذي يقولون: إنه هو الكلام (¬2)، إما أن يكون باطلًا لا حقيقة له وراء العلم والإرادة واللفظ الدال عليهما، أو يكون له حقيقة، فإن لم تكن له حقيقة بطل قولكم بالكلية، وإن كانت له حقيقة فلا ريب أنها حقيقة مشتبهة متنازع فيها نزاعًا عظيمًا (¬3)، وأكثر طوائف أهل القبلة وغيرهم لا يعرفونها، ولا يقرون (¬4) بها، وإذا أثبتموها إنما تثبتونها بأدلة خفية (¬5) بل قد يعترفون أن معرفة هذه الحقيقة في الشاهد غير ممكن، ولكن يدعون ثبوتها في الغائب، وإذا كان كذلك فمن الممتنع ¬

_ (¬1) سورة الذاريات، الآية: 23. (¬2) الأشاعرة يقولون: إن الله ليس بمتكلم بالكلام الَّذي هو الحروف والأصوات، بل زعموا أنَّه متكلم بكلام النفس - أي المعنى القائم بالنفس. يقول الرازي في كتابه "محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين" ص: 174: ". . وأما المعنى الَّذي يقول أصحابنا فهو غير مجمع عليه، بل لم يقل به أحد إلا أصحابنا". ورأي الأشاعرة في مسألة الكلام مفصل في الدراسة لمسائل الكتاب. والشيخ -رحمه الله- سوف يناقشهم في هذا المعنى الَّذي أثبتوه، ويبين أنَّه قول لم يعرف قبل ابن كلاب، وبعد الأشعري، وهم أثبتوا كلام الله بالأمر والنهي والخبر بالإجماع والنقل عن الأنبياء، وما ثبت بالإجماع والنقل هو الكلام الَّذي تسميه العامة والخاصة كلامًا دون هذا المعنى، وأنه تكلم بالقرآن كله حروفه ومعانيه، وهذا يدل على فساد قولهم وبطلانه. (¬3) وممن نازع في ذلك المعتزلة، فهم يقولون: إن معنى كونه متكلمًا، بيان له كلامًا بيانه فاعل للكلام، وذلك صفة فعليه لا صفة نفسية فانكروا الكلام النفسي ولهم أدلة على ذلك ناقشهم فيها الأشاعرة، وذكرها كل من: الآمدي -في غاية المرام في علم الكلام- ص: 94 - 101. والرازي -في المحصل- ص: 173. والجويني -في الإرشاد- ص: 104. (¬4) في س: يقرن. (¬5) في الأصل: خفيفة. ولعل ما أثبت من: س، ط يناسب السياق.

الوجه السادس والعشرون: أن ثبوت كلام الله بالأمر والنهي والخبر أثبتموه بالإجماع والنقل المتواتر عن الأنبياء

أن يكون ذلك هو المراد من لفظ الكلام والقول والأمر والنهي، الَّذي لفظه ومعناه من أشهر المعارف عند العامة والخاصة، فعلم أن الَّذي قلتموه باطل بلا ريب. الوجه السادس والعشرون: أن ثبوت الكلام لله بالأمر والنهي والخبر أثبتموه (¬1) بالإجماع، والنقل المتواتر (¬2) عن الأنبياء -عليهم السلام- ومن المعلوم أن هذا المعنى الَّذي (¬3) ادعيتم أنَّه معنى كلام الله، لم يظهر في الأمة إلّا من حين حدوث ابن كلاب ثم الأشعري بعده، إذ قبل (¬4) [قول] (¬5) ابن كلاب لا (¬6) يعرف في الأمة أحد فسر كلام الله بهذا. ولهذا لما ذكر الأشعري اختلاف الناس في القرآن، وذكر أقوالًا كثيرة (¬7) فلم يذكر هذا القول إلّا عن ابن كلاب، وجعل له ترجمة فقال (¬8): هذا قول عبد الله بن كلاب. قال عبد الله بن كلاب: إن الله لم يزل متكلمًا، وإن كلام الله صفة ¬

_ (¬1) في الأصل: أثبتوه. وأثبت ما رأيته مناسبًا لسياق الكلام من: س، ط. (¬2) ذكر الإجماع والنقل المتواتر عن الأنبياء - عليهم السلام - الآيجي في كتابه "المواقف في علم الكلام" ص: 293. ونص على الإجماع -أيضًا- عبد القاهر البغدادي في كتابه "أصول الدين" ص: 106، والباقلاني في "التمهيد" ص: 238، 239. وانظر: نهاية العقول - مخطوط - للرازي - اللوحة رقم 798. (¬3) في س: والذي. (¬4) في الأصل: إذا قيل. وفي س: إذ قيل. وهو تصحيف فيهما. والمثبت من: ط. (¬5) ما بين المعقوفتين زيادة من: ط. (¬6) في ط: ولا. (¬7) راجع هذه الأقوال في "مقالات الإسلاميين" للأشعري - 2/ 256 - 259. (¬8) الأشعري في المقالات - 2/ 257، 258.

له قائمة به، وإنه قديم بكلامه، وإن كلامه قائم به، كما أن العلم قائم به، والقدرة قائمة به، وهو قديم بعلمه وقدرته، وإن الكلام ليس بحرف (¬1) ولا صوت، ولا ينقسم ولا يتجزأ ولا يتبعض ولا يتغاير، وإنه معنى واحد (¬2) بالله تعالى، وإن الرسم هو الحروف المتغايرة، وهو قراءة القارئ (¬3)، وإنه خطأ (¬4) أن يقال: إن كلام الله هو هو أو بعضه أو غيره، وإن العبارات عن كلام الله تختلف وتتغاير [وكلام الله ليس بمختلف ولا متغاير، كما أن ذكرنا لله مختلف ومتغاير] (¬5) والمذكور لا يختلف ولا يتغاير وإنما سمي كلام الله عربيًّا، لأن الرسم الَّذي هو العبارة عنه -وهو قراءته- عربي فسمي عربيًّا لعلة، وكذلك سمي عبرانيًّا لعلة (¬6)، وكذلك سمي أمرًا لعلة، وسمي نهيًا لعلة، وخبرًا لعلة، ولم يزل الله متكلمًا قبل أن يسمي كلامه أمرًا، وقبل وجود العلة التي بها (¬7) سمى الله (¬8) كلامه أمرًا، وكذلك القول في تسميته نهيًا (¬9) وخبرًا، وأنكر أن يكون البارئ لم يزل مخبرًا ولم يزل ناهيًا". ثم يقال: ولو قدر أنَّه لم يحدثه، فلا ريب أنَّه (¬10) معنى خفي مشكل متنازع في وجوده، وإنما يتصور وجوده بالأدلة الخفية، وإذا كان ¬

_ (¬1) في المقالات: بحروف. (¬2) في ط: واحد قائم. (¬3) في المقالات: القرآن. (¬4) في س: خط. وهو تصحيف. (¬5) ما بين المعقوفتين ساقط من: س. وقد ورد في المقالات:. . . ذكرنا لله يختلف ويتغاير. (¬6) في المقالات:. . . لعلة وهي أن الرسم الَّذي هو عبارة عنه عبراني. . . (¬7) في المقالات: لها. (¬8) لفظ الجلالة: لم يرد في: س، ط، والمقالات. (¬9) في المقالات: تسمية كلامه نهيًا. (¬10) في الأصل: أن. وأثبت ما يستقيم به الكلام من: س، ط.

الذي انعقد عليه الإجماع ونقله أهل التواتر عن المرسلين هو الكلام الذي تسميه الخاصة والعامة كلاما دون هذا المعنى

كذلك فالذين نقلوا عن الأنبياء - عليهم السلام - أن الله يتكلم ويأمر وينهى، والذين أجمعوا على ذلك، إذا لم يذكر أحد منهم أنَّه أراد هذا المعنى الخفي المشكل الَّذي ليس يتصور بحال، أو لا يتصور إلا بشدة عظيمة، لم يجز أن يقال: إنهم كانوا متفقين على نقل هذا المعنى والإجماع عليه، ولم يجز أن يقال: إنهم أجمعوا على ثبوت معنى لا يفهمونه، ونقلوا عن الأنبياء -عليهم السلام- أن الله تعالى يتكلم ويقول، وهم لا يفهمون معنى لفظ الكلام والقول، فإن هذا -أيضًا- معلوم الفساد بالضرورة. وإذا بطل القسمان (¬1)، علم أن الَّذي انعقد عليه الإجماع، ونقله أهل التواتر عن المرسلين، هو الكلام الَّذي تسميه الخاصة والعامة كلامًا، دون هذا المعنى، والله - سبحانه - أعلم. وهذا بين واضح يدل على فساد مذهب المخالف، وعلى صحة مذهب أهل السنة، وبمثل هذا الوجه - يبطل -أيضًا- مذهب الجهمية من المعتزلة (¬2) ونحوهم، فإن كون الكلام يكون منفصلًا عن المتكلم قائمًا بغيره، مما لا تعرف العامة والخاصة أنَّه يكون كلامًا للمتكلم، وإن أثبت ذلك فإنما يثبت بأدلة خفية (¬3) مشكلة. وإذا كان أهل التواتر نقلوا أن الله تكلم بالقرآن، وأجمع المسلمون ¬

_ (¬1) وهما: الاتفاق على نقل معنى خفي مشكل لا يتصور بحال، أو يتصور بشدة عظيمة وأدلة خفية. والقسم الآخر: الإجماع على ثبوت معنى لا يفهمونه، وكلاهما باطل كما ذكر الشيخ -رحمه الله. (¬2) المعتزلة لهم رأي شاذ في مسألة كلام الله تعالى، ولمعرفة أقوالهم بالتفصيل، ومناقشتها وبيان بطلانها تراجع الدراسة لأهم مسائل هذا الكتاب وذكره هناك يغني عن الإعادة هنا. (¬3) في س: حقية. وهو تصحيف.

الوجه السابع والعشرون: أنه قد اشتهر عن العامة والخاصة اتفاق السلف على أن القرآن كلام الله

على ذلك، ولم يجز إرادة هذا المعنى، علم أن التواتر (¬1) والإجماع إنما هو على المعنى المعروف، وهو: أنَّه - سبحانه - تكلم بالقرآن كله حروفه ومعانيه، وإن المتكلم لا بد أن يقوم به كلامه وإن كان يتكلم (¬2) إذا شاء. الوجه السابع والعشرون: أن يقال: لا ريب أنَّه قد اشتهر عند العامة والخاصة اتفاق السلف على أن القرآن كلام الله، وأنهم أنكروا على من جعله مخلوقًا خلقه الله كما خلق سائر المخلوقات من السماء والأرض، كما يقوله الجهمية، حتَّى قال علي بن عاصم (¬3) لرجل: أتدري ما يريدون بقولهم القرآن مخلوق؟ يريدون أن الله - عَزَّ وَجَلَّ - لا يتكلم، وما الذين قالوا: إن لله ولدًا بأكفر من الذين قالوا: إن الله لا يتكلم، لأن الذين قالوا لله [ولد] (¬4) شبهوه بالأحياء، والذين قالوا: لا يتكلم شبهوه بالجمادات. وأنتم فلا ريب كلما (¬5) يقول هؤلاء: إنه مخلوق، تقولون (¬6): إنه مخلوق لا تنازعونهم (¬7) في أن الكلام الَّذي يقولون هو مخلوق تقولون (¬8) أنتم -أيضًا- إنه مخلوق، فالذي قال هؤلاء إنه مخلوق إما أن يكون مخلوقًا أو لا يكون فإن لم يكن مخلوقًا كنتم أنتم وهم ضالين، حيث ¬

_ (¬1) في الأصل: علم بالتواتر. وأثبت ما رأيته مناسبًا للكلام من: س، ط. (¬2) في الأصل: المتكلم. والكلام يستقيم بالمثبت من: س، ط. (¬3) تقدم التعريف به ص: 278. وقد ذكر البخاري في "خلق أفعال العباد" ص: 32 بعض قوله هذا. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. وردت في س: ولدًا. (¬5) في س، ط: أن كلما. (¬6) في الأصل، س: يقولون. وأثبت ما يناسب سياق الكلام من: ط. (¬7) في الأصل: لا ينازعونهم. وأثبت ما يناسب الكلام من: س، ط. (¬8) في ط: بل تقولون.

حكمتم (¬1) بخلقه، وإن كان مخلوقًا لم يجز ذم من قال: إنه مخلوق ولا عيبه (¬2) بذلك، ولا يقال: إنه جعل كلام الله الَّذي ليس بمخلوق مخلوقًا، ولا إنه جعل كلام الله في المخلوق، ولا إنه جعل الشجرة هي القائلة: إنني أنا الله، ونحو ذلك من الأقوال التي وصف بها السلف مذهب الجهمية، كما قال عبد الله بن المبارك (¬3): "من قال: إنني (¬4) أنا الله لا إله إلَّا أنا مخلوق فهو كافر، ولا ينبغي لمخلوق أن يقول ذلك". وقال سليمان بن داود الهاشمي (¬5): "من قال إن (¬6) القرآن مخلوق فهو كافر، وإن كان القرآن مخلوقًا كما زعموا، فلم صار فرعون أولى بأن يخلد في النار إذ قال: {أَنَاْ رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} (¬7). وزعموا (¬8) أن هذا مخلوق، و [الَّذي] (¬9) قال: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إلا أَنَا فَاعْبُدْنِي} (¬10) [هذا أيضًا] (¬11) قد (¬12) ادعى ما ¬

_ (¬1) في س: حكمهم جميعًا. وفي ط: حكمتم جميعًا. (¬2) في الأصل: صيبه. وأثبت المناسب للمعنى من: س، ط. (¬3) قول ابن المبارك أورده البخاري في خلق أفعال العباد ص: 31. (¬4) في س: ايتي. وهو تصحيف. (¬5) قول الهاشمي في خلق أفعال العباد -للبخاري- ص: 36. (¬6) إن: ساقطة من: خلق أفعال العباد. (¬7) سورة النازعات، الآية: 24. (¬8) في ط: ومن زعم. (¬9) ما بين المعقوفتين زيادة من: خلق أفعال العباد. يقتضيها السياق. وقد ورد في ط: مخلوق وقول. وقد تقدم في جميع النسخ بعد قوله: {أَنَاْ رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} "وقال غيره" {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إلا أَنَا فَاعْبُدْنِي}. راجع ص: 278 من هذا الكتاب. (¬10) سورة طه، الآية: 14. (¬11) ما بين المعقوفتين زيادة من: خلق أفعال العباد. وكذلك من: الأصل، س، ط: في غير هذا الموضع. راجع ص: 278. (¬12) في جميع النسخ: فقد. والمثبت من: خلق أفعال العباد.

ادعى (¬1) فرعون، فلم صار فرعون أولى بأن يخلد في النار من هذا؟ وكلاهما (¬2) عنده مخلوق، ووافقه أبو عبيد (¬3) على مثل هذا (¬4) واستحسنه [وأعجبه] (¬5). وغاية ما يعاب به عندكم أنَّه نفي عن الله معنى آخر يثبتونه (¬6) له، وذاك (¬7) المعنى أكثر الناس لا يتصورونه، لا المعتزلة (¬8) ولا غيرهم، فضلًا عن أن يحكموا عليه بأنه مخلوق، وذلك المعنى لا يتصور أن يقوم بالشجرة ولا غيرها، حتَّى تكون الشجرة هي القائلة له، والسلف لم يعيبوهم (¬9) بهذا، ولا قالوا لهم ما ذكرتم أنَّه مخلوق، فهو مخلوق لكن ثم (¬10) معنى آخر ليس بمخلوق، ولا قالوا هذا الَّذي قلتم إنه مخلوق، ¬

_ (¬1) في س: ما الدعي. (¬2) في س، ط: وكلامهما. وتقدم في غير هذا الموضع في النسختين كما هو مثبت. راجع 278، وفي خلق أفعال العباد: وكلًّا منهما. (¬3) في خلق أفعال العباد: فأخبر بذلك أبو عبيدة. وكذا في جميع النسخ في الموضع المشار إليه في الحاشية السابقة. (¬4) على مثل هذا: ساقطة من: خلق أفعال العباد. وساقطة من جميع النسخ في الموضع المشار إليه في ص: 278. (¬5) ما بين المعقوفتين زيادة من: خلق أفعال العباد. وفي جميع النسخ بياض بعد كلمة "استحسنه" بقدر كلمتين. ولعله ما أثبت. (¬6) في الأصل: يثبتون. والمثبت من: س، ط. وهو ما يناسب السياق. (¬7) في س، ط: وذلك. (¬8) بل إن محل النزاع بين المعتزلة والأشاعرة هو نفي المعنى القائم بالنفس وإثباته فالمعتزلة ينكرونه ولا يثبتونه. ولذا نجد الإيجي في "المواقف" ص: 294، بعد أن ذكر مذهب المعتزلة في كلام الله، وبين أنَّه لا نزاع بينهم وبين المعتزلة إلَّا في المعنى القائم بالنفس يقول: ". . وما نقوله من كلام النفس فهم ينكرون ثبوته. . ". (¬9) في الأصل: لا يعيبونهم. والمثبت من: س، ط. (¬10) ثم: ساقطة من: س.

الوجه الثامن والعشرون: أن الأمة إذا اختلفت في مسألة على قولين لم يكن لمن بعدهم إحداث قول ثالث

هو مخلوق لكنه ليس هو بكلام الله، ولا نحو ذلك، فإن كان هذا الَّذي قالوا هو مخلوق، هو مخلوق كما قالوا، ليس هو كلام الله وإنما كلام (¬1) الله معنى آخر، فلا ريب أن السلف مخطئون ضالون في هذه المسألة، فأحد الأمرين لازم، إما تضليلكم والمعتزلة، أو تضليل السلف، والثاني ممتنع فتعين (¬2) الأول يؤيد هذا. الوجه الثامن والعشرون: وهو أن الأمة إذا اختلفت في مسألة على قولين: لم يكن لمن بعدهم إحداث قول ثالث (¬3)، فإذا لم يكن في صدر الأمة إلّا قول السلف وقول المعتزلة، تعين أن (¬4) يكون الحق في أحد القولين، ومن المعلوم بالشرع والعقل أن قول المعتزلة باطل للوجوه (¬5) الكثيرة منها: أن من تأمل كلام أهل الإجماع، وما نقل عن الأنبياء بالتواتر، علم بالاضطرار أنهم [إذا] (¬6) وصفوا الله بالكلام وصفوه بأنه هو يتكلم، لا أن الكلام يكون مخلوقًا له كالسماء والأرض وما فيهما، كما يقولون: كلام الله مثل أسماء الله، ويعلم باضطرار أن إضافة القول والكلام إلى الله ¬

_ (¬1) في ط: كلا. (¬2) فتعين: ساقطة من: س. (¬3) هذا هو رأي الجمهور في هذه المسألة، وخالفهم فيها بعض الحنفية وأهل الظاهر. يقول ابن قدامة في كتابه "روضة الناظر وجنة المناظر" ص: 75، 76، بعد أن أورد حجج المخالفين: "ولنا أن ذلك يوجب نسبة الأمة إلى تضييع الحق والغفلة عنه، فإنه لو كان الحق في القول الثالث كانت الأمة قد ضيعته وغفلت عنه وخلا العصر عن قائم لله بحجته ولم يبق منهم على أحد، وذلك محال". (¬4) في س: أنَّه. (¬5) في س: فلوجوه. (¬6) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. يقتضيها السياق.

الوجه التاسع والعشرون: أن السلف والمعتزلة جميعا اتفقوا على أن كلام الله ليس هو مجرد هذا المعنى الذي أثبتموه

ليس كإضافة الخلق إليه، وأن باب "قال" عند الأنبياء والمؤمنين غير باب "خلق"، وبطلان قول المعتزلة له موضع غير هذا، وإذا كان باطلًا، وقولهم -أيضًا- باطل (¬1)، تعين صحة مذهب السلف يؤكد (¬2) هذا. الوجه التاسع والعشرون: وهو أن السلف والمعتزلة جميعًا اتفقوا على أن كلام الله ليس هو مجرد هذا المعنى الَّذي تثبتونه أنتم، بل الَّذي سمته المعتزلة كلام الله وقالوا: إنه مخلوق، وافقهم السلف على أنَّه كلام الله، لكن قالوا: إنه غير مخلوق، وأنتم تقولون: إنه ليس بكلام الله، فكان قولك خرقًا لإجماع السلف والمعتزلة، وذلك خرق (¬3) لإجماع الأمة جميعها، إذ (¬4) لم يكن في عصر السلف إلّا هذان القائلان، ولم يكن في ذلك الزمان من يقول: إن القرآن الَّذي قالت المعتزلة: إنه مخلوق ليس هو كلام الله (¬5). ¬

_ (¬1) في س: باطلًا. (¬2) في الأصل، س: يتوكد. وأثبت المناسب للكلام من: ط. (¬3) في الأصل: خرقًا. وأثبت ما رأيته صوابًا من: س، ط. (¬4) في س، ط: إذا. (¬5) نقل الشهرستاني في نهاية الإقدام ص: 313 عن السلف هذا الاتفاق بينهم وبين المعتزلة، وأن الأشاعرة خرقوا الإجماع بقولهم، فقال: "قالت السلف والحنابلة: قد تقرر الاتفاق على أن ما بين الدفتين كلام الله وأن ما نقرؤه ونسمعه ونكتبه عين كلام الله، فيجب أن تكون الكلمات والحروف هي بعينها كلام الله، ولما تقرر الاتفاق على أن كلام الله غير مخلوق، فيجب أن تكون الكلمات أزلية غير مخلوقة، ولقد كان الأمر في أول الزمان على قولين: أحدهما: القدم. والثاني: الحدوث. والقولان مقصوران على الكلمات المكتوبة والآيات المقروءة بالألسن، فصار =

الوجه الثلاثون: أنه لا يحل لكم أن تحكوا عن المعتزلة أنهم قالوا: بخلق القرآن وبخلق كلام الله

الوجه الثلاثون: إنه لا يحل لكم أن تحكوا (¬1) عن المعتزلة أنهم قالوا بخلق القرآن، وبخلق كلام الله، كما يحكيه عنهم السلف وأئمة الحديث والسنة، وكما يقولون هم ذلك، وإن حكيتم ذلك عنهم فلا يحل لكم أن تذموهم بذلك كما ذموهم (¬2) السلف به، بل تمدحونهم بذلك كما يمدحون بذلك أنفسهم، فلا بد لكم من مخالفة السلف والمعتزلة جميعًا، أو مخالفة السلف وموافقة المعتزلة، وذلك لأن الَّذي قالت المعتزلة: إنه مخلوق، وأنتم تقولون: إنه مخلوق -أيضًا-، وذلك واجب عندكم، ومن قال عن ذلك إنه ليس بمخلوق فهو ضال عندكم أو كافر، ثم المعتزلة تسميه كلام الله وتقول كلام الله مخلوق، والسلف تسميه كلام الله وتقول (¬3) هو غير مخلوق، وأما أنتم فمع قولكم إنه مخلوق هل يطلق عليه كلام (¬4) الله ¬

_ = الآن إلى قول ثالث، وهو حدوث الحروف والكلمات، وقدم الكلام والأمر الَّذي تدل عليه العبارات. . فكانت السلف على إثبات القدم والأزلية لهذه الكلمات، دون التعرض لصفة أخرى وراءها. وكانت المعتزلة على إثبات الحدوث والخلقية لهذه الحروف والأصوات، دون التعرض لأمر وراءها. فأبدع الأشعري قولًا ثالثًا، وقضى بحدوث الحروف، وهو خرق الإجماع، وحكم بأن ما نقرؤه كلام الله مجازًا لا حقيقة، وهو عين الابتداع". انظر: محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين -للرازي- ص: 174. فقد بين أن المعنى القائم بالنفس لم يقل به إلا أصحابه. (¬1) في الأصل: تحكموا. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط. (¬2) كذا في جميع النسخ، وهي لغة. والأصح: ذمهم. (¬3) في س، ط: يقولون. (¬4) كلام: كررت في: س.

مجازًا وتنفي (¬1) الحقيقة، كمأ قاله جمهوركم؟ أو يقال: بل سمي كلام الله على الاشتراك بينه وبين غيره كما قاله بعضكم؟ على قولين (¬2): فإن قلتم بالأول: لزمكم أن لا تكون المعتزلة تعتقد في الحقيقة أن كلام الله مخلوق بحال، وإن تلفظوا بذلك بألسنتهم فهم مخطئون في هذا اللفظ، وهم بمنزلة من قال: إني زنيت بأمي، أو قتلت نبيًّا، ولم يكن المزني بها أمه، ولا المقتول نبيًّا، فهو مخطئ في هذا الظن فيما يحكيه عن نفسه، لكن هذا القول يظن القائل أنَّه به مذموم، والمعتزلة لا تذم أنفسها (¬3)، وإن كانت الجماعة تذمهم بذلك، فنظير ذلك أن يعتقد بعض الكفار أنَّه قد قتل إمام المسلمين، أو أخذ كتابًا فمزقه يظن أنَّه المصحف، أو قتل أقوامًا يظنهم (¬4) علماء المسلمين، وهو عند نفسه متدين بذلك، ولم يكن الأمر كذلك، وهكذا هم المعتزلة عندكم، فإنهم قالوا في الَّذي اعتقدوا أنَّه كلام الله: إنه مخلوق، فقلتم أنتم لا ريب أنَّه مخلوق كما لا ريب في قتل أولئك النفر وتمزيق ذلك ¬

_ (¬1) في الأصل، س: ينفي. وأثبت المناسب للكلام من: ط. (¬2) ذكرهما إمام الحرمين الجويني في "الإرشاد" ص: 108 فقال: ". . الطريقة المرضية عندنا أن العبارات تسمى كلامًا على الحقيقة، والكلام القائم بالنفس كلام، وفي الجمع بينهما ما يدرأ تشغيب المخالفين. ومن أصحابنا من قال: الكلام الحقيقي هو القائم بالنفس، والعبارات تسمى كلامًا تجوزًا كما تسمى علومًا تجوزًا، إذ قد يقول القائل: سمعت علمًا وأدركت علومًا، وإنما يريد إدراك العبارات الدالة على العلوم، ورب مجاز يشتهر اشتهار الحقائق". انظر: نهاية الإقدام -للشهرستاني- ص: 320، 321. أقول: ومرادهم بالعبارات هي ما تدل على الكلام القائم بالنفس -أي: المعنى- تارة، وما يصطلح عليه من الإشارات أخرى، فالعبارات عندهم غير المعنى القائم بالنفس. (¬3) في س، ط: أنفسها بذلك. (¬4) في س: بظنهم.

الوجه الحادي والثلاثون: أن هذا النقل عنهم إذا قيل إنه صحيح إما باعتبار المجاز واحد الحقيقتين، أو بإعتبار قصدهم فإنهم لا يذمون على القول بخلق ذلك عندهم

الكتاب، لكن هذا ليس كلام الله وإن اعتقدتم أنَّه كلام الله، وأن القول بخلقه تعظيم لله، كما اعتقد أولئك أن هؤلاء أئمة المسلمين وأن قتلهم عبادة لله، وأن هذا المصحف هو القرآن وتمزيقه عبادة لله، وإذا كان كذلك لم يجز أن يقال: إن هؤلاء قتلوا أئمة المسلمين، ولا مزقوا المصحف، وإن كانوا قصدوا ذلك واعتقدوه، فكذلك لا يجوز على أصلكم أن يقال: إن المعتزلة قالت: إن كلام الله مخلوق، وإن كانوا هم قصدوا ذلك واعتقدوه، فإن الَّذي قالوا (¬1): إنه مخلوق إن كان مجازًا فلم يحكموا على ما هو كلام الله في الحقيقة بأنه مخلوق. [وإن كان مشتركًا فهم إنما قالوا: إنه مخلوق] (¬2) بأحد المعنيين دون [الآخر، واللفظ المشترك لا يجوز إطلاقه بـ[إرادة] (¬3) أحد المعنيين] (¬4) بل هو عند الإطلاق مجمل، فلا يقال على هذا القول بأنهم قالوا: كلام الله مخلوق، ولا قالوا: إنه غير مخلوق، وهذا كله خلاف إجماع السلف والمعتزلة، ولم يكن قديمًا عندهم، فهو خلاف الإجماع مطلقًا. الوجه الحادي والثلاثون: إن هذا النقل عنهم إذا قيل: إنه صحيح إما باعتبار [المجاز] (¬5) وإحدى الحقيقتين، أو باعتبار قصدهم فإنهم لا يذمون على القول بخلق ذلك عندهم، بل يحمدون على ذلك، إذ أنتم وهم متفقون على ذلك، ¬

_ (¬1) في الأصل: قال. وأثبت المناسب للسياق من: س، ط. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من: ط. (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من: س. (¬5) ما بين المعقوفتين زيادة أرى أن الكلام يستقيم بها. وهو بياض في جميع النسخ بقدر كلمتين.

الجهمية أعظم قدحا في القرآن وفي السنن وفي إجماع الصحابة والتابعين من سائر أهل الأهواء

ومن المعلوم بالاضطرار أن السلف الذين أجمع المسلمون على إمامتهم في الدين ذموهم على ذلك، فإذا أنتم ذامون للسلف الذين أجمع المسلمون على إمامتهم في الدين وأنتم عند السلف وأئمة الدين مذمومون (¬1) وأنتم بذلك من جنس الرافضة والخوارج ونحوهم ممن يقدح في سلف الأمة وأئمتها، وهذا حق فإن قول هؤلاء من فروع قول الجهمية، وقول الجهمية فيه من التنقص والسب والطعن علي السلف والأئمة، وعلى السنة ما ليس في قول الخوارج والروافض، فإن الخوارج يعظمون القرآن ويوجبون اتباعه، وإن لم يتبعوا السنن المخالفة لظاهر القرآن، وهم يقدحون في علي وعثمان ومن تولاهما، وإن لم يقدحوا في أبي بكر وعمر. وأما الجهمية فإنها لا توجب، بل لا تجوز اتباع القرآن في باب صفات الله، كما يصرحون به كالرازي (¬2) ونحوهم من المعتزلة وغيرهم فضلًا عن أن يتبعوا السنن أو إجماع السلف، فالجهمية أعظم قدحًا في القرآن وفي السنن وفي إجماع الصحابة والتابعين من سائر أهل الأهواء، ولهذا تنازع العلماء من أصحابنا وغيرهم (¬3)، هل هم داخلون في الثنتين ¬

_ (¬1) في الأصل، ط: مذمون. وأثبت ما رأيته مناسبًا من: س. (¬2) في هامش س: يعني أبا حاتم الرازي، ولا تظن أنَّه يعني الفخر الرازي، لأنه من الأشاعرة. هو: أبو حاتم أحمد بن حمدان بن أحمد الورسامي الليثي الرازي. قال ابن حجر: ذكره ابن بابويه في تاريخ الري وقال: "كان من أهل الفضل والأدب والمعرفة باللغة، وسمع الحديث كثيرًا، وله تصانيف، ثم أظهر القول بالإلحاد وصار من دعاة الإسماعيلية، أضل جماعة من الأكابر". توفي سنة 322. انظر: لسان الميزان -لابن حجر- 1/ 164. والأعلام -للزركلي- 1/ 116. وطبقات المعتزلة -للقاضي عبد الجبار- ص: 370. (¬3) ذكر هذا النزاع شيخ الإسلام -رحمه الله- في الفتاوى 3/ 350، 351 فقال: وأما تعيين الفرق الهالكة فأقدم من بلغنا أنَّه تكلم في تضليلهم يوسف بن =

والسبعين فرقة (¬1) لكن كثير من الناس يأخذ [دون ببعض قول] (¬2) الجهم، ¬

_ = أسباط، ثم عبد الله بن المبارك، وهما إمامان جليلان من أجلاء أئمة المسلمين قالا: أصول البدع أربعة: الروافض، والخوارج، والقدرية، والمرجئة. فقيل لابن المبارك: والجهمية؟ فأجاب بأن أولئك ليسوا من أمة محمد، وكان يقول: إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية. هذا الَّذي قاله اتبعه عليه طائفة من العلماء من أصحاب أحمد وغيرهم، وقالوا: إن الجهمية كفار فلا يدخلون في الاثنتين والسبعين فرقة، كما لا يدخل فيهم المنافقون الذين يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام، وهم الزنادقة. وقال آخرون من أصحاب أحمد وغيرهم: بل الجهمية داخلون في الاثنتين والسبعين فرقة، وجعلوا أصول البدع خمسة، فعلى قول هؤلاء: يكون كل طائفة من المبتدعة الخمسة اثنا عشر فرقة، وعلى قول الأولين يكون كل طائفة من المبتدعة الأربعة ثمانية عشر فرقة". راجع: الشريعة -للآجري- ص: 15. والسنة -لعبد الله بن الإمام أحمد- ص: 9، 10. وبيان تلبيس إبليس -لابن الجوزي- ص: 19 - 23. (¬1) وهي التي أشار إليها الحديث الَّذي رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "تفرقت اليهود على إحدى وسبعين أو اثنتين وسبعين فرقة، والنصارى مثل ذلك، وتفرقت أمتي على ثلاث وسبعين فرقة". والحديث بهذا اللفظ رواه الترمذي في سننه 5/ 25 - كتاب الإيمان - باب ما جاء في افتراق هذه الأمة - حديث / 2640. وقال: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح. وفي الباب عن سعد، وعبد الله بن عمرو، وعوف بن مالك. وحديث افتراق الأمة يروى بألفاظ مختلفة وأسانيد كثيرة عن عدد من الصحابة - رضي الله عنهم - فراجعه في: سنن أبي داود 5/ 4 - كتاب السنة - باب شرح السنة - الحديث / 4596. وسنن ابن ماجة 2/ 1321، 1322 - كتاب الفتن - باب افتراق الأمة. ومسند الإمام أحمد - 2/ 332، 3/ 145. والسنة -لابن أبي عاصم- 1/ 32 - 36. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة. "ون ببعض" زيادة من: س، ط. "قول" أضفتها ليستقيم بها الكلام. وقد رود في الأصل - بعد "يأخذ" بياض بقدر كلمة. وفي س، ط - بعد "ببعض" بياض بقدر كلمتين.

وأيضًا ففيهم من لا يكفر الأمة بخلافه ولا يستحل (¬1) السيف، وفيهم من قد بعدت عليهم الحجة وجهلوا أصل القول، وقول (¬2) الدعاة إلى الكتاب والسنة، وظهور ذلك فمن هنا كان حال فروع الجهمية قد يكون أخف من حال الخوارج، وإلا فقولهم في نفسه أخبث (¬3) من قول الخوارج بكثير، وإذا كان يونس بن عبيد (¬4) قد قال عن المعتزلة: إن فتنتهم أضر على الأمة من فتنة الأزارقة (¬5)، والمعتزلة جهمية، علم أن السلف كانوا يعلمون أن الجهمية شر من الخوارج". قال الطبراني (¬6) في كتابه السنة: "حدثنا الحسن بن علي ¬

_ (¬1) في الأصل، س: يستحيل. وأثبت ما رأيته مناسبًا للكلام من: ط. (¬2) في الأصل، س: قل. وأثبت ما يستقيم به الكلام من: ط. (¬3) في ط: أحنث. وهو تصحيف. (¬4) هو: أبو عبد الله يونس بن عبيد بن دينار العبدي، من فضلاء التابعين، روى عنه الحمادان والسفيانان وغيرهم. قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث. توفي سنة 139 هـ. راجع: الطبقات الكبرى -لابن سعد- 7/ 260. وتذكرة الحفاظ -للذهبي- 1/ 145، 146. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 11/ 442 - 445. (¬5) هم أتباع نافع بن الأزرق الحنفي -الَّذي كان أول خروجه بالبصرة في عهد عبد الله بن الزبير- ولم تكن للخوارج فرقة أكثر عددًا، ولا أشد منهم شوكة، لهم مقالات فارقوا بها الخوارج كقولهم: إن من خالفهم من هذه الأمة فهو مشرك، وديارهم ديار كفر، وأن قتل نسائهم وأطفالهم مباح، إلى غير ذلك من ضلالاتهم. انظر: المعارف -لابن قتيبة- ص: 622. ومقالات الإسلاميين -للأشعري- 1/ 168 - 174. والتبصير في الدين -للإسفراييني- ص: 49 - 51. والفرق بين الفرق -للبغدادي- ص: 82 - 87. (¬6) تقدم الكلام على الطبراني وكتابه "السنة" ص: 365. وقول يونس بن عبيد، أورده أبو نعيم في "الحلية" 3/ 21 بالسند الَّذي ذكره الشيخ -رحمه الله- وتمامه: ". . ويجب على الإمام أن يستتيبهم، فإن تابوا وإلا نفاهم من ديار المسلمين".

المعمري، حدثنا محمد بن بكار العبسي، ثنا عبد العزيز الرقاشي، سمعت يونس بن عبيد يقول: فتنة المعتزلة على هذه الأمة أشد من فتنة الأزارقة، لأنهم يزعمون أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضلوا، وأنهم لا تجوز شهادتهم بما أحدثوا (¬1)، ويكذبون بالشفاعة (¬2) والحوض (¬3)، ¬

_ (¬1) في الحلية: لما أحدثوا من البدع. (¬2) السلف -رحمهم الله - يثبتون الشفاعة يوم القيامة لتواتر الأدلة في إثباتها، وهي أنواع ذكرها بأدلتها ابن كثير -رحمه الله- في النهاية 2/ 268 - 342. وقد استقصى العلماء أدلة ثبوت الشفاعة بطرقها. راجع مثلًا: التوحيد -لابن خزيمة- ص: 241 - 327. والسنة -لابن أبي عاصم- 2/ 364 - 400. والشريعة -للآجري- ص: 321 - 352. وقد أنكر المعتزلة بعض أنواع الشفاعة وكذبوا بها كما هو مدون في كثبهم. انظر مثلًا: شرح الأصول -للقاضي عبد الجبار ص: 687 - 693. (¬3) وكما أثبت السلف -رحمهم الله- الشفاعة أثبتوا الحوض الَّذي أكرم الله به نبيه - صلى الله عليه وسلم - في عرصات القيامة. يقول صدر الدين الحفني في "شرح الطحاوية" ص: 251 - بعد ذكره لبعض الأحاديث الواردة في الحوض، وإشارته إلى أنها تبلغ حد التواتر: "والذي يتلخص من الأحاديث الواردة في صفة الحوض: أنَّه حوض عظيم، ومورد كريم، يمد من شراب الجنّة من نهر الكوثر الَّذي هو أشد بياضًا من اللبن، وأبرد من الثلج، وأحلى من العسل، وأطيب ريحًا من المسك، وهو في غاية الاتساع عرضه وطوله سواء، كل زاوية من زواياه مسيرة شهر. وفي بعض الأحاديث: أنَّه كلما شرب منه وهو في زيادة واتساع وأنه ينبت في خلاله من المسك والرضراض من اللؤلؤ وقضبان الذهب، ويثمر ألوان الجواهر فسبحان الخالق الَّذي لا يعجزه شيء". قال: وقد ورد في أحاديث أن لكل نبي حوضًا، وأن حوض نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - أعظمها وأحلاها وأكثرها واردًا". وللاطلاع على الأحاديث الواردة في الحوض وصفته والتي تدحض المبتدعين القائلين بجحوده المنكرين لوجوده -تراجع الكتب التالية: النهاية -لابن كثير - 2/ 29 - 69 والشريعة -للآجري- ص: 352 - 357. والتذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة -للقرطبي- 1/ 362، 363.

أهل البدع مع القدرة يشبهون الكفار في استحلال قتل المؤمنين ومع العجز يشبهون المنافقين

وينكرون عذاب القبرر (¬1)،، أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم". وفروع الجهمية لا يقبلون شهادة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما رووه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا يأتمون بكتاب الله، وفيهم من هو في بعض المواضع شر من المعتزلة، ولكن المعتزلة هم أصلهم في الجملة، وفي هؤلاء من لا يرى التكفير والسيف كما تراه المعتزلة والرافضة، وهو قول الخوارج، ولهذا كثيرًا (¬2) ما يكون أهل البدع، مع القدرة (¬3) يشبهون الكفار في استحلال قتل المؤمنين وتكفيرهم، كما يفعله الخوارج والرافضة والمعتزلة والجهمية وفروعهم، لكن فيهم من يقاتل بطائفة ممتنعة كالخوراج والزيدية، ومنهم من يسعى في قتل المقدور عليه من مخالفيه، إما بسلطانه، ¬

_ (¬1) من عقيدة أهل السنة والجماعة الإيمان بعذاب القبر ونعيمه لمن كان لذلك أهلًا ويثبتونه من غير تكييف، فليس للعقل وقوف على كيفيته، لكونه لا عهد به في هذه الدار، والشرع لا يأتي بما تحيله العقول، ولكنه قد يأتي بما تحار فيه العقول، فإن عودة الروح إلى الجسد ليس على الوجه المعهود في الدنيا، بل تعاد الروح إليه إعادة غير الإعادة المألوفة في الدنيا. انظر: بتصرف: شرح الطحاوية - ص: 450 - 451. يقول ابن القيم -رحمه الله- في كتابه "الروح" ص: 85: "ومما ينبغي أن يعلم أن عذاب القبر هو عذاب البرزخ، فكل من مات وهو مستحق للعذاب ناله نصيبه منه، قبر أو لم يقبر، فلو أكلته السباع أو حُرّق حتَّى صار رمادًا ونسف في الهواء أو صلب أو غرق في البحر وصل إلى روحه وبدنه من العذاب ما يصل إلى المقبور". وقد تواترت الأحاديث بثبوت عذاب القبر ونعيمه ولا ينكره إلّا معاند مكابر. انظر: السنة -لابن أبي عاصم- 2/ 415 - 425. والشريعة -للآجري- ص: 358 - 364. (¬2) في س: كثير. (¬3) أي: القدرة على مخالفيهم.

أهل السنة مع أهل البدعة على العكس

وإما بحيلته، ومع العجز يشبهون المنافقين، يستعملون التقية (¬1) والنفاق كحال المنافقين، وذلك لأن البدع مشتقة من الكفر، فإن المشركين وأهل الكتاب، هم مع القدرة يحاربون المؤمنين، ومع العجز ينافقونهم. والمؤمن مشروع له، مع القدرة، أن يقيم دين الله -بحسب الإمكان- بالمحاربة وغيرها، ومع العجز يمسك عما عجز عنه من الانتصار، ويصبر على ما يصيبه من البلاء من غير منافقة، بل يشرع له من المداراة ومن التكلم بما يكره عليه ما جعل الله له فرجًا ومخرجًا. ولهذا كان أهل السنة مع أهل البدعة بالعكس، إذا قدروا عليهم لا يعتدون عليهم بالتكفير والقتل وغير ذلك، بل يستعملون معهم العدل الَّذي أمر الله به ورسوله، كما فعل عمر بن عبد العزيز (¬2) ¬

_ (¬1) التقية: اسم مصدر لتوقى واتقى. تقول: توقيت الشيء واتقيته وتقيته تقى وتقية أي: حذرته. يقول أحمد أمين: "ومعناها أن يحافظ المرء على عرضه أو نفسه أو ماله مخافة عدوه، فيظهر غير ما يضمر، فهي مداراة وكتمان، وتظاهر بما ليس هو الحقيقة. وهي عند الشيعة: النظام السري في شؤونهم، فإذا أراد الإمام الخروج والثورة على الخليفة وضع لذلك نظامًا وتدابير، وأعلم أصحابه بذلك فتكتموه، وأظهروا الطاعة حتَّى تتم الخطط المرسومة، فهذه تقية، وإذا أحسوا ضررًا من كافر أو سني داروه وجاروه وأظهروا له الموافقة، فهذه أيضًا تقية. وهكذا. والتقية عند الشيعة جزء مكمل لتعاليمهم، تواصوا به وعدوه مبدأ أساسيًّا في حياتهم، وركنًا من دينهم ورووا فيه الشيء الكثير عن أئمتهم، وانبنى عليه تاريخهم" انظر: تاج العروس -للزبيدي- 10/ 396 (وقى). وضحى الإسلام -لأحمد أمين- 3/ 246، 247. والخطوط العريضة -لمحب الدين الخطيب- ص: 8، 54، 55. (¬2) هو: أبو حفص عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي القرشي، الإمام العادل والخليفة الزاهد، أمير المؤمنين، توفي سنة 101 هـ، وله أربعون سنة إلَّا ستة أشهر، ومدة خلافته سنتان ونصف -رحمه الله-. =

بالحرورية (¬1) والقدرية (¬2)، وإذا جاهدوهم، فكما جاهد علي - رضي عنه - الحرورية (¬3) بعد الإعذار وإقامة الحجة (¬4)، وعامة ¬

_ = انظر: تذكرة الحفاظ -للذهبي- 1/ 118 - 121. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 7/ 475 - 478. والأعلام للزركلي - 5/ 209. (¬1) يقول ابن الجوزي -رحمه الله- في كتابه "سيرة عمر بن عبد العزيز" ص: 76، 77 مستشهدًا على حسن سياسة عمر مع الحرورية واستعماله معهم الرفق والعدل: ". . حدثنا أرطأة بن المنذر قال: سمعت أبا عون يقول: دخل ناس من الحرورية على عمر بن عبد العزيز، فذاكروه شيئًا، فأشار إليه بعض جلسائه أن يرعبهم ويتغير عليهم، فلم يزل عمر بن عبد العزيز يرفق بهم حتَّى أخذ عليهم ورضوا منه أن يرزقهم ويكسوهم ما بقي، فخرجوا على ذلك، فلما خرجوا ضرب عمر ركبة رجل يليه من أصحابه فقال: يا فلان إذا قدرت على دواء تشفي به صاحبك دون المكي فلا تكوينه أبدًا". (¬2) كان رأي عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- في القدرية أن يستتابوا فإن تابوا وإلا نفوا من ديار المسلمين، وبهذا كان يوجه عماله ويكتب لهم بشأنهم. يروى عن سفيان بن عيينة أنَّه قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطأة وكان عامله على البصرة: "أما بعد، فإذا أتاك كتابي هذا، فاستتب القدرية مما دخلوا فيه، فإن تابوا فخل سبيلهم، وإلا فانفهم من ديار المسلمين". انظر: سيرة ومناقب عمر بن عبد العزيز -لابن الجوزي- ص: 85. وسيرة عمر بن عبد العزيز في أهل القدر في الشريعة للآجري ص: 227 - 234. (¬3) في الأصل، س: للحرورية. وأثبت ما يستقيم به الكلام من: ط. (¬4) الخوارج بعد رجوع علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - من صفين إلى الكوفة انحازوا إلى مكان يقال له حروراء -قرية من قرى الكوفة- وهم يومئذ اثنا عشر ألفًا، وزعيمهم عبد الله بن الكواء، وشبث بن ربعي، وخرج إليهم علي - رضي الله عنه - يناظرهم فوضحت حجته عليهم، فاستأمن إليه ابن الكواء مع عشرة من الفرسان، وانحاز الباقون منهم إلى النهروان وسار إليهم علي - رضي الله عنه - على رأس جيش من أصحابه قوامه أربعة آلاف. وناظرهم فوضحت الحجة عليهم فاستأمن إليه ثمانية آلاف منهم، ثم أمر أصحابه بقتالهم، وقتلت الخوارج يومئذ فلم يفلت منهم غير تسعة تفرقوا في البلدان والأمصار. راجع تفاصيل هذه الحادثة في: البداية والنهاية -لابن كثير- 7/ 305 - 317. الفرق بين الفرق -للبغدادي- ص: 75 - 81. الملل والنحل -للشهرستاني- 1/ 114 - 118. =

الوجه الثاني والثلاثون: أن هذا المعنى القائم بالذات قد قال أكثرهم أنه معنى واحد وقال بعضهم خمسة معان

ما كانوا يستعملونه معهم الهجران والمنع من الأمور التي تظهر بسببها (¬1) بدعتهم، مثل ترك مخاطبتهم ومجالستهم؛ لأن هذا هو الطريق إلى خمود بدعتهم، وإذا عجزوا عنهم لم ينافقوهم، بل يصبرون على الحق الذي بعث الله به نبيه، كما كان سلف المؤمنين يفعلون، وكما أمرهم الله في كتابه، حيث أمرهم بالصبر على الحق، وأمرهم أن لا يحملهم شنآن قوم على أن لا يعدلوا (¬2). الوجه الثاني والثلاثون (¬3): أن هذا المعنى القائم بالذات الذي زعموا أنه كلام، وخالفوا في إثباته جميع فرق الإِسلام، كما يقرون هم على أنفسهم بذلك، كما ذكره ¬

_ = الكامل -لابن الأثير- 3/ 334 - 348. (¬1) في ط: بسبها. (¬2) يقول محمَّد بن الحسين الآجري في كتابه "الشريعة" ص: 234، 235 - بعد أن عقد بابًا ذكر فيه سيرة عمر بن عبد العزيز مع القدرية- قال في نهايته: ". . هذه حجتنا على القدرية: كتاب الله -عَزَّ وَجَلَّ- وسنة رسوله على، وسنة أصحابه والتابعين لهم بإحسان، وقول أئمة المسلمين، مع تركنا للجدل والمراء والبحث عن القدر، فإنا قد نهينا عنه، وأمرنا بترك مجالس القدرية، وأن لا نناظرهم وأن لا نفاتحهم على سبيل الجدل، بل يهجرون ويهانون ويذلون، ولا يصلى خلف واحد منهم، ولا تقبل شهادته، ولا يزوج، وإن مرض لم يعد، وإن مات لم تحضر جنازته، ولم تجب دعوته في وليمة إن كانت له، فإن جاء مسترشدًا أرشد على سبيل النصيحة له، فإن رجع فالحمد لله، وإن عاد إلى باب الجدل والمراء لم يلتفت إليه، وطرد وحذر منه، ولم يكلم، ولم يسلم عليه". (¬3) ناقش الشيخ -رحمه الله- فيما مضى من الأوجه قول الأشاعرة بأن الكلام معنى قائم بالنفس، وبين -رحمه الله- أن هذا القول انفردوا به عن سائر الأمة وخرقوا إجماعها. ومن هذا الوجه يبدأ الشيخ -رحمه الله- بمناقشة قولهم: إنه معنى واحد بعد أن يورد أقوال أئمتهم كالرازي وابن فورك وغيرهم، وينتهي إلى أن هذا القول مما يعلم فساده بضرورة العقل وأنه مبني على أصل فاسد وتناقضهم فيه ظاهر.

الرازي وغيره (¬1) من أن إثباتهم لهذا يخالفهم فيه سائر فرق الأمة، قد قال أكثرهم: هو معنى واحد (¬2)، وقال بعضهم: هو خمسة معان: أمر، ¬

_ (¬1) يقول الرازي في كتابه "محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين" ص: 174: ". . أما المعنى الذي يقول أصحابنا فهو غير مجمع عليه، بل لم يقل به أحد إلا أصحابنا". انظر: غاية المرام في علم الكلام -للآمدي- ص: 88، 89. ونهاية الإقدام -للشهرستاني- ص: 313. (¬2) الأشاعرة يذهبون إلى أن كلام الله تعالى معنى واحد كالعلم والقدرة وسائر الصفات وأن كونه أمرًا ونهيًا أوصاف الكلام لا أقسامه، ويثبتون ذلك بأدلة يزعمون أنها عقلية والعقل السليم لا يقبلها، بل يثبت نقيضها - ويسلكون في تقرير ذلك ومحاولة إثباته مسالك شائكة. ولكي يكون القاريء معنا فيما نقوله أورد ما قاله إمام الحرمين الجويني في "الإرشاد" ص: 136 حيث عقد لذلك فصلًا قال فيه: "كلام الله تعالى واحد، وهو متعلق بجميع متعلقاته، وكذلك القول في سائر صفاته، وهو العالم بجميع المعلومات بعلم واحد والقادر على جميع المقدورات بقدرة واحدة وكذلك القول في الحياة والسمع والبصر والإرادة. والقضاء باتحاد الصفات ليس من مدارك العقول، بل هو مسند إلى قضية الشرع وموجب السمع، وذلك أن إثبات العلم واحد مختلف فيه، وإنما يتوصل إلى إثباته على منكريه الأدلة العقلية، وهذا في العلم الواحد، فأما تقدير علم ثان، فلم يثبته أحد من أهل الكلام المنتمين إلى الإِسلام، فنفيه مجمع عليه مع اتصافه بالقدم. فإن قال قائل: ليِّن استمر لكم ما ذكرتموه في العلم والقدرة فما وجه تقريره في الإرادة والكلام؟ قلنا: الغرض أن نوضح انعقاد الإجماع الواجب الاتباع على نفي كلام ثان قديم، وذلك مقرر على ما ذكرناه لا خفاء به. . ". أما الشهرستاني في نهاية الإقدام ص: 288، 289، فقد قعد لذلك قاعدة وصمها بالثالثة عشرة في أن كلام الله واحد، قال فيها -بعد أن أورد مذاهب الناس: "قالت الأشعرية إذا قام الدليل على كلام أنه معنى قائم بذات الباري تعالى وكل معنى أوصفة له فهي واحدة، وكل ما دل على أن علمه وقدرته وإرادته واحدة فذلك يدل على أن كلامه واحد. . ". ثم أخذ يعرض أقوال المخالفين للأشاعرة ويناقشها وقد أطال في ذلك من =

ونهي، وخبر، واستخبار، ونداء (¬1). فالأولون يقولون: ذلك المعنى هو معنى كل أمر أمرَ الله به، سواء كان أمر تكوين كقوله للمخلوق (¬2): كن فيكون، أو كان أمر تشريع، كأمره في التوراة والإنجيل والقرآن، وغير ذلك مما جاءت به الرسل، وهو معنى كل نهي نهى الله عنه وكل خبر أخبر الله به. والآخرون يقولون: الأمر الواحد هو الأمر بالصلاة والزكاة والحج والصوم والسبت (¬3) الذي لليهود هو الأمر المنسوخ وبالناسخ وبالأقوال ¬

_ = ص: 289 - 313. وشيخ الإِسلام -رحمه الله- سوف يناقشهم في هذه القضية في الصفحات التالية. (¬1) أشار إلى القولين الشهرستاني في نهاية الإقدام ص: 291 فقال: (. . قالت الأشعرية: حكي عن بعض متقدمي أصحابنا أنه أثبت لله خمس كلمات هي خمس صفات: الخبر والاستخبار والأمر والنهي والنداء، فإن سلكنا هذا المسلك اندفع السؤال وارتفع الإشكال. لكن المشهور من مذهب أبي الحسن أن الكلام صفة واحدة لها خاصية واحدة، ولخصوص وصفها حد خاص، وكونه أمرًا ونهيا وخبرًا واستخبارًا خصائص أو لوازم تلك الصفة". والأشعرية على القول الثاني وهو أن الكلام واحد كما تنقله كتبهم عن أئمتهم. راجع: الإرشاد -للجويني- ص: 136. وغاية المرام في علم الكلام -للآمدي- ص: 112 - 118. والمواقف -للآيجي- ص: 295. والمحصول -للرازي- ص: 185. (¬2) في ط: للمخوق. وهو تصحيف. (¬3) في س: البت. السبت: هو اليوم المعروف من أيام الأسبوع وهو عيد اليهود، وقد حرم الله فيه صيد البحر عليهم اختبارًا وامتحانًا، فخالفوا أمره فمسخهم الله قردة، قال تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65) فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} 65، 66 / البقرة. وقال سبحانه: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ =

والأفعال والأصول والفروع وبالعربية وبالعبرانية وغير ذلك، وكذلك قولهم في النهي وكذلك قولهم في الخبر هو معنى واحد، هو معنى ما أخبر الله به من صفاته كآية الكرسي وسورة الإخلاص، وما أخبر به من قصص الأنبياء والمؤمنين والكفار، وصفة الجنة والنار. ومن المعلوم أن مجرد تصور هذا القول يوجب العلم الضروري بفساده كما اتفق على ذلك سائر العقلاء، فإن أظهر المعارف للمخلوق أن الأمر ليس هو الخبر، وأن الأمر بالسبت ليس هو الأمر بالحج، وأن الخبر عن الله ليس هو الخبر عن الشيطان الرجيم، فمن جعل هذه الأمور كلها حقيقة واحدة، وجعل الأمر والنهي إنما هي صفات عارضة لتلك الحقيقة العينية، لم يجعل ذلك أقسامًا للكلام الكلي الذي لا يوجد في الخارج كليًّا، إذ ليس في الخارج كلام هو أمر بالحج هو بعينه خبر عن جهنم، كما ليس في الخارج إنسان هو بعينه فصيل (¬1)، وإن شملها اسم الحيوان، كما شمل ذينك اسم الكلام، فمن جعل الحقائق المتنوعة شيئًا واحدًا فهو يشبه من جعل المكانين (¬2) مكانًا واحدًا حتى يجعل الجسم الواحد (¬3) يكون في مكانين ويقول: إنما هما مكان واحد، أو لا يجعل الواحد نصف الاثنين، أو يقول: الاثنان هما واحد، فإن هذا كله من هذا النمط، وهو رفع التعدد في الأشياء المتعددة وجعلها شيئًا واحدًا في ¬

_ = حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} 163 / الأعراف. (¬1) في الأصل، س: فصل. وأثبت ما رأيته مناسبًا من: ط. الفصيل: هو ولد الناقة إذا فصل عنها. وقد يقال في البقر. انظر: لسان العرب -لابن منظور- 11/ 522 (فصل). (¬2) ورد في س، بعد كلمة "المكانين" زيادة "ويقول إنما هما". وهو خطأ من الناسخ. (¬3) في س: ورد "مكان واحد أو لا يجعل الواحد" ولا يستقيم الكلام بذلك.

الوجه الثالث والثلاثون: يقال لهم: إذا جاز أن تجعلوا الحقائق المختلفة حقيقة واحدة فهلا جعلتم الصفات حقيقة واحدة

الوجود الخارجي بالعين لا بالنوع، وهؤلاء ينكرون على من يقول: إن الكلام الذي تكلم الله به والذي يقرؤه العباد، والقرآن الذي يقرؤه زيد هو القرآن الذي يقرؤه عمرو، ويقولون: بل هما حقيقتان متباينتان (¬1). ومن المعلوم أن هناك قدرًا مشتركًا متحدًا (¬2) بالعين في الوجود الخارجي (¬3) وبينهما من الاتحاد الشرعي واتباع أحدهما للآخر [ما] (¬4) ليس بين هذه الحقائق البعيدة من الاشتراك إلا في الجنس العام الذي لا وجود له في الخارج عامًّا فضلًا عن أن يكون واحدًا بالعين، وما هناك من التعدد فأحدهما تابع للآخر فهما متحدان من وجه متغايران من وجه، ولا ينكرون على أنفسهم اتحاد الحقائق المتنوعة، وهذا (¬5) قول يعلم فساده بالضرورة كل عاقل، ولم يوافق على إطلاق القول بذلك أحد، وهناك اتفق الخلائق على أن يشيروا إلى ما يسمعونه من المبلغين، ويقولون: هذا كلام المبلغ عنه، فهذا المتفق عليه بين العباد الذي تطمئن إليه القلوب وجاءت بإطلاقه النصوص أنكروه، وذاك الذي ابتدعوه فلم يطلقه نص ولا قاله إمام ولا تصوره أحد إلا علم فساده بالبديهة قالوه، وجعلوه أصل (¬6) الدين. الوجه الثالث والثلاثون: أن يقال لهم: إذا جاز أن تجعلوا هذه الحقائق المختلفة حقيقة واحدة سواء قلتم بثبوت الحال أو نفيه، وأن كونها أمرًا ونهيًا وخبرًا، أو أمرًا بكذا ونهيًا عن كذا إنما هي أمور نسبية لها كتسمية المعنى الذي في ¬

_ (¬1) في س: متباينات. (¬2) في جميع النسخ "قدر مشترك متحد" ولعل الصواب ما أثبته. (¬3) في س: الخارج. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬5) في س، ط: هو. (¬6) في س، ط: هو أصل.

ذكر الرازي أنه لا يجوز أن يكون الله موصوفا بصفة واحدة تفيد فائدة الصفات السبع

النفس عربيًّا وعجميًّا، ولهذا تنازع ابن كلاب والأشعري (¬1) في هذه التسمية بالأمر والنهي والخطاب هل هي حادثة عند حدوث المخاطب كما يقوله ابن كلاب أو قديمة كما يقوله الأشعري؟. فيقال لكم: هذا بعينه يقال لهم في الصفات من العلم والقدرة والكلام والسمع والبصر فهلا جعلتم هذه الصفات حقيقة واحدة، وهذه الخصائص عوارض نسبه لها؟ بل جعل السمع والبصر بمعنى علم خاص أقرب إلى المعقول من جعل حقيقة معنى كل خبر حقيقة معنى كل أمر وحقائق معاني الأخبار شيء واحد، وهم قد ذكروا هذه المسألة فقال الرازي (¬2): الفصل الثالث (¬3) في أنه لا يجوز أن يكون الله موصوفًا بصفة واحدة ¬

_ (¬1) يقول الجويني في "الإرشاد" ص: 119، 120 مبينًا هذا الاختلاف، ومرتضيًا ما ذهب إليه شيخه أبو الحسن: "ذهب عبد الله بن سعيد بن كلاب -رحمه الله- من أصحابنا إلى أن الكلام الأزلي لا يتصف بكونه أمرًا نهيا خبرًا إلا عند وجود المخاطبين واستجماعهم شرائط المأمورين المنهيين. فإذا أبدع الله العباد، وأفهم كلامه على قضية أمر، أو موجب زجر، أو مقتضى خبر اتصف عند ذلك الكلام بهذه الأحكام، وهي من صفات الأفعال عنده، بمثابة اتصاف الباري تعالى فيما لا يزال بكونه خالقًا رازقًا محسنًا متفضلًا، وهذه الطريقة وإن درأت تشغيبًا فهي غير مرضية. والصحيح ما ارتضاه شيخنا - رضي الله عنه - من أن الكلام الأزلي لم يزل متصفًا بكونه أمرًا نهيًا خبرًا، والمعدوم على أصله مأمور بالأمر الأزلي على تقدير الوجود، والأمر القديم في نفسه على صفة الاقتضاء ممن سيكون إذا كانوا، والذي استنكروه من استحالة كون المعدوم مأمورًا لا تحصيل له". وانظر هذا النزاع في: غاية المرام في علم الكلام -للآمدي- ص: 104. ونهاية الإقدام في علم الكلام -للشهرستاني- ص: 303، 304. وأصول الدين -للبغدادي- ص: 108. (¬2) في نهاية العقول في دراية الأصول -مخطوط- اللوحة 156. (¬3) في س، ط: الثاني. وهو خطأ.

الوجه الرابع والثلاثون: أن هؤلاء يجعلون حقيقة معنى ما أخبر الله به عن نفسه هو حقيقة معنى ما أخبر به عن الجن والجحيم

تفيد فائدة الصفات المختلفة السبعة قال (¬1): اعلم أن فساد ذلك على القول ينفي الحال (¬2) معلوم بالضرورة على ما قررناه [يعني على ما قرره في مسألة الكلام أنه يمتنع أن يكون الطلب هو الخبر] (¬3). قال: قال (¬4): وأما على القول بالحال، فالقاضي أبو بكر (¬5) عول في إبطال هذا الاجتماع (¬6) على الإجماع، وهو أن القائل قائلان: منهم من أثبتها، ومنهم من نفاها، وكل من أثبتها قال إنها صفات متعددة، فالقول بأنها صفة واحدة يكون خرقًا (¬7) للإجماع. قلت: وهذه الحجة وإن كانت صحيحة فلا يمكن طردها في الكلام، فإنه لا إجماع على أنه معنى واحد. الوجه الرابع والثلاثون: أن هؤلاء يجعلون حقيقة معنى ما أخبر الله به عن نفسه هو حقيقة معنى ما أخبر به (¬8) عن الجن والجحيم، ومن المعلوم أن معاني الكلام تتبع الحقائق الخارجة وتطابقها، فمعنى الخبر عن الملائكة والجن (¬9) ¬

_ (¬1) أي: الرازي في المصدر السابق. وهي إضافة من الشيخ -رحمه الله- للبيان، والكلام متصل بما قبله. (¬2) في نهاية العقول: اعلم أن على القول بنفي الحال فساد ذلك. وتقدم الكلام على معنى "الحال" ومن قال به، ومن نفاه ص: 608. (¬3) ما بين المعقوفتين إيضاح من الشيخ -رحمه الله- لما قرره الرازي. (¬4) أي: الرازي. والكلام متصل في: نهاية العقول. (¬5) أبو بكر: ساقطة من: نهاية العقول. (¬6) في نهاية العقول: الاحتمال. (¬7) في نهاية العقول:. . . واحدة خرق. (¬8) في س، ط: الله به. (¬9) في الأصل: الجنة. وهو خطأ من الناسخ. والمثبت من: س، ط.

يطابق ذلك، ومعنى الخبر عن الجنة (¬1) والنار يطابق ذلك فإذا كان معنى هذا الخبر هو حقيقة معنى هذا الخبر وكلاهما مطابق لمخبره لزم أن يكون هذا المخبر هو هذا المخبر، فيلزم أن تكون الحقائق الموجودة كلها شيئًا واحدًا، فتكون الجنة هي النار والملائكة هم الشياطين، والموجود هو المعدوم، والثبوت هو الانتفاء، وفي ذلك من اجتماع النقيضين ما لا يحصى. وهذا لازم لقولهم لا محيد عنه، فإن الخبر الصادق الحكم الذهني، والحكم الذهني يطابق الحقيقة الموجودة، وكل أخبار الله صادقة، فإذا كانت جميعها حقيقة واحدة ليس فيها تغاير -أصلًا- وذلك هو الحكم الذهني -لزم أن يكون هذه الحقيقة مطابقة للوجود الخارجي، بخلاف الخبر الكذب، فإنه لا يجب مطابقته (¬2) للوجود الخارجي، والحكم الواحد الذهني الذي لا تغاير فيه بوجه من الوجوه إذا طابق المحكوم به لزم أن يكون المحكوم به كذلك، وإلا لم يكن مطابقًا، وكذلك فإن الله أمر بالإيمان والصلاة والزكاة، ونهى عن الكفر والكذب والظلم، فإذا كانت (¬3) حقيقة الأمر هي حقيقة النهي وإنما لها نسبة إلى الأفعال فقط لم يكن فرق بين المأمور به والمنهي عنه [بل إذا قيل: إن المنهي عنه مأمور به والمأمور به منهي عنه] (¬4) لم يمتنع ذلك، إذا (¬5) كانت الحقيقة واحدة وإنما اختلف التعليق، والتعلق ليس له حقيقة يمنع الاختلاف، بل يمكن فرض تعلقه أمرًا كتعلقه نهيًا مع أن الحقيقة باقية، ¬

_ (¬1) في الأصل: الجن. وهو خطأ. والمثبت من: س، ط. (¬2) في س: مطابقة. (¬3) في س، ط: كان. (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من: س. (¬5) في الأصل، ط: إذ. والمثبت من: س.

الوجه الخامس والثلاثون: أن حجتهم إذا تدبرها الإنسان علم فسادها

فيمكن على هذا تقدير المأمور به منهيًا عنه وبالعكس، ولم يتغير شيء من الحقائق. الوجه الخامس والثلاثون (¬1): أنهم قد ذكروا حجتهم على ذلك، وإذا تدبرها الإنسان علم فسادها وبناءها على أصل فاسد وتناقضهم فيها. قال الأستاذ أبو بكر بن فورك (¬2): "أمره سبحانه للمؤمنين (¬3) بالإيمان، هو نهيه عن الكفر، وأمره بالصلاة إلى بيت المقدس في وقت بعينه، هو نهيه عن الصلاة إليه في وقت غيره. قال (¬4): وكذلك نقول (¬5): إن مدحه للمؤمنين على إيمانه (¬6) بكلامه الذي هو ذم للكافرين، ولا نجيز (¬7) القول بتغاير كلامه واختلاف أنواعه، بل نقول فيه كما نقول في علمه وقدرته وسمعه وبصره، فنقول: إن علمه بوجود الموجود هو علمه بعدمه إذا عدم، وقدرته عليه قبل أن يوجده هي مقدرته عليه في حال إيجاده، ولا يقال: إنها قدرة عليه في حال بقائه، ورؤيته لآدم وهو في الجنة هي رؤيته له وهو في الدنيا، ¬

_ (¬1) في هامش س: كلام ابن فورك في مسألة الكلام ورده. (¬2) لم أقف على هذا النقل في مشكل الحديث وبيانه، وانظره في "الأسنى في أسماء الله الحسنى وصفاته العلى" لأبي عبد الله القرطبي -مخطوط- اللوحة 243. (¬3) للمؤمنين: ساقطة من: الأسنى. (¬4) القائل أبو بكر بن فورك، والكلام متصل بما قبله في "الأسنى". (¬5) في جميع النسخ: يقول. والمثبت من: الأسنى. (¬6) في الأسنى: للمؤمنين على إيمانهم. (¬7) في س: ولا يخير. وفي ط: ولا يتغير. وقد ورد في الأسنى: للكافرين على كفرهم لا نجيز.

وسمعه لكلام زيد هو سمعه لكلام عمرو من غير تغير واختلاف في شيء من أوصافه ونعوته لذاته". وقال (¬1): "فإن قيل: كيف يعقل كلام واحد يجمع أوصافًا (¬2) مختلفة حتى يكون أمرًا نهيًا خبرًا استخبارًا، ووعدًا ووعيدًا؟. قيل: يعقل ذلك بالدليل الموجب لقدمه، المانع من كونه متغايرًا مختلفًا على خلاف كلام المحدثين، كما يعقل متكلم هو شيء واحد ليس بذي أبعاض ولا أجزاء ولا آلات، والذي أوجب كونه كذلك قدمه، ووجب (¬3) مخالفته للمتكلمين المحدثين، وإن كان لا يعقل (¬4) متكلم هو (¬5) شيء واحد لا ينقسم ولا يتجزأ في المحدثات". فيقال له: ليس هذا (¬6) جوابًا عن السؤال، فإن السائل قال: كيف يعقل أن يكون الواحد الذي لا اختلاف فيه مختلفًا؛ فإن هذا مثل قول النصارى هو جوهر واحد هو ثلاثة جواهر، وما ذكره إنما هو إقامة الدليل على ثبوت ما ادعاه ليس جوابًا عن المعارضة، وهذه عادة ابن فورك وأصحابه، فإنه لما نوظر (¬7) قدام محمود بن ¬

_ (¬1) في الأصل: أوصاف. والمثبت من: س، ط. (¬2) أي: ابن فورك. والنقل عنه في "الأسنى في أسماء الله الحسنى وصفاته العلى" لأبي عبد الله القرطبي -مخطوط- اللوحة 241، 242. (¬3) في الأسنى: ووجوب. (¬4) في الأسنى: وإن كنا لا نعقل. (¬5) هو: ساقطة من: س. (¬6) في س، ط: هذا ليس. (¬7) في هامش س: كتاب ابن فورك إلى أبي إسحاق الإسفرائيني لما نوظر قدام محمود بن سبكتكين. وهذه المناظرة ذكرها شيخ الإِسلام -رحمه الله- في كتابه درء تعارض العقل والنقل 6/ 253، فقال: "وأظهر السلطان محمود بن سبكتكين لعنة أهل البدع على المنابر، وأظهر =

تعليق الشيخ عليه بأنه جمع بين النقيضين

سبكتكين (¬1) أمير المشرق فقيل له: لو وصف المعدوم لم يوصف إلا بما وصفت به الرب من كونه لا داخل العالم ولا خارجه، كتب إلى أبي إسحاق الإسفرائيني في ذلك، ولم يكن جوابهما إلَّا أنه لو كان خارج العالم (¬2) للزم أن يكون جسمًا. فأجابوا لمن عارضهم بضرورة العقل بدعوى الحجة. [قلت] (¬3) فنظره (¬4) كذلك في هذا المقام، فإن كون الواحد الذي لا اختلاف فيه ولا تعدد ولا تغاير أصلًا يكون أشياء مختلفة هو جمع بين النقيضين، وذلك معلوم الفساد ببديهة العقل [فإذا قيل للشخص: هذا الكلام معلوم الفساد ببديهة العقل] (¬5) هل يكون جوابه أن يقيم دليلًا على صحته؟ بل يبين أنه لا يخالف بديهة العقل وضرورته، وهو لم يفعل ذلك ¬

_ = السنة، وتناظر عنده ابن الهيصم وابن فورك في مسألة العلو، فرأى قوة كلام ابن الهيصم، فرجح ذلك، ويقال: إنه قال لابن فورك: فلو أردت تصف المعدوم كيف كنت تصفه بأكثر من هذا؟ أو قال: فرق لي بين هذا الرب الذي تصفه وبين المعدوم؟ وأن ابن فورك كتب إلى أبي إسحاق الإسفرائيني يطلب الجواب عن ذلك، فلم يكن الجواب إلا أنه لو كان فوق العرش للزم أن يكون جسمًا". وانظر البداية والنهاية -لابن كثير- 12/ 33. فقد أشار إلى هذه المناظرة. (¬1) هو: أبو القاسم محمود بن سبكتكين الغزنوي التركي، فاتح الهند، الملقب بيمين الدولة، آلت إليه السلطة سنة 389 هـ بعد وفاة والده ناصر الدولة بعد حرب مع إخوته ظفر بها. توفي سنة 421 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء -للذهبي- 483/ 17 - 495. وطبقات الشافعية -للسبكي- 5/ 314 - 327. والأعلام للزركلي- 8/ 47، 48. (¬2) في الأصل: العلم. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط. (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من: ط. وبياض بقدر كلمة في: الأصل، س. (¬4) في الأصل: بنظرة. والمثبت من: س، ط. وبه يستقيم السياق. وبعد هذه الكلمة بياض بقدر كلمة في: الأصل، س. لا يخل بالمعنى. (¬5) ما بين المعقوفتين ساقط من: س.

الوجه السادس والثلاثون: يقال له إما أن تكون أقمت دليلا على كونه قديما واحدا ليس بمتغاير ولا مختلف أو لم تقم

ولا يمكن أحد (¬1) أن يفعل ذلك بحق، فإن البديهيات (¬2) لا تكون باطلة، بل القدح فيها سفسطة، وهم دائمًا ينكرون على غيرهم من (¬3) يخالف (¬4) ما هو دون هذا، كما سننبه على بعضه. الوجه السادس والثلاثون: أن يقال: إما أن يكون (¬5) أقمت دليلًا على كونه قديمًا واحدًا ليس بمتغاير ولا مختلف أولم تقم، فإن لم تقم بطل ذلك ذلك، وإن أقمت دليلًا فلا ريب أنه نظري إذ ليس من الأمور البديهية (¬6) الضرورية، والعلم بأن الواحد الذي ليس فيه تغاير ولا اختلاف لا يكون حقائق مختلفة ولا موصوفًا بأوصاف مختلفة أو متضادة هو من العلوم (¬7) البديهية (¬8) الضرورية، والضروري لا يعارض النظري؛ لأن الضروري أصله فالقدح فيه قدح في أصله [وبطلان أصله] (¬9) يوجب بطلانه في نفسه. فعلم أن معارضة الضروري بالنظري يوجب بطلان النظري، وإذا بطل النظري المعارض لهذا الضروري لم يكن البتة دليلًا صحيحًا وهو المطلوب. ¬

_ (¬1) في الأصل: أحدًا. والمثبت من: س، ط. (¬2) في س، ط: البديهات. (¬3) من: ساقطة من: ط. (¬4) في س، ط: مخالفتهم. (¬5) في ط: تكون. (¬6) في س: البديهة. (¬7) في الأصل، س: المعلوم. والمثبت من: ط. (¬8) في س: البديهة. (¬9) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.

الوجه السابع والثلاثون: أن يقال: المانع من ذلك إما قدمه أو شيء آخر، وأنت لم تذكر شيئا آخر والقدم لا دليل لك عليه

الوجه السابع والثلاثون: أن يقال: المانع من ذلك إما قدمه أو شيء آخر، وأنت لم تذكر شيئًا آخر، والقدم لا (¬1) دليل لك عليه، كما سبق بيانه من أنهم لم يقيموا حجة على كونه قديمًا، كالعلم من كل وجه. الوجه الثامن والثلاثون: هب (¬2) أنه قديم، فكونه قديمًا لا يوجب أن يكون صفة واحدة، فإنك تقول: إن صفات الرب من العلم والقدرة والسمع والبصر والحياة وغير ذلك قديمة، ولم يكن قدمها موجبًا لأن تكون هذه الصفة هي هذه الصفة، فمن أين أوجب قدم الأمر أن يكون هو عين النهي (¬3) وأن يكون النهي عين الخبر؟ وهلا قلت في أنواع الكلام ما قلته في الصفات كما قاله بعض أصحابك؟ الوجه التاسع والثلاثون: أن المحققين من أصحابك يعلمون أنه (¬4) لا دليل على نفي سوى ما علموه من الصفات، فإنه لم يقم على النفي دليل شرعي ولا عقلي، فالنفي بلا دليل قول (¬5) بلا علم، وعدم العلم ليس علمًا بالعلم، وعدم الدليل عندنا لا يوجب انتفاء المطلوب الذي يطلب العلم به والدليل ¬

_ (¬1) في الأصل، س: فلا. والمثبت من: ط. (¬2) في جميع النسخ: أنه هب أنه والكلام يستقيم بما أثبته. (¬3) في الأصل: غير الذهن. وفي ط: غير النهي. وهو خطأ. والمثبت من: س. (¬4) في الأصل: على أنه. والكلام يستقيم بالمثبت من: س، ط. (¬5) في س، قوله.

الوجه الأربعون: يقال لابن فورك: الدليل على قدمه لا يوجب كونه معنى واحدا

عليه، وهذا من أظهر البديهيات (¬1)، وإذا كان كذلك فمن أين لك أن الكلام لا يكون صفات كثيرة؟ ولم أوجبت أن يكون واحدًا أو معدودًا بعدد معين؟ فإن ما ذكرت من قدمه لا يمنع تعدده إذ (¬2) الصفات عندك متعددة وقديمة، والمعلوم أن القديم هو إله واحد، أما أنه ليس له صفة قديمة فهذا باطل بالضرورة لامتناع وجود لا صفة له، كما هو مقرر في غير هذا الموضع، وهم يسلمون ذلك، وإن لم يسلموا بطل قولهم في مسألة الكلام بالكلية. الوجه الأربعون: أن قولك يعقل ذلك بالدليل الموجب لقدمه المانع من كونه متغايرًا مختلفًا. يقال لك: الدليل على قدمه لا يوجب كونه معنى واحدًا (¬3)، كما تقدم وإذا لم يوجب كونه معنى واحدًا (3) لم يوجب أن يكون الأمر هو النهي وهو الخبر وهو الاستخبار. وقولك (¬4) بعد هذا: بالدليل المانع من كونه متغايرًا مختلفًا. يقال لك: إذا لم تقدم الدليل على [أن] (¬5) هذا هو هذا، بل علم أن هذا ليس هو هذا، فيقال فيه ما يقال في السمع والبصر وإن اشتركا في مسمى الإدراك فليس أحدهما هو الآخر، ثم هل يقال: أحدهما غير الآخر، أو مخالف (¬6) له؟ أو يقال: ليس بغير له ولا مخالف (6) له، أو ¬

_ (¬1) في س، ط: البديهات. (¬2) في س: إذا. (¬3) في الأصل: واحد. والمثبت من: س، ط. (¬4) في الأصل، س: بقولك. وأثبت ما رأيته مناسبًا للسياق من: ط. (¬5) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬6) في الأصل: مخالفًا. والمثبت من: س، ط.

الوجه الحادي والأربعون: كونه على خلاف كلام المحدثين لا يسوغ ما يعلم بالعقل امتناعه

لا يقال: لا هذا ولا هذا، أو يقال: هذا باعتبار، وهذا باعتبار (¬1). هذه منازعات لفظية بين الناس وكل قول يختاره فريق، والمنازعات في الألفاظ التي لم ترد بها الشريعة لا حاجة بنا إليها، بل المقصود المعنى، نعم إذا كان اللفظ شرعيًّا كنا مأمورين بحفظ حده، كما قال تعافي: {الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} (¬2)، وإذا كان الأمر كذلك علم أن قولك بالدليل الموجب لقدمه المانع من كونه متغايرًا مختلفًا دعوى مجردة لا حقيقة لها. الوجه الحادي والأربعون: أن قولك: على خلاف [كلام] (¬3) المحدثين. يقال لك: كونه على خلاف كلام المحدثين لا يسوغ ما يعلم بالعقل امتناعه كاجتماع النقيضين، وكون الواحد الذي لا تغاير فيه ولا اختلاف حقائق مختلفة معلوم الفساد ببديهة العقل، وكون (¬4) صفة الله على خلاف صفة المخلوقين لا يسوغ هذا الممتنع. الوجه الثاني والأربعون: أن قولك: على خلاف كلام المحدثين: إن عنيت به أن حقيقة كلام الله ليست (¬5) كحقيقة كلام المخلوقين كما أنه هو كذلك وسائر صفاته كذلك فهذا حق، لكن لا يفيدك، فإن كونه كذلك لا يوجب أن يثبت ما يعلم بالعقل انتفاؤه، فإن ما يعلم بالعقل انتفاؤه لا يثبت شاهدًا ولا غائبًا، وكون الواحد الذي لا تغاير فيه ¬

_ (¬1) هذا باعتبار: كررت في: س، ط. (¬2) سورة التوبة، الآية: 97. (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬4) في الأصل: يكون. وفي س: يكون. وأثبت ما رأيته مناسبًا للكلام من: ط. (¬5) في س: لست.

الوجه الثالث والأربعون: أن الكلام والعلم والقدرة وسائر الصفات يجمع هؤلاء وغيرهم بينها وبين الصفات المخلوقة من وجه ويفرقون بينها من وجه آخر

ولا اختلاف [هو حقائق] (¬1) مختلفة معلوم الفساد بالعقل، فلا يثبت لله ولا لغيره. وإن عنيت بقولك على خلاف كلام المحدثين شيئًا غير ذلك، وهو أن كونه معنى قائمًا بالنفس، أو كونه ليس بحرف ولا صوت هو مخالف في ذلك لكلام المحدثين، فليس الأمر عندك كذلك، فإن القديم والمحدث يشتركان في هذا الوصف عندك. وإن عنيت أنه واحد وكلام المخلوقين ليس بواحد، فيقال: هذا هو محل النزاع فما الدليل على أنه مخالف لكلام المحدثين من هذا الوجه يقرر ذلك. الوجه الثالث والأربعون: وهو أن الكلام والعلم والقدرة وسائر الصفات يجمع (¬2) هؤلاء وغيرهم (¬3) بينها وبين الصفات المخلوقة من وجه ويفرقون بينها من وجه، كما يجمع بين الوجود القديم الواجب القائم بنفسه الخالق، وبين الوجود الممكن المخلوق من وجه، ويفرق بينهما من وجه، ولهذا يجمعون بين الشاهد والغائب بالحد والدليل والعلة والشرط، فيقولون: حد العالم من قام به العلم، والحقائق لا تختلف شاهدًا ولا غائبًا، والعلم والقدرة مشروطان (¬4) بالحياة في الشاهد والغائب، والأحكام دليل على العلم في الشاهد والغائب ويقول (¬5) من يثبت الأحوال منهم (¬6): العلم موجب ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬2) في الأصل، س: تجمع. والمثبت من: ط. (¬3) بعد كلمة "غيرهم" بياض بالأصل، س، بقدر كلمتين. والكلام متصل في: ط. والمعنى يستقيم بما أثبت. (¬4) في الأصل، س: مشروط. وأثبت ما يستقيم به الكلام من: ط. (¬5) في الأصل: يقولون. والمثبت من: س، ط. (¬6) كالقاضي أبي بكر الباقلاني، وأبي المعالي الجويني. انظر: غاية المرام- =

الوجه الرابع والأربعون: أن ابن فورك اعتمد في كون الكلام معنى واحدا قديما على قيامه على المتكلم

لكون العالم عالمًا، وذلك لا يختلف في الشاهد والغائب، وإذا كان الأمر كذلك فمخالفة كلامه لكلام المخلوقين من وجه لا يقتضي أن يكون واحدًا إن لم تبين أن تلك المخالفة موجبة لوحدته، وأنت لم تذكر ذلك ولا سبيل إليه أكثر ما (¬1) ذكرت أنك قسته على المتكلم، فقلت: يجب أن يكون واحدًا لأن المتكلم واحد، وسنتكلم على ذلك. الوجه الرابع والأربعون: إنك اعتمدت في كون الكلام معنى واحدًا قديمًا على قياسه على المتكلم، فلما قيل لك كيف يعقل كلام [واحد] (¬2) يجمع أوصافًا (¬3) مختلفة حتى يكون أمرًا نهيًا خبرًا استخبارًا وعدًا ووعيدًا؟. قلت: يعقل ذلك بالدليل الموجب لقدمه المانع من كونه متغايرًا مختلفًا على خلاف كلام المحدثين، كما يعقل متكلم هو شيء واحد ليس بذي أبعاض ولا أجزاء ولا آلات، وإن كان لا يعقل متكلم هو شيء واحد لا ينقسم ولا يتجزأ في المحدثات، فقولك: كما يعقل متكلم هو شيء واحد وإن كان لا يعقل متكلم هو شيء واحد في المحدثات، أي: كما يعقل هذا في الموصوف فليعقل في صفته ذلك. فيقال لك: لا يخلو إما أن يكون الدليل الحق قد دل على هذه الوحدة التي أثبتها للمتكلم أو لم يدل عليها، فإن لم يدل عليها كنت قائسًا لدعوى على دعوى بلا حجة، وكانت المطالبة لك واحدة فصارت اثنتين، وإن دل عليها، فيقال لك: وحدة الموصوف علمت بذلك الدليل الدال عليها فمن أين يجب إذا علم أن الموصوف واحد أن يكون ¬

_ = للآمدي- ص: 27. وتقدم الكلام على هذه المسألة ص: 608. (¬1) في ط: فما. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬3) في س: أوصاف.

الوجه الخامس والأربعون: ما ذكرته في الجواب إما أن تذكره لإثبات كون الكلام معنى واحدا، أو لإمكان أن المعنى الواحد يكون حقائق مختلفة

كلامه معنى واحدًا؟ مع أن هذا الموصوف الواحد موصوف عندك وعند عامة المثبتة بصفات متعددة، فلم يلزم من وجدته في نفسه وحدة صفته، فلم لزم من وجدته وحدة كلامه بلا حجة؟ الوجه الخامس والأربعون: أن ما ذكرته في هذا الجواب إما أن تذكره (¬1) لإثبات كون الكلام معنى واحدًا أو لإمكان أن المعنى الواحد يكون حقائق مختلفة قياسًا على الموصوف [فإن كان لإثبات الأول فليس ذلك بحجة أصلًا إذ مجرد كون الموصوف] (¬2) واحدًا (¬3) لا يقوم أن يكون (¬4) صفته معنى واحدًا، وهذا معلوم بالضرورة والاتفاق، وهو يسلم ذلك، وأيضًا فإن هذه الحقيقة لا تفيد إمكان ذلك -كما سنبينه- فإنه لا (¬5) يفيد ثبوت ذلك، ووجوده أولى وأحرى، وإن كان ذكره (¬6) لبيان إمكان ذلك، فيقال لك: ليس كل ما أمكن في الموصوف أمكن في الصفة، ولا كل ما يمتنع في الصفة - يمتنع في الموصوف وهذا معلوم، فإن لم يبين أنه يلزم من كون الموصوف واحدًا بهذه الوحدة التي أثبتها أن تكون صفته يمكن فيها ما أثبته لم يكن ما ذكرته كلامًا مفيدًا ولا قولًا سديدًا. الوجه السادس والأربعون: أن يقال لك: قياسك الوحدة التي أثبتها للكلام على الوحدة التي أثبتها للمتكلم قياس للشيء على ضده لا على نظيره، وذلك أنك جعلت ¬

_ (¬1) في س: يذكره. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من: س. (¬3) في الأصل: واحد. وهو خطأ. والمثبث من: س، ط. (¬4) في ط: لا يفيد أن تكون. (¬5) في ط: فإن من لا. (¬6) في الأصل: ذلك. وأثبت ما يستقيم به الكلام من: س، ط.

الكلام معنى واحدًا، وهذا المعنى الواحد هو حقائق مختلفة هو الأمر والنهي والخبر والاستخبار، لم تقل: إن الأمر والنهي والخبر والاستخبار صفات قائمة بالكلام كالصفات القائمة بالمتكلم، ولا يمكنك أن تقول ذلك؛ لأن الصفة لا تقوم بالصفة بل هما جميعًا يقومان بالموصوف، فلو قلت ذلك لكان الأمر والنهي والخبر صفات مختلفة قائمة بالله وذلك الذي فررت (¬1) منه، ولكن هذا يناسب قول من قال: الكلام صفات، والرب الواحد لم تقل (¬2): إنه في نفسه شيئان، بل قلت: إنه ليس بذي أبعاض ولا أجزاء، فكان نظير هذا أن تقول الكلام ليس بذي أبعاض ولا أجزاء وليس هو مع ذلك حقائق مختلفة، فليس هو في نفسه أمرًا ولا خبرًا ولا استخبارًا كما تقول مثل ذلك في (¬3) الموصوف، ولعل هذا هو الذي لحظه ابن كلاب إذ كان أقدم وأحذق من الأشعري، حيث لم يصف الكلام في الأزل بأنه أمر ونهي وخبر واستخبار، وجعل ذلك أمورًا نسبية تعرض (¬4) له، وهذا أقرب إلى المعقول وطرد أصولهم في قول الأشعري وأن هذا باطل، فأما أن يكون الموصوف عندك واحدًا بمعنى أنه ليس بذي أبعاض، وليس هو عندك حقائق مختلفة بل موصوفًا بصفات، ثم تقول (¬5): الكلام هو معنى واحد ليس بذي أبعاض وهو حقائق مختلفة أمر ¬

_ (¬1) في ط: قررت. (¬2) في الأصل، س: يقل. وأثبت ما يناسب السياق من: ط. (¬3) في: ساقطة من: س، ط. (¬4) تقدم الكلام على مذهب ابن كلاب، وأنه يقول: "إن كلام الباري في الأزل لا يتصف بكونه أمرًا ونهيًا وخبرًا واستخبارًا إلا عند وجود المخاطبين واستجماعهم شرائط التكليف، فإذا أبدع الله العباد وأفهمهم كلامه على قضيته أمر، وموجب زجر، أو مقتضى خبر اتصف عند ذلك بهذه الأحكام. انظر: نهاية الإقدام -للشهرستاني- ص: 303، 304. (¬5) في جميع النسخ: يقول. والمعنى يستقيم بما أثبته.

الوجه السابع والأربعون: أن يقال: كون الشيء الواحد ليس بذي أبعاض إما أن يكون معقولا أو لا يكون

ونهي، وتقول: هو في ذلك مثل الموصوف فهذا من فساد القياس والتلبيس على الناس. الوجه السابع والأربعون: أن يقال كون الشيء الواحد ليس بذي أبعاض إما أن يكون معقولًا أو لا يكون، فإن لم يكن معقولًا بطل كلامك، وإن كان معقولًا لزم أن يعقل صفة ليست بذات أبعاض فإن ما لا يتبعض يقوم به (¬1) ما لا يتبعض، أما أن يعقل شيء واحد هو بعينه حقائق مختلفة؛ لأنه عقل شيء واحد لا يتبعض فهذا لا يلزم، وغاية ما يقوله أن يقول: الأمر والنهي والخبر إما أن يكون (¬2) أقسام الكلام وأبعاضه أو لا يكون (3)، فإذا لم يكن (¬3) أقسامه وأبعاضه صح مذهبنا (¬4)، ونحن غرضنا أن نثبت أنها ليست أقسامه وأبعاضه؛ لأن الموصوف ليس بمتبعض ولا منقسم، فيكون صفته (¬5) ليست متبعضة ولا منقسمة. فيقال له: لم تقم حجة على أنها ليست أبعاضه وأقسامه [و] (¬6) غاية ما ذكرت إنما يفيد أنه إذا كان الموصوف غير متبعض عقل في صفته أنها غير متبعضة، ولم تبين أن هذا يفيد مطلوبك، وهو لا يفيده؛ لأنه لم يثبت أنه واحد، وليس تبعض الكلام كتبعض الموصوف -كما سنبينه إن شاء الله- ثم إن تبعض الصفة إنما يواد به تعددها وهذا ممكن عندك، ¬

_ (¬1) به: ساقطة من: س. (¬2) في ط: تكون. في الموضعين. (¬3) في ط: تكن. (¬4) في س: مذهبًا. (¬5) في ط: صفة. وهو خطأ. (¬6) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.

الوجه الثامن والأربعون: أن كون القديم عندهم ليس بمتبعض ولا منقسم معناه أنه شيء واحد في الخارج ليس بذي أبعاض ولا بمنقسم

[فهذه ثلاثة أوجه (¬1) نبهنا عليها وهي مبسوطة في سائر الوجوه] (¬2). الوجه الثامن والأربعون: أن كون القديم عندهم ليس بمنقسم ولا متبعض معناه أنه شيء واحد في الخارج ليس بذي أبعاض ولا (¬3) بمنقسم قسمة الكل إلى أجزائه كانقسام الإنسان إلى أبعاضه وأعضائه، وإن كان هو -سبحانه -أيضًا- ليس بجنس كلي ينقسم إلى أنواعه، ومعنى كون الكلام ليس بمنقسم يراد به شيئان: أحدهما: أنه ليس بذي أجزاء وأبعاض. والثاني: أنه ليس من الكليات التي تنقسم إلى أنواعها وأشخاصها، كانقسام جنس الإنسان إلى أنواعه، وانقسام جنس الموجود [إلى القديم والمحدث، وكذلك جنس العلم والكلام وغيرهما] (¬4) إلى القديم والمحدث. وهذه القسمة والتبعيض ليست هذه بوجه من الوجوه في العالم، فإن هذا نفي للقسمة عن شيء واحد موجود في الخارج، وذاك نفي للقسمة عن كلي لا يوجد في الخارج كليا بحال، فإنه ليس في الخارج إنسان كلي ينقسم [ولا وجود كلي (¬5) ينقسم، ولا علم أو كلام كلي ينقسم، ومن المعلوم أنه لم يقصد نفي هذا، وإن قصد، (¬6) نفيه فهذا مما لا ينازعه فيه عاقل لا في كلام المخلوق ولا في كلام الخالق، فليس في ¬

_ (¬1) وهي ما تقدم ذكره من تبعض الشيء والكلام والموصوف. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من: س. (¬3) في س، ط: وليس. (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من: س. (¬5) في ط: كل. (¬6) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.

الوجود الخارجي كلام كلي هو بعينه ينقسم إلى أمر ونهي، بل إن كان أمرًا لم يكن نهيًا وإن كان نهيًا لم يكن أمرًا، ولهذا يجب في الكلي المقسوم أن يقال اسمه على أنواعه وأقسامه، فيسمى كل واحد من أفراد الإنسان إنسانًا، وكل واحد من آحاد الكلام كلامًا، وكل واحد من آحاد العلوم أنه علم، وهذا الفرق هو الفرق الذي يذكره الناس لمتعلم العربية في أول التعليم، فيقولون: من قال: الكلام ينقسم إلى اسم وفعل وحرف فإنه يريد قسمة الكل إلى أجزائه وأبعاضه، وأما من أراد تقسيم الجنس فإنه يقول: الكلمة تنقسم إلى اسم أو (¬1) فعل أو (¬2) حرف، فإن الجنس إذا قسم إلى أنواعه أو أشخاص (¬3) أنواعه، أو النوع إذا قسم إلى أشخاصه كان اسم المقسوم صادقًا على الأنواع والأشخاص وإلا فليست بأقسام له، وسواء أراد (¬4) ذلك أو لم يرده، فأي نوعي القسمة أراد فإن في كل واحد من نوعيها لا يكون هذا القسم هو هذا القسم [ولم يقل أحد من العقلاء أنه يمكن أن يكون هذا القسم هو هذا القسم] (¬5) فلا يقول أحد: إن الكلام الكلي المنقسم إلى أمر ونهي، الأمر فيه هو النهي، ولا أن الكلام الموجود المعين المنقسم إلى أبعاض كالأمر والنهي أو الاسم والفعل والحرف يكون الأمر فيه هو النهي أو (¬6) الاسم فيه هو الحرف، فأيهم اختاروه من القسمين كان قولهم مخالفًا للبديهة المتفق عليها بين العقلاء. ¬

_ (¬1) في س، ط: و. (¬2) في ط: و. (¬3) في الأصل: أشخاصه. وفي س: أشجان. وأثبت ما يستقيم به الكلام من: ط. (¬4) في س: أرد. (¬5) ما بين المعقوفتين ساقط من: س، ط. (¬6) في س، ط: و.

الوجه التاسع والأربعون: حقيقة قولهم نفي القسمين جميعا عن كلام الله

الوجه التاسع والأربعون: أن حقيقة قولهم: نفي القسمين جميعًا عن كلام الله، فإن المعقول في الكلام سواء قدر كليًّا، أو موجودًا معينًا أن منه ما هو أمر ومنه ما هو خبر، فإذا أريد قسمة الكل قيل (¬1): الكلام والقول ينقسم إلى الأمر والنهي، فيكون الأمر موجودًا والنهي موجودًا، وكلاهما يقال له: كلام ويقال له: قول، وأما كلام هو بعينه موجود (¬2) في الخارج، وهو بعينه أمر ونهي فهذا لا يكون، وإذا أريد قسمة الكلي قيل: هذا الكلام الموجود منه ما هو أمر ومنه ما هو نهي، وهم يقولون كلام الله ليس بعضه أمرًا وبعضه نهيًا ولا بعضه خبرًا، فإن ذلك يقتضي ثبوت الأبعاض له ولا بعض له، ولا هو -أيضًا- كليًّا ينقسم إلى الأمر والنهي فإن ذلك يقتضي أن يكون الأمر غير النهي، بل هو عندهم معنى واحد موجود في الموصوف هو الأمر والنهي [والخبر] (¬3). وأما الموصوف فإن ظهور انتفاء القسمة الأولى عنه (¬4) لا يحتاج إلى بيان، فإنه ليس وجودًا كليًّا ينقسم إلى القديم والمحدث والواجب والممكن والخالق والمخلوق، فإن هذا قول بعدمه -إذ الكلي لا وجود له في الخارج- وقول مع ذلك بأنه يكون خالقًا ويكون مخلوقًا وقديمًا ومحدثًا، أي بعض أنواعه هو الخالق وبعض أنواعه المخلوق، ومعلوم أن الذي هو كذلك ليس هو الخالق القديم سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا. ¬

_ (¬1) في جميع النسخ: قبل. وأثبت ما يستقيم به الكلام. (¬2) في س: مو. وهو تصحيف. (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬4) في الأصل: عنده. وأثبت المناسب من: س، ط.

الاتحادية يقولون: إن الرب هو الوجود وهم على قولين

نعم الزنادقة الاتحادية (¬1) يقولون: إن الرب هو الوجود وهم على قولين: أحدهما: أنه هو الوجود المطلق الذي لا يتعين، وهذا قول القونوي (¬2)، فعلى [هذا القول] (¬3) ينقسم إلى حيوان ونبات وأرواح وأجسام، لكن لا ينقسم إلى واجب وممكن وخالق ومخلوق، بل الوجود الكلي المطلق هو الواجب الخالق، وهذا قول بتعطيل الصانع وجحوده سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا، ولا يقول: عاقل إنه (¬4) الوجود المطلق الثابت للواجب المتميز بنفسه عن الممكن فإن هذا إنما قاله لكونه لا يثبت الواجب متميزًا عن الممكن بنفسه، فإذا لزمه ثبوت واجب متميز لزم تناقضه ومع هذا فهم من أكثر الخلق تناقضًا، وهم مخلطون تخليطًا عظيمًا مع اشتراكهم فيما هم فيه من أظلم الخلق من ¬

_ (¬1) تقدم الكلام عليهم في 193، وأنهم يقولون: إن الرب هو الوجود، فصفاته هي صفات الله، وكلامه هو كلام الله - تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا. انظر في شأنهم وإلحادهم -إضافة إلى ما تقدم: مجموع الفتاوى -لابن تيمية رحمه الله- 2/ 98 - 104، 124، 134 - 285. مجموعة الرسائل والمسائل -لابن تيمية -أيضًا- 1/ 178 - 187. والمعجم الفلسفي -مجمع اللغة العربية بالقاهرة- ص: 2. ودائرة المعارف الإِسلامية - لمجموعة من المؤلفين 2/ 43، 54. والتعريفات -للجرجاني- ص: 8، 9. (¬2) هو: صدر الدين محمد بن إسحاق بن محمد بن يوسف بن علي القونوي الرومي، صوفي، من كبار تلاميذ ابن عربي، توفي سنة 673 هـ. راجع: طبقات الشافعية للسبكي 8/ 45. والوافي بالوفيات -للصفدي- 2/ 200. والأعلام -للزركلي- 6/ 254. وقد ذكر شيخ الإِسلام -رحمه الله- قول القونوي وغيره من ملاحدة التصوف كابن عربي وابن سبعين وابن الفارض وأمثالهم ورده -رحمه الله- وبين ما فيه من ضلال في: "درء تعارض العقل والنقل" 1/ 290 - 295. (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬4) في الأصل: إن. وأثبت ما يناسب الكلام من: س، ط.

الشرك بالله والتعطيل فلا يبعد على بعضهم أن يقول ذلك لا سيما إذا فرقوا بين تجليه الذاتي وتجليه الأسمائي (¬1)، فقد يقولون: التجلي الذاتي هو الواجب، والأسمائي هو الممكن، ويقولون، هو الوجود المطلق المقول على الواجب والممكن. والقول الثاني: يقولون (¬2) هو نفس الوجود وإن الموجودات أبعاضه وأجزاؤه لا أنواعه، وهؤلاء جعلوه موجودًا لكن جعلوه هو المخلوقات بعينها والأولون لم يجعلوه موجودًا في الخارج لكن جعلوه المطلق الذي يوجد في الخارج معينًا لا مطلقًا، ثم مع هذا (¬3) هل للممكنات (¬4) أعيان ثابتة في العلم سوى وجوده أم هو عين الممكنات (¬5)؟ على قولين: والأول قول صاحب المنصوص (¬6) منهم، والثاني قول أتباعه كالقونوي والتلمساني (¬7) وغيرهما، لكن قول هؤلاء وإن أضل طوائف من أذكياء ¬

_ (¬1) في ط: الأسماء. (¬2) يقولون: ساقطة من: س. (¬3) في س، ط: ذلك. (¬4) في الأصل، س: للمكنات والمثبت من: ط. (¬5) في الأصل: للمكنات والمثبت من: س، ط. (¬6) هو: أبو بكر محيي الدين محمَّد بن علي بن محمَّد الحاتمي الطائي الأندلسي المعروف بابن عربي، الملقب بالشيخ الأكبر عند الصوفية، صاحب التصانيف في التصوف وغيره. توفي سنة 638 هـ. انظر: ميزان الاعتدال -للذهبي- 3/ 659، 660. وفوات الوفيات -لابن شاكر- 3/ 435 - 440. ولسان الميزان -لابن حجر- 5/ 311 - 315. وكتابه "فصوص الحكم" مرتب على سبعة وعشرين فصًّا، و"شرح عدة شروحات من قبل من تلقى الكتاب بالقبول كالتلمساني وغيره، استوفى ذكرهم حاجي خليفة في كتابه، كشف الظنون" 2/ 1262 - 1265. والكتاب طبع في القاهرة سنة 1946 م بتحقيق: د. أبي العلا عفيفي. (¬7) هو: أبو الربيع عفيف الدين سليمان بن علي بن عبد الله التلمساني، صوفي على طريقة ابن عربي قولًا وفعلًا. =

الناس وعبادهم، ووقع تعظيمهم في نفوس طوائف كثيرة من العلماء والعباد والملوك تقليدًا وتعظيمًا لقولهم من غير فهم لقولهم. فكل مسلم بل كل عاقل إذا فهم قولهم حقيقة، علم أن القوم جاحدون للصانع مكذبون بالرسل والشرائع مفسدون للعقل والدين [و] (¬1) ليس الغرض هنا (¬2) الكلام فيهم فإن الأشعرية لا تقول بهذا -وحاشاها من هذا- بل هم من أعظم الناس تكفيرًا ومحاربة لمن هو أمثل من هؤلاء، وإنما هؤلاء من جنس القرامطة والباطنية. ومن قال من أهل الكلام من المعتزلة والأشعرية ومن الفلاسفة: ليس بمنقسم فإن هذا المعنى هو أظهر فسادًا عندهم من أن يكون هو مرادهم، بل يريدون أنه موجود في الخارج متميز بنفسه، وأنه مع ذلك ليس له أجزاء وأبعاض، وقد يقول نفاة الصفات من الفلاسفة وغيرهم كابن سينا وغيره: إن واجب الوجود ليس له أجزاء، لا (¬3) أجزاء حد ولا أجزاءَ كَمٍّ ومراده بذلك أنه ليس له صفة كالعلم والقدرة، ولا بعض كالجسم (¬4)، وهو يقول: إنه موجود متميز عن الممكنات، ولكن يقول ¬

_ = يقول ابن كثير: "وقد نسب هذا الرجل إلى عظائم في الأقوال والاعتقاد في الحلول والاتحاد والزندقة والكفر المحض". توفي سنة 690 هـ. انظر: فوات الوفيات -لابن شاكر- 2/ 72 - 76. والبداية والنهاية -لابن كثير- 13/ 309. وشذرات الذهب -لابن العماد- 5/ 412، 413. (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬2) في جميع النسخ "هذا" ولعل الصواب ما أثبته. (¬3) في الأصل، س: إلا. (¬4) ابن سينا وأتباعه يسمون نفي الصفات والأفعال القائمة بذات الله تعالى توحيدًا لأن إثبات ذلك يؤدي إلى التركيب والتجسيم - بزعمهم. وقد قال ذلك موافقة للمعتزلة، فتناقضت عليه أصوله. ولشيخ الإِسلام -رحمه الله- كلام لطيف حول هذا الموضوع، يمكن الاطلاع عليه في "درء تعارض العقل والنقل" 8/ 239 - 249.

تحقيق الأمر: أن هؤلاء يجمعون بين إثبات الباري ونفيه وبين الإقرار به وإنكاره

هو وغيره -من أهل الكلام من المعتزلة ومن اتبعهم من الأشعرية- فيه ما يوجب أن يلزمهم قول أولئك الاتحادية، فإنه يقول: هو الوجود المطلق، ويصفونه (¬1) بالصفات السلبية التي لا تنطبق إلّا على المعدوم كالوجود المطلق الكلي الذي لا جود له في الخارج، لكن لازم قول الناس ليس هو نفس قولهم الذي قصدوه. وتحقيق الأمر: أن هؤلاء يجمعون بين إثبات الباري ونفيه وبين الإقرار به وإنكاره، ولا يقرون بأنه وجود المخلوقات، وأما أولئك الاتحادية فمع تناقضهم صرحوا بأنه وجود المخلوقات. والمقصود هنا: أن الباري تعالى وإن كانت هذه القسمة والتبعيض منتفية عنه، فقولهم: إنه واحد ليس بذي أبعاض معناه عندهم أنه واحد متميز عن غيره موجود لا بعض له، وإذا كان كذلك [كان كلامه معنىً واحدًا] (¬2) ومن أصلهم أن كلام الله شيء موجود قائم بالمتكلم لا يتبعض ولا ينقسم، أي ليس منه ما هو أمر ومنه ما هو نهي، ومنه ما هو خبر بحيث يكون ليس هذا هو هذا، بل الذي هو الأمر هو (¬3) النهي وهو الخبر، والباري عندهم شيء واحد، أي: ليس بجسم ذي أبعاض، واحد هذين النوعين ليس من جنس الآخر؛ لأنه إنما يصلح أن يستدل (¬4) بنفي هذا التبعيض أن (¬5) لو كان بعض الكلام يقوم ببعض، وبعضه يقوم ببعض آخر، فيقال: يلزم من نفي تبعض الموصوف نفي تبعض الصفة القائمة به، بل إذا قيل: إن الكلام حقائق فكل حقيقة تقوم بالموصوف ¬

_ (¬1) في ط: يصفه. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة أثبتها لعل الكلام يستقيم بها. وهو بياض في: الأصل، س- بقدر كلمتين. والكلام متصل في: ط. (¬3) في الأصل: وهو. والمثبت من: س، ط. (¬4) في ط: يستدل. (¬5) في س: أنه.

الوجه الخمسون: أن ما ذكره ابن فورك من كون الموصوف شيئا واحدا ليس بذي أبعاض يصلح أن يحتج به على إمكان أن تكون صفته واحدة ليست بذي أبعاض ولا أجزاء

قيامًا مطلقًا، كما تقوم به الحياة والعلم والقدرة وغير ذلك قيامًا مطلقًا لكان هذا مقولًا (¬1) مقبولًا، فعلم أنه وإن عقل متكلم واحد ليس بذي أبعاض وأجزاء فإنه لا يلزم أن يعقل كلام هو معنى واحد هو الأمر والنهي، وأن هذا شيء غير هذا. الوجه الخمسون: أن ما ذكره من كون الموصوف شيئًا واحدًا ليس بذي أبعاض، يصلح أن يحتج به على إمكان أن تكون صفته واحدة ليست بذات أبعاض ولا أجزاء، فإذا قام به علم أو علوم أو قدرة أو قدر أو كلام أو كلمات أو غير ذلك، قيل في كل صفة تقوم به: إنها ليست ذات أجزاء وأبعاض، فإذا قام به أوامر وأخبار كان كل أمر وكل خبر غير متبعض ولا مجتزئ، أما أنه يصلح أن يحتج به أن هذا الصفة هي هذه الصفة، مثل أن يقال: إن الأمر هو الخبر والسمع هو البصر؛ فهذا باطل، ثم يقال: الوجه الحادي والخمسون: إن وجدته إما أن تصحح هذا بأن (¬2) يقال: هذه الصفة هي هذه الصفة، أو لا تصحح ذلك، فإن صححته صح أن يقال: السمع هو البصر، وهما جميعًا العلم وهو القدرة وهي الحياة، وإن لم يصح ذلك لم يصح أن يقال: الأمر بالصلاة هو الأمر بالزكاة فضلًا عن أن يقال: الأمر بالصلاة هو الخبر عن سجود الملائكة لآدم. الوجه الثاني والخمسون: أن يقال: ما تعني (¬3) بقولك كما يعقل متكلم هو شيء واحد ليس ¬

_ (¬1) في س، ط: معقولًا. (¬2) في الأصل، س: أن. وأثبت المناسب لسياق الكلام من: ط. (¬3) في الأصل: يعني. وأثبت المناسب للسياق من: س، ط.

بذي أبعاض ولا أجزاء ولا آلات؟ أتعني بذلك أنه لا يتفرق ولا ينفصل منه شيء عن شيء، بل هو صمد -سبحانه وتعالى؟ أم تعني به أنه لا يتميز منه في العلم شيء من شيء؟. فإن عنيت الأول فهو حق، لكن لا يفيدك ذلك، فإن هذا لا يستلزم أن لا يكون له كلام متعدد. وإن عنيت الثاني قيل لك: لا ريب أنك تسلم أنه يمكن العلم ببعض صفاته دون بعض، كما تعلم قدرته ولا تعلم (¬1) علمه، وتعلم وجوده ولا تعلم وجوبه، ولا ريب أن المعلوم ليس هو هذا الذي ليس بمعلوم، فهذا إقرار منك بثبوت التبعيض والتجزيء بهذا الاعتبار، ثم العلم إن لم يكن مطابقًا للمعلوم كان جهلًا، فلا بد أن تكون هذه الحقائق متميزة في ذواتها، وهذا صريح فيما أنكرته، ولا بد لكل موجود من مثل هذا، فإنه ما من موجود إلّا ويمكن أن يعلم منه شيء دون شيء وذلك يستلزم ثبوت حقائق ليست هذه هي هذه، وهذا لازم لكل أحد، حتى نفاة الصفات يقرون بثبوت المعاني التي هي هذه، وإن (¬2) كان التبعيض (¬3) بهذا الاعتبار ثابتًا لم يمكنك إنكار التبعيض مطلقًا، بل علم بالضرورة والاتفاق أن منه شيئًا ليس هو الشيء الآخر. أما الصفاتية فيقرون بذلك لفظًا ومعنى وهو الحق، والكلابية والأشعرية منهم، وأما نفاة الصفات فإنهم -أيضًا- مضطرون إلى الإقرار بذلك، فإن أخذوا يقولون بل هذا هو هذا، كما يقوله المتفلسفة في العاقل والمعقول والعقل (¬4) وفي الوجود والوجوب، وكما يقول المعتزلة ¬

_ (¬1) في س: يعلم. (¬2) في س، ط: وإذا. (¬3) في ط: والتبعيض. (¬4) نقل الشهرستاني في "الملل والنحل" 2/ 184 - أن ابن سينا يقول: إن واجب الوجود عقل وعاقل ومعقول، وأنه يعقل ذاته والأشياء، وصفاته الإيجابية =

كما يقوله أبو الهذيل (¬1): إن العلم والقدرة هو الله ونحو ذلك، فمن المعلوم أن فساد هذا من أظهر البديهيات (¬2) في العقول، ثم إذا التزموا ذلك كان لكل من نازع أن يقول فيما أنكروه كما قالوه فيما أقروا به، فيقول المجسم: أنا أقول إن هذا الجانب هو هذا (¬3) الجانب، كما يقوله من يقول مثل ذلك في الجوهر الفرد (¬4)، ويقول الصفاتية ¬

_ = والسلبية لا توجب كثرة في ذاته، وكيفية صدور الأفعال عنه، ثم ذكر فلسفة ابن سينا في العقل والعاقل والمعقول في ص: 184، 185. وانظر ما قاله ابن سينا في واجب الوجود في المصدر السابق، نفس الجزء ص: 181 - 184. (¬1) هو: أبو الهذيل محمَّد بن الهذيل العلاف -تقدم التعريف به، تفرد بأشياء منها- كما يقوله أبو القاسم البلخي: ". . . والذي تفرد به تجويز فناء القدرة على العقل في حاله، وأن أهل الجنة مضطرون إلى أفعالهم، وأن العمل قد يكون طاعة، وأن العامل لا يريد الله به، وأن علم الله هو الله، وكذلك قدرة الله هي الله". طبقات المعتزلة -باب ذكر المعتزلة من مقالات الإِسلاميين- للبلخي - ص: 65. وقد أورد البغدادي في "الفرق بين الفرق" ما تفرد به أبو الهذيل من أقوال وناقشها ورد عليها. ص: 122 - 130. (¬2) في س: البديهات. (¬3) في س: هذ. (¬4) الجوهر الفرد: هو الجزء الذي لا يتجزأ. يقول الآمدي في كتابه المبين في شرح معاني ألفاظ الحكماء والمتكلمين ص: 109، 110، "وأما الجوهر: فعلى أصول الحكماء ما وجوده لا في موضوع، والمراد بالموضوع: المحل المقوم بذاته، المقوم لما يحل فيه، وينقسم إلى بسيط ومركب، أما البسيط: فهو العقل والنفس والمادة والصورة. وأما المركب: فهو الجسم، وهو عبارة عن جوهر قابل للتجزئة في ثلاث جهات متقاطعة تقاطعا تامًّا. . . وأما على أصول المتكلمين: فالجوهر عبارة عن المتحيز، وهو ينقسم إلى بسيط ويعبر عنه بالجوهر الفرد، وإلى مركب وهو الجسم. فأما الجوهر الفرد: فعبارة عن جوهر لا يقبل التجزيء لا بالفعل ولا بالقوة. =

الوجه الثالث والخمسون: يقال لابن فورك: قولك كما يعقل. متكلم هو شيء واحد ليس بذي أبعاض والذي أوجب كونه كذلك قدمه من أين في قدمه أن يكون كذلك وأنت لم تذكر ذلك

[كلهم] (¬1) نحن نقول: العلم هو القدرة، والقدرة هي السمع والبصر، ويقول الأشعري للمعتزلة: نحن نقول: الأمر هو النهي، ويقول القائلون بالحرف (¬2) والصوت نحن نقول: الياء هي السين وأمثال ذلك كثير. وإن قالوا: بل لا نقول (¬3) في هذين إن أحدهما هو الآخر ولا غيره، أو هما متغايران باعتبار دون اعتبار أو نحو ذلك، كان القول فيما نوزعوا فيه من التبعيض نظير القول فيما أقروا به، وهذا كلام متين لا انفصال عنه بحال، وقد بسطناه في الكلام على تأسيس الرازي (¬4). الوجه الثالث والخمسون: قوله: كما يعقل متكلم هو شيء واحد ليس بذي أبعاض، والذي أوجب كونه كذلك (¬5) قدمه. ¬

_ = وأما الجسم: فعبارة عن المؤتلف عن جوهرين فردين فصاعدا". وقد ذكر أبو الحسن الأشعري في "مقالات الإِسلاميين" 2/ 8 - 13 اختلاف الناس في الجوهر ومعناه، وهل هو جسم؟ وهل الجواهر جنس واحد؟ وما يجوز على بعضها هل يجوز على جميعها؟ وهل يجوز وجودها ولا أعراض فيها أم يستحيل ذلك؟ يقول شيخ الإِسلام -رحمه الله- "وأكثر العقلاء من طوائف المسلمين وغيرهم ينكرون الجوهر الفرد، حتى الطوائف الكبار من أهل الكلام كالنجارية والضرارية الهشامية والكلابية وكثير من الكرامية مع أكثر الفلاسفة". انظر: درء تعارض العقل والنقل- 3/ 355. وراجع: نفس المصدر- 4/ 201. وبيان تلبيس الجهمية- 1/ 280 - 286. (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬2) في ط: الحروف. (¬3) في الأصل: تقول. وأثبت المناسب للسياق من: س، ط. (¬4) انظر: بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية -لابن تيمية 1/ 378، 2/ 238 - 239. (¬5) في س، ط: ذلك.

الوجه الرابع والخمسون: أن حجتهم على إنكار تكلم الله بالحرف والصوت نقيض ما احتجوا به على الكلام النفساني

يقال: لكن من أين في قدمه أن يكون كذلك وأنت لم تذكر ذلك؟ وقد تكلمنا في تلخيص التلبيس (¬1) على جميع ما احتجوا به في هذا الباب وبينا لكل من له أدنى فهم أن جميع حججهم داحضة، وتكلمنا على طريقهم المشهور الذي أثبتوا به حدوث الأجسام وبينا اتفاق السلف على فسادها، فإنها فاسدة في العقل أيضًا. الوجه الرابع والخمسون: إن حجتهم على إنكار تكلم الله بالحرف نقيض (¬2) ما احتجوا به على هذا الكلام النفساني، فيلزمهم أحد الأمرين: إما إنكار ما أثبتوه من الكلام النفساني، أو الإقرار بما أنكروه من التكلم بالحروف. قال (¬3) القاضي أبو بكر بن الباقلاني في كتاب "النقض" (¬4) وهو في ¬

_ (¬1) وهو كتاب نقض تأسيس الجهمية، ويسمى بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية. وقد أورده البزار بالاسم الذي ذكره الشيخ -رحمه الله- هنا، فقال مبتدئًا بيان بعض مؤلفات الشيخ: ". . فمنها ما يبلغ الاثني عشر مجلدًا كتلخيص التلبيس على أساس التقديس. . ". راجع: الأعلام العلية في مناقب شيخ الإِسلام ابن تيمية -للبزار- ص: 26. وانظر: بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية لابن تيمية -تعليق محمَّد بن عبد الرحمن بن قاسم 1/ 24 - المقدمة- ت: 4. وقد تقدم في ص: 389 أن الشيخ أحال عليه ونص على هذه التسمية فقال: "كما قد أوضحنا ذلك في بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية ويسمى أيضًا تلخيص التلبيس من كتاب التأسيس. (¬2) في س، ط: ينقض. (¬3) في هامش س: كلام القاضي أبي بكر بن الباقلاني في الكلام النفسي". (¬4) أبو بكر الباقلاني تقدم التعريف به وكتابه "النقض" الذي أشار إليه الشيخ -رحمه الله- لم أقف عليه في المصادر التي رجعت إليها, ولم يذكره بروكلمان وسزكين في كلامهما على آثار الباقلاني، وما ذكراه "مناقب الأئمة ونقض المطاعن عن سلف الأمة" -مخطوط في الظاهرية بدمشق، ومن المحتمل أن يكون هو كتاب =

أربعين سفرًا، وقد تكلم في مسألة القرآن في ثلاث مجلدات، وتكلم على القائلين بقدم الحروف، وقال (¬1): "من زعم أن السين (¬2) من بسم بعد الباء، والميم بعد السين، والسين الواقعة بعد الباء لا أول (¬3) له، فقد خرج عن المعقول إلى جحد الضرورة، فإن من اعترف بوقوع شيء بعد شيء فقد اعترف بأوليته، فإن ادعى أنه لا أول لما له أول (¬4) سقطت مكالمته. وأما من زعم أن الرب -سبحانه- تكلم بالحروف دفعة واحدة من غير ترتيب ولا تعاقب فيها، فيقال لهم: الحروف أصوات (¬5) مختلفة لا شك في اختلافها، وقد اعترف خصومنا (¬6) باختلافها، وزعموا أن لله ضروبًا من الكلام متغايرة مختلفة ¬

_ = النقض الذي ذكره الشيخ. وقد ذكر البغدادي في "الفرق بين الفرق" ص: 133 أن للباقلاني كتابًا كبيرًا في نقض أصول النظام. وانظر قريبًا مما نقله الشيخ -رحمه الله- من النقض في الإنصاف للباقلاني - ص: 99 - 101. وأورد هذا النقل عن القاضي أبي بكر أبو عبد الله القرطبي في كتابه الأسنى في أسماء الله الحسنى وصفاته العلى -مخطوط- اللوحة 245، فقال: "قال القاضي في كتاب النقض -وهو في أربعين سفرًا، وتكلم في مسألة القرآن في ثلاث مجلدات، وتكلم على القائلين بقدم الحروف في ثلاثة أسطر وقال: "من زعم. . (¬1) في هامش س: رد ابن الباقلاني على الاقترانية. . . (¬2) السين: ساقطة من: الأسنى. (¬3) في الأصل: لأول. والمثبت من: س، ط، والأسنى. (¬4) في الأسنى: ادعى لا أول بما له أول. (¬5) في الأسنى: أصول. (¬6) في س، ط: خصوصًا.

على اختلاف اللغات والمقاصد في العبارات، وكل (¬1) صوتين مختلفين من الأصوات متضادان (¬2) يستحيل اجتماعها في المحل الواحد وقتًا واحدًا، كما يستحيل اجتماع كل مختلفين من الألوان. والذي يوضح ذلك ويكشفه: أنا كما نعلم استحالة قيام السواد والبياض بمحل واحد جميعًا [فكذلك نعلم استحالة صوت خفيض وصوت جهوري بمحل (¬3) واحد في وقت واحد جميعًا] (¬4) وهذا واضح لا خفاء به (¬5) والمختلف من الأصوات تتضاد (¬6) كما أن (¬7) المختلف من الألوان تتضاد (¬8)، والرب -سبحانه- واحد ومتصف بالوحدانية (¬9) متقدس عن التجزئ والتبعيض (¬10) والتعدد والتركب (¬11) والتألف، وإذا تقرر ما قلناه استحال قيام أصوات متضادة بذات موصوفة بحقيقة الوحدانية، وهذا ما لا مخلص لهم منه. فإن تعسف من المقلدين (¬12) متعسف، وأثبت الرب (¬13) -سبحانه- جسمًا مركبًا من أبعاض متألفًا من جوارح نقلنا (¬14) الكلام معه ¬

_ (¬1) في الأصل: أوكل. وأثبت المناسب من: س، ط، والأسنى. (¬2) في الأصل: متضادين. وفي س: متضاران. والمثبت من: ط، والأسنى. (¬3) في س: عجل. وهو تصحيف. (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من: الأسنى. (¬5) في ط: فيه. (¬6) في ط: يتضاد. وفي الأسنى: يتضادان. (¬7) أن: ساقطة من: الأسنى. (¬8) في الأسنى: يتضاد. (¬9) في ط: الواحدانية. (¬10) في ط: التبعض. (¬11) في الأسنى: التركيب. (¬12) في الأصل: المتقلدين. والمثبت من: س، ط، والأسنى. (¬13) في الأسنى: للرب. (¬14) في الأصل: فقلنا. وأثبت ما يستقيم به الكلام من: س، ط، والأسنى.

تعليق الشيخ عليه

إلى إبطال التجسيم (¬1)، وإيضاح تقدس الرب عن التبعيض والتأليف والتركيب (¬2) ". فيقال له: هذا (¬3) بعينه وارد عليك فيما أثبته من المعنى (¬4) القائم بالذات، فإن الذي نعلمه (¬5) بالضرورة في الحروف يعلم (¬6) نظيره بالضرورة في المعاني، فالمتكلم منا إذا تكلم بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) فهو بالضرورة ينطق بالاسم الأول لفظًا ومعنى قبل (¬7) الثاني، فيقال في هذه المعاني نظير ما قاله في الحروف، فيقال من اعترف بأن معنى (¬8) الرحمن الرحيم بعد معنى بسم الله وادعى (¬9) أن هذا المعنى لا أول (¬10) له فقد خرج عن المعقول إلى جحد (¬11) الضرورة. وإن زعم أن الرب تكلم بمعاني الحروف دفعة واحدة من غير تعاقب ولا ترتيب قيل له: معاني الحروف حقائق مختلفة لا شك في اختلافها فإن المعنى القائم بنفس المتكلم المفهوم من {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (¬12) ليس هو المعنى ¬

_ (¬1) في س: التجسم. (¬2) في الأصل: في التركيب. وأثبت ما يستقيم به الكلام من: س، ط، والأسنى. (¬3) في س: لهذا. (¬4) في س: من المعاني المعنى. وفي ط: من المعاني وهو المعنى. (¬5) في س: يعلمه. (¬6) في ط: نعلم. (¬7) في الأصل: قيل. وأثبت المناسب للسياق من: س، ط. (¬8) في س، ط: معنى اسم. (¬9) في س: الدعي. (¬10) في س: لأول. (¬11) في س: أجحد. (¬12) سورة الفاتحة، الآية: 1.

الذي نجده أنه لا يمكننا أن نجمع بين صوتين في محل واحد وقتا واحدا

القائم بالنفس المفهوم من {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} " (¬1) ولا شك في أن المعنى في صيغ الأمر ليس هو المعنى (¬2) في صيغ الإخبار، فإما أن يسلم هذا أو يمنع، فإن سلم كما سلم بعضهم أن الكلام خمس حقائق تكلم معه حينئذ وإن لم يسلم قيل له: العلم باختلاف هذه المعاني ضروري بديهي ليس هو بدون العلم بتعاقب الحروف والمعاني ولا بدون العلم باختلاف الأصوات، بل أصوات المصوت الواحد أقرب تشابهًا من المعاني القديمة بنفسه، وهذا أمر (¬3) محسوس، ومن أنكره سقطت مكالمته أبلغ مما تسقط مكالمة ذاك وحينئذ فيقال له: هذه المعاني المختلفة متضادة في حقنا، فإنا نجد من نفوسنا أنها عند تصور معاني كلام لا يمكنها أن تتصور معاني كل كلام، كما نجد من أنفسنا (¬4) أنا عند التكلم (¬5) بصوت لا يمكننا أن نتكلم بصوت آخر، فإن كان هذا الامتناع لذات المعنيين والصوتين امتنع أن يقوم ذلك بمحل واحد، وإن كان لعجزنا عن ذلك كما نعجز عن استحضار علوم كثيرة لم يجب أن يكون ذلك ممتنعًا في حق الله، ولا ممتنعًا أن يخلق الله في ما شاء من المخلوقات معاني كثيرة مختلفة وأصواتًا كثيرة مختلفة. قوله: وكل صوتين مختلفين من الأصوات متضادان يستحيل اجتماعهما في المحل الواحد وقتًا واحدًا. فيقال له: أما الذي نجده فإنا لا يمكننا أن نجمع بين صوتين في محل واحد وقتًا واحدًا سواء كانا مختلفين أو متماثلين، فليس الامتناع في ¬

_ (¬1) سورة المسد، الآية: 1. (¬2) في الأصل: المعتر. ولا معنى لها. (¬3) في ط: الأمر. (¬4) في س، ط: نفوسنا. (¬5) في س، ط: المتكلم.

ذلك لأجل اختلاف الأصوات، وكذلك لا يمكننا أن نستحضر في قلوبنا المعاني الكثيرة في الوقت الواحد في الزمن الواحد، سواء كانت مختلفة أو متماثلة، وإن قدرنا أن نجمع من المعاني في قلوبنا ما لا نقدر على أن نجمع لفظه من الأصوات، فلا ريب أن القلب أوسع من الجسد لكن لا بد أن يجد كل أحد نفسه يمتنع أن يجتمع فيها معاني كثيرة في وقت واحد، كما يمتنع أن يجمع (¬1) بين صوتين في محل واحد، وقياس الأصوات بالمعاني وهي مطابقة لها وقوالب (¬2) لها أجود من قياسها بالألوان، وما ألزموه في -المعاني من أنها معنى واحد (¬3) هو الأمر والنهي والخبر ليس في مخالفته لبديهة العقول بدون أن يقال (¬4) يكون حرفًا واحد هو الباء والسين، وإذا لم يقل هذا وهو نظيره، فلا ريب أن القول بجواز اجتماعهما في المحل الواحد أقرب إلى المعقول من كون الأمر هو النهي وهما الخبر، فالقول باجتماع الصفتين المتضادتين في محل واحد أقرب من القول بأن إحداهما الأخرى، ومن قال الكلام هو الأمر والنهي والخبر وأنها كلها مجتمعة قائمة بمحل واحد، فكيف يمتنع أن يقول باجتماع حروفها (¬5) في محل واحد. ومما يؤيد هذا أنه على أصل القاضي أبي بكر -وهو فحل الطائفة- أن النسخ رفع الحكم بعينه، وهذا اختيار الغزالي (¬6)، وهو قول ابن عقيل ¬

_ (¬1) في الأصل: يجتمع. وأثبت ما يناسب السياق من: س، ط. (¬2) في الأصل: ثواب. ولا معنى لها. والمثبت من: س، ط. (¬3) في س: واحدًا. (¬4) في س: أيقال. (¬5) في الأصل: حرفهما. وأئبت المناسب للكلام من: س، ط. (¬6) هو: أبو حامد محمَّد بن محمَّد الغزالي الطوسي، فيلسوف متصوف. يقول ابن كثير: "تفقه على إمام الحرمين، وبرع في علوم كثيرة، وله مصنفات منتشرة في فنون متعددة". توفي سنة 505 هـ. انظر: تبيين كذب المفتري -لابن عساكر- ص: 291 - 306. وسير أعلام =

وغيره من المحققين (¬1)، فيكون -سبحانه- قد أمر بشيء ونهى عن نفس ما أمر به، كما في قصة الذبيح (¬2)، والأمر (¬3) بالشيء مضاد للنهي عنه في فطر العقول أعظم من مضادة السواد للبياض، فإذا كانوا يلتزمون مثل ذلك ¬

_ = النبلاء -للذهبي- 19/ 322 - 346. والبداية والنهاية -لابن كثير- 12/ 187، 188. والغزالي يرى: أن الله متكلم بكلام أزلي قديم قائم بذاته، لا يقبل الانفصال والافتراق بالانتقال إلى القلوب والأوراق، وليس بحرف ولا صوت، وموسى - عليه السلام - سمع كلام الله بغير صوت ولا حرف، فلا يثبت في حق الله تعالى إلَّا كلام النفس. انظر: الأربعين في أصول الدين- ص: 17. والاقتصاد في الاعتقاد - ص: 139 - 149. وكلاهما للغزالي. (¬1) يقول الرازي في حد النسخ في "المحصول" 1/ 3 / 423: "الذي ذكره القاضي أبو بكر، واقتضاه الغزالي -رحمهما الله- أنه الخطاب الدال على ارتفاع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم على وجه لولاه لكان ثابتًا مع تراخيه عنه". وانظر: رأي الغزالي في كتابه "المستصفى في علم الأصول" 1/ 107. (¬2) قصة الذبيح: ذكرها الله تعالى بقوله: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} 102 - 107 / الصافات. يقول ابن كثير عند تفسيره لهذه الآيات: 4/ 16: "وقد استدل بهذه الآية والقصة جماعة من علماء الأصول على صحة النسخ قبل التمكن من الفعل خلافًا لطائفة من المعتزلة، والدلالة من هذه ظاهرة، لأن الله شرع لإبراهيم -عليه السلام- ذبح ولده، ثم نسخه عنه وصرفه إلى الفداء". وجواز نسخ الأمر قبل التمكن من الامتثال وأدلة ذلك، ومناقشة أدلة المعتزلة وبيان تعسفهم في التأويل بينه ابن قدامة المقدسي في: روضة الناظر وجنة المناظر ص: 39 - 41. (¬3) في س: إلا أمر. وهو تصحيف.

حتى يجعلوا (¬1) الضدين شيئًا واحدًا، كيف يمنعون اجتماع حرفين أو صوتين (¬2) وذلك أقرب إلى المعقول، وهذا الكلام لازم لجماعتهم، فإنهم حكوا عن القائلين بقدم الحروف والأصوات، هل هي متعاقبة أو يتكلم بها دفعة واحدة؟ قولين: كما قال أبو المعالي فيما ذكره أبو عبد الله القرطبي (¬3) أن كلام الله منزه عن الأصوات (¬4). ¬

_ (¬1) في ط: يجعلون. (¬2) في س: صوت. والأشاعرة يمنعون اجتماع حرفين أو كلمتين، ويعتبرون اجتماعهما مكابرة للعقل. يقول الشهرستاني في "الإقدام" ص: 310، 311: ". . فإن العاقل لا يشك أن الذي يسمعه من القاري حروف وكلمات تخرج عن مخارجها على اختياره وليس يقارنه أمثالها حتى يكون كل حرفين، وكل كلمة كلمتين وكل آية آيتين، وإن كان فما محلها. وقد اشتغلت المخارج بحروفها؟ ومن المحال اجتماع حرفين وكلمتين في محل واحد في حالة واحدة. والحروف لا وجود لها إلا على التعاقب، واجتماع حرفين وكلمتين في محل واحد غير معقول ولا مسموع، ولا محسوس من جهة القاري فهو محال". (¬3) هو: أبو عبد الله محمَّد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي الأندلسي القرطبي، من كبار المفسرين، له في ذلك "الجامع لأحكام القرآن" توفي سنة 671 هـ. انظر: الوافي بالوفيات -للصفدي- 2/ 122، 123. وطبقات المفسرين -للداودي- 2/ 609، 670. والأعلام -للزركلي- 6/ 217، 218. وانظر نقله عن أبي المعالي الجويني، وأنه يقول: إن كلام الله منزه من الأصوات والحروف، في "الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى وصفاته العلى" - مخطوط اللوحة: 244. (¬4) أبو المعالي الجويني يرى أن كلام الله تعالى معنى قائم بالنفس ليس بحرف ولا صوت. وقد صرح بهذا في كتابه "الإرشاد" فقال في ص: 127: ". . فإن الكلام عند أهل الحق معنى قائم بالنفس ليس بحرف ولا صوت، والكلام الأزلي يتعلق بجميع متعلقات الكلام على اتحاده، وهو أمر بالمأمورات، ونهي عن =

الوجه الخامس والخمسون: أن المثبتين للحروف القديمة قولهم أقرب إلى المعقول من قول أهل المعنى الواحد القديم

الوجه الخامس والخمسون: أن هؤلاء المثبتين للحروف القديمة قالوا ما هو أقرب إلى المعقول من قول أهل المعنى الواحد القديم الذي هو الأمر والخبر، فقالوا: الترتيب والتعاقب نوعان: ترتيب وجودي زماني كترتيب الابن علي الأب واليوم على أمس، ولا ريب أن هذا يمتنع في القديم الأزلي. والثاني: ترتيب ذاتي حقيقي ليس زمانيًّا، كترتيب الصفات على الذات والعلم على الحياة والمعلول على علته المقارنة له، إذا قدر ذلك، فإنا نعقل (¬1) هنا ترتيبًا وتقدمًا وتأخرًا بالذات دون الوجود والزمان، وهذا كما لو فرض مصحفًا (¬2) كتب آخره قبل أوله، فإنه يعلم أن أول السورة متقدم على آخرها بالذات، وإن كان قد كتب بعده. قالوا: والكلام على حروفه ومعانيه مترتب في حق الله بهذا الاعتبار، لا بالترتيب الزماني كما يوجد في قراءة القارئين من ترتيب المعاني والألفاظ جميعًا في الزمان، وهذا الترتيب لا ينافي قدمه. ولا ريب أن ما في هذا من إثبات تعدد المعاني لتعدد الحروف، والحكم عليهما بحكم واحد، وإثبات القدم على هذا الوجه أقرب إلى المعقول من جعل الحقائق المختلفة معنى واحدًا، ثم التفريق بين المعنى والحرف بالتحكيم، فإن هذا فيه جمع بين المختلفين بجعلهما (¬3) شيئًا واحدًا، وتفريق بين الشيئين فيما اشتركا فيه. ¬

_ = المنهيات، خبر عن المخبرات ثم يتعلق بالمتعلقات المتجددات، ولا يتجدد في نفسه". وقال في ص: 128: "ذهبت الحشوية المنتمون إلى الظاهر إلى أن كلام الله تعالى قديم أزلي، ثم زعموا أنه حروف وأصوات. . ". (¬1) في س: فانعقل. (¬2) في ط: مصحف. (¬3) في س: يجعلهما.

الوجه السادس والخمسون: قلتم يستحيل اجتماع الصوتين في المحل الواحد، وأثبتم ذلك شاهدا وغائبا

الوجه السادس والخمسون: أن نقول: قولكم يستحيل اجتماع الصوتين في المحل الواحد، وأثبتم ذلك شاهدًا وغائبًا. ومن المعلوم أن وحدة الباري عندكم لا تناسب (¬1) وحدة غيره، وليس هذا (¬2) عندكم كوحدة الأجسام، فليس (¬3) عندكم في الشاهد ما هو واحد من كل وجه إلا الجوهر الفرد عند من يقول به، فقولكم بعد هذا يستحيل اجتماع الصوتين المختلفين في المحل الواحد وقتًا واحدًا، بهما يستحيل اجتماع اللونين مع أنه لا واحد يفرض (¬4) ذلك فيه شاهدًا إلا الجسم، وذلك مستلزم لكون الجسم واحدًا، فيقال: هب أن الجسم لا يقبل اجتماع صوتين مختلفين، كما لا يقبل معنى واحدًا يكون أمرًا ونهيًا وخبرًا واستخبارًا، فهلا قلتم: إن الواحد الذي ليس بجسم يمكن اجتماع أصوات فيه، كما قلتم: إنه يقوم به معنى واحد هو حقائق مختلفة؟ فلما قيل لكم: كيف يعقل هذا؟ قلتم: يعقل ذلك بالدليل الموجب (¬5) لقدمه المانع من كونه متغايرًا مختلفًا، كما يعقل متكلم هو شيء واحد ليس بذي أبعاض. ومعلوم أن الأدلة الدالة على قدم الكلام عند التحقيق لا تفرق (¬6) بين المعاني والحروف، وإنما فرقتم لمعارض إخراج الحروف عن ذلك، ¬

_ (¬1) في س: يناسب. (¬2) في س، ط: ذلك. (¬3) في س، ط: وليس. (¬4) في س: يعرض. (¬5) في س، ط: الواجب. (¬6) في الأصل، س: يفرق. وأثبت ما يستقيم به الكلام من: ط.

الوجه السابع والخمسون: أن اجتماع العلم بالشيء والرؤية له في محل واحد في وقت واحد ممتنع في حقنا

وهو ما اعتقدتموه من وجوب حدوثها كما ذكرتم هنا، هذا الدليل يلزم أقوى منه في المعاني، فلو قلتم: نعقل حروفًا (¬1) مجتمعة أو أصواتًا (¬2) مجتمعة في محل واحد بالدليل الدال على ذلك، إذ كان ذلك الواحد ليس بذي أبعاض حتى يكون القائم بهذا البعض مغايرًا للقائم بالبعض الآخر، وإذا لم تجب المغايرة فيما قام به، لم يمتنع أن يقوم به الصوت الذي هو بالنسبة إلى غيره أصوات، إذ الاختلاف فرع للتغاير، فما لا تغاير فيه يمتنع الاختلاف فيه، فإذا كان ما يقوم به لا يغاير فأن (¬3) لا يختلف أولى وأحرى. ففرض (¬4) قيام صوتين مختلفين به والحال هذه يمتنع على ما أصلتموه. الوجه السابع والخمسون: إن اجتماع العلم بالشيء والرؤية له في محل واحد في وقت واحد ممتنع في حقنا، وكذلك العلم به وسمعه، ومع هذا فقد أثبتم الباري يعلم الموجودات ويراها، والعلم والرؤية قائمان بمحل واحد عندكم، وأيضًا فعند الأشعري، والقاضي وسائر أئمتهم أن الوجه واليدين والصفات قائمة بذات الله التي لا تنقسم، كقيام العلم والسمع والبصر والقدرة. ومن المعلوم أن قيام القدرة واليدين في محل واحد ممتنع عندنا، بل عندنا أن اليدين محل القدرة، فإذا أثبتم يدًا ووجهًا وصفتموهما بذلك، فما المانع من ثبوت حروف وأصوات؟ ويمكنكم أن تقولوا: ¬

_ (¬1) في الأصل: حروف. وهو خطأ والمثبت من س، ط. (¬2) في ط: أصوات. وهو خطأ. (¬3) في الأصل، س: وأن. وأثبت ما يستقيم به الكلام من: ط. (¬4) في س: وفرض.

الوجه الثامن والخمسون: يقال للباقلاني: إن قولك إن الرب واحد ومتصف بالوحدانية متقدس عن التجزئ والتبعض هذا يلزمك في سائر الصفات

إنها ليست من جنس هذه الأعراض القائمة بالمخلوقين، فلا يجب أن يحكم فيها بحكمها. الوجه الثامن والخمسون: أن قوله (¬1): الرب واحد ومتصف بالواحدانية متقدس عن التجزيء والتبعيض والتعدد والتركيب والتأليف، يستحيل قيام أصوات متضادة بذات موصوفة بحقيقة الواحدانية. يقال له: هذا يلزمك في سائر الصفات فإن الذات التي لا يتميز في العلم منها شيء من شيء يمتنع أن يقوم بها صفات كالعلم والقدرة والحياة والسمع والبصر، إذ ذلك يوجب من التعدد والتركيب والتأليف والتجزيء والتبعيض نظير ما نفاه، وهو من حجة نفاة الصفات عليه. ولما قال له مخالفه: لا نعقل الحياة والعلم والقدرة يقوم إلا بجسم، ولا نعقل (¬2) اليد والوجه إلا بعضًا من جسم. قال: لا يجب هذا، كما لا يجب إذا لم نعقل حيًّا عالمًا قادرًا، إلا جسمًا أن يكون الغائب كذلك، فألزم مخالفه إثباته لحي عالم قادر في متصف بهذه الوحدة التي وافق خصمه عليها. ومعلوم أن هذا كله في مخالفة صريح العقل سواء، فكونه لا يتميز منه شيء من شيء يأبى أن يكون حيًّا عالمًا قادرًا، إذ هذه الأشياء مستلزمة لمعاني يتميز بعضها عن بعض، بل يأبى ثبوت موجود مطلقًا سواء كان قديمًا أو حادثًا، إذ لا بد للوجود من أمور متميزة فيه، وذلك مستلزم لثبوت ما نفاه، فهذا التوحيد الذي ابتدعوه هو التعطيل المحض وهو تشبيه الباري بالمعدومات. ¬

_ (¬1) أورده الشيخ -رحمه الله- بتصرف يسير. (¬2) في س، ط: يعقل.

الوجه التاسع والخمسون: يقال له -أيضا- الألفاظ الواردة في قولك: لأنه مقدس عن التجزئ والتبعيض ألفاظ مجملة

الوجه التاسع والخمسون: قولك: لأنه مقدس عن التجزيء والتبعيض والتعدد والتركيب والتأليف: يقال: هذه الألفاظ (¬1) مجملة. فإن أردت المعنى المعروف في اللغة لهذه الألفاظ، مثل أن يريد (¬2) أنه لا ينفصل بعضه عن بعض، ولا يتجزأ فيفارق جزء منه جزءًا كما هو المعقول من التجزيء، ولا يتعدد فيكون إلهين أو ربين أو خالقين، ولم يركب فيؤلف فيجمع بين أبعاضه، كما في قوله: {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} (¬3) أو ما يشبه هذه الأمور، فهذا كله ينافي صمدانيته ولكن لا ينافي قيام ما يثبته من الأصوات، كما لا ينافي قيام سائر الصفات. وإن أردت بهذه الألفاظ أنه لا يتميز منه شيء، فهذا باطل بالضرورة وباطل باتفاق العقلاء وهو لازم لمن نفاه لزومًا لا محيد عنه وقد بسطنا هذا بسطًا مستوفى في كتاب بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعتهم الكلامية (¬4). وأما قوله: فإن تعسف من المقلدين متعسف وأثبت الرب تعالى جسمًا مركبًا من أبعاض متألفًا من جوارح، نقلنا (¬5) الكلام معه إلى إبطال الجسم، وإيضاح تقدس الرب عن التبعيض والتأليف والتركيب. ¬

_ (¬1) في س، ط: ألفاظ. (¬2) في ط: تريد. (¬3) سورة الانفطار، الآية: 8. (¬4) بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية 1/ 504، 511. وانظر كلام الشيخ -أيضًا- عن الألفاظ المجملة المتشابهة، وما يجب اتباعه إذا وردت في كلام المعارض في درء تعارض العقل والنقل 1/ 222 فما بعدها. (¬5) في الأصل: فقلنا. وهو خطأ.

لفظ الجسم بين الناطقين به فيه نزاع كثير

فيقال له: الكلام في وصف الله بالجسم نفيًا وإثباتًا بدعة لم يقل أحد من سلف الأمة وأئمتها أن الله ليس بجسم (¬1). كما لم يقولوا: إن الله جسم (¬2)، بل من أطلق أحد اللفظين استفصل (¬3) عما أراد بذلك فإن في لفظ الجسم بين الناطقين به نزاعًا كثيرًا (¬4). فإن أراد تنزيهه عن معنى يجب تنزيهه عنه، مثل أن ينزهه عن مماثلة المخلوقات فهذا حق، ولاريب أن من جعل الرب جسمًا من جنس المخلوقات فهو من أعظم المبتدعة ضلالًا، دع من يقول منهم: إنه لحم ودم ونحو ذلك من الضلالات المنقولة عنهم. وإن أراد نفي ما ثبت بالنصوص وحقيقة العقل -أيضًا- مما وصف الله ورسوله منه وله، فهذا حق، وإن سمى ذلك تجسميًا (¬5)، أو قيل: إن ¬

_ (¬1) ورد في س: بعد كلمة "بجسم" زيادة: "كما لم يقولوا أن الله ليس بجسم". (¬2) في الأصل: جسمًا. وهو خطأ. (¬3) في س: استقسل. وهو تصحيف. (¬4) في س: كبيرًا. والشيخ -رحمه الله- في كتابه بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية 1/ 478، 495، 496 بين أن مورد النزاع بين أئمة أهل الكلام وغيرهم في المعنى الخاص الذي يعنيه النفاة والمثبتة الذين يقولون: هو جسم لا كالأجسام وهو الذي يتناقض سائر الطوائف من نفاته لإثبات ما يستلزمه، كما يتناقض مثبتوه مع نفي لوازمه. ولهذا كان أئمة الإِسلام لا يطلقون الألفاظ المبتدعة المتنازع فيها لا نفيا ولا إثباتًا إلا بعد الاستفسار والتفصيل. وانظر نزاع الناس في الجسم في: مقالات الإِسلاميين -للأشعري- 1/ 281 - 283، 2/ 4 - 8. والمواقف -للآيجي- ص: 183 - 200. (¬5) في س: تجسمًا.

هذه الصفات لا تكون إلّا لجسم (¬1)، فما ثبت بالكتاب والسنة أو أجمع عليه سلف الأمة هو (¬2) حق، وإذا لزم من ذلك أن يكون هو الذي يعنيه (¬3) بعض المتكلمين بلفظ الجسم فلازم الحق حق كيف والمثبتة يقولون (¬4) إن ثبوت هذا معلوم بضرورة العقل ونظره وهكذا مثبت لفظ الجسم إن أراد بإثباته ما جاءت به النصوص صوبنا معناه ومنعناه من (¬5) الألفاظ [المبتدعة] (¬6) المجملة، وإن أراد بلفظ الجسم ما يجب تنزيه الرب عنه من مماثلة المخلوقات رددنا ذلك عليه وبينا ضلاله وإفكه. وأما قوله: نقلنا الكلام معه إلى إبطال التجسيم، فقد ذكرنا أدلة النافين (¬7) والمثبتين مستوفاة في بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية وتبين لكل من له أدنى فهم أن ما ذكره هؤلاء من أدلة النفي كلها حجج داحضة وأن جانب المثبتة أقوى، وقد (¬8) بسطنا الكلام في ذلك (¬9) في غير هذا الموضع (¬10). قال أبو عمر (¬11) بن عبد البر: "الذي أقول: إنه إذا نظر (¬12) إلى ¬

_ (¬1) في الأصل: المجسم والمثبت من: س، ط. (¬2) في الأصل: وهو. والمثبت من: س، ط. (¬3) في الأصل: بعينه. والمثبت من: س، ط. (¬4) في س، ط: تقول. (¬5) في س، ط: عن. (¬6) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬7) في الأصل: النفافين. ولا معنى لها والمثبت من: س، ط. (¬8) قد: ساقطة من: س. (¬9) في الأصل: في غير ذلك. وهو خطأ والمثبت من: س، ط. (¬10) راجع بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية -لابن تيمية 1/ 378 - 592. (¬11) في الأصل: عمرو. وهو خطأ. وتقدم التعريف به. وانظر النقل عنه في كتابه التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد 7/ 152. (¬12) في التمهيد: أنه من نظر. .

الوجه الستون: أن أقوالهم التي يصفون فيها الرب بأنه واحد هي من أعظم أصول أهل الشرك والإلحاد

إسلام أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف، وسائر (¬1) المهاجرين والأنصار، وجميع الوفود الذين دخلوا في دين الله أفواجًا، علم أن الله - عَزَّ وَجَلَّ - لم يعرفه واحد منهم إلا بتصديق النبيين وأعلام (¬2) النبوة ودلائل الرسالة، لا من قبل حركة ولا سكون (¬3)، ولا من باب الكل والبعض، ولا من باب كان ويكون، ولو كان النظر في الحركة والسكون عليهم واجبًا، وفي الجسم ونفيه [والتشبيه ونفيه] (¬4) لازمًا ما أضاعوه، ولو أضاعوا الواجب ما (¬5) نطق القرآن بتزكيتهم وتقديمهم، ولا أطنب في مدحهم وتعظيمهم، ولو كان [ذلك] (¬6) من علمهبم (¬7) مشهورًا، ومن (¬8) أخلاقهم معروفًا، لاستفاض عنهم وشهروا (¬9) به كما شهروا بالقرآن والروايات (¬10) ". الوجه الستون: أن (¬11) قوله: والرب واحد ومتصف بالوحدانية ومتقدس عن التجزيء والتبعيض، وقول ابن فورك: لأن الرب متكلم واحد ونحو ذلك من أقوالهم التي يصفون فيها الرب بأنه واحد ويشعرون الناس أنهم ¬

_ (¬1) في التمهيد: وعلى طلحة وسعد وعبد الرحمن وسائر. . (¬2) في التمهيد: النبيين بأعلام. . (¬3) ولا سكون: ساقطة من: التمهيد. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والتمهيد. (¬5) في س، ط: لما. (¬6) ما بين المعقوفتين زيادة من جميع النسخ في غير هذا الموضع، راجع ص: 400 حيث تقدم هذا النقل عن أبي عمر بن عبد البر -رحمه الله- من التمهيد. (¬7) في التمهيد: عملهم. (¬8) في التمهيد: أو من. (¬9) في التمهيد: ولشهروا. (¬10) في ط: الرويات. وهو تصحيف. (¬11) في س: إلا. وهو تصحيف والضمير في قوله يرجع إلى أبي بكر الباقلاني.

هؤلاء يفسرون التوحيد واسم الله الواحد بثلاث معان

بذلك موحدون، وأن من خالفهم في ذلك فقد خالفهم في التوحيد، هي من (¬1) أعظم أصول أهل الشرك والإلحاد والتي أفسدوا بها التوحيد الذي (¬2) بعث الله به رسله وأنزل به كتبه، وإن كان هذا الأصل المحدث (¬3) قد زين لهؤلاء ولغيرهم من أهل القبلة المسلمين وظنوا أنهم بذلك موحدون (¬4) ومحسنون حتى سموا أنفسهم بذلك موحدين دون غيرهم ممن هو أحق بتوحيد الله منهم، وحتى كفروا وعادوا المسلمين أهل التوحيد حقًّا، وكانوا على الأمة أضر من الخوارج المارقين الذين يقتلون أهل الإِسلام ويدعون أهل الأوثان، وهؤلاء الكلابية والأشعرية إنما أخذوه عن المعتزلة والجهمية ولم يوافقوهم عليه كله، بل وافقوهم في بعض دون بعض، وهذا هو أصل جهم الذي أسس عليه ضلالته (¬5). وهؤلاء يفسرون التوحيد واسم الله الواحد في أصول دينهم بثلاثة معان (¬6)، وليس في شيء (¬7) منها التوحيد الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه ثم يختلفون في تحقيق تلك المعاني اختلافًا عظيمًا، فيقولون (¬8) في اسم الله الواحد، الواحد له ثلاثة (¬9) معان: ¬

_ (¬1) في ط: وهي عن. وهو خطأ. (¬2) في س: التي. (¬3) في الأصل، س: المبحث. وأثبت المناسب من ط. وقد ورد في هامش س: لعلمه المحدث. (¬4) موحدون: ساقطة من: س، ط. (¬5) في س، ط: ضلالاته. (¬6) في س: معاني. (¬7) شيء: ساقطة من: س. (¬8) في الأصل، س: فيقول. وأثبت المناسب للسياق من: ط. (¬9) في س: ثلاث. أقول: وهذه المعاني الثلاثة أوردها شيخ الإِسلام -رحمه الله- في كتابه "درء تعارض العقل والنقل" 1/ 224 - 228، وبين أن في هذه المعاني ما هو حق =

أبو المعالي بنى رأيه في كلام الله على أنه يستحيل قيام الحوادث به

أحدها (¬1) الذي لا ينقسم ولا يتجزأ ولا يتبعض ولا يتعدد ولا يتركب، وربما قال بعضهم: هذا تفسير الاسم الأحد، وهذه الوحدانية هي (¬2) [التي] (¬3) ذكروها هنا. قال أبو المعالي في إرشاده (¬4): القول في وحدانية الباري: فصل: في حقيقة الواحد قال أصحابنا: الواحد هو الشيء الذي لا ينقسم، أو لا يصح انقسامه. قال القاضي أبو بكر: ولو قلت الواحد هو الشيء [كان كافيًا، ¬

_ = وما هو باطل، وليس الحق الذي فيها هو الغاية التي جاء بها الرسول - صلى الله عليه وسلم - بل التوحيد الذي أمر به أمر يتضمن الحق الذي في هذه المعاني وزيادة أخرى، فهذا التقسيم من الكلام الذي لبس فيه الحق بالباطل وكتم الحق. انظر: هذه المعاني في "الشامل" للجويني- ص: 347. (¬1) في جميع النسخ: إحداها. وأثبت الصواب. (¬2) هي: ساقطة من: ط. (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من: ط. (¬4) لم أقف على هذا النقل في الإرشاد لأبي المعالي، وما وقفت عليه في باب العلم بالوحدانية ص: 52 قوله: "الباري -سبحانه وتعالى- واحد، والواحد في اصطلاح الأصوليين -وفي نسخة: "الموحدين"- الشيء الذي لا ينقسم، ولو قيل الواحد هو الشيء لوقع الاكتفاء بذلك، والرب -سبحانه وتعالى- موجود فرد متقدس عن قبول التبعيض والانقسام، وقد يراد بتسميته واحدًا أنه لا مثل له ولا نظير، ويترتب على اعتقاد الوحدانية إيضاح الدليل على أن الإله ليس بمؤلف، إذ لو كان كذلك -تعالى الله عنه وتقدس- لكان كل بعض قائمًا بنفسه عالمًا حيًّا قادرًا، وذلك صريح بإثبات إلهين". وانظر: قريب مما نقله الشيخ هنا عن أبي المعالي، مع اختلاف في الألفاظ في: "الشامل" لأبي المعالي الجويني - ص: 345 - 347. وانظره في "بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية" -لابن تيمية- 1/ 469، 470.

ولم يكن فيه تركيب، وفي قول القائل: الشيء، (¬1) الذي لا ينقسم نوع تركيب. قال أبو المعالي: يقال للقاضي: التركيب المحدود هو أن يأتي الحادُّ بوصف زائد يستغنى عنه، وقد لا يفهم من الشيء المطلق ما يفهم من المقيد، فليس يفهم من الشيء ما يفهم من الواحد الذي لا ينقسم، فإن الوحدة تشعر بانتفاء القسمة عن الشيء [و] (¬2) المقصود من التحديد الإيضاح. أجاب القاضي بأن قال: كلامنا في الحقائق، والشيء المطلق هو الواحد الذي لا ينقسم. يقال: قد ذكرنا أن الوحدة تشعر بانتفاء القسمة عن الشيء، فهما أمر أن متلازمان لا بد من التعرض لهما، كما قلنا في الغيرين كل موجودين يجوز مفارقة أحدهما الآخر بوجه (¬3). ثم قال أصحابنا (¬4): إذا سئلنا عن الواحد، فنقول: هذه اللفظة تردد بين معان، فقد يراد بها الشيء [الذي] (¬5) لا يقبل وجوده القسمة وقد يطلق والمراد به نفي الإشكال والنظائر عنه، وقد يطلب والمراد به أنه لا ملجأ ولا ملاذ سواه، وهذه المعاني متحققة في وصف القديم سبحانه. ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين ساقط من: س. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: ط. (¬3) أي: بزمان أو مكان أو وجود أو عدم. وقد أوضح إمام الحرمين في "الإرشاد" ص: 138، أن هذا هو الذي ارتضاه المتأخرون من أئمته في حقيقة الغيرين، وأنه أمثل من قول من قال: الغيران كل شيئين يجوز وجود أحدهما مع عدم الثاني. (¬4) ذكر الجويني في "الشامل" ص: 346، 347: أن الذي قال بهذا القاضي ووافقه عليه الأستاذ أبو بكر بن فورك. (¬5) ما بين المعقوفتين زيادة من: ط.

وقال أبو بكر بن فورك: إنه -سبحانه- واحد في ذاته لا قسيم (¬1) له، وواحد في صفاته لا شبيه له، وواحد في أفعاله لا شريك له. قال شارح الإرشاد أبو القاسم الأنصاري شيخ الشهرستاني: "وحكي عن الأستاذ أبي إسحاق أنه قال: الواحد هو الذي لا يقبل الرفع والوضع: يعني الفصل والوصل. أشار (¬2) إلى وحدة الإله فإن الجوهر واحد لا ينقسم ولكن يقبل النهاية، والإله -سبحانه- واحد على الحقيقة فلا يقبل فصلًا ولا وصلًا، ونحن قد أقمنا الدلالة في مسألة نفي التجسم على نفي الأقسام، وأقمنا الدلالة على نفي المثل، وبقي علينا الدلالة على نفي الشريك. قلت: أما نفي المثل عن الله ونفي الشريك فثابت بالكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة، لكن قد يدخل طوائف من المتكلمين في ذلك ما لم يدل عليه الكتاب والسنة، بل ينفيانه (¬3)، وأما المعنى الذي ذكروه بنفي الانقسام، فيلزم على قولهم أن لا يكون شيء قط من المخلوقات يقال: إنه واحد إلا الجوهر الفرد، وعند بعضهم: لا (¬4) يقال ذلك للجوهر الفرد، مع أن أبا المعالي هو من الشاكين في ثبوت الجوهر الفرد، فإذًا (¬5) لا يصح أن يقال لشيء من الموجودات إنه واحد، وهذا خلاف الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها، وإجماع أهل اللغة والعقل، وإذا ¬

_ (¬1) في الأصل: قسم. وقد أثبت المناسب للكلام من: س، ط، وبيان تلبيس الجهمية. (¬2) في بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية، قال الأنصاري: أشار إلى وحدة. . . (¬3) في الأصل، س: ينفيه. وأثبت ما يناسب سياق الكلام من: ط. (¬4) في الأصل، س: ولا. والمعنى يستقيم بدون الواو. (¬5) في س: فإذ.

قيل: الواحد هو الشيء، كما قاله القاضي أبو بكر فلا يكون قد خلق شيئًا، لأنه لم يخلق واحدًا على التفسير الذي فسروه، ولا يستحق على قوله أن يسمى أحد من الملائكة والإنس والجن شيئًا، ثم إنهم يسمون أهل الكلام الموحدين، ويسمون ما كان السلف يسمونه الكلام علم التوحيد، حتى قال أبو المعالي في أول إرشاده (¬1) بعد أن زعم أن أول ما يجب على العاقل البالغ باستكمال سن (¬2) البلوغ أو الحلم شرعًا، القصد إلى النظر الصحيح المفضي إلى العلم بمحدث (¬3) العالم. قال (¬4): والنظر في اصطلاح الموحدين هو الفكر الذي يطلب (¬5) [به] (¬6) من قام به علمًا وغلبة ظن. وأيضًا فإن اسم الواحد أو الأحد قد جعلوا لله فيه شريكًا أحقر (¬7) الموجودات، وهو الجوهر الفرد، وجعلت المتفلسفة له في ذلك شركاء، العقول والنفوس كالنفس الإنسانية، وهذا الذي ذكرنا من أن عمدة أصحابه في مسألة القرآن ونحوها من المسائل، أنه لا يجوز أن يكون محلًا للحوادث، هو مما لا ريب فيه عند من يعرف أصول الكلام، واعتبر ذلك بما ذكره أفضل متأخريهم أبو المعالي الجويني في إرشاده الذي التزم أن يذكر فيه قواطع الأدلة، فإنه قال (¬8): ¬

_ (¬1) الإرشاد -للجويني- ص: 3. (¬2) في جميع النسخ: من. وهو تصحيف. والمثبت من الإرشاد. ليستقيم الكلام. (¬3) في ط: بحدوث. (¬4) قال: إضافة من الشيخ -رحمه الله- والكلام متصل بما قبله في: الإرشاد. (¬5) في س: تطلب. (¬6) ما بين المعقوفتين زيادة يستقيم بها الكلام من: الإرشاد. (¬7) في س، ط: آخر. (¬8) الإرشاد -للجويني- ص: 99 - 101.

فصل: الباري متكلم آمر ناهٍ مخبر واعد متوعد (¬1)، وقد قدمنا في خلال (¬2) إثبات أحكام الصفات المعنوية، الطريق (¬3) إلى إثبات العلم بكون الرب تعالى متكلمًا (¬4) عند إسنادنا (¬5) نفي النقائض إلى السمع، وتوجيهنا (¬6) على أنفسنا السؤال عما ثبت بالسمع (¬7). قال (¬8): فإذا صح (¬9) كون الباري متكلمًا، فقد آن أن نتكلم في صفة كلامه: فاعلموا -وقيتم (¬10) البدع- أن (¬11) من (¬12) مذهب أهل الحق: أن الباري تعالى متكلم بكلام أزلي، لا مفتتح لوجوده. وأطبق المنتمون إلى الإسلام على إثبات الكلام، ولم يَصِر منهم صائر إلى نفيه، ولم ينتحل أحد منهم (¬13) في كونه متكلمًا نحلة نفاة الصفات في كونه عالمًا قادرًا حيًّا. ثم ذهبت المعتزلة، والخوارج، والزيدية، والإمامية، ومن ¬

_ (¬1) في الإرشاد: متواعد. (¬2) في جميع النسخ: خلل. وأثبت ما رأيته مناسبًا من: الإرشاد. (¬3) في ط: أن الطريق. (¬4) في الإرشاد: متكلم. (¬5) في س، ط: أستاذنا. وهو خطأ. (¬6) في الأصل: توجهنا. وأثبت المناسب من: س، ط، والإرشاد. (¬7) في الإرشاد: يثبت للسمع. (¬8) قال: إضافة من الشيخ -رحمه الله- والكلام متصل بما قبله في "الإرشاد". (¬9) في الإرشاد: وضح. (¬10) في جميع النسخ: أوقيتم. ولعل الصواب ما أثبت من: الإرشاد. (¬11) أن: ساقطة من: س. (¬12) من: ساقطة من: ط. (¬13) منهم: ساقطة من: الإرشاد.

عداهم من أهل الأهواء إلى أن كلام الباري -تعالى- عن قول الزائغين- حادث مستفتح الوجود. وصار صائرون من هؤلاء إلى الامتناع من تسميته مخلوقًا مع القطع بحدثه (¬1)، لما في لفظ المخلوق من إيهام (¬2) الخلق، إذ الكلام المختلق (¬3) هو الذي يبديه المتكلم تخرصًا من غير أصل. وأطلق معظم المعتزلة لفظ المخلوق على كلام الله. وذهبت الكرامية إلى أن الكلام قديم، والقول حادث غير محدث والقرآن قول الله، وليس بكلام الله، وكلام الله -تعالى- القدرة (¬4) على التكلم، وقوله حادث قائم بذاته -تعالى عن قول المبطلين- وهو غير قائل بالقول الذي قام به (¬5)، بل هو (¬6) قائل بالقائلية (¬7)، وكل مفتتح وجوده قائم بالرب (¬8)، فهو حادث بالقدرة غير محدث، وكل محدث (¬9) مباين للذات فهو محدث بقوله "كن" لا بالقدرة، من هذيان طويل لا يسع هذا المعتقد استقصاؤه. ¬

_ (¬1) في س: بحدته. وفي ط: بحدوثه. (¬2) في الأصل، س: إبهام. والمثبت من: ط، والإرشاد. (¬3) في س: المختلف. وفي الإرشاد: المخلوق. (¬4) في الإرشاد: وكلام الله عندهم القدرة. (¬5) في الإرشاد: بالقول القائم به. (¬6) هو: ساقطة من: الإرشاد. (¬7) في الأصل، ط: بالقابلية. وفي س: بالقابلة. والمثبت من: الإرشاد. والقائلية عندهم: القدرة على التكلم. وانظر: درء تعارض العقل والنقل -لابن تيمية- 2/ 194. والقابلية: الاستعداد للقبول. انظر: المعجم الوسيط -لمجموعة من المؤلفين- 2/ 712. (¬8) في الإرشاد: بالذات. (¬9) في الإرشاد: مفتتح.

وغرضنا من إيضاح الحق والرد على منكريه (¬1) لا يتبين إلا بعد عقد فصول في ماهية (¬2) الكلام وحقيقته شاهدًا، حتى إذا وضحت الأغراض منها انعطفنا بعدها إلى مقصدنا، وقد التزمنا التمسك بالقواطع في هذا المعتقد على صغر حجمه، وآثرنا إجراءه (¬3) على خلاف ما صادفنا (¬4) من معتقدات الأئمة (¬5)، و [هذا الشرط] (¬6) يلزمنا طرفًا (¬7) من البسط في مسألة الكلام، وها نحن خائضون فيه. ثم تكلم في حد الكلام (¬8)، ثم تكلم في أن المتكلم من قام به الكلام لا من فعله (¬9)، ثم بنى على ذلك أنه لا بد أن يكون الكلام قائمًا به، ثم قال (¬10): وإذا تقرر ذلك ترتب عليه استحالة كونه حادثًا لقيام (¬11) الدليل على استحالة قبوله للحوادث، ولا يبقى بعد هذه (¬12) الأقسام إلا مذهب أهل الحق في وصف الباري تعالى بكونه متكلمًا بكلام قديم أزلي: فقد بين أن ذلك مبني على أنه يستحيل قيام الحوادث به، وكان قد ¬

_ (¬1) في الإرشاد: متنكبية. (¬2) في جميع النسخ: مائية. وهو تصحيف. والمثبت من: الإرشاد. (¬3) في س: أجداه. وهو تصحيف. (¬4) في الأصل: صدفنا. وأثبت المناسب من: س، ط، والإرشاد. (¬5) في الأصل: الأمة. والمثبت من: س، ط، والإرشاد. (¬6) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والإرشاد. (¬7) في الإرشاد: طرقًا. (¬8) انظر: الإرشاد -للجويني- ص: 102. (¬9) انظر: الإرشاد -للجويني- ص: 109. (¬10) في الإرشاد: ص: 118. (¬11) في الإرشاد: بقيام. (¬12) في الإرشاد: بعد بطلان هذه. .

ذكر هذه المسألة قبل ذلك فقال (¬1): فصل: مما يخالف الجوهر فيه (¬2) حكم الإله: قبول الأعراض، وصحة الاتصاف بالحوادث، والرب -سبحانه وتعالى- متقدس (¬3) عن قبول الحوادث: قال (¬4): وذهبت الكراميّة إلى أن الحوادث تقوم بذات الإله (¬5) -تعالى عن قولهم- ثم زعموا أنه لا يتصف بما يقوم به من الحوادث. قال (¬6): وصاروا إلى جهالة لم يسبقوا إليها، فقالوا: القول الحادث يقوم بذات الرب -سبحانه وتعالى- وهو غير قائل به، وإنما هو قائل بالقائلية (¬7). وحقيقة أصولهم (¬8) أن أسماء الرب لا يجوز أن تتجدد (¬9)، وكذلك (¬10) وصفوه بكونه تعالى خالقًا في الأزل، فلم (¬11) يتحاشوا من قيام الحوادث به، وتنكبوا إثبات وصف جديد له ذكرًا وقولًا. ¬

_ (¬1) الإرشاد -للجويني- ص: 44 - 46. (¬2) في جميع النسخ: في. ولعل ما أثبت من: "الإرشاد"، و "درء تعارض العقل والنقل -لابن تيمية- 2/ 194 "يكون مناسبًا". (¬3) في الإرشاد: بتقديس. (¬4) قال: إضافة من الشيخ -رحمه الله- والكلام متصل بما قبله في: الإرشاد. (¬5) في الإرشاد: الرب. (¬6) قال: إضافة من الشيخ. والكلام متصل بما قبله. (¬7) في جميع النسخ: بالقابلية. وكذا في النسخ (م) (ق) (ص:) (ط) من درء تعارض العقل والنقل -لابن تيمية- والمثبت من: الإرشاد- وما اعتمده محقق الدرء 2/ 194. (¬8) في الإرشاد: أصلهم. (¬9) في الأصل: تتحد. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط، والإرشاد. (¬10) في الإرشاد: ولذلك. (¬11) في الإرشاد: ولم.

قال (¬1): والدليل على بطلان ما قالوه، أنه لو قبل الحوادث لم يخل منها لما سبق تقريره في الجواهر، حيث قضينا باستحالة تعريها عن الأعراض، وما لم يخل من الحوادث لم يسبقها (¬2)، وينساق ذلك إلى الحكم بحدث (¬3) الصانع. قال (¬4): ولا يستقيم هذا الدليل على أصول المعتزلة مع مصيرهم إلى تجويز خلو الجواهر عن الأعراض، على تفصيل لهم أشرنا إليه، وإثباتهم أحكامًا متجددة لذات الرب -تعالى- من الإرادات الحادثة القائمة، لا بمحال (¬5) -على زعمهم-، ويصدهم (¬6) -أيضًا- عن طرد الدليل في هذه المسألة أنه إذا لم يمتنع تجدد أحكام الذات (¬7) من غير أن يدل (¬8) على الحدث (¬9)، لم يبعد مثل ذلك في اعتوار أنفس الأعراض على الذات. قال (¬10): وتقول الكرامية: مصيركم إلى إثبات قول حادث مع نفيكم اتصاف الرب (¬11) به تناقض، إذ لو جاز قيام معنى بمحل غائب (¬12) ¬

_ (¬1) قال: إضافة من الشيخ. والكلام متصل بما قبله. (¬2) في س: يسقبها. وهو تصحيف. (¬3) في ط: بحدوث. (¬4) قال: إضافة من الشيخ. والكلام متصل بما قبله في: الإرشاد. (¬5) في س: بمجال. (¬6) في الأصل، س: وبصدهم. وأثبت المناسب للسياق من: ط، والإرشاد. (¬7) في الإرشاد: للذات. (¬8) في الإرشاد: تدل. (¬9) في ط: الحدوث. (¬10) قال: إضافة من الشيخ، والكلام متصل بما قبله. (¬11) في الإرشاد: الباري. (¬12) في الإرشاد: غائبًا.

من غير أن يتصف المحل (¬1) بحكمة، لجاز شاهدًا قيام أقوال وعلوم وإرادات بمحال من غير أن تتصف (¬2) المحال بأحكام مركبة على (¬3) المعاني، وذلك يخلط الحقائق ويجر إلى الجهالات. ثم نقول لهم: إذا جوزتم [قيام ضروب من الحوادث بذاته فما المانع من تجويز] (¬4) قيام أكوان (¬5) حادثة بذاته على التعاقب؟ وكذلك سبيل الإلزام فيما يوافقوننا على استحالة قيامه به من الحوادث، ومما يلزمهم [تجويز] (¬6) قيام قدرة حادثة وعلم حادث [بذاته على حسب أصلهم في القول والإرادة الحادثتين، ولا يجدون بين ما] (¬7) جوزوه (¬8) وامتنعوا منه فصلًا. ¬

_ (¬1) المحل: ساقطة من: الإرشاد. (¬2) في الأصل: يتصف. والمثبت من: س، ط، والإرشاد. (¬3) في الإرشاد: بأحكام موجبة عن. . . (¬4) ما بين القوسين ساقط من: الإرشاد. (¬5) في الإرشاد: ألوان. وسوف ترد لفظة "الألوان" و"الأكوان" كثيرًا في الصفحات القادمة لذا رأيت أن أثبت النقل التالي من الإرشاد لأبي المعالي -الجويني- ص: 17 - ليتضح المراد باللفظتين وغيرهما من الألفاظ عندهم، يقول: "فمما يستعملونه، وهو منطوق به لغة وشرعًا: العالم وهو كل موجود سوى الله تعالى، وصفة ذاته، ثم العالم جواهر وأعراض فالجوهر هو المتحيز، وكل ذي حجم متحيز. والعرض: هو المعنى القائم بالجوهر، كالألوان والطعوم والروائح والحياة والموت، والعلوم والإرادات، والقدر، القائمة بالجواهر. ومما يطلقونه: الأكوان وهي الحركة والسكون والاجتماع والافتراق، ويجمعها ما يخصص الجوهر بمكان أو تقدير مكان". (¬6) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والإرشاد. (¬7) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والإرشاد. (¬8) في الأصل: وجوزوه. والكلام يستقيم بدون الواو.

تعليق الشيخ على كلام أبي المعالي بأن مداره على ثلاثة أشياء

ونقول أيضًا: إذا وصفتم الباري (¬1) -تعالى- بكونه متحيزًا، وكل متحيز جسم وجرم (¬2)، فلا يتقرر في المعقول خلو الأجرام عن الأكوان فما (¬3) المانع من تجويز قيام الأكوان بذات الرب ولا محيص لهم عن شيء مما ألزموه؟ قلت: هذه جملة كلامه في هذه المسألة بألفاظه، ومداره على ثلاثة أشياء: أحدها: أنه لو قبلها لم يخل منها، وما لم يخل من الحوادث فهو حادث. والثاني: أنه لو قبلها لاتصف بها. والثالث: أنه إذا قبل بعضها فيجب أن يقبل بعضه (¬4) غيره، وهم لا يقولون به، وهاتان الحجتان الثانيتان جدليتان، فإن كونه متصفًا بالأفعال التي تقوم به أو غير متصف إلا بالصفات اللازمة له نزاع لفظي، وكذلك كون المنازع جوز قيام البعض دون البعض، فإنه إما أن يبين فرقًا بين الممنوع (¬5) والمجوز أو لا يبين فرقًا، فإن بين فرقًا ثبت الفرق، وإن لم يبين فرقًا فقد يكون عجزًا منه، وإن قدر على (¬6) أنه لا فرق في نفس الأمر فيلزم أحد الأمرين لا (¬7) بعينه، إما جواز الجميع، وإما المنع من ¬

_ (¬1) في الإرشاد: الرب. (¬2) في جميع النسخ: متحيز وحجم جرم. وفي الإرشاد، ونسخة س من الدرء: متحيز حجم وجرم. ولعل ما أثبته من "درء تعارض العقل والنقل" لابن تيمية 2/ 198، يناسب السياق، وهو ما اعتمده محقق الدرء. (¬3) في الأصل: في. وهو خطأ. والمثبت من: س، ط، والإرشاد. (¬4) في الأصل بعضه غيره والكلام يستقيم بدون هذه الزيادة. (¬5) في الأصل: المنوع: وهو تصحيف، والمثبت من: س، ط. (¬6) على: ساقطة من: س، ط. (¬7) في س: إلا.

الجميع وذلك لا يقتضي ثبوت أحدهما وهو الامتناع إلا بدليل، وهو لم يذكر دليلًا على ذلك، فلم يذكر في المسألة حجة إلا ما ذكره من قوله: لو قبلها لم يخل منها، وهذه الحجة (¬1) أحال فيها على ما ذكره قبل ذلك، فإنه لو قبل الحوادث لم يخل منها لما [سبق] (¬2) تقريره في الجواهر (¬3)، حيث قضينا باستحالة تعريها عن الأعراض، وهذا الذي أحال عليه هو ما ذكره في مسألة حدوث الأجسام، فإنه ذكر الطريقة المشهورة الكلامية المبنية على أربعة أصول (¬4) قال (¬5): "فأما (¬6) الأصل الثالث، فهو يبين استحالة تعري الجواهر عن الأعراض، فالذي صار إليه أهل الحق أن الجوهر (¬7) لا يخلو عن كل ¬

_ (¬1) في ط: حجة. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬3) شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- بين في "درء تعارض العقل والنقل- 2/ 196 " أن لقائل أن يقول: ". . هو لم يذكر دليلًا هناك إلا قياس ما قبل الاتصاف على ما بعده، وهو ليس حجة علمية عقلية، بل غايته: احتجاج بموافقة منازعة في مسألة عظيمة عقلية تُرَدُّ لأجلها نصوص الكتاب والسنة، وينبني عليها من مسائل الصفات والأفعال أمور عظيمة اضطرب فيها الناس، ممن يجعل أصول الدين مجرد قول قالته طائفة من أهل الكلام وافق بعضهم بعضًا عليه من غير حجة عقلية ولا سمعية". (¬4) الجويني ذكر أن حدث الجواهر ينبني على أربعة أصول: الاْول: إثبات الأعراض. والثاني: إثبات حدثها. والثالث: استحالة تعري الجواهر عن الأعراض، وهو ما ذكره الشيخ -رحمه الله- هنا وناقشه. والرابع: استحالة حوادث لا أول لها. انظرها مجملة في "الإرشاد" ص: 17، 18. ومفصلة في ص: 18 - 27. (¬5) الإرشاد -للجويني- ص: 22 - 25. (¬6) في س، ط: وأما. (¬7) في الأصل: الجواهر. والمثبت من: س، ط، والإرشاد.

جنس من الأعراض وعن (¬1) جميع أضداده إن كانت له أضداد، فإن (¬2) كان له ضد واحد لم يخل الجوهر عن أحد الضدين، فإن قدر عرض لا ضد له لم يخل الجوهر عن قبول واحد من جنسه. قال (¬3): وجوزت الملحدة خلو الجواهر عن جميع الأعراض، والجواهر في اصطلاحهم تسمى الهيولى (¬4) والمادة، والأعراض تسمى الصور، وجوز الصالحي (¬5) -الخلو عن جملة الأعراض ابتداء، ¬

_ (¬1) عن: ساقطة من: س. (¬2) في الإرشاد: وإن. (¬3) قال: إضافة من الشيخ، والكلام متصل بما قبله في الإرشاد. (¬4) الهيولى: لفظ يوناني بمعنى: الأصل والمادة. وفي الاصطلاح هي: جوهر في الجسم قابل لما يعرض لذلك الجسم من الاتصال والانفصال، محل للصورتين الجسمية والنوعية. انظر: التعريفات -للجرجاني- ص: 257. والمعجم الفلسفي -لجميل صليب - 2/ 536. ومادة الشيء: أصوله وعناصره التي يتركب منها حسية كانت أو معنوية. وللمادة في اصطلاح الفلاسفة عدة معان يمكن الاطلاع عليها في المعجم الفلسفي -لجميل صليبا- 2/ 306 - 308. والصورة: ما تنتفش به الأعيان وتميزها عن غيرها (الشكل الذي يحدد الشيء) ولها عدة إطلاقات، ذكرها أبو البقاء الكوفي في "الكليات" 3/ 114، 115. (¬5) هو: أبو الحسين صالح بن عمرو الصالحي، إليه تنسب "الصالحية" إحدى فرق المرجئة. وقد ذكر الشهرستاني في "الملل والنحل" 1/ 145: أن الصالحي جمع القدر والإرجاء، وأنه انفرد عن المرجئة بأشياء، وكان يقول: الإيمان المعرفة بالله تعالى على الإطلاق، والكفر الجهل بالله على الإطلاق، وقول القائل إن الله ثالث ثلاثة ليس بكفر ولكنه لا يظهر إلا من كافر، والصلاة عنده ليست بعبادة الله، وأنه لا عبادة له إلا الإيمان به، وهو معرفته وهو خصلة واحدة لا تزيد ولا تنقص. انظر: ما قاله في الجوهر وجواز تعريه عن الأعراض في مقالات الإسلاميين =

ومنع (¬1) البصريون من المعتزلة (¬2) العُرُوّ عن الأكوان، وجوزوا العرو (¬3) عما عداها، وقال الكعبي ومتبعوه (¬4): يجوز الخلو عن ¬

_ = للأشعري 2/ 8، 11. (¬1) في س: وضع. (¬2) تقدم التعريف بالمعتزلة، وأنهم فرعان: معتزلة البصرة. ومعتزلة بغداد. وأول ظهور الاعتزال كان بالبصرة -كما يقول أبو الحسن الملطي- ثم أخذ معتزلة بغداد الاعتزال من معتزلة البصرة، ويذكر الملطي أن بشر بن المعتمر -مؤسس فرع بغداد- المتوفى سنة 210 هـ خرج إلى البصرة، فلقي بشر بن سعيد، وأبا عثمان الزعفراني -وهما صاحبا واصل بن عطاء- فأخذ عنهما الاعتزال وحمله إلى بغداد ودعا إليه، ففشى قوله. ومعتزلة بغداد أغلظ بدعة من معتزلة البصرة -كما سيبينه الشيخ -رحمه الله- بعد صفحات قليلة. ومن أعلام معتزلة البصرة: أبو الهذيل العلاف -المتوفى سنة 235 هـ. وإبراهيم النظام - المتوفى سنة 231 هـ. وأبو علي الجبائي- المتوفى سنة 303 هـ وغيرهم. ومن معتزلة بغداد: بشر بن المعتمر - المؤسس- كما تقدم. وثمامة بن الأشرس- المتوفى سنة 213 هـ. وأبو الحسين الخياط- المتوفى سنة 290 هـ. وأبو القاسم البلخي الكعبي- المتوفى سنة 219 هـ. انظر: التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع -للملطي- ص: 38 - 41. وفلسفة المعتزلة -لألبير نصري نادر- ص: 7 - 34. وضحى الإسلام -لأحمد أمين- 3/ 96 - 161: وقد ذكر أن من أظهر مسائل الخلاف بين البصريين والبغداديين الكلام في الجوهر والعرض. (¬3) في س: وجوز العرو. . . وفي الإرشاد: وجوزوا الخلو. . (¬4) في ط: متبوعه. وهم: أتباع أبي القاسم عبد الله بن أحمد بن محمود البلخي الكعبي، من متكلمي المعتزلة البغداديين وإليه تنسب "الكعبية" أخذ الكلام عن أبي الحسين الخياط، وخالف البصريين من المعتزلة في أحوال كثيرة ذكرها البغدادي في "الفرق بين الفرق" ص: 181، 182. توفي سنة 319 هـ. . . . . . . . . . . . =

الأكوان، ويمتنع الخلو عن الألوان (¬1). قال (¬2): وكل مخالف لنا وافقنا (¬3) على امتناع العرو عن (¬4) الأعراض بعد قبول الجواهر فيفرض الكلام على الملحدة في الأكوان، فإن القول فيها يستند إلى الضرورة، فإنا ببديهة العقول (¬5) نعلم أن الجواهر القابلة للاجتماع (¬6) والافتراق لا تعقل (¬7) غير متماسة (¬8) ولا متباينة. ومما يوضح ذلك، أنها إذا اجتمعت فيما لا يزال فلا يتقرر في العقل اجتماعها (¬9) إلا عن افتراق سابق، إذا قدر لها الوجود قبل الاجتماع وكذلك إذا طرأ الافتراق عليها، اضطررنا إلى العلم بأن الافتراق مسبوق باجتماع. ¬

_ = وعن الكعبي وأتباعه يراجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 9/ 384. ولسان الميزان -لابن حجر- 3/ 255، 256. وطبقات المعتزلة -للقاضي عبد الجبار- ص: 283. والتبصير في الدين -للإسفراييني- ص: 84، 85. (¬1) في جميع النسخ: الخلو عن الأكوان. وفي النسخ ط، ص:، ر، هـ من درء تعارض العقل والنقل: العرو عن الأكوان. وفي م، ق: من الدرء: العرو عن الأعراض. وما أثبته من: الإرشاد، وما اعتمده محقق الدرء 2/ 190. (¬2) قال: إضافة من الشيخ، والكلام متصل بما قبله. (¬3) في الإرشاد: يوافقنا. (¬4) في الأصل: عند. والمثبت من: س، ط، والإرشاد. (¬5) في جميع النسخ: المعقول. ولعل ما أثبته من حاشية الإرشادات: (3) يكون مناسبًا. (¬6) في الأصل: للإجماع. والمثبت من: س، ط، والإرشاد. (¬7) في س، نعقل. (¬8) في جميع النسخ: مماسة. والمثبت من: الإرشاد، ودرء تعارض العقل والنقل- 2/ 190. (¬9) في الأصل: اجتماعهما. والمثبت من: س، ط، والإرشاد.

الجويني تمسك بنكتتين في رده على المعتزلة

وغرضنا في رَوْم (¬1) إثبات حدوث (¬2) العالم يتضح بالأكوان (¬3). وإن حاولنا ردًّا على المعتزلة فيما خالفونا فيه تمسكنا بنكتتين: إحداهما: الاستشهاد بالإجماع (¬4) على امتناع العرو عن الأعراض بعد الاتصاف بها، فنقول: كل عرض باق فإنه ينتفي (¬5) عن محله بطريان ضده، والضد إنما يطرأ (¬6) في حال عدم المنتفي به -على زعمهم- فإذا انتفى البياض فهلا جاز ألا يحدث (¬7) بعد انتفائه لون، إن كان يجوز (¬8) تقدير الخلو عن الألوان ابتداء؟ وتَطّرد (¬9) هذه الطريقة (¬10) في أجناس الأعراض. ونقول -أيضًا (¬11): الدال على استحالة قيام الحوادث بذات الرب -سبحانه وتعالى- أنها (¬12) لو قامت به لم يخل عنها، وذلك يقضي ¬

_ (¬1) رام الشيء، يرومه، رومًا، ومرامًا: طلبه. راجع: لسان العرب -لابن منظور- 12/ 258 (روم). (¬2) في الإرشاد: حدث. (¬3) أي: بثبوت الأكوان. (¬4) في س: والاجتماع. (¬5) في جميع النسخ: ينتهي، والمثبت من: الإرشاد، ودرء تعارض العقل والنقل -لابن تيمية- 2/ 191. (¬6) في الإرشاد: ضد فيه، ثم الضد إنما يطرأ. . (¬7) في الإرشاد: أن لا يحدث. (¬8) في الأصل، س: تجوز. والمثبت من: ط، والإرشاد. (¬9) في الإرشاد: ونطرد. (¬10) في الأصل: المسألة. والمثبت من: س، ط، والإرشاد، ودرء تعارض العقل والنقل- 2/ 192. (¬11) الكلام عن النكتة الثانية. (¬12) في الإرشاد: أنه.

بحدثه (¬1) فإذا جوز الخصم عرو الجوهر عن حوادث (¬2)، مع قبوله لها صحة وجوازًا، فلا يستقيم مع ذلك دليل على استحالة قبول الباري تعالى للحوادث. قلت: فهذا جملة كلامه في هذا الأصل، ولم يذكر فيه حجة أصلًا على المطلوب، بل فيه إحالة، فإنه ذكر خمسة أقوال: أحدها: القول الذي عليه أصحابه أن الجوهر لا يجوز أن يخلو عن كل جنس من الأعراض وعن أضدادها، بل لا بد أن يقوم به من كل جنس عرض (¬3) واحد، سواء كان له ضد أولم يكن له، وإن كان كثير من الناس يقول إن هذا مخالف للحس، كدعوى الطعم والريح للهواء والماء والنار. والقول الثاني: في مقابلة هذا، وهو جواز خلوه عن كل عرض. والثالث: الخلو عن جميعها في الابتداء دون الدوام. الرابع (¬4): أنه يمتنع خلوه عن الأكوان، ويجوز خلوه عما سواها، وهو قول بصري (¬5) المعتزلة. والخامس: امتناع خلوها عن الأكوان دون ما سواها، وهو قول البغداديين (¬6) الكعبي وأتباعه، وهم أغلظ بدعة من البصريين. ثم إنه لم يقم دليلًا إلا على الأكوان، فإنه ذكر أنه يعلم بالضرورة أن ما قبل الاجتماع والافتراق لم يعقل إلّا مجتمعًا أو متفرقًا، وذكر أن ¬

_ (¬1) في س، ط: بحدوثه. وفي الإرشاد: ينفي لحدثه. (¬2) في الإرشاد: الحوادث. (¬3) في الأصل: غرض. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط. (¬4) في ط: والرابع. (¬5) في جميع النسخ: بصرى. ولعل الصواب ما أثبته. (¬6) في س، ط: البغدادي.

مقصوده في حدوث العالم يتم بالأكوان (¬1)، وهذا إنما هو رد على من يجوز خلوها عن الأكوان، وقد ذكر عن البصريين أنهم لا يخالفونه في ذلك، فاحتج عليهم بحجتين إلزاميتين ليس فيهما حجة علمية: إحداهما (¬2): ما سلموه من امتناع الخلو بعد قيام العرض، وسوى بين الحالين، وقال: إذا جاز أن يخلو قبل قيام العرض عن الضدين جاز بعد ذلك. فيقال له: إن كانت هذه التسوية باطلة ثبت الفرق وبطل قولك، وإن كانت التسوية صحيحة لزم أحد الأمرين: إما جواز الخلو قبل وبعد أو امتناع الخلو قبل وبعد، لا يلزم أحدهما بعينه، وموافقة المنازع لك على امتناع الخلو [بعد] (¬3) لا يفيدك أنت علمًا إذا لم يكن لك ولا له ¬

_ (¬1) أقول: وشيخ الإسلام -رحمه الله- أوضح في كتابه "درء تعارض العقل والنقل" أن إثبات الأكوان بقبول الحركة والسكون هو الذي لا يمكن دفعه، لأن الجسم الباقي لا بد له من الحركة أو السكون. وأما الاجتماع أو الافتراق فهو مبني على إثبات الجوهر الفرد، ثم أوضح أن النزاع فيه كثير مشهور. فمن رام الوقوف عليه فليراجع 2/ 191. (¬2) وهي إحدى النكتتين اللتين تمسك بهما الجويني في الرد على المعتزلة حيث استشهد بالإجماع على امتناع العرو عن الأعراض بعد الاتصاف بها. وقد بين شيخ الإسلام -رحمه الله- في كتابه "درء تعارض العقل والنقل" 2/ 192: "أن مضمون هذا أنه قاس ما بعد الاتصاف على ما قبله، وقد أجابه المنازعون عن هذا بأن الفرق بينهما: أن الضد لا يزول إلا بطريان ضده، فلهذا لم يخل منهما، فإن كان الفرق صحيحًا بطل القياس، وإلا منع الحكم في الأصل وقيل: بل يجوز خلوه بعد الاتصاف إذا أمكن زوال الضد بدون طريان آخر، وما ذكره في السواد والبياض قضية جزئية، فلا تثبت بها دعوى كلية، ومن أين يعلم أن كل طعم في الأجسام إذا زال فلا بد أن يخلفه طعم آخر؟ وكل ريح إذا زالت فلا بد أن يخلفها ريح آخر، وكذلك في الإرادة والكراهة ونحو ذلك. . ". (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.

حجة على ذلك، فلا بد من حجة يعلم بها امتناع الخلو فيما بعد حتى يلحق به ما قبل، وليس معك في ذلك إجماع معصوم من الخطأ إذ ذاك إجماع المؤمنين، وطائفة من المتكلمين لا يمتنع أن يتفقوا على خطأ إذ أكثر الأمة يخطئهم كلهم في كثير [من] (¬1) كلامهم، على أن الخلاف في هذه المسألة لا يمكن دعوى عدمه، على أنه ليس غرضنا الكلام معه في ذلك. وإنما الغرض قوله في النكتة الثانية (¬2): "الدال على استحالة قيام الحوادث بذات الرب -سبحانه وتعالى- أنها لو قامت به لم يخل عنها وذلك يقضي بحدثه (¬3)، فإذا جوز الخصم عرو الجوهر عن الحوادث، مع قبوله لها صحة وجوازًا، فلا يستقيم مع ذلك دليل على استحالة قبول الباري للحوادث". فيقال لك: أنت قد ذكرت -أيضًا- فيما تقدم - (¬4) أن المعتزلة لا يستقيم على أصولهم الاجتماع على أن الحوادث لا تقوم بذات الباري، مع تجويزهم خلو الجواهر عن الأعراض، ومع قضائهم بتجدد أحكام الرب -تبارك وتعالى- وأما أنت وأصحابك فلم تذكروا حجة على أنه يمتنع خلو الجواهر عن كل جنس من أجناس الأعراض، ولا أقمتم حجة على [أن] (¬5) القابل (¬6) للشيء لا يخلو منه ومن ضده، ولا أقمتم حجة على استحالة قيام الحوادث به، بل أنت في مسألة الحوادث جعلت ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬2) تقدم قول الجويني في النكتة الثانية ص: 611، وفي "الإرشاد" ص: 25. وقد ناقش شيخ الإسلام -رحمه الله- هذه النكتة في "درء تعارض العقل والنقل" 2/ 193. (¬3) في ط: بحدوثه. وفي الإرشاد: ينفي لحدثه. (¬4) تقدم قول الجويني هذا في ص: 757. وفي الإرشاد ص: 45. (¬5) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬6) في س: القايل.

الدليل القاطع الذي تحتج به (¬1) في أصول الدين الذي ذكرت أنه ليس في بابه مثله هو قولك (¬2): "إنه لو قبل (¬3) الحوادث لم يخل منها لما (¬4) سبق تقريره في الجواهر، حيث قضينا باستحالة تعريها عن الأعراض، وما لم يخل من الحوادث لم يسبقها، وينساق ذلك إلى الحكم بحديث (¬5) الصانع". فيقال له: قولك: لما سبق تقريره إحالة على ما مضى وأنت لم تقرر فيما مضى أن ما قبل الشيء لم يخل منه، ولا قررت أن كل جوهر قبل عرضًا يستحيل خلوه عنه (¬6)، ولا قررت -أيضًا- استحالة تعري الجواهر (¬7) عن جميع الأعراض، إذ هذا يحتاج إلى مقدمتين: إحداهما: إمكان قيام كل جنس من الأعراض بكل جوهر. والثانية: أن القابل للشيء (¬8) لا يخلو منه ومن ضده، وأنت لم تذكر حجة على شيء من ذلك، غاية ما ذكرت أنك أثبت الأكوان التي هي الاجتماع والافتراق فقط، وأنك ادعيت تناقض المعتزلة حيث فرقوا بين ما قبل الاتصاف وبعده، وحيث إنهم إذا جوزوا خلو الجوهر عن بعض الحوادث مع قبوله لها (¬9)، بطل الاستدلال على امتناع قيام الحوادث بذات الله، وأنه لا يستقيم مع ذلك دليل على استحالة قبول الباري للحوادث، فكان هذا الكلام مع ما فيه من ذكر تناقض المعتزلة، وأنه لا حجة لهم ¬

_ (¬1) في س: نحتج. (¬2) تقدم في ص: 757، وفي الإرشاد: ص: 45. (¬3) في س: قيل. (¬4) في الأصل: لم. وأثبت المناسب من: س، ط، والإرشاد. (¬5) في ط: بحدوث. (¬6) في الأصل، س: عنها. (¬7) في الأصل: الجوهر. والمثبت من: س، ط. (¬8) في س، ط: لشيء. (¬9) له: ساقطة من: س.

على امتناع قيام الحوادث بالرب، فيه -أيضًا- أنه لا حجة على امتناع ذلك إلا هذه الحجة، وهو أنه لو قبل (¬1) الجوهر العرض لم يخل منه، ثم هذه الدعوى لم تذكر أنت -أيضًا- عليها حجة أصلًا، فقد أقررت بأن قول أصحابك، وقول المعتزلة بأنه تعالى منزه عن قبول الحوادث قول بلا حجة أصلًا فأين الدليل الذي ذكرتموه في ذلك، فضلًا عن أن يكون قاطعًا؟ وهذا إذا تدبره العاقل تبين له أن القوم يقولون على الله ما لا يعلمون، ويقولون على الله غير الحق، كما يقوله المشركون وأهل الكتاب. فإن قلت: فقد (¬2) قررنا ذلك في الأكوان، كالاجتماع والافتراق. فيقال: هذا حق، فإن ما كان قابلًا (¬3) أن يكون مجتمعًا وأن يكون مفترقًا، لم يكن إلا مجتمعًا أو مفترقًا، لكن هذا لا عموم فيه في جميع الصفات والأعراض، وغايته أن يثبت نظيره في الرب، فيقول: إذا كانت ذاته قابلة (¬4) للاجتماع أو الافتراق، لم يكن إلّا مجتمعًا أو مفترقًا، فالمنازع لك إن لم يسلم قبوله لهذين، لم يلزم أن لا يسلم قبوله لغيرهما من الصفات والأفعال، كما تقوله أنت، وإن سلم ذلك وقال: إنه أحد صمد والصمد أصله: المجتمع الذي لا جوف له، فإنه يقول (¬5): اجتماعه كعلمه وقدرته، هو من الصفات اللازمة له التي لا يجوز عدمها، وليس من الحوادث، فصفات الجوهر المخلوق تقبل الزوال إذ ¬

_ (¬1) في س: قيل. (¬2) في س: قد. (¬3) في الأصل: قائلًا. وأثبت المناسب للسياق من: س، ط. (¬4) في الأصل: قائله. وأثبت المناسب للكلام من: س، ط. (¬5) في الأصل: يقوله. وأثبت المناسب للسياق من: س، ط.

مسألة حلول الحوادث جعلتها الجهمية من المعتزلة ومن اتبعهم من الأشعرية وغيرهم أصلا عظيما في تعطيل ما جاء في الكتاب والسنة

يمتنع [عليها البقاء، بخلاف صفات الله الواجبة له، كما أن ذات (¬1) الجواهر المخلوقة تقبل العدم، والرب -سبحانه- واجب الوجود بنفسه يمتنع] (¬2) عليه العدم. وبهذا يظهر أنه لم يذكر دليلًا على حدوث الجواهر -أيضًا- كما لم يذكر دليلًا على امتناع قيام الحوادث بالرب، فإن دليله مبني على أربع مقدمات: ثبوت الأعراض [وثبوت أنها جميعًا حادثة، وأن الجوهر لا يخلو منها، وأنه يمتنع حوادث لا أول لها (¬3)، وهو لم يثبت من الأعراض] (¬4) اللازمة للجواهر إلّا الأكوان، الاجتماع والافتراق، ولم (¬5) يثبت حدوثها إلّا بقبولها العدم، فما لم (¬6) يثبت عدمه لم يعلم حدوثه، ولم يثبت جواز تفرق كل الأجسام، مع أن الحجة المذكورة في أن ما ثبت عدمه امتنع قدمه، فيها كلام ليس هذا موضعه. والمقصود هنا: الكلام في مسألة حلول الحوادث التي جعلتها الجهمية من المعتزلة ومن اتبعهم من الأشعرية وغيرهم، أصلًا عظيمًا في تعطيل ما جاء في الكتاب والسنة من ذلك، كقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (¬7) {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} (¬8)، وغير ذلك، ثم أنه -سبحانه- يقبل أن يفعل بعد أن لم يكن فاعلًا، والقول بأن فاعلًا يفعل وحاله قبل الفعل ¬

_ (¬1) في ط: ذوات. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬3) وهذه المقدمات هي الأصول التي بنى الجويني عليها حدث الجواهر. وتقدمت الإشارة إليها في ص: 762، وفي الإرشاد: ص: 17، 18. (¬4) ما بين المعقوفتين كرر في: س، وهو سهو من الناسخ. (¬5) في س: وهي لم. وفي ط: وهو لم. (¬6) في الأصل: فعالم. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط. (¬7) سورة الحديد، الآية: 4. (¬8) سورة فصلت، الآية: 11.

وبعده سواء ولم يقم به فعل نفسه، هو (¬1) في المعقول أبعد من كون الساكن الذي سكونه قديم (¬2) [يمتنع أن يتحرك، لأن السكون القديم يمتنع عدمه ولو عرض] (¬3) على العقل الصحيح جواز أن يبدع أشياء من غير أن يكون له في نفسه فعل أصلًا، وجواز أن يفعل ويكون فعله في نفسه بعد أن كان تاركًا، لكان الثاني أقرب إلى عقل كل أحد من الأول، فإن هذا الثاني معقول، والأول غير معقول. وبهذا استطالت عليهم الدهرية من الفلاسفة (¬4) ونحوهم، فإنهم ادعوا حدوث الجواهر والأجسام، ومضمون عموم كلامهم يقتضي أنهم ادعوا حدوث كل موجود، لكن لم يقصدوا ذلك، وإنما هو لازم لهم، ومعلوم أن هذا باطل، والدهرية ادعوا قدم السماوات، ولا شك أن هذا كفر باطل -أيضًا- لكن صار كل من الفريقين يعارض الآخر بحجج ¬

_ (¬1) هو: ساقطة من: س. (¬2) في الأصل: قد عم. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط. (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬4) الفلاسفة: جمع فيلسوف. وتقدم الكلام عليه في ص: 272. الدهرية: هم القائلون بقدم العالم ووجوده أزلًا وأبدًا ولا صانع له، وذهبوا إلى ترك العبادة، لأنها لا تفيد، وإنما الدهر بما يقتضيه مجبول من حيث الفطرة على ما هو واقع فيه. والدهرية: من الفلاسفة كابن سينا وأمثاله قالوا: تسلسل الحوادث ودوامها واجب؛ لأن حدوث الحادث بدون سبب حادث ممتنع، فيمتنع أن يكون جنسها حادثًا بلا سبب حادث، وإذا كان لكل حادث سبب حادث كان الجنس قديمًا، فيكون العالم قديمًا. وهذا أصل تفرعت عنه مقالاتهم. انظر: الفصل -لابن حزم- 1/ 9 - 14. نهاية الإقدام -للشهرستاني - ص: 123، 124. ودرء تعارض العقل والنقل -لابن تيمية- 4/ 43، 8/ 131، 9/ 147، 148. والكليات -لأبي البقاء- 2/ 332. وكشاف اصطلاحات الفنون -للتهانوي- 2/ 274، 275.

تبطل (¬1) حجج نفسه، لأن كلًّا (¬2) من القولين باطل، فتكون حجتهم باطلة فيمكن إبطالها، ولهذا كان غالب أئمتهم يقولون بتكافؤ الأدلة في هذه المسألة ونحوها (¬3)، ويصيرون فيها إلى الوقف والحيرة، ثم هم مع ذلك قد يعتقدون أن الإسلام لا يتم إلّا بما ادعوه من القول بهذا الحدوث، فيكون ذلك سببًا لنفاقهم وزندقتهم، وذلك باطل، ليس هذا من أصل الإسلام في شيء، واعتبر ذلك بابن الراوندي (¬4) الذي يقال: إنه أحد شيوخ الأشعري وقد فرح أصحاب الأشعري بموافقته، وموافقة أبي عيسى الوراق (¬5) لهم على إثبات كلام النفس، ومع هذا فله كتاب مشهور سماه كتاب "التاج" (¬6) في قدم (¬7) العالم، وذكر الأشعري أنه في كتابه ¬

_ (¬1) في س: فتبطل. (¬2) في الأصل، س: كل. وأثبت الصواب من: ط. (¬3) بعد أسطر سوف يذكر الشيخ -رحمه الله- أنه قيل: إن أبا الحسن الأشعري أقر بتكافؤ الأدلة في آخر عمره، وكذا الفخر الرازي صرح في آخر كتبه "المطالب العالية" أن هذه المسألة من محارات العقول. (¬4) تقدم التعريف به وبفرقته ص: 629. (¬5) هو: أبو عيسى محمد بن هارون الوراق، من أهل بغداد، له تصانيف على مذهب المعتزلة، وعنه أخذ ابن الراوندي. توفي سنة 247 هـ. انظر: لسان الميزان -لابن حجر- 5/ 412. والأعلام -للزركلي- 7/ 351. تاريخ الأدب العربي -لبروكلمان 4/ 30، وفيه: أنه تحول عن مذهب المعتزلة، وذلك بسبب دراسته للمنطق الإغريقي، وتوفي بالسجن بعد أن اتهم بالإلحاد، مثل الراوندي. (¬6) كتاب "التاج" في قدم العالم ذكره ابن الجوزي في "المنتظم" 6/ 99، 101، وأن أبا علي الجبائي نقضه وقال: "قد وضع كتابًا في قدم العالم، ونفى الصانع، وتصحيح مذهب الدهر، وفي الرد على مذهب أهل التوحيد". انظر: تاريخ التراث العربي -لسزكين- 1/ 4 / 74. وهدية العارفين للبغدادي 1/ 55، وذكر في ص: 677 أن لأبي الحسن الأشعري نقض كتاب التاج على ابن الراوندي. ومعجم المؤلفين -لكحالة- 2/ 200. (¬7) في الأصل: قدوم. وأثبت المناسب من: س، ط.

الأشعري والرازي أقرا في آخر عمرهما بتكافؤ الأدلة في مسألة حدوث الأجسام

الكبير وهو "الفصول" (¬1) ذكر علل الملحدين والدهريين مما احتجوا به في قدم العالم، وتكلم عليها، وأنه استوفى ما ذكره ابن الراوندي في كتابه المعروف بكتاب (¬2) التاج، وهو الذي نصر فيه القول بقدم العالم. وقد قيل: إن الأشعري في آخر عمره أقرَّ بتكافؤ الأدلة (¬3)، واعتبر ذلك بالرازي فإنه في هذه [وهي] (¬4) مسألة حدوث (¬5) الأجسام -يذكر أدلة الطائفتين، ويصرح في آخر كتبه وآخر عمره، وهو كتاب "المطالب العالية" (¬6) بتكافؤ الأدلة وأن المسألة من محارات. . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) نقل ابن عساكر عن أبي بكر بن فورك أن أبا الحسن الأشعري صنف كتابًا سماه "الفصول" في الرد على الملحدين والخارجين عن الملة كالفلاسفة والطبائعيين والدهريين وأهل التشبيه والقائلين بقدم الدهر على اختلاف مقالاتهم وأنواع مذاهبهم، ثم رد فيه على البراهمة واليهود والنصارى والمجوس، وهو كتاب كبير يشتمل على اثني عشر كتابًا، أول كتاب إثبات النظر وحجة العقل والرد على من أنكر ذلك، ثم ذكر علل الملحدين والدهريين فيما احتجوا بها في قدم العالم، وتكلم عليها، واستوفى ما ذكره ابن الراوندي في كتابه المعروف بكتاب "التاج" وهو الذي نصر فيه القول بقدم العالم. راجع: تبيين كذب المفتري -لابن عساكر- ص: 128، 129. وانظر عن كتاب "الفصول": هدية العارفين -للبغدادي- 1/ 677. وإيضاح المكنون -للبغدادي- 2/ 194. ولم يذكره ضمن آثار أبي الحسن كل من: بروكلمان -في تاريخ الأدب العربي- 4/ 39. وسزكين -في تاريخ التراث العربي- العقائد والتصوف- 1/ 4 / 35. (¬2) في الأصل: بكتابه. والمثبت من: س، ط. (¬3) نسب أبو إسماعيل الهروي في كتابه "ذم الكلام" -مخطوط- الجزء السابع -اللوحة: 33 - هذا القول إلى: زاهر بن أحمد السرخسي. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: ط. (¬5) في الأصل: أخر حدوث. . والكلام يستقيم بما أثبته من: س، ط. (¬6) هذا الكتاب آخر ما ألف الرازي -وفيه ما استقر عليه رأيه في نهاية عمره، والكتاب لا زال مخطوطًا. يقول محمد صالح الزركاني، في كتابه "فخر الدين الرازي وآراؤه الكلامية =

الغالب على اتباعهم الشك والارتياب

العقول (¬1). ولهذا كان الغالب على أتباعهم الشك والارتياب في الإسلام، كما حدثني من حدثه ابن باده أنه دخل على الخسرو شاهي (¬2) -وهو أحد تلامذة ابن الخطيب (¬3) - الذي قدم إلى الشام ومصر، وأخذه الملك ¬

_ = والفلسفية" ص: 194: "والكتاب الموجود -والمشار إليه في الكتب التاريخية- كله في الإلهيات وبعض المباحث الطبيعية المتأخرة في الترتيب عن الإلهيات، ويلوح لي أنه حلقة في مجموعة كلامية فلسفية سماها الرازي "المطالب العالية" كتب الرازي أكثرها، ووقف قبل قسم "الأخلاق" بعد أن عاجلته المنية. . ". وعن المطالب العالية -ونسخه الخطية وأماكن وجودها يراجع: المصدر السابق ص: 95، 96. وممن أشار إليه: ابن خلكان في "وفيات الأعيان" 4/ 249، وابن كثير في "البداية والنهاية" 13/ 53، وحاجي خليفة في "كشف الظنون" 2/ 1714. وقال: شرحه عبد الرحمن المعروف بجبلي زادة. (¬1) الشيخ -رحمه الله- بين في كتابه "تلبيس الجهمية" 1/ 130: أن الرازي ذكر في أكبر كتبه "المطالب العالية" أدلة الفريقين القائلين بحدوث العالم، وقدمه وضرب هذه بهذه، ولم يرجح شيئًا، بل ذكر أن الكتب الإلهية، والأدلة السمعية لم تبين هذه الأدلة. وانظر: إشارة الشيخ إلى اعتراف الرازي بالحيرة والشك في هذه المسألة في: درء تعارض العقل والنقل- 4/ 290. (¬2) في هامش س: هو عبد الحميد بن عيسى الخسرو شاهي. هو: أبو محمد عبد الحميد بن عيسى بن عموية بن يونس الخسروشاهي، نسبة إلى خسرو شاه من قرى تبريز، كان فقيهًا متكلمًا، بارعًا في المعقولات، وأخذ عن الفخر الرازي الأصول وغيره، قدم الكرك فأقام عند صاحبها الملك الناصر داود، فإنه استدعاه ليقرأ عليه، ثم عاد إلى دمشق، فأقام بها إلى أن توفي سنة 652 هـ. انظر: العبر -للذهبي- 3/ 268، 269. وطبقات الشافعية -للسبكي- 8/ 160، 161. والبداية والنهاية -لابن كثير- 13/ 177. (¬3) هو: فخر الدين الرازي أبو عبد الله محمد بن عمر -تقدمت ترجمته- يعرف بابن الخطيب، أو ابن خطيب الري، لأن والده كان خطيب مسجد الري.

الناصر (¬1) صاحب الكرك (¬2) إلى عنده، وكان يقرأ عليه، حتى قيل: إنه حصل له اضطراب في الإيمان من جهته وجهة أمثاله. قال: دخلت عليه بدمشق، فقال لي: يا فلان ما تعتقد؟ قلت: أعتقد ما يعتقده المسلمون، قال: وأنت جازم بذاك (¬3) وصدرك منشرح له قلت: نعم، قال: فبكى بكاء شديدًا (¬4) عظيمًا، أظنه وقال: لكني والله ما أدري ما أعتقد؟ لكني والله ما أدري ما أعتقد؟ لكني والله ما أدري ما أعتقد (¬5)؟ ¬

_ = انظر: وفيات الأعيان -لابن خلكان- 4/ 249. والوافي بالوفيات -للصفدي- 4/ 248. والفخر الرازي وآراؤه الكلامية والفلسفية - للزركان- ص: 15. (¬1) هو: داود بن الملك المعظم عيسى بن محمد بن أيوب، الملك الناصر صلاح الدين ملك دمشق بعد أبيه سنة 626 هـ، وأخذها منه عمه الأشرف، فتحول إلى الكرك، فملكها إحدى عشرة سنة، ثم استخلف عليها ابنه عيسى سنة 647 هـ، فانتزعها منه الصالح أيوب بن عيسى في هذه السنة، فرحل الناصر مشردًا في البلاد، وكان فاضلًا زكيًّا مناظرًا بصيرًا بالأدب، وله عناية بتحصيل الكتب النفسية، توفي سنة 656 هـ. انظر: فوات الوفيات -لابن شاكر- 1/ 419 - 428. وشذرات الذهب -لابن العماد- 5/ 275. والأعلام -للزركلي- 3/ 10. (¬2) الكرك: بفتح الراء، كلمة أعجمية، وهي اسم لقلعة حصينة جدًّا في طرف الشام من نواحي البلقاء، بين أيلة وبحر القلزم وبيت المقدس، وهي على جبل عال تحيط بها أودية إلا من جهة الربض. انظر: معجم البلدان- للحموي- 4/ 453. والروض المعطار- للحميري - ص: 493. (¬3) في س: بذلك. (¬4) شديدًا: ساقطة من: س، ط. (¬5) نقل شيخ الإسلام -رحمه الله- حيرة الخسرو شاهي وشكه في كتابه "نصيحة أهل الإيمان في الرد على منطق اليونان"، والذي اختصره السيوطي وسماه "كتاب جهد القريحة في تجريد النصيحة" ص: 322، 323.

وحدثني الشيخ الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد القوي (¬1) عن مؤذن الكرك، قال: صعدت ليلة بوقت فسبحت في المنارة، ثم نزلت والخسرو شاهي ساهر مع السلطان يتحدثان، فقال: إلى الساعة وأنت تسبح في المنارة؟ فقلت: نعم. فقال: بت تناجي الرحمن، وبت أناجي الشيطان. وأيضًا (¬2)، فما ذكره (¬3) أن المعتزلة تصدهم عن طرد الدليل في هذه المسألة أنه إذا لم يتمنع تجدد أحكام الذات (¬4) من غير أن يدل على الحدث لم يبعد مثل ذلك في اعتوار (¬5) الأعراض على الذات، يلزمه مثله في تجدد حكم السمع والبصر، فإنه إنما يتعلق بالموجود دون المعدوم، وإما أن يكون الرب بعد أن خلق الموجودات، كحاله قبل وجودها في السمع والبصر، أو (¬6) لا يكون، فإن كان حاله قبل كحاله بعد، وهو قبل لم يكن يسمع شيئًا ولا يراه، فكذلك بعد لاستواء الحالين، فإن قيل: إن حاله بعد ذلك خلاف حاله قبل، فهذا قول بتجدد الأحوال (¬7) والحوادث ولا حيلة في ذلك، ولا يمكن أن يقال في ذلك ما قيل في ¬

_ (¬1) هو: محمد بن عبد القوي بن بدران المرداوي -نسبة إلى مردا من قرى نابلس- المقدسي، فقيه حنبلي، بارع في العربية واللغة، حسن الديانة دمث الأخلاق كثير الإفادة، توفي سنة 699 هـ. انظر: الوافي بالوفيات -للصفدي- 3/ 278. وشذرات الذهب -لابن العماد- 5/ 452، 453. والأعلام -للزركلي- 7/ 83. (¬2) وأيضًا: كررت في الأصل. (¬3) يعني: الجويني- في الإرشاد ص: 45. (¬4) في س: اللذات. (¬5) في الأصل: الاعتوار. والمثبت من: س، ط، والإرشاد. (¬6) في الأصل: ولا، والمثبت من: س، ط. (¬7) في س: الأحول.

العلم، وأن (¬1) العلم يتعلق بالمعدوم، فأمكن المفرق أن يقول: حاله قبل وجود المعلوم (¬2) وبعده سواء. وقد ذكر هذا الإلزام أبو عبد الله الرازي (¬3)، والتزم قول الكرامية بعد أن أجاب بجواب ليس بذاك (¬4)، فإن المخالف احتج عليه بأن السمع والبصر يمتنع أن يكون قديمًا، لأن الإدراك لا بد له من متعلق، وهو لا يتعلق بالمعدوم، فيمتنع ثبوت (¬5) السمع والبصر للعالم قبل وجوده، إذ هم لا يثبتون أمرًا في ذوات الله، به يسمع ويبصر، بل السمع والبصر نفس الإدراك عندهم، ويمتنع أن يكون حادثًا، لأنه يلزم أن يكون محلًا للحوادث، ويلزم أن يتغير، وكلاهما محال. وقال (¬6) في الجواب: "لم لا يجوز أن يكون الله سميعًا بصيرًا بسمع قديم وبصر قديم، ويكون ذلك (¬7) السمع والبصر يقتضيان التعلق بالمرئي والمسموع بشرط حضورهما ووجودهما (¬8). قال (¬9): وهذا هو (¬10) المعنى بقول أصحابنا في السمع والبصر: ¬

_ (¬1) في س: وان. (¬2) في الأصل: العلوم. والمثبت من: س، ط. (¬3) في كتابه "نهاية العقول في دراية الأصول" - مخطوط- أحمد الثالث 1874 اللوحة: 153. (¬4) في الأصل: بذلك. والمثبت من: س، ط. وسوف يورد الشيخ -رحمه الله- جوابه بعد أن يذكر حجة مخالفة. (¬5) في س: بثبوت. (¬6) أي: فخر الدين الرازي في المصدر السابق- اللوحة: 153، 154. (¬7) ذلك: ساقطة من: س، ط. (¬8) في س: ووجودها. (¬9) قال: إضافة من الشيخ، والكلام متصل بما قبله في: نهاية العقول. (¬10) هو: ساقطة من: نهاية العقول.

إنه صفة متهيئة لدرك ما عرض عليه، فإن قال قائل (¬1): فحينئذ يلزم تجدد التعلقات. قلنا: وأي بأس بذلك إذا لم يثبت أن التعلقات أمور (¬2) وجودية في الأعيان، فهذا هو تقرير المذهب، ثم لئن سلمنا فساد هذا القسم فلم لا يجوز [أن يكون (¬3) محدثًا (¬4) في ذاته على ما هو مذهب الكرامية؟ قوله (¬5): يلزم أن يكون محلًا للحوادث. قلنا: إن عنيتم (¬6) حدوث هذه الصفات في ذاته تعالى بعد أن لم تكن حادثة فيها (¬7)، فهذا هو المذهب، فلم قلتم إنه محال؟ وإن عنيتم شيئًا (¬8) آخر فبينوه لنتكلم عليه، وهذا هو الجواب عن قوله: يلزم وجود التغيير في ذات الله (¬9) ". قلت: وقد اعترف في هذا الموضع بضعف الجواب الأول، وذلك قول القائل: صفة متهيئة لدرك ما عرض عليه، وضده نفي السمع والبصر هو الإدراك (¬10)، فما الفرق بين الصفة وبين هذا المدرك؟ ثم عند وجود ¬

_ (¬1) قائل: ساقطة من: نهاية العقول. (¬2) في نهاية العقول: إذا لم يثبت التعلقات أمورًا. (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من: ط. ونهاية العقول. (¬4) في الأصل: تحدثا. وفي س: أن محدثًا. والمثبت من: ط. ونهاية العقول. (¬5) أي: قول المخالف لأبي عبد الله الرازي -كما تقدم- والكلام متصل بما قبله في "نهاية العقول". (¬6) في نهاية العقول: عنيت. (¬7) في نهاية العقول: بعد أن يكون حادثًا فيها. (¬8) في نهاية العقول: به شيئًا. (¬9) في نهاية العقول: يلزم دخول التغير في صفاته. (¬10) في هامش ط: ورد "قوله: وضده نفي السمع والبصر هو الإدراك كذا بالأصل فليحرر".

هذا الدرك هل يكون سامعًا مبصرًا لما لم يكن قبل ذلك سامعا [له] (¬1) مبصرًا أم لا يكون؟ فإن لم يكن [كذلك لزم نفي أن يسمع ويبصر، وإن كان سمع ورأى ما لم يكن] (¬2) سمعه ورآه. فمن المعلوم بالاضطرار أن هذا أمر وجودي قائم بذات السامع الرائي وأنه ليس أمرًا عدميًّا، ولا واسطة بين الوجود والعدم، ولو كان عدميًّا لكان سلبه وجوديًّا إذا قيل: لم يسمع ولم يبصر، وإن كان سلبه وجوديًّا لا متنع (¬3) وصف المعدوم به، فإن المعدوم لا يوصف بوجود، ومذهب هؤلاء إنما تشكل على الناس لاشتراك اللفظ، فإن السمع والبصر يطلق بمعنى ما به يسمع ويبصر، وليس الله عندهم سميعًا بصيرًا بهذا الاعتبار، وإن كان أهل الإثبات يقولون بذلك، وإنما هو عندهم مجرد الإدراك فقط فكيف يقال: كان ثابتًا في العدم غير متعلق، وأنه لا يتعلق إلا بالموجود وأن تعلقه بالموجود عدم محض؟ هذه أقوال معلومة (¬4) الفساد بالضرورة، وقد بسطنا الكلام في مسألة الأفعال الاختيارية بسطًا عظيمًا في غير هذا الموضع (¬5). ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من: س. (¬3) في س: لا أمتنع. (¬4) في الأصل: معلوم والمثبت من: س، ط. (¬5) انظر كلام الشيخ -رحمه الله- على مسألة الأفعال الاختيارية القائمة بالله، وأقوال السلف فيها بتوسع وتفصيل في كتابه "درء تعارض العقل والنقل" 2/ 3 - 156، 164 - 304، 324 - 344. وقد تكلمنا على هذه المسألة في الدراسة وبينا أن ابن كلاب والأشعري وغيرهما ينفونها، وعلى ذلك بنوا قولهم في مسألة القرآن.

الكلام في اسم الله الواحد، وأن له ثلاث معان عندهم

وكان المقصود هنا أولًا الكلام في اسم الله الواحد وأن له ثلاثة معان (¬1): أحدها: أنه الذي لا ينقسم ولا يتجزأ ولا يتبعض ولا يتعدد ولا يتركب وربما قال بعضهم: هذا تفسير الاسم الأحد، وهذه الوحدانية هي التي ذكروها هنا، إذ ليس مرادهم بأنه لا ينقسم ولا يتبعض أنه لا ينفصل بعضه عن بعض، وأنه لا يكون إلهين اثنين، ونحو ذلك مما يقول نحوًا منه النصارى والمشركون، فإن هذا مما لا ينازعهم فيه المسلمون، وهو حق لا ريب فيه، وكذلك كان علماء السلف ينفون التبعيض عن الله بهذا المعنى، وإنما مرادهم بذلك أنه لا يشهد ويرى (¬2) منه شيء دون شيء، ولا يدرك منه شيء دون شيء، ولا يعلم منه شيء دون شيء، ولا يمكن أن يشار إلى شيء منه (¬3) دون شيء، بحيث أنه ليس [له] (¬4) في نفسه حقيقة عندهم قائمة بنفسها يمكنه هو أن يشير منها إلى شيء دون شيء، أو يَرَى عباده منها شيئًا دون شيء، بحيث إذا تجلى لعباده يريهم من نفسه المقدسة ما شاء، فإن ذلك غير ممكن عندهم، ولا يتصور عندهم أن يكون العباد محجوبين عنه بحجاب منفصل عنهم يمنع أبصارهم رؤيته (¬5)، فإن الحجاب لا يحجب إلا ما هو جسم منقسم، ولا يتصور عندهم أن الله يكشف عن وجهه الحجاب ليراه المؤمنون، ولا أن يكون على وجهه حجاب (¬6) أصلًا، ولا أن يكون ¬

_ (¬1) في س: معاني. (¬2) في ط: ولا يرى. (¬3) في س، ط: يشار منه إلى شيء. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬5) في ط: عن رؤيته. (¬6) في الأصل وبسبب تمزق فيه صارت الكلمة (لا حجاب). والمثبت من: س، ط.

المعنى الثاني

بحيث يراه (¬1) العبد أو يصل إليه أو يدنو منه أو يقرب (¬2) إليه في الحقيقة، فهذا (¬3) ونحوه هو المراد عندهم بكونه (¬4) لا ينقسم (¬5)، ويسمون ذلك نفي التجسيم إذ كل ما (¬6) ثبت له ذلك كان جسمًا منقسمًا مركبًا، والباري فإنه (¬7) منزه عندهم من (¬8) هذه المعاني. والمعنى الثاني: من معاني الواحد عندهم هو الذي لا شبيه له، وهذه الكلمة أقرب إلى الإسلام، لكن أجملوها فجعلوا نفي الصفات أو بعضها داخلًا في نفي التشبيه، واضطربوا في ذلك على درجات لا تنضبط، والمعتزلة تزعم أن نفي العلم والقدرة وغير ذلك من التوحيد ونفي (¬9) التشبيه والتجسيم (¬10)، والصفاتية تقول: ليس ذلك من التوحيد ونفي التجسيم والتشبيه، ثم هؤلاء مضطربون فيما ينفونه من ذلك، لكن أولئك على أن ما نفوه من [التشبيه وما نفوه من] (¬11) المعنى الذي سموه تجسيمًا هو التوحيد الذي لا يتم الدين إلا به، وهو أصل الدين عندهم. ¬

_ (¬1) في س، ط: يلقاه. (¬2) في الأصل الكلمة غير واضحة بسبب التمزق، وظهور جزء من كلمة في الورقة التالية. والمثبت من: س، ط. (¬3) في الأصل، س: في هذا والمثبت من: ط. (¬4) في الأصل: يكون. والمثبت من: س، ط. (¬5) الكلمة غير واضحة بالأصل بسبب التمزق واختلاط جزء من هذه الكلمة مع جزء من كلمة أخرى في الورقة التالية. والمثبت من: س، ط. (¬6) في الأصل، س: كلما. والمثبت من: ط. (¬7) في س: فإنه. وهي ساقطة من: ط. (¬8) في س، ط: عن. (¬9) في الأصل: فنفى. والمثبت من: س، ط، ولعله المناسب. (¬10) في س، ط: التجسيم والتشبيه. (¬11) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.

إنكار السلف لما سماه هؤلاء توحيدا

وكل من سمع (¬1) ما جاءت به الرسل يعلم بالاضطرار أن هذه الأمور ليست مما بعث الله به رسوله، ولم يكن الرسول يعلم أمته هذه، الأمور، ولا كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليها، فكيف يكون هذا التوحيد الذي هو أصل الدين لم يدع إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والصحابة والتابعون؟ بل يعلم بالاضطرار أن الذي جاء به الرسول من الكتاب والسنة يخالف هذا المعنى الذي سماه هؤلاء الجهمية توحيدًا. ولهذا ما زال سلف الأمة وأئمتها ينكرون ذلك، كما روى الشيخ أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي، في ذم الكلام (¬2) قال: "سمعت عبد الرحمن بن جابر السلمي قال: سمعت محمد بن عقيل بن الأزهر الفقيه يقول: جاء رجل إلى المزني فسأله عن شيء من الكلام، فقال: إني أكره هذا، بل أنهى عنه كما نهى عنه الشافعي، ولقد (¬3) سمعت الشافعي يقول: سئل مالك عن الكلام في التوحيد. قال (¬4) ¬

_ (¬1) في س: يسمع. (¬2) أي: ما صنفه في ذم الكلام. بيان تلبيس الجهمية -لابن تيمية 1/ 486. ولم أقف على كتاب لأبي عبد الرحمن السلمي الأزدي المتوفى سنة 412 هـ، بهذا الاسم، ولعله كتاب "الرد على أهل الكلام" الذي ذكره فؤاد سزكين ضمن آثار أبي عبد الرحمن، وأشار إلى أن عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن الرازي المقري، المتوفى سنة 454 هـ اختصره. راجع: تاريخ التراث العربي -العقائد والتصوف- 1/ 4 / 184. وقد أورد هذا النقل أبو إسماعيل الهروي في كتابه ذم الكلام -مخطوط- تحت رقم 1128 - الظاهرية بدمشق- الجزء السادس- الطبقة السادسة- اللوحة: 16 فقال: "أخبرني طيب بن أحمد، أنبأنا محمد بن الحسين، سمعت عبد الرحمن بن محمد بن حامد السلمي، سمعت محمد بن عقيل ابن الأزهر يقول:. . ". وانظره في: صون المنطق والكلام -للسيوطي- ص: 63. (¬3) في ذم الكلام: فلقد. (¬4) في ذم الكلام: فقال.

مالك: محال أن يظن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - أنه علم أمته الاستنجاء، ولم يعلمهم التوحيد، فالتوحيد (¬1) ما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلّا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله" (¬2) [فما] (¬3) عصم به الدم والمال فهو حقيقة (¬4) التوحيد. وقد روى (¬5) ذلك (¬6) [شيخ الإسلام] (¬7) أبو إسماعيل الأنصاري ¬

_ (¬1) في ذم الكلام: والتوحيد. (¬2) قوله: (فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله) لم يرد في ذم الكلام. والحديث بهذا اللفظ رواه الترمذي عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أمرت. . . سنن الترمذي 5/ 439 كتاب تفسير القرآن- باب 78 - تفسير سورة الغاشية - الحديث / 3341. وأخرجه البخاري مع اختلاف في الألفاظ في كتاب الإيمان- باب: فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم- 1/ 11، 12. وفي كتاب "الاعتصام بالكتاب والسنة" باب قول الله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} - 8/ 162. ومسلم -كتاب الإيمان- باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلّا الله محمد رسول الله، ويقيموا الصلاة. . 1/ 51 - 53 - الأحاديث / 32 - 36. (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، وذم الكلام. وقد سبق ذلك في: س، ط قوله: "وإن كان" ولا معنى لها. (¬4) في ذم الكلام: فما عصم به المال والدم حقيقة. . (¬5) وقد روى: ساقطة من: ط. (¬6) ظهر في صورة "الأصل" بعد قوله: ذلك. كلمة "الاضطرار" من الورقة السابعة لخرم كان موجودًا في الأصل. والكلام يستقيم بما أثبته من: س، ط. (¬7) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. وفي الأصل كلمة غير مقروءة بسبب التمزق.

في كتاب ذم الكلام (¬1)، والشيخ أبو الحسن الكرجي (¬2) في كتاب الفصول في الأصول. ¬

_ (¬1) هو: أبو إسماعيل عبد الله بن محمد بن علي الأنصاري الهروي، شيخ خراسان في عصره كان بارعًا في اللغة، حافظًا للحديث، عارفًا بالتاريخ والأنساب، مظهرًا للسنة داعيًا إليها، توفي سنة 481 هـ. له مصنفات منها "ذم الكلام" مخطوط بظاهرية دمشق تحت رقم 1128 وقد انتقاه الإمام برهان الدين إبراهيم بن عمر البقاعي المفسر حين سمع من الشيخ شهاب الدين بن حجر العسقلاني بالقاهرة سنة 846 هـ وسماه أحسن الكلام. انظر، كشف الظنون -لحاجي خليفة- 1/ 828. وللترجمة: سير أعلام النبلاء -للذهبي- 18/ 503 - 518. الذيل على طبقات الحنابلة -لابن رجب - 1/ 50 - 68. الأعلام -للزركلي- 4/ 267. (¬2) أبو الحسن الكرخي: غير واضحة بالأصل وقد ظهر بعض كلمات من الورقة التي قبلها مثل "وجود يا إذا قيل" نتيجة التمزق. والمثبت من: س، ط. وقد ورد فيهما "الكرجي". ولعل الصواب ما أثبته من مصادر الترجمة. هو: أبو الحسن محمد بن عبد الملك بن محمد بن عمر الكرجي الشافعي، شيخ الكرج وعالمها ومفتيها، الفقيه المحدث المفسر الأديب. توفي سنة 532 هـ. من تصانيفه: "الفصول في اعتقاد الأئمة الفحول". يقول ابن كثير -رحمه الله- في "البداية والنهاية 12/ 228 ": "وله مصنفات كثيرة منها: الفصول في اعتقاد الأئمة الفحول، يذكر فيه مذاهب السلف في باب الاعتقاد، ويحكي فيه أشياء غريبة حسنة". وذكر شيخ الإسلام في "درء تعارض العقل والنقل 2/ 95 " أن أبا الحسن الكرجي في كتابه الفصول ذكر اثني عشر إمامًا هم: الشافعي -ومالك- والثوري - وأحمد- وابن عيينة- وابن المبارك- والأوزاعي - والليث بن سعد- وإسحاق بن راهوية- والبخاري- وأبو زرعة- وأبو حاتم. وعن كتاب الفصول ومؤلفه انظر: المنتظم -لابن الجوزي- 10/ 75، 76. وطبقات الشافعية -للشبكي- 6/ 137 - 147. وشذرات الذهب -لابن العماد- 4/ 100. وكشف الظنون -لحاجي خليفة- 2/ 1271. وهدية العارفين -للبغدادي- 2/ 87. ومعجم المؤلفين -لكحالة- 10/ 258.

وروى -أيضًا- أبو عبد الرحمن السلمي (¬1)، ومن طريق شيخ الإسلام: حدثنا محمد بن محمود الفقيه بموو (¬2)، ثنا محمد بن عمير، ثنا أبو يحيى زكريا بن العلاف التجيبي بمصر، ثنا (¬3) يونس بن عبد الأعلى، ثنا أشهب بن عبد العزيز سمعت مالك بن أنس يقول: إياكم والبدع، قيل: يا أبا عبد الله وما البدع؟ قال: أهل البدع الذين يتكلمون في أسماء الله وصفاته وكلامه وعلمه وقدرته، ولا يسكتون عما سكت عنه الصحابة والتابعون لهم بإحسان. ورويا (¬4) -أيضًا- ما ذكره -أيضًا- الشيخ أبو عبد الرحمن: "ثنا محمد بن جعفر، ثنا (¬5) بن مطر، سمعت شكرًا، سمعت أبا سعيد البصري، سمعت أبا عبد الرحمن بن مهدي (¬6) يقول: دخلت على مالك وعنده رجل يسأله عن القرآن، فقال: لعلك من أصحاب عمرو بن عبيد، لعن الله عَمْرًا فإنه ابتدع هذه البدع من الكلام، ولو كان الكلام ¬

_ (¬1) أبو عبد الرحمن السلمي: غير واضحة بالأصل، وقد ظهر في الصورة التي بين يدي: "المعدوم به فإن" من الورقة السابقة، نتيجة للتمزق ووجود خرم تظهر معه بعض الكلمات من الورقة السابقة أو اللاحقة، وما أثبته من: س، ط، وهذا النقل في ذم الكلام لأبي إسماعيل الهروي -مخطوط- الجزء (5) الطبقة الرابعة اللوحتان: 13، 14 وانظره في: "صون المنطق والكلام" -للسيوطي ص: 57، 56. (¬2) الفقيه بمرو: غير واضح بالأصل، وقد ظهر بعض كلمات من الورقة السابقة لا تقرأ لتداخل الحروف. والمثبت من: س، ط. وذم الكلام. (¬3) التجيبي بمصر، ثنا: غير واضحة بالأصل. والمثبت من: س، ط. وذم الكلام. (¬4) أبو الحسن الكرجي في كتابه "الفصول في الأصول"، وأبو إسماعيل الهروي في "ذم الكلام" -مخطوط- الجزء (5) الطبقة الرابعة اللوحة: 14. وانظره في: صون المنطق والكلام -للسيوطي- ص: 57. (¬5) ثنا: ساقطة من: س، ط. (¬6) في الأصل: نهدي. وفي س: نهيد. وكلاهما خطأ. والمثبت من: ط، وذم الكلام، وصون المنطق. وعبد الرحمن بن مهدي: تقدمت ترجمته ص: 260.

علمًا لتكلم فيه الصحابة والتابعون، كما تكلموا في الأحكام والشرائع، ولكنه باطل يدل على باطل". وهذا صريح في رد الكلام والتوحيد الذي كان تقوله المعتزلة والجهمية، وليس له أصل عن الصحابة والتابعين، بخلاف ما روي من (¬1) الآثار الصحيحة في الصفات والتوحيد عن الصحابة والتابعين، فإن ذلك لم ينكروه، إنما (¬2) أنكر (¬3) الكلام والتوحيد المبتدع في أسماء الله وصفاته وكلامه. وقال (¬4) أبو عبد الرحمن: "ثنا أبو القاسم بن مستوية، ثنا حامد بن رستم ثنا الحسين بن مطيع، ثنا إبراهيم بن رستم، عن نوح الجامع، قال: قلت لأبي حنيفة: ما تقول فيما أحدث الناس من الكلام في الأعراض والأجسام؟ فقال: مقالات الفلاسفة، عليك بالأثر وطريقة السلف، وإياك وكل محدثة فإنها (¬5) بدعة. وقال (¬6): "حدثنا عبد الله بن أحمد بن سعيد البخاري، سمعت سعيد بن الأحنف، سمعت الفتح بن علوان، سمعت أحمد بن ¬

_ (¬1) في س: عن. وهو تصحيف. (¬2) في الأصل: فإنما. وأثبت المناسب لسياق الكلام من: س، ط. (¬3) في ط: أنكروا. (¬4) ذم الكلام -لأبي إسماعيل الهروي- مخطوط- الجزء الخامس- الطبقة الخامسة اللوحة: 34. وانظر هذا النقل في "صون المنطق والكلام" -للسيوطي- ص: 59، 60. (¬5) في الأصل: فإنهما. والمثبت من: س، ط، وذم الكلام، وصون المنطق. (¬6) أي: أبو عبد الرحمن السلمي في "ذم الكلام" لأبي إسماعيل الهروي -مخطوط- الجزء الخامس الطبقة الخامسة، اللوحتان: 35، 36. انظر: صون المنطق -للسيوطي- ص: 60.

الحجاج، سمعت محمد بن الحسن (¬1)، صاحب أبي حنيفة يقول: قال أبو حنيفة: لعن الله عمرو بن عبيد، فإنه فتح للناس الطريق إلى الكلام فيما لا يعنيهم (¬2) من الكلام، وكان أبو حنيفة يحثنا على الفقه وينهانا عن الكلام". قال (¬3) شيخ الإسلام [أنبأ] (¬4) أبو الفضل (¬5) الجارودي: "أنبأ إبراهيم بن محمد ثنا زكريا بن يحيى سمعت محمد بن إسماعيل يقول (¬6): سمعت الحسين بن علي الكرابيسي (¬7) يقول: شهدت الشافعي ودخل عليه بشر المريسي فقال (¬8) لبشر: أخبرني عما تدعو (¬9) إليه: أكتاب ناطق وفرض مفترض وسنة قائمة، ووجدت عن السلف البحث فيه والسؤال؟ فقال بشر: لا إلا أنه لا يسعنا خلافه، فقال الشافعي: أقررت على نفسك (¬10) بالخطأ فأين أنت. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) في جميع النسخ: الحسين. وهو خطأ. والمثبت من: ذم الكلام، وصون المنطق. وهو: أبو عبد الله محمد بن الحسن الشيباني. تقدمت ترجمته ص: 41. (¬2) في س: لا ينعينهم. وهو تصحيف. (¬3) في ذم الكلام -لأبي إسماعيل الهروي- مخطوط- المجلد السادس - الطبقة السادسة- اللوحتان: 16، 17. وانظره في: صون المنطق والكلام للسيوطي ص: 63. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: ذم الكلام. (¬5) أبو الفضل: ساقطة من: ذم الكلام. (¬6) يقول: ساقطة من: "ذم الكلام". (¬7) في جميع النسخ: الكرانيس، وهو خطأ. والمثبت من: ذم الكلام، وصون المنطق. وهو: الحسين بن علي بن يزيد الكرابيسي. وتقدمت ترجمته. (¬8) في الأصل: فقاله. والمثبت من: س، ط، وذم الكلام، وصون المنطق. (¬9) في الأصل: تدعون. والمثبت من: س، ط، وذم الكلام، وصون المنطق. (¬10) في ذم الكلام: بنفسك.

التوحيد الذي يذكره هؤلاء مأخوذ من قول بشر المريسي وذويه وهو التعطيل بعينه

عن (¬1) الكلام في الفقه والأخبار، يواليك الناس عليه وتترك هذا؟ قال: لنا تهمة فيه، فلما خرج بشر قال الشافعي: لا يفلح". وروى شيخ الإسلام (¬2) عن المزني وعن ربيع: "قال المزني: سمعت الشافعي يقول للربيع: يا ربيع اقبل مني ثلاثة أشياء: لا تخوضن (¬3) في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن خصمك النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة، ولا تشتغل بالكلام فإني قد اطلعت من أهل الكلام على التعطيل، وزاد المزني: ولا تشتغل بالنجوم فإنه يجر إلى التعطيل". وهذا التوحيد الذي يذكره هؤلاء مأخوذ من قول بشر المريسي وذويه وهذا التوحيد الذي ذكروه هو التعطيل بعينه، فإنه لا يصلح إلا أن يكون (¬4) صفة للمعدوم. وقال (¬5) أبو عبد الرحمن السلمي -أيضًا-: "رأيت بخط أبي عمرو بن مطر يقول: سئل ابن خزيمة عن الكلام في الأسماء والصفات، فقال: بدعة ابتدعوها، ولم يكن أئمة المسلمين وأرباب المذاهب وأئمة الدين، مثل مالك وسفيان والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق ويحيى بن يحيى وابن المبارك ومحمد بن يحيى وأبي (¬6) حنيفة ومحمد بن الحسن وأبي يوسف، يتكلمون في ذلك، بل كانوا ينهون عن الخوض ¬

_ (¬1) في ط: من. (¬2) في ذم الكلام -مخطوط- الجزء السادس- الطبقة السادسة- اللوحتان: 16، 17. وانظره في: صون المنطق والكلام -للسيوطي- ص: 64. (¬3) في جميع النسخ: لا تخوض. والمثبت من: ذم الكلام، وصون المنطق. (¬4) في س، ط: لا يصلح أن يكون إلا. . (¬5) ذم الكلام لأبي إسماعيل الهروي -مخطوط- الجزء السادس الطبقة السابعة اللوحة: 41. وانظر: صون المنطق والكلام -للسيوطي- ص: 76. (¬6) في جميع النسخ: وأبو. والمثبت من: ذم الكلام.

الخوض في الجسم والعرض، ونفي ذلك وجعل ذلك من التوحيد هو قول أهل الباطل

فيه، ويدلون أصحابهم على الكتاب والسنة، فإياك والخوض فيه، والنظر في كتبهم بحال". قلت: وقول ابن خزيمة، الملقب بإمام الأئمة: الكلام في الأسماء والصفات [هو نظير ما نهى عنه مالك من الكلام في الأسماء والصفات] (¬1)، وهو هذا التوحيد الذي ابتدعته (¬2) الجهمية وأتباعها، فإن ابن خزيمة له كتاب مشهور في التوحيد (¬3) يذكر فيه صفات الله التي نطق بها كتابه وسنة رسوله. قال (¬4) أبو عبد الرحمن: "سمعت أبي يقول: قلت لأبي العباس بن سريج (¬5): ما التوحيد؟ قال: توحيد أهل العلم وجماعة المسلمين: أشهد أن لا إله إلّا الله، وأن محمدًا رسول الله، وتوحيد أهل الباطل: الخوض في الأعراض والأجسام، وإنما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - بإنكار ذلك". هذا موافق لما تقدم، فبين أن الخوض في الجسم والعرض ونفي ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬2) في س: ابتدعه. (¬3) ابن خزيمة تقدم التعريف به ص: 165. وكتابه هو: التوحيد وإثبات صفات الرب -عزَّ وجلَّ- التي وصف بها نفسه في تنزيله الذي أنزله على نبيه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وعلى لسان نبيه نقل، الأخبار الثابتة الصحيحة نقل العدول عن العدول من غير قطع في إسناد، ولا جرح في ناقلي الأخبار الثقات. هكذا عنوان للكتاب المطبوع، مراجعة وتعليق محمد خليل هراس، وقد قام الأخ د. عبد العزيز بن إبراهيم الشهوان، بتحقيقه تحقيقًا علميًّا لأهميته، وسعة رواية مؤلفه -رحمه الله-. (¬4) ذم الكلام للهروي -مخطوط- الجزء السادس الطبقة السابعة، اللوحة رقم: 40. وانظر: صون المنطق والكلام -للسيوطي- ص: 75. (¬5) في جميع النسخ: سريح. وهو خطأ. والمثبت من: ذم الكلام، وصون المنطق. وقد تقدمت ترجمته ص: 197.

ذلك وجعل ذلك من التوحيد، هو من قول أهل الباطل، فكيف بمن جعله أصل الدين، كما قال شيخ الإسلام (¬1): "سمعت أحمد بن الحسن، أنبأ الأشعث، يقول: قال رجل لبشر بن أحمد أبي سهل الإسفرائيني: إنما أتعلم الكلام لأعرف به الدين. فغضب، وسمعته قال: أو كان السلف من علمائنا كفارًا؟ ". وقال أبو عمر بن عبد البر (¬2): "الذي أقول: إنه إذا نظر إلى إسلام أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وسعد وسعيد وعبد الرحمن، وسائر (¬3) المهاجرين والأنصار، وجميع الوفود الذين دخلوا في دين الله أفواجًا، علم أن الله -عزَّ وجلَّ- لم يعرفه واحد منهم إلّا بتصديق النبيين وبأعلام (¬4) النبوة ودلائل الرسالة، لا من قبل حركة ولا سكون (¬5)، ولا من باب البعض والكل (¬6)، ولا من باب كان ويكون، ولو كان النظر في الحركة والسكون عليهم واجبًا، وفي الجسم ونفيه والتشبيه (¬7) ونفيه لازمًا ما أضاعوه، ولو أضاعوا الواجب لما (¬8) نطق القرآن بتزكيتهم وتقديمهم، ولا أطنب في مدحهم وتعظيمهم، ولو كان ذلك من علمهم (¬9) مشهورًا، ومن أخلاقهم معروفًا، لاستفاض عنهم واشتهروا به ¬

_ (¬1) في ذم الكلام -لأبي إسماعيل الهروي- مخطوط- الجزء السادس الطبقة الثامنة، اللوحة: 43. وانظر: صون المنطق والكلام -للسيوطي- ص: 77. (¬2) في التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد -لابن عبد البر- 7/ 152. (¬3) في التمهيد: وعلي وطلحة وسعد وعبد الرحمن وسائر. . (¬4) في التمهيد: النبيين بأعلام. (¬5) ولا مسكون: ساقطة: من التمهيد. (¬6) في التمهيد: الكل والبعض. (¬7) في س، ط: وفي التشبيه. (¬8) في التمهيد: ما. (¬9) في التمهيد: عملهم.

كما اشتهروا بالقرآن (¬1) والروايات". فذكر أبو عمر أن ما يدخله (¬2) هؤلاء في أصول الدين والتوحيد، من الجسم ونفيه والتشبيه ونفيه، والاستدلال بالحركة والسكون، لو كان من الدين لما أضاعه (¬3) خيار هذه الأمة، فعلم أنه ليس من الدين، وكلام علماء الملة في هذا الباب يطول، وإنما الغرض التنبيه على أن ما سماه هؤلاء توحيدًا، وجعلوه هو نفي التجسيم والتشبيه، إنما هو شيء ابتدعوه لم يبعث الله به رسله ولا أنزل به كتبه، وقد اعترف بذلك حذاقهم، كما ذكره أبو حامد الغزالي، في كتابه إحياء علوم الدين (¬4)، ووافقه فيه أبو الفرج بن الجوزي في كتاب منهاج القاصدين (¬5)، لما ذكر الأسماء التي ¬

_ (¬1) في التمهيد: ولشهروا به كما شهروا بالقرآن. (¬2) في الأصل: يدخل. وأثبت المناسب للكلام من: س، ط. (¬3) في الأصل، س: أضاعوه. والمثبت من: ط. وهو ما يستقيم به الكلام. (¬4) إحياء علوم الدين -للغزالي- 1/ 33، 34. وأذكر طرفًا من اعترافه في المصدر السابق، لكي يستبين للقارئ ما أثبته بين القوسين التاليين من مختصر منهاج القاصدين، لا من المنهاج نفسه لعدم وقوفي عليه، يقول الغزالي: "اللفظ الثالث التوحيد: وقد جعل الآن عبارة عن صناعة الكلام، ومعرفة طريق المجادلة، والإحاطة بطرق مناقضات الخصوم والقدرة على التشدق فيها بتكثير الأسئلة، وإثارة الشبهات، وتأليف الإلزامات حتى لقب طوائف منهم أنفسهم بأهل العدل والتوحيد، وسمّي المتكلمون العلماء بالتوحيد، مع أن جميع ما هو خاصة هذه الصناعة لم يكن يعرف منها شيء في العصر الأول، بل كان يشتد منهم النكير على من كان يفتح بابًا من الجدل والمماراة، فأما ما يشتمل عليه القرآن من الأدلة الظاهرة التي تسبق الأذهان إلى قبولها في أول السماع فلقد كان ذلك معلومًا للكل، وكان العلم بالقرآن هو العلم كله، وكان التوحيد عندهم عبارة عن أمر آخر لا يفهمه أكثر المتكلمين، وإن فهموه لم يتصفوا به، وهو أن يرى الأمور كلها من الله -عزَّ وجلَّ- رؤية تقطع التفاته عن الأسباب والوسائط. . فهذا مقام شريف إحدى ثمراته التوكل. . . والرضاء والتسليم لحكم الله تعالى. . ". (¬5) هو: أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي البغدادي الحنبلي، =

ابن كلاب والأشعري والقلانسي ممن أخذ أصل الكلام والتوحيد عن المعتزلة وخالفوهم في بعض دون بعض

عرف مسمياتها، فذكر العلم والفقه والتوحيد، قال: [اللفظ الثالث التوحيد: وقد كان ذلك إشارة إلى أن ترى الأمور كلها من الله تعالى، رؤية تقطع الالتفات إلى الأسباب والوسائط، فيثمر ذلك التوكل والرضى، وقد جعل الآن عبارة عن صناعة الكلام في الأصول، وذلك من المنكرات عند السلف] (¬1). ولهذا لما كان أبو محمد عبد الله بن سعيد [بن كلاب] (¬2) وأبو ¬

_ = المعروف بابن الجوزي، شيخ وقته، إمام عصره، صاحب التصانيف السائرة في فنون العلم. يقول الذهبي: "ما علمت أحدًا من العلماء صنف ما صنف هذا الرجل". من تصانيفه: منهاج القاصدين -في مجلدين، وهو -كما يقول حاجي خليفة- على أسلوب الإحياء، لكنه حذف منه الأحاديث الواهية، ومذاهب الصوفية التي لا أصل لها. توفي ابن الجوزي -رحمه الله- سنة 597 هـ. انظر: تذكرة الحفاظ -للذهبي- 4/ 1342 - 1348. والبداية والنهاية -لابن كثير- 13/ 27 - 29. والذيل على طبقات الحنابلة -لابن رجب- 1/ 399 - 43. وكشف الظنون -لحاجي خليفة- 2/ 1878. (¬1) ما بين المعقوفتين بياض في: الأصل، بقدر أربعة عشر سطرًا، وفي: س: بقدر ثمانية أسطر، وفي ط: بقدر كلمة واحدة علق عليها بالهامش بما يلي: "هذا بياض بالأصول التي تحت أيدينا يبلغ نحو سبعة أسطر والظاهر أنه صحيح". وفي هذا نظر، إذ الظاهر من النص أن القائل هو ابن الجوزي، ولعل ما أثبته من مختصر منهاج القاصدين لابن الجوزي، اختصار ابن قدامة المقدسي -رحمهما الله تعالى- ص: 21 - يكتمل به النص، وقد ذكر ابن قدامة في مقدمة الكتاب أنه لم يلتزم المحافظة على ترتيبه، وذكر ألفاظًا بعينها، بل ذكر بعضها بالمعنى قصد الاختصار، وربما ذكر فيه حديثًا أو شيئًا يسيرًا من غيره إن كان مناسبًا له. انظر؛ مقدمة المصدر السابق ص: 12. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. وقد ورد في الأصل: "أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن سعيد" وهو خطأ. وقد تقدمت ترجمته ص: 169.

الحسن الأشعري، وأبو العباس القلانسي، ممن أخذ أصل الكلام في التوحيد عن المعتزلة، وخالفوهم في بعض دون بعض، يقع في كلامهم من هذا التوحيد المبتدع المخالف للتوحيد المنزل من عند الله ما يقع، كان الناس ينبهون على ذلك، حتى ذكر شيخ الإسلام (¬1) قال: "سمعت عدنان (¬2) بن عبدة النميري، سمعت أبا عمر (¬3) البسطامي يقول: كان أبو الحسن الأشعري أولًا ينتحل الاعتزال، ثم رجع فتكلم عليهم (¬4)، وإنما مذهبه (¬5) التعطيل إلّا أنه رجع من التصريح إلى التمويه". وقال (¬6) الشيخ أبو نصر السجْزي (¬7) في رسالته إلى أهل ¬

_ (¬1) أبو إسماعيل الهروي في ذم الكلام -الجزء السابع- الطبقة التاسعة اللوحة: 3. (¬2) في ذم الكلام: سمعت الحاكم عدنان. . (¬3) في الأصل: "عمرو". والمثبت من: س، ط، وذم الكلام، ومصادر الترجمة. هو: أبو عمر محمد بن الحسين بن محمد بن الهيثم البسطامي، الواعظ المتكلم، انظر: تاريخ بغداد -للبغدادي- 2/ 247، 248. وتبيين كذب المفتري -لابن عساكر- ص: 236 - 238. وسير أعلام النبلاء -للذهبي - 17/ 320. وطبقات الشافعية -للسبكي- 4/ 140 - 142. (¬4) تكلم ابن عساكر عن انتحال أبي الحسن الأشعري للاعتزال، وإقامته عليه، أربعين سنة، ورجوعه عنه في "تبيين كذب المفتري" ص: 38 - 45. وقد نقل عن أبي بكر بن فورك رجوعه، وما صنفه بعد ذلك من المصنفات التي نقض فيها مذهب المعتزلة، وأبطل استدلالهم، وكشف عن تمويهاتهم. انظر: المصدر السابق- ص: 128 - 136. (¬5) في ذم الكلام: مذهباه. (¬6) ذكر الشيخ -رحمه الله- في "درء تعارض العقل والنقل" 7/ 236 أن كلام أبي نصر هذا في "الإبانة". (¬7) في الأصل: السخزي. وهو خطأ. هو: أبو نصر عبيد الله بن سعيد بن حاتم السجزي. الوائلي البكري، من حفاظ الحديث. يقول الذهبي: شيخ الحرم، ومصنف "الإبانة الكبرى" في أن القرآن غير =

اليمن (¬1): "ولقد حكى لي محمد بن عبد الله المالكي المغربي، وكان فقيهًا صالحًا، عن الشيخ أبي سعيد البرقي، وهو من شيوخ فقهاء المالكيين [ببرقة (¬2)، عن أستاذه خلف المعلم (¬3)، وكان من فقهاء المالكيين] (¬4) أنه قال: الأشعري أقام (¬5) أربعين سنة على الاعتزال، ثم أظهر التوبة فرجع عن الفروع وثبت على (¬6) الأصول". قال أبو نصر (¬7):. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = مخلوق، وهو مجلد كبير دال على سعة علم الرجل بفن الأثر". توفي بمكة المكرمة سنة 444 هـ. انظر: الأنساب -للسمعاني- 13/ 279 - 281. وسير أعلام النبلاء -للذهبي- 17/ 654 - 657. وشذرات الذهب -لابن العماد- 3/ 271 - 272. (¬1) في الرد على من أنكر الحرف والصوت، وقد حققها الأح: محمد باكريم با عبد الله، للحصول على درجة الماجستير من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. وانظر هذا النص فيها ص: 168. (¬2) برقة: بفتح الراء والقاف: اسم صقع كبير يشتمل على مدن وقرى، بين الإسكندرية وإفريقية، افتتحها عمرو بن العاص صلحًا سنة 21 هـ، وإلى برقة ينسب جماعة من أهل العلم. انظر: معجم البلدان -لياقوت الحموي- 1/ 388، 389. والروض المعطار -للحميري- ص: 91. (¬3) هو: أبو سعيد خلف بن عمر، وقيل: اسمه عثمان بن عمر، وقيل: عثمان بن خلف، من أهل القيروان، وإمام أهل زمانه في الفقه والورع ويعرف بمعلم الفقهاء، لم يكن في وقته أحفظ منه. توفي سنة 371. انظر: الديباج المذهب -لابن فرحون- 1/ 347. وترتيب المدارك -لعياض- 2/ 488 - 491. (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من: س. (¬5) في الرسالة: أقام الأشعري. (¬6) في الأصل: ورجع إلى. وأثبت المناسب من: س، ط، والرسالة، ودرء تعارض العقل والنقل. (¬7) قال أبو نصر: "إضافة من الشيخ -رحمه الله- والكلام متصل بما قبله في الرسالة.

"هذا (¬1) كلام خبير بمذهب الأشعري وغوره (¬2) ". ولهذا قال محمد بن خويز منداد (¬3): إمام المالكية في وقته في العراق، في الكلام الذي ذكره عنه أبو عمر بن عبد البر (¬4)، قال: أهل البدع والأهواء عند مالك وأصحابه الذين (¬5) ترد شهادتهم، هم: أهل الكلام". قال: "فكل متكلم فهو من أهل (¬6) الأهواء والبدع عند مالك ¬

_ (¬1) في الرسالة: وهذا. (¬2) في جميع النسخ: وعورته. وما أثبته من: الرسالة، ودرء تعارض العقل والنقل 7/ 236. وقد علق على ذلك الشيخ -رحمه الله- في الدرء بقوله: "ليس مراده بالأصول ما أظهروه من مخالفة السنة، فإن الأشعري مخالف لهم فيما أظهروه من مخالفة السنة، كمسألة الرؤية، والقرآن، والصفات، لكن أصولهم الكلامية العقلية التي بنوا عليها الفروع المخالفة للسنة. . . ". انظر: درء تعارض العقل والنقل 7/ 237. (¬3) هو: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إسحاق بن خويز منداد المصري المالكي، تفقه على الأبهري، كان يكره الكلام ويجانب أهله، له مصنفات منها: كتاب "الخلاف" توفي سنة 390 هـ تقريبًا. انظر: الديباج المذهب -لابن فرحون- ص: 268. وجامع بيان العلم وفضله -لابن عبد البر- 2/ 117. والوافي بالوفيات -للصفدي- 2/ 52. (¬4) ذكر ابن عبد البر أن محمد بن خويز منداد قال في كتاب "الشهادات في تأويل قول مالك: "لا تجوز شهادة أهل البدع وأهل الأهواء ما نصه: "أهل الأهواء عند مالك وسائر أصحابنا هم أهل الكلام، فكل متكلم فهو من أهل الأهواء والبدع، أشعريًّا كان أو غير أشعري، ولا تقبل له شهادة في الإسلام أبدًا، ويهجر ويؤدب على بدعته، فإن تمادى عليها استتيب منها". راجع: جامع بيان العلم وفضله -لابن عبد البر- 2/ 117. (¬5) في س: الذي. (¬6) في جميع النسخ: فهو عندهم من أهل. . . والكلام يستقيم بدون لفظه: عندهم كما أثبته من: درء تعارض العقل والنقل 7/ 158.

المعنى الثالث

وأصحابه [وكل (¬1) متكلم فهو عندهم من أهل الأهواء] (¬2) أشعريًّا كان أو غير أشعري". والمعنى الثالث (¬3) من معاني التوحيد -عند هؤلاء الأشعرية، كالقاضي أبي بكر (¬4) وغيره- هو أنه سبحانه لا شريك له في الملك، بل هو رب كل شيء، وهذا معنى صحيح، وهو حق، وهو أجود ما اعتصموا به من الإسلام في أصولهم، حيث اعترفوا فيها بأن الله خالق كل شيء ومربه (¬5)، ومدبره، والمعتزلة وغيرهم يخالفون في ذلك، حيث يجعلون بعض المخلوقات لم يخلقها الله ولم يحدثها، لكن مع هذا قد ردوا قولهم ببدع غلوا فيها، وأنكروا ما خلقه الله من الأسباب، وأنكروا ما نطق به الكتاب والسنة من أن الله يخلق الأشياء بعضها ببعض، وغير ذلك مما ليس هذا موضعه. فهذه المعاني الثلاثة هي التي يقولون: إنها معنى اسم الله الواحد، ¬

_ (¬1) في الأصل: فكل. والمثبت من: ط، ودرء تعارض العقل والنقل. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من: س. (¬3) بين الشيخ -رحمه الله- في "التدمرية" ص: 62 أن عامة المتكلمين الذين يقررون التوحيد في كتب الكلام والنظر غايتهم، أن يجعلوا التوحيد ثلاثة أنواع فيقولون: هو: واحد في ذاته لا قسيم له. واحد في صفاته لا شبيه له. واحد في أفعاله لا شريك له. والنوع الثالث هو أشهرها عندهم، وهو توحيد الأفعال. وهو: أن خالق العالم واحد، ويحتجون على ذلك بما يذكرونه من دلالة التمانع وغيرها، ويظنون أن هذا هو التوحيد المطلوب، وأن هذا هو معنى قولنا: لا إله إلا الله، حتى يجعلوا معنى الإلهية القدرة على الاختراع. انظر: تقسيم الطوائف للتوحيد وتسمية كل طائفة باطلهم توحيدًا في: مدارج السالكين -لابن القيم- 3/ 447 - 449. (¬4) في الأصل: أو. والمثبت من: س، ط. (¬5) في ط: ومربيه.

التوحيد الذي ذكره الله في كتابه، وبعث به رسله

وهي التوحيد، وفيها من البدع التي خولف فيها (¬1) الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة ما قد نبهنا على بعضه. وأما التوحيد الذي ذكر الله في كتابه، وأنزل به كتبه، وبعث به رسله، واتفق عليه المسلمون من كل ملة، فهو كما قال الأئمة: شهادة أن لا إله إلا الله، وهو عبادة الله وحده لا شريك له، كما بين ذلك بقوله: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} (¬2) فأخبر أن الإله إله واحد لا يجوز أن يتخذ إلهًا غيره، فلا يعبد إلا إياه، كما قال في السورة الأخرى: {وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} (¬3) وكما قال: {لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا} إلى: {فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا} (¬4) وكما قال: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (¬5) وكما قال: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} (¬6). والشرك الذي ذكره الله في كتابه، إنما هو عبادة غيره من المخلوقات كعبادة الملائكة أو الكواكب أو الشمس أو القمر أو الأنبياء أو تماثيلهم أو قبورهم، أو غيرهم من الآدميين، ونحو ذلك مما هو كثير في هؤلاء الجهمية ونحوهم ممن يزعم أنه محقق (¬7) في التوحيد، وهو من أعظم الناس إشراكًا، وقال تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ ¬

_ (¬1) في س، ط: بها. (¬2) سورة البقرة، الآية: 163. (¬3) سورة النحل، الآية: 51. (¬4) سورة الإسراء، الآيات: 22 - 39. (¬5) سورة الزمر، الآيات: 1 - 3. (¬6) سورة الفرقان، الآية: 68. (¬7) في ط: محق.

اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} (¬1) وقال: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (¬2) وقال تعالى: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} (¬3) وقال تعالى: {وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا} (¬4) وقال تعالى {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إلا اخْتِلَاقٌ} (¬5)، وقال تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} (¬6) وقال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} (¬7). قال ابن عباس، وعطاء، وعكرمة، ومجاهد: يسألهم من خلق السماوات والأرض؟ فيقولون: الله، وهم مع هذا (¬8) يعبدون غيره، ¬

_ (¬1) سورة الزمر، الآية: 38. وقد ورد في: س، ط: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ} وهو خطأ. (¬2) سورة الزمر، الآيات: 64 - 66. (¬3) سورة الزمر، الآية: 45. (¬4) سورة الإسراء، الآية: 46. (¬5) سورة ص، الآية: 4 - 7. في س: {منذ منهم} وهو خطأ. (¬6) سورة الصافات، الآيتان: 35، 36. (¬7) سورة يوسف، الآية: 106. (¬8) في س: ذلك.

ويشركون به، ويقولون: له ولد، وثالث (¬1) ثلاثة. فكان الكفار يقرون بتوحيد الربوبية، وهو نهاية ما يثبته هؤلاء المتكلمون -إذا سلموا من البدع فيه- وكانوا مع هذا مشركين، لأنهم كانوا يعبدون غير الله، قال تعالى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} (¬2)، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إلا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (¬3)، وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ} (¬4). فبين سبحانه أنه بهذا التوحيد بعث جميع الرسل، وأنه بعث إلى كل أمة رسولًا به، وهذا هو الإسلام الذي لا يقبل الله لا من الأولين ولا من ¬

_ (¬1) في س: وقالت ثلاثة. وهو تصحيف. يقول ابن كثير -رحمه الله- عند تفسيره لقوله تعالى {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} 106 / يوسف. "قال ابن عباس: من إيمانهم أنهم إذا قيل لهم: من خلق السماوات، ومن خلق الأرض، ومن خلق الجبال؟ قالوا: الله، وهم مشركون به، وكذا قال مجاهد وعطاء وعكرمة والشعبي وقتادة والضحاك وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم". وقد ذكر ابن الجوزي -رحمه الله- في "زاد المسير" 4/ 294 عند تفسيره لهذه الآية الكريمة ثلاثة أقوال: الأول: عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة والشعبي: أنهم المشركون الذين يؤمنون بأن الله خالقهم ورازقهم وهم يشركون به. والثاني: عن ابن عباس: أنهم النصارى، يؤمنون بأن الله خالقهم ورازقهم ومع ذلك يشركون به. الثالث: عن الحسن أنهم المنافقون، يؤمنون في الظاهر رئاء الناس، وهم في الباطن كافرون. (¬2) سورة الزخرف، الآية: 45. (¬3) سورة الأنبياء، الآية: 25. (¬4) سورة النحل، الآية: 36.

الآخرين دينًا غيره، قال تعالى: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83) قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (¬1). فدين الله أن يدينه العباد (¬2) ويدينون له، فيعبدونه وحده ويطيعونه، وذلك هو الإسلام له، فمن ابتغى غير هذا دينًا فلن يقبل منه، وكذلك قال في الآية الأخرى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إلا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (¬3). فذكر أن الدين عند الله الإسلام، بعد إخباره بشهادته وشهادة الملائكة وأولي (¬4) العلم أنه لا إله إلا هو، والإله هو المستحق للعبادة، فأما من اعتقد في الله أنه رب كل شيء وخالقه، وهو مع هذا يعبد غيره، فإنه مشرك بربه متخذ من دونه إلهًا آخر، فليست الإلهية هي (¬5) الخلق أو القدرة على الخلق أو القدم، كما يفسرها هؤلاء المبتدعون في التوحيد من أهل الكلام، إذ المشركون الذين شهد الله ورسوله بأنهم مشركون من العرب وغيرهم، لم يكونوا يشكون في أن الله خالق كل شيء وربه، فلو ¬

_ (¬1) سورة آل عمران، الآيات: 83 - 85. في س: (وإليه ترجعون) وهو خطأ. في الأصل: (قولوا آمنا بالله) وهو خطأ. (¬2) في الأصل: للعباد. والمثبت من: س، ط. (¬3) سورة آل عمران، الآيتان: 18، 19. (¬4) في الأصل، س: أولو والمثبت من: ط. (¬5) في جميع النسخ: هو. وأثبت ما رأيته مناسبًا للكلام.

التوحيد الذي لابد منه لا يكون إلا بتوحيد الإرادة والقصد

كان هذا هو إلهية لكانوا قائلين: إنه لا إله إلا هو. فهذا (¬1) موضع عظيم جدًّا ينبغي معرفته، لما قد لبس على طوائف من الناس أصل الإسلام، حتى صاروا يدخلون في أمور عظيمة هي شرك ينافي الإسلام لا يحسبونها شركًا، وأدخلوا في التوحيد والإسلام أمورًا باطلة ظنوها من التوحيد وهي تنافيه، وأخرجوا من الإسلام والتوحيد أمورًا عظيمة لم يظنوها من التوحيد وهي أصله، فأكثر هؤلاء المتكلمين لا يجعلون التوحيد إلا ما يتعلق بالقول والرأي واعتقاد ذلك، دون ما يتعلق بالعمل والإرادة واعتقاد ذلك، بل التوحيد الذي لا بد منه لا يكون إلا بتوحيد الإرادة والقصد، وهو توحيد العبادة (¬2)، وهو تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، أن يقصد [الله] (¬3) بالعبادة ويريده بذلك دون ما سواه، وهذا هو الإسلام، فإن الإسلام يتضمن أصلين: ¬

_ (¬1) ورد في هامش الأصل: قف على هذا المبحث المفيد جدًّا. (¬2) في الأصل: العباد. وأثبت المناسب لتقسيم التوحيد من: س، ط. فالتوحيد نوعان: نوع في العلم والاعتقاد، ويسمى التوحيد العلمي، لتعلقه بالأخبار والمعرفة، ومداره على إثبات صفات الكمال، ونفي التشبيه والمثال، والتنزيه عن العيوب والنقائص. ونوع في الإرادة والقصد، ويسمى التوحيد القصدي والإرادي، لتعلقه بالقصد والإرادة، وهو نوعان: توحيد في الربوبية. وتوحيد في الإلهية. وقد تكلم الشيخ -رحمه الله- في "التدمرية" على هذين الأصلين العظيمين، فبينهما غاية البيان إجابة لمن مسألة أن يكتب لهم مضمون ما سمعوه منه في بعض المجالس من الكلام في التوحيد والصفات والشرع والقدر، لمسيس الحاجة إلى تحقيقهما، وكثرة الاضطراب فيهما. وانظر أنواع التوحيد في "مدارج السالكين" لابن القيم 1/ 24، 25، 3/ 449. (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، يقتضيها السياق.

أحدهما: الاستسلام لله، والثاني: أن يكون ذلك له سالمًا فلا يشركه أحد في الإسلام له، وهذا هو الاستسلام لله دون ما سواه، وسورة قل يا أيها الكافرون تفسر ذلك. ولا ريب أن العمل والقصد مسبوق بالعلم، فلا بد أن يعلم ويشهد أن لا إله إلا الله. وأما التوحيد القولي الذي هو الخبر عن الله، ففي سورة الإخلاص التي تعدل ثلث القرآن (¬1) وفيها اسمه (الأحد) (الصمد) وكل من هذين الاسمين يدل على نقيض مذهب هؤلاء الجهمية كما قد بيناه في موضعه (¬2)، وعبادة الله وحده يدخل فيها كمال المحبة لله وحده، وكمال الخوف منه وحده، والرجاء له وحده (¬3)، والتوكل عليه وحده، كما يبين القرآن ذلك في غير موضع، فكل ذلك من أصول التوحيد الذي أوجب الله على عباده، وبذلك يكون الدين كله لله، كما أمر الله رسله والمؤمنين بالقتال إلى هذه الغاية، حيث يقول: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} (¬4). ¬

_ (¬1) تقدم ذكر بعض الأحاديث التي تدل على أن {قل هو الله أحد} تعدل ثلث القرآن. راجع ص: 122. وقد أشرنا في الصفحة نفسها أن لشيخ الإسلام رسالة تسمى بـ "جواب أهل العلم والإيمان أن {قل هو الله أحد} تعدل ثلث القرآن. (¬2) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام 17/ 214 - 221، 224، 225، 235، 241، 449 - 452. وبيان تلبيس الجهمية -لابن تيمية- 1/ 459 - 487، 493، 499، 500، 503 - 511، 518. (¬3) وحده. ساقطة من: ط. (¬4) سورة الأنفال، الآية: 39.

الوجه الحادي والستون: أن القرآن قد نطق بأن لله كلمات

الوجه الحادي والستون (¬1): أن القرآن قد نطق بأن لله كلمات في غير موضع من كتابه، كقوله: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} (¬2) وقوله: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} (¬3) وقال: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} (¬4) وقال: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ} (¬5)، وقال تعالى: {وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ} (¬6) وقال تعالى: {وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (¬7)، وقال: {وصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ} (¬8). وكذلك تواتر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الاستعاذة بكلمات الله التامات (¬9)، وهذا وأمثاله صريح في تعدد كلماته، فكيف يقال: ليس كلامه إلّا معنى واحد لا عدد فيه أصلًا؟ وهذا قد أوردوه، وذكروا جوابهم عنه. ¬

_ (¬1) في س: الوجه السادس والستون. وهو خطأ لم يستمر حيث أثبت الأوجه التالية لهذا الوجه في هذه النسخة بصورة سليمة توافق الأصل، ط. (¬2) سورة الأنعام، الآية: 115. (¬3) سورة لقمان، الآية: 27. (¬4) سورة الكهف، الآية: 109. (¬5) سورة الأعراف، الآية: 158. (¬6) سورة الأنفال، الآية: 7. وقد ورد في الأصل: ويريد والله. وفي س، ط: ويحق الله الحق بكلماته. وهو خطأ. (¬7) سورة الشورى، الآية: 24. وقد ورد في س، ط: ويمحو الباطل. وهو خطأ. (¬8) سورة التحريم، الآية: 12. (¬9) تقدم ذكر بعض الأحاديث في ذلك ص: 462، 463.

ما ذكره ابن فورك من أن كلام الله معنى واحد

فقال القرطبي (¬1) فيما ذكره من كلام ابن فورك: "فإن قيل: هذا (¬2) الذي قلتم يوجب أن تكون التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، وسائر كتب الله شيئًا واحدًا، والرب تعالى قد أثبت لنفسه كلمات فقال (¬3): {مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} (¬4) وقال: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ} (¬5) وقال: {وصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ} (¬6). قلنا: إن الرب سبحانه أثبت لنفسه كلمات، وأنزل الكتب كذلك، وسمى (¬7) نفسه بأسماء كثيرة، وأثبتها في التنزيل فقال: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} (¬8)، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لله تسعة وتسعون (¬9) اسمًا" (¬10)، أفتقولون بتعدد المسمى لتعديد الأسامي؟ أو تقولون: ¬

_ (¬1) في هامش س: كلام ابن فورك في مسألة الكلام. وقد أورده القرطبي في كتابه "الأسنى في أسماء الله الحسنى وصفاته العلى" -مخطوط- اللوحة: 242. (¬2) في الأسنى: هو. (¬3) في س، ط: وقال. (¬4) سورة لقمان، الآية: 27. (¬5) سورة الأنعام، الآية: 115. (¬6) سورة التحريم، الآية: 12. (¬7) في الأسنى: سمى. بدون الواو. (¬8) سورة الأعراف، الآية: 180. (¬9) في الأصل: تسعين. والمثبت من: س، ط، والأسنى. (¬10) الحديث بهذا اللفظ رواه مسلم عن أبي هريرة وتمامه ". . . من حفظها دخل الجنة، كان الله وتر يحب الوتر". وفي رواية ابن عمر: "من أحصاها". صحيح مسلم 4/ 2062 كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار- باب في أسماء الله تعالى، وفضل من أحصاها، الحديث / 2677. ورواه الإمام أحمد بلفظ: "لله تسعة وتسعون اسمًا" مع اختلاف يسير في باقي ألفاظ الحديث. المسند 2/ 214، 427. وأخرجه البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن =

الأسماء تدل على مسمى واحد بنعوت الجلال (¬1)؟ ¬

_ = لله تسعة وتسعين اسمًا، مائة إلّا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة. صحيح البخاري 3/ 185 كتاب الشروط -باب ما يجوز من الاشتراط. . . 8/ 169 كتاب التوحيد- باب إن لله مائة اسم إلا واحدًا. وبلفظ البخاري رواه مسلم -أيضًا- في صحيحه 4/ 2063 - نفس الكتاب والباب السابقين. والترمذي في سننه 5/ 530 كتاب الدعوات -باب حدثنا يوسف بن حماد البصري، الحديث / 3506. وأحمد في مسنده 2/ 503، 516. وهذا الحديث لا يدل على حصر أسماء الله تعالى بعدد معين، ولو كان المراد الحصر لقال: إن أسماء الله تسعة وتسعون اسمًا. ومعنى الحديث: أن هذا العدد من شأنه أن من أحصاه دخل الجنة، وعلى هذا فيكون قوله: (من أحصاها دخل الجنة) جملة مكملة لما قبلها، وليست مستقلة كما تقول: "عندي ألف درهم أعددتها للحج" فهذا لا يمنع أن يكون عندك دراهم أخرى لم تعدها للحج. فالتقيد بالعدد هو الموصوف بهذه الصفة، لا في أصل استحقاقه لذلك العدد. ومما يدل على أن أسماء الله تعالى غير محصورة بعدد، ما رواه أحمد في مسنده 1/ 452: عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما قال عبد قط إذا أصابه هم وحزن: اللهم إني عبدك وابن عبدك، ابن أمتك؛ ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي. . . ". فهذا يدل على أن لله أسماء فوق تسعة وتسعين، يحصيها بعض المؤمنين، وأما ما استأثر الله تعالى به في علم الغيب، فلا يمكن لأحد حصره ولا الإحاطة به. والله أعلم. انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية- 6/ 379 - 382. ودرء تعارض العقل والنقل 3/ 332، 333. والقواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى لابن عثيمين ص: 13 - 16. (¬1) في الأسنى: وإنما هي تسميات متعددة بألفاظ مختلفة دالة على مسمى واحد بنعوت الجلال.

فإن قلتم (¬1): التسميات تتعدد والمسمى واحد، فكذلك نقول في الكلام (¬2): إنه واحد لا يشبه كلام المخلوقات ولا هو بلغة من اللغات، ولا يوسف بأنه عربي أو فارسي أو عبراني، لكن العبارات عنه تكثر وتختلف، فإذا قرئ كلام الله بلغة العرب سمي قرآنًا، وإذا قرئ بلغة العبرانية أو الفارسية (¬3) سمي توراة وإنجيلًا (¬4)، كذلك الرب -سبحانه- يوصف (¬5) بالعربية الله الرحمن الرحيم، وبالفارسية "خداي بزرك" (¬6) وبالتركية "سركوي" (¬7) ونحو ذلك (¬8)، وهو -سبحانه- واحد، والتسمية الدالة عليه تكثر، وكذلك هو -سبحانه- معبود في السماء (¬9)، ومعبود في الأرض بعبادات وقصور (¬10) متباينة، وكذلك هو -سبحانه- مذكور الذاكرين بأذكار مختلفة، وكذلك الكلام يقرأ ويكتب (¬11) ويفسر، بقراءات مختلفة، وأذكار متفاوتة، وكتابة (¬12) متباينة. ¬

_ (¬1) في س، ط: قلت. (¬2) في الأسنى: الكلام الأزلي. (¬3) في الأسنى: أو الربانية. ولعلها السريانية. (¬4) الإنجيل بلغة السريانية، وليس بالفارسية، وإنما المقصود المترجم بالفارسية كما سيأتي. (¬5) في الأسنى: وصف. (¬6) في الأصل: خذا بررك. وفي س: خذا بررك. وفي الأسنى: خذي بززك والمثبت من: ط. ولعله الصواب، وتعني: الله العظيم. (¬7) في الأسنى: ننكري. (¬8) في الأسنى: وكذلك بالحبشية تحبكي، وبالإفرنجية قلنطر ونحو ذلك. هكذا بدون نقط على بعض الحروف. (¬9) في الأسنى: من في السماء. (¬10) في س: قصور. (¬11) في ط: يكتب ويقرأ. (¬12) في الأسنى: وكتابات.

تعليق الشيخ عليه بأن من تدبره علم أن من أبطل القول وأفسد القياس

وقوله: {مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} (¬1) قد قيل: إنما (¬2) سمى كلامه (¬3) كلمات لما فيه من فوائد الكلمات، ولأنه ينوب منابها، فجازت العبارة عنه بصيغة الجمع تعظيمًا (¬4)، وفي قريب من هذا المعنى قوله (¬5) الحق (¬6): {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (¬7)، وكذلك قوله: {وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ} (¬8) وكذلك قوله {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ} (¬9) لأنه مناب أمة، وكذلك قوله: {ونَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} (¬10) والمراد ميزان واحد. وقيل (¬11): ما نفذت (¬12) العبارات والدلالات التي تدل على مفهومات معاني كلامه". قلت: فهذا ما ذكروه، ومن تدبر ذلك علم أنه من أبطل القول وأفسد القياس، فإنهم أوردوا سؤالين: ¬

_ (¬1) سورة لقمان، الآية: 27. (¬2) في الأصل: بما. وأثبت المناسب للسياق من: س، ط. (¬3) في الأسنى: كلماته. (¬4) في الأسنى: تفخيمًا. (¬5) في ط: قول. (¬6) الحق: ساقطة من: الأسنى. (¬7) سورة الحجر، الآية: 9. (¬8) سورة الحجر، الآية: 23. (¬9) سورة النحل، الآية: 120. (¬10) سورة الأنبياء، الآية: 47. ولم يرد قوله تعالى {ليوم القيامة} في: س، ط، والأسنى. (¬11) جاء في الأسنى: قبل كلمة "وقيل": وقال الأعشى: ووجه نقي اللون صاف يزينه ... مع الجيد لثات لها ومعاصم فعبر باللثات عن اللثة. (¬12) في س، ط: تقدمت. وهو تصحيف.

أحدهما: [أن هذا] (¬1) يوجب أن تكون التوراة والإنجيل وسائر كتب الله شيئًا واحدًا. والثاني: أن الرب أثبت لنفسه كلمات، ثم جعل الجواب عن الأول أن هذا مثل أسماء الله الحسنى، هي متعددة ومتنوعة باللغات والمسمى واحد، فكذلك هذه الكتب مع تعددها وتنوعها هي عبارة عن معنى واحد. ومن المعلوم أن هذا باطل في الأصل المقيس عليه، وفي الفرع أما في الأصل، فلأن أسماء الله الحسنى ليست مترادفة بحيث يكون معنى كل اسم هو معنى الاسم الآخر، ولا هي -أيضًا- متباينة التباين في المسمى وفي صفته، بل هي من جهة دلالتها على المسمى كالمترادفة، ومن جهة دلالتها على صفته (¬2) كالمتابينة، وهذا القسم كثير، ومنه أسماء النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3) وأسماء القرآن (¬4) وغير ذلك، وبعض الناس يجعلون (¬5) هذا قسمًا ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬2) في س، ط: صفاته. (¬3) من أسمائه - عليه السلام -: المزمل، والمدثر، والرسول، والنبي، ومنها: ما ورد في الحديث الذي رواه البخاري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لي خمسة أسماء: أنا محمد، وأحمد، وأنا الماحي -الذي يمحو الله به الكفر، وأنا الحاشر- الذي يحشر الناس على قدمي- وأنا العاقب". صحيح البخاري 4/ 162 كتاب المناقب- باب ما جاء في أسماء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ومعنى العاقب: الذي ليس بعده نبي. ورد هذا التفسير في صحيح مسلم- 4/ 1828 - كتاب الفضائل- باب في أسمائه - صلى الله عليه وسلم - الحديث / 2354. (¬4) من أسماء القرآن: الفرقان، والتنزيل، والكتاب، والهدى، والنور والشفاء، والبيان، وغير ذلك. (¬5) في س، ط: يجعل.

من المترادف وبعضهم يجعله من المتباين قسمًا ثالثًا قد يسميه المتكافئ. والمقصود فهم المعنى، فإذا قيل: "الرحمن الرحيم"، وقيل: "العليم" "القدير"، وقيل: "السميع" "البصير" فالأول يدل على المسمى بصفة الرحمة، والثاني يدل عليه بصفة العلم، والثالث بصفة القدرة، والرابع بصفة السمع، والخامس بصفة البصر، وهذه الصفات ليس أحدها هو الآخر، وهذا مما [لا] (¬1) ينازع فيه هؤلاء و [لا] (1) غيرهم، فصفات كل اسم يدل من صفات الرب على ما لم يدل عليه الآخر مع اتفاقها في الدلالة على المسمى. نعم، وقد يدل الاسم على معنى الآخر بطريق اللزوم، فإنه يدل على الذات، والذات تستلزم جميع الصفات، لكن دلالة اللزوم ليست هي دلالة الاسم اللغوية، واللزوم -أيضًا- يحتاج إلى أن (¬2) يعرف (¬3) تلك الصفات من غير الاسم، فلا يكون الاسم هو الدال عليها، وإذا كان كذلك فتعدد أسماء الله تعالى لم تقتض (¬4) تعدد (¬5) المسمى، ولكن اقتضى تعدد صفاته التي دلت عليها تلك الأسماء، وهؤلاء لا (¬6) ينازعون في تعدد الصفات في الجملة، ومحققوهم (¬7) لا يقولون إنها محصورة بعدد، بل يقولون: هذا الذي علمناه، وقد يكون له من الصفات ما لا نعلمه، وإذا كانت معاني الأسماء متعددة -وإن كان المسمى واحدًا- ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬2) أن: ساقطة من: س. (¬3) في ط: تعرف. (¬4) في س: تقتضي. وفي ط: يقتض. (¬5) في س: تفرد. (¬6) لا: ساقطة من: س، ط. (¬7) في س: محقوهم.

اختلاف الأسماء بالعربية وغيرها من الألسن على وجهين

لم يكن هذا نظيرًا لما ادعاه (¬1) من تكثر العبارات مع اتحاد المعنى المعبر عنه. وأما اختلاف الأسماء بالعربية وغيرها من الألسن، فهذا على وجهين: تارة تكون تلك (¬2) الأسماء العجمية تدل على صفات ليست هي الصفة التي تدل عليها الاسم العربي، فيكون بمنزلة الأسماء الحسنى بالعربية، وتارة يكون معناها معنى الاسم العربي فيكون هذا كالأسماء المترادفة، ولولا (¬3) تنوع معاني الأسماء لم يكن لبعضها (¬4) على بعض مزية، ولا كان في اختصاص بعض الناس بعلم بعضها فضيلة، ولا كان الدعاء ببعضها أوكد من الدعاء ببعض، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المشهور الذي رواه أحمد في مسنده عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما أصاب عبدًا قط همّ ولا غمّ ولا حزن، فقال: اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل (¬5) اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور بصري، وجلاء حزني، وذهاب همي وغمي، إلّا أذهب الله همه وغمه وأبدله مكانه فرجًا"، قالوا: يا رسول الله أفلا نتعلمهن؟ قال: "بلى ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن" (¬6). ¬

_ (¬1) يعني: ابن فورك. (¬2) تلك: ساقطة من: س. (¬3) لولا: ساقطة من: س. (¬4) في الأصل، س: بعضها. وأثبت المناسب من: ط. (¬5) في س، ط: أسألك اللهم بكل. ولم ترد في المسند. (¬6) الحديث مع اختلاف في الألفاظ وفي مسند الإمام أحمد 1/ 391، 452، يقول الهيثمي في مجمع الزوائد 10/ 136 كتاب الأذكار- باب ما يقول إذا أصابه هم: "رواه أحمد وأبو يعلى والبزار، إلا أنه قال: وذهاب غمي مكان همي، والطبراني =

وكذلك قوله في حديث [أنس بن مالك] (¬1): "لقد دعا الله باسمه الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى" (¬2). وقوله: [] (¬3) "أسألك باسمك العظيم الأعظم الكبير الأكبر" (¬4) ¬

_ = ورجال أحمد وأبي يعلى رجال الصحيح، غير أبي سلمة الجهني وقد وثقه ابن حبان. وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح. انظر: المسند للإمام أحمد شرح أحمد محمد شاكر 5/ 266، 267 الحديث / 3712، 6/ 153 الحديث / 4318. (¬1) بياض في الأصل، س بقدر ثلاث كلمات، والكلام متصل في: ط. ولعل الصواب ما أثبته. (¬2) الحديث بهذا اللفظ في سنن أبي داود 2/ 167، 168 كتاب الصلاة -باب الدعاء- الحديث / 1495. وفي سنن النسائي 3/ 44 - كتاب السهو- باب الدعاء بعد الذكر وفيها (. . باسمه العظيم. . .). وأول الحديث: عن أنس أنه كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالسًا ورجل يصلي، ثم دعا: اللهم إني أسألك الحمد لا إله إلَّا أنت المنان بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لقد دعا. . . ". والحديث يروى بألفاظ مختلفة في: سنن أبي داود، وتقدمت الإشارة إلى رقم الجزء والصفحة والكتاب والباب الحديثان / 1493، 1494. وسنن الترمذي 5/ 515، 516 - كتاب الدعوات- باب جامع الدعوات عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الحديث رقم 3475. وقال فيه: حديث حسن غريب، ص: 55، - باب خلق الله مائة رحمة - الحديث / 3544. وسنن ابن ماجة 2/ 1267، 1268 - كتاب الدعاء- باب اسم الله الأعظم، الأحاديث / 3856 - 3858. (¬3) ما بين المعقوفتين بياض في الأصل، س، بقدر ثلاث كلمات، والكلام متصل في: ط. والظاهر أنه صحيح، ولا يختل المعنى به. (¬4) في الأصل: إلَّا كبير. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط. ولم أقف على=

الوجه الثاني والستون: ليست دلالة الكتب المنزلة من السماء على كلامه كدلالة أسمائه على نفسه المقدسة

[] (¬1) وقوله في حديث [أسماء بنت يزيد] (¬2) "اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين" (¬3). الوجه الثاني والستون: أن أسماء الله الحسنى مع أنها تدل على ذاته الموصوفة بصفات متعددة، فليست دلالة الكتب المنزلة من السماء على كلامه كدلالة أسمائه على نفسه المقدسة، فإن الاسمين يشتركان في المسمى، وينفرد كل منهما بالصفة التي اختص بالدلالة عليها، وأما الكلام المنزل فكل من الكلامين له معنى يختص [به] (¬4) لا يشاركه الآخر في شيء من معناه كما ¬

_ = هذا الحديث بهذا اللفظ. وقد ورد في مجمع الزوائد -للهيثمي- 10/ 156 عن ابن عباس -رضي الله عنه- أن رجلًا قال: يا رسول الله هل من الدعاء شيء لا يرد؟ قال: "نعم تقول: أسألك باسمك الأعلى الأعز الأجل الأكرم". يقول الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط والكبير، وفيه من لم أعرفهم. (¬1) ما بين المعقوفتين بياض في جميع النسخ بمقدار كلمتين، لا يختل به المعنى. (¬2) ما بين المعقوفتين بياض في الأصل بقدر ثلاث كلمات، ولعل ما أثبته هو الصواب. (¬3) أخرجه الترمذي في سننه 5/ 517، كتاب الدعوات، الباب: 65، الحديث رقم 3478 بمن أسماء بنت يزيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} وفاتحة آل عمران: {الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}. وقال: هذا حديث حسن صحيح. وانظره: في سنن أبي داود 2/ 168 - كتاب الصلاة- باب الدعاء - الحديث / 1496. وسنن ابن ماجة - 2/ 1267 - كتاب الدعاء- باب اسم الله الأعظم الحديث / 3855. وسنن الدارمي 2/ 323 - كتاب فضائل القرآن- باب فضل أول سورة البقرة وآية الكرسي- الحديث / 3392. ومسند الإمام أحمد 6/ 461. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: ط.

يشارك (¬1) [الاسم] (¬2) الاسم في مسماه، فإن آية الكرسي مثلًا، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ونحوهما دالة على المعنى القائم بالنفس المتعلق بصفات الله تعالى، وآية (¬3) الدين، وسورة تبت يدا أبي لهب وغيرهما، لهما معان أخر من ذم بعض المخلوقين، والأمر ببعض الأفعال (¬4)، وليس ذم هذا المخلوق والخبر عنه هو مدح الله والثناء عليه ولا معنى هذا هو معنى هذا، ولا بينهما قدر يشترك (¬5) في الخارج أصلًا كما بين الاسمين إذ مسماهما واحد موجود، وأما معنى هاتين الآيتين فليس هو واحدًا (¬6) أصلًا، بل هذا المعنى ليس هو هذا المعنى بوجه من الوجوه، نعم يشتركان (¬7) في كون كل منهما كلامًا للمتكلم [ومعناه، فلفظ معنى ولفظ يقوم به] (¬8) وهذا كاشتراك الحياتين في أن هذه حياة وهذه حياة، واشتراك الموجودين في أن هذا وجود وهذا وجود، وهذا الاشتراك لا يقتضي أن أحدهما هو الآخر في الخارج أصلًا، فكذلك معاني هذه العبارات لا تقتضي أن أحدهما هو الآخر (¬9) في الخارج أصلًا، وهذا معلوم بالفطرة البديهية (¬10)، وفهمه سهل على من تدبره، ومن جحد هذا كان من أظهر الجاحدين للمعارف الفطرية الضرورية، وإن سقطت ¬

_ (¬1) في الأصل: يشاركه. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬3) في ط: وسورة. (¬4) في الأصل: الأحوال فعال. والمثبت من: س، ط. (¬5) في س، ط: مشترك. (¬6) في الأصل، س: واحد. والمثبت من: ط. (¬7) في س: يشركان. (¬8) ما بين المعقوفتين ساقط من: ط. (¬9) في س: إحداها هو الآخر. وفي ط: إحداها هي الأخرى. (¬10) في س: البديهة.

الوجه الثالث والستون: أن قولهم: كذلك نقول في الكلام أنه واحد لا يشبه كلام المخلوقات. . . . من أفسد ما يعلم ببديهة العقل فساده

مكالمة أحد (¬1) لسفسطته فهذا من أحق هؤلاء (¬2) بهذا، ويتضح ذلك بالذي بعده، وهو: الوجه الثالث والستون: وهو قولهم: "كذلك نقول (¬3) في الكلام؛ إنه واحد لا يشبه كلام المخلوقات، ولا هو بلغة من اللغات، ولا يوصف بأنه عربي أو فارسي أو عبراني، لكن العبارات عنه تكثر وتختلف، فإذا قرئ كلام الله بلغة العرب سمي قرآنًا، وإذا قرئ بلغة العبرانية أو السريانية سمي توراة (¬4) وإنجيلًا". فإن هذا الكلام من أفسد ما يعلم ببديهة العقل فساده، وهو كفر إذا فهمه الإنسان وأصر عليه، فقد أصر على الكفر، وذلك أن القرآن يقرأ بالعربية، وقد يترجم بحسب الإمكان بالعبرانية أو الفارسية أو غيرهما من الألسن، ومع هذا إذا ترجم بالعبرية (¬5) لم يكن هو التوراة ولا مثل التوراة، ولا معانيه مثل معاني التوراة، وكذلك يقرأ بالعبرية ويترجم (¬6) بالعربية والسريانية، ومع هذا فليست مثل القرآن، ولا معانيها مثل معاني القرآن، وكذلك الإنجيل من المعلوم أنه يقرأ بعدة ألسن وهو في ذلك معانيه ليس معاني التوراة والقرآن، فهل يقول من له عقل أو دين: إن كلام الله مطلقًا إذا قرئ بالعربية كان هو القرآن؟ وليس يلزم صاحب هذا أن تكون التوراة والإنجيل إذا فسرا (¬7) بالعربية كانا هذا القرآن الذي أنزل ¬

_ (¬1) في س: أحدًا. (¬2) في ط: فهذا أحق من هؤلاء. (¬3) في الأصل، س: يقول. والمثبت من: ط. (¬4) في ط: أو. (¬5) في ط: العبرانية. (¬6) في ط: تقرأ بالعبرية وتترجم. (¬7) في س: فسر.

على محمد؟ بل هذه الأحاديث الإلهية التي يرويها الرسول [- صلى الله عليه وسلم -] (¬1) عن ربه تعالى مثل قوله: "يقول الله تعالى: مَن عادى لي وليًّا، فقد بارزني بالمحاربة" (¬2). وقوله: "أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا دعاني" (¬3) ونحو ذلك. ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬2) هذا من الأحاديث القدسية التي يذكرها الرسول - صلى الله عليه وسلم - مضافة إلى الله تعالى أنه قالها. وقد رواه البخاري مع اختلاف في اللفظ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله قال: من عادى في وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها. . ". صحيح البخاري 7/ 190 - كتاب الرقاق- باب التواضع. ويروى عن عائشة رضي الله عنها بلفظ قريب من هذا. انظر: المسند -للإمام أحمد- 6/ 256. (¬3) وهذا من الأحاديث القدسية- أيضًا. وهو بهذا اللفظ في مسند الإمام أحمد 3/ 210، 277 عن أنس بن مالك وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - في صحيح مسلم 4/ 2067 كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار- باب فضل الذكر والدعاء والتقرب إلى الله تعالى الحديث / 2675. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله يقول: أنا عند ظن. . . "، وورد بلفظ "يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، كان ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم. . . " الحديث، واللفظ للبخاري. صحيح البخاري 8/ 171 كتاب التوحيد- باب قول الله تعالى {ويحذركم الله نفسه}. وصحيح مسلم 4/ 2068 الكتاب والباب السابقين. وسنن الترمذي 5/ 581 كتاب الدعوات -باب في حسن الظن بالله -عزَّ وجلَّ- الحديث / 3603. =

لا يقول من له عقل ودين إن القرآن إذا ترجم بالعبرية أو السريانية كان هو التوراة والإنجيل

فهذا كلام عربي مأثور عن الله، ومع هذا فليس قرآنًا ولا مثل القرآن لا لفظًا ولا معنى، فكيف يقال في التوراة والإنجيل إذا قرئا بالعربية كان قرآنًا؟ وكذلك القرآن إذا ترجم بالعبرية أو السريانية هل يقول من له عقل أو له دين: إن ذلك [هو] (¬1) التوراة والإنجيل المنزل على موسى وعيسى -عليهما السلام-؟ وهل يقول عاقل: إن كلام الله المنزل بالألسنة المختلفة معناه شيء واحد كالكلام الذي يترجم بألسنة متعددة؟ العلم بفساد هذا من أوضح العلوم البديهية العقلية، وقائل هذا لو تدبر ما قال لعلم أن المجانين لا يقولون هذا، ومن المعلوم لكل أحد أن الكلام إذا ترجم كما ترجمت العرب كلام الأوائل من الفرس واليونان والهند وغيرهم، فتلك المعاني هي المعاني وهي باقية لم تختلف بكونها عربية أو فارسية أو رومية أو هندية [و] (¬2) كذلك لما ترجموا (¬3) ما ترجموه من كلام الأنبياء قبلنا وأممهم، فتلك المعاني هي هي سواء كانت بالعربية أو الفارسية، وقد أخبر الله في كتابه عما قالته الأمم قبلنا من الأنبياء وأممهم، وهم إنما قالوه بألسنتهم، وقصه الله علينا باللسان العربي، وتلك المعاني هي هي لم يكن كونها حقًّا أو باطلًا أو إيمانًا أو كفرًا أو رشدًا أو غيًّا من جهة اختلاف الألسنة، بل لأن تلك المعاني هي في نفسها حقائق متنوعة مختلفة أعظم من اختلاف الألسنة واللغات بكثير كثير، وأين اختلاف المعاني من اختلاف الألفاظ؟ وإنما ذلك بمنزلة اختلاف ¬

_ = وسنن ابن ماجة 2/ 1255، 1256 - كتاب الأدب- باب فضل العمل - الحديث / 3822. والمسند -للإمام أحمد- 2/ 413. (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: ط. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬3) في س: ما ترجموا.

صور بني آدم وألسنتهم بالنسبة إلى اختلاف قلوبهم وعلومهم وقصودهم، ومن المعلوم أن اختلاف قلوبهم وعلمها وإرادتها أعظم بكثير من اختلاف صورهم وألوانهم ولغاتهم، حتى [قد] (¬1) ثبت في الحديث المتفق عليه في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي ذر عن رجلين: "يا أبا ذر هذا خير من ملءِ (¬2) الأرض مثل هذا" (¬3) فجعل أحدهما. . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬2) في الأصل، س: ملاء. وهو خطأ. والمثبت من: ط، ومصادر تخريج الحديث. (¬3) رواه البخاري في صحيحه 6/ 122 كتاب النكاح- باب الأكفاء في الدين، عن سهل بن سعد الساعدي قال: رجل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ما تقولون في هذا؟ " قالوا: حري إن خطب أن يُنْكح، وإن شَفَعَ أن يشفع، وإن قال أن يسمع، قال: ثم سكت. فمر رجل من فقراء المسلمين فقال: "ما تقولون في هذا؟ " قالوا: حري إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يُشفع، وإن قال أن لا يسمع، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هذا خير من ملء. . . ". وأخرجه البخاري -أيضًا- 7/ 178 كتاب الرقاق -باب فضل الفقر بلفظ قريب من هذا وفيه: أنه قال لرجل عنده جالس: "ما رأيك في هذا؟ ". يقول ابن حجر: "ووقع في رواية جبير بن نفير عن أبي ذر عند أحمد وأبي يعلى وابن حبان بلفظ: قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -: "انظر إلى أرفع رجل في المسجد في عينيك" قال: فنظر إلى رجل في حلة. . الحديث. فعرف منه أن المسؤول هو أبو ذر، ويجمع بينه وبين حديث سهل أن الخطاب وقع لجماعة منهم أبو ذر، ووجه إليه فأجاب. ولذلك نسبه لنفسه. انظر: فتح الباري -لابن حجر- 24/ 59. ويغلب على الظن أن هذا الحديث لم يخرجه مسلم، لأن ابن حجر لم يذكر رواية مسلم، فضلًا عن تتبعي لصحيح مسلم وعدم وقوفي عليه. وقد أخرجه ابن ماجة في سننه 2/ 1379، 1380، كتاب الزهد -باب فضل الفقراء- الحديث / 4120. والإمام أحمد في مسنده 5/ 157 عن أبي ذر قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يا أبا ذر انظر أرفع رجل في المسجد" قال: فنظرت فإذا رجل عليه حلة، قال: قلت: هذا، قال: قال لي: "انظر أوضع رجل في المسجد" قال:=

وجوب العلم بأصلين عظيمين

خيرًا (¬1) من ملء (¬2) الأرض من جنس الآخر، وذلك لاختلاف قلوبهم، وإلا فاختلاف الصور لا يبلغ قريبًا من ذلك، وهكذا كلام الله الذي أنزله على موسى وهو التوراة [والذي أنزله على عيسى وهو الإنجيل، والذي أنزله على داود وهو الزبور] (¬3) والذي أنزله على محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو القرآن، لم يكن (¬4) مغايرة بعضه بعضًا لمجرد (¬5) اختلاف الألسنة، بحيث إذا ترجم كل واحد بلغة الآخر صار مثله أو صار هو إياه، كما قاله هؤلاء الملحدون في أسماء الله وآياته، بل مع الترجمة يكون لكل منهما (¬6) معان (¬7) ليست معاني (¬8) الآخر ولا مثلها، بل التفاوت الذي بين معاني هذه الكتب أعظم من التفاوت الذي بين ألفاظها، واللسان العبري قريب من اللسان العربي، ومع هذا فمعاني القرآن فوق معاني التوراة بأمر عظيم، ثم المسيح إنما كان لسانه عبريًّا، وإنما بعده ترجم الإنجيل بالسريانية، أفترى الإنجيل الذي أنزله الله عليه بالعبرية (¬9) هو التوراة التي (¬10) أنزلت على موسى؟!! بل يجب أن يعلم أصلان عظيمان: أحدهما: أن القرآن له بهذا اللفظ والنظم العربي اختصاص ¬

_ = فنظرت فإذا رجل عليه أخلاق قال: قلت هذا، قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لهذا عند الله أخير يوم القيامة من ملء الأرض من مثل هذا". (¬1) في الأصل، س. خير. والمثبت من: ط. (¬2) في الأصل، س: ملا. والمثبت من: ط. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من: س، ط. (¬4) في ط: تكن. (¬5) في س: كمجرد. وفي ط: بمجرد. (¬6) في س: منها. (¬7) في س، ط: هي معاني. (¬8) في جميع النسخ: معاني. وأثبت ما رأيته الصواب. (¬9) في س: العبرية. (¬10) في س، ط: الذي.

لا يمكن أن يماثله في ذلك شيء (¬1) أصلًا، أعني خاصة في اللفظ، وخاصة فيما دل عليه من المعنى، ولهذا لو فسر القرآن ولو ترجم، فالتفسير والترجمة قد يأتي بأصل المعنى أو يقربه، وأما الإتيان بلفظ يبين المعنى كبيان لفظ القرآن، فهذا غير ممكن أصلًا، ولهذا كان أئمة الدين على أنه لا يجوز أن يقرأ بغير العربية، لا مع القدرة عليها، ولا مع العجز عنها، لأن ذلك يخرجه عن أن يكون هو القرآن المنزل، ولكن يجوز ترجمته كما يجوز تفسيره، وإن لم تجز قراءته بألفاظ التفسير، وهي إليه أقرب من ألفاظ الترجمة بلغة أخرى. الأصل الثاني: إنه إذا ترجم أو قرئ بالترجمة، فله معنى يختص به لا يماثله فيه كلام أصلًا، ومعناه أشد مباينة لسائر معاني الكلام من مباينة لفظه ونظمه لسائر اللفظ والنظم، والإعجاز في معناه أعظم بكثير من الإعجاز في لفظه، قوله تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} (¬2)، يتناول ذلك كله، فكيف يقال: الكلام المقروء بالعبرية (¬3) والسريانية من التوراة والإنجيل والمترجم بالفارسية والتركية من ذلك الكلام (¬4) المقروء بالعربية الذي هو القرآن؟ مع أنا بالبديهة نعلم أنه ليس مثله لا في لفظ ولا معنى، فضلًا عن أن يكون هو إياه. وهل يقول من له أدنى (¬5) عقل أو دين يفهم ما يقول: إن هذه الكتب والكلام المنزل هي في (¬6) الدلالة على معناها كدلالة أسماء الله عليه؟ أم يعلم كل أحد أن أسماء الله مع تنوع ¬

_ (¬1) شيء: ساقطة من: س. (¬2) سورة الإسراء، الآية: 88. (¬3) في س، ط: العربية. (¬4) في ط: هو الكلام. (¬5) أدنى: ساقطة من: س، ط. (¬6) في: ساقطة من: س.

ما دلت عليه من الصفات والمسمى واحد؟ وأما الكلام فيكون معنى هذا الكلام ليس هو معنى الآخر، وينبغي أن يعلم أنه ليس مقصودنا عموم النفي، بل مقصودنا نفي العموم، فإنا (¬1) لا ننكر أن الكلامين قد يتفقان في المعنى، وقد ينزل الله -سبحانه- على نبي بلغته (¬2) المعنى الذي أنزله على الآخر، فيكون المعنى واحدًا واللفظ مختلفًا، هذا (¬3) كثير جدًّا، فإنا نحن لم ننكر أن معاني الألفاظ تتفق، لكن المنكر أن يقال: جميع معاني ألفاظ الكتب متفقة، وهي معنى واحد، وإن معنى ما أنزل على هذا النبي هو بعينه ذلك المعنى، وأن جميع ألفاظ القرآن معناها واحد، ومعنى آية (¬4) الدين، ومعنى آية الكرسي، وإذ معنى {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} معنى {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} ومعنى المعوذتين، وهذا لو عرض على من له أدنى تمييز من الصبيان لعلم ببديهة عقله أنه من أعظم الباطل، فتدبر كيف ضلوا في زعمهم أن معاني (¬5) أسماء الله معنى واحد (¬6)، لاتحاد المسمى، ثم ضلوا أعظم ضلالة (¬7) في أن كلام الله الذي أنزله معناه (¬8). واحد (¬9)، وإنما اختلف (¬10) أسماؤه لاختلاف الألسنة، وشبهوه بالأسماء، فلو كان الكلام معنى واحدًا وله صفات متعددة، لكانوا قد ¬

_ (¬1) في الأصل، س: فإنه. والمثبت من: ط. للتناسب مع ضمير المتكلمين السابق. (¬2) في س، ط: بلغة. (¬3) في ط: وهذا. (¬4) في ط: سورة. (¬5) في س، ط: معنى. (¬6) في الأصل، س: واحدًا. وأثبت الصواب منم: ط. (¬7) في س، ط: ضلال. (¬8) في الأصل، س: فإن معناه. والكلام يستقيم بدون "فإن". (¬9) في س: واحدًا. (¬10) في س، ط: تختلف.

ضلوا من وجه، ولكن معنى {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ليس [هو] (¬1) معنى {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} بوجه من الوجوه، فلا يصح أن يقال: ذلك مثل "الرحمن الرحيم" "السميع العليم" إذ المدلول هنا واحد في نفسه وله صفات، والمدلول هناك (¬2) في إحدى السورتين ليس هو المدلول في السورة الأخرى بوجه من الوجوه. وأما تشبيههم ذلك بكون الله معبودًا بعبادات متنوعة، فهو أوضح من أن يحتاج إلى الفرق، فلهذا لم تحتج إلى الكلام عليه، إذ تشبيه ذلك بأسماء الله تعالى أقوى اشتباهًا، فقد (¬3) ظهر (¬4) ما فيه، فكيف بتشبيه كتب الله المنزلة بالنسبة إلى ما ادعوه من المعنى الواحد، بعبادات (¬5) العابدين بالنسبة إلى الله تعالى. وبهذا يتبين لك [أن] (¬6) من قال منهم: إن القرآن محفوظ بالقلوب حقيقة، مقروء بالألسنة حقيقة، مكتوب في المصاحف حقيقة، كما أن الله معلوم بالقلوب، مذكور بالألسنة، مكتوب في المصاحف حقيقة، فهو يقصد هذا التلبيس من جعل الكتب المنزلة وسائر كلام الله بالنسبة إلى ما ادعوه من ذلك المعنى النفساني، كسائر أسماء الله بالنسبة إلى نفسه، وقد تبين لك أن هذا من أفسد القياس، فالحمد لله الذي عافانا (¬7) مما ابتلى به كثيرًا (¬8) من عباده، وفضلنا على كثير ممن خلق ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬2) في س، ط: هنا. (¬3) في س، ط: وقد. (¬4) في الأصل: صح. وأثبت ما رأيته مناسبًا من: س، ط. (¬5) في س، ط: بعبادة. (¬6) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬7) في س: عافاه. (¬8) في الأصل: كثير. وهو خطأ. والمثبت من: س، ط.

الوجه الرابع والستون: أنهم لم يذكروا في الجواب عما أخبر الله به عن نفسه من أن له كلمات - ما له حقيقة

تفضيلًا. وبهذا وأمثاله تعرف (¬1) أن القائلين بخلق القرآن، وإن كانوا أخبث قولًا من هؤلاء من جهات مثل: نفيهم أن يقوم بالله كلام، فهؤلاء أخبث منهم من جهات أخر، مثل: منعهم أن يكون كلام الله ما هو كلامه، وجعلهم كلام الله شيئًا لا حقيقة له، وغير ذلك. الوجه الرابع والستون: إنها لم يذكروا في الجواب -عما أخبر الله به عن نفسه من أن له كلمات- ما له حقيقة، فإنهم يقولون: ليس لله كلام إلّا معنى واحدًا لا يجوز عليه التعدد، والله -سبحانه- قد أخبر بأن (¬2) له كلمات، وإن البحار لو كانت مدادها، والأشجار أقلامها لما نفذت تلك الكلمات، وهذا صريح بأن لها من التعداد ما لا يأتي عليه إحصاء العباد، فكيف يقال: ليس له كلمات فصاعدًا؟ وأما قولهم: التكثير للتفخيم، كقوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ} (¬3). فيقال لهم: هذا إنما يستعمل في المواضع التي تصرح بأن المعنى بذلك اللفظ هو واحد، والله -سبحانه- قد بين في غير موضع أنه واحد، فإذا قال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ} (¬4)، {إِنَّا فَتَحْنَا} (¬5) وقد علم المخاطبون أنه واحد، علم أن ذلك لم يقتض أن ثم آلهة متعددة، لكن قال بعض الناس: صيغة الجمع في [مثل] (¬6) هذا دلت على كثرة معاني أسمائه وهذا مناسب وأما الكلام فلم يذكر الله قط، ولا قال أحد من المسلمين ¬

_ (¬1) في س، ط: تعلم. (¬2) في س، ط: إن. (¬3) سورة الحجر، الآية: 9. (¬4) سورة الحجر، الآية: 9. (¬5) سورة الفتح، الآية: 1. (¬6) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.

قبل ابن كلاب: إن كلام الله ليس إلا معنى واحدًا (¬1)، ولا خطر هذا بقلب أحد، فكيف يقال: إنه أراد بصغية الجمع [الواحد] (¬2) ولهذا لا يكاد يوجد [هذا] (¬3) في صيغة المتكلم في حق الله، أو صيغة المخاطبة له، كما قد قيل في قوله: {رَبِّ ارْجِعُونِ} (¬4). وأما تمثيلهم ذلك بقوله: {إِنَّ إِبْرَهِيمَ كان أُمَّةً} (¬5) أي: مثل أمة، فليس كذلك، بل الأمة (¬6) كما فسره عبد الله بن مسعود وغيره (¬7)، هو معلم الخير، وهو القدوة الذي يؤتم به أي: يقتدى به، فأمة من الائتمام كقدوة من الاقتداء، وليس هو مستعارًا من الأمة الذين هم جيل. وكذلك قولهم (¬8): {وَنَضَعُ المَوازَيِنَ اَلْقِسْط} (¬9) وإنما هو ميزان واحد، ليس كذلك بل الجمع مراد من هذا اللفظ، إما لتعدد الآلات التي ¬

_ (¬1) في الأصل: واحد. والمثبت من: س، ط. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬4) سورة المؤمنون، الآية: 99. (¬5) سورة النحل، الآية: 120. (¬6) في الأصل: الأمر. والمثبت من: س، ط. (¬7) أخرج ابن جرير الطبري تفسير ابن مسعود لهذه الآية من غير وجه. راجع: جامع البيان -تفسير ابن جرير- 14/ 191، 192. وذكر ابن الجوزي في "زاد المسير" 4/ 503: "أن للمفسرين في المراد بالأمة ثلاثة أقوال: إحداها: أن الأمة: الذي يعلم الخير. قاله ابن مسعود، والفراء وابن قتيبة. والثاني: أنه المؤمن وحده في زمانه، روى هذا المعنى الضحاك عن ابن عباس وبه قال مجاهد. والثالث: أنه الإمام الذي يقتدى به. قاله قتادة، ومقاتل، وأبو عبيدة وهو في معنى القول الأول". (¬8) في ط: قوله. (¬9) سورة الأنبياء، الآية: 47.

الوجه الخامس والستون: أن القرآن صرح بإرادة العدد من لفظ "الكلمات" وبإرادة الواحد من لفظ "الكلمة"

توزن بها، أو لتعدد الأوزان، وأما ما ذكروه من كثرته لكثرة المعاني التي دلت عليها العبارات عنه فهذا حق، لكن إذا كانت العبارات دلت على معان كثيرة، علم أن معاني العبارات لكلام (¬1) الله كثيرة، ليس هو معنى واحدًا (¬2) وهو المطلوب. الوجه الخامس والستون: إن القرآن صرح بإرادة العدد من لفظ الكلمات، وبإرادة (¬3) الواحد من لفظ كلمة، كما في قوله: {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى} (¬4)، وقال: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} (¬5)، وقال: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} (¬6). فبين أنها إذا كتبت بمياه البحار، وأقلام الأشجار ما تنفذ، والنفاذ: الفراغ، فعلم أنه يكتب بعضها ويبقى منها ما لم يكتب، وهذا صريح في أنها من الكثرة إلى أن يكتب منها ما يكتب ويبقى ما يبقى، فكيف يكون إنما أراد بلفظ الكلمات كلمة واحدة؟ لا سيما ولفظ الشجر ¬

_ (¬1) في الأصل، س: كلام. وأثبت ما رأيت أنه يستقيم به الكلام من: ط. (¬2) في الأصل: واحد. والمثبت من: س، ط. (¬3) في الأصل: بأداة. ولا معنى لها. والمثبت من: س، ط. (¬4) سورة طه، الآية: 129. في س، ط: {لكان لزامًا وأجل مسمى} ساقطة. في الأصل: وقوله: {ولولا كلمة سبقت من ربك} مكررة بعد {وأجل مسمى}. (¬5) سورة الكهف، الآية: 109. ولم يرد قوله تعالى: {لنفذ البحر قبل أن تنفذ كلمات ربي} في: الأصل، وهو سهو من الناسخ. (¬6) سورة لقمان، الآية: 27.

الوجه السادس والستون: أنه ثبت أن الله جزأ القرآن إلى ثلاثة أجزاء

يعم كل ما قام على ساق صلب أو غير صلب، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -[في الضالة] (¬1): "ترد الماء وترعى الشجر حتى يلقاها ربها" (¬2). الوجه السادس والستون: إنه قد ثبت [في صحيح مسلم] (¬3) من حديث ابن أبي عروبة، وأبان العطار، عن قتادة، عن معدان بن أبي طلحة، عن أبي الدرداء، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن الله جزأ القرأن ثلاثة أجزاء، فجعل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} جزءًا من أجزاء القرآن" (¬4). ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬2) الحديث في صحيح البخاري 3/ 93، كتاب اللقطة -باب إذا لم يوجد صاحب اللقطة بعد سنة فهي لمن وجدها- عدا كلمة "ترعى" فقد وردت فيه "وتأكل الشجر. . "، وأوله: عن زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن اللقطة فقال: "اعرف عفاصها ووكاءها، ثم عرفها سنة، فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها" قال: فضالة الغنم؟ قال: "هي لك أو لأخيك أو للذئب" قال: فضالة الإبل؟ قال: "ما لك ولها؟ معها سقاؤها وحذاؤها، ترد الماء. . ". وانظره بألفاظ مختلفة في: صحيح مسلم 3/ 1346 - 1348 - كتاب اللقطة- الحديث / 1722. سنن الترمذي 3/ 655، 656 كتاب الأحكام- باب ما جاء في اللقطة وضالة الإبل والغنم- الحديث / 1372. وسنن أبي داود 2/ 331، 332 - كتاب اللقطة - باب: التعريف باللقطة، الحديثين 1704، 1705. وسنن ابن ماجة 2/ 836 - كتاب اللقطة- باب ضالة الإبل والبقر والغنم- الحديث / 2504. ومسند الإمام أحمد- 4/ 115، 116، 117. (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬4) الحديث في صحيح مسلم 1/ 556 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها- باب فضل قراءة {قل هو الله أحد} - الحديث / 811. وسنن الدارمي 2/ 330 - كتاب =

فهذه التجزئة إما أن تعود إلى لفظ القرآن، وإما أن تعود إلى معناه، والأول باطل، لأن حروف {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ليس بقدر حروف ثلث القرآن، بل هي أقل من عشر العشر بكثير، فعلم أنه أراد بالتجزئة المعنى، وذلك (¬1) يقتضي أن معنى حروف القرآن متجزئة، وهم قد قالوا: إن كلام الله واحد لا يتجزأ ولا يتبعض ولا يتغاير ولا يختلف، ولو قيل: إن التجزئة للحروف لكن لا يشترط فيها تماثل قدر الحروف، بل يكون بالنظر إلى المعنى، لكان ذلك حجة -أيضًا- فإنه إذا كان التجزئة باعتبار المعنى، علم أن المعنى الذي دل عليه هذه الحروف ليس هو معاني بقية القرآن. وروى الترمذي وغيره عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن امرأة أبي أيوب، عن أبي أيوب، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. "أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن؟ من قرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ} فقد قرأ ثلث القرآن" (¬2) قال الترمذي هذا [حديث حسن. فقد أخبرنا أنها ثلث القرآن. فإن قيل: الحديث] (¬3) المتقدم قد رواه مسلم -أيضًا- بلفظ آخر ¬

_ = فضائل القرآن- باب في فضل {قل هو الله أحد} الحديث / 3434. ومسند الإمام أحمد- 6/ 443، 447. (¬1) في الأصل: وكذلك. ولا معنى لها. والمثبت من: س، ط. (¬2) أخرجه الترمذي في سننه 5/ 167 كتاب فضائل القرآن -باب ما جاء في سورة الإخلاص- الحديث / 2896، وقد جاء فيه: (من قرأ: الله الواحد الصمد. . .). وانظره مع اختلاف في الألفاظ في: سنن النسائي 2/ 133 - كتاب الافتتاح- الفضل في قراءة {قل هو الله أحد}. وسنن الدارمي 2/ 331 - كتاب فضل القرآن- باب في فضل {قل هو الله أحد} الحديث / 3440. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من: س.

أنه قال: "أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة [ثلث] (¬1) القرآن؟ " قالوا: وكيف يقرأ (¬2) ثلث القرآن؟ قال: {قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدُ} تعدل ثلث القرآن" (¬3)، فقوله: تعدل ثلث القرآن يبين أنها في نفسها ليست ثلثه، ولكنها تعدل ثلثه، أي في الثواب. قلنا: لا منافاة بين اللفظين (¬4)، فإنها ثلثه باعتبار المعنى، وهي تعدل ثلثه باعتبار الحروف، أو هي بلفظها ومعناها ثلثه فتعدل ثلثه، لأن ذلك اللفظ صريح في معناه، وحيث قال: "جزأ القرآن ثلاثة أجزاء فجعل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} جزءًا" (¬5) من تلك الأجزاء، فأخبر أن القرآن تجزأ ثلاثة أجزاء وإنما هي جزء من تلك الأجزاء، وهذا لا يصلح أن يراد به مجرد الثواب دون السورة، ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يجمع بين اللفظين، كما في الحديث الذي رواه أبو حازم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله [صلى الله] (¬6) عليه وسلم: "احشدوا (¬7) فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن" فحشد من حشد، ثم خرج نبي الله [صلى الله] (¬8) عليه وسلم ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، وصحيح مسلم. (¬2) في جميع النسخ: تقرأ. والمثبت من: صحيح مسلم. (¬3) تقدم تخريج هذا الحديث ص: 124. (¬4) في س: اللفظتين. (¬5) تقدم تخريجه قريبًا. (¬6) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، ومصادر تخريج الحديث. (¬7) في س: احشروا. وهو خطأ. ومعنى: احشدوا: اجتمعوا واستحضروا الناس. والحشد: الجماعة، واحتشد القوم لفلان: تجمعوا له وتأهبوا. انظر: النهاية -لابن الأثير- 1/ 388. (¬8) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، ومصادر تخريج الحديث.

فقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ثم دخل، فقال بعضنا لبعض: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ([سأقرأ عليكم ثلث القرآن] (¬1)، وإني لأرى هذا خبرًا جاءه من السماء"، ثم خرج نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إني قلت: سأقرأ عليكم ثلث القرآن، ألا وإنها تعدل ثلث القرآن" (¬2). قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. والذي يبين أن قوله: "تعدل" يدخل فيه حروفها، ما رواه البخاري في صحيحه، عن أبي سعيد الخدري، عن قتادة بن النعمان، أن رجلًا أقام في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ من السحر {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} لا يزيد عليها، فلما أصبح أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له، فكأن الرجل يتقالها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن" (¬3)، وهذا -أيضًا- من حديث أبي سعيد، رواه (¬4) البخاري من حديث أبي سعيد نفسه، وكذلك رواه أبو داود (¬5) والنسائي (¬6). ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، وسنن الترمذي. (¬2) الحديث بهذا اللفظ في: سنن الترمذي 5/ 168، 169 - كتاب فضائل القرآن- باب ما جاء في سورة الإخلاص- الحديث / 2900. وأخرجه مع اختلاف في الألفاظ: مسلم في صحيحه 1/ 557 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها- باب فضل قراءة {قل هو الله أحد} - الحديث / 812. والإمام أحمد في مسنده- 2/ 429. (¬3) صحيح البخاري 6/ 105 - كتاب فضائل القرآن- باب فضل {قل هو الله أحد}. (¬4) في الأصل: ورواه. والمثبت من: س، ط. (¬5) سنن أبي داود 2/ 152 - كتاب الصلاة- باب في سورة الصمد الحديث / 1461. (¬6) سنن النسائي - 2/ 133 - كتاب الافتتاح- الفضل في قراءة {قل هو الله أحد}.

الوجه السابع والستون: احتج بعض متأخريهم على إمكان أن يكون كلامه واحدا بما ذكره فخر الدين الرازي

الوجه السابع والستون: أنه قد احتج بعض متأخريهم (¬1) على إمكان أن يكون كلامه واحدًا بما ذكره -الملقب عندهم بالإمام- فخر الدين أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي فقال: "لما كان الباري -سبحانه- عالمًا بالعلم الواحد لجملة المعلومات الغير متناهية، فلم لا يجوز أن يكون مخبرًا بالخبر الواحد عن المخبرات الغير المتناهية، ولنضرب لذلك مثلًا (¬2) لهذا الكلام، وهو أن رجلًا إذا قال لأحد غلمانه: إذا قلت: اضرب فاضرب فلانًا، ويقول للثاني (¬3): إذا قلت: اضرب فلانًا (¬4) فلا تتكلم مع فلان، ويقول للثالث: إذا قلت: اضرب فلانًا (¬5) فاستخبر عن فلان، ويقول للرابع: إذا قلت: اضرب فأخبرني عن الأمر الفلاني، ثم إذا حضر الغلمان بين يديه ثم يقول لهم: اضرب، فهذا الكلام الواحد في حق أحدهم أمر، وفي حق الثاني نهي، وفي [حق] (¬6) الثالث خبر، وفي حق الرابع استخبار، وإذا كان اللفظ الواحد بالنسبة إلى أربعة أشخاص أمرًا ونهيًا وخبرًا واستخبارًا فأي استبعاد في أن يكون كلام الحق -سبحانه- كذلك؟ فثبت أنه سبحانه متكلم بكلام واحد". فيقال لهؤلاء: هذه الحجة بعينها التي اعتمدها إمام أتباعه أبو عبد الله الرازي، هو -أيضًا- قد رجع عن ذلك في أجل كتبه عنده، وبين ¬

_ (¬1) كأبي عبد الله محمد بن أحمد القرطبي (ت: 671) في كتابه الأسنى شرح أسماء الله الحسنى وصفاته العلى -مخطوط- اللوحة: 243. (¬2) في س، ط: مثالًا. (¬3) في الأصل: الثاني. والمثبت من: س، ط، والأسنى. (¬4) فلانًا: ساقطة من: س، ط. (¬5) فلانًا: ساقطة من: س، ط. (¬6) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.

فسادها، فقال في نهاية العقول (¬1): من جهة أصحابه: "لا نسلم أن الشيء يستحيل (¬2) أن يكون خبرًا وطلبًا، وبيانه (¬3) أن إنسانًا لو قال لبعض عبيدة: متى قلت لك: افعل، فاعلم أني أطلب منك الفعل، وقال للآخر: متى قلت لك هذه الصغية، فاعلم أني أطلب منك الترك، وقال للآخر: متى قلت لك هذه الصيغة، فاعلم أني أخبر عن كون العالم حادثًا (¬4)، فإذا حضروا بأسرهم وخاطبهم دفعة واحدة بهذه الصيغة، كانت (¬5) تلك الصيغة الواحدة أمرًا ونهيًا خبرًا معًا (¬6)، فإذا عقل ذلك في الشاهد، فليعقل (¬7) مثله في الغائب. ثم قال (¬8): "وهذا ضعيف (¬9)، لأن قوله: "افعل" ليس في نفسه طلبًا ولا خبرًا، بل هو (¬10) صيغة موضوعة لإفادة معنى الطلب ومعنى الخبر، ولا استحالة في جعل الشيء الواحد دليلًا على حقائق مختلفة، إنما الاستحالة في أن يكون الشيء حقائق مختلفة، وكلامنا إنما هو في نفس حقيقة الخبر وحقيقة الطلب (¬11)، واستقصاء القول في ذلك مذكور في باب الأمر من كتاب المحصول في علم الأصول". ¬

_ (¬1) نهاية العقول في دراية الأصول -للرازي- مخطوط- اللوحة: 157. (¬2) في نهاية العقول: الواحد يستحيل. (¬3) في نهاية العقول: بيانه. بدون واو. (¬4) في نهاية العقول: محدثًا. (¬5) في س، ط: كان. (¬6) في الأصل: معانا. والمثبت من: س، ط، ونهاية العقول. (¬7) في س: فليقل. وهو تصحيف. (¬8) أي: الرازي في المصدر السابق. (¬9) في نهاية العقول: وأما الثاني فضعيف. (¬10) في الأصل: هي. والمثبت من: س، ط، ونهاية العقول. (¬11) في نهاية العقول: حقيقة الطلب وحقيقة الخبر.

الوجه الثامن والستون: أن يقال هذه الحجة من أفسد الحجج عند التأمل

فهذا كلام المستدل بهذه الحجة في بيان فسادها بطلانها، وذلك كاف. الوجه الثامن والستون: أن يقال: هذه الحجة من أفسد الحجج عند التأمل، وذلك أن [هذا] (¬1) المثل المضروب أكثر ما فيه جواز أن يكون اللفظ الواحد مشتركًا بين معاني أمر ونهي وخبر، كما قد قيل في قول القائل: ويل لك إنه دعاء وخبر، ولا ريب أن الصيغة الواحدة يراد بها الأمر [تارة] (¬2) والخبر أخرى، كقول القائل غفر الله لفلان ورحمه (¬3)، وأحسن إليه، وأدخله الجنة، وأجاره من النار، وأنعم عليه نعمًا عظيمة، فإن هذا في الأصل خبر، وهو كثير مستعمل في الدعاء الذي هو طلب، وكذلك صيغة "افعل" هي أمر في الأصل، وقد تضمن معنى النهي والتهديد، كما قد قيل في قوله: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (¬4)، لكن هل يجوز أن يراد باللفظ الواحد المشترك بين معنيين إما الأمر والخبر، أو الأمر والنهي، أو غير ذلك كلا المعنيين على سبيل الجمع؟ هذا فيه نزاع مشهور بين أهل الفقه والأصول وغيرهم، والنزاع مشهور في مذهب أحمد والشافعي ومالك وغيرهم، وبين المعتزلة بعضهم مع (¬5) بعض، وبين الأشعرية (¬6) -أيضًا- والرازي يختار أن ذلك لا يجوز موافقة لأبي ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬3) في س: ورحمه الله. (¬4) سورة فصلت، الآية: 40. (¬5) في الأصل: من. والكلام يستقيم بما أثبته من: س، ط. (¬6) النزاع في هذه المسألة مشهور ذكره أبو عبد الله الرازي في "المحصول في علم أصول الفقه" 1/ 1 / 371 - 373 - فقال: =

الحسين البصري، ولم يجعل المانع من ذلك أمرًا يرجع إلى القصد [فإن ¬

_ = "المسألة الرابعة: في أنه لا يجوز استعمال المثشرك المفرد في معانيه على الجمع. وذهب الشافعي، والقاضي أبو بكر - رضي الله عنهما - إلى جوازه، وهو قول الجبائي، والقاضي عبد الجبار بن أحمد. وذهب آخرون: إلى امتناعه، وهو قول أبي هاشم وأبي الحسين البصري والكرخي. ثم اختلفوا: فمنهم من منع منه لأمر يرجع إلى القصد. ومنهم من منع منه لأمر يرجع إلى الوضع، وهو المختار". ثم قال بعد ذكره المقدمة في المصدر السابق ص: 373، 374: فالدليل على ما قلنا: أن الواضع إذا وضع لفظًا لمفهومين على الانفراد، فإما أن يكون قد وضعه مع ذلك لمجموعهما، أو ما وضعه لهما. فإن قلنا: إنه ما وضعه للمجموع، فاستعماله لإفادة المجموع استعمال اللفظ في غير ما وضع له، وإنه غير جائز. وإن قلنا: إنه وضعه للمجموع، فلا يخلو إما أن يستعمل لإفادة المجموع -وحده- أو لإفادته مع إفادة الأفراد. فإن كان الأول: لم يكن اللفظ إلا لأحد مفهوماته، لأن الواضع إن كان وضعه بإزاء أمور ثلاثة -على البدل- وأحدها ذلك المجموع، فاستعمال اللفظ فيه -وحده- لا يكون استعمالًا للفظ في كل واحد من مفهوماته. فإن قلت: إنه يستعمل في إفادة المجموع والأفراد على الجمع، فهو محال، لأن إفادته للمجموع معناه: أن الاكتفاء لا يحصل إلا بهما، وإفادته للمفرد معناه: أنه يحصل الاكتفاء بكل واحد منهما وحده، وذلك جمع بين النقيضين وهو محال. فثبت أن اللفظ المشترك -من حيث أنه مشترك- لا يمكن استعماله في إفادة مفهوماته على سبيل الجمع". ثم أورد أبو عبد الله الرازي في المصدر السابق ص: 375 - 394 حجج المجوزين وأجاب عنها بما يوافق اختياره. وانظر هذه المسألة مفصلة في: إحكام الأحكام -للآمدي- 1/ 19 - 22، 2/ 342 - 346. والمعتمد في أصول الفقه -لأبي الحسين البصري 1/ 17، 18.

قصد] (¬1) المعنيين جائز، ولكن المانع (¬2) أمر يرجع إلى الوضع، وهو أن أهل (¬3) اللغة إنما وضعوه لهذا وحده، ولهذا وحده، فاستعماله فيهما (¬4) جميعًا استعمال في غير ما وضع له، ولهذا كان المرجح قول المسوغين، لأن استعماله (¬5) فيهما غايته أن يكون استعمالًا له في غير ما وضع له، وذلك يجوز (¬6) بطريق المجاز، ولا مانع لأهل اللغة من أن يستعملوا اللفظ في غير موضعه بطريق المجاز، على أن إطلاق القول بأن هذا استعمال له في غير موضعه فيه نزاع، كإطلاق القول في اللفظ العام المخصوص أنه استعمال له في غير موضوعه، ومنه استعمال صيغة الأمر في الندب ونحو ذلك، فإن طوائف من الناس يقولون: بعض المعنى ليس هو غيره فلا يكون ذلك استعمالًا له في غير موضعه، ولا يجعلون اللفظ بذلك مجازًا، وهذا قول أئمة من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهم كالقاضي أبي يعلى وأبي الطيب وغيرهما، واستعمال اللفظ المشترك في معنييه ضد استعمال العام في بعض معناه، فإنه موضوع لهذا مفردًا، ولهذا مفردًا (¬7) فجمع بين معنييه. [بخلاف استعمال العام في بعض معناه] (¬8). ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬2) في الأصل: المراجع. ولا معنى لها. والمثبت من: س، ط. (¬3) أقول: ساقطة من: س. (¬4) في الأصل: فيها. والمثبت من: س، ط. (¬5) في الأصل: المسوخين لاستعماله. والمثبت من: س، ط. (¬6) في س، ط: يسوغ. (¬7) في س: مفرد. (¬8) ما بين المعقوفتين بياض في الأصل بمقدار ثلاث كلمات في منتصف السطر. ويبدو أن الكلام مستمر في: س. رغم وجود بياض بقدر ثلاث كلمات في بداية السطر. في أعلى صفحة جديدة بدليل التعقيب الموجود في نهاية كل صفحة. والكلام متصل في: ط. ولعل ما أثبته يناسب السياق ويستقيم به المعنى.

ومثل هذا لا يقر مثل هؤلاء بأنه عين معناه، إذ هو معناه مفردًا ومعه غيره، وكما أن بعض الشيء ليس بغير له عندهم، فلا يصير الشيء غيرًا لنفسه بالزيادة عليه، لا سيما إذا كان المزيد نظيره، وليس المقصود هنا تكميل القول في هذه المسألة، ولكن نبين حقيقة ما يحتج به هؤلاء، فإن هذا المثل الذي ضربوه مضمونه أن يجعل اللفظ موضوعًا لأمر ونهي وخبر، ويقصد بالخطاب به إفهام كل معنى لمخاطب غير المخاطب الأول، وهذا جائز في المعقول، لكن ليس هذا مما ادعوه في الكلام بشيء، وذلك أن النزاع ليس هو في أن اللفظ الواحد يدل على حقائق مختلفة، فإن هذا لا ينازع فيه أحد، ولا حاجة فيه إلى ضرب المثل، بل دلالة الألفاظ الموضوعة على حقائق مختلفة [كثير جدًّا وإن كان اللفظ خبرًا أو أمرًا، لكن يدل على حقائق مختلفة] (¬1)، وإنما النزاع في المعاني المختلفة التي هي مدلول جميع الألفاظ التي أنزلها الله، هل هي معنى واحد (¬2)؟ فالنزاع في المعاني المعقولة من الألفاظ وهي أمر الله بكذا أو أمره (¬3) بكذا ونهيه (¬4) عن كذا، ونهيه عن كذا (¬5)، وخبره (¬6) بكذا، وخبره بكذا (¬7)، هل هي شيء واحد؟ والمعاني لا تتبع وضع واضع، ومن العجب أن هؤلاء إذا احتجوا على أن الكلام هو معنى في النفس قالوا: إن مدلول العبارات والإشارات لا يختلف باختلاف اللغات ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬2) في س: واحدًا. (¬3) في ط: وأمره. (¬4) في ط: أو نهيه. (¬5) ونهيه عن كذا: ساقطة من: س. (¬6) في ط: أو خبره. (¬7) وخبره بكذا: ساقطة من: س.

ولا يقصد (¬1) الواضعين المتكلمين، ثم يحتجون على أنه واحد يجوز أن يجعل الواضع اللفظ الواحد موضوعًا لمعان (¬2) متعددة، وأين هذا من هذا؟! فإن دلالة [اللفظ على] (¬3) المعنى يتبع قصد المتكلم والإرادة، فإنه بالقصد والإرادة كان هذا اللفظ يدل على هذا المعنى، وهذا اللفظ (¬4) يدل على هذا المعنى، لا أن (¬5) اللفظ صار كذلك بناته أو بطبعه، لكن تنازع الناس هل بين اللفظ والمعنى مناسبة لأجلها خصص الواضعون هذا اللفظ بهذا المعنى؟ على قولين: أصحهما أنه لا بد من المناسبة وليست موجبة بالطبع حتى يقال (¬6)، فذلك يختلف باختلاف الأمم، بل هي مناسبة داعية، والمناسبة تتنوع بتنوع الأمم كتنوع الأفعال الإرادية، ولو قيل: إنه بالطبع، فطباع الأمم تختلف سواء في ذلك طبعهم الاختياري وغير الاختياري. فتبين أن هذا المثل الذي ضربوه في غاية البعد عما قصدوه، إذ ما ذكروه هو اللفظ الدال على معان (¬7)، وهذا لا نزاع فيه، ومقصودهم أن المعاني التي هي نفسها لكل معنى حقيقة هل هي في نفسها شيء واحد؟ وذلك لا يكون بقصد (¬8) واضع ولا إرادة (¬9) ولا وضعه، والإمكان هنا ليس هو إمكان أن يجعل هذا هذا، بل المسؤول عنه الإمكان الذهني، ¬

_ (¬1) في الأصل: يقصد. والمثبت من: س، ط. (¬2) في الأصل: لمعاني. والمثبت من: س، ط. (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬4) في الأصل: المعنى. ولا يستقيم الكلام بها. والمثبت من: س، ط. (¬5) في س، ط: لأن. (¬6) لعل مقول القول المقدر يعود إلى ما تقدم من أن بين اللفظ والمعنى مناسبة. . (¬7) في الأصل، س: معاني. والمثبت من: ط. (¬8) في الأصل: إلا بقصد. ولعل الكلام يستقيم بدون: إلا. كما في: س، ط. (¬9) في س، ط: وإرادته.

الوجه التاسع والستون: أنه لا يمكن أن يكون الخبر هو نفس الأمر

وهو أنه (¬1) هل يمكن في العقل أن يكون المعنى المعقول من صيغ الأمر هو المعنى المعقول من صيغ الخبر، وأن يكون نفس ما يقوم بالنفس من الأمر بهذا والخبر عنه هو بعينه ما يقوم بالنفس من الأمر بغيره والخبر عنه؟ الوجه التاسع والستون: أن يقال: هو قال إذا كان الباري عالمًا بالعلم الواحد لجملة المعلومات غير المتناهية، فلم لا يجوز أن يكون مخبرًا بالخبر الواحد عن المخبرات غير المتناهيات؟ فيقال له: هب أن (¬2) هذا ثبت في كون الخبر واحدًا فلم قلت: إنه يجب أن يكون خبره عن المخبرات الغير المتناهية هو بعينه الأمر بالمأمورات والتكوين للمكونات الغير المتناهية؟ فهب أن الخبر يقاس بالعلم فهل يمكن أن يكون الخبر هو نفس الأمر؟ الوجه السبعون: أن الأصل الذي يقاس عليه وشبه [به] (¬3) من الإمكان -هو العلم- أصل غير مدلول عليه فمن أين لهم أن الباري ليس له إلا علم واحد لا يتبعض ولا يتعدد؟ وهذا لم ينطق به كتاب ولا سنة ولا قاله إمام من أئمة المسلمين، فضلًا عن أن يكون ثابتًا بإجماع، ولا قام به (¬4) دليل عقلي، وقد قال الله في كتابه: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إلا بِمَا شَاءَ} (¬5) فأخبر أنه يحاط ببعض من (¬6) علمه لا بكله، وقال في كتابه: ¬

_ (¬1) في الأصل: أن. والمثبت من: س، ط. (¬2) في الأصل: أنه. وهو خطأ. والمثبت من: س، ط. (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬4) في س، ط: عليه. (¬5) سورة البقرة، الآية: 255. (¬6) من: ساقطة من: س، ط.

ليس في المسألة عمدة إلا ما اعتمد عليه القاضي أبو بكر من الإجماع المدعي

{فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} (¬1). وقد احتج الإمام أحمد (¬2) وغيره بهذه الآية وغيرها (¬3) على أن القرآن من علم الله، فجعلوه بعض علم الله، فمن الذي يقول: إن علم الله ليس له بعض وجزء؟ واعلم أنه ليس في المسألة عمدة إلا ما اعتمد عليه إمام القوم القاضي أبو بكر بن الباقلاني، فإنه اعتمد فيها إجماعًا ادعاه (¬4)، وهو في غير هذا الموضع (¬5) يدعي إجماعات لا حقيقة لها، كدعواه إجماع ¬

_ (¬1) سورة آل عمران، الآية: 61. (¬2) يقول عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتابه "السنة" ص: 4: "سمعت أبي يقول: من قال: القرآن مخلوق فهو عندنا كافر، لأن القرآن من علم الله، قال الله تعالى {فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم. .} الآية. وانظر: مسائل الإمام أحمد بن حنبل -رواية إسحاق بن إبراهيم 2/ 153، 154. (¬3) كقوله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} 120 / البقرة. وقوله تعالى: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} 145 / البقرة. يقول إسحاق بن إبراهيم: سمعت أبا عبد الله يقول: "أربعة مواضع في القرآن- الآيتان 120، 145 من سورة البقرة، والآية 61 من سورة آل عمران، والآية 37 من سورة الرعد- {من بعد ما جاءك من العلم} فمن زعم أن القرآن مخلوق، فهو كافر". انظر: مسائل الإمام أحمد برواية إسحاق بن إبراهيم 2/ 154. (¬4) سوف يذكر الشيخ -رحمه الله- بعد أسطر قليلة هذا الإجماع فيما نقله عن أبي عبد الله الرازي في نهاية العقول. (¬5) في س، ط: غير موضع.

السلف (¬1) على صحة الصلاة في الدار المغصوبة (¬2) بكونهم لم (¬3) يأمروا الظلمة بالإعادة، ولعله لا يقدر أن ينقل عن أربعة من السلف أنهم استفتوا في إعادة الظلمة ما صلوه في مكان مغصوب فأفتوهم بإجزاء الصلاة، لكن أهل الكلام كثيروا الاحتجاج من المعقول والمنقول بالحجج الداحضة، ولهذا كثر ذم السلف لهم، قال أبو عبد الله الرازي، لما تكلم على وحدة علم الله وقدرته فقال (¬4): "الفصل الأول: في وحدة علم الله وقدرته، نقل إمام الحرمين في الشامل (¬5) عن أبي سهل الصعلوكي منا أنه تعالى عالم بعلوم غير متناهية، ¬

_ (¬1) انظر دعواه على هذا الإجماع في البرهان في أصول الفقه للجويني 1/ 288. (¬2) الصلاة في الموضع المغصوب لا تصح في أظهر الروايتين وأحد قولي الشافعي. والرواية الثانية: تصح، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك والقول الثاني للشافعي، لأن النهي لا يعود إلى الصلاة فلم يمنع صحتها. يقول ابن قدامة -رحمه الله- مرجحًا الرواية الأولى: "ولنا: أن الصلاة عبادة أتى بها على الوجه المنهي عنه، فلم تصح كصلاة الحائض وصومها، وذلك لأن النهي يقتضي تحريم الفعل واجتنابه والتأثيم بفعله، فكيف يكون مطيعًا بما هو عاص به ممتثلًا بما هو محرم عليه؟ متقربًا بما يبعد به؟ فإن حركاته وسكناته من القيام والركوع والسجود أفعال اختيارية، هو عاص بها منهي عنها". أما صلاة الجمعة في الموضع المغصوب فقال أحمد -رحمه الله-: "تصلى الجمعة في الموضع الغصب، يعني إذا كان الجامع أو بعضه مغصوبًا صحت الصلاة، لأن الجمعة تختص ببقعة فإذا صلاها الإمام في الموضع المغصوب فامتنع الناس من الصلاة فيه فاتتهم الجمعة". انظر: المغني -لابن قدامة- 2/ 74، 75. والمقنع -لابن قدامة- مع حاشيته- 1/ 127، 128. وكشف القناع -للبهوتي- 1/ 343، 344. (¬3) في الأصل: لا. والمثبت من: س، ط. وهو الصواب. (¬4) نهاية العقول في دراية الأصول -للرازي- مخطوط- اللوحة: 157. (¬5) في الأصل: الشاملي. وهو خطأ. وهو: كتاب في الكلام على مذهب الأشاعرة -يقع في خمسة مجلدات. راجع: كشف الظنون -لحاجي خليفة- 2/ 1024. ومعجم المؤلفين =

تعليق الشيخ بأن هذا الإجماع مركب من جنس الإجماع الذي احتج به الرازي على قدم المعنى

وذهب جمهور الأصحاب إلى أنه تعالى عالم بعلم واحد، قادر بقدرة واحدة، مريد بإرادة واحدة". قال (¬1): واعلم أن القاضي أبا بكر عول في هذه المسألة على الإجماع، فقال: القائل قائلان: قائل يقول (¬2): الله تعالى عالم بالعلم، قادر بالقدرة. وقائل يقول: ليس الله عالمًا بالعلم، ولا قادرًا بالقدرة، وكل من قال بالقول الأول قال: إنه عالم بعلم واحد، قادر بقدرة واحدة، فلو قلنا: إنه -سبحانه (¬3) - عالم بعلمين أو أكثر، كان ذلك قولًا ثالثًا خارقًا للإجماع (¬4)، وإنه باطل. قال (¬5): وأما الصعلوكي فهو مسبوق بهذا الإجماع، فيكون حجة عليه". قلت: هذا الإجماع مركب من جنس الإجماع الذي احتج به الرازي (¬6) على قدم المعنى الذي ادعوه، فإنه (¬7) هو الكلام وليس في ذلك إجماع أصلًا، وإنما هو إجماع المعتزلة والأشعرية لو صح، فكيف وقد حكى أبو حاتم التوحيد (¬8)، عن الأشعري نفسه أنه كان يثبت [علومًا] (¬9) ¬

_ = -لكحالة- 6/ 184. (¬1) قال: إضافة من الشيخ، والكلام متصل بما قبله في: نهاية العقول. (¬2) في الأصل: يقول. وهو خطأ. والمثبت من: س، ط، ونهاية العقول. (¬3) في الأصل: واحد سبحانه. والمثبت من: س، ط، ونهاية العقول. (¬4) في نهاية العقول: خارجًا عن الإجماع. (¬5) قال: إضافة من الشيخ. والكلام متصل بما قبله في: نهاية العقول. (¬6) انظر هذا الإجماع الذي احتج به: الفخر الرازي، على قدم الكلام في: "نهاية العقول في دراية الأصول" الفصل الثاني من الأصل التاسع- اللوحة رقم: 130. (¬7) في س، ط: إنه. (¬8) ولعل ما في س الصواب. إذ لم أجد ترجمة لهذا الاسم فيما وقع تحت يدي من مراجع. (¬9) ما بين المعقوفتين زيادة من: ط. يقتضيها السياق.

الوجه الحادي والسبعون: أن الرازي اعترف في أجل كتبه أن القول بكون الطلب هو الخبر باطل

لا نهاية لها، والسلف الذين أثبتوا (¬1) علم الله وقدرته ليس مقصودهم بذلك ما يقصده هؤلاء من أنه لا بعض له، بل قد صرحوا بأنه يعلم بعض علم الله ولا يعلم بعضه، وكل من لم يوافقهم على ما ادعوه من نفي التبعيض الذي اختصموا (¬2) بنفيه، كالذين خالفوهم من المرجئة (¬3) والشيعة والكرامية وغيرهم، فإنهم يخالفونهم في ذلك، وكذلك جماعة أهل الحديث والفقهاء والصوفية. وهذا الذي اعتمده إمام الطائفة ولسانها القاضي أبو بكر من أنه لا يمكن إثبات وحدة العلم إلا بالإجماع الذي ادعاه، يبين لك أنه ليس في العقل ما يمنع تعدد علمه وقدرته وكلامه وسائر صفاته، وكذلك أقر بذلك أبو المعالي والرازي وغيرهم من حذاق القوم، فإن كلام ابن فورك قد يشعر بأن العقل يوجب اتحاد ذلك، وقد بينا فساد ذلك. الوجه الحادي والسبعون: إن إمامهم المتأخر وهو أبو عبد الله الرازي اعترف في أجل كتبه (¬4) أن القول بكون (¬5) الطلب هو الخبر باطل على القول بنفي الحال (¬6)، ونفي الحال هو مذهب الأشعري نفسه ومحققيهم (¬7)،. . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) في الأصل: نفوا. وهو خطأ من الناسخ. والمثبت من: س، ط. (¬2) في س، ط: اختصوا. (¬3) في الأصل: المرجئية. والمثبت من: س، ط. (¬4) وهو نهاية العقول في دراية الأصول -مخطوط- اللوحة: 157. (¬5) في س: يكون. وهو تصحيف. (¬6) تقدم تعريف الحال، ومن قال بها ومن نفاها ص: 609. (¬7) يقول الآمدي في "أبكار الأفكار" -مخطوط- القسم الثاني- اللوحة: 206: "والذي عليه اتفاق أكثر الأئمة من أصحابنا، وقدماء المعتزلة القول بنفي الأحوال. . . ".

وإليه رجع أبو المعالي في آخر عمره (¬1). وأما على القول بثبوت الحال فتوقف في ذلك ولم يجزم بإمكانه ولا امتناعه (¬2)، وقد تقدم حكاية لفظه في ذلك، وهذا اعتراف (¬3) منه بأن هذا القول الذي قالوه ممتنع في العقل عند محققيهم وهم نفاة الحال وأما عند مثبتي الحال منهم (¬4) فلا نعلم أنه ممكن أو ممتنع [وعلى التقديرين فلا نعلم أن ذلك ممكن. فتبين أن لا حجة لهم في إمكان صحة] (¬5) ما ادعوه من أن كلام الله معنى واحد (¬6)، فضلًا عن أن يكون ذلك هو الواقع، إذ ليس كل ما أمكن في الذهن كان هو الواقع، فإنه إذا جاز في العقل أن يكون الكلام صفة واحدة، وجاز أن يكون صفات متعددة، فلا بد من دليل يبين ثبوت أحدهما دون الآخر، فكيف إذا قال الناس لهم: إنه ممتنع؟ لم يذكروا دليلًا على إمكانه. ¬

_ (¬1) ذكر الشهرستاني في "نهاية الإقدام" ص: 131 أن أبا المعالي الجويني كان يقول بثبوت الأحوال لكنه نفاها أخيرًا. وانظر قوله بثبوت الأحوال في "الإرشاد" ص: 80 - 84. وقوله بنفيها في "الشامل" ص: 108، 109، 296، 297. (¬2) فقال: في نهاية العقول في دراية الأصول -مخطوط- اللوحة: 157: ". . وأنا إلى الآن لم يتضح في فيه دليل لا نفيًا ولا إثباتًا". وقد تقدم هذا النص بكامله. وسوف يورده الشيخ -رحمه الله- بعد أسطر قليلة- أيضًا. (¬3) في الأصل: اعترف. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط. (¬4) في س، ط: عندهم. (¬5) ما بين المعقوفتين ساقط من: س. (¬6) في س: واحدًا. وهو خطأ.

الوجه الثاني والسبعون: أن هذا القول ممتنع على القول بثبوت الحال وعلى القول بنفيه

الوجه الثاني والسبعون: إنا نبين أن هذا القول ممتنع على القول بثبوت الحال، وعلى القول بنفيه. أما على القول بنفيه، فقد تقدم كلامه في ذلك. وأما على القول بثبوته، فإن الرازي إنما توقف لأنه قال (¬1): "وأما إن تكلمنا على القول بالحال، فيجب أن ينظر في الحقائق الكثيرة هل يجوز أن تتصف (¬2) بوجود واحد أم لا؟ فإن قلنا: بجواز ذلك (¬3) فحينئذ يجوز أن تكون الصفة الواحدة حقائق مختلفة، وإلّا بطل القول بذلك (¬4). قال (¬5): وأنا إلى الآن لم يتضح في فيه دليل لا نفيًا ولا إثباتًا. فيقال لهذا: هذه غلوطة (¬6)، وذلك أنه هب أن وجود كل شيء زائد على حقيقته في الخارج، وهب أنا سلمنا له ما شك فيه وهو اتصاف الحقائق المختلفة بوجود واحد، فهذا لا يثبت محل النزاع، وذلك لأن هذا إنما يفيد أن تكون الحقائق المختلفة لها صفة واحدة، فتكون الحقائق المختلفة موصوفة بصفة واحدة هي الحال التي هي الموجود، وذلك لا يستلزم أن تكون الحقائق المختلفة شيئًا واحدًا، وأن تكون الصفة الواحدة في نفسها حقائق مختلفة، وبهذا يتبين لك ضعف قوله: فإن قلنا ¬

_ (¬1) في نهاية العقول في دراية الأصول -مخطوط- اللوحة: 157. (¬2) في الأصل، س: يتصف. والمثبت من: ط. (¬3) في نهاية العقول: فإن قلت: جاز ذلك. (¬4) في نهاية العقول: به. (¬5) قال: إضافة من الشيخ، والكلام متصل بما قبله في: نهاية العقول. (¬6) في ط: أغلوطة. والغلوطة، والأغْلُوطة، والمَغْلَطة: الكلام يغلط فيه ويغالط به. انظر: القاموس المحيط -للفيروزآبادي 3/ 410 (غلط).

الوجه الثالث والسبعون: ما شك فيه يقطع فيه بالامتناع

بجواز (¬1) ذلك -أي بجواز اتصاف الحقائق المختلفة بوجود واحد- فحينئذ يجوز أن تكون الصفة الواحدة حقائق مختلفة، وإلا بطل القول بذلك. وإنما قلنا: إن هذا ضعيف، لأن اتصاف الحقائق المختلفة بوجود واحد غير كون الصفة الواحدة هي في نفسها حقائق مختلفة، فإن الفرق بين كونها صفة الحقائق مختلفة وبين كونها في نفسها حقائق مختلفة أمر واضح بين، وإنما يصح له ما قال، لو ثبت أن الحقائق المختلفة تتصف بوجود واحد، فإن ذلك الوجود الثابت في الخارج هو في نفسه حقائق مختلفة، وهذا لا يقوله عاقل، وهؤلاء يقولون: إن نفس الطلب هو نفس الخبر، فيجعلون الحقيقتين المختلفين شيئًا واحدًا وذلك ممتنع. وإن قيل: إن (¬2) لها وجودًا واحدًا زائدًا على حقيقتها، فإن فساد كون الحقيقتين شيئًا واحدًا معلوم بالبديهة. ومما يوضح هذا: أن الحقائق المختلفة كالأعراض المختلفة، وإن قيل: إن وجودها زائد (¬3) على حقيقتها، وإنه يجوز أن يكون وجودها واحدًا، فلا يقول عاقل بها في نفسها واحدة. الوجه الثالث والسبعون: أن يقال: ما شك فيه يقطع فيه بالامتناع (¬4) فيقال: من الممتنع أن يكون الحقيقتان المختلفتان لهما وجود واحد قائم بهما، كما يمتنع أن يكون لهما عرض واحد يقوم بها، وذلك لأن الحال -الذي هو الوجود- الذي يقال: إنه قائم بالحقائق، وإنه زائد على حقائقها تابع لتلك ¬

_ (¬1) في الأصل: يجوز. والمثبت من: س، ط. وهو المناسب للكلام. (¬2) إن: ساقطة من: س. (¬3) في الأصل، س: زائدًا. وهو خطأ. والمثبت من: ط. (¬4) في س: الامتناع.

الوجه الرابع والسبعون: ما شك فيه لو صح لكان غايته أن يكون الكلام متعددا متحدا

الحقائق، فوجود كل حقيقة تابع لها لا يجوز أن يوجد (¬1) بغيرها، كما لا يوجد بغيرها سائر ما يقوم به من الأعراض فكما لا يجوز أن يكون العرض القائم بهذه الحقيقة هو بعينه العرض القائم بالحقيقة الأخرى المخالفة لها، فالوجود (¬2) الذي لهذه الحقيقة أولى أن لا يكون الوجود القائم بالحقيقة الأخرى بعينه، وهذا ظاهر. الوجه الرابع والسبعون: إن هذا الذي شك فيه لو صح وجزم به، لكان غايته أن يكون الكلام متعددًا متحدًا، فيكون حقيقتين وهو واحد، أما رفع التعدد عنه من كل وجه فلا يمكن، لأن الوجود واحد، إذا كان لحقيقتين -وقيل: إن الصفة تكون حقائق مختلفة- فلا ريب أن ذلك يوجب كونها حقائق مختلفة وكونها شيئًا واحدًا، وهؤلاء يمنعون أن يكون المعنى الواحد القائم بالنفس حقائق مختلفة، فعلم أن قولهم معلوم الفساد على كل تقدير، وهذا كله تنزل معهم على تقدير ثبوت الحال، وإن وجود الشيء في الخارج زائد على حقائقها الموجودة، وإلّا فهذا القول من أفسد الأقوال، وإنما ابتدعه بعض المعتزلة الذي يقولون: المعدوم شيء في الخارج، فالبناء عليه فاسد. الوجه الخامس والسبعون: إنه يقال: هب أنه أمكن أن يكون الكلام معنى واحدًا (¬3)، كما قلتم: إنه يمكن أن يكون العلم واحدًا، فما الدليل (¬4) على أنه ليس لله ¬

_ (¬1) في الأصل، س: توجد. والمثبت من: ط، وهو المناسب للسياق. (¬2) في الأصل: فوجود. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط. (¬3) في الأصل: واحد. وهو خطأ. والمثبت من: س، ط. (¬4) في س: لدليل.

الوجه السادس والسبعون: أن الجهمية تزعم أن أهل الإثبات يضاهئون النصارى

كلام إلا معنى واحدًا؟ وما الدليل على أنه يمتنع أن يكون كلامه، إلا معنى واحدًا (¬1)؟ وقد اعترفوا بأنه لا دليل على ذلك، كما قال الرازي بعد أن بين أنه إما ممتنع أو متوقف في إمكانه، فقال (¬2): "وأما الذي يدل على أن الأمر كذلك فلا يمكن أن يعول فيه على الإجماع للحكاية التي (¬3) ذكرها أبو إسحاق الإسفرائيني، ولم نجد لهم نصًّا، ولا يمكن أن يقال (¬4): فيه دلالة عقلية، فبقيت المسألة بلا دليل". الوجه السادس والسبعون: إن الجهمية كثيرًا ما يزعمون أن أهل الإثبات يضاهئون النصارى، وهذا يقولونه: تارة لإثباتهم الصفات (¬5)، وتارة لقولهم: إن كلام الله أنزله، وهو في القلوب والمصاحف، والجهمية هم المضاهئون للنصارى (¬6) فيما كفرهم الله به، لا أهل الإثبات الذين ثبتهم الله بالقول ¬

_ (¬1) في الأصل: واحد. وهو خطأ. والمثبت من: س، ط. (¬2) في نهاية العقول في دراية الأصول -مخطوط- اللوحة 157. (¬3) في س: الذي. (¬4) ولا يمكن أن يقال: ساقط من: نهاية العقول. (¬5) في الأصل: النصارى. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط. (¬6) يقول الشيخ -رحمه الله- في الجواب الصحيح 2/ 301: "وقد ذكر الإمام أحمد في كتاب الرد على الجهمية -وذكر غيره- أن النصارى الحلولية، والجهمية المعطلة اعترضوا على أهل السنة. فقالت النصارى: القرآن كلام الله غير مخلوق. والمسيح كلمة الله فهو غير مخلوق. وقالت الجهمية: المسيح كلمة الله وهو مخلوق. والقرآن كلام الله فيكون مخلوقًا. وأجاب أحمد وغيره: بأن المسيح نفسه ليس هو كلامًا، فإن المسيح إنسان وبشر مولود من امرأة، وكلام الله ليس بإنسان ولا بشر، ولا مولود من امرأة، ولكن المسيح خلق بالكلام، وأما القرآن فهو نفسه كلام الله، فأين هذا من هذا؟ =

الجهمية ضاهوا النصارى فيما هو ضلال

الثابت، فأما، الوجه الأول: في إثبات الصفات فليس هذا موضعه وإنما الغرض الوجه الثاني: الذي يختص بالكلام، فإنهم تارة يقولون: إذا قلتم: إن كلام الله غير مخلوق، فهو نظير قول النصارى: إن المسيح كلمة الله، وهو غير مخلوق، وتارة يقولون: إذا قلتم: إن كلام الله في الصدور والمصاحف فقد قلتم يقول النصارى الذين يقولون: إن الكلمة حلت في المسيح وتدرعته، وهذا الوجه هو الذي يقوله من يزعم أن كلام الله ليس إلا معنى في النفس، ومن يزعم أن الله لم ينزل إلى الأرض كلامًا له في الحقيقة، والغرض هنا الكلام على هؤلاء. [فيقال لهم] (¬1): أما أنتم فضاهيتم النصارى في نفس ما هو ضلال مما خالفوا فيه صريح العقل وكفرهم الله بذلك، بخلاف أهل الإثبات، وذلك يتبين بما ذمه الله تعالى من مذهب النصارى، فإنه سبحانه قال: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} (¬2). وهذا المعنى -هو جعلهم ولدًا لله وتنزيه الله نفسه عن ذلك- مذكور في مواضع من القرآن، كما ذكر قصة مريم ثم قال في آخرها: {ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (¬3)، وقال: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ ¬

_ = انظر: الرد على الجهمية -للإمام أحمد- ص: 124. وسوف ينقل الشيخ -رحمه الله تعالى- عن ابن الزغواني وغيره ما يبين مضاهاة الجهمية للنصارى من بعض الوجوه في ص: 706 فما بعدها. (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬2) سورة التوبة، الآية: 30. (¬3) سورة مريم، الآية: 34، 35. في س: (الله) بدلًا من (لله) وهو سهو من الناسخ.

وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} (¬1) وقال في موضع آخر: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} (¬2) الآية، وقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إلا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (¬3). . . . الآيات. وقال تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إلا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (171) لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} (¬4). . . . الآية. ¬

_ (¬1) سورة مريم، الآيات: 88 - 95. (¬2) سورة المائدة، الآية: 17. (¬3) سورة المائدة، الآيتان: 72، 73. في س: فقدم. بدلًا من: فقد حرم. وهو سهو من الناسخ. (¬4) سورة النساء، الآيتان: 171، 172. وقد ورد في س: بعد قوله (المقربون) قوله: {ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر. . .} الآية.

أصناف النصارى وأقوالهم

فقد ذكر كفر الذين قالوا: إن الله ثالث ثلاثة [في آية] (¬1) ونهى أهل الكتاب عن ذلك في آية أخرى، فهذان موضعان ذكر فيهما التثليث عنهم، وفي موضعين ذكر كفرهم بقولهم: إن الله هو المسيح بن مريم، وأما ذكر الولد عنهم فكثير. واعلم أن من الناس من يزعم أن هذه الأقوال الثلاثة التي ذكرها الله عن النصارى، هي قول الأصناف الثلاثة: اليعقوبية (¬2)، وهم شرهم، وهم السودان من الحبشة والقبط، ثم الملكية (¬3)، وهم أهل الشمال من ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬2) اليعقوبية: فرقة من فرق النصارى، وهم أصحاب يعقوب البرذعاني، راهب بالقسطنطينية، قالوا: بالأقانيم الثلاثة: الوجود، والعلم، والحياة. ثم يعبرون عن الوجود بالأب، وعن العلم بالكلمة، وعن الحياة بروح القدس، لكنهم قالوا: انقلبت الكلمة -أقنوم العلم عندهم- لحمًا ودمًا، فصار الإله هو المسيح، وهو الظاهر بجسده، بل هو هو. وقال بعضهم: ظهر اللاهوت بالناسوت، فصار ناسوت المسيح مظهر الجوهر لا على طريق حلول جزء فيه، ولا على سبيل اتحاد الكلمة التي هي في حكم الصفة، بل صار هو هو. وزعم أكثرهم: أن المسيح جوهر واحد، أقنوم واحد، إلَّا أنه من جوهرين، وربما قالوا: طبيعة واحدة من طبيعتين. فجوهر الإله القديم، وجوهر الإنسان المحدث تركبا تركيبًا، كما تركبت النفس والبدن، فصارا جوهرًا واحدًا، أقنومًا واحدًا. وقالوا: إن مريم ولدت إلهًا، وقالوا في القتل: إنه وقع على الجوهر الذي هو من جوهرين، ولو وقع على أحدهما لبطل الاتحاد، تعالى الله عن قولهم علوًا كبيرًا. انظر: الملل والنحل -للشهرستاني- 1/ 225، 226. والفصل في الملل والأهواء والنحل -لابن حزم- 1/ 49، 50. واعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازي، مع هامشه المرشد الأمين إلى اعتقادات فرق المسلمين والمشركين -لطه عبد الرؤوف ومصطفى الهواري- ص: 131، 132. (¬3) في س، ط: الملكانية.

الشام والروم، ثم النسطورية (¬1). . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = الملكية أو الملكانية: إحدى فرق النصارى، وهم أصحاب "ملكا" الذي ظهر بأرض الروم، واستولى عليها، ويقوم مذهبهم على: أن الكلمة -أقنوم العلم عندهم- اتحدت بالمسيح، وتدرعت بناسوته، ولا يسمون العلم قبل تدرعه ابنًا، بل المسيح مع ما تدرع به ابن، فقال بعضهم: إن الكلمة مازجت لأجسد المسيح كما يمازج الخمر أو الماء اللبن. وصرحت الملكانية بأن الجوهر غير الأقانيم، وأنها كالموصوف والصفة. فقالوا: بإثبات التثليث، وقالوا: إن المسيح ناسوت كلي لا جزئي، وهو قديم أزلي من قديم أزلي، وقد ولدت مريم عليها السلام إلهًا أزليًّا، والقتل والصلب وقع على الناسوت واللاهوت معًا. وأطلقوا لفظ "النبوة" والأبوة على الله -تعالى الله عما يقوله الظالمون علوًا كبيرًا- وعلى المسيح. ولهم ضلالات وترهات فصلها أصحاب المقالات، انظر مثلًا: الملل والنحل -للشهرستاني- 1/ 22، 224. والفصل -لابن حزم- 1/ 48، 49. واعتقادات فرق المسلمين والمشركين -للرازي- ومع المرشد الأمين ص: 131، 132. (¬1) النسطورية: فرقة من فرق النصارى تنسب إلى نسطور الحكيم الذي ظهر في زمن المأمون، وتصرف في الأناجيل بحكم رأيه، وهذه الفرقة غالبة على الموصل والعراق وفارس وخراسان. قالوا: إن الله واحد ذو أقانيم ثلاثة -المتقدمة في اليعقوبية- وهذه الأقانيم ليست زائدة على الذات، ولا هي هو، واتحدت الكلمة بجسد المسيح، لا على طريق الامتزاج -كما قالت "الملكانية"- ولا على طريق الظهور -كما قالت "اليعقوبية"، ولكن كإشراق الشمس في كوة على بلورة- أي: جسم مشف- وكظهور النقش في الشمع إذا طبع بالخاتم. وأما قولهم في القتل والصلب: فيخالف -أيضًا- قول "الملكانية" و "اليعقوبية" فقالوا: إن ذلك وقع على المسيح من جهة ناسوته لا من جهة لاهوته، لأن الإله لا تحله الآلام. إلى غير ذلك من أقوالهم الباطلة -تعالى الله وتقدس عنها- التي ذكرها أصحاب المقالات، انظر: الملل والنحل -للشهرستاني- 1/ 224، 225. والفصل -لابن حزم- 1/ 49. واعتقادات فرق المسلمين والمشركين -للرازي=

قولهم بالحلول والاتحاد

وهم نشؤوا في دولة المسلمين من زمن المأمون، وهم قليل. فإن اليعقوبية: تزعم أن اللاهوت والناسوت (¬1) اتحدا وامتزجا كامتزاج الماء واللبن والخمر، فهما جوهر واحد (¬2)، وأقنوم واحد، وطبيعة واحدة، فصار عين الناسوت عين اللاهوت، وأن المصلوب (¬3) هو عين اللاهوت. والملكية (¬4) تزعم أنهما صارا جوهرًا (¬5) واحدًا له أقنومان، وقيل: أقنوم واحد له جوهران. والنسطورية يقولون (¬6): هما جوهران أقنومان، وإنما اتحدا في المشيئة، وهذان قول من يقول بالاتحاد (¬7). وأما القول بالحلول: فمن المتكلمين كأبي المعالي (¬8) من يذكر ¬

_ = - ص: 132. وانظر ما أجمعت عليه هذه الفرق وما اختلفت فيه، في: الملل والنحل -للشهرستاني- 1/ 226 - 228. وللرد عليها ودحضها يراجع: الفصل -لابن حزم- 1/ 50 - 65. والجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح -لابن تيمية. (¬1) ذكر أبو البقاء في كلياته 4/ 173 عدة إطلاقات على اللاهوت والناسوت فقال: "اللاهوت: الخالق، والناسوت: المخلوق، وربما يطلق الأول على الروح، والثاني على البدن، وربما يطلق الأول -أيضًا- على العالم العلوي والثاني على العالم السفلي. وعلى السبب والمسبب. وعلى الجن والإنس". وانظر: المعجم الفلسفي -لجميل صليبا- 2/ 277. (¬2) في الأصل: واحد جوهر. والمثبت من: س، ط، والملل والنحل 1/ 226. (¬3) في ط: المطلوب. وهو خطأ. (¬4) في س، ط: الملكانية. (¬5) في الأصل: جواهر. والمثبت من: س، ط. (¬6) في الأصل: والنسطور يقول. وفي س: والنسطورية يقول. والمثبت من: ط، والجواب الصحيح 2/ 310، ومنحة القريب المجيب ص: 134. (¬7) في الأصل: بالاتحادية. والمثبت من: س، ط. وهو الموافق للسياق. (¬8) في الإرشاد: ص: 48.

الخلاف في فرقهم الثلاث، منهم من يقول بالاتحاد بالمسيح، ومنهم من يقول بالحلول فيه، فيقول هؤلاء: من الطوائف الثلاثة من يقول (¬1) بالحلول، وأن اللاهوت (¬2) حل في الناسوت، وقالوا: هذا قول الأكثر منهم، فهما جوهران وطبيعتان وأقنومان، كالجسد والروح، وأما من فسر ذلك بظهور اللاهوت في الناسوت، فهذا ليس من هؤلاء. وذكر طوائف من المتكلمين كابن الزاغوني عنهم أنهم جميعًا يقولون بالاتحاد والحلول لكن الاتحاد في المسيح والحلول في مريم، فقالوا: اتفقت طوائف النصارى على أن الله جوهر واحد ثلاثة أقانيم (¬3)، وأن كل واحد من الأقانيم جوهر خاص يجمعها الجوهر العام، وذكروا اختلافًا بينهم (¬4). ثم قالوا: وزعموا أن الجوهر هو الأب، والأقانيم الحياة وهي روح القدس، والعلم القدرة، وأن الله اتحد بأحد الأقانيم (الذي) (¬5) ¬

_ (¬1) في ط: ومنهم من يقول. فأضاف كلمة "منهم". ولا يقتضيها السياق. (¬2) في الأصل: الناهوت. وهو خطأ. والمثبت من: س، ط. (¬3) أقول: وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في كتابه القيم "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح" 3/ 141 - الذي تولى فيه الرد على النصارى، وتشنيع أقوالهم: "إنه ليس في كلام الأنبياء -لا المسيح ولا غيره- ذكر أقانيم لله، لا ثلاثة ولا أكثر، ولا إثبات ثلاث صفات، ولا تسمية شيء من صفات الله، ابنا لله، لا ربًّا، ولا تسمية حياته روحًا، ولا أن لله ابنًا هو إله حق من إله حق من جوهر أبيه، وإنه خالق، كما أن الله خالق، إلى غير ذلك من الأقوال المتضمنة لأنواع من الكفر، لم تنقل عن نبي من الأنبياء". (¬4) الاختلاف ذكره الشيخ -رحمه الله- في المصدر السابق 2/ 309، 310 فقال: "ثم اختلفوا، فقال بعضهم: إن الأقانيم مختلفة في الأقنومية، متفقة في الجوهر. وقال آخرون: ليست مختلفة في الأقنومية، بل متغايرة. وقال فريق منهم: إن كل واحد منها لا هو الآخر، ولا هو غيره، وليست متغايرة ولا مختلفة". (¬5) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والجواب الصحيح 2/ 310.

هو الابن بعيسى بن مريم، وكان مسيحًا عند الاتحاد لاهوتيًّا وناسوتيًّا، حمل وولد ونشأ وقتل وصلب ودفن. ثم ذكروا (¬1) اليعقوبية، والنسطورية، والملكية. قال الناقلون عنهم: واختلفوا في الكلمة الملقاة إلى مريم -عليها السلام- فقال طائفة منهم: إن الكلمة حلت في مريم حلول الممازجة، كما (¬2) يحل الماء في اللبن فيمازجه ويخالطه، وقالت طائفة منهم: إنها حلت في مريم من غير ممازجة، [كما أن شخص الإنسان يحل في المرآة وفي الأجسام الصقيلة من غير ممازجة] (¬3) وزعمت طائفة من النصارى أن اللاهوت مع الناسوت، كمثل الخاتم مع الشمع يؤثر فيه بالنقش ثم لا يبقى منه شيء إلا أثر فيه. ثم ذكر هؤلاء (¬4) عنهم في الاتحاد نحو ما حكى الأولون فقالوا: قد اختلف قولهم في الاتحاد اختلافًا (¬5) متباينًا، فزعم قوم منهم أن الاتحاد هو: أن الكلمة التي هي الابن حلت جسد المسيح، قيل (¬6): وهذا قول الأكثرين منهم، وزعم قوم منهم أن الاتحاد هو: الاختلاط والامتزاج. وقال قوم من اليعقوبية: هو أن كلمة الله انقلبت لحمًا ودمًا بالاتحاد. وقال كثير من اليعقوبية النسطورية: الاتحاد هو أن الكلمة والناسوت ¬

_ (¬1) أي: أبو الحسن بن الزاغوني ومن معه من طوائف المتكلمين. وقد ذكر الشيخ -رحمه الله تعالى- أقوالهم في هذه الفرق، وما بينها من اختلاف في "الجواب الصحيح" 2/ 310. (¬2) كما: كررت في: ط. (¬3) ما بين المعقوفتين ساقط من: س، ط. (¬4) ابن الزاغواني ومن معه. (¬5) في س، ط: اتحادًا. وهو خطأ. وانظر اختلافهم وتباينهم في الاتحاد وما نقله الشيخ عنهم من أقوال في: "التمهيد" -للباقلاني- ص: 87، 88. (¬6) في جميع النسخ: قبل. والمثبت من: الجواب الصحيح- 2/ 311.

اختلطا فامتزجا، كاختلاط الماء بالخمر، والخمر باللبن. وقال قوم منهم: إن الاتحاد هو أن الكلمة والناسوت اتحدا فصارا هيكلًا ومحلًا. وقال قوم منهم: إن (¬1) الاتحاد مثل ظهور صورة الإنسان في المرآة، والطابع (¬2) في المطبوع، مثل الخاتم في الشمع (¬3). وقال قوم منهم: الكلمة اتحدت بجسد المسيح على معنى أنها حلته من غير مماسة ولا ممازجة، كما تقول: إن الله في السماء وعلى العرش من غير مماسة ولا ممازجة. وقال الملكية: الاتحاد هو: أن الاثنين صارا واحدًا، وصارت الكثرة قلة (¬4). فزعم بعض الناس أن الذين قالوا: هو المسيح بن مريم [هم] (¬5) الذين قالوا: اتحدا (¬6) حتى صارا شيئًا واحدًا، والذين قالوا: هما جوهر واحد له طبيعتان، فيقولون: هو ولده بمنزلة الشعاع المتولد عن الشمس، والذين قالوا بجوهرين وطبيعتين وأقنومين مع الرب، قالوا: ثالث ثلاثة، وهذا الذي قاله هؤلاء ليس بشيء، فإن الله أخبر أن النصارى يقولون: إنه ثالث ثلاثة [وإنهم يقولون: إنه الله] (¬7) وإنهم يقولون: إنه ابن الله، وقال لهم: لا تقولوا (¬8): ثلاثة، مع إخباره أن النصارى افترقوا وألقى بينهم العداوة والبغضاء بقوله: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ ¬

_ (¬1) إن: ساقطة من: س، ط. (¬2) أي: كظهور الطابع في المطبوع. (¬3) في س: السمع. وهو خطأ. (¬4) الباقلاني بعد أن ذكر الأقوال السابقة عنهم ناقشها في كتابه "التمهيد" ص: 88 - 92. (¬5) ما بين المعقوفتين زيادة من كتاب "منحة القريب المجيب في الرد على عباد الصليب" لابن معمر ص: 135. (¬6) في الأصل: اتحد. والمثبت من: س، ط. (¬7) ما بين المعقوفتين ساقط من: س، ط. (¬8) في الأصل: لا تقولون. والمثبت من: س، ط.

الاختلاف في قوله تعالى {ولا تقولوا ثلاثة}، وقوله {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة}

وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} (¬1)، وقد ذكر [المفسرون أن] (¬2) هذا إخبار بتفرقهم إلى هذه الأصناف الثلاثة وغير ذلك (¬3). وقد أخبر سبحانه (¬4) عقب قوله {ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} بما يقتضي أن هؤلاء اتخذوه ولدًا بقوله (¬5): {وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ} (¬6). وقد (¬7) ذكر -أيضًا- ما يقتضي أن قولهم: إن الله هو المسيح بن مريم من الشرك، فقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ ¬

_ (¬1) سورة المائدة، الآية: 14. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬3) يقول ابن جرير الطبري في تفسيره 6/ 159 بعد أن ذكر القولين في صفة إغراء الله بينهم العداوة والبغضاء: "وأولى التأويلين في ذلك عندنا بالحق، تأويل من قال: أغرى بينهم بالأهواء التي حدثت بينهم، كما قال إبراهيم النخعي، لأن عداوة النصارى بينهم إنما هي باختلافهم في قولهم في المسيح، وذلك أهواء لا وحي من الله". ونقل القرطبي في تفسيره 6/ 118 عن الربيع بن أنس أن المقصود افتراق النصارى خاصة، لأنهم أقرب مذكور، وذلك أنهم افترقوا إلى اليعاقبة والنسطورية والملكانية، أي: كفر بعضهم بعضًا. ويقول ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" 2/ 33، أي: فألقينا بينهم العداوة والبغضاء لبعضهم بعضًا، ولا يزالون كذلك إلى قيام الساعة، ولذلك طوائف النصارى على اختلاف أجناسهم لا يزالون متباغضين متعادين يكفر بعضهم بعضًا، فكل فرقة تَحْرِم الأخرى ولا تدعها تلج معبدها، فالملكية تكفر اليعقوبية، وكذلك الآخرون، وكذلك النسطورية والآريوسية كل طائفة تكفر الأخرى في هذه الدنيا ويوم يقوم الأشهاد". (¬4) في س: الله سبحانه. (¬5) في الأصل، س: فقوله. والمثبت من: ط، وهو المناسب للسياق. (¬6) سورة النساء، الآية: 171. وقد ورد في الأصل: خير. وهو سهو من الناسخ. (¬7) قد: ساقطة من: س، ط.

الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} (¬1). فهذا يقتضي أن هذا القول من الشرك، وذلك لأنهم مع قولهم: إن الله هو المسيح بن مريم فلا يخصونه بالمسيح، بل يثبتون أن له وجودًا وهو الأب، ليس هو الكلمة التي في المسيح، فإن عبادتهم إياه معه إشراك، وذلك مضموم إلى قولهم (¬2): إنه هو، وقولهم: إنه ولده، وقد نزه الله نفسه عن هذا وهذا في غير موضع من القرآن، نزه نفسه عن الشريك والولد، كما في قوله: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ} (¬3) وقال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} (¬4)، وقال تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ} (¬5) وأيضًا -فهذه الأقوال لا تنطبق على ما ذكر، فإن الذين (¬6) يقولون: إنهما اتحدا وصارا (¬7) شيئًا واحدًا يقولون -أيضًا-: إنما اتحد به (¬8) الكلمة التي هي الابن، والذين يقولون: هما جوهر واحد له ¬

_ (¬1) سورة المائدة، الآية: 72. وقد ورد في ط: المسيح مريم. وهو خطأ. (¬2) في جميع النسخ: قوله. وما أثبته يستقيم به الكلام. (¬3) سورة الإسراء، الآية: 111. (¬4) سورة الفرقان، الآيتان: 1، 2. (¬5) سورة الأنعام، الآية: 100. (¬6) في س: لذين. وهو تصحيف. (¬7) في س: اتخذوا صارا. وهو تصحيف. (¬8) به: ساقطة من: س، ط.

طبيعتان يقولون: إن المسيح إله، وإنه الله، والذين يقولون: إنه حل فيه يقولون: حلت فيه الكلمة التي هي الابن، وهي الله -أيضًا- بوجه آخر، كما سنذكره. وأيضًا -فقوله: {ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} (¬1) ليس المراد به الله، واللاهوت الذي في المسيح، وجسد المسيح، فإن أحدًا من النصارى لا يجعل لاهوت المسيح وناسوته إلهين، ويفصل الناسوت عن اللاهوت، بل سواء قال بالاتحاد أو بالحلول فهو تابع للاهوت. وأيضًا -فقوله عن النصارى: {وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ} (¬2) و {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} (¬3). وقد قيل (¬4): إن المراد به قول النصارى باسم الأب والابن وروح ¬

_ (¬1) سورة المائدة، الآية: 73. (¬2) سورة النساء، الآية: 171. (¬3) سورة المائدة، الآية: 73. (¬4) ذكر بعض المفسرين أن هذا القول اشتهر عن النصارى. يقول ابن جرير الطبري -رحمه الله- في تفسيره 6/ 313: "كانوا فيما بلغنا يقولون: الإله القديم جوهر واحد، يعم ثلاثة أقانيم أبًا والدًا غير مولود وابنًا مولودًا غير واحد، وزوجًا متتبعة بينهما". وقد نقل ابن كثير في تفسيره 2/ 81، عن ابن جرير وغيره أن الطوائف الثلاثة -الملكية واليعقوبية والنسطورية- تقول بهذه الأقانيم. قال: "وهم مختلفون فيها اختلافًا متباينًا. وذكر القرطبي -رحمه الله- في "الجامع لأحكام القرآن" 6/ 249، أن هذه الطوائف تقول: إن الأب والابن وروح القدس إله واحد، ولا يقولون ثلاثة آلهة، وهو معنى مذهبهم، وإنما يمتنعون من العبارة وهي لازمة لهم. ويقول محمد جمال الدين القاسمي، في "محاسن التأويل" 5/ 677، 680: ". . وفي تعاليمهم المدرسية المطبوعة الآن ما نصه: أخص أسرار المسيحية سر الثالوث، وهو إله واحد في ثلاثة أقانيم: الأب، والابن، وروح القدس. والأب هو الله، والابن هو الله، وروح القدس هو الله، وليسوا ثلاثة =

القدس إله واحد، وهو قولهم بالجوهر الواحد الذي له الأقانيم [الثلاثة التي يجعلونها ثلاثة جواهر وثلاثة أقانيم] (¬1)، أي: ثلاث صفات وخواص، وقولهم: إنه هو الله، وابن الله، هو الاتحاد والحلول، فيكون على هذا تلك الآية على قولهم تثليث الأقانيم، وهاتان في قولهم بالحلول والاتحاد، فالقرآن على هذا القول رد في كل آية بعض قولهم، كما أنه على القول الأول في كل آية على صنف منهم. والقول الثاني (¬2): وهو الذي عليه [يدل القرآن] (¬3) أن المراد ¬

_ = آلهة، بل إله واحد موجود في ثلاثة أقانيم متساوين في الجوهر، ومتميزين فيما بينهم بالأقنومية، وذلك لأن لهم جوهرًا واحدًا ولاهوتًا واحدًا وذاتًا واحدة، وليس أحد هذه الأقانيم الثلاثة أعظم أو أقدم أو أقدر من الآخرين، لكون الثلاثة متساوية في العظمة والأزلية والقدرة وفي كل شيء. ما عدا الأقنومية. ولا نقدر أن نفهم جيدًا هذه الحقائق، لأنها أسرار فائقة العقل والإدراك البشري. قال: فانظر إلى هذا التناقض والتمويه، يعترفون بأن الثلاثة آلهة، ثم يناقضون قولهم ينكرون ذلك". وقد نقل -رحمه الله- عن الشيخ: رحمة الله الهندي، في كتابه "إظهار الحق" والماوردي في "أعلام النبوة" ما يبين تناقض هذه الطوائف، وأن مقالتهم هذه مغالطة صرفة لا تقبلها العقول. (¬1) في الأصل: أبو. والمثبت من: س، ط، والمجموع. (¬2) ذكره ابن جرير في تفسيره 6/ 314، وابن الجوزي في "زاد المسير" 2/ 403. ونقل ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" 2/ 81 أن قوله تعالى: {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة} الآية، نزلت في جعلهم المسيح وأمه إلهين مع الله، فجعلوا الله ثالث ثلاثة بهذا الاعتبار، قال السدي: وهي كقوله تعالى في آخر السورة {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ} الآية. قال ابن كثير: وهذا القول هو الأظهر. (¬3) ما بين المعقوفتين بياض في الأصل بقدر كلمتين في بداية السطر. وبقدر أربع كلمات في: س، وبقدر كلمتين في: ط. ولعل ما أثبته يستقيم به الكلام ويناسب السياق. وقد ورد في "منحة القريب المجيب في الرد على عباد =

بذلك جعلهم المسيح إلهًا ولأمه إلهًا مع الله، كما ذكر ذلك في قوله: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} إلى قوله: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} (¬1). . . الآية، ويدل على ذلك قوله: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إلا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ} (¬2) فقوله تعالى: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ}، عقيب (¬3) قوله: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} (¬4)، يدل على أن التثليث الذي ذكره الله عنهم اتخاذ المسيح ابن مريم [وأمه] (¬5) إلهين، وهذا واضح (¬6) على قول (¬7) من حكى عن النصارى أنهم يقولون بالحلول في مريم والاتحاد بالمسيح، وهو أقرب إلى تحقيق مذهبهم وعلى هذا فيكون (¬8) كل آية مما ذكره الله من الأقوال تعم جميع طوائفهم، وتعم -أيضًا- قولهم بتثليث الأقانيم وبالاتحاد والحلول، فتعم أصنافهم وأصناف كفرهم، ليس يختص كل آية ¬

= الصليب" للشيخ عبد العزيز آل معمر: "على صنف منهم، وقيل: إن المراد بذلك جعلهم. . . ". (¬1) سورة المائدة، الآيتان: 116، 117. (¬2) سورة المائدة، الآيات 73 - 75. (¬3) في س، ط: عقب. (¬4) سورة المائدة، الآية: 73. (¬5) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬6) في الأصل: وضح. والمثبت من: س، ط. (¬7) في س: قوله؛ وهو خطأ. (¬8) في ط: فتكون.

بصنف، كما قال من يزعم ذلك، ولا تختص آية بتثليث الأقانيم، وآية بالحلول والاتحاد، بل هو -سبحانه- ذكر في كل آية كفرهم المشترك، ولكن وصف كفرهم بثلاث صفات، وكل صفة تستلزم الأخرى، إثهم يقولون: المسيح هو الله، ويقولون: هو ابن الله، ويقولون: إن الله ثالث ثلاثة، حيث اتخذوا المسيح وأمه إلهين من دون الله، هذا بالاتحاد، وهذا بالحلول، ويبين (¬1) بذلك إثبات ثلاثة آلهة منفصلة (¬2) غير الأقانيم، وهذا يتضمن جميع كفر النصارى، وذلك أنهم يقولون: الإله جوهر واحد له ثلاثة أقانيم، وهذه الأقانيم يجعلونها تارة جواهر وأشخاصًا، وتارة صفات وخواصًا (¬3)، فيقولون: الوجود الذي هو الأب، والابن الذي هو العلم، وروح القدس التي هي الحياة عند متقدميهم، والقدرة عند متأخريهم، فيقولون: موجود هي عالم أو ناطق أو موجود عالم قادر، لكن يقولون -أيضًا-: إن الكلمة التي هي الابن جوهر، وروح القدس -أيضًا- جوهر، وإن المتحد بالمسيح هو جوهر الكلمة دون جوهر الأب وروح القدس، وهذا مما لا نزاع بينهم فيه. ومن هنا قالوا كلهم: المسيح هو الله، وقالوا كلهم: هو ابن الله، لأنه من حيث أن الأب والابن وروح القدس إله واحد [وجوهر واحد] (¬4) وقد اتحد بالمسيح كان المسيح هو الله، ومن حيث أن الأب جوهر، والابن جوهر وروح القدس جوهر، والذي اتحد به هو جوهر الابن الذي ¬

_ (¬1) في س: وبين. وفي ط: فتبين. (¬2) في الأصل، س: ثلاث منفصلة آلهة. والمثبت من: ط، وهو الأقرب للفهم. (¬3) تفرق النصارى واختلافهم في الأقانيم، ذكره الشيخ -رحمه الله- في كتابه "الجواب الصحيح" 2/ 94، 100، 311، 3/ 163، 164. وانظره: في "التمهيد"- للباقلاني ص: 85، 86. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.

هو الكلمة، كان المسيح هو ابن الله عندهم، ولا ريب أن هذين القولين وإن كان كل منهما متضمنًا لكفرهم، كما ذكره الله، فإنهما متناقضان، إذ كونه هو، ينافي كونه ابنه، لكن النصارى يقولون هذا كلهم، ويقولون هذا كلهم، كما ذكر الله ذلك عنهم، ولهذا كان قولهم معلوم التناقض في بديهة العقول عند كل من تصوره، فإن هذه الأقانيم إذا كانت صفات أو خواصًا، وقدر (¬1) أن الموصوف له بكل صفة اسم، كما مثلوه بقولهم: زيد الطبيب (¬2)، وزيد الحاسب، وزيد الكاتب، لكن لا (¬3) يمكن أن بعض هذه الصفات يتحد بشيء دون الجوهر، ولا أن بعض هذه الصفات يفارق بعضًا، فلا يتصور مفارقة بعضها بعضًا، ولا مفارقة شيء منها للموصوف، حتى يقال: المتحد بالمسيح بعض هذه الصفات، وهم لا يقولون ذلك -أيضًا- بل هم متفقون على أنه المتحد به جوهر قائم بنفسه، فإن لم يكن جوهر إلا جوهر الأب، كان جوهر الأب هو المتحد، وإن كان جوهر الابن غيره، فهما جوهران منفصلان، وهم لا يقولون بذلك، والموصوف -أيضًا- لا يفارق صفاته، كما لا تفارقه، فلا يمكن أن يقال: اتحد الجوهر بالمسيح بأقنوم العلم دون الحياة، إذ العلم والحياة لا زمان للذات، لا يتصور أن تفارقهما الذات ولا يفارقهما واحد منهما. ومن هنا قيل: النصارى غلطوا في أول مسألة من الحساب الذي يعلمه كل أحد، وهو قولهم: الواحد ثلاثة، وأما قول بعضهم: أحديّ ¬

_ (¬1) في س: وقد. وهو تصحيف. (¬2) في الأصل: الطيب. والمثبت من: س، ط. وقد ذكر الشيخ -رحمه الله- أن هذا القول قال به يحيى بن عدي وغيره، من النصارى اعتذارًا لهم. انظر: الجواب الصحيح -لابن تيمية- 2/ 118. (¬3) لا: ساقطة من: س.

الذات ثلاثي الصفات (¬1)، فهم لا يكتفون بذلك كما تقدم، بل يقولون: الثلاثة جواهر والمتحد بالمسيح واحد منها (¬2) دون الآخر (¬3)، وبهذا يتبين أن كل من أراد أن يذكر قولهم على وجه يعقل فقد قال الباطل، كقول المتكايسين (¬4) منهم: هذا كما تقول: زيد الطبيب (¬5)، وزيد الحاسب، وزيد الكاتب، فهم ثلاثة رجال باعتبار الصفات، وهم رجل واحد باعتبار الذات فإنه يقال: من يقول هذا لا يقول: بأن زيدًا الطبيب (¬6) فعل ¬

_ (¬1) شيخ الإسلام -رحمه الله- ناقش قولهم هذا في كتابه: "الجواب الصحيح" 3/ 167، فقال: "لو اقتصرتم على قولكم: إنه واحد وله صفات متعددة، لم ينكر ذلك عليكم جمهور المسلمين، بل ينكرون تخصيص الصفات بثلاث، فإن هذا باطل من وجوه: منها: أن الأب عندكم هو الجوهر ليس هو صفة، فلا يكون له صفة إلا الحياة والعلم، فيكون جوهرًا واحدًا له أقنومان، وأنتم جعلتم ثلاثة أقانيم. ومنها: أن صفات الرب لا تنحصر في العلم والحياة، بل هو موصوف بالقدرة وغيرها. ومنها: أنكم تارة تفسرون روح القدس بالحياة، وتارة بالقدرة، وتارة بالوجود. وتفسرون الكلمة تارة بالعلم، وتارة بالحكمة، وتارة بالكلام، فبطلان قولكم في إثبات ثلاث صفات كثير، وأنتم -مع هذا- تجعلون كل واحدة منها إلهًا. فتجعلون الحياة إلها، والعلم إلهًا، وهذا باطل". (¬2) في الأصل: منهما. والمثبت من: س، ط. ولعله المناسب للسياق. (¬3) في ط: الآخر. (¬4) الكيس: العقل. والكيس: العاقل. والمعنى: العقلاء منهم. انظر: لسان العرب -لابن منظور- 6/ 201 (كيس). والمقصود: يحيى بن عدي وغيره من النصارى ممن أراد أن يعتذر عنهم ويظهر قولهم على وجه يعقل. وتقدمت الإشارة إليه قريبًا. (¬5) في الأصل: الطيب. والمثبت من: س، ط. (¬6) في الأصل: زيد الطيب. وفي س: زيد الطبيب. والمثبت من: ط. وهو=

كذا، أو اتحد بكذا، أو حل به دون زيد الحاسب والكاتب، بل أي شيء فعله أو وصف به زيدًا الطبيب (¬1) في هذا المثال هو الموصوف به زيد الكاتب الحاسب (¬2). والنصارى يثبتون هذا المثلث في الأقانيم مع قولهم: إن المتحد هو الواحد، فيجعلون المسيح هو الله، لأنهم يقولون: [الموصوف اتحد به، ويجعلونه (¬3) هو ابن الله، لأنهم يقولون:] (¬4) إنما اتحد به الجوهر الذي هو الكلمة، أو إنما اتحد به الكلمة دون الأب الذي هو الوجود، و (¬5) دون روح القدس، وهما -أيضًا- جوهران، فقد تبين أن قول النصارى بهذا وبهذا جمع بين النقيضين، وهو من أفسد شيء في بدائه (¬6) العقول، وكل منها كفر كما كفرهم الله، وأما قولهم: ثالث ثلاثة، فإنهم ذلك يعبدون الأم التي هي والدة الإله عندهم، وهذا كفر ¬

_ = الصواب. (¬1) في الأصل: الطيب. والمثبت من: س، ط. (¬2) علق الشيخ الفاضل عبد العزيز بن حمد آل معمر -رحمه الله- في كتابه "منحة القريب المجيب في الرد على عباد الصليب" ص: 141، بعد نقله لكلام الشيخ السابق بقوله: "قلت: ونظير هذا المثل ما قاله بعضهم: إنك إذا فرضت مثلثًا متساوي الأضلاع كانت الأضلاع ثلاثة، والمثلث واحد، وكان للمثلث الواحد ثلاثة أضلاع، وهذا من نمط ما قبله في الفساد، وذلك أن كل واحد من الأضلاع على انفراده ليس هو المثلث المفروض، بل إن اعتبرت الأضلاع الثلاثة شيئًا واحدًا انتفى التثليث، لأن الواحد لا يكون ثلاثة، وإن اعتبر أحد الأضلاع على انفراده انتفت الوحدة، فالجمع بينهما جمع بين النقيضين". (¬3) في الأصل: يجعلون. والمثبت من: ط. ولعله المناسب للسياق. (¬4) ما بين المعقوفتين ساقط من: س. (¬5) الواو ساقطة من: س. (¬6) في الأصل، ط: بداية. والمثبت من: س. ولعله الصواب.

مضاهاة القائلين بأن الكلام معنى واحد قائم بذات الرب للنصارى

آخر مستقل بنفسه غير تثليث الأقانيم والاتحاد (¬1) بالمسيح، فالقرآن يتناول جميع أصناف كفرهم في هذا الباب تناولًا تامًّا. والمقصود هنا التنبيه على مضاهاة (¬2) الجهمية لهم دون تفصيل الكلام عليهم، والجهمية الغلاط يضاهئونهم (¬3) مضاهاة عظيمة، لكن المقصود هنا ذكر مضاهاة هؤلاء الذين يقولون: الكلام معنى واحد قائم بذات الرب، فيقال: أنتم قلتم: الكلام معنى واحد لا ينقسم ولا يختلف، وهذا المعنى الواحد هو بعينه أمر ونهي وخبر، فجعلتهم الواحد ثلاثة، وجعلتم الواحد الذي لا اختلاف فيه ثلاث حقائق مختلفة، وهذا مضاهاة قوية لقول النصارى: الرب إله واحد جوهر واحد، وهو مع ذلك ثلاثة (¬4) جواهر، فجعلوه واحدًا، وجعلوه (¬5) ثلاثة، ثم قلتم هذا الكلام الذي هو واحد، وهو أمر ونهي وخبر، ينزل تارة فيكون أمرًا، وتارة فيكون خبرًا، وتارة فيكون نهيًا، وإذا نزل فكان أمرًا لم يكن خبرًا، وإذا نزل فكان خبرًا لم يكن أمرًا، فإنه إذا أنزله الله فكان آية الكرسي، وهي خبر، لم يكن آية الدين التي هي أمر، وهذا لعله من أعظم المضاهاة لقول (¬6) النصارى: إن الجوهر الواحد الذي هو ثلاثة جواهر ثلاثة أقانيم، إذا اتحد فإنما يكون كلمة وابنًا، لا يكون أبًا ولا روح قدس، فإن هؤلاء كما جعلوا الشيء الذي هو واحد، يتحد ولا يتحد، يتحد من جهة كونه كلمة، ولا يتحد من كونه وجودًا، ¬

_ (¬1) في الأصل: الإلحاد. والمثبت من: س، ط. وهو المناسب للسياق. (¬2) في س: مضاة. وهو تحريف. (¬3) في س، ط: يضاهونهم. (¬4) في الأصل: ثلاث. والمثبت من: س، ط. وهو الصواب. (¬5) في ط: أو جعلوه. وهو خطأ. (¬6) في س، ط: كقول.

جعل (¬1) أولئك الذي هو كلام واحد، ينزل لا ينزل، ينزل من جهة كونه أمرًا، لا ينزل من جهة كونه خبرًا. وأيضًا -فإنهم ضاهوا النصارى في تحريف مسمى الكلمة والكلام، فإن المسيح سمي كلمة الله، لأن الله خلقه بكلمته "كن فيكون" كما يسمى متعلق الصفات بأسمائها، فيسمى المقدور قدرة، والمعلوم علمًا، وما يرحم به رحمة، والمأمور به أمرًا، وهذا كثير قد بسطناه في غير هذا الموضع (¬2)، لكن هذه الكلمة تارة يجعلونها صفة لله، ويقولون: هي العلم، وتارة يجعلونها جوهرًا قائمًا بنفسه، وهي المتحد بالمسيح، وهؤلاء حرفوا مسمى الكلام، فزعموا أنه ليس إلّا مجرد المعنى، وأن ذلك المعنى ليس هو العلم، ولا الإرادة، ولا ما هو من جنس ذلك، ولكن هو شيء واحد، وهو حقائق مختلفة، لكن ليس في المسلمين من يقول: الكلام جوهر قائم بنفسه، إلّا ما يذكر عن النظام (¬3) أنه قال: الكلام الذي هو الصوت جسم من الأجسام. وأيضًا -فهم في لفظ القرآن الذي هو (¬4) حروف (¬5) واشتماله على المعنى، لهم مضاهاة قوية بالنصارى في جسد المسيح، الذي هو متدرع للاهوت، فإن هؤلاء متفقون على أن حروف القرآن ليست من كلام الله، بل هي مخلوقة، كما أن النصارى متفقون على أن جسد المسيح لم يكن ¬

_ (¬1) في جميع النسخ: اجعل. ولعل ما أثبته يستقيم به الكلام. (¬2) الشيخ -رحمه الله- بسط الكلام على هذه المسألة في بعض رسائله فقال: ". . فبينت في بعض رسائلي: أن الأمر وغيره من الصفات يطلق على الصفة تارة وعلى متعلقها أخرى. . ". مجموع الفتاوى 6/ 18. (¬3) تقدم التعريف به. وانظر رأيه هذا في "مقالات الإسلاميين" للأشعري 1/ 267، 268. (¬4) هو: ساقطة من: س، ط. (¬5) في س، ط: حروفه.

من اللاهوت، بل هو مخلوق، ثم يقولون: المعنى القديم لما أنزل (¬1) بهذه الحروف المخلوقة، فمنهم من يسمي الحروف كلام الله حقيقة، كما يسمي المعنى كلام الله حقيقة، ومنهم من يقول: بل هي كلام الله مجازًا، كما أن النصارى منهم من يجعل (¬2) لاهوتًا حقيقة لاتحاده باللاهوت واختلاطه به، ومنهم من يقول: هو محل اللاهوت ودعاؤه، ثم النصارى تقول: هذا الجسد إنما عبد لكونه مظهر اللاهوت وإن لم يكن هو إياه، ولكن صار هو إياه بطريق الاتحاد، وهو محله بطريق الحلول، فعظم ذلك (¬3)، وهؤلاء يقولون: هذه الحروف ليست من كلام الله ولا يجوز أن يتكلم الله بها، ولا يكلم بها، بل لا يدخل في قدرته أن يتكلم بها، ولكن خلقها فأظهر بها المعنى القديم ودل بها عليه، فاستحقت الإكرام والتحريم لذلك، حيث يدخل في حكمه، بحيث لا يفصل بينهما، أو يفصل بأن يقال: هذا مظهر هذا [و] (¬4) دليله، وجعلوا ما ليس هو كلام الله، ولا تكلم الله به قط كلامًا لله، معظمًا تعظيم كلام الله كما جعلت النصارى الناسوت الذي ليس هو بإله قط، ولا هو الكلمة، إلها وكلمة، وعظموه تعظيم الإله الذي هو كلمة الإله (¬5) عندهم، ومنها أن النصارى على ما حكى عنهم المتكلمون، كابن الباقلاني (¬6) أو غيره (¬7) ينفون الصفات، ويقولون: إن الأقانيم التي هي الوجود والحياة والعلم، هي خواص، هي صفات نفسية للجوهر، ¬

_ (¬1) في س: أنزله. (¬2) كذا في جميع النسخ. ولعل يجعله أنسب للسياق. (¬3) في س، ط: كذلك. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬5) في س، ط: الله. (¬6) في التمهيد- ص: 79 - 87. (¬7) كالجويني في "الإرشاد" ص: 47، 48.

ابن الزاغواني ومن وافقه قالوا ما هو ظاهر الفساد في مقابلة هؤلاء

ليست صفات زائدة على الذات، ويقولون: إن الكلمة هي العلم، ليس هي كلام الله، فإن كلامه صفة فعل، وهو مخلوق، فقولهم في هذا كقول نفاة الصفات من الجهمية المعتزلة وغيرهم، وهذا يكون قول بعضهم ممن خاطبه متكلموا الجهمية من النسطورية وغيرهم، وممن تفلسف منهم على مذهب نفات الصفات من المتفلسفة ونحو هؤلاء، وإلا فلا ريب أن النصارى مثبتة للصفات، بل غالية في ذلك، كما أن اليهود -أيضًا- فيهم المثبتة والنفاة. والمقصود هنا أن تسميتهم للعلم كلمة، ودون الكلام الذي هو الكلام، ثم ذلك العلم ليس هو أمرًا (¬1) معقولًا، كما تعقل الصفات القائمة بالموصوف، ضاهاهم في هؤلاء الذين يقولون: الكلام هو ذلك المعنى القائم بالنفس، دون الكلام الذي هو الكلام [ثم ذلك المعنى ليس هو المعقول من معاني الكلام، فحرفوا اسم الكلام] (¬2) ومعناه، كما حرفت النصارى اسم الكلمة ومعناها، وهذا الذي ذكرته من مضاهاة هؤلاء النصارى من بعض الوجوه رأيت بعد ذلك الناس قد نبهوا على ذلك. قال أبو الحسن بن الزاغوني (¬3) في مسألة وحدة الكلام: دليل آخر يقال لهم: ما الفرق بينكم في قولكم: إن الأمر والنهي اثنان وهما واحد، والقول بذلك قول صحيح غير مناف للصحة والإمكان، وبين من قال: إن الكلمة والناسوت واللاهوت ثلاثة واحد؟ فإن هذا مما اتفقنا على قبحه شرعًا وعقلًا، من جهة أن الكلمة (¬4) غير الناسوت واللاهوت، وكذلك الآخران صفة ومعنى، كما أن الأمر يخالف النهي صفة ومعنى. ¬

_ (¬1) في س: أمر. وهو خطأ. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬3) لم أقف على هذا النقل، وما بعده من نقول عن أبي الزاغوني. (¬4) في الأصل: الكلام. والمثبت من: س، ط. ولعله المناسب.

قال: وهذا مما لا محيد لهم عنه، ولا انفصال لهم منه، إلا بزخارف عاطلة عن صحة لا يصلح مثلها أن يكون شبهة يوقف (¬1) معها. وقد قال ابن الزاغوني قبل ذلك: لو جاز أن يقال: إن عين الأمر هو النهي، مع كون الأمر يخالف النهي في وضعه ومعناه، فإن الأمر استدعاء الفعل، والنهي استدعاء الترك، وموضوع الأمر إنما يراد منه [تحصيل ما يراد بطريق الوجوب أو الندب، وموضوع النهي براد منه] (¬2) مجانبة ما يكره، إما بطريق التحريم أو الكراهة والتنزيه، وما يدخل تحت الأمر يقتضي الصحة، وما يدخل تحت النهي يقتضي الفساد، إما بنفسه، أو بدليل يتصل به [أو ينفصل عنه، وكذلك من المحال أن يقتضي النهي الصحة، إما بنفسه، أو بدليل يتصل به] (¬3) ولو قال قائل: إن المنهي (¬4) عنه نهي عنه لكونه محبوبًا عند الناهي عنه، والمأمور به أمر به لكونه مبغوضًا (¬5) عند الآمر به، لكان هذا قولًا باطلًا يشهد العقل بفساده، ويعرف جري العادة على خلافه، وهذا يوجب أن يكون الأمر في نفسه وغيره (¬6)، غير النهي بنفسه وعينه، ولو ادعى مدع أن ذلك مقطوع به غير مسوغ حصوله لكان ذلك جائزًا ممكنًا. قلت: ما ذكره من فساد هذا القول هو كما ذكره، لكن يقال له ولمن وافقه: وأنتم أيضًا-[قد] (¬7) قلتم في مقابلة هؤلاء ما هو في الفساد ظاهر كذلك. ¬

_ (¬1) في س، ط: توقف. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬4) في الأصل، س: النهي. والمثبت من: ط. ولعله المناسب. (¬5) في الأصل: مقبوضًا. وهو تحريف. والمثبت من: س، ط. (¬6) في الأصل، س: وتعينه. والمثبت من: ط. ولعله المناسب. (¬7) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.

قال ابن الزاغوني (¬1) في مسألة الحرف (¬2) والصوت قالوا: إذا قلتم: إن القرآن صوت ندركه بأسماعنا، والذي ندركه بأسماعنا عند تلاوة التالي، إنما هو صوته الذي يحدث عنه، وهو عرض وجد بعد عدمه (¬3)، وعدم بعد وجوده، وهو مما (¬4) يقوم به، ويتقدر بقدر حركاته، فإن قلتم: هذا هو القديم، فنقول لكم: هذا هو صوت الله، فإن قلتم: نعم، فهذا محال (¬5)، لأنا نعلمه ونتحقق صوت القارئ، وإن قلتم: إنه صوت القارئ، فقد أقررتم بأنه محدث، وهو خلاف قولكم. قال: قلنا: قولكم إن الصوت الذي ندركه بأسماعنا عند تلاوة التالي للقرآن، إنما هو صوته الذي يحدث عنه على ما ذكرتم، هو دعوى مسألة الخلاف، بل نقول: إن هذا الذي ندركه بأسماعنا عند تلاوة التالي، هو الكلام القديم، فلا نسلم لكم ما قلتم، وما ذكرتموه من العدم، والوجود بعد العدم، والفناء بعد الوجود، ليس الأمر كذلك، بل نقول: إنه ظهر عند حركات التالي بآلاته (¬6) في محل قدرته، فأما عدمه قبل وبعد فلا، وأما قولكم: إنه يتقدر بحركاته، فقد أسلفنا الجواب عنه، وأما سؤالكم لنا: هل هذا الذي نسمعه صوت الله تعالى أم ¬

_ (¬1) في هامش س: قوله: "كلام ابن الزاغوني -رحمه الله تعالى- في الصوت المسموع من القارئ". (¬2) في س، ط: الحروف. يقول الذهبي -رحمه الله- في "سير أعلام النبلاء- 19/ 607: "ورأيت لأبي الحسن بخطه مقالة في الحرف والصوت عليه فيها مآخذ، والله يغفر له، فيا ليته سكت". (¬3) في الأصل: بعدمه. وهو خطأ. والمثبت من: س، ط. (¬4) في الأصل: كما. والمثبت من: س، ط. ولعله المناسب لسياق الكلام. (¬5) في الأصل: محالًا. وهو خطأ. والمثبت من: س، ط. (¬6) في الأصل: بالآية. وهو خطأ والمثبت من: س، ط.

صوت الآدمي؟ فقد ذكر أصحابنا في هذا جوابين: أحدهما: لما قلنا: إن [ما] (¬1) يظهر عند حركات آلات الآدمي في محل قدرته من الأصوات، فإنما هو القرآن الذي هو كلام الله، وليس هو بالعبد، ولا منه، ولا مضاف (¬2) إليه على طريق التولد والانفعال ونتائج العقل، وإنما يضاف إلى الله تعالى بقدر ما توجبه (¬3) الإضافة، والذي توجبه الإضافة أن يكون قرآنًا وكلامًا لله، وقد اتفقنا أن القرآن الذي هو كلام الله قديم غير مخلوق، فوجب لذلك أن نقول (¬4): إن ما يصل إلى السمع هو صوت الله تعالى، لأنه لا فعل للعبد فيه، وهو جواب حسن مبني على هذا الأصل الذي ثبت بالأدلة الجلية القاطعة. والجواب الثاني: أنهم قالوا: لما جرت العادة أن زيادة الأصوات تكثر عند كثرة الاعتمادات، وقد يختلف الناس في الأداء، فمنهم من يقول: القرآن على وجه لا زيادة فيه، بل هو كاف في إيصاله إلى السمع على وجه، فإن نقص لم يصل، وإن زاد أكثر منه وصل عما يحتاج إليه، إما في رفع الصوت، وإما في الأداء من المد والهمز والتشديد، إلى غير ذلك من حلية التلاوة، وتصفية الأداء بالقوة والتحسين، فما لا غنى عنه في تحصيل الاستماع وتكملة الفهم فذلك (¬5) هو القديم، وما قارنه مما اقتضى الزيادة في ذلك مما لو أسقط لما أثر في شيء مما يحتاج إليه من الاستماع والفهم، فذلك مضاف إلى العبد، فهذا يبين أنه اقترن القديم ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة غير واردة في النسخ لعل الكلام يستقيم بها. وقد ورد في ط: ما قلنا: إنه ظهر. . (¬2) في س، ط: ولا هو مضاف. (¬3) في الأصل، س: يوجبه. والمثبت من: ط. (¬4) في الأصل، س: يقول. والمثبت من: ط. (¬5) في الأصل: وذلك. والمثبت من: س، ط.

دعوى أن الصوت المسموع من العبد أو بعضه هو صوت الله، أو هو قديم بدعة منكرة

بالمحدث على وجه يعسر تمييزه إلا (¬1) بعد التلفظ والتأني (¬2) في التدبر، ليصل بذلك إلى مقام الفهم والتبيين (¬3) لما ذكرناه، وهو عند الوصول إليه مضى (¬4) العقل بتحصيل مطلوبه. قلت: دعوى أن هذا الصوت المسموع من العبد أو بعضه، هو صوت الله، أو هو قديم، بدعة منكرة (¬5)، مخالفة لضرورة العقل، لم يقلها أحد من أئمة الدين، بل أنكرها جمهور المسلمين، من أصحاب الإمام أحمد وغيره، وإنما قال ذلك شرذمة قليلة من الطوائف وهي (¬6) أقبح وأنكر من قول الذين قالوا: لفظنا بالقرآن غير مخلوق، فإن أولئك لم يقولوا: صوتنا، ولا قالوا: قديم، ومع هذا فقد اشتد نكير الإمام ¬

_ (¬1) في الأصل: إلى. وهو خطأ. والمثبت من: س، ط. (¬2) في الأصل: الثاني. وهو خطأ. والمثبت من: س، ط. (¬3) في س، ط: التبين. (¬4) في ط: يمضي. (¬5) بين الشيخ -رحمه الله- في مجموع الفتاوى 6/ 526، 527 أن القول بأن أصوات العباد بالقرآن أو ألفاظهم، قديمة أزلية من البدع المحدثة التي هي أظهر فسادًا من غيرها، والسلف -رحمهم الله- من أبعد الناس عن هذا القول، والعقل الصريح يعلم أن من جعل أصوات العباد قديمة أزلية، كان قوله معلوم الفساد بالضرورة. ثم بين -رحمه الله- أن أصل هذا تنازعهم في مسألة اللفظ، وأن المنصوص عن الإمام أحمد وغيره أن من قال: إن اللفظ بالقرآن والتلاوة مخلوقة فهو جهمي، ومن قال: إنه غير مخلوق فهو مبتدع، لأن اللفظ والتلاوة يراد به "الملفوظ والمتلو" وذلك هو كلام الله، فمن جعل كلام الله الذي أنزله على نبيه مخلوقًا فهو جهمي. ويراد بذلك "المصدر وصفات العباد" فمن جعل أفعال العباد وأصواتهم غير مخلوقة، فهو مبتدع ضال. (¬6) في س: من: وهو خطأ.

أحمد عليهم، وتبديعه لهم (¬1)، وقد صنف الإمام أبو بكر المروذي -صاحبه- في ذلك مصنفًا (¬2)، جمع فيه مقالات علماء الوقت، من أهل الحديث والسنة من أصحاب أحمد وغيرهم على إنكار ذلك، وقد ذكر ذلك أبو بكر الخلال في كتاب السنة (¬3)، وهذا الذي ذكره ابن الزاغوني ¬

_ (¬1) انظر إنكار الإمام أحمد -رحمه الله- وتبديعه للفظية في: السنة -لعبد الله بن أحمد بن حنبل- ص: 28 - 30. (¬2) ذكر الشيخ -رحمه الله- في الفتاوى 12/ 238: أن أبا بكر المروذي -أخص أصحاب الإمام أحمد به- صنف في ذلك رسالة كبيرة مبسوطة، ونقلها عنه أبو بكر الخلال في كتاب "السنة" الذي جمع فيه كلام الإمام وغيره من أئمة السنة في أبواب الاعتقاد، وكان بعض أهل الحديث إذ ذاك أطلق القول: بأن لفظي بالقرآن غير مخلوق، معارضة لمن قال: لفظي بالقرآن مخلوق، فبلغ ذلك الإمام أحمد -رحمه الله- فأنكر ذلك إنكارًا شديدًا. وانظر نحوه في "درء تعارض العقل والنقل" لابن تيمية- 2/ 312، 313. (¬3) انظر: المسند من مسائل أبي عبد الله أحمد بن حنبل، رواية أبي بكر الخلال "السنة"- مخطوط- اللوحة- 190 - 202. فقد ضمن -رحمه الله- هذه الورقات ما أخبر به أبو بكر المروذي وغيره عن عدد من العلماء من أصحاب أحمد وغيره- ممن أنكر على من قال: لفظي بالقرآن مخلوق أو غير مخلوق. من ذلك أنه قال -رحمه الله- في اللوحة رقم 200: "أخبرنا أبو بكر المروذي قال: سمعت عبد الله بن أيوب المخرمي يقول: القرآن كلام غير مخلوق، ومن قال: إنه مخلوق فقد أبطل الصوم والحج والجهاد وفرائض الله، ومن أبطل واحدة من هذه الفرائض فهو كافر بالله العظيم، ومن قال: لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي ومن قال: إن لفظي بالقرآن غير مخلوق فهو ضال مبتدع، أدركت ابن عيينة، يحيى بن سليم، ووكيع بن الجراح، وعبد الله بن نمير، وجماعة من علماء الحجاز والبصرة والكوفة، ما سمعت أحدًا منهم قال: لفظي بالقرآن مخلوق، ولا غير مخلوق، وقد صح عندنا أن أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل نهى أن يقال: لفظي بالقرآن غير مخلوق، فمن خالف ما قال أبو عبد الله فقد صحت بدعته". وفي اللوحة رقم 201 قال: "أخبرنا أبو بكر المروزي قال: سمعت أبا بكر =

عن أصحابه، إنما هم أتباع القاضي أبي يعلى في ذلك، فإن هذا تصرف القاضي والله يغفر له، وقد كان ابن حامد يقول: إن لفظي بالقرآن غير مخلوق على ما ذكره (¬1) عنه، والقاضي أنكر هذا، كما ثبت إنكاره عن أحمد وذهب في إنكار ذلك إلى ما ذهب إليه الأشعري (¬2) وابن الباقلاني (¬3) وغيرهم، أنهم كرهوا أن يقال: لفظت بالقرآن، وأن القرآن لا يلفظ، قالوا: لأن القديم لا يلفظ، إذ اللفظ هو الطرح والرمي، ولكن يتلى ويقرأ (¬4)، فإن الأشعري لما ذكر في مقالة أهل السنة أنهم منعوا أن يقال: لفظي بالقرآن مخلوق أو غير مخلوق (¬5)، وكان هو وأئمة أصحابه منتسبين إلى الإمام أحمد خصوصًا، وإلى غيره من أهل الحديث عمومًا في السنة والإنكار على الطائفتين كما اشتهر عن الإمام أحمد، وطائفة من (¬6) الأئمة في زمانه وافقوه (¬7) على ذلك وفسروه بكراهة لفظ القرآن [و] (¬8) وافقهم القاضي أبو يعلى في ذلك، ثم إن القاضي وأتباعه يقولون أبلغ من قول من قال: لفظي بالقرآن غير مخلوق، وأولئك يقولون أبلغ من قول من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، مع دعوى ¬

_ = محمد بن إسحاق الصاغاني يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق، فمن قال: إنه مخلوق فهو كافر، ومن قال: لفظى بالقرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال: إن لفظي بالقرآن غير مخلوق فهو مبتدع، ما لقول إلا قول أبي عبد الله، فمن خالفه فنحن نهجره ولا نكلمه". (¬1) في س، ط: ذكر. (¬2) في مقالات الإسلاميين 1/ 346. (¬3) في الإنصاف ص: 106. (¬4) في س، ط: أو يقرأ. (¬5) مقالات الإسلاميين -للأشعري- 1/ 346. (¬6) في الأصل، س: عليه. والمثبت من: ط. ولعله المناسب لسياق الكلام. (¬7) في الأصل، س: وافقوهم. والمثبت من: ط. ولعله المناسب للسياق. (¬8) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.

الوجه السابع والسبعون: أنه قد اشتهر بين علماء الأمة وعامتهم أن حقيقة قولهم أن القرآن ليس كلام الله

الطائفتين اتباع أحمد، وقد صنف الحافظ أبو الفضل محمد بن ناصر (¬1) المشهور وكان في عصر أبي الحسن بن الزاغوني الفقيه، وفي بلده -مصنفًا يتضمن إنكار قول من يقول: إن المسموع صوت الله، وأبطل ذلك بوجوه (¬2) متعددة وكان ما قام به في ذلك المكان والزمان قيامًا بغرض رد هذه البدعة وإنكارها وهو من أعيان أصحاب الإمام أحمد وعلمائهم، ومن أعلم علماء وقته بالحديث والآثار. الوجه السابع والسبعون: أنه قد اشتهر بين علماء الأمة وعامتها أن حقيقة قول هؤلاء: إن القرآن ليس كلام الله، وهو كما اشتهر بين الأمة، وذلك أنهم يصرحون بأن حروف القرآن لم يتكلم الله بها بحال، فهذا إقرار منهم بأن نصف مسمى القرآن، وهو لفظه ونظمه وحروفه لم يتكلم الله بها، فلا يكون كلامه، وإن كان قد قال بعض متأخريهم: إنها تسمى كلامًا (¬3) حقيقة، فهم بين أمرين، إن أقروا بأنها كلام الله حقيقة، مع كونها مخلوقة في غيره، بطل أصلهم الذي أفسدوا به قول المعتزلة: إن الكلام إذا قام ¬

_ (¬1) هو: أبو الفضل محمد بن ناصر بن محمد بن علي بن عمر البغدادي، الحنبلي، المعروف بالسلامي، محدث العراق في عصره، روى عنه خلق كثير، كابن عساكر، وابن السمعاني، وابن الجوزي وغيرهم. توفي سنة 550 هـ. يقول ابن رجب: له جزء في الرد على من يقول: إن صوت العبد بالقرآن غير مخلوق. انظر: المنتظم لابن الجوزي- 10/ 162، 163. ووفيات الأعيان -لابن خلكان- 4/ 293، 294. والذيل على طبقات الحنابلة -لابن رجب- 1/ 225 - 229. وهدية العارفين -للبغدادي- 2/ 92. ومعجم المؤلفين -لكحالة- 12/ 72. (¬2) في الأصل: وجوه. وهو تصحيف، والمثبت من: س، ط. (¬3) في الأصل، س: كلام. والمثبت من: ط. وهو الصواب.

بمحل، كان كلامًا لذلك المحل، لا (¬1) لمن أحدثه وأما المعاني فإنهم يزعمون أن ليس كلام الله إلّا معنى واحدًا (¬2)، هو الأمر بكل شيء، والنهي عن كل شيء، والخبر عن كل شيء، وهذا معلوم الفساد بالضرورة بعد تصوره، وهو مستلزم بأن يكون (¬3) معاني القرآن ليست كلام الله -أيضًا- إذا (¬4) كان هذا الذي ادعوه لا يجوز أن يكون له حقيقة، فضلًا عن أن يكون صفة لموصوف، أو يكون كلامًا. فتبين أن الله لم يتكلم عندهم بالقرآن لا بحروفه ولا بمعانيه، وهذا أمر قاطع لا مندوحة لهم عنه. وينضم إليه -أيضًا- أن القرآن المنزل حروفه ومعانيه هم يصرحون -أيضًا- بأنها ليست كلام الله، فظهر أنهم يقولون: إن القرآن ليس كلام الله. وأما الجهمية المحضة كالمعتزلة، فهم وإن كانوا يقولون: إن القرآن مخلوق، فأكثرهم يطلقون القول: بأن القرآن كلام الله، لكن حقيقة قولهم يعود إلى أنه ليس بكلام الله، كما يعترف بذلك حذاقهم عند التحقيق، من أن الله لم يتكلم ولا يتكلم، أو يقولون: الإخبار عنه بأنه متكلم مجازًا لا حقيقة (¬5)، فهؤلاء المعطلة لتكلم الله في الحقيقة أعظم من أولئك (¬6)، لكن تظاهر هؤلاء بأن القرآن كلام الله أعظم من تظاهر أولئك. وبذلك يتبين أن نفي الكلام عن الله على قول هؤلاء المعتزلة أوكد ¬

_ (¬1) في الأصل: إلا. والمثبت من: س، ط. ولعله المناسب للكلام. (¬2) في ط: واحد. (¬3) في ط: لأن تكون. (¬4) في س، ط: إذا. (¬5) انظر: شرح الأصول الخمسة -للقاضي عبد الجبار- ص: 528 - 563. ومقالات الإسلاميين -للأشعري- 2/ 256، 257. (¬6) الكلابية والأشاعرة.

الوجه الثامن والسبعون: أن أئمة الطوائف قالوا: إن قول ابن كلاب والأشعري في القرآن والكلام قول مبتدع

وأقوى، ونفي كون القرآن كلام الله على قول أولئك هو أظهر وأبين، لكن (¬1) عند التحقيق فأولئك -أيضًا- يقولون ذلك -أيضًا- فهم أعظم إلحادًا في الحقيقة في أسماء الله وآياته، وأولئك أسخف (¬2) قولًا. الوجه الثامن والسبعون: إنه ما زال أئمة الطوائف، طوائف الفقهاء وأهل الحديث، وأهل الكلام يقولون: إن هذا القول الذي قاله ابن كلاب والأشعري في القرآن والكلام، من أنه معنى قائم بالذات، وأن الحروف ليست من الكلام، قول مبتدع، مخالف لأقوال سلف الأمة وأئمتها، مسبوق بالإجماع على خلافه، حتى الذين يحبون الأشعري ويمدحونه بما كان منه من الرد على أهل البدع والكبار، من المعتزلة والرافضة ونحوهم، ويذبون عنه عند من يذمه ويلعنه، ويناصحون عنه من أئمة الطوائف، يعترفون بذلك، ويقولون: إنا نخالفه في ذلك، ويجعلون ذلك من أقواله المتروكة، إذ لكل عالم خطأ من قوله يترك، أو يمسكون عن نصر هذا القول والدعاء إليه، لعلمهم بما فيه من التناقض والاضطراب واعتبر ذلك بما ذكره أبو محمد عبد الله بن يوسف الجويني والد أبي المعالي (¬3) في آخر كتاب صنفه (¬4) سماه (عقيدة أصحاب الإمام المطلبي الشافعي وكافة أهل السنة ¬

_ (¬1) في ط: لك. (¬2) في الأصل: إسحق. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط. (¬3) هو: أبو محمد عبد الله بن يوسف بن محمد بن حيوية الجويني -نسبة إلى "جوين" من نواحي نيسابور، من علماء التفسير واللغة والفقه، قال السبكي: كان يلقب بركن الإسلام، توفي سنة 438 هـ. انظر: تبيين كذب المفتري -لابن عساكر- ص: 257، 258. ووفيات الأعيان -لابن خلكان- 3/ 47، 48. وطبقات الشافعية -للسبكي- 5/ 73 - 93. (¬4) في س، ط: صفة. وهو تصحيف.

ما قاله أبو محمد الجويني

والجماعة) (¬1) وقد نقل هذا منه الحافظ أبو القاسم بن عساكر (¬2) في مناقبه الذي سماه (تبيين كذب المفتري فيما ينسب إلى الشيخ أبي الحسن الأشعري) (¬3) وجمع فيه ما أمكنه من مناقبه، وأدخل في ذلك أمورًا أخرى يقوي بها ذلك. قال أبو محمد الجويني: "ونعتقد أن المصيب من المجتهدين في الأصول والفروع واحد، ويجب التعيين [في الأصول، فأما في الفروع فربما يتأتى التعيين] (¬4) وربما لا يتأتى، ومذهب الشيخ أبي (¬5) الحسن -رحمه الله- تصويب المجتهدين في الفروع، وليس ذلك مذهب الشافعي - رضي الله عنه - وأبو الحسن أحد أصحاب الشافعي - رضي الله عنه - (¬6) فإذا خالفه في شيء أعرضنا عنه [فيه] (¬7) ومن هذا القبيل قوله: أن لا صيغة للألفاظ، ويقل ويعز (¬8) مخالفته أصول الشافعي - رضي الله ¬

_ (¬1) لم أقف على كتابه هذا فيما وقع تحت يدي من مصادر، وقد وردت هذه التسمية للكتاب -والإشارة إلى أنه آخر مصنف له- في: تبيين كذب المفتري -لابن عساكر- ص: 115. (¬2) هو: أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن عساكر الدمشقي، المؤرخ الحافظ الرحالة، محدث الشام، وصاحب التصانيف الكثيرة. توفي سنة 571 هـ. انظر: تذكرة الحفاظ -للذهبي- 4/ 1328 - 1334. وطبقات الشافعية -للسبكي- 7/ 215 - 223. والبداية والنهاية -لابن كثير- 12/ 312. (¬3) تبيين كذب المفتري -لابن عساكر- ص: 115. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، وتبيين كذب المفتري. (¬5) في الأصل: أبو. والمثبت من: س، ط، وتبيين كذب المفتري. وهو الصواب. (¬6) في تبيين كذب المفتري: عنهم. (¬7) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، وتبيين كذب المفتري. (¬8) في تبيين كذب المفتري: وتقل وتعز.

ما قاله أبو حامد الاسفرائيني

عنه، ونصوصه وربما نصب المبتدعون إليه [ما هو بريء منه (¬1) كما نسبوا إليه] (¬2) أنه يقول: ليس في المصحف قرآن، ولا في القبر نبي، وكذلك الاستثناء في الإيمان، ونفي القدرة على الخلق (¬3) في الأزل، وتكفير العوام، وإيجاب علم الدليل عليهم. [قال] (¬4): وقد تصفحت ما تصفحت من كتبه، فوجدتها (¬5) كلها خلاف ما نسب إليه ولا عجب أن اعترضوا عليه وافترضوا (¬6) فإنه -رحمه الله- فاضح القدرية وعامة المبتدعة، وكاشف عوراتهم، ولا خير في من لا يعرف حاسده" (¬7). وقال الشيخ أبو حامد الإسفرائيني في كتابه في أصول (¬8) الفقه الذي شرح فيه رسالة الشافعي وسماه: "مسألة في أن الأمر أمر لصيغته أو لقرينة تقترن به: اختلف الناس في الأمر هل له صيغة تدل على كونه أمرًا ¬

_ (¬1) في س، ط: عنه. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من: تبيين كذب المفتري. (¬3) في تبيين كذب المفتري: ونفي قدرة الخلق. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والكلام متصل بما قبله في: تبيين كذب المفتري. (¬5) في تبيين كذب المفتري: "من كتبه وتأملت نصوحه في هذه المسائل فوجدتها". (¬6) في تبيين كذب المفتري: واخترصوا. (¬7) علق الشيخ -رحمه الله- على هذا بقوله: ". . ولكن المقصود هنا: أنه جعل من القبيل الذي خالف فيه الشافعي وأعرض عنه فيه أصحابه: مسألة صيغ الألفاظ وهذه هي مسألة الكلام، وقوله فيها هو قول ابن كلاب: إن كلام الله معنى واحد قائم بنفس الله تعالى، إن عبر عنه بالعربية كان قرآنًا، وإن عبر عنه بالعبرية كان توراة، وإن عبر عنه بالسريانية كان إنجيلًا، وإن القرآن العربي لم يتكلم الله به، بل وليس هو كلام الله، وإنما خلقه في بعض الأجسام". درء تعارض العقل والنقل- 2/ 110. (¬8) في س: كتاب أصول. . وتقدم التعريف بأبي حامد، والنقل التالي عنه في "درء تعارض العقل والنقل" 2/ 106 - 108.

[أم] (¬1) ليس له ذلك؟ على ثلاثة مذاهب: فذهب أئمة الفقهاء إلى أن ذلك (¬2) الأمر له صيغة تدل بمجردها على كونه أمرًا إذا تعرت (¬3) عن القرائن، وذلك مثل قول القائل: افعل كذا وكذا (¬4)، وإذا وجد ذلك عاريًا عن القرائن كان أمرًا، ولا يحتاج في كونه أمرًا إلى قرينة، هذا مذهب [مالك و] (¬5) الشافعي وأبي حنيفة والأوزاعي، وجماعة أهل العلم، وهو قول البلخي (¬6) من المعتزلة. وذهبت المعتزلة بأسرها -غير البلخي- إلى أن الأمر لا صيغة له، ولا يدل اللفظ بمجرده على كونه أمرًا، وإنما يكون أمرًا بقرينة تقترن به وهي الإرادة". إلى أن قال (¬7): "وذهب الأشعري ومن تابعه إلى أن الأمر هو معنى قائم بنفس الآمر، ولا يفارق الذات ولا يزايلها، وكذلك عنده سائر أقسام الكلام من النهي والخبر والاستخبار وغير ذلك، كل هذه معان (¬8) قائمة بالذات لا يزايلها (¬9)، كالقدرة والعلم وغير ذلك، وسواء هذا في (¬10) أمر الله وأمر الآدميين، إلّا أن أمر الله تعالى مختص بكونه قديمًا، وأمر الآدمي ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: الدرء. السياق يقتضيها. وفي ط: أو. (¬2) ذلك: ساقط من: الدرء. (¬3) في س: إذ انفردت. وفي ط: إذا انفردت. وفي الدرء: إذا عريت. (¬4) في الأصل: كذا أو كذا. والمثبت من: س، ط، والدرء. (¬5) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والدرء. وقد ورد فيه: مذهب الشافعي -رحمه الله- ومالك. (¬6) أبو القاسم البلخي الكعبي. تقدمت ترجمته ص: 345. (¬7) يمكن الاطلاع على بقية كلام أبي حامد الإسفرائيني في "درء تعارض العقل والنقل" 2/ 107. (¬8) في الدرء: المعاني. (¬9) في الدرء: تزايلها. (¬10) في الدرء: وسواء في هذا.

ما قاله أبو الحسن الكرجي

محدث، وهذه الألفاظ والأصوات ليست عندهم أمرًا ولا نهيًا، وإنما هي عبارة عنه". قال: وكان ابن كلاب عبد الله بن سعيد القطان يقول: هي حكاية عن الأمر، وخالفه أبو الحسن الأشعري -رحمه الله- في ذلك، فقال: لا يجوز أن يقال: إنها حكاية، لأن الحكاية تحتاج أن تكون (¬1) مثل المحكي ولكن هو عبارة عن الأمر القائم بالنفس، وتقرر مذهبهم على هذا، فإذا كان [هذا] (¬2) حقيقة مذهبهم، فليس يتصور بيننا وبينهم خلاف في أن الأمر هل له صيغة أم لا؟ فإنه إذا كان الأمر عندهم هو المعنى القائم بالنفس، فذلك المعنى لا يقال: إن له صيغة، أو ليست له صيغة، وإنما يقال ذلك في الألفاظ" إلى آخر كلامه (¬3). [و] (¬4) قال الشيخ أبو الحسن محمد بن عبد الملك الكرجي (¬5) الشافعي في كتابه الذي سماه (الفصول في الأصول عن الأئمة الفحول إلزامًا لذوي البدع والفضول): (وذكر اثني عشر (¬6) إمامًا وهم (¬7): الشافعي ومالك والثوري وأحمد والبخاري وابن عيينة (¬8) وابن المبارك والأوزاعي والليث بن سعد وإسحاق بن راهوية وأبو زرعة (¬9) وأبو حاتم. ¬

_ (¬1) في الدرء: إلى أن تكون. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والدرء. (¬3) ويمكن الاطلاع عليه في: الدرء 2/ 108. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬5) في س، ط: الكرخي. وهو خطأ. وتقدم التعريف به وبكتابه "الفصول في الأصول. . . " ص:. والنقل التالي عنه في "درء تعارض العقل والنقل" 2/ 95 - 98. (¬6) في جميع النسخ: اثنا عشر. والمثبت من: الدرء. ولعله الصواب. (¬7) وهم: ساقطة من: الدرء. (¬8) في الدرء: وأحمد وابن عيينة. (¬9) في الدرء: وإسحاق بن راهوية والبخاري وأبو زرعة.

قال فيه: سمعت الإمام أبا منصور محمد بن أحمد يقول: سمعت الإمام أبا بكر عبد الله بن أحمد يقول: سمعت الشيخ أبا حامد الإسفرائيني يقول: مذهبي ومذهب الشافعي وفقهاء الأمصار: أن [القرآن] (¬1) كلام الله غير مخلوق، ومن قال مخلوق فهو كافر، والقرآن حمله جبرئيل - عليه السلام - مسموعًا من الله تعالى، والنبي - صلى الله عليه وسلم - سمعه من جبرئيل، والصحابة سمعوه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الذي نتلوه [نحن] (¬2) بألسنتنا، وفيما بين الدفتين، وما في صدورنا، مسموعًا ومكتوبًا ومحفوظًا ومنقوشًا، وكل حرف منه -كالباء والتاء- كله كلام الله غير مخلوق، ومن قال: مخلوق، فهو كافر، عليه لعائن الله والملائكة والناس أجمعين). قال الشيخ أبو الحسن: (وكان الشيخ أبو حامد (¬3) شديد الإنكار على الباقلاني وأصحاب الكلام). قال أبو الحسن: (ولم يزل الأئمة الشافعية يأنفون ويستنكفون (¬4) أن ينسبوا إلى الأشعري، ويتبرؤون مما بنى الأشعري مذهبه عليه، وينهون أصحابهم وأحبابهم عن الحوم حواليه، على ما سمعت عدة من المشايخ والأئمة -منهم الحافظ المؤتمن بن أحمد بن علي الساجي- يقولون: سمعنا جماعة من المشايخ الثقات، قالوا: كان الشيخ أبو حامد أحمد بن أبي طاهر الإسفرائيني إمام الأئمة، الذي طبق الأرض علمًا وأصحابًا، إذا سعى إلى الجمعة من قطيعة (¬5) الكرخ إلى جامع ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: الدرء. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والدرء. (¬3) في الدرء: أبو حامد الإسفرائيني. (¬4) في س: ويستنكفوا. (¬5) في س: قطيفة. . وهو خطأ. والقطيعة: الهجران، وهي محال أقطعها المنصور أناسًا من أعيان دولته =

المنصور، يدخل الرباط المعروف بالروزي (¬1) المحاذي للجامع، ويقبل على من حضر، ويقول: اشهدوا عليّ بأن القرآن كلام الله غير مخلوق، كما قاله أحمد بن حنبل (¬2)، لا كما يقوله الباقلاني، وتكرر ذلك منه في جمعات، فقيل له في ذلك، فقال: حتى ينتشر (¬3) في الناس وفي أهل الصلاح، ويشيع الخبر في البلاد (¬4) أني بريء ممّا هم عليه -يعني الأشعرية- وبريء من مذهب أبي بكر الباقلاني (¬5)، فإن جماعة من المتفقهة الغرباء، يدخلون على الباقلاني خفية، فيقرؤون (¬6) عليه فيفتنون (¬7) بمذهبه، فإذا رجعوا إلى بلادهم أظهروا بدعتهم لا محالة، فيظن ظان أنهم مني تعلموه وأنا قلته (¬8)، وأنا بريء من مذهب الباقلاني وعقيدته). قال الشيخ أبو الحسن (¬9): (وسمعت شيخي الإمام أبا منصور الفقيه الأصبهاني يقول: سمعت شيخنا الإمام أبا بكر الزاذقاني يقول: كنت في درس الشيخ أبي حامد الإسفرائيني، وكان ينهى أصحابه عن ¬

= ليعمروها ويسكنونها. وهذه بالكرخ ببغداد. راجع: القاموس المحيط -للفيروزآبادي- 3/ 648 (قطع). ومعجم البلدان -لياقوت الحموي- 4/ 376. ولم ترد "قطيعة الكرخ" بعينها. وانظر: ما كتبته عن "الكرخ" ص: 379. (¬1) في الدرء: الزوزي. (¬2) في الدرء: كما قاله الإمام ابن حنبل. (¬3) في س: ينشر. (¬4) في الدرء: أهل البلاد. (¬5) في الدرء: أبي بكر بن الباقلاني. (¬6) في الدرء: ويقرؤون. (¬7) في س: فيفتتنون. (¬8) في الدرء: تعلموه قبله وأنا ما قلته. (¬9) في الدرء: أبو الحسن الكرجي.

الكلام، وعن الدخول على الباقلاني، فبلغه أن نفرًا من أصحابه يدخلون عليه خفية لقراءة الكلام، فظن أني معهم ومنهم، وذكر قصة قال في آخرها: إن الشيخ أبا حامد قال لي: يا بني بلغني أنك تدخل على هذا الرجل -يعني الباقلاني- فإياك وإياه، فإنه مبتدع يدعو الناس إلى الضلالة، وإلا فلا تحضر مجلسي، فقلت: أنا عائذ بالله مما قيل، وتائب إليه، واشهدوا علي أني لا أدخل عليه (¬1)). قال (¬2): وسمعت الفقيه [الإمام] (¬3) أبا منصور سعد بن علي العجلي يقول: سمعت عدة من المشايخ والأئمة ببغداد -أظن الشيخ أبا إسحاق الشيرازي أحدهم- قالوا: كان أبو بكر الباقلاني يخرج إلى الحمام متبرقعًا، خوفًا من الشيخ أبي حامد (¬4) الإسفرائيني). قال (¬5): وأخبرني جماعة من الثقات كتابة، منهم القاضي أبو منصور اليعقوبي عن الإمام عبد الله بن محمد بن علي، هو شيخ الإسلام الأنصاري قال: سمعت أبا عبد الرحمن محمد (¬6) بن الحسين -وهو السلمي- يقول: وجدت أبا حامد الإسفرائيني، وأبا الطيب الصعلوكي، وأبا بكر القفال المروزي وأبا منصور الحاكم على الإنكار على الكلام وأهله". ¬

_ (¬1) في الدرء: إليه. (¬2) في الدرء: قال الشيخ أبو الحسن. (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والدرء. (¬4) في الأصل: أبا حامد. والمثبت من: س، ط، والدرء. (¬5) هذا النقل في الدرء 2/ 83. وانظره في "ذم الكلام" لأبي إسماعيل الهروي -مخطوط- الجزء السابع -الطبقة التاسعة- اللوحة 3. (¬6) في جميع النسخ: سمعت عبد الرحمن بن محمد. والمثبت من: الدرء. وهو الصواب، وتقدم ذكره في ص: 783.

ما ذكره الشيخ -رحمه الله- عن هؤلاء

قال (¬1): "وسمعت (¬2) أحمد بن أبي رافع وخلقًا يذكرون شدة أبي حامد الإسفرائيني (¬3) على الباقلاني (¬4) ". قال الشيخ أبو الحسن الكرجي (¬5): (ومعروف شدة الشيخ أبي حامد على أهل الكلام، حتى ميز أصول فقه الشافعي من أصول الأشعري، وعلقه عنه (¬6) الإمام (¬7) أبو بكر (¬8) الزاذقاني، وهو عندي، وبه اقتدى الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في كتابيه اللمع والتبصرة، حتى لو وافق قول الأشعري وجهًا لأصحابنا ميزه، وقال: هو قول بعض أصحابنا، وبه قالت الأشعرية، ولم يعدهم من أصحاب الشافعي، استنكفوا منهم ومن (¬9) مذهبهم في أصول الفقه، فضلًا عن أصول الدين). قلت: أبو محمد الجويني، وشيخه أبو بكر القفال المروزي (¬10)، ¬

_ (¬1) القائل: أبو إسماعيل الأنصاري في "ذم الكلام" -مخطوط- الجزء السابع -الطبقة التاسعة- اللوحة 3. وانظره في: الدرء 2/ 101. (¬2) في الدرء، ط: سمعت. بدون واو. (¬3) في الدرء: يعني الإسفرائيني. (¬4) في الدرء: على ابن الباقلاني. (¬5) الكرجي: ساقطة من: الدرء، والنقل فيه 2/ 98. (¬6) في الأصل: عند. والمثبت من: س، ط، والدرء. وهو المناسب للسياق. (¬7) الإمام: ساقطة من: الدرء. (¬8) في الأصل: أبي بكر. وفي س: أبا بكر. والمثبت من: ط، والدرء. وهو الصواب. (¬9) من: ساقطة من: س. (¬10) في س، المروذي. وهو تصحيف. هو: أبو بكر عبد الله بن أحمد بن عبد الله المروزي الخراساني، يعرف بالقفال الصغير، شيخ الخراسانيين، كان ثقة صادقًا حافظًا عارفًا، له في فقه الشافعي ما ليس لغيره من أهل عصره، توفي سنة 417 هـ. =

وشيخه أبو زيد المروزي (¬1)، هم أهل الطريقة المروزية الخراسانية (¬2)، وأئمتها من أصحاب الشافعي، والشيخ أبو حامد الإسفرائيني وأتباعه، كالقاضي أبي الطيب (¬3) وصاحبه أبي إسحاق الشيرازي (¬4) وغيره، هم ¬

_ = انظر: البداية والنهاية -لابن كثير- 12/ 24. وطبقات الشافعية -لابن قاضي شهبة- 1/ 175، 176. وشذرات الذهب -لابن العماد- 3/ 207، 208. (¬1) هو: محمد بن أحمد بن عبد الله الفاشاني المروزي، كان حافظًا للمذهب الشافعي حسن النظر، مشهورًا بالزهد والورع، وعنه أخذ أبو بكر القفال، وفقهاء مرو، توفي سنة 371 هـ. انظر: تبيين كذب المفتري -لابن عساكر- ص: 188 - 190. وطبقات الفقهاء -للشيرازي- ص: 123. وطبقات الشافعية -لابن قاضي شهبة - 1/ 124، 125. (¬2) يقول السبكي، في "طبقات الشافعية" 5/ 54: "وقد صار معتمد المذهب على طريقة العراق، وحامل لوائها أبو حامد الإسفرائيني، وطريقة خراسان والقائم بأعبائها القفال المروزي، هما -رحمهما الله- شيخا الطريقتين، إليهما المرجع، وعليهما المعول". وانظر: سلسلة من تفقه على هاتين الطريقتين من أصحاب الإمام الشافعي في "تهذيب الأسماء واللغات" للنووي- 1/ 18 - 20. (¬3) هو: طاهر بن عبد الله بن عمر الطبري، الإمام الجليل، وأحد حملة المذهب الشافعي، وعنه أخذ العراقيون العلم، كان ثقة صادقًا ورعًا عارفًا بأصول الفقه وفروعه، محققًا في علمه، ولي القضاء بربع الكرخ بعد موت أبي عبد الله الصيمري. وتوفي سنة 450 هـ. انظر: تاريخ بغداد -للبغدادي- 9/ 358 - 360. ووفيات الأعيان -لابن خلكان- 2/ 512 - 515. وطبقات الشافعية -للسبكي- 5/ 12 - 90. (¬4) هو: أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزآبادي الشيرازي، الفقيه الزاهد، والناسك العابد، سكن بغداد، وسمع الحديث بها، وتفقه على جماعة منهم القاضي أبو الطيب الطبري. توفي سنة 476 هـ. انظر: تبيين كذب المفتري -لابن عساكر- 8/ 276 - 278. وتهذيب الأسماء واللغات -للنووي- 2/ 172 - 174. وطبقات الشافعية -للسبكي- 4/ 215 - 256.

أئمة الطريقة العراقية (¬1) من أصحاب الشافعي. وقد ذكر أبو القاسم بن عساكر (¬2) في ترجمة أبي محمد الجويني ما ذكره عبد الغافر الفارسي (¬3) في تاريخ نيسابور في ترجمة الشيخ أبي محمد الجويني في مناقبه وقال: "سمعت خالي الإمام أبا سعيد (¬4) -يعني عبد الواحد بن عبد الكريم القشيري- يقول: كان أئمتنا في عصره، والمحققون من أصحابنا يعتقدون فيه من الكمال والفضل والخصال الحميدة، أنه لو جاز أن يبعث الله نبيًّا في عصره لما كان إلا هو، من حسن طريقته وورعه وزهده وديانته في كمال فضله). وذكر عبد الغافر (¬5) أنه كان أوحد زمانه، قال: (وله في الفقه تصانيف كثيرة الفوائد، مثل التبصرة، والتذكرة، ومختصر المختصر (¬6)، ¬

_ (¬1) راجع الصفحة السابقة. ت: (2). (¬2) تبيين كذب المفتري -لابن عساكر- ص: 258. (¬3) هو: أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل بن عبد الغافر الفارسي ثم النيسابوري كان إمامًا في الحديث، واللغة، والأدب، فقيهًا شافعيًّا، تفقه على إمام الحرمين ولزمه مدة، له تصانيف منها: "تاريخ نيسابور". توفي سنة 529 هـ. انظر: تذكرة الحفاظ -للذهبي- 4/ 1275، 1276. وطبقات الشافعية -للسبكي- 7/ 171 - 173. وشذرات الذهب -لابن العماد- 4/ 93. (¬4) في الأصل، س: أبا سعد. والمثبت من: ط، ومصادر الترجمة التالية. وهو: أبو سعيد عبد الواحد بن عبد الكريم بن هوازن النيسابوري القشيري. يقول السبكي: "وسعيد في كنيته بالياء، أما أبو سعد بإسكان العين فذاك أخوه عبد الله، وكلاهما ولد الأستاذ أبي القاسم. كان صالحًا عالمًا كثير الفضل، توفي سنة 494 هـ. انظر: العبر -للذهبي- 3/ 369. وطبقات الشافعية -للسبكي- 5/ 225 - 228. وشذرات الذهب -لابن العماد- 3/ 401. (¬5) فيما نقله ابن عساكر في ترجمة أبي محمد الجويني -المصدر السابق- ص: 257. (¬6) هو مختصر مختصر المزني. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . =

وله التفسير الكبير المشتمل على عشرة أنواع في كل آية). وأما الشيخ أبو حامد فهو الشافعي الثالث، فإنه ليس بعد الشافعي مثل أبي العباس بن سريج (¬1)، ولا بعد أبي العباس مثل الشيخ أبي حامد، حتى ذكر أبو إسحاق في طبقات الفقهاء (¬2)، عن أبي الحسين القدوري، أنه كان يقول في الشيخ أبي حامد: إنه أنظر من الشافعي. وهذا الكلام -وإن كان قد ردت زيادته، لكن لولا براعة أبي حامد ما قال فيه مثل الشيخ أبي الحسين هذا القول. قال الشيخ أبو الحسن الكرجي (¬3): "ولا شك أنه كان أعرف الأصحاب بمناصيص الشافعي، وأعظمهم بركة في مذهبه، وهو أول من كثر شرح المزني (¬4) وشحنه بالمختلف والمؤتلف، ونصر فيه مذاهب الأئمة (¬5)، وجعله مساغًا لاجتهاد الفقهاء". وقد ذكر أبو القاسم بن عساكر (¬6) فيما ذكره من أصحاب الأشعري ¬

_ = انظر: طبقات الشافعية -لابن قاضي شهبة- 1/ 213. (¬1) في الأصل، س: سريح. وهو تصحيف. وتقدم التعريف به ص: 197. (¬2) طبقات الفقهاء -لأبي إسحاق الشيرازي- ص: 132. وجاء فيه عن أبي الحسين القدوري أنه قال: الشيخ أبو حامد عندي أفقه وأنظر من الشافعي. وقد علق الشيرازي على ذلك بقوله: "هذا القول من أبي الحسين حمله عليه اعتقاده في الشيخ أبي حامد وتعصبه للحنفية على الشافعي -رحمه الله تعالى- ولا يلتفت إليه فإن أبا حامد ومن هو أقدم منه وأعلم على بعد من تلك الطبقة. . ". (¬3) في س: الكرخي. وهو تصحيف. وتقدم التعريف به ص: 785. (¬4) علق على شرح المزني في نحو من خمسين مجلدًا، ذكر فيها مذاهب العلماء وبسط أدلتها والجواب عليها. راجع كشف الظنون -لحاجي خليفة- 5/ 71. ومعجم المؤلفين -لكحالة- 2/ 65. (¬5) في س، ط: العلماء. (¬6) تبيين كذب المفتري- ص: 277.

جماعة كثيرة ليسوا منهم، بل منهم من هو مشهور بالمناقضة والمعارضة لهم، وذكر منهم (¬1) الشيخ أبا إسحاق الشيرازي. قال: (وكان يظن به من لا يفهم (¬2) أنه مخالف للأشعري، لقوله في كتابه (¬3) في أصول الفقه: وقالت الأشعرية: إن الأمر لا صيغة له، وليس ذلك لأنه لا يعتقد اعتقاده، وإنما قال ذلك لأنه خالفه في هذه المسألة مما انفرد بها (¬4) أبو الحسن. قال (¬5): وقد ذكرنا في كتابنا هذا (¬6) عنه (¬7) فتواه فيمن خالف الأشعرية واعتقد بتبديعهم (¬8)، وذلك أوفى (¬9) دليل على أنه منهم). وقد ذكر هذه الفتوى (¬10) ونسختها: "ما قول السادة الجلة (¬11)، الأئمة الفقهاء، أحسن الله توفيقهم، ورضي عنهم، في قوم اجتمعوا على لعن فرقة الأشعرية (¬12) وتكفيرهم، ما الذي يجب عليهم في هذا ¬

(¬1) في الأصل: لهم. والمثبت من: س، ط. وهو المناسب للكلام. (¬2) في تبيين كذب المفتري: "يظن به بعض من لا يفهم". (¬3) لعله كتاب "اللمع" في أصول الفقه. انظر: تبيين كذب المفتري- ص: 277. (¬4) في تبيين كذب المفتري: "المسألة بعينها، كما خالفه غيره من الفقهاء فيها، فأراد أن يبين فيها أن هذه المسألة مما انفرد بها. . . ". (¬5) القائل: أبو القاسم ابن عساكر. (¬6) وهو كتاب تبيين كذب المفتري، ونص فتوى الشيرازي وغيره من الفقهاء فيمن خالف الأشعري، ستأتي بعد سطرين تقريبًا. (¬7) في ط: عند. (¬8) في س: بدعتهم. (¬9) قبل كلمة (أوفى) بياض في الأصل، س، بقدر كلمة لا يخل بالمعنى. والكلام متصل في: ط، وتبيين كذب المفتري. (¬10) ابن عساكر في تبيين كذب المفتري- ص: 332. (¬11) في ط: الحلبة. وهو تصحيف. (¬12) في تبيين كذب المفتري: الأشعري.

القول؟ تفتونا (¬1) في ذلك منعمين مثابين (¬2). الجواب -وبالله التوفيق-: أن كل من أقدم على لعن فرقة من المسلمين وتكفيرهم، فقد ابتدع وارتكب ما لا يجوز الإقدام عليه، وعلى الناظر في الأمور -أعز الله أنصاره- الإنكار عليه، وتأديبه بما يرتدع هو وأمثاله عن ارتكاب مثله. وكتب محمد بن علي الدامغاني (¬3)، وبعده الجواب وبالله التوفيق: أن الأشعرية أعيان أهل (¬4) السنة، وأنصار (¬5) الشريعة، انتصبوا للرد على المبتدعة -من القدرية والرافضة وغيرهم- فمن طعن فيهم فقد طعن على أهل السنة، وإذا رفع أمر من يفعل ذلك إلى الناظر في أمر المسلمين، وجب عليه تأديبه بما يرتدع به كل أحد، وكتب إبراهيم بن علي الفيروزآبادي (¬6) وبعده (¬7) جوابي مثله، وكتب محمد بن أحمد الشاشي (¬8). ¬

_ (¬1) في تبيين كذب المفتري: يفتونا. (¬2) في تبيين كذب المفتري: مثابين إن شاء الله. (¬3) هو: أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد الدامغاني الحنفي، شيخ زمانه، كان يلقب بقاضي القضاة، سكن بغداد ودرس بها فقه أبي حنيفة، وولي القضاء بها بعد موت ابن ماكولا، وبقي فيه نحو ثلاثين سنة. توفي سنة 478 هـ. انظر: تاريخ بغداد -للخطيب- 3/ 109. والوافي بالوفيات -للصفدي- 4/ 139. والجواهر المضيئة -لأبي الوفاء القرشي- 3/ 269 - 271. (¬4) أهل: ساقطة من: تبيين كذب المفتري. (¬5) في تبيين كذب المفتري: ونصار. (¬6) أبو إسحاق الشيرازي. وتقدم التعريف به. (¬7) في ط: بعده. بدون واو. (¬8) هو: أبو بكر محمد بن أحمد بن الحسين بن عمر الشاشي، الفقيه الشافعي، يعرف بالمستظهري، الملقب بفخر الإسلام، ولي التدريس بالمدرسة النظامية. توفي سنة 507 هـ. يقول السبكي: كان إمامًا جليلًا حافظًا لمعاقد المذهب وشوارده. انظر: المنتظم -لابن الجوزي- 9/ 179. ووفيات الأعيان -لابن خلكان =

قال: فهذه أجوبة هؤلاء الأئمة، الذين كانوا في عصرهم علماء الأمة، فأما قاضي القضاء الحنفي (¬1) الدامغاني، فكان يقال له في عصره: أبو حنيفة الثاني، وأما الشيخ الإمام [أبو إسحاق، فقد طبق ذكر فضله الآفاق، وأما الشيخ] (¬2) أبو بكر (¬3) الشاشي، فلا يخفى محله على منته في العلم، ولا ناشئ). قلت: هذه الفتيا كتبت هي وجوابها في فتنة ابن القشيري (¬4) لما قدم بغداد، فإن ملك خراسان محمود بن سبكتكين كان قد أمر (¬5) في مملكته بلعن أهل البدع على المنابر، فلعنوا وذكر فيهم الأشعرية (¬6)، ¬

_ = - 4/ 219 - 221. وطبقات الشافعية -للسبكي- 6/ 70 - 78. (¬1) في تبيين كذب المفتري: أبو عبد الله الحنيفي. وتقدم التعريف به. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من: ط. (¬3) في ط، وتبيين كذب المفتري. الإمام أبو بكر. (¬4) يقول ابن عساكر: "ومن جملة أحواله ما خص به من المحنة في الدين والاعتقاد، وظهور التعصب بين الفريقين في عشر سنة أربعين إلى خمس وخمسين وأربعمائة وميل بعض الولاة إلى الأهواء، وسعي بعض الرؤساء والقضاة إليه بالتخليط، حتى أدى ذلك إلى رفع المجالس، وتفرق شمل الأصحاب، وكان هو المقصود من بينهم حسدًا، حتى اضطرته الحال مفارقة الأوطان، وامتد في أثناء ذلك إلى بغداد، وورد على أمير المؤمنين القائم بأمر الله، ولقي فيها قبولًا، وعقد له المجلس في منازلة الخاصة به، وكان ذلك بمحضر ومرأى منه، ووقع كلامه من مجلسه الموقع، وخرج الأمر بإعزازه وإكرامه". تبيين كذب المفتري- ص: 274، 275. وانظر: طبقات الشافعية -للسبكي- 5/ 157. (¬5) في الأصل: قدام. وهو تحريف. (¬6) في الأصل: الأشعري. والمثبت من: س، ط. ولعله المناسب. في سنة 408 هـ استتاب الخليفة القادر بالله فقهاء المعتزلة، فأظهروا الرجوع، وتبرؤوا من الاعتزال، والرفض، والمقالات المخالفة لإسلام، وأخذت خطوطهم بذلك، وأنهم متى خالفوا أحل فيهم من النكال والعقوبة ما يتعظ به أمثالهم، وامتثل يمين الدولة محمود بن سبكتكين أمر الخليفة =

وكذلك جرى في أول مملكة (¬1) السلجقية (¬2) الترك، وكان الذين سعوا في ¬

_ = واستن، بسنته في أعماله التي استخلفه عليها من بلاد خراسان وغيرها، في مقتل المعتزلة والرافضة والإسماعيلية والجهمية والمشبهة وصلبهم وحبسهم ونفاهم، وأمر بلعنهم على منابر المسلمين، وإبعاد جميع طوائف أهل البدع ونفيهم عن ديارهم. وكان للكرامية صولات وجولات في عهد يمين الدولة، وكان على مذهبهم، وجرت بينهم وبين الأشاعرة مناظرات في بعض المسائل، كمسألة العرش، فقد ذكر ابن كثير -رحمه الله- أن من جملة من كان يجالس السلطان محمود بن سبكتكين محمد بن الهيصم، وقد جرى بينه وبين أبي بكر بن فورك مناظرات بين يدي السلطان في هذه المسألة، وانتهت بميل السلطان إلى قول ابن الهيصم ونقم على ابن فورك كلامه، وأمر بطرده وإخراجه لموافقته لرأي الجهمية. انظر: المنتظم -لابن الجوزي- 7/ 287. والبداية والنهاية -لابن كثير- 12/ 7، 33. وطبقات الشافعية -للسبكي- 4/ 130 - 133. وشذرات الذهب -لابن العماد- 3/ 186. وانظر ما ذكره أبو إسماعيل الهروي في كتابه "ذم الكلام" -مخطوط- الجزء السابع- الطبقة التاسعة- اللوحة: 8، من أن محمود بن سبكتكين حث على كشف أستار الأشعرية والإفصاح بعيبهم ولعنهم، وأنه قال: "أنا ألعن من لا يلعنهم". (¬1) في الأصل، س: مملكته. والمثبت من: ط. (¬2) وهم: أتباع محمد بن ميكائيل بن سلجوق أبو طالب الملقب ركن الدين طغرل بك أول ملوك الدولة السلجوقية -وهم أتراك- توفي سنة 455 هـ. انظر: الكامل -لابن الأثير- 9/ 473 وما بعدها. وطبقات الشافعية -للسبكي- 3/ 389. والأعلام -للزركلي- 7/ 342. وقد أمر السلطان طغرل بك في سنة 445 هـ يلعن المبتدعة على المنابر في الجمع، فقرن وزيره منصور الكندري اسم الأشعرية بأسماء أرباب البدع، وامتحن الأئمة، مما جعل القشيري والجويني يخرجان عن البلد، وألف في ذلك رسالة سماها "شكاية أهل السنة بحكاية ما نالهم من المحنة" إلى أن مات السلطان ووزيره، وتولى بعده ألب أرسلان، والوزير الحسن بن علي بن إسحاق، فصلح الحال، واستقر الأمر، واسترجع من خرج منهم إلى وطنه مكرمًا.

أئمة الكلابية والأشاعرة يذهبون إلى أن اليدين والوجه والعينين صفات ثابتة لله

إدخالهم في اللعنة فيهم من سكان تلك البلاد، من الحنفية الكرامية وغيرهم، ومن أهل الحديث طوائف، وجواب الدامغاني جواب مطلق فيه رضي هؤلاء وهؤلاء، فإنه أجاب (¬1) بأنه من أقدم على لعنة فرقة من المسلمين وتكفيرهم، فقد ابتدع وفعل ما لا يجوز [وهذا مما لا ينازع فيه أحد، أنه من كان من المسلمين لا يجوز] (¬2) تكفيره، إذ المكفر لشخص أو طائفة لا يقول: إنهم من المسلمين ويكفرهم، بل يقول: ليسوا بمسلمين. قال (¬3) أبو المعالي الجويني (¬4): "ذهب أئمتنا (¬5) إلى أن اليدين والعينين والوجه صفات ثابتة للرب تعالى، والسبيل إلى إثباتها السمع، دون قضية العقل. قال (¬6): والذي يصح عندنا، حمل اليدين على القدرة، وحمل العينين على البصر، وحمل الوجه على الوجود". ¬

_ = وعن هذه المحنة وأحداثها يراجع: تبيين كذب المفتري -لابن عساكر- ص: 108 - 114. طبقات الشافعية -للسبكي- 5/ 389 - 394. الرسالة المسماة "شكاية أهل السنة بحكاية ما نالهم من المحنة" للقشيري، ذكرها السبكي في -طبقات الشافعية- 5/ 399 - 423. والبداية والنهاية -لابن كثير- 12/ 70. (¬1) في س: وأجاب فإنه أجاب. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من: س. (¬3) قبل كلمة "قال" بياض في الأصل مع بداية السطر. وفي س: بياض في منتصف السطر. وكلاهما بقدر كلمة ورمز له بنجمة في: ط. وفي نهاية السطر. والذي يظهر أنه نهاية تعليق الشيخ -رحمه الله- على فتوى الدامغاني وبداية النقل عن أبي المعالي. (¬4) في الإرشاد - ص: 155. (¬5) في الإرشاد: بعض أئمتنا. (¬6) الجويني، والكلام متصل بما قبله في: الإرشاد.

أبو المعالي خالف أئمته في هذا ووافق المعتزلة

قلت: فاتضح أن أئمة الكلابية والأشعرية يثبتون هذه الصفات، فإنه خالف أئمته ووافق المعتزلة. قال شارح كلامه أبو القاسم بن الأنصاري (¬1): "اعلم أن مذهب شيخنا أبي الحسن أن اليدين صفتان ثابتتان زائدتان على وجود الإله -سبحانه- ونحوه. قال عبد الله بن سعيد. قال: ومال القاضي أبو بكر في الهداية (¬2) إلى هذا المذهب". قلت: القاضي قد صرح بذلك في جميع كتبه، كالتمهيد (¬3) والإبانة (¬4) وغيرهما. قال (¬5): "في كلام أبي إسحاق (¬6) ما يدل على أن التثنية في اليدين ¬

_ (¬1) تقدم الكلام عليه وعلى كتابه "شرح الإرشاد" ص: 643. (¬2) لعله: كتاب "هداية المسترشدين" في الكلام لأبي بكر. . ابن الباقلاني. انظر: كشف الظنون -لحاجي خليفة- 2/ 2042. (¬3) عقد الباقلاني لذلك بابًا في كتابه "التمهيد" ص: 258، 259 قال فيه: "باب في أن لله وجهًا ويدين" واحتج بقوله تعالى في سورة الرحمن {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} الآية: 27. وبقوله في سورة ص {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} الآية: 75. قال: "فأثبت لنفسه وجهًا ويدين". ثم ناقش المنكرين والمؤولين لهاتين الصفتين. (¬4) واسمه: "الإبانة عن إبطال مذهب أهل الكفر والديانة". ذكره سزكين ضمن آثار الباقلاني في "تاريخ التراث العربي" 1/ 4 / 51، ولم يضف أية معلومات عن الكتاب سوى أن ابن تيمية أفاد منه في العقيدة الحموية ص: 422، وابن القمِم في "اجتماع الجيوش الإسلامية" ص: 120 - 121، وابن العماد في "شذرات الذهب" 3/ 169 - 170. وأشار بروكلمان في "تاريخ الأدب العربي" 4/ 52 إلى أن ابن تيمية ذكره في مجموعة الرسائل الكبرى 1/ 452. ولم أقف عليه. (¬5) القائل: أبو القاسم الأنصاري. (¬6) أبو إسحاق الإسفرائيني. وتقدمت ترجمته.

ترجع (¬1) إلى اللفظ لا إلى الصفة، وهو مذهب أبي العباس القلانسي. قال الأستاذ -يعني أبا إسحاق-: "أما العينان فعبارة عن البصر، وكان في العقل ما يدل عليه، وأما اليد والوجه (¬2)، فقد اختلف أصحابنا في الطريق إليهما. فقال قائلون: قد كان في العقل ما يدل على ثبوت صفتين، يقع بإحداهما الاصطفاء بالخلق، وبالأخرى الاختيار بالتقريب في التكليم والإفهام، لكن لم يكن في العقل دليل على تسميته، فورد الشرع ببيانها، فسمى الصفة التي يقع بها الاصطفاء بالخلق يدًا، والصفة التي يقع بها التقريب في التكليم وجها، وقالوا: لما صح في العقل التفصيل (¬3) في الخلق والفعل (¬4) بالمباشرة والإكرام، والتقريب بالإقبال، وجب (¬5) إثبات صفة له يصح بها ما قلناه، من غير مباشرة ولا محاذاة، فورد الشرع بتسمية إحداهما يدًا، والأخرى وجهًا، ومن سلك هذه (¬6) الطريق قال: لم يكن في العقل جواز ورود السمع بأكثر منه، وما جهر [به] (¬7) عليه من جهة الإخبار، فطريقه الآحاد التي لا توجب العلم، ولا يجوز بمثلها إثبات صفة للقديم (¬8)، وإن ثبت منها شيء بطريق يوجب العلم، كان متأولًا على الفعل. ¬

_ (¬1) في س: يرجع. (¬2) في ط: الوجه واليد. (¬3) في ط: التفضيل. (¬4) في الأصل: العقل. والمثبت من: س، ط. (¬5) في الأصل: وجبت. وفي س: ووجبت. والمثبت من: ط. وهو المناسب للسياق. (¬6) في ط: هذا. (¬7) ما بين المعقوفتين زيادة من: ط. لعل الكلام يستقيم بها. وفي الأصل، س: بياض بقدر كلمة. (¬8) في الأصل: القديم. والمثبت من: س، ط. ولعله المناسب.

وقال آخرون: طريق إثباتها السمع المحض، ولم يكن للعقول فيه تأثير، وإذا قيل لهم: لو جاز ورود الشرع بإثبات صفات لا يدل العقل عليها لم يؤمن أن يكون الله على صفات لم يرد الشرع بها، ولا صارت معلومة، ووجب على القائل بذلك جواز ورود السمع بصفات الإنسان أجمع لله -تعالى- إذا لم تكن واحدة منها شبيهة (¬1) بصفته. كان جوابهم أن يقولوا: لما أخبر الله المؤمنين بصفاته وحكم لهم بالإيمان بكماله عند المعرفة بها، لم يجز أن يكون له صفة أخرى لا طريق إلى معرفتها، لاستحالة أن يكون المؤمن مؤمنًا مستحق المدح إذا لم يكن عارفًا بالله -يعني- وبصفاته أجمع، فلما وصفهم الله (¬2) بالإيمان عند معرفتهم بما ورد من الشرع، ثبت أن لا صفة أكثر مما بين الطريق إليه بالعقل (¬3) والشرع. قال الأستاذ: والتعويل على الجواب الأول فإن فيه الكشف عن المعنى". قلت: الجوابان مبنيان على وجوب العلم بجميع صفات الله، لكن [هل] (¬4) كلها معلومة بالعقل، أو منها ما علم بالسمع؟ على القولين (¬5)، ومحققوا الأشعرية وغيرهم، لا يرضون أن يقولوا: إنا نقطع بأنا علمنا الله بجميع صفاته، أو بأنه لا صفة له وراء ما علمناه. ¬

_ (¬1) في الأصل، س: شبيه. والمثبت من: ط. (¬2) لفظ الجلالة لم يرد في: س، ط. (¬3) في س: بالفعل. وهو تصحيف. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬5) ذكرهما الشيخ في "درء تعارض العقل والنقل" باختصار 3/ 382.

قال أبو المعالي (¬1): "فمن (¬2) أثبت هذه الصفات السمعية، وصار إلى أنها زائدة على ما دلت عليه دلالات العقول (¬3)، استدل بقوله تعالى (¬4): {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}) (¬5). قالوا: ولا وجه لحمل اليدين على القدرة إذ جملة المخترعات مخلوقة بالقدرة (¬6)، ففي الحمل على ذلك إبطال فائدة التخصيص. قال (¬7): وهذا غير سديد، فإن العقول قضت بأن الخلق لا يقع إلّا بالقدرة، أو بكون (¬8) القادر قادرًا، فلا وجه لاعتقاد خلق آدم بغير القدرة". وقال القاضي (¬9): الآية تدل على إثبات يدين صفتين، والقدرة واحدة، فلا يجوز حملها على القدرة (¬10). ¬

_ (¬1) في الإرشاد ص: 155، 156. وأبو المعالي أول من اشتهر عنه نفي الصفات الخبرية، وله في تأويلها قولان: ففي "الإرشاد": أولها. ثم رجع عن ذلك في: "الرسالة النظامية"، وحرم التأويل، وبين إجماع السلف على تحريم التأويل. انظر: العقيدة النظامية ص: 32. (¬2) في الإرشاد: ومن. (¬3) في س، ط: المعقول. (¬4) في الإرشاد: بقوله تعالى في توبيخ إبليس إذ امتنع عن السجود. (¬5) سورة ص، الآية: 75. (¬6) في الإرشاد: جملة المبدعات مخترعة لله تعالى بالقدرة. (¬7) أي: الجويني في الإرشاد. والكلام متصل بما قبله. (¬8) في الأصل، س: يكون. والمثبت من: ط، والإرشاد. (¬9) أبو بكر بن الباقلاني في التمهيد ص: 259، والنقل بالمعنى. (¬10) قال القاضي في المصدر السابق ص: 259: "فلو كان المراد بهما القدرة، لوجب أن يكون له قدرتان، وأنتم لا تزعمون أن للباري -سبحانه- قدرة واحدة -فكيف يجوز أن تثبتوا له قدرتين؟ وقد أجمع المسلمون، من مثبتي الصفات =

قال أبو المعالي: "وقد قال بعض الأصحاب: التثنية راجعة إلى اللفظ لا إلى المعنى، وإنما هي صفة واحدة، كما حكيناه عن القلانسي وعن الأستاذ، على أنه كما يعبر باليد (¬1) عن الاقتدار، فكذلك يعبر باليدين عن الاقتدار، فقد تقول العرب: ما لي بهذا الأمر يدان، يعنون: ما لي بها قدرة قال عزَّ وجلَّ: {بَل يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} (¬2). قال أبو الحسن والقاضي: (المراد باليدين في هذه الآية القدرة). قلت: هذا النقل فيه نظر فكلامهما يقتضي خلافه، بل هو نص في خلاف ذلك (¬3). ¬

_ = والنافين لها على أنه لا يجوز أن يكون له تعالى قدرتان- فبطل ما قلتم". (¬1) في س: عن اليد. وهو تصحيف. (¬2) سورة المائدة، الآية: 64. (¬3) يقول أبو الحسن الأشعري في "الإبانة" ص: 55، 56، أثناء مناقشته لمخالفيه: ". . -وأيضًا- فلو كان الله -عزَّ وجلَّ- عنى بقوله: {لما خلقت بيدي} القدرة، لم يكن لآدم - عليه السلام - على إبليس في ذلك مزية، والله -عزَّ وجلَّ- أراد أن يري فضل آدم - عليه السلام - إذ خلقه بيده دونه، ولو كان خالقا لإبليس بيديه كما خلق آدم - عليه السلام - بيديه، لم يكن لتفضيله عليه بذلك وجه، وكان إبليس يقول محتجا على ربه: فقد خلقتني بيديك كما خلقت آدم بهما، فلما أراد الله -عزَّ وجلَّ- تفضيله عليه بذلك قال له موبخًا على استكباره على آدم أن يسجد له: {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت} دل على أنه ليس معنى الآية القدرة، إذا كان الله -عزَّ وجلَّ- خلق الأشياء جميعًا بقدرته، وإنما أراد إثبات يدين، ولم يشارك إبليس آدم - عليه السلام - في أن خلق بهما". وتقدم النقل عن القاضي أبو بكر وأنه لا يقول: إن المراد باليدين القدرة لأنه يلزم على هذا أن يكون لله قدرتان، والمخالف لا يثبت قدرة واحدة، فكيف يثبت قدرتين؟. فالأشعري وأئمة أصحابه كأبي الحسن الطبري، وأبي عبد الله بن مجاهد الباهلي، والقاضي أبي بكر، متفقون على إثبات الصفات الخبرية التي ذكرت في =

قال (¬1): (وأجمع أهل التفسير على أن المراد بالأيدي (¬2) في قوله: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا}) (¬3) القدرة). قال: (والذي يحقق ما قلناه: أن الذي ذكره شيخنا والقاضي، ليس يوصل إلى القطع بإثبات صفتين زائدتين على ما عداهما من الصفات، ونحن وإن لم ننكر في قضية العقل صفة سمعية، لا يدل مقتضى العقل عليها، وإنما يتوصل إليها سمعًا، فيشترط أن يكون السمع مقطوعًا به، وليس فيما استدل به الأصحاب قطع، والظواهر المحتملة لا توجب العلم، وأجمع المسلمون على منح تقدير صفة مجتهد فيها لله -عزَّ وجلَّ- لا يتوصل إلى القطع فيها بعقل أو سمع (¬4)، وليس في اليدين على ما قاله شيخنا -رحمه الله- نظر لا يحتمل التأويل، ولا إجماع عليه، فيجب تنزيل ذلك على ما قلناه". قال: "والظاهر من لفظ اليدين حملهما (¬5) على جارحتين، فإن استحال حملهما (¬6) على ذلك، ومنع من حملهما على القدرة أو النعمة أو الملك (¬7)، فالقول بأنهما. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = القرآن كالاستواء والوجه واليد، وإبطال تأويلها وليس له في ذلك قولان. انظر: درء تعارض العقل والنقل 2/ 17. (¬1) أبو المعالي الجويني. (¬2) في س: باليدين. (¬3) سورة يس، الآية: 71. (¬4) أو سمع: ساقطة من: س، ط. (¬5) في س: حملها. (¬6) في س: حملها. (¬7) نص أبو الحسن الأشعري على منع حملها على الجارحتين أو القدرتين أو النعمتين فقال: "فلا يجوز أن يكون معنى ذلك نعمتين، لأنه لا يجوز عند أهل اللسان أن يقول القائل: عملت بيدي، وهو يعني نعمتي، ولا يجوز عندنا ولا عند خصومنا أن نعني جارحتين ولا يجوز عند خصومنا أن نعني قدرتين، وإذا =

أبو المعالي اعتمد على مقدمتين باطلتين

محمولتان (¬1) على صفتين قديمتين لله -تعالى، زائدتين على ما عداهما من الصفات تحكم محض". قلت: ثم ذكر الجواب عن حجة أئمته بما ليس هذا موضعه، فإن المقصود ليس هو الاستقصاء في إثبات هذه الصفة ونفيها، إذ قد تكلمنا على ذلك في موضعه (¬2) وإنما الغرض التنبيه على [تغيير] (¬3) قول الأشعري وأئمة أصحابه، وأبو المعالي اعتمد (¬4) على مقدمتين باطلتين. إحداهما (¬5): أنه ليس في السمع ما يقطع (¬6) بثبوت هذه الصفة لا نص ولا إجماع. والثانية (¬7): المنع أن يتكلم في الصفات بغير قطع عقلي أو نقلي، وادعى الإجماع على ذلك، وهذا باطل، كما يقوله من يقول: إذا لم يقم القاطع بالثبوت وجب القطع بالانتفاء، وهذا مطابق لما ذكره الإسفرائيني، من أن الله معروف بجميع صفاته في الدنيا، إما بالعقل على قول قوم من أصحابه، وإما بالعقل والسمع. ¬

_ = أفسدت الأقسام الثلاثة، صح القسم الرابع، وهو أن معنى قوله (بيدي) إثبات يدين ليستا جارحتين ولا قادرتين ولا نعمتين ولا يوصفان إلا بأن يقال: إنهما يدان ليستا كالأيدي خارجتان عن سائر الوجوه الثلاثة التي سبقت". الإبانة -للأشعري- ص: 56. ومذهب السلف -رحمهم الله- إثبات يدين حقيقتين تليقان به -سبحانه وتعالى- على ما جاءت به النصوص، والوقوف عند ما لم يرد به نص، كإثبات كونهما جارحتين أو نفيه. (¬1) في الأصل، س: محمولة. والمثبت من: ط. ولعله المناسب. (¬2) انظر مثلًا: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 6/ 362 - 373. (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬4) اعتمد: ساقطة من: س. (¬5) في س: أحدهما. وهو خطأ. (¬6) في الأصل: يقع. وهو خطأ. والمثبت من: س، ط. (¬7) في س: الثاني. وهو خطأ.

أبو المعالي كثير المطالعة لكتب أبي هاشم قليل المعرفة بالكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة

وهذا الذي قالوه خلاف إجماع سلف الأمة، وخلاف قول المحققين من أصحابهم، فضلًا عن أن يكون في ذلك إجماع، فإن القطع بالنفي بلا علم يوجب النفي، كالقطع بالإثبات بلا علم، والواجب أن تعطى الأدلة حقها، فما كان قطعيًّا قطع به، وما كان ظاهرًا محتملًا قيل: إنه ظاهر محتمل، وما كان مجملًا قيل: إنه مجمل، ولم يقل أحد من الأئمة، فضلًا عن أن يكون إجماعًا: إن ما [لم] (¬1) تعلموه من صفات الرب فانفوه، بل قالوا: أمسكوا عن التكلم في ذلك بغير ما ورد، وفرق بين السكوت عما لم يرد (¬2) وبين النفي، فكيف إذا كان النفي لما يكون ظاهرًا في الوارد؟ وأبو المعالي يتكلم بمبلغ علمه في هذا الباب وغيره، وكان بارعًا في فن الكلام الذي يشترك فيه أصحابه والمعتزلة -وإن (¬3) كانت المعتزلة هم الأصل فيه- كثير المطالعة (¬4) لكتب أبي هاشم بن الجبائي (¬5)، فأما الكتاب والسنة، وإجماع سلف الأمة، وقول أئمتها، فكان قليل المعرفة ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬2) في الأصل: يرد به. والمثبت من: س، ط. (¬3) في الأصل، س: فإن. والمثبت من: ط. وهو ما يستقيم به الكلام. (¬4) في ط: لكثرة مطالعته. وهو تصحيف. (¬5) هو: أبو هاشم عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب الجبائي، المتكلم المشهور وأحد كبار المعتزلة، ومصنف الكتب على مذهبهم، وإليه تنسب الطائفة "البهشمية" منهم. توفي سنة 321 هـ. شارك هو وأتباعه المعتزلة في أكثر ضلالاتهم، وانفردوا عنهم بفضائح لم يسبقوا إليها، ذكرها عبد القاهر البغدادي في كتابه "الفرق بين الفرق" ص: 184 - 198. وراجع للترجمة: طبقات المعتزلة -للقاضي عبد الجبار- ص: 290 - 294. ووفيات الأعيان -لابن خلكان- 3/ 183، 184. ولسان الميزان -لابن حجر- 4/ 16.

ما قاله أبو المعالي في الآجري ونحوه

به (¬1) جدًّا، وكلامه في غير موضع يدل على ذلك، ولهذا تجده في عامة مصنفاته في أصوله (¬2) وفروعه، إذا اعتمد على قاطع فإنما هو ما يدعيه من قياس عقلي، أو إجماع سمعي، وفي كثير من ذلك ما فيه، فأما الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة وأئمتها، فهو قليل الاعتماد عليه (¬3)، والخبرة به (¬4)، واعتبره بما ذكره في الرد على الآجري (¬5) ونحوه، من العلماء الذين صنفوا في أبواب السنة والرد على أهل الأهواء، وردوا (¬6) عليهم بالسنة والآثار، وذكروا في ذلك أحاديث الصفات، فإنه قال (¬7): (اعلم أن أهل الحق نابذوا المعتزلة وخالفوهم واتبعوا السمع والشرع، وأثبتوا الرؤية والنظر، وأثبتوا الصراط والميزان، وعذاب القبر ومسألة منكر ونكير، والمعراج والحوض، واشتد نكيرهم على من ينسب إلى إنكار مأثور الأخبار، والمستفيض من الآثار (¬8)، في هذه القواعد والعقائد، واتفقوا على أن الحسن والقبيح (¬9) في أحكام التكليف والإيجاب والخطر لا يدرك عقلًا، والمرجع في جميعها إلى موارد الشرع ¬

_ (¬1) في ط: بها. (¬2) في الأصل: أصول. والمثبت من: س، ط. (¬3) في ط: عليها. (¬4) في ط: بها. (¬5) في هامش س: كلام أبي المعالي الجويني في الرد على أبي بكر الآجري. (¬6) في ط: وقد ردوا. (¬7) القائل: أبو المعالي الجويني، ولم أقف عليه في الشامل، والإرشاد، والعقيدة النظامية، ولمع الأدلة، وكلها له. وقد أورده القرطبي في "الأسنى في أسماء الله الحسنى وصفاته العلى" -مخطوط- اللوحة: 253، 254. وسوف أقابل على ما في "الأسنى". (¬8) في الأسنى: في الآثار. (¬9) في الأسنى: القبح والحسن.

وقضايا السمع، ولكنهم لما بلغتهم أخبار (¬1) متشابهة، وألفاظ مشكلة، لم يستبعدوا أن يكون في الأخبار البين الظاهر (¬2) [و] (¬3) المجمل والمشكل (¬4)، فإن الله أخبر أن كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد (¬5)، منه آيات محكمات، وأخر متشابهات، أعرضوا (¬6) عن ذكرها، ولم يشتغلوا بها (¬7)، والدليل عليه أن أئمة السنة، وأخيار (¬8) الأمة، بعد صحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورضي الله عنهم- لم (¬9) يودع أحد منهم كتابه الأخبار المتشابهات (¬10)، فلم يورد مالك - رضي الله عنه - في الموطأ منها شيئًا مما أورده الآجري وأمثاله، وكذلك الشافعي، وأبو حنيفة، وسفيان، والليث، والثوري، ولم يعتنوا (¬11) بنقل المشكلات، ونبعْت ناشئة ضروا بنقل المشكلات، وتدوين المتشابهات، وتبويب أبواب، ورسم تراجم، على ترتيب فطرة المخلوقات ورسموا بابًا في ضحك الباري [وبابًا في نزوله وانتقاله وعروجه ودخوله وخروجه] (¬12) وبابًا في إثبات الأضراس، وبابًا في خلق الله آدم على صورة الرحمن، وبابا في إثبات ¬

_ (¬1) في الأسنى: ألفاظ. (¬2) في ط: والظاهر. (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من: ط، والأسنى. (¬4) في الأسنى: المجمل المشكل. (¬5) تنزيل من حكيم حميد: ساقطة من: الأسنى. (¬6) في الأسنى: وأعرضوا. (¬7) ولم يشتغلوا بها: ساقط من: الأسنى. (¬8) في الأسنى: وأحبار. (¬9) في الأصل، س: ولم. والمثبت من: ط، والأسنى. ولعله المناسب. (¬10) في الأسنى: المتشابهة. (¬11) في س، ط: يفتوا. (¬12) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والأسنى.

تعليق الشيخ بأن هذا القول يجب رده لأمور

القدم والشعر القطط (¬1)، وبابًا في إثبات الأصوات والنغمات -تعالى الله عن قول الزائغين). قال (¬2): (وليس يتعمد جمع هذه الأبواب، وتمهيد هذه الأنساب (¬3) إلّا مشبه على التحقيق، أو متلاعب زنديق). قال -المعظم لأبي المعالي، الناقل لكلامه- أبو عبد الله القرطبي (¬4) -وهو من أكابر علماء الأشعرية- في قول أبي المعالي: (هذا بعض التحامل (¬5)، وقد أثبتنا في هذا الكتاب (¬6) -يعني (¬7) شرح الأسماء الحسنى، فإنه ذكر الصفات في آخره- (¬8) من هذه الأخبار ما صح سنده، وثبت نقله ومورده، وأضربنا عن كثير منها استغناء عنها، لعدم صحتها، فليوقف على ما ذكرنا منها، لنقل الأئمة الثقات لها وحديث النزول (¬9) ثابت في الأمهات، خرجه الثقات الأثبات). قلت: هذا (¬10) الكلام فيه ما يجب رده لأمور (¬11) عظيمة: أحدها: ما ذكره عمن سماهم أهل الحق، فإنه دائمًا يقول: قال ¬

_ (¬1) أي: الجعد القصير. انظر: لسان العرب -لابن منظور- 7/ 380 (قطط). (¬2) أبو المعالي الجويني، والكلام متصل بما قبله في: الأسنى. (¬3) في الأصل: الأسباب. والمثبت من: س، ط، والأسنى. ولعله المناسب. (¬4) في الأسنى في أسماء الله الحسنى وصفاته العلى -مخطوط- اللوحة: 254. (¬5) هذا بعض التحامل: ساقط من: الأسنى. (¬6) في الأسنى: الباب. (¬7) في ط: معنى. وهو تصحيف. (¬8) قوله: "يعني شرح الأسماء الحسنى، فإنه ذكر الصفات في آخره" بيان من الشيخ -رحمه الله تعالى- لاسم الكتاب. (¬9) في الأسنى: حديث التنزيل. (¬10) الإشارة ترجع إلى كلام أبي المعالي المتقدم. (¬11) في جميع النسخ: أمور. ولعل ما أثبته يناسب السياق.

أهل الحق، وإنما يعني أصحابه، وهذه دعوى يمكن كل أحد أن يقول لأصحابه مثلها، فإن أهل الحق الذين لا ريب فيهم هم المؤمنون، الذين لا يجتمعون على ضلالة، فأما أن يفرد (¬1) الإنسان طائفة منتسبة إلى متبوع من الأمة، ويسميها (¬2) أهل الحق، ويشعر بأن كل من خالفها في شيء فهو من أهل الباطل، فهذا حال أهل الأهواء والبدع، كالخوارج والمعتزلة والرافضة، وليس هذا من فعل أهل السنة والجماعة، فإنهم لا يصفون طائفة بأنها صاحبة الحق مطلقًا (¬3) إلا المؤمنين (¬4)، الذين لا يجتمعون على ضلالة، قال الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ} (¬5) وهذا نهاية الحق، والكلام الذي لا ريب فيه أنه حق، قول الله، وقول رسوله الذي هو حق وآت بالحق. قال تعالى: {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ} (¬6)، وقال تعالى: {قَوْلُهُ الْحَقُّ} (¬7). وقول النبي (¬8) - صلى الله عليه وسلم -: "اكتب، فوالذي نفسي بيده ما خرج من بينهما إلّا الحق" (¬9). يعني شفتيه. ¬

_ (¬1) في الأصل: يفرط. وهو تصحيف لا معنى له. والمثبت من: س، ط. (¬2) في الأصل: يسمعها. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط. (¬3) في س: مطلقة. وهو تصحيف. (¬4) في الأصل، س: المؤمنون. والمثبت من: ط. ولعله الصواب. (¬5) سورة محمد، الآية: 3. (¬6) سورة الأحزاب، الآية: 4. (¬7) سورة الأنعام، الآية: 73. (¬8) في س: وقال النبي. وفي ط: وقال رسول الله. (¬9) الحديث مع اختلاف يسير في الألفاظ رواه أبو داود عن عبد الله بن عمرو قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أريد حفظه، فنهتني قريش، وقالوا: أتكتب كل شيء تسمعه، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشر، يتكلم في الغضب والرضا؟ فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأومأ بأصبعه إلى فيه، فقال: "اكتب فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلّا الحق". سنن أبي داود 4/ 60، 61 - كتاب العلم- باب في كتاب العلم =

أهل الحق هم أهل الكتاب والسنة

فأهل الحق، هم أهل الكتاب والسنة، وأهل الكتاب والسنة -على الإطلاق- هم المؤمنون، فليس الحق لازمًا لشخص بعينه، دائرًا معه حيثما دار لا يفارقه قط، إلّا الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذ لا معصوم من الإقرار على الباطل غيره، وهو حجة الله التي أقامها على عباده، وأوجب اتباعه وطاعته في كل شيء على كل أحد. وليس الحق -أيضًا- لازمًا لطائفة دون غيرها إلّا للمؤمنين، فإن الحق يلزمهم، إذ لا يجتمعون على ضلالة، وما سوى ذلك [فقد يكون] (¬1) الحق فيه مع الشخص أو الطائفة في أمر دون أمر، وقد يكون المختلفان كلاهما على باطل، وقد يكون الحق مع كل منهما من وجه دون وجه، فليس لأحد أن يسمي طائفة منسوبة إلى أتباع شخص -كائنًا من كان- غير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنهم أهل الحق، إذ ذلك يقتضي أن كل ما هم عليه فهو حق، وكل من خالفهم في شيء من سائر المؤمنين فهو مبطل، وذلك لا يكون إلّا إذا كان متبوعهم كذلك، وهذا معلوم البطلان بالاضطرار من دين الإسلام، ولو جاز ذلك لكان إجماع هؤلاء حجة، إذا ثبت أنهم هم أهل الحق. ثم هو يذكر أئمته الذين جعلهم أهل الحق، ثم يخالفهم ويخطئهم، كما صنع في مسألة الصفات الخبرية وغيرها، مع أنهم فيها أقرب إلى الحق منهم، فكيف يسوغ لهم أن يخالفوا من شهد لهم بأنهم أهل الحق، فيما اختلف فيه الناس من أصول الدين، وله في ذلك شبه ¬

_ = - الحديث / 3646. وانظره في سنن الدارمي 1/ 103 - المقدمة- باب من رخص في كتابه العلم- الحديث / 490. ومسند الإمام أحمد- شرح أحمد محمد شاكر- 10/ 15، 16 - الحديث / 6510، 11/ 56 الحديث / 6802. قال أحمد شاكر في المصدر السابق: إسناده صحيح. (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.

قوي ببعض أئمة الرافضة، الذين كانوا بالشام، يقال له: ابن العود (¬1)، رأيت له (¬2) فتاوى يدعي فيها في [غير] (¬3) موضع أن الطائفة المحقة هم أتباع المعصوم المنتظر، ويحتج بإجماع الطائفة المحقة، بناء على أن قولهم مأخوذ من (¬4) المعصوم، الذي لا يعرفه أحد، ولم يسمع له بخبر، ولا وقع له على عين ولا أثر، حتى إنه قال: إذا تنازعوا في مسألة على قولين: أحدهما يعرف قائله، دون الآخر، فالقول الذي لا يعرف قائله هو الحق، لأن في أهله الإمام المعصوم، ثم رأيته يخالف أصحابه ويرد عليهم في مواضع، فأين مخالفتهم والرد عليهم، من دعوى أنهم الطائفة المحقة الذين لا يتفقون على باطل؟ وكذلك دعوى كثير من أهل الأهواء والضلال، أنهم المحقون، أو أنهم أهل الله، أو أهل التحقيق، أو أولياء الله، حتى تقفوا (¬5) هذه (¬6) المعاني عليهم دون غيرهم، ويكونون (¬7) في الحقيقة إلى أعداء الله أقرب، وإلى الإبطال أقرب منهم إلى التحقيق بكثير، فهؤلاء لهم شبه قوي بما ذكره الله عن اليهود والنصارى من قوله: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ ¬

_ (¬1) علق على ذلك ناشر الكتاب بقوله: "وفي نسخة ابن العوام". وهو: أبو القاسم الحسين بن العود، نجيب الدين الأسدي الحلي، شيخ الشيعة وأحد أئمتهم. ولد سنة 581 هـ. وتوفي سنة 678 هـ. انظر: البداية والنهاية -لابن كثير- 13/ 272. (¬2) في الأصل: فيها. والمثبت من: س، ط. لعله المناسب للسياق. (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬4) في س، ط: عن. (¬5) في ط: توقف. (¬6) في الأصل: على هذه. والكلام يستقيم بالمثبت من: س، ط. (¬7) في الأصل: يكون. ولعل المثبت من: س، ط. هو المناسب لسياق الكلام.

الثاني: أنه ذكر عنهم أنهم اتبعوا السمع والشرع وذكر عنهم أنه لم يثبت لله صفة بالسمع

وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112) وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} (¬1) وقوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} (¬2). الثاني: إنه ذكر عنهم أنهم اتبعوا السمع والشرع، وهو قد ذكر في أصولهم التي بها صاروا أهل الحق عندهم، أنه لم يثبت لله صفة بالسمع، بل إنما تثبت (¬3) صفاته بالعقل المجرد، وأن الذين أثبتوا ما جاء في القرآن، منهم من أثبته بالعقل، ومنهم من أثبته بالسمع، ورد هو على الطائفتين، فأي اتباع للسمع والشرع إذا لم يثبت به شيء من صفات الله بالشرع؟ بل وجوده كعدمه فيما أثبتوه ونفوه من الصفات، فأئمتهم كانوا يثبتون الصفات بالسمع وبالعقل، أو بالسمع ويجعلون العقل مؤكدًا، فخالفهم (¬4) في ذلك، فأين اتباعهم للسمع والشرع، وقد عزلوه عن الحكم به، والاحتجاج به، والاستدلال به؟ الثالث: قوله: "يشتد نكيرهم على من ينتسب إلى إنكار مأثور الأخبار والمستفيض من الآثار". فيقال له: إذا لم يستفد منها ثبوت معناها، فأي إنكار لها أبلغ من ذلك؟ وأنت قد ذكرت إعراضهم عنها، وقلت فيها من الفرية ما سنذكر ¬

_ (¬1) سورة البقرة، الآيات: 111 - 113. (¬2) سورة المائدة، الآية: 18. (¬3) في س ثبتت. (¬4) في س، ط: في الفهم. وهو تصحيف.

الرابع: ما يثبتونه من أمر الآخرة على وجه الجلة يشركهم فيه آحاد العوام

بعضه، فهل الإنكار لمأثور الأخبار ومستفيضها إلا من جنس ما ذكرته في هذا الكلام؟ الرابع: ما ذكره أنهم يثبتون ما يثبتونه من أمر الآخرة. فيقال لهم: هذا يثبتونه على وجه الجملة إثباتًا يشركهم فيه آحاد العوام، ولا يعلمون من تفصيل ذلك ما يجاب به أدنى السائلين، وليس في كتبهم ما في ذلك من الأحاديث التي وصف بها النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك، ولهذا تجدهم بذلك من أقل الناس علمًا بها، أو تجدهم مرتابين فيها أو مكذبين، فأي تعظيم بمثل هذا؟ وأي مزية بمثل (¬1) هذا (¬2) على أوساط العوام أو أدناهم؟ بل كثير من عوام المؤمنين يؤمن من تفاصيل (¬3) هذه الأمور، يعلم (¬4) منها ما (¬5) أخبر به الشارع ما ليس مذكورًا في أصول هؤلاء، وإنما الفضيلة على عموم المؤمنين، بأن يكون الإنسان أو الطائفة من أهل العلم، الذي لا يوجد عند عموم (¬6) المؤمنين، وليس فيما ذكره من هذه الأصول ذلك. الخامس: لحجة (¬7) أنهم نفوا التحسين والتقبيح العقلي، وجعلوا أحكام الأفعال لا تتلقى إلّا من الشرع (¬8) [فإنه بين ذلك تعظيمهم للشرع] (¬9) واتباعهم له، وأنهم لا يعدلون عنه ليثبت بذلك تسننهم، ¬

_ (¬1) بمثل: ساقطة من: س، ط. (¬2) في س، ط: بهذا. (¬3) في ط: يؤمن بتفاصيل. (¬4) في الأصل: يؤمن. والمثبت من: س، ط. ولعله المناسب للكلام. (¬5) في ط: مما. (¬6) في س: هموم. (¬7) في الأصل: بحجة. وفي ط: الحجة. والمثبت من: س. ولعله المناسب لسياق الكلام الذي بدأ بقوله: "أمور عظيمة أحدها. . " ص: 902. (¬8) قوله: "الأفعال لا تتلقى إلا من الشرع" كرر في: س. (¬9) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. وقد كرر في: س.

وهذا الأصل هو من الأصول (¬1) المبتدعة في الإسلام، لم يقل أحد من سلف الأمة وأئمتها أن العقل لا يحسن ولا يقبح، أو أنه لا يعلم بالعقل حسن فعل ولا قبحه، بل النزاع في ذلك [حادث في حدوث المائة الثالثة، ثم النزاع في ذلك] (¬2) بين فقهاء الأمة وأهل الحديث والكلام منها (¬3)، فما من طائفة إلّا وهي متنازعة في ذلك، ولعل أكثر الأمة تخالف في ذلك، وقد كتبنا في غير هذا الموضع فصل النزاع في هذه المسألة (¬4)، وبينا ما مع هؤلاء فيها من الحق، وما مع هؤلاء فيها من الحق. ثم يقال: ولو كانت هذه المسألة حقًّا على الإطلاق، فليس لك (¬5) ولا لأصحابك فيها حجة نافية، بل عمدتك (¬6) وعمدة. . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) في الأصل: أصول. والمثبت من: س، ط. ولعله المناسب للسياق. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من: س. (¬3) مسألة تحسين العقل وتقبيحه فيها نزاع مشهور. فالمعتزلة ومن وافقهم من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وأهل الحديث وغيرهم، يثبتون التحسين والتقبيح العقلي. والأشعرية ومن وافقهم من أصحاب مالك والثمافعي وأحمد وغيرهم ينفون. واتفق الفريقان على أن الحسن والقبح، إذا فسرا بكون الفعل نافعًا للفاعل ملائمًا له، وكونه ضارًّا للفاعل منافرًا له أنه يمكن معرفته بالعقل، كما يعرف بالشرع. انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية- 8/ 90. ونهاية الإقدام -للشهرستاني- ص: 370 - 396. (¬4) انظر فصل النزاع في هذه المسألة في: مجموع فتاوى ابن تيمية- 8/ 428 - 436. (¬5) لك: ساقطة من: س. (¬6) انظر ما اعتمد عليه الجويني في "الإرشاد" ص: 258 - 267: في أن العقل لا يدل على حسن شيء ولا قبحه في حكم التكليف، وإنما يتلقى التحسين والتقبيح من موارد الشرع، وموجب السمع.

القاضي (¬1) ونحوكما على مطالبة الخصم بالحجة، والقدح فيما يبديه (¬2)، والقدح في دليل المنازع إن صح، لا يوجب العلم بانتفاء قوله، إن لم يقم على النفي دليل. وعمدة إمام المتأخرين ابن الخطيب (¬3) الاستدلال على ذلك بالجبر، وهو من أفسد الحجج، فإن الجبر سواء كان حقًّا أو باطلًا، كما لا يبطل الحكم الشرعي لا ينفي ثبوت أحكام معلومة بالعقل، كما لا ينفي الأحكام التي يثبتها الشارع. وعمدة الآمدي (¬4) بعده أن الحسن والقبح عرض، والعرض لا يقوم بالعرض. وهذا من المغاليط التي لا يستدل بها إلّا جاهل أو مخالط، فإنه يقال في ذلك ما يقال في سائر صفات الأعراض، وغايته أن يكون كلاهما قائمًا بمحل العرض، ونفي الحكم المعلوم بالعقل، مما عده من بدع الأشعري التي أحدثها في الإسلام، علماء أهل الحديث والفقه والسنة، كأبي نصر السجزي، وأبي القاسم سعد بن علي الزنجاني (¬5) ¬

_ (¬1) رأي القاضي ابن الباقلاني في مسألة التحسين والتقبيح العقلي، وما اعتمد عليه من منع أن يكون في العقل بمجرده طريق إلى العلم بقبح فعل أو حسنه، يمكن الاطلاع عليه في: "التمهيد" ص: 105، 341 - 344. (¬2) في س: بيده. (¬3) أبو عبد الله الرازي. وانظر عمدته في هذه المسألة والاستدلال على ذلك بالجبر في "المحصل" ص: 202، 203: فهو يرى أنه لا يقبح من العبد شيء، لأن ما يصدر عنه على سبيل الاضطرار وبالاتفاق لا يقبح من المضطر شيء. (¬4) انظر حجة الآمدي على أن الحسن والقبح ليس وصفًا ذاتيًّا بل هو أمر إضافي يمكن أن يتغير ويتبدل بالنسبة للأشخاص والأزمان في "أبكار الأفكار" -مخطوط- اللوحة 87. (¬5) هو: أبو القاسم سعد بن علي بن محمد بن حسين الزنجاني، الحافظ الزاهد، =

السادس: تسمية الأخبار التي أخبر بها الرسول عن ربه أخبارا متشابهة من حال أهل البدع

دع من سواهم. السادس: تسمية الأخبار التي أخبر بها الرسول عن ربه أخبارًا متشابهة، كما يسمون آيات الصفات متشابهة، وهذا كما يسمي المعتزلة الأخبار المثبتة للقدر متشابهة، وهذه حال أهل البدع والأهواء، الذين يسمون ما وافق آراءهم من الكتاب والسنة محكمًا، وما خالف آراءهم متشابهًا، وهؤلاء كما قال تعالى: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ} (¬1). وكما قال تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} (¬2)، وكما قال تعالى (¬3): {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} (¬4). السابع: قياسه لما سماه المتشابه في الأخبار على المتشابه في آي الكتاب، ليلحقه به في الإعراض عن ذكره وعدم الاشتغال [به] (¬5) -وحاشا الله (¬6) - أن يكون في كتاب الله ما أمر المسلمون بالإعراض عنه ¬

_ = شيخ الحرم، عارف بالسنة، وكان ممن يذم الآراء والأهواء، توفي سنة 471 هـ. انظر: تذكرة الحفاظ -للذهبي- 3/ 1174 - 1178. والوافي بالوفيات -للصفدي- 15/ 180. وشذرات الذهب -لابن العماد- 3/ 339، 340. (¬1) سورة النور، الآيات 47 - 50. (¬2) سورة البقرة، الآية: 85. وقد جاء في جميع النسخ {يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض} وهو خطأ. (¬3) تعالى: ساقطة من: س. (¬4) سورة المؤمنون، الآية: 53. (¬5) ما بين المعقوفتين زيادة رأيت أن الكلام يستقيم بها. (¬6) في س، ط: لله.

وعدم التشاغل به، أو أن يكون سلف الأمة وأئمتها أعرضوا عن شيء من كتاب الله، لا سيما الآيات المتضمنة لذكر أسماء الله وصفاته، فما منها آية إلا وقد روى الصحابة فيما يوافق معناها ويفسره (¬1) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وتكلموا في ذلك بما لا يحتاج معه إلى مزيد، كقوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ} (¬2). فإن المتأخرين، وإن كان فيهم من حرف، فقال: بقبضته، بقدرته، ويمينه (¬3): بقوته، أو بقسمه أو غير ذلك، فقد استفاضت الأحاديث الصحيحة التي رواه خيار الصحابة وعلماؤهم، وخيار التابعين وعلماؤهم، بما يوافق ظاهر الآية، ويفسر المعنى، كحديث أبي هريرة المتفق عليه (¬4)، وحديث عبد الله بن عمر -المتفق عليه (¬5) - وحديث ابن مسعود في قصة الحبر (¬6) -المتفق عليه- وحديث ابن عباس الذي رواه ¬

_ (¬1) في ط: يفسروه. (¬2) سورة الزمر، الآية: 67. (¬3) في ط: قبضته قدرته وبيمينه. (¬4) ولفظه: أن أبا هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يقبض الله الأرض ويطوي السماوات بيمينه ثم يقول: أنا الملك أين ملوك الأرض". صحيح البخاري 6/ 33 - كتاب التفسير- تفسير سورة الزمر- باب قوله: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. .} الآية. (¬5) روى مسلم عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يطوي الله -عزَّ وجلَّ- السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك. أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين بشماله. ثم يقول: أنا الملك. أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ". صحيح مسلم 4/ 2148 - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم- كتاب صفة القيامة والجنة والنار- الحديث / 24. (¬6) في الأصل، ط: الخبر. وهو تصحيف. والمثبت من: س، وصحيح البخاري. فقد أخرج البخاري عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: =

الترمذي وصححه (¬1) وغير ذلك، وكذلك أنه خلق آدم بيديه (¬2) وغير ¬

_ = "جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا محمد إنا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع وسائر الخلائق على إصبع، فيقول: أنا الملك. فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجذه تصديقًا لقول الحبر، ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}. صحيح البخاري 6/ 33 - كتاب التفسير. تفسير سورة الزمر. باب قوله {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}. (¬1) روى الترمذي عن عبد الله بن عبد الرحمن، أخبرنا محمد بن الصلت، حدثنا أبو كدينة عن عطاء بن السائب عن أبي الضحى عن ابن عباس قال: مر يهودي بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا يهودي حدثنا" فقال: كيف تقول يا أبا القاسم إذا وضع الله السموات على ذه، والأرض على ذه، والماء على ذه، والجبال على ذه، وسائر الخلق على ذه، وأشار محمد بن الصلت بخنصره أولًا، ثم تابع حتى بلغ الإبهام، فأنزل الله {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب صحيح لا نعرفه من حديث ابن عباس إلا من هذا الوجه. سنن الترمذي 5/ 371، 372 - كتاب تفسير القرآن- باب ومن سورة الزمر الحديث / 3240. (¬2) في س: بيده. ويدل على ذلك قوله تعالى: {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} الآية: 75. وقد استفاضت الأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما يوافق ظاهر هذه الآية وغيرها ويفسر المعنى، ولا يتسع المقام لذكرها، ولكن أكتفي بالإحالة على بعضها. انظر: صحيح البخاري 8/ 172، 173 - كتاب التوحيد- باب قول الله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}. صحيح مسلم 4/ 2043 - كتاب القدر- باب حجاج آدم وموسى -عليهما السلام- الحديث / 15. سنن الترمذي 4/ 444 - كتاب القدر- باب ما جاء في حجاج آدم وموسى -عليهما السلام- الحديث / 2134.

الثامن: ما قاله عن أئمة السلف لا يقوله إلا من كان من أبعد الناس عن معرفتهم

ذلك (¬1). الثامن: قوله: " [و] (¬2) الدليل عليه أن أئمة السنة وأخيار الأمة بعد صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يودع أحد منهم كتابه الأخبار المتشابهات، فلم يورد مالك - رضي الله عنه - في الموطأ منها شيئًا، كما أورده الآجري وأمثاله، وكذلك الشافعي، وأبو حنيفة، وسفيان، والليث، والثوري، ولم يعتنوا بنقل المشكلات". فإن هذا الكلام لا يقوله إلّا من كان من أبعد الناس عن معرفة هؤلاء الأئمة، وما نقلوه وصنفوه، وقوله رجم بالغيب من كان بعيدًا، فإن نقل هؤلاء الأئمة وأمثالهم لهذه الأحاديث، مما يعرفه من له أدنى نصيب من معرفة هؤلاء [الأئمة] (¬3) وهذه الأحاديث من (¬4) هؤلاء وأمثالهم أخذت، وهم الذين أدوها إلى الأمة، والكذب في هذا الكلام أظهر من أن يحتاج إلى بيان، لكن قائله لم يتعمد الكذب، ولكنه كان قليل المعرفة بحال هؤلاء، وظن أن نقل هذه الأحاديث لا يفعله إلّا الجاهل، الذين يسميهم المشبهة (¬5) أو الزنادقة، وهؤلاء برآء عنده من ذلك، فتركب من قلة علمه بالحق، ومن هذا الظن الناشئ عن الاعتقاد الفاسد هذا الكلام، الذي فيه من الفرية والجهل والضلال ما لا يخفى على أدنى الرجال. التاسع: قوله لم يورد مالك في الموطأ منها شيئًا، وقد ذكر أحاديث النزول، وأحاديث الضحك فيما أنكره، ومن المعلوم أن حديث ¬

_ = مسند الإمام أحمد 2/ 392. (¬1) في س، ط: وغير ذلك من الآيات. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والأسنى. (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬4) في س، ط: عن. (¬5) في الأصل، س: مشبهة. والمثبت من: ط. ولعله المناسب.

النزول من أشهر حديث في موطأ مالك رواه عن (¬1) أجل شيوخه ابن شهاب (¬2) عمن هو من أجل شيوخه أبي سلمة (¬3) بن عبد الرحمن، وأبي عبد الله الأغر (¬4) عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ " (¬5)، وقد رواه أهل الصحاح كالبخاري ومسلم من طريق مالك وغيره، وأحاديث النزول متواترة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - رواها أكثر من عشرين نفسًا من الصحابة بمحضر بعضهم من بعض، والمستمع لها [منهم] (¬6) يصدق المحدث بها ويقره، ولم ينكرها منهم أحد، ورواه [أئمة] (¬7) التابعين، وعامة ¬

_ (¬1) في الأصل: من. والمثبت من: س، ط. ولعله المناسب للسياق. (¬2) هو: أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري، تقدم التعريف به. روى عنه مالك في الموطأ (132) حديثًا. انظر: تجريد التمهيد -لابن عبد البر- ص: 116. (¬3) في س: مسلمة. هو: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، اسمه كنيته، من كبار أئمة التابعين، وأحد فقهاء المدينة الثقات الأثبات، غزير العلم. توفي سنة 94 هـ. انظر: تذكرة الحفاظ -للذهبي- 1/ 63. وتهذيب التهذيب -لابن حجر 12/ 115 - 118. والتمهيد- بن عبد البر- 7/ 57، 58. (¬4) هو: أبو عبد الله عبيد الله بن سليمان الأغر، وثقه أبو داود والنسائي وابن معين. انظر: تهذيب التهذيب -لابن حجر- 7/ 18. وخلاصة تهذيب الكمال -لصفي الدين الأنصاري- ص: 250. (¬5) تقدم تخريجه، وانظره في: موطأ مالك ص: 149، 150. كتاب القرآن- باب ما جاء في الدعاء- الحديث / 30. (¬6) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬7) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.

أحاديث الضحك متواترة عن النبي -عليه السلام-

الذين سماهم من الأئمة رووا ذلك، وأودعوه كتبهم، وأنكروا على من أنكره. قال شارح الموطأ، الشرح الذي لم يشرح [أحد] (¬1) مثله الإمام أبو عمر بن عبد البر (¬2): (هذا حديث ثابت من (¬3) جهة النقل، صحيح الإسناد، لا يختلف أهل الحديث في صحته". قال (¬4): (هو حديث منقول من طريق سوى هذه من أخبار (¬5) العدول عن النبي - صلى الله عليه وسلم -). (وفيه (¬6) دليل على أن الله -عزَّ وجلَّ- في السماء على العرش من فوق سبع سماوات، كما قالت الجماعة، وهو من حجتهم على المعتزلة (¬7) في قولهم: إن الله في كل مكان، وليس على العرش)، وبسط الكلام في ذلك. وكذلك أحاديث الضحك متواترة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد رواها (¬8) [الأئمة، وروى مالك في الموطأ (¬9) منها حديثه عن أبي الزناد (¬10) عن ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬2) التمهيد -لابن عبد البر- 7/ 128. (¬3) في ط: فمن. (¬4) ابن عبد البر، والكلام بعد سطرين في: التمهيد. (¬5) في التمهيد: من طرق متواترة، ووجوه كثيرة من أخبار. . . (¬6) هذا النقل في التمهيد 7/ 129 ويفصله عن النقل المتقدم سبعة أسطر تقريبًا. (¬7) في التمهيد: المعتزلة والجهمية. (¬8) في س: روا. وهو تصحيف. (¬9) الموطأ ص: 285 - كتاب الجهاد- باب الشهداء في سبيل الله- الحديث / 28 ولم يرد فيه قوله: {فِي سَبِيلِ اللَّهِ} الثانية. (¬10) هو: أبو عبد الرحمن عبد الله بن ذكوان، القرشي المدني، المعروف بأبي الزناد الإمام الثبت، وأحد الفقهاء، أجمع العلماء على توثيقه، روى عنه الإمام مالك وغيره. توفي سنة 130 هـ. قال البخاري: أصح أحاديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أبو الزناد عن الأعرج =

الأعرج (¬1) عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2) قال: "يضحك الله إلى رجلين، يقتل أحدهما الآخر، كلاهما يدخل الجنة، يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل، ثم يتوب الله على القاتل، فيقاتل في سبيل الله، فيستشهد"، وقد أخرجه أهل الصحاح من حديث مالك، وغير مالك (¬3)، ورواه ¬

_ = عن أبي هريرة. انظر: تاريخ الثقات -للعجلي- ص: 254. وميزان الاعتدال -للذهبي - 2/ 418 - 420. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 5/ 203 - 205. (¬1) هو: أبو صفوان حميد بن قيس الأعرج المكي، أحد الثلاثة الذين أخذ عنهم أهل مكة القراءة، وثقه أحمد وغيره، روى عنه السفيانان ومالك وأبو حنيفة وغيرهم. توفي سنة 130 هـ. انظر: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 1/ 2 / 227، 228. وميزان الاعتدال -للذهبي- 1/ 615. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 2/ 46، 47. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من: س. (¬3) فأخرجه البخاري عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة بهذا اللفظ دون ذكر اللفظ (كلاهما) و (فيقاتل في سبيل الله). صحيح البخاري 3/ 210 كتاب الجهاد- باب الكافر يقتل المسلم ثم يسلم فيسدد بعد ويقتل. وأخرجه مسلم عن سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة بهذا اللفظ ولكن بزيادة: فقالوا: كيف يا رسول الله؟ بعد قوله - عليه السلام - "كلاهما يدخل الجنة" وزيادة: (فيسلم) بعد قوله - عليه السلام -: "يتوب الله على القاتل". وأخرج مسلم -أيضًا- مع اختلاف في اللفظ عن عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. صحيح مسلم 3/ 1504، 1505، كتاب الجهاد- باب بيان الرجلين يقتل أحدهما الآخر ويدخلان الجنة. الحديثان / 128، 129. وأخرجه النسائي بهذا اللفظ في سننه 6/ 32. كتاب الجهاد- باب اجتماع القاتل والمقتول في سبيل الله في الجنة. عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة. ورواه بلفظ آخر عن سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة. وأخرجه ابن ماجة في سننه 1/ 68 - المقدمة- باب فيما أنكرت الجهمية =

-أيضًا- سفيان الثوري الإمام عن أبي الزناد وحدث به (¬1). وقد روى صاحبا الصحيحين منها قطعة مثل هذا الحديث، ومثل حديث أبي هريرة وحديث أبي سعيد الطويل المشهور (¬2)، وفيه: "فلا يزال يدعو الله حتى يضحك الله منه (¬3)، فإذا ضحك الله منه قال: ادخل (¬4) الجنة" (¬5) ورواه أعلم التابعين بإجماع المسلمين سعيد بن المسيب (¬6) عن ¬

_ = - الحديث / 191 عن سفيان عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، مع زيادة في بعض الألفاظ. (¬1) تقدمت الإشارة إلى رواية سفيان أثناء تخريج الحديث. (¬2) وهو حديث الرؤية والشفاعة الطويل، وهو في حقيقته من مسند أبي هريرة وأبي سعيد الخدري - رضي الله عنهما - معًا، لأنه ثبت في آخره أن أبا سعيد جالس مع أبي هريرة ولا يغير عليه شيئًا من حديثه، حتى انتهى إلى قوله (هذا لك ومثله معه) فقال أبو سعيد: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "هذا لك وعشرة أمثاله" قال أبو هريرة: حفظت "مثله معه". انظر: المسند للإمام أحمد -شرح أحمد محمد شاكر- 14/ 136، 137. (¬3) في الأصل، س: عنه. وهو تصحيف. والمثبت من: ط، ومصادر التخريج. (¬4) في س، ط: قال له: ادخل. (¬5) الحديث بهذا اللفظ أخرجه مسلم عن الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب وعطاء بن يزيد الليثي أن أبا هريرة أخبرهما: أن الناس قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ صحيح مسلم 1/ 163 - 167. كتاب الإيمان- باب معرفة طريق الرؤية. الحديث / 99. وأخرجه مع اختلاف في اللفظ عن الزهري عن سعيد وعطاء، البخاري في صحيحه 7/ 205، 206. كتاب الرقاق. باب: الصراط جسر جهنم. ورواه الإمام أحمد في مسنده 2/ 533، 534 عن الزهري عن عطاء عن أبي هريرة - رضي الله عنه. (¬6) هو: أبو محمد سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب القرضي المخزومي. عالم المدينة وسيد التابعين في زمانه. توفي سنة 94 هـ. يقول قتادة: ما رأيت أحدًا قط أعلم بالحلال والحرام منه. انظر: الطبقات الكبرى -لابن سعد- 5/ 119 - 143. وسير أعلام النبلاء =

أبي هريرة، وغير سعيد -أيضًا- ورواه عنه الزهري، وعنه أصحابه، وفي هذا الحديث: "فيأتيهم الله في صورة غير صورته التي يعرفون، فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاء ربنا عرفناه (¬1)، فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون" (¬2). وهذا الحديث في الصحيحين من طريق آخر (¬3)، عن أبي سعيد من رواية الليث بن سعد (¬4) -إمام المسلمين- وغيره، الذي زعم أنه لم يكن يروي هذه الأحاديث، وفيه ألفاظ عظيمة أبلغ من الحديث الأول كقوله: "فيرفعون رؤوسهم، وقد تحوّل في صورته التي رأوه (¬5) فيها أول مرة" (¬6)، وقوله فيه:. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = -للذهبي- 4/ 217 - 246. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 4/ 84 - 88. (¬1) في س: عرفنا. وهو سهو من الناسخ. (¬2) جاء في صحيح مسلم، بعد قوله: (غير صورته التي يعرفون، قوله: (فيقول: أنا ربكم). وكذا في صحيح البخاري والمسند. (¬3) في س، ط: أخرى. الحديث مع اختلاف في الألفاظ أخرجه البخاري في صحيحه من الطريق الذي ذكره الشيخ -رحمه الله- 8/ 181 - 183. كتاب التوحيد. باب قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}. ومسلم في صحيحه 1/ 167 - 171. كتاب الإيمان. باب معرفة طريق الرؤية. الحديث / 302. (¬4) هو: أبو الحارث الليث بن سعد بن عبد الرحمن النهمي، شيخ الديار المصرية وعالمها، كان كثير العلم، ثقة ثبتًا، استقل بالفتوى في زمانه، توفي سنة 175 هـ. انظر تاريخ بغداد -للخطيب- 13/ 3 - 14. ووفيات الأعيان -لابن خلكان - 4/ 129 - 132. وتذكرة الحفاظ -للذهبي- 1/ 224 - 226. (¬5) في الأصل: رواه. وفي س: رواوه. وكلاهما تصحيف. والمثبت من: ط، وصحيح مسلم. (¬6) هذا لفظ مسلم، لكن ورد فيه: (ثم يرفعون. . .).

"فيكشف عن ساق" (¬1)، وقوله: "فيقول الجبار بقيت شفاعتي فيقبض قبضة من النار فيخرج (¬2) أقوامًا قد امتحشوا" (¬3). وقد روى مالك (¬4) -أيضًا- عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لما قضى الله الخلق كتب عنده فوق عرشه إن رحمتي سبقت غضبي" (¬5)، وقد أخرجه أصحاب الصحيح كالبخاري من طريقه وطريق غيره. وروى البخاري في صحيحه عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن (¬6) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله يقبض يوم القيامة الأرضين وتكون ¬

_ (¬1) هذا لفظ البخاري. (¬2) في ط: يخرج. بدون الفاء. (¬3) أي: احترقوا. وهذا لفظ البخاري. (¬4) ذكر ابن عبد البر في تجريد التمهيد ص: 92: أن لمالك عن أبي الزناد في الموطأ أربعة وخمسين حديثًا كلها مسندة، وقد تتبعتها فلم أقف على هذا الحديث، الذي ذكره الشيخ -رحمه الله. وقد أخرجه البخاري من طريق مالك عن أبي الزناد- كما سيأتي في تخريج الحديث. (¬5) الحديث بهذا اللفظ أخرجه البخاري في صحيحه 8/ 187، 188 - كتاب التوحيد. باب: (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين) عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة. ورواه من هذا الطريق ومن طريق آخر وبألفاظ مختلفة: البخاري في صحيحه 8/ 171 كتاب التوحيد- باب قول الله تعالى {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}، وص 176 باب وكان عرشه على الماء. . . ومسلم في صحيحه 4/ 2107، 2108 كتاب التوبة- باب في سعة رحمة الله، وأنها سبقت غضبه. الأحاديث / 14، 15، 16. وابن ماجة في سننه 2/ 1435.- كتاب الزهد- باب ما يرجى من رحمة الله يوم القيامة- الحديث / 4295. والإمام أحمد في المسند 2/ 466. وغيرهم. (¬6) في ط: أن.

السماوات بيمينه ثم يقول: أنا الملك" (¬1). قال (¬2): رواه سعيد عن مالك. وقد روى مالك في موطئه (¬3) عن زيد بن أسلم، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، أنه أخبره عن مسلم بن يسار الجهني، أن عمر بن الخطاب سئل عن هذه (¬4) الآية: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا} (¬5). . . الآية، فقال عمر بن الخطاب: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسأل عنها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله -تبارك وتعالى- خلق آدم، ثم مسح ظهره بيمينه، فاستخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون". فقال رجل: يا رسول الله ففيم العمل؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله -تبارك وتعالى- إذا خلق العبد للجنة، استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة (¬6)، وإذا خلق العبد للنار، استعمله بعمل أهل النار، حتى ¬

_ (¬1) صحيح البخاري 8/ 173.-كتاب التوحيد- باب قول الله تعالى: {لما خلقت بيدي} وجاء فيه (الأرض) بدلًا من (الأرضين). (¬2) قال: ساقطة من: ط. وقد شطبها في: س. والقائل هو: البخاري -رحمه الله. (¬3) الموطأ -كتاب القدر- باب النهي عن القول بالقدر- ص: 560 - الحديث / 2. (¬4) عن هذه: كررت في الأصل. وهو سهو من الناسخ. (¬5) سورة الأعراف، الآية: 172. وفي س: وذريتهم. وهو تصحيف. وجاء في الموطأ بعد قوله (شهدنا) قوله: (أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين). (¬6) في الموطأ: سنن الترمذي وأبي داود: "أهل الجنة فيدخله الجنة".

يموت على عمل من أعمال أهل النار" (¬1). وهذا الحديث إنما رواه أهل السنن والمساند، كأبي داود والترمذي والنسائي، وقال (¬2): حديث حسن. وقد قيل: إن إسناده منقطع، وأن واوية مجهول (¬3)، ومع هذا فقد رواه مالك في الموطأ (¬4)، مع أنه أبلغ من غيره لقوله: (ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية). ¬

_ (¬1) في الموطأ وسنن الترمذي وأبي داود: "أهل النار فيدخله به النار". وانظر الحديث في سنن أبي داود 5/ 79، 80.- كتاب السنة- باب في القدر - الحديث / 4703. وسنن الترمذي 5/ 266 - كتاب تفسير القرآن- باب: ومن سورة الأعراف الحديث / 3075. ومسند الإمام أحمد 1/ 44. (¬2) أي: الترمذي. (¬3) قال الترمذي: "هذا حديث حسن، ومسلم بن يسار لم يسمع من عمر، وقد ذكر بعضهم في هذا الإسناد بين مسلم بن يسار وبين عمر رجلًا مجهولًا". وهذا الرجل هو نعيم بن ربيعة، وقد ذكره أبو داود -المصدر السابق-. يقول ابن كثير في تفسيره 2/ 263: "الظاهر أن الإمام مالكًا إنما أسقط ذكر نعيم بن ربيعة عمدًا لما جهل حال نعيم ولم يعرفه، فإنه غير معروف إلا في هذا الحديث، ولذلك يسقط ذكر جماعة ممن لا يرتضيهم، ولهذا يرسل كثيرًا من المرفوعات، ويقطع كثيرًا من الموصولات. وقد ذكر أحمد محمد شاكر- شارح المسند 1/ 290 - أن نعيم بن ربيعة ذكره ابن حبان في الثقات، وترجم له البخاري في التاريخ الكبير فلم يذكر فيه جرحًا. فائدة: المنقطع: هو كل ما لم يتصل إسناده. والمقطوع: هو ما أضيف إلى التابعي من قول أو فعل. فالمقطوع غير المنقطع، لأن المنقطع من صفات الإسناد، والمقطوع من صفات المتن. انظر: الباعث الحثيث -لابن كثير- ص: 24، 28. ومنهج النقد في علوم الحديث- د. نور الدين عتر- ص: 327، 367. (¬4) كما تقدم.

أبو المعالي مع فرط ذكائه وحرصه على العلم قليل المعرفة بالآثار النبوية

ومن العجب أن الآجري يروي كتاب الشريعة (¬1) له من طريق مالك والثوري والليث وغيوهم، فلو تأمل (¬2) أبو المعالي وذووه (¬3) الكتاب الذي أنكروه لوجدوا فيه ما يخصمهم، ولكن أبو (¬4) المعالي، مع فرط ذكائه، وحرصه على العلم، وعلو قدره في فنه، كان قليل المعرفة بالآثار النبوية (¬5)، ولعله لم يطالع الموطأ بحال حتى يعلم ما فيه، فإنه لم يكن له بالصحيحين البخاري ومسلم وسنن أبي داود والنسائي والترمذي، وأمثال هذه السنن علم أصلًا، فكيف بالموطأ ونحوه؟ وكان مع حرصه على الاحتجاج في مسائل الخلاف في الفقه، إنما عمدته سنن أبي الحسن الدارقطني (¬6)، وأبو الحسن مع تمام إمامته في الحديث، فإنه إنما صنف هذه السنن كي يذكر فيها الأحاديث المستغربة في الفقه، ويجمع طرقها، فإنها هي التي يحتاج فيها إلى مثله، فأما الأحاديث ¬

_ (¬1) أبو الحسن الآجري يروي من طريق هؤلاء في كتابه الشريعة في غير موضع. انظر مثلًا: روايته عن مالك في باب الإيمان بأن الله -عزَّ وجلَّ- ينزل إلى السماء الدنيا ص: 308. وعن الثوري في نفس الباب ص: 309. وعن الليث بن سعد في باب الإيمان بأن لله -عزَّ وجلَّ- يدين، وكلتا يديه يمين ص: 322. (¬2) في الأصل: تأول. وهو تصحيف. والمثبث من: س، ط. (¬3) في جميع النسخ: وذويه. ولعل الصواب ما أثبته. (¬4) هكذا في جميع النسخ على الحكاية. والمشهور: ولكن أبا. (¬5) تقدم قول الذهبي في أبي المعالي الجويني، وأنه مع فرط ذكائه وإمامته في الفروع وأصول المذهب، وقوة مناظرته لا يدري الحديث كما يليق به، لا متنًا ولا إسنادًا. وانظر: سير أعلام النبلاء -للذهبي- 18/ 471. (¬6) ذكر ابن عساكر في "تبيين كذب المفتري" ص: 285، أنا أبا المعالي الجويني سمع سنن الدارقطني من أبي سعد بن عليك وكان يعتمد تلك الأحاديث في مسائل الخلاف.

المشهورة في الصحيحين وغيرهما فكان يستغني عنه (¬1) في ذلك، فلهذا كان مجرد الاكتفاء بكتابه في هذا الباب، يورث جهلًا عظيمًا بأصول الإسلام، واعتبر ذلك بأن كتاب أبي (¬2) المعالي الذي هو نخبة عمره: "نهاية المطلب في دراية المذهب" (¬3) ليس فيه حديث واحد معزو إلى صحيح البخاري، إلّا حديث واحد في البسملة، وليس ذلك الحديث في البخاري -كما ذكره- ولقلة علمه وعلم أمثاله بأصول الإسلام، اتفق أصحاب الشافعي على أنه ليس لهم وجه في مذهب الشافعي، فإذا لم يسوغ أصحابه أن يعتد بخلافهم في مسألة من فروع الفقه، كيف يكون حالهم في غير هذا؟! وإذا اتفق أصحابه على أنه لا يجوز أن يتخذ (¬4) إمامًا في مسألة واحدة من مسائل الفروع، فكيف يتخذ إمامًا في أصول الدين؟! مع العلم بأنه [إنما] (¬5) نبل قدره عند الخاصة والعامة، بتبحره في مذهب الشافعي - رضي الله عنه - لأن مذهب الشافعي مؤسس على الكتاب والسنة، وهذا الذي ارتفع به عند المسلمين، غايته فيه أن يوجد منه نقل جمعه أو بحث تفطن له لا (¬6) يجعل إمامًا فيه، كالأئمة الذين لهم وجوه، فكيف بالكلام الذي نص الشافعي وسائر الأئمة (¬7) على أنه ليس ¬

_ (¬1) في ط: عنها. (¬2) في جميع النسخ: أبا. ولعل ما أثبته الصواب. (¬3) تقدم الكلام عليه ص:. (¬4) أن يتخذ: ساقطة من: س. (¬5) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬6) في ط: فلا. (¬7) في الأصل: الشارع وسائر الأمة. والمثبت من: س، ط. ولعله المناسب. أخرج ابن عبد البر في "الانتقاء" ص: 78: عن يونس بن عبد الأعلى أن الشافعي -رحمه الله- قال له: "واعلم -والله- أني اطلعت من أهل الكلام على شيء ما ظننته قط، ولأن يبتلي الله المرء بكل ما نهى الله عنه ما عدا الشرك به خير له من أن ينظر في الكلام".

بعد الشرك بالله ذنب أعظم منه؟ وقد بينا أن ما جعله أصل دينه في الإرشاد والشامل وغيرهما، هو بعينه من الكلام الذي نصت عليه الأئمة. ولهذا روى عنه ابن طاهر (¬1) أنه قال وقت الموت (¬2): "لقد خضت البحر الخضم، وخليت أهل الإسلام وعلومهم، ودخلت في الذي نهوني عنه، والآن إن لم يدركني (¬3) ربي برحمته فالويل لابن الجويني، وهأنذا (¬4) أموت على عقيدة أمي أو عقائد عجائز نيسابور". وقال (¬5) أبو عبد الله الحسن بن العباس الرستمي (¬6)، حكى لنا الإمام أبو الفتح محمد بن علي الطبري (¬7) الفقيه قال: "دخلنا على الإمام ¬

_ (¬1) هو: أبو الفضل محمد بن طاهر بن علي بن أحمد المقدسي الظاهري الصوفي، المعروف بابن القسراني. توفي سنة 507 هـ. يقول الذهبي: "له انحراف عن السنة إلى تصوف غير مرضي، وهو في نفسه صدوق لم يتهم، وله حفظ ورحلة واسعة". انظر: وفيات الأعيان -لابن خلكان- 4/ 287، 288. وميزان الاعتدال -للذهبي- 3/ 587. والوافي بالوفيات -للصفدي- 3/ 166 - 168. (¬2) انظر قول الجويني مع اختلاف في الألفاظ في: المنتظم -لابن الجوزى - 9/ 19. والعقود الدرية -لابن عبد الهادي- ص: 74. وسير أعلام النبلاء -للذهبي- 18/ 471. وطبقات الشافعية -للسبكي- 5/ 185. (¬3) في الأصل: يداركني. والمثبت من: س، ط، والمصادر التي ورد فيها الخبر. (¬4) في ط: وها أنا. (¬5) أورده مع اختلاف يسير: الذهبي في سير أعلام النبلاء- 18/ 474. والسبكي في طبقات الشافعية- 5/ 191. (¬6) هو: أبو عبد الله الحسن بن العباس بن علي بن الحسن الرستمي الأصبهاني أحد الأئمة الفقهاء على مذهب الشافعي ومن الورعين الخاشعين. توفي سنة 561 هـ. انظر: المنتظم -لابن الجوزي- 10/ 219. وطبقات الشافعية -للسبكي- 7/ 64، 65. والبداية والنهاية -لابن كثير- 12/ 268. (¬7) في الأصل، س: الطنزي. وهو تصحيف. والمثبت من: ط، وسير أعلام النبلاء، وطبقات الشافعية. ولم أقف له على ترجمة.

عامة المستأخرين سلكوا خلفه

أبي المعالي الجويني، نعوده في مرضه الذي مات فيه بنيسابور فأقعد، فقال لنا: اشهدوا على أني قد (¬1) رجعت عن كل مقالة قلتها أخالف فيها ما قال السلف الصالح -عليهم السلام- وأني أموت على ما يموت عليه عجائز نيسابور". وعامة المستأخرين (¬2) من أهل الكلام، سلكوا خلفه من تلامذته، وتلامذة تلامذته، وتلامذة تلامذة تلامذته، ومن بعدهم، ولقلة علمه بالكتاب والسنة [وكلام سلف الأمة يظن أن أكثر الحوادث ليس (¬3) في الكتاب والسنة] (¬4) والإجماع ما يدل عليها، وإنما يعلم حكمها بالقياس، كما يذكر ذلك في كتبه (¬5)، ومن كان له علم بالنصوص ودلالتها على الأحكام، علم أن قول أبي محمد بن حزم وأمثاله أن النصوص تستوعب جميع الحوادث، أقرب إلى الصواب من هذا القول، وإن كان في طريقه هؤلاء من الإعراض عن بعض الأدلة الشرعية ما قد يسمى قياسًا جليًّا (¬6)، وقد يجعل من دلالة اللفظ، مثل فحوى الخطاب ¬

_ (¬1) قد: ساقطة من: س، ط. (¬2) في ط: المتأخرين. (¬3) في ط: ليست. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬5) انظر مثلًا: كتابه الكافي الجدل ص: 345. والبرهان في أصول الفقه 2/ 743. (¬6) القياس الجلي: ما كانت العلة فيه منصوصة، اْو غير منصوصة غير أن الفارق بين الأصل والفرع مقطوع بنفي تأثيره. انظر: إحكام الأحكام- للآمدي 4/ 3. وابن حزم يرى أنه لا يحل القول بالقياس في الدين ولا بالرأي لأن أمر الله تعالى عند التنازع بالرد إلى كتابه وإلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - قد صح، فمن رد إلى قياس وإلى تعليل يدعيه، أو إلى رأي، فقد خالف أمر الله تعالى المعلق بالإيمان ورد إلى غير من أمر الله تعالى بالرد إليه، وفي هذا ما فيه. ولا يخفى أن هذا قول بلا برهان، فالقياس في الشريعة الإسلامية ثابت عقلًا وشرعًا، وبه قال عامة الفقهاء والمتكلمين.=

والقياس في معنى الأصل وغير ذلك، ومثل الجمود على الاستصحاب الضعيف، ومثل الإعراض عن متابعة أئمة من الصحابة ومن بعدهم ما هو معيب عليهم، وكذلك القدح في أعراض الأئمة، لكن الغرض أن قول هؤلاء في استيعاب النصوص للحوادث، وأن الله ورسوله قد بين للناس دينهم، هو أقرب إلى العلم والإيمان الذي هو الحق، ممن يقول: إن الله لم يبين للناس حكم أكثر ما يحدث لهم من الأعمال، بل وكلهم فيها إلى الظنون المتقابلة والآراء المتعارضة. ولا ريب أن هذا سببه (¬1) كله ضعف العلم بالآثار النبوية والآثار السلفية، وإلا فلو كان لأبي المعالي وأمثاله بذلك علم راسخ، وكانوا قد عضوا عليه بضرس قاطع، لكانوا ملحقين بأئمة المسلمين، لما كان فيهم من الاستعداد لأسباب الاجتهاد، ولكن اتباع (¬2) أهل الكلام المحدث والرأي الضعيف للظن وما تهوى الأنفس، ينقص (¬3) صاحبه إلى حيث جعله الله مستحقًا لذلك، وإن كان له من الاجتهاد في تلك الطريقة ما ليس لغيره، فليس الفضل بكثرة الاجتهاد، ولكن بالهدى والسداد، كما جاء في الأثر: "ما ازداد مبتدع اجتهادًا إلا ازداد من الله بعدًا" (¬4). وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الخوارج: "يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يقرؤون القرآن ¬

_ = وقد عقد ابن قدامة المقدسي -رحمه الله- فصلًا في إثبات القياس والرد على منكريه في "روضة الناظر" ص: 147 - 153. (¬1) في س، ط: سبب. وهو تصحيف. (¬2) في س، ط: اتبع. وهو تصحيف. (¬3) في ط: الذي ينقص. (¬4) أخرجه أبو نعيم في الحلية 3/ 9 بسنده عن أيوب السختياني قال: "ما ازداد صاحب بدعة اجتهادًا. . ". وانظره في "الاعتصام" للشاطبي 1/ 83 - عن أيوب السختياني.

لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية " (¬1). ويوجد لأهل البدع من أهل القبلة لكثير من الرافضة والقدرية الجهمية وغيرهم، من الاجتهاد ما لا يوجد لأهل السنة في العلم والعمل، وكذلك لكثير من أهل الكتاب والمشركين، لكن إنما يراد الحسن (¬2) من ذلك، كما قال الفضيل بن عياض (¬3) في قوله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} (¬4) قال (¬5): "أخلصه وأصوبه. فقيل ¬

_ (¬1) الحديث بهذا اللفظ أخرجه البخاري في صحيحه ولم يرد فيه قوله: "وقراءته مع قراءتهم"، وأوله: عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو يقسم قسمًا إذ أتاه ذو الخويصرة وهو رجل من بني تميم، فقال: يا رسول الله اعدل، فقال: "ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل؟ قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل". فقال عمر: يا رسول الله ائذن لي فيه فأضرب عنقه، فقال: "دعه فإن له أصحابًا يحقر أحدكم. . ". صحيح البخاري 4/ 179. كتاب المناقب. باب علامات النبوة في الإسلام 8/ 52. كتاب استتابة المرتدين. باب من ترك قتال الخوارج للتألف. ومسلم في صحيحه 2/ 744. كتاب الزكاة. باب ذكر الخوارج وصفاتهم الحديث / 148. وأخرجه مع اختلاف يسير في اللفظ ابن ماجة في سننه 1 / المقدمة. باب في ذكر الخوارج. الحديثين / 169، 172. والإمام أحمد في المسند 3/ 33، 34. (¬2) في س: الجنس. وهو تصحيف. (¬3) هو: أبو علي الفضيل بن عياض بن مسعود التميمي اليربوعي المروزي، شيخ الحرم المكي، العابد الصالح الثقة، روى عنه ابن المبارك والشافعي وغيرهما. توفي سنة 187 هـ. انظر: تاريخ الثقات -للعجلي- ص: 384. وتذكرة الحفاظ -للذهبي - 1/ 245، 246. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 8/ 294 - 296. (¬4) سورة هود، الآية: 7. وسورة الملك، الآية: 2. (¬5) أخرجه أبو نعيم في "الحلية" 8/ 95 عن إبراهيم بن الأشعث قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول في قوله تعالى. . . =

روى الشافعي في كتبه بعض أحاديث الصفات

له: يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟ فقال: إن العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا [لم يقبل، وإن (¬1) كان صوابًا، ولم يكن خالصًا لم يقبل، حتى يكون خالصًا صوابًا] (¬2) والخالص أن يكون لله، والصواب (¬3) أن يكون على السنة". وأما الشافعي - رضي الله عنه - فقد روى الأحاديث التي تتعلق بغرض كتابه (¬4)، مثل حديث النزول، وحديث معاوية بن الحكم السّلمي الذي فيه قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للجارية: "أين الله؟ " قالت: في السماء. قال: "من أنا؟ " قالت: أنت محمد رسول الله. قال: "أعتقها فإنها مؤمنة" (¬5). وقد رواه مسلم في صحيحه. ¬

_ = وانظر ما ذكره ابن كثير في تفسيره 2/ 438 من أن العمل لا يكون حسنًا حتى يكون خالصًا لله -عزَّ وجلَّ- على شريعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمتى فقد العمل واحدًا من هذين الشرطين حبط وبطل. (¬1) في ط: وإذا. (¬2) ما بين المعقوفتين ساقط من: س. (¬3) أن يكون لله والصواب: كرر في: س. وهو سهو من الناسخ. (¬4) في الأصل: يتعلق غرض عرض كتابه. وفي س: يتعلق غرض كتابه. والمثبت من: ط. ولعله المناسب. (¬5) أخرجه مسلم وأبو داود وأحمد وغيرهم عن معاوية في حديث طويل جاء فيه أنه معاوية قال: "وكانت لي جارية ترعى غنمًا لي قبل أحد والجوانية، فاطلعت ذات يوم فإذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمها، وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون -أي أغضب كما يغضبون- لكني صككتها صكة -أي: ضربتها بيدي مبسوطة- فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعظم ذلك علي. قلت: يا رسول الله أفلا أعتقها؟ قال: "ائتني بها" فأتيته بها فقال لها: "أين الله؟ ". . الحديث. صحيح مسلم 1/ 382. -كتاب المساجد- باب تحريم الكلام في الصلاة. . الحديث / 33. سنن أبي داود 1/ 572، 573 - كتاب الصلاة- باب تشميت العاطس في الصلاة. الحديث / 930. المسند -للإمام أحمد- 5/ 448. وانظره -مختصرًا- في السنن المأثورة للإمام الشافعي -رحمه الله- رواية أبي =

بل روى في كتابه الكبير (¬1) الذي اختصر منه مسنده من الحديث ما هو من أبلغ أحاديث الصفات، ورواه بإسناد فيه ضعف (¬2)، فقال: [أخبرنا] (¬3) إبراهيم بن محمد، قال: حدثني موسى بن عبيدة، حدثني (¬4) أبو الأزهر معاوية بن إسحاق بن طلحة، عن عبيد الله بن ¬

_ = جعفر الطحاوي عن خاله إسماعيل بن يحيى المزني تلميذ الشافعي ص: 405. والرسالة -للإمام الشافعي- ص: 75. (¬1) أي الشافعي -رحمه الله- في كتابه "الأم" 1/ 208، 209. وانظره في "مسند الشافعي" 1/ 126، 127. والمقابلة عليهما. (¬2) فيه إبراهيم بن محمد الأسلمي المدني، متكلم فيه. نقل الذهبي في "ميزان الاعتدال" 1/ 57، 58: أن مالكًا سئل عنه أكان ثقة في الحديث؟. فقال: لا، ولا في دينه. وقال الإمام أحمد: تركوا حديثه، قدري معتزلي، يروي أحاديث ليس لها أصل. وقال البخاري: كان يرى القدر، وكان جهميًّا. وقال النسائي والدارقطني وغيرهما: متروك. وقال العجلي في "الثقات" ص: 55، 56: "إبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي مدني رافضي جهمي لا يكتب حديثه روى عنه الشافعي". أما كيف روى عنه الشافعي -رحمه الله- وهو بهذه الدرجة من الكذب؟. . فيقول ابن حبان في "المجروحين" 1/ 107: "وأما الشافعي فإنه كان يجالسه في حداثته، ويحفظ منه حفظ الصبي، والحفظ في الصغر كالنقش في الحجر، فلما دخل مصر في آخر عمره فأخذ يصنف الكتب المبسوطة احتاج إلى الأخبار، ولم تكن معه كتبه، فأكثر ما أودع الكتب من حفظه، فمن أجله ما روى عنه، وربما كنى عنه ولا يسميه في كتبه". ونقل الذهبي في "الميزان" 1/ 58: أن الربيع قال: "سمعت الشافعي يقول: كان قدريًّا، قال يحى بن زكريا بن حيوية، فقلت للربيع: فما حمل الشافعي على الرواية عنه؟ قال: كان يقول: لأن يخر من السماء -أو قال من بعد- أحب إليه من أن يكذب، وكان ثقة في الحديث". (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والأم، والمسند. (¬4) في الأم: قال: حدثني.

عمير (¬1) أنه سمع أنس بن مالك يقول: أتى جبرائيل بمرآة بيضاء فيها وكتة (¬2) إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال [النبي] (¬3) - صلى الله عليه وسلم -: "ما هذه؟ " قال (¬4): هذه الجمعة فضلت بها أنت وأمتك، فالناس لكم فيها تبع اليهود والنصارى، ولكم فيها خير، وفيها ساعة لا يوافقها عبد (¬5) مؤمن يدعو [الله بخير] (¬6) إلا استجيب له، وهو عندنا يوم المزيد، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا جبرائيل وما يوم (¬7) المزيد؟ " قال: إن ربك اتخذ في الفردوس واديًا أفيح (¬8)، فيه كثب (¬9) مسك، فإذا كان يوم الجمعة أنزل الله -عزَّ وجلَّ- ما شاء من ملائكته، وحوله منابر من نور عليها مقاعد للنبيين (¬10)، وحفت تلك ¬

_ (¬1) في الأم: عبد الله بن عبيد بن عمير. وعبد الله بن عبيد بن عمير الليثي المكي، قال فيه أبو حاتم: ثقة يحتد بحديثه. انظر: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 2/ 2 / 101. (¬2) في الأصل: وكنه. بدون نقط. وفي ط: نكته. والمثبت من: س، والأم، والمسند. والوكت: الأثر اليسير في الشيء. والوكتة: كالنقطة في الشيء. انظر: لسان العرب -لابن منظور- 2/ 108 (وكت). (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والأم، والمسند. (¬4) في الأم، والمسند: فقال. (¬5) عبد: ساقطة من: الأم والمسند. (¬6) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والأم، والمسند. (¬7) في المسند: ما يوم. بدون واو. (¬8) أفيح: ساقطة من: س. والمعنى: واسعًا. انظر: المصباح المنير -للفيومي- ص: 485 (فاح). (¬9) الكثب: التلال. انظر: لسان العرب -لابن منظور- 1/ 702 (كثب). (¬10) في الأصل: نزل الله -عزَّ وجلَّ- على كرسيه، وحف الكرسي بمنابر من نور ويقعد عليها النبيون، وحفت. . والمثبت من: س، ط، والمسند، والأم، =

المنابر بمنابر من ذهب مكللة بالياقوت والزبرجد، عليها الشهداء والصديقون فجلسوا من ورائهم (¬1) على تلك الكثب، فيقول الله -عز وجل- لهم: أنا ربكم قد (¬2) صدقتكم وعدي، فاسألوني أعطكم، فيقولون: ربنا نسألك رضوانك فيقول: قد رضيت عنكم، ولكم علي ما تمنيتم، ولدي مزيد، فهم يحبون يوم الجمعة لما يعطيهم فيه ربهم من خير (¬3)، وهو اليوم الذي استوى ربكم (¬4) على العرش فيه، وفيه خلق آدم، وفيه تقوم الساعة" (¬5). وأما ما رواه الثوري، والليث بن سعد، وابن جريج، والأوزاعي ¬

_ = ولكن جاء فيه: "النبيين والصديقين". (¬1) في الأصل: ويجلس من وراءهم. وفي س، ط: ويجلس من ورائهم. والمثبت من: الأم، والمسند. (¬2) في المسند: وقد. (¬3) في الأم، والمسند: الخير. (¬4) في الأم: فيه ربك تبارك اسمه. . . وفي المسند: فيه ربكم. (¬5) الحديث بهذا اللفظ أخرجه الشافعي في "الأم"، و"المسند"، وتقدمت الإشارة إليهما. وأخرجه مع اختلاف في الألفاظ عن أنس بن مالك، ابن أبي شيبة في "المصنف" 2/ 150، 151. وابن جرير الطبري في "تفسيره" 26/ 175. والآجري في "الشريعة" ص: 265، 266. وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" 10/ 421. وقال: "رواه البزار، والطبراني في "الأوسط" بنحوه، وأبو يعلى باختصار، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح وأحد إسنادي الطبراني رجاله رجال الصحيح غير عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، وقد وثقه غير واحد، وضعفه غيرهم، وإسناد البزار فيه خلاف". وذكر السيوطي في "الدر المنثور" 7/ 605 أن هذا الحديث أخرجه -بالإضافة إلى من تقدم ذكرهم- ابن أبي الدنيا في صفة الجنة، وابن المنذر، وابن مردوية، والبيهقي في "الرؤية"، وأبو نصر السجزي في "الإبانة" من طرق جيدة عن أنس بن مالك.

روى الأئمة حديث خلق آدم على صورته

وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد، وسفيان بن عيينة ونحوهم، من هذه الأحاديث فلا يحصيه إلَّا الله، بل هؤلاء عليهم مدار هذه الأحاديث من جهتهم أخذت، وحماد بن سلمة الذي قال: إن مالكًا احتذى موطأه على كتابه، هو قد جمع أحاديث الصفات (¬1) لما أظهرت الجهمية إنكارها، حتى إن حديث خلق آدم على صورته، أو صورة الرحمن، قد رواه هؤلاء الأئمة، رواه الليث بن سعد عن ابن عجلان (¬2)، ورواه سفيان (¬3) بن عيينة عن أبي الزناد، ومن طريقه رواه مسلم في صحيحه (¬4)، ورواه الثوري عن حبيب بن أبي (¬5) ثابت، عن عطاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) في ص: 160 كلام الشيخ -رحمه الله- في حماد بن سلمة، وأنه صنف كتابه في الصفات، كما صنف كتبه في سائر أبواب العلم. وانظر ما ذكرته عن هذا الكتاب في ت: (3) من الصفحة المذكورة. (¬2) أخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" 1/ 229 عن الليث بن سعد عن محمد بن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "لا يقولن أحدكم: قبح الله وجهك، ولا وجه من أشبه وجهك، فإن الله خلق آدم على صورته". يقول الألباني: إسناده حسن صحيح، ورجاله ثقات على كلام في ابن عجلان وابن مصفي. والحديث أخرجه ابن خزيمة في "التوحيد" ص: 36. ولفظه: ". . ووجهًا أشبه وجهك. . ". (¬3) في الأصل: سفيان الثوري بن عيينة. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط. وتقدم التعريف به. وقد أخرجه الإمام أحمد في مسنده 2/ 244، عن سفيان عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا ضرب أحدكم الوجه فليجتنب الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته". يقول شارح المسند -أحمد محمد شاكر- 13/ 44: إسناده صحيح. (¬4) رواه مسلم 4/ 2016 - كتاب البر والصلة- باب النهي عن ضرب الوجه - الحديث / 112. من طريق سفيان بن عيينة مختصرًا. (¬5) أبي: ساقطة من: س. هو: أبو يحيى حبيب بن أبي ثابت قيس بن دينار، ويقال: قيس بن هند، =

مرسلًا (¬1)، ولفظه: "خلق آدم على صورة الرحمن" مع أن الأعمش رواه مسندًا (¬2)، فإذا كان الأئمة يروون مثل هذا الحديث وأمثاله مرسلًا، فكيف يقال: إنهم كانوا يمتنعون عن روايتها؟! والحديث هو في الصحيحين (¬3) من حديث معمر عن همام عن أبي هريرة، وفي صحيح مسلم (¬4). . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = الكوفي من ثقات التابعين، روى عن ابن عمر وابن عباس وأنس بن مالك وغيرهم توفي سنة 119 هـ. قال ابن حبان في "الثقات" فيما نقله عنه ابن حجر: كان مدلسًا. انظر: ميزان الاعتدال -للذهبي- 1/ 451. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 2/ 178 - 180. (¬1) أخرجه ابن خزيمة في التوحيد ص: 38، وذكر أن الثوري روى هذا الخبر مرسلًا غير مسند، ولفظه: "لا يقبح الوجه فإن ابن آدم خلق على صورة الرحمن". (¬2) فقد رواه عن حبيب بن أبي ثابت عن عطاء عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقبحوا الوجه فإن ابن آدم خلق على صورة الرحمن" إسناده ضعيف. أخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" 228، 229، ولفظه: "لا تقبحوا الوجوه. . " وابن خزيمة في "التوحيد" ص: 38، وقال: إن في الخبر عللًا ثلاثًا: إحداهن: أن الثوري قد خالف الأعمش في إسناده، فأرسل الثوري، ولم يقل عن ابن عمر. الثانية: أن الأعمش مدلس، لم يذكر أنه سمعه من حبيب بن أبي ثابت. والثالثة: أن حبيب بن أبي ثابت -أيضًا- مدلس، لم يعلم أنه سمعه من عطاء. والآجري في "الشريعة" ص: 315. والبيهقي في "الأسماء والصفات" ص: 291 بلفظ: ". . فإن الله خلق آدم على صورة الرحمن". (¬3) صحيح البخاري 7/ 125 - كتاب الاستئذان- باب بدء السلام. صحيح مسلم 4/ 2183 - كتاب الجنة- باب يدخل الجنة أقوام، أفئدتهم مثل أفئدة الطير- الحديث / 28. (¬4) صحيح مسلم 4/ 2017 - كتاب الاستئذان- باب النهي عن ضرب الوجه. - الحديث / 115.

من حديث قتادة عن أبي أيوب عن أبي هريرة. وقد روى ابن القاسم (¬1) قال: سألت مالكًا عن من يحدث الحديث: "إن الله خلق آدم على صورته"، والحديث: "إن الله يكشف عن ساقه يوم القيامة" وأنه يدخل في النار يده حتى يخرج (¬2) من أراد، فأنكر ذلك إنكارًا شديدًا ونهى أن يتحدث به أحد (¬3). قلت: هذان الحديثان كان الليث بن سعد يحدث بهما، فالأول حديث الصورة حدث به عن ابن عجلان (¬4)، والثاني هو في حديث أبي ¬

_ (¬1) في س، ط: عن ابن القاسم. هو: أبو عبد الله عبد الرحمن بن القاسم بن خالد بن جنادة العتقي، الإمام الثقة، وفقيه الديار المصرية، سمع مالك بن أنس وتفقه به، توفي سنة 191 هـ. انظر: ترتيب المدارك -للقاضي عياض- 3/ 244 - 261. وتذكرة الحفاظ -للذهبي- 1/ 356، 357. ورواية ابن القاسم في التمهيد -لابن عبد البر - 7/ 150. (¬2) في الأصل: يدخل. وهو خطأ. والمثبت من: س، ط، والتمهيد. وتقدم تخريج الحديث: ". . إن الله يكشف عن ساقه"، وعلق محقق كتاب التمهيد: عبد الله بن الصديق -في المصدر السابق- على قوله: وإنه يدخل في النار يده حتى يخرج من أراد" بقوله: "لم يأت ذلك في حديث مرفوع مقطوع به. (¬3) ذكر ابن عبد البر في التمهيد 7/ 150: أن مالكًا إنما كره ذلك خشية الخوض في التشبيه بكيف. (¬4) كما تقدم لفظه وتخريجه. أقول: وحديث "إن الله خلق آدم على صورته، أو صورة الرحمن" تكلم فيه الأئمة وأطالوا. فمنهم من ذهب إلى تأويل ظاهره وما شابهه من الأحاديث التي جاء بها ذكر الصورة, ونفى أن يكون لله -عزَّ وجلَّ- صورة على ما يليق به. وممن ذهب إلى هذا ابن خزيمة وابن حجر وغيرهما. ومنهم من أثبت ما جاء في هذا الحديث وأمثاله على ما يليق بجلاله وعظمته من غير تكييف ولا تشبيه ولا تمثيل، وممن قال بهذا الإمام أحمد -رحمه الله- =

سعيد الخدري الطويل، وهذا الحديث قد أخرجاه في الصحيحين (¬1) من حديث الليث، والأول قد أخرجاه في الصحيحين (¬2) من حديث غيره. وابن القاسم إنما سأل مالكًا لأجل تحديث الليث بذلك، فيقال: إما أن يكون ما قاله مالك مخالفًا لما فعله الليث ونحوه، أو ليس بمخالف بل يكره أن يتحدث بذلك لمن (¬3) يفتنه ذلك ولا يحمله عقله كما قال ابن مسعود: ما من رجل يحدث قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم إلّا كان فتنة لبعضهم (¬4)، وقد كان مالك يترك رواية أحاديث كثيرة ¬

_ = وإسحاق بن راهوية، وابن قتيبة وغيرهم، وهذا هو الواجب اعتقاده في مثل هذا الحديث. ولفضيلة الدكتور عبد العزيز بن إبراهيم الشهوان تعليق جيد على هذا الحديث أحيل عليه في "التوحيد" لابن خزيمة 1/ 88 - 91. وانظر ما ذكره الشيخ حمود بن عبد الله التويجري في كتابه "عقيدة أهل الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن- اطلعت أخيرًا على خطاب من فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رقم 380 / خ في 30/ 3 / 1408 هـ مفاده تأييد ما ورد في كتاب فضيلة الشيخ حمود الآنف الذكر- وأن الضمير في الحديث الصحيح في خلق آدم على صورته يعود إلى الله عزَّ وجلَّ وهو موافق لما جاء في حديث ابن عمر إن الله خلق آدم على صورة الرحمن وقد صححه الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه والآجري وابن تيمية وغيرهم. (¬1) تقدم تخريجه فيهما من طريق الليث بن سعد. (¬2) تقدم تخريجه -أيضًا- فيهما. (¬3) في الأصل: لما. والمثبت من: س، ط، وهو ما يستقيم به الكلام. (¬4) أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه 1/ 11 عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: "ما أنت بمحدث قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم، إلا كان لبعضهم فتنة". وأخرجه السمعاني بسنده إلى ابن مسعود بلفظ: "إن الرجل ليحدث بالحديث فيسمعه من لا يبلغ عقله فهم ذلك الحديث، فيكون عليهم فتنة". راجع: أدب الإملاء والاستملاء -للسمعاني- ص: 60. وأورده الشيخ -رحمه الله- في "درء تعارض العقل والنقل" 1/ 50، 51، وكذا قول علي - رضي الله عنه -: "حدثوا الناس بما يعرفون، ودعوا=

العاشر: إن سائر أئمة الإسلام مطبقون على ذم الكلام الذي بنى عليه أبو المعالي أصول دينه

لكونه (¬1) لا يأخذ بها ولم يتركها غيره، فله في ذلك مذهب. فغاية ما يعتذر لمالك أن يقال: كره أن يتحدث بذلك حديثًا يفتن المستمع الذي لا يحمل عقله ذلك، وأما أن يقال (¬2): إنه كره التحدث بذلك مطلقًا، فهذا مردود على من قاله، فقد حدث بهذه الأحاديث من هم أجل من مالك عند نفسه وعند المسلمين، كعبد الله بن عمر، وأبي هريرة، وابن عباس، وعطاء بن أبي رباح، وقد حدث بها نظراؤه (¬3) كسفيان الثوري، والليث بن سعد، وابن عيينة، والثوري أعلم من مالك بالحديث وأحفظ (¬4) له، وهو أقل غلطًا فيه من مالك، وإن كان مالك (¬5) ينقي (¬6) من يتحدث عنه. وأما الليث، فقد قال فيه الشافعي "كان أفقه من مالك إلّا أنه ضيعه أصحابه" (¬7). ففي الجملة هذا الكلام (¬8) في حديث مخصوص، أما أن يقال: إن الأئمة أعرضوا عن هذه الأحاديث مطلقًا، فهذا بهتان عظيم. العاشر: إن هؤلاء الذين سماهم وسائر أئمة الإسلام، كانوا كلهم مثبتين لموجب الآيات والأحاديث الواردة في الصفات، مطبقين على ذم الكلام الذي بنى عليه أبو المعالي أصول دينه، وزعم أنه أول ما أوجبه الله ¬

_ = ما ينكرون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله". (¬1) في الأصل، س: لكونها. والمثبت من: ط. ولعله المناسب. (¬2) في س، ط: قيل. (¬3) في الأصل، س: نظراءه. والمعنى يختلف بهذا. والمثبت من: ط. ولعله المناسب للسياق. (¬4) في ط: أحفظه. (¬5) في الأصل: مالكًا. وهو خطأ. والمثبت من: س، ط. (¬6) في الأصل: ينفي. والمثبت من: س، ط. وهو المناسب للمعنى. (¬7) أورده ابن حجر في ترجمة الليث -الرحمة الغيثية بالترجمة الليثية- ضمن مجموعة الرسائل المنيرية 2/ 243. (¬8) في س، ط: كلام.

على العبد بعد البلوغ، وهو ما استدل به على حدوث الأجسام بقيام الأعراض (¬1) بها، حتى إن شيخه أبا الحسن الأشعري ذكر اتفاق الأنبياء وأتباعهم، وسلف هذه الأمة على تحريم هذه الطريقة التي ذكر أبو المعالي أنها أصل الإيمان، وبها وبنحوها عارض هذه الأحاديث، وقد كتبنا كلام الأشعري وغيره في ذلك في كتاب بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم [الكلامية] (¬2) لما استدل الرازي بالحركة على حدوث ما قامت به في إثبات حجته الدالة على نفي التحيز عندهم، ولكن علمه بحالهم كعلمه بمذهبهم في آيات الصفات وأحاديث الصفات، حيث اعتقد أن مذهبهم: إمرار (¬3) حروفها مع نفي دلالتها على ما دلت عليه من ¬

_ (¬1) تقدم أن أبا المعالي الجويني يبني حدث الجواهر على أربعة أصول: الأول: إثبات الأعراض. الثاني: إثبات حدثها. الثالث: إثبات استحالة تعري الجواهر عن الأعراض. الرابع: إثبات استحالة حوادث لا أول لها. وانظر: الإرشاد -للجويني- ص: 17 - 27. ولمع الأدلة- للجويني -أيضًا- ص: 77 - 80. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. وانظر: بيان تلبيس الجهمية -لابن تيمية- 1/ 621، 622. وأشار الشيخ رحمه الله في "درء تعارض العقل والنقل" 2/ 13 إلى أن أبا الحسن الأشعري صرح بأن تصديق الرسول - عليه السلام - ليس موقوفًا على دليل الأعراض، وأن الاستدلال به على حدوث العالم من البدع المحرمة في دين الرسل. (¬3) في الأصل: أن إمرار. والكلام يستقيم بدون "أن"، كما في: س، ط. وانظر: معتقده هذا في "العقيدة النظامية" ص: 32 حيث قال: "وذهب أئمة السلف إلى الإنكناف عن التأويل، وإجراء الظواهر على مواردها، وتفويض معانيها إلى الرب تعالى، والذي نرتضيه رأيًا، وندين الله به عقلًا اتباع سلف الأمة. . ". والسلف -رحمهم الله- بريئون من هذا المذهب، وقد تواترت الأقوال عنهم =

الحادي عشر: الذي أوجب للأئمة جمع هذه الأحاديث وتبويبها ما أحدثت الجهمية

الصفات فهذا الضلال في معرفة رأيهم، كذلك الضلال في معرفة روايتهم وقولهم في شيئين: في الكلام الذي كان ينتحله، وفي النصوص الواردة عن الرسول، فقد حرفوا مذهب الأئمة في هذه الأصول الثلاثة، كما حرفوا نصوص الكتاب والسنة. الحادي عشر: إن الذي أوجب لهم جمع هذه الأحاديث وتبويبها، ما أحدثت الجهمية من التكذيب بموجبها، وتعطيل صفات الرب المستلزمة لتعطيل ذاته، وتكذيب رسوله والسابقين الأولين والتابعين لهم بإحسان وما صنفوه (¬1) في ذلك من الكتب وبوبوه أبوابًا مبتدعة، يردون بها ما أنزله الله على رسوله، ويخالفون بها صرائح المعقول وصحائح المنقول، وقد أوجب الله تعالى تبليغ ما بعث به رسله، وأمر ببيان العلم، وذلك يكون بالمخاطبة تارة، وبالمكاتبة أخرى، فإذا كان المبتدعون قد وضعوا الإلحاد في كتب، فإن لم يكتب العلم الذي بعث الله به رسوله في كتب لم يظهر إلحاد ذلك، ولم يحصل تمام البيان والتبليغ، ولم يعلم كثير من الناس ما بعث الله به رسوله من العلم والإيمان المخالف لأقوال الملحدين المحرفين، وكان جمع ما ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخبر به عن ربه أهم من جمع غيره. الثاني عشر: إن أبا المعالي وأمثاله يضعون كتب الكلام التي تلقوا أصوله عن المعتزلة والمتفلسفة، ويبوبون أبوابًا ما أنزل الله بها من ¬

_ = بإثبات المعاني لنصوص الصفات إجمالًا أحيانًا وتفصيلًا أحيانًا، وتفويضهم الكيفية إلى علم الله تعالى. فظواهر نصوص الصفات معلومة لنا باعتبار المعنى، ومجهولة لنا باعتبار الكيفية التي هي عليها. انظر: القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى -للشيخ ابن عثيمين - ص: 34، 35. (¬1) في س: صفوه. وهو تصحيف.

سلطان، ويتكلمون فيها (¬1) بما يخالف الشرع والعقل، فكيف ينكرون على من يصنف ويؤلف ما قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، والتابعون لهم بإحسان، والأصول التي يقررها هي أصول جهم بن صفوان في الصفات والقدر والإرجاء، وقد ظهر ذلك في أتباعه، كالمدعي المغربي في مرشدته (¬2) وغيره، فإن هؤلاء في القدر يقولون بقول جهم يميلون إلى الجبر، وفي الإرجاء بقول جهم -أيضًا- لأن الإيمان هو المعرفة (¬3)، وأما في الصفات فهم يخالفون جهمًا والمعتزلة، فهم يثبتون الصفات في الجملة، لكن جهم والمعتزلة حقيقة قولهم نفي الذات والصفات وإن لم يقصدوا ذلك ولم يعتقدوه، وهؤلاء حقيقة قولهم إثبات صفات بلا ذات، وإن لم يعتقدوا ذلك ويقصدوه، ولهذا هم متناقضون، لكن هم ¬

_ (¬1) في الأصل: فيه. والمثبت من: س، ط، ولعله المناسب للسياق. (¬2) هو: أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن تومرت المصمودي البربري، لقب نفسه بالمهدي، وسمى أتباعه الموحدين، صاحب دعوة السلطان عبد المؤمن بن علي ملك المغرب، وواضع أسس دولة الموحدين التي قامت على أنقاض دولة المرابطين، توفي سنة 524 هـ. انظر: وفيات الأعيان -لابن خلكان- 5/ 45 - 55. والوافي بالوفيات -للصفدي- 3/ 323 - 328. والأعلام -للزركلي- 7/ 104، 105. و"المرشدة" رسالة صغيرة طبعت عدة مرات ضمن بعض الكتب، أوردها السبكي في "طبقات الشافعية" 8/ 185، 186. قال شيخ الإسلام -رحمه الله- في "شرح الأصبهانية" ص: 20: "ولما كان أبو عبد الله محمد بن التومرت على مذهب المعتزلة في نفي الصفات لقب أصحابه بالموحدين، وقد صرح في كتابه الكبير بنفي الصفات، ولهذا لم يذكر في "مرشدته" شيئًا من الصفات الثبوتية، لا علم الله، ولا قدرته، ولا كلامه، ولا شيئًا من صفاته الثبوتية، وإنما ذكر السلوب". (¬3) الإيمان عند جهم وأتباعه هو المعرفة بالله بالقلب فقط، فمن أتى بالمعرفة، ثم جحد بلسانه فإنه لا يكفر -بزعمهم- وهو قول ظاهر الفساد. وتقدم الكلام عليه.

خير من المعتزلة، ولهذا إذا حقق قولهم لأهل الفطر السليمة -بقول (¬1) أحدهم- فيكون الله شبحًا وشبحه خيال الجسم، مثل ما يكون من ظله على الأرض وذلك هو عرض، فيعلمون أن من وصف الرب بهذه (¬2) السلوب، مثل قولهم: لا داخل العالم ولا خارجه ونحوه، فلا يكون الله على قوله شيئًا قائمًا بنفسه موجودًا، بل يكون كالخيال الذي يشبحه الذهن، من غير أن يكون ذلك الخيال قائمًا بنفسه. ولا ريب أن هذه حقيقة قول (¬3) هؤلاء الذين يزعمون أنهم ينزهون الرب بنفي الجسم وما يتبع ذلك، ثم إنهم مع هذا النفي إذا نفوا الجسم وملازيمه، وقالوا: لا داخل العالم ولا خارجه، فيعلم أهل العقول أنهم لم يثبتوا شيئًا قائمًا بنفسه موجودًا، بل يقال: هذا الذي أثبتوه (¬4) شبح (¬5) أي: خيال ومثال، كالخيال الذي هو ظل الأشخاص، وكالخيال الذي في المرآة والماء، ثم من المعلوم أن هذا الخيال والمثال والشبح [يستلزم حقيقة موجودة قائمة بالنفس، فإن خيال الشخص] (¬6) يستلزم وجوده، وكذلك قول هؤلاء، فإنهم يقرون بوجود مدبر خالق للعالم موصوف بأنه عليم قدير، ويصفونه (¬7) من السلب بما يوجب أن يكون خيالًا، فيكون قولهم مستلزمًا لوجوده ولعدمه معًا، فإذا تكلموا بالسلف لم يبق إلّا الخيال، ويصفون ذلك الخيال بالثبوت، فيكون الخيال يستلزم ثبوت الموجود القائم بنفسه. ¬

_ (¬1) في جميع النسخ: يقول. ولعل الصواب ما أثبته. (¬2) في الأصل: هذه. والمثبت من: س، ط، ولعله المناسب للكلام. (¬3) في الأصل: قولهم. والمثبت من: س، ط. ولعله المناسب للسياق. (¬4) في س، ط: أثبتموه. (¬5) في الأصل، س: شبحًا. والمثبت من: ط. لأنه الموافق للسياق. (¬6) ما بين المعقوفتين ساقط من: س. (¬7) في الأصل: يصفون. والمثبت من: س، ط. ولعله المناسب.

الثالث عشر: أن معرفة أبي المعالي وذويه بحال هؤلاء الأئمة لا يكون أعظم من معرفتهم بالصحابة

الثالث عشر: أن معرفة أبي المعالي وذويه بحال هؤلاء الأئمة، الذين اتفقت الأمة على إمامتهم، لا يكون أعظم من معرفتهم بالصحابة والتابعين، بل بنصوص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد رأيت أبا المعالي في ضمن كلامه، يذكر ما ظاهره (¬1) الاعتذار عن الصحابة، وباطنه جهل بحالهم، مستلزم إذا طرد الزندقة والنفاق، فإنه أخذ يعتذر عن كون الصحابة لم يمهدوا أصول الدين، ولم يقرروا قواعده فقال: "لأنهم كانوا مشغولين بالجهاد والقتال عن ذلك" (¬2)، هذا مما في كلامه، وهذا إنما قالوه لأن هذه الأصول والقواعد التي يزعمون أنها أصول الدين، قد علموا أن الصحابة لم يقولوها، وهم يظنون أنها أصول صحيحة، وأن الدين لا يتم إلا بها وللصحابة - رضي الله عنهم -أيضًا- من العظمة في القلوب ما لم يمكنهم دفعه، حتى يصيروا بمنزلة الرافضة القادحين في الصحابة، ولكن أخذوا من الرفض شعبة، كما أخذوا من التجهم بشعبة (¬3)، وذلك (¬4) دون ما أخذته المعتزلة من الرفض والتجهم، حين غلب على الرافضة التجهم، وانتقلت عن التجسيم إلى التعطيل والتجهم، إذ كان هؤلاء نسجوا على منوال المعتزلة، لكن كانوا أصلح منهم وأقرب إلى السنة وأهل الإثبات في أصول الكلام، ولهذا كان المغاربة الذين اتبعوا محمد بن التومرت المتبع لأبي المعالي، أمثل وأقرب إلى الإسلام من ¬

_ (¬1) في الأصل: ظهره. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط. (¬2) بين الشيخ -رحمه الله- في "درء تعارض العقل والنقل" 2/ 14، 15، أن كلام الجويني وأتباعه هذا يوافقون به الرافضة ونحوهم من أهل البدع، ويخالفون به الكتاب والسنة والإجماع، وأن كلامهم فيه من التناقض والفساد ما ضارعوا به أهل الإلحاد، فهم من جنس الرافضة: لا عقل صريح ولا نقل صحيح، بل منتهاهم السفسطة في العقليات والقرمطة في السمعيات، وهذا منتهى كل مبتدع خالف شيئًا من الكتاب والسنة، حتى في المسائل العلمية والقضايا الفقهية. (¬3) في س، ط: شعبة. (¬4) في الأصل: وكذلك. والمثبت من: س، ط، ولعله المناسب.

المغاربة (¬1) الذين اتبعوا القرامطة، وغلوا (¬2) في الرفض والتجهم حتى انسلخوا من الإسلام، فظنوا أن هذه الأصول التي وضعوها هي أصول الدين، التي (¬3) لا يتم الدين إلا بها (¬4)، وجعلوا الصحابة حين تركوا أصول الدين كانوا مشغولين عنه بالجهاد، وهم في ذلك بمنزلة كثير من جندهم ومقاتلتهم الذين قد وضعوا قواعد وسياسة للملك والقتال، فيها الحق والباطل، ولم نجد تلك السيرة تشبه سيرة الصحابة، ولم يمكنهم القدح فيهم، فأخذوا يقولون: كانوا مشغولين (¬5) بالعلم والعبادة عن هذه السيرة وأبهة الملك الذي وضعناه. وكل هذا قول من هو جاهل بسيرة الصحابة وعلمهم ودينهم وقتالهم، وإن كان لا يعرف حقيقة أحوالهم، فلينظر إلى آثارهم، فإن الأثر يدل على المؤثر، هل انتشر عن أحد من المنتسبين إلى القبلة، أو عن أحد من الأمم المتقدمين والمتأخرين من العلم والدين ما انتشر وظهر عنهم؟ أم هل فتحت أمة البلاد وقهرت العباد، كما فعلته الصحابة رضوان الله عليهم؟ ولكن كانت علومهم وأعمالهم وأقوالهم وأفعالهم حقًّا باطنًا وظاهرًا، وكانوا أحق الناس بموافقة قولهم لقول الله، وفعلهم لأمر الله، فمن حاد عن سبيلهم لم ير ما فعلوه، فيزين له سوء عمله حتى يراه حسنًا، ويظن أنه حصل له من العلوم النافعة والأعمال الصالحة ما قصروا عنه، وهذه حال أهل البدع. ولهذا قال الإمام أحمد في رسالته -التي رواها عبدوس بن مالك العطار (¬6):. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) في هامش س: كابن عربي وابن سبعين وغيرهما. (¬2) في الأصل: وغلطوا. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط. (¬3) في س، ط: الذي. (¬4) في الأصل، س: به. والمثبت من: ط، ولعله المناسب. (¬5) في س، ط: مشتغلين. (¬6) هو: أبو محمد عبدوس بن مالك العطار، أحد أصحاب الإمام أحمد -رحمه =

"أصول السنة عندنا: التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير وجه أنه قال: "خير القرون القرن الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" (¬1)، والأدلة الدالة على تفضيل القرن الأول ثم الثاني أكثر من أن تذكر، ومعلوم أن أم الفضائل ¬

_ = الله- وممن كانت له منزلة عند أبي عبد الله، روى عن الإمام أحمد مسائل لم يروها غيره، روى عنه عبد الله بن الإمام أحمد، وغيره. انظر ترجمته في: تاريخ بغداد -للخطيب- 11/ 115. وطبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 1/ 241. والمنهج الأحمد -للعليمي- 1/ 435، 436. وهذه الرسالة -كما يقول سزكين في تاريخ التراث العربي- 1/ 3 / 228 - الفقه- تتضمن آراء الإمام أحمد، وهي مخطوطة بالظاهرية بدمشق، ويوجد قسم منها في طبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى 1/ 241 - 246. وهذا النقل عن الإمام أحمد في "طبقات الحنابلة" 1/ 241. (¬1) الحديث مع اختلاف يسير في اللفظ، أخرجه مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خير أمتي القرن الذي بعثت فيهم" وعن عمران بن حصين - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خير هذه الأمة القرن الذي بعثت فيهم. . ". صحيح مسلم 4/ 1963، 1965 كتاب فضائل الصحابة -باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم- الحديثين / 213، 215. وأخرجه أبو داود في سننه 5/ 44 كتاب السنة- باب فضل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحديث / 4657. والترمذي في سننه 4/ 500، 501 كتاب الفتن- باب ما جاء في القرن الثالث الحديث / 2222. والإمام أحمد في مسنده 4/ 440، 5/ 357. والحديث يروى بألفاظ مختلفة عن عدد من الصحابة. انظر إضافة إلى ما تقدم: صحيح البخاري 3/ 151. كتاب الشهادات. باب لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد. و 4/ 189 كتاب أصحاب النبي - عليه السلام - باب فضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -. و 7/ 173 كتاب الرقاق. باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها. سنن ابن ماجة 2/ 791 كتاب الأحكام- باب كراهية الشهادة لمن لم يستشهد - الحديث / 2362. السنة لابن أبي عاصم 2/ 627 - 629.

الرابع عشر: أن من سماهم أهل الحق متناقضون في الشرعيات والعقليات

العلم والدين والجهاد، فمن ادعى أنه حقق من العلم بأصول الدين، أو من الجهاد ما لم يحققوه، كان من أجهل الناس وأضلهم، وهو بمنزلة من يدعي من أهل الزهد والعبادة والنسك، أنهم حققوا من العبادات والمعارف والمقامات والأحوال ما لم يحققه الصحابة، وقد يبلغ الغلو بهذه الطوائف إلى أن يفضلوا نفوسهم وطرقهم على الأنبياء وطرقهم، وتجدهم (¬1) عند التحقيق من أجهل الناس وأضلهم وأفسقهم وأعجزهم. الرابع عشر (¬2): أن يقال له: هؤلاء الذين سميتهم أهل الحق، وجعلتهم قاموا من تحقيق أصول الدين بما لم يقم به الصحابة، هم متناقضون في الشرعيات والعقليات. أما الشرعيات فإنهم تارة يتأولون نصوص الكتاب والسنة، وتارة يبطلون التأويل، فإذا ناظروا الفلاسفة والمعتزلة الذين يتأولون نصوص الصفات مطلقًا، ردوا عليهم وأثبتوا لله الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر ونحو ذلك من الصفات، وإذا ناظروا من يثبت صفات أخرى دل عليها الكتاب والسنة، كالمحبة والرضا والغضب والمقت والفرح والضحك ونحو ذلك تأولوها، وليس لهم فرق مضبوط بين ما يتأول وما لا يتأول، بل منهم من يحيل على العقل، ومنهم من يحيل إلى (¬3) الكشف، فأكثر متكلميهم (¬4) يقولون: ما علم بثبوته بالعقل لا يتأول، وما لا (¬5) يعلم ثبوته بالعقل يتأول، ومنهم من يقول: ما علم ثبوته ¬

_ (¬1) في الأصل: وتجددهم. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط. (¬2) في س، ط: الوجه الرابع عشر. وفي الأصل: بياض لعله كتب بالحمرة فلم يتضح. والصواب كما أثبته، إذ السياق في الترقيم يقتضي ذلك. (¬3) في س، ط: على. (¬4) في الأصل: متكلمين. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط. (¬5) في س، ط: ما لم.

بالكشف والنور الإلهي لا يتأول، وما لم يعلم ثبوته بذلك يتأول (¬1) , وكلا الطريقين (¬2) ضلال وخطأ من وجوه: أحدها: أن يقال: عدم الدليل ليس دليل العدم، فإن عدم العلم بالشيء بعقل أو كشف لا يقتضي (¬3) أن يكون معدومًا، فمن أين لكم ما دلت عليه النصوص أو الظواهر، ولم تعلموا انتفاءه، أنه منتف في نفس الأمر؟ الوجه (¬4) الثاني: أن هذا في الحقيقة عزل للرسول، واستغناء عنه، وجعله بمنزلة شيخ من شيوخ المتكلمين أو الصوفية، فإن المتكلم مع المتكلم، والمتصوف مع المتصوف، يوافقه فيما علمه بنظره أو كشفه، دون ما لم يعلمه بنظره أو كشفه بل ما ذكروه فيه تنقيص للرسول عن درجة المتكلم والمتصوف، فإن المتكلم والمتصوف إذا قال نظيره شيئًا، ولم يعلم ثبوته ولا انتفاؤه لا نثبته ولا ننفيه، وهؤلاء ينفون معاني النصوص ¬

_ (¬1) ذكر أبو حامد الغزالي في كتابه "إحياء علوم الدين" 1/ 104: أنه لا يستدل بالسمع على شيء من العلم الخبري، وإنما يعرف الإنسان الحق بنور إلهي يقذف في قلبه، ثم يعرض الوارد في السمع عليه، فما كان موافقًا له قرر، وما خالفه أول، فقال: "وحد الاقتصاد بين هذا الانحلال كله، وبين جمود الحنابلة دقيق غامض لا يطلع عليه إلا الموفقون الذين يدركون الأمور بنور إلهي، لا بالسماع، ثم إذا انكشفت لهم أسرار الأمور على ما هي عليه، نظروا إلى السمع والألفاظ الواردة، فما وافق ما شاهدوه بنور اليقين قرروه وما خالف أولوه". والشيخ -رحمه الله- بين أن هذا الكلام بعيد عن الصواب وضلال معتقده ظاهر من وجوه خمسة. (¬2) في س: الطريقتين. (¬3) في الأصل: لا بعقل يقتضي. والكلام يستقيم بدون الزيادة كما في: س، ط. (¬4) الوجه: ساقطة من: س.

ويتأولونها، وإن لم يعلموا انتفاء مقتضاها، ومعلوم أن من جعل الرسول بمنزلة واحد من هؤلاء، كان في قوله من الإلحاد والزندقة ما الله به عليم، فكيف بمن جعله في الحقيقة دون هؤلاء؟ وإن كانوا هم لا يعلمون أن هذا لازم قولهم، فنحن ذكرنا أنه لازم لهم لنبين فساد الأصول التي لهم، وإلّا فنحن نعلم أن من كان منهم ومن غيرهم مؤمنًا بالله ورسوله، لا ينزل الرسول هذه المنزلة. الوجه الثالث: أن يقال: ما نفيتموه من الصفات وتأولتموه، يقال في ثبوته من العقل والكشف نظير ما قلتموه فيما أثبتوه وزيادة، وقد بسطت هذا في غير هذا الموضع، وبينت أن الأدلة الدالة سمعًا وعقلًا على ثبوت رحمته ومحبته ورضاه وغضبه، ليست بأضعف من الأدلة الدالة على إرادته، بل لعلها أقوى منها، فمن تأول نصوص المحبة والرضا والرحمة وأقر نصوص الإرادة كان متناقضًا. الوجه الرابع: إن ما ذكرتموه هو نظير قول المتفلسفة والمعتزلة، فإنهم يقولون: تأولناه لدلالة أدلة المعقول (¬1) على نفي مقتضاه، وكل ما يجيبونهم به يجيبكم أهل الإثبات من أهل الحديث والسنة به. الوجه الخامس: إن أهل الإثبات لهم من العقل الصريح والكشف الصحيح ما يوافق ما جاءت به النصوص، فهم مع موافقة الكتاب والسنة وإجماع سلف ¬

_ (¬1) في س، ط: العقول.

الأمة، يعارضون بعقلهم عقل النفاة، وبكشفهم كشف النفاة (¬1)، لكن عقلهم وكشفهم هو الصحيح، ولهذا تجدهم ثابتين فيه وهم في مزيد علم وهدى، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} (¬2) وأولئك تجدهم في مزيد حيرة وضلال، وآخر (¬3) أمرهم ينتهي إلى الحيرة، ويعظمون الحيرة فإن اَخر معقولهم الذي جعلوه ميزانًا يزنون به الكتاب والسنة يوجب الحيرة، حتى يجعلوا الرب موجودًا معدومًا ثابتًا منتفيًا (¬4) فيصفونه بصفة الإثبات وبصفة العدم، والتحقيق عندهم جانب النفي بأنهم يصفونه بصفات المعدوم والموات، وآخر كشفهم وذوقهم وشهودهم الحيرة، وهؤلاء لا بد لهم من إثبات، فيجعلونه حالًا (¬5) في المخلوقات، أو يجعلون وجوده وجود المخلوقات، فآخر نظر الجهمية وعقلهم أنهم لا يعبدون شيئًا، وآخر كشفهم وذوقهم أنهم يعبدون كل ¬

_ (¬1) وبكشفهم كشف النفاة: ساقطة من: س. (¬2) سورة محمد، الآية: 17. (¬3) في الأصل: وأخرهم. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط. (¬4) في س: منتفا. (¬5) الحلول الخاص: هو قول النسطورية من الضارى ونحوهم ممن يقول: إن اللاهوت حل في الناسوت وتدرع به، وقول غالية الرافضة الذين يقولون: إنه حل بعلي بن أبي طالب وأئمة أهل بيته، وغالية النساك الذين يقولون بالحلول في الأولياء ومن يعتقدون فيه الولاية، أو في بعضهم: كالحلاج ونحوه. والحلول العام: هو قول طائفة من الجهمية الذين يقولون: إن الله بذاته في كل مكان، ويتمسكون بمتشابه من القرآن كقوله تعالى: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ} 3 / الأنعام. وقوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ} 4 / الحديد. وهذا القول رده السلف وكفروا الجهمية به، بل جعلهم كثير من السلف وطائفة من أهل العلم والحديث من أصحاب أحمد وغيره- خارجين به عن الثنتين والسبعين فرقة. انظر: مجموع الفتاوى: 2/ 140، 171، 172، 298، 465.

تناقضهم في العقليات

شيء، وأصل الشر ممن (¬1) جعل مثل هذا العقل ومثل هذا الكشف ميزانًا يزن به الكتاب والسنة. وأما أهل العقل الصريح، والكشف الصحيح، منهم أئمة العلم والدين من مشايخ الفقه والعبادة الذين لهم في الأمة لسان صدق، وكل من له في الأمة لسان صدق عام من أئمة العلم والدين المنسوبين إلى الفقه والتصوف فإنهم على الإثبات لا على النفي، وكلامهم في ذلك كثير قد ذكرناه في غير هذا الموضع (¬2). وأما تناقضهم في العقليات فلا يحصى، مثل قولهم: إن الباري لا يقوم به الأعراض، ولكن تقوم به الصفات، والصفات والأعراض في المخلوق سواء عندهم، فالحياة والعلم والقدرة والإرادة والحركة والسكون في المخلوق هو عندهم صفة، وهو عندهم عرض، ثم قالوا: في الحياة ونحوها هي في حق الخالق صفات وليست بأعراض، إذ العرض هو ما لا يبقى زمانين، والصفة القديمة باقية. ومعلوم أن قولهم العرض ما [لا] (¬3) يبقى زمانين: هو فوق ¬

_ (¬1) في ط: وأصل البشر من. وهو تصحيف. (¬2) انظر مثلًا 2/ 299، 3/ 219 - 227، 5/ 38 - 107، 136 - 143. (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة أرى أن الكلام يستقيم بها. والأشعري ومتبعوه يذهبون إلى أن العرض لا يبقى زمانين، فالأعراض في جملتها على التقضي والتجدد، وتخصيص كل بوقته للقادر المختار، ووافقهم النظام والكعبي. انظر: مقالات الإسلاميين -للأشعري- 2/ 46 - 48. والمواقف -للآيجي- ص: 101. وقولهم هذا قول محدث في الإسلام، لم يقله أحد من السلف والأئمة، وهو قول مخالف لما عليه جماهير العقلاء من جميع الطوائف، بل من الناس من يقول: إنه معلوم الفساد بالاضطرار. انظر: مجموعة الرسائل والمسائل -لابن تيمية- كتاب مذهب السلف القويم =

بِدعَوِي وتحكم، فإن الصفات في المخلوق لا تبقى -أيضًا- زمانين عندهم فتسمية الشيء صفة أو عرضًا لا يوجب الفرق، لكنهم ادعوا أن صفة المخلوق لا تبقى زمانين، وصفة الخالق تبقى، فيمكنهم أن يقولوا: بالمخلوق لا يبقى والقائم بالخالق باق، هذا إن صح قولهم (¬1): إن الصفات التي هي الأعراض لا تبقى (¬2)، وأكثر (¬3) العقلاء يخالفونهم في ذلك. وكذلك قولهم (¬4): إن الله يرى كما ترى الشمس والقمر من غير مواجهة ولا معاينة، وإن كل موجود يرى حتى الطعم واللون. وإن المعنى الواحد القائم بذات المتكلم يكون أمرًا بكل ما أمر به، ونهيًا عن كل ما نهى عنه، وخبرًا بكل ما أخبر به، وذلك المعنى إن عبر عنه بالعربية فهو القرآن، وإن عبر عنه بالعبرية (¬5) فهو التوراة، وإن عبر عنه بالسريانية فهو الإنجيل، وإن الأمر والنهي والخبر صفات للكلام لا أنواع له، وأن هذا المعنى يسمع بالأذن على قول بعضهم إن (¬6) عنده متعلق بكل موجود، وعلى قول بعضهم: إنه لا يسمع بالأذن لكن بلطيفة جعلت في قلبه، فجعلوا السمع من جنس الإلهام، ولم يفرقوا بين الإيماء إلى غير موسى وبين تكليم موسى. ومثل قولهم: إن القديم لا يجوز عليه الحركة والسكون ونحو ¬

_ = في تحقيق مسألة كلام الله الكريم- 3/ 365، 366. (¬1) في ط: فقولهم. (¬2) في الأصل، س: لا يبقى. والمثبت من: ط. ولعله المناسب. (¬3) في ط: فأكثر. (¬4) انظر قولهم هذا في: الإرشاد -للجويني- ص: 174، 181. ونهاية الإقدام -للشهرستاني- ص: 356 - 369. وأصول الدين -لعبد القاهر البغدادي- ص: 97 - 102. (¬5) في ط: العبرانية. (¬6) أن: ساقطة من: س.

ذلك، لأن هذه لا تقوم إلا بمتحيز، وقالوا: إن القدرة والحياة ونحوهما يقوم بقديم غير متحيز، وجمهور العقلاء يقولون: إن هذا فرق بين المتماثلين. وكذلك زعمهم أن قيام الأعراض التي هي الصفات بالمحل الذي تقوم به يدل على حدوثها، ثم قالوا: إن الصفات قائمة بالرب ولا تدل على حدثه (¬1). وكذلك في احتجاجهم على المعتزلة في مسألة القرآن، فإن عمدتهم فيها: أنه لو كان مخلوقًا لم يخل إما أن يخلقه في نفسه أو في غيره، أو لا في نفسه ولا في غيره وهذا باطل، لأنه يستلزم قيام الصفة بنفسها، والأول باطل لأنه ليس بمحل الحوادث، والثاني باطل لأنه لو خلقه في محل لعاد حكمه على ذلك المحل، فكان يكون هو المتكلم به، فإن الصفة إذا قامت بمحل عاد حكمها على ذلك المحل، ولم يعد على غيره كالعلم والقدرة والحياة. وهذا من أحسن ما يذكرونه من الكلام، لكنهم نقضوه حيث منعوا أن يقوم (¬2) به (¬3) الأفعال مع اتصافه بها، فيوصف بأنه خالق وعادل ولم يقم به خلق ولا عدل، ثم كان من قولهم الذي أنكره الناس إخراج الحروف عن مسمى الكلام، وجعل دلالة لفظ الكلام عليها مجازًا، فأحب أبو (¬4) المعالي ومن اتبعه كالرازي أن يخلصوا من هذه الشناعة، فقالوا: اسم الكلام يقال بالاشتراك على المعنى القائم بالنفس وعلى الحروف الدالة عليه. وهذا الذي قالوه أفسدوا به أصل دليلهم على المعتزلة، فإنه إذا صح أن ما قام بغير الله يكون كلامًا له حقيقة بطلت ¬

_ (¬1) في س، ط: حدوثه. (¬2) في ط: تقوم. (¬3) به: ساقطة من: س. (¬4) في س: أبا. وهو خطأ.

حجتهم على المعتزلة في قولهم: إن الكلام إذا قام بمحل عاد حكمه عليه، وجاز حينئذ أن يقال: إن الكلام مخلوق خلقه في غيره وهو كلامه حقيقة، ولزمهم من الشناعة ما لزم المعتزلة، حيث ألزمهم السلف والأئمة أن تكون الشجرة هي القائلة لموسى: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إلا أَنَا} (¬1) مع أن أدلتهم في مسألة امتناع حلول الحوادث، لما تبين للرازي ونحوه ضعفها لم يمكنه أن يعتمد في مسألة الكلام على هذا الأصل، بل احتج بحجة سمعية هي من أضعف الحجج حيث أثبت الكلام النفساني بالطريقة المشهورة، ثم قال (¬2): "وإذا ثبت ذلك ثبت أنه واحد وأنه قديم، لأن كل من قال ذلك قال هذا ولم يفرق أحد" هكذا قرره في نهاية العقول. ومعلوم أن [هذا] (¬3) الدليل لا يصلح لإثبات مسألة فرعية عند محققي الفقهاء، وقد بينا تناقضهم في هذه المسألة بقريب من مائة وجه عقلي في هذا الكتاب (¬4)، وكان بعض الفضلاء قد قال للفقيه أبي محمد بن عبد السلام (¬5) في مسألة القرآن: كيف يعقل شيء واحد هو أمر ¬

_ (¬1) سورة طه، الآية: 14. (¬2) نهاية العقول في دراية الأصول -لأبي عبد الله الرازي - مخطوط - اللوحة رقم. (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من: س. (¬4) هو: الكتاب الذي بين أيدينا. (¬5) هو: أبو محمد عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن حسين بن محمد السلمي الدمشقي الشافعي، أحد الأئمة الأعلام، برع في المذهب وجمع علومًا كثيرة، من القائلين بقول الأشعري. توفي سنة 660 هـ. وقد ذكر السبكي في طبقاته 8/ 219 - 229 عقيدته في مسألة الكلام. وراجع: فوات الوفيات -لابن شاكر - 2/ 350 - 352. والبداية والنهاية -لابن كثير- 13/ 223، 224.

الخامس عشر: أن هذه القواعد التي جعلتموها أصول دينكم هي عند التحقيق تهدم أصول دينكم

ونهي (¬1) وخبر واستخبار؟ فقال له أبو محمد: ما هذا بأول إشكال ورد على مذهب الأشعري. و-أيضًا- فهم في مسألة القدر (¬2) يسوون بين الإرادة والمحبة والرضا ونحو ذلك ويتأولون قوله: {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} (¬3) بمعنى (¬4) لا يريده لهم، وعندهم أنه رضيه وأحبه لمن وقع منه، وكل ما وقع في الوجود من كفر وفسوق وعصيان فالله يرضاه ويحبه، وكل ما لم يقع من طاعة وبر وإيمان فإن الله لا يحبه ويرضاه، ثم إنهم إذا تكلموا مع سائر العلماء في أصول الفقه، بينوا أن المستحب هو ما يحبه الله ورسوله، وهو ما أمر به أمر استحباب سواء قدره أو لم يقدره، وهذا باب يطول وصفه. الوجه الخامس عشر (¬5): أن يقال: إن (¬6) هذه القواعد التي جعلتموها أصول دينكم، وظننتم أنكم بها صرتم مؤمنين بالله وبرسوله وباليوم الآخر، وزعمتم أنكم تقدمتم بها على سلف الأمة وأئمتها، وبها ¬

_ (¬1) في الأصل: عين. ولا معنى لها. والمثبت من: س، ط. (¬2) الأشاعرة يقولون: إن الله مريد للطاعة والمعصية وسائر الحوادث، فعندهم هو مريد لكل ما يفعله العباد، فيجب أن يكون محبًا راضيًا لكل ما يفعلونه حتى الكفر والفسوق، ويستدلون لذلك بأدلة واهية لا تثبت أمام التمحيص. وسوف يبين الشيخ -رحمه الله- فساد هذا القول في ص: 975، 976. وللاطلاع على هذا الرأي الباطل، يراجع: اللمع -لأبي الحسن الأشعري- ص: 47 - 59. والتمهيد -لأبي بكر الباقلاني- ص: 280 - 285. والإرشاد -لأبي المعالي الجويني- ص: 237 - 239. (¬3) سورة الزمر، الآية: 7. (¬4) في الأصل، س: بعد الآية الكريمة: أي: لعباده بمعنى. . وفي ط: أي: بمعنى. والكلام يستقيم بدون الزيادة. (¬5) عشر: ساقطة من: س. (¬6) إن: ساقطة من: س، ط.

دفعتم أهل الإلحاد (¬1) من المتفلسفة والمعتزلة ونحوهم، هي عند التحقيق تهدم أصول دينكم، وتسلط (¬2) عليكم عدوكم، وتوجب تكذيب نبيكم، والطعن في خير قرون هذه الأمة، وهذا -أيضًا- فيما فعلتموه في الشرعيات والعقليات. أما الشرعيات، فإنكم لما تأولتم ما تأولتم من نصوص الصفات الإلهية، تأولت المعتزلة ما أقررتموه أنتم (¬3)، واحتجوا بمثل حجتكم، ثم زادت الفلاسفة وتأولوا ما جاء من (¬4) النصوص الإلهية في الإيمان باليوم الآخر، وقالت الفلاسفة (¬5) مثل ما قلتم لإخوانكم المؤمنين , ولم يكن لكم حجة على المتفلسفة، فإنكم إن احتججتم بالنصوص تأولوها، ولهذا كان غايتكم في مناظرة هؤلاء أن تقولوا: نحن نعلم بالاضطرار أن الرسول أخبر بمعاد الأبدان، وأخبر بالفرائض الظاهرة، كالصلوات الخمس وصوم شهر رمضان ونحو ذلك لجميع البرية، والأمور الضرورية لا يمكن القدح فيها. فإن قال لكم المتفلسفة: هذا غير معلوم بالضرورة، كان جوابكم أن تقولوا: هذا مكابرة أم هذا جهل منكم؟ أو تقولوا: إن العلوم الضرورية لا يمكن دفعها عن النفس، ونحن نجد العلم بهذا أمرًا ضروريًّا في أنفسنا، وهذا كلام صحيح منكم، لكن [في] (¬6) هذا يقول لكم المثبتة أهل العلم بالقرآن وتفسيره المنقول عن السلف والأئمة وبالأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة والتابعين نحن نعلم بالاضطرار ¬

_ (¬1) في س، ط: (¬2) في ط: تسط. وهو تصحيف. (¬3) أنتم: ساقطة من: س، وفي ط: قررتموه أنتم. (¬4) في س: جاءت النصوص. وفي ط: جاءت به النصوص. (¬5) في س، ط: المتفلسفة. (¬6) ما بين المعقوفتين زيادة من: ط. يقتضيها السياق.

أنها أثبت (¬1) الصفات، وأن الله فوق العالم، والعلم بهذا ضروري عندهم، كما ذكرتم أنتم في معاد الأبدان والشرائع الظاهرة، بل لعل العلم بهذا أعظم من العلم ببعض ما تنازعكم فيه المعتزلة والفلاسفة من أمور المعاد، كالصراط والميزان والحوض والشفاعة ومسألة منكر ونكير. و-أيضًا- فالعلم بعلو الله على عرشه ونحو ذلك، يعلم بضرورية عقلية وأدلة عقلية يقينية لا يعلم بمثلها معاد الأبدان، فالعلوم الضرورية والأدلة السمعية والعقلية على ما نفيتموه من علو الله على خلقه، ومباينته لهم ونحو ذلك، أكمل وأقوى من العلوم الضرورية والأدلة السمعية والعقلية على كثير مما خالفكم فيه المعتزلة بل والفلاسفة، ولهذا يوجد عن كثير من السلف موافقة المعتزلة في بعض ما خالفتموه فيه، كما يوجد عن بعض السلف إنكار سماع الذي في القبر للأصوات (¬2)، وعن بعض السلف إنكار المعراج (¬3) بالبدن وأمثال ذلك، ولا يوجد عن أحد (¬4) منهم ¬

_ (¬1) في س، ط: أثبتت. (¬2) وممن قال بذلك عائشة - رضي الله عنها - ومن تبعها. وما يقتضي الدليل رجحانه أن الموتى في قبورهم يسمعون كلام من كلمهم. وهذا ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى 4/ 295 - 299. وابن القيم في "الروح" ص: 5 - 16، وانظر المسألة في "أضواء البيان" للشنقيطي - 6/ 421 - 439. والآيات البينات في عدم سماع الأموات عند الحنفية السادات - تأليف نعمان ابن المفسر الشهير محمود الألوسي. (¬3) كما يؤثر عن معاوية بن أبي سفيان وعائشة وغيرها. وذهب معظم السلف إلى أن المعراج كان ببدنه في اليقظة. وهو قول ابن عباس وجابر وأنس وغيرهم، وهو الحق. انظر خلاف السلف في هذه المسألة في "الشفا" للقاضي عياض 1/ 359 - 374 وانظر: تفسير ابن جرير الطبري 15/ 16. وتفسير القرطبي 10/ 208، 209. وتفسير ابن كثير 3/ 32. (¬4) في س، ط: واحد.

موافقتكم على أن الله ليس بداخل العالم ولا خارجه، وأنه ليس فوق العالم، بل ولا على ما نفيتموه من الجسم وملازمه وكذلك المعتزلة وإن كانوا ضالين في مسألة إنكار الرؤية، فمعهم فيها من الظواهر التي تأولوها، والمقاييس التي اعتمدوا عليها أعظم مما معكم في إنكار مباينة الله لمخلوقاته وعلوه على عرشه. ومن العجب أنكم تقولون: إن محمدًا رأى ربه ليلة المعراج، وهذه مسألة نزاع بين الصحابة (¬1)، أو تقولون: رآه بعينه، ولم يقل ذلك ¬

_ (¬1) هذه المسألة مما اختلف فيها الصحابة -رضي الله عنهم ومن بعدهم- فذهبت طائفة -ومنهم عائشة رضي الله عنها- إلى إنكار رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - لربه ليلة المعراج، وذهب آخرون -ومنهم ابن عباس رضي الله عنهم- إلى إثباتها. وقد ذكر القاضي عياض في كتابه "الشفا" 1/ 375 - 388: اختلاف السلف في هذه المسألة، ثم قال في ص: 386: ". . ولا مرية في الجواز إذ ليس في الآيات نص في المنع، وأما وجوبه لنبينا - صلى الله عليه وسلم - والقول بأنه رآه بعينه فليس فيه قاطع أيضًا ولا نصّ". يقول الشيخ -رحمه الله- في الفتاوى 6/ 509، 510: "وأما الرؤية فالذي ثبت في الصحيح عن ابن عباس أنه قال: رأى محمد ربه بفؤاده مرتين، وعائشة أنكرت الرؤية، فمن الناس من جمع بينهما فقال: عائشة أنكرت رؤية العين، وابن عباس أثبت رؤية الفؤاد. والألفاظ الثابتة عن ابن عباس هي مطلقة، أو مقيدة بالفؤاد. تارة يقول: رأى محمد ربه، وتارة يقول رآه محمد. ولم يثبت عن ابن عباس لفظ صريح بأنه رآه بعينه. . إلى أن قال: ". . وليس في الأدلة ما يقتضي أنه رآه بعينه ولا ثبت ذلك عن أحد من الصحابة ولا في الكتاب والسنة ما يدل على ذلك، بل النصوص الصحيحة على نفيه أدل كما في صحيح مسلم عن أبي ذر قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هل رأيت ربك؟ فقال: "نور أنى أراه؟ ". ثم ذكر الأدلة من الكتاب والسنة الدالة بمفهومها على نفي الرؤية بالعين. فمن هذا يتضح - والله أعلم - أن الرأي الأمثل في هذه المسألة أن تحمل النصوص الواردة في الإثبات على رؤية القلب والنصوص الواردة في النفي على رؤية البصر وبهذا تأتلف النصوص ويزول الإشكال.

أحد منهم، ثم تقولون (¬1): إن محمدًا لم يعرج به إلى الله، فإن الله ليس هو فوق السماوات، فتنكرون ما اتفق عليه السلف، وتقولون بما تنازعوا فيه ولم يقله أحد منهم، فالمعتزلة في جعلهم المعراج منامًا أقرب إلى السلف والسنة (¬2) منكم، حيث قلتم رآه بعينه ليلة المعراج، وقلتم مع هذا: [إنه] (¬3) ليس فوق السماوات رب يعرج إليه، فهذا النفي أنتم (¬4) والمعتزلة فيه شركاء (¬5) وأنتم امتزتم بقولكم رآه بعينه، وهذا لم يثبت عن أحد من السلف، وهم امتازوا بقولهم المعراج منامًا، وهو قول مأثور عن طائفة من السلف، وإنما نقل عنهم بأسانيد ضعيفة، ثم إنكم أظهرتهم للمسلمين مخالفة المعتزلة في مسألة الرؤية والقرآن، ووافقتم أهل السنة على إظهار القول بأن الله يرى في الآخرة، وأن القرآن كلام الله غير مخلوق والقول بأن الله لا يرى في الآخرة، وأن القرآن مخلوق (¬6) من البدع القديمة التي أظهرت الجهمية من المعتزلة وغيرهم في عصر الأئمة حتى امتحنوا (¬7) الإمام أحمد وغيره بذلك، ووافقتم (¬8) المعتزلة على ¬

_ = وللاطلاع على هذه المسألة وتفاصيل العلماء فيها، تراجع بالإضافة إلى ما تقدم: التوحيد -لابن خزيمة- تحقيق د. عبد العزيز الشهوان - 1/ 477 - 547، 2/ 548 - 563. شرح الطحاوية -لصدر الدين الحنفي- ص: 213، 214. لوامع الأنوار البهية -للسفاريني- 2/ 250 - 256. (¬1) في س: يقولون. (¬2) في ط: أهل السنة. (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬4) أنتم: كررت في: س. (¬5) ذكرها البيهقي في "الأسماء والصفات" ص: 443 - 446. وبين وجه ضعفها. وانظر: الدر المنثور -للسيوطي- 7/ 646 - 649. (¬6) والقول بأن الله لا يرى في الآخرة وأن القرآن مخلوق: كرر في الأصل، وهو سهو من الناسخ. (¬7) تقدم الكلام على محنة الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- في مسألة القول بخلق القرآن. أثناء دراسة مسائل الكتاب. (¬8) في الأصل: ووافقتهم. والمثبت من: س، ط. ولعله المناسب للسياق.

نفيهم وتعطيلهم الذي ما كانوا يجترئون على إظهاره في زمن السلف والأئمة، وهو قولهم: إن الله لا داخل العالم ولا خارجه وإنه ليس فوق السماوات رب ولا على العرش إله، فإن هذه البدعة الشنعاء والمقالة التي هي شر من قول (¬1) كثير من اليهود والنصارى، لم يكن يظهرها أحد من المعتزلة للعامة، ولا يدعو عموم الناس إليها، وإنما كان السلف يستدلون على أنهم يبطنون ذلك بما يظهرونه من مقالاتهم، فموافقتكم للمعتزلة على ما أسروه من التعطيل والإلحاد الذي هو أعظم مخالفة للشرع والعقل مما خالفتموه فيه في مسألة الرؤية والقرآن فإن كل عاقل يعلم أن دلالة القرآن على علو الله على عرشه أعظم من دلالته على أن الله يرى وليس في القرآن آية توهم المستمع أن الله ليس داخل العالم ولا خارجه، وفيه ما يوهم بعض الناس نفي الرؤية، ولكن يعارضون (¬2) آيات العلو الكثيرة الصريحة بما يتوهم أنه يدل على أنه بذاته في كل مكان، وأنتم لا تقولون لا بهذا ولا بهذا فلم يكن معكم على هذا النفي آية تشعر بمذهبكم، فضلًا عن أن تدل عليه نصًّا أو ظاهرًا، ولا حديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا قول صاحب ولا تابع ولا إمام، وإنما غايتكم أن تتمسكوا بأثر مكذوب كما تذكرونه عن علي أنه قال: الذي أين الأين لا يقال له: أين، وهذا من الكذب على علي باتفاق أهل العلم لا إسناد له (¬3) وكذلك حديث الملائكة. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) قول: ساقطة من: س، ط. (¬2) في الأصل: يعارضه. والمثبت من: س، ط. ولعله المناسب للسياق. (¬3) ذكر الشيخ -رحمه الله- في درء تعارض العقل والنقل 5/ 225 أن من الأحاديث الموضوعة التي يحتج بها النفاة: "ما رواه ابن عساكر فيما أملاه في نفي الجهة عن شيخه ابن عبد الله العوسجي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: الذي أين الأين فلا يقال له: أين، وعارض به حديث ابن إسحاق الذي رواه أبو داود وغيره الذي قال فيه: يستشفع بك على الله، ويستشفع بالله عليك وأكثر فيه في القدح في ابن =

الأربعة (¬1) مع أن ذلك لا حجة فيه لكم، وكذلك القول بأن القرآن مخلوق، فيه من الشبهة ما ليس في نفي علو الله على عباده، ولهذا كان في فطر جميع الأمم الإقرار بعلو الله على خلقه (¬2)، وأما كونه يرى أو لا يرى أو يتكلم أو لا يتكلم، فهذا عندهم ليس في الظهور بمنزلة ذلك (¬3)، فوافقتم الجهمية المعتزلة وغيرهم على ما هو أبعد عن العقل والدين مما خالفتموهم فيه (¬4). ومعلوم اتفاق سلف الأمة وأئمتها على تضليل الجهمية من المعتزلة ¬

_ = إسحاق، مع احتجاجه بحديث أجمع العلماء على أنه من أكذب الحديث، وغاية ما قالوا فيه: إنه غريب". ولم أقف عليه فيما رجعت إليه من كتب الموضوعات. (¬1) حديث باطل أخرجه الجوزقاني في "الأباطيل والمناكير" 1/ 74 - 76 بسنده عن الضحاك عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: رأيت أربعة أملاك التقوا في الهواء، بعثهم ربي جميعًا، فقال ملك: بعثنا ربنا جميعًا فمن أين بعثك أنت ربك؟ قال: من فوق عرشه، فمن أين بعثك أنت معي؟ قال: بعثني من تحت الأرض السفلى، ثم قال الثالث لصاحبه: فمن أين بعثك أنت معي؟ قال: بعثني من المشرق، ثم قال الرابع لصاحبه: فمن أين بعثك؟ قال: من المغرب، ثم تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} 3 / الحديد. هو الأول فلم يكن قبله شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء، وهو الظاهر فليس فوقه شيء، وهو الباطن فليس دونه شيء، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فلو دلي أحدكم إلى الأرض السفلى لدلي على الله تعالى، لأنه لا يخلو منه مكان. قال الجوزقاني: هذا حديث باطل لا أصل له جملة. وذكر أن في سنده خمسة متروكون مجروحون، وأن الضحاك لم يسمع من ابن عباس شيئًا. (¬2) إدراك علو الله على خلقه من الأمور الفطرية الضرورية التي يجدها الإنسان من نفسه حين يدعو ربه -عزَّ وجلَّ- والدعاء لا يكون إلا بالاتجاه نحو العلو، وتقدم الكلام على دلالة الفطرة على علو الله. (¬3) في س، ط: ذاك. (¬4) في الأصل، س: خالفتموه. والمثبت من: ط. ولعله المناسب للسياق.

ما وافقتم فيه الجهمية من المعتزلة وما خالفتموهم فيه أوجب فسادين عظيمين

وغيرهم، بل قد كفروهم وقالوا فيهم ما لم يقولوه في [أحد من] (¬1) أهل الأهواء، بل أخرجوهم عن الثنتين والسبعين (¬2) فرقة، وقالوا: إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى، ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية (¬3)، فكنتم وافقتم فيه الجهمية من المعتزلة وغيرهم، وما خالفتموهم فيه، كمن (¬4) آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض، ولكن هو (¬5) إلى الكفر أقرب منه إلى الإيمان، وأوجب ذلك فسادين عظيمين: أحدهما: تسلط المعتزلة ونحوهم عليكم، فإنكم لما وافقتموهم على هذا التعطيل بقي بعد ذلك إثباتكم للرؤية، ولكون القرآن غير مخلوق قولًا باطلًا في العقل عند جمهور العقلاء، وانفردتم عن جميع طوائف الأمة بما ابتدعتموه في مسألة الكلام والرؤية، وقويت المعتزلة عليكم بذلك (¬6) وعلى [أهل] (¬7) السنة، وإن كنتم قد رددتم على ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬2) في جميع النسخ: سبعين. والصواب ما أثبته. (¬3) يؤثر هذا القول عن عبد الله بن المبارك. انظر: السنة -لعبد الله بن أحمد بن حنبل- ص: 7. ومجموعة الرسائل والمسائل -لابن تيمية- كتاب مذهب السلف القويم في تحقيق مسألة كلام الله الكريم 3/ 344، 345. وجاء فيه: أن المشهور مذهب أحمد وعامة أئمة السنة تكفير الجهمية، وهم المعطلة للصفات، فإن قولهم صريح في مناقضة ما جاءت به الرسل، وحقيقة قولهم: جحود الصانع، وجحود ما أخبر به عن نفسه على لسان رسوله. . والجهمية عند كثير من السلف مثل ابن المبارك ويوسف بن أسباط وطائفة من أصحاب الإمام أحمد ليسوا من الثنتين والسبعين فرقة التي افترقت عليها هذه الأمة. وتقدم الكلام على هذا في ص: 695. (¬4) في س: لكن. وهو تصحيف. (¬5) في الأصل: الهو. ولا معنى لها. والمثبت من: س، ط. (¬6) في س، ط: بذلك عليكم. (¬7) ما بين المعقوفتين زيادة من: ط.

المعتزلة، حتى قيل (¬1): إن الأشعري حجرهم في قمع السمسمة (¬2)، فهذا -أيضًا- صحيح بما أبداه من تناقض أصولهم، فإنه كان خبيرًا بمذاهبهم، إذ كان من تلامذة أبي علي الجبائي، وقرأ عليه أصول المعتزلة أربعين سنة، ثم لما انتقل إلى طريقة أبي محمد عبد الله بن سعيد (¬3) بن كلاب، وهي أقرب إلى السنة من طريقة المعتزلة، فإنه يثبت الصفات والعلو ومباينة الله للمخلوقات، ويجعل العلو يثبت بالعقل، فكان الأشعري لخبرته بأصول المعتزلة، أظهر من تناقضها وفسادها ما قمع به المعتزلة، وبما أظهر (¬4) من تناقض المعتزلة والرافضة والفلاسفة ونحوه، صار له من الحرمة والقدر ما صار له فـ {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} (¬5). لكن الأشعري قصر عن طريقة ابن كلاب، وأنتم خالفتم ابن كلاب والأشعري، فنفيتم الصفات الخبرية، ونفيتم العلو، وخياركم يجعله ¬

_ (¬1) ينسب هذا القول إلى أبي بكر الصيرفي. فقد نقل الذهبي في "سير أعلام النبلاء" 15/ 86 والسبكي في طبقات الشافعية 3/ 349 أنه قال: "كانت المعتزلة قد رفعوا رؤوسهم حتى نشأ الأشعري، فحجرهم في أقماع السمسم". (¬2) القمع: مصدر قمع الرجل يقمعه قمعًا. وأقمعه فانقمع قهره وذلَّله فذل. والقمع: الدخول فرارًا وهربًا. وانظر: لسان العرب -لابن منظور- 8/ 294 (قمع). والسمسمة دويبة، وقيل: هي النملة الحمراء. انظر: اللسان -لابن منظور - 12/ 305 (سمم). وهذا القول كتابة عن التضييق والقهر، وهو أمر يتفق وإقامة الأشعري على الاعتزال أربعين عامًا ومعرفته بدقائقه وخباياه، ولذا نجده ألف الكتب الكثيرة التي كشفت النقاب عن ذلك المذهب، وبينت تناقضه. (¬3) في جميع النسخ: مسعود. وهو خطأ. وتقدم التعريف به ص: 169. (¬4) في س، ط: أظهره. (¬5) سورة النساء، الآية: 40.

من الصفات السمعية، مع أن ابن كلاب كان مبتدعًا (¬1) عند السلف والأئمة، بما قاله في مسألة القرآن وفي إنكار الصفات الفعلية القائمة بذات الله، ثم إن المعتزلة وإن انقمعوا من هذا الوجه فإنهم طمعوا وقووا من وجه آخر بموافقتكم لهم على أصول النفي والتعطيل، فصار ذلك مغريًا لفضلائهم بلزوم مذهبكم، فإن كل من فهم مذهبكم الذي خالفتم فيه المعتزلة، علم أن كل (¬2) ما ذكرتموه قول فاسد -أيضًا- وإن كان قول المعتزلة فاسدًا. ونشأ الفساد. الثاني: وهو أن الفضلاء إذا تدبروا حقيقة قولكم الذي أظهرتم فيه خلاف المعتزلة، وجدوكم قريبين منهم أو موافقين لهم في المعنى، كما في مسألة الرؤية، فإنكم تتظاهرون بإثبات الرؤية والرد على المعتزلة، ثم تفسرونها بما لا ينازع المعتزلة في إثباته، ولهذا قال من قال من الفضلاء في الأشعري: إن قوله قول المعتزلة ولكنه عدل عن التصريح إلى التمويه (¬3)، وكذلك قولكم في مسألة القرآن، فإنه لما اشتهر عند الخاص والعام أن مذهب السلف والأئمة أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأنهم أنكروا على الجهمية المعتزلة وغيرهم الذين قالوا: إنه مخلوق حتى كفروهم، وصبر الأئمة على امتحان الجهمية مدة استيلائهم، حتى نصر الله [أهل] (¬4) السنة وأطفأ الفتنة، فتظاهرتم بالرد على المعتزلة وموافقة السنة والجماعة، وانتسبتم إلى أئمة السنة في ذلك، وعند التحقيق فأنتم ¬

_ (¬1) في الأصل: مبدعًا. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط. (¬2) كل: ساقطة من: س، ط. (¬3) أخرج أبو إسماعيل الهروي في كتابه "ذم الكلام" مخطوط - الجزء السابع - الطبقة التاسعة - اللوحة: 3، أن الحاكم عدنان بن عبدة النميري قال: سمعت أبا عمر البسطامي يقول: كان أبو الحسن الأشعري أولًا ينتحل الاعتزال، ثم رجع فتكلم عليهم، وإنما مذهبه التعطيل إلا أنه رجع من التصريح إلى التمويه. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: ط.

موافقون للمعتزلة من وجه ومخالفونهم من وجه، وما اختلفتم فيه أنتم وهم، فأنتم أقرب إلى السنة من وجه، وهم أقرب إلى السنة من وجه، وقولهم أفسد في (¬1) العقل والدين من وجه، وقولكم أفسد في العقل والدين من وجه. وذلك (¬2) أن المعتزلة قالوا: إن كلام الله مخلوق منفصل عنه، والمتكلم من فعل الكلام، وقالوا: إن الكلام هو الحروف والأصوات، والقرآن الذي نزل به جبرئيل هو كلام الله، وقالوا: الكلام ينقسم إلى أمر ونهي وخبر، وهذه أنواع الكلام لا صفاته، والقرآن غير التوراة، والتوراة غير الإنجيل، وإن الله -سبحانه- يتكلم بما شاء. وقلتم أنتم إن الكلام معنى واحد قديم قائم (¬3) بذات المتكلم، هو الأمر والنهي والخبر، وهذه صفات الكلام لا أنواعه، فإن عبر عن ذلك المعنى بالعبرية كان توراة، وإن عبر [عنه] (¬4) بالسريانية كان إنجيلًا، وإن عبر عنه بالعربية كان قرآنًا، والحروف المؤلفة ليست من الكلام، ولا هي كلام الله، والكلام الذي نزل به جبرئيل من الله ليس كلام الله، بل حكاية عن كلام الله كما قال (¬5) ابن كلاب، أو عبارة عن كلام الله كما قال (5) الأشعري. ولا ريب أنكم خير من المعتزلة حيث جعلتم المتكلم من قام به الكلام، وأن من (¬6) لم يقم به الكلام لا يكون متكلمًا به، كما أن من لم يقم به العلم والقدرة والحياة لا يكون عالمًا به ولا قادرًا بها ولا حيًّا بها، ¬

_ (¬1) في ط: إلى. (¬2) في الأصل: وكذلك. ولعل ما أثبت من: س، ط. يستقيم به الكلام. (¬3) قديم: ساقطة من: س. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬5) في س، ط: قاله. (¬6) من: ساقطة من: ط.

وإنه لو كان الكلام مخلوقًا من جسم من الأجسام لكان ذلك الجسم هو متكلم به، فكانت الشجرة هي القائلة لموسى: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إلا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (¬1) فهذا مذهب سلف الأمة وأئمتها. ومن قال: إن المتكلم من فعل الكلام لزمه أن يكون كل كلام خلقه الله في محل كلامًا له، بل يكون إنطاقه للجلود كلامًا له، بل يكون إنطاقه لكل ناطق كلامًا له، وإلى هذا ذهب الاتحادية من الجهمية الحلولية الذين يقولون: إن وجوده عين الموجودات، فيقول قائلهم: وكل كلام في الوجود كلامه ... سواء علينا نثره ونظامه (¬2) لكن المعتزلة أجود منكم، حيث سموا (¬3) هذا القرآن الذي نزل به جبرئيل كلام الله، كما يقوله سائر المسلمين، وأنتم جعلتموه كلامه مجازًا، ومن جعله منكم حقيقة وجعل لفظ الكلام مشتركًا (¬4)، كأبي المعالي وأتباعه، انتقضت قاعدته في أن المتكلم بالكلام من قام به، ولم يمكنكم أن تقولوا بقول أهل السنة فإن أهل السنة يقولون: الكلام كلام من قاله مبتدئًا لا كلام من قاله مبلغًا مؤديًا. فالرجل إذا بلغ قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى" (¬5) كان قد بلغ كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - بحركاته وأصواته، وكذا (¬6). . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) سورة طه، الآية: 14. (¬2) في ط: نظمه. وهو خطأ. قائل البيت: محيي الدين بن عربي، وقد ذكره في "الفتوحات المكية" 4/ 141 بلفظ: ألا كل قول في الوجود. . . (¬3) في الأصل: سمعوا. والمثبت من: س، ط. ولعله المناسب للسياق. (¬4) في الأصل: اشتراكًا. والمثبت من: س، ط. ولعله المناسب. (¬5) تقدم تخريجه ص: 538. (¬6) في س، ط: وكذلك.

إذا أنشد شعر شاعر كامرئ القيس (¬1) أو غيره، فإذا قال: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل (¬2) ... . . . . . . . . . . . . . . . . . كان هذا الشعر شعر امرئ القيس، وإن كان هذا قد قاله بحركاته وأصواته، وهذا أمر مستقر في فطر (¬3) الناس كلهم، يعلمون أن الكلام كلام من تكلم به مبتدئًا، آمرًا بأمره ومخبرًا بخبره ومؤلفًا حروفه ومعانيه وغيره إذا بلغه عنه علم الناس أن هذا كلام للمبلغ عنه لا للمبلغ، وهم يفرقون بين أن يقوله المتكلم به والمبلغ عنه، وبين سماعه من الأول وسماعه من الثاني، ولهذا كان من المستقر عند المسلمين أن القرآن الذي يسمعونه هو كلام الله، كما قال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} (¬4) مع علمهم بأن القارئ يقرأه بصوته، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - "زينوا القرآن بأصواتكم" (¬5) , فالكلام ¬

_ (¬1) هو: امرؤ القيس بن حجر الكندي، اختلف في اسمه، واشتهر بلقبه، شاعر عربي من قبيلة كندة التي هاجرت من اليمن، عاش في القرن السادس الميلادي وتوفي سنة 80 ق. هـ. انظر: دائرة المعارف الإسلامية - 4/ 406، 407. والأعلام -للزركلي 1/ 351 , 352. (¬2) هذا صدر بيت لامرئ القيس، وعجزه: . . . . . . . . . . . . . . ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل وهو مطلع معلقته المشهورة، انظر: ديوان امرئ القيس ص: 8. (¬3) فطر: ساقطة من: س. (¬4) سورة التوبة، الآية: 6. (¬5) الحديث عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "زينوا .. ". أخرجه أبو داود في سننه 2/ 155 - كتاب الصلاة - باب استحباب الترتيل في القراءة، حديث / 1468. والنسائي في سننه 2/ 139 - كتاب الافتتاح - باب تزيين القرآن بالصوت. وابن ماجة في سننه 1/ 436 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها - باب في حسن الصوت بالقرآن - الحديث / 1342. والدارمي في سننه 2/ 340 - كتاب فضائل القرآن - باب التغني بالقرآن - الحديث 3503. =

كلام الباري والصوت هو صوت القارئ، وإن كان من المعتزلة من يجعل كلام الثاني حكاية لكلام الأول، وينازع المعتزلة في الحكاية هل هي المحكي كما يقول الجبائي؟ أو غيره كما يقول (¬1) ابنه (¬2)؟ على قولين (¬3). والتحقيق أن الحاكي لكلام غيره ليس هو المبلغ له، فإن الحاكي له بمنزلة المتمثل به الذي يقول (¬4) لنفسه موافقًا لقائله الأول، بخلاف المبلغ له الذي يقصد أن يبلغ كلام الغير، وللنية تأثير في مثل هذا، فإن من قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (¬5) القراءة [لم] (¬6) يكن (¬7) له ذلك مع الجنابة بخلاف من قالها بقصد (¬8). . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = قال الألباني: صحيح. انظر: صحيح الجامع الصغير وزياداته (الفتح الكبير) 3/ 194. (¬1) في س، ط: يقوله. (¬2) هو: أبو هاشم عبد السلام بن أبي علي محمد الجبائي. وتقدم التعريف به وبأبيه. (¬3) الأول: قول أبي الهذيل وأبي علي الجبائي: أن الحكاية عين المحكي لقولهما بأن الكلام باق، وأنه معنى غير الصوت. الثاني: ما يقوله أبو هاشم وأصحابه، والجعفران -هما: جعفر بن حرب، وجعفر بن مبشر الثقفي- من قبل، ومذهب أبي القاسم والإخشيدية أن الحكاية غير المحكي، لما كان الكلام عندهم من قبيل الأصوات، وهي لا تبقى، فلم يكن بد من القول بذلك. انظر: المحيط بالتكليف للقاضي عبد الجبار - جمع الحسن بن أحمد بن متوية - ص: 327. (¬4) في ط: يقوله. (¬5) في س، ط: يقصد. (¬6) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬7) في الأصل: لكن. وهو تصحيف. ولعل ما أثبته من: س، ط. هو الصواب. (¬8) في س، ط: بقصد.

ذكر الله وهذا قد بسطناه في غير هذا الموضع (¬1). والمقصود أنكم لم يمكنكم أن تقولوا ما قاله (¬2) المسلمون، لأن حروف القرآن ونظمه ليس هو عندكم كلام الله، بل ذلك عندكم مخلوق، إما في الهواء، وإما في نفس جبرئيل، وإما في غير ذلك، فاتفقتم أنتم والمعتزلة على أن حروف القرآن ونظمه مخلوق، لكن هم قالوا (¬3) [ذلك] (¬4) كلام الله [وقلتم أنتم: ليس كلام الله] (¬5) ومن قال منكم: إنه كلام الله انقطعت حجته على المعتزلة، فصارت المعتزلة خيرًا منكم في هذا الموضع، وهذه الحروف والنظم الذي يقرؤه الناس هو حكاية تلك الحروف والنظم المخلوق عندكم، كما يقوله المعتزلة، وهي عبارة عن المعنى القائم بالذات، ولهذا كان ابن كلاب يقول: إن هذا القرآن حكاية عن المعنى القديم فخالفه الأشعري، لأن الحكاية تشبه المحكي وهذا حروف وذلك معنى، وقال الأشعري: بل هذا عبارة عن ذلك لأن العبارة لا تشبه المعبر عنه، وكلا القولين خطأ. فإن القرآن الذي نقرؤه فيه حروف مؤلفة وفيه معان، فنحن نتكلم بالحروف بألسنتنا ونعقل المعاني بقلوبنا، ونسبة المعاني القائمة بقلوبنا إلى المعنى القائم بذات الله كنسبة الحروف التي ننطق بها إلى الحروف المخلوقة عندكم. ¬

_ (¬1) هذا هو رأي الشيخ -رحمه الله- في هذه المسألة. انظر: مجموع الفتاوى 21/ 268، 269، 459 - 463. و 26/ 190، 191. وقد اختلف العلماء -رحمهم الله- في جواز قراءة آية أو بعض آية للجنب. وللوقوف على ذلك، تراجع المصادر التالية: الإنصاف -للمرداوي- 1/ 243. كشاف القناع -للبهوتي- 1/ 168، 169. (¬2) في س، ط: يقوله. (¬3) في س، ط: لكن قالوا هم. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. يقتضيها الكلام. (¬5) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، يقتضيها الكلام.

فإن قلتم: إن هذا حكاية عن كلام الله لم يصح، لأن كلام الله معنى مجرد عندكم وهذا فيه حروف ومعان، وإن قلتم: إنه عبارة لم يصح، لأن العبارة هي اللفظ الذي يعبر به عن المعنى، وهنا حروف ومعان يعبر بها عن المعنى القديم عندكم. وإن قلتم: هذه الحروف وحدها عبارة عن المعنى، بقيت المعاني القائمة بقلوبنا، وبقيت الحروف التي عبر بها أولًا عن المعنى [القائم] (¬1) بالذات التي هذه الحروف المنظومة نظيرها عندكم لم تدخلوها (¬2) في كلام الله، فالمعتزلة في قولهم بالحكاية أسعد منكم في قولكم بالحكاية وبالعبارة. وأصل هذا الخطأ أن المعتزلة قالوا: إن القرآن بل كل كلام هو مجرد الحروف والأصوات، وقلتم أنتم: بل هو مجرد المعاني، ومن المعلوم عند الأمم أن الكلام اسم للحروف والمعاني، للفظ (¬3) والمعنى جميعًا كما أن اسم الإنسان اسم للروح والجسد، وإن سمي المعنى وحده [حديثًا أو كلامًا أو الحروف وحدها حروفًا أو كلامًا فعند التقييد] (¬4) والقرينة، وهذا مما استطالت المعتزلة عليكم به، حيث أخرجتم الحروف المؤلفة عن أن تكون من الكلام، فإن هذا مما أنكره عليكم الخاص والعام، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به (¬5) أو تعمل به" قال له معاذ: يا رسول الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: "ثكلتك (¬6) أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬2) في الأصل، س: يدخلوه. والمثبت من: ط. ولعله المناسب للسياق. (¬3) في ط: وللمعاني وللفظ. . (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. سقط من الأصل سهوًا. (¬5) به: ساقطة من: س، ط. (¬6) ثكلتك: أي: فقدتك. وهو دعاء عليه بالموت ظاهرًا.

على مناخرهم إلّا حصائد ألسنتهم؟ " (¬1) وشواهد هذا كثيرة. ثم إنكم جعلتم معاني القرآن معنى واحدًا مفردًا، هو الأمر بكل ما أمر الله به، والخبر عن كل ما أخبر الله به، وهذا مما اشتد إنكار العقلاء عليكم فيه، وقالوا: إن هذا من السفسطة المخالفة لصرائح ¬

_ = والمقصود: التعجب من الغفلة عن هذا الأمر. انظر: تعليق محمد فؤاد عبد الباقي على سنن ابن ماجة 2/ 1315. والنهاية -لابن الأثير- 1/ 217. (¬1) الحديث مع اختلاف يسير في الألفاظ أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه - إلى قوله: "أو تعمل به". انظره في: صحيح البخاري 6/ 169 - كتاب الطلاق- باب الطلاق في الإغلاق والمكره والسكران. . وصحيح مسلم 1/ 117 - كتاب الإيمان - باب تجاوز الله عن حديث النفس والخواطر. . الحديث / 202. وسنن النسائي 6/ 127، 128 - كتاب الطلاق- باب من طلق في نفسه. وسنن ابن ماجة 1/ 658 - كتاب الطلاق - باب من طلق في نفسه ولم يتكلم به.- الحديث / 2040. أما باقي الحديث: فقال له معاذ: يا رسول الله. . فلم أقف عليه مذكورًا مع ما أخرجته من الكتب المتقدمة، بل ذكر ضمن حديث أخرجه الترمذي وغيره عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فأصبحت يومًا قريبًا منه ونحن نسير، فقلت: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار، قال: "لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئًا. . ". وجاء في آخره، ثم قال: "ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ " قلت: بلى يا نبي الله، فأخذ بلسانه وقال: "كف عليك هذا" فقلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: "ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم". قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. انظر: سنن الترمذي 5/ 12 - كتاب الإيمان - باب ما جاء في حرمة الصلاة - الحديث / 2616. وسنن ابن ماجة 2/ 1314، 1315 كتاب الفتن - باب كف اللسان في الفتنة الحديث / 3973. المسند -للإمام أحمد - 5/ 231، 236، 237. والمصنف -لابن أبي شيبة - 9/ 65.

المعقول، وأنتم تنكرون على من يقول: إن الله يتكلم بحروف وأصوات قديمة أزلية، ومعلوم أن ما قلتموه أبعد عن العقل والشرع من هذا، وإن كان العقلاء قد أنكروا هذا -أيضًا- لكن قولكم أشد نكرة، بل قولكم أبعد من قول النصارى الذين يقولون باسم الأب والابن وروح القدس إله واحد، ثم أعجب من هذا أنكم تقولون: إن عبر عنه بالعربية كان هو القرآن، وبالعبرية كان هو التوراة، وبالسريانية كان هو الإنجيل، ومن المعلوم بالاضطرار لكل عاقل أن التوراة إذا عربت لم تكن معانيها معاني القرآن، وإن القرآن إذا ترجم (¬1) بالعبرية لم تكن معانيه معاني التوراة، ثم إن منكم من جعل ذلك المعنى يسمع ومنكم من قال: لا يسمع، وجعلتم تكليم الله لموسى من جنس الإلهام الذي يلهمه غيره، حيث قلتم: خلق في نفسه لطيفة أدرك بها الكلام القائم بالذات، وقد قال تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (¬2). ففرق سبحانه بين إيحائه إلى غير موسى، وبين تكليمه لموسى. وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} (¬3). ففرق بين إيحائه، وبين تكليمه من وراء حجاب. ¬

_ (¬1) المقصود ترجمة معانيه، لا ترجمة حروفه فهي غير جائزة على ما ذهب إليه أهل العلم. وانظر ما ذكره الشيخ عن ترجمة القرآن في كتابه "نقض المنطق" ص: 97 - 99. والزركشي في "البرهان في علوم القرآن" 1/ 465، 466. (¬2) سورة النساء، الآيتان: 163، 164. وقد جاء في الأصل: عليك بالحق ورسلًا. وهو خطأ. (¬3) سورة الشورى، الآية: 51.

والأحاديث متواترة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بتخصيص موسى بتكليم الله إياه دون إبراهيم وعيسى ونحوهما (¬1)، وعلى قولكم لا فرق بل قد زعم من زعم من أئمتكم أن الواحد من غير الأنبياء يسمع كلام الله كما سمعه موسى بن عمران، فمن حصل له إلهام في قلبه جعلتموه قد كلمه الله كما كلم موسى بن عمران، ومعلوم أن المعتزلة لم يصلوا في الإلحاد إلى هذا الحد، بل من قال: إن الله خص موسى بأن خلق كلامًا في الهواء سمعه كان أقل بدعة ممن زعم أنه لم يكلمه إلّا بأن أفهمه معنى أراده، بل هذا قريب إلى قول المتفلسفة الذين يقولون: ليس لله كلام إلّا ما في النفوس، وإنه كلم موسى من سماء عقله، لكن يفارقونها بإثبات المعنى القديم القائم بذات الله. و-أيضًا- فجعلتم ثبوت القرآن في المصاحف مثل ثبوت الله فيها وقلتم: قوله: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ} (¬2) بمنزلة قوله: {الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ} (¬3)، ومعلوم أن المذكور في التوراة هو اسمه، وأن الله إنما يكتب في المصحف اسمه، فأسماؤه بمنزلة (¬4) كلامه، لا أن (¬5) ذاته بمنزلة كلامه، والشيء لوجوده أربع (¬6) مراتب: وجود في الأعيان، ووجود في الأذهان، ووجود في ¬

_ (¬1) كحديث الشفاعة الطويل الذي أخرجه البخاري وغيره. انظر: صحيح البخاري 8/ 200 - 202 - كتاب التوحيد- باب كلام الرب -عزَّ وجلَّ- يوم القيامة. . (¬2) سورة الواقعة، الآية: 77. (¬3) سورة الأعراف، الآية: 157. (¬4) قبل كلمة "بمنزلة" ذكر في الأصل: "في التوراة هو اسمه". والكلام يستقيم بدونها. والذي يظهر أنه سبق نظر من الناسخ إلى مثيلتها في السطر السابق. (¬5) في الأصل، س: لأن. والمثبت من: ط. ولعله المناسب لسياق الكلام. (¬6) في جميع النسخ: أربعة. وهو خطأ.

اللسان، ووجود في البنان، فالأعيان لها المرتبة (¬1) الأولى، ثم يعلم بالقلوب، ثم يعبر [عنها] (¬2) باللفظ، ثم يكتب اللفظ. وأما الكلام فله المرتبة الثالثة وهو الذي يكتب في المصحف، فأين قول القائل: إن الكلام في الكتاب من قوله: إن المتكلم في الكتاب، وبينهما من الفرق أعظم مما بين القدم والفرق (¬3)، ثم إن منكم من احتج بقوله: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} (¬4)، وجعل المراد بذلك العبارة، وهذا مع أنه متناقض فهو أفسد من قول المعتزلة، فإنه إن كان أضيف إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنه أحدث حروفه، فقد أضافه في موضع إلى رسول هو جبرئيل، وفي موضع إلى رسول هو محمد، قال في موضع: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} (¬5)، وقال في موضع: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ} (¬6). ومعلوم أن عبارتها إن (¬7) أحدثها جبريل لم يكن محمد أحدثها [وإن أحدثها محمد لم يكن جبريل أحدثها] (¬8)، فبطل قولكم، وعلم أنه إنما أضافه إلى الرسول لكونه بلغه وأداه، لا أنه أحدثه وابتدأه، ولهذا قال: {لَقَوْلُ رَسُولٍ} ولم يقل: لقول ملك ولا نبي، فذكر اسم الرسول المشعر بأنه بلغ (¬9) عن غيره، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ ¬

_ (¬1) في الأصل: مرتبة. والمثبت من: س، ط، ولعله المناسب. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: س. وفي ط: عنه. (¬3) الفرق: هو مفرق شعر الرأس. انظر: لسان العرب -لابن منظور- 10/ 301 (فرق). (¬4) سورة الحاقة، الآية: 4. وسورة التكوير، الآية: 19. (¬5) سورة التكوير، الآية: 19. (¬6) سورة الحاقة، الآية: 40. (¬7) إن: ساقطة من: س. (¬8) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬9) في س، ط: مبلغ.

إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} (¬1) وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعرض نفسه على الناس بالموسم ويقول: "ألا رجل يحملني إلى قومه لأبلغ كلام ربي، فإن قريشًا منعوني أن أبلغ كلام ربي" (¬2). ومعلوم أن المعتزلة لا تقول: إن شيئًا من القرآن أحدثه لا جبرئيل ولا محمد، ولكن يقولون (¬3): إن تلاوتهما له كتلاوتنا له. وإن قلتم: أضافه إلى أحدهما لكونه تلاه بحركاته وأصواته، فيجب أن يكون القرآن قولًا لكل من تكلم (¬4) به من مسلم وكافر وطاهر وجنب حتى إذا قرأه الكافر يكون القرآن قولًا له على قولكم، فقوله بعد هذا: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} (¬5) كلام لا فائدة فيه، إذ هو على أصلكم قول رسول كريم، وقول فاجر لئيم، وكذلك المعتزلة احتجت بقوله: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} (¬6)، وقالوا: إن الله أحدثه في الهواء، فاحتج من احتج منكم على أن القرآن المنزل محدث، ولكن زاد ¬

_ (¬1) سورة المائدة، الآية: 67. (¬2) الحديث عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة بلفظ: "ألا رجل يحملني إلى قومه، فإن قريشًا. . ". وانظر: سنن أبي داود 5/ 103 - كتاب السنة - باب في القرآن- الحديث / 4734. وسنن الترمذي 5/ 184 - كتاب فضائل القرآن- الباب رقم 24 - الحديث / 2925. وقال: هذا حديث غريب صحيح. وسنن ابن ماجة 1/ 73 - المقدمة- باب فيما أنكرت الجهمية - الحديث 201. وسنن الدارمي 2/ 317 - كتاب فضائل القرآن- باب القرآن كلام الله - الحديث / 3357 بلفظ "هل من رجل يحملني إلى قومه، فإن قريشًا. . ". (¬3) في الأصل: يقول. والمثبت من: س، ط. ولعله المناسب. (¬4) في س: فيجب أن القرآن يكون قولًا من تكلم. . وفي ط: فيجب أن القرآن يكون قول من تكلم. . (¬5) سورة التكوير، الآية: 19. وسورة الحاقة، الآية: 40. (¬6) سورة الأنبياء، الآية: 2.

على الفلاسفة بأن المحدث له إما جبرئيل أو (¬1) محمد. وإن قلتم: إنه محدث في الهواء صرتم كالمعتزلة، ونقضتم استدلالكم بقوله: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} (¬2)، وقد استدل من استدل من أئمتكم على قولكم بهاتين الآيتين بقوله: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} (2)، وقوله: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} (¬3)، فإن أراد بذلك أن الله أحدثه بطل استدلاله بقوله: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ}، فإن أراد بذلك أن الرسول أحدثه بطل بإضافته إلى الرسول الآخر، وكنتم شرًّا من المعتزلة الذين قالوا: أحدثه الله. وإن قلتم: أراد بذلك أن من تلاه فقد أحدثه، فقد جعلتموه قولًا لكل من تكلم به من الناس، برهم وفاجرهم، وكان ما يقرؤه المسلمون ويسمعونه كلام الناس عندكم لا كلام الله، ثم إن الله -تعالى- قال: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} (¬4). فأخبر أن جبرئيل نزله من الله، لا من هواء ولا من لوح. وقال: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} (¬5)، وقال: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} (¬6)، {حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (¬7)، وأنتم وافقتم المعتزلة بحيث يمتنع أن يكون عندكم ¬

_ (¬1) في س، ط: وإما. (¬2) سورة التكوير، الآية: 19. وسورة الحاقة، الآية: 40. (¬3) سورة الأنبياء، الآية: 2. (¬4) سورة النحل، الآيتان: 101، 102. (¬5) سورة الأنعام، الآية: 114. (¬6) سورة الأحقاف، الآية: 2. وسورة الجاثية، الآية: 2. وسورة الزمر، الآية: 1. ولم ترد لفظة: (الكتاب) في الأصل. وهو خطأ. (¬7) سورة فصلت، الآيتان: 1، 2.

منزلًا من الله، لأن الله ليس فوق العالم، ولو كان فوق العالم لم يكن القرآن منزلًا منه، بل من الهواء. و-أيضًا- فأنتم في مسائل الأسماء والأحكام قابلتم المعتزلة تقابل التضاد، حتى رددتم بدعتهم ببدع (¬1) تكاد أن تكون مثلها، بل هي من وجه شر منها، ومن وجه دونها، فإن المعتزلة جعلوا الإيمان اسمًا متناولًا لجميع الطاعات القول والعمل، ومعلوم أن هذا قول السلف والأئمة (¬2)، وقالوا: إن الفاسق الملي لا يسمى (¬3) مؤمنًا ولا كافرًا (¬4)، وقالوا: إن الفساق مخلدون في النار لا يخرجون منها بشفاعة ولا غيرها (¬5)، وهم في هذا القول مخالفون للسلف والأئمة، فخلافهم في الحكم للسلف، وأنتم وافقتم الجهمية في الإرجاء والجبر، فقلتم: الإيمان مجرد تصديق القلب وإن لم يتكلم بلسانه، وهذا عند السلف والأئمة شر من قول المعتزلة، ثم إنكم قلتم: إنا لا نعلم الفساق هل يدخل أحد منهم النار أولًا يدخلها أحد منهم، فوقفتم وشككتم في نفوذ الوعيد في أهل القبلة جملة، ومعلوم أن هذا من أعظم البدع عند السلف والأئمة، فإنهم لا يتنازعون (¬6) أنه لا بد أن يدخلها من يدخلها من أهل الكبائر، فأولئك قالوا: لا بد أن يدخلها كل فاسق، وأنتم قلتم: لا نعلم (¬7) هل يدخلها فاسق أم لا؟ فتقابلتم في هذه البدعة، وقولكم ¬

_ (¬1) ببدع: ساقطة من: س. (¬2) تقدم بيان مذاهب الناس في الإيمان. فراجعه ص: 647 - 648. (¬3) في الأصل: الملي الذي لا يسمى. والكلام يستقيم بما أثبته من: س، ط. (¬4) أي: في منزلة بين المنزلتين. وهذا في الدنيا. (¬5) وهذا الحكم عليهم في الآخرة، وتقدم الكلام على مرتكب الكبيرة عند المتكلمين وبيان مذهب السلف -رحمهم الله - في ذلك. فراجعه في ص: 471. (¬6) في س: ينازعون. (¬7) لا نعلم: ساقطة من: س.

أعظم بدعة من قولهم وأعظم مخالفة للسلف والأئمة، وعلى قولكم لا نعلم شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - في أهل النار، لأنه لا يعلم هل يدخلها أحد أم لا؟ وقولكم إلى إفساد (¬1) الشريعة أقرب من قول المعتزلة، وكذلك في مسائل القدر، فإن المعتزلة أنكروا أن يكون الله خالق أفعال العباد أو مريدًا لجميع الكائنات (¬2)، بل الإرادة عندهم بمعنى المحبة والرضا (¬3)، وهو لا يحب ويرضى إلّا ما أمر به، فلا يريد إلّا ما أمر به، وأنتم وافقتموهم على أصهلم الفاسد، وقاسمتموهم بعد ذلك الضلال، فصرتم وهم في هذه المسائل كما قال الإمام أحمد في أهل الأهواء (¬4): "فهم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب متفقون (¬5) على مفارقة الكتاب". قلتم (¬6): إن الإرادة بمعنى المحبة والرضا كما قالت المعتزلة، لكن قلتم: وهو أراد كل ما يفعله العباد، فيجب أن يكون محبًا راضيًا لكل ما يفعله العباد حتى الكفر والفسوق والعصيان (¬7)، وتأولتم قوله: ¬

_ (¬1) في س: فساد. (¬2) انظر رأيهم هذا في: مسائل العدل والتوحيد - المختصر في أصول الدين -للقاضي عبد الجبار ص: 208. إنقاذ البشرية من الجبر والقدر - للشريف المرتضى- 274. والفرق بين الفرق -للبغدادي- ص: 114، 115. والاقتصاد في الاعتقاد -للغزالي- ص: 123، 136. (¬3) عقد القاضي عبد الجبار في "المغني" 6/ 51 (الإرادة) -فما بعدها- فصلًا في أن المحبة والرضا والاختيار والولاية ترجع إلى الإرادة وما يتصل بذلك، وقد ناقش فيه قول من يقول: "إن الله لا يجب كونه محبًا لما يريده". (¬4) في الرد على الجهمية والزنادقة - ص: 85. (¬5) في الرد على الجهمية: مجمعون. (¬6) في ط: وقلتم. (¬7) تقدم الكلام على رأي الأشاعرة في هذه المسألة ص: 960.

{وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} (¬1) على المؤمنين من عباده (¬2)، وعلى قولكم لا يرضى لعباده الإيمان يعني الكافرين منهم، إذ عندكم كل من فعل فعلًا فقد رضيه منه، ومن لم يفعله لا يرضاه منه، فقد رضي عندكم من إبليس وفرعون ونحوهما كفرهم ولم يرض منهم الإيمان، وكذلك قلتم في قوله: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} (¬3) أي: لا يحبه للمؤمنين (¬4)، وأما من قال منكم (¬5): لا يحبه دينًا أو لا يرضاه دينًا فهذا أقرب، لكنه بمنزلة قولكم: لا يريده دينًا ولا يشاؤه دينًا، فيجوز عندكم أن يقال: يحب الفساد ويرضاه، أي: يحبه فسادًا ويرضاه فسادًا كما أراده فسادًا. وأنكرتم على المعتزلة ما أنكره المسلمون عليهم، وهو قولهم: إن الله لا يقدر أن يفعل بالكفار غير ما فعل بهم من اللطف (¬6)، وأنكرتم على من قال منهم: إن خلاف المعلوم غير مقدور، ثم قلتم: إن العبد لا يقدر على غير ما علم منه، وإنه لا استطاعة له إلّا إذا كان فاعلًا فقط، فأما من لم يفعل فإنه لا استطاعة له أصلًا (¬7)، فخالفتم قوله: {وَلِلَّهِ عَلَى ¬

_ (¬1) سورة الزمر، الآية: 7. (¬2) انظر هذا التأويل في: التفسير الكبير -للرازي- 26/ 247. والتمهيد -للباقلاني- ص: 284. (¬3) سورة البقرة، الآية: 205. (¬4) انظر هذا التأويل في: التفسير الكبير -للرازي- 5/ 202. والتمهيد -للباقلاني- ص: 284. (¬5) كأبي بكر الباقلاني في "التمهيد" ص: 284. والشهرستاني في "نهاية الإقدام" ص: 259. (¬6) تقدم الكلام على اللطف عند المعتزلة ص: 627. (¬7) الأشاعرة يقولون -كما بينه الشيخ رحمه الله -: إن الإنسان يستطيع باستطاعة هي غيره، يستحيل تقدمها للفعل، بل الفعل يحدث الاستطاعة في حال حدوثها. أي: إن الاستطاعة تقارن الفعل عندهم، ويستدلون لذلك بأدلة عقلية أحيل عليها في المصادر التالية: اللمع -لأبي الحسن الأشعري- ص: 93 - 95. الإرشاد -لأبي المعالي الجويني- ص: 219 - 222. التمهيد -لأبي بكر الباقلاني =

النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (¬1) ونحو ذلك من النصوص، ولزمكم أن كل من لم يؤمن بالله فإنه لم يكن قادرًا على الإيمان، وكل من ترك طاعة الله فإنه لم يكن مستطيعًا لها، فإن ضم ضام هذا إلى قوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (¬2) وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" (¬3) تركب من هذين أن كل كافر وفاجر فإنه قد اتقى الله ¬

_ = - ص: 286، 287. أما المعتزلة فأجمعت على أن الاستطاعة قبل الفعل، وهي قدرة عليه وعلى ضده، وهي غير موجبة للفعل. انظر: شرح الأصول الخسمة -للقاضي عبد الجبار- ص: 396. مقالات الإسلاميين -لأبي الحسن الأشعري- 1/ 300. والصواب في هذه المسألة كما قال الشيخ في "الفتاوى" 8/ 372، 373: "والذي دل عليه الكتاب والسنة: أن الاستطاعة متقدمة على الفعل، ومقارنة له -أيضًا- وتقارنه -أيضًا- استطاعة أخرى لا تصلح لغيره. فالاستطاعة نوعان: متقدمة صالحة للضدين، ومقارنة لا تكون إلا مع الفعل. فتلك هي المصححة للفعل المجوزة له، وهذه هي الموجبة للفعل المحققة له. . ". ثم ذكر -رحمه الله- الأدلة على النوعين من الكتاب والسنة قال: "فالأولى: هي الشرعية التي هي مناط الأمر والنهي، والثواب والعقاب، وعليها يتكلم الفقهاء، وهي الغالبة في عرف الناس. والثانية: هي الكونية التي هي مناط القضاء والقدر، وبها يتحقق وجود الفعل". (¬1) سورة آل عمران، الآية: 97. (¬2) سورة التغابن، الآية: 16. (¬3) الحديث بهذا اللفظ أخرجه البخاري عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "دعوني ما تركتكم إنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم. . ". صحيح البخاري 9/ 142 كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة - باب الاقتداء بسنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. والحديث مع اختلاف في الألفاظ في: صحيح مسلم 2/ 975 - كتاب الحج - باب فرض الحج مرة في العمر- الحديث / 412. سنن النسائي 5/ 83 - كتاب =

ما استطاع، وأنه قد أتى فيما أمر بما استطاع إذ لم يستطع غير ما فعل، وأنتم وإن كنتم لا تستلزمون (¬1) ذلك فهو لازم قولكم إذا لم تجعلوا الاستطاعة نوعين، وقول القدرية الذين يجعلون استطاعة العبد صالحة للضدين، ولا يثبتون الاستطاعة التي هي مناط الأمر والنهي أقرب إلى الكتاب والسنة والشريعة من قولكم: إنه لا استطاعة إلا للفاعل وإن من لم يفعل فعلًا فلا استطاعة له عليه، وكل من تدبر القولين بغير هوى علم أن كلًّا منهما وإن كان فيه من خلاف السنة ما فيه فقولكم أكثر خلافًا للسنة. وكذلك المعتزلة قالوا: إن الله لم يخلق أفعال العباد بل العبد هو الذي يحدث أفعاله، فضلوا بقولهم: إن الله لم يخلق أفعال العباد. وقلتم أنتم: إن العبد لا يفعل أفعاله، بل هي فعل الله تعالى، ولكن هي كسب للعبد (¬2) ولم. . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = مناسك الحج - باب وجوب الحج. وسنن ابن ماجة 1/ 3 - المقدمة- باب اتباع سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحديث / 1. ومسند الإمام أحمد 2/ 247، 258. (¬1) في ط: لا تلتلزمون. وهو تصحيف. (¬2) قال الأشعري والباقلاني: "الواقع بالقدرة الحادثة هو كون الفعل كسبًا، دون كونه موجودًا أو محدثًا، فكونه كسبًا وصف للوجود بمثابة كونه معلومًا ولخص بعض متأخريهم هذه العبارات بأن قال: الكسب عبارة عن الاقتران العادي بين القدرة المحدثة والفعل، فإن الله - سبحانه - أجرى العبادة بخلق الفعل عند قدرة العبد وإرادته لا بهما، فهذا الاقتران هو الكسب". يقول ابن القيم -رحمه الله- بعد ذكره لما تقدم: "ولهذا قال كثير من العقلاء: إن هذا من محالات الكلام، وإنه شقيق أحوال أبي هاشم وطفرة النظام، والمعنى القائم بالنفس الذي يسميه القائلون به كلامًا، وشيء من ذلك غير معقول، ولا متصور". ثم بين -رحمه الله- أن ما استقر عليه قول الأشعري أن القدرة الحادثة لا تؤثر في مقدورها ولم يقع المقدور ولا صفة من صفاته، بل المقدور بجميع صفاته واقع بالقدرة القديمة، ولا تأثير للقدرة الحادثة فيه، وتابعه على ذلك عامة أصحابه". =

تفرقوا (¬1) بين الكسب والفعل بفرق معقول (¬2)، وادعيتم العلم الضروري بأن كون العبد فاعلًا بعد أن لم يكن فاعلًا أمر محدث ممكن، فلا بد له من محدث واجب، وهذا حق أصبتم فيه دون المعتزلة، لكن من المعتزلة من ادعى العلم الضروري بأن العبد يحدث (¬3) أفعاله، وهذا -أيضًا- حق أصابوا فيه دونكم. ¬

_ = شفاء العليل -لابن القيم- ص: 122. وانظر: اللمع -للأشعري- ص: 96، 97. والتمهيد -للباقلاني- ص: 286، 287، 307، 308. والملل والنحل -للشهرستاني- 1/ 96 - 98. (¬1) في الأصل، س، يفرقوا. ولعل ما أثبت من: ط يكون مناسبًا للسياق. (¬2) ذكر الشيخ -رحمه الله- في "الفتاوى" 8/ 119: أنهم فرقوا بين الكسب الذي أثبتوه وبين الفعل فقالوا: "الكسب عبارة عن اقتران المقدور بالقدرة الحادثة، والخلق هو المقدور بالقدرة القديمة. وقالوا -أيضًا-: الكسب هو الفعل القائم بمحل القدرة عليه، والخلق هو الفعل الخارج عن محل القدرة عليه". ثم بين -رحمه الله- أن الناس قالوا لهم: "هذا لا يوجب فرقًا بين كون العبد كسب وبين كونه فعل، وأوجد وأحدث وصنع وعمل ونحو ذلك، فإن فعله وإحداثه وعمله وصنعه هو -أيضًا- مقدور بالقدرة الحادثة، وهو قائم في محل القدرة الحادثة. و -أيضًا- فهذا فرق لا حقيقة له، فإن كون المقدور في محل القدرة أو خارجًا عن محلها لا يعود إلى نفس تأثير القدرة فيه: وهو مبني على أصلين: أن الله لا يقدر على فعل يقوم بنفسه، وأن خلقه للعالم هو نفس العالم، وأكثر العقلاء من المسلمين وغيرهم على خلاف ذلك. الثاني: أن قدرة العبد لا يكون مقدورها إلا في محل وجودها، ولا يكون شيء من مقدورها خارجًا عن محلها". انظر ما ذكره الآمدي في "غاية المرام" ص: 223 من الفرق بين الكسب والخلق. (¬3) يحدث: ساقطة من: س.

ولهذا (¬1) كان أهل السنة والجماعة على أن العبد فاعل لأفعاله حقيقة، والله خلق الفاعل فاعلًا، كما قال: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} (¬2)، وليس كونه قادرًا مريدًا فاعلًا بألزم له من كونه طويلًا قصيرًا والله خلقه على هذه الصفة، فليس ما ذكره الله في كتابه من أن العباد يفعلون ويصنعون بمناف أن يكون الله خلقهم على هذه الصفة، وكون العبد فاعلًا لما جعل الله فيه من القدرة كسائر (¬3) ما خلقه الله بقوة فيه، وقدرته سبب في حصول مقدوره كسائر الأسباب، والأسباب لا ينكر (¬4) وجودها ولا ينكر أن الله خلقها وخلق المسبب بها، فمن قال: قدرة العبد مؤثرة في المقدور كتأثير سائر الأسباب في مسبباتها لم ينكر قوله، ومن قال: ليست مؤثرة أي ليست مستقلة وليست مبدعة، كما أن سائر الأسباب ليست كذلك لم ينكر قوله، فإن السبب ليس علة مستقلة بمسببه، بل لا بد له من أسباب أخر، ولا بد من صرف الموانع، والله خالق مجموع الأسباب، وصارف جميع الموانع، وهذا هو الخلق المطلق والتأثير المطلق الذي ليس إلا لله وحده، وكل ما سواه مما يجعل سببًا ومؤثرًا فإنه جزء سبب، فلا ينفي هذا الجزء، ولا يعطي ما لا يستحقه من كونه مبدعًا خالقًا، ومن كونه واحدًا لا شريك له، فهو رب كل شيء ومليكه، وأنتم خالفتم من نصوص الكتاب والسنة وسلف الأمة في مسائل الصفات والقرآن والرؤية ومسائل الأسماء والأحكام (¬5) والقدر ما تأولتموه، فالمعتزلة ونحوهم إذا خالفوا من ذلك ما تأولوه لم يكن لكم عليهم حجة، وإذا قدحتم في ¬

_ (¬1) في هامش س: قف على مذهب أهل السنة. (¬2) سورة المعارج، الآيتان: 19 - 20. (¬3) في س، ط: هو كسائر. (¬4) في الأصل، س: لا تنكر. والمثبت من: ط. ولعله المناسب. (¬5) في س: الأحكام والأسماء.

عامة ما ذمه السلف والأئمة وعابوه على المعتزلة فللأشاعرة منه أوفر نصيب

المعتزلة بما ابتدعوه من المقالات وخالفوه من السنن والآثار (¬1) قدحوا فيكم بمثل ذلك، وإذا نسبتموهم (¬2) إلى القدح في السلف والأئمة نسبوكم إلى مثل ذلك، فما تذمونهم به من مخالفة الكتاب والسنة والإجماع يذمونكم بنظيره، ولا محيص لكم عن ذلك إلا بترك ما ابتدعتموه وما وافقتموهم عليه من البدعة، وما ابتدعتموه أنتم، وحينئذ فيكون الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها سليمًا من التناقض والتعارض محفوظًا، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (¬3). وبالجملة فعامة ما ذمه السلف والأئمة وعابوه على المعتزلة، من الكلام المخالف للكتاب والسنة والإجماع القديم لكم منه أوفر نصيب، بل تارة تكونون (¬4) أشد مخالفة لذلك من المعتزلة، وقد شركتموهم (¬5) في أصول ضلالهم التي فارقوا بها سلف الأمة وأئمتها، ونبذوا بها كتاب الله وراء ظهورهم، فإنهم لا يثبتون شيئًا من صفات الله تعالى، ولا ينزهونه عن شيء بالكتاب والسنة والإجماع [بل يزعمون أن معرفة صحة الكتاب والسنة والإجماع] (¬6) موقوف على العلم بذلك، والعلم بذلك لا يحصل به لئلا يلزم الدور، فيرجعون إلى مجرد رأيهم في ذلك (¬7)، وإذا استدلوا بالقرآن كان ذلك على وجه الاعتضاد والاستشهاد لا على وجه الاعتماد ¬

_ (¬1) الآثار: ساقطة من: س. (¬2) في س: نسبتموه. وهو تصحيف. (¬3) سورة الحجر، الآية: 9. (¬4) في الأصل: تكون. والمثبت من: س، ط. ولعله المناسب. (¬5) في ط: شاركتموهم. (¬6) ما بين المعقوفتين ساقط من: س، ط. (¬7) وشاركهم الأشاعرة في ذلك. انظر: محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين -للرازي- ص: 51. حيث ذكر أن كل ما يتوقف العلم بصدق الرسول على العلم به لا يمكن إثباته بالنقل وإلا لزم الدور.

والاعتقاد، وما خالف قولهم من القرآن تأولوه على مقتضى آرائهم، واستخفوا بالكتاب والسنة وسموها (¬1) ظواهر، وإذا استدلوا على قولهم بمثل قوله: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} (¬2) وقوله: {فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (¬3) , أو قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (¬4) , ونحو ذلك , لم تكن هذه النصوص هي عمدتهم ولكن يدفعون [بها] (¬5) عن أنفسهم عند المسلمين، وأما الأحاديث النبوية فلا حرمة لها عندهم، بل تارة يردونها بكل طريق ممكن، وتارة يتأولونها، ثم (¬6) أن يزعمون أن ما وضعوه برأيهم قواطع عقلية، وأن هذه القواطع العقلية ترد لأجلها نصوص الكتاب والسنة، إما بالتأويل، وإما بالتفويض، وإما بالتكذيب، وأنتم شركاؤهم في هذه الأصول كلها (¬7)،. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) في ط: سموهما. (¬2) سورة الأنعام، الآية: 103. (¬3) سورة الشورى، الآية: 11. (¬4) سورة الحديد، الآية. 4. (¬5) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬6) ثم: ساقطة من: س. (¬7) وقد خصص إمام الحرمين الجويني لذلك بابًا في "الإرشاد" ص: 358 - 360 أسماه "باب القول في السمعيات" قال فيه: "اعلموا، وفقكم الله تعالى أن أصول العقائد تنقسم إلى ما يدرك عقلًا، ولا يسوغ تقدير إدراكه سمعًا، وإلى ما يدرك عقلًا، ولا يتقدر إدراكه عقلًا، وإلى ما يجوز إدراكه سمعًا وعقلًا". وبعد أن تكلم على كل قسم من هذه الأقسام قال: "فإذا ثبتت هذه المقدمة، فيتعين بعدها على كل معتن بالدين واثق بعقله أن ينظر فيما تعلقت به الأدلة السمعية، فإن صادفه غير مستحيل في العقل، وكانت الأدلة السمعية قاطعة في طرقها، لا مجال للاحتمال في ثبوت أصولها ولا في تأويلها -فما هذا سبيله- فلا وجه إلا القطع به. وإذا لم تثبت الأدلة السمعية بطرق قاطعة، ولم يكن مضمونها مستحيلًا في العقل، وثبتت أصولها قطعًا، ولكن طريق التأويل يجول فيها، فلا سبيل إلى =

ومنهم (¬1) أخذتموها، وأنتم فروخهم فيها، كما يقال: الأشعرية مخانيث المعتزلة (¬2)، والمعتزلة مخانيث الفلاسفة (¬3)، لكن لما شاع بين ¬

_ = القطع، ولكن المتدين يغلب على ظنه ثبوت ما دل الدليل السمعي على ثبوته، وإن لم يكن قاطعًا، وإن كان مضمون الشرع المتصل بنا مخالفًا لقضية العقل، فهو مردود قطعًا بأن الشرع لا يخالف العقل، ولا يتصور في هذا القسم ثبوت سمع قاطع، ولا خفاء به". أما الرازي فإننا نجده يقول في كتابه "أساس التقديس" ص: 172، 173: "اعلم أن الدلائل القطعية العقلية إذا قامت على ثبوت شيء ثم وجدنا أدلة نقلية يشعر ظاهرها بخلاف ذلك فهناك لا يخلو الحال من أحد أمور أربعة: ". وبعد أن تكلم عليها مما يفيد إبطالها قال: "ولما بطلت الأقسام الأربعة لم يبق إلا أن يقطع بمقتضى الدلائل العقلية القاطعة بأن هذه الدلائل النقلية إما أن يقال: إنها غير صحيحة، أو يقال: إنها صحيحة، إلا أن المراد منها غير ظواهرها، ثم إن جوزنا التأويل، واشتغلنا على سبيل التبرع بذكر التأويلات على التفصيل، وإن لم يجز التأويل فوضنا العلم بها إلى الله -تعالى- فهذا هو القانون الكلي المرجوع إليه في المتشابهات". وهذا القانون الكلي عند الرازي مصرح به في كتبه مثل: "نهاية العقول في دراية الأصول" -مخطوط- اللوحة 14. ومحصل أفكار المتقدمين والمتأخرين" ص: 51. (¬1) في الأصل: ومنهم من أخذتموها. والكلام يستقيم بدون هذه الزيادة كما في: س، ط. (¬2) نسب الشيخ -رحمه الله- في "مجموع الفتاوى" 14/ 349، هذا القول إلى: أبي إسماعيل الهروي. (¬3) يقول الشيخ -رحمه الله- في "الفتاوى" 14/ 349: "ومن الناس من يقول: المعتزلة مخانيث الفلاسفة. وقد ذكر الأشعري وغيره هذا لأن قائله لم يعلم أن جهمًا سبق هؤلاء إلى هذا الأصل، أو لأنهم مخانيثهم من بعض الوجوه، وإلا فمخالفتهم للفلاسفة كبيرة جدًّا". والمعنى: تشبهوا بهم وفعلوا مثل فعلهم. انظر: تاج العروس للزبيدي- 1 / (خنث).

الأمة فساد مذهب المعتزلة، ونفرت القلوب عنهم، صرتم تظهرون الرد عليهم في بعض المواضع، مع مقاربتكم أو موافقتكم لهم في الحقيقة، وهم سموا أنفسهم أهل التوحيد، لاعتقادهم أن التوحيد هو نفي الصفات، وأنتم وافقتموهم على تسمية أنفسكم أهل التوحيد، وجعلتم نفي بعض الصفات من التوحيد، وسموا ما ابتدعوه من الكلام الفاسد، إما في الحكم، وإما في الدليل، أصول الدين، وأنتم شركتموهم (¬1) في ذلك. وقد علم ذم السلف والأئمة لهذا الكلام، بل علم من يعرف دين الإسلام وما بعث الله به نبيه -عليه أفضل الصلاة والسلام- ما فيه من المخالفة لكتب الله وأنبيائه ورسله، وقد بسطنا الكلام على فساد هذه الأصول في غير هذا الموضع (¬2)، وبينا أن دلالة (¬3) الكتاب والسنة التي يسمونها دلالة السمع ليست بمجرد الخبر، كما تظنونه أنتم وهم، حتى جعلتم ما دلّ عليه السمع إنما هو بطريق الخبر الموقوف على تصديق المخبر (¬4)، ثم جعلتم تصديق المخبر -وهو الرسول- موقوفًا على هذه الأصول التي سميتموها (¬5) أنتم وهم العقليات، وجعلوا منها نفي (¬6) ¬

_ (¬1) في ط: شاركتموهم. (¬2) بين الشيخ -رحمه الله- في كتابه "درء تعارض العقل والنقل" 1/ 22 أنه صنف مصنفًا قديمًا منذ نحو ثلاثين سنة في فساد ما زعمه هؤلاء من أن الاستدلال بالأدلة السمعية موقوف على مقدمات ظنية، وأنه ذكر طرفًا من بيان فساد هذا الكلام في الكلام على المحصل. يقول د. محمد رشاد سالم -رحمه الله- محقق الكتاب: "من مؤلفات ابن تيمية كتاب شرح أول المحصل، في مجلد، وهو كتاب مفقود". (¬3) في س: دلة. وهو تصحيف. (¬4) انظر: الإرشاد -للجويني- ص: 8. (¬5) في س: سميوها. وهو تصحيف. (¬6) في ط: نفس. وهو تصحيف.

الأشاعرة والمعتزلة يثبتون كثيرا مما يثبتون من أصول الدين بطرق ضعيفة أو فاسدة

الصفات والتكذيب بالقدر، ووافقتموهم على أن منها نفي كثير من الصفات، وأنتم لم تثبتوا القدر حتى أبطلتم ما في أمر الله ونهيه، بل [ما] (¬1) في خلقه وأمره من الحكم والمصالح والمناسبات، وزعمتم أن الرد على القدرية لا يتم إلا بنفي تحسين العقل وتقبيحه مطلقًا، وأن تجعل الأفعال كلها سواء في أنفسها لا فرق في نفس الأمر بين الصلاة والزنا إلا من جهة تحكم (¬2) الشارع بإيجاب أحدهما وتحريم الآخر، فصار قولكم مدرجة إلى فساد الدين والشريعة، وذلك أعظم فسادًا من التكذيب بالقدر، وقد بينا في غير هذا الموضع (¬3) أن القرآن ضرب الله فيه الأمثال، وهي المقاييس العقلية التي يثبت بها ما يخبر به من أصول الدين، كالتوحيد وتصديق الرسل وإمكان المعاد، وأن ذلك مذكور في القرآن على أكمل الوجوه، وأن عامة ما يثبته النظار من المتكلمين والمتفلسفة في هذا الباب يأتى القرآن بخلاصته وبما هو أحسن منه على أتم الوجوه، بل لا نسبة بينهما لعظم التفاوت. ومعلوم أن هذا أمر عظيم، وخطب جسيم، فإنكم والمعتزلة تثبتون كثيرًا مما (¬4) يثبتونه من أصول الدين بطرق ضعيفة أو فاسدة، مع ما يتضمن ذلك من التكذيب بكثير من أصول الدين، وحقيقة قولهم الذي وافقتموهم عليه: أنه لا يمكن تصديق الرسول في بعض ما أخبر به إلا بتكذيبه في شيء مما أخبر به، فلا يمكن الإيمان بالكتاب كله، بل يكفر ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬2) في ط: حكم. (¬3) انظر: مجموع الفتاوى- 2/ 46، 47، 12/ 81، 82، حيث بين -رحمه الله- أن في القرآن من بيان أصول الدين التي تعلم مقدماتها بالعقل الصريح ما لا يوجد مثله في كلام أحد من الناس، بل عامة ما يأتي به حذاق النظار من الأدلة العقلية يأتي القرآن بخلاصتها، وبما هو أحسن منها. (¬4) في الأصل، س: ما. والمثبت من: ط. ولعله المناسب.

ببعضه ويؤمن ببعضه، فيهدم من الدين جانب ويبنى منه جانب على غير أساس ثابت، ولولا أن هذا الموضع لا يسع (¬1) ذلك لفصلناه، فإنا قد بسطناه في مواضع، مثل ما يقال: من أنه لا يمكن الإقرار بالصانع إلا بنفي صفاته أو بعضها، التي يستلزم نفيها تعطيله في الحقيقة، فيبقى الإنسان مثبتًا له نافيًا له مقرًا بوجوده مستلزمًا لعدمه، وإن كان لا يشعر بالتناقض. وأما العقليات، فإنكم وافقتم المعتزلة والفلاسفة على أصول يلزم من تسليمها فساد ما بينتموه، فإنكم لما سلمتم لهم أن الأعراض وهي صفات تدل على حدوث ما قامت به أو تدل على إمكانه (¬2)، كانوا مستدلين بهذا على نفي الصفات عن الرب -سبحانه وتعالى- فتنقطعون معهم، ثم أنتم إنما استدللتم على المتفلسفة بأن ما قامت به الحوادث فهو حادث، فإنهم يزعمون أن القديم تقوم به الحوادث، ولما ادعيتم أن ما قامت به الحوادث فهو حادث ألزموكم أول الحوادث، فقالوا: ذلك الحادث إما أن يكون لحدوثه سبب، وإما أن لا يكون لحدوثه سبب، فإن كان لحدوثه سبب لزم تسلسل الحوادث وذلك يبطل دليلكم عليهم، إذ هو مبني على تسلسل الحوادث وامتناع حوادث لا أول لها، وإن لم ¬

_ (¬1) في الأصل: لا يتسع. والمثبت من: س. ولعله المناسب للسياق. (¬2) انظر: الإرشاد -للجويني- ص: 17 فما بعدها. حيث فسر العرض بأنه المعنى القائم بالجوهر، كالألوان والطعوم والروائح، والحياة والموت، والعلوم والإرادات والقدر القائمة بالجوهر. والجوهر عنده هو المتحيز، وكل ذي حجم متحيز، والعالم جواهر وأعراض. والجواهر حادثة، وإثبات حدثها يبنى على أصول. منها: إثبات الأعراض. ومنها: إثبات حدثها. ومنها: إثبات استحالة تعري الجواهر عنها. ومنها: إثبات استحالة حوادث لا أول لها.

يكن لحدوثه سبب جاز ترجيح أحد طرفي الممكن على الآخر بلا مرجح، وهذا يبطل جميع أصولكم وأصول المعتزلة والفلاسفة، ويبطل إثباتكم لوجود الصانع، فأنتم مع الفلاسفة بين أمرين: إما أن تجوزوا حوادث لا أول لها فيبطل دليلكم عليهم الذي أثبتم به حدوث العالم وهو أصل الأصول عندكم وإما أن لا تجوزوا ذلك، فيبطل -أيضًا- دليلكم على حدوث العالم، فعلى كلا التقديرين دليلكم الذي هو أصل أصولكم على حدوث العالم باطل، وأما المعتزلة فهم يوافقونكم على هذا الأصل، لكن خطاب الفلاسفة لهم كخطاب الفلاسفة لكم، وأما خطاب المعتزلة فإنهم يقولون لكم: إذا سلمتم أن ما تقوم به الحوادث لا يكون إلا جسمًا لزمكم أن تقولوا: ما تقوم به الأعراض لا يكون جسمًا، إذ لا فرق في (¬1) المعقول بين قيام الأعراض والحوادث، وإذا كان ما قام به الأعراض لا يكون إلا جسمًا، وأنتم قد قلتم: تقوم به الصفات وهي في الحقيقة الأعراض، لزمكم (¬2) أن يكون جسمًا، والجسم حادث، فيلزم أن يكون حادثًا، ويقول لكم المعتزلي: إن قيام الكلام والحياة والعلم والقدرة ونحو ذلك بمحل ليس بجسم، ودعوى أن هذه الصفات ليست أعراضًا أمر معلوم الفساد بالضرورة، وكان جوابكم للمعتزلة في هذا المقام أن قلتم لهم: كما اتفقنا نحن وأنتم على أن الله حي عالم قادر وليس بجسم، فذلك يجب أن تكون له حياة وعلم وقدرة وليست أعراضًا، وتقوم به ولا يكون جسمًا. ومعلوم أن هذا الجواب ليس بعلمي ولا يحصل به انقطاع المعتزلة ولا غيرهم، إذ يقال لكم: المعتزلة مخطئون إما في قولهم: إن هذه الأسماء تثبت لغير جسم، وإما في قولهم: إن هذه الصفات لا تقوم إلّا ¬

_ (¬1) في الأصل: بين. والمثبت من: س، ط. ولعله المناسب. (¬2) في س، ط: لزم.

ما ذكره أبو إسماعيل الأنصاري عن الأشعرية

بجسم، فلم (¬1) قلتم إن خطأهم في الثاني دون الأول؟ فإن قلتم لأنه (¬2) قد قام الدليل على نفي الجسم. قيل لكم: ذلك الدليل بعينه ينفي قيام الصفات التي هي الأعراض به، إذ لا يعقل ما يقوم به الأعراض إلا الجسم. ويقال لكم: الدليل على الذي نفيتم به الجسم إنما هو الاستدلال على حدوثه بحدوث الأعراض، وهذا الدليل آخره بعد تقرير كل مقدمة هو منع حوادث لا أول لها، وهذه المقدمة إن صحت لزمكم إثبات حوادث بلا سبب، وذلك يبطل أصل دليلكم على إثبات الصانع، فإنه متى جوز الحدوث بلا مرجح تام يلؤم من الحدوث لزم ترجيح أحد طرفي الممكن على الآخر بلا مرجح، وهو يسد باب إثبات الصانع، بل يستلزم أن لا يكون في الوجود موجود واجب، وهو في نفسه من أفسد ما يقال، ولهذا لم يقله عاقل. قال شيخ الإسلام أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري في كتابه "ذم الكلام" (¬3) باب: في (¬4) ذكر كلام الأشعري (¬5): ولما نظر المبرزون من علماء الأمة وأهل الفهم من أهل السنة طوايا (¬6) كلام الجهمية، وما أودعته رموز (¬7) الفلاسفة، ولم نقف منهم (¬8) إلا على التعطيل البحت، وإن قطب مذهبهم، ومنتهى عقدتهم (¬9)، ما صرحت ¬

_ (¬1) في الأصل: فلو. والمثبت من: س، ط، ولعله المناسب لسياق الكلام. (¬2) لأنه: ساقطة من: س، ط. (¬3) ذم الكلام -لأبي إسماعيل الهروي- ج / 7 - اللوحات: 30 - 31. (¬4) في: ساقطة من: ذم الكلام. (¬5) في س، ط: الأشعرية. (¬6) في الأصل: طويا. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط، وذم الكلام. (¬7) في ذم الكلام: أمو. (¬8) في ذم الكلام: منه. (¬9) في س، ط: عقيدتهم.

به رؤوس (¬1) الزنادقة قبلهم، أن الفلك دوار [و] (¬2) السماء خالية، وإن قولهم: إنه تعالى في كل موضع وفي كل شيء، ما استثنوا (¬3) جوف كلب، ولا جوف خنزير ولا حشًا فرارًا من الإثبات، وذهابًا عن التحقيق، وإن قولهم: سميع بلا سمع، بصير بلا بصر، عليم بلا علم، قدير (¬4) بلا قدرة، إله بلا نفس ولا شخص ولا صورة، ثم قالوا: لا حياة له، ثم قالوا: لا شيء، فإنه لو كان شيئًا لأشبه الأشياء حاولوا حول [مقال] (¬5) رؤوس الزنادقة القدماء، إذ قالوا: الباري لا صفة ولا لا صفة، خافوا على قلوب ضعفاء المسلمين وأهل الغفلة وقلة الفهم منهم، إذ كان ظاهر تعلقهم بالقرآن، وإن كان اعتصامًا به من السيف، واجتنانًا (¬6) به منهم (¬7)، وإذ هم يردون (¬8) التوحيد، ويخاوضون المسلمين، ويحملون الطيالسة (¬9) فأفصحوا بمعايبهم (¬10)، وصاحوا بسوء ضمائرهم، ونادوا على خبايا نكتهم، فيا طول ما لقوا في أيامهم من سيوف الخلفاء، وألسن العلماء، وهجران الدهماء (¬11) فقد شحنت ¬

_ (¬1) في الأصل: درس. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط، وذم الكلام. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، وذم الكلام. (¬3) في س: ما استشنعوا. (¬4) في ذم الكلام: قادر. (¬5) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، وذم الكلام. (¬6) في الأصل: واجتنابًا. والمثبت من: س، ط، وذم الكلام. ولعله المناسب. والاجتنان: الاستتار. لسان العرب لابن منظور 13/ 94 (جنن). (¬7) في ذم الكلام: منه. (¬8) في جميع النسخ، وذم الكلام: يرون. ولعل ما أثبته يناسب السياق. (¬9) الطيالسة: الطلس الوسخ من الثياب. والمقصود: أنهم يحملون ما فيه شائبة. القاموس المحيط -للفيروزآبادي 3/ 87 (طلس). (¬10) في جميع النسخ: بمعانيهم. والمثبت من: ذم الكلام. ولعله المناسب. (¬11) الدهماء: بفتح الدال هم: العدد الكثير وجماعة الناس. القاموس المحيط -للفيروزآبادي- 2/ 225 (دهم).

كتاب (¬1) "تكفير الجهمية" من مقالات علماء الإسلام فيهم، ودأب الخلفاء فيهم، ودق عامة أهل السنة عليهم، وإجماع المسلمين على إخراجهم من الملة، ثقلت عليهم الوحشة، وطالت عليهم الذلة، وأعيتهم الحيلة إلا أن يظهروا الخلاف لأوليهم والرد عليهم، ويصفوا كلامهم صفًّا (¬2)، يكون ألوح للإفهام، وأنجع في العوام، من أساس أولهم، يجد ذلك المساغ، ويتخلصوا من خزي الشناعة، فجاءت بمخاريق تراءى للغير (¬3) بغير ما في الحشايا، ينظر الناظر الفهم في حذرها، فيرى مخ الفلسفة يكسى لحاء السنة، وعقد الجهمية ينحل ألقاب الحكمة، يردون على اليهود قولهم: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} (¬4)، فينكرون الغل، وينكرون اليد، فيكونون (¬5) أسوأ حالًا من اليهود، لأن الله أثبت الصفة، ونفى العيب، واليهود أثبتت الصفة، وأثبتت العيب، وهؤلاء نفوا الصفة كما نفوا العيب، ويردون على النصارى في مقالتهم (¬6) في عيسى وأمه، فيقولون: لا يكون في المخلوق غير المخلوق (¬7)، فيبطلون القرآن، فلا يخفى على ذوي الألباب أن كلام أولهم (¬8) وكلام آخرهم (¬9) كخيط السحارة (¬10). ¬

_ (¬1) في الأصل: قلوبهم. والمثبت من: س، ط، وذم الكلام. ولعله المناسب. (¬2) في ذم الكلام: ويصبغوا كلامهم صبغًا. (¬3) في س، وذم الكلام: ترايا للغبي. وفي ط: تترآى للغبي. (¬4) سورة المائدة، الآية: 64. (¬5) في الأصل: يكون. والمثبت من: س، ط، وذم الكلام. ولعله المناسب. (¬6) في س، ط، وذم الكلام: مقالهم. (¬7) في ذم الكلام: مخلوق. (¬8) في س، ط، وذم الكلام: أوليهم. (¬9) في س، ط، وذم الكلام: آخريهم. (¬10) سحر: خدع، ومنه ساحر وسحار، وجمعه: سحرة وسحارة، وهم يستعملون في سحرهم خيوطًا يعقدونها وينفثون فيها. والسحارة شيء يلعب به الصبيان إذا مدّ من جانب خرج على لون، وإذا مدّ من جانب آخر خرج على لون آخر =

فاسمعوا الآن يا أولي الألباب، وانظروا ما فضل هؤلاء على أولئك، أولئك قالوا -قبح الله مقالتهم-: إن الله موجود بكل مكان، وهؤلاء يقولون: ليس هو في مكان، ولا يوصف بأين، وقد قال المبلغ عن الله لجارية معاوية بن الحكم: "أين الله" (¬1)؟ وقالوا: هو من فوق كما هو من تحت، لا يدرى أين هو، ولا يوصف بمكان، وليس هو في السماء، وليس هو في الأرض، وأنكروا الجهة والحد. وقال أولئك: ليس له كلام إنما خلق كلامًا، وهؤلاء يقولون: تكلم مرة فهو متكلم به مذ تكلم، لم ينقطع الكلام، ولا يوجد كلامه في موضع ليس هو به، ثم تقولون: ليس هو في مكان. ثم قالوا: ليس هو صوت ولا حروف، وقالوا: هذا زاج (¬2) وورق، وهذا صوف وخشب، وهذا إنما قصد به النقش (¬3) وأريد به النقر، وهذا صوت القارئ، أما (¬4) ترى منه حسن ومنه قبيح (¬5)، وهذا لفظه، أو ما تراه يجازى به، حتى قال رأس من رؤوسهم: أو يكون قرآن من لبد (¬6)، وقال آخر: من خشب؟ فراغوا (¬7) فقالوا: هذه (¬8) ¬

_ = مخالف وكل ما أشبه ذلك: سحارة. انظر بتصرف: لسان العرب لابن منظور 4/ 348، 349 مادة "سحر". (¬1) تقدم تخريجه ص: 928. (¬2) الزاج: الشب اليماني، من الأدوية، وهو من أخلاط الحبر. راجع: لسان العرب -لابن منظور- 2/ 293 (زوج). (¬3) في ط: النفس. وهو تصحيف. (¬4) في ط: ما. (¬5) في ذم الكلام: وغير حسن. (¬6) لبد: بكسر اللام، ما يتلبد من شعر أو صوف. راجع: المصباح المنير -للفيومي- ص: 1548 (لبد). (¬7) في س، ط: فراعوا. (¬8) في جميع النسخ: هذا. والمثبت من: ذم الكلام.

حكاية عبر بها عن القرآن، والله تكلم مرة ولا يتكلم بعد ذلك، ثم قالوا: غير مخلوق، ومن قال: مخلوق فهو كافر، وهذا من خوضهم، يصطادون به قلوب عوام أهل السنة، وإنما اعتقادهم أن القرآن غير موجود، لفظته الجهمية الذكور بمرة، والأشعرية الإناث بعشر مرات، وأولئك قالوا: لا صفة، وهؤلاء يقولون: وجه كما يقال: وجه النهار، ووجه الأمر، ووجه الحديث، وعين كعين المتاع، وسمع كأذن الجدار وبصر، كما يقال: جداراهما يتراءيان، ويد كيد المنة والعطية، والأصابع كقولهم: خراسان بين أصبعي (¬1) الأمير، والقدمان كقولهم: جعلت الخصومة تحت قدمي، والقبضة كما قيل: فلان في قبضتي، أي: أنا أملك أمره، وقال (¬2): و (¬3) الكرسي العلم، والعرش الملك، والضحك الرضى، والاستواء الاستيلاء، والنزول القبول، والهرولة مثله، فشبهوا من وجه، وأنكروا من وجه، وخالفوا السلف، وتعدوا الظاهر، وردوا الأصل، ولم يثبتوا شيئًا، ولم يبقوا موجودًا، ولم يفرقوا بين التفسير والعبارة بالألسن (¬4)، فقالوا: لا نفسرها نجريها عربية كما وردت، وقد تأولوا تلك التأويلات الخبيثة، أرادوا بهذه المخرقة (¬5) أن يكون عوام المسلمين أبعد غيابًا عنها (¬6)، وأعيا ذهابًا منها، ليكونوا ¬

_ (¬1) في س: أصابعي. وفي ط: أصابع. (¬2) في س، ط: وقالوا. (¬3) الواو: ساقطة من: س، ط، وذم الكلام. (¬4) في س: بالسنة. وهو تصحيف. وفي ط، وذم الكلام: بالألسنة. (¬5) في الأصل: منها. وهي ساقطة من: س. والمثبت من: ط، وذم الكلام ولعله المناسب للسياق، والضمير يعود إلى الصفات الآنفة الذكر. (¬6) لعل المقصود: اختلاق الكذب، يقال من باب المجاز: خرق الرجل، إذا كذب، والتخرق: خلق الكذب. انظر: تاج العروس-للزبيدي- 6/ 327 - 331 (خرق).

أوحش عند ذكرها، وأشمس (¬1) عند سماعها، وكذبوا بل التفسير أن يقال: وجه، ثم يقال: كيف وليس كيف في هذا الباب من مقال المسلمين. فالعبارة (¬2)، فقد قال الله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} (¬3) وإنما قالو [ها] (¬4) هم بالعبرانية فحكاها عنهم بالعربية، وكان يكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتابه (¬5) بالعربية فيها أسماء الله وصفاته، فيعبر بالألسنة عنها، ويكتب إليها بالسريانية فيعبر له زيد بن ثابت - رضي الله عنه - بالعربية (¬6)، والله تعالى يدعى بكل لسان بأسمائه فيجيب، ويحلف بها فيلزم، وينشد فيجاز، ويوصف فيعرف. ثم قالوا: ليس ذات الرسول بحية (¬7)،. . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) الشموس من الدواب: الذي لا يكاد يستقر. انظر: معجم مقاييس اللغة -لابن فارس- 3/ 212، 213 (شمس). والمقصود: أنهم ينفرون ولا يستقرون. (¬2) في الأصل: فإن العبارة. والمثبت من: س، ط، وذم الكلام. (¬3) سورة المائدة، الآية: 64. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: ذم الكلام. يقتضيها السياق. (¬5) كتابه: ساقطة من: س. (¬6) أخرج الإمام أحمد وغيره بسند صحيح أن زيد بن ثابت قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تحسن السريانية إنها تأتيني كتب؟ " قال: قلت: لا، قال: "فتعلمها". فتعلمتها في سبعة عشر يومًا. انظر: المسند -للإمام أحمد- 5/ 182. والمعرفة والتاريخ -للفسوي- 1/ 483، 484. والطبقات الكبرى -لابن سعد- 2/ 358. (¬7) في ذم الكلام: بحجة. وقد تكلم أبو القاسم القشيري في رسالته المسماة "شكاية أهل السنة بحكاية ما نالهم من المحنة" على هذه المسألة، وأنها حكاية مكذوبة على أبي الحسن الأشعري وأصحابه، ولم ينطق بها أحد منهم، ولم تضمن في كتبهم، ثم ذكر الأدلة على أن الرسول حي في قبره. =

وقالوا: ما هو بعد ما مات بمبلغ فيلزم به الحجة. فسقط (¬1) من أقاوليهم ثلاثة أشياء: أنه ليس في السماء رب، ولا في الروضة رسول، ولا في الأرض كتاب، كما سمعت يحيى بن عمار (¬2) يحكم به عليهم، وإن كانوا موهوها، ووروا عنها، واستوحشوا من تصريحها، فإن حقائقها لازمة لهم، وأبطلوا التقليد، فكفروا آباءهم وأمهاتهم وأزواجهم وعوام المسلمين، وأوجبوا النظر في الكلام، واضطروا إليه الدين -بزعمهم- فكفروا السلف، وسموا الإثبات تشبيهًا، فعابوا القرآن، وضللوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - فلا يكاد يرى منهم رجلًا ورعًا، ولا للشريعة معظمًا، ولا للقرآن محترمًا، ولا للحديث موقرًا، سلبوا التقوى، ورقة القلب، وبركة التعبد، ووقار الخشوع، واستفضلوا الرسول فانظر -أي- إلى أحدهم، فلا (¬3) هو طالب آثاره (¬4)، ولا متبع أخباره، ولا مناضل عن سنته، ولا هو راغب في أسوته، يتقلب بمرتبة العلم وما عرف حديثًا واحدًا، تراه يهزأ بالدين ويضرب له ¬

_ = انظر: طبقات الشافعية -للسبكي- 3/ 406 - 413. (¬1) الكلام لأبي إسماعيل الهروي في "ذم الكلام" -مخطوط- الجزء السابع - اللوحتان 32، 33. والكلام يفصله عن سابقه عدة أسطر. (¬2) هو: أبو زكريا يحيى بن عمار بن يحيى الشيباني السجستاني، الإمام المحدث الواعظ، شيخ سجستان، ونزيل هراة. توفي سنة 422 هـ. قال عنه الذهبي: كان متخرقًا على المبتدعة، والجهمية، بحيث يؤول به ذلك إلى تجاوز طريقة السلف. انظر: سير أعلام النبلاء -للذهبي- 17/ 481 - 483. وشذرات الذهب -لابن العماد- 3/ 226. (¬3) في الأصل: فانظر إلى أحدهم أفلا. وفي ط: فانظر أنت إلى أحدهم إذ لا. وفي ذم الكلام: فانظر فلا. والمثبت من: س. ولعله المناسب. (¬4) في س، ط: أثره.

الأمثال، ويتلعب بأهل السنة ويخرجهم أصلًا من العلم، لا ينقر (¬1) لهم عن بطانة إلا خانتك ولا [عن] (¬2) عقيدة إلا أرابتك، ألبسوا ظلمة الهوى (¬3)، وسلبوا هيبة الهدى، فتنبوا (¬4) عنهم الأعين، وتشمئز منهم القلوب، وقد شاع في المسلمين [349] أن رأسهم علي بن إسماعيل الأشعري كان لا يستنجي ولا يتوضأ ولا يصلي (¬5). ¬

_ (¬1) في ط: لا تنقر. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، وذم الكلام. (¬3) في ذم الكلام: الهزء. (¬4) أي: تبتعد وتتجافى. انظر: مختار الصحاح -لأبي بكر الرازي- ص: 644 (نبا). (¬5) أقول: ويغلب على الظن أن أبا إسماعيل الهروي بنى شيوع هذا الحكم على أبي الحسن الأشعري على ما أثبته في كتابه "ذم الكلام" -مخطوط- الجزء السادس وما نقله عنه الذهبي في "سير أعلام النبلاء" 16/ 478 أنه قال: "سمعت يحيى بن عمار، سمعت زاهر بن أحمد، وكان للمسلمين -إمامًا- يقول: نظرت في صير باب، فرأيت أبا الحسن الأشعري يبول في البالوعة، فدخلت، فحانت الصلاة، فقام يصلي، وما كان تمسح ولا توضأ، فذكرت الوضوء. فقال: لست بمحدث. قلت: لعله نسي". وهذا الكلام، وإن كان فيه من الإخلال ببعض الآداب الإسلامية التي أشك أن تصدر من شيخ خراسان في وقته، لكنه لا يدل على ما رمي به أبو الحسن لأمور: 1 - إن هذا السند منقطع، لأن زاهرًا توفي سنة 289 هـ - كما سيأتي في ترجمته، ويحيى بن عمار السجستاني توفي سنة 422 هـ - انظر: سير أعلام النبلاء -للذهبي- 17/ 481 - 383. وشذرات الذهب -لابن العماد - 3/ 226 - ، وله تسعون سنة، وهذا يقطع بأن يحيى لم يسمع من زاهر. 2 - إن الرجل -كما ورد في النقل- قام يصلي. فكيف يقال: إنه لا يصلي. 3 - إن الذهبي اعتذر له بالنسيان، والنسيان -كما هو معلوم- تسقط به التكاليف الشرعية إلى حين التذكر، وهذا على فرض أنه أحدث، فكيف والإنسان قد يجد في نفسه أنه بحاجة إلى الاختلاء للبول، ويكون الأمر على خلاف ذلك. فاطلاق اللفظ، وإصدار الحكم على الشخص المعين يحتاج إلى تثبت وأدلة =

قال (¬1): وقد سمعت محمد بن زيد العمري النسابة، أخبرنا المعافى، سمعت أبا الفضل الحادني القاضي بسرخس (¬2)، يقول: سمعت زاهر بن أحمد (¬3) يقول: أشهد لما مات أبو الحسن الأشعري متحيرًا بسبب مسألة تكافؤ (¬4) الأدلة. ¬

_ = قاطعة لا تقبل المناقشة، ولا يتطرق إليها الاحتمال، فكيف وقد أصدر على إمام استقر أمره على عقيدة السلف. يقول ابن حجر -رحمه الله- في "فتح الباري" 19/ 349 - أثناء شرحه للحديث الذي رواه البخاري، وذلك أن رجلًا من الأنصار قال لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - طلق زوجاته، فغضب عمر على ابنته حفصة، وبعد سؤاله للرسول - عليه السلام - عن صحة ذلك تبين أن الأمر على خلاف ما أخبر به الأنصاري -الحديث طويل في صحيح البخاري 6/ 147 - 150 كتاب النكاح. باب موعظة الرجل ابنته لحال زوجها -وما أوردته مما يتعلق بالشاهد بالمعنى-: "وفيه أن الأخبار التي تشاع -ولو كثر ناقلوها- إن لم يكن مرجعها إلى أمر حسي من مشاهدة أو سماع لا تستلزم الصدق، فإن جزم الأنصاري -في رواية- بوقوع التطليق، وكذا جزم الناس الذين رآهم عمر عند المنبر بذلك محمول على أنهم شاع بينهم ذلك من شخص بناء على التوهم الذي توهمه من اعتزال النبي - صلى الله عليه وسلم - نساءه، فظن لكونه لم تجر عادته بذلك أنه طلقهن، وأشاع أنه طلقهن، فشاع ذلك، فتحدث الناس به. (¬1) القائل: أبو إسماعيل الهروي، والكلام متصل بما قبله في ذم الكلام. (¬2) سرخس: مدينة قديمة من نواحي خراسان، وهي كبيرة واسعة بين نيسابور ومرو على نهر لا يدوم جريانه، نسب إليها من لا يحصى من الأئمة. انظر: معجم البلدان -للحموي- 3/ 208، 209. والروض المعطار -للحميري- ص: 316. (¬3) هو: أبو علي زاهر بن أحمد بن محمد بن عيسى السرخسي، الفقيه المحدث، شيخ عصره بخراسان. أخذ الكلام عن أبي الحسن الأشعري. توفي سنة 289 هـ. انظر: تبيين كذب المفتري -لابن عساكر- ص: 206، 207. والمنتظم -لابن الجوزي- 7/ 206. وطبقات الشافعية -للسبكي- 3/ 293، 294. (¬4) في الأصل: تكاد في. وهو تصحيف. وفي ط: متحيرًا لمسألة تكافئ. . . =

فلا جزى الله امرأً ناط مخاريقه بمذهب الإمام المطللبي (¬1) -رحمه الله- وكان من أبر خلق الله قلبًا، وأصوبهم سمتًا، وأهداهم هديًا، وأعمقهم قلبًا، وأقلهم تعمقًا، وأقرهم للدين، وأبعدهم من التنطع، وأنصحهم لخلق الله جزاء خير. قال: ورأيت منهم قومًا يجتهدون في قراءة القرآن، وتحفظ حروفه، والإكثار من ختمه، ثم اعتقاده (¬2) فيه ما قد بيناه، اجتهاد روغان كالخوارج. وروي (¬3) بإسناد (¬4) عن حرشة بن الحر، عن حذيفة قال: "إنا آمنا ولم نقرأ القرآن، وسيجيء قوم يقرؤون القرآن لا يؤمنون". قال (¬5): وقال ابن عمر: "كنا نؤتى الإيمان قبل القرآن". وروى (¬6) بإسناد (¬7) عن ابن عمر قال: "لقد عشنا برهة من الدهر، وإن أحدنا يؤتي الإيمان قبل القرآن". وفي لفظ: " [إنا] (¬8) كنا صدور هذه الأمة، وكان الرجل من خيار أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصالحيهم ¬

_ = والمثبت من: س، وذم الكلام. ولعله المناسب. والمقصود المسألة التي تكافأت فيها الأدلة وهي مسألة حدوث العالم، وتقدم ذكر الشيخ -رحمه الله- هذه المسألة ص: 620 وما بعدها، والإشارة إلى تكافؤ الأدلة فيها عند الأشعري في آخر عمره، وأبي عبد الله الرازي -كما صرح به- في كتابه "المطالب العالية" وغيرهم، وصاروا فيها إلى الوقف والحيرة. (¬1) هو: الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى. (¬2) في ط: اعتقادهم. (¬3) أي: أبو إسماعيل الأنصاري في "ذم الكلام" مخطوط -الجزء السابع- اللوحة: 33. والكلام يفصله عن سابقه بعض الأسطر. (¬4) في س، ط: بإسناده. (¬5) أبو إسماعيل الأنصاري- في المصدر السابق. (¬6) أبو إسماعيل الأنصاري- في المصدر السابق. (¬7) في س، ط: بإسناده. (¬8) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، وذم الكلام.

ما يقيم إلا سورة من القرآن أو شبه ذلك، وكان القرآن ثقل (¬1) عليهم، ورزقوا علمًا به وعملًا (¬2)، وإن آخر هذه الأمة يخفف عليهم القرآن حتى يقرأه الصبي والعجمي لا يعلمون منه شيئًا" (¬3) ". أو قال: لا يعملون منه بشيء (¬4). قال الحافظ أبو القاسم اللالكائي في كتابه المشهور في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (¬5) لما ذكر عقوبات الأئمة لأهل البدع، قال: "واستتاب أمير المؤمنين القادر بالله (¬6) -حرس الله مهجته، وأمد بالتوفيق أموره، ووفقه من القول والعمل لما يرضى مليكه (¬7) - فقهاء المعتزلة الحنفية في سنة ثمان وأربعمائة، فأظهر الرجوع وتبرؤوا من الاعتزال. ثم نهاهم عن الكلام والتدريس والمناظرة في الاعتزال والرفض (¬8)، والمقالات المخالفة للإسلام [والسنة] (¬9)، وأخذ ¬

_ (¬1) في ط: ثقيلًا. (¬2) في ذم الكلام: أو عملًا. (¬3) في ذم الكلام: شيء. (¬4) في ط: لا يعلمون. وهو تصحيف. (¬5) شرح اعتقاد أهل السنة والجماعة 4/ 723. (¬6) هو: أبو العباس أحمد بن إسحاق بن المقتدر بالله، الخليفة العباسي، تولى الخلافة سنة 381 هـ، وطالت أيامه، وكان حازمًا مطاعًا، حليمًا كريمًا، وهو من علماء الخلفاء، صنف كتابًا في "الأصول" فيه تكفير المعتزلة والقائلين بخلق القرآن، توفي سنة 422 هـ ببغداد. انظر: تاريخ بغداد -للخطيب - 4/ 37، 38. والكامل -لابن الأثير - 9/ 80، 414 - 417. والأعلام -للزركلي- 1/ 91، 92. (¬7) في الأصل، ط: مليكته. وفي س: ملكته. والمثبت من: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة. وهو المناسب. (¬8) في س، ط: والرقص. وهو تصحيف. (¬9) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة.

خطوطهم بذلك، وأنهم مهما خالفوه حل بهم من النكال والعقوبة ما يتعظ به أمثالهم. وامتثل يمين الدولة، وأمين الملة أبو القاسم محمود، يعني: ابن سبكتكين -أعز الله نصره- (¬1) أمر [أمير] (¬2) المؤمنين القادر بالله، واستن بسنته في أعماله التي استخلفه عليها من خراسان وغيرها، في قتل المعتزلة والرافضة والإسماعيلية (¬3) والقرامطة والجهمية والمشبهة، وصلبهم وحبسهم ونفاهم (¬4)، والأمر باللعن عليهم على منابر المسلمين، وإبعاد كل طائفة من أهل البدع، وطردهم عن ديارهم، وصار ذلك في الإسلام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين في الآفاق. ¬

_ (¬1) في شرح أصول اعتقاد أهل السنة: نصرته. وتقدم التعريف به ص: 710. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة. (¬3) إحدى فرق الشيعة الإمامية، وتنتسب إلى إسماعيل بن جعفر الصادق، لكن إسماعيلًا توفي في حياة والده ولذا انقسمت إلى فرقتين: الأولى: وهي الإسماعيلية الخالصة، قالت: إن الإمام بعد جعفر ابنه إسماعيل وأنكرت موته في حياة أبيه، وفسروا ذلك بأنه أظهر الموت تقية من خلفاء بني العباس، وهذه الفرقة تنتظر إسماعيل بن جعفر. والثانية: قالت: إن الإمام بعد جعفر سبطه محمد بن إسماعيل بن جعفر، وهؤلاء يقال لهم: المباركية. وللإسماعيلية عقائد فاسدة في الله وصفاته وفي الصحابة وفي الثواب والعقاب والمعاد وغير ذلك مما لا يتسع المفام لتفصيله، ولكن أحيل عليه في المصادر التالية: الفرق بين الفرق -للبغدادي- ص: 62، 63. الملل والنحل -للشهرستاني- 1/ 167، 168، 191 - 198. مذاهب الإسلاميين -لعبد الرحمن بدوي- 2/ 87 - 91. القرامطة -لمحمود شاكر- ص: 39 - 41. الإسماعيلية تاريخ وعقائد -لإحسان الهي ظهير- ص: 267 - 592. فقد تكلم في هذه الصفحات على عقائد الإسماعيلية بشكل مفصل معتمدًا في ذلك على ما جاء في كتبهم. (¬4) في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: ونفيهم.

وجر ذلك على يد (¬1) الحاجب أبي الحسن علي بن عبد الصمد، في جمادى [الآخرة] (¬2) سنة ثلاث عشرة وأربعمائة، تمم الله ذلك وثبته إلى أن يرث الأرض (¬3) ومن عليها وهو خير الوارثين". وقد ذكر شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري في كتاب "ذم الكلام" (¬4) وأهله في الطبقة الثامنة قال: "وفيها نجمت (¬5) الأشعرية". ثم ذكر الطبقة التاسعة وذكر (¬6) فيها كلام من ذكره فيهم ثم قال (¬7): "قرأت كتاب محمود الأمير (¬8) يحث فيه على كشف أستار هذه الطائفة والإفصاح بعيبهم ولعنهم، حتى كان قد قال فيه: أنا ألعن من لا يلعنهم فطار -والله-[في الآفاق] (¬9) للحامدين كل مطار، وصار في المادحين (¬10) كل مسار، لا ترى عاقلًا إلّا (¬11) وهو ينسبه إلى متانة الدين وصلابته، ويصفه بشهامة الرأي ونجابته، فما ظنك بدين يخفى فيه ظلم العيوب، وتنجلي عنه (¬12) بهم القلوب، ودين تناجى (¬13) به أصحابه، ¬

_ (¬1) في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: يدي. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة. (¬3) في ط، وشرح اعتقاد أهل السنة والجماعة: يرث الله الأرض. (¬4) ذم الكلام -مخطوط- الجزء السادس- اللوحة: 43. (¬5) في ذم الكلام: وفيهم نجمت. وفي مختار الصحاح -لأبي بكر الرازي- ص: 647: نجم الشيء: أي ظهر. (¬6) وذكر: ساقطة من: س. (¬7) في المصدر السابق -الجزء السابع- اللوحة: 8. (¬8) هو: محمود بن سبكتكين. المتقدم. (¬9) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، وذم الكلام. (¬10) في الأصل: الماحدين. وهو تصحيف. (¬11) في الأصل: وإلا. والكلام يستقيم بدون الواو، كما هو مثبت. (¬12) في ذم الكلام: عنهم. (¬13) في س، ط: يناجي.

وتبرأ منه أربابه، وما خفي عليك فلا يخف (¬1) أن القرآن مصرح (¬2) به في الكتاتيب، ويجهر به في المحاريب، وحديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الجوامع ويستمع في المجامع، وتشد إليه الرحال، ويتبع في البراري، والفقهاء في القلانس (¬3) يفصحون في المجالس، وأن الكلام في الخفايا يدس به في الزوايا، قد (¬4) ألبس أهله الذلة (¬5)، وأشعر (¬6) بهم ظلمه، يرمون بالألحاظ (¬7)، ويخرجون من الحفاظ، يسب بهم أولادهم، وتبرأ (¬8) منهم أوداؤهم (¬9)، يلعنهم المسلمون، وهم عند المسلمين يتلاعنون". ثم إنه جرى بعد ذلك في خلافة القائم في مملكة السلاجقة طغرل بك وذويه لعن المبتدعة -أيضًا- على المنابر، فذكر أبو القاسم بن عساكر أن وزيره (¬10) كان معتزليًّا رافضيًّا، وأنه أدخل فيهم الأشعرية لقصد ¬

_ (¬1) في س، وذم الكلام: فلم يخف. وهي ساقطة من: ط. (¬2) في ذم الكلام: يصرح. (¬3) القلانس: جمع قلنسوة: وهي تلبس في الرأس، ولعله قصد بها العمائم، أي: والفقهاء بعمائمهم. انظر: القاموس المحيط -للفيروزآبادي- 3/ 675 (قلس). (¬4) في ذم الكلام: وقد. (¬5) في ذم الكلام: ذله. (¬6) في ط: واستعر. وفي ذم الكلام: وأشعرهم ظلمه. (¬7) أي: بالأنظار. واللحظ: النظر في موخر العين. انظر: مختار الصحاح -لأبي بكر الرازي- ص: 593 (لحظ). (¬8) في ذم الكلام: ويتبرأ. (¬9) أي: أحباؤهم ومن يودهم. انظر: مختار الصحاح -لأبي بكر الرازي- ص: 714 (ودد). (¬10) أبو نصر منصور بن محمَّد الكندري.

ما ذكره أبو القاسم ابن عساكر من لعن الأشاعرة وما حصل بسبب ذلك من المحنة

التشفي والتسلي، فإنه ذكر رسالة أبي بكر البيهقي إلى الوزير في استدراك ذلك قال فيها (¬1): "ثم إن السلطان أعز (¬2) الله نصره، وصرف همته العالية إلى نصرة دين الله وقمع أعداء الله، بعدما تقرر للكافة حسن اعتقاده، بتقرير خطباء أهل مملكته على لعن من استوجب اللعن من أهل البدع (¬3) ببدعته، وأيس أهل الزيغ عن زيغه عن الحق وميله عن القصد، فألقوا في سمعه ما فيه مساءة أهل السنة والجماعة كافة ومصيبتهم عامة، من الحنفية والمالكية والشافعية الذين لا يذهبون في التعطيل مذهب المعتزلة ولا يسلكون في التشبيه طرق المجسمة في مشارق الأرض ومغاربها ليتسلوا (¬4) بالأسوة معهم في هذه المساءة عما يسوؤهم من اللعن والقمع في هذه الدولة المنصورة". وذكر تمام الرسالة (¬5) في بيان أنهم من أهل السنة ومسألة المنع من إدخالهم في اللعنة. قال أبو القاسم ابن عساكر (¬6): "وإنما كان انتشار ما ذكره أبو بكر البيهقي من المحنة، واستعار (¬7) ما أشار بإطفائه في رسالته من الفتنة، مما تقدم به من سب حزب أبي (¬8) الحسن الأشعري، في دولة السلطان طغرل بك، ووزارة أبي نصر منصور بن محمَّد الكندري، وكان السلطان ¬

_ (¬1) تبيين كذب المفتري -لابن عساكر- ص: 101. (¬2) في تبيين كذب المفتري: ثم إنه أعز. . (¬3) في تبيين كذب المفتري: المبتدعة. (¬4) في جميع النسخ: ليلبسوا. والمثبت من: تبيين كذب المفتري. ولعله المناسب. (¬5) يمكن الإطلاع عليها في: تبيين كذب المفتري - ص: 101 - 108. (¬6) في تبيين كذب المفتري - ص: 108. (¬7) في ط: وأشعار. (¬8) في تبيين كذب المفتري:. . حزب الشيخ أبي. .

حنفيًّا سنيًّا، وكان وزيره معتزليًّا رافضيًّا، فلما أمر السلطان بلعن المبتدعة على المنابر في الجمع، قرن الكندري للتسلي والتشفي اسم الأشعرية بأسماء أرباب البدع (¬1)، وامتحن الأئمة الأماثل، وقصد (¬2) الصدور الأفاضل وعزل أبا عثمان الصابوني بنيسابور (¬3)، وفوضها إلى بعض الحنفية، فأم (¬4) الجمهور، وخرج الأستاذ أبو القاسم (¬5)، والإمام أبو المعالي الجويني، عن البلد، فلم يكن (¬6) إلا يسيرًا حتى مات ذلك (¬7) السلطان، وولي ابنه ألب أرسلان، واستوزر الوزير الكامل أبا علي (¬8) الحسن بن علي بن إسحاق، فأعز أهل السنة، وقمع أهل النفاق، وأمر بإسقاط ذكرهم من السب وإفراد من عداهم باللعن والثلب (¬9)، واسترجع من خرج منهم إلى وطنه، واستقدمه مكرمًا بعد بعده وظعنه". وذكر قصة أبي القاسم القشيري التي سماها "شكاية أهل السنة بحكاية ما نالهم من المحنة" (¬10)، قال. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) في س: البديع. وهو تصحيف. (¬2) في الأصل: وقصدوا. والمثبت من: س، ط، وتبيين كذب المفتري. (¬3) في تبيين كذب المفترى: عن الخطابة بنيسابور. (¬4) في جميع النسخ: قام. ولعل ما أثبته من تبيين كذب المفتري يكون مناسبًا. (¬5) هو: أبو القاسم القشيري. (¬6) في تبيين كذب المفتري: "عن البلد وهان عليهما في مخالفته الاغتراب، وفراق الوطن والأهل والولد فلم يكن". (¬7) في تبيين كذب المفتري: "إلا يسيرًا حتى تقشعت تلك السحابة، وتبدد بهلك الوزير شمل تلك العصابة، ومات ذلك. . ". (¬8) في تبيين كذب المفتري: "الكامل والصدر العالم العادل أبا علي. . ". (¬9) في ط: السب. والثلب: هو إظهار العيوب والنقائص. انظر: مختار الصحاح -لأبي بكر الرازي- ص: 85 (ثلب). (¬10) أشار ابن كثير إلى هذه الرسالة، وإن القشيري صنفها عندما نقل إلى الملك طغرل بك أن أبا الحسن الأشعري ذكر بشيء من الأمور التي لا تليق بالدين والسنة، فأمر بلعنه، فضج أبو القاسم القشيري من ذلك وصنفها. =

فيها (¬1): "ومما ظهر (¬2) بنيسابور في مفتتح سنة خمس وأربعين وأربعمائة (¬3) ما دعى (¬4) أهل الدين إلى سوء ضر أضرهم وكشف قناع صبرهم (¬5) " إلى أن قال (¬6): "ذلك بما أحدث من لعن إمام الدين، وسراج [ذوي] (¬7) اليقين، محيي السنة، وقامع البدعة، ناصر الحق، وناصح الخلق أبي الحسن (¬8) الأشعري". وقال فيها (¬9): ولما مَنَّ الله الكريم على أهل الإِسلام بزمام (¬10) الملك المعظم، المحكم بالقوة السماوية في رقاب الأمم، الملك الأجل شاهنشاه (¬11) يمين خليفة. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = انظر: البداية والنهاية -لابن كثير- 12/ 70. وانظر ما ذكرته عن أبي القاسم القشيري ورسالته ص: 82. (¬1) تبيين كذب المفتري -لابن عساكر- ص: 110، 111. (¬2) في الأصل: قال وفيها مما. والمثبت من: س، ط، وتبيين كذب المفتري. (¬3) في تبيين كذب المفتري: وأربعمائة من الهجرة. (¬4) في الأصل: ما ادعى. والمثبت من: س، ط، وتبيين كذب المفتري. (¬5) في تبيين كذب المفتري: ". . أهل الدين إلى شق صدور صبرهم وكشف قناع ضرهم. . ". (¬6) بعد سطرين من الكلام السابق. (¬7) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، وتبيين كذب المفتري. ولم ترد فيه لفظة "قدم". وجاء في الأصل: وسراج قدم اليقين. وفي س، ط: وسراج قدم ذوي اليقين. (¬8) في تبيين كذب المفتري: الخلق التركي الرضي أبي الحسن. . (¬9) أي: أبو القاسم القشيري في رسالته "شكاية أهل السنة. . " فيما نقله عنه ابن عساكر في المصدر السابق، والكلام بعد ثلاثة أسطر من الكلام السابق. (¬10) تبيين كذب المفتري: بزمان. (¬11) شاهنشاه يراد به ملك الملوك، وهي كلمة أعجمية وإطلاق مثل هذه الألفاظ على =

الله (¬1)، وغياث عباد الله طغرل بك أبي طالب محمَّد بن ميكائيل وقام بإحياء السنة، والمناضلة عن الله، حتى لم يبق من أصناف المبتدعة إلا ¬

_ = غير الله تعالى لا يجوز، فالله تعالى هو ملك الأملاك، لا ملك أعظم ولا أكبر منه -سبحانه- ولذا ورد التشنيع بمن تسمى بمثل هذا الاسم. أخرجه البخاري في صحيحه 7/ 119، 120 كتاب الأدب. باب أبغض الأسماء إلى الله، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إن أخنى الأسماء يوم القيامة عند الله رجل تسمى ملك الأملاك" وفي رواية: "أخنع اسم عند الله. . ". قال سفيان بن عيينة -رحمه الله- مثل شاهنشاه. ومعنى أخنى: أفحش. وأخنغ: أذل وأوضع. انظر: فتح الباري -لابن حجر- 22/ 402 - 405. وكتاب التوحيد للشيخ محمَّد بن عبد الوهاب- ص: 64. وفتح المجيد -للشيخ عبد الرحمن آل الشيخ- ص: 286، 287. (¬1) لا يجوز إطلاق مثل هذا اللفظ على أحد بأنه خليفة الله، لما في إطلاقه من إبهام ما لا يليق بالله تعالى من النقص والعجز. يقول الشيخ -رحمه الله- في "الفتاوى" 35/ 45: "والله لا يجوز له خليفة، ولهذا لما قالوا لأبي بكر: يا خليفة الله، قال: لست بخليفة الله، ولكني خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وحسبي ذلك، بل هو -سبحانه- يكون خليفة لغيره، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم اصحبنا في سفرنا، واخلفنا في أهلنا". ولذلك لأن الله حي، شهيد، مهيمن، قيوم، رقيب، حفيظ، غني عن العالمين، ليس له شريك، ولا ظهير، ولا يشفع أحد عنده إلَّا بإذنه، والخليفة إنما يكون عند عدم المستخلف بموت أو غيبة، ويكون لحاجة المستخلف إلى الاستخلاف، وسمي "خليفة" لأنه خلف عن الغزو، وهو قائم خلفه، وكل هذه المعاني منتفية في حق الله تعالى وهو منزه عنها. . ". إلى أن قال: "ولا يجوز أن يكون أحد خلفًا منه، ولا يقوم مقامه؛ لأنه لا سمي له، ولا كفء له، فمن جعل له خليفة فهو مشرك به". انظر: زاد المعاد -لابن القيم- 2/ 474، 475. وسلسلة الأحاديث الضعيفة -لمحمد ناصر الدين الألباني- 1/ 120، 121.

سل (¬1) -لاستئصالهم سيفًا عضبًا (¬2)، وأذاقهم ذلا وخسفًا، وعقب لآثارهم نسفًا، حرجت (¬3) صدور أهل البدع عن تحمل هذه النقم، وضاق صبرهم عن مقاساة هذا الألم، ومُنوا (¬4) بلعن أنفسهم على رؤوس الأشهاد بألسنتهم، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت بانفرادهم بالوقوع في مهواة محنتهم (¬5)، فسولت لهم أنفسهم أمرًا، فظنوا أنهم بنوع تلبيس أو ضرب (¬6) تدليس يجدون لعسرهم يسرًا، فسعوا إلى عالي مجلس السلطان (¬7) بنوع نميمة، ونسبوا الأشعري إلى مذاهب ذميمة، وحكوا عنه مقالات لا يوجد في كتبه منها حرف، ولم نر (¬8) في المقالات المصنفة للمتكلمين الموافقين والمخالفين من وقت الأوائل إلى زماننا هذا لشيء منها حكاية، ولا وصف، بل كل ذلك تصوير بتزوير (¬9)، وبهتان (¬10) بغير تقرير. وما نقموا من الأشعري إلّا أنه قال بإثبات القدر لله خيره وشره نفعه وضره، وإثبات صفات الجلال لله من قدرته وعلمه وإرادته وحياته وبقائه ¬

_ (¬1) في تبيين كذب المفتري:. . المبتدعة حزبًا إلا سل. . (¬2) العضب: القطع، ويقال للسيف القاطع: عضب. انظر: المصباح المنير -للفيومي- ص: 414 (عضب). (¬3) في جميع النسخ: خرجت. والمثبت من: تبيين كذب المفتري. (¬4) في جميع النسخ: وضنوا. والمثبت من: تبيين كذب المفتري. ومنوا: أي: جوزوا وألزموا. انظر: القاموس المحيط -للفيروزآبادي- 4/ 290 (مني). (¬5) في جميع النسخ: محبتهم. والمثبت من: تبيين كذب المفتري. وهو المناسب. (¬6) في تبيين كذب المفتري: وضرب. (¬7) في تبيين كذب المفتري: السلطان المعظم. (¬8) في تبيين كذب المفتري: ولم ير. (¬9) في جميع النسخ: تزوير. والمثبت من: تبيين كذب المفتري. (¬10) في الأصل: تهبان. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط، وتبيين كذب المفتري.

ما ذكره أبو القاسم ابن عساكر من صحة اعتقاد أبي الحسن الأشعري

وسمعه وبصره وكلامه ووجهه ويده، وأن القرآن كلام الله غير مخلوق وأنه تعالى موجود تجوز رؤيته، وأن إرادته نافذة في مراده (¬1) وما لا يخفى من (¬2) مسائل الأصول التي تخالف طريقة (¬3) المعتزلة والجهمية (¬4). وذكر تمام الكلام في المسائل التي نسبت إليه، وهو كلام طويل ليس هذا موضعه، وإنما الغرض التنبيه على سبب لعنهم على ما نقله أصحابه المعظمون له. وأما بغداد فلم تجر فيها لعنة أحد على المنابر، بل كانت الأشعرية منتسبة إلى الإِمام أحمد وسائر أهل (¬5) السنة، كما ذكره الأشعري في كتابه "الإبانة" (¬6)، وهذا هو الذي اعتمد عليه الحافظ أبو القاسم ابن عساكر في وصف اعتقاد الأشعري، قال (¬7) -بعد أن ذكر ما ذكره من وصف من وصف من العلماء [و] (¬8) الأشعري بالرد على أهل (¬9) البدع والانتصار للسنة وما يشبه ذلك: "فإذا كان أبو الحسن -رحمه الله- كما ذكر (¬10) عنه من حسن ¬

_ (¬1) في س، ط، وتبيين كذب المفتري: مراداته. (¬2) في س: في. (¬3) في تبيين كذب المفتري: تخالف طرقه طرق. (¬4) في الأصل: الجسمية. وهو تصحيف. وفي تبيين كذب المفتري: المجسمة. والمثبت من: س، ط. (¬5) في س، ط: أئمة. (¬6) الإبانة عن أصول الديانة -لأبي الحسن الأشعري- ص: 15. (¬7) في تبيين كذب المفتري - ص: 152 - 163. (¬8) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. (¬9) أهل: ساقطة من: ط. (¬10) في جميع النسخ: لما ذكر. والمثبت من: تبيين كذب المفتري.

الاعتقاد مستصوب (¬1) المذهب عند أهل المعرفة بالعلم والانتقاد، يوافقه في أكثر ما يذهب إليه أكابر العباد، ولا يقدح في معتقده غير أهل الجهل والعناد (¬2)، فلا بد أن يحكي عنه (¬3) معتقده على وجه الأمانة (¬4)، ويجتنب أن يزيد فيه أو ينقص منه (¬5) تركًا للخيانة، لنعلم (¬6) حقيقة حاله في صحة عقيدته في أصول الديانة، فاسمع ما قاله (¬7) في أول كتابه الذي سماه بالإبانة فإنه قال (¬8): "الحمد لله الأحد الواحد العزيز الماجد" وساق الخطبة (¬9)، إلى أن قال: "أما بعد فإن كثيرًا من المعتزلة وأهل القدر مالت بهم أهواؤهم إلى التقليد لرؤسائهم (¬10) ومن مضى من أسلافهم، فتأولوا القرآن على آرائهم، تأويلًا لم ينزل الله به سلطانًا، ولا أوضح به برهانًا، ولا نقلوه عن رسول (¬11) الله - صلى الله عليه وسلم - ولا عن السلف المتقدمين، فخالفوا ¬

_ (¬1) في تبيين كذب المفتري: مستوصب. (¬2) في الأصل: العباد. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط، وتبيين كذب المفتري. (¬3) في ط: يحكي عن. وفي تبيين كذب المفتري: نحكي عنه. (¬4) في تبيين كذب المفتري: وجهه بالأمانة. (¬5) في تبيين كذب المفتري: ونجتنب أن نزيد فيه أن ننقص منه. (¬6) في س، ط: ليعلم. (¬7) في س، ط، وتبيين كذب المفتري: ذكره. (¬8) في هامش الأصل: قف على معتقد الأشعري. وانظر: الإبانة عن أصول الديانة -لأبي الحسن الأشعري- ص: 7 - 20، والمقابلة فيما يأتي عليه وعلى تبيين كذب المفتري. (¬9) ساق خطبة الأشعري الواردة في "الإبانة" في "تبيين كذب المفتري ص: 152 - 155 ". (¬10) في الإبانة: أما بعد فإن كثيرًا من الزائفين عن الحق من المعتزلة وأهل القدر مالت بهم أهواؤهم إلى تقليد رؤسائهم. . (¬11) في الإبانة، وتبيين كذب المفتري: عن رسول رب العالمين.

رواية (¬1) الصحابة عن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - في رؤية الله بالأبصار، وقد جاءت في ذلك الروايات من الجهات المختلفات، وتواترت بها الآثار, وتتابعت بها الأخبار. وأنكروا شفاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمؤمنين (¬2)، وردوا الرواية (¬3) في ذلك عن السلف المتقدمين. وجحدوا عذاب القبر، وأن الكفار في قبورهم يعذبون، وقد أجمع على ذلك الصحابة والتابعون. ودانوا بخلق القرآن نظيرًا لقول إخوانهم من المشركين الذين قالوا: {إِنْ هَذَا إلا قَوْلُ الْبَشَرِ} (¬4)، فزعموا أن القرآن كقول البشر. وأثبتوا (¬5) أن العباد يخلقون الشر نظيرًا لقول المجوس الذين يثبتون (¬6) خالقين: أحدهما يخلق الخير، والآخر يخلق الشر. وزعموا القدرية أن الله يخلق الخير وأن الشيطان يخلق الشر. وزعموا أن الله شاء (¬7) ما لا يكون، خلافًا لما أجمع عليه المسلمون من أن ما شاء الله كان وما لا يشاء لا يكون (¬8)، وردًّا لقول الله {وَمَا تَشَاءُونَ إلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} (¬9) فأخبر أنا لا نشاء شيئًا إلا وقد شاء أن نشاء. ولقوله: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا} (¬10) ولقوله: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا ¬

_ (¬1) في الإبانة: روايات. (¬2) في الإبانة: للمذنبين. وهي ساقطة من: تبيين كذب المفتري. (¬3) في الإبانة: الروايات. (¬4) سورة المدثر، الآية: 25. (¬5) في الإبانة، وتبيين كذب المفتري: وأثبتوا وأيقنوا. (¬6) في الإبانة: أثبتوا. (¬7) في الإبانة، وتبيين كذب المفتري: يشاء. (¬8) في الإبانة: وما لم يشاء لم يكن. (¬9) سورة الإنسان، الآية: 30. (¬10) سورة البقرة، الآية: 253.

كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} (¬1) ولقوله: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} (¬2) ولقوله مخبرًا عن شعيب أنه قال: {وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا} (¬3). ولهذا أسماهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مجوس هذه الأمة (¬4)؛ لأنهم دانوا بديانة المجوس [وضاهوا قولهم (¬5)، وزعموا أن للخير والشر خالقين كما زعمت المجوس] (¬6)، وأنه يكون من الشر (¬7) ما لا يشاؤه الله كما قالت المجوس ذلك. وزعموا أنهم يملكون الضر والنفع لأنفسهم ردًّا لقول الله (¬8): {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إلا مَا شَاءَ} (¬9)،. . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) سورة السجدة، الآية: 13. (¬2) سورة البروج، الآية: 16. (¬3) سورة الأعراف، الآية: 89. وجاء في الإبانة: {. . وسع ربنا كل شيء علمًا}. (¬4) كما جاء في الحديث عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن مجوس هذه الأمة المكذبون بأقدار الله تعالى: إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم، وإن لقيتموهم فلا تسلموا عليهم". أخرجه ابن ماجه في سننه 1/ 35. المقدمة -باب في القدر- الحديث / 92. والآجري في الشريعة - ص: 190. وابن عاصم في "السنة" 1/ 144. وقال الألباني في تخريجه لهذا الحديث: حديث حسن، رجاله ثقات، غير أن أبا الزبير مدلس، وقد عنعنه. وللحديث شاهد عن ابن عمر وغيره من طرق يقوي بعضها بعضًا. انظر: سنن أبي داود 5/ 66، 67 - كتاب السنة. باب في القدر - الحديثان 4691، 4692. ومسند الإِمام أحمد 2/ 86، 125، 5/ 406، 407. ومجمع الزوائد -للهيثمي- 7/ 205. (¬5) في الإبانة: أقاويلهم. وفي تبيين كذب المفتري: أقوالهم. (¬6) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والإبانة، وتبيين كذب المفتري. (¬7) في الإبانة: الشرور. (¬8) في الإبانة: لقول الله لنبيه - عليه السلام -. (¬9) سورة الأعراف، الآية: 188. وقد جاء في الأصل: ضرًّا ولا نفعًا. وهو خطأ.

وانحرافًا (¬1) عن القرآن، وعما أجمع المسلمون عليه (¬2). وزعموا أنهم ينفردون بالقدرة على أعمالهم دون ربهم، وأثبتوا (¬3) لأنفسهم غنى (¬4) عن الله، ووصفوا أنفسهم بالقدرة على ما لم يصفوا الله بالقدرة عليه، كما أثبتت المجوس للشيطان من القدرة على الشر ما لم يثبتوه لله - عَزَّ وَجَلَّ - فكانوا مجوس هذه الأمة، إذ دانوا بديانة المجوس، وتمسكوا بأقوالهم، ومالوا إلى أضاليلهم. وقنطوا الناس من رحمة الله، وآيسوهم من (¬5) روحه، وحكموا على العصاة بالنار والخلود [فيها] (¬6)، خلافًا لقول الله: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (¬7). وزعموا أن من دخل النار لا يخرج منها، خلافًا لما جاءت به الرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الله يخرج من النار قومًا بعدما امتحشوا فيها وصاروا حممًا (¬8). ¬

_ (¬1) في الإبانة: وإعراضًا. (¬2) في الإبانة: وعما أجمع عليه أهل الإِسلام. (¬3) في الإبانة: فأثبتوا. (¬4) في الإبانة: الغنى. (¬5) من: ساقطة من: س. (¬6) ما بين المعقوفتين زيادة من: الإبانة. (¬7) سورة النساء، الآية: 48. (¬8) أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار يقول الله: من كان في قلبه مثقال حبَّة من خردل من إيمان فأخرجوه فيخرجون قد امتحشوا -امتحشوا: احترقوا- وعادوا حممًا -حممًا: صاروا فحمًا- فيلقون في نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل -حميل السيل: الغثاء الذي يحمله السيل-"، أو قال: حمية -جاء في مسلم في رواية حمئة أو حميلة السيل. والحمئة: الطين الأسود الذي يكون في أطراف النهر- السيل. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ألم تروا أنها تنبت صفراء ملتوية" هذا لفظ البخاري. =

ودفعوا أن يكون لله وجه مع قوله: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} (¬1). وأنكروا أن يكون لله يدان مع قوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} (¬2). وأنكروا أن يكون له عينان (¬3)، مع قوله: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} (¬4) ولقوله: (¬5) {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} (¬6). ونفوا (¬7) ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قوله: "إن الله ينزل إلى سماء الدنيا" (¬8). وأنا ذاكر (¬9) ذلك إن شاء الله بابًا بابًا، وبه المعونة (¬10)، ومنه التوفيق والتسديد. ¬

_ = انظر: صحيح البخاري 7/ 202 كتاب الرقاق.- باب صفة الجنة والنار. وصحيح مسلم 1/ 172 كتاب الإيمان. باب إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار. الحديث / 304، 305. (¬1) سورة الرحمن، الآية: 27. (¬2) سورة ص، الآية: 75. (¬3) في الإبانة، وتبيين كذب المفتري: عين. (¬4) سورة القمر، الآية: 14. (¬5) في ط: وقوله. (¬6) سورة طه، الآية: 39. (¬7) قبل كلمة "ونفوا" جاء في: الإبانة: "وأنكروا أن يكون لله علم مع قوله: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} النساء: 166، وأنكروا أن يكون لله قوة مع قوله: {ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} الذاريات: 58. (¬8) في الإبانة: إن الله ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا. وتقدم تخريجه ص: 475. (¬9) قبل العبارة "وأنا ذاكر" جاء في الإبانة: "وغير ذلك مما رواه الثقات عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكذلك جميع أهل البدع من الجهمية والمرجئة والحرورية أهل الزيغ فيما ابتدعوا، وخالفوا الكتاب والسنة، وما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وأجمعت عليه الأمة، كفعل المعتزلة والقدرية وأنا ذاكر. . ". (¬10) في الإبانة: ذاكرًا ذلك بابًا بابًا وشيئا شيئًا -إن شاء الله- وبه المعونة والتأييد. .

فإن قال قائل (¬1): قد أنكرتم قول المعتزلة والقدرية والجهمية والحرورية والرافضة والمرجئة، فعرفونا قولكم الذي به تقولون، وديانتكم التي بها تدينون. قيل له: قولنا الذي به نقول وديانتنا التي بها ندين (¬2)، التمسك بكتاب الله وسنة نبيه (¬3) - صلى الله عليه وسلم - وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان عليه أحمد بن حنبل (¬4) -نضر الله وجهه ورفع درجته وأجزل مثوبته- قائلون، ولمن خالف قوله مجانبون، لأنه الإِمام الفاضل، والرئيس الكامل، الذي أبان الله به الحق عند ظهور الضلال، وأوضح به المنهاج، وقمع به بدع المبتدعين وزيغ الزائغين وشك الشكاكين، فرحمة الله عليه من إمام مقدم، وكبير مفهم، وعلى جميع أئمة المسلمين. وجملة قولنا: إنا نقر بالله وملائكته وكتبه ورسله، وما جاءه من عند الله، وما رواه الثقات عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا نرد من ذلك شيئًا. وأن الله إله واحد فرد أحد صمد لا إله غيره (¬5) لم يتخذ صاحبة ولا ولدًا. وأن محمدًا عبده ورسوله (¬6). وأن الجنة والنار حق. ¬

_ (¬1) في الإبانة: فإن قال لنا قائل:. . ولا زال الكلام لأبي الحسن الأشعري في "الإبانة" فيما نقله عنه ابن عساكر في "تبيين كذب المفتري"، والكلام متصل بما قبله فيهما، إلا أنه عنون له في الإبانة بـ "باب في إبانة قول أهل الحق والسنة". (¬2) في الإبانة، وتبيين كذب المفتري: التي ندين بها. (¬3) في الإبانة:. . بكتاب ربنا - عَزَّ وَجَلَّ - وبسنة نبينا. . (¬4) في الإبانة:. . وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمَّد بن حنبل. (¬5) في الإبانة: وإن الله - عَزَّ وَجَلَّ - إله واحد لا إله إلا هو فرد صمد لم يتخذ. . (¬6) في الإبانة: زيادة: "أرسله بالهدى ودين الحق. . ".

وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأن الله مستو (¬1) على عرشه، كما قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (¬2). وأن له وجهًا (¬3)، كما قال: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} (¬4). وأن له يدين (¬5)، كما قال: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} (¬6) وقال: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} (¬7). وأن له عينين (¬8) بلا كيف، كما قال: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} (¬9). وأن من زعم أن اسم (¬10) الله غيره كان ضالًا. وأن لله علمًا، كما قال: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} (¬11)، وقوله (¬12): {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إلا بِعِلْمِهِ} (¬13). ونثبت لله قوة (¬14)، كما قال: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} (¬15). ¬

_ (¬1) في الإبانة: استوى. (¬2) سورة طه، الآية: 5. (¬3) في الإبانة:. . وجهًا بلا كيف. (¬4) سورة الرحمن، الآية: 27. (¬5) في الإبانة: يدين بلا كيف. (¬6) سورة المائدة، الآية: 64. (¬7) سورة ص، الآية: 75. (¬8) في الإبانة، وتبيين كذب المفتري: عينًا. (¬9) سورة القمر، الآية: 14. (¬10) في الإبانة: أسماء. (¬11) سورة النساء، الآية: 166. (¬12) في ط: وقال. وفي الإبانة: وكما قال. (¬13) سورة فاطر، الآية: 11. (¬14) في الإبانة: إن الله قوة. وفي تبيين كذب المفتري: قدره. (¬15) سورة فصلت، الآية: 15.

ونثبت لله السمع والبصر، ولا ننفي ذلك، كما نفته المعتزلة والجهمية والخوارج. ونقول: إن كلام الله غير مخلوق، وإنه لم يخلق شيئًا إلا وقد قال له: كن فيكون، [كما قال: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (¬1)] (¬2). وإنه لا يكون في الأرض [شيء] (¬3) من خير وشر إلا ما شاء الله، وإن الأشياء تكون بمشيئة الله، وإن أحدًا لا يستطيع أن يفعل شيئًا قبل أن يفعله الله. ولا يستغني (¬4) عن الله، ولا نقدر على الخروج من علم الله. وإنه لا خالق إلا الله، وإن أعمال العباد مخلوقة لله مقدورة له، كما قال: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} (¬5)، وإن العباد لا يقدرون أن يخلقوا شيئًا وهم يخلقون، كما قال: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} (¬6)، وكما قال: {لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} (¬7)، وكما قال: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ} (¬8)، وكما قال: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} (¬9) وهذا في كتاب الله كثير. ¬

_ (¬1) سورة النحل، الآية: 40. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: ط، والإبانة، وتبيين كذب المفتري. (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والإبانة، وتبيين كذب المفتري. (¬4) في الإبانة، وتبيين كذب المفتري: ولا نستغني. (¬5) سورة الصافات، الآية: 96. (¬6) سورة فاطر، الآية: 3. (¬7) سورة النحل، الآية: 20. (¬8) سورة النحل، الآية: 17. (¬9) سورة الطور، الآية: 35.

وإن الله وفق المؤمنين لطاعته، ولطف بهم ونظر لهم (¬1) وأصلحهم وهداهم، وأضل الكافرين ولم يهدهم ولم يلطف بهم (¬2) بالإيمان كما زعم أهل الزيغ والطغيان، ولو لطف لهم (¬3) وأصلحهم كانوا (¬4) صالحين، ولو هداهم كانوا (3) مهتدين، كما قال تبارك وتعالى: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (¬5)، وإن الله يقدر أن يصلح الكافرين ويلطف لهم (¬6) حتى يكونوا مؤمنين، ولكنه أراد أن يكونوا كافرين كما علم، وإنه خذلهم وطبع على قلوبهم. وإن الخير والشر بقضاء الله وقدره، وإنا نؤمن بقضاء الله وقدره خيره وشره حلوه ومره، ونعلم أن ما أصابنا لم [يكن لـ] (¬7) يخطئنا وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا، وإنا لا نملك لأنفسنا (¬8) نفعا ولا ضرًّا (¬9)، إلا ما شاء الله، وأنا نلجئ أمورنا (¬10) إلى الله ونثبت الحاجة والفقر في كل وقت إليه. ونقول: إن القرآن كلام الله غير مخلوق، وإن من قال بخلقه (¬11) ¬

_ (¬1) نظر لهم: ساقطة من: س. وفي الإبانة: نظر إليهم. (¬2) في ط، والإبانة، وتبيين كذب المفتري: بهم. (¬3) في ط، والإبانة، وتبيين كذب المفتري: بهم. (¬4) في الإبانة: لكانوا. في الموضعين. (¬5) سورة الأعراف، الآية: 178. (¬6) في ط، والإبانة: بهم. (¬7) ما بين المعقوفتين زيادة من: الإبانة، وتبيين كذب المفتري. وقد جاء في الإبانة تقديم وتأخير على هذا النحو: "ونعلم أن ما أخطأنا لم يكن ليصيبنا، وأن ما أصابنا لم يكن ليخطئنا". (¬8) في الإبانة: وإن العباد لا يملكون لأنفسهم. . (¬9) في الإبانة:. . ولا ضرًّا كما قال عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إلا مَا شَاءَ اللَّهُ} الأعراف: 188. (¬10) في الإبانة: وإنا نلجأ في أمورنا. (¬11) في س، ط، والإبانة، وتبيين كذب المفتري: بخلق القرآن.

كان كافرًا. وندين أن الله يرى بالأبصار يوم القيامة (¬1)، كما يرى القمر ليلة البدر، ويراه المؤمنون كما جاءت الروايات (¬2) عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ونقول: إن الكافرين -إذا رآه المؤمنون- عنه محجوبون (¬3)، كما قال تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} (¬4) وأن موسى سأل الله الرؤية في الدنيا وأن الله تجلى للجبل فجعله دكًّا (¬5)، فعلم (¬6) بذلك موسى أنه لا يراه أحد (¬7) في الدنيا. ونرى ألّا نكفر أحدًا من أهل القبلة بذنب يرتكبه كالزنا والسرقة وشرب الخمر، كما دانت بذلك الخوارج وزعموا بذلك (¬8) أنهم كافرون، ونقول: إن من عمل كبيرة من الكبائر وما أشبهها مستحلًا لها كان كافرًا إذا كان غير معتقد لتحريمها (¬9). ¬

_ (¬1) في الإبانة: يرى في الآخرة بالأبصار. (¬2) وتقدم ذكر بعضها ص: 413. (¬3) في الإبانة: أن الكافرين محجوبون عنه إذا رآه المؤمنون في الجنة. . . (¬4) سورة المطففين، الآية: 15. (¬5) كما في قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف: 143]. (¬6) في الإبانة، وتبيين كذب المفتري. فاعلم. (¬7) أحد: ساقطة من: الإبانة، وتبيين كذب المفتري. (¬8) في الإبانة:. . وزعمت أنهم. (¬9) في الإبانة:. . كبيرة من هذه الكبائر مثل الزنا والسرقة وما شابههما مستحلا لها غير معتقد لتحريمها كان كافرًا. .

ونقول: إن الإِسلام أوسع من الإيمان, وليس كل إسلام إيمانًا (¬1). وندين بأنه (¬2) يقلب القلوب، وأن القلوب بين أصبعين من أصابعه (¬3) [وأنه يضع السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، كما جاءت الرواية (¬4) عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬5). وندين بأن لا ننزل أحدًا من الموحدين المستمسكين (¬6) بالإيمان جنة ولا نارًا، إلا من شهد له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجنة ونرجو الجنة للمذنبين، ونخاف عليهم أن يكونوا بالنار معذبين. ¬

_ (¬1) في الإبانة: إيمان. بالرفع. وعلق على ذلك المحقق د. صالح الفوزان بـ "رفع إيمان" في النسختين اسم كان موخرًا للسجع. وفي تبيين كذب المفتري: وليس كل الإِسلام لإيمانه. . (¬2) في الإبانة: بأن الله تعالى. . (¬3) في الإبانة:. . . من أصابع الرحمن. (¬4) من ذلك ما أخرجه مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء"، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك". صحيح مسلم 4/ 2045 كتاب القدر -باب تصريف الله تعالى القلوب كيف شاء- الحديث / 17. والحديث يروى بألفاظ مختلفة عن عدد من الصحابة - رضي الله عنهم. انظر: سنن الترمذي 4/ 448، 449 كتاب القدر -باب ما جاء أن القلوب بين إصبعي الرحمن- الحديث / 2140. وسنن ابن ماجه 1/ 72 - المقدمة- باب فيما أنكرت الجهمية- الحديث / 199. ومسند الإِمام أحمد 2/ 168، 173، 6/ 251. وانظر: ما تقدم من قصة الحبر الذي جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا محمَّد إن الله يضع السماء على إصبع والأرض على إصبع. . ص: 912. (¬5) ما بين المعقوفتين ساقط من: تبيين كذب المفتري. (¬6) في الإبانة:. . من أهل التوحيد والمتمسكين. .

ونقول: إن الله يخرج من النار قومًا بعدما امتحشوا بشفاعة محمَّد - صلى الله عليه وسلم - (¬1). ونؤمن بعذاب القبر، ونقول: إن الحوض والميزان والصراط حق (¬2) والبعث بعد الموت حق، وأن الله يوقف العباد بالموقف ويحاسب المؤمنين. وأن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، ونسلم الروايات (¬3) الصحيحة في ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي رواها الثقات عدل عن عدل حتى تنتهي الرواية إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وندين (¬4) بحب السلف الذين اختارهم [الله] (¬5) لصحبة نبيه، ونثني عليهم بما أثنى الله عليهم، ونتولاهم (¬6). ونقول: إن الإِمام (¬7) بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر - رضي الله عنه - وإن الله تعالى أعز به الدين، وأظهره على المرتدين وقدمه المسلمون للإمامة كما قدمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[للصلاة] (¬8)، ثم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ثم عثمان بن عفان - نضر الله وجهه - قتله قاتلوه (¬9) ظلمًا وعدوانًا، ثم علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فهؤلاء الأئمة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلافتهم خلافة النبوة. ¬

_ (¬1) في الإبانة:. . . النبي - صلى الله عليه وسلم - تصديقًا لما جاءت به الروايات عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (¬2) في الإبانة:. . بعذاب القبر وبالحوض، وإن الميزان حق والصراط حق. . (¬3) في تبيين كذب المفتري: للروايات. . (¬4) في س، ط: وندين الله. (¬5) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والإبانة. (¬6) في الإبانة:. . . الله به عليهم ونتولاهم أجمعين. . (¬7) في الإبانة:. . الإِمام الفاضل. (¬8) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط. وفي الإبانة: للصلاة وسموه بأجمعهم خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. . (¬9) في الإبانة:. . عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وإن الذين قتلوه قتلوه. .

ونشهد للعشرة بالجنة الذين شهد لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1) ونتولى سائر أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ونكف عما شجر بينهم، وندين الله أن الأئمة الأربعة راشدون (¬2) مهديون فضلاء لا يوازنهم (¬3) في الفضل غيرهم. ونصدق بجميع الروايات التي أثبتها (¬4) أهل النقل من النزول إلى سماء الدنيا (¬5)، وأن الرب يقول: "هل من سائل؟ هل من مستغفر؟ " (¬6) وسائر ما نقلوه وأثبتوه، خلافًا لما قاله أهل الزيغ والتضليل. ونعول فيما اختلفنا فيه على كتاب الله، وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬7) وإجماع المسلمين، وما كان في معناه، ولا نبتدع في دين الله بدعة لم يأذن الله بها, ولا نقول على الله ما لا نعلم. ونقول: إن الله يجيء يوم القيامة، كما قال: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} (¬8) وإن الله يقرب من عباده كيف شاء، كما قال: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ ¬

_ (¬1) وهم كما جاء في الحديث الذي أخرجه الإِمام أحمد -رحمه الله- بسند صحيح عن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعلي في الجنة، وعثمان في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة". المسند -للإمام أحمد بن حنبل "شرح: أحمد شاكر 3/ 136 - الحديث / 1675. (¬2) في الإبانة:. . . خلفاء راشدون. . . (¬3) في الإبانة، وتبيين كذب المفتري: لا يوازيهم. (¬4) في تبيين كذب المفتري: ثبتها. (¬5) في الإبانة، وتبيين كذب المفتري: السماء الدنيا. (¬6) تقدم تخريج هذا الحديث، ص: 475. (¬7) في الإبانة: كتاب ربنا تبارك وتعالى، وسنة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم. (¬8) سورة الفجر، الآية: 22.

إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} (¬1)، وكما قال: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} (¬2). ومن ديننا نصلي (¬3) الجمعة والأعياد خلف كل بر وغيره (¬4)، وكذلك سائر (¬5) الصلوات والجماعات، كما روي عن عبد الله بن عمر أنه كان يصلي خلف الحجاج (¬6). وأن المسح على الخفين في السفر (¬7) والحضر، خلافًا لمن أنكر (¬8) ذلك. ونرى الدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح والإقرار بإمامتهم، وتضليل من رأى الخروج عليهم إذا ظهر منهم ترك الاستقامة، وندين بترك (¬9) ¬

_ (¬1) سورة ق، الآية: 16. (¬2) سورة النجم، الآيتان: 8، 9. (¬3) في الإبانة، وتبيين كذب المفتري: أن نصلي. (¬4) في الإبانة، وتبيين كذب المفتري: بر وفاجر. (¬5) في الإبانة: تقدمت العبارة "وسائر الصلوات والجماعات" قبل العبارة: "خلف كل بر وفاجر". وفي كذب المفتري: "وكذلك شروط الصلوات. . ". (¬6) هو: أبو محمَّد الحجاج بن يوسف بن الحاكم الثقفي، كان شجاعًا مقدامًا مهيبًا سفاكًا, ولي الحجاز سنين، ثم العراق وخراسان عشرين سنة، له حسنات مغمورة في بحر ظلمه وجوره، أراح الله البلاد والعباد منه سنة 95 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء -للذهبي- 4/ 343. والبداية والنهاية -لابن كثير- 9/ 131 - 156. وشذرات الذهب -لابن العماد- 1/ 106 - 108. وذكر صدر الدين الحنفي في شرحه للطحاوية ص: 421: أنه ورد في صحيح البخاري أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - كان يصلي خلفه. وانظر ما ذكره ابن عساكر في تهذيبه 4/ 54 من صلاة ابن عمر - رضي الله عنه - مع الحجاج. وانظر: مجموع الفتاوي- 3/ 280. (¬7) في الإبانة: سنة في السفر. . . (¬8) في الإبانة: خلافًا لقول من أنكر. . (¬9) في الإبانة: بإنكار.

الخروج عليهم بالسيف، وترك القتال في الفتنة. ونقر بخروج الدجال، كما جاءت به الرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1). ونؤمن بعذاب القبر ومنكر ونكير ومساءلتهم (¬2) المدفونين في قبورهم. ونصدق بحديث المعراج (¬3). ونصحح كثيرًا من الرؤيا في المنام، ونقول: إن لذلك تفسيرًا (¬4). ونرى الصدقة من موتى المؤمنين (¬5)، والدعاء لهم، ونؤمن أن الله ينفعهم بذلك. ونصدق بأن (¬6) في الدنيا سحرة (¬7)، وأن السحر (¬8) كائن موجود في الدنيا. ¬

_ (¬1) الرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخروج الدجال وصفته كثيرة ومتواترة أذكر منها ما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما عن حذيفة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في الدجال: "إن معه ماء ونارًا، فناره ماء بارد وماؤه نار فلا تهلكوا". صحيح البخاري 8/ 103 - كتاب الفتن- باب ذكر الدجال. صحيح مسلم 4/ 2249 - كتاب الفتن- باب ذكر الدجال وصفته وما معه- الحديث / 106. وسنن أبي داود 4/ 494 - كتاب الملاحم- باب خروج الدجال - الحديث / 4315. (¬2) في الإبانة: ومساءلتهما. (¬3) حديث المعراج حديث طويل مضمونه تقدم في الكلام على الإسراء والمعراج ص: 114 وانظره في صحيح البخاري 8/ 203 - 205 كتاب التوحيد باب قوله {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}، وصحيح مسلم 1/ 145 - 147 كتاب الإيمان - باب الإسراء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى السماوات وفرض الصلوات- الحديث / 259. (¬4) في الأصل:. . ذلك تفسيرًا. وفي س، ط: إن ذلك تفسير. وفي الإبانة: ونقر أن لذلك تفسيرًا. ولعل الكلام يستقيم بالمثبت من تبيين كذب المفتري. (¬5) في الإبانة: المسلمين. (¬6) في الأصل، وتبيين كذب المفتري: أن. والمثبت من: س، ط، والإبانة. (¬7) في الإبانة: سحرًا وسحرة. (¬8) تقدم الكلام على السحر وحقيقته ص: 477.

وندين بالصلاة على من مات من أهل القبلة مؤمنهم (¬1) وفاجرهم ومواريثهم (¬2). ونقر أن الجنة والنار مخلوقتان. وأن من مات أو قتل فبأجله مات أو قتل. وأن الأرزاق من قبل الله عَزَّ وَجَلَّ يرزقها (¬3) عباده حلالًا وحرامًا. وأن الشيطان يوسوس للإنسان ويشككه ويتخبطه (¬4) خلافًا لقول المعتزلة والجهمية، كما قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} (¬5)، وكما قال: {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} (¬6). ونقول: إن الصالحين يجوز أن يخصهم الله بآيات يظهرها الله عليهم. وقولنا في أطفال المشركين: إن الله يؤجج لهم نارًا في الآخرة، ثم يقول (¬7): اقتحموها، كما جاءت الرواية بذلك (¬8). ¬

_ (¬1) في الإبانة: برهم. (¬2) في ط: موارثتهم. وفي الإبانة: توارثهم. (¬3) في الأصل:. . يرزقها الله -عَزَّ وَجَلَّ- يرزقها عباده. والكلام يستقيم بدون الزيادة كما هو مثبت من: س، ط، والإبانة، وتبيين كذب المفتري. (¬4) في الأصل: ويسلكه ويخبطه. وهو تصحيف. وفي س، ط، وتبيين كذب المفتري: يخبطه. والمثبت من: الإبانة. (¬5) سورة البقرة، الآية: 275. (¬6) سورة الناس، الآيات: 4 - 6. ولم يرد قوله {مِنْ شَرِّ} في: الأصل. (¬7) في الإبانة: يقول لهم. (¬8) ورد بهذا آثار كثيرة يؤيد بعضها بعضًا، فمن ذلك ما رواه الإِمام أحمد -رحمه الله- بإسناد صحيح في مسنده 4/ 24، عن الأسود بن سريع أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - =

وندين بأن الله (¬1) يعلم ما العباد عاملون، وإلى ما هم صائرون [وما كان] (¬2) وما يكون، وما لا يكون أن لو كان كيف كان يكون؟. وبطاعة (¬3) الأئمة، ونصيحة المسلمين. ونرى مفارقة كل داعية لبدعة (¬4)، ومجانبة أهل الأهواء وسنحتج لما ذكرنا (¬5) من قولنا، وما بقي منه مما لم (¬6) نذكره بابًا بابًا وشيئًا شيئًا. ¬

_ = قال: "أربعة يحتجون يوم القيامة. . " وذكر الاسم، والرجل لهرم، والأحمق، ومن مات في الفترة، وحجة كل منهم، ثم قال: "فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه، فيرسل إليهم أن ادخلوا النار" قال: فوالذي نفس محمَّد بيده لو دخلوها لكانت عليهم بردًا وسلامًا. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 7/ 216 بعد ذكره لهذا الحديث: "رواه الطبراني بنحوه، وذكر بعده إسنادًا إلى أبي هريرة قائلًا بمثل هذا الحديث غير أنه قال في آخره: "فمن دخلها كانت عليه بردًا وسلامًا، ومن لم يدخلها يسحب إليها" هذا لفظ أحمد ورجاله من طريق الأسود بن سريع وأبي هريرة رجال الصحيح. وهذه المسألة مما اختلف فيها السلف والمتكلمون على أقوال استقصى بيانها ابن القيم -رحمه الله- في كتابه طريق الهجرتين ص: 507 - 529 فذكر الأقوال في المسألة وقائليها وما استدلوا به وناقش أدلتهم مبينًا أنها تجتمع وتأتلف في القول الأمثل وهو أن أطفال المشركين يمتحنون في عرصات القيامة، ويرسل إليهم هناك رسول إلى كل من لم تبلغه الدعوة فمن أطاع الرسول دخل الجنة ومن عصاه دخل النار وعلى هذا فيكون بعضهم في الجنة وبعضهم في النار. وهذا ما اختاره الشيخ -رحمه الله. انظر: مجموع الفتاوى 4/ 246، 281، 312، 24/ 372، 373. (¬1) في الإبانة: وندين الله عَزَّ وَجَلَّ بأنه. . (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: الإبانة. (¬3) في تبيين كذب المفتري: فبطاعة. (¬4) في الإبانة: إلى بدعة. (¬5) في الإبانة، وتبيين كذب المفتري: ذكرناه. (¬6) في جميع النسخ وتبيين كذب المفتري: وما لم. والمثبت من: الإبانة. ولعله المناسب.

رد ابن عساكر على الأهوازي

ثم قال أبو القاسم بن عساكر (¬1) -رحمه الله-: "فتأملوا -رحمكم الله- هذا الاعتقاد ما أوضحه وأبينه، واعترفوا بفضل هذا الإِمام العالم الذي شرحه وبينه، وانظروا سهولة لفظه فما أفصحه وأبينه، وكونوا ممن قال الله فيهم: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} (¬2) وتبينوا فضل أبي الحسن واعرفوا إنصافه، واسمعوا وصفه لأحمد بالفضل واعترافه، لتعلموا أنهما كانا في الاعتقاد متفقين، وفي أصول الدين ومذهب السنة غير مفترقين، ولم تزل الحنابلة ببغداد في قديم الدهر على عمر الأوقات تعتضد (¬3) بالأشعرية على أصحاب البدع؛ لأنهم المتكلمون من أهل الإثبات فمن تكلم منهم (¬4) في الرد على مبتدع فبلسان الأشعرية يتكلم، ومن حقق منهم في الأصول في مسألة فمنهم يتعلم، فلم يزالوا كذلك حتى حدث الاختلاف في زمن أبي نصر القشيري ووزارة النظام، ووقع بينهم الانحراف من بعضهم عن بعض لانحراف (¬5) النظام. وعلى الجملة فلم يزل في الحنابلة طائفة تغلو في السنة، وتدخل فيما لا يعنيها حبًّا للخفوق (¬6) في الفتنة، ولا عار (¬7) على أحمد -رحمه الله- من صنيعهم، وليس يتفق على ذلك رأي جميعهم، ولهذا قال أبو حفص بن شاهين (¬8) -وهو من أقران الدارقطني-. . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ (¬1) في تبيين كذب المفتري ص: 163 - 164. والكلام متصل بما قبله. (¬2) سورة الزمر، الآية: 18. (¬3) في الأصل: يعتضد. والمثبت من: س، ط، وتبيين كذب المفتري. (¬4) منهم: ساقطة من: ط. (¬5) في س، ط، وتبيين كذب المفتري: لانحلال. (¬6) في س، ط: للحقوق. ولا معنى لها. وفي تبيين كذب المفتري: للخفوق. والخفق: هو الاضطراب والتحرك، ومنه خفقت الراية: اضطربت وتحركت. راجع: القاموس المحيط -للفيروزآبادي 2/ 85 (خفق). (¬7) أي: ولا عيب. (¬8) في تبيين كذب المفتري: أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان بن شاهين. =

ما قرأته (¬1) على عبد الكريم بن الخضر (¬2)، عن أبي محمَّد الكناني، حدثني (¬3) أبو النجيب الأرموي (¬4)، ثنا أبو ذر الهروي (¬5)، قال: سمعت ابن زنين يقول: رجلان صالحان بلوا (¬6) بأصحاب سوء: جعفر بن محمَّد، وأحمد بن حنبل". وقال ابن عساكر (¬7) فيما رده على أبي علي الأهوازي (¬8)، فيما صنفه من مثالب الأشعري وقد ذكر أبو علي الأهوازي أن الحنابلة لم يقبلوا منه تصنيف الإبانة. قال الأهوازي: "وللأشعري كتاب في السنة قد جعله أصحابه وقاية لهم من أهل السنة، يتولون به العوام من أصحابنا سماه كتاب ¬

_ = هو: أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان بن أحمد بن محمَّد البغدادي المعروف بابن شاهين، محدث العراق وصاحب التصانيف. توفي سنة 385 هـ. قال فيه الخطيب البغدادي: كان ثقة مأمونًا. انظر: تاريخ بغداد -للخطيب- 11/ 265 - 268. وتذكرة الحفاظ -للذهبي- 3/ 987 - 989. ولسان الميزان -لابن حجر- 4/ 283 - 285. (¬1) في تبيين كذب المفتري:. . الدارقطني، ومن أصحاب الحديث المتسننين ما قرأت. (¬2) في تبيين كذب المفتري: على الشيخ أبي محمَّد عبد الكريم بن حمزة بن الخضر بدمشق. (¬3) في تبيين كذب المفتري: أبي محمَّد عبد العزيز بن أحمد قال: حدثني. . (¬4) في تبيين كذب المفتري: أبو النجيب عبد الغفار. . عبد الواحد الأرموي. . (¬5) في تبيين كذب المفتري: أبو ذر عبد بن أحمد الهروي. (¬6) في ط، وتبيين كذب المفتري: بليا. (¬7) في تبيين كذب المفتري: ص: 388، 389. (¬8) هو: أبو علي الحسن بن علي بن إبراهيم الأهوازي، مقرئ الشام في عصره، أصله من الأهواز، واستوطن دمشق. توفي سنة 446 هـ. يقول الذهبي: ألف جزءًا في مثالب الأشعري فيه أكاذيب. انظر: تهذيب ابن عساكر- 4/ 197، 198. وسير أعلام النبلاء -للذهبي- 15/ 89، 18/ 13 - 18. ولسان الميزان -لابن حجر- 2/ 237 - 240.

"الإبانة" صنفه ببغداد لما دخلها، فلم يقبل ذلك منه الحنابلة وهجروه". وسمعت (¬1) أبا عبد الله الحمراني يقول: "لما دخل الأشعري إلى بغداد جاء إلى البربهاري (¬2) فجعل يقول: رددت على الجبائي وعلى أبي هاشم ونقضت عليهم، وعلى اليهود والنصارى وعلى المجوس، فقلت (¬3) وقالوا وأكثر الكلام في ذلك، فلما سكت قال البربهاري: ما أدري مما قلت قليلًا ولا كثيرًا، ما نعرف إلا ما قال (¬4) أبو عبد الله أحمد بن حنبل، قال: فخرج من عنده وصنف كتاب الإبانة، فلم يقبلوه (¬5) منه، ولم يظهر ببغداد إلى أن خرج منه". قال (¬6): وقول الأهوازي: إن الحنابلة لم يقبلوا منه ما أظهره (¬7) من كتاب (¬8) الإبانة وهجروه، فلو كان الأمر كما قال لنقلوه عن أشياخهم (¬9) ولم أزل أسمع ممن يوثق به أنه كان صديقًا ¬

_ (¬1) أورده ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة 2/ 18 عن الحسن الأهوازي قال: سمعت أبا عبد الله الحمراني. . (¬2) هو: أبو محمَّد الحسن بن علي بن خلف البربهاري، شيخ الحنابلة في وقته. كان شديدًا على أهل البدع، له مصنفات منها: "شرح السنة" نقل منه ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة، توفي سنة 329 هـ. انظر: طبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 2/ 18 - 45. والوافي بالوفيات -للصفدي- 12/ 146، 147. وشذرات الذهب -لابن العماد- 2/ 319 - 323. (¬3) في طبقات الحنابلة:. . . والنصارى والمجوس وقلت لهم. . . (¬4) في طبقات الحنابلة: ولا نعرف إلا ما قاله. (¬5) في طبقات الحنابلة: يقبله. . (¬6) القائل: ابن عساكر في "تبيين كذب المفتري" ص: 389 - 391. (¬7) في الأصل: أظهروه. والمثبت من: س، ط، وتبيين كذب المفتري. (¬8) في تبيين كذب المفتري: في كتاب الإبانة. (¬9) في تبيين كذب المفتري: عن أشياخهم وأظهروه.

للتميميين (¬1)، سلف أبي محمَّد رزق [الله] (¬2) بن عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث، وكانوا له مكرمين، وقد ظهر (¬3) [أثر] (¬4) بركة هذه (¬5) الصحبة على أعقابهم، حتى نسب إلى مذهبه أبو الخطاب الكلوذاني (¬6) من أصحابهم، وهذا تلميذ أبي الخطاب أحمد الحربي (¬7) ¬

_ (¬1) في الأصل، س: لتميمين. والمثبت من: ط، وتبيين كذب المفتري. وقد ذكر الشيخ -رحمه الله- في "الفتاوى" 6/ 53 أن التميميين كأبي الحسن وابن أبي الفضل وابن رزق الله أبعد عن الإثبات وأقرب إلى موافقة غيرهم وألين لهم، ولهذا تتبعهم الصوفية، ويميل إليهم فضلاء الأشعرية، كالباقلاني والبيهقي، فإن عقيدة أحمد التي كتبها أبو الفضل هي التي اعتمدها البيهقي، مع أن القوم ماشون على السنة. (¬2) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، وتبيين كذب المفتري. هو: أبو محمَّد رزق الله بن عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد التميمي الحنبلي، أحد أئمة القراء والحديث، وتفقه على القاضي أبي علي بن أبي موسى الهاشمي، له مجلس للوعظ، وحلقة للفتوى بجامع المنصور ثم بجامع القصر. توفي سنة 488 هـ. انظر: طبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 2/ 250، 251. والمنتظم -لابن الجوزي- 9/ 88، 89. والمنهج الأحمد -للعليمي- 2/ 195 - 202. (¬3) في جميع النسخ: أظهر. ولعل ما أثبته من "تبيين كذب المفتري" يناسب السياق. (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من: تبيين كذب المفتري. (¬5) في س، ط، وتبيين كذب المفتري: تلك. (¬6) هو: أبو الخطاب محفوظ بن أحمد بن حسن الكلوذاني البغداديّ الأزجي، أحد أئمة أصحاب الإِمام أحمد، كان غزير العلم ورعًا صالحًا، تفقه على القاضي أبي يعلى. توفي سنة 510 هـ. انظر: طبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 2/ 258. وسير أعلام النبلاء -للذهبي- 19/ 348 - 350. والذيل على طبقات الحنابلة -لابن رجب - 1/ 116 - 127. (¬7) هو: أبو القاسم أحمد بن معالي بن بركة الحربي، الفقيه الواعظ، تفقه على أبي الخطاب الكلوذاني، وانتقل إلى المذهب الشافعي ثم عاد إلى المذهب =

يخبر بصحة ما ذكرته وينبيء، وكذلك كان بينهم وبين صاحبه أبي عبد الله بن مجاهد (¬1)، وصاحب صاحبه أبي بكر بن الطيب (¬2) من المواصلة والمؤاكلة ما يدل على كثرة الاختلاق من الأهوازي والتكذيب. قال (¬3): وقد أخبرني الشيخ أبو الفضل بن أبي سعد البزار عن (¬4) أبي محمَّد رزق الله بن عبد الوهاب بن عبد العزيز التميمي الحنبلي، قال سألت الشريف أبا علي محمَّد بن أحمد بن أبي موسى الهاشمي (¬5)، فقال: حضرت دار شيخنا أبي الحسن عبد العزيز بن الحارث التميمي (¬6) سنة سبعين وثلاثمائة في دعوة عملها لأصحابه، حضرها أبو بكر ¬

_ = الحنبلي. توفي سنة 554 هـ. انظر: المنتظم -لابن الجوزي- 10/ 190. والبداية والنهاية -لابن كثير - 12/ 256. والذيل على طبقات الحنابلة -لابن رجب- 1/ 232، 233. (¬1) هو: محمَّد بن أحمد بن مجاهد الطائي. تقدم التعريف به. (¬2) تقدم التعريف به. وقد أشار الشيخ -رحمه الله- في "نقض المنطق" ص: 137 إلى أن بين أبي الحسن التميمي وبين القاضي أبي بكر بن الباقلاني من المودة والصحبة ما هو معروف مشهور. وانظر ما ذكره ابن عساكر عن صحبة التميميين لأبي عبد الله بن مجاهد وابن الباقلاني في "تبيين كذب المفتري" ص: 221. وما سيذكره بعد أسطر قليلة من المصدر نفسه ص: 390. (¬3) القائل: ابن عساكر. وهي إضافة من الشيخ. والكلام متصل بما قبله في "تبيين كذب المفتري". (¬4) في جميع النسخ: ابن. والمثبت من: تبيين كذب المفتري. وهو الصواب. وتقدم التعريف به. (¬5) تقدم التعريف به. (¬6) هو: أبو الحسن عبد العزيز بن الحارث بن أسد التميمي الحنبلي. أحد فقهاء الحنابلة، وممن صنف في الأصول والفروع والفرائض. توفي سنة 371 هـ. انظر: تاريخ بغداد -للخطيب- 10/ 461، 462. وطبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 2/ 139. وميزان الاعتدال -للذهبي- 2/ 624.

الأبهري (¬1)، شيخ المالكيين، وأبو القاسم الداركي (¬2) شيخ الشافعيين، وأبو الحسين طاهر بن الحسين (¬3) شيخ أصحاب الحديث، وأبو الحسين بن سمعون (¬4) شيخ الوعاظ والزهاد، وأبو عبد الله بن مجاهد شيخ المتكلمين، وصاحبه أبو بكر بن الباقلاني، في دار شيخنا أبي الحسن التميمي شيخ الحنابلة، قال أبو علي: لو سقط السقف عليهم لم يبق بالعراق من يفتي في حادثة يشبه واحدًا منهم. قال (¬5): وحكاية الأهوازي عن البربهاري مما يقع في صحتها التمادي وأدل دليل على بطلانه قوله: إنه لم يظهر ببغداد إلى أن خرج منها، وهو بعد إذ (¬6) صار إليها لم يفارقها ولا رحل عنها". ¬

_ (¬1) هو: أبو بكر محمَّد بن عبد الله بن محمَّد بن صالح الأبهري التميمي المالكي، إمام أصحابه في وقته، وعنه انتشر مذهب مالك في البلاد، جمع بين القراءات وعلو الإسناد، والفقه الجيد، توفي سنة 375 هـ. انظر: طبقات الفقهاء -للشيرازي- ص: 168، 169. وترتيب المدارك -للقاضي عياض- 6/ 183 - 192. (¬2) هو: أبو القاسم عبد العزيز بن عبد الله الداركي، كان فقيهًا محصلًا، وتفقه على أبي إسحاق المروزي، وانتهى إليه التدريس ببغداد، وأخذ عنه عامة شيوخ بغداد. توفي سنة 375 هـ. انظر: طبقات الفقهاء -للشيرازي- ص: 125، 126. وطبقات الشافعية -للسبكي- 3/ 330، 333. (¬3) في تبيين كذب المفتري: الحسن. ولم أقف عليه. (¬4) هو: أبو الحسين محمَّد بن أحمد بن إسماعيل بن عنبس البغدادي، المعروف بابن سمعون، شيخ زمانه ببغداد. توفي سنة 387 هـ. قال عنه ابن خلكان: لم يأت بعده في الوعاظ مثله. انظر: وفيات الأعيان -لابن خلكان- 4/ 304، 305. والوافي بالوفيات -للصفدي- 2/ 51، 52. (¬5) قال: إضافة من الشيخ. والكلام متصل بما قبله في "تبيين كذب المفتري". (¬6) في ط: أن.

الأشعرية تعلموا الكتاب والسنة من أتباع الإمام أحمد

قلت: لا ريب أن الأشعرية إنما تعلموا الكتاب والسنة من أتباع الإِمام أحمد ونحوه بالبصرة وبغداد، فإن الأشعري أخذ السنة بالبصرة عن زكريا بن يحيى (¬1) الساجي، وهو من علماء أهل الحديث المتبعين لأحمد ونحوه، ثم لما قدم بغداد أخذ عمن كان بها, ولهذا يوجد أكثر ألفاظه التي يذكرها عن أهل السنة والحديث إما ألفاظ زكريا بن يحيى الساجي التي وصف بها مذهب أهل السنة، وإما ألفاظ أصحاب الإِمام أحمد وما ينقل عن أحمد في رسائله الجامعة في السنة، وإلّا فالأشعري لم يكن له خبرة بمذهب أهل السنة وأصحاب الحديث، وإنما يعرف أقوالهم من حيث الجملة، لا يعرف تفاصيل أقوالهم وأقوال أئمتهم، وقد تصرف فيما نقله عنهم باجتهاده في مواضع يعرفها البصير. وأما خبرته بمقالات أهل الكلام فكانت خبرة تامة على سبيل التفصيل ولهذا لما صنف كتابه في مقالات (¬2) الإِسلاميين ذكر مقالات أهل الكلام واختلافهم على التفصيل، وأما أهل السنة والحديث فلم يذكر عنهم (¬3) إلّا جمل (¬4) مقالات، مع أن لهم في تفاصيل تلك الأقوال أكثر مما لأهل الكلام، وذكر الخلاف بين أهل الكلام في الدقيق (¬5)، ¬

_ (¬1) في الأصل: بن أحمد. وهو خطأ. والمثبت من: س، ط. وسوف يرد اسمه صحيحًا بعد سطرين تقريبًا. وقد تقدم التعريف به. (¬2) في الأصل: المقالات. والمثبت من: س، ط. وهو كتاب مقالات الإِسلاميين واختلاف المصلين، وقد ذكر الأشعري -فيما نقله عنه ابن عساكر في "تبيين كذب المفتري" ص: 130، 131 - أنه يستوعب جميع اختلاف ومقالات المسلمين وليس الأمر كما ذكر، فإن من يطلع على هذا الكتاب يرى صدق ما ذكره الشيخ -يرحمه الله تعالى- هنا، إذ لم يذكر عن أهل السنة - إلا جمل مقالات. (¬3) في الأصل، س: منهم. والمثبت من: ط. ولعله المناسب. (¬4) في ط: جملة. (¬5) الدقيق: ساقطة من: س.

ولم (¬1) يذكر النزاع بين أهل الحديث في الدقيق، وبينهم منازعات في أمور دقيقة لطيفة، كمسألة اللفظ، ونقصان الإيمان, وتفضيل عثمان، وبعض أحاديث الصفات، ونفي لفظ الجبر وغير ذلك من دقيق القول ولطيفه. وليس المقصود هنا مدح شخص أو طائفة ولا إطلاق ذم ذلك، فإن الصواب الذي عليه أهل السنة والجماعة أنه قد يجتمع (¬2) في الشخص الواحد والطائفة الواحدة ما يحمد به من الحسنات وما يذم به من السيئات، وما (¬3) لا يحمد به ولا يذم من المباحات، والعفو عنه من الخطأ والنسيان بحيث يستحق الثواب على حسناته ويستحق العقاب على سيئاته، بحيث لا يكون محمودًا ولا مذمومًا على المباحات والمعفوات، وهذا مذهب أهل السنة (¬4) في فساق أهل القبلة ونحوهم، وإنما يخالف في هذا الوعيدية من الخوارج والمعتزلة ونحوهم، الذين يقولون: من استحق المدح لم يستحق الذم، ومن استحق الثواب لم يستحق العقاب، ومن يستحق (¬5) العقاب لم يستحق الثواب، حتى يقولوا (¬6): إن من دخل النار لا يخرج منها بل يخلد فيها، وينكرون شفاعة محمَّد - صلى الله عليه وسلم - في أهل الكبائر قبل الدخول وبعده، وينكرون خروج أحد من النار، وقد تواترت السنن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بخروج من يخرج من النار حتى يقول الله تعالى: "أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان" (¬7). . . . ¬

_ (¬1) في س، ط: فلم. (¬2) في الأصل: يحتج. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط. (¬3) في س: وقال وهو خطأ. (¬4) فصل الشيخ القول في هذه المسألة في كتابه "الإيمان" ص: 297 - 303. (¬5) في ط: استحق. (¬6) في ط: يقولون. وهو خطأ. (¬7) الحديث مع اختلاف يسير في اللفظ جزء من حديث طويل أخرجه البخاري وغيره =

وبشفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهل الكبائر من أمته (¬1). ولهذا يكثر في الأمة من أئمة الأمراء والعلماء وغيرهم من يجتمع (¬2) فيه الأمران، فبعض الناس يقتصر على ذكرِ محاسنه ومدحه غلوًا وهوى، وبعضهم يقتصر على ذكر مساوئه وذمه غلوًا وهوى، ودين الله بين الغالي فيه والجافي عنه، وخيار الأمور أوسطها (¬3). ¬

_ = عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - وفيه أن الله يقول: "اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه". صحيح البخاري 8/ 182 كتاب التوحيد - باب قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}. وانظره في: صحيح مسلم 1/ 170 كتاب الإيمان - باب معرفة طريق الرؤية. الحديث / 302 بلفظ "ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه" وجاء بلفظ: "انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة أو خردلة من إيمان". في صحيح البخاري 8/ 201 كتاب التوحيد. باب كلام الله -عز وجل- يوم القيامة. (¬1) كما جاء في الحديث الذي رواه أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي". أخرجه أبو داود في سننه 5/ 106 كتاب السنة -باب في نفي الشفاعة - الحديث 4739. والترمذي في سننه 4/ 625 كتاب صفة القيامة - الباب رقم 11 - الحديث / 2435. وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وفي سنن ابن ماجه عن جابر - رضي الله عنه - 2/ 1441 كتاب الزهد. -باب ذكر الشفاعة- الحديث / 4310. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 10/ 378 - بعد ذكره لحديث أنس المتقدم: "رواه البزار والطبراني في الصغير والأوسط" وفي رواية فيهما: "إنما جعلت الشفاعة لأهل الكبائر من أمتي". وفيه الخزرج بن عثمان، وقد وثقه ابن حبان، وضعفه غير واحد، وبقية رجال البزار رجال الصحيح". (¬2) في الأصل: يحتج. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط. (¬3) في المثل: خير الأمور أوساطها. ويضرب في التمسك بالاقتصاد. انظر =

لا ريب أن للأشعري كلاما حسنا في الرد على أهل البدع

ولا ريب أن للأشعري (¬1) في الرد على أهل البدع كلامًا حسنًا، هو من الكلام المقبول الذي يحمد قائله إذا أخلص فيه النية، وله -أيضًا- كلام خالف فيه (¬2) بعض السنة، هو من الكلام المردود الذي يذم به قائله إذا أصر عليه بعد قيام الحجة، وإن كان الكلام الحسن لم يخلص فيه النية والكلام السيئ كان صاحبه مجتهدًا مخطئًا مغفورًا (¬3) له خطؤه، لم يكن في واحد منهما مدح ولا ذم، بل يحمد نفس الكلام المقبول الموافق للسنة، ويذم الكلام المخالف للسنة. وإنما المقصود أن الأئمة المرجوع إليهم في الدين مخالفون (¬4) للأشعري في مسألة الكلام، وإن كانوا مع ذلك معظمين له في أمور أخرى، وناهين عن لعنه وتكفيره، ومادحين له بما له من المحاسن، وبزيادة أخرى فإن هذه المسألة هي مسألة الكلام من الأمر والنهي والخبر هل له صيغة؟ أو ليس له صيغة، بل ذلك معنى قائم بالنفس، فإذا كانوا مخالفين له في ذلك، وقائلين بأن الكلام له الصيغ التي هي الحروف المنظومة المؤلفة، قائلين خلافًا للأشعري (¬5) مصرحين بأن قوله في ذلك مخالف لقول الشافعي وأحمد وسائر أئمة الإِسلام علم صحة ما ذكرناه (¬6) وقولهم: للأمر صيغة موضوعة له في اللغة تدل بمجردها على كونه أمرًا ¬

_ =: مجمع الأمثال -للميداني- 1/ 243. (¬1) في الأصل: الأشعرية. والمثبت من: س، ط. وهو المناسب للسياق. (¬2) في س، ط: به. (¬3) في س: معفو. وهو خطأ. (¬4) في الأصل، س: يخالفون. والمثبت من: ط. ولعله المناسب. (¬5) في الأصل: للأشعرية. والمثبت من: س، ط. وهو المناسب للسياق. (¬6) وللاطلاع على رأي الأشعري ومخالفيه في هذه المسألة يراجع: البرهان في أصول الفقه -لأبي المعالي الجويني- 1/ 212 فما بعدها. وإحكام الأحكام -للآمدي- 2/ 141، 142، 200 - 221.

[وللنهي صيغة موضوعة له في اللغة تدل بمجردها على كونه] (¬1) نهيًا، وللخبر صيغة موضوعة له (¬2) في اللغة تدل بمجردها على كونه خبرًا، وللعموم صيغة موضوعة له في اللغة تدل بمجردها على استغراق الجنس واستيعاب الطبقة (¬3)، أجود من قول من استدرك (¬4) ذلك عليهم كابن عقيل أن الأجود أن يقال: الأمر صيغة، قالوا: لأن الأمر والنهي والخبر هو نفس الصيغ التي هي الحروف المنظومة المؤلفة، وهذا الذي قاله وأنكره هؤلاء خطأ، وهو لو صح فإنما يصح على قول من يقول: إن الكلام مجرد الحروف والأصوات الدالة على المعنى، وليس هذا مذهب الفقهاء وأئمة الإِسلام وأهل السنة، وإن كان قد يقوله كثير ممن ينتسب إليهم كما قالته المعتزلة، بل مذهبهم أن الكلام اسم للحروف والمعاني جميعًا، والأمر ليس هو اللفظ المجرد ولا المعنى المجرد، بل لفظ الأمر إذا أطلق فإنه ينتظم اللفظ والمعنى جميعًا، فلهذا قيل للأمر: صيغة، كما يقال للإنسان: جسم أو للإنسان روح، كما (¬5) يقال للكلام: معنى وللكلام حروف. وأما ما ذكره أبو القاسم الدمشقي (¬6) من أن هذه المسألة خالف فيها أبو إسحاق الأشعري (¬7). فيقال له: هذه المسألة هي أخص مذهب الأشعري التي يكون ¬

_ (¬1) ما بين النجمتين ساقط من: س. (¬2) له: ساقطة من: س. (¬3) في ط: الطبيعة. وهو خطأ. (¬4) في الأصل: استدارك. والمثبت من: س، ط. وهو المناسب للسياق. (¬5) في ط: وكما. (¬6) في "تبيين كذب المفتري" ص: 277، حيث ذكر أن أبا إسحاق الشيرازي يرى أن للأمر صيغة، مخالفًا بذلك رأي الأشعري في هذه المسألة. (¬7) في الأصل، ط: للأشعري. والمثبت من: ط. ولعله المناسب.

(فصل) مذهب الأشعري وطبقته ومن بعده إثبات الصفات الخبرية

الرجل بها مختصًّا بكونه أشعريًّا، ولهذا ذكر العلماء الخلاف فيها معه، وأما سائر المسائل فتلك لا يختص هو بأحد الطرفين بها، بل في كل طرف طوائف (¬1)، فإذا خالفه في خاصة مذهبه لزم (¬2) أن لا يكون متبعًا له، وأيضًا فإنه إذا قال: "أصحابنا" فإنما يعني الشافعية، وإذا ذكر الأشعري فإنه يقول: قالت الأشعرية، فلا يدخلهم في مسمى أصحابه، ولكن أبو القاسم كان له هوى، ولم تكن له معرفة بحقائق الأصول التي تنازع (¬3) فيها العلماء، ولكن كان ثقة في نقله، عالمًا بفنه، كالتاريخ ونحوه. فصل ومذهب الأشعري نفسه وطبقته كأبي العباس القلانسي (¬4) ونحوه، ومن قبله من أئمته كأبي محمَّد عبد الله بن سعيد بن كلاب (¬5)، ومن بعده من أئمة أصحابه الذين أخذوا عنه، كأبي عبد الله بن مجاهد (¬6) شيخ القاضي أبي بكر بن الباقلاني، وأبي الحسن الباهلي (¬7) شيخ ابن ¬

_ (¬1) في س: في طرف طوائف. . وفي ط: في كل طريق طوائف. . (¬2) في ط: لزمه. (¬3) في س، ط: يتنازع. (¬4) هو: أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن خالد القلانسي الرازي. تقدم التعريف به ص: 660. (¬5) تقدم التعريف به. (¬6) تقدم التعريف به. (¬7) هو: أبو الحسن الباهلي البصري، شيخ المتكلمين وتلميذ أبي الحسن الأشعري وكان يقول فيما نقله عن ابن عساكر: "كنت أنا في جنب الشيخ الأشعري كقطرة في جنب البحر". توفي -كما يقول الصفدي- في حدود سنة 370 هـ. انظر: تبيين كذب المفتري -لابن عساكر- ص: 178. وسير أعلام النبلاء =

الباقلاني، وأبي إسحاق الإسفرائيني (¬1)، وأبي بكر بن فورك (¬2)، وكأبي الحسن علي بن مهدي الطبري (¬3) صاحب التأليف في تأويل الأحاديث المشكلات الواردة بالصفات ونحوهم. والطبقة الثانية التي أخذت عن أصحابه كالقاضي أبي بكر إمام الطائفة، وأبي بكر بن فورك، وأبي إسحاق الإسفرائيني، وأبي علي بن شاذان (¬4)، وغير هؤلاء، إثبات الصفات الخبرية التي جاء بها القرآن والسنن (¬5) المتواترة، كاستوائه على العرش والوجه واليد ومجيئه يوم القيامة وغير ذلك، وقد رأيت كلام كل من ذكرته من هؤلاء يثبت هذه الصفات، ومن لم أذكره -أيضًا- وكتبهم وكتب من نقل عنهم مملوءة بذلك وبالرد على من يتأول هذه الصفات والأخبار بأن تأويلها طريق الجهمية والمعتزلة، وذلك (¬6) نحو ما ذكره الأشعري في كتابه كتاب "الإبانة الذي يذكر أصحابه أنه آخر مصنفاته، وفي غيره من مصنفاته كتابي ¬

_ = -للذهبي- 16/ 304، 305. والوافي بالوفيات -للصفدي- 12/ 312. (¬1) تقدم التعريف به. (¬2) تقدم التعريف به. (¬3) تقدم التعريف به. (¬4) هو: أبو علي الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن شاذان البزاز -مسند العراق، حدث عنه الخطيب البغدادي، والبيهقي، والشيرازي وغيرهم توفي سنة 426 هـ. قال الخطيب: "كتبنا عنه وكان صدوقًا صحيح الكتاب، وكان يفهم الكلام على مذهب الأشعري". انظر: تاريخ بغداد -للخطيب- 7/ 279، 280. وسير أعلام النبلاء -للذهبي- 17/ 415 - 418. والجواهر المضيئة -للقرشي- 2/ 38، 39. (¬5) في س، ط: أو السنن. (¬6) في س، ط: انتهى الكتاب. لكن جاء في ط: ". . والمعتزلة ونحو ذلك" وما بعد ذلك فمن الأصل وحده.

"المقالات"، وكما ذكره هو في كتاب "العمد" (¬1)، وقد ذكر ذلك أبو بكر بن فورك في أخباره (¬2)، ونقله عنه أبو القاسم بن عساكر (¬3) فقال: "انتقل الشيخ أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري من مذاهب المعتزلة" (¬4). والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين، وليعلم أن هذا آخر ما وجدنا من هذا التأليف المفيد، وهو للإمام بل إمام الأئمة، والمجدد سنة سيد المرسلين لهذه الأمة، مبيد أقران الباطل في كل حال، ومبدي ما ستروا من عيوبهم بزخرفة القيل والقال أبو العباس أحمد بن تيمية، سقى الله بوابل الرحمة ثراه، وجعل الجنة منقلبه ومثواه، وقد تم بعون الله نهار الرابع والعشرين من شهر جمادى سنة 1223 هـ فمن هجرته [عليه وسلم] (¬5). ... ¬

_ (¬1) ذكر ابن عساكر في "تبيين كذب المفتري" ص: 128 أنه هو كتاب "العمد في الرؤية"، وقد ذكر فيه الأشعري كتبه التي ألفها حتى سنة 320 هـ. تقول الدكتورة فوقية حسين في المقدمة لكتاب الإبانة -لأبي الحسن الأشعري - ص: 41: "ونرجح أن يكون المقصود بالرؤية هنا تبيين أصول الوقفة الصحيحة التي تكشف عن انتمائه إلى السلف الصالح، وتكون كتبه التي ضمنها هذا المصنف دليل على ذلك". (¬2) انظر: مجرد مقالات أبي الحسن الأشعري من إملاء أبي بكر بن فورك ص: 41. (¬3) في تبيين كذب المفتري ص: 127. (¬4) انتهى الكتاب في الأصل. وما بعده من هامش الأصل، وهو بخط الناسخ نفسه. (¬5) ما بين المعقوفتين غير واضح في الأصل. وأثبته لإتمام الكلام.

فهرس المراجع

فهرس المراجع (أ) 1 - الآداب السامية: محمد عطية الأبراشي: ط / 1 - القاهرة - دار إحياء الكتب العربية للطباعة والنشر - 1978 م. 2 - الآيات البينات في عدم سماع الأموات عند الحنفية السادات. نعمان بن محمد الألوسي - تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني - ط / 3 - 1402 هـ. 3 - الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير. أبو عبد الله الحسين بن إبراهيم الجوزقاني - تحقيق: عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي - ط / 1 - بنارس الهند - إدارة البحوث الإسلامية - 1403 هـ / 1983 م. 4 - الإبانة عن أصول الديانة: أبو الحسن الأشعري: تحقيق: د. صالح الفوزان - الرياض - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. 5 - الإبانة عن أصول الديانة: أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري. تحقيق: عبد القادر الأرناؤوط - ط / 1 - دمشق - مكتبة دار البيان - 1401 هـ / 1981 م. 6 - إبطال التأويلات لأخبار الصفات. القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين بن محمد بن الفراء - مصورة عن مكتبة السيد صبحي البدري السامرائي - بغداد. 7 - أبكار الأفكار (مخطوط): أبو الحسن علي بن أبي علي بن محمد الآمدي. دار الكتب المصرية - القاهرة. 8 - إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين: الزبيدي. 9 - اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية. أبو بكر بن قيم الجوزية - ط / 1 - بيروت - دار الكتب العلمية - 1404 هـ / 1984 م.

10 - الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان. أبو الحسن علي بن بلبان الفارسي - ط / 1 - بيروت - دار الكتب العلمية - 1407 هـ. 11 - الأحكام في أصول الأحكام. أبو الحسن علي بن أبي علي بن محمد الآمدي - ط / 1 - الرياض - مؤسسة النور للطباعة والتجليد - 1387 هـ. 12 - إحياء علوم الدين: أبو حامد محمد بن محمد الغزالي. بيروت - دار المعرفة. 13 - أدب الإملاء والاستملاء: أبي سعد عبد الكريم بن محمد السمعاني. بيروت - دار الكتب العلمية - 1401 هـ. 14 - الأربعين في أصول الدين: أبو حامد محمد بن محمد الغزالي. ط / 2 - بيروت - دار الآفاق الجديدة - 1979 م. 15 - الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد. أبو المعالي عبد الملك الجويني - تحقيق: محمد يوسف موسى - وعلي عبد المنعم عبد الحميد - مصر - مكتبة الخانجي - 1369 هـ / 1950 م. 16 - أساس التقديس في علم الكلام. أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسين الرازي - القاهرة - مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده - 1354 هـ / 1935 م. 17 - الاستقامة: أحمد بن عبد الحليم بن تيمية. تحقيق: د. محمد رشاد سالم - ط / 1 - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - الرياض - 1403 هـ / 1983 م. 18 - الإسراء والمعراج: عبد الملك بن هشام. شرح: الإمام السهيلي، تحقيق: مشاهير المحققين. القاهرة - مطابع دار الشعب. 19 - أسماء مؤلفات الشيخ ابن تيمية: لابن قيم الجوزية. تحقيق: صلاح الدين المنجد - ط / 3 بيروت - دار الكتاب الجديد - 1976 م. 20 - الأسماء والصفات: أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي. تصحيح وتعليق: محمد زاهد الكوثري - بيروت - دار إحياء التراث العربي.

21 - الأسنى في أسماء الله الحسنى وصفاته العلى. (ميكروفيلم). أبو عبد الله القرطبي - الرياض - المكتبة المركزية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - رقم 228 - 230. 22 - الأشعري (أبو الحسن): حمودة غرابة. القاهرة: مطبعة الرسالة. 23 - الإصابة في تمييز الصحابة: أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني بيروت - دار صادر. 24 - أصل الشيعة وأصولها: محمد حسين آل كاشف الغطاء. ط / 4 - بيروت مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - 1402 هـ / 1982 م. 25 - أصول أهل السنة والجماعة: أبو الحسن الأشعري. تحقيق: محمد السيد الجليند. القاهرة - مكتبة التقدم. 26 - أصول الدين: أبو منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي. ط / 1 - استانبول - مدرسة الإلهيات بدار الفنون التركية - 1346 هـ / 1927 م. 27 - أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن. محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي. بيروت - عالم الكتب. 28 - اعتقادات فرق المسلمين والمشركين: محمد بن عمر الخطيب الرازي. (مع) ذيل كتاب المرشد الأمين إلى اعتقادات فرق المسلمين والمشركين. تأليف: طه عبد الرؤوف سعد، ومصطفى الهواري - القاهرة - مكتبة الكليات الأزهرية - 1398 هـ / 1978 م. 29 - الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد. أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي - تحقيق: أحمد - عصام الكاتب - ط / 1 - بيروت - دار الآفاق الجديدة. 1401 هـ / 1981 م. 30 - الأعلام: خير الدين الزركلي. ط / 3 - بيروت - 1389 هـ / 1969 م. 31 - الأعلام العلمية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية. أبو حفص عمر بن علي البزار - تحقيق: صلاح الدين المنجد - ط / 1 بيروت - دار الكتاب الجديد - 1396 هـ.

32 - أعلام الموقعين عن رب العالمين: أبو عبد الله محمد بن أبي بكر. المعروف بابن قيم الجوزية - مراجعة: طه عبد الرؤوف. بيروت - دار الجيل للنشر والتوزيع والطباعة. 33 - أعلام النساء: عمر رضا كحالة. ط / 5 - بيروت - مؤسسة الرسالة - 1404 هـ / 1984 م. 34 - أقاويل الثقات في تأويل الأسماء والصفات. مرعي بن يوسف الكرمي المقدسي الحنبلي - تحقيق: شعيب الأرناؤوط - ط / 1 - بيروت - مؤسسة الرسالة - 1406 هـ / 1985 م. 35 - الاقتصاد في الاعتقاد: أبو حامد محمد الغزالي. تقديم: عادل العوا - ط / 1 - بيروت - دار الأمانة - 1388 هـ / 1969 م. 36 - اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم. أحمد بن عبد الحليم بن تيمية - تحقيق: ناصر بن عبد الكريم العقل - ط / 1 - الرياض - مكتبة الرشد. 37 - الأم: محمد بن إدريس الشافعي. ط / 2 - بيروت - دار المعرفة - 1393 هـ / 1973 م. 38 - الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء. يوسف بن عبد البر - بيروت - دار الكتب العلمية. 39 - الأنساب: أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني. ط / 1 - الهند - مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن - 1382 هـ / 1962 م. 40 - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل. لأبي الحسن علي بن سليمان المرداوي - صححه وحققه: محمد حامد الفقي - ط / 2 - دار إحياء التراث العربي - 1406 هـ / 1986 م. 41 - الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به. أبو بكر بن الطيب الباقلاني. تحقيق: محمد زاهد الكوثري ط / 2 - القاهرة - مؤسسة الخانجي - 1382 هـ / 1963 م. 42 - إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون. إسماعيل باشا بن محمد أمين بن مير سليم - بيروت - دار الفكر - 1402 هـ / 1982 م. 43 - الإيمان: أحمد بن عبد الحليم بن تيمية. دمشق - منشورات المكتب الإسلامي - 1381 هـ.

(ب)

44 - الإيمان: أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة العبسي. تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني. 45 - الإيمان: أبو عبيد القاسم بن سلام. تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني. 46 - الإيمان: محمد بن إسحاق بن يحيى بن مندة. تحقيق: علي بن محمد بن ناصر الفقيهي - ط / 1 - المدينة المنورة - الجامعة الإسلامية - 1401 هـ / 1981 م. (ب) 47 - الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث. أبو الفدا إسماعيل بن كثير - مكتبة المعارف - الرياض. 48 - بحوث في تاريخ السنة المشرفة. أكرم ضياء العمري - ط / 4 - 1405 هـ. 49 - البداية والنهاية: أبو الفدا إسماعيل بن كثير. تحقيق: محمد عبد العزيز النجار - القاهرة - مطبعة الفجالة الجديدة. 50 - البرهان في أصول الفقه: أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني. تحقيق: عبد العظيم الديب - ط / 2 - القاهرة - دار الأنصار - 1400 هـ. 51 - البرهان في عقائد أهل الأديان. تحقيق: د. علي بن حسن ناصر. 52 - البرهان في علوم القرآن: بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي. تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم - ط / 3 - الرياض - الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد. 1400 هـ / 1980 م. 53 - بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية. أحمد عبد الحليم بن تيمية - تعليق: محمد بن عبد الرحمن القاسم - ط / 1 - مكة المكرمة - مطبعة الحكومة - 1391 هـ. (ت) 54 - تاج العروس في جواهر القاموس. أبو الفيض السيد محمد مرتضى الحسيني الواسطي الزبيدي - ط / 1 - مصر - المطبعة الخيرية - 1306 هـ.

55 - تاريخ الأدب العربي: كارل بروكلمان. ط / 4 - القاهرة - دار المعارف. 56 - تاريخ بغداد أو مدينة السلام: أبو بكر بن علي الخطيب البغدادي. بيروت، دار الكتب العلمية. 57 - تاريخ التراث العربي: فؤاد سزكين. الرياض - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - 1403 هـ / 1983 م. 58 - تاريخ الثقات: أحمد بن عبد الله بن صالح أبي الحسن العجلي. تعليق عبد المعطي قلعجي - ط / 1 - بيروت - دار الكتب العلمية - 1405 هـ / 1984 م. 59 - تاريخ الطبري: أبو جعفر محمد بن جرير الطبري. تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم - ط / 2 - دار المعارف. 1976 م. 60 - تاريخ الفلسفة اليونانية: يوسف كرم. القاهرة - مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر - 1365 هـ. 61 - تاريخ اللغات السامية: إسرائيل ولفنسون. ط / 1 - القاهرة - مطبعة الاعتماد - 1348 هـ. 62 - التبصير في الدين: أبو المظفر ظاهر بن محمد الإسفراييني. تحقيق: كمال يوسف الحوت - ط / 1 - بيروت - عالم الكتب. 1403 هـ / 1983 م. 63 - تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري. علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر - بيروت - القدس 1399 هـ / 1979 م. 64 - تاريخ التشريع الإسلامي: مناع القطان - طبعة أولى - مكتبة المعارف. 65 - تجريد التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد. يوسف بن عبد البر - بيروت - مكتبة القدس. 66 - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي: جلال الدين السيوطي تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف - القاهرة - مطبعة السعادة. 67 - تذكرة الحفاظ: الذهبي. بيروت - دار إحياء التراث العربي.

68 - التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة: محمد بن أحمد القرطبي. تحقيق: أحمد حجازي السقا - القاهرة - مكتبة الكليات الأزهرية - 1400 هـ / 1980 م. 69 - ترتيب المدارك: القاضي عياض بن موسى بن عياض. تحقيق محمد بن تاويت الطنجي - ط / 2 - المغرب وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - 1403 هـ / 1983 م. 70 - التعرف لمذهب أهل التصوف: محمد الكلاباذي. بيروت - دار الكتب العلمية - 1400 هـ / 1980 م. 71 - التعريفات: الشريف علي بن محمد الجرجاني. ط / 1 - بيروت - دار الكتب العلمية - 1403/ 1983 م. 72 - تغليق التعليق: ابن حجر العسقلاني. تحقيق: سعيد عبد الرحمن القزقي. 73 - تفسير ابن كثير - المسمى تفسير القرآن العظيم. أبو الفدا إسماعيل بن كثير - بيروت - دار المعرفة - 1403 هـ / 1983 م. 74 - تفسير القاسمي المسمى محاسن التأويل: محمد جمال الدين القاسمي. تعليق: محمد فؤاد عبد الباقي - ط / 2 - بيروت دار الفكر - 1398 هـ. 75 - التفسير الكبير: أبو عبد الله محمد بن عمر بن حسين - الملقب بـ فخر الدين الرازي - ط / 3 - بيروت - دار إحياء التراث العربي. 76 - التمهيد: أبو بكر محمد بن الطيب بن الباقلاني. بيروت - المكتبة الشرقية - 1957 م. 77 - التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد. يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر - تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي ومحمد بن عبد الكبير البكري - المغرب وزارة عموم الأوفاف والشؤون الإسلامية - 1387 هـ / 1967 م. 78 - التوحيد الذي هو حق الله على العبيد. محمد بن عبد الوهاب. 79 - التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع. محمد بن أحمد بن عبد الرحمن الملطي - بغداد - مكتبة المثنى - 1388 هـ / 1968 م. 80 - تهذيب الأسماء واللغات: محيي الدين بن شرف النووي. بيروت - دار الكتب العلمية.

(ج)

81 - تهذيب تاريخ دمشق الكبير. علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر - بيروت - دار المسيرة - 1399 هـ / 1979 م. 82 - تهذيب التهذيب: لا بن حجر العسقلاني. بيروت - دار صادر. 83 - التوحيد وإثبات صفات الرب: محمد بن إسحاق بن خزيمة. راجعه وعلق عليه: محمد خليل هراس - بيروت - دار الكتب العلمية - 1403 هـ / 1983 م. 84 - كتاب التوحيد: أبو منصور محمد بن محمد الماتريدي. تحقيق: فتح الله خليف - الإسكندرية - دار الجامعات المصرية. 85 - ابن تيمية - حياته وعصره وآراؤه وفقه. القاهرة - دار الفكر العربي. (ج) 86 - جامع الأصول في أحاديث الرسول. أبو السعادات المبارك محمد بن الأثير الجزري - تحقيق: عبد القادر الأرناؤوط - نشر وتوزيع مكتبة الحلواني - مطبعة الملاح - مكتبة دار البيان. 87 - جامع بيان العلم وفضله: أبو عمر يوسف بن عبد البر. بيروت - دار الفكر. 88 - جامع البيان عن تأويل آي القرآن - المشهور بتفسير الطبري. أبو جعفر محمد بن جرير الطبري - ط / 3 - القاهرة - شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده - مصر - 1388 هـ / 1968 م. 89 - جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثًا من جوامع الكلم. أحمد بن رجب الحنبلي - الرياض - مكتبة الرياض الحديثة. 90 - الجامع لأحكام القرآن المعروف بتفسير القرطبي. أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي - ط / 3 - دار الكتاب العربي للطباعة والنشر. 1387 هـ / 1967 م. 91 - الجرح والتعديل: أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي. ط / 1 - الهند - مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية - بحيدر آباد الدكن. 92 - الجمع بين رجال الصحيحين "بخاري ومسلم". أبو الفضل محمد بن طاهر بن علي المقدسي المعروف بابن القيسراني - ط / 2 - بيروت - دار الكتب العلمية - 1405 هـ.

(ح)

93 - جواب أهل العلم والإيمان أن {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن: لابن تيمية. 94 - الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح: لابن تيمية. القاهرة - مطبعة المدني - 1383 هـ / 1964 م. 95 - الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية. أبو محمد بن عبد القادر بن أبي الوفا القرشي - تحقيق: عبد الفتاح محمد الحلو - القاهرة - مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه - 1398 هـ / 1978 م. (ح) 96 - حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح: لابن قيم الجوزية. ط / 3 - مكة المكرمة - مكتبة النهضة الحديثة - 1392 هـ / 1972 م. 97 - حاشية الروض المربع شرح زاد المستنقع. عبد الرحمن بن محمد بن قاسم - ط / 1 - 1397 هـ. 98 - حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة. جلال الدين السيوطي - تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم - ط / 1 - القاهرة - دار إحياء الكتب العربية - 1387 هـ. 99 - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء: أبو نعيم أحمد عبد الله الأصفهاني. بيروت - دار الكتب العلمية. 100 - حياة شيخ الإسلام ابن تيمية: محمد بهجت البيطار. بيروت - المكتب الإسلامي - 1380 هـ. 101 - الحيدة: عبد العزيز الكناني. تحقيق: جميل صليبا - دمشق، المجمع العلمي العربي سنة 1384 هـ. (خ) 102 - خطبة الحاجة: محمد ناصر الدين الألباني. 103 - الخطوط العريضة للأسس التي قام عليها دين الشيعة الإمامية الأثنى عشرية: محب الدين الخطيب. مؤسسة مكة للطباعة والأعلام. 104 - خلاصة تذهيب تهذيب الكمال: أحمد بن عبد الله الخزرجي. ط / 2 - بيروت - مكتب المطبوعات الإسلامية - 1391 هـ / 1971 م.

(د)

105 - خلق آدم على صورة الرحمن (¬1). للشيخ حمود بن عبد الله التويجري. دار اللواء - الرياض - 1407 ط / 1. 106 - خلق أفعال العباد: محمد بن إسماعيل البخاري. تحقيق: عبد الرحمن عميرة - ط / 2 - جدة - دار عكاظ. (د) 107 - الدارس في تاريخ المدارس: للنعيمي. 108 - دائرة المعارت الإسلامية: مجموعة من المؤلفين. القاهرة - دار الشعب - ط / 2. 109 - دائرة معارف القرن العشرين: محمد فريد وجدي. ط / 2 - القاهرة - مطبعة دائرة معارف القرن العشرين 1342 هـ. 110 - الدر المنثور في التفسير المأثور: جلال الدين السيوطي - ط / 1. بيروت - دار الفكر - 1403 هـ / 1983 م. بيروت - دار المعرفة للطباعة والنشر. 111 - درء التعارض العقل والنقل: ابن تيمية. تحقيق: محمد رشاد سالم - ط / 1 - الرياض - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - 1403 هـ / 1983 م. 112 - الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة: ابن حجر العسقلاني. تحقيق: محمد سيد جاد الحق - ط / 2 - القاهرة - دار الكتب الحديثة - 1385 هـ / 1966 م. 113 - دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة. أحمد بن الحسين البيهقي - ط / 1 - بيروت - دار الكتب العلمية - 1405 هـ / 1985 م. 114 - الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب: لإبراهيم بن علي بن محمد بن فرحون المالكي - 1351 هـ - القاهرة. 115 - ديوان امرئ القيس. تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم - ط / 4 - دار المعارف - 1984 م. القاهرة. (ذ) 116 - ذكر محنة الإمام أحمد بن حنبل. ¬

_ (¬1) وهو كتاب عقيدة أهل الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن.

(ر)

جمع: أبي عبد الله حنبل بن إسحاق بن حنبل - تحقيق: محمد نغش - ط / 2 / - 1403 هـ / 1983 م. 117 - ذم الكلام (مخطوط): أبو إسماعيل الأنصاري الهروي. مصور بقسم المخطوطات بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - برقم 5992. مصور عن الظاهرية بدمشق تحت رقم 1128. 118 - الذيل على طبقات الحنابلة. أبي الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين أحمد بن رجب الحنبلي - بيروت - دار المعرفة. (ر) 119 - رد الدارمي عثمان بن سعيد على بشر المريسي العنيد. تحقيق: محمد حامد الفقي - باكستان - حديث أكادمي - 1402 هـ / 1982 م. 120 - الرد على الجهمية والزنادقة: أحمد بن حنبل. تحقيق: عبد الرحمن عميرة - الرياض - دار اللواء - 1397 هـ / 1977 م. القاهرة - قصي محب الدين الخطيب - 1399 هـ. 121 - الرد على الجهمية: الإمام الحافظ ابن مندة. تحقيق: علي بن محمد ناصر الفقيهي - ط / 1. 1401 هـ / 1981 م. 122 - الرد على الجهمية: عثمان بن سعيد الدارمي. تحقيق: زهير الشاويش - ط / 3 - بيروت - المكتب الإسلامي - 1398 هـ / 1978 م. 123 - الرد على الرافضة: أبو حامد محمد المقدسي. تحقيق: عبد الوهاب خليل الرحمن - ط / 1 - الهند. الدار السلفية - 1403 هـ / 1983 م. 124 - الرد على الرافضة: محمد بن عبد الوهاب. تحقيق: ناصر بن سعد الرشيد - الرياض - دار طيبة للنشر والتوزيع. 125 - الرد على المنطقيين: ابن تيمية. ط / 2 - باكستان - إدارة ترجمان السنة - 1392 هـ / 1972 م.

(ز)

126 - الرسالة: الإمام المطلبي محمد بن إدريس الشافعي. تحقيق: أحمد محمد شاكر - ط / 2 - القاهرة - مكتبة دار التراث - 1399 هـ / 1979. 127 - الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة. محمد بن جعفر الكتاني - ط / 2 - بيروت - دار الكتب العلمية - 1400 هـ. 128 - رسائل العدل والتوحيد: الحسن البصري وآخرون. دراسة وتحقيق: محمد عمارة - القاهرة - دار الهلال - 1971 م. 129 - الروح في الكلام على أرواح الأموات والأحياء. لشمس الدين أبي عبد الله بن قيم الجوزية - ط / 3 - الرياض - مكتبة الرياض الحديثة - 1386 هـ / 1966 م. 130 - الرد على من أنكر الحرف والصوت. لأبي نصر عبيد الله بن سعيد بن حاتم الوايلي السجزي. تحقيق ودراسة: محمد باكريم باعبد الله - رسالة ماجستير. 1403/ 1404 هـ / طبع على الآلة الكاتبة. 131 - الرسالة التدمرية: ابن تيمية. الرياض - مكتبة الرياض الحديثة. 132 - رسائل في العقيدة: محمد صالح العثيمين. ط / 2 - الرياض - مكتبة المعارف - 1404 هـ / 1983 م. 133 - الروض المعطار في خبر الأقطار (معجم جغرافي). محمد عبد المنعم الحميري - تحقيق: إحسان عباس - ط / 2 - بيروت - مكتبة لبنان - 1984 م. 134 - روضة الناظر وجنة المناظر: ابن قدامة المقدسي. القاهرة - المطبعة السلفية ومكتبتها - 1391 هـ. 135 - الروضة الندية شرح العقيدة الواسطية. زيد بن عبد العزيز بن فياض - ط / 2 - الرياض - مكتبة الرياض الحديثة. (ز) 136 - زاد المسير في علم التفسير: عبد الرحمن بن علي بن الجوزي. ط / 3 - بيروت - المكتب الإسلامي - 1404 هـ / 1984 م. 137 - الزندقة والزنادقة: عاطف شكري أبو عوض. الأردن - عمان - دار الفكر.

(س)

138 - الزهد -: أحمد بن حنبل. الإسكندرية - دار عمر بن الخطاب للنشر والتوزيع. (س) 139 - السريانية - نحوها وصرفها: زاكية محمد رشدي. ط / 2 - دار الثقافة للطباعة والنشر - القاهرة - 1980 م. 140 - سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة. تخريج: محمد ناصر الدين الألباني - ط / 3 - الرياض - مكتبة المعارف. 141 - سنن ابن ماجة: محمد بن يزيد القزويني بن ماجة. تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي - القاهرة - عيسى البابي الحلبي وشركاه. 142 - سنن أبي داود: أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني الآذدي. إعداد وتعليق: عزت عبيد الدعاس - حمص - دار الحديث ط / 1 - 1388 هـ / 1969 م. 143 - سنن الترمذي: أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي. تحقيق: أحمد محمد شاكر - دار إحياء التراث العربي. 144 - سنن الدارمي: أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي. تحقيق: السيد عبد الله هاشم يماني المدني - باكستان - 1404 هـ / 1984 م. 145 - السنن المأثورة: الإمام محمد بن إدريس الشافعي. رواية: أبي جعفر الطحاوي - بيروت - دار المعرفة. 146 - السنة: عبد الله بن أحمد بن حنبل. مكة المكرمة - المطبعة السلفية ومكتبتها - 1349 هـ. 147 - السنة: عمرو بن أبي عاصم الضحاك الشيباني. ط / 1 - بيروت - المكتب الإسلامي - 1400 هـ / 1980 م. (مع) ظلال الجنة في تخريج السنة: محمد ناصر الدين الألباني. 148 - سير أعلام النبلاء: محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي. تحقيق: شعيب الأرناؤوط وآخرين - ط / 2 - بيروت - مؤسسة الرسالة - 1402 هـ / 1982 م. 149 - سيرة الإمام أحمد بن حنبل: صالح بن أحمد بن حنبل. تحقيق: فؤاد عبد المنعم أحمد - الإسكندرية - مؤسسة شباب الجامعة - 1401 هـ.

(ش)

150 - سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم -: أبو محمد عبد الملك بن هشام. ضبط وتعليق: محمد محيي الدين عبد الحميد - الرياض - رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد. 151 - سيرة ومناقب عمر بن عبد العزيز - الخليفة الزاهد. أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي - تعليق: نعيم زرزور ط / 1 - بيروت - دار الكتب العلمية 1404 هـ / 1984 م. (ش) 152 - الشامل في أصول الدين: إمام الحرمين عبد الملك الجويني. تحقيق: علي سامي النشار - فيصل بدير عون - سهير محمد مختار - الإسكندرية - منشأة المعارف - 1969 م. 153 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب. أبو الفلاح عبد الحي بن العماد - ط / 2 - بيروت - دار المسيرة - 1399 هـ / 1979 م. 154 - شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة. أبو القاسم اللالكائي - تحقيق: أحمد سعد حمدان - الرياض - دار طيبة للنشر والتوزيع. 155 - شرح الأصول الخمسة: للقاضي عبد الجبار بن أحمد. تحقيق: عبد الكريم عثمان - ط / 1 - القاهرة - مكتبة وهبة - 1384 هـ / 1965 م. 156 - شرح جوهرة التوحيد المسمى إتحاف المريد بجوهرة التوحيد. عبد السلام بن إبراهيم اللقاني - ط / 1 - القاهرة - المكتبة التجارية الكبرى - 1369 هـ / 1949 م. 157 - شرح السنة: الحسين بن مسعود البغوي. تحقيق: شعيب الأرناؤوط ومحمد زهير الشاويش - ط / 2 - بيروت - المكتب الإسلامي - 1403 هـ / 1983 م. 158 - شرح العقيدة الطحاوية: علي بن علي بن محمد بن أبي العز الحنفي. تحقيق: جماعة من العلماء - ط / 4 - بيروت - المكتب الإسلامي - 1391 هـ.

(ص)

159 - شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري. عبد الله بن محمد الغنيمان - ط / 1 - المدينة المنورة - مكتبة الدار. 160 - شرح المقاصد: سعد الدين التفتازاني. طبع الأستانة - 1305 هـ. 161 - شرح المواقف: علي بن محمد الجرجاني. ط / 1 - مصر - مطبعة السعادة - 1325 هـ. 162 - الشرح والإبانة على أصول السنة والديانة. عبيد الله محمد بن بطة - تحقيق: رضا بن نعسان معطى - مكة المكرمة - المكتبة الفيصلية - 1404 هـ / 1984 م. 163 - الشريعة: أبي بكر محمد بن الحسين الآجري. تحقيق: محمد حامد الفقي - ط / 1 - باكستان - حديث أكادمي - 1403 هـ / 1983 م. 164 - الشفا بتعريف حقوق المصطفى: القاضي عياض. تحقيق: محمد أمين قرة علي - وآخرين، ط / 3 - عمان - دار الفيحاء، 1407 هـ / 1986 م. 165 - شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل. أبو عبد الله محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية. ط / 1 - الرياض - مكتبة الرياض الحديثة - 1323 هـ. 166 - شيخ الإسلام ابن تيمية: محمد كرد علي. ط / 2 - دمشق - 1391 هـ. 167 - الشيعة في الميزان: محمد جواد مغنية. بيروت - دار الشروق. (ص:) 168 - صحيح البخاري: محمد بن إسماعيل البخاري. استانبول - المكتب الإسلامي - 1315 هـ. 169 - صحيح الجامع الصغير وزياداته (الفتح الكبير). محمد ناصر الدين الألباني - ط / 3 - بيروت - المكتب 1402 هـ / 1982 م.

(ض)

170 - صحيح مسلم: أبو الحسين مسلم بن الحجاج. تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي - ط / 1 - القاهرة - دار إحياء الكتب العربية - 1374 هـ / 1955 م. 171 - صحيح مسلم بشرح النووي: للإمام محي الدين بن شرف. دار الفكر - بيروت ط 2 - 1392 هـ. 172 - الصفدية: أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية. تحقيق: د. محمد رشاد سالم - الرياض - شركة مطابع حنيفة - 1396 هـ / 1976 م. 173 - صون المنطق والكلام عن فن المنطق والكلام. عبد الرحمن بن أبي بكر الجلال السيوطي - (يليه): مختصر السيوطي لكتاب نصيحة أهل الإيمان في الرد على منطق اليونان. تعليق: علي سامي النشار. بيروت - دار الكتب العلمية. (ض) 174 - ضحى الإسلام: أحمد أمين. ط / 1 - بيروت - دار الكتاب العربي. (ط) 175 - طبقات الحنابلة: أبو الحسين محمد بن أبي يعلى. بيروت - دار المعرفة للطباعة والنشر. 176 - طبقات الشافعية. أبو بكر أحمد بن محمد بن عمر بن محمد تقي الدين بن قاضي شهبة - ط / 1 - حيدر أباد الدكن - الهند - مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية - 1398 هـ / 1978 م. 177 - طبقات الشافعية: عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي. تحقيق: محمود محمد الطناحي، وعبد الفتاح محمد الحلو - ط / 1 - عيسى البابي الحلبي وشركاه - القاهرة - 1983 هـ / 1964 م. 178 - طبقات الفقهاء: أبو إسحاق الشيرازي. بيروت - دار القلم. 179 - الطبقات الكبرى: محمد بن سعد. بيروت - دار صادر.

(ع)

180 - طبقات المفسرين: محمد بن علي بن أحمد الداوودي. ط / 1 - بيروت - دار الكتب العلمية - 1403 هـ / 1983 م. 181 - طريق الهجرتين وباب السعادتين. أبو عبد الله محمد بن أبي بكر. دار الكتاب العربي - 1404 هـ / 1984 م. (ع) 182 - العبر في خبر من غبر: أبو عبد الله محمد بن أحمد الذهبي. تحقيق: أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول - ط / 1 - بيروت - دار الكتب العلمية - 1405 هـ / 1985 م. 183 - عقائد الإمامية الإثنى عشرية: السيد إبراهيم الموسوي الرنجاني. ط / 2 - بيروت - مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - 1393 هـ / 1973 م. 184 - عقائد السلف للأئمة أحمد بن حنبل والبخاري وابن قتيبة الدارمي. علي سامي النشار، وعمار جمعي الطالبي - الإسكندرية - منشأة المعارف - 1971 م. 185 - العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية. أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الهادي - تحقيق: محمد حامد الفقي - بيروت - دار الكتب العلمية. 186 - عقيدة أهل السنة والجماعة: الطحاوي. تعليق: الشيخ محمد نافع. 187 - العقيدة النظامية في الأركان الإسلامية. أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني - تحقيق وتعليق: أحمد حجازي السقا - ط / - مصر مكتبة الكليات الأزهرية - 1398 هـ / 1978 م. 188 - علوم الحديث: أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن الصلاح. تحقيق: نور الدين عتر - ط / 2 - المدينة المنورة - المكتبة العلمية - 1972 م. 189 - عمدة القاري شرح صحيح البخاري. أبو محمود بن أحمد العيني - بيروت - دار إحياء التراث العربي.

(غ)

(غ) 190 - غاية المرام في علم الكلام: سيف الدين الآمدي. تحقيق: حسن محمود عبد اللطيف - القاهرة - المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - 1391 هـ / 1971 م. (ف) 191 - فتح الباري بشرح صحيح البخاري. أبو الفضل شهاب الدين أحمدبن علي بن محمد بن حجر العسقلاني - القاهرة - مكتبة الكليات الأزهرية - 1398 هـ / 1978 م. 192 - فتح المجيد: عبد الرحمن آل الشيخ. 193 - فتح المغيث شرح ألفية الحديث. أبو الخير محمد بن الرحمن السخاوي - ضبط وتحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان - ط / 2 - المدينة المنورة - المكتبة السلفية - 1388 هـ. 194 - الفتوحات المكية: لابن عربي. مصر - دار الكتب العربية. 195 - الفتوى الحموية: لابن تيمية. ضمن الفتاوى. 196 - فجر الإسلام: أحمد أمين. ط / 10 - بيروت - دار الكتاب العربي - 1969 م. 197 - فخر الدين الرازي وآراؤه الكلامية والفلسفية. محمد صالح الزركان، دار الفكر. 198 - الفرق بين الفرق: عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي. تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد - مصر - مكتبة محمد علي صبيح وأولاده. 199 - الفصل في الملل والأهواء والنحل. أبو محمد علي بن أحمد بن حزم الظاهري - ط / 2 - بيروت دار المعرفة - 1395 هـ / 1975 م. 200 - فصل المقال في شرح كتاب الأمثال. 201 - فضائح الباطنية: أبو حامد الغزالي. تحقيق: عبد الرحمن بدوي - الكويت - مؤسسة دار الكتب الثقافية. 202 - فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة. القاضي عبد الجبار، أبي القاسم البلخي، الحاكم الجشمي، تحقيق: فؤاد

(ق)

السيد - الدار التونسية للنشر - 1972 م. 203 - فلسفة المعتزلة: ألبير نصري نادر. الإسكندرية - مطبعة دار نشر الثقافة. 204 - الفهرس الموحد للمكتبة المركزية ومكتبات المعاهد العليا والكليات بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - الرياض - مطابع الجامعة. 205 - الفهرست: محمد بن إسحاق بن النديم. بيروت - دار المعرفة - 1398 هـ / 1978 م. 206 - فهرسة ما رواه عن شيوخه من الدواوين المصنفة في ضروب العلم وأنواع المعارف: أبو بكر محمد بن خير بن عمر الإشبيلي. ط / 2 - بيروت - منشورات المكتب التجاري - 1382 هـ. 207 - فهم القرآن: الحارث بن أسد المحاسبي. تحقيق: حسين القوتلي - ط / 3 - دار الكندي للطباعة والنشر، ودار الفكر - 1402 هـ، 1982 م. 208 - فوات الوفيات والذيل عليها: محمد بن شاكر الكتبي. تحقيق: إحسان عباس - بيروت - دار صادر - 1974 م. 209 - في سبيل موسوعة فلسفية (أرسطو): مصطفى غالب. بيروت - دار مكتبة الهلال - 1979 م. (ق) 210 - قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة: ابن تيمية. ط / 2 - بيروت - المكتب الإسلامي - 1398 هـ. 211 - القرامطة: عبد الرحمن بن الجوزي. تحقيق: محمد الصباغ - ط / 2 - بيروت - المكتب الإسلامي - 1388 هـ / 1968 م. 212 - القرامطة: محمود شاكر. ط / 1 - بيروت - المكتب الإسلامي - 1399 هـ. 213 - قصة الفلسفة: و. ل. ديورانت. ترجمة: فتح الله محمد المشعشع - ط / 4 - بيروت - مكتبة المعارف - 1979 م. 214 - القصيدة النونية المسماة بالكافية الشافية - لأبي عبد الله محمد بن أبي بكر المعروف بابن القيم - بيروت - دار المعرفة.

(ك)

215 - القضاء والقدر في الإسلام: فاروق أحمد الدسوقي. ط / 2 - بيروت - المكتب الإسلامي، 1406 هـ. 216 - القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى. محمد بن صالح العثيمين - الرياض - مكتبة المعارف - 1405 هـ. (ك) 217 - الكافية في الجدل: عبد الملك الجويني. تحقيق: فوقية حسين محمود - القاهرة - مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه - 1399 هـ / 1979 م. 218 - الكامل في التاريخ. أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم المعروف بابن الأثير - بيروت - دار صادر - 1402 هـ / 1982 م. 219 - كشاف اصطلاحات الفنون: محمد علي الفاروقي التهانوي. تحقيق: لطفي عبد البديع - القاهرة - المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر 1382 هـ / 1963 م. 225 - الكشاف عن أبواب مراجع تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف. عبد الصمد شرف الدين - ط / 2 - بيروت - المكتب الإسلامي - الدار القيمة - 1403 هـ. 221 - كشاف القناع: منصور بن يونس بن إدريس البهوتي. مكة المكرمة - مطبعة الحكومة - 1394 هـ. 222 - كشف الأستار عن زوائد البزار على الكتب الستة. نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي - تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي - ط / 1 - بيروت - مؤسسة الرسالة - 1399 هـ. 223 - كشف الخفاء ومزيل الألباس: إسماعيل بن محمد العجلوني. تعليق: أحمد القلاش - ط / 3 - بيروت - مؤسسة الرسالة. 224 - كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون. مصطفى بن عبد الله القسطنطيني الرومي الحنفي المعروف بحاجي خليفة - دار الفكر - 1402 هـ / 1982 م. 225 - الكليات: أبو البقاء أيوب بن موسى الحسيني الكغوى. ط / 2 - منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي - 1981 م.

(ل)

226 - الكواكب الدرية في مناقب المجتهد ابن تيمية. مرعي بن يوسف الكرمي - تحقيق: نجم عبد الرحمن - ط / 1 - بيروت - دار الغرب الإسلامي - 1406 هـ. (ل) 227 - اللباب في تهذيب الأنساب: ابن الأثير الجزري. بيروت - دار صادر - 1400 هـ / 1980 م. 228 - لسان العرب: أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور. بيروت - دار صادر. 229 - لسان الميزان: أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. بيروت - ط / 2 - مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - 1971 م / 1390 هـ. 230 - اللغة العبرية - قواعد ونصوص: رمضان عبد التواب. 231 - لمع الأدلة في قواعد أهل السنة والجماعة. عبد الملك الجويني - تحقيق: فوقية حسين محمود - ط - / 1 - القاهرة - الدار المصرية للتأليف والنشر - 1385 هـ. 232 - اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع: أبو الحسن الأشعري. تعليق وتصحيح: حمودة غرابة. القاهرة - الهيئة العامة للمطابع الأميرية - 1975 م. 233 - لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضيئة في عقد الفرقة المرضية. محمد بن أحمد السفارييني - ط / 2 - دمشق - مؤسسة الخافقين ومكتبتها - 1402 هـ / 1982 م. (م) 234 - المبين في شرح ألفاظ الحكماء والمتكلمين: لسيف الدين الأمدي. تحقيق: د. حسن محمد الشافعي - القاهرة - 1403 هـ. 235 - متشابه القرآن: القاضي عبد الجبار أحمد الهمذاني. تحقيق: عدنان محمد زرزور - القاهرة - دار التراث. 236 - المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين. محمد بن حبان البستي - تحقيق: محمود إبراهيم زايد - ط / 1 - حلب - دار الوعي - 1396 هـ.

237 - مجرد مقالات أبي الحسن الأشعري. من إملاء: أبي بكر محمد بن الحسن بن فورك - تحقيق: دانيال جمارية - بيروت - دار المشرق. 238 - مجمع الأمثال: أبو الفضل أحمد بن محمد النيسابوري الميداني. تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد - بيروت - دار المعرفة. 239 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: علي بن أبي بكر الهيثمي. ط / 3 - بيروت - دار الكتاب العربي - 1402 هـ / 1982 م. 240 - مجموع شذرات البلاتين من طيبات كلمات سلفنا الصالحين. الإمام أحمد - بتحقيق: محمد حامد الفقي. 241 - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية المشتمل على التسعينية والسبعينية وشرح العقيدة الأصفهانية وما يناسبها. أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية - القاهرة - مطبعة كردستان العلمية - 1329 هـ - المجلد الخامس. 242 - مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية. جمع وترتيب: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم - ط / 2 - مصور عن الطبعة الأولى - بيروت - مطابع دار العربية - 1398 هـ. 243 - مجموعة الرسائل المنيرية: محمد أمين دمج. بيروت - 1970 م. 244 - مجموعة الرسائل والمسائل: أحمد عبد الحليم بن تيمية. ط / 1 - بيروت - دار الكتب العلمية - 1402 هـ / 1983 م. 245 - محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين. فخر الدين محمد بن عمر الخطيب الرازي - مراجعة: طه عبد الرؤوف - القاهرة - مكتبة الكليات الأزهرية. 246 - المحصول في علم أصول الفقه. فخر الدين محمد بن عمر بن الحسين الرازي - تحقيق طه جابر فياض العلواني - ط / 1، الرياض - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - 1399 هـ / 1979 م. 247 - المحلى: لابن حزم. 248 - المحيط بالتكليف: للقاضي عبد الجبار بن أحمد. جمع: الحسن بن أحمد بن متوية - تحقيق: عمر السيد عزمي - القاهرة - المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر.

249 - مختار الصحاح: محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي. تحقيق لجنة من علماء العربية - بيروت - دار الفكر. 250 - المختار من كتاب الإبانة (مخطوط). ابن بطة أحمد بن علي الحنفي. 251 - مختصر الإبانة (الاختيارات): ابن بطة. مكتبة كوبريلي - تركيا - توجد صورة منه في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة - ميكروفيلم رقم 3854. 252 - مختصر التحفة الإثنى عشرية: الدهلوي. 253 - مختصر الخرقي من مسائل الإمام أحمد بن حنبل. أبو القاسم عمر بن الحسين الخرقي - تحقيق: زهير الشاويش - ط / 3 - بيروت - المكتب الإسلامي - 1403 هـ. 254 - مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة. محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية - اختصره محمد بن الموصلي - الرياض - مكتبة الرياض الحديثة. 255 - مختصر العلو للعلي الغفار: محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي. اختصار وتحقيق: محمد ناصر الدين الألباني - ط / 1 - دمشق المكتب الإسلامي - 1401 هـ / 1981 م. 256 - مختصر الفتاوى المصرية لشيخ الإسلام ابن تيمية. تأليف: أبي عبد الله محمد بن علي البعلي - تعليق: محمد حامد الفقي - باكستان - دار نشر الكتب الإسلامية 1398 هـ. 257 - مختصر المزني (ضمن كتاب الأم): محمد بن إدريس الشافعي. بيروت - دار المعرفة. 258 - مختصر منهاج السنة النبوية: أبي العباس أحمد بن تيمية. اختصار: محمد بن عثمان الذهبي - تحقيق: محب الدين الخطيب - القاهرة - المطبعة السلفية ومكتبتها - 1374 هـ. 259 - مختصر منهاج القاصدين. أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن قدامة المقدسي - تحقيق: زهير الشاويش - ط / 6 - بيروت - المكتب الإسلامي - 1405 هـ / 1985 م. 265 - مدارج السائلين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين. أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب بن قيم الجوزية - القاهرة - مطبعة السنة المحمدية - 1375 هـ / 1955 م.

261 - مذاهب الإسلاميين: عبد الرحمن البدوي. ط / 1 - بيروت - دار العلم للملايين - 1971 م. 262 - مروج الذهب ومعادن الجوهر. أبو الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي - تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد - بيروت - دار المعرفة. 263 - مسائل الإمام أحمد: رواية إسحاق بن إبراهيم. 264 - المستدرك على الصحيحين: أبو عبد الله الحاكم النيسابوري. ط / 1 - الهند - مطبعة دائرة المعارف العثمانية - حيدر آباد الدكن - 1334 هـ. 265 - المستصفى من علم الأصول: أبو حامد محمد بن محمد الغزالي. بيروت - دار العلوم الحديثة. 266 - مسند الإمام أحمد بن حنبل. ط / 2 - بيروت - المكتب الإسلامي - 1398 هـ / 1978 م. ط / 3 - شرح: أحمد محمد شاكر - نشر: دار المعارف - 1368 هـ. 267 - مسند أبي داود الطيالسي: سليمان بن داود بن الجارود. بيروت - دار المعرفة. 268 - مسند أبي يعلى الموصلي: الإمام الحافظ أحمد بن علي بن المثنى التميمي. تحقيق: حسين سليم أسد - دمشق - ط / 1 - دار المأمون للتراث - 1404 هـ. 269 - مسند الحميدي: أبو بكر عبد الله بن الزبير. تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي - بيروت - عالم الكتب القاهرة - مكتبة المثنى. 270 - المسند من مسائل أبي عبد الله أحمد بن حنبل. (مخطوط) رواية أبي بكر أحمد بن محمد الخلال. 271 - مسند الشافعي: محمد بن إدريس الشافعي. ترتيب: محمد عابد السندي - تصحيح ومراجعة: يوسف على الزواوي الحسني - بيروت - دار الكتب العلمية - 1951 م. 272 - مشكل الحديث وبيانه: أبو بكر محمد بن فورك. تحقيق: موسى محمد علي - القاهرة - دار الكتب الحديثة.

273 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي. أحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي - بيروت - المكتبة العلمية. 274 - المصنف: أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني. تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي - ط / 1 - بيروت - المكتب الإسلامي - 1390 هـ / 1970 م. 275 - الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار. عبد الله بن محمد بن أبي شيبة - تحقيق: عبد الخالق الأفغاني - ط / 2 - بومبي - الهند - الدار السلفية - 1399 هـ / 1979 م. 276 - المصنوع في معرفة الحديث الموضوع (الموضوعات الصغرى). علي القاري الهروي - تحقيق وتعليق: عبد الفتاح أبو غدة - ط / 4 - القاهرة - مكتبة المطبوعات الإسلامية - 1404 هـ / 1984 م. 277 - المطالب العالية بزوائد مسانيد الثمانية: ابن حجر. 278 - معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول في التوحيد. حافظ بن أحمد الحكمي - الرياض - الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد. 279 - معارج الوصول إلى معرفة أن أصول الدين وفروعه قد بينها الرسول: ابن تيمية. حققه وخرج أحاديثه عبد العزيز رباح - مكتبة دار البيان - دمشق. 280 - المعارف. 281 - المعتمد في أصول الفقه: أبو الحسين محمد بن علي البصري. ط / 1 - بيروت - دار الكتب العلمية - 1403 هـ / 1983 م. 282 - المعجم الأوسط: لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني. تحقيق: محمود الطحان - ط / 1 - الرياض - مكتبة المعارف - 1405 هـ / 1985 م. 283 - معجم البلدان: أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي. بيروت - دار صادر - 1404 هـ / 1984 م. 284 - المعجم الصغير: لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني. تصحيح ومراجعة: عبد الرحمن محمد عثمان - المدينة المنورة - المكتبة السلفية - 1388 هـ. 285 - المعجم الفلسفي بالألفاظ العربية والفرنسية والإنكليزية واللاتينية. جميل صليبا - بيروت - دار الكتاب اللبناني - 1979 م.

286 - المعجم الفلسفي: مجمع اللغة العربية. مصر - 1399 هـ / 1979 م. 287 - المعجم الكبير: أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني. تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي - وزارة الأوقاف العراقية. 288 - المعجم المفهرس لألفاظ الحديث. 289 - المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم. وضعه: محمد فؤاد عبد الباقي - بيروت - مؤسسة جمال للنشر. 290 - معجم مقاييس اللغة: أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا. تحقيق: عبد السلام محمد هارون - قم - إيران - دار الكتب العلمية. 291 - معجم المؤلفين: عمر رضا كحالة. بيروت - مكتبة المثنى. 292 - المعجم الوسيط: إبراهيم أنيس وآخرين. بيروت - دار الفكر. 293 - المعرفة والتاريخ: أبو يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي. رواية: عبد الله بن جعفر - تحقيق: أكرم ضياء العمري. ط / 2 - بيروت - مؤسسة الرسالة - 1401 هـ. 294 - معمر بن راشد الصنعاني - مصادره - منهجه - وأثره في رواية الحديث: د. محمد رأفت سعيد. ط / 1 - الرياض - عالم الكتب - 1403 هـ / 1983 م. 295 - المغازي: محمد بن عمر الواقدي. تحقيق: مارسدن جونس - بيروت - عالم الكتب. 296 - المغني: أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة. على مختصر أبي القاسم عمر بن حسين بن عبد الله بن أحمد الخرقي - الرياض - مكتبة الرياض الحديثة. 297 - المغني في أبواب التوحيد والعدل. القاضي أبي الحسن عبد الجبار الأسد آبادي - تحقيق: محمد مصطفى حلمي، أبو الوفا الغنيمي وآخرون - القاهرة - المؤسسة المصرية العامة للتأليف والأنباء والنشر - الدار المصرية للتأليف والترجمة. 298 - المفردات في غريب القرآن. الحسين بن محمد، المعروف بالراغب الأصبهاني.

299 - مقالات الإسلاميين واختلاف المصليين. أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري - تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد - ط / 2 - القاهرة - مكتبة النهضة المصرية - 1389 هـ / 1969 م. 300 - المقنع في فقه إمام السنة أحمد بن حنبل. عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي - ط / 3 - الرياض المؤسسة السعيدية. 301 - الملل والنحل: أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني - تحقيق - محمد سيد كيلاني - ط / 2 - بيروت دار المعرفة - 1395 هـ / 1975 م. 302 - مناقب الإمام أحمد بن حنبل: أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي. تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي - ط / 1 - مصر مكتبة الخانجي - 1399 هـ / 1979 م. 303 - المنتخب من مسند عبد بن حميد. تحقيق: سالم بن عبد الله الدخيل - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - رسالة دكتوراه - 1405/ 1406 هـ طبع على الآلة الكاتبة. 304 - المنتظم في تاريخ الملوك والأمم: ابن الجوزي. ط / 1 - الهند - مطبعة دائرة المعارف العثمانية - حيدر آباد الدكن - 1357 هـ. 305 - منحة القريب المجيب في الرد على عباد الصليب. عبد العزيز بن حمد بن ناصر آل معمر - ط / 3 - الطائف دار ثقيف للنشر والتأليف. 306 - منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية. أحمد بن عبد الحليم بن تيمية - الرياض - مكتبة الرياض الحديثة. 307 - المنهج الأحمد في تراجم الإمام أحمد. أبو اليمن عبد الرحمن بن محمد العليمي - تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد - ط / 1 - بيروت - عالم الكتب - 1403 هـ / 1983 م. 308 - منهج النقد في علوم الحديث: نور الدين عتر. ط / 3 - بيروت - دار الفكر - 1401 هـ. 309 - المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار. أبو العباس أحمد بن علي المقريزي - بيروت - دار صادر. 310 - المواقف في علم الكلام: عبد الرحمن بن أحمد الأيجي. بيروت - الكتب.

(ن)

311 - الموضوعات: لأبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي. تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان - ط 2 - بيروت - دار الفكر للطباعة والنشر - 1403 هـ 1983 م. 312 - الموطأ: مالك بن أنس. صححه وخرج أحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي - القاهرة كتاب الشعب. 313 - ميزان الاعتدال: أبو عبد الله محمد بن عثمان الذهبي. تحقيق: علي محمد البجاوي - ط / 1 - بيروت - دار المعرفة للطباعة والنشر - 1382 هـ / 1963 م. (ن) 314 - النجوم الزاهرة في أخبار ملوك مصر والقاهرة. تأليف: جمال الدين أبي المحاسن يوسف بن تغري بردي - مصورة عن طبعة دار الكتب - توزيع دار القلم - القاهرة. 315 - نزهة النظر شرح نخبة الفكر: ابن حجر العسقلاني. بيروت - دار الكتب العلمية - 1401 هـ. 316 - نشاة الأشعرية وتطورها: جلال محمد موسى. بيروت - دار الكتاب اللبناني - 1982 م. 317 - نصحية أهل الإيمان في الرد على منطق اليونان. أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية - بيروت - دار الكتب العلمية. 318 - نقض المنطق: ابن تيمية. تحقيق: محمد بن عبد الرازق، وسليمان بن عبد الرحمن الصنيع - القاهرة - مكتبة السنة المحمدية. 319 - النهاية. لأبي الفداء إسماعيل بن كثير. تحقيق الدكتور محمد الشربيني. ط 1 - 1389 هـ. دار الكتب الحديثة. 320 - نهاية الإقدام في علم الكلام. أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أحمد الشهرستاني - مكتبة زهران. 321 - نهاية العقول في دراية الأصول: فخر الدين الرازي. أحمد الثالث - 1874 م - علم الكلام تركيا (مخطوط). 322 - النهاية في غريب الحديث والأثر. أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري ابن الأثير. تحقيق: محمود محمد الطناحي، وطاهر أحمد الزاوي - باكستان - أنصار السنة المحمدية.

(هـ)

(هـ) 323 - هدية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين من كشف الظنون. إسماعيل باشا البغدادي - بيروت - دار الفكر - 1402 هـ / 1982 م. (و) 324 - الوافي بالوفيات: صلاح الدين خليل بن أبيبك الصفدي. ط / 2 - فيسبادن - دار النشر فرانز شتاينر - 1381 هـ / 1962 م. 325 - وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان. أبي العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان. بيروت - دار صادر - 1398 هـ / 1978 م. ***

§1/1